ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=105)
-   -   من الصفات التربوية للمعلم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=256911)

ابوالوليد المسلم 13-04-2021 02:35 AM

من الصفات التربوية للمعلم
 
من الصفات التربوية للمعلم
طه فارس


معرفةُ علمِ نفسِ الطُّفولة والمُرَاهَقة:
ينبغي على المُعلِّم أن يتمتعَ بفهمٍ كاملٍ للأُسُسِ النَّفسيةِ للتَّعلُّم، ويشمل ذلك: أسسَ التَّعلُّم الجيد، ونظرياتِ التعلُّم المختلفةَ وتطبيقاتها في مجال التَّدريس، والخصائصَ الجسمية والعقلية للطلاب، خاصَّة في المرحلة التي يقوم بالتدريس فيها، فالتعامل مع الطلاب يختلف حسبَ المَرَاحل العُمْرِيَّة التي يَمُرُّ بها، ولكلِّ مرحلةٍ مقتضياتُهَا العقليةُ والنفسيةُ[1].
كما يجب أن يمتلك المعلِّم القدرةَ على الاستفادة من معرفته لهذه الخصائص في تعامله مع طلابه في مواقف التَّدريس المختلفة، وكذلك في مواقف النشاط الأخرى خارج غرفة الصف، أو قاعةِ التَّعلُّمِ.
إتقانُ لغةِ التَّخاطبِ:
من الضروري جداً أن يتقن المُعلِّم لغةَ الطلاب التي يخاطبُهم بها؛ ليستطيعَ إيصالَ المعلومة إليهم بشكل صحيح، ويُلوِّنَ لهم في أساليب الخطاب، ويُورِدَ المترادفاتِ عند عدمِ فهم الطلاب لبعض المفردَات، وإلا فلا يمكنُ أن يحدث التفاعلُ والإقناع المطلوبين في العمليَّة التَّعليميَّة[2].
فإذا كانت لغةُ التَّخاطبِ في قاعَة الدرس هي العربيةُ فينبغي على المعلِّم أن يلتزم الفُصْحَى، ويبتعدَ عن التَّفَاصح واختيارِ المُفرَدات الصَّعبة والمهجورة، بل يختار منها الواضحَ المُتداولَ، لِيفهمَ الطلبةُ كلامَه، أما التحدث بالعامية واللهجات الدَّارجة فينبغي على المعلِّم أن يبتعدَ عنهما قدرَ الإمكان.
القدرةُ على الضَّبطِ والسيطرة:
المعلِّم الناجح هو ذلك الذي يتميَّز بالقدرة على ضَبط الطلاب والسيطرة على تصرفاتهم داخلَ قاعة الصف؛ ويضعَ الأمورَ في مواضِعِهَا، فلا يلينُ حيث ينبغي عليه أن يشتدَّ لحسم المواقف، ولا يشتدُّ حيث ينبغي عليه التَّساهلُ والتَّغاضِي، بل يعطي كلَّ موقفٍ من المواقف ما يستحقُّهُ منَ الشدَّةِ واللين.
كما ينبغي عليه أن يكون محيطاً وعارفاً بأساليبِ العَبَثِ والشَّغبِ لدى بعض الطلاب، مُتَنَبِّهاً لحركاتهم، وإلا أصبحَ الصفُّ مَيداناً للعبث والشَّغبِ والفوضى، مما يعودُ سَلباً على عملية التعليم، التي لن تُؤتِي أُكُلَهَا في مثل هذه الأجواء المضطربة.
العَدْلُ بين الطُّلاب:
العَدْلُ خلافُ الجَوْرِ، وهو القَصدُ في الأمور، وما قام في النفوس أنَّهُ مستقيم[3]، وهو الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتَّفْرِيط، وهو كذلك المساواةُ في المكافأة إنْ خيراً فخيرٌ، وإنْ شراً فَشَرٌ[4].
وعَدْل المعلم بين طلابه هو من عوامل نجاحه، فلا ينبغي له أن يميل إلى فئة منهم دون فئة، ولا أن يفضِّل أحداً على أحد، إلا بما يمتلكُه من ذكاء ونباهة وحرص على التعلم.
فلذلك ينبغي أن يعاملهم بطريقة واحدة يستوي فيها الجميع؛ فلا فرق بين غني وفقير، ولا قريب وغريب، ولا أبيض وأسود، بل كلُّهم في الحقوق والرعاية سواء.
كما ينبغي عليه أن يعطي كلَّ طالبٍ حقَّه من الاهتمام، والعناية، والدرجات، والمعزِّزَات الإيجابية، والنَّظَرات، ونحو ذلك، دونما ميل أو محاباة أو مجاملة لطالب على حساب الآخر[5].
القدوة الحسنة[6]:
ينبغي على المُعَلِّم أن يكون قدوةً لطلابه في الأخلاق الطيبة الحسنة والقيم الإسلامية، والسلوك السويِّ، والعمل الجادِّ المُخْلِص[7] لأنَّ عُيون الطلاب مفتوحةٌ عليه تَرْقُب تصرفاته وأخلاقَه، فإن آنَسُوا منه خُلقاً حسناً وسلوكاً سويَّاً تَأسَوا وتأثروا به، وإن كانت الثانيةُ فإنَّه يكون قدوةً سيئةً لمن يقتدي به منَ الطلاب[8]، أو مَوْضعاً للانتقاد والاستهجان لتصرفاته من بعضهم الآخر.
تَنمِيَةُ مَوَاهِبِ المُبْدِعين:
لا يخلو فَصلٌ من فصول الدِّرَاسة من بعض الطلبة المُتَميِّزين النَّابِهين، فلذلك ينبغي على المُعَلِّم أن يُوليَ هؤلاء الطلاب مزيدَ عنايةٍ واهتمام؛ لِيُنَميَ مواهبَهم، ويَصْقُلَ إبداعاتِهم، وذلك من خلال التَّشجيع والتَّوجيه، والتَّواصل الدَّائمِ معهم، وبذلِ موادِ المعرفة التي تُساعدهم على تطوير مواهبهم.
كما أنَّه منَ المُفيد أن يُعْلِمَ إدارتَه بأسمائهم، ويقترحَ الطُّرُقَ الفَعَّالَة لرِعَايتهم وصَقْل مواهبهم.
فهم الاتجاهات العالمية وتأثيرها:
ينبغي على المُعَلِّم أن يكون مُدْرِكاً لِمَا يُحِيط حولَه من مُؤَثِّراتٍ فكريةٍ واتجاهاتٍ عالميةٍ، تُخَلِّفُ أثَرَاً في نفوسِ الطُّلاب وعقائِدِهم، وطريقةِ تفكيرِهِم، مُتَفَهِّمَاً لِمَشاكلِ الحياة المُعَاصِرة، يستمع إلى اعتراضاتِ الطُّلاب وشُكُوكِهِم ومشاكلهم بِصَدْرٍ رَحْبٍ دونَ ضَجَرٍ ولا مَلل ولا إنكار، ويتتبعُ أسبابَهَا لِيعَالجَهَا بِحِكمَة ورَوِيَّةٍ.
مَحَبَّةُ الطلاب والإشفاقُ عليهم:
المُعلِّم كالأَبِ، فلذلك لا بُدَّ له من أن يكون مُحبَّاً لطلابه، مُشفِقَاً عليهم، مُتَفقِّداً لأحوالهم، مُشَارِكاً لهم في حَلِّ مشكلاتهم، حتى يُصبحَ مَكمَنَ أسرَارِهم، ومَرْجِعَهُم في خَصَائصهم ومشكلاتهم، ومُعِينَاً لهم في حاجاتهم، فينتج عن ذلك علاقةٌ وثيقةٌ بينه وبينهم؛ أساسها الأُخُوةُ والحُبُّ في الله تعالى[9].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
[1] وقد قال أمير المؤمنين عليٌّ -رضي الله عنه-: «حَدِّثُوا النَّاس بما يعرفون، أتحبون أن يُكَذَّب اللهُ ورسولُه؟» صحيح البخاري 1/59 برقم 127، وانظر: كشف الخفاء 1/226.
[2] ومن حكمة الله تعالى أنه ما أرسل رسولاً إلا بلسان قومه، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ....) [إبراهيم: 4].
[3] انظر: الصحاح في اللغة، ولسان العرب، والقاموس المحيط، مادة: عدل.
[4] انظر: مفردات ألفاظ القرآن 2/72؛ والتعريفات للجرجاني 191ـ192؛ والتوقيف على مهمات التعاريف 506ـ507.
[5] وقد قال الله -عز وجل- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى: 15].

وقال أمير الشعراء أحمد شوقي في ذلك:
وإذا المعلم لم يكن عدلاً مشى *** روح العدالة في الشباب ضئيلاً
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة*** جاءت على يده البصائر حولاً
[6] قال عمرو بن عتبة لمؤدِّب ولده: « ليكن أولَ إصلاحك لولدي إصلاحُك لنفسك، فإنَّ عُيونهم معقودةٌ بك، فالحسنُ عندهم ما صنعتَ، والقبيح عندهم ما تركتَ، علّمهم كتابَ الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، رَوِهِم من الحديث أشرفَه، ومن الشِّعر أعفَّه، ولا تنقلهم من علم حتى يحكموه، فإنَّ ازدحامَ الكلامِ في القلب مشغلةٌ للفهم، وعلِّمْهُم سننَ الحُكَماء، وجنبهُم محادثةَ النِّساءِ، ولا تتكل على عذرٍ منِّي لك، فقد اتكلتُ على كفاية منك»، انظر: العقد الفريد 2/272.
[7] فالله تعالى يقول: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة: 44] وقد قال الإمام الغزالي مبيناً صفاتِ المعلم المرشد: «أن يكون عاملاً بعلمه، فلا يكذِّبُ قولُه فعلَه؛ لأنَّ العلمَ يُدركُ بالبصائر، والعملَ يدركُ بالأبصارِ، وأربابُ الأبصار أكثر، فإذا خالفَ العملُ العلمَ منعَ الرُّشدَ، وكلُّ من تناول شيئاً وقال للنَّاس لا تتناولوه فإنَّه سمٌّ مُهلك، سَخِرَ النَّاس بِهِ واتَّهموه، وزادَ حِرْصُهم على ما نُهوا عنه...، ومَثَلُ العالمِ المُرشدِ من المُسْترشدين مثلُ النَّقشِ من الطين، والظلِّ من العود، فكيف ينقش الطين بما لا نقش فيه، ومتى استوى الظلُّ والعودُ أعوجُ؟ ولذلك قِيل في المعنى:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم »، انظر: إحياء علوم الدين 1/97ـ98.
[8] قال أحدهم: « لا تعلموا أولادَكم إلا عند رجلٍ حسنِ الدِّين؛ لأنَّ دينَ الصبِيِّ على دينِ مُعَلِّمِهِ». انظر: نظم التعليم عند المسلمين، لعارف عبد الغني، طبع دار كنان ـ دمشق، ط1/1993م.
[9] ففي الحديث عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ ..». أخرجه أبو داود1/3 برقم8؛ والنسائي برقم40؛ وابن ماجه1/114برقم 313؛ والدارمي 1/182؛ وابن حبان في صحيحه 4/279ـ288.





الساعة الآن : 01:05 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.71 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.68%)]