فلسطين الحضن الدافئ ،، الي كل محب بمعرفة تاريخ فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى و الصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى والنبي المجتبى ... وبعد سأقوم بإذن الله بنشر مقتطفات من تاريخ فلسطين بشكل يومي على هذا المحور ونتمنى للجميع الفائدة 1. فلسطين: خلفية تاريخية من الصعب جدا العودة إلى أعماق التاريخ للتعرف على التطورات التاريخية المغرقة في القدم لأرض الشام بسبب نقص المعلومات ومحدودية قدرات المؤرخين وعلماء الحفريات. لكنه يُقال أن الشام كانت متحدة مع أوروبا وأفريقيا في أزمنة غابرة، وأن هذا التميز الجغرافي الذي نعرفه الآن نجم عن حركة في طبقات الأرض انفجر عنها البحر الأبيض المتوسط ليشكل فاصلا بين أجزاء كبيرة من اليابسة. ومن الناحية التاريخية يقول بعض المؤرخين أن الشام كانت مأهولة بالسكان وأنها شهدت حضارات قديمة مزدهرة، ويدللون على ذلك أن أريحا هي أقدم مدينة في التاريخ وتليها دمشق. يقدر البعض أن هاتين المدينتين ظهرتا حوالي الأف السادس قبل الميلاد. لكن المؤرخين يستطعيون إعطاءنا قصصا مستندة على وثائق أثرية عن ازدهار الحضارة في هذه البلاد في الألف الثالث قبل الميلاد وذلك مع بداية الهجرات من شبه الجزيرة العربية. من المعروف تاريخيا أن أرض شبه الجزيرة العربية كانت طاردة لسكانها وكثيرون منهم توجهوا شمالا إلى أرض الشام المعروفة الآن بالديار السورية والعراقية وجنوبا إلى أرض اليمن. قبائل سامية وعربية كثيرة مثل السومريين والأشوريين والأموريين والآراميين توجهوا شمالا وأنشأوا المدن وطوروا الزراعة وأقاموا الممالك. وما زالت الآثار القائمة حتى الآن تشهد على تعاظم تلك الحضارات ومدى تطورها. لسنا هنا بصدد البحث في التاريخ، وما يعنينا هنا هي تلك الأبعاد التاريخية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي تشكل في بعض الأحيان أدوات جدلية لإثبات الحقوق أو نفيها. وبسبب أن اليهود في فلسطين الآن عبارة عن غزاة عملت الحركة الصهيونية ومن يؤيدها من الكتاب والمؤرخين العودة إلى التاريخ لتبرير هذاالغزو ولإعطائه بعدا أخلاقيا يمكن أن يكون مقبولا من ناحية الدعاية السياسية. ولهذا يركز الكتاب على هذه النقطة والتي سيأتي ضمن شرحها على بعض التطورات والأحداث التاريخية القديمة. والهدف هنا هو تبيان وجهة نظر اليهود الصهاينة حول ما يسمونه بالحق التاريخي وتوضيح الرد العربي عليها. البقية تاتي بإذن الله تعالى |
الحق التاريخي في فلسطين
تحاول الحركة الصهيونية في دعايتها العالمية أن تبرر قيام إسرائيل في فلسطين بناء على ما تسميه بالحق التاريخي لليهود. إنها تحاول إقناع العالم أن لليهود القاطنين في مختلف دول العالم حقا في استملاك أرض فلسطين أو انتزاعها والسكن فيها وإقامة دولة خاصة باليهود فيها بناء على تبريرات تاريخية ودينية وهي تستند في ذلك على ما بحوزتها من كتب دينية وتاريخية تتحدث عن مجريات الأحداث القديمة من وجهة نظر معينة خاصة بتفسير اليهود للتاريخ. وقد استطاعت الحركة الصهيونية من خلال نشاطها الدعائي المكثف، أن تصل إلى عقول وعواطف الكثيرين من الناس خاصة في الغرب وأن تقنعهم بشرعية انتزاعها للأرض من الفلسطينيين وطردهم من ديارهم. حتى لا تختلط الأمور، وحتى يكون القارئ قادرا على استيعاب أفكار الدعاية الصهيونية والرد عليها تم إعداد هذه الورقة التي توضح ما يعنيه الصهاينة بالحق التاريخي وتشرح تعاقب الأحداث الغابرة في سوريا الكبرى بصورة عامة وفي فلسطين بصورة خاصة، وتستنتج بالتالي لمن يعود الحق التاريخي في فلسطين. الحجة الصهيونية تقول الحركة الصهيونية في دعايتها أن فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الرب بها بني إسرائيل. أي هي الأرض التي خصصها الرب تحديدا لتكون موطن بني إسرائيل الدائم. وفي هذا القول تستند الحركة الصهيونية على ما ورد في التوراة، الكتاب المقدس لدى اليهود. تقول التوراة التي يعتقد المسلمون أنها لا تشمل التعاليم الأساسية والأصيلة التي أوحي بها إلى الأنبياء الذين ظهروا قبل ميلاد سيدنا المسيح أن الرب قد قال لأبرام "ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد." (سفر التكوين، إصحاح 13. آية 15-16). وأبرام هذا تعرفه التوراة فيما بعد بإبراهام وإبراهيم وهو سيدنا إبراهيم المعروف لدى المسلمين. وتقول التوراة إن الرب قد قطع ميثاقا مع أبرام قال فيه : "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات". (التكوين، 15، آية 18). والنسل هنا يعني نسل إبراهيم الذي يعتقد الصهاينة أنه جد العبرانيين ونبيهم دون سواهم من البشر. والمقصود في القول الأول أن الرب قد وعد أبرام أن تكون الأرض التي وطئها وهي أرض كنعان (فلسطين) له ولنسله. والمقصود في القول الثاني أن الرب وعد أبرام أن تكون كل الأرض من نهر الفرات حتى نهر مصر (وهو نهر يقول عنه عدد من المؤرخين أنه نهر النيل بينما يرى عدد آخر أنه واد في سيناء عرف بوادي سيناء) له ولنسله. هذه هي أرض إسرائيل الكبرى التي يدعيها الصهاينة اليهود والتي توضحها الخريطة رقم (1). وأعطى الرب، حسب ما تقول التوراة، وعدا ليعقوب حفيد أبرام بقوله: "الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك." (تكوين، 28، 13). والمقصود هنا أيضا أرض كنعان. هذا ويدعو الرب الأرض التي يتحدث عنها أرض كنعان فتقول التوراة: "وأيضا أقمت معهم عهدي أن أعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم التي تغربوا فيها." (خروج، 6، 4). ويستمر الوعد ليشمل موسى إذ كلمه الرب قائلا: " إنكم داخلون إلى أرض كنعان. هذه هي الأرض التي تقع لكم نصيبا. أرض كنعان بتخومها (أي بحدودها)." (عدد، 34، 2). ومن ثم يحدد الرب أرض كنعان وهي أرض الميعاد التي تشمل فلسطين اليوم ما عدا الجزء الجنوبي من النقب، والجزء الشرقي من سيناء، ولبنان اليوم ما عدا طرابلس، وجنوب غرب سوريا اليوم بما في ذلك دمشق وشمال الأردن اليوم ونهر الأردن والبحر الميت. (عدد، 34). أنظر الخريطة (2). لا يكتفي الرب في التوراة بإعطاء أرض كنعان وغيرها لمن تصفهم التوراة بنسل أبرام و إسحاق ويعقوب، بل يؤكد على طرد الشعوب الأخرى منها. إذ يقول الرب لموسى: " اصعد من هنا أنت والشعب الذي أصعدته من أرض مصر إلى الأرض التي خلفت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب قائلا لنسلك أعطيها. وأنا أرسل أمامك ملاكا وأطرد الكنعانيين والأموريين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين." (خروج، 33، 1-2). ويقول الرب بحق الشعوب الأخرى: " فاعلم اليوم أن الرب إلهك هو العابر أمامك نارا آكلة. هو يبيدهم ويذلهم أمامك فتطردهم وتهلكهم سريعا كما كلمك الرب." (تثنية، 9، 3). والرب ينزل الرعب قي قلوب الشعوب الأخرى إذ تقول التوراة: "كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم. من البرية ولبنان. من النهر الكبير نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم. لا يقف إنسان في وجهكم. الرب إلهكم يجعل خشيتكم ورعبكم على كل الأرض التي تدوسونها كما كلمكم." (تثنية، 11، 23-25). والرب يقسو على الشعوب الأخرى فيوصي قائلا: "وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها (أي تقتلها) تحريما الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين." (تثنية، 20، 16-17). حتى أن الرب يقسو على البهائم فتقول التوراة: "... وصعد الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه وأخذوا المدينة. وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف." (يشوع، 6، 20-21). والسبب في وعود الرب المتكررة وغضبه على الشعوب الأخرى هو أنه اختار بني إسرائيل شعبا له. فهذا الشعب، حسب التوراة مقدس. تقول التوراة على لسان الرب وهو يخاطب بني إسرائيل: "لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. ليس من كونكم أكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم واختاركم أو لأنكم أقل من سائر الشعوب. بل من محبة الرب إياكم وحفظه القسم الذي أقسم لآبائكم…." (تثنية، 7، 6-8). فضلا عما تهبه التوراة من حقوق ربانية لبني إسرائيل ومن تميز عن شعوب الأرض تقول الحركة الصهيونية في دعايتها أن بني إسرائيل كانوا أول من أقام حضارة ودولة في فلسطين. فهي تقول أن الشعوب الأخرى التي حلت في البلاد كانت إما من البدو الرحل الذين لا يعرفون الاستقرار وغير قادرين على إقامة حياة مدنية متقدمة، أو من المارين الذين كان لهم أهداف تجارية أو عسكرية. وبالتالي لم تقدم الشعوب الأخرى أي جهود في سبيل تطوير البلاد وتقدمها. بل أن العبرانيين أو بني إسرائيل، على حد قول الصهاينة، هم الذين صنعوا الحضارة وأقاموا حياة الاستقرار والنظام. وعلى نمط القول المأثور: " الأرض لمن يفلحها"، تقول الحركة الصهيونية أن الأرض لمن عمل على الرقي بها واستغلالها بشكل متقدم |
تعاقب الهجرات إلى فلسطين
حتى يتسنى لنا صحة أو خطأ أقوال الحركة الصهيونية، نحاول الاطلاع على تاريخ تعاقب الهجرات إلى فلسطين. وحيث أن المجال هنا ضيق للاستفاضة في الشرح التاريخي فإننا نحاول أن نوجز مركزين على محطات رئيسة علما أن المعلومات التاريخية ليست عصية على التفنيد والتأكيد. عمرت فلسطين في الأزمنة الغابرة كالعصر الحجري والعصر النحاسي شعوب تمركزت في مناطق مختلفة من البلاد كما تدل الحفريات. إلا أن مسيرة الشعوب التاريخية، الشعوب التي أمكن الإمساك ولو بصورة هشة بتاريخ تواجدها وسيرتها في فلسطين، بدأت مع الهجرات السامية التي تدفقت من الجزيرة العربية إلى الشمال بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن) وبلاد ما بين النهرين(العراق). فالجزيرة العربية قاحلة وكان قحطها يدفع بسكانها إلى الهجرة إلى بلاد أكثر وفرة في الماء ومصادر الطعام. يقول المؤرخون أن أول هجرة سامية (أي من القبائل التي تنتمي إلى الجنس السامي الذي ينتمي إليه العرب والعبرانيون والكلدانيون والأشوريون والسومريون) إلى بلاد الشام كانت في الفترة الواقعة بين 3000 و 2500 سنة قبل الميلاد. فقد قدمت حينئذ قبيلة كبيرة وهي الأمورية واستقرت في الجزء الشمالي من سوريا الكبرى أو الإقليم السوري الذي نعرفه اليوم. وتلتها بفترة وجيزة هجرة قبيلة أخرى عرفت باسم الكنعانيين واستقرت في المنطقة السهلية الساحلية من سوريا. وهي الأرض التي أصبحت تعرف باسم كنعان أو الأرض التي تدر لبنا وعسلا وهي المعروفة باسم فلسطين الآن. حل الكنعانيون في البلاد واندمجوا مع من كان فيها من سكان العصور الغابرة وصبغوا البلاد بصبغتهم أي بعاداتهم وتقاليدهم ونمط حياتهم. بالطبع لم تكن البلاد خالية من الحضارة حينئذ. فقد عرف أن أريحا أقدم مدينة في التاريخ وسبق إنشاؤها وجود الكنعانيين. أقام اليبوسيون، أحد بطون الكنعانيين، مدينة يبوس التي أصبحت تعرف فيما بعد بأورساليم (أو مدينة السلام) والتي تم تحريفها عبرانيا إلى أورشليم. وأقام الكنعانيون مدنا مثل عاي ولاجاش (تل الدوير) ومجدو وشكيم وعزة ويافو وبيت شان وبيروتس. وأقاموا عددا كبيرا من التجمعات السكانية التي أخذت أسماء كنعانية. وما زالت التسميات التي أطلقها الكنعانيون على مختلف المناطق متداولة حتى الآن إلى حد كبير ولو ببعض التحريف بسبب التغير اللغوي الذي يطرأ مع الزمن. أما بالنسبة لهجرة الساميين العبرانيين فيعتقد مؤرخون أنها بدأت مع قدوم سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى البلاد. هذا على اعتبار أن سيدنا إبراهيم جد القبائل العبرانية. قدم إبراهيم البلاد حوالي سنة 1950 قبل الميلاد، ويظن أنه وقبيلته اكتسبا اسم العبور أو العابرين من عبورهم نهر الأردن من الشرق، أي من شرق الأردن، إلى الغرب. وقد تطور هذا الاسم مع الزمن ليصبح العبرانيين. تنقل إبراهيم وقبيلته في البلاد واستقر في منطقة الخليل. وقد كانت إقامته بسلام وهدوء إلى جوار السكان الذين كانوا يعمرون البلاد. رزق إبراهيم بولدين: إسماعيل من زوجته هاجر، واسحق من زوجته سارة. تعتبر التوراة أن إسماعيل ابن الجارية وأن اسحق ابن السيدة. ولهذا فإنها تعتبر اسحق صاحب شأن عظيم على عكس إسماعيل. وهي تعكس القصة الإسلامية حول افتداء إسماعيل بالكبش العظيم وتجعل اسحق محور القصة. ومن اسحق ينحدر نسل العبرانيين وهذا النسل هو الذي يصنع التاريخ. لم يقم إبراهيم دولة في فلسطين. بل أن أحفاده هجروا البلاد واستقر بهم المطاف في مصر. وهنا تختلف الروايات التاريخية. فمنها ما يقول أن أحفاد إبراهيم هم أجداد العبرانيين الذين اضطهدهم الفراعنة في مصر مما دفعهم للهروب بقيادة موسى. ومنها ما يقول أن القبائل التي قادها موسى هي قبائل مستقلة ومختلفة عن نسل إبراهيم. على كل حال، تعتقد التوراة أن موسى وقومه من نسل إبراهيم. لم تعد البلاد خالية من السكان بعد هجرة أحفاد إبراهيم إلى مصر. بل بقيت البلاد معمورة ويسير فيها نشاط الحياة باعتياد. فالكنعانيون لم يغادروها وأصبحوا جزءا لا يتجزأ منها. وفد في هذه الأثناء الآراميون الذين انتشروا في الديار السورية وكذلك اليبوسيون الذين أقاموا حصن يبوس المنيع على أحد تلال أورساليم. تحولت أورساليم بعد ذلك لتدعى يبوس. وقد حفر اليبوسيون نفقا التقى مع نفق طبيعي انقل المياه من عين قدرون إلى الحصن، وهو ذات النفق الذي يدعيه اليهود ويقولون أنه نفق الحسمونائيين (العبرانيون الذين اشتهروا في أرض كنعان إبان القرن الثاني ق.م.) هذا هو نفق اليبوسيين. ومما يذكر أن العبرانيين أخذوا الاسم الكنعاني للمدينة المقدسرة وحولوه إلى أورشاليم. هرب موسى وهو سيدنا موسى المذكور في القرآن إلى سيناء حيث تلقى الشرائع السماوية، وحيث تاه بنو إسرائيل بسبب فجورهم. وقد حاول موسى وأخوه هارون لمّ شعث بني إسرائيل ومن ثم الهجرة إلى شرقي الأردن. وقد كانت النية تتجه نحو دخول فلسطين الأرض التي وعد الله بني إسرائيل بها، وكما أوضحنا من مقولات التوراة. لكنه لم يكتب لموسى دخول فلسطين. بل دخلها ملك يدعى يشوع في حوالي نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد أو بداية القرن الثاني عشر. دخل العبرانيون أرض كنعان واحتلوا أريحا وعاثوا فيها فسادا وقتالا. فقد قتلوا كل شيء حي فيها بما في ذلك الحيوانات والنباتات وأخذوا بعدها يتغلغلون عن طريق القتال حينا وعن طريق الزحف التدريجي حينا آخر. وقد استمرت محاولاتهم للاستيلاء على بعض أجزاء فلسطين خاصة الجبلية منها حوالي مائة عام. استطاعوا التواجد كقبائل متفرقة ومتناحرة بصورة أساسية في المناطق المعروفة اليوم بنابلس والقدس والخليل. استمر تناحر قادة قبائلهم أو أسباطهم كما يسمونها حتى ظهور الملك داود المعروف لدى المسلمين. استطاع داود أن يوحد القبائل العبرانية وأن يقيم مملكة موحدة حكمها حوالي أربعين عاما 1004-963 ق.م. وسع داود حدود مملكته شرقا وغربا ولكنه عجز عن هزيمة الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون منطقة غزة والصيدانيين الذين كانوا سكنوا منطقة صيدا. استطاع الفلسطينيون الذين يرجح المؤرخون أنهم من أصل هندي-أوروبي قدموا من جزيرة كريت أن يتمسكوا بموطئ قدمهم. وقد أخذت البلاد اسمها فيما بعد منهم، فأصبحت أرض كنعان الكنعانية والتي تعني السهل تحمل اسم قبائل أتت إليها مؤقتا، وأخذت تُعرف باسم فلسطين. توضح الخريطة رقم (3) مملكة داود والمناطق التي كانت تحت نفوذه. اتخذ داود من يبوس (أورساليم) عاصمة له وبنى فيها قصرا. خلف سليمان والده داود وحكم البلاد حتى عام 923 ق.م. وكان الهيكل (هيكل سليمان) حسبما تورد التوراة وبعض المؤرخين أهم منجزاته. لم تلبث المملكة العبرانية أن اهتزت بعد موت سليمان وعادت القبائل إلى الاقتتال فانقسمت إلى مملكتين. مملكة يهودا وعاصمتها أورشاليم وتضم قبيلتين، ومملكة إسرائيل وعاصمتها سبسطية وتضم عشرة قبائل. تعرضت إسرائيل لهجوم أشوري عام 722 ق.م. بقيادة سرجون الثاني. حطم سرجون الثاني المملكة وسبى (أخذ ملكا له وعبيدا) عددا من أهلها وهذا ما عرف بالسبي الصغير. أما مملكة يهودا فتحطمت على يد نبوخذ نصر البابلي عام 587 ق.م. وسبي عدد كبير من العبرانيين وهذا ما عرف بالسبي الكبير. وهناك في بلاد ما بين النهرين يعتقد المؤرخون أن الحركة الثقافية قد نشطت بين العبرانيين. عاد العبرانيون المسبيين إلى أرض كنعان أو فلسطين مع هزيمة بابل أمام الجيش الفارسي بقيادة قورش عام 538 ق.م. انتقلت البلاد إلى حكم اليونانيين عام 323 ق.م. ثم إلى البطالسة فالسلوقيين. تعرض الوجود العبراني خلال هذه التعاقبات إلى المد والجزر، وانتهت بهم الحال إلى الثورة عام 168 ق.م. مما أدى إلى ظهور الدولة المكابية شبه المستقلة. ثم جاء حكم الرومان الذي لم يتقبل فكرة التمرد العبراني. حارب الرومان العبرانيين الذين اتهموا بقتل المسيح في الكثير من المواقع وانتهت بهم الحال عام 70 م عندما اقتحم القائد الروماني تيطس آخر معاقل العبرانيين واحتل المدينة المقدسة وحطم هيكلها وطرد العبرانيين منها. لكن الوجود اليهودي في أرض كنعان لم ينته إلا عام 135 م على يد القائد الروماني هادريان الذي طرد اليهود ومنعهم من البقاء والعودة. انتقلت البلاد إلى حكم بيزنطة، واستمرت كذلك ما عدا فترة وجيزة من حكم الفرس حتى الفتح الإسلامي. فتح المسلمون مدينة إيلياء (القدس) على يد الخليفة عمر بن الخطاب عام 636 م وفتحوا كل الديار السورية إثر معركة اليرموك. أصدر عمر بن الخطاب أثناء وجوده في القدس وثيقة عرفت باسم العهدة العمرية تنظم العلاقات مع المسيحيين وتحرّم المدينة المقسة على اليهود. وفيما يلي نصها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان. أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقض منها، ولا من حيزها ولا من صلبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم اللصوت فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد على ذلك: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان، وذلك سنة 15 للهجرة. أولى الخلفاء الأمويون والعباسيون اهتماما بالأرض المقدسة فبنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة عام 72 (691 م) للهجرة بينما بنى الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى عام 90 للهجرة (708 م). أدخل العباسيون تحسينات على الأماكن المقدسة وصرفوا الأموال للمحافظة عليها. وكذلك فعل الطولونيون والإخشيديون والفاطميون. غزا الصليبيون فلسطين واحتلوا القدس عام 1099 م وأقاموا فيها مذبحة قُدر عدد ضحاياها بسبعين ألفا. ثم نهبوا كنوز مسجدي الصخرة والأقصى وحولوا الأقصى إلى حظيرة لخيولهم. لكنهم أُخرجوا منها على يد صلاح الدين الأيوبي بعد انتصار المسلمين عليهم في معركة حطين عام 1187 م. عاد الصليبيون إلى القدس عام 1229 بعد أن سلمها الملك الكامل بن أيوب سلما وبقيت في أيديهم إلى أن حررها الملك الناصر عام 1239. لكن الناصر عاد وسلمها للصليبيين عام 1243، ولم تتحرر نهائيا إلا عام 1244 على يد الملك نجم الدين أيوب. شهدت المدينة عصرا ذهبيا في عهد الماليك الذين اعتنوا بمقدساتها وأقاموا فيها العديد من دور العلم. انتقلت المدينة إلى أيدي العثمانيين عام 1517على إثر معركة مرج دابق. انتشرت التكايا والزوايا والصوفية إبان الحكم العثماني لكن المستوى العلمي اضمحل وفقدت دور العلم التي بناها المماليك جزءا كبيرا من أهميتها نتيجة توقف تمويلها. سقطت البلاد بيد الانكليز عام 1917 ومهدوا بذلك لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين. ومنذئذ لم تتوقف الحرب ولا سفك الدماء |
تفنيد الادعاء الصهيوني بالحق التاريخي أولا: الأسبقية التاريخية إذا كنا سنضع أسبقية الإقامة التاريخية في فلسطين كميزان للحق في ملكية الأرض، فإنه من الواضح أن القبائل الكنعانية التي انحدر منها العرب أسبق على أي قبيلة أو حضارة أخرى بما في ذلك القبائل العبرانية. أي أن العرب أسبق تاريخيا إلى فلسطين وتعود ملكيتها في النهاية لهم. والتوراة التي بين أيدي الصهاينة الآن تؤكد هذه الأسبقية. تقول التوراة في العديد من المواقع أن الكنعانيين كانوا متواجدين في البلاد قبل سيدنا إبراعيم وأنهم استمروا فيها. لكن الصهيونية تقول أن الأسبقية حضارية وليست زمنية بمعنى أن بني إسرائيل أقاموا دولة منظمة وحققوا إنجازات حضارية في مجالات التطور الاقتصادي والفن والعمران، بينما لم يحقق غيرهم إنجازات مماثلة. وهذا القول عبارة عن ادعاء غير صحيح ولا يستند على أي مبرر تاريخي، فالكنعانيون شيدوا المدن وطوروا حياة الزراعة وكانوا أكثر استقرارا من قبائل بني إسرائيل التي اعتادت حياة التنقل. وطور الكنعانيون أدوات زراعية مختلفة وطوروا فنونا مختلفة كما تظهر الحفريات، وظهرت عندهم صناعة الخزف والبرونز والزجاج والأقمشة. صحيح أن الكنعانيين لم يقيموا دولة مركزية إلا أنهم أقاموا دولا صغيرة مركزها المدن. وهذا ينطبق على العبرانيين الذين لم يتوحدوا تحت راية واحدة إلا بقوة السلاح، وسرعان ما تجزأت دولتهم واندثرت مع غياب القوة. ومن ناحية استمرارية العيش في فلسطين، فالكنعانيون لم يغادروا البلاد مذ دخلوها على الرغم من الغزوات المتكررة التي تعرضت لها. أما العبرانيون فاستمروا في الترحال وتعرضوا للسبي، وبالتالي لم يكن بقاؤهم في البلاد متواصلا أو مكثفا إلا في فترات متقطعة وفي أجزاء محددة. ولهذا فإن أثر التراث الكنعاني في البلاد بقي أكثر خلودا ورسوخا من الأثر التراثي للعبرانيين. ثانيا: مصداقية التوراة يلاحظ قارئ التوراة الموجودة حاليا أنها تغطي فترة زمنية طويلة وتؤرخ لأنبياء وملوك بني إسرائيل. وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون كاتبها واحد أو مجموعة عاشت في فترة زمنية واحدة إذا كان لها أن تعكس الحقيقة. لكن أغلب المؤرخين يعتقدون أنها كتبت في فترة متأخرة، أي لم يكتبها الأنبياء الذين تؤرخ لهم. فهناك اعتقاد أنها كتبت في القرن السادس قبل الميلاد من قبل الذين تم سبيهم إلى بلاد ما بين النهرين. وحيث أن المسببين كانوا يريدون العودة إلى أرض الميعاد، كتبوا التوراة بطريقة تتمشى مع رغباتهم وأمانيهم وليس مع الحقيقة. كتبت بطريقة تمتدح بني إسرائيل وتؤكد تفوقهم على البشر وتؤكد حب الله لهم. وإذا كانت هناك محاولات لكتابة الحقيقة، أي حقيقة التشريعات التي أوحي بها للأنبياء، فهذه المحاولات اعتمدت على الروايات الشفوية المعتمدة على الذاكرة. ولكن الذاكرة، وخاصة البعيدة والمتناقلة عن أجيال، معرضة للنسيان والتشويه والتشكك والإضافات والاختزالات. ولهذا فإنه لم يكن بالإمكان كتابة الحقيقة حتى لو كانت النية تتجه نحو ذلك. وعليه فإنه لا يمكن الاعتماد على التوراة كمرجع تاريخي أو ديني يوثق به. ثالثا: أصالة الصهاينة تقول الحركة الصهيونية أن اليهود الموجودين اليوم في العالم ينحدرون من الأصل السامي العبري، وحيث أنهم من أصالة عرقية واضحة فإنه يتوجب عودتهم إلى الأرض التي أنبتتهم. إنه من الصعب التأكيد على النقاء العرقي لليهود الذين تتحدث عنهم الصهيونية. فهؤلاء موزعين في مختلف بقاع الأرض، وتعرضوا لظروف متباينة جعلت من الصعب عليهم عدم الاختلاط والتزاوج مع الشعوب الأخرى. فعلى مر مئات السنين فقد هؤلاء الأصالة التي يمكن أن تجمعهم. هذا فضلا عن أنه من المعروف تاريخيا أن قبائل الخزر التي أتت من الشرق الأقصى وسكنت منطقتي الفولجا والقوقاس قد تهودت، أي اعتنقت الديانة اليهودية. فهذه القبائل قد تواجدت في المنطقة بين القرن السابع الميلادي والقرن العاشر، واستطاعت أن تقيم دولة لها. لكن دولتها تحطمت بعد تعرضها لهجوم روسي في منتصف القرن العاشر الميلادي. تشتتت بعدها القبائل في مناطق مختلفة من العالم وخاصة في أوروبا الشرقية. وهذا بالضبط ما يمكن أن يفسر تميز العديد من اليهود الآن بالبشرة البيضاء والعيون الزرقاء. وهذا يعني أن النقاء العرقي ليس موجودا، بل من الممكن جدا أن يكون أغلب يهود اليوم خزريين. رابعا: الأرضية الدينية تقول التوراة أن إبراهيم هو جد العبرانيين. من الناحية التاريخية، هذه مقولة ليست صحيحة تماما لأنها تتجاهل حقيقة أن إبراهيم هو والد إسماعيل أيضا والذي يعتبر أحد أجداد العرب والمسلمين. ومن الناحية الدينية، فإن إبراهيم ليس جد أنبياء إسرائيل وإنما أب الأنبياء جميعا، وهو الذي أقام في الحجاز وأرسى حجر المقدسات الإسلامية هناك. يقول تعالى في القرآن الكريم: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا* واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى* وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود." (البقرة، 126) ويؤكد القرآن الكريم قيام إبراهيم ببناء البيت في مكة: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم". (البقرة، 128). ويشير القرآن إلى أن إبراهيم ليس يهوديا وإنما مسلم: "… ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين". (آل عمران، 67). ويحض القرآن الناس على اتباع دين إبراهيم فيقول: " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا * واتخذ الله إبراهيم خليلا." ( والقرآن لا يعتبر أن إبراهيم فقط لم يكن يهوديا أو نصرانيا، بل أن الأنبياء جميعا لم يكونوا كذلك. إذ تقول الآية: "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون." (البقرة، 141). والمسلم يؤمن بالأنبياء وبما أتوا به حيث تنص الآية القرآنية: " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون." (البقرة، 137). من الواضح أن القرآن لا يميز بين الأنبياء على أسس عرقية أو قبلية، بل لا يميز بينهم إطلاقا. كلهم رسل من عند الله، وكلهم أتوا بتعاليم سماوية يؤمن المسلم بها ويسلم أمره لها. وبهذا ينفي الإسلام الروح العنصرية التعصبية عن الأنبياء والتي تحاول التوراة تكريسها. فما داموا جميعا رسل الله، فلا بد أنهم يتمتعون بالحكمة والفضيلة وحب الخير والانتصار للعدالة. ولهذا لا يمكن لشعب من الشعوب أن يدعي ملكية نبي أو استحواذه. ثم إن الإسلام يعتبر الأنبياء ورسالاتهم مقدمات نحو إتمام الدين الإسلامي. لقد نزلت الرسالات السماوية لترفع من الإنسان وتصحح أخطاءه وتسير به نحو حياة أفضل حتى يصل إلى أفضل حياة في ظل الشريعة الإسلامية. وإذا كان المسلمون الآن لا يركزون على تعاليم الأنبياء السابقين فذلك لأن الشعوب التي كان من المفروض أن تحافظ على الأمانة حرفت التعاليم وشوهتها وأبعدتها عن نصوصها الأصلية. ولهذا فإن المسلم لا يسلّم بالطرح الصهيوني أو التوراة بأن إبراهيم هو عبراني ونبي لبني إسرائيل وحدهم. إنه مسلم جد المسلمين وأب الأنبياء. خامسا: التفضيل والتمييز لا تقدم التوراة ولا الحركة الصهيونية سببا منطقيا للحب الجارف الذي يقال أن الرب يختزنه لبني إسرائيل. ولا تفسران بناء على أسس يقبلها العقل لماذا يخصص الرب لبني إسرائيل قطعة أرض دون غيرهم من البشر، ويصر على استمرارية هذا التخصيص. إنه لا يوجد تفسير قوي لهذا التصرف. قد يُفهم أن الله أراد في فترة ما لفكرة ما أن تسود، أو أراد لتعاليمه التي أوحى بها إلى بعض الأنبياء أن تنتشر وعمل بالتالي على تهيئة الأسباب التي تؤدي إلى الانتشار. ويُفهم أن بني إسرائيل كانوا في وقت ما حملة رسالة، وبالتالي كان من الضروري توفير مكان آمن لهم يعملون من خلاله على نشر التعاليم الإلهية. ولهذا وعدوا بالأمن والاطمئنان في أرض كنعان التي تفيض لبنا وعسلا. لكن التوراة والصهيونية تخرجان عن هذه النظرية المنطقية وتصران على أن العبرانيين وحدهم هم شعب الله، وأن الشعوب الأخرى ليست إلا بهائم بصورة بشر لا تخدم أي غرض سوى استخدام الرب لها لمعاقبة بني إسرائيل عندما يخطئون أو يشذون عن التعاليم السماوية أو لجعلها مطية الانتصارات العسكرية عندما يكونون في طاعة الرب. إن هذه النظرة عنصرية لا يمكن أن يقبلها الرب الذي يفترض فيه الكمال وحب العدالة وعدم التمييز بين الذين خلقهم. وفي الحقيقة أن القرآن يذكر مسألة التفضيل، تفضيل بني إسرائيل؛ لكن يذكرها كحدث تاريخي كان له ما يبرره في الماضي. تقول الآية: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين". (البقرة، 47). وقد أتى اللفظ "وأني" لتأكيد تاريخية الهدف وليس استمراره. وإلا فكيف يتم التوفيق بين النظرة العنصرية وبين التأكيد على إقامة العدالة؟ لقد حمل العرب رسالة سماوية وأحاط الله المسلمين بالعناية. لكن الإحاطة لم تكن لأنهم عرب بل لأنهم حملة رسالة يعملون على نشرها. ثم لم يقم الله بمعاقبة سكان الهند أو سكان إنجلترا لأنهم ليسوا عربا أو مسلمين، بل دعا المسلمين إلى مخاطبة الناس بالحسنى علهم يؤمنون. هذه هي الروح السمحة الصحيحة بعكس روح العنصرية والشعور بالتميز. سادسا: سذاجة طرح الحق التاريخي تميزت العصور الغابرة خاصة تلك التي سبقت عهود الاستقرار المدني المكثف بتنقل القبائل المختلفة المتواصل. ولم تكن القبائل، أو حياة البداوة، تعرف حدودا أو استملاكا للأرض. فكانت تحط في أي أرض تشاء وترحل عنها في أي وقت تشاء. وتميزت تلك العصور أيضا بالغزوات والحروب، فكانت الشعوب والحضارات تتعاقب على مختلف المناطق. هذا الكلام صحيح جدا بالنسبة لمنطقة غرب آسيا وبالتحديد لبلاد الشام. فهذه البلاد ملتقى قارات ثلاث تنازعت حضاراتها وحاولت كل حضارة أن تسيطر عليها لتتمكن من غيرها من الحضارات. وهي أيضا محط أنظار القبائل البدوية التي تبحث عن ملجأ من القحط والبؤس. ولهذا بقيت البلاد تاريخيا تحت تأثير الحروب المتواصلة والانتقال من حكم إلى آخر. وتحت تأثير القبائل المهاجرة . فإذا كان هناك ما يبرر الادعاء بالحق التاريخي فلربما يبعث الله بالكلدانيين والفراعنة والبابليين من قبورهم ليطالبوا بهذه البلاد. ولربما يطالب بها أهل اليونان أو سكان روما أو أحفاد الصليبيين. وربما يريدها الفرس أو الأتراك. إنه من السخف أن يطالب كل من دخل هذه البلاد بحق فيها. إن هذا السخف سيقود إلى حروب متواصلة وإلى معانيات وقهر كما هو حاصل الآن بسبب الغزو الصهيوني. فهذه البلاد فقط من حق من عمروها عبر آلاف السنين واستمروا فيها يبنون ويشيدون ويقيمون فيها تراثا خاصا متميزا. ثم ماذا يحصل في العالم إذا طالبت كل أمة بالأرض التي حل بها أجدادها أو احتلتها؟ لا شك أن حروبا شرسة ستبقى مستمرة إلى الأبد. فعلى الأتراك مثلا أن يعودوا إلى أواسط آسيا ويشعلوها حربا هناك. وعلى الأمريكيين أن يعودوا إلى أوروبا، وعلى الألمان أن يغادروا إلى مواطنهم القديمة وهكذا. فماذا يبقى من العالم بعدئذ؟ |
رائع جدااااااااا
الاخ عاشق الجنان
الاول اسمك حلو جدا والثاني موضوعك جميل جداااااااااا وموضوع مهم جدا استمر |
الله يخليك اخي نور اليقين علي كلامك الطيب وان شاء الله اكتب لكم كل ما هو جديد
|
المنظمة الصهيونية تم طرد اليهود من أرض الشام على يد الرومان وحظر عليهم البقاء في الأرض المقدسة، وتشتتوا نتيجة لذلك في كل أنحاء العالم. خرجوا يبحثون عن المأوى ولقمة العيش في ديار غريبة مشتتين إلى مجموعات صغيرة أو أفراد. منهم من توجه إلى الشرق، وآخرون إلى شمال أفريقيا، بينما حل بعضهم في البلاد الأوروبية. وكما هو متوقع لكل مشرد أو مطرود من مكان سكنه، لم تكن الحياة سهلة ولا الطريق إلى الاستقرار ممهدة، وكان عليهم أن يواجهوا الكثير من المعاناة والآلام والضياع. توجه أغلب اليهود للسكن في المدن الكبرى أو بالقرب منها وذلك سعيا وراء الأعمال التي غالبا ما تكون متوفرة في التجمعات السكنية الكبيرة. لم يكونوا أصحاب أراض زراعية ولم تكن ظروف الإنتاج متطورة أصلا ليكون هناك من القدرة على البدء بأعمال استثمارية وإنتاجية. كان عليهم أن يسعوا بداية إلى العمل الشاق قليل الفائدة، وأن يتحملوا شظف العيش وضنك الحياة. لم يكن من المعروف عدد اليهود في تلك الحقبة التاريخية، لكنه من المتوقع أن عددا منهم قد تخلى عن يهوديته إذا كان في ذلك نوعا من الخلاص من بعض المتاعب. أخذ اليهود يشقون طريقهم في الحياة في مختلف المناطق التي تواجدوا وركزوا على نشاطات حيوية مثل التجارة والصناعة والعلم والتي تعتبر ميادين بديلة لكسب العيش لمن لا يملك الأرض ومصادر جيدة لدخول مرتفعة. ومن المعروف أن اليهود برعوا في فن التجارة وبرز منهم تجار كبار في مدن كثيرة مثل القاهرة وبرلين وكييف وصنعاء. تحسنت أوضاعهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية مع مرور الأيام واستطاعوا أن يشكلوا مجتمعات صغيرة في عدد من الدول تميزهم عن المجتمعات الأوسع التي تواجدوا بينها. ومن المهم أن التوراة التي بين أيديهم شكلت قاعدة حيوية في تكتلهم والإبقاء على هوية خاصة بهم. ففيها ما يؤكد على تميزهم عن غيرهم من الشعوب وعلى تفوقهم كشعب الله المختار الذي لا يجاريه أو يطاوله شعب آخر وعلى تحوصلهم أو تكتلهم المنغلق الذي يحافظ على قدسيتهم مما تسميه التوراة من دنس الشعوب الأخرى. على الرغم من أن المجال أمامهم كان مفتوحا أمامهم للاختلاط الواسع مع الشعوب التي تواجدوا بينها إلا أن خلفيتهم الثقافية المحكومة أساسا بتعاليم الكتاب المقدس كانت أقوى بكثير من جذب الشعوب الأخرى. لم ينعزلوا تماما عن الشعوب الأخرى لكنهم تمسكوا بالعناصر الثلاث المشار إليها أعلاه وهي التميز والتفوق والانغلاق. أقام رجال الدين الذين يطلق عليهم اسم الحكماء حياة دينية يهودية، وشكلت تعاليم التوراة قواعد للتعامل الاجتماعي وتحديد العلاقات داخل مجتمعاتهم الصغيرة. تفاوتت نوعية العلاقات بين مجتمع وآخر واختلفت العادات والتقاليد نظرا لتنوع وتعدد المجتمعات التي تواجدوا فيها، إلا أن ملامح أساسية يمكن تسميتها باليهودية بقيت قائمة بخاصة فيما يتعلق بالطقوس والمناسبات الدينية وساعدت على التواصل الثقافي اليهودي في مختلف أنحاء العالم. لم يكن بالإمكان تجنب تأثير المجتمعات التي تواجدوا فيها لكنهم كانوا حريصين على عدم الذوبان على الرغم من قرارات فردية كثيرة فضلت الذوبان على حياة الانكماش. الاضطهاد لم تكن حياة اليهود في أوروبا رتيبة ومستقرة وإنما شهدت توترات كثيرة وشديدة بسبب ما تعرضوا له من تنكيل واضطهاد على أيدي الأوروبيين في مختلف مناطقهم الشرقية والغربية. مع بداية التغيير الاجتماعي والديني في أوروبا والابتعاد تدريجيا عن حياة الإقطاع والاستبداد الكنسي بدأت صحوة تدريجية حول العلاقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة السائدة ورؤى حول ضرورة تغييرها. لم يكن الوعي الاجتماعي والطبقي أو الفئوي قد تبلور إبان الإقطاع ولم يكن اليهود كفئة اجتماعية قد وقعوا تحت المجهر الاجتماعي. لكنهم أصبحوا تحت الأضواء مع محاولات خروج الأوروبيين من حياة التقليد إلى حياة التجديد. كان على اليهود أن يدفعوا ثمن النهوض التدريجي في أوروبا إذ تم اعتبارهم من قبل البعض على أنهم أحد الفئات الاجتماعية المستفيدة اقتصاديا والتي تستغل عامة الناس. لم يكن اليهود أصلا محترمين من قبل المسيحيين الذين اعتبروا دم المسيح معلقا بأعناق اليهود، وزادت قلة الاحترام مع هذا الاتهام بالاستغلال. حقق بعض اليهود مع الزمن ثروة كبيرة واستطاعوا تحقيق نجاح كبير في ميدان التجارة مما أثار بعض قطاعات المجتمع الأوسع. وقد اتسع نطاق الانطباع هذا إلى درجة أن قصصا وروايات وأشعار أخذت تظهر حول جشع اليهود وطمعهم ونهمهم المادي. وقد كانت رواية شكسبير تاجر البندقية أشهر ما كتب حول الموضوع. تعرض اليهود للتمييز ومختلف أنواع الاضطهاد. فمثلا فُرض عليهم البقاء ضمن قطاع معين في المدينة أو حارة معينة لا يتوسعون خارجها. وقد كانت البندقية أول من فرض هذا النظام على اليهود والذي عرف بنظام الغيتو في بداية القرن السادس عشر، وانتشر بعد ذلك إلى مختلف المدن الأوروبية. وتعرضوا إلى المعاملة السيئة التي تترواح من السباب والشتائم إلى القتل والمجازر الجماعية. تعرض الغيتو اليهودي إلى عدم أمن مستمر من قبل الناس العاديين ومن قبل السلطات. فمثلا اعتاد الناس الاعتداء على الغيتو وعلى أطفال اليهود وملاحقتهم، واعتادت السلطات فرض تقييدات مستمرة على حركة اليهود وعلى تدريسهم الديني وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك على اتخاذ إجراءات ضدهم مثل الاعتقال والتعذيب والقتل، الخ. هذا فضلا عن التحريض الذي كانت تمارسه وسائل الإعلام المختلفة ضد اليهود وحشد الرأي العام وتوليد الكراهية والأحقاد ضدهم. وقد حاول اليهود منذ البداية الانفلات من الإجراءات القمعية ضدهم بوسائل مختلفة مثل اللجوء إلى الحكومات لتيسير الحياة عليهم وإلغاء الغيتو أو الهجرة من أوروبا كلها. استطاع عدد من يهود هولندا الهجرة إلى أمريكا الشمالية في نهاية القرن السابع عشر وأسسوا أول بؤرة استيطانية في نيويورك. وأيضا استطاع اليهود الحصول على معاملة حسنة من ملوك بولندا وأسسوا في تلك البلاد ما عرف بالمركز اليهودي الإشكنازي. لعب هذا المركز دورا فاعلا في جمع كلمة اليهود وأصبح مركز ثقل اليهودية في أوروبا، ومنه انطلق اليهود لرفع وتيرة استيطانهم في روسيا وفي الولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. هذا فضلا عن أن يهود بولندا تزعموا الحركة الصهيونية وكان لهم دور ريادي في الهجرة إلى فلسطين. تختلف وجهات نظر الأوروبيين حول الاضطهاد عن وجهات نظر اليهود. يتحدث اليهود عن أسباب مثل أن الشعوب الأوروبية لا تحتمل الغرباء وتسعى دائما إلى محاصرتهم، ويضيفون بأن اليهود أنجزوا إبداعات في ميادين عدة مثل التجارة والصناعة والعلم مما زاد من حقد الأوروبيين على اليهود. لم يرق للأوروبيين أن يروا قلة من الناس الوافدين يحققون ثراء واكتشافات علمية هامة. ويتحدث بعض اليهود بأن اليهود مكروهين حيثما ذهبوا لأنهم يمتازون عن باقي الأمم بأنهم أصحاب رسالة سماوية وحكمة، وأن كونهم يهود يثير بغضاء الأمم. بينما رأى أغلب الأوروبيين أن اليهود فعلا احتكاريين ويحبون جمع المال حتى لو كان على حساب القيم الإنسانية، وأنهم استعلائيون يرون في أنفسهم ما يميزهم عن الأمم ويتفوقون به. ويرون أن فكرة شعب الله المختار لا تخرج عن هذه العقدة الاستعلائية العنصرية. إنهم، حسب الأوروبيين لا يستطيعون العيش بسلام ووئام مع الشعوب الأخرى ويفضلون أن يكونوا السادة دائما بينما يبقى الآخرون عبيدا عندهم. ويعززون جدلهم هذا بمدى الانغلاق الذي يميز اليهود وجمود التعاليم الدينية التي يصر عليها رجال الدين. التحجر هذا لا يقود إلى تعايش وإنما بالتأكيد إلى توتر ينتهي إلى عنف. هذا فضلا عن القناعة الدينية بأن اليهود قتلة المسيح عليه السلام. المسيائية: ظهرت هذه الحركة بعد طرد اليهود (السفارديم) من إسبانيا وما تعرضوا له بعد ذلك من معاناة. قالت هذه الحركة أن اليهود بحاجة إلى معجزة لإنقاذهم مما هم فيه، وأن الرب سيرسل المخلص الذي هو المسيح المنتظر للقيام بذلك. وحتى يتعجل الرب بإرسال المسيح فإن على اليهود أن يكثروا من الصلوات والابتهال والتقرب إلى الله. وقد نجم عن الحركة ظاهرة سميت بالكبلاه والتي تعني اللجوء إلى الغيبيات في تفسير الظواهر المختلفة. أنتجت الحركة في النهاية شخصا يدعى شيبتاي تسيفي الذي ادعى أنه المسيح. الحسيدوت: آمنت هذه الحركة بأن غاية الإنسان هي التقرب إلى الذات الإلهية من خلال العمل على أن يكون صدّيقا صالحا. ليس شرطا أن يكون المرء حاخاما يهوديا حتى يصل إلى هذه المرتبة، وليس من المهم التعمق بالتعاليم. استمدت هذه الحركة أهمية من خلال تحديها للمدرسة الحاخامية التقليدية ذات النفوذ والسيطرة في أوساط الناس العاديين، وبالتالي تعرضت لانتقادات وتشويه. الهسكلاه: حركة نهضوية ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر بقيادة موشي مندلسون. تعني الكلمة بالعبرية الثقافة أو الاستنارة، وعمد قائدها إلى أن تكون حركة تجديد يهودية على أسس عَلمانية. نادت الحركة بالحرية الفكرية ودعت رجال الدين اليهود إلى التخلي عن التعصب الديني والانفتاح على الثقافات المختلفة. عملت الحركة على إثارة التفكير الحر لدى أعضائها وشجعتهم على دراسة العلوم العصرية وعلى تعريف الآخرين بالديانة اليهودية ولكن بعد تنقيتها من التعاليم التلمودية التي تسئ إلى الشعوب الأخرى وترسخ تفوق اليهود. وقد تم تكفير الحركة وأبنائها من قبل الحاخامين على اعتبار أن الخروج عن التدريس الديني البحت يخالف التعاليم. اليهودية الإصلاحية: انبثقت هذه الحركة عن الهسكلاه وركزت على الخروج من الأطر الدينية التقليدية الجامدة. بدأت الحركة بأداء الصلوات بالألمانية ودعت إلى الانتشار في العالم لنقل التعاليم اليهودية إلى كل الشعوب |
الحركة الفكرية
ليس من السهل أن يبدأ شعب مسيرة منظمة نحو الخلاص مباشرة بعد تعرضه لمأساة كالطرد من البلاد أو التشتيت والتشريد. فهناك فترة للعق الجراح والبحث عن أساسيات العيش مثل البحث عن مأوى ومصدر للطعام. يهيم الناس فرادى وجماعات باحثين عن حلول سريعة لحاجاتهم الأولية والملحة، ومن ثم يبدؤون بتحسس الأواصر الاجتماعية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي بقدر الإمكان وإقامة العلاقات التي يمكن أن تشكل بالنسبة لهم ركائز هوية جماعية. وإذا سارت الأمور على ما يرام وبدأت الحياة الاقتصادية والاجتماعية تستقر يتوفر لدى الناس الوقت للتفكير بما هو أبعد من الحاجات الأولية ويصبحون في وضع نفسي يتقبل الجدل والنقاش حول المستقبل. وهذا ما يمكن أن يوفره الكتاب والمفكرون على نطاق واسع. لا تختفي الأدبيات من تاريخ الشعوب حتى في أشد الأوقات صعوبة وحلكة. لكنها بداية تتميز بالانفعالات أو وصف الكوارث أو الحنين وما شابه ذلك. غالبا ما تكون الأدبيات ملتصقة بالماضي بادئ الأمر، وتدريجيا تتحول إلى رؤى المستقبل التي تنطوي غالبا على طروحات الخلاص. هكذا كان الأمر بالنسبة لليهود الذين ساروا بالفعل تدريجيا من الانشغال بالأمور المعيشية إلى الفكر الخلاصي ومن ثم إلى التنظيم العملي الذي وضع الفكرة موضع التطبيق. بدأت الأفكار بأشواق وحنين وتطورت إلى تنظيمات غيبية منفصلة عن الواقع، وما أن أخذ البعد الاجتماعي بالتبلور والاستقرار على نحو معين حتى بدأ الكتاب يطرحون صيغا متصاعدة في طموحاتها. لا مجال هنا لمناقشة كل الأفكار والطروحات ويُكتفى بطرح آراء بعض المفكرين اليهود الذين سبقوا الصهيونية ومهدوا لها. ظهر في القرون الوسطى في مصر رجل دين يهودي اسمه موسى بن ميمون أخذ على عاتقه جمع عدد من التعاليم والاجتهادات حول التوراة. وحيث أنه كان متأثرا بأرسطو، حاول أن يصنف معلوماته على أسس عقلانية ومنطقية ووضع كتابا عنونه مشنيه هتوراه أو التوراة الثانية. تبعه رجل دين آخر من سكان صفد اسمه يوسف كارو. عمل هذا أيضا على تجميع الشرائع اليهودية ومن ثم اختصرها في كتاب عنونه شولحان هأروخ أو الطاولة الطويلة. كان يهودا الكلعي السفاردي من يهود بلغاريا أول من دعا إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين وذلك في كتاب نشره عام 1839. تلاه كاتب آخر يدعى تسفي كاليشر والذي كتب كتابا بعنوان دريشات صهيون أو طلب صهيون دعا فيه إلى ضرورة اجتماع قادة اليهود للتخطيط لاستيطان ما أسماه بأرض إسرائيل. وقد تعاون مع جمعية فرنسية لإقامة المدرسة الزراعية التي أقامها اليهود في يافا عام 1870. ظهر في تلك الفترة موشي هس الذي نشر كتبا بعنوان روما والقدس. أشاد هس بما أسماه القومية اليهودية وقال بأن الأمم تعلمت الفكر القومي من اليهود الذين تعاملوا مع أنفسهم على أنهم قومية منذ ظهور التعاليم الدينية اليهودية. وأضاف بأن حل المشكلة اليهودية يكمن في بعث الأمل في صفوف اليهود والعمل على إقامة دولة يهودية على أرض الأجداد. ونصح اليهود بأن يعملوا على تثقيف العرب والأفارقة الذين وصفهم بالقطعان والمتوحشين وأن يجعلوا القرآن والإنجيل يدوران حول التوراة. أما ديفيد غوردون الذي كان من المثقفين غير المتزمتين فدعا عبر صحيفة كان يحررها إلى شراء الأراضي في فلسطين والاستيطان فيها. لم يشذ عن هذا المفكر بيرتس سمولينسكن الذي دعا إلى إقامة منظمة يهودية عالمية من أجل حل المشكلة اليهودية وذلك من خلال الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وقال بأن اليهود مهددون بالإبادة حيثما حلوا إلا من أرض إسرائيل، وأن على اليهود أن يحيوا ثقافتهم ولغتهم. تبعه في ذلك موشي ليف ليلينبلوم الذي كان من الاندماجيين وارتجع. كتب في كتاب صغير صدر له عام 1884 بأن على اليهود أن يهاجروا إلى فلسطين التي هي أرض الأجداد كحل للمشاكل التي يلاقونها في أوروبا وحذر من الهجرة إلى أمريكا أو أي بلد آخر. وقال بأن أمام اليهود الخيارات التالية: البقاء فيما هم فيه أو التخلي عن ديانتهم أو الهجرة إلى فلسطين. كان يهودا ليف بينسكر من أشهر الكتاب اليهود الذين برزوا بداية كمؤيدين للاندماج مع الشعوب الأخرى. كتب بينسكر يؤيد الاندماج وقال بأنه على اليهود تعلم اللغة الروسية والعيش في أي مكان في الديار الروسية. لكنه وقع تحت صدمة مجازر عام 1882 التي تمت ضد اليهود في روسيا على إثر اغتيال القيصر فغير أفكاره وكتب كتابا شهيرا بعنوان التحرير الذاتي قال فيه أن اليهود متميزون ولا يمكن إذابتهم في الشعوب الأخرى، وأن المشكلة اليهودية تُحل فقط عندما يصبح اليهود مقبولين كمتساوين مع الشعوب. وتحدث عن كراهية اليهود وقال أنها عبارة عن آفة تنتقل لدى الشعوب بالوراثة ولا حل لها إلا أن يكون لليهود مكانهم الخاص الذي يمارسون حياتهم عليه. وأعرب عن الاستعداد للقبول بأي مكان ولم يصر على فلسطين كشرط لإقامة الوطن القومي. اكتفى بالقول بأن اليهود بحاجة إلى بلاد خاصة بهم، لكنه أصبح رئيس جمعية أحباء صهيون التي نظمت أول حملة استيطانية في فلسطين. كان أليعيزر بن يهودا أشد المتحمسين للهجرة إلى فلسطين. حمل لواء التمسك باللغة العبرية وعمل على نشرها وإقناع اليهود باستعمالها في نشاطاتهم اليومية. قال بأن اليهود قومية، وذلك يعني البلاد واللغة والثقافة القومية. وعلى عكس زملائه من المفكرين، أخذ يتكلم العبرية وهاجر إلى فلسطين تحت شعار أن الفكرة لا قيمة لها إن لم يتم تطبيقها |
واضح أن الحركة الفكرية اكتسبت في الأوساط اليهودية الأوروبية زخما كبيرا في القرن التاسع عشر وامتدت عبر القرن العشرين. تنوعت الأفكار حول طرق حل المشكلة اليهودية المتمثلة بالاضطهاد وتعددت، لكنه من الممكن تلخيصها في الاتجاهات التالية:
أولا: الاتجاه الاندماجي طرح أصحاب هذا الاتجاه فكرة اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية والعيش في المجتمع الأوسع. أي أن يخرج اليهودي من الغيتو ويبحث لنفسه عن مكان بين الناس ويصبح فردا عاديا كما الآخرين دون تمييز. جادل هؤلاء بأن الاندماج يلغي وجود عنوان لليهود يكون هدفا للهجوم ويتحول اليهود عموما إلى أفراد عاديين يصعب تمييزهم أو الحقد عليهم بصورة جماعية. لكن هذا الجدل وجد معارضة شديدة من قبل رجال الدين الذين قالوا أن هذه الأفكار تذيب المجتمع اليهودي ومن المحتمل أن تلغي الديانة اليهودية برمتها. ثانيا: الاتجاه التحرري لم يوافق أصحاب هذا الاتجاه على الاندماج لما فيه من إلغاء للهوية والثقافة وإنما رأوا ضرورة الانفتاح على المجتمع الأوسع والمشاركة في النشاطات العمة وإقامة العلاقات الاجتماعية الواسعة مع عموم الناس. رأوا أن المشاركة في المناسبات العامة ضرورية كما أن فتح الأبواب اليهودية أمام المسيحيين للتفاعل الاجتماعي حيوي أيضا لما في ذلك من تأليف للقلوب وإزالة انطباعات سلبية مسبقة. لكن هذا الطرح لم يحظ أيضا بموافقة رجال الدين خوفا على انبهار البعض بالمجتمع الأوسع مما قد يؤدي إلى رحيل متزايد عن المجتمع اليهودي وإلى زيجات متبادلة تتناقض مع المبادئ اليهودية. ثالثا: الاتجاه القومي قال أصحاب هذا التيار أن الحل الوحيد أمام اليهود هو البحث عن وطن قومي يكون لهم بعيدا عن القوميات الأخرى. وقد حاز هذا على موافقة وتشجيع رجال الدين الذين حرصوا على التأكيد بأن فلسطين هي الموقع المطلوب. انصب اهتمام كبير على هذا الاتجاه والذي أخذ يكتسب قوة مع مرور الأيام. تبنى العديد من الكتاب والمفكرين هذا الاتجاه وساهموا في بناء رأي عام في أوساط اليهود يتبنى الفكرة. علما أن كتابا مسيحيين من إنكلترا وفرنسا وغيرهما تبنوا الفكرة أيضا وروجوا لها. أسباب الهجرة اليهودية إلى فلسطين: اختار أغلب اليهود من الناس العاديين أو من صناع الرأي فلسطين كوطن قومي مرشح لهم. شذ بعضهم عن هذا التوجه إلا أنهم لم يشكلوا تيارا قويا يؤثر على الرؤية العامة. لماذا فلسطين؟ فيما يلي تلخيص لأهم الأسباب: أولا: يعتقد أغلب اليهود أنهم يرتبطون تاريخيا ودينيا بأرض فلسطين التاريخية (وليس الانتدابية القائمة حاليا) التي يعتبرونها الأرض المقدسة، أرض الآباء والأجداد التي وعدها الرب لموسى عليه السلام. تركز التوراة التي بين أيديهم على أهمية هذه الأرض بالنسبة لليهودي وتقول بأن اليهودي الجيد يسعى دائما أن يعيش في الأرض المقدسة وأن يموت فيها، وأن كل يهودي يموت خارجها إنما لم يحي حياة يهودية قويمة. ما ينطبق على الأرض المقدسة من تبجيل وتمجيد ينطبق وبصورة أكثر حدة على أور سالم، القدس. وهذا بالتحديد ما يفسر هجرة بعض اليهود عبر القرون على أسس فردية إلى فلسطين. بلغ هؤلاء درجة كبيرة من التدين بحيث لم يطيقوا الحياة بعيدة عن الأرض المقدسة. وقد زاد عدد هؤلاء إلى درجة أنهم شكلوا بؤرا شبه استيطانية في مدن مثل القدس وصفد ويافا. يركز التدريس الديني اليهودي كثيرا على الأرض المقدسة بحيث أن الالتصاق بها عبارة عن جزء من صلب العقيدة ومن جوهر الثقافة. ينشأ اليهودي على تعاليم كثيرة تزرع فيه حب الأرض المقدسة والشوق إليها والإقامة فيها. إنها تعمل على ترسيخ فكرة ملكيته لها، وحسب النبوءات الواردة فيها تولد لديه القناعة بأنه سيعود إليها يوما. الأرض ملك لليهود، حسب التعاليم اليهودية، وأن المقيمين فيها عبر القرون ليسوا إلا مجرد أمناء عليها ومستثمرين وأن عليهم تسليمها لأصحابها حينما يعودون. هذه تعاليم تولد قناعات تجعل من اليهودي بخاصة المتدين على علاقة ولو روحية مع الأرض المقدسة. ليس شرطا أن تكون هذه القناعات نشطة على الدوام في تحريك الهمم نحو التنفيذ، لكنها تبقى عنصرا هاما وأساسيا في دعم عناصر أخرى قد تطرأ. ثانيا: الاضطهاد : الاضطهاد عبارة عن عامل قوي يدفع المرء باتجاه البحث عن حلول لما يعترض طريقه ويسمم عليه حياته. وعلى الرغم من قوة التثقيف الديني لدى اليهود حول الأرض المقدسة، إلا أن الاضطهاد يعتبر العامل الأقوى في المرحلة التاريخية التي تعنينا في دفع اليهود نحو الهجرة إلى فلسطين. فإذا كان العامل الديني كامنا أو محددا لأبعاد ثقافية أتى الاضطهاد ليخرجه من مكمنه أو ليفعله عمليا. حياة الاضطهاد لا تطاق ودفعت اليهود نحو التفكير بالوطن القومي أو الملجأ فكانت الأرض المقدسة أول قطعة أرض تقفز إلى الأذهان. ثالثا: الاستعمار نشطت حركة الاستعمار في تلك الفترة وشكلت بعدا تنافسيا بين الدول الأوروبية عموما. لم تكن فكرة استعمار بلاد في آسيا وأفريقيا عارا في تلك الفترة بل كانت مصدر فخار ومباهاة بين الدول ودليلا على العظمة والقوة. غزت الدول الأوروبية العديد من المناطق وطوعت أهلها ونهبت ثرواتها مما انعكس إيجابا على الأوضاع الاقتصادية. وحيث أن النهم الاستعماري كان سائدا وجزءا من ثقافة محببة فإن اليهود لم يجدوا ما يجعلهم يترددون في طلب السيطرة على بلاد بعيدة. إنه معترك استعماري وجد اليهود أنه من المهم الاستفادة منه. رابعا: حركة القومية انتعشت الحركة القومية في أوروبا عبر قرون إلى درجة أن دولة القومية أخذت تحتل موقعا مقدسا في التفكير السياسي الأوروبي. إقامة دولة القومية أصبحت غاية المنى على المستويين الفردي والجماعي، وأصبحت درجة الانتماء تقاس بدرجة الإصرار على إقامة الدولة وعلى رفعة القومية على القوميات الأخرى. بالنسبة لليهود سادت المقولة بأنه إذا كان لللإنكليز إنكلترا وللفرنساويين فرنسا فيجب أن يكون لليهود يهودا. وإذا كانت أوروبا ذات قوميات فإن اليهود عبارة عن قومية يعيشون على أراض غريبة. لتكن لكل قومية أرضها الخاصة، وبالتالي ليكن ليعد اليهود إلى أرض الأجداد. وبالطبع لقي هذا الطرح أذنا صاغية لدى الأوروبيين الذين رغبوا أيضا في التخلص من اليهود وتصدير مشكلتهم إلى بلاد أخرى. خامسا: الثورة الفرنسية تأثر اليهود بمبادئ الثورة الفرنسية واستفادوا منها لحل مشاكلهم الخاصة. أتت الثورة بمبادئ المساواة والحرية والإخاء والتي تشكل قواعد أساسية في بحث اليهود عن الخلاص من الاضطهاد. ولهذا أيدوا الثورة ووظفوا طاقاتهم في سبيل الترويج لما تطرحه. أضف إلى ذلك أن نابليون نفسه تحدث عن مأساة اليهود ودعا إلى عودتهم إلى الأرض المقدسة تحقيقا لنبوءة العهد القديم (التوراة) وطمعا في مساعدته في تحقيق طموحاته الاستعمارية في الشرق. سادسا: تقسيم بولندا أدى تقسيم بولندا عام 1795 إلى خضوع عدد كبير من اليهود لروسيا القيصرية. قضى هذا الحدث على ما كان يتمتع به اليهود من حرية في الحركة والعمل وحشد الطاقات اليهودية في بولندا، وحول اليهود إلى حكم طغاة أدت سياساتهم إلى مجازر مرعبة قام بها الروس ضد التجمعات اليهودية |
هجرة أحباء صهيون
ولدت الحركة الأدبية والفكرية خطوات عملية. هكذا هو الأمر في أغلب المجتمعات والدول. تؤثر الأدبيات المختلفة في الرأي العام خاصة عندما تكون مركزة، وحين اختمار الأفكار الواردة فيها تتبلور جهود عملية نحو التطبيق. اغتيل قيصر روسيا عام 1881 من قبل خمسة أشخاص من بينهم فتاة يهودية. انتبه الروس تماما إلى هذه الفتاة فأعملوا السيوف في رقاب اليهود. هوجمت الحارات اليهودية في عدد من المدن الروسية وقتل عدد كبير من اليهود. نتيجة لذلك قررت جمعية أحباء صهيون التي كانت تعمل في روسيا من أجل الترويج لفكرة العودة إلى أرض الأجداد أن تبادر في الهجرة إلى فلسطين. قالت الجمعية بأن روسيا غير آمنة ومن الأفضل مغادرتها إلى فلسطين على الرغم من الصعوبات التي يمكن أن تواجه المهاجرين. وأضافت بأنه لا يكفي الاستمرار في الحديث عن الوطن القومي أو الهجرة بل لا بد من وضع الفكرة موضع التطبيق وأن الوقت لذلك قد حان. وعليه فقد نظمت عام 1882 أول هجرة جماعية إلى فلسطين منذ أن طرد الرومان اليهود، بفارق زمني مقداره 1747سنة. بدأ مهاجرو أحباء صهيون يفدون إلى فلسطين تباعا وأخذوا ببناء البيوت والبحث عن أراض زراعية توفر لهم مصدر الرزق. بالإضافة إلى مستوطنة بتاح تكفا التي أقيمت عام 1878 من قبل يهود القدس على أراضي قرية ملبّس أقام أحباء صهيون في الأعوام 1882-1884 المستوطنات التالية: ريشون لتسيون على أراضي عيون قارة، وروش بيته على أراضي الجاعونة، وزخرون يعقوب على أراضي زمارين، يسود همعليه على أراضي الحولة، نس تسيونه على أراضي وادي حنين، مزكيرت باتيه على أراضي الرملة، وغديرة . واستمر بناء المستوطنات حتى يومنا هذا. من أين أتى اليهود بالأرض لبناء المستوطنات وتطوير المزارع؟ يتمثل المصدر الأول في الدولة العثمانية التي كانت تلجأ عادة إلى بيع أراضي الفلاحين في المناطق الخاضعة لسيطرتها بما فيها الشام في المزاد العلني وذلك بسبب عدم وفائهم بالضرائب المفروضة عليهم. كانت تستولي على الأرض وتطرد الفلاحين وتبحث عن مشترين. أما المصدر الثاني فكان السفراء والقناصل الأجانب ولكن من خلال القانون العثماني الذي سمح بتمليك الممثليات الأجنبية أراض في الدولة العثمانية. كان يقوم قناصل الدول الأجنبية في القدس مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بشراء الأراضي من الفلاحين الفلسطينيين وبالأخص من الإقطاعيين أو كبار الملاك ويعطوها لليهود بعد ذلك. ويقتضي التنويه هنا إلى أن الأوروبيين كانوا يقومون بهذه الأعمال والتي تقود إلى إنشاء الوطن القومي لليهود قبل ظهور بلفور. على سبيل الأمثلة، قام قنصل بريطانيا الحاخام امزليغ بشراء 3340 دونم وحولها لليهود لإقامة مستوطنة ريشون ليتسيون، أما إميل فرانك الذي كان يعمل نائب قنصل ألمانيا والنمسا في الإسكندرية عمل على تحويل 6000 دونم من أراضي الجاعونة إلى اليهود، وقام القنصل الألماني بتحويل 142 دونم في منطقة يافا، أما قنصل فرنسا في عكا ونائبه في صفد فشاركا بتحويل مساحة مقدارها 2500 دونم قرب الحولة. تبين الخريطة رقم (4) المستعمرات التي أقامتها أحباء صهيون قبل ظهور الحركة الصهيونية وبعد ظهورها بقليل. أما المصدر الثالث في الحصول على الأراضي كان متمثلا في بريطاني وبعض كبار الملاك والقيادات العائلية الفلسطينية كما سنرى فيما بعد. كيف كان يدخل اليهود إلى فلسطين؟ كانت تسمح تركيا عموما بدخول اليهود إلى أراضيها غالبا بسبب التعاطف معهم إثر طردهم من إسبانيا مع المسلمين عام 1492. لكن الحكومة العثمانية أخذت تشدد على منع دخول اليهود إلى فلسطين بالذات بعدما استشعرت الخطر، إلا أن تشديدها كان عديم الفائدة لسببين رئيسين: تفشي الفساد الإداري والرشوة كانا يسهلان دخول اليهود، وكذلك ضغوط الدول الأجنبية. كثيرا ما كان يكذب مسئولو الشرطة العثمانيين في بياناتهم لقاء رشاوى كانوا يتلقونها، وكثيرا ما كان يتدخل الأجانب لتخفيف الرقابة على المهاجرين. حصل مثلا أن تدخل أوسكار شتراوس سفير الولايات المتحدة لإلغاء إجراءات تشديدية ولعزل والي القدس الذي كان يناصب الهجرة اليهودية العداء. أما بالنسبة للأموال اللازمة لتغطية تكاليف الهجرة والمعيشة والاستثمار فكان يتم تغطيتها من أموال الجمعيات اليهودية في أوروبا ومن أموال التبرعات. وقد حصل أحباء صهيون على أموال من الثري الفرنسي روتشيلد الذي كان مهتما بالوطن القومي وباستثمار أموال في زراعة العنب في فلسطين لتغذية مصانع خمور كان يملكها في فرنسا. لكن حملة أحباء صهيون لم تستمر طويلا بسبب تعرضها لانتقادات شديدة من قبل عدد من القيادات اليهودية من مختلف الأوساط. تركزت الانتقادات على أن اليهود يهاجرون إلى بلاد لا تتوفر فيها أسباب الأمن على الصعيدين العسكري والاقتصادي مما يعرض حياة المهاجرين للخطر. لا يوجد مصدر رزق آمن في فلسطين، ولا توجد قوة يمكن أن تحمي اليهود من الفلسطينيين إذا شعروا بأن اليهود عبارة عن خطر يهددهم. ولهذا رأى هؤلاء ضرورة تأجيل الهجرة لغاية الحصول على ما يضمن لليهود هجرة آمنة واستقرارا وأمنا. أما جدلية أحباء صهيون فنادت بضرورة خلق أمر واقع في فلسطين وذلك لن يتم إلا بالهجرة. لقد اعترفوا بالمخاطر المحيطة بالعمل لكنهم رأوا أن البقاء في روسيا يمثل خطرا أكبر وأن إقامة الوطن القومي تتطلب التضحيات. تغلب التيار المعارض فتوقفت هذه الهجرة لتسلم نفسها للحركة الصهيونية |
المنظمة الصهيونية العالمية
ثيودور هرتسل هو مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية. ولد في بودابست عام 1860، ودرس الحقوق في جامعة فينا. عمل فترة قصيرة في المحاماة ثم تركها ليعمل كاتبا للقصص والمسرحيات ثم في ميدان الصحافة. عمل مراسلا لإحدى الصحف المشهورة في فينا وارتقى ليصبح رئيس تحرير الصفحة الأدبية فيها. كان يهوديا مندمجا ولم تكن لديه علاقة مع الحياة اليهودية التقليدية. عاش حياته بعيدا عن الغيتو ولم يخبر معاناة اليهود أو حياتهم الدينية. ويقول البعض أنه لم يمارس الصلاة اليهودية في حياته ووجد نفسه محرجا أمام الحاخامات الذين اصطحبوه للصلاة إبان مؤتمر بازل. لقد اكتشفوا أنه لا يعرف من العبرية كلمات تمكنه من الصلاة. وهذا ينسحب على معرفته بالثقافة اليهودية التي كان يتشكك بوجودها. لكنه كان رجل علاقات عامة وصاحب قدرة كبيرة على الحركة وإقامة الصداقات بخاصة في أوساط الفئات الثرية. سهلت عليه هذه القدرة على إقامة العلاقات الاجتماعية والتي تعتبر ضرورية في كثير من الأحيان لتحقيق إنجازات سياسية. إلا أن الدم الصهيوني أخذ يجري في عروق هرتسل عل إثر محاكمة الضابط الفرنساوي دريفوس الذي اتهم بخيانة فرنسا لصالح ألمانيا. شهد هرتسل حملة التحريض ضد اليهود على مدى فترة المحاكمة التي استمرت قرابة العام. تم الحكم على دريفوس بالحبس ليتبين فيما بعد أنه كان بريئا. هنا بدأ يعي هرتسل ما وصفه بخطر اللاسامية وتآمر الحكومات على اليهود. وقال بأن الحكومات الأوروبية هي التي أغرقت اليهود بالمال وحاولت إبعادهم عن القيم الإنسانية وعملت على استعمالهم كأدوات لتحويل أنظار الشعوب عما تقترفه من أعمال. أدى تحوله الفكري إلى كتابة كتاب بعنوان الدولة اليهودية. أورد في الكتاب أفكارا عدة كان أهمها الدعوة إلى إقامة دولة يهودية على أية قطعة أرض تُعطى لليهود. طرح الأرجنتين وفلسطين كمواقع محتملة إلا أنه ترك الباب مفتوحا. وقال بأن مشكلة اليهود قومية وليست اجتماعية، وأن أعداء اليهود ساهموا من حيث لا يدرون في بعث الفكر القومي لدى اليهود. وتطرق إلى فلسطين حيث قال بأنه إذا أقيمت الدولة هناك فسيعمل اليهود على حماية أوروبا من الذين وصفهم بالمتوحشين أو البربريين في آسيا والتي ستضطر هي أيضا إلى ضمان أمن ووجود اليهود. من الناحية التنظيمية، طرح هرتسل ضرورة إقامة جمعية اليهود وهي عبارة عن جسم سياسي واجتماعي يمثل اليهود، وإقامة شركة اليهود وهي الهيئة التي تقوم على تنفيذ ما تتخذه الجمعية من قرارات. تعمل الجمعية على الحصول على الأرض المطلوبة من أجل إقامة الدولة وتقوم الشركة بالاستملاك والتطوير. وقد توقع في كتابه أن يكون اليهود الفقراء طلائع البناء، ولم يعول كثيرا على الأثرياء. ومن الجدير ذكره أنه عاد وكتب متأخرا في رواية له أن فلسطين هي المكان الأنسب لإقامة الدولة. تابع هرتسل كتابه وطفق يجوب البلاد الأوروبية لحشد الطاقات نحو عقد مؤتمر لتشكيل التنظيم اللازم لإقامة الوطن القومي. وعلى الرغم من معارضات وإحباطات تعرض لها إلا أنه قرر توجيه دعوات لحضور المؤتمر. وبالفعل عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا في الفترة 29-31 آب (أغسطس) من عام 1897. كثيرون هم الذين لم يلبوا الدعوة لكن الحضور كان كافيا لإنجاح المؤتمر. تكون على إثر المداولات ما أصبح يعرف ببرنامج بازل أو أهداف الحركة الصهيونية والتي تشمل: 1- الإعلان عن المنظمة الصهيونية العالمية وأن هدفها إقامة وطن قومي لليهود في أرض إسرائيل وأن تسعى إلى الحصول على الاعتراف به وفق القانون العام. 2- استيطان أرض إسرائيل بالعمال والفلاحين والحرفيين الذين يقومون بتطويرها بشكل منظم. 3- بث الوعي القومي لدى اليهود وتقوية مشاعر الانتماء والهوية. 4- تنظيم اليهود في البلاد الأوروبية وذلك مع مراعاة قوانين كل بلد. 5- فتح باب العضوية في المنظمة الصهيونية مع فرض اشتراك مالي على كل عضو. 6- إنشاء الصناديق المالية والضرورية لتمويل نشاطات المنظمة في البلاد الأوروبية وفي أرض إسرائيل. 7- السعي لدى الحكومات المعنية للحصول على موافقتها على هجرة اليهود إلى فلسطين أو دعمها لهذا التوجه. هذه النقطة الأخيرة هامة لأن المؤتمرين رأوا ألا يكرروا تجربة أحباء صهيون في الهجرة دون أن يكون هناك ضمانات أمنية اقتصادية وعسكرية. أراد الصهاينة أن يبحثوا عن الدولة التي يمكن أن تعطيهم الحق القانوني في الهجرة وتكون بالتالي مسؤولة عن توفير الأمن. ومن حيث أن فلسطين كانت جزءا من الدولة العثمانية، فإنه أنيط بهرتسل مهمة الاتصال بالسلطان العثماني عسى أن يجد ضالته عنده. انهمكت المنظمة الصهيونية بعد ذلك بوضع هيكلها التنظيمي وتوزيع المسؤوليات. أي عملت على تشكيا اللجان والمجالس التي تشرف على مختلف الشؤون مثل سجلات الأعضاء ومتابعة تسديد الاشتراكات والإشراف على الصناديق والإعداد للهجرة. أما هرتسل فوجه جهوده نحو السلطان العثماني الذي استقبله بالفعل بناء على توصية من مستشار ألمانيا. رفض السلطان العثماني طلب هرتسل بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين والإقامة فيها وكان رده بأن فلسطين أرض إسلامية ولا يملك أحد حق التصرف بها. وبعد أن ألح هرتسل في لقاء آخر أصدر السلطان أمرا بمنع اليهود من الإقامة في فلسطين لأكثر من ثلاثة أشهر وأن على كل يهودي يؤم البلاد أن يودع جواز سفره لدى مفوض الداخلية أو الشرطة. كان موقف السلطان حازما، لكنه حقيقة لم يكن من الناحية العملية ملزما وذلك لسببين رئيسين: ضعف الدولة والفساد المستشري في صفوفها. كانت الدولة العثمانية ضعيفة جدا ولم تكن تملك من الإمكانات لمراقبة الشواطئ ومنع التسلل إلى فلسطين، ولم يكن لديها طاقما مدربا وكافيا لملاحقة المتسللين. ومن ناحية أخرى، ساعدت الرشوة على دخول اليهود بيسر وسهولة. كان الفقر واسع الانتشار وكانت الأمانة في أداء الواجب شبه غائبة. استغل اليهود ظاهرة الفساد، وأبدع شرطة السلطان في رفع التقارير والبيانات الكاذبة. ولهذا لم تتوقف الهجرة إلى فلسطين، ولم يتوقف بناء المستعمرات. تبين الخريطة رقم (5) المستعمرات التي تمت إقامتها مبكرا من قبل الحركة الصهيونية. التكتلات داخل المنظمة الصهيونية ثار جدل منذ البدء بين صهيونيين أصروا على ضرورة هجرة اليهود تحت مظلة قانونية بغرض حمايتهم وبين آخرين قالوا أن الوطن القومي لا يقوم إلا بفرض الأمر الواقع، أي بالهجرة إلى فلسطين حتى لو لازمها بعض المخاطر. عرف الفريق الأول بالصهيونيين السياسيين الباحثين عن مخرج سياسي للطموح اليهودي وعرف الآخر بالصهيونيين العمليين. تزعم هرتسل الفريق الأول وعمل على كبح الهجرة إلى فلسطين. نجح إلى حد ما إلا أن الصهيونيين العمليين استمروا في تشجيع الهجرة وبناء المستوطنات. بسبب فشل هرتسل وفشل من تبعه في الحصول على مخرج سياسي أو قانوني للهجرة أخذت الصهيونية العملية تكتسب قوة تدريجية بخاصة بعد وفاة هرتسل عام 1904. تصاعد نفوذ العمليين إلى أن فازوا في الانتخابات الداخلية للمنظمة الصهيونية وسيطروا على اللجنة التنفيذية عام 1910. ظهرت تكتلات أخرى داخل المنظمة الصهيونية وذلك بسبب تنوع الخلفيات للمنضمين إليها. فمثلا وجد بعض الأعضاء أنه إذا لم تتيسر فلسطين فإنه من الممكن القبول بأوغندا كوطن قومي لليهود. وفعلا طرحت هذه الفكرة للتصويت في المؤتمر الصهيوني السادس. حاز المؤيدون على الأغلبية إلا أنه نجم عن ذلك انشقاق قاده المتدينون ما دفع هرتسل إلى التراجع. وظهر أيضا كتلة المتدينين التي عملت باستمرار على سحب المنظمة نحو الفكر الديني التقليدي. وظهرت أيضا كتلة الاشتراكيين الذين كانوا يؤمنون في الفكرة الاشتراكية ويعملون على التخلص من الرأسمالية. وكتلة أخرى ظهرت باسم الشباب الذين كانوا يرون في الديمقراطية الأسلوب الأمثل في إقامة العلاقات واتخاذ القرارات. وهكذا ظهرت تيارات أو جماعات متعددة داخل المنظمة الصهيونية وذلك تبعا للتطورات والاحتياجات والاهتمامات. لكن بقي التيار العلماني العملي الأكثر قوة والأقدر على قيادة المنظمة |
التحالف الصهيوني الاستعماري
بسبب فشله مع السلطان العثماني توجه هرتسل إلى الدول الاستعمارية الأوروبية الرئيسة حينئذ لطلب التأييد وتبني فكرة إقامة الوطن القومي اليهودي. لم تكن فرنسا وبريطانيا بعيدتان عن المشروع القومي بخاصة أن قادة سياسة وفكر من الدولتين سبق أن عبروا عن آرائهم بضرورة هجرة اليهود إلى الأرض المقدسة. توفر لدى البعض حماس للفكرة بسبب التراث المسيحي الأوروبي-اليهودي الذي يتنبأ بعودة اليهود إلى الأرض المقدسة، لكن الأهم من ذلك هو المصالح الاستعمارية التي كانت تسيطر على معظم الدول الأوروبية. وجد هرتسل آذانا صاغية في الدول الاستعمارية لكن الوقت لم يكن مناسبا للمبادرة بشيء سواء على المستوى القانوني أو السياسي. ولكن نتيجة لذلك على الحركة الصهيونية أن تنتظر البيئة المناسبة لاتخاذ خطوات عملية من قبل هذه الدول والتي توفرت في المراحل الأخيرة للحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من عدم قدرة الحركة الصهيونية على انتزاع اعتراف علني بحق اليهود في الهجرة إلى فلسطين إلا أن الصهيونيين العمليين استمروا في الهجرة وإقامة المستوطنات. تبين الخريطة رقم (5) المستوطنات التي تم بناؤها مباشرة بعد قيام الحركة الصهيونية. حصل تطور كبير في جهود الصهاينة عام 1917 عندما وجه وزير خارجية بريطاني آرثر بلفور رسالة إلى روتشيلد الفرنساوي باسم الحكومة البريطانية عبر فيها عن تعاطفه مع اليهود في بحثهم عن وطن قومي في فلسطين. وفيما يلي النص الحرفي لهذه الرسالة المؤرخة 2/تشرين ثاني، نوفمبر/1917 والمنشورة في الصحف البريطانية في 9/تشرين ثاني من العام نفسه: عزيزي اللورد روتشيلد، يسعدني كثيرا أن أنهي إليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي تعاطفا مع أماني اليهود الصهيونيين التي قدموها ووافق عليها مجلس الوزراء. إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسوف تبذل ما في وسعها لتسهيل تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوما بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين أو بالحقوق والأوضاع السياسية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى. إني أكون مدينا لكم بالعرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني. المخلص آرثر بلفور بعد صدور هذا التصريح بفترة وجيزة كانت الجيوش البريطانية بقيادة اللواء اللنبي تدخل فلسطين من جهة سيناء وذلك بتاريخ 29/كانون أول، ديسمبر/ 1947، وعلى الفور باشرت بريطانيا بالتنفيذ. ملاحظات على التصريح أولا: التصريح ليس مجرد تعاطف كما قد يظن القارئ للوهلة الأولى. إنه تعاطف مصحوب بوعد للعمل نحو تحقيق الغاية. أي أن بريطانيا ستتخذ إجراءات عملية وستأخذ على عاتقها ولو جزئيا تسهيل مهمة اليهود. ثانيا: يسري التصريح البريطاني على فلسطين التي لم تكن محددة. هناك أرض كنعان أو فلسطين التاريخية ذات البعد التاريخي وليس البعد السياسي المحدد والتي هي جزء لا يتجزأ من أرض الشام. لم يحدد التصريح عن أي فلسطين يتحدث وتم ترك الأمور للمداولات السياسية فيما بعد. ثالثا: تعامل التصريح مع اليهود على أنهم أصحاب الديار الفلسطينية وكأنهم يشكلون أغلبية سكانها، وتعامل مع المواطنين على أنهم طوائف وكأنهم طارئين على البلاد. هذا منطق لا يستقيم مع الأبعاد القانونية والسياسية والأخلاقية والتاريخية، ولا يتماشى إلا مع شرعة غاب تتطلع إلى القوة كأساس في إقامة العلاقات مع الآخرين. رابعا: لم يتعامل التصريح مع العرب مسلمين ومسيحيين على أنهم مواطنون وإنما وصفهم بالمقيمين في فلسطين وكأنهم طارئين أتت بهم الصدفة. خامسا: تجاهل التصريح الحقوق السياسية لمن وصفهم بالطوائف وحرص فقط على الحقوق المدنية مثل الحق في التعليم والحقوق الدينية مثل ممارسة الشعائر. أي أن التصريح لا يرى بأن هؤلاء الناس يستحقون كيانا سياسيا وإنما نوعا من مراعاة بعض شؤونهم اليومية. أسباب تصريح بلفور تعدد المصادر أسبابا عدة وراء إصدار بريطانيا للتصريح وتبني فكرة الوطن القومي اليهودي. من هذه الأسباب ما هو شائع ويصعب الأخذ به ومنها ما هو غير شائع. أذكر أولا بعض الأسباب الشائعة مع التعليق عليها: أولا: الشفقة على اليهود. تبادر أغلب المصادر إلى ذكر عنصر الشفقة كسبب أول للتعاطف مع اليهود فتقول أن بريطانيا وعموم الدول الأوروبية كانت حزينة للأوضاع التي عاشها اليهود والمعاناة التي لاقوها بسبب الاضطهاد والملاحقات المستمرة، ولهذا أيدت إقامة الوطن القومي اليهودي علّ في ذلك ما يحل المشكلة اليهودية. هذا سبب لا يقبله منطق ولا يتوافق مع أفعال الأوروبيين تجاه اليهود أو الفلسطينيين. إذا أراد شخص أو دولة أن يشفق على أحد أو جماعة فإنه يفعل ذلك على حسابه الخاص وليس على حساب الآخرين. لا يستطيع المرء أن يكون كريما على حساب الغير، أو أن يدعي العطف دون أن يملأ قلبه بالحب. وإذا أرادت بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا أن تعطف على اليهود فإنه كان الأولى أن تعمل كل منها على حمايتهم من الأذى داخل حدودها وأن تمنحهم الحقوق الإنسانية التي يجب أن تتوفر لكل إنسان. وكان بإمكان كل منها أن تمنحهم قطعة أرض من أراضيها. وإذا توفر العطف فعلا فإنه لا يمكن حل مشكلة أناس على حساب شعب آخر. هل من الممكن أن يقبل العطوف تهجير شعب وطرده من ممتلكاته من أجل أن يحل مشكلة آخرين؟ هذا ومن الملاحظ تناقض الأوروبيين والأمريكيين عندما يعللون تعاطفهم مع اليهود بناء على ما فعله هتلر ضد اليهود. والحق أن تصريح بلفور صدر قبل فترة طويلة من اعتلاء هتلر لسدة الحكم. ثانيا: مكافأة وايزمان على اختراعه لنوع من المتفجرات أفاد الحلفاء في حربهم ضد المحور. صحيح أن الدول تكافئ المخترعين والمبدعين، لكن هل تصل المكافأة إلى درجة منح وطن قومي أو دولة وعلى حساب شعب آخر؟ من المفهوم أن يُعطى المخترع مبلغا من المال وبعض الهدايا الثمينة، أو أن يعطى راتبا معتبرا مدى الحياة أو يمنح بيتا ريفيا جميلا، لكنه من الصعب استيعاب مكافأة تشبه الخيال. إنما ليس من المستبعد أن وايزمان قد تحدث مع مضيفيه حول فكرة الوطن لقومي أثناء حفل تكريمه أو تقديم الشكر له، ومن المحتمل أنه وجد إجابة لا ترتقي إلى وعد يكون بمثابة مكافأة. ثالثا: استرضاء اليهود من أجل استقدام دعمهم المالي والإعلامي لمجهود الحرب. يرى البعض أن بريطانيا كانت بحاجة ماسة لدعم اليهود المالي ولجهودهم الإعلامية بخاصة في الولايات المتحدة عساها أن تنضم هذه الأخيرة إلى جانب الحلفاء ضد ألمانيا. إن كان هذا صحيحا فإنه لا بد تم قبل تصريح بلفور لأن الحرب كانت على وشك وضع أوزارها حين صدور التصريح. لكن من المحتمل أن وعدا غير معلن قد أعطي للصهاينة قبل صدور التصريح خاصة أن بريطانيا كانت فعلا بحاجة إلى ترويج إعلامي في الولايات المتحدة للتأثير على الرأي العام الذي من الممكن أن يدفع باتجاه الانضمام إلى الحلفاء. وعلى الرغم من أن انضمام أمريكا إلى جانب الحلفاء له مبررات أمريكية إلا أنه من الوارد أن الدعاية الصهيونية قد ساهمت ولو جزئيا في صناعة الرأي العام. رابعا: المصالح الاستراتيجية لبريطانيا في قناة السويس والشرق عموما. كانت بريطانيا مسيطرة على قناة السويس من جهة الغرب بسبب استعمارها لمصر إبان الحكم العثماني، وبالتأكيد كانت تعمل على السيطرة على الجهة الشرقية من القناة وإبعادها عدوها الحليف فرنسا. فرنسا كانت من جهتها تطمح إلى التواجد شرقي القناة بسبب الأهمية الاستراتيجية لها من الناحيتين التجارية والعسكرية. فمن يسيطر على القناة يسيطر على حركة السفن التجارية والبوارج العسكرية شرقي البحر المتوسط وعبر البحر الأحمر. فمن المنطق التوازني مع بريطانيا ألا تسمح فرنسا بسهولة لوقوع القناة كليا بيد بريطانيا. ولهذا كانت فلسطين مهمة لكلا الدولتين وخاضتا تنافسا فيما بينهما كانت الصهيونية إحدى أدواته. من المحتمل أن كلا منهما قد فكر بدعم الصهاينة على أمل أن يصبح الوطن القومي اليهودي مستعمرة أوروبية يشرف على شؤونها اليومية يهود يحرصون على التعاون في مختلف المجالات. ليس من المعتقد أن فرنسا قد وافقت على تصريح بلفور دون أن تكون قد وقعت في وهَم أنها ستحقق شيئا يخدم مصالحها الاستراتيجية. أما الأسباب غير الشائعة والتي أرى أنها ذات وزن كبير فيمكن تلخيصها فيما يلي: أولا: التراث المسيحي المرتبط بالعهد القديم. ينظر العالم المسيحي الغربي إلى التوراة على أنها العهد القديم وهي كتاب مقدس لا ينفصل عن الإنجيل. فما يحظى بقدسية في العهد القديم يحتل مكانة مقدسة لدى أصحاب الإنجيل. فلسطين في التوراة هي الأرض المقدسة التي سيعود إليها الشعب المقدس، وفي ذلك تحقيق للنبوءة وتصديق لصحة المعتقدات. ثانيا: نظرة الغرب العدائية تجاه العرب وتنافسهم التاريخي معهم. كما هو واضح في كتب التاريخ، لم ينس الغرب معركة اليرموك وما يزال يصر أن تلك المعركة قد نقلت سوريا إلى عصر الظلام والتخلف تحت حكم المسلمين. أما معركة بلاط الشهداء فما زالت تحظى بتركيز كبير في الوعي التاريخي الغربي على اعتبار أنها أنقذت أوروبا من الوقوع فيما يصفونه ببراثن المتوحشين من العرب والمسلمين. ولم يكن غريبا أن نظم ملوك أوروبا حملات صليبية وعاثوا في البلاد الإسلامية الفساد وأعملوا القتل في الرقاب. عبر اللواء الفرنسي جورو عن هذا البعد التاريخي عندما دخل سوريا وزار قبر صلاح الدين في حمص. ركل القبر برجله وقال: "قم يا صلاح الدين، ها قد عدنا." ولهذا لا بد أن يبقى العرب والمسلمون ضعفاء وأن يتم اتخاذ مختلف السياسات التي تضمن بقاءهم مفككين متصارعين وأدوات بيد الغير. إقامة الوطن القومي اليهودي عبارة عن إحدى أدوات الغرب للسيطرة على الشرق. الوطن القومي عبارة عن قاعدة عسكرية غربية متطورة وتستطيع أن تتدخل سريعا ضد أي جهة تحاول المساس بالمصالح الغربية. حتى تكتمل حلقة الضعف، قام الغرب بتفتيت الوطن العربي وصنع إقطاعيات أو دويلات ونصب عليها قادة يوالونه ويفعلون ما يؤمرون. تفتتت الشام وكذلك الجزيرة العربية ووادي النيل، وتم استقدام عائلات وقبائل لتحكم العرب بطريقة لا تساهم في البناء الوحدوي وترسخ فكرة التفتيت والتبعية. منذ ذلك الحين حتى الآن وقادة العرب لا يستطيعون التمرد على إرادة الغرب والتالي على مصالح إسرائيل، ويلقى من يتمرد منهم صنوف التهديد والمقاطعة والحصار والحرب. وقد ظهر من مجريات الأمور في المنطقة أن أقوى بعد استراتيجي تملكه إسرائيل هو ضعف العرب والذي يسببه قادتهم. أغرق الاستعمار العرب بخلافات داخلية استنفذ الكثير من طاقاتهم، وأعانهم الحكام في محاولاتهم المستمرة لصنع ثقافات محلية منفصلة عن الثقافة العربية عموما. صناعة الثقافات الخاصة بالدويلات القائمة يباعد بين الأجيال العربية مما يضعف الرغبة في الوحدة العربية أو الإسلامية. والمسألة هنا لا تتعلق بمدى نجاح الاستعمار وأعوانه من القادة وإنما بالسياسة العامة التي تم رسمها لضمان عدم وحدة العرب واستمرار منازعاتهم الداخلية واستنفاذ طاقاتهم إما في صراعات لا طائل تحتها أو في تبذير شهواني وفساد داخلي. ثالثا: أراد الأوروبيون عموما التخلص من اليهود فصدّروهم ومشكلتهم إلى الشرق. لم يعشق الأوروبيون اليهود يوما، وانشغلوا بهم وبالمشاكل التي كانت تتم معهم وضدهم فترة طويلة، وتعكر صفو استقرارهم الداخلي، ولم يكن من حل أفضل من إخراج اليهود من ديارهم وإرسالهم إلى ديار أخرى. لم يكن من السهل على الحكومات الأوروبية أن تبقى متوترة بسبب ما كان ينشب من منازعات وشجار وقتال وسفك دماء، ولم تستطع في ذات الوقت التخلص من عقدتها تجاه اليهود، وفي النهاية كان على العرب عموما والفلسطينيين خاصة أن يدفعوا الثمن. رابعا: التحالف الصهيوني- الرأسمالي. وجدت القوى الرأسمالية الساعية إلى تحقيق الأرياح من خلال استغلال ثروات الشعوب الأخرى أن القوة العسكرية ركن أساسي في تحقيق أهدافها. يقود الاستغلال حتما إلى صحوة المستَغَل والتي قد تؤدي إلى الثورة أو تهديد مصالح المستغِلين، وهنا تبرز أهمية القوة العسكرية الرادعة أو المقاتلة لضمان استمرار تدفق الثروات. المنطقة العربية مليئة بالخيرات ومهمة جدا استراتيجيا سواء على المستوى العسكري أو التجاري، ولا مفر من الهيمنة عليها إذا أرادت القوى الرأسمالية العالمية ضمان مصالحها الاستغلالية. وجود وطن قومي يخدم أهداف الحركة الصهيونية وأهداف القوى الرأسمالية في آن واحد من حيث أنه عبارة عن قوة عسكرية متطورة ومتقدمة وموجودة في المنطقة، ويمكن استخدامها في أي وقت وفي ظروف ميسرة ضد أي دولة أو جماعة تحاول أن تتحدى الإرادة الغربية. وهذا ما تأكد مع الزمن من حيث أن إسرائيل عبارة عن عصا غليظة مسلطة على رقاب العرب. لم يتوقف الغرب عن تسليحها بأحدث ما أنتجته ترسانتها العسكرية، ولم يخف عزمه المتواصل على المحافظة على قوة عسكرية إسرائيلية متطورة نوعيا ومتفوقة على القوة العسكرية العربية مجتمعة. حصلت الحركة الصهيونية قبل عام 1948 على الأسلحة من بريطانيا بصورة أساسية، وبعد عام 1948 هبت فرنسا لتسليحها وأمدتها بالمفاعل النووي الذي أنتج القنابل الذرية، وأتى دور أمريكا بعد عام 1967. لم تبخل الولايات المتحدة على إسرائيل وما زالت تزودها حتى الآن بما يلزمها من الأسلحة للإبقاء على تفوقها النوعي على العرب. أما الاتحاد السوفييتي المنهار فقد أحجم باستمرار عن تزويد العرب بأسلحة هجومية توازن الميزان العسكري في المنطقة، وعمل على تزويدهم فقط بأسلحة هجومية. لكن الأكثر أهمية هو أن الغرب حرص على إقامة أنظمة عربية لا تحرص على الدفاع عن الأمة وتعتبر أمن النظام أهم بكثير من أمن الأمة. وكما أشرت سابقا، صنع الغرب أنظمة عربية تبعية كان دورها دائما متمما للدور الإسرائيلي إن لم يكن في الحقيقة تكامليا ضمن إطار تعاوني خفي. دول كثيرة واجهت الأخطار ففكرت بما عليها أن تفعل وصنعت السلاح، أما أنظمة العرب ففضلت بصورة عامة الاعتماد على الغير فتركت أنفسها في العراء معرضة للهزائم باستمرار. أما تلك الأنظمة التي حاولت أن تشذ عن القاعدة كان عليها أن تتعرض للعدوان الإسرائيلي وللعدوان الغربي الذي لم تبخل عليه أنظمة عربية بالتعاون والتشجيع. هكذا جرى مع العراق عندما بدأت تنمو قدراته التقنية والتسليحية، ومع ليبيا والسودان اللتين اتهمتا بتصنيع أسلحة كيماوية. والتهديد الغربي والإسرائيلي لإيران وسوريا مستمر، ومن المحتمل أن يُترجم إلى عمل عسكري. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخى الغالى عاشق الجنـ ـان بارك الله فيك وعليك وجزاك الله كل خير دمت لنا ولا حرمناك تحياتي لك وللأمام |
اهلا بيك اخي عاشق احمد شوبير وادامك الله
|
الانتداب البريطاني على فلسطين
بقيت بريطانيا حريصة على استمرار وجودها في بلاد الشام بخاصة فلسطين لتأمين هيمنتها العسكرية والتجارية في المنطقة برا وبحرا، لكنها كانت حريصة أيضا على عدم استفزاز حلفائها أو من مِن الممكن أن يكونوا معها. ولهذا رأت أن تناور مع الأطراف المعنية وهي فرنسا والحركة الصهيونية والعرب. كانت بالضرورة معنية بإخراج فرنسا من فلسطين حتى يتسنى لها استعمارها إما من خلال العرب أنفسهم أو من خلال اليهود. لقد فضلت اليهود على العرب وكما اتضح معنا في الجزء الخاص بالتحالف الاستعماري الصهيوني. بالنسبة للتعامل مع فرنسا، تم الاتفاق بين الدولتين عام 1916 على تقسيم بلاد الشام بين الدولتين بحيث يكون الجزء الجنوبي من سوريا والعراق تحت الاستعمار البريطاني، وتكون سوريا الشمالية مع جزء من جنوب الأناضول من حصة فرنسا، ويبقى الجزء الجنوبي الغربي من سوريا وهو فلسطين مدوّلا. ارتضت فرنسا هذا التقسيم على اعتبار أنه حل وسط بين أطماع الدولتين الاستعماريتين. عرف هذا الاتفاق باتفاق سايكس-بيكو نسبة إلى المفاوضين البريطاني والفرنسي على التوالي. تبين الخريطة رقم (6) ما تم الاتفاق عليه. ويجد القارئ نص الاتفاقية ضمن الوثائق المرفقة في نهاية الكتاب. في ذات الوقت الذي كانت فيه بريطانيا مشغولة مع فرنسا لتقسيم بلاد الشام بدأت الاتصال مع العرب للانضمام إلى جانب الحلفاء في الحرب ضد تركيا وألمانيا. عُرف هذا الاتصال برسائل الشريف حسين-مكماهون. الشريف حسين هو شريف مكة والذي كان زعيم العرب بسبب انتمائه إلى عائلة الأشراف الهاشميين وإقامته في مكة، وبسبب تمثيله للعرب في الآستانة عاصمة الباب العالي العثماني. كان يتمتع الشريف بمكانة عالية لدى العرب وكان بمثابة القائد المقبول من قبل أغلب المثقفين وقادة الرأي والعائلات المتنفذة. أما مكماهون فكان سفير بريطانيا في مصر. دارت الرسائل حول دخول العرب الحرب لقاء إقامة مملكة عربية في الجزء الآسيوي من البلاد العربية، أي شبه الجزيرة العربية والشام. تقول المصادر العربية أن الإنكليز أعطوا الشريف وعدا قاطعا بإقامة هكذا مملكة مما دفع الشريف بعد استشارة الحركة القومية في سوريا إلى إعلان الحرب ضد تركيا. من خلال قراءتي للرسائل البريطانية لم أجد أن هذا الاستنتاج العربي صحيح. وعد الإنكليز بإقامة مملكة لكنهم لم يحددوها وأبقوها مشروطة بعدد من القضايا مثل المصالح البريطانية في عدد من المناطق مثل بغداد والبصرة، ومصالح الدولة الحليفة فرنسا والتزام بريطانيا بما وعدت به آخرون وعدم عروبة بعض المناطق مثل حلب وحماة وحمص. لقد طرحت بريطانيا فكرة الدولة بثوب حريري يغطي كومة من الأشواك والعراقيل. على أية حال، لم يختلف تصرف الشريف حسين عن تصرف أغلب الزعماء العرب الحاليين وعمل على تفسير الرسائل كما حلا له ولمستمعيه وأعلن الحرب. لكن هل كان بمقدوره فعلا أن يقيم حربا؟ طبعا لا. كان العرب ضعفاء جدا ولم تكن الآلية العسكرية الحديثة قد وصلتهم إلا من عدد من البنادق التي زودهم بها لورنس العرب. لورنس هذا رجل إنكليزي عاش مع العرب حياة البداوة واكتسب لغتهم واللهجة البدوية وأتقن عاداتهم وهو الذي قادهم عبر الجزيرة العربية ليدخلوا الشام. اتجه الجيش العربي الذي استخدم الجمال والخيول وتسلح بالسيوف وبعض البنادق شمالا بقيادة الأمير فيصل الابن الأكبر للشريف وبصحبة أخيه الأمير عبد الله. كانت بريطانيا على وعي تام بالقدرات العسكرية الهزيلة للعرب وبعدم استطاعتهم ترجيح كفة الحرب لصالح أي طرف، لكنها لم تكن مهتمة حقيقة بالقدرة العسكرية وإنما بالمنفذ القانوني أو السياسي الذي تدخل من خلاله البلاد العربية. فبدل أن تدخل البلاد غازية تدخلها كحليف يعمل على طرد الأعداء ويكون بيدها حجة ضد كل من يصفها بالاستعمارية ووجوب التصدي لقواتها. أي أن بريطانيا استعملت الرسائل لتبرير سياستها وليس لتحقيق مصلحة عربية. وقد اتضحت السذاجة العربية من خلال الفهم المغلوط لمحتوى الرسائل ومن خلال رد الفعل العربي على اتفاقية سايكس-بيكو وتصريح بلفور. راجع الشريف حسين الإنكليز عقب معرفته بهذين التطورين واكتفى بطمأنة الإنكليز له بأن كل شيء سيكون على ما يرام بعد أن تضع الحرب أوزارها. لم يكتشف الشريف هذا الوعد الغامض إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها بالفعل إذ اتهمه الإنكليز بالقصور العقلي وأبعدوه عن الساحة العربية إلى أن توفي فأذنوا بدفنه في إحدى الغرف الجانبية لساحة المسجد الأقصى. هناك من يتهم الشريف حسين بالخيانة لأنه وقف ضد تركيا وهي الدولة المسلمة لصالح الدول الاستعمارية. أظن أن هذا اتهام ثقيل وبحاجة إلى أدلة وبراهين. المشكلة حقيقة لم تكن عند الشريف حسين أو العرب عموما وإنما عند الأتراك أنفسهم الذين كانوا يصرون على التتريك وعلى رفض التعامل مع العرب على قدم المساواة ضمن دولة إسلامية. حرص العرب ومنهم الشريف حسين على بقاء الدولة الإسلامية التي تجمع قوميات مختلفة على أسس الاحترام المتبادل، إلا أن الأتراك رفضوا وأتبعوا رفضهم بإعدام القوميين العرب في بيروت ودمشق. على أية حال، السذاجة والخيانة يقودان غالبا إلى ذات النتيجة. استفرد الاستعمار بابني الشريف حسين فيصل وعبد الله من أجل توظيفهما لخدمة مصالحه. كان عبد الله المحطة الأولى حيث بقي في شرقي الأردن وأقيمت له إمارة بتمويل إنكليزي. لم يكن من الصعب على الأمير أن يحظى بقبول القبائل شرقي الأردن بسبب نسبه وحسبه. عمل الأمير بالتعاون مع الإنكليز على تأسيس وحدة سياسية تتميز وتنفصل عن الديار السورية، وعمل أيضا على إقامة علاقات طيبة مع بعض قادة الحركة الصهيونية في فلسطين. ومنذئذ حتى الآن بقيت العلاقات ودية بين اليهود في فلسطين والعائلة الهاشمية الحاكمة في الأردن. أما الأمير فيصل فقد أقام علاقات وثيقة مع قادة الحركة القومية في سوريا واستقطب حوله عددا من المفكرين والمثقفين. لكنه وقع في خطأ كبير تراجع عنه فيما بعد وهو عقد اتفاق في آذار/ مارس من 1919 مع حاييم وايزمان ممثل الحركة الصهيونية يعترف فيه بتصريح بلفور وبحق اليهود في الهجرة إلى فلسطين. (يجد القارئ نص الاتفاق في ملاحق هذا الكتاب) وعلى الرغم من ذلك تمسك به قادة سوريا من أجل تنصيبه ملكا يمكن أن يلاقي قبولا من قبل الجماهير. وبالفعل عقد المؤتمر السوري العام في 2/ تموز، يوليو 1919 في دمشق واتُخذ قرار بإقامة المملكة السورية، وكذلك رفض تصريح بلفور وفكرة إقامة الوطن القومي في فلسطين. عاد فيصل من فرنسا إلى ميناء حيفا حيث استقبلته الجماهير بحفاوة، ومنها إلى دمشق عاصمة المملكة حيث نودي به ملكا. تم الإعلان عن قيام المملكة السورية في 8 آذار/ مارس 1920. لكن الإنكليز تآمروا مع الفرنساويين وفتحوا المجال أمام القوات الفرنسة لمهاجمة الدولة العربية الفتية وقضوا عليها على إثر معركة ميسلون في آب/ أغسطس 1920 والتي استشهد فيها قائد الجيش العربي يوسف العظمة. ومن ثم طُرد فيصل إلى العراق حيث أقامت له بريطانيا مملكة تدين لها بالتبعية. واضح أن الإنكليز نجحوا في خداع العرب، ونجحوا في إبعاد فرنسا عن قناة السويس على الرغم من أن الفرنسيين كانوا يخططون لسرقة المستعمرة الصهيونية المحتمل قيامها من بريطانيا. لكل طرف عدا العرب حسابات، ولم يكن من السهل على بريطانيا ضمان التطلعات الصهيونية وطموحاتها. على عكس التخطيط البريطاني، كانت الصهيونية تراقب التنافس الاستعماري الذي يمكن أن يخدمها في تحقيق استقلال يهودي يتعامل على قدم المساواة مع الدول العظمى. فما كانت تظن بريطانيا أنه سيكون مستعمرة لها انقلب ضدها في نهاية الأمر ليشن ضدها وكما سنرى فيما بعد ما أسماه بحرب الاستقلال. سعت بريطانيا منذ اللحظة الأولى لدخول قواتها بلاد الشام إلى تنفيذ وعدها لليهود على حساب العرب. ولضمان ذلك عملت على عدة جبهات مع عدد من الجهات: مع فرنسا من أجل ضمان انتداب بريطاني على فلسطين، ومع دول الحلفاء من أجل إقامة منظمة دولية تشكل غطاء قانونيا لما يمكن أن تقوم به من أعمال على المستوى الدولي، ومع الصهاينة بهدف الإسراع بالهجرة اليهودية إلى فلسطين |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخى الغالى عاشق الجنـ ـان بارك الله فيك وعليك وجزاك الله كل خير دمت لنا ولا حرمناك تحياتي لك وللأمام |
الجهود الفلسطينية نحو إنقاذ البلاد
بذل الفلسطينيون على مختلف فئاتهم جهودا متنوعة في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية من أجل المحافظة على البلاد وإنقاذها من براثن الأعداء. امتدت هذه الجهود على مدى سني الانتداب البريطاني ولكنها جميعها باءت بالفشل واستطاعت الصهيونية بمساعدة الدول الغربية أن تقيم الوطن القومي اليهودي. تتعدد أسباب الفشل وتتنوع بتنوع الاجتهادات وزوايا تقدير الأمور، مع الأخذ بعين الاعتبار قدرات العدو وإمكاناته والقوى الداعمة له. يتعرض الكتاب في هذا الفصل إلى الأسباب المختلفة سواء كانت تلك التي تعدو إلى الظروف الداخلية أو إلى الظروف الخارجية. ولكن قبل الخوض في الأمور الداخلية يُفضل التقديم بنبذة سريعة عن الأحوال العامة التي كانت تسود البلاد في أواخر الدولة العثمانية. الظروف الفلسطينية مع بداية الهجمة الصهيونية حتى تتضح البيئة العامة التي عملت من خلالها الصهيونية ومكّنتها من تحقيق النجاح لا بد من النظر إلى الوضع الفلسطيني العام وذلك لتكتمل الصورة أمام القارئ. لم يكن نجاح المخطط الصهيوني مرتبطا فقط بإرادة الدول الغربية أو بقدرة الحركة الصهيونية على التخطيط والتنفيذ وإنما أيضا بقدرة شعب فلسطين وشعب سوريا عموما على مناهضة المشروع الصهيوني ومقاومته. ولهذا من المهم النظر في مختلف الظروف التي كانت سائدة في سوريا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. لمحة سريعة على الظروف العامة للبلاد في تلك الحقبة تمكننا من فهم الأوضاع ومن الحكم على مدى تحمل الشعب لمسؤولية ضياع فلسطين. هل كان الشعب قادرا وملك الإمكانيات؟ هل كانت القيادة واعية وكان بإمكانها أن تفعل أفضل مما فعلت؟ أم أن العدو كان قويا إلى درجة أن الشعب وقيادته لم يكونا على قدر التحدي؟ بمعنى أن الوقوف عند حقيقة الأوضاع يساعدنا على تحميل المسؤولية وعلى تعلم دروس من التاريخ. لا يكفي أن يصدر المرء أحكاما جزافية، إذ ربما في ذلك هروب من البحث والتدقيق، ومن المهم أن يكون الحكم مشفوعا بالبراهين. الوضع الاقتصادي كان الفقر المدقع ظاهرة عامة والإقطاع سيد الموقف. غلبت السمة الزراعية على البلاد لكن الزراعة لم تكن متطورة ولم يكن بمقدور الإنتاج الزراعي تغطية احتياجات السكان. كانت هناك مساحات زراعية مزدهرة خاصة في المناطق السهلية مثل السهل الساحلي ومرج ابن عامر، لكنها لم تكن كافية ولم يكن مردودها موزعا بطريقة يصل إلى مختلف أوساط الناس، حيث كان الإقطاع سيد الموقف ويحتكر الإنتاج. هذا ولم تكن الأراضي الجبلية مستغلة تماما على الرغم من أن بعضها كان مزروعا بالزيتون بعض الأشجار اللوزية. لم يكن هناك اهتمام كاف باستغلال الجبال أو استصلاح مساحاتها خاصة أن ذلك يتطلب تكاليف مادية غير متطورة. سيطرت العائلات الإقطاعية التي كانت منتشرة في أنحاء فلسطين على أغلب الأراضي الزراعية في المناطق السهلية. امتلكت هذه العائلات مساحات شاسعة وسيطرت على قرى بأكملها ووظفت الناس للفلاحة. وهنا أذكر بعض الأرقام علما أن القصد ليس الإساءة لعائلات أو أحفاد الإقطاعيين وإنما ذكر الحقيقة التاريخية والجغرافية علّ فيها ما يفيد في استخلاص العبر. فمثلا قدّرت أملاك عائلة عبد الهادي في جنين ونابلس بحوالي 60,000 دونم، وأملاك عائلة الحسيني بحوالي 50,000 وأملاك عائلة الشوا بأكثر من 100,000. وبخصوص الأقضية، ملكت خمس عائلات في نابلس وطولكرم حوالي 120,000 دونم، بينما ملكت ست عائلات في جنين 110,000 دونم. أما في عكا فكانت تملك خمس عائلات 160,000 دونم، وست عائلات في طبرية 70,000 دونم. وعلى هذا قس. المهم أيضا أن الإقطاعيين كانوا قساة مستغِلين لا يرحمون إلى درجة أنهم كانوا يتبعون أساليب عقابية قاسية جدا. من ناحية، اعتاد أهل الإقطاع استغلال كل أفراد عائلة الفلاح في فلاحة الأرض ولساعات عمل طويلة كانت تمتد عادة من قبل بزوغ الشمس حتى ما بعد ساعات الغروب. أما المكافأة فكانت تقتصر على بعض المواد الغذائية مثل الشعير أو القمح أو الذرة وبعض العدس والزيت والتي كانت تسد الرمق بحيث يتمكن الفلاح من الاستمرار في العمل. أي أن الهدف من التزويد لم يكن بدافع إنساني وإنما بدافع استغلالي. والدليل على البعد الاستغلالي أن الإقطاعي كان يتفقد الفلاحين وهو على صهوة الحصان وبيده السوط الذي طالما هوى على ظهور العمال. هذا ناهيك عن أن المرض لم يكن سببا في تكاسل الفلاح عن العمل ولا الانشغال بأطفال أو مرض زوجة. كان الإقطاعي قاسيا إلى درجة الحكم بالموت على شخص أو أشخاص. عائلات إقطاعية كانت تملك سجونا أو أماكن للتصفية الجسدية. ومن كان بإمكانه أن يتحدى أو يواجه هذا الطغيان؟ كانت تلك العائلات أشبه ما يكون بأنظمة عربية حالية لا تعرف سوى التصفية وتصفية من يحاول الاستفسار عن قريب له مفقود. أما أعراض الناس فكانت مباحة أمام الإقطاعي، وإن تمرد شخص دفاعا عن شرف أمه أو زوجته لقي مصيرا صعبا. وللطالب أن يلاحظ في منطقته حصون الإقطاعيين وقلاعهم التي بنوها بدماء الفلاحين في منطقته وأن يستمع إلى قصص كبار الناس حول معاناتهم. كان في فلسطين بعض الملاك الصغار لكن العديد منهم لم ينجو من شر الإقطاعيين. استغل بعض الإقطاعيين نفوذهم وقوتهم لإجبار البعض على بيع أراضيهم بأثمان بخسة، ومنهم من استغل مسائل الرهن التي كان يتم اللجوء إليها لضمان سداد الديون لإجبار صغار الملاك للتنازل عن أملاكهم مقابل الديون. ومن الإقطاعيين من كان يلجأ إلى فرض ضرائب باهظة خاصة في عهد الدولة العثمانية على الأرض مما يدفع المالك الصغير إلى التنازل عن أرضه بدون مقابل. بمعنى آخر أن الإقطاعيين حاولوا بوسائل متعددة من أجل زيادة مساحات الأراضي التي يمتلكونها على حساب الفلاح الفلسطيني البسيط. وكما سنرى، باع عدد من الإقطاعيين مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لليهود. وقد وصل الأمر إبان الانتداب البريطاني إلى أن اضطر بعض الفلاحين إلى بيع أراضيهم من أجل شراء سلاح للدفاع عن الوطن وأن قام الإقطاعي المشتري ببيعها لليهود بثمن أعلى مما دفع. كان الفقر شديدا إلى درجة أن الناس تعلموا عادات أكل الأعشاب وورق الشجر، وإلى اعتماد خبز الشعير كوجبة رئيسة. وعندما تطورت أحوال الناس قليلا بدأ يظهر خبز الذرة المعروف بالكراديش. أما خبز القمح فقد كان حكرا على الإقطاعيين ولم ينتشر ليصبح طعام عامة الناس إلا في بداية الخمسينيات. لم يستمر هذا الوضع بهذه القسوة الشديدة التي شهدتها أواخر الدولة العثمانية، وبدأت تخف مع الزمن رويدا رويدا وذلك تبعا لتطور الحياة الاجتماعية والسياسية الفلسطينية. الوضع الاجتماعي تميز الوضع الاجتماعي في تلك الفترة بالعشائرية المبنية على التعصب وإلى الدرجة التي أتاحت الغزوات المتبادلة بين القرى والعشائر. وغالبا ما كان يتم الغزو لأسباب اقتصادية أو ثأرية. لكن العائلات الإقطاعية وقفت على قمة هرم التركيبة الاجتماعية وكونت لنفسها نفوذا قويا بحيث أنها سيطرت على مساحات كانت محرمة على نفوذ عائلات أخرى. آثار هذا الوضع ما تزال قائمة حتى يومنا هذا. وقد عمات تلك العائلات على بسط هيمنتها على القرى المجاورة وتجنيد سكانها للدفاع عن المصالح الإقطاعية. بمعنى أن الإقطاع قسم المجتمع الفلسطيني إلى قسمين: السادة والعبيد. كان المجتمع الفلسطيني مجتمع رجال وفقط كبار السن منهم. لم يكن للمرأة قيمة اجتماعية واستعملت كعبدة تستخدم في الأشغال الشاقة. أما الأطفال فلم يكونوا على حال أحسن. وقد عظمت التركيبة العشائرية كبار السن الذين اعتبروا أصحاب الحكمة وعززت التقاليد فكرة السمع والطاعة لما يخططون ويأمرون. كانت العشيرة هي الملجأ وهي مصدر الفخار والأمن وكان لزاما على الفرد أن يتقيد بالتقاليد. وكما هي الحال بالنسبة للمجتمع العشائري، كان للعدو الداخلي أو العشائر المنافسة الأولوية في العداء على القوى الخارجية المعادية، والسبب أن العشائري يضع مصلحة العشيرة فوق كل المصالح بما فيها المصلحة الوطنية. يرخص الوطن وأهله أمام تحقيق مصالح العائلة أو القبيلة. التعليم لم بكن التعليم منتشرا في تلك الفترة في أي بقعة من نواحي الدولة العثمانية وكان الجهل عاما وطامّا. لم تعمل الدولة العثمانية مهتمة بالتعليم ولا ببناء المدارس وإعداد أجيال تقرأ وتكتب. كانت هناك مدارس قليلة جدا في مدن الدولة الكبيرة، أما المدن الصغيرة والأرياف فكانت تعتمد على مدارس بدائية سميت بالكتاتيب. كانت المهمة ملقاة على كاهل إمام المسجد الذي لم يكن على درجة وافرة من العلم ليعلّم بعض الأطفال القراءة والكتابة وبعض الآيات القرآنية والأحاديث. وبسبب أن عمله كان تطوعيا فإنه كان يكتفي ببعض العطايا العينية لقاء جهوده. لكن لا يُفهم أن كل الأطفال كانوا يحضرون الكتاتيب، بل كان الحضور مقتصرا على عدد من أطفال القلة الميسورين نسبيا. إذا كان بعض الأطفال الذكور قد حضروا الكتاتيب واستطاعوا أن يمتلكوا الاستطاعة على القراءة والكتابة فإن حظ الإناث كان تعيسا. ساد ظن في تلك الفترة أن تعليم الإناث حرام شرعا، وكان الناس ينظرون بشك وريبة إلى بعض بنات الإقطاعيين في المدن الكبيرة بسبب إقبالهن على الدراسة. على أية حال، لم يكن التعليم وقتئذ مهما بسبب عدم وجود الضرورة. كانت الحياة في غاية التخلف ولم تكن هناك وظائف وأشغال تنتظر المتعلمين. كانت الحياة بدائية ومعتمدة على أساليب زراعية بسيطة لا تتطلب معارفا أو فنونا علمية. أي أنه لم يكن لدى الناس دافعا لتعليم أبنائهم وكانوا يفضلون تشغيلهم في الحقول للمساعدة في تحصيل لقمة الخبز. فحتى لو حصل الطفل على تعليم فإنه كان يجد نفسه وراء المحراث أو حاملا للمنجل والفأس. في المقابل، امتلأت حياة الناس بالشعوذة وسادت عقلية الجن والعفاريت والغول. ساد اعتقاد لدى الناس أنهم لا يملكون من أمورهم شيئا وأن حياتهم يتم تسييرها من قبل كائنات غيبية أكثر قوة منهم. ولهذا اتجهوا إلى تفسير الأمور غيبيا والتسليم لهذه القوى غير المرئية. حتى أن القصص الشعبية التي كانت سائدة مثل جبينة والشاطر حسن ونص نصيص اعتمدت الغول كبطل لا يمكن تجاوزه. وبسبب هذا اعتمد الناس على التنجيم والمشعوذين لمعرفة المستقبل وكشف أسرار الغيب وفي حل مشاكلهم القائمة. الأوضاع الصحية عانى الشعب السوري كما غيره من شعوب الدولة العثمانية من أوضاع صحية متردية جدا، ولم تعرهم الدولة الانتباه. مستوى النظافة كان بائسا جدا، وتفشي الأمراض كان ظاهرة عامة. انتشرت أمراض قاتلة ولم يكن لها من علاج مثل الحصبة والجدري والملاريا. أتت هذه الأمراض على عدد كبير من الأطفال إلى درجة أن بعض الأسر فقدت نصف أطفالها. لم تكن هناك عيادات ولم تتوفر مستشفيات بدائية إلا في المدن الكبيرة مثل حلب ونابلس وطرابلس ويافا. باختصار، كان الشعب الفلسطيني يعاني في ذلك الوقت من الجوع والجهل والمرض، وهي آفات كفيلة بالانقضاض على أي شعب لتنهكه وتصيبه بالغثيان القاتل. كان الوضع صعبا جدا إلى درجة أنه يصعب جدا تحميل الشعب الفلسطيني في تلك الفترة، أي أواخر عهد العثمانيين، وزر نجاح المتآمرين الغربيين وحلفائهم الصهاينة. |
الحمد لله
:uy:
انا في غايه السعاده والتقدير واتمنى ان يسلكوا كثير من المواقع خطاكم في تنبيه وارشاد ابناء العالم الاسلامي الى ترسيخ تاريخ بلادي في عقول الجميع لان الضغط الحياتي قد سبب انشغال كل فرد في اموره الخاصه ونسيان او تناسي امور عامه المسلمين وان من لا يعرف تاريخ بلد وجغرافيته يسهل عليه نسيانه :) :taheya: |
الله يحرر فلسطين من ايدي الطغاه
امــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــن يا رب العالمين |
شكراً - عاشق الجنان
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
شكراً جزيلاً لك على الموضوع المهم، و على المجهود المبذول في النقل و المتابعة في الموضوع وفقك الله لما يحب و يرضيه عنا إن شاءالله و إن شاءالله تتحرر فلسطيننا الغالية و نصلي في أقصانا الجريح و السلام ختام وخير الكلام و الصلاة و السلام على رسول الله |
يكفي يا اخي ان احقيتنا الثاريخية ثابثة بالقرءان الكريم و ان جل الدراسات الانثربولوجيا تؤكد احقيتنا التاريخية وتدحض المزاعم اليهودية .
|
وفقكم الله دائما لاجل حفظ فلسطين وتاريخه
|
جزك الله كل الخير ويوم ما سنعود إليها
مع أطيب التحيات :عاشقة السراج |
السلام عليكم
موضوع راائع متلك ربي يفك أسر حبيبتنا فلسطين جزاك الله خيرا أختكم في الله راضية |
الساعة الآن : 06:46 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour