إيقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان
إيقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان (منقول بتصرف من موقع فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله تعالى ) أخي الكريم : لقد أَزِفَ شعبان، وهو شهر له خصوصيته عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وله تعظيمه الذي ينبغي على المؤمنين أن يُعَظِّموه مثلما عَظَّمه النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك التعظيم من النبي صلى الله عليه وسلم كان له سببان: الأول: أن رمضان موسم المغفرة، وينبغي على كل أحد -يريد الله تعالى، والدار الآخرة- أن يهتم لهذه المغفرة، وأن يبذل لها وسعه. وذلك لما هيأ الله تعالى فيه من أسباب الرحمة والمغفرة والرضوان والعتق من النار. فقد قال صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". وقال : " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " . وقال : " إن فيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرمها حرم الخير كله ". وزاد: " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". وقد أعان المؤمنين على تحقيق ذلك بقوله: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين، ونادى مناد يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر." ومن ثم لم يكن عذر حينئذ لأحد فقال :" من أتى عليه رمضان فلم يغفر له أبعده الله أدخله النار , قل آمين , فقلت: آمين" . والثاني : تعمير أوقات غفلة الناس بالطاعة والمجاهدة عليها فعلاوة على فوائدها المذكورة بعد فإن بالطائعين يدفع عن غيرهم ، وبهم يرفع البلاء في تلك الأوقات . فكان "شعبان" هو المُقَدِّمَةَ لتلك المغفرة التي ينبغي أن يستعد المؤمنون لها الاستعداد الجيدَ -الذي طالما قصَّر فيه المؤمنون. -------------------------------------- أخي الكريم : في هذا الرابط (http://debiessy.awardspace.com/general/eqaz.htm) ستجد كتب وخطب صوتية رائعة ,و مميزة لفضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله تعالى تتعلق برمضان والاستعداد له قبله, وما ينبغي أن يكون من العمل الصالح أثنائه, وذلك لتحقيق الغاية القصوى من نيل مغفرة الرب , والعتق من النار في هذا الشهر الكريم , اللهم اجعلنا جميعا من عتقائك من النار ومن المقبولين. |
بارك الله فيك يا أخي على هذا الموضوع الجميل ،وجزاك الله خيراً
|
بارك الله فيك على هذا الموضوع .........
واهلا بك اخي في ملتقى الشفاء ......... |
جزاك الله خيرا اختي
ورمضان مبارك على الجميع |
اقتباس:
وبارك الله فيكم , وجزاكم الله خيرا على هذا الاستقبال الجيد للعبد المسكين. :_11::_11::_11::_11::_11::_11::_11::_11: اللهم بارك لنا في شعبان , وبلغنا رمضان , وأعِنَّا على العمل الصالح فيهما, آمين. :_11::_11::_11::_11::_11::_11::_11::_11::_11::_11: |
السلام عليكم
تم اليوم إضافة هذه السلاسل الجديدة في موقع فضيلة الشيخ: [ الاستعداد لشهر رمضان - شعبان 1426 هـ (أو: تنبيه الوسنان لمغفرة رمضان) محاضرات صوتية] مميزة --------------- [حديث الأشجان - رمضان 1426 هـ] --------------- [سلسلة خطب رمضان وشوال 1425هـ] أسأل الله العظيم أن ينفعني وإياكم بها, |
وظائف شهر شعبان - الوظيفة الاولى : صوم شعبان
(منقول من موقع فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله تعالى) وظائف المؤمنين في شهر شعبان(مختصرة): 3-مجاهدة النفس على الطاعات 4- تجهيز أحسن الأعمال لرفعها إلى رب العالمين. 6- الانكباب على كلام الله تعالى وإدمان تلاوته. سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام شهر شعبان فقال: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ , وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ , فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))([1][1]) . وروى البخاري أنَّ النبيَّ r ((كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ))([2][2])، وفي رواية: ((إِلَّا قَلِيلًا))([3][3]) . كأنَّ "رَجباً" و"رمضان" مِن الشُّهور التي يُعظِّمها المؤمنون، ثم يَغْفُلون عن "شعبان"، وهذه هي الحال التي نحن فيها؛ فما أن يأتي "شعبان" حتى يترك الناس الاجتهاد والطاعات ويقصرون فيها –وهم مقصرون أصلا- يقول القائل: ها "رمضان" قد أوشك، وإن شاء الله! في "رمضان" تُعَوِّض ذلك كله، وإنْ شاء الله! في "رمضان" يكون اجتهادك زائدًا ...، ويظل يفتح لك الشيطان باب التمني والأمل حتى تقعد عن العمل في "شعبان"، وحتى تتكاسل عنه. وذلك ما تميل إليه النفس؛ لأنه كلما اقتربت تلك المواسم ضَعُفَت النَّفس عن العمل ؛ لأنها بظنها وتسويفها سَتُعَوِّض ذلك في "رمضان"، فإذا جاء "رمضان" على هذه النفوس الضعيفة، على هذا الإقبال الضعيف على الله تعالى لن يجدي "رمضان" شيئًا؛ أتاهم وهم خائبون، فانصرف عنهم وهم كذلك، فعادوا إلى الخيبة والخسارة التي نراها كل عام، إلا من رحم الله تعالى.. فَلْيِشُدّ أهل الإيمان إذًا على عزمهم، ولْيُوَثِّقُوا عهودهم، وليأخذوا حِذْرَهم، وليتيقظوا لفوات عمرهم؛ فالعمر يمر بأسرع مما نتخيل كنا نتكلم عن قرب مجئ رمضان وجاء ورحل، كأنه بالأمس القريب، وإذا "برمضان" التالي يوشك أن يعود؛ عام كامل قد مرَّ، تراك حاسبت فيه نفسك أيها المؤمن! إذا لقد علمتَ كم كانت خسارتك فيه، وكم ضَيَّعتَ فيه من أنفاس وأيام وشهور، وكم ضيعت ذلك كله في عدم تحصيل شيء في معادك ، وتحقيق أسباب نجاتك، وقد علمت أنَّك موقوف، ومسئول؛ أنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن شبابه وعن عمره وعن ماله أين ضيع ذلك كله؟ وكأنَّ عمرك لا يُساوي شيئًا، وكأنَّك لن تُسأل عنه، وكأنه شيء لم يفتحه لك؛ لتزيد به من حسناتك، ولتأخذ به في تثقيل موازينك، ولتُقْبِلَ به على ربك؛ خشية أن يأتيك الموت، وأنت على هذا الحال! وكأنَّك من كَثْرَةِ مَا أَمدَّ لك الشيطان في الأمل، وأنساك بغتة الأجل، وأنساك قُرْبَ الموت والرحيل، كأنك بِمَأْمَن أن تنتقل إلى الرب الجليل وأن ترحل إليه، وأن تُحاسب بين يديه سبحانه وتعالى! لذلك كان يصومه r كله. وهذه الوظيفة الأولى التي يتفكر فيها المؤمنون اتباعاً للنبي r، واهتداءً بهديه، أن يصوموا شعبان إلا قليلًا، إلا يومًا أو يومين، أو أن يصوموا "شعبان" كله لمن اعتاد صيام هذه الأيام واسمع أول العقبات التي تثنيك عن ذلك لتستعد لها. سوف يأتيك الشيطان ليقول لك: أنت إذا صُمْتَ "شعبان" كله سَتَضْعُف عن صيام "رمضان" وأنت إذا صمتَ "شعبان" لم تتمكن من أن تقوم بمصالح ووظائف "رمضان"؛ ليعوقه عن أن يقوم بتلك الوظيفة، والاهتمام بها، حتى لا يعد نفسه، وقلبه، وروحه، وبدنه لصيام "رمضان".. للمغفرة ..للعتق من النار إذ ذاك أصعب شئ على الشيطان أن يراه مقبلاً طائعاً. ماذا يصيب المرء مثلا إذا صام "شعبان" وصام "رمضان"؟؟ كأنه سيَحدُثَ لَهُ مَا لَم يَحدث من الآفات والأوجاع، أو من تضييع العمر، أو من ذهاب المال، أو من تعطيل المصالح. كل ذلك تخويف الشَّيطان، وتسويله الذي ينبغي أن تَحْذَرَ له من أول الأمر، سيأتيك الشيطان بكل الموانع، وبكل العَقَبَات وبكل المعوقات التي تصُدُّك عن أن تقوم بهذه الوظيفة. ولست أيها المسكين! وأنت شاب فارغ من مشاغِل الدُّنيا، ومن مشاغل الدِّين كذلك أن تتكاسل وتضعف عن القيام بهذه الوظيفة؛ النبي r على عِظَمِ مشاغله من "الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة، والقيام بمصالح المؤمنين، والقيام على معايشهم، والقيام على تعليمهم وفِقْهِهِم سفَرهم وحَضَرِهم". كل ذلك لم يمنعه، لماذا؟ لأنه متوكل على الله , قوي به, مدده منه سبحانه وتعالى, محب لعبادته لا يستثقلها ولا يملها, له أعظم الأشواق لله والآمال فيه. ليتوكل المرء على الله إذا ؛ ويجعل له هدفًا يريد أن يصل إليه، وهو أن يغفر الله له في "رمضان"، ويعلم أنَّ المغفرة التي يود أن يُحَصِّلَها مهما بذل لها فذلك شيءٌ قليل، ولو صام عمره كله لم يكن شيئًا كثيرًا؛ لِيُحَصِّل به مغفرة الله تعالى.. وليعلم أنه مهما أقبل على الله تعالى، وتوكل عليه في ذلك فإن الله حسبه، فإن الله يكفيه، يعني: إن المشاغل التي سيعوقك بها الشَّيطان من الضعف، ومن المصالح، ومن السفر، ومن كذا، وكذا.. الله تعالى يكفيك إياها ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾[الزمر:36]. فإذا ما تَيَقَّنُ المرء أن الله تعالى يكفيه، وأن الله تعالى قادر، وقوي على أن يعينه في تحصيل هذه الوظائف، فكيف يُحَصِّلها؟! لذلك يَدْخُلُ على أعمال الإيمان لا يهمه عواقبها؛ لأن عواقبها بيد الله وهي عواقب محمودة؛ ولأن الله -تبارك وتعالى- إذا فتح له باب طاعة هَيَأهُ لها، وإذا فتح له باب المغفرة هيأه لها، وقوَّاه عليها، وأمَدَّه بِمَدَدِهِ، فكيف تخشى إذًا أن يحدث كذا ..، وكذا..، والله تعالى معك، والله تعالى مؤيدك، وموفقك أيها المسكين؟! لما كان موسى عليه السلام في شغل الله نعالى وخشي العاقبة بقوله: ﴿إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى﴾ [طـه:45] قال: ﴿لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طـه:46]. فكان في شغلهما لما كانا في شغل الله تعالى. لذلك: ينبغي أن يتعلم المرء هذه القضية في كل قضايا الإيمان، والعمل الصالح؛ ألا يلتفت إلى تخويف الشَّيطان ومعوقاته وأنه سيقع له كذا وكذا، لا؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾[الزمر:36] يُذكر بها نفسه ويقوي بها قلبه. قال الله عز وجلّ في الحديث القدسي : ((إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))([5][2]) فهل تتقرب إليه بهذه الأنواع من أنواع القُرُبات، ثم يحجب عنك مدده، وقوته، وقدرته، وعونه، وتوفيقه، وتسديده، لا.. بل على العكس.. إذا ما تقربت بتلك القربات فأنت في محل التوفيق، محل المدد من الله تعالى، محل العَوْن، محل الإصابة والسداد، محل أن تكون هذه العواقب الحسنة كلها قد هيأها الله تعالى لك، فلا تخشى حينئذٍ شيئًا.. النبي r قد ورد عنه أنَّه كان يقوم الليل كله، يدعو، ويُنَاشِدُ ربه، ثم يصبح ليجاهد المشركين، وليواجههم، وليقاتلهم كما رأينا في غزوة بدر. فهذا هو مقتضى التوكل الذي يدفعك إلى المعنى الثاني الذي قد فُتِحَ له "شعبان" وهو معنى : " المجاهدة " . ([1][1]) [حسن] أخرجه النسائي (2357) ، وأحمد في المسند ( 5 / 201) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه. ([2][2]) أخرجه البخاري (1970) ، ومسلم (1156) من حديث عائشة رضي الله عنها. ([3][3]) أخرجه مسلم (1156) من حديث عائشة رضي الله عنه. ([4][1]) [حسن] تقدم من حديث أسامة بن زيد t . ([5][2])أخرجه البخاري (7536) ، ومسلم (2675) من حديث أنس t . __________________________________________________ ______ |
الوظيفة الثانية : تعمير أوقات الغفلة بالطاعات والقُرُبات إلى الله تعالى - الجزء الأو
الوظيفة الثانية : تعمير أوقات الغفلة بالطاعات والقُرُبات إلى الله تعالى - الجزء الأول وفي هذه الجزئية النقاط الآتية: ·كيف يغفل المؤمنون عن ربهم ؟!! ·شأن المؤمنين القرب من الله. ·فوائد إعمار أوقات الغفلة بالطاعة: ·الفوز بمحبة الله سبحانه وتعالى oومن طرق تحصيل هذه المحبة : §القيام في نصف الليل الآخر. §القيام حال كون النوم أحب إليك مما سواه. §القيام ما بين المغرب والعشاء. ·دفع البلاء النازل على النفس والأُمًّة . §مسئولية المؤمنين في دفع البلاء النازل الآن عن إخوانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ·تحصيل الأجور المضاعفة"... ----- كيف يغفل المؤمنون عن ربهم ؟!! ----- نعود إلى قوله r ((يغفل عنه النَّاس)) معناه: أن المؤمنين مُطالبون بأن يُعَمِّروا أوقات الغفلة بأعمال الذكر، والقرب إلى الله تعالى وألا يكونوا مع الغافلين كما قال ﴿ولا تكن من الغافلين﴾ [الأعراف: 205] لمَّا غفل عنه النَّاس لم يكن للمؤمنين أن يغفلوا عنه؛ لأنَّ المؤمنين متيقظون، حَذِرُون من ناحية.. ومن ناحية أخرى: أنَّ المؤمنين مقبلون على ربهم دومًا ؛ لأنَّهم لا ينقطعون عنه، وإن انقطعوا عن ربهم، وغفلوا عن ذكرهم ماتوا ..ماتت قلوبهم، وضلت أفئدتهم وبَعَدُوا عن طريق ربهم. لذلك يصعب على المؤمنين أشد الصعوبة أن يغفلوا عن ربهم، وأن يتكاسلوا عنه، أو يبتعدوا عن طريقه، فكأنما خرجوا إلى الموت، لقد خرج أحدهم إذن عن طريق ربه الذي يحفظه ويرزقه ويقويه، فلابد أن يُقدم عليه وأن يرجع إليه. وليس له عنه بُدُّ سبحانه وتعالى؛ فهو ربه، وهو حبيبه، وهو الذي يُرَبَّيه، ويراعي إيمانه، وهو الذي يَمُدُّه بأسباب النجاة، وهو الذي ينتظره في الآخرة؛ ليسكنه جنته مع النبيين والصديقين والشهداء، فكيف يبعد عنه المرء؟! أو كيف يغفل عنه؟! أو كيف ينسى ربه سبحانه وتعالى؟! إن خرج منه كأنما خرج السمك من الماء، يخرج إلى الموت، تلك هي الغفلة عن ربهم، والابتعاد عن طريقه سبحانه وتعالى. والمؤمنون اليوم مع الأسف لا يُحِسُّون بهذا الموت، لا يُحِسُّون بضعف الحياة كما قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾[الأنعام:122]. وقد انصرفوا إلى حياتهم وأولادهم وأموالهم وشهواتهم وقدموا ذلك كله على ربهم فكان سبب لهوهم عنه وشقائهم وخسرانهم كذلك. قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9]. ويعلمون أنه هو الذي يُصْلِحُ أحوالهم، وهو الذي يُدَبِّر معايشهم، وهو يُوَسِّع أرزاقهم، وهو الذي يكفيهم كلَّ ما أَهَمَّهُم في أمور دينهم ودنياهم، فكيف يلجئون إلى عدوه؟! كيف يغفلون عنه؟! كيف ينامون عن طاعته I ؟! كيف يتكاسلون عن طريقه؟! وطريقه هو حياتهم وطريق نجاتهم، وطريقه محبتهم وقربهم، وطريقه عُلُوهم وارتفاعهم، وطريقة كل أملهم في الدنيا والآخرة. ----- شأن المؤمنين القرب من الله تعالى والوقوف ببابه.... ------ قوله صلى الله عليه وسلم : ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))([1]). وكأن النبي r يُبَيِّنُ للمؤمنين أنهم لا ينبغي أن يغفلوا حين يَغفُلُ النَّاس عن الله تعالى، بل لابد لهم أن يكونوا متيقظين لربهم سبحانه وتعالى، غير غافلين عنه جلَّ وعلا، مقبلين عليه حال إعراض النَّاس، ذاكرين له حال غفلة النَّاس، مهتدين بهديه حال ضلال النَّاس، وإنما هم لهم شأن، والنَّاس لهم شأن آخر. شأنهم : القُرب من الله تعالى، والوقوف ببابه، والتضرع له. والدعاء، والذكر، والبكاء، والتذلل، والانكسار إلى ربهم في كل حين، لا يخرجون عن ذلك طرفة عين، وإذا خرجوا فذلك هو الخذلان المبين, فأشواقهم لمحبته ونعيمهم ولذتهم وشهواتهم في طاعته. ----- فوائد إعمار أوقات الغفلة بالطاعات.... ----- وعمارة أوقات الغفلة بأعمال الإيمان والطاعة لها فوائدها التي ينبغي أن يُحَصِّلها المؤمنون اليوم لذلك الشهر الكريم الذي يُعِدُّون أنفسهم فيه لرحمة الله . فما هي فوائد تعمير أوقات الغفلة بالطاعة؟ ----- الفائدة الأولى: الفوز بمحبة الله I.----- أوَّل هذه الأمور وإن كنا نريد أن نشير إلى معانٍ مهمة فيها فقط هي: أنَّ الله تعالى عندما يغفل عنه النَّاس، ويقوم بعض النَّاس بذكره، والإقبال عليه فيكونون محل محبته سبحانه وتعالى. يعني: إن أوَّل شيء يحصله هؤلاء المعمِّرون لأوقات الغفلة بالذكر، والعمل، والإقبال على الله تعالى أن ينالوا محبة الله I. لذلك: رأينا النبي r في أحاديث كثيرة يحض المؤمنين على تعمير أوقات الغفلة بالذكر ليحصلوا أعلى درجات الدين..محبة الله. ومن ذلك: ما ذكره صلى الله عليه وسلم في نصف الليل الآخر : (( إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى فيه فَكُنْ..)) يعني: وقت هدوء النَّاس، ونومهم، وشهواتهم إذا بالنبي r يُوقِظ أهل الإيمان، وينبههم على أنهم ينبغي أن يَتَخَلَّوا عن تلك الشهوات من "النوم والدعة والراحة والأهل" ليقوموا إلى الشهوة العظمى والراحة القصوى، وهي محبة الله تعالى التي يُؤثِرُونها على الدنيا والآخرة، والمال، والأهل والولد.. فإن استطعت أن تكون ممن يذكروا الله في هذه الساعة فكنْ، أي في جوف الليل الآخر، وهو الذي يغفل عنه النَّاس المؤمنون، و غيرهم بأن يذكروا الله تعالى فيه: هو موضع محبة الله تعالى. وكذلك كان r يؤخِّر العشاء الآخرة - صلاة العشاء - يعني: إلى ثلث الليل؛ يقول :كما روى في البخاري وغيره عنه r: ((مَا يَنْتَظِرُهَا – يَعْنِي: العشاء- أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرُكُمْ ..)) . وكأنه يقول :- صلوات الله وسلامه عليه- هذه الصلاة التي تصلون إنما أنتم الذين تصلونها في الدنيا كلها حال غفلة كل النَّاس عن الله تعالى، و هذه ميزة عظيمة للمؤمنين، أن يذكروا الله تعالى عند غفلة النَّاس عنه، وأن يُقْبِلوا عليه حال إعراض النَّاس عنه I .. ولك أن تتخيل أيها المؤمن! أنَّ ذلك محل رحمة الله تعالى، ومحل محبة الله تعالى , يقولr : ((ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ … وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ فَقَامَ أَحَدُهُمْ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي ..))([2]) ((حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدلوا به)) لا يعادله شيء هذا النوم فناموا. ((قام إليَّ أحدهم)): الذي يضحك له ربه سبحانه وتعالى، الذي هو في محل محبة الله له سبحانه وتعالى. ((قام إليَّ)): قام إليَّ حال تعبه، وحال مشقته، وحال كون النوم أحب إليه مما سواه، قام إليه، لا يُحِسُّ بهذا التعب، ولا يحس بهذه المشقة، ولا يحس بأن النوم هو الأحب إليه، بل يحس بأنَّ قيامه إلى ربه، وتلاوته لآياته، وتَمَلُّقَه ودعائه، والطلب منه هو راحته وسروره ,فأنساه تعبه ومشقته؛ لأنه أحس في ذلك بنعيمه، أحس في ذلك بطمأنينته، وإقباله على ربه سبحانه وتعالى، فكانت أعلى وأجلَّ وأعظم من كل هذه السعادات التي يلقاها في غير ذلك، فكانت سعادته العظمى، وقُرَّةُ عينيه التي لا تنقضي، ونعيمه الذي لا يفنى أن يقبل على ربه، وأن يتلوا آياته، وأن يتملقه I، إلى آخر ذلك مما ذكر النبي r من قوله: ((وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا وَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ )) يعني: فروا من أمام العدو ، فقابلهم رجل بصدره فقاتلهم حتى قُتِلَ. فذلك يضحك الله له،فهذا يحبه ربه كأنه لما فرَّ النَّاس عن الله تعالى، وفروا عن دين الله تعالى، ونُصْرَتِهِ إذا به هو وحده في غفلتهم، وفرارهم، وبُعْدِهِم، وإدبارهم يُقْبِل بصدره؛ يَوَدُّ ما عند الله تعالى من الشهادة، ومن القرب، يود ما عند الله تعالى من الأجر في الدفع عن دينه، والذَّبِّ عن إيمانه، والقيام بِنُصْرَةِ هذا الدين. والثالث: ((فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلَّا اللَّهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ )) ,. يعني: أعطاه بينه وبينه، أعطاه مما أعطاه الله تعالى، أعطاه مما رزقه الله تعالى، أنفق في السِّر من هذا الباب الذي يحبه الله تعالى، فكان ذلك الشَّخص ممن يضحك الله تعالى له، ممن يحبهم الله تبارك وتعالى. فرأيت هذا الحديث يُصَوِّر هذه المحبة، وهذا الضحك من الله تعالى لهؤلاء الذين تركوا رَغْد، عيشهم، ودَعَتَهُم، وسكونهم، وراحتهم، وزوجاتهم، وغِطائهم ونومهم، وأنفقوا مالهم ، وضحوا بأنفسهم فَقُتِلُوا، قاتلوا وقُتِلُوا في سبيل الله، وهكذا.. وحسبك بقوم يحبهم ويضحك لهم حسبك بهم في علو درجتهم وحسن منزلتهم وقل ما شئت فلا تبلغ العبارة وصف حالهم. فلعلك قد أخذت هذا المعنى من تعمير أوقات الغفلة بذكر الله تعالى وطاعته ليكون رصيدك في "شعبان" أن تكون أنت المُقْبِل حال فرار النَّاس، والمُتَصَدِّق حال بُخْلِهِم وإحجامهم وحرصهم، أن تكون القائم حال نومهم وغفلتهم، والذَّاكِر لله تعالى، الداعي المُتَمَلِق له حال بُعْدِهِم وحال نومهم. ذلك كله يكون سَبَبَ محبة الله تعالى لعبده، فإن الله تعالى يحب لهم ذلك. ومثل آخر: كان المؤمنون في عهدهم الأول يقومون ما بين "المغرب" و"العشاء" صلاةً لله تعالى؛ لقولهم: إن هذه ساعة يغفل النَّاس فيها عن الله تعالى. فيقومون فيها لربهم سبحانه وتعالى، ساعة غفلة يغفل النَّاس عنها لا ينبغي للمؤمنين المتقين أن يغفلوا كما غفل غيرهم، وأن يناموا كما نام غيرهم، أو أن يَلْهُوا كما لهى غيرهم، أو يبتعدوا كما ابتعد غيرهم، أو يَفِرُّوا كما فرَّ غيرهم. وعادة الناس اليوم هي الفِرَارُ من الطاعة والعمل الصالح والمَلَل منها، والضيق بها، يَوَدُّون شيئًا سريعًا، شيئًا خفيفًا، شيئًا لا يكون له أثره الجميل في قلوب المؤمنين، ولا في أعمالهم وأقوالهم، كأن أثقل شيء عليهم هو إقبالهم على ربهم، وهو محبتهم لربهم، وهو بذلهم لربهم، فضلا عن تضحيتهم لربهم، إن كان شيءٌ لغير الله تعالى وَجَدْتَهُم يسارعون ويعطون ويبذلون، ولا يُهِمُّهُم وقت، ولا يهمهم مال، ولا جُهْد، إن كان لله تعالى وجدتَ العِلَلَ والأعذار، والبعد عن الله تعالى. وكان تعمير النبيِّ له r في حال الغفلة لهذا السبب الأول وهو: المحبة من الله تعالى، وأن يضحك الله -تبارك وتعالى- لهم، وأن يُجازِيَهُم، وأن يكافئهم أحسن الجزاء، وأن يُعْظِّمَ مثوبتهم، وأنْ يجزلَ لهم الثوابَ سبحانه وتعالى. |
الوظيفة الثانية : تعمير أوقات الغفلة بالطاعات والقُرُبات إلى الله تعالى - الجزء الثان
الوظيفة الثانية : تعمير أوقات الغفلة بالطاعات والقُرُبات إلى الله تعالى - الجزء الثاني
----- الفائدة الثانية: دفع البلاء النازل على النفس والأُمَّة ----- فإن تعمير أوقات الغفلة مما يدفع الله تعالى به السوء عن النفس وعن الأمة، والذي يجب أن يكون في اهتمام المؤمنين اليوم، كيف يدفعون عن أنفسهم ؟ وكيف يدفعون عن إخوانهم في أقطار الإسلام ما نزل بهم؟ وما أحاط بهم، وما حَلَّ عليهم، أن يدفعوا ذلك كله، وقد فتح الله تعالى لهم هذا الشهر الكريم ليستشعروا تلك المسئولية؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يدفع بالمؤمنين القائمين، الراكعين، الساجدين، الذاكرين، الصائمين، المتصدقين، المتكافلين، المتعاونين يدفع الله -تبارك وتعالى- بهم عن أنفسهم، وعن غيرهم البلاء النَّازل، إذا ما نزل البلاء فوجد قومًا يُصَلون، وجد قومًا يصومون، وجد قومًا يتهجدون، وجد قومًا يذكرون رُفِعَ عنهم البلاء، دُفِعَ بهم البلاء عن غيرهم فهم حائط الصد الأول الآن, ترى الهزيمة تأتي من قِبَلهم؟ لذلك يقول الله تعالى:﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251]، يعني: لولا أن يدفع الله -تبارك وتعالى- بالمؤمنين عن غيرهم لنزل بهم البلاء، وقد علمتم أنَّ الله -تبارك وتعالى- يحفظ بالرجل الصالح أهله وولده والنَّاس مِن حوله. نزلت الملائكة لقرية ليخسفوا بها، فوجدوا فيها رجلًا قائمًا يصلي، فرفعوا عنهم البلاء وأصل هذا القَصَص في كلام الله تعالى، يقول الله سبحانه في حفظ مال الغلامين ﴿وكان أبوهما صالحا﴾[الكهف: 82]، ويقول النبي r ((أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ))([3]) يعني: أصحاب النبيr الأمان للأمة، ومَن بَعدَهُم كذلك كلما كان فيهم صالحٌ من الصالحين إذا بالله تعالى يجعله أمنة لهم، وحفظًا لهم بما يُقدمُ لله تعالى من العمل الصالح، بما يَرفع إلى الله -تبارك وتعالى- من الدعاء، بما يُرفع له مِن الذِّكر والقيام، بما يرفع له من الصيام، وبما يُرفع له من النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعلم النافع والعمل الصالح، والسعي في مصالح المسلمين، والقيام عليها.. والدعوة إلى اله والجهاد في سبيله. كل ذلك يرتفع إلى الله تعالى، فإذا به يدفع البلاء عن المؤمنين. ﴿ما يفعل الله بعذابكم إنم شكرتم وآمنتم﴾[النساء: 147] فها قد فتح الله -تبارك وتعالى- شهر "شعبان" ليتحمل المؤمنون مسئولياتهم، وليعلموا حجم هذه المسئولية وضخامتها وأنهم يرون ما نزل بغيرهم من البلاء الذي قد تحققت أسبابه فينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولولا أنه ثمة إيمانٌ موجود ، أو لوجود بعض أهلِ الإيمان يرَحِمَ الله تعالى بهم البلاد والعباد لَنَزَلَ بهم ما ساءهم، وَلَنَزَلَ بهم ما نزل بغيرهم. لا بُدَّ إذن أن يسارع المؤمنون التحقق بتلك الأسباب، وأن ينتهزوا هذه الأيام التي لا مرد لها مرة أخرى، ولا رجوع ؛ ﴿وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين﴾[المنافقون: 10] يسأل الرجوع وقد حيل بينه وبين ذلك. فقد فتح الله لك بابًا من أبواب الطاعة فاسلكه لتتقرب إليه به ، واعلم أنه تكفل لك سبحانه وتعالى بالعاقبة، طالما فتح لك هذه القربات، ستأتي هذه العواقب كلها حميدة، ستأتي حميدة كلها؛ لأن الله -تبارك وتعالى- كما أشار: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾[الطلاق:2]. ذلك المخرج لابد أن يحدث للمتقين المؤمنين وهذا مما يخفف على المرء، ويُعَلِّمَه التوكل على الله تعالى، وأن يُسارِع إلى الطاعة والمغفرة، وأن يتسابق فيها، ولا يُهِمَّه ما يمكن أن يترتب على ذلك ؛ لأنه يعلم أنه لن يترتب إلا الخير، لن يترتب إلا العاقبة الحسنة له، لن يترتب على ذلك من الله -جل وعلا- الذي هيأه لذلك إلا كل توفيق وسداد، لا يخاف؛ لأن الأمور بيد الله، وأنه ﴿مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾[الطلاق: 3]. ----- الفائدة الثالثة :تحصيل الأجور المضاعفة : ------ ونشير إلى معنًى آخر من المعاني المهمة وهو: أن غفلة النَّاس تجعل هذه الطاعات شاقة على النفس؛ لأنه إذا ما كثر الطائعون لله تعالى فإنَّ النَّاس تألف الطاعة في "رمضان" كلهم -أي: النَّاس- صائمون، وكلهم متعاونون على هذا الأمر من أوامر الله تعالى، وكلهم لوجود الطائعين يتأسَّون بهم، ويسيرون ورائهم، ولا يُحسِّون بمشقة الصيام، ولا بمشقة القيام، لكثرة الطائعين الصائمين القائمين، أما إذا جاءت أوقات الغفلة، وتفرَّد المرء بالطاعة كانت شاقة على نفسه، كانت صعبة عليه؛ لأنه لا يجد مَن يتأسى به. لذلك قال النبي r في هؤلاء المتعبدين في أيام المحنة، أو في أيام الفتنة، أو في أيام عدم وجود الطاعة، والعبادة من النَّاس لله تعالى, قال: (( لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ !! قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟!قَال:َ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )) . فأجر هؤلاء الذين يتفردون بطاعة الله تعالى في هذه الأيام التي تكثر فيها الغفلة، وتزداد فيها الفتنة أجرهم يزداد على حسب مشقة هذه الأعمال على نفوسهم، وعلى حسب ثِقَل هذه الطاعات على قلوبهم وأبدانهم، وعلى حسب ما يتحملون من تلك المشقة، ومن هذه الصعوبة، ويبذلون حتى يحققوا أقصى عبادة يمكن أن يحققوها (( أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )). يعني: الذين يعمل العمل الصغير في مثل هذه الأيام -من أيام الغفلة- التي لا يساعده فيها أحد يُحَصِّل أجر خمسين من أعمال الصحابة.. ليس ذلك معناه أنَّ أحدًا سيعمل كأعمال الصحابة، لا، وإنما العمل الواحد يوازن ذلك، أما أن يُحَصِّل مجموع عمل الصحابي.. فلا يحصل أحد بعدهم لصحبتهم للنبي r. لذلك كان يقول النبي r: ((لأنهم لا يجدون على الخير أعوانا، أنتم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون على الخير أعوانا)). لذلك قال: ((فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ, قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ ؟ قَالَ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاس))([5]) . فإذا كثر الفساد، وَعَمَّ البلاء، هؤلاء الغرباء طوبى لهم الذين يحسنون، والذين يصلحون إذا ما كثر الفساد، وعَمَّ البلاء والفتنة. فتفطن المؤمنون إلى أنه كلما تعبدوا لربهم في أوقات الغفلة، وازدادت عبادتهم ، وازداد تمسكهم بسنة النبي r، ووجدوا في ذلك مشقة على نفوسهم، وصعوبة على أبدانهم، وكذلك وجدوا هذا الكلال الذي يمكن أن يتحملوه في سبيل قربهم مِن ربهم، وعبادتهم لله تعالى، فإنَّ أجورهم تزداد عند الله تعالى، وإن درجتهم ترتفع عند الله تعالى، وإن الله -جل وعلا- بكرمه وَمَنِّهِ يُجْزِلُ لهم المثوبة سبحانه وتعالى، ويَزيد لهم في الأجر الذي يفرحون به عندما يلقون الله تعالى،هذا المعنى يُخَفِّف على المرء الطاعات الْمُستَثقَلة هذه الأيام، وهذه القُرُبات الشَّاقة على النفس في مثل تلك الأحوال. لذلك قال النبي r : (( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ))([6]) . فإذا كان أصحاب النبي r قد فازوا بهجرتهم إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ إيمانًا بالله تعالى وتسليمًا له، وتركًا للأهل والمال والوطن، وتركًا للولد والنساء، وتركًا للديار فإنَّ الله تعالى قد فتح للمؤمنين كذلك في أيام الفتنة هذا الباب الذي يشابهون به أصحاب النبي r في الهجرة إليه. فالعبادة في الفتنة كالهجرة للنبي r، فإن النَّاس في هذه العهود قد عادت إلى أهوائها، وعادت إلى اتّباع شهواتها، ونزواتها كعادة أهل الجاهلية، فمن خرج منهم إلى عبادة الله تعالى، والاستقامة على أمره، والثبات على دعوته I كان حاله كحال من هاجر إلى النبي r وترك الجاهلية وأهلها. وهذا يحمل المؤمنين على أن يستمسكوا بالله تعالى، إلى أن يعتصموا بالله تعالى، وبِسُنَّة النبي r، وأن يَزيدوا بذلهم، فكلما زاد ذلك في مثل هذه الأيام كان الأجر الحسن هو الذي ينتظرهم عند الله تعالى وهو أجر الهجرة إلى النبي r، وكفى بذلك شرفًا وفخرًا أن يُحَصِّل المرء ذلك، كأنَّه في أيام الفتنة. ([1])[حسن] تقدم من حديث أسامة بن زيد t . ([2])أخرجه الترمذي (2568) ، والنسائي (1615) ، وأحمد في المسند (5 / 153) من حديث أبي ذر t . ([3])أخرجه مسلم (2531) من حديث أبي موسى الأشعري t . ([4]) تقدم من حديث أسامة بن زيد t . ([5])أخرجه أحمد (4 / 73). ([6]) أخرجه مسلم (2948) من حديث معقل بن يسار t . |
الوظيفة الثانية : تعمير أوقات الغفلة بالطاعات والقُرُبات إلى الله تعالى - الجزء الثان
الوظيفة الثانية : تعمير أوقات الغفلة بالطاعات والقُرُبات إلى الله تعالى - الجزء الثاني والأخير
----- الفائدة الثانية: دفع البلاء النازل على النفس والأُمَّة ----- شيء آخر ينبغي النظر فيه وهو: مسئولية المؤمنين اليوم؛ فإن تعمير أوقات الغفلة مما يدفع الله تعالى به السوء عن النفس وعن الأمة، والذي يجب أن يكون في اهتمام المؤمنين اليوم، كيف يدفعون عن أنفسهم ؟ وكيف يدفعون عن إخوانهم في أقطار الإسلام ما نزل بهم؟ وما أحاط بهم، وما حَلَّ عليهم، أن يدفعوا ذلك كله، وقد فتح الله تعالى لهم هذا الشهر الكريم ليستشعروا تلك المسئولية؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يدفع بالمؤمنين القائمين، الراكعين، الساجدين، الذاكرين، الصائمين، المتصدقين، المتكافلين، المتعاونين يدفع الله -تبارك وتعالى- بهم عن أنفسهم، وعن غيرهم البلاء النَّازل، إذا ما نزل البلاء فوجد قومًا يُصَلون، وجد قومًا يصومون، وجد قومًا يتهجدون، وجد قومًا يذكرون رُفِعَ عنهم البلاء، دُفِعَ بهم البلاء عن غيرهم فهم حائط الصد الأول الآن, ترى الهزيمة تأتي من قِبَلهم؟ لذلك يقول الله تعالى:﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251]، يعني: لولا أن يدفع الله -تبارك وتعالى- بالمؤمنين عن غيرهم لنزل بهم البلاء، وقد علمتم أنَّ الله -تبارك وتعالى- يحفظ بالرجل الصالح أهله وولده والنَّاس مِن حوله. نزلت الملائكة لقرية ليخسفوا بها، فوجدوا فيها رجلًا قائمًا يصلي، فرفعوا عنهم البلاء وأصل هذا القَصَص في كلام الله تعالى، يقول الله سبحانه في حفظ مال الغلامين ﴿وكان أبوهما صالحا﴾[الكهف: 82]، ويقول النبي r ((أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ))([3]) يعني: أصحاب النبيr الأمان للأمة، ومَن بَعدَهُم كذلك كلما كان فيهم صالحٌ من الصالحين إذا بالله تعالى يجعله أمنة لهم، وحفظًا لهم بما يُقدمُ لله تعالى من العمل الصالح، بما يَرفع إلى الله -تبارك وتعالى- من الدعاء، بما يُرفع له مِن الذِّكر والقيام، بما يرفع له من الصيام، وبما يُرفع له من النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعلم النافع والعمل الصالح، والسعي في مصالح المسلمين، والقيام عليها.. والدعوة إلى اله والجهاد في سبيله. كل ذلك يرتفع إلى الله تعالى، فإذا به يدفع البلاء عن المؤمنين. ﴿ما يفعل الله بعذابكم إنم شكرتم وآمنتم﴾[النساء: 147] فها قد فتح الله -تبارك وتعالى- شهر "شعبان" ليتحمل المؤمنون مسئولياتهم، وليعلموا حجم هذه المسئولية وضخامتها وأنهم يرون ما نزل بغيرهم من البلاء الذي قد تحققت أسبابه فينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولولا أنه ثمة إيمانٌ موجود ، أو لوجود بعض أهلِ الإيمان يرَحِمَ الله تعالى بهم البلاد والعباد لَنَزَلَ بهم ما ساءهم، وَلَنَزَلَ بهم ما نزل بغيرهم. لا بُدَّ إذن أن يسارع المؤمنون التحقق بتلك الأسباب، وأن ينتهزوا هذه الأيام التي لا مرد لها مرة أخرى، ولا رجوع ؛ ﴿وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين﴾[المنافقون: 10] يسأل الرجوع وقد حيل بينه وبين ذلك. فقد فتح الله لك بابًا من أبواب الطاعة فاسلكه لتتقرب إليه به ، واعلم أنه تكفل لك سبحانه وتعالى بالعاقبة، طالما فتح لك هذه القربات، ستأتي هذه العواقب كلها حميدة، ستأتي حميدة كلها؛ لأن الله -تبارك وتعالى- كما أشار: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾[الطلاق:2]. ذلك المخرج لابد أن يحدث للمتقين المؤمنين وهذا مما يخفف على المرء، ويُعَلِّمَه التوكل على الله تعالى، وأن يُسارِع إلى الطاعة والمغفرة، وأن يتسابق فيها، ولا يُهِمَّه ما يمكن أن يترتب على ذلك ؛ لأنه يعلم أنه لن يترتب إلا الخير، لن يترتب إلا العاقبة الحسنة له، لن يترتب على ذلك من الله -جل وعلا- الذي هيأه لذلك إلا كل توفيق وسداد، لا يخاف؛ لأن الأمور بيد الله، وأنه ﴿مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾[الطلاق: 3]. ----- الفائدة الثالثة :تحصيل الأجور المضاعفة : ------ ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))([4]) ونشير إلى معنًى آخر من المعاني المهمة وهو: أن غفلة النَّاس تجعل هذه الطاعات شاقة على النفس؛ لأنه إذا ما كثر الطائعون لله تعالى فإنَّ النَّاس تألف الطاعة في "رمضان" كلهم -أي: النَّاس- صائمون، وكلهم متعاونون على هذا الأمر من أوامر الله تعالى، وكلهم لوجود الطائعين يتأسَّون بهم، ويسيرون ورائهم، ولا يُحسِّون بمشقة الصيام، ولا بمشقة القيام، لكثرة الطائعين الصائمين القائمين، أما إذا جاءت أوقات الغفلة، وتفرَّد المرء بالطاعة كانت شاقة على نفسه، كانت صعبة عليه؛ لأنه لا يجد مَن يتأسى به. لذلك قال النبي r في هؤلاء المتعبدين في أيام المحنة، أو في أيام الفتنة، أو في أيام عدم وجود الطاعة، والعبادة من النَّاس لله تعالى, قال: (( لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ !! قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟!قَال:َ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )) . فأجر هؤلاء الذين يتفردون بطاعة الله تعالى في هذه الأيام التي تكثر فيها الغفلة، وتزداد فيها الفتنة أجرهم يزداد على حسب مشقة هذه الأعمال على نفوسهم، وعلى حسب ثِقَل هذه الطاعات على قلوبهم وأبدانهم، وعلى حسب ما يتحملون من تلك المشقة، ومن هذه الصعوبة، ويبذلون حتى يحققوا أقصى عبادة يمكن أن يحققوها (( أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )). يعني: الذين يعمل العمل الصغير في مثل هذه الأيام -من أيام الغفلة- التي لا يساعده فيها أحد يُحَصِّل أجر خمسين من أعمال الصحابة.. ليس ذلك معناه أنَّ أحدًا سيعمل كأعمال الصحابة، لا، وإنما العمل الواحد يوازن ذلك، أما أن يُحَصِّل مجموع عمل الصحابي.. فلا يحصل أحد بعدهم لصحبتهم للنبي r. لذلك كان يقول النبي r: ((لأنهم لا يجدون على الخير أعوانا، أنتم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون على الخير أعوانا)). لذلك قال: ((فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ, قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ الْغُرَبَاءُ ؟ قَالَ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاس))([5]) . فإذا كثر الفساد، وَعَمَّ البلاء، هؤلاء الغرباء طوبى لهم الذين يحسنون، والذين يصلحون إذا ما كثر الفساد، وعَمَّ البلاء والفتنة. فتفطن المؤمنون إلى أنه كلما تعبدوا لربهم في أوقات الغفلة، وازدادت عبادتهم ، وازداد تمسكهم بسنة النبي r، ووجدوا في ذلك مشقة على نفوسهم، وصعوبة على أبدانهم، وكذلك وجدوا هذا الكلال الذي يمكن أن يتحملوه في سبيل قربهم مِن ربهم، وعبادتهم لله تعالى، فإنَّ أجورهم تزداد عند الله تعالى، وإن درجتهم ترتفع عند الله تعالى، وإن الله -جل وعلا- بكرمه وَمَنِّهِ يُجْزِلُ لهم المثوبة سبحانه وتعالى، ويَزيد لهم في الأجر الذي يفرحون به عندما يلقون الله تعالى،هذا المعنى يُخَفِّف على المرء الطاعات الْمُستَثقَلة هذه الأيام، وهذه القُرُبات الشَّاقة على النفس في مثل تلك الأحوال. لذلك قال النبي r : (( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ))([6]) . فإذا كان أصحاب النبي r قد فازوا بهجرتهم إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ إيمانًا بالله تعالى وتسليمًا له، وتركًا للأهل والمال والوطن، وتركًا للولد والنساء، وتركًا للديار فإنَّ الله تعالى قد فتح للمؤمنين كذلك في أيام الفتنة هذا الباب الذي يشابهون به أصحاب النبي r في الهجرة إليه. فالعبادة في الفتنة كالهجرة للنبي r، فإن النَّاس في هذه العهود قد عادت إلى أهوائها، وعادت إلى اتّباع شهواتها، ونزواتها كعادة أهل الجاهلية، فمن خرج منهم إلى عبادة الله تعالى، والاستقامة على أمره، والثبات على دعوته I كان حاله كحال من هاجر إلى النبي r وترك الجاهلية وأهلها. وهذا يحمل المؤمنين على أن يستمسكوا بالله تعالى، إلى أن يعتصموا بالله تعالى، وبِسُنَّة النبي r، وأن يَزيدوا بذلهم، فكلما زاد ذلك في مثل هذه الأيام كان الأجر الحسن هو الذي ينتظرهم عند الله تعالى وهو أجر الهجرة إلى النبي r، وكفى بذلك شرفًا وفخرًا أن يُحَصِّل المرء ذلك، كأنَّه في أيام الفتنة. ([1])[حسن] تقدم من حديث أسامة بن زيد t . ([2])أخرجه الترمذي (2568) ، والنسائي (1615) ، وأحمد في المسند (5 / 153) من حديث أبي ذر t . ([3])أخرجه مسلم (2531) من حديث أبي موسى الأشعري t . ([4]) تقدم من حديث أسامة بن زيد t . ([5])أخرجه أحمد (4 / 73). ([6]) أخرجه مسلم (2948) من حديث معقل بن يسار t . |
الوظيفة الخامسة : تحصيل مغفرة الرب عزّ وجلّ في ليلة النصف من شعبان
الوظيفة الخامسة : تحصيل مغفرة الرب عزّ وجلّ في ليلة النصف من شعبان نُذَكِّر الآن بليلة النصف من "شعبان"؛ لأنها مما يدخل معنا في الاستعداد لـ"رمضان" وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ)) ([1]). وقضية الدخول إلى "رمضان" والخروج منه خروج الرحمة والمغفرة لا بُدَّ وأن يتحقق فيها هذا المعنى أيضا. تُرى هؤلاء الذين قد دخلوا "رمضان" على القطيعة، وعلى الشِّجار، وعلى البغضاء، وعلى التنافر، وعلى الغِلِّ والحسد، وسوء الأخلاق فيما بينهم، مُتَقَاطِعون، مُتَدَابِرُون، تُراهم إذا دخلوا "رمضان" يُحَصِّلون المغفرة؟! هم لم يُحَصِّلوها في "شعبان" في الليلة التي يغفر الله فيها لكل أحد إلا المشاحن, فخرجوا من "شعبان" متشاحنين فلا يغفر لهم . تُراهم يُحَصِّلونها في "رمضان"؟! ..كلا. لذلك كان من الاستعداد المهم لـ"رمضان" أن يأتي النصف من "شعبان" فلا يكن بين المؤمنين مُتَشَاحِنٌ، ولا مُتَبَاغِض، ولا مُتَقَاطِع، ولا مُتَدَابِر يعني: قد انتفت الشَّحناء من بينهم، وانتفت البغضاء، والتقاطع والتَّدابر، كل أحد يُهِمُّه أن يُغفر له, وألا يطَّلع الله تعالى عليهم فيقول: ((أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا))([2]) . فيطلع عليهم فيغفر لكل أحد إلا مُشْرِك أو مُشَاحِن. قد فتح الله سبحانه هذه الليلة إذًا ليكون حال المؤمن مع الله تعالى حالًا حسنًا يستحق المغفرة في "رمضان"، وأن تكون حال المؤمنين فيما بينهم كذلك تستحق المغفرة، فلا يأتي إذًا هذا اليوم، أو تلك الليلة عليهم إلا وقد صَفُّوا ما بينهم، إلا وقد تسامحوا فيما بينهم، يرجون مسامحة الله، إلا وقد تجاوزوا فيما بينهم؛ يرجون أن يتجاوز الله تعالى عنهم، إلا وقد استسمح كل أحدٍ غيره، أو أخاه فيما أتى في حقه، إن كان في عِرْضِهِ، في ماله، في أي شيء أن يستسمحه إياه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ))([3]) . فليتحلله اليوم ..اليوم! لا ينتظر لغدٍ كما قال تعالى: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾[الحشر: 18] . ولهذا المعنى، وهو مغفرة الله تعالى للمؤمنين في "شعبان" في ليلة النصف، لهذا المعنى استحب كثير من السلف أن تُقام هذه الليلة بعضهم استحب أن يقومها جماعةً في المسجد، وبعضهم قال: لا، لا يقومونها جماعة، وإنما يقومها كل أحد بمفرده؛ يرجو رحمة الله تعالى، ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾[البقرة: 148] لسنا في باب بحث الأدلة في المسألة، وإنما قد صار قوم إلى ذلك، وصار قوم إلى منعه، والمقتصدون -في النصف - قالوا: لكل أحد أن يقومها في ليلته تلك لئلا يطلع الله على الناس فيجدهم مجتهدين وهونائم..فبمَ يحصل المغفرة ؟! فإذا غفر له في "شعبان" ظهرت آثار المغفرة في بقية أيام "شعبان" فأتى عليه "رمضان" على أحسن حال من أحوال المغفرة، فازداد مغفرة وازداد رحمة، وكذلك كان أهلًا لأن يأتي عليه "رمضان" فينتهي ليعتق من النار. ([1])أخرجه ابن ماجه (1390) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، وحسنه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع (1819). ([2])أخرجه مسلم (2565) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ([3])أخرجه البخاري (6534) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . |
كل عام وانتم بخير بمناسبة رمضان كريم
|
الوظيفة السابعة : التهجد وطول القيام
الوظيفة السابعة : التهجد وطول القيام. الجزء الأول وفي هذه الجزئية النقاط الآتية: قيام الليل في شعبان استعدادًا لرمضان من فوائد قيام الليل : قيام الليل من أحسن القربات إلى الله تعالى. مشاركة الصالحين من قبلنا في دأبهم. قيام الليل مكفرة للسيئات. قيام الليل يخفف قيام يوم مقداره خمسين ألف سنة. الترهيب من ترك قيام الليل: " لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ " ----- قيام الليل في شعبان للاستعداد للقيام في رمضان---- وهذا العمل الجديد الذي ينبغي أن يقوم به المرء في "شعبان" تَحَسُّبًا لـ"رمضان"، واستعدادًا لقوله صلى الله عليه وسلم((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))([2]). كل تاجر من وراء تجارته ، وتجارة القرآن التجارة التي لا تبور ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ&لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾[فاطر:30:29]. وهذه التجارة من القرآن الكريم تظهر في قوله: ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ..))([3]). يعني: من قام بهذا القرآن الذي هو من وراء تجارة كل تاجر، من قام به إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، وإذا لم يُعوِّد المرء نفسه في هذه الأيام على هذا القيام الطويل الذي يرجو به المغفرة، ويرجو به الرحمة، ويرجو به العتق من النار، فإن "رمضان" يأتي عليه، ويمر حتى إذا تعوَّد وجد "رمضان" قد انتهى، حتى إذا تَعَوَّد على طول القيام لله تعالى، ولماذا طول القيام؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ))([4]) , ((وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ))([5]),. وهذا الاحاديث ننبه بها أنفسنا وإخواننا المتكاسلين عن القيام لربهم، والتلذذ بالإقبال عليه سبحانه وتعالى، وبالمحبة لكلامه والتدبر فيه، وتَنَعُّمِ القلب والبدن بهذه الصلاة، وبذلك الإقبال على الله تعالى، ----- من فوائد قيام الليل: ----- ونذكر شيئا قليلا من فوائد وعواقب قيام اليل حتى يكون ذلك سببا معينا لنا في قيام اليل لله سبحانه وتعالى:-----الفائدة الأولى: قيام الليل من أحسن القربات إلى الله تعالى ----- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ))([1]) . فإذا علم المرء المحب المقبل على الله تعالى أن ربه أقرب ما يكون إليه في جوف الليل، لا شك أنه انتظر تلك الساعة، وقام إليها لِقُرْب ربه منه. لذلك: يأتي القرآن الكريم عندما يخرج المرء من قبره يوم القيامة، يخرج إليه في شكل الرجل الشاحب، الشاحب اللون، يقول له: أما تعرفني؟ فيقول مَنْ أنت؟ يقول: أنا القرآن الذي كنت تقرأني، وإن كل أحد اليوم من وراء تجارته، وأنا من وراء كل تجارة لك. يأتيه القرآن ليقول له ذلك، فيؤتى المُلْكَ بيمينه، والخُلد بشماله، هذا حديث صحيح، فيؤتى المُلْكَ بيمينه، والخُلد بشماله، ويلبس تاج الوقار، ويُحَلَّى أبواه حُلَّتَين لا تقوم لهما الدنيا فيقال لِمَ كسوتني ذلك؟ قال: بأخذ ولدك القرآن. ثم يُقال له: اقرأ وارق في دَرَجِ الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا. هذا القرآن الذي أظمأته يقول له هذا القرآن: أنا الذي أظمأتُ هواجرك، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر اليوم من وراء تجارته، وأنا من وراء كل تجارة، هذا القرآن الكريم يأتيه: أنا صاحبك، أنا القرآن الذي كنتُ قد أسهرتَ ليلك، يتلوه ويدعو به ربه، ويَتَمَلَّقه به، وإن كل تاجر من وراء تجارته، ويُكْسى ويرقى وكذلك والداه يُكسيان هذه الحُلَّة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ ولدهما القرآن. وقد ذكرنا أن أفضل قراءة القرآن أن يقرأه قائمًا يصلي في المسجد، كما ذكر الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾[آل عمران:191]. ----- الفائدة الثانية: مشاركة الصالحين من قبلنا في دأبهم ----- قوله صلى الله عليه وسلم: ))َ عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ [وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ])) قيام الليل: شعار الصالحين قبلكم، دأب الصالحين قبلكم، والصالحون قبلكم لابد وأن تشاركوهم فيه وأن تنافسوهم عليه، ولا يكون الصالحون قبلكم أولى بالله تعالى منكم، وأولى بمجاورته سبحانه وتعالى في جنته مع "النبيين والصديقين والشهداء "من أولئك الصالحين. انظر لهؤلاء الصالحين كيف قضوا ليلهم يستنصرون ربهم، ويدعون ربهم، ويناشدون ربهم، ثم يصبحون ليقاتلوا عدوهم، فما كانوا يستنصرون ويَتَقَوَّوْنَ، ويستمدون المدد والعون من الله تعالى إلا بذلك القيام. لذلك: لما وصفوهم قالوا: لهم دَوِيٌ بالقرآن كدوي النحل في ليلهم، كانوا فرسانًا بالنهار، رهبانًا بالليل، وذلك في أشد المواطن فزعًا، وفي أشدها كذلك خطرًا، وفي أشدها مخافةً، وهي أنهم عند مواجهة عدوهم -ليس عندما يَسْعَون إلى رزقهم أو معاشهم أو دراستهم- يقومون ليلهم، بل في أشد من ذلك؛ إذا لاقوا عدوهم كانوا يقومون ليلهم، مع أنهم كانوا ينبغي أن يناموا؛ ليقاتلوا، أو أن يناموا ليذاكروا، أو أن يناموا ليسافروا، أو أن يناموا ليذهبوا إلى أعمالهم وأشغالهم ، إنما قاموا؛ ليكون مددهم، وعَوْنُهُم على ذلك كله هو ذلك القيام. وذلك وصفهم الذي أشار إليه المولى سبحانه وتعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾. وانظر إلى حال المؤمنين في ليلهم كما وصفهم الله تعالى: وذلك لننظر في حال أنفسنا ولتتعظ بقول ربنا -سبحانه وتعالى- في قوله: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ , آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ,كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾[الذريات16: 18]. يعني: كانوا قليلًا من الليل ما ينامون. الهجوع: النوم، والتهجد: هو قيام الليل. "لئن هجع" يعني: نام. ووصف ليلهم بقلة الهجوع، كما وصف ليلهم بالتجافي عن المضاجع، كما وصف ليلهم سبحانه وتعالى بالبيات رُكَّعًا، وسُجَّدًا لله تعالى وقيامًا. فتلك أحوالٌ غريبة، وتلك أمور تكاد أن تكون صعبة، ولكنها تَخِفُّ كما أشرنا عندما يعلم المرء أن ذلك سبب محبة الله تعالى والشوق إليه والتنعم بالوقوف بين يديه, وقرة العين بالإقبال عليه، وقال تعالى: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾[السجدة:16]. فهذه حال المؤمنين الذين بَشَّرَهُم ربهم بالجنة ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾[الذريات16]. قوله:﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾, توضح أول صفات المؤمنين قبل "رمضان" وتزداد هذه الصفة في "رمضان" كحال النبي صلى الله عليه وسلم المُشَرَّف: "أن تتجافى جنوبهم عن المضاجع" يعني: أن تتباعد هذه الجُنُوب عن مكانها التي تضجع فيه لتستريح، تَبْعُد هذه الجُنُوب مواضع الراحة إذ الراحة الحقة في قيامها لله ؛ لا تألف هذه المضاجع من مضاجع النوم. ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾: ليس نومهم طويلًا، وليس نومهم ثقيلًا، وليس النوم أحب إليهم، بل على العكس. فهذه الحالة والتي تبين محبتهم لربهم، بل محبة ربهم لهم. وقد ذكرنا في الثلاثة الذين يضحك الله لهم، أو يحبهم الله تعالى ذلك الرجل الذين كان معهم في سفرهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يَعْدِلُ به - كان النوم أحب شيء إليهم لا يساويه شيء- قام إليَّ أحدهم يدعوني ويتلو آياتي ويتملقني. هؤلاء يحبهم الرب جل وعلا، وكفى بذلك شرفًا تلك الحالة، وتلك المنزلة وهذه المرتبة العالية التي تبين قربهم من ربهم، وتبين اصطفاء الله لهم واجتبائه سبحانه وتعالى إياهم. لذلك قال: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾. ولا شك أن حال المؤمنين اليوم على العكس؛ كلما وجد وقتًا فارغًا بَدَلًا أن يصلي، وأن يقوم، وأن يدعوَ، وأن يأخذ حظه من الله تعالى.. إذا به ينام هذا الوقت، ويَحْزُن أن ضاع حظه من نومه، ويَحْزُن أن قَلَّت ساعات نومه، ولا يحزن أن قلت ساعات إقباله على الله وتَمَلُّقه له، ودعائه له، وإقباله عليه، وأن يأخذ من ربه -جل وعلا- النصيب الأوفى من المحبة والإقبال عليه، والنظر له واصطفائه واجتبائه. ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾: بل إن الله -تبارك وتعالى- قد بَيَّن أن ليلهم ليس النوم -كما هو الحال في الطبيعة المرء- بل وصفهم ربهم في وصف عباد الرحمن بقوله: وقال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾[الفرقان:64]. وانظر إلى هذا التركيب القرآني البديع؛ يبيتون سجدًا ، الأصل في استعمال "يبيت" لغويا في غير القرآن أن يقول: "يبيت الرجل نائمًا". فكأنه رفع "نائمًا" هذه ووضع بدلها "سُجَّدًا وقيامًا". فبدلًا أن يقول: بِتُّ الليلة، يعني: نِمْتُ هذه الليلة، يقول: نام قائمًا راكعًا، ساجدًا كأن نومه هو السجود والركوع، كأن نومه هو الإقبال، هو الطاعة، كأن راحته التي يرتاح بها المرء إذا نام هي الإقبال على الله، هي ركوعه وسجوده، لا يكون مطمئنًا مستريحًا، لا يكون هادئ البال قد أخذ قِسْطَهُ من الراحة التي يرجو، والاستجمام الذي يسعى إليه إلا راكعًا وساجدًا. وقال تعالى: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾[آل عمران:17]، جلَّ وعلا. ليبين كذلك تلك الحال التي قال فيها للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل% قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً %نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً %أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً %إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾[المزمل: 5:1] ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾[المزمل:20]. فكان ذلك حالهم الذي ينبغي التفكر فيه؛ بمقارنة أحوالنا على كلام القرآن؛ ليضع المرء الدواء على موطن الداء، وليقوم لله تلك القَوْمة التي أمره بها ﴿ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾. وقد كان حال من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في قيامه بالليل هذا الحال، وهو: أنه صلى الله عليه وسلم ما تُريد أن تراه قائمًا إلا رأيته، وما تريد أن تراه نائمًا إلا رأيته. ومعني ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم -كما يقول العلماء-كان يُكابِد, وصفة مكابدة الليل: أن يقوم فيتوضأ، فيصلي، فتغلبه عينه، فينام قليلًا، فيفزع مرة أخرى، فيقوم، فيتوضأ، فيصلي فتغلبه عينه، فينام قليلًا، فيقوم فيتوضأ فيصلي، وهي شدة المكابدة، وهي حال من أحواله صلى الله عليه وسلم التي تُبَيِّن هذا التجافي، والتي تبين أن يبيت لربه راكعًا وساجدًا وقائمًا؛ يرجو رحمة ربه كما ذكر المولى سبحانه وتعالى. لذلك: كان عِلْمُ المرء بقرب الرب في جوف الليل منه عونًا له على القيام لله تعالى؛ إذا به يَهُبُّ من نومه لقرب ربه منه، ولإقباله على ربه، فيقوم حالئذ، وقد ترك نومه وراحته وزوجته، وترك وطاءه؛ ليقوم لله تعالى في تلك الليلة التي أقامه الله تعالى فيها. فقد رُوِيَ أن الله تعالى يقول لجبريل: ((أقم فلانًا، وأنم فلانًا)), يقيم فلانًا ليذكر الله تعالى، وأنم فلانًا؛ لأنه لا يريد منه ذكر الله تعالى؛ لِمَا صدر منه، والمعنى الثالث: أن المرء قد يرى نفسه مُتعبًا، وقد يرى أن صحته لا تأتي بهذا القيام قد أتت الأيام الجميلة، وأتت مواسم الرحمة لِيَنْفُضَ المرء عنه ثوب الغفلة، وثوب النوم، وثوب البعد، والجفاء عن الله تعالى؛ لتكون راحته ولذته ونعيمه وسروره وشوقه في الإقبال على الله تعالى. -----الفائدة الثالثة: قيام الليل مطردة للسيئات ----- يقول صلوات ربي وسلامه عليه: (وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ))([7])يعني: إن أولئك المتخوفين بسب مرضهم وتعبهم وبسبب شقائهم، وبسبب كذا وكذا مما يكون عائقًا عن القيام، إذا بالقيام على العكس؛ يكون سببًا لطرد الداء عن البدن، سببًا لشفاء هذا البدن، فإذا ما قام لله تعالى كان سببًا لشفائه، ورفع تعبه، وعدم شعوره بهذه المشقة التي حَصَّلها، أو التي أصابته في يومه؛ لأنه أقبل على ربه فنسي به الشقاء، حتى إذا كان النوم أحب إليه مما يعدل به قام إليه. وهذا القيام لا يُشْعِرُ المرء بهذا التعب؛ لأن قرة عينه فيه؛ لأن لذته ونعيمه لا تكون إلا بذلك، تَعِسَ أن يكون نعيمه وسعادته في الدنيا الزائلة، في امرأته وولده وماله وشُغله وصَحَابته، وأُنْسِه بغير الله تعالى. |
الوظيفة السابعة : التهجد وطول القيام. الجزء الثاني والأخير -----الفائدة الرابعة: قيام الليل مكفرة للسيئات ----- وإنه كذلك كما أشرنا ((وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ))([12]) . يعني: سبب تكفير السيئات والذنوب والمعاصي قيام الليل كما ذكر الله تبارك وتعالى، وكما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنهم كانوا يُصلُّون ليلهم حتى إذا أسحروا يعني: إذا دخلوا في السَّحَرِ قاموا فاستغفروا الله تعالى كما ذكر: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾[آل عمران:17]. قاموا صلوا ليلهم، حتى إذا أسحروا أخذوا يستغفرون الله تعالى، وهو معنًى دقيق أنهم بعد صلاتهم بليلهم إذا بهم لا يَرَون أنهم قد عملوا شيئًا لله تعالى، وإنما يستغفرون؛ كأنهم قد باتوا يَعْصون الله تعالى!! سُئِل الحسن رضي الله عنه عن المتهجدين: ما بالهم أحسن النَّاس وجوهًا؟ قال: قاموا إلى ربهم، فألبسهم من نوره سبحانه وتعالى . هذه الأمور تَحْمِلُكَ على القيام، وتأخذك إلى الله تعالى، وما رأينا القوة والمدد والنور في أولئك إلا بسبب ذلك إذا دخل الليل وَجَنَّهُم صَفُّوا أقدامهم لربهم، فمنهم باكٍ، ومنهم صارخ، ومنهم داعٍ، ومنهم راكع، ومنهم ساجد. ----- الفائدة الخامسة قيام الليل يخفف قيام يوم مقداره خمسين ألف سنة ----- وأمر آخر وهو أن طول القيام يخفف قيام يوم طوله خمسون الف سنة فيتذكر المرء ذلك فتهون عليه المشقة كما يعلم أن هذه الجوارح الزائلة ستشهد له عند الله تعالى يوم القيامة من ناحية وتكون منيرة له بنور القرآن والقيام من ناحية أخرى. عن أبي ذر رضي الله عنه: "صوموا يومًا شديدًا حره لِحَرِّ يوم النشور، وقوموا ركعتين، أو وصَلُّوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور". فإن مما ينير قبر المرء، ويزيد نوره عند مروره على الصراط القيام الذي يزهد فيه اليوم، الذي يتكاسل عنه، وُيفَضِّل النوم وراحة جسده عليه، مع أن راحة جسده وشفاء بدنه إنما هو في ذلك القيام الذي عكس فيه الآية، والذي انقلب عليه الميزان فيه، فلم يفهم عن الله تعالى ما يكون سبب شِفائه ونوره. تشهد لهم هذه الجوارح الضعيفة اليوم بِطُول قيامهم، وتُنِير لهم قبرهم، تنير لهم طريقهم على صراطهم إذ المرور على الصراط على حسب النور ﴿ يوم تر ى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ﴾ هذه الصلوات وطولها وتعبها ومشقتها التي يظن أن لها تعبًا ومشقة إذا بها هي الراحة، وإذا بها هي نورهم ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[التحريم:8]. ----- الترهيب من ترك قيام الليل ------ لذلك: لمَّا كان الأمر على هذا الحال الذي ذكرنا، إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يُحَذِّر: ((لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ))([8]) . ويقول: ((إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ))([9]) . يقول سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث عن أبيه عبد الله بن عمر:فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً0. وإن مما يُقَوِّي المرء على يومه، ويَحْفَظُه عليه وتتنزل عليه بركته هو ذلك القيام. وما يُترك قيام الليل إلا بحرمان من الله تعالى؛ بسبب المعصية، يقول أحد الصالحين : أذنبتُ ذنبًا فَحُرِمْتُ قيام الليل خمسة أشهر. أذنبت ذنبًا فَحُرِمْتُ قيام الليل سنة. وانظُرْ إلى نفسك !! تَراك يومًا أو يومين أو ثلاثة تقوم الليل، ثم بعد ذلك تنقلب أحوالك، وتقع في المعصية، أو الغفلة فإذا بك تُحْرَمُ أيامًا كثيرة من قيام الليل. قالِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: (( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاَثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ , بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً, فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ, وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ , فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ ))، لم يُصِبْ خيرًا، وهذا هو الحال لذلك يقول صلى الله عليه وسلمفي الذي نام الليل كله: ((رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ))([11]) . وإن بَوْلَه ثقيل تراه في أحوال النَّاس اليوم ينبغي أن يَنْفُرَ منها المؤمن، وأن يُسارِع فيها إلى رضا الله تعالى، وأن يكون قِيامُهُ هذه الأيام استعدادًا للمغفرة؛ حتى يكون ذلك دأبه كما هو دأب الصالحين قبلكم. ([1])أخرجه النسائي (572) ، والترمذي (3579) من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه. ([2])[ متفق عليه ] أخرجه البخاري (37)، ومسلم (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([3])[ متفق عليه ] أخرجه البخاري (37)، ومسلم (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([4]) أخرجه مسلم (756) من حديث جابر رضي الله عنه . ([5])أخرجه النسائي (3939) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ([6]) أخرجه الترمذي (3549) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه . وما بين المعكوفتين من حديث بلال رضي الله عنه . ([7])أخرجه الترمذي (3549) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. ([8]) أخرجه البخاري (1152) ، ومسلم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه . ([9])أخرجه البخاري (7029) ، ومسلم (2479) من حديث ابن عمر رضي الله عنه . ([10])أخرجه البخاري (1152) ، ومسلم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه . ([11]) أخرجه البخاري (3270) ، ومسلم (774) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . ([12])تقدم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه . |
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خير اخي الفاضل بارك الله فيك |
اقتباس:
واللهم بلغنا جميعا رمضان سالمين , وأعنّا على العمل الصالح فيه. آمين |
مجاهدة النفس والاستضاءة بأنوارها علاجٌ للمرء الذي قد كثرت غفلته، واستراح إلى النوم والدعة والسكون، وإعطاء النفس حظها من الراحة، فإذا تعارضت الصلاة مع النوم فَيُقَدِّمَ النوم، أو أن يتعارض الصيام مع شهواته وأكله وشُرْبِِهِ، ومَيْل نفسه إلى حطام الدنيا، فيُقدِّم شهواته، ونزواته، وحظ نفسه على ذلك , أو يتعارض أنسُه بالله وذكره له مع أنسه بالخلق الغفلة فيقدم ذلك.
وشفاء ذلك المسكين إذا ما جاءته أيام البركة أن يستعنْ بالله عز وجل وليبدأ تائبا راجعا بقلبه إلى الله سالكا طريق المجاهدة واضعا نصب عينيه قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[العنكبوت: 69] ليُحصل ذلك الفوز وتلك الهداية وهذه المعية. وبذلك تنحل قسوة قلبه وضعف بدنه ودناءة همته فيرى طريقه منيرا إلى الله تعالى موفقا بعد ذلك في رمضان , وهذا حديث المجاهدة ؛ يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْه،ِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِه،ِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِه،ِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ))([1]). و هذا الحديث يُبَيِّن الواقع الذي نحن فيها؛ لأنَّ المرء يسمع هذا الكلام، ولم يتحقق بشيء منه، مَنْ الذي صار ربه له سبحانه وتعالى يده ورجله وسمعه وبصره - على طريقة اعتقاد السلف - وصار إلى الحالة التي إذا دعاه استجاب له، وإذا استعاذه أعاذه سبحانه وتعالى؟ وهذا المقام لا يتأتى إلا بعد أن يُتْقِن فرائضه، ثم بعد ذلك يجاهد نفسه على التزود من تلك النوافل؛ فلا يبقى في وقته، ولا جُهده ولا ماله، ولا صدقته.. كل ذلك لا يبقى فيه مجال إلا وقد جاهد فيه نفسه، وتقدَّم فيه إلى الله تعالى بكل ما يستطيع كما قال المولى سبحانه وتعالى: ((إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ))([2]). وهذا الحديث يشير إلى تقدم السير إليه سبحانه "الشِّبر والذِّراع والباع"، لا يتكلم الحديث عن الواقع المؤلم الذي نحن فيه وهو: التأخر، والتردد، والتشكك، والنوم، والدعة، والكسل والسكون إلى ما هو فيه من الحالة السيئة، وإنما هو في تَرَقٍ مستمر إلى الله تعالى؛ ينتظر هذا الجزاء ((وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ))([3])، ((كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِه،ِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِه،ِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا))([4]). لذلك قال: ((إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا))([5]). فهذا إذًا شهر المجاهدة التي نسمع عنها، والتي نذكرها، ونكررها، والحال كما هو، لا يستقيم على العبادة. هذا الذي يُبَين أنك ما مشيت الشِّبر ذلك إلى الله، بل إنك لم تقم إليه أصلًا كما قال في الرواية الأخرى: (( يَا ابْنَ آدَمَ: قُمْ إِلَىَّ أَمْشِ إِلَيْكَ)) ([7]). وكأنها الحال التي نحن فيها وهي: حال (( قُمْ إِلَىَّ أَمْشِ إِلَيْكَ))) إذا بك لم تقم فعلًا، مَنْ الذي قام فمشى إليه؟ لو مشى سبحانه إليه لتَغيَّر حاله: ( قُمْ إِلَىَّ أَمْشِ إِلَيْكَ))).. وانظُر إذا هو قد أقبل عليك سبحانه وتعالىإلى ما تكون فيه من الحفظ، وما تكون فيه من الاستقامة، وما تكون فيه من التوفيق، وما تكون فيه من السَّداد، وما تكون فيه من حُبٍّ للآخرة، وزهدٍ في الدنيا، وإقبال على الله تعالى؛ لأنه قد أقبل عليك، فإذا أقبل عليك ماذا تريد بعد ذلك؟! ومن هنا علمتَ أنَّه لم يُقْبِل عليك الإقبال الذي تثبت به، والإقبال الذي تترقى به، والإقبال الذي يحبه سبحانه وتعالى، فتكون محبته أحب إليك من كل شيء، ويكون تقربك إليه أولى عندك من كل شيء، بل أنت لم تُقدِّمه هذا التقدم الذي لو قدمته سبحانه وتعالى وجدت عاقبة ذلك، وجدت نتيجة ذلك في حالك المتدهور، وفي أحوالك السيئة التي تُعاني منها، والتي تشتكي منها، والتي لم تحاول أن تجاهد نفسك على تغييرها (( قُمْ إِلَىَّ أَمْشِ إِلَيْكَ))). لذلك أمرك أن تقوم, فكأنه يخبر في هذا الحديث أن المرء لم يقم بعد، ما زال مُخْلِدًا إلى الأرض، ما زال مربوطاً بشهواته ونزواته، مُقيَّدًا بمعاصيه وذنوبه، كلما أراد أن يقوم قيَّدته معاصيه، قيدته شهواته، جذبه كل ذلك إلى الأرض. ويُبين صلى الله عليه وسلم طريق المجاهدة في حديث آخر عندما قال ربيعة بن كعب للنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قال له: ((سَلْ . فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ, قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ , قَال:َ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ))([6]) . فبكثرة السجود يصل المرء إلي هذه الأشواق العالية من مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة , لا تتأتى من هذه الأماني التي نحن فيها، ولا من هذا التسويف الذي يقوله المرء "غدًا إن شاء الله! عندما يأتي رمضان، عندما يأتي شوال، عندما يأتي العشر، عندما انتهي من هذا الشغل، عندما أخْلُص من الجيش، عندما أنتهي من الدراسة، عندما انتهي من مشكلة الزواج، عندما أرجع من السفر".. وكأن المرء يملك قلبه،وكأنه يملك عمره، من الذي يملك قلبه أو عُمْره؟! واعلم أن مشقة العبادة على النفس درجتها عالية، وأنها كلما شَقَّت عليه زاد ثوابها، وكلما شقت عليه العبادة احتاج إلى هذه المجاهدة، وهذه المجاهدة هي التي نفتقدها اليوم. لذلك يبدو أننا في هذه الأحوال لم نتحرك شبرًا ولا ذراعًا ولا شيئًا، بل لم نقم من مكاننا الذي نحن فيه إلى الله تعالى، ومَنْ حاول أن يقوم رجع مرة أخرى فجلس واستكان واطمأن إلى ما هو فيه من الحالة السيئة التي يقاومه فيها نفسه وشيطانه وهواه، ويصعب عليه بعد ذلك أن يقوم لله تعالى. والله -جلَّ وعلا- إذا فتح لك بابًا مِن أبواب الطاعة، فرددته ولم تعبأ به أنى يفتح ذلك مرة أخرى؟! وهو سبب الحرمان الذي نحن فيه كذلك، أن المرء لا يجاهد نفسه، وتراه يجاهد نفسه على الدنيا، ويحملها ويسافر بها، ويُتْعِبُها، ويشقى بها، ويسهر بها، ويتعارك لها، ويتطاحن فيها؛ ليحصل زائلًا، وربما لم يُحَصِّله، وإذا جاءت الآخرة أخذها بهذا الضعف وهذه الاستكانة، وهذا النوم وهذا الكسل، وكأنه لن يرحل إلى الله، وكأنه لن يقف لرب العالمين، وكأنه لا يُسأل ولن يُحاسب، وكأنَّه لن يتعرض لأحوال كلها مِحن وكروب لا يستطيعها أحد، فوق ما يتحمله طاقة النَّاس ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاس لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين:6]. ([1])أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([2])أخرجه البخاري (7536) ، ومسلم (2675) من حديث أنس رضي الله عنه. ([3]) أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([4])أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([5])أخرجه البخاري (7536) ، ومسلم (2675) من حديث أنس رضي الله عنه. ([6])أخرجه مسلم (489) من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي . ([7]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/478) , قال المنذري في الترغيب (ح: 4771 ): رواه أحمد بإسناد صحيح |
جزاكم الله خيرا جهد رائع ومشكور
اللهم اجعله في ميزان حسناتك |
اقتباس:
|
(منقول من موقع فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله تعالى) الوظيفة الرابعة : تجهيز أحسن الأعمال لرفعها إلى رب العالمين الجزء الأول وفي هذه الجزئية النقاط الآتية: رفع الأعمال حال الصوم أدعى للقبول. استعد في شعبان تجد حلاوة الطاعة في رمضان. لا يرتفع إلى الله إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم: التحذير من الخروج عن حد الإخلاص بركة الإخلاص شهر "شعبان" هو شهر الإخلاص ------ رفع الأعمال حال الصوم أدعى للقبول ------ وهنا معنى جديد في قوله: ((تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين))؛ ورفع الأعمال إلى رب العالمين:على ثلاثة أنواع يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النَّهار،ويُرفع إليه العمل يوم "الاثنين" و"الخميس" ويرفع إليه هذا العمل في شهر "شعبان" خاصةً. فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال تُرفع إلى الله تعالى رفعًا عامًا كل يوم , قال صلى الله عهليه وسلم: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ- كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ))([1]) . ويوم "الاثنين" و"الخميس" تُرفع كذلك الأعمال إلى الله، وهذا الرفع في "شعبان" بالذات رفع مخصوص للمؤمنين، وهو الرفع الثالث الذي تُرفع فيه الأعمال، وتُعرض على الله تعالى، وانظر إلى قول النبي المهم في هذه الحالة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين, فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))) فالأعمال ترفع كلها إلى الله في هذا الشهر، أتريد أن تُرفع لك أعمال أو لا؟ أو هل ترفع لك أحسن الأعمال أو لا؟ هذان الأمران المهمان: أن الأعمال كلها تُرفع، فيحب أن ترفع وهو صائم، ويحب أن تُرفع الأعمال على أحسن أحوالها. المعنى إذًا هنا: ماذا تريد أيها المسكين أن يرفع لك إلى الله؟ أن ترفع الملائكة صحائف النَّاس إلى الله ، فلا توجد في صحيفتك أعمال، هذه الأولى، أو أن ترفع الملائكة الصحائف إلى الله تعالى وفيها أعمالك، ولكنها أعمال خسيسة وقليلة، لا تساوي شيئًا.. (( تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين )) تُرفع فيها كلُّ الأعمال، فأحب أن يُرفع ليَ بعض الأعمال فقط؟ لا بل يحب أن يُرفع له كل الأعمال ، ليس كذلك فقط، ولكنه يحب أن ترفع فيه الأعمال إلى الله وهي في نهاية القبول. لا يمكن أبداً أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: أن ترفع بعض الأعمال، وأن يترك بقية الأعمال إلى الغَفِلَة؛ هذا يتعارض مع قوله: ((يغفل عنه النَّاس)). لذلك: يريد أن تُرفع فيه أحسن الأعمال وأكثر الأعمال –وأعماله كلها حسنة وأوقاته كلها عامرة-؛ لأنه لا يمكن أن يرضى بأن تُرفع فيه بعض الأعمال، ولا أن تُرفع فيه الأعمال التي لا تساوي أن تُرفع إلى الله، وإنما يريد أن يقول: تُرفع فيه ما يتمكن المرء فيه من عمل لا يقصر فيه، فيُرفع فيه له الأعمال كافة التي يمكن أن يعملها، في نفس الوقت يُرفع فيه أعمال تُبَيِّض وجهه عند الله. ((تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))([2]). يعني: لمَّا رُفِعَت الأعمال، وعُرِضَت على الله تعالى، فماذا تختار لنفسك أن يُعْرَضَ عليه؟ ما يُبَيِّضُ وجهك أو يُسَوِّدُ وجهك؟! ما يُقْبَل أو ما يرد؟! ما يكون سببًا لجزيل الثواب أو لقلة الثواب؟.. لا شك أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يختار الدرجة العالية، الدرجة الرفيعة التي يؤدي بها، التي تكون سببًا، يُعلِّم بها، ويُنبِّه بها المؤمنين على أن يكونوا على هذا الحال الذي يحبه النبي صلى الله عليه وسلم. وَرَفْعُ الأعمال إلى الله تعالى مع كونه صائمًا أدعى إلى القبول عند الله تعالى، وأحب إلى الله جل وعلا، وأن يتقبل صالح عمله كله سبحانه وتعالى، وأن يثيبه عليه أعظم الإثابة، وأن يكافئه عليه أعظم مكافئة، وهو ما يسعى إليه المؤمنون تأسيًا واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم. ----- استعد في شعبان تجد حلاوة الطاعة في رمضان ----- ولهذا المعنى كان "شعبان" تقدمة لـ"رمضان".. إذا كان الحال كذلك في "شعبان" وهو شهر يصوم فيه استحبابًا فما بالك عندما يجيء صوم الواجب الذي به تُغفر الذنوب، ويُرحم النَّاس، وتُعتق رقابهم من النار؟! فإذا جاء "رمضان" كما يقول صلى الله عليه وسلم: (( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ))([3]) . تُرى ماذا تكون حاله في رمضان؟ وكأنَّ إذا رُفع له في "شعبان" أعظم الأعمال وهو صائم، وأحسنها وهو صائم، وأقربها إلى القبول وهو صائم من كل ما يمكن من عمل؛لأنه يقول: ((ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين)). تُراه يرفع فقط الصوم، تراه فقط يرفع القرآن، تراه فقط يرفع الذكر، تراه فقط يرفع القيام، تراه فقط يرفع العلم النافع، أو تراه فقط يرفع الدعوة، والأمر بالمعروف، أو الصدقة أو الزكاة، أو السعي على مصالح المسلمين، أو القيام بحوائجهم، أو الإصلاح بينهم؟ أو الأخلاق العالية الحسن. كل ذلك يرفع له فإذا جاء "رمضان" إذًا: كان على هذا الحال الحسن، قد رُفعت الأعمال وقُبلت ، وتزكت ، وزُكيت النفوس، والقلوب، وصار أهلًا لهذه العبادة وأهلًا لهذه الرحمة، وأهلًا للعتق من النار، دخل المرء على "رمضان" وقد وجد حلاوة الإيمان، ووجد حلاوة الصيام، ووجد حلاوة القيام، ووجد حلاوة الذكر، ووجد حلاوة الطاعة، وأخرج زكاته، وأخرج صدقته، وأخذ حظه من أنوار المجاهدة التي بها تُرفع الأعمال إلى رب العالمين كان جديرا برحمة الله وفضله أن يخرج على أحسن حال. |
لوظيفة الرابعة : تجهيز أحسن الأعمال لرفعها إلى رب العالمين
الوظيفة الرابعة : تجهيز أحسن الأعمال لرفعها إلى رب العالمين الجزء الثاني ----- لا يرتفع إلى الله إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم ----- هناك معنى آخر في قوله صلى الله عليه وسلم : ((ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين)). أي الأعمال هذه التي تُرفع؟ الأعمال التي أخلص العبد فيها لربه. إن عمل المرء إذا رُفع إلى الله على هذه الحالة السيئة أُلْقِيَ به في وجهه، وإذا كان هذا العمل ضعيفًا كيف يُرفع إلى الله تعالى؟ وإنما يرفع باجتماع الهمة وقوة القلب، وعلى قدر قوة القلب وقوة العزيمة، وارتفاع الهمة وعلوها ترتفع الأعمال إلى الله تعالى. على قدر ما في القلوب من الإخلاص والمحبة وتوابعها. فينبغي التنبه إلى أن أيام الغفلة، أيام الإخلاص , ليس للنفس فيها نصيب. إن أيام الغفلة التي تُرفع فيها الأعمال إلى الله، لا تُرفع إلا بالإخلاص لأنه أشق شئ أن تعمل والناس لا يعملون ثم لا يداخلك العجب وإظهار العمل. والله تعالى يقول :﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ﴾[البينة:5]. يعني: ألا يريد بعمله ذلك إلا الله؛ لأنه تُرفع الأعمال إلى الله تعالى، فإذا بالله تعالى يلقي بهذه الأعمال ويَرُدَّها، وتسأله الملائكة فيخبرهم أنَّ هذه الأعمال لم يريدوا بها وجه الله تعالى. تُراك أيها المسلم المؤمن! وأنت تعمل العمل على غير الإخلاص لله تعالى، تُراه يرتفع إلى الله؟! لا يرتفع إلى الله تعالى إلا ما كان خالصًا يُبْتَغَى به وجه سبحانه وتعالى، وكذلك في الآخرة؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: « الرِّيَاء ُ, إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمُ : اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِى الدُّنْيَا , فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ؟»لا يجدون عندهم شيئًا! -----التحذير من الخروج عن حد الإخلاص ------ إنَّ معاملات المؤمنين اليوم - إلا من رحم ربي - قد خرجت عن حدِّ الإخلاص لله تعالى؛ حتى وهم يعبدون الله -تبارك وتعالى- يحبون أن يُمدحوا على هذه العبادة، حتى الذي يُوَفِّقَه الله تعالى مثلًا لِأَنْ يقوم ليلة، وهو يصلي بالليل يَوَدُّ أن يطلع عليه النَّاس ليروه وهو يصلي، وهو يقوم، وهو يفعل. وهذا الصائم يود أن يعلم النَّاس بصيامه، وأنه صائم، لا يريد أن يخفي صيامه، ولا أن يخفي عبادته، وإنما يريد أن يطلع النَّاس عليها ليمدحوه عليها، أو يريد من النَّاس ترك المذمة، أو يريد من النَّاس العِوَض على ذلك، حتى في معاملاته هذا المسكين مع النَّاس إذا أحسنوا إليه أحسن إليهم، أو أحسن إلى النَّاس إذا به لو أساءوا إليه، يقول: (قد فعلت لهم كذا وكذا، وعملت لهم كذا وكذا، ثم يعاملونني بكذا وكذا، وهذا آخرته وهذا رد الجميل، وهذا.. ) فيتضح بذلك أنه لم يكن مخلصًا في عمله، ولم يكن مخلصًا في صحابته وصداقته،ولم يكن مخلصًا في مقاطعته، إنما غضبه لنفسه،وصداقته لنفسه، وانتظاره لأجر النَّاس له، ورد المكافئة ورد الجميل، وكفُّ الشر، وكف الأذى، إلى آخر هذه النوايا السيئة التي لا يفهمها المرء من نفسه، فإذا ما ظهرت الحقائق، وجاء الامتحان، وجدتَّ أنَّ كلَّ ذلك لم يكن لله تعالى، وإنما كان لأنفسهم، وكان لتحصيل مصالحهم النفسية والمالية وهي بعيدة كل البعد عن الله تعالى، بعيدة عن إرادة وجهه سبحانه وتعالى. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ﴾[الإنسان9] لا يريدون جزاءً ولا شكورًا مِن أحد، وإنما قدموا ما قدموا ينتظرون ما عند الله، فإذا لم يعطهم المولى سبحانه وتعالى لن يعطيهم أحد، وإذا ما عملوا هذه الأعمال على انتظار هذا الرياء، أو على انتظار السُّمعة، أو على انتظار الشُّهرة بين النَّاس، والمدح لهم، أو مكافئتهم، أو القيام بحقوقهم، أو الحزن عند التقصير على القيام بواجباتهم، و السؤال عنهم، سألت عنه فلم يسأل عني، وأعطيته واحتجت فلم يعطني، وفعلت.. وفعلت.. كل ذلك ليس من الإخلاص لله تعالى. قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا, قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ , قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ, فَقَدْ قِيلَ , ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّار ِ, وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا , قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ , قَالَ :كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ , وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ , فَقَدْ قِيلَ , ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ , وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا, قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ , قَالَ : كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ , فَقَدْ قِيلَ, ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ » ([5]) ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أوَّل من تُسِعَّر بهم النار يوم القيامة، هذا الذي قد تصدَّق لله تعالى، وهذا الذي قُتِلَ في سبيل الله، وهذا الذي تعلَّم العلم، كل هؤلاء أول من تُسَعَّر بهم النار. هذا الذي استُشْهِدَ وقتل في سبيل الله، يُعَرِفَه نعمه فيعرفها، فيقول: ماذا فعلت فيها؟ يقول: قاتلت فيك حتى استشهدت، يُقال له: كذبت، مع أنه قاتل وأتعب نفسه، كل هذا التعب، ولكنه يُقال في النهاية: كذبت، لم تفعل ذلك لله تعالى، نعم! قد قتلت، نعم! قد حدث لك، وحدث، ولكنك في نهاية الأمر كنت كذابًا، كذبت لم ترد به وجه الله إنما ليقال شجاع.. اذهبوا به إلى النار. والرجل قد تصدَّق، وأعطى وأنفق، ولم يترك شيئًا إلا قد أنفق فيه، وأعطى لهذا وفعل لذلك, وقام بخدمة هذا، وسَوَّى لهذا، يُعَرِّفه نِعَمَهُ فيعرفها، فيقول: ماذا فعلت فيها؟ يقول: ما تركت بابًا لك إلا أنفقت فيه، فيُقال له: كذبت! هو أنفق وقام وسعى وأعطى وتصدق، ولكن يقال، كذبت أيها الكذاب! إنما تصدقت ليُقال: جواد وقد قيل، أنت تريد أن يُقال: كذا وكذا؛ قد أخذت حظك أيها المسكين! حظك هذا الحقير الزائل، اذهبوا به إلى النار، فيُذهب به إلى النار. ----- بركة الإخلاص ----- وهذا الأمر هو أهم الأمور التي نفتقدها اليوم؛ لأنَّ بركة الإخلاص هي قبول العمل ونماؤه ورفعه إلى الله مع عود ذلك على القلب بالنور والقوة والحياة والترقي. أن يعمل المرء لله تعالى، أن يُصاحب لله تعالى، أن يُقاطِع لله تعالى، لا ينتظر جزاءً ولا شكورًا، وهذا المعنى المهم سواء في معاملته لله، أو في معاملته للنَّاس. وقد روى الحسن رضي الله عنه قصةَ الإخلاص التي تُبَيِّن هذه البركة؛ لأن بركة الإخلاص تظهر في الأعمال، وتزكيها وترفعها إلى الله، وربما كان العمل قليلًا، ولكنه مُخْلِصُّ فيه إذا به يُرفع إلى الله تعالى والعمل الكثير يُلقى في وجهه هباء منثورًا، كما ذكرت الآية ، لأنه لا يريد به وجه الله تعالى. يذكر الحسن هذه القصة يقول: كانت شجرة تُعبد من دون الله تعالى، فخرج إليها عابد قال: لأقطعن هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله، فاعترضه الشيطان قال: إلى أين؟ قال: إلى أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله، قال: ليس لك إليها سبيل، قال: لا، بلى، فتعاركا، فغلب الشيطان، ثم قال له: هل أقول لك ما أفضل من ذلك؟ قال نعم.. قال: دعها ولك بذلك كل يوم دينارين، قال: من يضمن لي ذلك، قال: أنا، تحت وسادتك، فرجع الرجل فوجد الدينارين تحت وسادته في اليوم الأول، وفي اليوم التالي لم يجد الدينارين، فقام ليقطع الشجرة، فاعترضه الشيطان قال: ليس لك إليها سبيل، فتعاركا فخنقه الشيطان. اُنظُر إلى بركة الإخلاص في المرة الأولى: يقول له الشيطان ذلك، قال له الشيطان، وأنك قد خرجت لله في المرة الأولى، فلم يكن لي عليك سبيل، لم يتمكن منك الشيطان، فلما خرجت في المرة الثانية خرجت للدينارين، خرجت لحظ نفسك، لمصلحتها، لمدحها، لحظوظ الدنيا، لشهواتها، خرجت لأنك تُعَظِّم ما في نفسك من شهوة إلى المال، إلى الجاه، إلى المدح، إلى السلطان، إلى أن يقال عنك كذا وكذا, فلم يكن لك عليَّ سبيل.. فتمكن منه الشيطان. وهي أعمال اليوم التي تُبَيِّن هذه القصة، وهو أن بركة الإخلاص ألّا يتمكن الشيطان من العبد، فإذا ما عمل الأعمال على غير الإخلاص لا يعبأ به الشيطان، يتلاعب به الشيطان؛ لأنه لم يكن لله تعالى في عمله، لا يريد به وجه الله فإذا به لا بركة له، ولا قوة في قلبه له، ولا قوة في بدنه عليه من هذه الأعمال الصالحة، فإذا بالشيطان يَصْرَعُه، فإذا قام يصرعه الشيطان ، فإذا قام يصرعه وهكذا، كلما أراد بعمل غير الله تعالى إذا بالشيطان يتمكن منه، وإذا به لا يستطيع أن يتقدم إلى الله تعالى، وكل أعمالنا إلا من رحم الله تبارك وتعالى يشوبها ذلك , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ----- شهر"شعبان" هو شهر الإخلاص ----- التركيز اليوم على أن شهر "شعبان" هو شهر الإخلاص، أن ينظر المرء في أقواله وأفعاله، وعباداته، ما يريد به وجه الله تعالى، وما لا يريد، ولكن أن يدخل "رمضان" عليه وهو على هذه الحالة السيئة، لا ينتظر مغفرة ولا رحمة، فهذا سبب من الأسباب العظيمة التي يخرج بها المرء من "رمضان" ليس مغفوراً له، يخرج من "رمضان" وما أحسَّ بعتقه من النار، يخرج من رمضان وما أحسَّ بإقباله ومحبته واستقامته وزهده،لم يحس بتوكله وقربه إلى الله تعالى. وقصة الإخلاص هي أعظم القصص، وأيام الغفلة هي أيام تربية النفس عليه بأن يكون المرء في ظاهره وباطنه لا يريد إلا الله سبحانه وتعالى في قوله وفعله وسره وعلانيته وظاهره وباطنه يريد وجه الله تبارك تعالى، لا يريد وجه الزائلين الذين لن يغنوا عنه من الله شيئًا. وهذا الشهر إذًا شهر الغفلة هو الذي يُظهر الإخلاص، لذلك كان كثير مِن السَّلف: كعبد الله بن مسعود يقول: إذا أصبحتم صائمين فَأَصْبِحُوا مُدَّهِنين. حتى تذهب غُبْرَةُ الصيام، حتى لا يظن بك أحد أنك صائم، وأنك تُظْهِرُ الصوم، وأنك عصبي لأنك صائم، وأنك مصفر الوجه لأنك صائم، وكذا، وكذا مما يظهره المرء، ويحاول أن يداريها، وهو يحب أن يظهر، وتصرفات المؤمنين يعلمها الله تعالى منهم قبل أن يتميزها البشر. لذلك قال: "يصبحوا مُدَّهِنين "حتى تذهب عنهم غُبْرَة الصوم , فيظهرون للناس أنهم لا صوم، ولا شيء، وإنما يستخفون بذلك بينهم وبين الله تعالى؛ يكفيهم أن الله تعالى يعرفهم لأن النبي قال صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ربه: ((إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي)) , فهو سر بينه وبين الله تعالى، ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))([4]). فيتعلم المرء من الصوم الإخلاص في بقية أعماله، وشهر "شعبان" شهر المجاهدة على هذا الإخلاص التي يتهيأ بها ل"رمضان". ([1]) أخرجه البخاري (555) ، ومسلم (632) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ([2]) سبق تخريجه. ([3]) أخرجه البخاري (1899) ، ومسلم (1079) وهذا لفظه وعند البخاري "سُلْسِلَت " بدلًا من "صُفِّدَت" . ([4]) أخرجه البخاري (5927) ، ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ([5]) أخرجه مسلم (1905) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . __________________________________________________ ______ روابط ذات صلة : وظائف شهر شعبان ملف "إيقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان" __________________________________________________ __________________________________________________ ____________ تنبيه هام : هذه الوظائف استخرجها محررو الموقع -بحسب ما أدى إليه فهمهم واجتهادهم - من كتاب فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى "حال المؤمنين في شعبان " , وقد تم التصرف فيها كثيرا لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر الذي يحتويه هذا الكتاب , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحررون وحدهم , وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى ليست له علاقة به , ولا تنس أخي الكريم أن الكتاب أصله تفريغ لخطب "حال المؤمنين في شعبان" وخطب "الاستعداد لشهر رمضان" , لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليه , والله الموفق |
ها قد هَلَّ رمضانُ موسم المغفرة والعتق من النار
(منقول من هذا الرابط: http://debiessy.awardspace.com/general/halla-ramadan.htm) ها قد هَلَّ رمضانُ موسم المغفرة والعتق من النار ها قد أتى رمضان موسم المغفرة،وينبغي على كل أحد - يريد الله تعالى، والدار الآخرة - أن يهتم لهذه المغفرة، وأن يبذل لها وسعه. وذلك لما هيأ الله تعالى فيه من أسباب الرحمة والمغفرة والرضوان والعتق من النار. فقد قال صلى الله عليه وسلم :(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))([1]) . وقال :((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)([2]) وقال : (( وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ , مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ , وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ ٍ))([3]), وزاد: (( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانَاً واحْتِسَابَاً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَّدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَ ))([4]). وقال : (( إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ , لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ )) ([5]) وقد أعان المؤمنين على تحقيق ذلك بقوله: ((إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ , وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ, وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ , وَيُنَادِى مُنَاد: يَا بَاغِىَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ , وَيَا بَاغِىَ الشَّرِّ أَقْصِرْ))([6]) . ومن ثم لم يكن عذر حينئذ لأحد فقال حاكيا عن جبريل عليه السلام : "من أتى عليه رمضان فلم يغفر له أبعده الله, أدخله النار قل آمين", فقلت آمين ([7]) ها قد أتى رمضان، أتى موسم المغفرة الذي طالما فرّط فيه المؤمنون، أتى موسم المغفرة الذي طالما انتظره المشتاقون إلى مغفرة الله تعالى ورحمته والعتق من النار، وقد علمنا تلك الحال التي كنا عليها من سنين مضت، وهي أن المرء عندما يخرج من رمضان إذا به يتحسر على ما مضى منه، وأنه لم يشعر أنه قد غفرت ذنوبه وخطاياه، وتخفف من أثقاله، وتخفف من سيئاته، لذلك كنت تراه يقول: في رمضان القادم سأكون أفضل، سأحاول أن أبدأ من أول يوم، سأستعد له، سأحسن الصيام والقيام، سأقضي ما مضى من الاعتكاف، سأهيئ نفسي – إن شاء الله تعالى - لهذه المغفرة ولذلك العتق من النار، أتى بعد ما أعد العدة في شعبان حيث علم حال المؤمنين في شعبان، وجاهد نفسه عليها، ووطن نفسه على تحقيق أسباب المغفرة في رمضان، وأخذ زاده الذي يحمله إلى رمضان. وها قد جاء رمضان، جاء موعد الوفاء بالعهد الذي قد أخذته على نفسك لله تعالى أنك ستكون أفضل، وأنك ستبذل قصارى جهدك لتحصل هذه المغفرة، وستخرج من اللهو واللعب ومن التكاسل والتواني، ومن ضعف العزيمة وخمود الهمة التي نحن فيها لينقلب المرء إلى اجتهاد زائد، ولينقلب إلى مجاهدة النفس والهوى والشيطان حتى يكون أهلاً لمغفرة الله له، وأنه سيري الله تعالى من نفسه ما كان قد قصر فيه من قبل، وأنه سيوفي بذلك ولو على حساب نفسه وماله وبدنه ووقته وجهده وراحته؛ لأن المغفرة أعلى وأجل وأعظم، وأنه مهما بذل في تحصيلها فهو لا شك لم يبذل شيئًا يوازيها ولا يدانيها. جاء موعد الوفاء إذن، والذي قد حدده الناس لأنفسهم موعدًا له، وأنهم سيُبدون لله تعالى ما يكون سبب فرح الله بهم، وتوبة الله عليهم، وإنزال رحمته بهم سبحانه وتعالى، فهلَّا جهزت نفسك لهذا الوفاء، وهلا أعددت وقتك وجهدك لتحصل ذلك أم أن هذه البداية التي بدأت بها تُنذر بنفس النهاية التي قد كانت من قبل؟ لعلك قد أخذت العبرة من ذلك، وأثرت فيك الموعظة، وعلمت كيف أن المؤمنين يأخذون حذرهم في هذه الحياة الدنيا لعلمهم أنهم يوشك أن يرحلوا إلى الله تعالى، وأنهم بين لحظة وأخرى يكونون عند ربهم، وهم لا يودون أن يلاقوا الله تعالى على مثل هذه الحال التي هم عليها من التقصير ؛ لذلك دخلوا رمضان ذلك وهم مصممون أشد التصميم، وعازمون أشد العزم على ألا يفوتهم من أول يوم وألا يّقصِّروا في لحظة من لحظاته، وأن يقضوا نهارهم وليلهم ينتظرون رحمة الله، ويعملون لمغفرة الله سبحانه وتعالى، فإذ قد أتاهم رمضان فقد أتاهم موعد حلول الدَين الذي في أعناقهم. هم قد أخذوا على أنفسهم تلك المواثيق أنهم سيُبدون لله تعالى أفضل أعمالهم من توبة وعمل صالح ومن قيام ومن صيام ومن ذكر ومن قرآن، وسيرفعون ما حدث بينهم وبين ربهم من الجفاء والبعد، وما نزل عليهم منه من الحرمان والفقر من عطائه وفضله وقربه وتقريبه سبحانه وتعالى، ها قد جاء رمضان وأول ما يتفكر فيه المرء يتفكر في أن الله تبارك وتعالى قد فتح في عمره هذه المدة وأوصله إلى ذلك الموسم وأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (( وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ )) ([8])، وقال: « مَنْ أَتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ: آمِينَ، قُلْتُ: آمِينَ»([7])............ قد هَلَّ رمضانُ هذا العام ـ نرجو الله تعالى أن يغفر لنا فيه ـ فلا بُدَّ أن يكون المؤمنون على أُهْبَةِ الاستعداد له، مُصَمِّمِين على تحقيق أسباب المغفرة مهما كان البذل, أن يجعل شعارَه هذه الأيام التصميمَ على تحقيق أسباب المغفرة مهما كانت ظروفُه، وأنه إذا سار إلى الله تعالى بالصِّدْق والإخلاص؛ فإن الله تعالى يَفْتح عليه، وإن الله تعالى يُقَوِّيه، ويُؤَيِّده، وإن الله - تبارك وتعالى كذلك - يَمُدُّه بمدَدِه؛ فلا يَتَمَلْمَل، ولا يَزِيغ، ولا يَتَّبِع الشهوات، ولا يَغْلِبُه شيطانه وهواه؛ لأن الله تعالى قَوَّاه وحَفِظه، وأن الله تعالى دَافَع عنه، وأَمَدَّه، حينئذٍ كان الله له، وإذا كان الله له فمن يكون عليه. فإذا ما وَقَفَ المرءُ باب الله تعالى طالبًا مددَه، وطالبًا منه العَوْنَ والتيسير، وطالبًا منه الهداية والقُرْبَ، وطالبًا منه سبحانه وتعالى العَوْنَ على هذه الأعمال والطاعات، ويَتَضرَّع إليه بقلب مسكين، منكسِرًا، خاشعًا، يَعْلَمُ أنه لا حول له ولا قوة، وأنه لا قُدرةَ له ولا استطاعة على تحقيق ذلك إلا بربه سبحانه وتعالى، يدعوه ويتمَلَّقُه - جل وعلا - بإخلاصٍ، وإقبالٍ، وصِدْقٍ مع الله تعالى أن يفتح الله - تبارك وتعالى - عليه. وليعلم المرءُ إنَّ في رمضان جِهَادَيْنِ: جهادٌ بالليل وجهادٌ بالنهار ...... ([1]) متفقٌ عَلَيْهِ, البخاري (38), مسلم (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([2]) متفقٌ عَلَيْهِ, البخاري (2009), مسلم (759 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([3]) قال المنذري في الترغيب: رواه ابن ماجه (1644) وإسناده حسن. ([4]) متفقٌ عَلَيْهِ, البخاري (2014), مسلم (760 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([5])رواه الإمام احمد في مسنده , قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (2/ 254 ميمنية) ([6]) رواه بنحوه الترمذي وقال: غريب (682) , ورواه ابن خزيمة في صحيحه (ح 1883) , وابن حبان - قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي - (صحيح ابن حبان(8/221), وقوله صلى الله عليه وسلم: (ذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين،) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (البخاري: 1899, مسلم : 1079 , واللفظ لمسلم) ([7]) من حديث أبي هريرة, رواه ابن حبان (3/188) في صحيحه, وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن. ([8]) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/254 ) - قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح - والترمذي وقالَ: حسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (3545 ). |
( منقول من هذا الرابط:http://debiessy.awardspace.com/books...an-gehadan.htm)
في رمضان جهادان: جهاد بالليل وجهاد بالنهار وهو المعنى الذي يشير إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الصِّيَامُ وَالقُرْآن يَشْفَعَانِ فِي الْمَرْءِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: مَنَعْتُهُ الشَّرَابَ والطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ فَيَشْفَعَانِ» ([1]) جهاد الصيام بالنهار: أن يَسْتَوْفي فيه صيامَه الذي به تَتَحَقَّق المغفرة والعتق من النار، يعني: أن يكون الصيام سببَ مَنْعِه من المحرمات والشهوات، وأن يكون سببَ إقبالِه على ربه سبحانه وتعالى بالأذكار والطاعات - فإن هذا الصيام الذي منع العبد محرمات فضول الكلام، والسماع، والبصر، والمكاسب المحرمة، ومَنَعَهُ محرماتِ الشهوات من الطعام والشراب والنكاح، إذا استكمل شروطه كان ذلك الصيام سببًا لهذه المغفرة، وإنْ تَحَقَّقَ صيامُه بهذه الشروط التي يُكَّفِرَ الله تعالى بها الخطايا كان سببًا لشفاعته يوم القيامة، تراه منعه كذا وكذا وكذا ثم عاد إليه على حالة أسوأ أو أنه منعه ذلك فكان سببًا لترقيه إلى الله تعالى، وسببًا لخلوص قلبه ونقاء نفسه، سببًا لإقباله على ربه سبحانه وتعالى واستقامته على أمره، سببًا لطول مغفرته عند الله تعالى، فكان الصيام سببًا لصلاح النفس وصلاح القلب والإقبال على الرب والخروج به من العتقاء من النار، والخروج من رمضان بهذه المغفرة والرحمة, وإلا ضُرِبَ به في وَجْهِهِ كما ذُكِر في الصلاة ويقول له ضيعك الله كما ضيعتني([2]). والجهاد الثاني: جهاد القرآن بالليل, فهذا القرآن الذي قد أنزله تعالى لرحمة العباد، ولنور قلوبِهم، وأعمالِهم، وطَرَائِقِهم إلى الله - جل وعلا – وكذلك لبركتهم، ولشفائهم، وهدايتهم. انْظُر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِِ» ([3]) ليكون سببَ هذه الشفاعة والزاد فيها ، ويأتي حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى فيقول، وهو حديث أصله في الصحيحين: «رَأَى فِي مَنَامِهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلًا وَاقِفًا عَلَيْهِ، وَفِي يَدَيْهِ فِهْرٌ أَوْ صَخْرَةٌ، فَيَخْدِشُ بِهَا رَأْسَهُ - يَكْسِرُ بِهَا دِمَاغَهُ - فيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ؛ فَيَأْتِي لِيَأْخُذَهُ؛ فيَعُودُ رَأْسَهُ كَمَا كَانَ فَيَخْدِشَهُ بِهِ، يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ؛ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فِي النَّهَارِ» ([4]) وهذا حديث صحيح. لذلك ورد: إذا جاء مَلَكُ الموت إلى المرء قال له: شُمَّ رأسَه يقول: أَجِدُ فيه القرآنَ، شُمَّّ قَلْبَه يقول: أَجِدُ فيه الصيام، يقول: شُمَّّ رجليه. أَجِدُ فيه القيام، يقول: حَفِظَ اللهُ فحَفِظه اللهُ، حَفِظَ نفسَه؛ فحَفِظَهُ ربُّه. وإنّ القرآن - كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه - يَلْقى صاحِبَه يوم القيامة حين يُشَقُّ عنه قبرُه كالرجل الشاحب يقول له: أَتَعْرِفُنِي؟ أَنَا الَّذِي أَظْمَأْتُ مِنْكَ الْهَوَاجِرَ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، أَنَا سَبَبُ صِيَامِكَ، وَسَبَبُ ظَمَأِكَ فِي الْهَوَاجِرِ - في الأيام الصعبة الصائفة الشديدة الحر- وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ؛ فيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، والْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، ويُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، ويُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ، وَارْقَ فِي غُرُفَاتِ الْجَنَّةِ، فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرفَاتِهَا، ولا يزال يصعد، ما دام يقرأ هذا كان، أو ترتيلًا. وانْظُرْ إلى ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في عكس هذا: يَأْتِي الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ خَصْمًا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فيُمْسِكُ بالرَّجُلِ الَّذِي قَدْ حَمَلَ الْقُرْآنَ، وَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ؛ فيَتَمَثَّلُ خَصْمًا لَهُ؛ فيَقُولُ: أيْ رَبِّ حَمَّلْتَنِي إِيَّاهُ؛ فَبِئْسَ حَامِلٌ تَعَدَّ حُدُودِي، وضَيَّعَ فَرَائِضي، ورَكِبَ مَعْصِيَتِي، وَتَرَكَ طَاعَتِي؛ فَمَا يَزَالُ يُلْقِي عَلَيْهِ بِالْحُجَجِ حَتَّى يُقَالُ لَهُ: شَأْنَكَ بِهِ؛ فَيَأْخُذُهُ مِنْ يَدِهِ؛ فَمَا يَدَعُهُ حَتَّى يَكُبَّهُ عَلَى مِنْخَرِهِ فِي النَّارِ. وَيُؤْتَى بِالرَّجِلِ الصَّالِحِ قَدْ حَمَلَ الْقُرْآنَ، وَحَفِظَ أَمْرَهُ؛ فَيَتَمَثَّلُ خَصْمًا لَهُ؛ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ حَمَّلْتَنِي إِيَّاهُ؛ فَنِعْمَ حَامِلٌ حَفِظَ حُدُودِي، وَقَامَ بِفَرَائِضِي، وَلَمْ يَرْتَكِبْ مَعْصِيَتِي، وَأَتَى بِطَاعَتِي، أَوِ اتَّبَعَ طَاعَتِي، فَمَا يَزَالُ يُقِيمُ لَهُ الْحُجَجَ حَتَّى يُقَالَ: شَأْنَكَ بِهِ؛ فَيَأْخُذَهُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهِ الْجَنَّةَ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ.... إلى آخر الحديث([5]). فها قد جاء موعد تحقيق ذلك. فلما جمع الله تعالى هذه المعاني في شهر رمضان كان لها قيمتها التي يجب أن ينظر إليها المرء، ومعناها أن المرء يخرج عن أحواله التي هو فيها ليحقق المغفرة، فيخرج عن عوائده ومألوفاته في نومه وشربه وأكله، وفي كلامه وفي عمله وفي جوارحه وفي إقباله وإدباره. فالمرء الذي يريد المغفرة، ويريد العتق من النار تنعكس في هذا الشهر أحواله وتتغير، فهل لو كانت أحواله كما هي كما كانت قبل رمضان ولم يغير من هذه المألوفات، كان ذلك صدقًا في تصميمه على تحقيق المغفرة؟ فهل يأتي رمضان ليأخذ حظه من النوم ومن الراحة ومن الكسل ومن الدعة، وحتى إذا منع نفسه الطعام والشراب أتى في إفطاره ليعوض ما كان !! ثم جاء إلى سحوره ليزداد تخمة، ويصبح ممتلئًا كأنه في يوم فطره !! فلا يكون يوم فطره ويوم صيامه سواء، لا في أكله ولا في شربه ولا في نومه ولا في شهواته ولا في غفلته, النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك, بل أنه كان إذا أتى أهله فلم يجد طعامًا وشرابًا قال: إني صائم، وليس مثلنا نتعارك ونتشاجر وكل منا ينتظر الأصناف المعدودة ليأكلها ويمتلئ بها حتى إذا جاء القيام جاء متأخرًا، حتى إذا دخل القيام فإنما هي ألعاب رياضية ليهضم بها ما أكله في فطره..لا، وإنما كان صلى الله عليه وسلم على عكس ذلك كله إذا لم يجد الطعام والشراب يقول: إني صائم, فلم تكن القيمة للطعام والشراب إذن. وحال المؤمن الصادق في طلب المغفرة يدل على ذلك, فما أن يأتي رمضان إذا به غيَّر طريقة نومه، فقلل من هذا النوم، وقلل الأكل والشرب والنكاح والشهوة وقلل الكلام، وقلل الإقبال على الخلق، والائتناس بهم، وزاد في أعمال الطاعة والذكر والإقبال ووسع على المحتاجين، وبذل الصدقة، وبذل الإحسان، وبذل من وقته وجهده ليحصل المغفرة، فإذا به قد انقلبت أحواله، وخرجت هذه الأحوال عن المألوف؛ لأنه شهر غير مألوف في أعمال المؤمنين، فلابد أن يتحمل فيه المرء هذه المجاهدة, لتكون دليلا على تصميمه التحقق بالمغفرة. ونختم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ » ([6])، وقال: « إن جبريل أتاني فقال : من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين َ» ([7])..«رَغِمَ أَنْفِ امْرِئٍ أَتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، قُلْ: آمِينَ. فَقُلْتُ: آمِينَ» ([1]) رواه الإمام أحمد في المسند (6466) ، والطبراني في الكبير (13563)، وصححه الحاكم في المستدرك (1994) . ([2]) أخرجه أبو داود الطيالسي (1 / 80)، والطبراني في الأوسط (3/ 263)، والبيهقي في الشعب (3 / 143). ([3]) أخرجه مسلم (804) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. ([4]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (1320) من حديث طويل رواه سمرة بن جندب رضي الله عنه. ([5]) [حسن] أخرجه أحمد في المسند (5 / 348) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. ([6]) [حسن] أخرجه الترمذي (3545 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([7]) [حسن] أخرجه ابن حبان في صحيحه (3 / 188)، وقال الشيخ شعيب: إسناده حسن ) انتهى النقل __________________________________________________ ______ روابط ذات صلة : باقة الريحان من مقالات شهر رمضان ملف "إيقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان" __________________________________________________ __________________________________________________ ____________ تنبيه هام : هذه المقالات استخرجها محررو الموقع -بحسب ما أدى إليه فهمهم واجتهادهم - من كتابي فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى "حال المؤمنين في شعبان " , وحال المؤمنين في رمضان , وقد تم التصرف فيها كثيرا لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر الذي يحتويه هذا الكتاب , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحررون وحدهم , وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى ليست له علاقة به , ولا تنس أخي الكريم أن الكتابين أصلهما تفريغ لخطب صوتية , لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليه , والله الموفق |
من وسائل تحقيق الفوز في شهر رمضان المعظم: الدعاء- الجزء الأول
(منقول من هذا الرابط:http://debiessy.awardspace.com/books/aldo3a2.htm) من وسائل تحقيق الفوز في شهر رمضان المعظم: الدعاء الجزء الأول حضور القلب. اغتنام أوقات الإجابة. الخشوع والانكسار والتذلل بين يدي الربّ سبحانه وتعالى التحقق بآداب الدعاء . تقديم التوبة والاستغفار. الإلحاح في المسألة وتملق الرب جلّ وعلا. الدعاء رغبًا ورهبًا. تقديم صدقة بين يدي الدعاء. التوسل بأسماء الله الحسنى. الدعاء باسم الله الأعظم الدعاء وهو الباب الذي فتحه الله تعالى, ذلك الباب الذي ينبغي أن يهتم له المؤمنون وهو أن دعوة الصائم لا ترد، قد فتح الله هذا الشهر وفيه كما قال صلى الله عليه وسلم: « ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرٌ» ([1])، ليحاول المرء ويبكي ويدعو ويتضرع أن يكون رمضان خيرًا مما كان ويدعو ويتضرع أن يعينه ربه سبحانه وتعالى على الوفاء بذلك ويدعو ويبكي ويتضرع ويخاف أن يمر عليه رمضان كما مر من قبل. فأنت أيها المسكين قد دخلت ولم تتأهل له قد دخلت بذنوبك ومعاصيك وبكسلك وتوانيك ودخلت كذلك بضعف الهمة وضعف العزيمة ودخلت وقد محقت بركة الوقت والجهد، وإذا بك مسكين فقير قد دخلت على الله تعالى بذلك فتح لك الباب الذي يمدك منه فتح لك الباب الذي يعطيك منه فتح لك الباب الذي يفيض عليك سبحانه وتعالى فيه من رحمته، وهو باب إجابة الدعاء. إذا يَئِس المرء من نفسه، بأن أراد أن يُصْلِحها من جهةٍ تشتت عليه من جهة، أو يَقوم بالذِّكْر من جهةٍ غَفَلَتْ من جهة، أو لِيترك تَكاسُلَه من جهةٍ نامَتْ من جهة، يُجاهدُ يومًا ويومًا فيَرجع يومًا ويومين وثلاثة، ويَقِف الحال به على حَدِّ العَجْز , فقد فُتِح له بابُ الدعاء؛ ليكون هذا الباب سببًا في رَفْع هذا البلاء النازل، وإصلاحِِ هذه الأحوال السيئة؛ حيث إن التَّضَرُّع لله تعالى، ورَفْعَ اليدين له، والانكسارَ بين يديه، والخروجَ عن الحَوْل والطَّوْل والقوة؛ كلُّ ذلك سببٌ في أن يَتقبَّل الله تعالى دعاءَ المرء، خاصة إذا رأى بكاءه، وخوفَه، وحُزْنَه وضِيقَه من حاله ومن نفسه، إذا رأى ذلك فإنَّه يَمُنَّ عليه سبحانه وتعالى فيُخَفِّفَ عليه القيامَ، ويُهَوِّنَ عليه الصيامَ، ويَرْزقه تلاوةَ كتابِه والاستشفاءَ به، ويَقْبل منه عملَه، ويُبارِك له وقتَه وجهدَه سبحانه وتعالى، إذا صَحَّ الدعاء، نَفَعَ، بأن يخرج من قلبٍ سليم. فالدعاءُ من أهم الأسباب في دَفْع المكروه الذي نحن فيه، كل هذه المصائب التي نحن فيها، الدعاءُ أهمُّ شيءٍ يَدْفَعُها، وأهم سببٍ لحصول المقصود، ولكن الدعاء يَتَخلَّف أَثَرُه، فيدعو الإنسان ويدعو، وإذا لم ير إجابة يَسْتَحْسر، وييأس، ويَسْأَم، ويَمَلَّ, فإذا به يَتْرُك الدعاء! وهو الحال الذي نحن فيه اليوم؛ مَن الذي دَعَا، ودعا، ودعا، ودعا، واستَمَرَّ على الدعاء، واستمر على الوقوف بباب الله تعالى مُتَضَرِّعًا، كلَّما رأى عَيْبًا مَحَاهُ، وكلَّما رأى خَلَلًا سَدَّهُ، وكلَّما رأى ذَنْبًا تاب منه، وهو واقفٌ يَتضَرَّع ويدعو ويَتَمَلْمل ولا يُفارِق بابَ الله حتى يَستجيب دعاءه؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]. من الذي فعل ذلك؟! من فعل ذلك فلا بُدَّ مِن تَحَقُّقِ الاستجابة له بفضل الله لإنَّ الله تعالى لا يَتَخَلَّفُ وَعْدُه - جل وعلا – للمؤمنين، ولكنه لا يرى إجابةً فيترك الدعاء. ويَتَخَلَّفُ أَثَر الدعاء لعدة أسباب : 1- إما لضعف الدعاء؛ نتيجة للدعاء بهذه الأدعية الضعيفة التي فيها اعتداءٌ وعُدْوان. 2- وإما لِكَوْنِ المرء لم يَجْمع قلبَه بِكُلِّيَّته على مطلوبِهِ حالَ الدعاء. 3- وإما لِوجود الموانع التي تَمنع الإجابة من الله تعالى؛ كأَكْلِ الحرام، ورَيْنِ الذنوب على القلب، وغلبة الغفلة، والشهوة واللهو على القلب: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» ([2]) أي: دعاء يدعوه به، فهو كالسَّهم، فالسَّهْمُ الضعيف يَخْرج من القَوْس الضعيف الرخوة، فلا يَصِلُ إلى مقصودِهِ، فإذا جاءته موانِعُ الإجابة أيضاً من أَكْلِ الحرام، وكثرةِ الذنوب والخطايا والسيئات، وغلبةِ الغفلة، واللهوِ، والشهوةِ على المرء؛ أنَّى يستجاب له؟! مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» ([3])، ادعوا الله وأنتم متيقنون أن الله تعالى سوف يستجيب سبحانه وتعالى لكم هذه الأدعية. والدعاءُ أنفع شيءٍ للبلاء، هو عدوُّ البلاء النازل على المرء في دينِه ونفسِه ومالِه وأهلِه وأُمَّةِ الإسلام، الدعاءُ عدوُّ هذا البلاء، يَدْفَعُه ويُعالِجُه ويَمْنع نزولَه من أصلِه، وإذا نَزَل يَرْفعه، وإذا نَزَل يُخَفِّفه على حسب قوة الدعاء. فالدعاءُ له حالات مع البلاءِ؛ فقد يكون الدعاء أقوى من البلاء فيَرْفَع البلاءَ، أو أن يكون أقلَّ منه فيَرْفع من البلاء بقَدْرِه، أو أن يكون مِثْلَهُ فيَتَعالَجانِ إلى يوم القيامة ([4]). لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وآل وسلم: «لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ» ([5])، ويقول صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ» ([6]). لذلك ينبغي على المؤمنين أن يكون هَمَّهُم هذه الأيام كيف يتحققون بإجابة الدعاء من الله تعالى؟ إِنَّ أنفسَهم قد مُلِئَتْ بالذنوب والمعاصي، وأعمالَهم قد مُحِقَتْ منها البركة، وإقبالَهم على الله تعالى ضعيفٌ لهذه الحالة، وكذلك استعدادُهم للقاء الله تعالى أشدّ ضعفاً، وأن المرء يحتاج إلى ربه في كل شيء، لا يستغنى عنه في كلِّ ذرة من ذراته، وفي أحوالِه في الدنيا وأحوالِه في الآخرة. ولذلك كان لا بُدَّ له أن يكون له طريقٌ إلى الله، وبابٌ إلى الله؛ لأنه إذا لم يُقَوِّهِ ربُّه لن يُقَوِّيه أحدٌ، وإذا لم يَغْفر له لن يَغْفر له أحدٌ، وإذا لم يَرْزقه لا يَرْزقه أحدٌ، وإذا لم يُخَفِّف عليه لا يُخَفِّف عليه أحدٌ. مَنِ الذي يُخَفِّفُ عليه؟ من الذي يَرْزقه؟ من الذي يَشْفيه؟ من الذي يُبارِك في وقتِه؟ من الذي يأخذُ بيده إليه؟ من الذي يَغْفر له؟ من الذي يَرْفَع عنه الكربَ والبلاءَ؟ من الذي يُصْلِح أخلاقَه وعادَاته؟ من الذي يتوب عليه؟ هو الله تبارك وتعالى ولا أحدَ سواه, فإذا لم يكنِ اللهُ له فكلُّ شيءٍ عليه، ويراها ضَنْكًا، ويراها ضِيقًا وتُسَدُّ في وجهِه، وكُلَّما سَلَكَ بابًا وَجَدَه مسدودًا، لا يَنْفع في ذلك حينئذٍ إلا الدعاءُ الذي ذكرنا، وإذا عَرَفَ المرءُ هذا الأمرَ فلا يَسْتَبْطِأ الدعاءَ؛ لأن من الأسباب التي تَمْنع استجابتَه أن يقول المرءُ: قد دَعَوْتُ فلم يَسْتَجِبْ لي، قد دَعَوْتُ فلم يَسْتَجِبْ لي, قال«لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي» ([7]). وهكذا يَعلم المرءُ كيف أَنَّ الإلحاحَ في الدعاء، والوقوفَ بباب الله تعالى - لا يَتحرَّك ولا يَتَزحْزح - سبَبٌ من أسباب استجابةِ الدعاء، وورَفْعِ البلاء، وسببُ ما يريدُ من ربِّه سبحانه وتعالى في كل أحوالِه في الدنيا والآخرة، في الظاهرِ والباطن، أَلَّا يَمَلَّ من ذلك، وألا يَسْتَحْسِر، لذلك قال في الرواية الأخرى: «يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ» ([8]). كما هو حالُنا؛ إذا دعا المرء مرةً ولم يُسْتَجَبْ له غَفَل عن الدعاء وتَناساه، وعَلِمَ أَنَّ مِثلَه لا يُسْتَجَابُ له فيَسْتَحْسِر عند ذلك، ويترك الدعاءَ، وذلك من أسباب عدمِ البلوغ عند الله تبارك وتعالى؛ أن يَرتَفِع الدعاءُ، وقد مَثَّلُوه بهذا الرجل الذي بَذَر البذر وتعاهدَهُ بالسَّقْيِ والحَرْث، وكذا وكذا، ثم طال عليه إدراكُه ونُمُوُّه، فأَهْمَلَهُ وتَركه. |
(منقول من هذا الرابط:http://debiessy.awardspace.com/books/aldo3a2.htm) من وسائل تحقيق الفوز في شهر رمضان المعظم: الدعاء الجزء الثاني ---- أسباب استجابة الدعاء ----- ويَجْمَعُ الإمام ابنُ القيم إجابةَ الدعاء في هذه الجملة من الكلام ([9])، نَحْفظُها ونُشير إلى معانيها سريعًا؛ بحيث يَتَّضِح المقصودُ وهو كيف يستجاب له؟ يقول: إِذَا جَمَع الْمَرءُ مع الدُّعَاء حَضُورَ القَلْب بِكُلِّيَّته وجَمْعِيَّتِه عَلَى الله تَعَالَى، وصَادَفَ وَقتًا مِنْ أوقَاتِ الْإِجَابَةِ السِّتة وَهِي: الثُّلُث الْأَخِير مِنْ اللَّيل, وَعِنْدَ الْآذَان, وَبَيْنَ الْآذَانِ وَالإِقَامَةِ. وَدُبُر الصَّلوَات الْمَكْتُوبَات, وَيَوم الْجُمُعَة حَتَى يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنْ عَلَى الْمِنْبَرِ, وَآخِر سَاعَة مِنْ سَاعَاتِ يَومِ الْجُمُعَة، يعني: مِن بعدِ العصر إلى غروب الشمس. ثُمَّ بعد ذلك صادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يَدَيِ الربِّ، وذُلًّا له سبحانه وتعالى، وتضرعًا، ورقةً، ثم استَقْبَل الداعي القبلةَ، وكان على طهارة، ورَفَع يديه إلى الله تبارك وتعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قَدَّم بين يَدَيْ حَاجَتِه التوبةَ والاستغفارَ للرب جل وعلا، ثم دَخَل على ربِّه، فَأَلَحَّ عليه في المسألة وتَمَلَّقَه، ودعاه برغبةٍ ورهبةٍ، وتَوَسَّل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وتوحيدِه، وقدَّم بين يَدَيْ دعائِه صدقةً، فإنَّ مثل هذا الدعاء، لا يكاد يُرَدُّ أبدًا، لا سيما إن صادَف دعاءً من الأدعية التي تتضمن اسمَ الله العظيم؛ اسمَه الأعظم سبحانه وتعالى الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى. وانْظُرْ إلى هذه الكلمات التي قالها الإمامُ؛ لِتَرَى شيئًا من تفصيلها، وتحاول أن تَسِير على هذا النهج في هذه الأيام، لِيَتَّخِذَ المرءُ الدعاءَ منهجًا ودَيْدنًا، وأن لا يَسْتَحْسِر ويَدَعَ الدعاءَ، وأن يُقْبِل عليه بهذه الأَحوال الحَسَنة التي تُسبب استجابةَ الدعاء، والتي يُوشِك معها ألا يُرَدَّ دعاؤه أبدًا. أن يُحْضِر قلبَه على الدعاء، فإِنَّ الله لا يَقْبل دعاءً من قلبٍ غافلٍ أو لَاهٍ، وإنما إذا حَضَر القلبُ مع الدعاء كان هذا أَنْجَحَ في استجابة الدعاء، وكان أَرْجى لتحقيق المطلوب؛ حيث يَتواطأ القلب واللسان على دعائه لله تبارك وتعالى، وكلما خَرج الدعاء من قلبٍ قويٍّ مُجْتَمِعٍ على الله تبارك وتعالى، لا يَرى إلا الله هو الذي يَقْبل دعائَه، ولا يرى إلا الله هو الذي يَسْتَجِيب له ذلك، فإن هذا القلب الحاضر، هذا القلب الحي، هذا القلب المتعلِّق بالله تبارك وتعالى، هذا القلب الذي خَرَج عن الأسباب إلا لله سبحانه وتعالى، والذي فَقَدَ الرجاءَ في كل شيء إلا في الله جل وعلا، فإِنَّه يوشِك أن يُستجاب له؛ لأنه عَلِمَ أَنَّ له ربًّا هو الذي يَقْبَل، وهو الذي يَغْفِر، فَيُقبل عليه ويَتْرُك الأندادَ والأسبابَ، ويَتَضرَّع إليه سبحانه وتعالى بهذا الافتقار، وذلك الجَمْع على الله تعالى، يوشِك أن يَسْتَجِيب له، ويَنْظُر أن الله هو الذي يَستجيب، فيتعلَّق به قلبُه ويُقْبل عليه، ويَنْخَلِع من قُوَّتِه وحَوْلِه وطَوْلِه، ومن حَوْلِ الناس وطَوْلهِم وسلطانهم، فلا يَلْتَفِت قلبُه إِلَّا إلى ربه، يوشِك أن يَستجيب له. فإنَّ الربُّ يَتَنَزَّل في الثلث الأخير من الليل ويقول: «هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟ حتى يطلُع الفجرُ» ([10])، وهذا وقت الإجابة؛ إذا ما كان المرء ساجدًا كان أقربَ وأشدَّ للاستجابة، فإِنَّ الله تعالى يَقْرَب من عبده في جوف الليل الآخر، أَقْرَبُ ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، وأَقْرَبُ ما يكون العبد من الرب وهو ساجد، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» ([11]). " قَمِنٌ " يعني: جَدِيرٌ أن يُستجابَ لكم، فإنْ تَحَقَّقَتْ هذه الثلاثة: قُرْبُ العبدِ من الربِّ، وقرب الرب من العبد، في ثلث الأخير من الليل الذي يَستجيب فيه الدعاء، يوشِك أن يستجيب اللهُ تعالى دعائَه. ومن أوقات الإجابة أيضا عند الآذان، وبين الآذان والإقامة، لا تُرَدُّ الدعوةُ، وقد صَحَّ هذا الحديث بإسنادٍ جيد أنه بين الآذان والإقامة لا تُرَدُّ الدعوة، وكذلك - كما أشرنا - دُبُر الصلوات المكتوبات، وعند صُعود الإمام إلى المنبر حتى تنتهي الصلاة، وآخرُ ساعة يوم الجمعة. وهذه الأيام وتلك الليالي وتلك الساعات إنما شَرُفَت لأسبابٍ وأسرارٍ لا يَعْلَمُها البشرُ عن الله تعالى، ولأسباب يَعْلَمُها البشر: ففي نهاية الليل في الثلث الأخير: تَصْفُو النَّفْسُ، ويَزدادُ الإخلاص، ويزداد الإقبالُ على الله تبارك وتعالى,وفي الجمعة: تَجْتَمِع الهِمَمُ، والقلوبُ تتعاون على استِدْرارِ رحمةِ الله تعالى؛ فيكون ذلك أقربَ إلى استجابة الدعاء، وهكذا عندما يُصادِف العبد بعد ذلك خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يَدَيِ الرب، وذُلًّا له، وتَضَرُّعًا، ورِقةً، يعني: يصادف هذا الخشوع. لذلك عمر رضي الله عنه ما كان يُعَوِّلُ على الدعاء في الاستجابة قَدْرَ ما يُعَوِّلُ على فَتْحِ باب الدعاء له، يعني: يقول إذا فُتِحَ بابُ الدعاء فقد فُتِحَ بابُ الإجابة، إذا وُفِّقَ المرء للدعاء بهذا المعنى - يعني: بانكسار أن يكون القلب خاشعًا، ويكون المرء منكسِرًا بين يَدَيِ الرب ذليلًا بين يديه، يَتَمَلَّقه سبحانه وتعالى، ويتضرَّع إليه ويَرِق قلبُه حال الدعاء وتَدْمَع عيناه - يَعْلم أن هذا الدعاء قد صادَف الإجابةَ. رابعا التحقق بآداب الدعاء : فإذا ما استَقْبل القبلةَ، وكان على طهارة، ورَفَع يديه , كما كان حالُ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يَرفع يديه في الدعاء حتى يَظْهر بَياضُ إبِطَيْهِ ([12])، ويَستقبل القبلة، ويدعو على هذا الخشوع الذي ذكرنا، وقد رأيناه كيف يفعل ذلك في كل المواقف صلى الله عليه وسلم، لذلك يقول في الحديث: كان إذا أَهَمَّهُ أمرٌ رَفَع رأسُه إلى السماء صلى الله عليه وسلم، وإذا اجتَهد في الدعاء قال: «يا حيُّ يا قيوم» فيُقْبِل على الله تعالى حالئذ، ويدعو ويرفع يديه مع الخشوع الذي ذكرنا والتضرع والرقة وبكاء العين وحضور القلب , ثم يحمد الله تعالى ويثنى عليه، ثم يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأوقات الفاضلة، يوشِك كما أشرنا أن يكون هذا الدعاء مقبولًا عند الله تعالى. هذه القلوب الحاضرة والمنكسرة، وتلك الأعين الباكية، وتلك الرقة، وقد وقف في هذه الأوقات التي يُرجى فيها استجابةُ الدعاء مع رَفْعِ يديه، واستقبال القبلة، والدعاء على طهارة، فلا بُدَّ حينئذٍ أن يُحقِّق هذا المعنى الذي تكلَّمنا عليه في النصف من شعبان، والذي لا يُغفر للمرء به في رمضان إلا أن يَتحقَّق به أن يكون تائبًا بينه وبين ربِّه، وأن يكون قد خَرَج من المظالم بينه وبين الناس، فإن هذه الذنوب والسيئات تمنع وصولَ الدعاء إلى الله تعالى، وهذه المظالم بينه وبين الناس تَرُدُّ الدعاءُ؛ لذلك بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الذي «يَرْفَع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ويُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ » ([13]). فبَيَّن صلى الله عليه وسلم شيئًا من أسباب الموانع التي تمنع الإجابة؛ أن مَطْعَمه ومَشْرَبه وغُذِيَ، وهذا دليلٌ على بقية المعاصي والذنوب، إذا كان مطعمه ومشربه وغُذِي بالحرام، يعني: إذا كان الحرام سببًا لاستبعاد أن يُستجاب الدعاء، فإن بقية المعاصي والذنوب كذلك تَمنع وصول الدعاء إلى ربه سبحانه وتعالى. دَخَل المؤمن إذن على الله تعالى وألَحَّ عليه في المسألة، دَخَل على الله تعالى يدعو ويُلِحَّ في المسألة، ويُكرر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر الدعاء ثلاثة صلوات الله وسلامه عليه. والإلحاح في المسألة من العبد للرب، يوشِك الربُّ إذا رأى عبدَه مُتضرعاً، أسِيفًا حَزِينًا، يدعو بقلبٍ حاضر وبقلب حزين خاشع لله منكسِرًا له، باكي العين، يوشِك أن يقول: أَعْطُوهُ، كما قال سبحانه تعالى: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ ([14])، أعطوه ما أمر به سبحانه وتعالى، أو ما دعا به العبد، كما هو الحديث. يقول له: يا ربّ أنتَ كريم، وأنتَ غفور، وأنتَ بَرٌّ، وأنتَ رحيم، وأنتَ الوَهَّاب، وأنتَ الجَوَّاد، وأنتَ المحسن، وليس لنا إِلَّاكَ، لا ملجأ لنا ولا مَنْجى منك إلا إليك، هذه نَواصِينا الخاطئة الكاذبة بين يديك... نَدْعوكَ دعاءَ المسكين، ونَتَضَرَّع ونَبْتَهِل إليك ابتهالَ الخاضعِ الذليلِ... ويَتملَّق ربَّه، أين نَذْهَب؟ لا ملجأ ولا مَفَّر، إلى مَنْ نَقِفُ؟ وإلى مَنْ نَتَضَرَّع؟ إلى مَنْ نَرْفَعُ أيديَنا وأَكُفَّنا؟ إلى مَنْ نَبْكي ونَخْشع ونسعى ونحفد؟ لِمَنْ؟ |
من وسائل تحقيق الفوز في شهر رمضان المعظم: الدعاء- الجزء الثالث
(منقول من هذا الرابط:http://debiessy.awardspace.com/books/aldo3a2.htm) من وسائل تحقيق الفوز في شهر رمضان المعظم: الدعاء الجزء الثالث سابعا: ويدعوه رغبةً ورهبةً : كما قال سبحانه وتعالى : {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }الأعراف55, وكما قال: { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء90, كما ذكر المولى فيه، وفي استجابة دعائهم كما ذكر سبحانه وتعالى: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ{89} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{90}} [الأنبياء: 88 - 90]. ثامنا: ويقدِّم بين يَدَيْ دعائِه صدقةً:والصدقة مع الدعاء مما يستجيب المولى بها ـ كما سبق وأشرنا ـ وقد كان ذلك مِن فِعْلِه صلى الله عليه وسلم إذا خرجوا للاستسقاء أو إلى غيره من الأمور التي يجتمعون فيها للدعاء، أن يتصدقوا وأن يَخْرجوا مُنْكَسِرين إلى الله تعالى، مُتَبَذِّلين له، خاشعين له، فإذا بالله تعالى يستجيب دعائَهم، فإن الصدقة في السر تُطْفِئ غضبَ الرب سبحانه وتعالى ([16])، كما ذكر النبي صلى الله وآله وسلم، وإن الصدقة من الأعمال الصالحة التي يَرْتَفِع بها الدعاء إلى الله تعالى كما قال :َ{ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10]. فكلما أردتَ أن ترفع عملًا صالحًا إلى الله تعالى؛ دعاءً أو غيره من أذكارٍ لله تعالى، فارْفَعْهُ بالأعمال الصالحة، ومن الأعمال الصالحة التي يرتفع بها الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، ويستجاب بها تلك الصدقات، سواءً في السر أو في العلن، فإن ذلك كله يرفع الدعاء، وقَمِنٌ أن يستجيب الله به سبحانه وتعالى. تاسعا: ثم يتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا: قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180] ادْعُهُ باسمه الكريم والبر والجَوَّاد والتواب والغفار والقوي والغني والقادر سبحانه وتعالى، ادْعُهُ بهذه الأسماء، وتَمَلَّقُه بها، وارْفِعْ إليه يديكَ بهذه الأدعية، وأَقْبِلْ بِقَلْبِك وكلِّ جوارِحك عليه. فإنَّ التَّوَسُّل بالأسماء الحسنى والصفات العليا من أسباب استجابة الدعاء عند الله تعالى، كالتوسل بالأعمال الصالحة، بل هي أفضل، فإن التوسل بالأعمال الصالحة يَفِكُّ الصخرة كما ذكرنا في حديث الصخرة ([15])فكان الأَوْلَى أن يتوسل إلى ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبتوحيده سبحانه وتعالى، لِيستجيب له. فإذا صادف الدعاء بعد ذلك أدعيةً من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تشتمل على الاسم الأعظم لله تعالى - على اسمه العظيم - فإن المولى سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء،سَمِعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِأَنِّى أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) فَقَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِى إِذَا دُعِىَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى » .([17]) ،ويقول أنس: كُنْتُ جَالِساً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الْحَلْقَةِ وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّى فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ دَعَا فَقَالَ : (اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَىُّ يَا قَيُّومُ إِنِّى أَسْأَلُكَ ) . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا » . قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِى إِذَا دُعِىَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى » ([18]) فإذا تَضَمَّن الدعاء هذه الأدعية من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم التي تشتمل على اسمه العظيم سبحانه وتعالى – هذه أحاديث صحيحة - فإنه يوشِك أن يَتقبَّل اللهُ تعالى دعائَه، إذا سأل الله تعالى أعطاه، وإذا دعاه أجابه. ومن هذه الأدعية التي وَرَدَتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُستجابُ بها للمرءِ دعوةُ ذي النون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» ([19])، إذا دعا بها في شيء، يعني: في أي شيء يدعو بها المرء يَسْتجيب الله تعالى بها، ويقول في الرواية الأخرى: «أَلَا أُخبِرُكُم بِشَيءٍ إِذَا نَزَلَ رَجُل مِنْكُمْ كَرْبٌ أَوْ بَلَاءٌ مِنْ بَلَايَا الدُّنْيَا دَعَا بِهِ يُفَرِّجُ عَنَهُ فَقِيلَ لَهُ: بَلَى، فَقَالَ: دُعَاء ذِي النَّون» ([20]) فالنبي صلى الله عليه وسلم يُخْبِر بهذا الدعاء أنه إذا نَزَل أمرٌ مُهِمٌّ للرجل وأراد أن يُفَرِّجَه الله تعالى عنه يُخْبِرهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء ذي النون إذا دَعَوْا به استجابَ الله لهم. فها قد فَتَح لك هذا الباب من أبواب الاستجابة لِتُصْلِح به هذه الأحوال، قد سَمِعْتَ القرآن، وقد سمعتَ الدعاء والذِّكر، وسمعتَ القيام، والصيام، وسمعتَ كل هذه المعاني، ولم يَسْتَجِبِ القلبُ لها، ومَنَعَ الهوى وحَظُّ النَّفْسِ مِن أن يُسارِع المرء ويَتنافس في تحقيقها بنفسه، عَلَّهُ يفوز بمغفرة الله تعالى، فإذا كنتَ قد وصلتَ إلى هذه الحال ويَئِسْتَ أن تُصْلِح هذه النفس بما سَمِعتَ فوجدتَ شيئًا ثقيلًا على نفسك أن تقوم به، ووجدتَ الموانع تَمْنَعكَ من أن تقوم بهذه القربات والطاعات فقد وجدتَ طريقك إلى تحقيق ذلك. هذا الدعاء بهذه الآداب التي أشرنا إليها يوشِك أن يكون سببًا لفكِّ هذه الكُرَب، وتلك العقد التي نحن فيها، ورفع البلاء الذي نَزَل بنا، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى المرء أن يُسارِع إلى الله تعالى، ويحاول أن يتحقَّق بهذه الأمور التي أشرنا إليها، وأن يَبذُل لها وقتًا، وجُهدًا، وأن يكون على أحسنِ حالٍ يمكن أن يَقْبل الله تعالى منه دعاءه، فإذا ما قُبِل الدعاء صَلحَتْ هذه الأحوال التي نحن فيها، واستَجابَتِ النفسُ والقلب لهذه الأعمال والطاعات والقربات، وسارعتْ إليها، وانشرحَ الصَّدْرُ، وثَبَتَتِ الأقدامُ على هذا الطريق إلى الله تعالى، وأُضِيء لها طريقُها إلى ربها، وتَنزَّلَتِ الرحمةُ، وارتفعَ الشقاء الذي نحن فيه، وإذا بالمرء الذي قد استجيب له قد انفتح بابه أمامَه، تلك الأبواب من أبواب الشفاء والهداية، ومن أبواب الرحمة والاستجابة , قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60]. فليحاول المرء ولا ييأس، ولْيُلِحَّ، ولْيَدْخُل على الله تعالى كما ذكرنا بهذه الآداب، فإنها المُعِينة له في تلك الأيام على تحصيل ما لم يحصل، وعلى الثبات فيما حَصَّله، وعلى التَّوَسُّع من رحمة الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7] كما ذكر جل وعلا. |
(منقول من هذا الرابط:http://debiessy.awardspace.com/books/aldo3a2.htm) ________________________________________________________من وسائل تحقيق الفوز في شهر رمضان المعظم: الدعاء الجزء الرابع والأخير ----- بماذا يدعوا المرء ربه؟ ------ فإذا ما كان الأمر على هذا الحال، وأن نهار الصائم يستجاب له، لا يرد دعاءه، وأن ليل الصائم له فيه كذلك دعوة مستجابة، فبماذا يدعوا المرء ربه؟ أنت تريد من ربك سبحانه وتعالى أن يقوي همتك وأن يرفع عزيمتك، تريد من الله تبارك وتعالى أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، تريد من الله جل وعلا أن يشرح صدرك بالقرآن، وبالإقبال عليه، تريد من ربك جل وعلا أن يقبل عليك بمحبته، وأن يقوم لك سبحانه وتعالى بشغلك، وأن يدفع عنك جل وعلا، وأن يحفظك من الشيطان والنفس والهوى، تريد من ربك سبحانه وتعالى أمورا كثيرة، في مالك وولدك ونفسك وعملك وخلقك، وبينك وبين الله، وبينك وبين الناس، تريد من ربك أن يرفع البلاء عنك وعن المسلمين، كل هذه الدعوات قد فتحها دعوة دعوة، لا ترد ليلها ونهارها. أنت إذن أيها المسكين محتاج من الله تعالى إلى أن يخلص قلبك من آفاته من الكبر والعجب ورؤية النفس، وأن يخلص قلبك من طول الأمد، ومن الاستكانة إلى الدنيا، ومن التعلق بالمخلوقين، وأن يخلص كذلك أخلاقك من هذه الأخلاق السيئة التي تراها من الحسد، ومن عدم الأمانة، ومن الغش ومن الخيانة التي يراها المرء في أعماله، سواء مع الرب أو مع غيره، تريد من الله تبارك وتعالى أن يُطَهِّرَ لسانك وقلبك، وأن يحفظ سمعك وبصرك، وأن يحفظ عليك جوارحك أن يبارك لك في وقتك وجهدك، الذي لا تستطيع أن تملك منه شيئا اليوم، أن يبارك لك في عقلك في علمك، أن يبارك لك في نفسك وولدك، أن يشفيك من أمراضك وعللك، في ظاهرك وباطنك أن يقبل عليك سبحانه وتعالى برحمته ومغفرته، أن يعطيك من ثواب الدنيا والآخرة، أنت محتاج إليه أن تدعوه أن يرفع البلاء عن المسلمين، أن ينزل رحمته ونصره على المؤمنين، أن يهزم الكافرين، وأن يزلزل بهم، وأن يمزقهم شر ممزق، أنت محتاج إلى أن يؤلف بينك وبين إخوانك، وأن يخرج من قلبك أضغانك وأحقادك، أن يخرج من قلبك آفاتك وأخلاقك السيئة، وأن يهديك لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنك السيئ لا يصرف السيئ إلا هو، أنت تريد منه أن يؤلف بينك وبين المؤمنين، وأن يجعل بينك وبينهم المودة، تريد منه أن ينزل عليك رحمته، وتريد منه أن ينير لك طريقك إليه، تريد منه أن يزهدك في الدنيا، ويقبل بك على الآخرة، تريد منه أن ينزع شهواتك ونزواتك التي فيك التي تعطلك عن الله تبارك وتعالى، تريد منه أن يشغل لسانك بذكره، وقلبك بالإقبال عليه، تريد منه أن يقبل دعاءك، تريد من المغفرة والعتق من النار، تريد منه ذلك كله، قد فتح لك الباب سبحانه وتعالى، وبين لك طريق الإجابة، الذي ينبغي أن تسلكه. فكان اليوم هو الفارق إذن في دعوتك في وقت الإجابة التي قد وردت فيه وأوقات الإجابة التي وردت للصائم في ليله كله ـ الذي هو ليل الإجابة ـ كذلك في الثلث الأخير من الليل، كل ذلك قد انتظرته وتحققت بهذه المعاني من معاني استجابة الدعاء عند الله تبارك وتعالى، ووقفت ليلك ونهارك على بابه تدعوه، خاشعًا متضرعًا مقبلاً تنفق صدقات يرتفع بها العمل الصالح والدعاء إلى الله تعالى، كما ذكر المولى سبحانه وتعالى، وكذلك توالي كل ذلك بالتوبة والاستغفار التي تمحو الذنوب والسيئات، تريد بها أن يرتفع أعمالك، وأن يقبل دعاءك، وأن يقبل شفاعتك سبحانه وتعالى التي تشفع فيها. قد علمت إذن هذا الطريق، والمقصر المحروم هو الذي علم الطريق، ثم منع منه، ثم قفل في وجهه هذا الطريق وأغلق عليه، وإذا بك قد حرمت الخير كله، وهكذا قد علمت احتياجك وضرورتك إلى الله تعالى، وعلمت في نهاية المطاف أن لا ملجأ منه إلا إليه، وعلمت أنه يقبل توبة التائبين، ودعاء الداعين، ورجوع الراجعين إليه سبحانه وتعالى، وأنهم ما أن يتقربوا إليه شبرًا حتى يتقرب إليهم ذراعًا، وأنه ينتظر فيئهم ورجوعهم سبحانه وتعالى، إذا لم تسارع إلى ذلك، ولم تر قلبك وقد رق، ودمعت عينك وخوفك قد ازداد وخشوعك قد ظهر على لسانك وقلبك وجوارحك، فاعلم أن باب الإجابة ما زال مغلقًا، وما زلت أيها المسكين لا تستحق شيئًا من ذلك، فليزدد حينئذ بكاؤك على نفسك أن قد وصلت لهذه الدرجة من الحرمان والإبعاد والطرد، وأنت لا تحس بها، وأنت لا تتألم لها، كيف تعمل لآخرتك، وأنت على هذه الحال؟ ليس هذا عملاً من أعمال الآخرة، بل ذلك استدراج من استدراج الشيطان، وذلك إبعاد من إبعاد الله له، بسبب ما هو فيه مما يضحك به على نفسه، ولا يكون سببًا من الأسباب على الحقيقة التي تكون من الأمور التي تقربه إلى الله جل وعلا، وتأخذ بيده إلى الله، وتفتح له باب الله تبارك وتعالى. قد علمت إذن ذلك فقد استفدت وقتك يومك كله، لعلك تصادف فيه إجابة الدعاء، قد استفدت ليلك كله تصادف فيه تلك الليلة، يقول لك ك في كل ليلة ساعة يرجى فيها الإجابة، وأنت تنام كل هذه الساعات، إذا كان ينام كل هذه الساعات لا يهمه ساعة يرجو فيها الله، ويدعو فيها الله سبحانه وتعالى، ويرفع له يده ويتململ بين يديه ليفرج عنه، تراك قد أحسست بالآخرة أو بالحزن عليها، تراك قد دعوته دعاء المؤمنين في قوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً }ا[ الفرقان: 65]، وكذلك دعاؤهم أن يخفف لهم سبحانه وتعالى مدخلهم إلى قبورهم وخروجهم إلى حشرهم ونشرهم، ومرورهم على صراطهم، ووقوفهم ينتظرون صحائفهم بأيديهم بأيمانهم وشمائلهم. أين أنت من هذه الأهوال والكرب، أين أنت من هذه المحن والمصائب في الدنيا والآخرة؟ باب الله تعالى قد فتح لك دعوة لا ترد ليلاً ونهارًا، دعوة مقبولة لا يردها المولى سبحانه وتعالى، فهلا قمت ليلة كاملة تدعو لا تبخل فيها على نفسك أن يجيبك بهذا الدعاء، وأن تحضر فيها الأدعية التي تريد أن يفرج عنك بها، والتي تريد من ربك سبحانه وتعالى، فيقوم ويستجيب لك سبحانه وتعالى فيها، هلا قضيت صيامك يومك في الدعاء والذكر ترجو بذلك أن تكون الدعوة المقبولة قد رفعت إليه وقد تلقاها سبحانه وتعالى بالرضا، وأثابك عنه سبحانه وتعالى بالعطاء، أم لا زلت باخلاً على نفسك، باخلاً على آخرتك، باخلاً على دنياك، باخلاً على ولدك، باخلاً على رحمتك، باخلاً على عتقك من النار. كل ذلك لا يساوي شيئًا أن يقف المرء طوال يومه وليله ثلاثين يومًا وثلاثين ليلة يدعو الله عز وجل أن يفرج عنه ويستجيب له سبحانه وتعالى، فإن استجاب له قد فاز فوزًا عظيمًا. ([1]) رواه الترمذي وحسنه (3598) , ورواه ابن خزيمة (1901)وابن حبان (8/214) في صحيحيهما , كلهم عن ابي هريرة رضي الله عنه, وصححه ابن الملقن في البدر المنير: 5/152 ([2]) أخرجه الترمذي (3479) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([3]) تقدم، وهو جزء من الحديث المتقدم عند الترمذي (3479) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([4]) أخرجه الحاكم (1 / 996) من حديث عائشة رضي الله عنها، وانظره في التخريج الذي بعده. ([5]) أخرجه أحمد في مسنده من حديث معاذ رضي الله عنه (7151)، والحديث حسنه الشيخ ناصر في صحيح الجامع (7739) صحيح الجامع (3409). ([6]) تقدم قبله. ([7]) تقدم عند مسلم (2735) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([8]) تقدم عند مسلم (2735) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([9]) انظر الجواب الكافي ص5. ([10]) أخرجه البخاري (6321)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([11]) أخرجه مسلم (479) من حديث ابن عباس رضي الله عنه. ([12]) وحديث " ظهور إبطيه " في الصحيحين، ولكن قال العلماء أن المبالغة في الرفع بهذا الشكل لا تكون إلا في دعاء الاستسقاء. انظر الفتح (2 / 518). ([13]) أخرجه مسلم (1015) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([14]) أخرجه البخاري (6321)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([15])وهو حديث الثلاثة الذين انغلق عليهم الغار بصخرة من الجبل، وهو عند البخاري (5974)، ومسلم (2743) من حديث ابن عمر رضي الله عنه. ([16]) صحيح الجامع (3759)، (3760). ([17]) أخرجه الترمذي (3475) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه, قال الترمذي هذا حديث حسن غريب , وابن حبان بنحوه - قال الشيخ شعيب إسناده صحيح (3/173) ([18]) أخرجه الإمام أحمد (3/245) من حديث أنس رضي الله عنه.قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح وهذا إسناد قوي, ورواه بنحوه ابن حبان في صحيحه (3/176) ([19]) أخرجه الترمذي (3505) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ([20]) أخرجه الحاكم في المستدرك (1 / 685)، والنسائي في السنن الكبرى (10491)، والبيهقي في الدعوت الكبرى (157)، الشيخ ناصر في السلسلة الصحيحة (1744). روابط ذات صلة : باقة الريحان من مقالات شهر رمضان ملف "إيقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان" __________________________________________________ __________________________________________________ ____________ تنبيه هام : هذه المقالات استخرجها محررو الموقع -بحسب ما أدى إليه فهمهم واجتهادهم - من كتابي فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى "حال المؤمنين في شعبان " , وحال المؤمنين في رمضان , وقد تم التصرف فيها كثيرا لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر الذي يحتويه هذا الكتاب , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحررون وحدهم , وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى ليست له علاقة به , ولا تنس أخي الكريم أن الكتابين أصلهما تفريغ لخطب صوتية , لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليه , والله الموفق |
(منقول من هذا الرابط:http://debiessy.awardspace.com/books...an-gehadan.htm ) في رمضان جهادان: جهاد بالليل وجهاد بالنهار وهو المعنى الذي يشير إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «الصِّيَامُ وَالقُرْآن يَشْفَعَانِ فِي الْمَرْءِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: مَنَعْتُهُ الشَّرَابَ والطَّعَامَ وَالشَّهْوَةَ، وَيَقُولُ القُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ فَيَشْفَعَانِ» ([1]) جهاد الصيام بالنهار: أن يَسْتَوْفي فيه صيامَه الذي به تَتَحَقَّق المغفرة والعتق من النار، يعني: أن يكون الصيام سببَ مَنْعِه من المحرمات والشهوات، وأن يكون سببَ إقبالِه على ربه سبحانه وتعالى بالأذكار والطاعات - فإن هذا الصيام الذي منع العبد محرمات فضول الكلام، والسماع، والبصر، والمكاسب المحرمة، ومَنَعَهُ محرماتِ الشهوات من الطعام والشراب والنكاح، إذا استكمل شروطه كان ذلك الصيام سببًا لهذه المغفرة، وإنْ تَحَقَّقَ صيامُه بهذه الشروط التي يُكَّفِرَ الله تعالى بها الخطايا كان سببًا لشفاعته يوم القيامة، تراه منعه كذا وكذا وكذا ثم عاد إليه على حالة أسوأ أو أنه منعه ذلك فكان سببًا لترقيه إلى الله تعالى، وسببًا لخلوص قلبه ونقاء نفسه، سببًا لإقباله على ربه سبحانه وتعالى واستقامته على أمره، سببًا لطول مغفرته عند الله تعالى، فكان الصيام سببًا لصلاح النفس وصلاح القلب والإقبال على الرب والخروج به من العتقاء من النار، والخروج من رمضان بهذه المغفرة والرحمة, وإلا ضُرِبَ به في وَجْهِهِ كما ذُكِر في الصلاة ويقول له ضيعك الله كما ضيعتني([2]). والجهاد الثاني: جهاد القرآن بالليل, فهذا القرآن الذي قد أنزله تعالى لرحمة العباد، ولنور قلوبِهم، وأعمالِهم، وطَرَائِقِهم إلى الله - جل وعلا – وكذلك لبركتهم، ولشفائهم، وهدايتهم. انْظُر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِِ» ([3]) ليكون سببَ هذه الشفاعة والزاد فيها ، ويأتي حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى فيقول، وهو حديث أصله في الصحيحين: «رَأَى فِي مَنَامِهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مُسْتَلْقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلًا وَاقِفًا عَلَيْهِ، وَفِي يَدَيْهِ فِهْرٌ أَوْ صَخْرَةٌ، فَيَخْدِشُ بِهَا رَأْسَهُ - يَكْسِرُ بِهَا دِمَاغَهُ - فيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ؛ فَيَأْتِي لِيَأْخُذَهُ؛ فيَعُودُ رَأْسَهُ كَمَا كَانَ فَيَخْدِشَهُ بِهِ، يَفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ؛ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فِي النَّهَارِ» ([4]) وهذا حديث صحيح. لذلك ورد: إذا جاء مَلَكُ الموت إلى المرء قال له: شُمَّ رأسَه يقول: أَجِدُ فيه القرآنَ، شُمَّّ قَلْبَه يقول: أَجِدُ فيه الصيام، يقول: شُمَّّ رجليه. أَجِدُ فيه القيام، يقول: حَفِظَ اللهُ فحَفِظه اللهُ، حَفِظَ نفسَه؛ فحَفِظَهُ ربُّه. وإنّ القرآن - كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه - يَلْقى صاحِبَه يوم القيامة حين يُشَقُّ عنه قبرُه كالرجل الشاحب يقول له: أَتَعْرِفُنِي؟ أَنَا الَّذِي أَظْمَأْتُ مِنْكَ الْهَوَاجِرَ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، أَنَا سَبَبُ صِيَامِكَ، وَسَبَبُ ظَمَأِكَ فِي الْهَوَاجِرِ - في الأيام الصعبة الصائفة الشديدة الحر- وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ؛ فيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، والْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، ويُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، ويُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ، وَارْقَ فِي غُرُفَاتِ الْجَنَّةِ، فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرفَاتِهَا، ولا يزال يصعد، ما دام يقرأ هذا كان، أو ترتيلًا. وانْظُرْ إلى ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في عكس هذا: يَأْتِي الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ خَصْمًا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فيُمْسِكُ بالرَّجُلِ الَّذِي قَدْ حَمَلَ الْقُرْآنَ، وَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُ؛ فيَتَمَثَّلُ خَصْمًا لَهُ؛ فيَقُولُ: أيْ رَبِّ حَمَّلْتَنِي إِيَّاهُ؛ فَبِئْسَ حَامِلٌ تَعَدَّ حُدُودِي، وضَيَّعَ فَرَائِضي، ورَكِبَ مَعْصِيَتِي، وَتَرَكَ طَاعَتِي؛ فَمَا يَزَالُ يُلْقِي عَلَيْهِ بِالْحُجَجِ حَتَّى يُقَالُ لَهُ: شَأْنَكَ بِهِ؛ فَيَأْخُذُهُ مِنْ يَدِهِ؛ فَمَا يَدَعُهُ حَتَّى يَكُبَّهُ عَلَى مِنْخَرِهِ فِي النَّارِ. وَيُؤْتَى بِالرَّجِلِ الصَّالِحِ قَدْ حَمَلَ الْقُرْآنَ، وَحَفِظَ أَمْرَهُ؛ فَيَتَمَثَّلُ خَصْمًا لَهُ؛ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ حَمَّلْتَنِي إِيَّاهُ؛ فَنِعْمَ حَامِلٌ حَفِظَ حُدُودِي، وَقَامَ بِفَرَائِضِي، وَلَمْ يَرْتَكِبْ مَعْصِيَتِي، وَأَتَى بِطَاعَتِي، أَوِ اتَّبَعَ طَاعَتِي، فَمَا يَزَالُ يُقِيمُ لَهُ الْحُجَجَ حَتَّى يُقَالَ: شَأْنَكَ بِهِ؛ فَيَأْخُذَهُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهِ الْجَنَّةَ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ.... إلى آخر الحديث([5]). فها قد جاء موعد تحقيق ذلك. فلما جمع الله تعالى هذه المعاني في شهر رمضان كان لها قيمتها التي يجب أن ينظر إليها المرء، ومعناها أن المرء يخرج عن أحواله التي هو فيها ليحقق المغفرة، فيخرج عن عوائده ومألوفاته في نومه وشربه وأكله، وفي كلامه وفي عمله وفي جوارحه وفي إقباله وإدباره. فالمرء الذي يريد المغفرة، ويريد العتق من النار تنعكس في هذا الشهر أحواله وتتغير، فهل لو كانت أحواله كما هي كما كانت قبل رمضان ولم يغير من هذه المألوفات، كان ذلك صدقًا في تصميمه على تحقيق المغفرة؟ فهل يأتي رمضان ليأخذ حظه من النوم ومن الراحة ومن الكسل ومن الدعة، وحتى إذا منع نفسه الطعام والشراب أتى في إفطاره ليعوض ما كان !! ثم جاء إلى سحوره ليزداد تخمة، ويصبح ممتلئًا كأنه في يوم فطره !! فلا يكون يوم فطره ويوم صيامه سواء، لا في أكله ولا في شربه ولا في نومه ولا في شهواته ولا في غفلته, النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك, بل أنه كان إذا أتى أهله فلم يجد طعامًا وشرابًا قال: إني صائم، وليس مثلنا نتعارك ونتشاجر وكل منا ينتظر الأصناف المعدودة ليأكلها ويمتلئ بها حتى إذا جاء القيام جاء متأخرًا، حتى إذا دخل القيام فإنما هي ألعاب رياضية ليهضم بها ما أكله في فطره..لا، وإنما كان صلى الله عليه وسلم على عكس ذلك كله إذا لم يجد الطعام والشراب يقول: إني صائم, فلم تكن القيمة للطعام والشراب إذن. وحال المؤمن الصادق في طلب المغفرة يدل على ذلك, فما أن يأتي رمضان إذا به غيَّر طريقة نومه، فقلل من هذا النوم، وقلل الأكل والشرب والنكاح والشهوة وقلل الكلام، وقلل الإقبال على الخلق، والائتناس بهم، وزاد في أعمال الطاعة والذكر والإقبال ووسع على المحتاجين، وبذل الصدقة، وبذل الإحسان، وبذل من وقته وجهده ليحصل المغفرة، فإذا به قد انقلبت أحواله، وخرجت هذه الأحوال عن المألوف؛ لأنه شهر غير مألوف في أعمال المؤمنين، فلابد أن يتحمل فيه المرء هذه المجاهدة, لتكون دليلا على تصميمه التحقق بالمغفرة. ونختم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ » ([6])، وقال: « إن جبريل أتاني فقال : من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين َ» ([7])..«رَغِمَ أَنْفِ امْرِئٍ أَتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، قُلْ: آمِينَ. فَقُلْتُ: آمِينَ» ([1]) رواه الإمام أحمد في المسند (6466) ، والطبراني في الكبير (13563)، وصححه الحاكم في المستدرك (1994) . ([2]) أخرجه أبو داود الطيالسي (1 / 80)، والطبراني في الأوسط (3/ 263)، والبيهقي في الشعب (3 / 143). ([3]) أخرجه مسلم (804) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. ([4]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (1320) من حديث طويل رواه سمرة بن جندب رضي الله عنه. ([5]) [حسن] أخرجه أحمد في المسند (5 / 348) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. ([6]) [حسن] أخرجه الترمذي (3545 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ([7]) [حسن] أخرجه ابن حبان في صحيحه (3 / 188)، وقال الشيخ شعيب: إسناده حسن |
السلام عليكم
نقل طيب مبارك أعاننا الله وإياكم على جهاد انفسنا واحيي فيك صدقك ونسب المصدر الى أهله فهذا من الامانه العلميه فشكر الله لك مرة أخرى |
حياك الله اخى الفاضل
نعمى المواضيع هذة مشكور و بارك الله فيك و حياك الله |
جزاكم الله خيرا , وبارك الله فيكم جميعا
|
منقول من كتاب "رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله تعالى , تحقيق د/ ماهر الفحل جزاه الله خيرا" (
214- باب فضل قيام ليلة القدر وبيان أرجى لياليها قَالَ الله تَعَالَى : ] إنَّا أنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ [ [ القدر : 1 ] إِلَى آخرِ السورة ، وقال تَعَالَى : ] إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [ [ الدخان : 3 ] الآياتِ . 1189- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : (( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ . 1190- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رِجالاً مِنْ أصْحَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ في المَنَامِ في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأتْ (1) في السَّبْعِ الأوَاخِرِ ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ )) متفقٌ عَلَيْهِ . 1191- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، ويقول : (( تَحرَّوا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخرِ منْ رَمَضانَ ))متفقٌ عَلَيْهِ . 1192- وعنها رضي الله عنها : أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : (( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوَتْرِ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ )) رواه البخاري . 1193- وعنها ، رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ ، أحْيَا اللَّيْلَ ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئزَرَ(2) . متفقٌ عَلَيْهِ . 1194- وعنها ، قالت : كَانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ في رَمَضَانَ مَا لاَ يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ ، وَفِي العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْهُ مَا لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ . رواه مسلم . 1195- وعنها ، قالت : قُلْتُ : يَا رسول الله ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أقُولُ فِيهَا ؟ قَالَ : (( قُولِي : اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنّي )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) 1189- أخرجه البخاري 3/33 (1901) ، ومسلم 2/177 (760) (175) . 1190- أخرجه البخاري 3/59 (2015) ، ومسلم 3/170 (1165) (205) . ([1]) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/275 عقيب (1170) : (( أي : توافقت )) 1191- أخرجه : البخاري 3/61 (2020) ، ومسلم 3/173 (1169) (219) . 1192- أخرجه : البخاري 3/60 (2017) . 1193- انظر الحديث ( 99 ) . ([2]) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/282 عقيب (1175) : (( اختلف العلماء في معنى ( شد المئزر ) فقيل : هو الاجتهاد في العبادات زيادة على عادته صلى الله عليه وسلم في غيره ، وقيل : معناه : التشمير في العبادات ، يقال : شددت لهذا الأمر مئزري ، أي : تشمرت له وتفرغت ، وقيل : هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات )) 1194- أخرجه : مسلم 3/176 (1175) (8) . 1195- أخرجه : ابن ماجه (3850) ، والترمذي (3513) . ) انتهى النقل |
وظائف العشر الأواخر من رمضان
(منقول من هذا الرابط: http://debiessy.awardspace.com/books...an-e3tekaf.htm) وظائف العشر الأواخر من رمضان - الجزء الأول أهمية أيام العشر الأواخر من رمضان.وظائف العشر الأواخر: التوبة والاستغفار وإصلاح الباطن. الاعتكاف وإحياء الليل واعتزال النساء. إيقاظ الأهل لتصيبهم نفحات الرب عز وجل. الاجتهاد فيها ما لا يجتهد في غيرها. تزيين الظاهر والباطن لله سبحانه وتعالى. الوصال حتى السحر . الاجتهاد الزائد في نهاية هذه الأيام . الاهتمام بأن تقع أعمالهم في محلّ قبول الرب عزَّ وجلَّ. ----- أهمية أيام العشر الأواخر من رمضان وشعار المؤمنين فيها ------ دخلت أيام العشر من رمضان، وجاءت أعظم أيام المجاهدة؛ حيث ينتظر المتقون جائزة الرب، وجاء الاعتكاف، فاجتمع للمجاهدة فضل الوقت، وفضل العمل معاً, لذلك كانت لهذه الأيام وظائف مخصوصة ينبغي أن تجتمع مع تلك الوظائف التي بدأها المؤمنون من أول رمضان.إن هذه الأيام العشر وهذه الليالي العشر هي بداية المجاهدة مرة أخرى، بداية العودة مرة أخرى إلى أن يتململ المرء بين يدي ربه، وأن يبذل له، وأن يري ربه منه ما يكون سبب رضا الله عنه، وسبب فتح الله عليه، وسبب جود الله تعالى عليه، وسبب محبة الله له، وسبب إقبال الله عليه، وسبب انتشال الله جل وعلا له مما هو فيه، سبب حفظ الله له، وسبب دفاع الله عنه، وسبب مدد الله جل وعلا له, هذه الأيام هي أيام ذلك، فإذا كانت قد فاتتك كل ما سبق من الأيام، ولم تشعر فيها بما ينبغي مما أشرنا إليه، فإن الله تبارك وتعالى بكرمه وجوده ومنه وفضله ما زال يفتح لهؤلاء المؤمنين، هذه الليالي وتلك الأيام، ليستعيدوا فيها قوتهم ويجددوا فيها نشاطهم ويقبلوا فيها على ربهم وينتظروا فيها جائزة الرب سبحانه وتعالى، فكلما دنت الأيام على الانتهاء، وكلما قرب ظهور النتيجة ازداد اجتهاد المرء وازداد قربه، يود أن تظهر نتيجته تبيض وجهه، يود أن تكون نتيجته حسنة وعاقبته الحسنى في هذه الأيام وألا يخيب ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ، أَبْعَدَهُ اللَّهُ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ، قُلْ: آمِينَ، قُلْتُ: آمِينَ » ([1]). وهذا الجد وهذا الاجتهاد مما ينبغي أن يكون شعار المتقينالذين يريدون ألا يمر عليهم رمضان إلا وقد أخذوا جائزتهم، ألا يمر عليهم رمضان مرغومو الأنف ينتظرون رمضان الآخر بهذه الوسيلة السيئة من وسائل الشيطان، وإنما تطول مواصلتهم على هذا الحال ؛ ليحققوا جائزة ربهم سبحانه وتعالى، وليفوزوا بمغفرته فإذا ما عيَّدوا كان حقا لهم أن يُعيدوا ساعتها، وإذا أفطر فرح كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : « لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى فَرِحَ بِصَوْمِهِ» ([2]) وجد هذا الصوم الذي كانت عاقبته المغفرة والعتق من النار وجده يشفع له يوم القيامة، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الصائمون من باب الريان حتى لا يدخله غيرهم. جاءت هذه الأيام ومازال الشعار الذي قد رفعناه - وهو التصميم على تحقيق أسباب المغفرة - مازال قائماً، وأن يبذل المرء فيه ما يُرِى اللهَ تبارك وتعالى منه حسن الأداء وحسن الإقبال، ويرى الله تبارك وتعالى فيه الصدق والعمل والإخلاص، ويُرِى اللهَ تبارك وتعالى كأنه حزين على ترك هذا الإقبال على ربه، وحزين على ترك هذا البذل، أو حزين على ضعف هذه الهمة، وفصم هذه العزيمة، والإرادة في الإقبال على الله تعالى، وأنه يود أن تتوجه هممه كلها، وأعماله كلها، وأقواله كلها في ظاهره وباطنه إلى رضا ربه ومحبته والتعلق به إلى أن يكون مستعدًّا لآخرته، مقبلا على ربه يحسن جهاده، وسيره له ويحاول البذل مما أعطاه الله تعالى من مال وجهد ووقت وصحة وفراغ وجاه وسلطان ؛ ليكون ذلك كله في عمله لله فيزداد منه في الأولى والآخرة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [ إبراهيم: 7], زاهدًا في الدنيا، راكنًا إلى الآخرة قد تجافى عن دار الغرور، وظهرت عليه تلك المحاب والرضا لله جل وعلا. ----- وظائف العشر الأواخر:----- لذلك كان ينبغي لهذه الأيام أن تبدأ بالتوبة والاستغفار وإصلاح الباطن، وأن يستمر ذلك فيها، ليهيئ المرء نفسه وقلبه لجائزة الله تبارك وتعالى، وأن يصلح ما فاته من هذه الأيام التي تكاسل فيها، وتباطأ فيها، والتي انشغل فيها عن الله جل وعلا والتي شملت الغفلة فيها أحواله وأفعاله، والتي لم يحصل فيها من قرآنه وذكره ما يملأ قلبه نورا وإيمانا، وما يربطه على هذا القلب ويثبته، ويجد نفسه مقبلا على الآخرة لا تؤثر فيه الشهوات، ولا تؤثر فيه الشبهات، يجد نفسه ثابتًا قويًّا راسخًا في أقدامه في السير إلى الله تبارك وتعالى، لا يجد نفسه مطية للشيطان والهوى، وما زال مترددًا، و منفرط العقد والشمل، لا، وإنما ينبغي أن يرى نفسه على هذا الحال الذي يحبه ربه جل وعلا، لذلك كانت هذه العشر هي الفرصة الأخيرة التي ينبغي أن يتفكر الناس في أن الله تعالى فتحها لهم، ويوشك أن تنتهي كما انتهى رمضان من قبل.----- الاعتكاف وإحياء الليل واعتزال النساء ------ وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام أنه: «كَانَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ » ([3]) هذه مهماته ووظائفه في العشر صلى الله عليه وسلم، كان إذا دخل العشر جد صلى الله عليه وسلم وشد المئزر وأحيا الليل وأيقظ أهله، كل ذلك كان يحققه صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف إلى الله جل وعلا. بأن يعتكف قلب المرء وقالبه وجسده على ربه سبحانه وتعالى, وأن يمتنع من مخالطة الناس، وألا يقترب من أنفاس الخلق ليخلو بالله جل وعلا، وليتأسَّ به المؤمنون وتكون هذه الخلوة بالله تعالى سببا في إصلاح معاشهم ومعادهم وسببا في تهيئة قلوبهم وجوارحهم لتحقيق أسباب المغفرة، وسببا لتوفير الوقت والجهد والصحة، كل ذلك في هذه الأيام يواصل فيها ليكون سببا في أن يغفر الله له، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو ليس له ذنب أصلًا - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو في درجة الشكر: « أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا » ([4]) كما قال صلى الله عليه وسلم . قد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر حتى إذا كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا، وكان على كثرة أشغاله صلى الله عليه وسلم من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم والقيام على مصالح المسلمين، لا يمنعه شيء من ذلك البتة أن يعتكف هذه العشر لله تعالى ؛ لتكون: أولا سنده ومئونته في بقية عامه، لتكون قوته ومدده، والثانية، لتكون سببًا في مواصلة الليل بالنهار لتحقيق جائزة الرب، والثالثة ليلتمس فيها ليلة القدر،« مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » ([5]) فكانت هذه الأشغال والوظائف التي ينبغي أن تسيطر على أعمال الناس في هذه العشر، النبي لم يكن محتاجًا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك كله ، فقلبه موصول بربه، وذكره لا يفتر، وعمله لا يكل، ولا يمل من المحبة والإقبال والسعي للرب جل وعلا، هو أعلى الناس في الدنيا والآخرة لهذه الدرجة صلى الله عليه وسلم ، لا درجة أعلى من درجته في ذلك، وهي الوسيلة التي لا تنبغي إلا لعبد واحد هو النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك كان المؤمنون لا بد أن يسيروا على هذا الحال الذي كان عليه في درجته، إذا أرادوا أن يحققوا هذه الأسباب من التماس ليلة القدر، من الإقبال على الله تعالى، من الاستعداد لتحقيق جائزة الرب والفوز بها، وألا تكون أشغال الدنيا ومعوقاتها سببا في أن تمنعك عن ذلك لأنك أيها المسكين لست أعلى درجة منه صلى الله عليه وسلم . فإذا ما جاءك الشيطان ليقول لك: لا تستطيع الاعتكاف هذا العام، إن شاء الله العام القادم سوف تعتكف مائة يوم، وسوف تعتكف العام كله، وسوف تخرج في سبيل الله بقية عمرك، كل هذا من تسويل الشيطان ليضيع عليك هذه الأيام التي ينبغي أن تواصل فيها ليلك بنهارك, لذلك قالت السيدة عائشة وأنس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم: « إِذَا دَخَلَ العَشْرُ قَامَ اللَّيْلَ » ([6]) كان يقوم ليله صلى الله عليه وسلم لا يفتر فيه، ينتظر أن يصادف ليلة القدر في أي وقت من ليالي العشر الآكد فيها في الوتر. وقد كان كثير من الأئمة كالإمام أحمد وغيره رضي الله عنهم يمتنعون عن الكلام في الاعتكاف مع أحد، حتى ولو بالعلم والدراسة ليعتكف على ربه، وأن ينظر في هذه الشحنة التي ينبغي أن يحصلها، وفي أسباب المغفرة التي يجب أن يجاهد نفسه عليها. وكان يوقظ أهله في هذه الأيام يوقظ أهله في تلك العشر، كل من أطاق الصلاة أقامه للصلاة ليشهد هذا الخير، وليشهد تلك الرحمة، وليشهد تلك النفحات من نفحات الله جل وعلا، وليكون كل أحد يأخذ نصيبه من رحمة الله تعالى، وأن تصيبه بركات الرب جل وعلا، وأن يتنزل عليه ما يتنزل من جود الله تعالى وكرمه وإحسانه في تلك الليالي، وجدّ وشد المئزر، شد المئزر: كناية عن اعتزال النساء في هذه العشر، و "جدّ"َ: يعني اجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها , يعني إن كان يصيب نومًا في العشرين الأولى من رمضان في هذه الأيام ما كان يصيب نومًا ولا غمطا، طوى فراشه صلى الله عليه وسلم واعتزل النساء وقام لله تعالى.ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر هذه الليالي من ليالي القدر، ويقبل عل شأنه، ويرتب أحواله، وينظر فيما عند الله، ويأتنس بالله تعالى، ويأخذ قسطه من تفريغ القلب والبال لله جل وعلا، وتفريغ الوقت والجهد والصحة للعبادة والنظر في سيره إلى الله تعالى، وإقباله عليه، |
وظائف العشر الأواخر من رمضان - الجزء الثاني وذُكر عن السلف أنهم كانوا يتزينون في هذه الليالي، يعني بعد أنهم يقومون ليلهم ويوقظون أهلهم ويجدون، ويشدون المئزر، ويتفرغون وقوفا وقياما ليلهم ونهارهم لله تعالى، ينتظرون هذه الجائزة، يرفعون أيديهم إلى الله تعالى ألا يخيبهم، وأن يعطيهم، وأن يحسن إليهم، مع ذلك كله كانوا يتزينون لهذه الليالي التي يرجى فيها ليلة القدر يتزينون في ظاهرهم , والزينة الباطنة هي الأهم، كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يكون له حلة جديدة، كان تميم رضي الله عنه له حلة جديدة يلبسها ليلة القدر، ثم يطويها إلى العام القادم، يتهيأ فيها لملاقاة الله تعالى والدخول على الرب جل وعلا، ويتزين به لينظر هذه الجائزة من الله جل وعلا. وهذه الزينة الظاهرة مما ينبغي أن يحرص عليه الناس من أن يغـتسلوا في ليالي الوتر التي تتأكد فيها ليلة القدر، وأن يتزينوا فيها، وأن يزينوا مساجدهم، ينتظرون بهذه الزينة الظاهرة دخولهم على ربهم سبحانه، مع علمهم أنه لا تنفع هذه الزينة الظاهرة إلا بأن تتم بالزينة الباطنة، يعني بإصلاح القلب والتوبة إلى الله تعالى، والخروج من المظالم والآثام والمعاصي، والعزم على ألا يعود لذنب أبدا، ويستغفر الله تعالى على ما كان، ويصلح بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، يرجو بهذه الزينة الباطنة أن يدخل على الله، إذ ما قيمة أن يكون شكله في الخارج مزينا هذه الزينة وباطنه على هذا السوء من هذه الأخلاق السيئة، والتكاسل عن الله تعالى وطول الأمد، ومن الحقد والحسد والغل، ومن القطيعة والبغضاء والشحناء، ومن الغفلة عن الله جل وعلا وعدم الاستعداد للقائه، فأنى يحصل جائزة الرب: « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ([7]) لم يكن الله تعالى ليمنعه طعامه وشرابه المباح ليثيبه عليه، ثم يلابس هو الحرام. والأمر التالي أن النبي صلى الله عليه وسلم في درجته العالية كان يواصل هذه الأيام، فقد ورد الحديث بقوله: «إنك تواصل»، والحديث يبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يواصل أيامه الأخيرة بالذات يعني كان يواصل ليله بنهاره لا يُفْطِر صلى الله عليه وسلم ، توفيرًا للوقت والجهد، وتفريغا للقلب والبال والهم، لِأَن يقبل على ربه سبحانه وتعالى، وما كان يأتيه من ربه من الفتوحات الإلهية والسعادات الربانية التي تنزل عليه بمعرفة ربه ومحبته والإقبال عليه والطمأنينة لذكره، كانت هذه غذاءه كما ذكر من ذكر في ذلك، لذلك كان يقول: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ , أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» ([8]) والمراد : أنه لا يطعمه طعامًا وشرابًا , وإلا لم يكن مواصلاً ولا صائمًا صلى الله عليه وسلم، وإنما كان ما يهل عليه من فتوحات الرب سبحانه وتعالى ومن ذكره ومن الإنس به والإقبال عليه، وتلك النفحات العظيمة نفحات الله جل وعلا. لذلك كان يواصل، وواصل أصحابه رضي الله عنهم، كما كان هو يواصل صلى الله عليه وسلم ليقتدوا به في ذلك، وليتفرغوا لعبادة الله تعالى، ويشغلوا همهم وبالهم بالإقبال على ربهم ينتظرون جائزته، ويلتمسون تلك الليلة ليلة القدر صادفوها، نهاهم عن الوصال صلى الله عليه وسلم وقال: «مَنْ كَانَ مُوَاصِلًا فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ » ([9]) وجعلوا فيها أكلة واحدة في السحر إفطارًا وسحورًا، ويفرغون الوقت كله لله تعالى .. للأنس به .. لاستغفاره ... للبحث في أعمالهم وأقوالهم .... لتحسين معاملاتهم مع ربهم ... لمحاسبتهم لأنفسهم .... إلى غير ذلك مما يكون سببًا للتأهل للفوز بجائزة الرب، ويكون كذلك سببًا لتحصيل ليلة القدر. انظر إلى تصميمهم على المواصلة حتى واصل بهم صلى الله عليه وسلم يومًا ويومًا حتى ظهر الهلال, فدل ذلك على أنه كان يواصل عندما تدخل هذه الأيام الأخيرة قرب تعرض المرء للرحمة والعتق من النار، يواصل ليله ونهاره لا يأكل ولا يشرب ، يفرغ وقته وجهده للصلاة والعبادة والقيام, ليكون أدعى إلى أن يراه الله تبارك وتعالى على هذه الحالة، حتى إذا خرج إلى صلاة العيد أفطر على هذه التمرات التي رأيناها من سنته صلى الله عليه وسلم. فهذا كان اعتكافهم وهوعلى خلاف ما نحن فيه من رؤية هؤلاء المعتكفين الذين كل همهم الاستئناس بالناس والكلام وتضيع الوقت والتأخر عن الصلاة، ويأكل ويشرب شيئًا، كذا وكذا، حتى تفوته الركعات الطويلة ، ثم ينام بعد ذلك كأنه قد جاهد وقتل نفسه وفعل ما لم يفعله الأولون والآخرون! فلم تأت هذه العشر ليقول صلى الله عليه وسلم: نريد أن ننام قليلا، نريد أن نستريح قليلا ! إنما كانت راحته وسعادته في أن يكون قائما لربه، كما ذكر تعالى:{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً }[ الفرقان: 64]، وكما قال هو صلى الله عليه وسلم : «وَجُعِلَتْ قُرَّة عَيْنِي فِي الصَّلاةِ » ([10]) لا يكون قرير العين ولا يكون سعيدا، ولا يكون أبدا مسرورا إلا في هذه الصلاة التي يتكاسل عنها الناس، والتي يودون أن يتخففوا منها بألا يقوموا فيها! والحالة التالية التي كانوا عليها: أنهم كانوا في نهاية أعمالهم يزداد اجتهادهم ويزداد سعيهم ويواصلون ليلهم ونهارهم, لقرب ظهور النتيجة، حتى يكون ذلك سببًا لتحصيل جائزة الله حتى يكون سببًا لأن يختم لهم بالخاتمة الحسنة في هذه الأعمال, ها قد أوشكت النتيجة أن تظهر، ومن الذي يقال له نعم هذا من الناجحين إن شاء الله تعالى أو هذا من أصحاب الدرجات العالية، أو أنه قد انتهى رمضان ولم يستشعر شيئًا من ذلك وأن النتيجة إنما هي الخيبة التي ينتظرها، فلا ينتظر درجة عالية، ولا ينتظر قبولاً فضلاً أن ينتظر الجائزة الكبرى من الله تعالى؛ لذلك كان يسيطر عليهم في نهاية الأيام عند قرب ظهور النتيجة الاجتهاد الزائد , على عكس المؤمنين اليوم , ما أن تقترب نهاية أعمال الطاعات حتى يصيبهم الكسل والفتور والإحباط ويميلون إلى الرجوع إلى سيرتهم الأولى. والنقطة الثانية هي أنه إذا كانت خاتمة الأعمال لهم هو الاجتهاد وليس الملل والفتور والتردد وليس انفراط الحال؛ فإنه يوشك أن يكون بعد رمضان أحسن حالاً وأقرب إلى الله تعالى وأثبت على طريقه سبحانه وتعالى، أما أن تصل في نهاية العمل إلى الفتور وإلى الملل وإلى قلة الأعمال وأن تعود نفسك إلى ما كانت عليه من الكسل ومن التواني والدعة يوشك أن يزداد عليك ذلك بعد رمضان؛ فما أن ينتهي رمضان حتى تعود مرة أخرى إلى ترك القيام والصيام والذكر وقراءة القرآن , وهي الحالة السيئة التي تصيب المؤمنين بعد نهاية رمضان كأنهم لم يقوموا ولم يصوموا كأنهم لم يقبلوا على ربهم كأنهم لم يقرأوا قرآنه؛ فهذه الحالة تستوجب إذن من المؤمنين اليوم أن يواصلوا يومهم ونهارهم وليلهم على الاجتهاد الزائد صلاة وذكرًا وقرآنًا. والنقطة التالية التى ينبغي أن تكون في محل نظر المؤمنين من هذه اللحظة أنهم ما كانوا يهتمون بشدة البذل في العمل والاجتهاد فيه قدر ما كانوا يهتمون بقبول هذه الأعمال، يعنى أنهم في أعمالهم كانوا يبذلون وقتهم وجهدهم ومالهم وأنفسهم، ثم يأتون في نهاية العمل يترقبون هل تقبل منهم أو لا، فالمرء اليوم بعد أن يبذل وقته في صيامه وقيامه وماله ونفسه وأن يجتهد الاجتهاد الزائد في كل الطاعات، يقف منتظرًا هل قُبل بعد ذلك أو لا؟ فهذا بعد اجتهادهم الشديد -ليس بعد تفريطهم وتقصيرهم ونومهم وكسلهم- وإنما كان المعهود من أحوالهم المسارعة , كما بيَّن الله تعالى حالتهم أنهم يسارعون إلى الله تعالى في بذل المال والنفس وإذا لم يجدوا ما يبذلونه لله تعالى بكوا وفاضت أعينهم من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون، ثم وصف الله تعالى حالتهم في نهاية أعمالهم ؛ أول ما يسيطر عليهم ويقلقهم ويقض مضجعهم هل قبلت أعمالهم أو لا لذلك رأينا الله تعالى يذكر هذه الآية :{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }[ المؤمنون: 60] وتقول السيدة عائشة : يصومون ويصلون ويتصدقون وكذا وكذا من الأعمال الصالحة يعني ثم يخافون ألا يتقبل منهم ([11]) وهو تفسير قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }[ المائدة: 27], وقد فتح رمضان لتقوى الله تعالى, فمن الذي حصل هذه التقوى ليأتي في نهاية العمل ليقول قد تقبلت أعماله وانتظر جائزة الله تعالى؟ لذلك كان ابن عمر يقول: لو علمت أن الله تعالى تقبل مني مثقال ذرة من عمل أو درهمًا واحدًا صدقة ما كان غائب أحب إلي من الموت ([12]) فإن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [ المائدة: 27] فإن قيل لم يبق له في الدنيا شيء، هو كان يعمل على سبيل المغفرة، وعلى سبيل العتق من النار، وعلى سبيل رحمة الله تعالى على سبيل أن يتقبل الله تعالى عمله ذلك، أن يتوب عليه فيخلصه من النار {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [ آل عمران: 185] وها قد فاز فما البقاء في الدنيا؟ هو يعمل كل ذلك في الدنيا لهذه اللحظة {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [ المائدة: 27]... فلذلك كانوا أشد اهتمامًا بقبول العمل بعد شدة العمل والاجتهاد فيه , وهذا الحال ينبغي أن يعتري المؤمنين اليوم أن ينظروا ماذا قدموا ليكون هذا العمل لائقا بالمغفرة ثم ينظرون في هذا العمل اللائق بالمغفرة هل قبل أو لا؟ كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : «خَابَ وَخَسِرَ مَنْ أَتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ» ([13]) لم يقبل عمله، ورُدَّ هذا العمل ولم يكن سبب المغفرة. ([1]) رواه الطبراني في الكبير (1990) وأبو يعلى في مسنده (5789) وصححه ابن حبان في صحيحه (410) . ([2]) رواه البخاري (1904) كتاب الصوم ، باب هل يقول إني صائم إذا شتم ، ومسلم (1151) كتاب الصيام ، باب فضل الصيام . ([3]) رواه البخاري (2024) كتاب صلاة التراويح، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، ومسلم (1174) كتاب الاعتكاف، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. ([4]) رواه البخاري (4837) كتاب تفسير القرآن، باب ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. ([5]) رواه البخاري (1901) كتاب الصوم ، باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، ومسلم (760) كتاب صلاة المسافرين ، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح . ([6]) رواه البخاري (2024) كتاب صلاة التراويح، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، ومسلم (1174) كتاب الاعتكاف، باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. ([7]) رواه البخاري (1903) كتاب الصوم ، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم . ([8]) رواه البخاري (1964) كتاب الصوم، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام، ومسلم (1105) كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم. ([9]) رواه البخاري (1963) كتاب الصوم، باب الوصال ومن قال ليس في الليل صيام. ([10]) رواه الإمام أحمد في مسنده (13623) والنسائي (3940) وحسنه ابن حجر في فتح الباري (11/353) وصححه ابن القيم في زاد المعاد (1/45). ([11]) رواه الإمام الترمذي في سننه (3175) في كتاب التفسير ، وابن ماجه في سننه (4198) في كتاب الزهد ، وصححه الإمام ابن العربي في عارضة الأحوذي (6/258) وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي (3175). ([12]) أورد هذا الأثر عن ابن عمر الحافظ في فتح الباري وأقره . ([13]) رواه الطبراني في الكبير (1990) وأبو يعلى في مسنده (5789) وصححه ابن حبان في صحيحه (410) . ________________________________________________________ روابط ذات صلة : __________________________________________________ __________________________________________________ ____________ تنبيه هام : هذه المقالات استخرجها محررو الموقع -بحسب ما أدى إليه فهمهم واجتهادهم - من كتابي فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى "حال المؤمنين في شعبان " , وحال المؤمنين في رمضان , وقد تم التصرف فيها كثيرا لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر الذي يحتويه هذان الكتابان , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحررون وحدهم , وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى ليست له علاقة به , ولا تنس أخي الكريم أن الكتابين أصلهما تفريغ لخطب صوتية , لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليه , والله الموفق ) انتهى النقل |
اخي الكريم جزاك الله خيرا على هدا الجهد القيم في ميزان حسناتك ولو اني لم اقراه بكامله الا ما خص به الدكر في الايام العشر من رمضان تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال واننالى القيام والصيام وجعلنا من المقبولين والفرحين بالعتق من النار
|
| الساعة الآن : 11:33 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour