ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   سعادة الناظر (قصة للأطفال) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=257250)

ابوالوليد المسلم 20-04-2021 01:16 AM

سعادة الناظر (قصة للأطفال)
 
سعادة الناظر
(قصة للأطفال)
أحمد فتحي النجار


العم فرحان، اسم لافت لرجل أسمر طويل، دائم السرور والابتسام، يعمل حارسًا تحت بناية شاهِقة، ويُخلص في عمله، فلا يستطيع أن يدخلها غريب إلا بعد إذنٍ منه يعرف فيه بعض تفاصيل وأسباب مجيئه، كما أنه يَمسح ويُنظِّف المبنى، فتَبرُق الجدران تحت يديه، ويلمع الدرج، وتتصاعد الرائحة العطرة في كل مكان.

لا يكتفي العم فرحان بما يُقدِّمه من مجهود كبير في وظيفته، فيَنطلِق إلى الشارع في محيط عمله أو إلى أبعد، محسنًا مُتطوِّعًا؛ ليزيل الأذى ويسقي الورود ويهذِّب أغصان الأشجار، ويغرس الرياحين الفوّاحة وفسائل الأشجار المثمرة، لا يرجو من وراء عمله هذا أجرًا، فهو يعلم أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ويعلم أن لكل من غرس غرسًا أو زرع زرعًا أجرًا عظيمًا، وقد تعود أن يجود بالكثير من ماله ووقته؛ تطوعًا لله، ولكن السكان يكافئونه دائمًا لحسن صنيعه، ويُكرمونه كثيرًا، فهذا يَستغني له عن بطانية جميلة، وهذا يجود له بالملابس والأحذية، وهذا يُعطيه مبلغًا من المال.

وفي مساء كل ليلة، وبعد أن ينتهي من عمله، يجلس في غرفته، فيجد السكان قد أهدوه أشياء كثيرةً مفيدةً نافعةً، فيقول لنفسه: "أناس طيِّبون، لكنَّني في غنًى عن كل هذا، تكفيني ملابسي التي جئتُ بها من بلدي، وعندي مِن الطعام ما يَكفيني، وزوجتي وأبنائي أرسل لهم من راتبي ما يَكفيهم ويفيض، وفي هذا الحي كثير من الفقراء، وهم أحوج مني إلى كل هذا".

ثم يَحمل ممَّا لديه ويتخفى في الظلام الدامس، ويضع الطعام أمام الدار التي يَعرف أنَّ من فيها جوعى، ويضع الملابس أمام الدار التي يَشعُر أن من فيها بحاجة إلى الملابس، ويضع النقود أمام الدار التي بها مريض، أو مَن هم بحاجة إلى النقود، ثم يطرق الأبواب ويختفي قبل أن يراه أحد، فهو يعلم أن صدقة الخفاء أجرها مضاعف عند الله، وأن الذي يتصدق في الخفاء يُظلُّه الرحمن في ظل عرشه يوم القيامة.

وفي إحدى الليالي، بينما هو يقدِّم الخير الذي اعتاده، وكان قد وضع بعض الملابس أمام بيت، وطرق الباب ثم ركض سريعًا؛ لكي لا يراه أحد، اصطدم بالشرطي الذي يحرس الحي، فاستوقفه الشرطي لمّا رآه مضطربًا، وفي يده كيس به ملابس، كان سيضعها أمام بيت آخر من بيوت الفقراء.

كان الشرطي يؤدِّي واجبه، ولا يعرف حقيقة هذا الرجل الطيب، فأصر على أن يقبض عليه، ويقدمه إلى الضابط؛ ليقوم بالتحقيق في أمره؛ فقد ظنَّه لصًّا.

وفي مبنى الشرطة.. سأله الضابط عما كان يفعل..
فصمت ولم يُخبره؛ حرصًا منه على أن يبقى السر لله، وينال أجره المضاعف.
ولما تمادى العم فرحان في صمته استدعى الضابط صاحب البناية؛ ليسأله في شأنه.
جاء صاحب البناية، فوجده صامتًا مرتبكًا أمام الضابط.

قال الضابط: "لقد قبضنا على هذا الرجل الذي يَعمل عندك، يَحمل كيس الملابس هذا، ويركض به ليلاً؛ لذا فإننا أمرنا بحضورك لنسألك في شأنه".

فقال صاحب البناية: "العم فرحان رجل طيب، ولا يأتي من ورائه إلا الخير، وأنا متعجب مما يَحدث".

فأخرج الضابط الملابس من الكيس ليريها لصاحب البناية، فنظر صاحب البناية إليها مذهولاً، وقال: "هذه ملابسي الجديدة، اشتريتُها أمس بمبلغ كبير، من أين جئتم بها؟!".

قال الضابط: "وجدناها معه".
نظر صاحب البناية إلى العم فرحان بغضب، وهو يقول: "ما كنتُ أظنُّك كذلك، فأنت تدَّعي الورع وأنت لصٌّ خطير".

قال العم فرحان: "أنا.. أنا".
فقاطعه صاحب البناية قائلاً: "اصمت أيها اللصُّ؛ فقد آذيت الناس وآذيتَ نفسك".

وتوجه إلى الضابط بالكلام قائلاً: "فلتُقدِّموه إلى المحاكمة؛ ليأخذ جزاءه".
سالت دموع العم فرحان، وهو يقول: "سيُظهِر الله الحقيقة".

وعندما عاد صاحب البناية إلى الحي شاهد أطفالاً صغارًا يرتدون ملابس تشبه تمامًا الملابس التي اشتراها لأبنائه، فنظر إليهم متعجبًا وعاد إلى بيته، نادى زوجته، وحكى لها ما حدث.

فقالت له: "الرجل مظلوم؛ فأنا من أعطاه الملابس الجديدة، فقد آثرتُ أن تكون لله؛ فالله يوسِّع على مَن يجود وينفق من أفضل ما لديه، ونحن تعودنا أن نتصدق بملابسنا المستعملة، فأحببتُ أن أقدِّم أفضل ما لدينا هذا العام حسبةً لله، فلم أجد أحب إلى نفسي من الملابس الجديدة، فلتتحرَّك بسُرعة لتنقذه أرجوك".

ضرب الرجل كفًّا بكفٍّ، معتذرًا إلى الله، وهو يقول: "سامحنا يا رب.. ظلمنا الحارس المسكين" وهرول مسرعًا نحو مبنى الشرطة.

وبينما هو في الشارع شاهد الأطفال الذين يرتدون الملابس التي تُشبه تمامًا الملابس التي اشتراها لأبنائه، فاقترب منهم، وقال: "من أين اشتريتم هذه الملابس الجميلة يا صغار"؟!

فقالت طفلة: "وضعها فاعل خير أمام منزلنا ليلاً؛ فنحن أيتام وفقراء، ولا نستطيع شراء مثل هذه الملابس يا عمي".

انزعج صاحب البناية، وقال: "أستغفر الله.. أستغفر الله".
ومضى مسرعًا، واتجه مباشرةً إلى العم فرحان، يقبل رأسه، ويقول: "سامحني أيها الرجل الطيب، أرجوك".
قال العم فرحان: "سامحتُك يا سيدي؛ فشر الناس من لا يقبل معذرةً، ولا يغفر ذنبًا، هكذا علمنا ديننا".
وحكى صاحب البناية الحكاية كلها للضابط..

فقال الضابط: "كنتُ أشفق عليه، وأقول: إنَّ مثل هذا الوجه لا يَسرق أبدًا، الحمد لله الذي أظهر الحقيقة، فهو مُبادِر إلى الخير أينما حلَّ، فهو كالغيث أينما وقع.. نفع، وقد ظهر ذلك بما تطوع به من تعليم السجناء بعض آيات القرآن خلال سويعات حبسه".

وأسرع في إنهاء إجراءات خروجه.

ولكن العم فرحان - رغم أنه قبل المعذرة - أصرَّ على مغادرة الحي؛ وذلك لانكشاف سرِّ ما كان يريد أن يَعلمه سوى الله، وهو فعله للخير الدائم خفاءً في هذا الحي على ألا يتوقف عن فعل الخير في مكان آخر لا يُكتَشَف فيه سره.

لم يستطع صاحب البناية إثناءه عن الرحيل، وجلس آسفًا لأنه قد ظلمه، دون أن يتحرى الحقيقة.

وبينما هو يحمل أشياءه خارجًا وجد السكان يحيطون به، ويطلبون منه عدم الرحيل؛ لأنه رجل قدم خيرًا وإحسانًا، ويجب ألا يرحل بمثل هذا الشكل المؤلم، ومع إصرارهم على عدم رحيله وافق على ذلك قائلاً: "لن أرحل، ولي عليكم شرط".

قالوا: "شروطك أوامر".

فقال: "إنَّ مسجد الحي بحاجة إلى فرُشٍ جديدة، وكتابه يحتاج إلى المصاحف والكتب، فلتُسارعوا إلى هذا الخير الذي يدوم أجره".

فهرول صاحب البناية يُقبِّل رأسه وهو يقول: "إن الخير يدوم بمن يدلُّ عليه يا رجل الخير، أشهدك يا فرحان وأشهد الناس أني قد أوقفت نصف عمارتي التي تعمل فيها، فلا تباع ولا تشترى أبد الدهر، على أن يُنفَق ريع إجارتها على عمارة مساجد المدينة وكل لوازمها، وعلى فقراء الحي، وقد عيَّنتك ناظرًا ومشرفًا عليها؛ لفضلك ولخبرتك في رعاية الفقراء ومُتابَعة أحوالهم".

لم يصدق العم فرحان نفسه من فرط سعادته؛ لأنه يعلم قيمة الوقف وأهميته في قضاء حوائج الناس ومكافحة الفقر، فخرَّ ساجدًا لله، شاكرًا هذا الصنيع والفضل الكبير، وهرول مسرعًا جالبًا حلوى هذا الخبر المفرح ووزعها على كل سكان الحي.







الساعة الآن : 07:44 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.76 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.68%)]