ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى حراس الفضيلة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=103)
-   -   حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194143)

ابوالوليد المسلم 02-05-2024 06:02 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(161)



ألا بذكر الله تطمئن القلوب

من أهم عناصر الحياة السوية ذكر الله تعالى الذي نتناول الحديث عنه في هذا المبحث مفتتحين بما رواه البخاري رحمه الله:

حدثنا أبو أسامة عن بُريد بن عبدالله، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت«(1).

مفهوم الذكر:

في اللغة:

الذِكر – بالكسر – الحِفظ للشيء كالتذكار والشيء يجري على اللسان، والصّيت كالذُكرة – بالضم – والثناء والشرف والصلاة لله تعالى والدعاء(2).

في الاصطلاح:

هو ذكر الله تعالى، اعتقادًا، أو قولاً، أو عملاً.

- فأما الاعتقاد: كأن يتدبر الإنسان أسماء الله تعالى وصفاته، ويتأمل في ملكوته ومخلوقاته، ويستشعر عظمته وإبداعه للكون والحياة.

- وأما القول: وهو الذكر باللسان، وهو كثير ومتنوع، يدخل فيه التسبيح والاستغفار والدعاء وقراءة القرآن، والشكر والثناء، وغير ذلك من أصناف الذكر الكثيرة.

- وأما العمل: فمثل الصلاة والصيام والحج والزكاة، والإحسان إلى الناس، وجميع الأعمال الصالحة التي يبتغي بها الإنسان وجه ربه.

وبهذا فإن دائرة الذكر واسعة تشمل حركة الإنسان في الحياة، القولية والفعلية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ

(1)
أخرجه البخاري (ص1112، رقم 6407) كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل. ومسلم (ص317، رقم 779) كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.



(2)
قاموس المحيط 2/ 36 (مادة: ذَكَرَ)، دار الجيل: بيروت.







ابوالوليد المسلم 02-05-2024 06:04 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(162)





فضل الذكر
إن شمولية ذكر الله تعالى لقلب الإنسان وقوله وفعله تجعل له مكانة رفيعة وأهمية كبيرة في الحياة، لأنه بهذا المفهوم الشامل يجعل الإنسان في حالة تواصل دائم مع الله تعالى، فإذا غفل أو نسي ذَكَرَ الله، وإذا أذنب استغفره جلّ علا، وإذا غضب تعوّذَ بالله من شرّ الشياطين، وإذا ظلم عَدَلَ عن ظلمه ليرجع الحق لصاحبه، وإذا أصابه يأس أو قنوط توكّلَ على الله، وإذا أصابه مكروه دعا الله وتضرَّعَ إليه، وهكذا.
لذا جاء النداء الإلهي للعباد في كثير من الآيات بلزوم الذكر دون تحديد أو قيد كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}(1)، وجعله صفة ملازمة لصدق الإسلام والإيمان، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(2)، ويقول جلّ وعلا:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(3).
والذكر من أفضل الطاعات وأهمها، لأن معظم العبادات والطاعات تدخل تحت مسمى الذكر، ولقوله عليه الصلاة والسلام: « ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى»(4)، وقوله ﷺ: «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه«(5).
فذكر الله تعالى يمنح الإنسان المعنى الحقيقي للحياة، حيث يبعث فيه روح الحركة والاجتهاد في المسار الصحيح لأن صاحبه في حالة مراقبة ومحاسبة للذات نحو نفسه والآخرين من حوله. وبالمقابل إذا فقد الإنسان نعمة الذكر أو تغافل عنها فإنه يخطف من الحياة معالم الخير والبناء، لأنه يتحرك حينها من غير تفكير نحو أهداف مجهولة وغامضة، وهذا تأكيد لقوله ﷺ في الحديث السابق: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت«(6).
ومن هنا جاءت أهمية ذكر الله تعالى والمداومة عليه في الحل والترحال وفي جميع الشؤون والأحوال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[المزمل: 8]

(2)
[الأحزاب: 35]

(3)
[الرعد: 28]

(4)
أخرجه الترمذي (ص771، رقم 3377) كتاب الدعوات، باب منه [في أن ذاكر الله كثيرًا أفضل من الغازي في سبيل الله]. وأحمد (5/195، رقم 21750).


(5)
سبق تخريجه.

(6)
رواه البخاري، برقم 6407، ص1112.









ابوالوليد المسلم 02-05-2024 06:06 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(163)



أنواع الذكر القولي من حيث الإطلاق والتقييد
يمكن تقسيم الذكر إلى قسمين، الذكر المطلق، والذكر المقيّد:
أولاً: الذكر المطلق:
وهو ما يقوله المؤمن أو يقوم به، بغض النظر عن التوقيت والمكان، فلا يقيده زمان ولا يمنعه مكان، يقول تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}(1)، لم يتحدد الأمر بالذكر بقيد أو شرط، بل جاء عامًا في الحالات المختلفة كما في قوله تعالى حين وصف عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(2).
كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى هذا النوع من الذكر الذي لا يقيده شيء بقوله: «ولا يزال لسانك رطبًا بذكر الله«(3).
ثانيًا: الذكر المقيّد:
كما جاء الأمر بالذكر في أمكنة وأزمنة محددة وفي حالات معينة يمر بها الإنسان في يومه وليلته، منها:
أ- ذكر المكان:
وهو الذكر الذي أمر به الشارع في أمكنة محددة مثل عرفات والمشعر الحرام كما جاء في قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}(4).
ب- ذكر الزمان:
وهو المطلوب في أزمنة معينة:
-كالذكر في أيام الحج لقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(5).
-والذكر عقب كل صلاة، لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(6). وقوله ﷺ لمعاذ رضي الله عنه: «أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك«(7).
-والذكر في يوم الجمعة، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(8).
-والذكر عند مطلع كل يوم وعند انتهائه، لقوله تعالى:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}(9)، وقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(10).
ثالثًا: الذكر في الأحوال والهيئات الأخرى:
-الذكر عند الذبح: لقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(11).
-عند تناول الطعام: لقول النبي ﷺ لعمر بن أبي سَلَمَة رضي الله عنه: «يا غلام سمّ الله وكُل بيمينك وكل مما يليك«(12).
-عند النوم والاستيقاظ: يقول حذيفة رضي الله عنه: «كان النبي ﷺ إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول اللهم باسمك أموت وأحيا وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور« (13).
-عند دخول المنزل والخروج منه: يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله»(14). وعند الخروج من البيت يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال: يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي«(15).
-عند لقاء العدو: لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(16).
-عند الغفلة: لقوله تعالى:{وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا}(17).
وغيرها من الحالات والهيئات التي يكون فيها الإنسان والتي تتطلب ذكر الله تعالى بقراءة القرآن أو بالاستغفار أو الدعاء أو التوكل على الله تعالى، حيث تجعل هذه الأذكار صاحبها في حالة عبودية دائمة لله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [الأحزاب: 41]
(2) [آل عمران: 191]
(3) أخرجه الترمذي (ص771، رقم 3375) كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الذكر. وابن ماجه (ص541، رقم 3793) كتاب الأدب، باب فضل الذكر.
(4) [البقرة: 198]
(5) [البقرة: 203]
(6) [الجمعة:10]
(7) سبق تخريجه.
(8) [الجمعة: 9]
(9) [الإنسان: 25]
(10) [الأعراف: 205]
(11) [الأنعام: 121]
(12) أخرجه البخاري (ص960، رقم 5376) كتاب الأطعمة، باب الأكل مما يليه. ومسلم (ص902، رقم 2022).
(13) اخرجه البخاري (ص1100، رقم 6325) كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب. ومسلم (ص1177، رقم 2711) كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم.
(14) أخرجه أبو داود (ص717، رقم 5096) كتاب الآداب، باب ما يقول الرجل إذا خرج من بيته. وابن ماجه (ص556، رقم 3886) كتاب الدعاء، باب ما يقول الرجل إلى خرج من بيته.
(15) سبق تخريخه.
(16) [الأنفال: 45]
(17)[الكهف: 24]





ابوالوليد المسلم 02-05-2024 06:08 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(164)



علاقة الذكر بقوة الإيمان وضعفه

إن المتأمل في كتاب الله وآياته يجد أن هناك علاقة وطيدة بين القلب النابض بالذكر واللسان الناطق بالذكر والجوارج العاملة بالذكر وبين قوة إيمان صاحبه وأثر ذلك على عبوديته لله تعالى وحسن أدائه لفرائضه وتقديم الطاعة بين يديه، والشواهد على هذه الحقيقة كثيرة في كتاب الله تعالى، منها:
-قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(1).
-قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(2).
-قوله تعالى:{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}(3).
-قوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(4).
-قوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(5).
كما أخبر كتاب الله أن تلك العلاقة تضعف وتفتر إذا كان قلب العبد ولسانه وجوارجه غافلة عن ذكر الله تعالى وبعيدة عن طاعته وعبادته، بل إن الله تعالى جعل ذلك من صفات المنافقين وخصائصهم، ومن الشواهد على ذلك:
-قوله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}(6).
-قوله تعالى:{وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ}(7).
-قوله تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا}(8).
-قوله تعالى:{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}(9).
-قوله تعالى:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(10).
-قوله تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}(11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [الأنفال: 2]
(2) [الرعد: 28]
(3) [النور: 37]
(4) [الأحزاب: 21]
(5) [الزمر: 23]
(6) [النساء: 142]
(7) [الصافات: 13]
(8) [الإسراء: 41]

(9) [الزمر: 22]
(10) [الزخرف: 36]
(11) [طه: 124]





ابوالوليد المسلم 02-05-2024 06:09 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(165)



الذكر والشكر

إن ذكر الله تعالى صورة من صور الشكر لله تعالى، سواء كان بالقلب أو اللسان أو الجوارح، كما جاء في قصة زكريا عليه السلام، يقول الله تعالى على لسانه:{قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}(1)، حيث جاء الأمر بذكر الله تعالى وتسبيحه بعد أن بشّره وأنعم عليه بيحيى عليه السلام.
كما جاء الأمر بالذكر بعد نعمة الأمن والاستقرار في النفس وعدم الخوف من الأعداء، يقول الله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(2)، وهذا الذكر نوع من أنواع الشكر لله تعالى يعبّر عنه بالاستغفار أو التسبيح أو الدعاء أو غيره.
وقد وردت في كتاب الله تعالى كلمة الذكر بمعنى الشكر نفسه، كما في قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(3)، وقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}(4)، وقوله:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [آل عمران: 41]
(2) [البقرة: 239]
(3) [المائدة: 7]
(4) [المائدة: 20]
(5) [آل عمران: 103]





ابوالوليد المسلم 30-05-2024 05:50 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(166)

صراع الذاكرين مع الشياطين

إن عدوّ الإنسان الأول هو الشيطان، الذي يوسوس في نفسه ويزين له الخبائث والمعاصي، ويعينه على ترك العبادات والواجبات، ويأمره بالأماني الكاذبة والآمال المزيفة، حتى إذا وقع في شرّ أعماله تبرأ منه وبيّن ضعفه أمام جبروت الله وقوته، يقول الله تعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(1).
فكل ما يوحي الشيطان إلى أوليائه بالهمز والنزغ هو من قبيل الوهم والخداع، يقول تبارك وتعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}(2).
والإنسان الذي يغفل عن ذكر الله تعالى وأداء الفروض، ويبتعد عن قراءة القرآن والأدعية والأوراد الصباحية والمسائية يكون أكثر عرضة للوساوس والوقوع في شراك الشياطين، لأنه هيّأ لهم الطريق بغفلته عن ذكر الله وانغماسه في المعاصي والشهوات، يقول تبارك وتعالى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(3).
أما المؤمن الصالح، فلا يجد مارد أو شيطان إلى نفسه سبيلاً، لأنه تقرَّبَ إلى الله تعالى بالطاعات وأداء الفرائض والدعاء والذكر، فكان الله قريبًا منه، يحميه ويحفظه من الشرور جميعًا، ويؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى للشيطان:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}(4).
فالصراع قائم بين الذاكرين والشياطين، حيث لا يكلّ الشيطان وأولياؤه ولا يتعبون من إغواء المؤمنين وتزيين المنكرات لهم، وإبعادهم عن كل ما يمتّ إلى الله من طاعة أو ذكر، فربما يزيّن لهم منكرًا واحدًا ومن ثم تترتب عليه مفاسد ومنكرات أكبر وأعظم، كما هي الحال في شرب الخمر وما يليه من الآثار السلبية على النفس والمجتمع والأمة، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(5).
حتى إذا استولى الشيطان على نفس الإنسان وأصبح أسيرًا لإيحاءاته وهمزاته، كما قال تعالى:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(6)، فإنه يتحول بفعله وقوله إلى شيطان بصورة إنسان، من شدة ما يقوم من المنكرات والمعاصي ومحاربة المؤمنين والوقوف في وجه الدعاة، ومنع شعائر الإسلام ومعالمه، والتصدي لبيوت الله تعالى التي هي أخصّ أماكن لذكر الله تعالى، يقول جلّ شأنه عنهم:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(7)،
فهؤلاء القوم من البشر صاروا في صف شياطين الجن، وتنعّتوا بنعوتهم وصفاتهم، وأصبحوا يقدمون لهم الطاعة والولاء، ويتأذون من الأذكار كما يتأذى الشيطان منها، يقول تبارك وتعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}(8)،
إلا أن نهاية المعركة وفصل الصراع يكون لصالح المؤمن كما وعد الله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(9)، لأن هذا المؤمن قد تزوّد من العبادة والذكر والقرآن والاستعاذة ما يستطيع أن يرد بها كيد شياطين الجن والإنس ومفاسدهم وشرورهم، يقول تبارك وتعالى:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(10)، أي إذا أصابك من الشيطان شيء بفعل معصية أو شر فالجأ إلى الله تعالى واستعذ به من الشيطان، فإنه تعالى لن يخيب ظن عبده ما دام العبد مؤمنًا به قائمًا بين يديه بالطاعات ومقربًا إليه بالذكر والتضرع والنوافل وفعل الصالحات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(1) [إبراهيم: 22]
(2) [النساء: 120]
(3) [المجادلة: 19]
(4) [الحجر: 42]
(5) [المائدة: 91]
(6) [الزخرف: 36]
(7) [البقرة: 114]

(8) [الزمر: 45]
(9) [الأنبياء: 105]
(10) [الأعراف: 200]





ابوالوليد المسلم 30-05-2024 05:52 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(167)



آثار الذكر على النفس والمجتمع
أولاً: آثاره على النفس:
1-الذكر يرفع الدرجات ويكفر السيئات:
إن ذكر الله تعالى بمفهومه الشامل من أداء الفرائض والطاعات، وتقديم الأعمال الصالحة، وقراءة القرآن والاستغفار والاستعاذة والتسبيح والتكبير والتهليل، يقرّب صاحبه من الله تعالى، ويرفع قدره ودرجته يوم القيامة، ويكفّر عنه سيئاته وخطاياه، للأدلة الآتية:
-قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(1).
-قوله ﷺ: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر« (2).
-قوله ﷺ: «يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة«(3).
-قوله ﷺ: «لقيت ليلة أسري بي إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر«(4).
-قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسًا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضًا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال فيقول: قد غفرتُ لهم، فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطّاء إنما مرّ فجلس معهم، قال فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم«(5).
-قوله ﷺ: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحانه الله العظيم«(6).
-قوله ﷺ في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه«(7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[الأحزاب: 35]

(2)
أخرجه البخاري (ص1112، رقم 6405) كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح. ومسلم (ص242، رقم 597) كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة.

(3)
أخرجه البخاري (ص1108، رقم 6384) كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة. ومسلم (ص1174، رقم 2704) كتاب الذكر والدعاء، باب الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله.

(4)
أخرجه الترمذي (ص79، رقم 3462) كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل التسبيح والتهليل.

(5)
أخرجه البخاري (ص1113، رقم 6408) كتاب الدعاء، باب فضل ذكر الله عز وجل. ومسلم (ص1171، رقم 2689) كتاب الذكر والدعاء، باب فضل مجالس الذكر.

(6)
أخرجه البخاري (ص1305، رقم 7563) كتاب التوحيد، باب ونضع الموازين القسط ليوم القيامة.

(7)
سبق تخريجه.







ابوالوليد المسلم 30-05-2024 05:54 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(168)



آثار الذكر على النفس والمجتمع

2-الذكر حياة للقلوب والأبدان:
إن ذكر الله تعالى يحيي القلوب ويعمرّها بالإيمان واليقين، الأمر الذي يدفع صاحبه إلى التفاؤل والاجتهاد في الحياة، فلا تمنعه العوائق من متابعة السير والقُدُم إلى الأمام، يقول عليه الصلاة والسلام: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت«(1).
ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: «لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل«(2)، كما أن الذكر يقوي البدن وينشط الخلايا والدماء في الجسم، ويقضي على العجز والكسل والخمول، لا سيما في الأذكار البدنية، كالصلاة والحج وسائر الأعمال الصالحة.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلّى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إليّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدّ الغداء سقطت قوتي«(3).
فأثر الذكر على القلب والبدن كأثر الماء على الزرع وأثره على السمك وسائر أشكال الحياة.
3-الذكر يطمئن النفوس وينزل السكينة:
حين يذكر الإنسان ربه بأداء فرض أو تقديم طاعة أو تسبيح أو استغفار، فإن الله تعالى ينزل عليه السكينة والطمأنية، ويجعله يواجه الحياة بهدوء وحلم، فلا يغضب ولا يتعصب مهما كان الموقف ثقيلاً ومؤثرًا، وهي رحمة من الله تعالى للذاكرين ونعمة كبيرة يحرم منها الغافلون، يقول تبارك وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(4). ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده«(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
سبق تخريجه.

(2)
الوابل الصيب ص 81.


(3)
الوابل الصيب ص 84.

(4)
[الرعد: 28]

(5)
سبق تخريجه.






ابوالوليد المسلم 30-05-2024 05:56 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(169)



آثار الذكر على النفس والمجتمع

4-الذكر يطرد الشيطان ويدفع الشرور:
بما أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإن معظم الأمراض النفسية التي تصيبه وتلاحقه هي من فعله ووساوسه، ومن أجل ذلك أمر الله تعالى باللجوء إليه وذكره من قراءة القرآن أو الاستعاذة به من هذا الشيطان، ليتجنب شروره ومفاسده، يقول تبارك وتعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَٰهِ النَّاسِ . مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}(1). ويقول جل ثناؤه:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(2).
ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق ذكره: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»(3).
من أجل ذلك كان لزامًا على المؤمن أن يحافظ على ذكر الله في الصباح والمساء، وحين ينام وعند الاستيقاظ، وعند الدخول إلى البيت والخروج منه، وعند الأكل والشرب، وعند النوم، وعند دخول الخلاء، لأن الشيطان يترصده في هذه المواطن جميعها ويتحين الفرصة للتأثير عليه بالوساوس والهمزات.
5-الذكر يهوّن المصائب ويذهب الهموم والأحزان:
بما أن الحياة دار ابتلاء واختبار، لقوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(4)، فإن المؤمن معرض فيها للمصائب والابتلاءات، وزادُه في هذه الرحلة الشاقّة ومواجهة صعابها هو ذكر الله تعالى واللجوء إليه بالدعاء والقرآن والأعمال الصالحة، لأن ذلك يخفف عنه وطأة الخطب وقوة المصيبة، يقول تبارك وتعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(5).
- فحين يواجه الذاكر قهرًا أو ظلمًا يلجأ إلى الذكر ويقول حسبي الله ونعم الوكيل.
- وحين يغضب يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
- وحين يبتلى بفقد عزيز أو قريب يقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
وهكذا تكون حال الذاكر، فلا يتأفف ولا يتضجر، بل يثبت ويصبر حتى يجعل الله من أمره يسرًا، يقول تبارك وتعالى عن هؤلاء:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(6).
ولا يمنح هذه المنحة العظيمة والنعمة الكبيرة إلا للذاكرين الشاكرين الذين يتقربون إلى الله تعالى في كل أحوالهم، في السراء والضراء، والرخاء والشدة، يقول عليه الصلاة والسلام في وصيته لابن عباس رضي الله عنه: «احفظ الله يحفظك تعرَّفْ عليه في الرخاء يعرفك في الشدة«(7).
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: «ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أنّى رحتُ، فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة
«(8)
.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1)
سورة الناس.

(2)
[الأعراف: 200]

(3)
أخرجه البخاري (ص548، رقم 3293) كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده. ومسلم (ص1171، رقم 2691) كتاب الذكر والدعاء، باب فضل التهليل والتسبيح.

(4)
[الملك: 2]

(5)
[التغابن: 11]


(6)
[البقرة: 155-156]

(7)
أخرجه أحمد (1/307، رقم 2804). والحاكم (3/623، رقم 6303).

(8)
الوابل الصيب لابن القيم ص 93.






ابوالوليد المسلم 30-05-2024 06:00 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(170)



آثار الذكر على النفس والمجتمع

ثانيًا: آثاره على المجتمع:
1-الذكر ينهى عن الفحشاء والمنكر:
إن الذاكر في حالة مراقبة دائمة لنفسه، يحاسبها ويؤنبها، فإذا أخطأ وأذنب أناب إلى الله تعالى وتاب إليه، وإذا ظلم أو اعتدى أعاد المظلمة لأهلها وردّ حقوق أصحابها، لأنه يخاف الله الذي لا تخفى عليه خافية، ثم إن الذاكر في حالة تواصل وتقرب من الله تعالى وتعهد معه على الصراط السوي، فلا يمكن من تكون هذه حاله أن يرتكب الفواحش والمنكرات، يقول تبارك وتعالى:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(1).
فلا يلتقي سبيل الاستقامة والهداية الذي يدعو إليه الله مع سبيل الانحراف والغواية الذي يدعو إليه الشيطان، يقول تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(2).ويقول: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(3)

وهذا يعني أن مع الذكر تنتشر الفضيلة في المجتمع، وتسود القيم والأخلاق بين أبنائه، وتزول الرذيلة وأسبابها، بخلاف المجتمع الذي يغفل أبناؤه عن ذكر الله، فتتمكن الشياطين منهم وتزين لهم الفواحش والمنكرات، حتى يتحول هذا المجتمع إلى غابة مليئة بالعقد الاجتماعية والمشكلات الأخلاقية، والحرمان الاقتصادي وغيره، يقول تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}(4).
2-الذكر يقوي الروابط بين أبناء المجتمع:
إن ذكر الله تعالى يغذي روح المحبة والتعاون بين أبناء المجتمع، لأنه يطرد الشياطين من بينهم، فتصفى قلوبهم وتتمازج مشاعرهم، وتتوحد قضاياهم المصيرية، وبالتالي لا يبقى في المجتمع مكان لأسباب الفرقة والتمزق من الحقد والكراهية والشحناء.
ثم إن كثيرًا من أنواع الذكر هي بحد ذاتها عوامل تساعد على تقوية الروابط بين الناس وتزيد فيهم الحب والمودة، كإفشاء السلام الذي قال عنه ﷺ: «أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم »(5)، وكذلك الإنفاق بالزكاة والصدقات التي تعدّ من الأذكار الفعلية، وأيضًا التناصح والتزاور والإهداء والابتسامة وغيرها من أشكال الذكر القولية أو الفعلية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(1) [العنكبوت: 45]

(2) [يونس: 25]
(3) [فاطر: 6]
(4) [ طه: 124]
(5) أخرجه مسلم (ص44، رقم 54) كتاب الإيمان، باب لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأن محبة المؤمنين من الجنة، وأن إفشاء السلام سبب لحصولها.








ابوالوليد المسلم 30-05-2024 06:02 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(171)




آثار الذكر على النفس والمجتمع

3-الذكر يجلب الخيرات:
إن ذكر الله من أهم أسباب حلول الخيرات والبركات، ونزول الأمطار وخروج الزرع، وتكاثر النعم المختلفة، لأن الله تعالى لا يخيب ظن الذاكر حين يستغفره ويدعوه، ولا يرده خاوي اليدين، بل يعطيه من ملكه ما يشاء من الأرزاق والآلاء، لذلك كانت دعوة نوح عليه السلام لقومه بالاستغفار من أجل زوال القحط والجفاف ونزول الأمطار والنعم، فقال:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا}(1). كذلك جاءت دعوة هود عليه السلام حين قال لقومه:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}(2).
كما أشار الله تعالى في كتابه المبين إلى أن شكر النعمة - الذي هو نوع من الذكر - هي أيضًا من أسباب السعة في الرزق والبركة فيه، وإن كفر النعمة والحجود بها يعدّ من أسباب النقمة وزوال النعم والبركات، حيث قال:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(3)، وقال أيضًا:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}(4).
4-الذكر عامل للنصر والتمكين:
يعدّ ذكر الله تعالى من الأسباب المهمة للقوة والتمكين في الأرض والنصر على الأعداء، كما جاء في دعوة هود عليه السلام لقومه بالاستغفار{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}(5). فكان من نتيجة ذكر الله تعالى بالاستغفار نزول الأمطار وحلول البركات، إضافة إلى زيادة في القوة التي جاءت نكرة، والتي تدل على عموم القوة سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي أو العلمي أو الثقافي وغيرها.
كما أمر الله تعالى عباده المؤمنين عند لقاء عدوهم في المعارك والحروب أن يبادروا باللجوء إليه بالذكر من صلاة وقيام ودعاء وقراءة للقرآن وغيرها، فقال جل شأنه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(6).
* * *
وأخيرًا:
فإن ذكر الله من أفضل الطاعات، وأهم القربات إلى الله تعالى، لأنها تشمل معظم العبادات القولية والفعلية، والذكر بأنواعه المختلفة هو زاد المؤمن في الحياة لمواجهة شرور الشياطين من الإنس والجان، الذين يعملون لإغواء النفس وإفسادها، وإخضاع الجسد وأسره للشهوات والأهواء، وهذا يفرض على المسلم المحافظة على الذكر والدوام عليه في معظم أوقاته، حتى يقطع طريق الشر عن نفسه وأهله وأبنائه، وحتى يركن إلى هدوء النفس وراحة البال التي من خلالها يمكن أن ينطلق نحو الحياة بجد وإخلاص، وتكلل جهوده بالنجاح والإبداع، ويصل إلى تحقيق أهدافه المنشودة بأسرع وقت وأفضل النتائج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(1)
[ نوح: 10-11]
(2)
[ هود: 52]
(3)
[ إبراهيم: 7]

(4)
[ النحل: 112]
(5)
[ هود: 52]
(6)
[ الأنفال: 45]


ابوالوليد المسلم 02-12-2024 02:26 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(172)



ادعوني استجب لكم
الدعاء: صورة من صور الذكر القولي، ومن أهم معالم الشخصية السوية، كما هو أهم عوامل مجد الحياة، وعلاج عقباتها، نفتتح الكلام عنه بما رواه الترمذي رحمه الله:
حدثنا الحسن بن عرفة: حدثنا يزيد بن هارون عن عبدالرحمن بن أبي بكر القرشي عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئًا يعني أحبَّ إليه من أن يُسأل العافية» وقال رسول الله ﷺ: «إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء«(1).
مفهوم الدعاء:
في اللغة: دَعا بالشيء دعْوًا، ودَعْوَةً، ودُعاءً، ودَعْوى: طلب إحضاره. ويقال: دعا بالكتاب. والشيءُ إلى كذا: احتاج إليه. ويقال دعا: الله رجا منه الخير، ولفلان: طلب الخير له. ودعا على فلان: طلب له الشرّ. فالدعاء: ما يُدْعى به الله من القول (ج) أدعية(2).
في الاصطلاح: يعني الاستعانة بالله تعالى واللجوء إليه ومناداته لجلب النفع والخير، ودفع الشر والأذى.
المعاني الواردة للدعاء في كتاب الله:
1-العبادة، كما في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3). وقوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(4).
2-الاستغاثة، كما في قوله تعالى:{وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(5).
3-التنزيه والتعظيم، كما في قوله تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(6).
4-النداء، كما في قوله تعالى:{قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ}(7).
5-القول، كما في قوله تعالى:{يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}(8).
6-التمني، كما في قوله تعالى:{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}(9).
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
(1)
أخرجه الترمذي (ص808-809، رقم 3548) كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي ﷺ. وأحمد (5/234، رقم 22097). والحاكم (1/669، رقم 1813). قال الحاكم: صحيح الإسناد.

(2)
المعجم الوسيط، مادة (دَعَا)، 1/ 286-287.

(3)
[الأعراف: 194]

(4)
[غافر: 60]


(5)
[ البقرة: 23]

(6)
[ يونس: 10]

(7)
[ الأعراف: 195]

(8)
[ الحج: 13]

(9)
[ فصلت:31]



ابوالوليد المسلم 02-12-2024 02:27 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(173)


فضل الدعاء

يتبين فضل الدعاء وأهميته من خلال حثّ الشارع عليه من الكتاب والسنة، يقول تبارك وتعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(1).
فهو التوجه المباشر إلى الله تعالى وحده، دون وسيلة أو وساطة، حيث يبث العبد شكواه إلى خالقه، ويعلن بين يديه ضعفه وقلة حيلته، ثم يطلب سؤله وما يرجوه من الخير والمنفعة، فالله قريب من عباده، ورحمته واسعة عليهم، مهما اقترفوا السيئات، يقول تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(2).
كما يشير إلى فضل الدعاء ومكانته عند الله تعالى قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء«(3).
وهذا يعني أن الله تعالى يحب أن يكون عبده على صلة دائمة معه عبر حبل الدعاء ليستمع إليه ويجيبه بقضاء حاجته وتفريج همه، لكنه بالمقابل يبغض من لا يتضرع إليه بالدعاء، لقوله ﷺ: «من لم يسأل الله يغضب عليه«(4).
فلا غنى للمؤمن عن الدعاء لأنه تجسيد عملي لمعنى العبودية لله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة«(5).
وقد كان الدعاء سنة الأنبياء والرسل من قبل، والوسيلة التي يلجؤون بها إلى الله تعالى ليرحمهم ويغفر لهم، ويرزقهم الذراري الصالحة، ويعينهم على المعاندين من بني قومهم، يقول تبارك وتعالى على لسان نوح عليه السلام:{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا . إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا . رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}(6).
كما دعا إبراهيم عليه السلام ربه كثيرًا، وجاء ذلك في مواطن كثيرة من كتاب الله، يقول تبارك وتعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ . رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(7).
وكذلك زكريا عليه السلام كما في قوله تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}(8)، ويونس عليه السلام حين نادى في جوف الحوت:{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}(9).

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
(1)
[غافر: 60]

(2)
[البقرة: 186]

(3)
أخرجه الترمذي (ص770، رقم 3370) كتاب الدعوات، باب فضل الدعاء. وابن ماجه (ص546، رقم 3829) كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء. وأحمد (2/362، رقم 8733). وهو حديث حسن.


(4)
أخرجه الترمذي (ص770، رقم 3373) كتاب الدعوات، باب من لم يسأل الله يغضب عليه. والحديث حسن.

(5)
أخرجه أبو داود (ص220، رقم 1479) كتاب الوتر، باب الدعاء. والترمذي (ص668، رقم 2969) كتاب التفسير، باب سورة البقرة. وابن ماجه (ص546، رقم 3828) كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء. وهو حديث صحيح.

(6)
[نوح: 26-28]

(7)
[إبراهيم: 35-36]

(8)
[آل عمران: 38]

(9)
[الأنبياء: 87]

ابوالوليد المسلم 02-12-2024 02:28 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(174)



أنواع الدعاء
يمكن تقسيم الدعاء إلى قسمين وفق مضمونه والحالة التي تدفع صاحبه إليه:
1- دعاء المسألة: وهو ما يسأله العبد من ربه لجلب الخير والمنفعة له، وكشف الضر والأذى عنه ودفعه. كمن يقول: اللهم ارحمني واغفر لي وعافيني واعف عني، أو يقول: ربِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري واكشف الضر عني، وهكذا.
فمن دعاء المسألة ما وصى به النبي عليه الصلاة والسلام ابن مسعود بقوله: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف« (1).
2- دعاء العبادة: فهو شامل لجميع القربات من الطاعات والعبادات القولية والفعلية، كالصلاة والصيام والزكاة والجهاد والإحسان إلى الناس والدعوة إلى الله وقراءة القرآن والأذكار، وجميع ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى. والشاهد على ذلك قوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(2). ويقول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة«(3).
وبهذا ؛ فإن مفهوم دعاء العبادة أشمل من دعاء المسألة، بل إن دعاء المسألة يدخل في دعاء العبادة، لأنه لون من ألوان العبودية لله تعالى حين يقف العبد بين يدي ربه ويدعوه بإسباغ النعم عليه وكشف الضر عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
أخرجه الترمذي (ص572، رقم 2516) كتاب صفة الجنة، باب حديث حنظلة. وأحمد (1/293، رقم 2669). قال الترمذي: حسن صحيح.

(2)
[غافر: 60]

(3)
سبق تخريجه.



ابوالوليد المسلم 02-12-2024 02:30 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(175)


شروط الدعاء

حتى يكون الدعاء مقبولاً عند الله تعالى لا بد من توافر بعض الشروط والضوابط التي تدخله في إطاره الشرعي، ليتحقق معنى العبودية ويحصل مطلب الاستجابة، ومن أهم هذه الشروط:
أولاً: إخلاص الدعاء لله وحده:
بأن يتوجه العبد بدعائه إلى الله تعالى وحده دون غير سواء، فلا يسأل إلا الله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يتضرع إلا لله، ولا يقدم الثناء والتعظيم إلا لله، فلا يتخذ للتواصل مع الله تعالى وسائط ووسائل ليقربهم إليه من تماثيل أو أحجار أو أشخاص كما كانت تفعله العرب في الجاهلية، فإنها شرك بالله تعالى كما قال:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(1).
ذلك لأن الله تعالى أمر عباده اللجوء إليه مباشرة من غير وسيط، فإنه قريب منهم، يسمع دعاءهم وشكواهم فلا حاجة لمثل تلك الآلهة والمعبودات للوصول إلى الله تعالى أو إيصال الدعاء إليه، يقول تبارك وتعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(2).
وأما الدعاء لغير الله تعالى والتوسل بالأشخاص والأحجار والأشجار فإنها لا تزيد صاحبه إلا ضلالاً وانحرافًا عن هدي الله تعالى، لأن تلك المعبودات من خلق الله وصنعه، ولا تستطيع دفع الضر عن نفسها، فكيف تدفعه عن غيرها؟! يقول تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3).
وفي وصيته عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما: «يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله»(4).
ثانيًا: اليقين بقدرة الله تعالى على إجابة الدعاء:
ويدخل هذا في باب حسن الظن بالله تعالى في استجابته لدعاء عبده، وقدرته على تحقيق ما يسأله هذا العبد من الرحمة والمغفرة، ومن كشف الضر وتخفيف المصيبة، وبسط الرزق، وإغداق النعم، وغيرها، لأن الله تعالى تعهد بذلك لعباده فقال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(5)، وقال أيضًا:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(6).
فلا ينبغي للعبد أن يدعو وهو يشك في الاستجابة أو غير مطمئن لنتيجة دعائه، لأن رحمة الله أوسع مما يتصوره العبد، وعفوه غير محدود للمنيبين إليه، واستجابة الدعاء ليس بعزيز عليه جلّ وعلا، لقوله تعالى في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرب مني شبرًا تقربت إليه ذراعًا وإن تقرَّبَ إلي ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة»(7).
فالله تعالى يستجيب لعبده الداع لا محال، عاجلاً أم آجلاً، فربما يتحقق الدعاء ويستجاب له بشكل عاجل، وقد يتأخر حينًا من الزمن، يطول أو يقصر، لقوله ﷺ: «إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردها صفرًا خائبتين»(8).
والمهم في ذلك كله ألا يستعجل العبد ويقول أن الله تعالى لم يستجب لي، لقوله ﷺ: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي»(9).
وإذا لم يتحقق الدعاء في الحياة الدنيا، فإنما يؤخرها الله له في الآخرة، ليكون له نجاة وحجابًا من النار، أو يدفع به ضرًّا لقوله ﷺ: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر»(10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[الزمر: 3]

(2)
[البقرة: 186]

(3)
[الأعراف: 194]

(4)
سبق تخريجه

(5)
[البقرة: 186]

(6)
[غافر: 60]

(7)
أخرجه البخاري (ص1273، رقم 7405) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {ﯳﯴﯵ }. ومسلم (ص1166، رقم 6805) كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى.

(8)
أخرجه أبو داود (ص221، رقم 1488) كتاب الوتر، باب الدعاء. والترمذي (ص811، رقم 3556) كتاب الدعوات، باب 105. وهو حديث حسن.

(9)
أخرجه البخاري (ص1102، رقم 6340) كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل. ومسلم (ص1186، رقم 2735) كتاب الذكر والدعاء، باب أنه يستجاب للعبد ما لم يعجل.

(10)
أخرجه الترمذي (ص814، رقم 3573) كتاب الدعوات، باب في انتظار الفجر. وابن ماجه (ص576، رقم 4003) كتاب الفتن، باب فتنة النساء. وأحمد (3/18، رقم 11149). والحديث حسن صحيح.










ابوالوليد المسلم 02-12-2024 02:35 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(176)



شروط الدعاء

ثالثًا: حضور القلب أثناء الدعاء:
ينبغي أن يكون العبد الداعي، حاضر القلب أثناء الدعاء، يعلم ما يقول، بحيث يتوافق قلبه ويتفاعل مع ما يتضرع به إلى الله تعالى، من ثناء وتعظيم ومن سؤال وشكوى، فلا يكون بلغة غامضة وكلمات مبهمة، كما لا تكون حاله وفكره وقلبه غافلاً عما يقوله ويدعو به، يقول عليه الصلاة والسلام: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ»(1).
رابعًا: إطابة المال والمطعم والمشرب:
يقول تبارك وتعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(2)، فمن أهم شروط قبول الأعمال ودلالاته عند الله تعالى، توفر تقوى الله تعالى وخشيته في النفس، ومن أهم مقتضيات ذلك هو البعد عن محارم الله تعالى ونواهيه.
وقد ذكر رسول الله ﷺ إحدى هذه المحظورات التي تعيق الدعاء ويمنع القبول وهي تناول المال الحرام عن طريق الربا أو الرشوة أو السرقة أو الغصب وغيرها، ثم استخدام هذا المال في الملبس والمطعم والمشرب وسائر شؤون الحياة، قال عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(3). وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}(4). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك»(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(1)
أخرجه الترمذي (ص794، رقم 3479) كتاب الدعوات، باب في إيجاب الدعاء بتقديم الحمد والثناء والصلاة على النبي ﷺ. والحاكم (1/670، رقم 1817). قال الحاكم: صحيح الإسناد.


(2)
[المائدة: 27]

(3)
[المؤمنون: 51]

(4)
[البقرة: 172]

(5)
أخرجه مسلم (ص409، رقم 1015) كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب.







ابوالوليد المسلم 20-06-2025 11:39 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(177)


شروط الدعاء
خامسًا: الدعاء بالمشروع والبعد عن المحظور:
الدعاء المشروع: ما دعا به النبي ﷺ، والصحابة رضوان الله عليهم، وكل ما هو مباح من السؤال، من جلب خير ومنفعة، ودفع ضرر أو مفسدة، مثل طلب الرحمة والمغفرة والنجاة من النار، وتفريج الهموم والغموم والمصائب، وكذلك طلب حلول النعم والسعة في الحياة الدنيا، كما قال الله تعالى:{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(1)، فلا يكون الدعاء إلا بالخير العام، سواء لصاحبه أو لغيره من المسلمين.
وكان عليه الصلاة والسلام يدعو بمثل هذا الدعاء الخيّر والشامل، كما جاء في الحديث: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها«(2).
أما الدعاء المحظور: وهو الدعاء بإثم، أو قطيعة رحم، أو تعجل، وقد نهى عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء بقوله: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء«(3).
كما أن الدعاء بتمني الموت يدخل في هذا الباب وقد نهى النبي ﷺ عنه بقوله: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا للموت فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي«(4).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا«(5).
سادسًا: عدم الاعتداء في الدعاء:
والاعتداء أن يتجاوز الداعي في الدعاء حدود المعقول أو السؤال عن أشياء تعهد الله تعالى بحجبها أو تأجيلها إلى آجال أخرى، وقد نهى الله تعالى عن الاعتداء في الدعاء فقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(5).
وحين تعدى قوم موسى عليه السلام حدود الدعاء بطلب رؤية الله، عاقبهم الله تعالى بالصاعقة، قال جلّ شأنه:{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}(6).
* * *
فإذا اختل شرط من هذه الشروط، أو دعا العبد بخلافها؛ فإن ذلك كفيل بردّ الدعاء وعدم استجابته، بل إن هذه العبادة تنقلب معصية ويترتب عليها الوعيد الشديد من الله تعالى.
إضافة إلى ذلك فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من أسباب ردّ الدعاء وعدم إجابته ترْك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم«(7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(1)
[البقرة: 201]

(2)
أخرجه مسلم (ص1181، رقم 2722) كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل.

(3)
أخرجه مسلم (ص1186، رقم 2735) كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للعبد ما لم يعجل.

(4)
أخرجه البخاري (ص1004، رقم 5671) كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت. ومسلم (ص1167، رقم 2680) كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضرر نزل به.

(5)
أخرجه مسلم في المرجع السابق.

(6)
[الأعراف: 55]

(7)
[النساء: 153]




ابوالوليد المسلم 20-06-2025 11:41 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(178)





آداب الدعاء(1-4)
1- الثناء على الله:
إن من أهم مظاهر التأدب مع الله تعالى حين يقف العبد بين يديه ويدعوه أن يبدأ بتعظيمه والثناء عليه، وأن ينزهه عن كل ما لا يليق بجلاله، لأن الله يحب ثناء عبده عليه ومدحه له، يقول تبارك وتعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1). ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: «لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه« (2).
فيكون ذلك مدخلاً طيبًا لمخاطبة الخالق وبث الشكوى إليه، وسببًا للإجابة وتحقيق المأمول، فعن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: سمع رسول الله ﷺ رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوًا أحد. فقال: «لقد سألت باسم الله الأعظم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب«(3).
وقد أثنى الله تعالى على عباده الذين يثنون عليه قبل الدعاء، ويعظمونه بالتفكر والتدبر في هذا الكون، ويؤمنون بالحق الذي بنيت عليه السموات والأرض وعلاقتها بخلق الإنسان ووظيفته في الحياة، بقوله جلّ وعلا:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ . رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}(4).
2- استقبال القبلة:
وكثيرًا ما كان الرسول ﷺ يستقبل القبلة أثناء الدعاء، لعظم شأنها ومكانتها عند الله تعالى، ولأنها الوجهة التي يتوجه إليها المسلمون في صلواتهم التي هي القرآن والدعاء والذكر، فمن الأَوْلى أن يتوجه إليها أثناء الدعاء.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يرفع يديه ويستقبل القبلة ويدعو بعد رمي الجمرات في منى، «عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه ﷺ كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيستهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف فيقول هكذا رأيت النبي ﷺ يفعله« (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[الأعراف: 180]

(2)
أخرجه البخاري (ص793، رقم 4634) كتاب التفسير، باب قوله تعالى: ﴿﴾. ومسلم (ص1196، رقم 2760) كتاب التوبة، باب غيرة الله وتحريم الفواحش.

(3)
أخرجه أبو داود (ص221، رقم 1495) كتاب الوتر، باب الدعاء. وابن ماجه (ص551، رقم 3857) كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم. وهو حديث صحيح.

(4)
[آل عمران: 190-193]

(5)
أخرجه البخاري (ص282، رقم 1752) كتاب الحج، باب إذا رمى الجمرتين يقول مستقبلا القبلة.




ابوالوليد المسلم 20-06-2025 11:43 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(179)





آداب الدعاء(2-4)



3- الإقرار بالذنب:
إن من أجلّ مظاهر العبودية لله تعالى ومن أكبر علامات التواضع حين يقف العبد بين يديه ضعيفًا لا حول له ولا قوة، ويعترف بذنبه وعظم خطيئته ويشعر أنه أمام من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ثم يبدأ بالدعاء بالعفو والمغفرة والرحمة.
فقد أقرّ آدم وزوجه عليهما السلام بالذنب واعترفا به لقوله تعالى:{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(1).
كما اعترفت بلقيس بذنبها حين رجعت من الشرك إلى التوحيد:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(2).
وقالها موسى عليه السلام حين قتل رجلاً:{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(3).
وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن الاعتراف بالخطيئة من أفضل الدعاء وأوفقه، فقال: «إن أوفق الدعاء أن يقول الرجل: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي يا ربّ فاغفر لي ذنبي إنك أنت ربي إنه لا يغفر الذنب إلا أنت«(4).
4- الخضوع والخشوع أثناء الدعاء:
وذلك بأن يظهر العبد فقره وضعفه أمام قوة الله تعالى وجبروته، ويظهر خضوعه وتذللـّه حين يسأل الله تعالى، رغبة ورهبة منه جل وعلا، وقد جاء الحث على ذلك واضحًا في كتاب الله:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(5).
كما أثنى الله تعالى على الذين يدعون بخشوع وتذلل فقال:{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(6).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم ينصب وجهه لله عز وجل في مسألة إلا أعطاها إياه إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له«(7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1)
[الأعراف: 23]

(2)
[النمل: 44]

(3)
[القصص: 16]

(4)
أخرجه أحمد (2/515، رقم 10692). والطبراني في الكبير (5/78، رقم 4800). وهو حديث صحيح.

(5)
[الأعراف: 55]

(6)
[السجدة: 16]

(7)
أخرجه أحمد (2/448، رقم 9784). والطبراني في الأوسط (4/337، رقم 4368). وهو حسن لغيره.




ابوالوليد المسلم 20-06-2025 11:45 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(180)




آداب الدعاء(3-4)




5- الإلحاح بالدعاء:
وهو تكراره والإكثار منه في جلّ الأوقات، فإن الله تعالى لا يملّ من دعاء عبده إذا دعاه، بل إنه يحب ذلك منه، وربما يكون سببًا للإجابة المباشرة، وكان عليه الصلاة والسلام يكرر الدعاء ثلاثًا، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه الطويل والذي قال فيه: «...فلما قضى النبي ﷺ صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثًا وإذا سأل سأل ثلاثًا، ثم قال: اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، الله عليك بقريش«(1).
وعن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: - وهو في قبة له يوم بدر - أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا، فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع، فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر«(2).
وقد حث عليه الصلاة والسلام في الإلحاح على الله بالدعاء وعدم إظهار الاستغناء عنه بحجة أن ذلك مستكره له، فقال ﷺ: «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له«(3).
6- رفع اليدين:
ويسن رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء، وبخاصة في المواضع التي رفع فيها النبي ﷺ يديه، لما في ذلك من تعظيم لله تعالى، ومدى حاجة العبد إليه وقلة حيلته نحوه، يقول أنس رضي الله عنه: «رأيت رسول الله ﷺ يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه«(4).
وعن أنس رضي الله عنه قال: «بينما النبي ﷺ يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع وهلك الشاء فادع الله أن يسقينا، فمد يديه ودعا«(5).
7- التأمين بعد الدعاء:
ويستحب للعبد التأمين على الدعاء، وهو قوله: «آمين» أي: أجب يا ربنا، لأن الملائكة تؤَمّن لدعائه، وهو سبب لإجابة الدعاء وحصول المغفرة والرحمة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه«(6).
كما قال عليه الصلاة والسلام: «من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل«(7).
8- الدعاء بين الجهر والمخافتة:
بما أن الدعاء هو التخاطب باللسان مع الله تعالى بحضور القلب، فلا بد أن يتأدب العبد مع ربه حين يخاطبه، وذلك بعدم رفع الصوت أو الصراخ، كما لا يجوز الدعاء بهمهمة غير مفهومة، بل يكون الأمر وسطًا بين الحالتين.
فقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن رفع الصوت أثناء الدعاء أو التكبير أو التهليل، يقول أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: كنا مع رسول الله ﷺ، فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا، فقال النبي ﷺ: «يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده«(8).
وقالت عائشة رضي الله عنها: «{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}(9)أنزلت في الدعاء«(10).
9- الدعاء بجوامع الكلم:
كما جاء في الهدي النبوي الدعاء بجوامع الكلم، وعدم الدخول في التفاصيل كثيرًا، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله ﷺ وأنا أصلي وله حاجة، فأبطأت عليه، فقال: «يا عائشة عليك بجمل الدعاء وجوامعه» فلما انصرفت من صلاتي قلت: يا رسول الله ما جمل الدعاء وجوامعه؟ قال: «قولي: اللهم إني أسألك الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمتُ منه وما لم أعلم، أسألك الجنة ما قرَّب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل، وأسألك مما سألك منه محمد ﷺ وأعوذ بك مما تعوّذ منه محمد، ﷺ، وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشَدا«(11).
وكان هذا شأنه عليه الصلاة والسلام في الدعاء، ويعلمها من يدخل الإسلام حديثًا، فعن طارق بن أشيم قال: كان النبي ﷺ يُعلّم من أسلم: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ثم قال: هؤلاء جمعْن خير الدنيا والآخرة«(12).
وعن أنس رضي الله عنه قال: أكثر ما سمعت النبي ﷺ يدعو: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار«(13).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
أخرجه البخاري (ص44، رقم 240) كتاب الوضوء، باب إذا لقي على ظهر المصلى قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته. ومسلم (ص799، رقم 1794) كتاب الجهاد، باب ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين.
(2)
أخرجه البخاري (ص482، رقم 2915) كتاب الجهاد، باب ما قيل في درع النبي ﷺ.
(3)
أخرجه البخاري (ص1102، رقم 6338) كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له. ومسلم (ص1167، رقم 2678) كتاب الذكر والدعاء، باب العزم بالدعاء.
(4)
أخرجه البخاري (ص165، رقم 1031) كتاب الاستسقاء، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء. ومسلم (ص958، رقم 895) كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء.
(5)
أخرجه البخاري (ص149-150، رقم 932) كتاب الجمعة، باب رفع اليدين في الخطبة.
(6)
أخرجه البخاري (ص127، رقم 781) كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى. ومسلم (ص174، رقم 410) كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين.
(7)
أخرجه مسلم (ص1185، رقم 2732) كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الدعاء للمساكين بظهر بالغيب.
(8)
أخرجه البخاري (ص494، رقم 2992) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. ومسلم (ص1175، رقم 2704) كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالدعاء.
(9)
[الإسراء: 110]
(10)
أخرجه البخاري (ص817، رقم 4722) كتاب التفسير، باب{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}. ومسلم (ص188، رقم 446) كتاب الصلاة، باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية.
(11)
أخرجه أحمد (6/146، رقم 25180). والحاكم (1/702، رقم 1914) وقال: صحيح الإسناد.
(12)
أخرجه مسلم (ص267، رقم 660) كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة.
(13)
أخرجه البخاري (ص768، رقم 4522) كتاب الدعوات، باب قول النبي ﷺ: ربنا آتنا في الدنيا حسنة. ومسلم (ص1170، رقم 2688) كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة.


ابوالوليد المسلم 20-06-2025 11:49 PM

رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
 
حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(181)


آداب الدعاء(3-4)


10- تحري الأوقات والأزمان:
الأفضل في الدعاء أن يتحرى العبد الأوقات والأماكن المفضلة للدعاء، والتي جاء ذكرها في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، ونذكر بعضًا منها:
- جوف الليل، لقوله تعالى:{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}(1)، ثم يذكر الله تعالى فضل آخر الليل من حيث أثر العبادة والدعاء والقرآن على النفس فيقول:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}(2)، حيث يَعمّ الهدوء والسكينة الأجواء، فتصفى النفس ويرقّ القلب، ويبدأ العبد بمناجاة ربه ويضع بين يديه حاله من ضعف وخطيئة ومصيبة.
وأثناء هذا الصفاء الكوني والإنساني ينزل الله تبارك وتعالى نزولاً يليق بجلاله وعظمته، ليجيب دعوة عباده وينزل عليهم عفوه ورحمته، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل يعطى هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له حتى ينفجر الصبح«(3).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «في الليل ساعة لا يسأل الله فيها عبد مسلم شيئًا إلا أعطاه الله وذلك كل ليلة«(4).
وقد سئل النبي ﷺ: أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات«(5).
- بين الأذان والإقامة: وهي فترة زمنية مباركة حين يلبي العباد دعوة الله تعالى للصلاة والفلاح، إلى أن يحين وقت إقامة الصلاة، فقد جعل الله تعالى هذا الوقت مباركًا لأنه بداية الدخول عليه والوقوف بين يديه، حيث تكون الإجابة أقرب من غيره من الأوقات، يقول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة، فادعوا«(6).
- أثناء الصلاة وبعدها: فقد ثبت عن النبي ﷺ الدعاء أثناء الصلاة بعد تكبير الإحرام وقبل الفاتحة وفي الركوع وعند الاعتدال من الركوع وفي السجود وبعد التشهد الأخير، وكلها مواطن يستحب فيها الدعاء، فضلاً عن دعاء القنوت عند البلاء والنوازل، فمن دعائه صلى الله عليه بعد الاعتدال من الركوع: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم طهرني بالثلج والماء والبرد. اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الوسخ«(7).
كما ثبت عنه ﷺ الدعاء في السجود أثناء الصلاة فقال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء«(8).
وأما بعد الصلاة وآخر الصلاة بعد التشهد الأخير، فللحديث السابق ذكره عن أسمع الدعاء: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات«(9).
ويقول معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ أخذ بيده وقال: «يا معاذ والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك«(10).
- في يوم الجمعة: لقوله ﷺ: «في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرًا إلا أعطاه«(11).
- أثناء الوقوف بعرفة: ولعرفة فضل زماني ليومه، ومكاني لموقعه، وهو محل استجابة الدعاء لهذين الفضلين، يقول عليه الصلاة والسلام: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
«(12).
- الدعاء عند النداء وعند نزول المطر: لقوله ﷺ: «ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر«(13).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[المزمل: 2]

(2)
[المزمل: 6]

(3)
أخرجه مسلم (ص307، رقم 758) كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء.

(4)
أخرجه مسلم في المرجع السابق (رقم 757).

(5)
أخرجه الترمذي (ص798، رقم 3499) كتاب الدعوات، باب ينزل ربنا كل ليلة. وهو حديث صحيح.

(6)
أخرجه الترمذي (ص59، رقم 212) كتاب الصلاة، باب أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة. وأحمد (3/155، رقم 12606). وابن حبان (4/94، رقم 1696). وهو حديث صحيح.

(7)
أخرجه مسلم (ص198، رقم 476) كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه في الركوع.

(8)
أخرجه مسلم (ص199، رقم 482) كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع.

(9)
سبق تخريجه.

(10)
أخرجه أبو داود (ص225، رقم 1522) كتاب الوتر، باب في الاستغفار. والترمذي (ص777، رقم 3407) كتاب الدعوات، باب منه (دعاء: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر).

(11)
أخرجه البخاري (ص150، رقم 935) كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة. ومسلم (ص342، رقم 852) كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة.

(12)
أخرجه الترمذي (ص817، رقم 3585) كتاب الدعوات، باب دعاء يوم عرفة.

(13)
أخرجه أبو داود (ص368، رقم 2542) كتاب الجهاد، باب الدعاء عند اللقاء. والحاكم (2/124، رقم 2534)، ولفظ أبي داود: »عند النداء وعند البأس».




الساعة الآن : 12:35 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 465.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 464.69 كيلو بايت... تم توفير 0.98 كيلو بايت...بمعدل (0.21%)]