ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا} (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=265573)

ابوالوليد المسلم 23-09-2021 09:39 AM

{وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا}
 
{وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا}

محمد خلف

كثر في القرآن الكريم الأمر للأولاد بالإحسان إلى الوالدين في أكثر من موضعٍ، منها: قوله -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (الإسراء:23)، وكذا وصَّى -سبحانه وبحمده- الآباءِ بالأولاد، فقال -سبحانه وبحمده-: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النساء:11)، قال السعدي -رحمه الله-: «وهذا مما يدل على أن الله -تعالى- أرحم بعباده من الوالدين؛ حيث أوصى الوالدين -مع كمال شفقتهم- عليهم» (تفسير السعدي).




ولا شك في صحة ذلك، بل ما جبلا عليه مِن الرحمة والرأفة والشفقة بالأولاد، هو أثر من آثار رحمته -سبحانه وبحمده-؛ فتجدهما يبذلان الغالي والنفيس من أعمارهما وأموالهما، وقوتهما من أجل أبنائهما، بل ولربما ضحيا بأعمارهما كلها مِن أجل أبنائهما، والعجب أن هذا الأمر (أعني الرحمة) يشترك فيه حتى الحيوانات التي لا تعقل، وذلك أثر من آثار رحمته -سبحانه وبحمده-، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِئَةَ جُزْءٍ، فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذلكَ الجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الخَلَائِقُ، حتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عن وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ» (رواه مسلم). بل وانظر إلى سعة رحمته -سبحانه وبحمده-، فهو -سبحانه- يحب أن يرحم عباده، ويحب الرحماء من عباده، فيأمر الأبناء أن يدعوه ويسألوه -تعالى- أن يرحم والديهما، قال -تعالى-: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: «وأما قوله: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) فإنه يقول: ادع الله لوالديك بالرحمة، وقل ربِّ ارحمهما، وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك، كما تعطفا عليَّ في صغري، فرحماني وربياني صغيرًا، حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما» (تفسير الطبري). قلتُ: انظر هو لم يأمرك بالدعاء لهما وحسب، بل علمك كيف تدعوه وكيف تتذلل إليه وهو -سبحانه وتعالى- أحق وأولى بالرحمة مِن كلِّ أحدٍ، فيرجى لهما -بإذن الله- رحمة أرحم الراحمين -سبحانه وبحمده-، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور -رحمه الله- في التحرير والتنوير، فقال -رحمه الله-: «وفِي الآيَةِ إيماءٌ إلى أنَّ الدُّعاءَ لَهُما مُسْتَجابٌ؛ لِأنَّ اللَّهَ أذِنَ فِيهِ» (انتهى)، وأيضًا في قوله -تَعَالَى-: (كَما رَبَّيانِي)، قال القرطبي -رحمه الله-: «خَصَّ التَّرْبِيَةَ بِالذِّكْرِ لِيَتَذَكَّرَ العبد شفقة الأبوين وتبعهما فِي التَّرْبِيَةِ، فَيَزِيدُهُ ذَلِكَ إِشْفَاقًا لَهُمَا وَحَنَانًا عَلَيْهِمَا» (انتهى من تفسير القرطبي).
قلتُ: وأيضًا في قوله -تعالى-: (كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا): التذكير بأن دعاءك لهما ليس منك مِن باب المنِّ والتفضل عليهما، بل في الحقيقة هو مِن الوفاء لأداء ما عليك من حقهما عليك، ولا سيما حال ضعفك وصغرك، فهكذا فارحمهما حال كبرهما، وضعفهما شكرًا لهما، وهذا المعنى ربما يدركه أكثر من أكرمه الله بالزواج والذرية، وما يجده من تعبٍ ونصبٍ وجهدٍ في حال تربيته أولاده، فيتذكر كيف كان يتعب ويبذل والداه معه أيضًا في حال صغره، وهذا الدعاء يشمل الأبوين المسلمين والكافرين طالما أنهما على قيد الحياة، فإن من رحمته بهما -ولو كانا كافرين- أن يوفقهما برحمته للإسلام؛ لتحصل لهما رحمته في الدنيا والآخرة، فإن ماتوا على كفرهم فلا يجوز الاستغفار والدعاء بالرحمة لهما؛ لقوله -تعالى-:ـ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.






الساعة الآن : 03:05 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 6.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 6.72 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]