بادروا قبل أن تغادروا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بادروا قبل أن تغادروا فإن المؤمن ليس بمعصوم من الخطيئة، وليس في منأى عن الهفوة، وليس في معزل عن الوقوع في الذنب فقد ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم))1. وكم من مذنب طال أرقه، واشتد قلقه، وعَظُمَ كمده، واكتوى كبده، يلفه قتار المعصية، وتعتصره كآبة الخطيئة، يلتمس نسيم رجاء، ويبحث عن إشراقة أمل، ويتطلع إلى صبح قريب يشرق بنور التوبة والاستقامة، والهداية والإنابة؛ ليذهب معها اليأس والقنوط، وتنجلي بها سحائب التعاسة والخوف، والهلع والتشرد والضياع، وإن الشعور بوطأة الخطيئة، والإحساس بآلام الجريرة، والتوجع للعثرة، والندم على سالف المعصية، والتأسف على التفريط، والاعتراف بالذنب؛ هو سبيل التصحيح والمراجعة، وطريق العودة والأوبة والبدار إلى الله بالتوبة النصوح. بادروا قبل أن تغادروا {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}2، {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}3. بادروا بالتوبة والإنابة تجدون رباً عظيماً، وإلهاً قريباً، يغفر الذنب، ويقبل التوبة، ويعفو عن الخطيئة فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))4، وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله - عز وجل -: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة))5، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بادروا بالأعمال، فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا))6. وكان الحسن يقول في موعظة: "المبادرة المبادرة، فإنما هي الأنفاس لو حُبِسَت انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله - عز وجل -، رحم الله امرءاً نظر إلى نفسه وبكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ هذه الآية: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}))7، وقال أيضاً: "يتوسد المؤمن ما قدم من عمله في قبره، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فاغتنموا المبادرة رحمكم الله في المهلة"8، وقال بعضهم: "اغتنم تنفس الأجل، وإمكان العمل، واقتطع ذكر المعاذير والعلل، فإنك في أجل محدود، ونفس معدود، وعمر غير ممدود"، وقال آخر: "اعمل عمل المرتحل، فإن حادي الموت يحدوك ليوم ليس يعدوك، فيطرحك في حفرة لا يخافك فيها أحد ولا يرجوك"، وكتب رجل إلى بعض إخوانه: "أما بعد: فإن الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والموت متوسط بينهما، ونحن في أضغاث أحلام والسلام". وكتب محمد بن يوسف إلى أخٍ له: "سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني محذرك من دار منقلبك إلى دار إقامتك، وجزاء أعمالك، فتصير في باطن الأرض بعد ظهرها، فيأتيك منكر ونكير فيقعدانك فينتهرانك، فإن يكن الله معك فلا فاقة، ولا حاجة، ولا بأس، ولا وحشة، وإن يكن غير ذلك فأعاذني الله وإياك يا أخي من سوء المصرع، وضيق المضجع، ثم تبلغك صيحة النشور، ونفخة الصور، وقيام الخلائق لفصل القضاء، وامتلأت الأرض بأهلها، والسموات بسكانها، فباحت الأسرار، وسعرت النار، ووضعت الموازين، ونشرت الدواوين {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}9، فكم من مفتضح، ومستور، ومعذب، ومرحوم، وكم من هالك وناج، فيا ليت شعري ما حالي وحالك يومئذ، فإن في هذا ما هدم اللذات، وسلى عن الشهوات، وقصر من الأمل، وأيقظ النائم ونبه الغافل"10. فالمبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، قبل أن يصير المحبوس في حفرته بما قدم من عمل، ويحول الموت بين المؤمل وبلوغ الأمل يا من ظلمة قلبه كالليل إذا يسري؛ أما آن لقلبك أن يستلين. اللهم ألهمنا ذكرك، ووفقنا للقيام بحقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، ولا تفضحنا بين خلقك يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج، يا قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، هب لنا ما سألناه، وحقق رجاءنا فيما تمنيناه، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ما في ضمائر الصامتين، أذقنا برد عفوك، وحلاوة مغفرتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله أجمعين. 1رواه مسلم برقم (2749).2 سورة النور (31). 3 سورة آل عمران (133). 4 رواه الترمذي برقم (3540)، وقال الشيخ الألباني: صحيح. 5 رواه مسلم برقم (2687). 6 رواه مسلم برقم (118). 7 مريم (84). 8 اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (1/97). 9 سورة الزمر (69). 10 اغتنام الأوقات في الباقيات الصالحات قبل هجوم هام اللذات عبد العزيز السلمان. |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
اللهم ألهمنا ذكرك، ووفقنا للقيام بحقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، ولا تفضحنا بين خلقك يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج، يا قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، هب لنا ما سألناه، وحقق رجاءنا فيما تمنيناه، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ما في ضمائر الصامتين، أذقنا برد عفوك، وحلاوة مغفرتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله أجمعين. ******** اللهم آآآآمين جزاكِ الله خيرا اختى فى الله اخت الاسلام موضوع اكثر من رائع وطرح قيم جعله الله بميزان حسناتكِ ولا حرمكِ الله الاجر بأمان الله |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=ريحانة دار الشفاء;894788]
وأنت من أهل الجزاء أختي الغالية وفقك المولى لما يحبه ويرضاه شكرا لمرورك الطيب |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
بارك الله فيك ونفع يك أختي الغالية ولاحرمت أجرموضوعك القيم |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
السلام عليكم ورحمة الله:rolleyes:
والله موضوع رائع:eek:.. فذكر ان الذكرى تنفع المؤمنين:_11: شكرا كثيرا طيبا على الموضوع الرائع:eek:.. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللذين سبقونا بالاسلام:eek: هدانا واياكم وأصلح بالنا وبالكم وأدامنا في طاعته:eek: أسأل الله أن يتقبل منا صالح أعمالنا ويهدينا لنتوب اليه وألا يقبضنا اليه الا ونحن مسلمون:_11: امين:) |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=أملي في الله;895324]
وبارك فيك أيضا غاليتي وفقك الله لما يحبه ويرضاه |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=عبدالناصر ع الناصر;895338]
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته امين يارب اهلا وسهلا بكم معنا في بيتكم الشفاء جزاكم الله خيرا لمروركم الطيب |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
سلمت الأيادي أختِ الفاضلة ومشرفتنا الفاضلة .. موضوع قيم ومفيد نسال الله ان يرزقنا الفردوس الاعلى من الجنة ونسأله الله العفو والعافية .. http://img522.imageshack.us/img522/9783/do3axy8.gifhttp://i7.tagstat.com/image03/d/deaa/00aU053rtWG.gif "ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا ان تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون " صدق الله العظيم |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
شكرا لكي أيضا أختي على الموضوع...
ادا كانت ردودنا طيبة..فالموضوع سبب طيبتها:) |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
شكراً لكِ وجزاكِ الله الجنه
|
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[QUOTE=abdalll;896842]
الله يسلمك امين يارب وفقكم المولى لما يحبه ويرضاه في امان الله " |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=عبدالناصر ع الناصر;896849]
لا شكرا على واجب أهلا وسهلا بكم معنا في منتدنا الشفاء الاسلامي أعاننا الله واياكم |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=أبومحمودالسوري;896884]
لا شكرا على واجب وأنتم من أهل الجزاء بارك الله فيكم على مروركم الطيب |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
الخطيب علي بن عبد الرحمن الحذيفي أمّا بعد: فاتّقوا الله ـ معشر المسلمين ـ حقَّ التقوى، فتقوى الله الجليل عدّة لكلّ شدّة، وحصنٌ أمين لمَن دخله، وجُنّة من عذاب الله.واعلموا ـ عبادَ الله ـ أنَّ ربَّكم خلق بني آدم معرَّضًا للخطيئات، ومعرَّضًا للتقصير في الواجبات، فضاعف له الحسناتِ، ولم يضاعِف عليه السيِّئات، قال الله تعالى: مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِٱلسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام:160]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((إنّ الله كتب الحسناتِ والسيّئات، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبَها الله عندَه حسنةً كامِلة، فإن عمِلها كتبها الله عندَه عشرَ حسنات، إلى سبعمائة ضِعف، إلى أضعافٍ كثيرة، فإن همَّ بسيّئة فلم يعملْها كتبَها الله حسَنة كامِلة، فإن عمِلها كتبها الله عنده سيِّئة واحدة)) رواه البخاري[1]. فشرَع الله لكسبِ الحَسَنات طرُقًا للخيرَات وفرائضَ مكفِّراتٍ للسيِّئات رافعةً للدّرجات، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قال: ((الصلواتُ الخمس والجُمعة إلى الجُمعة ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِب الكبائر)) رواه مسلم[2]، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((أربعون خَصلةً أعلاها مَنيحَة العَنز، ما مِن عاملٍ يعمَل بخصلةٍ منها رَجاءَ ثوابِها وتَصديقَ مَوعودِها إلاّ أدخله الله بها الجنّة)) رواه البخاري[3]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قال: ((الإيمان بضعٌ وسبعون ـ أو بضعٌ وستون ـ شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطّريق، والحياءُ شعبَة من الإيمان)) رواه البخاري ومسلم[4]، وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله، أيُّ العمل أفضَل؟ قال: ((الإيمانُ بالله والجِهاد في سبيلِه))، قلتُ: أيُّ الرِّقاب أفضل؟ قال: ((أنفسُها عندَ أهلها وأكثرُها ثمَنًا))، قلتُ: فإن لم أفعل؟! قال: ((تُعين صانعًا أو تصنَع لأخرَق))، قلت: يا رسولَ الله، أرأيتَ إن ضعفتُ عن بعضِ العمَل؟! قال: ((تكفُّ شرَّك عن النّاس، فإنّها صدقةٌ مِنك على نفسِك)) رواه البخاري ومسلم[5]، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق)) رواه مسلم[6]، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((إنَّ اللهَ ليرضَى عن العبدِ أن يأكُل الأكلةَ فيحمَده عليها، أو يشربَ الشربة فيحمَده عليها)) رواه مسلم[7]. وكما شرع اللهُ كثرةَ أبوابِ الخير وأسباب الحسنات سدَّ أبوابَ الشرِّ والمحرَّمات، وحرَّم وسائلَ المَعاصي والسيِّئات، ليثقلَ ميزانُ البرِّ والخير، ويخِفَّ ميزانُ الإثمِ والشرِّ، فيكون العبد من الفائزين المفلحين، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif يقول: ((ما نهيتُكم عنه فاجتنِبوه، وما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتم)) رواه البخاري ومسلم[8]. وجِماع الخير ومِلاك الأمر وسببُ السعادة التوبةُ إلى الله تعالى، قال عزّ وجلّ: وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]. ومعنى التوبةِ هي الرجوعُ إلى الله والإنابةُ إليه مِن فعلِ المحرّم والإثم، أو مِن ترك واجبٍ أو تقصير فيه، بصدقِ قلبٍ ونَدمٍ على ما كان. والتوبة النّصوحُ يحفَظ الله بها الأعمالَ الصّالحة التي فعَلها العبد، ويكفِّر الله تبارك وتعالى بها المعاصيَ التي وقعت، ويدفعُ الله بها العقوباتِ النّازلةَ والآتيَة، قال الله تعالى: فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ [يونس:98]. روى ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية عن قتادة قال: "لم ينفَع قرية كفرت ثمّ آمنت حينَ حضرها العذاب فتُرِكت إلاّ قوم يونس، لمّا فقدوا نبيَّهم وظنّوا أنّ العذابَ قد دنا منهم قذَف الله في قلوبِهم التّوبةَ، ولبِسوا المسوح، وألهَوا بين كلّ بهيمة وولدها ـ أي: فرّقوا بينهما ـ، ثمّ عجّوا إلى الله أربعين ليلة، فلمّا عرَف الله الصّدقَ من قلوبِهم والتّوبة والنّدامةَ على ما مضى منهم كشفَ الله عنهم العذابَ بَعد أن تدلَّى عليهم" انتهى[9]. وقال تعالى: وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:3]. والتوبةُ واجبَة على كلِّ أحدٍ مِن المسلمين، فالواقعُ فِي كبيرة تجِب عليه التّوبة لئلاّ يبغتَه الموتُ وهو على معصية، فيندم حين لا ينفع الندم، والواقعُ في صغيرةٍ تجِب عليه التّوبة لأنّ الإصرارَ على الصغيرة يكون من كبائر الذّنوب، والمؤدِّي للواجباتِ التاركُ للمحرّمات تجِب عليه التّوبة أيضًا لما يلحَق العملَ مِن الشّروط وانتفاء موانع قبوله، وما يُخشَى على العمَل من الشّوائب المحذَّر منها كالرّياء، عن الأغرّ بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإنّي أتوب إليه في اليوم مائةَ مرّة)) رواه مسلم[10]. والتّوبة بابٌ عظيم تتحقّق بهِ الحسنات الكبيرةُ العظيمة التي يحبّها الله؛ لأنّ العبدَ إذا أحدَث لكلّ ذنبٍ يقَع فيه توبةً كثُرت حسناتُه ونقصَت سيّئاتُه، قال الله تعالى: وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا http://www.alminbar.net/images/mid-icon.gif إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحًا فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الفرقان:68-70]. أيّها المسلمون، تذكَّروا سعَةَ رحمةِ الله وعظيمَ فضلِه وحِلمِه وجودِه وكرمِه، حيثُ قبِل توبةَ التائبين، وأقال عثرةَ المذنبين، ورحِم ضعفَ هذا الإنسان المسكين، وأثابَه على التّوبة، وفتحَ له أبوابَ الطّهارة والخيرات، عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه عن النبيّ http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قال: ((إنَّ الله تعالى يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيء النّهار، ويبسط يدَه بالنّهار ليتوبَ مسيء الليل)) رواه مسلم[11]. والتّوبة من أعظمِ العبادات وأحبِّها إلى الله تعالى، من اتّصفَ بها تحقَّق فلاحُه وظهَر في الأمور نجاحُه، قال تعالى: فَأَمَّا مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ [القصص:67]. وكفى بفضلِ التّوبة شرفًا فرحُ الرّبِّ بها فرحًا شديدًا، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif: ((للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه من أحدِكم سقَط على بعيره وقد أضلّه في أرض فلاة)) رواه البخاري ومسلم[12]. والتّوبة من صفاتِ النبيّين عليهم الصلاة والسلام ومن صفات المؤمنين، قال الله تعالى: لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلأنصَـٰرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:117]، وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143]، وقال تعالى عن داود عليه الصلاة والسلام: وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:17]، وقال عزّ وجلّ: ٱلتَّـٰئِبُونَ ٱلْعَـٰبِدُونَ ٱلْحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰئِحُونَ ٱلركِعُونَ ٱلسَّـٰجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112]. ألا ما أجلّ صفةَ التّوبة التي بدَأ الله بِها هذه الصفاتِ المُثلى من صفاتِ الإيمان. والتّوبة عبادةٌ للهِ بالجوارِح والقلب، واليومُ الذي يتوبُ الله فيه على العبدِ خيرُ أيّام العُمُر، والسّاعة التي يفتَح الله فيها لعبدِه بابَ التّوبة ويرحمُه بها هي أفضلُ ساعاتٍ في الدّهر؛ لأنّه قد سعِد سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، عن كعب بن مالك رضي الله عنه في قصّة توبَة الله عليه في تخلّفه عن غزوة تبوك أنّه قال: فلمّا سلّمتُ على رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif قال وهو يبرُق وجهُه من السّرور: ((أبشِر بخيرِ يومٍ مرّ عليك منذ ولدَتك أمّك)) رواه البخاريّ ومسلم[13]. معشرَ المسلمين، إنّها تُحيطُ بِكم أخطارٌ عظيمة، وتنذِركم خطوبٌ جَسيمة، وقد نزَل مِن أعداء الإسلام بالمسلمين نوازلُ وزلازل، وأصابتهُم الفتَن والمِحن، وإنّه لا مخرَجَ لهم من هذه المضايِق وهذه الكربَات إلاّ بالتّوبة إلى الله والإنابَة إليه، فالتّوبة واجبةٌ على كلّ مسلِم على وجهِ الأرض من الذّنوب صغارِها وكبارها؛ ليرحمَنا الله في الدّنيا والآخرة، ويكشِف الشرورَ والكرُبات، ويقيَنا عذابَه الأليم وبطشَه الشّديد. قال أهلُ العِلم: إذا كانتِ المعصيةُ بينَ العبد وبين ربّه لا حقّ لآدميٍّ فيها فشروطُها أن يقلِعَ عن المعصيةِ وأن يندَمَ على فعلها وأن يعزمَ أن لا يعودَ إليها أبدًا، وإن كانتِ المعصيةُ تتعلّق بحقّ آدميٍّ فلا بدَّ مع هذه الشّروط أن يؤدّيَ إليه حقَّه أو يستحلّه منه بالعفو. والتّوبة من جميع الذّنوب واجبَة، وإن تابَ من بعضِ الذّنوب صحّت توبتُه من ذلك الذّنب، وبقيَ عليه ما لم يتُب منه. فتوبوا إلى الله أيّها المسلمون، وأقبِلوا إلى ربٍّ كريم، أسبَغَ عليكم نعمَه الظاهرةَ والباطنَة، وآتاكم من كلِّ ما سألتموه، ومدّ في آجالِكم، وتذكّروا قصصَ التائِبين المنيبين الذين مَنّ الله عليهم بالتّوبة النّصوح بعد أن غرقوا في بحارِ الشهوات والشّبهات، فانجَلت غشاوةُ بصائِرهم، وحيِِيَت قلوبُهم، واستنارت نفوسُهم، وأيقظهم اللهُ من موتِ الغفلةِ، وبَصّرَهم مِن عمَى الغَيّ وظلماتِ المعاصي، وأسعدَهم من شقاءِ الموبِقات، فصاروا مَولودِين من جَديد، مستبشرين بنعمةٍ من الله وفضل، لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174]. بسم الله الرحمن الرحيم: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التحريم:8]. بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، ونفعنا بهَديِ سيّد المرسلين وبقولِه القويم، أقول قولي هذا، وأستَغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم. [1]صحيح البخاري: كتاب الرقاق، باب: من همّ بحسنة أو بسيئة (6491) بنحوه، وأخرجه أيضا مسلم في الإيمان، باب: إذا هم العبد بحسنة (131). [2]صحيح مسلم: كتاب الطهارة، باب: الصلوات الخمس... (233). [3]صحيح البخاري: كتاب الجنة وفضلها، باب: فضل المنيحة (2631). [4]أخرجه البخاري في الإيمان، باب: أمور الإيمان (9)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان (35) واللفظ له. [5]أخرجه البخاري في العتق، باب: أي الرقاب أفضل؟ (2518)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان كون الإيمان بالله أفضل الأعمال (84) واللفظ له. [6]أخرجه مسلم في البر والصلة، باب: استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء (2626). [7]أخرجه مسلم في الذكر والدعاء، باب: استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب (2734). [8]أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله http://www.alminbar.net/images/salla-icon.gif (7288)، ومسلم في الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر (1337). [9]تفسير الطبري (11/171). [10]صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار (2702) بنحوه، ومرّة رواه عن الأغرّ عن ابن عمر رضي الله عنهما. [11]صحيح مسلم: كتاب التوبة، باب: قبول التوبة من الذنوب (2759). [12]أخرجه البخاري في الدعوات، باب: التوبة (6309) واللفظ له، ومسلم في التوبة، باب: من الحض على التوبة... (2747). [13]أخرجه البخاري في المغازي، باب: حديث كعب بن مالك (4418)، ومسلم في التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك (2769). |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
نسأل الله تعالى العافية
مشكورة اختي الكريمة بالتوفيق |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
جزاك الله خيراً أختي الفاضلة
ربنا يبارك فيك يا رب ،،، وينفعنا بما قدمت لنا ،،، ربنا يجعله في ميزان حسناتك ويجزيك الجنة اللهم آمين . |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع روعه جزيت خيرا جعله الله في ميزان حسناتك تقبلي تحياتي |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=سامي;982666]
امين يارب لا شكرا على واجب أخي سامي في امان الله |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=صديقة الدموع;982678]
وأنت من أهل الجزاء أختي الغالية ويبارك فيك أيضا ويوفقك لما يحبه ويرضاه امين يارب |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=عاشقة رسولي;982749]
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأنت من اهل الجزاء أخيتي شكرا لمرورك الطيب |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
أخت الأسلام بارك الله فيكِ موضوع رائع جزاكِ الله الف خير |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=خواطر من القلب;983495]
اهلا وسهلا بك غاليتي وبارك فيك أيضا وأنت من أهل الجزاء |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
|
رد: بادروا قبل أن تغادروا
بارك الله فيك ونفع يك
أختي الغالية ولاحرمت أجرموضوعك القيم |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=أماليا;1000783]
وأنت من أهل الجزاء في امان الله |
رد: بادروا قبل أن تغادروا
[quote=عزي ايماني 11;1000805]
وبارك فيك أيضا غاليتي امين يارب وفقك المولى لما يحبه ويرضاه |
| الساعة الآن : 12:24 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour