ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأمومة والطفل (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=16)
-   -   الغاية المنشودة من التربية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=262906)

ابوالوليد المسلم 25-07-2021 01:19 AM

الغاية المنشودة من التربية
 
الغاية المنشودة من التربية
الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي





عليكم - أيها الشباب - أنْ تعلموا أنَّ الغايةَ المنشودة من التربية والبناء للفرد والمجتمع، بعد بناء المجتمع الإسلامي الفاضل - إنَّما تكمُن في غايات عظيمة:
الأولى: في تحقيق العبودية لله - تعالى - في الأرض.


الثانية: الاستحقاق للخلافة الموعودة، والتمكين للأمة الإسلامية.

الثالثة: دفع عذاب الله - تعالى - عن الأمة والمجتمع.


أمَّا غاية تَحقيق العبودية لله - تعالى - قد أكَّد الله على هذه الغاية الجليلة في كتابه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].


قال السعدي - رحمه الله -: "هذه الغاية، التي خلق الله الجنَّ والإنس لها، وبعث جميع الرُّسل يدعون إليها، وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومَحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن مَعرفة الله - تعالى - فإنَّ تَمام العبادة متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفةً لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم"[8].


وقال الشنقيطي - رحمه الله -: "التحقيقُ - إن شاء الله - في معنى هذه الآية الكريمة ﴿ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ أي: إلاَّ لآمُرهم بعِبادتي وأبتليهم؛ أي: أختبرهم بالتكاليف، ثم أجازيهم على أعمالهم، إنْ خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وإنَّما قلنا: إنَّ هذا هو التحقيق في معنى الآية؛ لأَنَّه تدل عليه آياتٌ مُحكمات مِن كتاب الله، فقد صرَّح تعالى في آياتٍ من كتابه أنَّه خلقهم؛ ليبتليَهم أيهم أحسن عملاً، وأنَّه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم.


قال تعالى في أولِ سورة هود: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود: 7]، ثُم بيَّن الحكمة في ذلك، فقال: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 7].


وقال تعالى في أول سورة الملك: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].


وقال تعالى في أول سورة الكهف: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [الكهف: 7] الآية.


فتصريحه - جل وعلا - في هذه الآيات المذكورة بأنَّ حِكمةَ خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملاً، يفسر قوله: ﴿ لِيَعْبُدُونِ ﴾"[9].


فإذا تَحقَّقت العبادةُ ابتداءً، وقام المسلمون بحقِّها قَدْرَ الاستطاعة، تَحَقَّق لهم وَعْدُ الله - تعالى - ورسوله بالظهور والتمكين، والعزِّ والسيادة.


وأمَّا التمكينُ الموعود بتحقيق مقام العبودية لله - تعالى - فإنه قادمٌ بأمر الله لا مَحالة؛ لقول الله - تعالى -: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].


وقد روى الإمامُ أحمد عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه -قال: "كنا جلوسًا في المسجد، فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًّا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرِيَّةً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت))".


والذي عليه كثيرٌ من أهلِ العلم اليومَ أنَّ الملك الجبري يدخُل فيه هذه الحقبة الزَّمنيَّة، التي تَمُرُّ الأمة الإسلامية بها الآن، وأنَّ اللهَ - تعالى - جاعِلٌ للأمة الإسلامية طَريقًا للعودة لهذه الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الأولى.


والخلافة الإسلامية والتمكين تعني:
التمكين للمؤمنين المتبعين للكتاب والسنة، والسائرين على طريق الصَّحابة والسلف الصالح من بَعدهم، والتمكين لهم بأَنْ يُقيموا العقائدَ والشعائر والشرائع التي أمر الله - تعالى - بها ورسوله في جميع مَجالات الحياة البشرية.


والتمكين لهم بالإعلان عن عُبودِيَّتِهم لله وحْدَه لا شريكَ له في حُكمه ولا في أمره، في حرية كاملة دون خوف من الطُّغاة أو الظالمين، أو وَجَلٍ من أعْداءِ الله المُتربِّصين والمنافقين.


والتمكين لهم أن يَملكوا زمامَ قيادة العالم من جديد، كما كانوا في القرون الماضية، وأنْ يفتحوا قلوبَ العالمين بنُورِ هذا الدين الحق، ويفتحوا كنوزَ الأرض وخيراتِها بالجهاد في سبيله وحْدَه، وإعلاء كلمة دينه، والتمكين لهم بأن يَحكموا الناس بشريعة الله، وأنْ يَرفعوا ظلمَ الظالمين، وفسادَ المفسدين، وأن يقيموا ميزانَ الحق والعدل بين الناس بما أنزل الله - تعالى - وأن يرفعوا عنهم الذُّلَّ والمهانة، التي طالما عاشوا فيها سنينَ طويلة، يَذِلُّون فيها لأعداءِ الله من اليهود والنصارى والمنافقين، ويُحَكِّمون قوانين الظلم والجور بين العالمين.


إنَّ الخلافةَ تعني الكثير والكثير من تَحرير البشرية كلها من قبضة الطُّغاة والمنافقين، الذين يُحاربون شريعةَ الله ومنهجه، وتَحريرها من أن تذل لغير خالقها ومُوجدها، وأنْ تَستمد أحكامَها وشرائِعَها إلاَّ من منهاج ربِّها وشريعته الإسلامية.


وهذه الخلافةُ قادمة لا مَحالة، ولكنَّها تأتي بالتربية والبناء، وبذل الجهود، وإعداد العُدَّة، وتطهير القلوب، وتزكية النُّفوس، واستعلاء الإيمان في قلوب أصحابه، إنَّها قادمة بإذن الله، ولكن بالسنن التي تعمل في الكون والحياة، وليس بترك الدَّعوة والتخاذُل عن نُصْرة الإسلام والمستضعفين في الأرض، وقد قال تعالى في كتابه: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].


وجاء في الحديث: ((لا تزال طائفة من أمتي قَوَّامَة على أمر الله، لا يضرها من خالفها))؛ [أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني: 4/ 603].


وفي روايةٍ لأحمد: ((لا تزال أُمَّةٌ مِن أمتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرهم مَن خالفهم حتى يأتِيَ أمر الله وهم ظاهرون على الناس)).


وعن جابر قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحقِّ ظاهرين إلى يوم القيامة))، قال: ((فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعالَ صلِّ لنا، فيقول: لا، إنَّ بعضَكُم على بعض أمراء؛ تَكْرِمَةَ الله هذه الأُمَّةَ))؛ [رواه مسلم].


وفي حديثٍ آخر لمُسلم: ((لا تزالُ عصابة من أمتي يُقاتلون على أمرِ الله قاهرين لعدُوِّهم، لا يضرُّهم مَن خالفَهم، حتى تأتِيَهم الساعة وهم على ذلك))، فالصبرَ الصبر، والثباتَ الثباتَ، حتى يأتي وعدُ الله لكم.


وأما الغاية الثالثة: فهي دفع وقوع العذاب والعقاب من الله - تعالى - لأَنَّ الأمة الإسلامية لا تزال بخير ما أَمَرت بالمعروف، ونَهت عن المنكر، وإلا حَقَّ بها وعيدُ الله - تعالى - ما حق على الأمم التي عَصَتِ الله من قبلُ، وخالفتْ أمرَ رُسُله، وقد قال تعالى في كتابه: ﴿ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 116 - 117].





الساعة الآن : 04:39 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 17.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.02 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.55%)]