ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   المواساة بالطعام (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=271744)

ابوالوليد المسلم 02-12-2021 05:08 PM

المواساة بالطعام
 
المواساة بالطعام
وضاح سيف الجبزي



الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، يا رب، أنتَ الذي عن كل عيبٍ تنزَّهت، وعن كل نقص تقدَّست، وعلى كل حال تباركت، وعن كُلِّ شَينٍ تعالَيت، مِنك الإِمداد، ومِن لدُنكَ الإِرشاد، حبَوتَ الكائِناتِ رحمةً وفضلًا، ووسِعتَ المخلوقاتِ حِكمةً وعَدلًا، خصصَت نفسك بالبقاء وأهلكت مَن سِواك، وأفرَدتَ ذاتك بالمُلْك وأهلكت مَن عَداك، فلا نعبُدُ إلا إيَّاك، ولا نهتدي إلا بهداك، وأشهدُ أن لا إله إلا أنت وحدك ربنا، لا شريك لك، لا رب غيرُك ولا معبود بحقٍّ سواك، إلهي:




لو نظمنا قلائدًا من جُمانٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ومعانٍ خلابةٍ بِالِمئاتِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


لو برَينا الأشجارَ أقلامَ شُكرٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بمدادٍ من دجلةٍ والفرات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


لو نقشنا ثناءنا من دمائنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أو بذلنا أرواحنا الغاليات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


لو نشِّرنا في ذاته أو رمينا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

برماح فتَّاكةٍ مشرعات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


أو جهدنا نفوسنا في قيامٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وصيامٍ حتى غدت ذاويات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


أو مزجنا نهارنا بدجانا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في صلاةٍ وألسنٍ ذاكرات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وحبيبه، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق.




ألا أيُّها الرَّاجِي المثوبةَ والأَجرا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وتكفيرَ ذنبٍ سالفٍ أنقضَ الظَّهرا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


عليك بإكثارِ الصلاةِ مواظِبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

على أحمد الهادي شفيعِ الورى طُرَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وأفضلِ خلقِ اللهِ من نسلِ آدمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأزكاهمُ فرعًا وأشرفِهم نَجْرا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فقد صحَّ أنَّ الله جلَّ جلالُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يُصلي على من قالها مرةً عشرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فصلَّى عليهِ اللهُ ما جنّتِ الدُّجَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأَطْلَعَتِ الأفْلاكُ في أُفقِها فجْرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






أما بعد:

فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: ((بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ))[1].



وتأمل كيف ينبهنا القرآن، ويحُثُّنا على مواساة الضعفاء والبؤساء والمحتاجين: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8]، عطاءٌ مع حسن خلقٍ، ورقة مشاعر: ﴿ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾.



هذا، وإنَّ من أعظم أبواب المواساة: المواساة بإطعام الطعام، والملفتُ أنه في أوائل الخطاب النبوي المكي -في المرحلة السرية - كان الأمرُ به حاضرًا؛ فقد سأله عمرو بن عَبَسَة: قَالَ: ((قُلْتُ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: طِيبُ الْكَلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ))[2].



ولما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان من فقرات خطابه، وجملة وصاياه: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ))[3].



ومما يبين أهمية المواساة بالطعام أن الشارع جعله بندًا من بنود الكفارات، عند الوقوع في بعض التجاوزات، ففي الكفارة المغلظة (الظهار): ﴿ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾ [المجادلة: 4].



وفي كفارة اليمين: ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾ [المائدة: 89].



وفي فدية العجز عن الصيام: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184].



وفي كفارة الصيد للحاج المحرم: ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ﴾ [المائدة: 95].



وقال للحُجَّاج الذين يقصدون بيته الله الحرام: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28].



إنَّ إطعام الطعام من صفات الأبرار الذين أثنى عليهم بقوله: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 5 - 8].



بل إنَّ الشرع الحنيف جعل إطعام الطعام موجبًا لدخول الجنة؛ قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ لِيَ الْجَنَّةَ، قَالَ: طِيبُ الْكَلَامِ، وَبَذْلُ السَّلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ))[4].



وفي المقابل: التواني في إطعام الطعام، وعدم الحض عليه سببٌ من أسباب الهلاك، ودليلٌ على انطماس البصيرة، وعدم تشرب المعاني الإيمانية: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون: 1 - 3].



﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 17، 18].



﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ [المدثر: 42 - 44].



﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الحاقة: 30 - 34].



وانظر كيف شنَّعُ القرآن على المتجردين من هذه القيم، والمتمردين على هذا السلوك: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 47].



وتزداد فضيلة إطعام الطعام وبذله في وقت الشظف والشِّحة والبؤس والحاجة: ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾ [البلد: 14].



وفي المثل السائر: كَثْرَةُاللُّقَمتَطْردُالنِّقَم.



ولقد سئِل صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ))[5].



وقد كانت المواساةُ خلقًا أصيلًا، وسلوكًا متلازمًا متجذرًا فيه صلى الله عليه وسلم، حتى عُرف بذلك واشتُهر به، أما سمعنا قول أُمِّنا: ((إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ))[6].



خطب عثمان رضي الله عنه فقال: ((إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِّمُونِي بِهِ، عَسَى أَلَّا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ))[7].



عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهَا: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ سُقْ إِلَى هَذَا الطَّعَامِ عَبْدًا تُحِبُّهُ وَيُحِبُّكَ))[8].



ولقد كان صلى الله عليه وسلم يحثُّ على المواساة، ويدعو إليها، ويشجِّع أصحابه ويحفزهم عليها، ويندبهم قائلًا: ((أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ))[9].



ويقول لهم: ((مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَبَقِيَ فِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ المَاضِي؟ قَالَ: كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ العَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا))[10].



كما كان يحذر عليه الصلاة والسلام قائلًا: ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ))[11].



وكان يُرَغِّب قائلًا: ((مَن خُتِمَ له بإِطعامِ مسكينٍ مُحتسبًا على اللهِ عزَّ وجلَّ دخلَ الجنةَ، ومَن خُتِمَ له بصومِ يومٍ مُحتسبًا على اللهِ دخلَ الجنةَ، ومَن خُتِمَ له بقولِ لا إلهَ إلا اللهُ مُحتسبًا على اللهِ دخلَ الجنةَ))[12].



وسُئِل: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((أَنْ تُدْخِلَ عَلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ سُرُورًا، أَوْ تَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تُطْعِمَهُ خُبْزًا))[13].



((طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ))[14].



((طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ))[15].



قال النووي: "هَذَا فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا حَصَلَتْ مِنْهُ الْكِفَايَةُ الْمَقْصُودَةُ، وَوَقَعَتْ فِيهِ بَرَكَةٌ تَعُمُّ الْحَاضِرِينَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"[16].



وقد همَّ عمر بن الخطاب في سنة مجاعة أن يجعل مع كل أهل بيت مثلهم وقال: لنيهلكأحدعننصفقوته[17].



قال أَبوالسَّوَّارالعَدَوي: وقد كَانَرِجَالٌمِنْبَنِيعَدِيٍّيُصَلُّونَفِيهَذَاالْم َسْجِد، ما أَفْطَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى طَعَامٍ قَطُّ وَحْدَهُ، إِنْ وَجَدَمَنْيَأْكُلُ مَعَهُ أَكَلَ، وَإِلَّا أَخْرَجَ طَعَامَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَكَلَهُ مَعَ النَّاسِ، وَأَكَلَ النَّاسُ مَعَهُ[18].



لقد كان صلى الله عليه وسلم يثني على من تخلَّق بهذا الخلق؛ كثنائه على الأشعريين رضي الله عنهم، فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ؛ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))[19].



وتأمل هذا الأسلوبي التحفيزي النادر منه صلى الله عليه وسلم؛ ها هو في مجلسٍ بين أصحابه صلى الله عليه وسلم، يعرض أمامهم هذا الاستبيان الشفهي الفريد: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ))[20].



بل ربما نقلهم، في لحظةٍ وجيزة، إلى عالمٍ آخر، تظل معه العقول منبهرةً حينًا من الدهر؛ ها هو صلى الله عليه وسلم يلخص مشهدًا من مشاهد العتاب الأخروي، لمن تخلف عن هذا الخلق العظيم، استمع إليه يخبرْك: ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي))[21].



عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ قَال: مَنِاهْتَبَلَجَوْعَةَمُسْلِمٍفَأَطْعَمَهُ غُفِرَ له[22].



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 267، 268].



بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله.
يتبع




ابوالوليد المسلم 02-12-2021 05:09 PM

رد: المواساة بالطعام
 




الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا حمدًا، والشكر له شكرًا شكرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وفيه وخليله، صلِّ اللهم عليه، وعلى آله بإحسانٍ وصحبه؛ أما بعدُ:

فعن الحسن: "لَلْخَيْرُ أَسْرَعُإِلَىالْبَيْتِ الَّذِييُطْعَمُفِيهِالطَّعَامُمِنَالشَّفْرَةِإِلَى سَنَامِالْبَعِيرِ"[23].



يقول المثل الإسباني: أن تدعو إلى الإحسان شيء، وأن تجود بالقمح فهذا أمرٌ آخر.



يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تستحِ من إعطاء القليل؛ فإن الحرمان أقلُّ منه"[24].



قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: "لَوْأَنَّالدُّنْيَا، كُلَّهَالِيفِيلُقْمَةٌثُمَّ جَاءَنِي أَخٌ لَأَحْبَبْتُأَنْأَضَعَهَافِيفِيهِ"[25].



قال أَبُو هُرَيْرَةَ: "وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا العُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا"[26].






خِلٌّ إذا جِئتَهُ يومًا لِتسألهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أعطاكَ ما ملكتْ كفَّاهُ واعتذرا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يُخفي صنائعَهُ والله يُظهرُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إنَّ الجميلَ وإنْ أخفيتَه ظهرا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






عن أبي حمزة الثمالي رضي الله عنه قال: "إنَّ عليَّ بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة، ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب"[27].




عن عمرو بن ثابت رضي الله عنه قال: "لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثرًا مما كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل"[28].




عن محمد بن إسحاق رضي الله عنه قال: "كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتَون بالليل"[29].




وقال شيبة بن نعامة: "لما مات علي (بن الحسين) رضي الله عنهما وجدوه يعول مائة أهل بيت"[30].




قال الذهبي: "قلت ولهذا كان يبخل فإنه كان ينفق سرًّا ويظن أهله أنه كان يجمع الدراهم"[31].




وقد قيل: حَجَّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِالمَلِكِ قُبَيْلَ وِلاَيَتِهِ الخِلاَفَة؛ فأَرَادَ اسْتِلاَمَ الحَجَرِ فزُوحِمَ عَلَيْه، وَإِذَا دَنَا زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مِنَ الحَجَرِ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنهُ إِجْلاَلًا لَهُ؛ فاستغرب هِشَام، فَقَال: مَنهَذَا؟ فَابْتَدَرَهُ الْفَرَزْدَقُ مُرْتَجِلًا:




هَذَا الذي‌ تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


هَذَا الذي‌ أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

صَلَّي‌ عَلَیهِ إلَهِي‌ مَا جَرَي‌ القَلَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي‌ الكَرَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ راحته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يُنْمَي‌ إلَى‌ ذَرْوَةِ العِزِّ الَّتِي‌ قَصُرَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الإسْلاَمِ وَالعَجَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يُغْضِي‌ حَيَاءً وَيُغْضَي‌ مِنْ مَهَابَتِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَمَا يُكَلَّمُ إلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ[32] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






اللهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، ونسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، ونسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.







[1] رواه مسلم في صحيحه، باب استحباب المواساة بفضول المال (3/ 1354).




[2] رواه ابن أبي شيبة في مسنده (2/ 262)، وأحمد في المسند (32/ 177).




[3] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، من حديث عبدالله بن سلام (12/ 310)، وأحمد في المسند (29/ 201)، والترمذي في سننه (4/ 652).




[4] رواه ابن حبان في صحيحه، باب ذكر إيجاب الجنة للمرء بطيب الكلام، وإطعام الطعام (2/ 257)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3/ 24).




[5] رواه البخاري في صحيحه، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، باب إطعام الطعام من الإسلام (1/ 12)، ورواه مسلم، باب بيان تفاضل الإسلام، وأي أموره أفضل (1/ 65).




[6] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، باب كيف كان بدء الوحي (1/ 7).




[7] أخرجه أحمد في مسنده، من حديث عباد بن زاهر (1/ 532)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة (5/ 111).




[8] رواه البزار في مسنده (4/ 46)، وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن سعد بهذا الإسناد، وفي غير حديث عبيدة، عن عائشة، عن أبيها، فطلع عبدالله بن سلام، حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (13/ 120).




[9] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أبي موسى الأشعري، باب قوله تعالى: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 57]، وَقَوْلِهِ: ﴿ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ ... (7/ 67)، ورواه في باب وجوب عيادة المريض (7/ 115).




[10] رواه البخاري في صحيحه، من حديث سلمة بن الأكوع، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها (7/ 103).




[11] رواه البخاري في الأدب المفرد، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، باب لا يشبع دون جاره (52)، ورواه أبو يعلى في مسنده (5/ 92)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2/ 683).




[12] رواه أبو طاهر في المخلصيات، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه (3/ 105)، ورواه الشجري في الأمالي الخميسية (1/ 38)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2/ 389).




[13] رواه الطبراني في مكارم الأخلاق، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (344)، ورواه ابن شاهين في الترغيب (112)، والبيهقي في شعب الإيمان (10/ 130)، حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (4/ 68).




[14] رواه مسلم في صحيحه، من حديث جابر رضي الله عنه، باب فضيلة المواساة في الطعام القليل (3/ 1630).




[15] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب طعام الواحد يكفي الاثنين (7/ 71)، ورواه مسلم، باب فضيلة المواساة في الطعام القليل (3/ 1630).




[16] شرح مسلم (14/ 23).




[17] شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 471).




[18] الكرم والجود للبرجلاني ص (53).




[19] رواه البخاري في صحيحه، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض (3/ 138)، ورواه مسلم، باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم (4/ 1944).




[20] رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب من جمع الصدقة، وأعمال البر (2/ 713)، وفي باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (4/ 1857).




[21] رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب فضل عيادة المريض (4/ 1990).




[22] قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا ص: (44).




[23] قرى الضيف لابن أبي الدنيا ص: (40).




[24] شرح نهج البلاغة ص: (18).




[25] صفة الصفوة (2/ 382).





[26] أخرجه البخاري في صحيحه، باب مناقب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه (5/ 19).




[27] جامع العلوم والحكم (2/ 140).




[28] تهذيب الكمال في أسماء الرجال (20/ 392).




[29] تهذيب الكمال في أسماء الرجال (20/ 392).




[30] تهذيب الكمال في أسماء الرجال (20/ 392).




[31] سير أعلام النبلاء (4/ 394).




[32] سير أعلام النبلاء (4/ 398).













الساعة الآن : 05:14 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 42.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.07 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.32%)]