ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القصة والعبرة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=32)
-   -   ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا... ويُقال انها قصته الشخصية: (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=54112)

فتى القسام 10-05-2006 12:59 AM

قصة مؤثرة ارجو قرأتها بتمعن!!
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

القصة جميلة جدا و مؤثرة أقراها بتمعن

سال الدمع من عيني مهراقا .. منذ أول وهلة .. إلى أن أنهيتها ..

أترككم مع القصة المؤثرة :



أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا... ويُقال انها قصته الشخصية:

لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون.
أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني.
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..
عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟
قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع ..
كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد� أنا تعبة جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..
سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع .
حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها.. فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني.
بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي.
صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم.
قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..
دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!
خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.
سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..
لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..
خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه !
كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً.
مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.
كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر.
في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!
إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!
حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!! وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.
أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.
أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..
قال: نعم ..
نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟
قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..
قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..
دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.
لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..
بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.
أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!
خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ... فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...
لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !! ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار.
عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..
من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على نعمه.
ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة. تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض... لكن حدث العكس !
فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً.
توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...
تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ... آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.
كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..
قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...
أخيراً عدت إلى المنزل. طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.
استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..
أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.
تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟
قالت: لا شيء .
فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟
خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها...
صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله...
لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.
عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده ..
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله


لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم

دمتم بود

دعواتي لكم

zeinab 10-05-2006 01:34 AM

الله يجزيك الخير والله انها قصه جميله ومؤثره..جعلها الله في ميزان حسناتكم

فتى القسام 10-05-2006 01:37 AM

مشكوره اختي على مرورك الطيب

العالول 10-05-2006 03:49 PM

بارك الله بك ابو الفاروق
وجزاك الله خيرا وجعل هذا فى ميزان حسناتك
وانصحكم اخوتى ان اعملو وبشروا ولا يياس احدكم من هدايه انسان فلا يدرى ما الموقف الذى يوثر فى نفسه ويجعله من العباد التائبين العابدين فهذه القصه وان صحت انها للشيخ خالد الراشد فلتنضرو كيف كان وماذا اصبح
اسف للاطاله

فتى القسام 10-05-2006 04:19 PM

مشكور اخي الكريم على مرورك العطر

lamar 10-05-2006 06:20 PM

جزاك الله خيرا قصة مؤثره جدا

فتى القسام 10-05-2006 09:19 PM

مشكوره اختي على مرورك الطيب

درة الشفاء 10-05-2006 09:59 PM

جزاك الله خيرا يا أخي ابا الفاروق

و الله قصة مؤثرة جدا اقشعر لها البدن و سالت الدموع

فتى القسام 10-05-2006 10:01 PM

مشكوره اختي على مرورك الطيب

الــخــنــســاء 11-05-2006 02:01 AM

سال الدمع تأثرا بقصة سالم و أبيه

يا الله يا الله

أدخلني في رحمتك و جعلني من عبادك الصالحين

يا الله


يا رحيم يا رحمان

الــخــنــســاء 11-05-2006 02:02 AM

بارك الله فيك أخي على هذه القصة المؤثرة

الرائعة الهادفة و جعلها في ميزان حسناتك


يا رب

فتى القسام 11-05-2006 02:03 AM

امين يا رب العالمين
مشكوره اختي على مرورك الطيب

الوية الناصر صلاح 11-05-2006 11:58 AM

جزالك الله كل خير اخي ابو فاروق
ووفقنا واياك علي العمل الطيب

فتى القسام 11-05-2006 12:47 PM

مشكور اخي على مرورك الطيب

zoubeir 12-05-2006 02:19 AM

جزاك الله خيرا يا أخي ابا الفاروق

فتى القسام 12-05-2006 02:22 AM

مشكور اخي على مرورك الطيب

فراشة المنتدى 11-03-2007 12:03 PM

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


اخى الكريم
فتى القسام
بارك الله فيك على القصه المؤثره
بارك الله فيك

فتى القسام 11-03-2007 08:17 PM

بسم لله..

بارك الله فيكي أختاااه

مشكووووره على مرورك الطيب

الله لا يحرمنااا من مشاركاتك يا رب

وفقك الله وسد خطاكي..

walaaa 13-03-2007 01:43 PM

السلام عليكم
اخي القسام والله الذي لا اله الا هو بكيت على فراق سالم
جدا قصه مؤثره والله ترق لها القلوب
فتى القسام سلمت يداك
تقبل مروري

فتى القسام 13-03-2007 05:01 PM

بسم لله..

مشكوره أختي على مرورك الطيب

الله لا يرحمنااا من ردودك الطيبه

الله يجزيكي كل خير يا رب

وفقكي الله وسدد خطاكي

النور 363 13-03-2007 05:22 PM

الله يجزيك الخير والله انها قصه جميله ومؤثره..جعلها الله في ميزان حسناتكم

هتاف المجد 13-03-2007 06:04 PM

الله يبارك فيك
وجزاك الله كل خير
وشكرا على القصة المؤثرة

فتى القسام 13-03-2007 06:23 PM

بسم لله..

حياكم الله إخوتي

جزاكم الله كل خير يا رب

مشكورين على مروركم الطيب

وفقكم الله

saico 07-12-2007 10:08 PM

حاول أن تقرأها دون بكاء .....!
 
حاول أن تقرأها دون بكاء .....!




هذه ثالث مرة أقرأها ولا أستطيع أن أتمالك نفسي بالبكاء ا لقصة جميلة جدا و مؤثرة أقراها بتمعن
أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا... ويُقال انها قصته الشخصية :


لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون .


أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد .. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني .


أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق ..


عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟


قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع ..


كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها : راشد... أنا تعبة جداً .. الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..


سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي .. خاصة أنّها في شهرها التاسع .


حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة .. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها .. فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني .


بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي .


صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم .


قالوا، أولاً راجع الطبيبة ..


دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار .. ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر !!


خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي .. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس .


سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..


لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..


خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها . كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه !


كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً .


مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت . دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..


لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته .


كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر .


في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة . لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة ! إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟ !


حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!! وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه . حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض .


أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب .. فبكى .


أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..


قال: نعم ..


نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟ قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..


قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..


دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك .


لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..


بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها .


أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة !!


خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ... فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...


لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !! ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار .


عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..


من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على نعمه . ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة. تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض... لكن حدث العكس !


فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً . توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً ...


تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ... آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.


كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..


قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت ...


أخيراً عدت إلى المنزل. طرقت الباب . تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت .


استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..


أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح .


تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟


قالت: لا شيء .


فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟


خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها ...


صرخت بها ... سالم! أين سالم .. ؟


لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله ...


لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة .


عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده ..


إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله


إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله


لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم


دمتم بود

راضية82 07-12-2007 10:13 PM

يا الله
جزاك الله خيرا

الحياة1 07-12-2007 10:29 PM

السلام عليكم
بصراحة قصة جميلة ومؤثرة كثيرا
بارك الله فيك

زهرة الياسمينا 08-12-2007 12:56 AM

لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم

عن جد قصة اكثر من رائعه وموعظة لمن لا يتعظ ويستهزا باعماله فى الدنيا وحكمة عبره لمن لا يعتبر فلقد اخد الله منه ابنه ليحسسه وليرحمه فسبحان الله حكمه جميل وعظيم .....
ابكتنى كثيرا جدا واهتز قلبى لقراتها .
جزاك الله خيرا اخى الفاضل على قصتك الاكتر من رائع وبارك الله فيك دوما

saico 08-12-2007 01:53 AM

إن الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا
فما جزاء من يوحد رب البرايا
اللهم إغفر لكل من حركت مشاعرة بقرائة هذه القصة




http://www.denana.com/upload/deen/card2/11.jpg

مونية_074 01-03-2008 02:20 AM

لا تبك بعد قراءتها...
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هذه قصة للشيخ خالد الراشد يحكيها و يقول..قصتي مع أعمى...

"لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة ..

بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات..

كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة...

كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون



أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد..

بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه..

أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي..

صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني

.

أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق...

والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول..

وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق



عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري..

كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟

قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع



كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً ..

الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..

سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي..

كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع .

حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال..



كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها.. فانتظرت طويلاً حتى تعبت..

فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني





بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً..

أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على

ولادة زوجتي.



صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم.

قالوا، أولاً راجع الطبيبة

..

دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار ..

ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر



خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي

دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.



سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول..

ثم تذكرت زوجتي وولدي ..

فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..



لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف

عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..



خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً.

اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها.

كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني

لم أستطع أن أحبّه !



كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي..

فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً

.

مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي.

في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..



لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي

الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.



كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس

الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء ..

عمل ونوم وطعام وسهر.



في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي.

كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل



فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!



إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات مضت

لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه



وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!



حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه

الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!



وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ...



كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه ..

بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.



أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد.

ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر..

ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.



أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه.

وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..

قال: نعم ..



نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم

إلى المسجد؟

قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..

قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..



دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي

وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب...

أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.



لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر

فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين

إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..



بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!!



كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره.

ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف.

أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.



أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ...

وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!



خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي...

قرأت وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ...

فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ...

خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...



لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !!

ضممته إلى صدري...

نظرت إليه.

قلت في نفسي...



لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار

عدنا إلى المنزل.

كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت

أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..



من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء ..



وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد.

ذقت طعم الإيمان معهم.

عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا.

لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر.

ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر.

رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس.



أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل

من عيون زوجتي.

الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم.

من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على نعمه.



ذات يوم ...



قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة.

تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض...

لكن حدث العكس !



فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها

فسقاً وفجوراً.



توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...



تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت

لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ...

آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته...

هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت.



إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.



كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً

إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..

قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...



أخيراً عدت إلى المنزل.

طرقت الباب.



تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.

حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا ..

لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.

استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..

أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.

تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟

قالت: لا شيء .

فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟

خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها...

صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟



لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول

بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله...



لم تتحمل زوجتي الموقف.

أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.

عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده .."





إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله

إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله


أتمنى أن لا تنسونا بدعوة من دعواتكم الصالحة


منقول للإفادة بإذن الله...


عبد المنعم محمد 01-03-2008 03:59 AM

اللهم رحمتك نرجوا والى جنتك نصبوا

بارك الله فيك اختي مونيا على حسن الانتقاء الله يحفظك ويرعاك

نهر الكوثر 01-03-2008 08:15 PM

شكرا لكي على هذه القصه المؤاثره وجزاكي الله خير اختي مونيا

مونية_074 03-03-2008 01:15 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد المنعم محمد (المشاركة 468369)
اللهم رحمتك نرجوا والى جنتك نصبوا

بارك الله فيك اختي مونيا على حسن الانتقاء الله يحفظك ويرعاك


اللهم آمين

مشكور أخي الفاضل على المرور الكريم

مونية_074 03-03-2008 01:19 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهر الكوثر5 (المشاركة 469035)
شكرا لكي على هذه القصه المؤاثره وجزاكي الله خير اختي مونيا


مشكورة غاليتي على المرور المعطر بالمسك و العنبر

رزقك الوهاب الأمن و الأمان

العبد الشاكر 26-03-2008 05:20 PM

حكمة ربنا!! قصة تبكي الحجر!!
 
بسم الله الرحمن الرحيم

القصة جميلة جدا و مؤثرة أقراها بتمعن
أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها‎ الشيخ خالد الراشد كثيرا... ويُقال انها قصته الشخصية‎:
لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة .. بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة... كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون‎.
أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه.. أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني‎.
أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق... والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول.. وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق‎..
عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري.. كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟‎
قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع‎ ....
كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً .... الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا‎ ..
سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي.. كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع‎ .
حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال.. كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها.. فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني‎.
بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على ولادة زوجتي‎.
صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم‎.
قالوا، أولاً راجع الطبيبة‎ ..
دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .... والرضى بالأقدار .. ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر‎ !!
خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس‎.
سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول.. ثم تذكرت زوجتي وولدي .. فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي‎ ..
لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس‎ ..
خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً. اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها. كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه‎ !
كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي.. فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً‎.
مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي. في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم‎ ..
لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته‎.
كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء .. عمل ونوم وطعام وسهر‎.
في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي. كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة‎!
إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات مضت، لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟‎!
حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!! وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ... كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه .. بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض‎.
أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر.. ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى‎.
أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم‎ !!..
قال: نعم‎ ..
نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟‎
قال: أكيد عمر .... لكنه يتأخر دائماً‎ ..
قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك‎ ..
دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب... أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك‎.
لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه‎ ..
بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!! كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف. أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها‎.
أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ... وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة‎!!
خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي... قرأت وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ..... فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ... خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق‎ ...

لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !! ضممته إلى صدري... نظرت إليه. قلت في نفسي... لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار‎.
عدنا إلى المنزل. كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت أنّي صلّيت الجمعة مع سالم‎ ..
من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء .. وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد. ذقت طعم الإيمان معهم. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا. لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر. ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر. رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس. أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم. من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على نعمه‎.
ذات يوم ... قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة. تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض... لكن حدث العكس‎ !
فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً‎.
توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً‎...
تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ..... آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته... هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم‎.
كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها‎ ..
قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت‎...
أخيراً عدت إلى المنزل. طرقت الباب. تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره. حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا .. لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت‎.
استعذت بالله من الشيطان الرجيم‎ ..
أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح‎.
تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟‎
قالت: لا شيء‎ .
فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟‎
خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها‎...
صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟‎
لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله‎...
لم تتحمل زوجتي الموقف. أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة‎.
عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده‎ ..
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله‎
إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله
لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم

@بقايا جروح@ 26-03-2008 05:39 PM

ألف شكر لك أخي على القصه المؤثره
أنا قبل كده قرأتها في احدى الكتب ولا اتذكرها جيداً
بس فعلاً أول مره قرأت فيها القصه بكيت فيها بكاءًَ شديداً
مشكور أخوي على موضوعك المميز
يسلموووووووووووووووو

بنت بغداد الجريحة 26-03-2008 06:14 PM

مشكور اخي ع النقل الرائع
حقا قصة مؤثرة
قرأتها عدة مرات وبكيت

العبد الشاكر 26-03-2008 08:14 PM

شكرا على الردود العطرة

al_nawras66 20-04-2008 09:13 PM

بارك الله فيك
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أختنا الفاضلة mounia_074 على هذا الموضوع المبكي فعلا
وأنا أستمتعت جدا بقراءته ونسأل العلي القدير أن يتوب علينا ويصلح نفوسنا ويهدنا
الى ما نحب ونرضا انه سميع الدعاء..

دمتي بحمى الرحمن.......

مونية_074 20-04-2008 11:00 PM

و فيك بارك الرحمن اخي الفاضل على مرورك و ردك الطيبان

اللهم تب علينا و ارزقنا الثبات حتى نلقى وجهك الكريم

hager276 26-05-2008 10:05 AM

قصة سالم
 
حقا سالم طفل نعم و لكنه بألف رجل ...........
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

بدون مقدمات اترك لكم قصة سالم ...


أقرأوها وتمعنوا فيها...
‏أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد

كثيرا... :





‏لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي

أوّل أبنائي.. ‏ما زلت أذكر تلك الليلة

.. ‏بقيت إلى آخر الليل

مع الشّلة في إحدى الاستراحات.. ‏كانت سهرة

مليئة بالكلام الفارغ.. ‏بل بالغيبة والتعليقات

المحرمة... ‏كنت أنا الذي أتولى في الغالب

إضحاكهم.. ‏وغيبة الناس.. ‏وهم يضحكون.


‏أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. ‏كنت

أمتلك موهبة عجيبة في التقليد.. ‏بإمكاني

تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص

الذي أسخر منه.. ‏أجل كنت أسخر من هذا وذاك..

‏لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي.. ‏صار بعض

الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني.


‏أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته

يتسوّل في السّوق... ‏والأدهى أنّي وضعت قدمي

أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما

يقول.. ‏وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق..


‏عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. ‏وجدت زوجتي

في انتظاري.. ‏كانت في حالة يرثى لها.. ‏قالت

بصوت متهدج: ‏راشد.. ‏أين كنتَ ؟


قلت ساخراً: ‏في المريخ.. ‏عند أصحابي بالطبع

..


‏كان الإعياء ظاهراً عليها.. ‏قالت والعبرة

تخنقها: ‏راشد… ‏أنا تعبة جداً

.. ‏الظاهر أن موعد

ولادتي صار وشيكا..


‏سقطت دمعة صامته على خدها.. ‏أحسست أنّي

أهملت زوجتي.. ‏كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل

من سهراتي.. ‏خاصة أنّها في شهرها التاسع

.


‏حملتها إلى المستشفى بسرعة.. ‏دخلت غرفة

الولادة.. ‏جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال..

‏كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. ‏تعسرت

ولادتها.. ‏فانتظرت طويلاً حتى تعبت.. ‏فذهبت

إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني.


‏بعد ساعة.. ‏اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم

سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً.. ‏أول ما رأوني

أسأل عن غرفتها.. ‏طلبوا منّي مراجعة الطبيبة

التي أشرفت على ولادة زوجتي.


‏صرختُ بهم: ‏أيُّ طبيبة ؟! ‏المهم أن أرى

ابني سالم.


‏قالوا، أولاً راجع الطبيبة

..


‏دخلت على الطبيبة.. ‏كلمتني عن المصائب

.. ‏والرضى بالأقدار

.. ‏ثم قالت: ‏ولدك

به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر

!!


‏خفضت رأسي.. ‏وأنا أدافع عبراتي.. ‏تذكّرت

ذاك المتسوّل الأعمى الذي دفعته في السوق

وأضحكت عليه الناس.


‏سبحان الله كما تدين تدان

! ‏بقيت واجماً قليلاً..

‏لا أدري ماذا أقول.. ‏ثم تذكرت زوجتي وولدي

.. ‏فشكرت الطبيبة

على لطفها ومضيت لأرى زوجتي

..


‏لم تحزن زوجتي.. ‏كانت مؤمنة بقضاء الله..

‏راضية. ‏طالما نصحتني أن أكف عن الاستهزاء

بالناس.. ‏كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس

..


‏خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. ‏في

الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً. ‏اعتبرته

غير موجود في المنزل. ‏حين يشتد بكاؤه أهرب

إلى الصالة لأنام فيها. ‏كانت زوجتي تهتم

به كثيراً، وتحبّه كثيراً. ‏أما أنا فلم أكن

أكرهه، لكني لم أستطع أن أحبّه

!


‏كبر سالم.. ‏بدأ يحبو.. ‏كانت حبوته غريبة..

‏قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي.. ‏فاكتشفنا

أنّه أعرج. ‏أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. ‏أنجبت

زوجتي بعده عمر وخالداً.


‏مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. ‏كنت

لا أحب الجلوس في البيت. ‏دائماً مع أصحابي.

‏في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم

..


‏لم تيأس زوجتي من إصلاحي. ‏كانت تدعو لي

دائماً بالهداية. ‏لم تغضب من تصرّفاتي الطائشة،

لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم

واهتمامي بباقي إخوته.


‏كبر سالم وكبُر معه همي. ‏لم أمانع حين طلبت

زوجتي تسجيله في أحدى المدارس الخاصة بالمعاقين.

‏لم أكن أحس بمرور السنوات. ‏أيّامي سواء

.. ‏عمل ونوم وطعام

وسهر.


‏في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر

ظهراً. ‏ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي.

‏كنت مدعواً إلى وليمة. ‏لبست وتعطّرت وهممت

بالخروج. ‏مررت بصالة المنزل فاستوقفني منظر

سالم. ‏كان يبكي بحرقة!


‏إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى

سالم يبكي مذ كان طفلاً. ‏عشر سنوات مضت،

لم ألتفت إليه. ‏حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل.

‏كنت أسمع صوته ينادي أمه وأنا في الغرفة.

‏التفت...

‏ثم اقتربت منه. ‏قلت: ‏سالم! ‏لماذا تبكي؟!


‏حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. ‏فلما شعر

بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه الصغيرتين.

‏ما بِه يا ترى؟! ‏اكتشفت أنه يحاول الابتعاد

عني!! ‏وكأنه يقول: ‏الآن أحسست بي. ‏أين أنت

منذ عشر سنوات ؟! ‏تبعته...

‏كان قد دخل غرفته. ‏رفض أن يخبرني في البداية

سبب بكائه. ‏حاولت التلطف معه

.. ‏بدأ سالم يبين

سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.


‏أتدري ما السبب!! ‏تأخّر عليه أخوه عمر،

الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد. ‏ولأنها

صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل.

‏نادى عمر.. ‏ونادى والدته.. ‏ولكن لا مجيب..

‏فبكى.


‏أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين.

‏لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه. ‏وضعت يدي

على فمه وقلت: ‏لذلك بكيت يا سالم

!!..


‏قال: ‏نعم..


‏نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: ‏سالم

لا تحزن. ‏هل تعلم من سيذهب بك اليوم إلى المسجد؟


قال: ‏أكيد عمر..

‏لكنه يتأخر دائماً..


‏قلت: ‏لا..

‏بل أنا سأذهب بك..


‏دهش سالم..

‏لم يصدّق. ‏ظنّ أنّي أسخر منه. ‏استعبر ثم

بكى. ‏مسحت دموعه بيدي وأمسكت يده. ‏أردت

أن أوصله بالسيّارة. ‏رفض قائلاً: ‏المسجد

قريب... ‏أريد أن أخطو إلى المسجد

- ‏إي والله قال لي

ذلك.


‏لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد،

لكنها المرّة الأولى التي أشعر فيها بالخوف

والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية.

‏كان المسجد مليئاً بالمصلّين، إلاّ أنّي

وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. ‏استمعنا

لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... ‏بل في الحقيقة

أنا صليت بجانبه..


‏بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً.

‏استغربت!! ‏كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل

طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره. ‏ناولته

المصحف...

‏طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف.

‏أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس

تارة..

‏حتى وجدتها.


‏أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة

السورة...

‏وعيناه مغمضتان...

‏يا الله!!

‏إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!


‏خجلت من نفسي. ‏أمسكت مصحفاً

... ‏أحسست برعشة في

أوصالي... ‏قرأت وقرأت.. ‏دعوت الله أن يغفر

لي ويهديني. ‏لم أستطع الاحتمال

... ‏فبدأت أبكي كالأطفال.

‏كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة

... ‏خجلت منهم فحاولت

أن أكتم بكائي. ‏تحول البكاء إلى نشيج وشهيق

...


‏لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح

عنّي دموعي. ‏إنه سالم!!

‏ضممته إلى صدري... ‏نظرت إليه. ‏قلت في نفسي...

‏لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت

وراء فساق يجرونني إلى النار.


‏عدنا إلى المنزل. ‏كانت زوجتي قلقة كثيراً

على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت

أنّي صلّيت الجمعة مع سالم

..


‏من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد.

‏هجرت رفقاء السوء..

‏وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد.

‏ذقت طعم الإيمان معهم. ‏عرفت منهم أشياء

ألهتني عنها الدنيا. ‏لم أفوّت حلقة ذكر أو

صلاة الوتر. ‏ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر.

‏رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي

وسخريتي من النّاس. ‏أحسست أنّي أكثر قرباً

من أسرتي. ‏اختفت نظرات الخوف والشفقة التي

كانت تطل من عيون زوجتي. ‏الابتسامة ما عادت

تفارق وجه ابني سالم. ‏من يراه يظنّه ملك

الدنيا وما فيها. ‏حمدت الله كثيراً على نعمه.


‏ذات يوم...

‏قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى

المناطق البعيدة للدعوة. ‏تردّدت في الذهاب.

‏استخرت الله واستشرت زوجتي. ‏توقعت أنها

سترفض... ‏لكن حدث العكس!


‏فرحت كثيراً، بل شجّعتني. ‏فلقد كانت تراني

في السابق أسافر دون استشارتها فسقاً وفجوراً.


‏توجهت إلى سالم. ‏أخبرته أني مسافر فضمني

بذراعيه الصغيرين مودعاً...


‏تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال

تلك الفترة أتصل كلّما سنحت لي الفرصة بزوجتي

وأحدّث أبنائي. ‏اشتقت إليهم كثيراً

... ‏آآآه كم اشتقت

إلى سالم!!

‏تمنّيت سماع صوته... ‏هو الوحيد الذي لم يحدّثني

منذ سافرت. ‏إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد

ساعة اتصالي بهم.


‏كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك

فرحاً وبشراً، إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها.

‏لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. ‏تغيّر صوتها

..


‏قلت لها: ‏أبلغي سلامي لسالم، فقالت: ‏إن

شاء الله...

‏وسكتت...


‏أخيراً عدت إلى المنزل. ‏طرقت الباب. ‏تمنّيت

أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي

لم يتجاوز الرابعة من عمره. ‏حملته بين ذراعي

وهو يصرخ: ‏بابا..

‏بابا..

‏لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.


‏استعذت بالله من الشيطان الرجيم

..


‏أقبلت إليّ زوجتي...

‏كان وجهها متغيراً. ‏كأنها تتصنع الفرح.


‏تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ‏ما بكِ؟


قالت: ‏لا شيء.


‏فجأة تذكّرت سالماً فقلت

.. ‏أين سالم ؟


خفضت رأسها. ‏لم تجب. ‏سقطت دمعات حارة على

خديها...


‏صرخت بها...

‏سالم! ‏أين سالم..‏؟


لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول بلغته:

‏بابا...

‏ثالم راح الجنّة...

‏عند الله...


‏لم تتحمل زوجتي الموقف. ‏أجهشت بالبكاء.

‏كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.


‏عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد

مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى

.. ‏فاشتدت عليه الحمى

ولم تفارقه...

‏حين فارقت روحه جسده..


‏إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك

نفسك بما حملت فاهتف...

‏يا الله


إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال،

وتقطعت الحبال، نادي...

‏يا الله

حقا سالم طفل نعم و لكنه بألف رجل ...........


الساعة الآن : 10:28 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 80.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 79.02 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]