ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   مكة المكرمة والمدينة المنورة في القرآن الكريم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=292413)

ابوالوليد المسلم 25-05-2023 03:43 PM

مكة المكرمة والمدينة المنورة في القرآن الكريم
 
مكة المكرمة والمدينة المنورة في القرآن الكريم
السيد عبدالصمد


بسم الله الحنَّان المنَّان، بديع السماوات والأرض، ذي الجلال والإكرام، والحمد لله حمدًا كثيرًا مِلء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، ونحمده ونشكره، ونؤمن أنه هو الواحد الأحد، وأن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، عليه أفضل الصلاة والتسليم، ونعوذ بالله من أن نضِلَّ أو نُضَلَّ، ونعوذ بالله من الخطأ والنسيان؛ أما بعد:
فنقدم الآن بين أيديكم هذا البحث بعنوان: (مكة المكرمة والمدينة المنورة في القرآن الكريم)، وسنتحدث فيه عن ذكر مكة المكرمة والمدينة المنورة في كتاب الله عز وجل؛ القرآن الكريم، المنزَّل على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، محمد بن عبدالله الأمين، آملِينَ أن ينال هذا البحث إعجابكم، وأن يلقى تقديركم، وأن نكون قد وُفِّقنا فيما قدمنا، شاكرين جهدكم المبذول في قراءة وتقييم هذا البحث.

يوجد العديد من الأماكن والبلاد التي ذكرها الله عز وجل في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وإليكم الآن نُبذة عن بعض البلاد؛ ومنها مكة والمدينة؛ لِما لهما من مكانة كبيرة وطيبة عند رسول الله؛ فقد ورد في صحيح البخاري، في كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم، حديثُ عبدالله بن زيد عن النبي أنه قال: ((إن إبراهيم حرَّم مكةَ ودعا لها، وحرَّمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، ودعوت لها في مُدِّها وصاعها، مثل ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة))؛ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنبدأ معًا بمكة المكرمة.

مكة المكرمة:
مكة المكرمة هي المدينة الأقدس عند المسلمين جميعًا، وبها المسجد الحرام، والكعبة المشرفة؛ قبلةُ المسلمين في صلاتهم، وتقع مكة غرب المملكة العربية السعودية، ويبلغ عدد أسماء مكة المكرمة أكثر من خمسين اسمًا وكُنية، وقد تعددت الفرضيات حول أصل تسميتها بمكة؛ فقيل: إنها سُمِّيَت مكة لأنها تمكُّ الجبارين؛ أي: تذهب نخوتهم، ويُقال أيضًا: إنها سميت مكة لازدحام الناس فيها، ويُقال: إنها عُرِفت بهذا الاسم لأن العرب في الجاهلية كانت تقول بأنه لا يتم حجهم حتى يأتوا الكعبة، فيمكُّوا فيها؛ أي: يصفِّروا صفير المكأو؛ وهو طائر يسكن الحدائق، وهم يصفقون بأيديهم إذا طافوا حولها، ويرى آخرون أنها سميت بكة؛ لأنه لا يفْجُرُ أحد بها، أو يعتدي على حرماتها، إلا وبكَّت عنقه، وقد ذُكِرت مكة المكرمة في القرآن الكريم في مواضعَ عديدة؛ فقد وردت بلفظة مكة مرة واحدة في قول الله عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الفتح: 24]، وهي الآية التي نزلت في شأن المشركين الذين خرجوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فأمسكهم المسلمون ثم تركوهم ولم يقتلوهم، وكانوا نحو ثمانين رجلًا.

وذُكِرت مكة المكرمة أيضًا بلفظ البلد الأمين في قول الله عز وجل: ﴿ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 3]؛ يعني مكة؛ قاله ابن عباس ومجاهد، وعكرمة والحسن، وإبراهيم النخعي، وابن زيد، وكعب الأحبار.

كما ذُكِرت مرة أخرى بلفظ بكة في قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96]؛ ويعني الكعبة المشرفة.

كما ذُكِرت بلفظة أم القرى مرتين في قول الله عز وجل: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92].

وفي قوله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7]؛ ويعني مكة المكرمة، وقد اختلف العلماء في تفسير السبب حول تسمية مكة المكرمة بأم القرى؛ فمنهم من علَّل بأن أرضها من الأراضي المنبسطة، ولأن الأرض قد دُحيَت من تحتها؛ لذلك يُطلَق عليها اسم (أم)، ومنهم من علَّل بأنها قِبلة أهل القرى بالصلاة، ومآلهم بالحج، وأنها أول البيوت التي يُشَدُّ إليها الرحال من أجل التعبُّد، ومنهم من علَّل بأنها أقدم القرى التي عرفتها البشرية، ومنهم من علَّل بحكم أنها المكان الشريف الذي شهد ولادة وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الرسالة التي حملها النبي محمد هي رسالة الإسلام والتوحيد، وكانت مكة مكان انطلاقتها إلى الكون أجمع؛ فالله تعالى أرسل النبي محمدًا برسالته لينشرها إلى الناس وشعوب الأرض كافة في مشارق الأرض ومغاربها؛ لهدايتهم إلى طريق النور.

المدينة المنورة:
المدينة المنورة هي إحدى مدن المملكة العربية السعودية التي تم ذكرها في كتاب الله عز وجل، وتقع في الإقليم الغربي من شبه الجزيرة العربية، وهي مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأول عاصمة عرفت في تاريخ الإسلام، وثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين بعد مكة المكرمة، وأُسست المدينة المنورة قبل الهجرة النبوية، وعُرفت قبل ظهور الإسلام باسم (يثرب)، ومنها انطلقت زحوف المؤمنين حاملة راية التوحيد، وداعية إلى دين الله.

وقد وردت بلفظ المدينة أربع مرات؛ مرتين في سورة التوبة الأولى في قوله عز وجل: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة: 101]، وهي نزلت في شأن الأعراب المنافقين، والمرة الثانية في قوله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ ﴾ [التوبة: 120]، ونزلت في شأن من تخلفوا عن رسول الله في يوم تبوك، وأما المرة الثالثة ففي قوله عز وجل: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60]، وقد نزلت بشأن تهديد المنافقين ومرضى القلوب والْمُرْجفين الذين ينشرون الشائعات الْمُزَلْزِلة في صفوف المسلمين، وأما المرة الرابعة ففي قوله عز وجل: ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ [المنافقون: 8]، ونزلت في غزوة المريسيع حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار بعض كلام، كدَّر الخواطر، وظهر حينئذٍ نفاق المنافقين، وأظهروا ما في نفوسهم.

وورد ذكر المدينة المنورة بلفظ (يثرب) مرة واحدة في القرآن الكريم، وكان يُطلَق اسم يثرب على المدينة المنورة قبل أن تسمَّى بالمدينة، واسم يثرب كان اسمًا متداولًا وشائعًا قبل القرن السابع قبل الميلاد، وورد ذكر يثرب في قوله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ﴾ [الأحزاب: 13]، ونزلت في حال المنافقين والذين في قلوبهم مرض أيام غزوة الأحزاب.

وورد ذكر المدينة المنورة بلفظة الدار والإيمان مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً ﴾ [الحشر: 9]، وفي هذه الآية يقول الواحدي في سبب نزولها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أتى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد، فأرسَلَ إلى نسائه، فلم يجد عندهن شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا رجل يضيف هذا الليلةَ رحمه الله؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدَّخريه شيئًا، فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوِّميهم، وتعالَيْ فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلتْ، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد عجب الله عز وجل - أو ضحك - من فلان وفلانة؛ وأنزل الله تعالى: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]))؛ [رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي]، وللأمانة العلمية يمكنكم الرجوع إلى ابن كثير في التفسير، ج: 4، ص: 338، وأسباب النزول للواحدي، ص: 192، ط: الحلبي.

وفي الختام، فهذا الموضوع ما هو إلا ثمرة متواضعة لجهدٍ لم نقصر فيه، معتبرين بقصص القرآن الكريم التي أخبرنا الله عز وجل بها عن أحوال الأمم الماضية، والنبوات السابقة، والحوادث الواقعة، وقد اشتمل القرآن الكريم على كثير من وقائع الماضي، وتاريخ الأمم، وذكر البلاد والديار، وتتبع آثار كل قوم، وحكى عنهم صورة ناطقة لِما كانوا عليه؛ وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق، ومرحبين بكل تعليقاتكم حول هذا الموضوع، كيف كان نوعها، وللحديث بقية إن شاء الله، إن كان في العمر بقية.


الساعة الآن : 06:11 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.64 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.80%)]