ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   إنَّهُ اللهُ أَحْصَانا وَعَدَّنَا عَدًّا وَكُلُّنَا آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدً (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=265221)

ابوالوليد المسلم 14-09-2021 06:31 PM

إنَّهُ اللهُ أَحْصَانا وَعَدَّنَا عَدًّا وَكُلُّنَا آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدً
 
إنَّهُ اللهُ أَحْصَانا وَعَدَّنَا عَدًّا وَكُلُّنَا آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد




إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.







﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].







﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].







﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:







فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.







أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين آمين.







يوم القيامة الله سبحانه وتعالى يجمع الناس عندما يخرجون من القبور للحساب، ولكن المحاسبة لن تكون في الجماعة، وإنما بالفرد، ﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 95]، وحدك لن يكون معك أحد، لن تكون معك أسرةٌ ولا عائلة، ولا حزبٌ ولا جماعة، ولن يكون معك جنود ولا حاشية، ولا خدم ولا حشم، هؤلاء تركتهم في الدنيا.







لكن في الآخرة سيكون اللقاء بينك وبين الله مباشرة كفاحًا، دون أن يكون هناك واسطة، وإذا وقفت أمام الله سبحانه وتعالى يا عبد الله، أيها المسلم، يا من أنت من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ستلاقي ما تلاقي وحدك.







لا نتكلم عن الآخرين، نتكلم عن هذه الأمة، عندما تأتي وتقف أمام الله سبحانه وتعالى فردًا، تأتي وأنت مسلم، قد أدَّيت الصلاة، وأديت الصيام، وأديت الزكاة، كلها أخذت فيها درجةً طيبةً وحسنة عند الله.







أما إن كنت قصَّرت في حقوق الآخرين، حقوق الناس، هذا الذي يأتي فردًا ينادَى على رؤوس الأشهاد باسمه واسم أبيه، من له عند فلان بن فلان مظلمة، فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَجِيءُ الرَّجُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْحَسَنَاتِ بِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْجُوَ بِهَا، فلَا يَزَالُ يَقُومُ رَجُلٌ قَدْ ظَلَمَهُ مَظْلِمَةً، فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَيُعْطَى الْمَظْلُومُ، حَتَّى لَا تَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ، ثُمَّ يَجِيءُ مَنْ قَدْ ظَلَمَهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ، فَيُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُوضَعُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ"؛ رواه الطبراني (6513)، انظر الصَّحِيحَة (3373).







فلا تكثِّر الناس الذين ظلمتهم، ولا تطوِّل صفَّهم؛ ليطلبوا منك المظالم، لا تجعل الوالدين ممن يبدؤون بمطالبتك بحقوقهم يا عاقُّ، يا مَن عقَقتَهما في الدنيا، إياك أن يفرَّ منك أمُّك وأبوك، وزوجتك وأولادك.







ثم بعد ذلك يأتيك صفٌّ طويل من الناس، فتتقدم الزوجات المظلوماتُ مطالباتٌ بالحقوق، فأدُّوا حقوقهن اليوم، و﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِي ﴾ [الشورى: 47]، ﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88- 89]، من ظلم زوجته هل ترحمه يوم القيامة؟ لن ترحمه لأنها تريد الحسنات.







من ظلَم أولادَه ففرَّق بينهم في النفقة والهبة والعطية، فرَّق بينهم ولم يَعدِل، وقبل أن يموت حَرَم فلانًا، وأعطى فلانًا، وحرمَ البنات، وأعطى الأولاد، يقفون أوَّل ما يبدأ بك من المقربين، الوالدان ثم الزوجات والأولاد والبنات، ثم الإخوة والأخوات، أخوهم الكبير أكلَ حقوقَ الصغار، أو العكس، مال الوالد مع الصغار وترك الكبار، الظلم هذا ظلمات يوم القيامة.







الأرحام، يا من تقطعون الأرحام: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]، أيضًا في هذا الصفِّ الطويل الذي ربما ليس له منتهى، ويوم عند الله بكم؟ ذاك اليوم مثل خمسين ألف سنة، لكن الله سريع الحساب، الكلُّ يطلب مظلمتَه، فيُعطى حقَّه من هذا الذي لم ينتهِ بعدُ.







وبالاختصار ننتقل إلى غير البشر، من الحيوانات تجدُ صفًّا طويلًا أو قصيرًا، ممن عذَّب مخلوقات الله، هذا الذي يعذِّبُ سيُعذَّبُ يوم القيامة إن لم يتُب في الدنيا، ويكثر من الحسنات حتى تمحى بها السيئات.







فمن ربى مثلًا الحمير، كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحاول علاجها فيكويها في وجهها فهو ملعون؛ لأنه ثبت عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله عنهما قَالَ: (مَرَّ حِمَارٌ برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كُوِيَ فِي وَجْهِهِ، تَفُورُ مِنْخِرَاهُ دَمًا)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا"، ثُمَّ نَهَى عَنِ الْكَيِّ، (وفي رواية: الْوَسْمِ) فِي الْوَجْهِ، وَالضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ؛ الحديث بزوائده رواه مسلم 106- (2116)، 107- (2117)، والترمذي (1710)، وأحمد (14197)، وابن حبان) (5626)، الصَّحِيحَة: (2149).







لا يكوى في الوجه ولو للعلاج، وإنما في آخره، في ملتقى جسمه مع ذيله، هناك بين الجاعرتين، أو في رجليه، أو ما أشبه ذلك، ابتعد عن الوجه، والوسم وما أشبه ذلك، كله لا يجوز أن يكون في الوجه.







أما في الأذن، فالأذن ليست من الوجه، فيجوز الوسم فيها، كما ثبت ذلك عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ، وَهُوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ، «فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً - حَسِبْتُهُ قَالَ -: فِي آذَانِهَا»؛ رواه البخاري (5542).







الدوابُّ الحيوانات التي نحاسب إذا قصَّرنا تُجاهها، نعم إذا امتلكتها فمنعْتَ عنها الطعام والشراب، ولم تُهيئ لها المكان المناسب، تقف هي تطالب بحقها يوم القيامة، ماذا تفعل أنت؟ يوم القيامة انتهى العمل، لا عمل وإنما هو نتائج العمل، النتيجة ستأخذها يوم القيامة، العمل في دار العمل في دار الدنيا، أما الآخرة فلا يوجد فيها إلا أن تنتظر ما قدمت.







لذلك ننتقل إلى مسألة أخرى، وهي مسألة الطيور، والطيور لها شأن في الإسلام، عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته؛ لأنهم أخذوا فرخي حمرة، طير لونه أحمر، فوجدها ترف فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق رأسه، فأمرهم بردهما، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ - (الحُمَّرَةً) فِي النِّهَايَةِ؛ هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ طَائِرٌ صَغِيرٌ كَالْعُصْفُورِ؛ انْتَهَى - فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا"؛ رواه أبو داود (2675)؛ انظر الصَّحِيحَة: (487)، صحيح الترغيب: (2268).







لذلك العصفور يوم القيامة، وهو أصغر الطيور، إذا قتله الإنسان يحاسب عليه، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عز وجل عَنْهَا"، فَقِيلَ: (يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟!) قَالَ: "حَقُّهَا أَنْ يَذْبَحُهَا فَيَأكُلَهَا، وَلَا يَقْطَعُ رَأسَهَا فَيَرْمِي بِهَا"؛ رواه النسائي (4445)، وأحمد (6550)، والحاكم (7574)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ: (1092)، (2266).







هذا حقها، حق العصافير والطيور.







مرَّ عبدالله بن عمر بنفر أو فتيان قد نصبوا دجاجة، جعلها هدفًا، بدلًا من أن يضع حجرًا للهدف، وضعوا دجاجة ويرمونها بالسهام، فقال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل هذا، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: (كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ، أَوْ بِنَفَرٍ، نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا)، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ "إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا"، وعن ابْنِ عُمَرَ: «لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَثَّلَ بِالحَيَوَانِ»؛ متفق عليه، (خ) (5515)، (م) 59- (1958).







لا يجوز تعذيب ذي روح بأي نوع من أنواع التعذيب، لذلك أحسِن وارحَم الشاة إذا ذبحتها، عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ فَأَرْحَمُهَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ"؛ رواه أحمد، (15592)، (20363)، والحاكم (7562)، صَحِيح الْجَامِع: (7055)، والصحيحة: (26).







هو يذبح، والذبح مشروع، ومع ذلك يرحم الذبيحة، ورحمة الدابة عند ذبحها؛ بتقديم الماء والطعام، وبمواراتها عن أخواتها، وألا يشحذ السكين أمامها، وعلى مرأى ومسمع منها، لا يفعل ذلك، بل يأتيها بالموت فجأة حتى لا تشعُر، ولا تطيل مدة الألم والعذاب لها، هذا هو إسلامنا.







فما قوانينهم في الغرب والشرق يا عباد الله؟



امرأةٌ يعذِّبها الله في هرة قطة حبستها حتى ماتت جوعًا وعطشًا، لا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، ولا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها؛ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ»، قَالَ: فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: «لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا، فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ»؛ متفق عليه، (خ) (2365)، (م) 151- (2242).







وفيه رواية: "فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا تَنْهَشُهَا إِذَا أَقْبَلَتْ، وَإِذَا وَلَّتْ تَنْهَشُ أَلْيَتَهَا"؛ رواه النسائي (1482)، وابن حبان (5622).







هذا في قطة، فكيف بمن يحاصر شعوبًا بأكملها، ويحاصر الناس ويَمنع عنهم الطعام والشراب، ماذا سيلاقي أمام الله سبحانه وتعالى.







شكا جملٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفهم الصحابة شكواه، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه يشكو أهله، يشكو أصحابه، يُجيعونه ويُكلفونه فوق طاقته؛ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم (... دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ)، فَقَالَ: "مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟"، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: (لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ)، فَقَالَ: "أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ"؛ رواه أبو داود، (2549)، وأحمد (1745).







لذلك هذا الكون لن ولم يترك سدًى، فحاسب نفسك قبل أن تحاسب.







أيضا الحشرات، مَن يعذِّبون الحشرات خصوصًا بالنيران، لذلك عاتب الله سبحانه وتعالى نبيًّا من أنبيائه؛ لأنه حرق قرية نمل، لماذا حرقتها؟ فقد ثبت أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ، فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ!"؛ متفق عليه، (خ) (3019)، (م) 148- (2241).







وعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم عندما حرقوا قرية نمل، ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ قال: "لأنه لا يعذَّب بالنار إلا الله"، فقد قال عبدالله رضي الله عنه: (رَأَى رسول الله صلى الله عليه وسلم قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا)، فَقَالَ: "مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟"، قُلْنَا: (نَحْنُ)، قَالَ: "إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ"؛ رواه أبو داود (5268)، وأحمد (4018)، انظر الصَّحِيحَة: (487).







إذا أردت أن تتخلَّص من الحشرات، فعليك بالمبيدات سريعة القتل، كذلك إذا أردت أن تتخلص من الكلاب الضالة المؤذية، والهررة والقطط التي تأكل الدجاج والفراخ، وما أشبه ذلك، فتخلَّص منها بأساليب إما أن تبعدها عنك، أو تقتلها قتلًا سريعًا، دون أن تسبب لها أذى يدوم طويلًا، وذلك باستخدام سُمٍّ سريع الفتك، وما أشابه ذلك، يجوز التخلص حتى من الإنسان المعتدي على بيتك أو مالك أو عرضك، ادفعه بالأدنى ثم الأعلى، ثم الأعلى، وفي النهاية لو قُتِلت فأنت شهيد، وإن قَتلتَه فهو في النار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟)، قَالَ: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ"، قَالَ: (أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟)، قَالَ: "قَاتِلْهُ"، قَالَ: (أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟)، قَالَ: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ")، قَالَ: (أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟)، قَالَ: "هُوَ فِي النَّارِ"؛ رواه مسلم، 225- (140).







وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي)، قَالَ: "فَانْشُدْ بِاللَّهِ"، قَالَ: (فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟)، قَالَ: "فَانْشُدْ بِاللَّهِ"، قَالَ: (فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟)، قَالَ: "فَانْشُدْ بِاللَّهِ"، قَالَ: (فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟)، قَالَ: "فَقَاتِلْ، فَإِنْ قُتِلْتَ فَفِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ"؛ رواه النسائي (4082)، وأحمد (8475).







فالمسألة تحتاج عدم انتقام وعدم تعذيب.



توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







الخطبة الآخرة



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:



فبعض الناس لا يعذِّب الحيوان، ولكن يكون سببًا في تعذيب الحيوان، وذا أمر موجود قديمًا، وفي عصرنا الحاضر، وهو ما يسمى بالمصارعة بين الثيران، والمهارشة بين الكلاب، والمناقرة بين الديوك، والمناطحة بين الكباش، يجمع الناس ليتفرَّجوا، ونراهم عبر الشاشات وما أشبه ذلك، وقد ربَّى الديك أو الكبش، أو ما أشبه ذلك، ودرَّبه على المصارعة هذه، ويطلق هذا على هذا، وتسيل الدماء، ويتعذب هذا الحيوان، ويضحك الحاضرون، ويُصفقون آلام وأوجاع خلق الله، فنسأل الله السلامة.







لذلك ثبت عَنْ ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُحَرِّشَ بَيْنَ الْبَهَائِمِ؛ رواه البخاري في الأدب المفرد (1232).







ما ينبغي أن تفرح عندما ترى ديكَكَ يخاصم ديكَ غيرك ويناقره، وتكيل له كلمات الحض والتشجيع عليه: اقتل، اهجم، انقر، هذا ديك ممتاز، هذا ديك له ثمن غالٍ.







أو تحرِّش بين الكلاب، فتُثير بينها خصامًا، هذا كله لا يجوز، من فعل ذلك يدخل في النهي.







فلا تجعل خصيمك يوم القيامة مجموعة من الحيوانات أو الطيور، أو الحشرات أو بني البشر، الذين لا يرحمون أحدًا يوم القيامة، يوم القيامة لا أحد يرحم أحدًا، الكلُّ يريد أن يأخذ حقَّه كاملًا، إن أردت الرحمة اليوم فنعم، المجال مفتوح، باب التوبة مفتوح، باب إنهاء الخصام مفتوح.







لذلك أول ما يُقضى يوم القيامة به بين الناس الدماء؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ»؛ رواه البخاري (6533)، ومسلم 28- (1678) سواء بالسفك، أو بالقتل.







لذلك ورد في الحديث الذي رواه مسلم وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟!"، قَالُوا: (الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ)، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"؛ رواه مسلم 59- (2581)، والترمذي (2418).







صلاةٌ وزكاةٌ وصيامٌ وأعمال خير مع الله، هذه نجا منها، المحاسبة مع الناس مع البشر ومع غير البشر.







نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافَنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا، وأن ينصُرَنا على القوم الكافرين.







اللهم وحِّد صفوفنا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأزِل الغلَّ والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصُرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.








﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


الساعة الآن : 07:41 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 24.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.03 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.39%)]