ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى اللغة العربية و آدابها (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=111)
-   -   يحيا القرصان (مسرحية) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=283306)

ابوالوليد المسلم 28-09-2022 04:21 AM

يحيا القرصان (مسرحية)
 
يحيا القرصان (مسرحية)
د. أحمد أبو اليزيد


المشهد الأول:
صباحُ يومٍ خريفيٍّ على شاطئ البحر.
في مقدمة المسرحِ يجلسُ رجلٌ على مقعدٍ ممتدٍّ، وفي مؤخرة المسرح نادلٌ يتجوَّل في جنبات مقصفٍ غربيٍّ، جبالٌ متقطِّعةٌ تظهر في الخلفية.

الراوي:
على شاطئ البحر يجلس صيادٌ خمسينيٌّ على مقعد ممتدٍّ، يتمدَّد كما تتمدد سنبلةٌ تبحث عن ضوء الشمس، ينظر للموج المتلاطم كَفَرسين أحدهما يَلطِمُ الآخر ليفوزَ بالسبق.
يستمع لخرير الماء الهادر، في أُذُنيه كالرعد بلا بَرْق، يتلفَّت كالهرَّة المقعدة، يبحث عن نديم،
يقطع به حبل الملل.

الصياد:
يا نادل، يا نادل.
الراوي:
يتجاهل النادل الثلاثيني نداءين، وعند الثالث يتثاءب ويسعى كما تسعى امرأة ناشزٌ إلى فراش الزوج.
النادل:
سيدي، تحت الأمر.
الصياد:
(غاضبًا من بطء السعي)، عفوًا أستاذي، بل أنت السيد، وأنت ربُّ البيت.
الراوي:
يَفهم نادلُنا من مقطع صاحبنا الصياد سوءَ القصد، فيُحاول عن كثبٍ إصلاحَ ما أفسده بُطءُ السعي.
النادل:
(منحنيًا لينظف مائدةً صغيرةً أمام المقعد)، عفوًا، عفوًا، بل أنت مولانا، ولك حقُّ الضيف
أؤمر سيدي، في مقصفنا المتواضع ما لذَّ وطاب، مشروبات باردة كبرودة هذا البحر في فصل البرد، وإن أحببتَ مشروبات ساخنة كقيظ شمس الصيف، وإن شئت طعامًا أعددتُ،
(مائلًا على أذنيه): وإن أردت ما يغيِّب العقلَ فلديَّ.
الصياد:
لا، لا، بل أبغي ما هو أشد...
النادل:
(يسحب كرسيًّا ليجلس بجوار الصياد، ويَهمس في أذنيه ضاحكًا): كنت أعلم.
(متكئًا على ظهر المقعد): كانت أمي تحدِّثني أني أفهم كالطير، ألتقطُ الحلَّ كما يلتقط الأرنبَ الصقرُ
(مديرًا رأسه إلى الصياد): شقراء أم سمراء؟
الراوي:
وجْهُ صاحبنا الصياد يتقلَّب من أحمر إلى أحمر قان، يتحشرج في حنجرته صوت
ويعود إليه صوت صارخ بعد ثوان.
الصياد:
خسِئت...
قم وأَحضِر لي كوبًا من شاي، بل أَحضِر لي كوبًا من ماء، أُطهر أُذني مِن دَنس القول، ولا تنسَ أن تخبر أمَّك أنك أغبى مِن فأر الحقل.
الراوي:
انطلق النادل مسرعًا، ويُخرِج الصياد من حقيبته أدوات الصيد يلقيها في الماء بعدما يُطعمها حبيبات الموت، لحظات ويأتي النادل بالشاي والماء، وعصير التوت وشراب الخوخ وحبَّات الثلج.
النادل:
عذرًا سيدي، وطلبًا للغفران، أحضرت لك شتى المشروبات، لكن خبِّرني بالله عليك، لِمَ دمعة الوجد التي في عينيك؟!
الصياد:
(ناظرًا إلى البحر): وما عساك أن تدرك أنت مراد الدمع؟
النادل:
(متجاهلًا ما قال الصياد): أرى في عينيك قنوطًا ويأسًا، وفي يُمناك أحلامًا، وفي يسراك أقفالًا،
وأرى أن يسراك ليمناك حاكمة، وأن أحلامك تطيع الأمر، كما ينفذ الجندي الباسل قرارَ الفَرِّ
وأرى...
الصياد:
(مقاطعًا وملتفتًا): ما هذا حديث نادل، بل حديث حكيم شاعر.
النادل:
دع عنك مَن أنا، وخبِّرني بالله عليك، ما الخطب لديك؟
(ستار)

المشهد الثاني:
على شاطئ البحر ذاته يجلس الصياد والنادل نديمين في وقت الظهر.
الراوي:
صاحبنا الصياد استأنس من جانب النادل رشدًا، فطال الحوار رفيقي سَفَرٍ.
الصياد:
منذ قرابة عقدين أو يزيد، نبَت في عقلي حلم وليد أن أحيا كالسلطان، في ثياب العزِّ ينشأ ولدي، وفي كنف الخير يحبو طفلي، وأن أتعبَّد لله الواحد الديَّان، في المحراب والطرقات كالرهبان، لكن السجَّان وآهٍ من سياط السجَّان.
الراوي:
ينزع الصياد عن كاهله القمصان، يتفجَّر من أظهره جرحٌ، بل جُرْحان.
النادل:
(باكيًا): لم؟
الصياد:
لأن ملك الغابة حيوان، لا يسمح لرعي الغزلان، لكن الديدان، فمرحى مرحى للديدان.
النادل:
ولكن الغزلان سريعة الطيران.
الصياد:
وكلاب الصيد تَنهَش الحيتان، وأفاعي الصحراء تَنهَش الكثبان، والمقصلة دواء العصيان.
النادل:
والحلم الوليد؟
الصياد:
أمسى شهيدًا، فهو في عين السجَّان مريد.
الراوي:
تهتزُّ صنارةُ الصيد هزةً عنيفةً، يسحبها الصياد ليخرج من قلب البحر سمكةً عظيمةً.
النادل:
أبشِر، عود حميد.
(ستار)


المشهد الثالث:
وقت الأصيل؛ حيث الشمس نحو الغروب في قلب الجبال تميل، وعلى شاطئ البحر يجلس الصديقان يتسامران.
الراوي:
الصيد الثمين يتوالى على الصياد والحوار بين الصديقين يستمرُّ.
الصياد:
وأنت ما الحلم لديك؟
النادل:
(متأوِّهًا)
آه...
الحُلم؟!
ما أشقاني إذ لا أَفقه معنى الكلمة.
أتقصدُ سيدي ما يراه النائم من كابوس؟!
أم ما يراه اليقظان من أوهام العقل؟!
أم ما يحلو في رأسي حين تلاعبني امرأة وسط خمور ودخَّان؟
الصياد:
الحلم ولدي أن تحيا له وتحيا به، وأن...
النادل:
(مقاطعًا): عذرًا ما معنى تحيا؟
بل ما معنى الحياة؟
إني لا أذكر من عمري كلِّه إلا عشر سنين أو أقل يوم أن زار القرصان مدينتنا
كنت صبيًّا ألهو في الطرقات، حدثًا لا أعرف إلا ضرب الكرات، كان للقرصان جلاد وقناص وفنان.
فكان أبي صيدَ القناص، أما أنا فصِرتُ نديم الجلَّاد، أما القرصان فكان رحيمًا بالنسوان.
الراوي:
فترة من الصمت يقطعها هزة صنارة الصيد، يخرجها ملتفَّة السيقان، تلتف كما يلتف أخطبوط حول شعاب المرجان، يخرج من حقيبته سكينًا يقطع به تشابك الحبال.
النادل:
(مديرًا ظهره للمسرح ناظرًا للشمس وهي تقترب من الرحيل(: والآن أنا سعيد...
(يخلع قميصه ويدور حول الصياد كالبهلوان(: أتراني... يوم السبت كنت سعيدًا كالسلطان؛
إذ فاز الشياطين على الغربان، ويوم الأحد كنت في سهرة أفيون وخشخاش، ويوم الثلاثاء مع جميلة الجميلات، ويوم الأربعاء (ضاحكًا) مع جميلة أخرى.
(ثم يخرج من جيب السروال مسبحةً عظيمة): أما الاثنين والخميس فيوما الصيام والقرآن.
الصياد:
(متهكمًا): ويوم الجمعة؟
النادل:
حر طليق كالبلابل في الغيطان،
الصياد:
(مشيرًا إلى البحر والجبل والصحراء): ومَن للبحر والجبل والصحراء؟
النادل:
(يخرج من جيبه سيجارةً ويشعلها).
القرصان، قال لنا الفنان: أنا القرصان.
(ملتفتًا رافعًا صوته): أطال الله عمر القرصان، تجري في دمه حكمةُ أفلاطون، أما مولانا الإمام في خطبته العصماء يوم الجمعة قبل الماضي، وقبل قبل الماضي، إذ كل خطَبِه عصماء، قال حفظه الرحمن: إن القرصان خليفة الله في أرضه، وعلى لسانه تتنزَّل آي القرآن.
الراوي:
يبقى في الأفق شعاع شمس قبل الغروب خلف الكثبان.
الصياد:

وأنت يا ولدي، هل تؤمن حقًّا بنبوَّة القرصان؟
النادل:
(شهيق وزفير طويل من سيجارته، دخان كثيف يغطِّي الأفق): أجل...
الراوي:
يُخلِّص الصياد الحبالَ المتشابكة، ووسط الدخان تُصيب السكين جسدَ النادل، فيقع على أرض المسرح مع غروب الشمس وهو يردِّد: يحيا القرصان، يحيا القرصان.
ظلام دامس...
(ستار)






الساعة الآن : 12:06 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 20.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.99 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.47%)]