سلسلة المورد العذب الزلال ...
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. .. سوف ينزل فى كل يوم ان شاءالله سلسله من .. سلسلة المورد العذب الزلال ... اما بعد . قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(49): سؤال يطرح نفسه على العقول ويطلب الإجابة عليه دائماً فما هو هذا السؤال وما هي الإجابة عليه. السؤال هو: لماذا خلق الله الإنسان؟ ما هي الحكمة من خلقه؟ وماهي الغاية التي يسعى إليها، والنهاية التي سيصل إليها؟. والجواب: هذا السؤال قد ضلت في الإجابة عليه العقول وتحيرت فيه الفهوم وتخبطت فيه مدارك الفلاسفة والحكماء والعلماء والعباقرة من ذوي الفهم الثاقب والذكاء الخارق فضلاً عن غوغاء الناس، لا يستثني من ذلك إلا العقول التي استنارت بوحي الله واهتدت بهداه واتبعت رسله فهي التي عرفت الإجابة عن هذا السؤال بالتلقي عن الله وعن رسله، ومن هنا نعلم علم اليقين أن العقل لا يمكن أن ينفرد بعلم العقيدة لأنه علم يرتبط بالغيبيات، والغيبيات إذا نطق فيها العقل بعيداً عن الوحي ضل وتاه وارتبك وتخبط تخبطاً عجيباً وتصور تصوراً غريباً(1)، ذلك لأن العقل ماهو إلا أداة لتصور المعلومات التي تصل إليه من طريق الحواس ومتى تجاوز ما يحيط به في الأرض وقع في متاهات كبيرة وانحدر إلى مزالق خطيرة قال تعالى: {أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}(2). نعم بإمكان العقل أن يستدل من خلال مشاهداته ومسموعاته أن ربه وخالقه ورازقه هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. ذو القدرة العظيمة والحكمة البالغة والعلم الشامل والألطاف الخفية، قال تعالى: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم، إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون. أولم يرو أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون}(3). وإذا علمت أن العقل عاجز عن الاستقلال بمعرفة الحكمة التي من أجلها خلق الإنسان فعليك أن تتعرف على الحكمة التي من أجلها خلق الإنسان من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فقد بين الله تعالى في القرآن الكريم الذي قال عنه منزله جل وعلا{ما فرطنا في الكتاب من شئ}(4) بين حكماً وأحكاماً هي أقل شأناً من هذا الأمر العظيم كيف لا وهو أهم المهمات وأعظم الواجبات إذا فالحكمة التي خلق الله الإنسان من أجلها هي العبادة قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(5)، فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الجن والإنس للعبادة، فالعبادة هي الحكمة التي من أجلها خلقوا ومن أجلها خلق الله السموات والأرض والدنيا والآخرة والجنة والنار ومن أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وسن الأحكام وبين الحلال والحرام ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، قال تعالى:{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}(6) وذلك أن الله خلق عباده وأخرجهم لهذه الدار وأخبرهم أنهم سينتقلون إلى دار أخرى، وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره ونهيه فمن انقاد لأمر الله أحسن الله له الجزاء في الدار الاخرة ومن مال مع شهوات النفس ونبذ أمر الله وارتكب نهيه فله شر الجزاء"(7). فالعباد جميعاً خلقوا للعبادة ولكن لما كان منهم من خلق للعبادة من دون ابتلاء بمضاد كالملائكة، فهذا القسم صارت العبادة سجية لهم لا يريدون غيرها، قال تعالى عنهم: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون}(8) ومنهم من خلق للعبادة مع ابتلاء بمضاد كالجن والإنس الذين جبلوا على خلائق وسجايا تنأى بهم غالباً عن الطاعة وتوقعهم في المعاصي ابتلاء من الله لهم وذلك كالابتلاء بالشهوات، شهوة المطعم وشهوة المشرب، وشهوة المنكح، وشهوة القهر، والتغلب، والاستعلاء، إلى غير ذلك. وكما ابتلاهم بقرناء السوء وبالشبه التي تلقى في قلوبهم الشكوك لأن إيمانهم بالغيب. وفوق ذلك الابتلاء بالشيطان الرجيم ذلك العدو اللدود المتربص الذي مازال منذ أن أخرج أبانا آدم من الجنة حريصاً على إغواء بنيه وإيقاعهم في الكفر والشرك والفسوق والعصيان لذلك كانت العبادة في حقهم ابتلاء واختباراً للدواعي المضادة لها، فمن استجاب لتلك الدواعي والنوازع وأطاع الشيطان كان من الغاوين الذين يستحقون دخول النار كما قال تعالى {قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}(9) وأما من قدم طاعة الله وحرص على رضاه واتبع رسله والتمس حل الشبهات من شرعه واستعمل الشهوة فيما أباح الله فذلك هو المؤمن حقاً الموعود بالدرجات العلى في جنة الفردوس. وأما الغاية التي يسعى لها فهي تختلف باختلاف الناس وثقافاتهم وعقائدهم، فمنهم من عرف ربه وعرف حقه عليه وآمن بلقائه وعلم قدر الدنيا وأنها ما هي إلا معبر ومنفذ ومطية إلى الآخرة فأخذ منها ما يصلحه وتزود منها ما يوصله إلى رضى ربه وجنته، وتلك هي الغاية التي يسعى لها. ومنهم من جهل ذلك ولم يعرف ربه ولم يؤد حقه ولم يؤمن بلقائه؛ بل ظن أن الدنيا وحياتها ولذاتها هي الغاية فسعى لها ورضي بها واطمأن إليها وشمر في جمعها وأفنى عمره في لذاتها، وتلك هي غايته التي يسعى إليها، ولقد تحدث القرآن الكريم عن القسمين وبين حال كل من الفريقين فقال تعالى وهو أصدق القائلين: {إن الذين لا يرجون لقائنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم إن عن آياتنا غافلون، أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}. {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم، دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}(10). قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في تفسير هذه الآيات {إن الذين لا يرجون لقاءنا} أي لا يطمعون بلقاء الله الذي هو أكبر ما طمع في الطامعون، وأعلى ما أمله المؤملون ؛ بل أعرضوا عن ذلك وربما كذبوا به {ورضوا بالحياة الدنيا} بدلاً عن الآخرة {واطمأنوا بها} أي ركنوا إليها وجعلوها غاية أمرهم ونهاية قصدهم فسعوا لها وانكبوا على شهواتها بأي طرق حصلت حصلوها ومن أي وجه لا حت ابتدروها قد صرفوا إراداتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها وكأنها ليست بدار ممر يتزود فيها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون {والذين هم عن آياتنا غافلون} فلا ينتفعون بالآيات القرآنية ولا بالآيات الآفاقية والنفسية. والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة عن المدلول المقصود{أولئك} الذين هذا وصفهم {مأواهم النار} أي مقرهم ومسكنهم التي لا يرحلون عنها {بما كانوا يكسبون} من الكفر والشرك والمعاصي. فلما ذكر عقابهم ذكر ثواب المطيعين فقال {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات }أي جمعوا بين الإيمان والقيام بموجبه ومقتضاه من الأعمال الصالحة المشتملة على أعمال القلوب وأعمال الجوارح على وجه الإخلاص والمتابعة {يهديهم ربهم بإيمانهم} بسبب ما معهم من الإيمان يثيبهم الله أعظم الثواب وهو الهداية فيعلمهم ما ينفعهم ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية ويهديهم للنظر في آياته ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم، ولهذا قال {تجري من تحتهم الأنهار} الجارية على الدوام {في جنات النعيم} أضافها الله إلى النعيم لاشتمالها على النعيم التام، نعيم القلب بالفرح والسرور والبهجة والحبور ورؤية الرحمن وسماع كلامه والاغتباط برضاه وقربه ولقاء الأحبة والإخوان والتمتع بالاجتماع بهم وسماع الأصوات المطربات والنغمات المشجيات والنظرات المفرحات ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب والمناكح ونحو ذلك مما لا تعلمه النفوس ولا خطر ببال أحد أو قدر أن يصفه الواصفون. {دعواهم فيها سبحانك اللهم } أي عبادتهم فيها لله أولها تسبيح وتنزيه له عن النقائص وآخرها تحميد لله، فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء وإنما بقي لهم أكمل اللذات الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب وتفرح به الأرواح وهو لهم بمنزلة النفس من دون كلفة ومشقة، أما تحيتهم فيها فيما بينهم عند التلاقي والتزاور فهو السلام، كلام سالم من اللغو والإثم، وموصوف بأنه سلام{وآخر دعواهم} إذا فرغوا {أن الحمد لله رب العالمين}(11)اهـ وقد تبين من هذا أن المقاصد التي يسعى لها العباد مختلفة بحسب ما في قلوبهم من العلم والجهل والإيمان والكفر والتصديق والتكذيب. فالمؤمن الخالص يسعى للآخرة فقط فهو وإن باشر الدنيا ببدنه وحرص عليها بقلبه فإنه لا يريدها إلا للآخرة كقوله تعالى {ومن آراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً}(12)، والكافر الخالص يسعى للدنيا فقط، لأنه لا يؤمن إلابها ولا يركن إلا إليها قال تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً}(13) والمسلم العاصي بين ذلك وهو لما غلب عليه. وأما النهاية التي سيصل إليها فهي الدار الاخرة، إما في الجنة أبداً، وإما في النار أبداً، قال تعالى {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه، فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً، وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبوراً ويصلى سعيراً}(14). إلى اللقاء في الحلقة القادمة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ (1) إن من يقرأ في كتب الملل والنحل يرى أموراً غريبة وتصورات عجيبة تثير الاستغراب ويستبعد الإنسان أن يصدقها العقل. (2) سورة الأنعام آية: 122 (3) سورة السجدة آية 26ـ27. (4) سورة الأنعام آية 38. (5) سورة الذاريات آية: 56. (6) سورة الملك آية: 2. (7) تفسير السعدي (7/429) بتصرف. (8) سورة الأنبياء آية: 26،27،28 (9) سورة ص الآيات: 84،85. (10) سورة يونس الآيات: 7،8،9،10 (11) (3/328ـ332) من تفسير السعدي. (12) سورة الإسراء آية: 19. (13) سورة الإسراء: آية 18. (14) سورة الإنشقاق الآيات من 6ـ12. |
جزاك الله خيرا اخي
ويسعدني ان اكون متابعة دائما بارك الله فيك |
سلسلة المورد العذب الزلال(2) بيان العبادة التي أوجد الله الجن والإنس من أجلها
سلسلة المورد العذب الزلال(2) بيان العبادة التي أوجد الله الجن والإنس من أجلها بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(57): أما العبادة التي من أجلها خلق الله العباد فقد بينها الله عز وجل في القرآن الكريم الكريم وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن بيان. وهي مجموعة التكاليف الشرعية التي كلف الله بها عباده، سواء كان ذلك فيما يجب له عليهم أو فيما يجب لبعضهم على بعض أو فيما يجب عليهم أن يفعلوه في أنفسهم كإعفاء اللحية وقص الشارب وتحريم الإسبال وتحريم أكل الربا وأكل الميتة وتحريم شرب الخمر وما أشبه ذلك. وقد عرّف بعض أهل العلم العبادة فقال: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. وقال بعضهم: العبادة: عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه. وقال بعضهم: هي الطاعة. والتعبد: التنسك. وأصل العبادة الخضوع والتذلل مع محبة وتعظيم، ولا تكون العبادة عبادة حتى تكون خالصة لله، فإن شابها شئ من الشرك كانت مردودة على صاحبها، وباطلة من أصلها، لأنها حينئذ لا تسمى عبادة شرعية وبهذا تعلم أن العبادة لا تسمى عبادة شرعية إلا مع التوحيد، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)(1) ثم اعلم أن من العبادة ما جاء مجملاً في القرآن وبينته السنة كالصلاة والزكاة، فالسنة بينت أوقات الصلاة وعددها وركوعها وسجودها، وذكر كل من القيام والقعود والركوع والسجود والاعتدال والتحريم والتحليل والفرض والنفل. والزكاة، قد بينت السنة أنصبائها ومقاديرها وأجناس ما تجب فيه ومتى يجب وكيف يجب. ومنها ما بينه القرآن أعظم بيان كالتوحيد، فقد بين القرآن قضية التوحيد أعظم بيان فالأدلة على إثبات ألوهية الله وكمال قدرته وذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا المقتضية لتفرده بالكمال دون سواه وضعف الآلهة المعبودة وعجزها إلى غير ذلك كلها أدلة على التوحيد. ومن أنواع العبادة ما بينته السنة، ولم يذكر في القرآن كقوله صلى الله عليه وسلم ( ألا لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها ربها، وأيما رجل ضاف قوماً فلم يقروه فإن له أن يعقبهم بمثل قراه)(2) وبالجملة فإن أنواع العبادة منها ما بينه القرآن ومنها ما ذكره القرآن مجملاً وبينته السنة ومنها ما بينته السنة، فلا يجوز أن نأخذ العبادة من القرآن وحده ولا من السنة وحدها. فمن أخذ بالقرآن وحده دون السنة كالخوارج ضل، ومن أخذ بالقرآن ومتواتر السنة، وترك آحادها، أو حكم العقل فيها كالمعتزلة ضل، ومذهب أهل السنة والجماعة الأخذ بكتاب الله وبصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كانت متواترة أو آحاداً، لما كانت العبادة هي مجموعة الأوامر والنواهي من واجباتومندوبات ومحرمات ومكروهات ومباحات كانت لا بد أن تكون مرتبطة بالاستطاعةوبالأخص فعل الأوامر، فالله تعالى يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم}(3)ويقول {لايكلف الله نفساً إلا وسعها}(4) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمران بن حصين: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب)(5) أما التروك وهي المنهيات فلكون الترك لا يشق لذلك فإنه يجب على المسلم أن يجتنبها جميعاً كما جاء في الحديث الصحيح (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)(6) ــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه مسلم في الزهد رقم (2406،2407) عن أبي هريرة. (2) صحيح سنن أبي داود (3229 ) (3) سورة التغابن آية: 16. (4) سورة البقرة الآية : 286. (5)) أخرجه البخاري، باب: إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب من آخر تقصير الصلاة. رقم (1117)، وأبو داود، باب: صلاة القاعد.رقم الحديث(952) (6) خرجه البخاري في الاعتصام باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسلم (1337) في الحج. باب: فرض الحج مرة، والترمذي في العلم باب: الانتهاء عما نهى النبي صلى الله عليه وسلم والنسائي في الحج. باب: وجوب الحج مرة. |
:_11: بارك الله فيك أخي الكريم :_11: ووضع موضوعك في ميزان حسناتك ونحن ننتظر كل جديد منك اخي الفاضل |
جزاك الله كل خير اخى الطيب
وان شاءالله نتابع كل جديد منك |
سلسلة المورد العذب الزلال(3)الرسل هم الأدلاء على ا الله عزوجل
سلسلة المورد العذب الزلال(3)الرسل هم الأدلاء على ا الله عزوجل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(61): خلق الله آدم في الجنة من قبضة قبضها من الأرض وخلق منه زوجه حواء، وأباح له الأكل من جميع أشجار الجنة إلا شجرة واحدة نهاه عنها وحذره من أكلها ولكن لم يكن عدوه إبليس ليتركه وقد لعن وطرد من الجنة بسببه فدلاه بغرور، وأقسم له إنه له لمن الناصحين وزعم أن من أكل من الشجرة التي نهاه عنها ربه يخلد فلا يموت ويكون ملكاً، فانساق بالطمع في الخلد وأكلا من تلك الشجرة هو وزوجته فبدت لهما سوآتهما، وعلما أنهما قد عصيا ربهما، فندما وتابا، فتاب الله عليهما، وأهبطهما إلى الأرض كما قد أهبط إبليس قبلهما ليتم الابتلاء على هذه الأرض بعد أن أراهما عداوة إبليس وحرصه على إهلاكهما حين قال {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}(1) قال تعالى {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم، قلنا اهبطوا منها جميعاً، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(2). وقال تعالى: {قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى}(3). قال ابن كثير في تفسير آيات البقرة: "يقول تعالى مخبراً عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حين أهبطهم من الجنة والمراد الذرية أنه سينزل الكتب ويبعث الأنبياء والرسل كما قال أبو العالية ((الهدى الأنبياء، والرسل والبينات البيان)) وقال مقاتل: ((الهدى: محمد صلى الله عليه وسلم)) وقال الحسن: ((الهدى: القرآن)) وهذان قولان صحيحان، وقول أبو العالية أعم. {فمن اتبع هداي} أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل {فلا خوف عليهم} فيما يستقبلونه من أمر الآخرة {ولا هم يحزنون} على ما فاتهم من أمور الدنيا كما قال في سورة طه {قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}. قال ابن عباس: "فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} كما قال هاهنا {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون} أي مخلدون فيها لا محيد لهم عنها ولا محيص"(4). فإن قيل كيف جاء الخطاب في سورة البقرة اهبطوا وفي سورة طه بضمير التثنية اهبطا فالجواب الخطاب في سورة البقرة لآدم وحواء وإبليس وفي سورة طه لآدم وإبليس فقط. وقال في ((صفوة الآثار والمفاهيم)) (5)معلقاً على هذه الآيات في سورة البقرة، {قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وأعظم الاعتبارات في هذه الدور هو أن الإنسان سيد هذه الأرض ومن أجله خلق الله كل شئ فيها وهو إذا أحسن التصرف في الخلافة الإلآهية باتباعه وحي الله فهو أعز وأكبر وأغلى عند الله من جميع الدنيا وما فيها وقيمته عند الله أعظم فلا يجوز له أن يستعبد نفسه ويستذلها لغاية مادية أو رغبة في شهوة حيوانية يخون بها عهد الله أولاً، وينزل بها إلى غاية السقوط وهو لا يشعر لما ران على قلبه من ظلمات المادة والشهوة والهوى فدوره في هذه الأرض دور القيادة والتوجيه التي يستلهم أنظمتها من السماء لا مصدر آخر في الأرض كما قال تعالى { فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}" وقال تعالى: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(6). فأخبر في هاتين الآيتين أنه سيرسل رسلاً من بني آدم وأن من آمن بهؤلاء الرسل نجا من العذاب ومن كذبهم واستكبر عن قبول ما جاءوا به فسيعذبه الله في نار جهنم يبقى فيها خالداً مخلداً، وفي كتاب الإمارة من صحيح مسلم عن زيد بن وهب عن عبدالرحمن بن عبدرب الكعبة قال دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم:الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم،وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجئ فتنة فيرقق بعضها بعضاً، وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجئ الفتنة فيقول المؤمن هذه.. هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر... الحديث). والشاهد منه قوله (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم) (7) . وفي كتاب الاعتصام من صحيح البخاري (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: ومن يأبى يارسول الله؟ قال من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). وفي مستدرك للحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً (لتدخلن الجنة إلا من أبى وشرد على الله كشراد البعير) (8) . وفيه أيضاً من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بنحوه بلفظ كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله) وسكت عنه الحاكم والذهبي إلا أن الحاكم اعتبره شاهداً للحديث قبله. ولما كانت العقول قاصرة عن معرفة مصالحها الدنيوية والأخروية الحاضرة منها والمستقبلة وإن عرفت شيئاً من الأمور الحاضرة فهي لا تعرف عاقبته، ومعرفة ذلك إلى الله وحده، قال تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}(9) والمهم أن العقول وإن زعمت أنها تعرف شيئاً من مصالحها الدنيوية فهي لا تعلم عاقبته، أما المصالح الأخروية والمتوقعة في الدنيا فهي لا تعلم عنها شيئاً لذلك فإن الله من رحمته بعباده أرسل رسلاً يرشدونهم إلى المصالح الحاضرة والمستقبلة في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة وينذرونهم من العواقب الوخيمة والمضار الحاضرة والمستقبلة في الدنيا والبرزخ وفي الآخرة، فمن أطاع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أحرز مصالح الدنيا والآخرة ودفع عن نفسه مضار الدنيا والآخرة، قال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.(10) ـــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة ص . الآيات :82-83 (2) سورة البقرة . الآيات : 25ـ28. (3) سورة طه . الآيات: 123 ـ 127. (4) تفسير ابن كثير (1/82). (5) للشيخ عبدالرحمن الدوسري (2/95). (6) سورة الأعراف. الآيات 35_36 (7) صحيح مسلم كتاب الإمارة، باب رقم (10) الحديث رقم (1844). (8) المستدرك كتاب الإيمان (ص 54). (9) سورة البقرة . آية 216 (10) سورة العصر نلتقى ثانيه ان شاءالله |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلا وسهلا فيك وحياك الله في بيتك الثاني ملتقي الشفاء اخي الغالي والغامض سياسي جريح من اول وهنة حضر وجودك وعرفة الجميع من موضوعك هذا الرااائع اشكرك على حسن نقلك الطيب وختيارك الموفق وجزاك الله خير على جهودك الطيبة واعانك الله على تجميع هذه السلسلة ووفقك الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |
سلسلة المورد العذب الزلال(4) في ضمانة ا لنجاة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(67): أما السبب الأعظم والضمان الأقوى للنجاة من عذاب الله والفوز بجنته فهو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والاستجابة لأمرهما فعلاً وكفا، وتصديق خبرهما والإيمان بوعدهما ووعيدهما قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً}(1). وقال تعالى بعد أن بين المواريث في آيتين فقال {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم،ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}(2). وقال تعالى {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}(3). والآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسله والمبينة لثواب المطيعين لله ولرسله وعقاب العاصين لله ولرسله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. وبالجملة فما فاز من فاز ونجا من نجا ونال الدرجات العلى إلا بطاعة الله وطاعة رسله، وما هلك من هلك، وعذب من عذب، إلا بتكذيب الرسل وعصيانهم والتمرد عليهم. قال تعالى: {ولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ، وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بعداً لعاد قوم هود}(4). وقال تعالى {فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعداً لثمود}(5). وقال تعالى: {ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود}(6). وقال تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود،وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود، ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد}(7). وقال تعالى في سورة العنكبوت بعد أن قص عز وجل عن نوح وإبراهيم ولوطاً وشعيباً قال: {وعاداً وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين، فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}(8). فما قص الله عز وجل نبأ هذه الأمم وصور إهلاكهم وبين السبب في ذلك وأنه تكذيبهم لرسلهم وعصيانهم لهم وتمردهم عليهم إلا ليتعظ بهم من بعدهم ممن تبلغهم هذه الأخبار ويعلمون أن الخير في طاعة الله ورسوله وأن الشر كله في معصية الله ورسوله وأن الدرجات العلى في الجنة لا تنال إلا بذلك ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يارسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى. والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)(9). فهذه هي ضمانة النجاة وهذا هو سبيل الفوز، وهذا هو طريق الفلاح اتباع لما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه من غير التفات ولاتأرجح ولا استحسان للبدع ولا أخذ بما قال فلان أو فلان، قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}(10).وقال أيضاً: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم}(11). وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلكم يدخل الجنة إلا من أبى. قالوا:ومن يأبى يا رسول الله؟قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)(12) فإياك أن تكون ممن قال الله فيهم {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً }(13). فقول النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه مقدم على رأي إمام المذهب ورئيس الحزب، وشيخ الطريقة وغيرهم، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}(14). وكان سبب نزول هذه الآيات أنه لما جاء وفد تميم قال أبو بكر رضي الله عنه أَمِر فلاناً، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر فلاناً فتراجعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتىارتفعت أصواتهما، فأنزل الله آيات من أول سورة الحجرات يؤدب بها عباده أن يتقدموا بين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم أو يقدموا غيره عليه. لنا لقاء ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)سورة النساء الآية 69 والآية 70. (2) سورة النساء الآيتان: 13، 14. (3) سورة النور الآية: 52. (4) سورة هود الآيتان: 58 ـ 59. (5) سورة هود الآيات: 66 ـ 67 ـ 68. (6) سورة هود الآيتان: 94 ـ 95. (7) سورة هود الآيات 96ـ100. (8) سورة العنكبوت الآيات: 38 ـ40. (9) رواه البخاري في بدء الخلق، باب: صفة الجنة، ومسلم في صفة الجنة، باب: ترائي أهل الجنة أهل الغرف، وعن سهل بن سعد وأبي هريرة مثله. (10) سورة الأنعام آية 153. (11) سورة فصلت الآيات: 30 ـ 33. (12 ) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. (13) سورة الفرقان الآيات: 27 ـ 29. (14) سورة الحجرات آية: 1. |
سلسلة المورد العذب الزلال(5)بيان منهج الرسل في دعوتهم إلى الله عزوجل (الجزء الأول)
سلسلة المورد العذب الزلال(5)بيان منهج الرسل في دعوتهم إلى الله عزوجل (الجزء الأول) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(73): لقد بين الله عزوجل منهج الرسل في دعواتهم بينه في القرآن الكريم أحسن بيان وأوضحه فبين أنهم أول ما يبدؤون به ثلاثة أمور هي أسس العقيدة وهي: ـ أولاً: التوحيد وهو إعطاء العبودية لله الواحد الأحد دون من سواه من الآلهة المصطنعة التي يتخذها الناس ويصرفون لها الدينونة والعبودية معتقدين أنها تنفع وتضر وتمنع وتعطي وتعز وتذل. الأساس الثاني: المعاد وهو الإيمان باليوم الآخر وما يحتوي عليه من حساب وجزاء وجنة ونار وأنواع نعيم الجنة وأنواع عذاب النار. الأساس الثالث: الإيمان بالرسالات السماوية وأن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم هم الأدلاء على الله والمرشدون إلى سبيله لا ما خلفه الآباء ولا ما قررته الأعراف ودانت له المجتمعات، والأدلة على أن الرسل أول ما يبدؤون في دعواتهم بهذه الأمور الثلاثة، ما قصه الله عزوجل علينا في السور المكية من الحوار الذي جرى بين الرسل وأممهم وتقرير القرآن لهذه الأسس والاستدلال عليها بأنواع من الأدلة العقلية والكونية وغير ذلك. فمن الأدلة على الاساس الأول ومعالجة القرآن له وتقريره إياه وإنكاره على المشركين اتخاذ الآلهة المصطنعة التي لا تستطيع أن تنفع أحداً أو تضره وهي كثيرة منها قوله تعالى {واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ونشوراً}(1). وقال أيضاً: {وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيراً}(2). وقال في سور الحج: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز}(3). وقال تعالى في سورة فاطر: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}(4). وقال تعالى: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم، وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}(5). وكما قرر الله عزوجل عجز الآلهة التي يدعوها المشركون وضعفها وعدم قدرتها على شئ، وإن قل من نفع من يدعوهم أو ضره وأنهم لا يملكون شيئاً وإن قل حتى القطمير والفتيل والنقير. قرر أيضاً أن الرسل ما كلفوا أن يبدؤوا بشئ غير الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك، قال تعالى: {لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين، قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} (6). وقال عن هود عليه السلام: {وإلى عاد أخاهم هوداً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون، قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين، قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين } إلى أن قال {قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد أباؤنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين، فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين}(7). وقال تعالى عن صالح: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم...} إلى أن قال {فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين، فتولى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}(8). وكذلك قال عن إبراهيم عليه السلام: {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}(9). وكذلك قال عن شعيب: {وإلى مدين أخاهم شعيباً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين} إلى أن قال: {فأخذتهم الرجفة فاصبحوا في دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها، الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف ءآسى على قوم كافرين}(10) وقال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم{قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين، هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدّكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون، هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون}(11). وقال تعالى في سورة الزمر {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين، قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين، لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}(12). وقال عن عيسى عليه السلام: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}(13) وقال عن هارون عليه السلام أنه قال لقومه لما عبدوا العجل: {ياقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري، قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}(14) وقال عن موسى عليه السلام أنه قال للسامري الذي أخرج لهم العجل الذي عبدوه {قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعداً لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علماً}(15). وبالجملة فما بعث الله نبياً ولا رسولاً إلا كان التوحيد أول ما يأمر به ويدعوا إليه قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}(16) وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة}(17). وقال تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ؛ بل الله فاعبد وكن من الشاكرين وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}(18). ولما ذكر الله الأنبياء في سورة الأنعام قال بعد ذلك {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}(19) وان شاءالله نكمل المره المقبله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ( 1) سورة الفرقان. الآية: 3. (2 ) سورة الفرقان الآية: 54 ـ 55. ( 3) سورة الحج الآية: 73ـ74. ( 4) سورة فاطر آية 13 ـ14. (5 ) سورة العنكبوت الايات: 41ـ42ـ43. (6 ) سورةالأعراف آية: 59 ـ 62. (7 ) سورة الأعراف آية: 65 ـ72. ( 8) سورة الآعراف من آية: 73 والآيتين: 77 ـ 78. ( 9) سورة الأنعام آية: 74 ـ 75 ( 10) سورة الأعراف الآيات: 85ـ91ـ92-93. ( 11) سورة غافر الآيات: 66 ـ67 ـ68. ( 12) سورة الزمر من الآية: 11 ـ إلى نهاية 18. ( 13) سورة المائدة آية: 72. (14 ) سورة طه آية: 90ـ91 ( 15) سورة طه آية 97ـ98. (16 ) سورة الأنبياء آية: 25. (17 ) سورة النحل آية 36. (18 ) سورة الزمر آية: 65ـ66ـ67. (19 ) سورة الأنعام آية: 88. |
سلسلة المورد العذب الزلال(5) بيان منهج الرسل في دعوتهم إلى الله عز وجل (الجزء الثاني)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(79): وأما الأدلة من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك بالله تعالى ففي كتب السنة والسيرة النبوية عشرات النصوص التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أول ما بدأ بمحاربة الأوثان وكسرها وهدمها وبيان عجزها وضعفها عن نصرة من عبدها وألهها، وأنا ذاكر منها ما تيسر في هذه العجالة ليعلم منها سوء صنيع من بنى دعوته علىغير هذا الأساس وغض الطرف عمن ناقضه وهدمه ممن تصدوا للدعوة في هذا الزمان زاعمين أن ذلك لا يخرجهم من حضيرة الإسلام ما داموا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ناسين ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من النصوص التي لا تحصى والتي تنادي على عملهم بالبوار وعلى صنيعهم بالخسار، حيث هدموا من الإسلام الركن الأعظم وضلوا في دعوتهم عن الطريق الأقوم فإنا لله وإنا إليه راجعون. فمنها حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه. كتاب صلاة المسافرين. عن ابي أمامة قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: (كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شئ وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل في مكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخيفاً جرءاء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت: ما أنت: قال أنا نبي. فقلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله. فقلت بأي شئ أرسلك قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله ولا يشرك به شئ. قلت له: فمن معك على هذا: قال حر وعبد ـ قال ومعه يو مئذ أبو بكر وبلال ممن آمن معه ـ فقلت ـ إني متبعك. قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا. الا ترى حالي وحال الناس، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني...)(1)الحديث. والشاهد في هذا الحديث قوله: (أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شئ) فأي دعوة لا تقوم على هذا الأساس فهي دعوة باطلة اتخذت طريقاً غير طريق الرسل وسبيلاً غير سبيلهم والله تعالى يقول: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}(2). والبصيرة هي العلم بدعوة الرسل، والأسس التي قامت عليها والسير على نهجها كما فعل الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في دعوته وكما فعل شيخنا عبدالله بن محمد القرعاوي في دعوته، الدليل الثاني أو المثال الثاني: الطفيل بن عمرو الدوسي وقد ذكر قصته ابن إسحاق عن إبراهيم عن عثمان بن الحويرث عن صالح بن كيسان أن الطفيل بن عمرو، وهذا الإسناد منقطع ورواه ابن عبدالبر في الإستيعاب مختصراً من طريق الكلبي وهو ضعيف وذكر الذهبي في ترجمة الطفيل بن عمرو أن يحيى بن سعيد الأموي أخرجه في مغازيه من طريق الكلبي عن أبي صالح أن الطفيل وهذا السند أيضاً ضعيف لضعف الكلبي وشيخه أبي صالح باذان، ولبعض هذه القصة شواهد في الصحيحين ومسند الإمام أحمد وقد ذكر هذه الرواية الإمام النقاد الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء، ولم يردها بل ذكرها مقراً لها وكذلك ايضاً ذكرها ابن كثير في ترجمة الطفيل بن عمرو، والقصة هي: أن الطفيل بن عمرو قال: كنت رجلاً شاعراً سيداً في قومي، فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات من قريش فقالوا إنك امرؤ شاعر سيد وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا فإنه يفرق بين المرء وأخيه وبين المرء وزوجته وبين المرء وابنه فو الله مازالوا يحدثوني شأنه وينهوني أن أسمع منه، حتى قلت والله لا أدخل إلى المسجد إلا وأنا ساد أذني، قال فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفاً، ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائم في المسجد فقمت قريباً منه فأبى الله إلا أن يسمعنى بعض قوله، فقلت في نفسي: والله إن هذا للعجز وإني امرؤ ثبت ما تخفى علي الأمور حسنها من قبيحها، والله لأسمعن منه، فإن كان امره رشداً أخذت منه وإلا اجتنبته فنزعت الكرسفة فلم أسمع قط كلاماً أحسن من كلام يتكلم به، فقلت يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن ولا أجمل منه فلما انصرف تبعته فدخلت معه بيته فقلت: يا محمد: إن قومك جاوءني فقالوا لي كذا وكذا فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق فاعرض علي دينك، فعرض على الإسلام فأسلمت ثم قلت: إني أرجع إلى دوس وأنا فيهم مطاع وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم فادع الله أن يجعل لي آية فقال: اللهم اجعل له آية تعينه، فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي وأبي هناك شيخ كبير وامرأتي وولدي فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نوراً كالشهاب يتراءاه الحاضر في ظلمة اليل وأنا منهبط من الثنية فقلت: اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول فوقع في رأس سوطي فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق قال فأتاني أبي فقلت له: إليك عني فلست منك ولست مني. قال: وما ذاك قلت إني أسلمت واتبعت دين محمد. قال: أي بني ديني دينك، وكذلك أمي فأسلما ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبت علي وتعاصت ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت غلب على دوس الزنىوالربا فادع الله عليهم فقال: اللهم اهد دوساً، ثم رجعت إليهم وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام حتى استجاب منهم من استجاب، وسبقني بدر وأحد والخندق ثم قدمت بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس فكنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح مكة. فقلت: يارسول الله ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه قال أجل. فاخرج إليه فأتيت فجعلت أوقد عليه النار، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمت معه حتى قبض ثم خرجت إلى بعث مسيلمة ومعي ابني عمرو حتى إذا كنت ببعض الطريق رأيت رؤيا رأيت كأن رأسي حلق وخرج من فمي طائر وكأن امرأة أدخلتني في فرجها وكأن ابني يطلبني طلباً حثيثاً فحيل بيني وبينه فحدثت بها قومي فقالوا خيراً، فقلت: أما أنا فقد أولتها. أما حلق رأسي فقطعه، وأما الطائر فروحي والمرأة الأرض أدفن فيها فقد روعت أن أقتل شهيداً، وأما طلب ابني إياي فما أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة ولا أراه يلحق في سفره هذا قال فقتل الطفيل يوم اليمامة وجرح ابنه ثم قتل يوم اليرموك" اهـ(3). ومنها قصة بلال وأنه كان يعذب ويقال له إلهك اللات والعزى فيقول أحد أحد فبلغ أبا بكر فأتاهم فقال علام تقتلونه فإنه غير مطيعكم. قالوا: اشتره. فاشتراه بسبع أواق فأعتقه(4). ومنها قصة عمرو بن الجموح وهو أنه لما فشا الإسلام في الأنصار بعد قدوم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إليهم فأسلم شباب من الأنصار ومنهم معاذ بن جبل ومعاذ بن عمرو بن الجموح وكان عمرو بن الجموح شيخاً كبيراً باقياً على دينه فتركوه حتى نام وأخذوا صنمه وألقوه في حفرة العذرة فذهب يبحث عنه فلما أصبح افتقده فذهب يبحث عنه فوجده في حفرة العذرة فأخذه وغسله وطيبه ورده في مكانه، وفي الليلة الثانية أخذوه وألقوه في حفرة العذرة، فوجده ملطخاً بالقذر فغسله وطيبه ورده في مكانه، ثم علق السيف فيه وقال له: لو أعلم الذي صنع بك هذا لفعلت وفعلت، ولكن هذا السيف فإذا أراد أحد أن يأخذك فقاتله فتركوه حتى نام فأخذوه فقرنوه بجيفة كلب ثم ألقوه في حفرة القذر فلما رآه قال: والله لو كــــــنت إلهاً لم تكن أنت وكلب وسط بئر في قرن أف لملـــــقاك إلهاً مـــــستدن الآن فــتشناك عن سوء الـغبن الحمد لله الــــــعلي ذي المنن الواهب الــرزاق ديـان الـدين هو الذي أنقذني من قــبل أن أكون في ظلـــــمة قبر مرتهن(5). وبالجملة فإن عشرات النصوص بل مئات النصوص موجودة في بطون الكتب من تفسير وحديث وسير تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبدأ في دعوته بغير التوحيد ومحاربة الشرك والنصوص الدالة على ذلك من الكتاب والسنة أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر فأيما داع دعا قوماً إلى الله فبدأ بغير التوحيد مع أن الشرك فيهم فاش والأضرحة التي هي بمنزلة اللات والعزى لديهم موجودة والناس لها قاصدون وعليها مترددون بها يتطوفون ويتمسحون وبأسماء أصحابها في الصباح والمساء يهتفون ويلهجون ولهم من دون الله يدعون وإليهم عند الشدائد يفزعون ويلجؤن، ولتلك الأضرحة ينذرون، وعلى اسمائهم يذبحون، معتقدين أنهم يعطون ويمنعون ويغنون إذا شاؤا ويفقرون، إن من دعا قوماً هذه حالهم فسكت عن شركهم سكوت المقر ودعا إلى غير التوحيد الذي هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله فإنه قد خالف الرسل كلهم من أولهم نوح عليه السلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم واتخذ سبيلاً غير سبيلهم ومنهجاً غير منهجهم ؛ بل قد خالف قول الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}(2). وأولى به أن يوفر على نفسه الجهد والعناء لأن كل ما كان على غير منهج الرسل فهو مردود غير مقبول. قال صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)(6). لنا لقاء ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) رواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب إسلام عمرو بن عبسة رقم الحديث(832). (2) سورة يوسف آية: 108. (3) سير أعلام النبلاء (1/344). (4) سير أعلام النبلاء عن هشام بن عروة عن ابن سيرين (1/353). (5) البداية والنهاية لابن كثير (3/163) بمعنى القصة ولفظ الشعر. (6) لعل قائلاً يقول: إن الداعي المشار إليه قد حارب الحكم بغير ما أنزل الله وهو من شرك التحكيم؟ فالجواب: أولاً: أن هذا خلاف طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، فقد تقدم لنا أنه ما من نبي يبعث إلى قومه إلا ويدعوا قومه أول ما يدعوهم إلى عبادة الله وحده. ثانياً: أنه ما من نبي يبعث إلى قوم إلا وعند قومه من العادات والأعراف التي يتحاكمون إليها ويرضون بحكمها ويسيرون أمورهم عليها ما عندهم ولم يؤمر أحد من الرسل أن يزيل تلك الأعراف ويترك الأوثان التي يعبدونها من دون الله ؛ بل أمروا بالدعوة إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأوثان والأنداد سواء كانت قبوراً أو أصناماً أو أشخاصاً أو غير ذلك. قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} وقال: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشئ عجاب}. ثالثاً: أن تحكيم القوانين والأعراف والعوائد هي نوع واحد من أنواع الشرك ولم يأمر الله عزوجل بأن تخصص الدعوة والإنكار لهذا النوع دون غيره من أنواع الشرك بالله التي هي أشد خطراً منه وأكثر شيوعاً منه. |
سلسلة المورد العذب الزلال(5)بيان منهج الرسل في دعوتهم إلى الله عز وجل (الجزء الثالث)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(86) : أما الأساس الثاني: وهو تقرير المعاد فقد قرره بطرق متعددة وأساليب مختلفة فتارة يذكر الله عز وجل إنكار الكفار للمعاد ثم يرد عليهم مثبتاً للمعاد ومؤكداً له بالقسم وغيره من المؤكدات كقوله تعالى {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا، قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير}(1). وقوله: {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم}(2). وتارة ببيان القدرة على ما هو أعظم كقوله تعالى {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيئ قليلاً ما تتذكرون إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}(3). وتارة بالتنبيه على الخلق الأول وأنه أصعب من الإعادة كقوله تعالى: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه، قال من يحي العظام وهي رميم، قل يحييها الذين أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}(4). وقوله تعالى:{وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم }(5) وقوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه}(6). وتارة ينبه الله عليه بإحياء الأرض بعد موتها المشاهد للناس في كل مكان وفي كل زمان كما قال تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتي إنه على كل شئ قدير}(7). وكقوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون}(8) إلى غير ذلك من الأساليب التي أثبت الله عز و جل فيها البعث بعد الموت ورد على المنكرين له بل وتحداهم أن يكونوا أصعب شئ وأصلبه فقال: {قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً{ (9) أما الأساس الثالث وهو الإيمان بالرسالات السماوية وتكفير من أنكرها وإقامة الحجج عليهم ففي القرآن عامة وفي السور المكية خاصة من ذلك الشيء الكثير ودائماً يقرن الله الإيمان برسوله بالإيمان به تعالى ويرتب على ذلك النجاة من النار والفوز بالجنة و حتى الإيمان إذا أطلق في بعض المواضع فإنما يراد به الإيمان بالله ورسوله كقوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} (10) الآيات. ولقد جاء إثبات الرسالات في القرآن الكريم بأساليب متعددة وطرق متنوعة فتارة بترتيب الفوز على طاعة الله وطاعة رسوله كقوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}(11). وكقوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}( 12). وتارة بالإخبار عمن أطاع الله وأطاع رسوله أنهم مع أحسن رفيق كقوله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً}( 13). وتارة بالإخبار بأن طاعة الله ورسوله موجبة لدخول الجنة كقوله تعالى {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار}(14). وتارة بالأمر بالإيمان بالله ورسوله كقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله}(15). وتارة بالاستجابة لدعوتهما لأن الله ورسوله لا يدعوان إلا إلى ما فيه حياة المؤمنين كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}(16). وتارة بالإخبار أن اتباعه هو الموجب لمحبة الله كقوله تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}(17). وتارة بالإخبار أن المنازل العالية في الجنة لمن آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه قال: (إن أهل الجنة ليتراءون أصحاب الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق الشرقي أو الغربي قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم، فقال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)(18). وتارة بالإخبار أن معصية الله والرسول موجبة للنار قال تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها}(19). وتارة بالإخبار أن سبب إهلاك الأمم عصيانهم لرسلهم وعداوتهم لهم كقوله تعالى {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}(20). وقال عن فرعون: { فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً، وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً}(21). وقال: { كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب}(22). بل قد جعل الله عزوجل من عصى رسولاً واحداً كمن عصى جميع الرسل قال تعالى {وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد واتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بعداً لعاد قوم هود}(23). لنا لقاء ان شاءالله ـــــــــــــــــ (1) سورة التغابن آية: 7. (2) سورة سبأ الآيات: 2ـ4. (3) سورة غافر الآيات: 57 ـ 59. (4) سورة يس الآيات: 77ـ 79. (5) سورة الروم آية 27. (6) سورة القيامة الآيتان: 3ـ4. (7) سورة فصلت آية: 39. (8) سورة الأعراف آية: 57. (9) سورة الإسراء الآيات: 50 ـ 52. (10) سورة المؤمنون الآيات: 1ـ3. (11) سورة النور آية: 52. (12) سورة الأحزاب آية: 71. (13) سورة النساء: 69. (14) سورة النساء آية: 13. (15) سورة النساء آية: 136. (16) سورة الأنفال آية: 24. (17) سورة آل عمران آية: 31. (18) رواه البخاري في بدء الخلق، باب: صفة الجنة، ومسلم في صفة الجنة، باب: ترائي أهل الجنة أهل الغرف، وعن سهل بن سعد وأبي هريرة مثله. (19) سورة النساء آية: 14. (20) سورة إبراهيم الآيتان: 13 ـ 14. (21) سورة الإسراء الآيتان: 103 ـ 104. (22) سورة غافر آية: 5. (23) سورة هود الآيتان: 59 ـ60. |
|
سلسلة المورد العذب الزلال(7) الحزبية ليست من منهج الأنبياء بل هي بدعة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(95): لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والجزيرة العربية تموج بالقوميات والعصبيات فكل قبيلة تقدم ولاءها وتحصر انتماءها وتخص بنصرتها أفراد تلك القبيلة، حتى قال قائلهم: وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد يؤيد بعضهم بعضاً على ما يريد سواء كان حقاً أو باطلاً وينصر بعضهم بعضاً فيما يهوى سواء كان محقاً أو مبطلاً. فلما جاء الإسلام أمر بالوحدة والالتئام ومنع التفرق والانقسام لأن التفرق والانقسام يؤدي إلى التصدع والانفصام لذلك فهو يرفض التحزب والانشطار في قلب الأمة المحمدية الواحدة التي تدين لربها بالوحدانية ولنبيها بالمتابعة شأنها شأن الأمم الماضية في الرسالات السابقة، فقد اتفقت الرسالات السابقة جميعاً على توحيد الله الذي خلق هذا الكون وهو المالك له والمتصرف فيه وعلى الدعوة إلى وحدة الأمة في عقيدتها وعبادتها ومنهجها ووحدة المصدر الذي تتلقى عنه وهو الرسول الذي تتبعه، والدليل على ذلك قول الله جل وعلا { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب، وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب، فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم}(1). أي إلى توحيد الله ووحدة الأمة، فادع فهو الدين الحق الذي شرعه الله عز وجل لصفوة الصفوة وهم أولوا العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وما أوحينا إليك يا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. قال ابن كثير في شرح هذه الآيات من سورة الشورى: ((يقول تعالى لهذه الأمة {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك} فذكر أول الرسل بعد آدم عليه السلام وهو نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ثم ذكر بين ذلك من بقي من أولي العزم وهم إبراهيم وموسى وعيسى بن مريم صلى الله عليهم وسلم، وهذه الآية انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت عليهم في آية الأحزاب في قوله تبارك وتعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى عيسى بن مريم} والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وفي الحديث: (نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد) أي القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم كقوله جل جلاله {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} ولهذا قال هاهنا: {أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } أي وصى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة ونهاهم عن الافتراق والاختلاف))اهـ(2) وقال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في تفسير هذه الآية: (({أن أقيموا الدين} أي آمركم أن تقيموا شرائع الدين أصوله وفروعه تقيمونه بأنفسكم وتجتهدون في إقامته على غيركم وتتعاونون على البر والتقوى ولا تعاونون على الإثم والعدوان {ولا تتفرقوا فيه} أي ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزاباً وشيعاً يعادي بعضكم بعضاً مع اتفاقكم في أصل دينكم)) اهـ(3). ومن هذا تعلم أن هذين الأصلين اتفقت عليهما الشرائع وأمر بهما جميع الرسل من لدن أولهم نوح عليه الصلاة والسلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وهذان الأصلان هما: ـ أولاً: توحيد الله عز وجل وهو إفراده بالعبادة دون سواه. ثانياً: الحرص على وحدة الأمة وعدم التفرق في الدين بإقامة أسباب الائتلاف وترك أسباب الاختلاف، ولهذا فقد ذم الله عز وجل الفرقة في غير ما آية من كتابه جل وعلا كقوله تعالى {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة}(4) وقوله تعالى {وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم}(5). وقوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون}(6). وقال تعالى: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون}(7). وقد أخبر الله عز وجل في الآية الأولى من هاتين الآيتين أن وحدة الأمة من العمل الصالح الذي أمرت به الرسل في الآية التي قبلها حيث يقول تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم} {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}(8). فيستفاد من الثلاث الآيات معاً: أن العمل الصالح الذي أمرت به الرسل جميعاً ينبني على أمرين اثنين: أولاً: توحيد الإله. وثانياً: وحدة الأمة. فأما توحيد الإله فحقيقته أن تصرف العبادة إلى الواحد الأحد خالق هذا الكون والمتصرف فيه. وأما وحدة الأمة فحقيقتها أن يعبد الله بما شرعت الرسل عقيدة وعبادة وأن تكون الأمة كلها كذلك، ربها واحد ودينها وعقيدتها واحدة ونبيها واحد وهو الإمام الذي يسيرون على شريعته وهدفها واحد وهو إعلاء كلمة الله في أنفسهم وفي غيرهم وغايتها واحدة وهو الحصول على رضا الله والجنة والنجاة من سخطه والنار، ولكن الأمم فعلوا غير ما أمروا به فتفرقوا قطعاً وتشتتوا شيعاً وكانوا أحزاباً متعادين وفرقاً متباغضين كل حزب يظن أنه على الحق، وكل من سواه على الباطل، وكل حزب بما لديهم فرحون، ولا يكون الاختلاف موجباً للانقسام والتفرق ومؤثراً أثراً سلبياً في وحدة الأمة إلا إذا كان في الأصول والعقائد كالتوحيد بأقسامه الثلاثة، فمن اعتقد جواز الاستغاثة بالمخلوقين فيما لا يقدر عليه إلا الله أو تغاضى عمن يتطوف بالقبور ويقدم لها القرابين والنذور ويهتف بأصحابها راغباً إليهم في جلب الخير ودفع الشرور ويرى أنه لم يخرج من الإسلام بفعله لهذا المحذور ؛ بل يسميه أخاً ويجعله في دعوته عضواً فإنه قد هدم توحيد الألوهية بذلك، ومن تأول الصفات بما يوجب إبطال معناها الحقيقي الذي أراده الله في كتابه وأراده نبيه المبلغ عنه، زاعماً أن ظاهرها غير مراد، لأنه يلزم منه المشابهة كالأشعرية، أو نفاها بالكلية كالجهمية والمعتزلة، أو زعم أن القرآن ليس كلام الله وأنه مخلوق كسائر المخلوقات، وأن الله لا يراه المؤمنون في الآخرة كالمعتزلة ومن زعم أن العبد يخلق أفعاله كالقدرية النفاة أو أن العبد مسير كالحجر الذي يدهده أو الغصن الذي تحركه الرياح كالقدرية الغلاة في الإثبات لأفعال الله، أو زعم أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار كالخوارج، أو لا مؤمن ولا كافر، وهو في الآخرة مخلد في النار كالمعتزلة، أو زعم أن الإيمان لا يضر معه ذنب وأنه مجرد التصديق وإن لم يصحبه نطق ولا عمل كالمرجئة أو زعم أن الطريقة الفلانية أو طريقة الشيخ فلان قراءتها والتزامها أفضل من قراءة القرآن أو أفضل من قراءة الحديث النبوي وأنها هي الحق أو فضَّل الطرق الصوفية أو بعضها على ((العقيدة السلفية)). أو اعتقد أن الأئمة الإثني عشر معصومون من الخطأ أو اعتقد كفر الصحابة لأنهم قدموا أبا بكر وعمر وعثمان على علي في الخلافة واستحل سب الصحابة رضوان الله عليهم كالرافضة، فهذه الاعتقادات وما شابهها على ما بينها من التفاوت هي التي فرقت الأمة وهي التي توجب تفريقها ويتناولها الذم المصرح به في القرآن. أما الاختلاف في الفروع فلا يوجب تفريقاً ولا يترتب عليه لوم من أحد على أحد ولا من جانب على جانب إذ قد حصل مثله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يوجب لوماً ولا تعنيفاً من أحد على أحد، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلى حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم)(9). وفي صحيح البخاري أيضاً أن ( محمد بن أبي بكر سأل أنس بن مالك رضي الله عنه وهما غاديان من منى إلى عرفة، كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر، فلا ينكر عليه.(10) وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسائل من الفروع فلم يعنف أحد منهم أحداً ولا أوجب ذلك لوماً ولا هجراناً ولا تفرقة، ثم إن من طبيعة البشر أن يختلفوا فيما سبيله الاجتهاد من الأحكام الفرعية نظراً لاختلاف العقول والاستعدادات الفطرية، فمن أجل ذلك رفع اللوم فيه، أما إذا مس الدين واستهين بالعقيدة فإنهم يغضبون كأشد ما يكون الغضب حتى ولو كان على أقرب الناس إليهم، فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما حدث بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فليأذن لها، لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، فقال بلال: والله لنمنعهن إذاً يتخذنه دغلا، قال: فسبه سباً لم أسمعه سبه مثله وقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن)(11). وقال في الفتح وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلمه حتى مات، وفي مسند الإمام أحمد أن أبا بكرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف فأخذ ابن عمٍ له فقال:عن هذا، وخذف، فقال ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وأنت تخذف والله لا أكلمك عزمة ما عشت أو بقيت أو نحو هذا)(12). ووقع لعبدالله ابن مغفل رضي الله عنه مع قريب له في الخذف مثل ذلك أو قريباً منه وهو في المسند(13). لنا لقاء ان شاءالله .. ــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الشورى الآيات: 13 ـ15. (2) تفسير ابن كثير (4/110). (3) تفسير عبدالرحمن بن سعدي (6/599). (4) سورة البينة آية: 4. (5) سورة الشورى آية: 14. (6) سورة الأنعامآية:159 (6) سورة المؤمنون الآيتان: 53،52. (7) سورة المؤمنون الآيتان: 52،51. (8) أخرجه البخاري في المغازي رقم (30) ورقم الحديث (4119). (9) البخاري في الحج باب رقم (86) رقم الحديث (1659). (10) أخرجه البخاري في ـ باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس ـ رقم الحديث (865) بدون ذكر القصة. وأخرجه مسلم وذكر القصة ـ باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة ـ رقم الحديث (442). وله طرق (11) المسند (5/46) مسند أبي بكرة رضي الله عنه. (12) المسند (5/55) مسند عبدالله بن مغفل رضي الله عنه. |
سلسلة المورد العذب الزلال(8) الأدلة من السنة على منع الاختلاف وذمه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(103): عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مانهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتعم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)(1). قال الحافظ ابن رجب : (2) ((هذا الحديث بهذا اللفظ خرجه مسلم وحده من رواية الزهري عن سعيد ابن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه وخرجاه من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(3). والشاهد منه النهي عن الاختلاف وهنا يعتبر نهياً شرعياً يعارضه ما أخبر الله عز وجل عنه من وقوع الاختلاف قدراً كقوله تعالى {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}(4). وقوله صلى الله عليه وسلم : (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هم يارسول الله؟ قال: هم الذين على مثل ما أنا عليه وأصحابي)(5) ففي هذه الآية والحديث إخبار عن الاختلاف الكوني القدري. ومن التحذير من الاختلاف حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا أوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي... الخ(6). وفي الحديث أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يارسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن)(7). وروى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبدالله البجلي قال: (إقرؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذ اختلفتم فيه فقوموا)(8). وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: هجَّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال: (إنما هلك من قبلكم باختلافهم في الكتاب)(9). وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثاً، قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال)(10) اهـ وأورد ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } قال أمرهم بالجماعة ونهاهم عن الفرقة. وروى أحمد والترمذي عن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (آمركم بخمس: بالجماعة، والسمع والطاعة، والجهاد في سبيل الله، وأنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يراجع، ومن دعى بدعوى الجاهلية فهو من جثا جهنم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)(11). وروى الترمذي وأبو داود والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة)(12). وروى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تسلموا، ولا تسلموا حتى تحابوا، أفشوا السلام تحابوا، وإياكم والبغضة، فإنها هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين)(13). وعن معاوية رضي الله عنه مرفوعاً: (ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)(14). وروى أبو داود مثل حديث معاوية حديث أبي هريرة في الافتراق افترقت اليهود إلى اثنتين وسبعين فرقة... الخ. ورواه الحاكم(15) وقال : ((صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي))، قال الألباني في الصحيحة(16) ((قلت: وفيه نظر فإن محمد بن عمرو لم يحتج به مسلم وإنما روى له متابعة وهو حسن الحديث، أما قول الكوثري عن محمد بن عمرو: إنه لا يحتج به إذا لم يتابع فهو من مغالطاته)). قال في عون المعبود: ((قال شيخنا ألَّفَ الإمام أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقرير الخير والشر وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة وما جرى مجرى هذه الأبواب)). لنا لقا ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ (1) أخرجه مسلم (ص 1831) طبع دار الفكر في باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه. (2) جامع العلوم والحكم (ص 63) طبعة مصطفى البابي الحلبي. (3) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (7288). (4) سورة هود آية رقم: 119. (5) أخرجه أبو داود في كتاب السنة من حديث أبي هريرة ومعاوية بدون قوله: قالوا من هم؟. أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وعبدالله بن عمرو في باب افتراق الأمة. (6) أخرجه أبو داود في كتاب السنة رقم الحديث (4607). (7) أخرجه مسلم في باب اتباع اليهود والنصارى من كتاب العلم. (8) أخرجه مسلم في كتاب العلم. رقم الحديث (2647). (9) أخرجه مسلم في كتاب العلم رقم الحديث (2666). (10) أخرجه مسلم، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة من كتاب الأقضية رقم الحديث (1715). (11) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/212). (12) أخرجه الإمام أحمد في المسند (6/444). عن أبي الدرداء (13) الأدب المفرد،وأخرجه بنحوه الترمذي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه رقم (2510)، وأحمد (1/165،167). (14) الأحاديث الصحيحة (204)، صحيح الجامع (2638)، وهو في الصحيحة بدون زيادة: وإنه سيخرج... الخ. (15) (1/128) . (16) رقم (203) . |
جزاك الله خيرا اخى
وان شاء الله ننتظر كل جديد منك بالتوفيق ان شاء الله |
سلسلة المورد العذب الزلال(9) ذم التفرق والحزبية من منهج السلف الصالح
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(109): ومما سبق نعلم أن الحزبية بدعة لأن الله عز وجل ساقها مساق الذم في مواضع كثيرة من كتابه، ونهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منها في أحاديث كثيرة، منها ماكتب هنا ومنها مالم يكتب وما توارد عليه كتاب ربنا وسنة نبينا من ذم التفرق والحزبية هو ماجرى عليه سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين، وإلى القارئ نبذة عنهم فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: "إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيقه، إن الله اصطفى محمداً على العالمين، وعصمه من الآفات فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني. وهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. وهذا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يقول: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة. وقال عبدالله بن مسعود ايضاً للقوم الذين أتى عليهم في المسجد وقد تحلقوا ومعهم حصى يعدون به التسبيح والتكبير والتهليل، قال لهم: عدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيئاً، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا والله يا أبا عبدالرحمن: ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لم يصبه. وكتب عمر بن عبدالعزيز لعدي بن أرطأة حين كتب إليه يستشيره في بعض القدرية فقال: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون فيما قد جرت به سنته، وكُفُوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطإ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور أقوى وبفضل كانوا فيه أحرى فلئن قلتم أمر حدث بعدهم ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم ورغب بنفسه عنهم إنهم لهم الأسبقون فقد تكلموا منه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي. وعن مجاهد في قوله {ولا تتبعوا السبل} قالوا: البدع والمشتبهات. وعن عبدالرحمن بن مهدي قال: سئل مالك بن أنس عن السنة قال: هي مالا اسم له غير السنة وتلا {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}(1). قال بكر بن العلاء يريد إن شاء الله حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خط له خطاً وذكر الحديث فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع لا تختص ببدعة دون أخرى. وعن الحسن قال خرج علينا عثمان رضي الله عنه يوماً يخطب فقطعوا عليه كلامه فتراموا بالبطحاء حتى جعلت ما أبصر أديم السماء، قال: وسمعنا صوتاً من بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل هذا صوت أمهات المؤمنين قال فسمعتها وهي تقول: قد برئ رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن فرق دينه واحتزب وتلت {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ}(2). قال القاضي إسماعيل أحسبه يعني بقوله أم المؤمنين أم سلمة وأن ذلك قد ذكر في بعض الحديث وقد كانت عائشة حاجة في ذلك الوقت. قال القاضي: ((ظاهر القرآن يدل على أن كل من ابتدع في الدين بدعة من الخوارج وغيرهم فهو داخل في هذه الآية لأنهم إذا ابتدعوا تجابوا وتخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعاً، وخرَّج ابن وهب عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "عليكم بالعلم فإن أحدكم لايدري متى يفتقر إلى ما عنده وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم وإياكم والبدع والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق)). والمراد بالعتيق(3) العلم الأول الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وعنه أيضاً: القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة. وعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: يا معشر القراء استقيموا لإن استقمتم فقد سبقتم سبقاً بعيداً ولئن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً. وعنه أيضاً: أخوف ما أخاف على الناس اثنتان: أو يؤثروا ما يرون على ما يعلمون، وأن يضلوا وهم لا يشعرون، قال سفيان: صاحب البدعة. وخرَّج ابن وهب عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: لأن أرى في المسجد ناراً لا أستطيع إطفاءها أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها. وعن الفضيل بن عياض: اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة ولا تغتر بكثر الهالكين. وعن أيوب السختياني: ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً(4). وعن ابن المبارك قال: اعلم أي أخي أن الموت كرامة لكل مسلم لقي الله على السنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون فإلى الله نشكوا وحشتنا وذهاب الإخوان وقلة الأعوان وظهور البدع وإلى الله نشكوا عظيم ما حل بهذه الأمة من ذهاب العلماء وأهل السنة وظهور البدع(5). وكان إبراهيم التيمي يقول: اللهم اعصمني بدينك وبسنة نبيك من الاختلاف في الحق ومن اتباع الهوى ومن سبل الضلالة ومن شبهات الأمور ومن الزيغ في الخصومات(5). ومن كلام عمر بن عبدالعزيز الذي عني به وبحفظه العلماء وكان يعجب مالكاً جداً قوله: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سنناً الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شئ خالفها، من عمل بها مهتد، ومن انتصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وبئس المصير(6). وخرَّج ابن وهب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من رأى رأياً ليس في كتاب الله، ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر ما هو عليه إذا لقي الله عزوجل(7). وعن أبي العالية ـ رحمه الله ـ قال : ((تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم، فإنه الإسلام ولا تحرفوا يميناً ولا شمالاً، وعليكم بسنة نبيكم وما كان عليه أصحابه... وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء))، فحدث الحسن بذلك فقال : ((رحمه الله صدق ونصح. خرجه ابن وضاح وغيره(8) وكان مالك كثيراً ما ينشد: وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع)) لنا لقاء ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأنعام آية: 153. (2) سورة الأنعام آية: 159. (3) الاعتصام (1/79) دار المعرفة. (4) الاعتصام (83) ط. دار المعرفة. (5) الاعتصام (ص 86) ط. دار المعرفة. (6) الاعتصام ص (87) ط. دار المعرفة. (7) الاعتصام (1/81) ط. دار المعرفة. (8) في ((البدع والنهي عنها)) (ص 32) ط . محمد أحمد دهمان . وهوعند عبدالرزاق (1/367)، وابن نصر في ((السنة)) (ص 26)، والآجري في ((الشريعة)) (ص 13ـ14) ، واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة))(1/56) ، وابن بطة في ((الإبانة)) (11/299). |
سلسلة المورد العذب الزلال(10) مساوئ الحزبية (الجزء الأول)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(115): لقد استعرضنا بعض الآيات والأحاديث التي نهى الله فيها ورسوله عن الاختلاف والتفرق والتحزب وذم أهل هذه الصفات كقوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ}(1) وقوله تعالى: {ولا تكونو من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً}(2) وكقوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}(3). وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)(4). وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)(5) فهل ترى أن نهى الله عز وجل عن التفرق والتحزب والتشيع وذم أهل هذه الصفات والتحذير من طريقتهم كان عبثاً أو أنزله الله عز وجل وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم ليكون ضرباً من ضروب التسلي أو ليكون حديثاً عابراً من أحاديث السمر؟ كلا. ثم كلا.. إن القرآن كله عظات وعبر وأوامر ونواهي وأخبار عن العصاة وعواقب العصيان السيئة في الدنيا والآخرة بالإخبار عما يصيبهم في الدنيا من قوارع واستئصال وما ينتظرهم في الآخرة من عذاب أليم وأنواع انتقام ونكال. وإخبار عن المؤمنين أهل التصديق والأعمال الصالحة وما يحوزونه ويحرزونه بإيمانهم وأعمالهم ومتابعتهم للرسل من عز ونصر وفتوح وغلب وإدالة لهم على غيرهم وما سيلقونه في الآخرة من أمن واطمئنان وفرح واستبشار وعيشة راضية في جنان عالية قطوفها دانية ونعمها متوالية يبقون فيها بقاء الأبد ويخلدون فيها بلا انقطاع ولا زوال، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ما هي إلا ريحانه تهتز ونهر مطرد وثمرة ناضحة وقصر مشيد وأزواج حسان لأنهم آمنوا بالله وصدقوا المرسلين. وقد تبين مما ذكر أن نهي الله عز وجل عن الحزبية والتحزب والفرقة والتفرق لم يكن إلا ليعلم الله عباده بما فيها من الشر المؤكد والفشل المرتقب والعداوة المنتظرة بين من أمرهم الله عز وجل أن يكونوا أمة واحدة وحزباً واحداً يعبدون رباً واحداً ويتبعون رسولاً واحداً، ويتجهون إلى قبلة واحدة، ويدينون بدين واحد، وتربطهم رابطة واحدة، هي رابطة الدين ومما يؤكد هذا المعنى ويدل على أن التفرق مازال ممقوتاً ومحذوراً في كل زمان ومكان وعلى لسان كل نبي وحكيم، إخبار الله عز وجل عن هارون عليه السلام أنه قال لأخيه موسى حين عاتبه عند رجوعه من الطور فوجد قومه قد عبدوا العجل، فقال كما حكى الله عنه في سورة طه {قال يا هارون ما منعك إذ رأيتم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري، قال يابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي}(6). فقد حذر هارون من التفرقة وخافها على قومه وخاف أن أخاه يلومه عليها. وروى عبدالله بن أحمد بن حنبل عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا، قال ابن عباس، فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا في القرآن يومهم هذه المسارعة، قال فزجرني عمر رضي الله عنه ثم قال: مه، فانطلقت إلى منزلي مكتئباً حزيناً، فبينا أنا كذلك إذ أتاني رجل، فقال: أجب أمير المؤمنين. فخرجت فإذا هو بالباب ينتظرني، فأخذ بيدي فخلا بي فقال: مالذي كرهت مما قال الرجل آنفاً، فقلت يا أمير المؤمنين متى يتسارعوا هذه المسارعة يحتقوا، ومتى يحتقوا يختصموا ومتى يختصموا يختلفوا، ومتى يختلفوا يقتتلوا، قال لله أبوك إن كنت لأكتمها الناس حتى جئت بها(7). قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة إن الاختلاف الذي خافه عبدالله بن عباس ووافقه عليه عمر رضي الله عنهماعلى أمة محمد قد وقع ثم وقع ثم وقع وما تفرقت أمة محمد شيعاً وأحزاباً كمن سبقهم إلا بسبب الاختلاف، وكان أول خلاف وقع في هذه الأمة هو خلاف الخوارج ثم خلاف الروافض بقيادة زعيمهم عبدالله بن السوداء الذي زعم لهم أن علياً لم يمت وأنه في السحاب ثم خلاف القدرية ثم المعتزلة ثم المرجئة ثم الجهمية. والشاهد من هذا الأثر أن المحاقة موجبة للاختلاف، ومعنى المحاقة: أن كل واحد من المتخاصمين يقول الحق معي، وهي معنى قوله يحتقوا، ومتى يحتقوا يختلفوا، ومتى اختلفوا اقتتلوا، إما بالألسن والأقلام وإما بالأيدي والسيوف، وما كتابتك هذه إلا من حصاد الاختلاف وشؤم الحزبية التي نهى الشرع(8) عنها وما زال المحققون من أهل العلم ينهون عنها في كل زمان ومكان ينهون عنها لما يعلمون فيها من نتائج سيئة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: "وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِ والتَّقوَى ولا تَعَاوَنُوا عَلى الإثم والعدوَان}(9) وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ما يريده وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقاً واليا، ومن خالفهم عدوَّا باغيا، بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ويفعلوا ما أمر الله ورسوله ويحرموا ما حرم الله ورسوله ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله، فإن كان أستاذ أحد مظلوماً نصره، وإن كان ظالماً لم يعاونه على الظلم بل يمنعه منه كما ثبت في الصحيح أنه قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قيل: يا رسول الله: أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟. قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه). وإذا وقع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم الحق، فلا يعاونه بجهل ولا بهوى، بل ينظر في الأمر، فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره، وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله واتباع الحق والقيام بالقسط قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً}(10). يقال لوى لسانه إذا أخبر بالكذب والاعراض أن يكتم الحق فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ومن مال مع صاحبه ـ سواء كان الحق له أو عليه فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع المحق على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله، والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله، والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله، والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله؛ بحسب ما يرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء، فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه. فهذا هو الأصل الذي عليهم اعتماده، وحينئذ فلا حاجة إلى تفرقهم وتشيعهم، فإن الله تعالى يقول: { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}(1) وقال تعالى: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءتهم البينات}.(11) وإذا كان الرجل قد علمه أستاذ عرف قدر إحسانه إليه وشكره،ـ ثم ساق كلاماً في هذا المعنى ـ ثم قال: وإذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله وتعاونوا على البر والتقوى لم يكن أحد مع أحد في كل شئ بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله ولا يكونون مع أحد في معصية الله ورسوله ؛ بل يتعاونون على الصدق والعدل والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصر المظلوم، وكل ما يحبه الله ورسوله، ولا يتعاونون على ظلم ولا عصبية جاهلية ولا اتباع هوى بدون هدى من الله ولا تفرق ولا اختلاف"(12) فدونك هذا المقطع من كلام هذا الحبر العظيم والمربي الماهر والعالم المحقق العارف بالسنة وما ينافيها والبدعة ما يدانيها ويدخل فيها. تأمل كلامه ترى فيه التحذير من الانتماءات والحزبيات لما فيها من التنافر والافتراق والتشتت والانقسام المؤدي إلى التباغض والشقاق. لنا لقاء ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأنعام آية: 159. (2) سورة الروم آية: 31،32. (3) سورة الأنعام آية 153. (4) أخرجه مسلم (ص 1831) طبع دار الفكر في باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه . (5 ) أخرجه أبو داود في كتاب السنة رقم الحديث (4607). (6) سورة طه آية رقم 92 _94 (7) كتاب السنة رقم (89) (ص 136،135). (8) أشير بقولي: "وما كتابتك هذه إلا من حصاد الاختلاف وشؤم الحزبية " إلى تلميذ من تلامذتي وطالب من طلابي انتظم في بعض المناهج المستوردة للدعوة، ومن أجل أنا كنا ننصحه أنا وبعض الإخوة هو ومن كان معه، فقد كتب إلينا كتابة اتهمنا فيها بما ليس فينا ونال من أعراضنا بما سنحاكمه بين يدي الله عز وجل فيه. وأنا حينما أقول تلميذ من تلامذتي وطالب من طلابي لم أقصد بذلك افتخارا كما علم الله وإنما أردت أن أبين أن الحزبية شر وتفريق وشتات وأنها إذا فرقت بين التلميذ وشيخه وجعلت التلميذ يكن العداوة الشديدة لشيخه الذي له عليه فضل التربية فإنها ستفرق بين غيرهما من باب أولى. (9 ) المائدة الآية: 2. (10 ) المائدة الآية: 135. (11 ) آل عمران الآية:105. (12 ) مجموع الفتاوى (28 / 15ـ17) |
سلسلة المورد العذب الزلال(10) مساوئ الحزبية(الجزء الثاني)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(121): وبارك الله في الشيخ بكر بن عبدالله أبي زيد فلقد كتب عن مضار الحزبية وعيوبها وسلبياتها ما يزيد على أربعين مضرة. وسأسجل في هذه العجالة ما يسره الله لي وعليه التكلان. أولاً: أن الحزبية بدعة منكرة لما سبرناه من النهي عنها في القرآن الكريم والسنة المطهرة وكلام السلف رضوان الله عليهم. ثانياً: ذم الله عزوجل الحزبية والتحزب وذمها رسوله صلى الله عليه وسلم وذمها سلف الأمة الذين عرفوا الإسلام معرفة حقيقية لأنها خروج على وحدة الأمة الإٍسلامية التي أمرها الله عز وجل أن تكون أمة واحدة فقال: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}(1) وانقسام منها وتجزأة لها ومساهمة في إضعافها. ثالثاً: أن المنتمين إلى الحزبيات والأحزاب يجعلون حزبهم هو محور الولاء والبراء والحب والعداء وذلك مشاقة لله ولرسوله ومحادة لله ولرسوله حيث جعل الله عز وجل محور الولاء والبراء هو الإيمان بالله ورسوله قال تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}(2). ثم يأتي قائد جماعة في فكر معاصر فيقعد قاعدة تتنافى مع هذه الآية وما في معناها من آيات الولاء والبراء فيقول: (نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) قال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد في حكم الانتماء: ((وهذا تقعيد حادث فاسد إذ لا عذر لمن خالف في قواطع الأحكام فإنه بإجماع المسلمين لا يسوغ العذر ولا التنازل عن مسلمات الاعتقاد، وكم من فرقة تنبذ أصلاً شرعياً وتجادل دونه بالباطل)) اهـ قلت: هذا هو الفهم للإسلام لا ما سلكه بعض الزعماء في العمل الإسلامي من سياسة التجميع والتكثير لقوم عقائدهم مختلفة واتجاهاتهم متباينة وقناعاتهم متضادة فماذا كان؟ إنهم مازالوا منذ ما يقارب تسعين سنة يدورون في حلقة مفرغة. رابعاً: يلزم من الحزبية اتخاذ المبتدعين أئمة يحتذى قولهم ويقتدى بأفعالهم ويتخذون قدوة وأسوة، ويكون قولهم وتقعيدهم وتنظيرهم مسلماً، وإن خالف الحق، وتلك هي قاصمة الظهر والله. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}(3) وسبب نزول هذه الآية وما بعدها: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تماريا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم وفد تميم فيمن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فأشار أبو بكر بالأقرع بن حابس وأشار عمر بالقعقاع بن معبد بن زرارة فقال أبو بكر لعمر ما اردت إلا خلافي، وقال عمر ما أردت خلافك، فتماريا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوالا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم، يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}. فأدب الله عز وجل عباده المؤمنين أن يتقدموا بين يدي رسوله. روى البخاري في صحيحه عن مجاهد تعليقاً: "لا تقدموا: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله على لسانه. قال الحافظ وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد"اهـ. وقد أدب الله عباده المؤمنين أن يقدموا آرائهم على حكمه وأقوالهم على قوله أو يقدموا أحداً سوى أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقدموا حكمه على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قوله على قوله أو هديه على هديه وقد توعد الله عز وجل من فعل ذلك بإحباط العمل لهذا فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة أنه قال كاد الخيران أن يهلكا. قلت: ليت من يتخذون فلاناً وعلاناً قدوة لهم يأخذون أقوالهم بلا دليل ويجعلونها أصولاً يبنى عليها يراجعون أمرهم قبل فوات الأوان وقبل أن يأتي تأويل قوله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً}(4) وهاتين الآيتين وإن كانت قد نزلت فيمن رفض شرعه رفضاً كلياً إلا أن من رفض بعض شرعه رفضاً جزئياً سيناله نصيب منها ولا سيما إذا كان المرفوض هو من أصول الدين وقواعده أو قل: هي الأسس والقواعد التي يكون منها المبدأ وعليها المدار ومن خلالها المنطلق. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وبإلقاء نظرة على الفئات المبتدعة نراهم جميعاً قد اتفقوا كلهم على شئ واحد وإن اختلفت مشاربهم وتباينت عقائدهم اتفقوا كلهم على نبذهم الكتاب والسنة التي أمر الله باتباعها وجعل النجاة في اقتفائها، فقال جل من قائل: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنواعنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}(5). فأصحاب الحزبيات والعقائد المبتدعة قد اتفقوا على نبذ السنن وجعلوا تأصيلات شيوخهم هي الأصل فمثلاً المعتزلة قد عطلوا القدر وأنكروا رؤية الله في الآخرة وزعموا أن القرآن مخلوق مستندين في ذلك إلى ما أصله شيوخهم. والجهمية عطلوا الصفات الثابتة في الكتاب والسنة فراراً من لزوم المشابهة بين الخالق والمخلوق كما زعموا، وقل في لأشاعرة وفي سائر الطوائف المبتدعة مثل ذلك، وإذا نظرت إلى السبب الذي من أجله ردوا النصوص تجد أنها هي الشبهة التي أخذوها عن شيوخهم وزعمهم أن شيوخهم أعلم بالحق منهم وهكذا الأحزاب المعاصرة إذا سبرنا حالهم نجد أن السبب عندهم هو السبب الذي حمل المعتزلة والخوارج والجهمية والأشعرية على أخذهم تقعيد شيوخهم على أنه هو الأصل وما عداه فمشكوك فيه يتبين ذلك من الاتي: خامساً: أن الحزبية تقوم على التسليم بآراء الجماعة وتوزيعها ونشرها وجعلها قطعية الثبوت غير قابلة للنقد ولا للنقاش، فالمؤسسون لها أجل من أن ينتقدوا، وأكبر من أن يخطئوا في نظر أتباعهم فيتخذونهم بذلك أرباباً ومشرعين وينطبق عليهم قول الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}(6). وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة ـ وذلك حين قدم عليه أول قدمة ـ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...} قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم. قال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فتلك عبادتهم إياهم)(7) ولقد خبرنا أصحاب الحزبيات خبرة تجربة ومعرفة لواقعهم بسبب احتكاكنا بهم فوجدناهم يأخذون ما جاء من قادة حزبهم ومؤسسيه والمنظرين فيه بمنظار الحصانة عن النقد ولو انتقد أحد من خارج حزبهم عادوه وجعلوا نقده ظلماً وتجنياً حتى ولو كان نقداً في الصميم، وأذكر بهذه المناسبة أنه لما انتشر كتاب (وقفات مع كتاب للدعاة فقط) لمحمد بن سيف العجمي أخذت نسخة منه وأعطيتها لواحد من المنتمين إلى جماعة الإخوان رجاء أن يتأثر به ويرى ما فيه من نقد للاتجاه الإخواني مدعماً بأرقام من كتبهم، ولما ناولته علقت عليه تعليقة بسيطة مثنياً على صاحب الكتاب أنه بذل جهداً في تتبع أخطاء الإخوان من كتبهم وبالأخص الأخطاء في العقيدة مبيناً اسم الكتاب الذي وردت فيه ورقم الصفحة، لكن الرجل عبس وبسر، وقلب في النظر، مستغرباً للأمر الذي بدر، وأخذ يحاورني في المنهج الإخواني قليلاً ثم ذهب.. وبعد بضع سنوات ظهر كتاب (جلسات) لجاسم مهلهل فوصلت إليَّ نسخة منه فقرأتها متأملاً ومستغرباً هل سيرد على العجمي شيئاً من ذلك الكلام، وتلك الأرقام ويكذبه فيه، ولكني بعد أن قرأت كتاب جلسات من فاتحته إلى خاتمته لم أره رد شيئاً من الحقائق التي ساقها محمد بن سيف العجمي جزاه الله خيراً. وبعد ذلك لقيت صاحبي الذي شمخر من كتاب وقفات لكونه نقد رؤسائهم فيما كتبوا وبيده بضع نسخ من كتاب جلسات يوزعها فناولني نسخة منها وهو يضحك فرحاً وسروراً يكاد يطير فرحاً، وظن أنها لم تصلني، وحسب أنهم انتصروا على العجمي، فقلت في نفسي: قاتل الله الجهل. أقول: هذا وأنا لا أعرف العجمي ولا المهلهل، ولكني عرفت الحق والحمد لله. وقد أخبرني رئيسه فيما بعد ولم يسمه، فقال أعطيت أحد الإخوان نسخة من كتاب (وقفات) فجاء بها إلي وقال: هذا الكتاب أعطاني فلان ولم أقرأه وأُأَكد أن الرئيس والمرؤوس كلاهما من طلابي فبدل ما يأخذون كتاب العجمي والمهلهل ويأتون بهما إلي ويستشيروني فيهما بدلاً من هذا وقفوا من كتاب العجمي موقف العداء، لأول مرة وأخذوا كتاب المهلهل على أنه الحق الذي لا شك فيه، وإذا نظرنا في السبب الحامل لهم على ذلك لا نجد شيئاً سوى أن هذا يتخاطب معهم من داخل دائرة الحزب، وذلك يتخاطب معهم من خارجها، وما جاء من داخل الحزب فهو الحق عندهم الذي لا شك فيه يجب أن نغمض أعيننا ونأخذه كما نأخذ الدواء معتقدين فيه النفع وإن كان مراً، فالحزبية تجعل المر حلواً، والباطل حقاً، وهذا أكبر دليل على أن الحزبية شر وأي شر. وليعلم الذين يقولون: إن الإخوانيين في المملكة غير الإخوانيين في مصر والشام وغيرهما لأن هؤلاء درسوا التوحيد في المدارس والمعاهد والكليات منذ نعومة أظفارهم وإلى أن تخرجوا، وقد كنا نصدق هذا الكلام إلى حد كبير، ونقول إن الذين غذوا بالتوحيد من الصغر لا يمكن أن يفرطوا فيه مهما كان الأمر، ولكن لما رأينا موقف الإخوانيين من كتاب الوقفات الذي جمعه صاحبه من بطون كتب الإخوان غيرة على التوحيد وغيرة على الدعوة أن يتبناها من هو غارق في الشركيات والبدعيات ويغتر الناس به نظن ظناً يشبه اليقين أن هذه هي الدوافع إلى ما كتب وبدلاً من أن يشكره هؤلاء الموحدون ويثنوا عليه بعمله العظيم وجهده المضني من أجل بيان الحق بدلاً من ذلك تنكروا له وأبغضوا حتى من وزع كتابه وإن كان له عليهم حق الأستاذية والمربي فحسبنا الله ونعم الوكيل. ومع أن أخطاء هؤلاء في العقيدة ؛ بل بعضها يهدم الإسلام بالكلية كمن يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن يزعم أن دعوة أصحاب الأضرحة والاستغاثة بهم تذوق ومن يثني على الطريقة الرفاعية ويقول: إن المنتمين إليها يضرب أحدهم بالشيش من ظهره حتى يخرج من صدره فلا يضره، سبحان الله. النبي الكريم وخاتم الرسل وأفضل الخلق عند الله وأقربهم إليه وسيلة وأعلاهم عنده مقاماً يضرب يوم أحد على رأسه فتغوص حلقتا المغفر في وجنتيه فسال الدم وقال كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم فأنزل الله عز وجل: {ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}(8). أما أصحاب الطريقة الرفاعية فيضرب بالشيش في ظهره حتى ينفذ من صدره فلا يضره أهذا منطق داعية ومؤلف ومنظر أو منطق شيطان مضل يريد أن يضل الناس يفضل أصحاب الطرق المنحرفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول أين الغيرة على التوحيد من هؤلاء الذين درسوه منذ نعومة أظفارهم وأين الولاء والبراء الذي هو من أسس الإيمان وقواعده حتى نفي الله عز وجل الإيمان عمن يوالي أعداءه ويوادهم، وأتوقع أن الذين يعتنقون المنهج الإخواني سيقولون أن الذين نتولاهم من خيرة المسلمين، فقد بذلوا جهداً مضنياً في الدعوة إلى الله فوقفوا في وجه المد الشيوعي الناصري رغم ما لاقوه من تعذيب وقتل وتشريد، وأقول إن أي دعوة لا تكون مبنية على الأسس والقواعد التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم فهي غير مرضية عند الله عز وجل حسب ما علمنا من شرعه المطهر الذي جاءت به المصادر الشرعية من كتاب وسنة، وقد قال عز وجل منوهاً بذلك في كتابه {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}(9). فالضمير في {قل} يعود على النبي صلى الله عليه وسلم قل يا محمد هذه سبيلي هذه طريقي فالإشارة إلى ما كان يسير عليه في دعوته وهي طريقته التي مشى عليها في دعوته حيث دعا إلى نبذ جميع الآلهة التي تعبد مع الله عزوجل. قال ابن جرير في تفسير هذه الآية من تفسيره: ((يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {قل } يا محمد {هذه} الدعوة التي أدعوا إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته {سبيلي} وطريقتي ودعوتي {أدعوا إلى الله } وحده لا شريك له {على بصيرة} بذلك ويقين علم مني {أنا و} يدعوا إليه على بصيرة أيضاً {من اتبعني} وصدقني وآمن بي))(10) اهـ. فتبين من هذا أن الإشارة إلى الطريقة التي سار عليها في دعوته صلى الله عليه وسلم من نبذ جميع الآلهة التي تعبد مع الله عز وجل فمن اتخذ لنفسه طريقاً غير طريقة النبي صلى الله عليه وسلم فتغاضى عن الوثنية القائمة وظن أن من يتطوفون بالأضرحة ويذبحون لها ويدعون أصحابها معتقدين فيهم القدرة على مالا يقدر عليه إلا الله عز وجل فاعتقد أنهم مسلمون فإن دعوته هذه باطلة من أساسها ومردودة عليه، دليلنا على ذلك قول الله {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً }(11). وقوله: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}(12) إن أول شئ يجب أن يطاع فيه هي طريقة الدعوة إلى الله وكم في القرآن من آيات عالجت الشرك وفندت مزاعم المشركين وبينت بطلانها. وإن ثناء المؤسس للمنهج الإخواني على المرغني وهو أحد أقطاب الصوفية القائلين بوحدة الوجود وتغاضيه عن الأضرحة القائمة في مصر، بل ومحاضرته في بعضها وتبنيه لدعوة التقريب بين أهل السنة والشيعة لأعظم دليل على أن دعوته بعيدة كل البعد عن نهج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل يجب أن نقول إنها مناقضة لها وسأنقل في المآخذ على الإخوان ما يبين ذلك. وأخيراً فإن إقرار الوثنية أمر يهدم كل عمل ويجعل كل جهد ولو كان محاربة للشيوعية غير مقبول عند الله لأن الله لا يقبل من أعمال العباد إلا ما كان خالصاً له صواباً على طريقة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}(13). فهل فهم هؤلاء أنهم قد أعطوا قيادهم لمن لا يجوز أن يعطوه له وبالله التوفيق. سادساً: وإذا كانت الحزبية سبباً للفرقة والفرقة أول معول يضرب في وحدة الأمة وتماسكها فإن تعدد الأحزاب سبب في تعدد مناهجها الفكرية وتعدد المناهج الفكرية سبب في اضطراب الأحزاب، والاضطراب سبب في الهزائم التي تحل بالمسلمين، وهل يمكن لأمة منقسمة على نفسها أن تصمد أمام العدو؟. سابعاً: ومن مضار الحزبية أن أداء الشعائر التعبدية المأمور بها شرعاً يتحول الأداء فيها من واجب تعبدي إلى واجب حزبي فيخدش الإخلاص إن لم يهدمه ويكون الملاحظ في الأداء هو إرضاء الحزب لا إرضاء الله. ثامناً: أنه إذا أمر قائد الحزب بالحرص على أي عمل مستحب وأكد عليه بالغ التابعون حتى يحولوه إلى واجب فيصير المستحب واجباً عند المتحزبين فيه وبذلك يكونون قد جعلوا له حكماً غير الحكم الشرعي الذي وضعه الله ورسوله. تاسعاً: ومن مساوئ الحزبية الإنقسام، فربما انقسم الحزب إلى حزبين أو أحزاباً كما يقال عن الجرثومة أنها تنشطر، ثم الشطر ينشطر وهكذا، أما الجماعة السلفية أتباع السنة المحمدية فهم مازالوا منذ بزوغ فجر الإسلام على عقيدة واحدة إلى يومنا هذا، أما الاختلاف في الفروع فهو أمر مسلم به وقد حصل بين الصحابة والتابعين ولم يؤد إلى خلاف ولا تباغض ولا تناحر ولا تقاتل، فافهم رعاك الله وحماك من شر الحزبية ووفقك للأخذ بالطريقة السلفية فهي النجاة، نسأل الله أن يثبتنا عليها حتى نلقاه ونحن إمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه واقتفى أثره من أئمة الهدى وحملة الحديث رضي الله عنهم أجمعين. لنا لقاء ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة المؤمنون آية 52. (2) سورة المجادلة آية: 22. (3) سورة الحجرات آية: 1. (4) سورة الفرقان الآيتان: 27ـ28. (5) سورة الجاثية الآيتان: 18ـ19. (6) سورة التوبة آية: 31. (7) تفسير ابن كثير (2/349) تفسير الآية: 31 من سورة التوبة وعزى الحديث إلى أحمد والترمذي وابن جرير الطبري. وهو عندهم ، ففي الترمذي (5/278،ح:3095)، وفي تفسير الطبري (10/354)، وفي التاريخ الكبير للبخاري (7/106رقم 471)، والمعجم الكبير للطبراني (17/92،ح:218،219)، والسنن الكبرى للبيهقي (10/116)، وتهذيب الكمال للمزي (23/119،ح :4695)، ونسبته للمسند وهم ، فليس هو فيه ولا في أطرافه للحافظ ابن حجر المسمى (اطراف المُسنِد المعتلى بأطراف المسند الحنبلي) ولما أورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور (4/174) ولم يعزه لمسند أحمد. محمد بن هادي (8) سورة آل عمران آية: 128. (9) سورة يوسف آية: 108. (10) تفسير الطبري (13 / 79). (11) سورة النساء آية: 80. (12) سورة النساء آية: 64. (13) سورة الكهف آية 110 |
سلسلة المورد العذب الزلال(11) ما انتقد على الإخوان المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(133) : اعلم وفقني الله وإياك أنا حينما نعرض لبيان ما انتقد على الإخوان أو غيرهم إنما نفعل ذلك إن شاء الله بياناً للحق ونصيحة للخلق وأداءاً للواجب الذي نيط بحملة العلم الذين حملهم الله هذه المسئولية وكلفهم بها في قوله جل وعلا {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}(1). وكلفهم بها رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار)(2) ويقول: (ليبلغ الشاهد الغائب ن فرب مبلغ أوعى له من شاهد)(3) ويقول:(نظر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها)(4). وكما أوجب الله عز وجل على أهل العلم أن يبينوا للناس ما في الكتاب والسنة من أحكام وشرائع وقضايا فقد أوجب الله عليهم أن يردوا على من خالفها مخالفة قليلة أو كثيرة في مسألة أو مسائل أو قضية أو قضايا إذا كانت المخالفة في الأصول والعقائد وإن وجوب ذلك عليهم لا يقل أهمية عن وجوب بيان الأصول في الدين إن لم يكن آكد لأن الأحكام التي لم يصبها تشويه ولا تحريف ستبقى محفوظة ومأمومة للناس في كل زمان ومكان علمها من علمها وجهلها من جهلها. أما الأحكام والقضايا المشوهة وأقصد بالمشوهة التي شوهتها أفهام معكوسة وعقول انحرفت عن الحق بسبب ما أصابها من جراء التلقي فظنوا ديناً ما ليس بدين وظنوا حقاً ما هو باطل حتى واجهوا الحقيقة المرة وانطبق عليهم قوله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدينا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}(5). ونحن نؤمن أن من لم يلق الله بالتوحيد الذي ما أنزلت الكتب وأرسلت الرسل وحقت الحاقة وخلقت الجنة والنار إلا من أجله أنه سيواجه الحقيقة المرة حتى وإن كان ممن يزعم أو يزعم له أنه من الدعاة إلى الله، ومن شك في هذه الحقيقة فليعلم أنه لم يعرف الدين الإسلامي الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي تحدث عنه القرآن فأسهب وبين ما يناقضه بياناً شافياً لا يتسرب إليه شك ولا يبقى وراءه للحقيقة مطلب كقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً}(6) وقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً}(7). وقوله تعالى: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}(8). ولما عدد الله عز وجل الأنبياء في سورة الأنعام قال تعالى {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}(9) وقوله تعالى {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين }(10) وقد صدر الله هذا الخبر باللام الموطئة للقسم وهي من حروف التأكيد مبيناً لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه لئن صدر منه الشرك هو وهو أحب الخلق إليه وأعلاهم عنده مقاماً وأعظمهم عنده جاهاً ليحبطن عمله وليكونن من الخاسرين وحاشاه من الشرك ولكن هذا على سبيل الافتراض فتبين من هذه الآيات أن الشرك الأكبر محبط للعمل ومخرج من الملة وموجب للخلود في النار. وقد قلبت الصوفية الحقائق الشرعية فزعمت أن دعاء المخلوقين ممن تزعم لهم الولاية وتدعي لهم الكرامات سواء كانوا أحياء أو أمواتاً والاستغاثة بهم في الشدائد أن ذلك هو محض الدين ولبه وحقيقته بل غلت في الأولياء حتى جعلت مع الرب منهم أقطاباً يتصرفون في الكون، ثم زادت في الغلو حتى جعلت إلهها ومعبودها حالاً في مخلوقاته أو بعض مخلوقاته(11). وأخيراً: فهل ترون أن من يتربى في أحضان الصوفية يخرج سالماً من معرتها؟ لا والله إلا من يشاء الله إنقاذه ؛ بل أقل أحواله أن يخرج مسلوب الحساسية من الشرك الأكبر الذي يهدم الإسلام ويقوضه من أركانه وإذا ذهب التوحيد فقد ذهب الإسلام وكل دعوة لا تبنى على التوحيد فهي باطلة لأنها أسست على غير الأساس الذي أسس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته. وقد آن لنا أن نشرع فيما قصدناه والله يعلم أني لم اقصد تجريح أحد إلا أن يكون في ذكر ذلك الجرح مقصد ديني بأن يكون في ذلك نصيحة لمن اغتر بشخص أو منهج كما فعل ذلك السلف رحمهم الله تعالى حيث قدحوا فيمن قدحوا فيه نصحاً للأمة وبياناً للحق وكتب الجرح والتعديل مليئة بذلك. قال الإمام مسلم بن الحجاج ـ رحمه الله ـ في مقدمة الصحيح: "وحدثنا عمرو بن علي أبو حفص قال سمعت يحيى بن سعيد قال سألت سفيان الثوري وشعبة ومالكاً وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتاً في الحديث فيأتيني الرجل فيسألني عنه. قالوا: أخبر عنه أنه ليس بثبت. وحدثنا عبيدالله بن سعيد قال سمعت النضر يقول سئل ابن عون عن حديث لشهر وهو قائم على أسكفة الباب فقال إن شهراً نزكوه، إن شهراً نزكوه، قال مسلم رحمه الله أخذته الألسن تكلموا فيه، وروى بسنده إلى الشعبي، قال حدثني الحارث الأعور الهمداني وكان كذاباً. وبسنده إلى ابن عون قال: قال لنا إبراهيم إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبدالرحيم فإنهما كذابان. وحدثنا أبو كامل الجحدري حدثنا حماد وهو ابن زيد حدثنا عن عاصم قال: كنا نأتي أبا عبدالرحمن ونحن غلمة أيفاع فكان يقول لنا لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص وإياكم وشقيقاً، وكان شقيق يرى رأي الخوراج ـ وهو غير شقيق بن سلمة ـ " اهـ. من مقدمة ((صحيح مسلم)) الكشف عن معايب الرواة. وهذا أوان الشروع في الملاحظات والقوادح: أول هذه الملاحظات: التهاون في توحيد العبادة وعدم جعله أساساً وقاعدة ينطلقون منها، ومن الأدلة على ذلك أن مؤسس الحزب ومقرر المنهج الإخواني حسن البنا(12) حاضر في وكر من أوكار الشرك، بل من أكبر أوكاره في مصر وهو مشهد السيدة زينب. نقل ذلك عباس السيسي في كتابه ((قافلة الإخوان المسلمون)) فقال: "كلمة الأستاذ المرشد العالم في حفل الهجرة بالسيدة زينب جاء في كلمات الأستاذ المرشد العام في هذا الحفل ما يلي: "لهذه المناسبة أيها الإخوة أنصح لكم نصيحة مخلصة أشدد عليكم في رعايتها وهي أن تطهروا قلوبكم وتصفوا سرائركم عمن نال منكم أو أساء إليكم، فوالله إني لضنين بهذه القلوب التي لا تعرف إلا معاني الحب في الله ولم تسعد إلا بمشاعر الأخوة الحقة الصادقة، أضن بهذه القلوب الطاهرة أن تلوث بحقد أو تشوه ببغضاء، وتنال من صفائها خصومة، إن الدين حب وبغض، ذلك حق من الإيمان أن نحب في الله ونبغض في الله، ولكن ما أشد أن نقهر علىكره من نحب، إن الإيمان حب وبغض، فأحبوا لأنكم بالحب تسعدون، وبهذه العاطفة تجتمعون وعلى هذه المشاعر وبها ترتبطون، فلا تحرموا قلوبكم نعمة الحب في الله تعالى ولا تحرموها شعور الحب الطاهر البرئ، وادخروا حجر البغض وثورة الغضب لساعة آتية قريبة نلقى فيها خصومنا، ولست أعني خصومنا في الداخل، فليس لنا في الداخل خصوم ولله الحمد، وإن كانوا فهم غثاء كغثاء السيل سيجرفهم الطوفان، فإما ساروا وإما غاروا، أما كلمة الجهاد فعاطفة ملتهبة ومعاني الجهاد مُثُلٌ حية باقية تتجه إليها قلوب أبناء هذه الأمة التي ظلمت واعتدى على حرياتها وحقوقها وأحيط بها من كل مكان"(13). مناقشة الشيخ البنا في هذه الخطبة التي ألقاها في وكر من أعظم أوكار الشرك في مصر ألا وهو مشهد السيدة زينب ولم يذكر فيها حرفاً واحداً عن الشرك الأكبر الذي يجري في ذلك المشهد من الدعاء لغير الله والاستغاثة بغيره والنذر والذبح وغير ذلك وكأنه لم ير الطائفين حول القبر والمتمسحين به، ولم يسمع الذين يرفعون أصواتهم بالدعوات للسيدة زينب طالبين منها الحاجات التي لا تطلب إلا من الله عز وجل، وكأن الشيخ البنا لم يعتبر ذلك الشرك الأكبر الذي يسمعه ويشاهده حول ضريح السيدة زينب أمراً منكراً مخالفاً للشريعة الإسلامية ؛ بل مناقضاً للإسلام وهادماً له ومقوضاً لأركانه، إنه ينصح نصيحة مخلصة ويشدد في رعايتها، ولكن ما هذه النصيحة يا ترى إنه ينصح بتصفية السرائر، وتطهير القلوب من الغل والضغينة مع أنها مفعمة بالشرك الأكبر فهل هذه خطبة من يعتبر الشرك الذي يراه ويسمعه حول ذلك الضريح مناقضاً للإسلام؟! أترك الجواب على هذا السؤال للقارئ. ومن جهة أخرى فإن الله تعالى يقول: {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغوا مروا كراماً} ومعنى لا يشهدون الزور أي لا يشهدون الباطل. قال ابن كثير رحمه الله: ((وهذه من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور، قيل هو الشرك وعبادة الأصنام وقيل الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل)). وقال أبو العالية وطاووس وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم : ((هو أعياد المشركين)) . وقال عمر بن قيس: ((هي مجالس السوء والخنا)) وقال مالك والزهري: ((شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه)). قلت: القول بأن الزور الذي لا يشهدونه هو الباطل بجميع أنواعه هو الأولى والأجمع ويدخل فيه الشرك بالله وأعياد المشركين وعبادة الأصنام وغير ذلك. وإن مشهد السيدة زينب من أعظم أوكار الشرك التي تحارب فيها عقيدة التوحيد الذي أرسلت به الرسل وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لمسلم أن يدخله إلا أن يكون منكراً لما يفعله أولئك المشركون، فمن دخله ليحاضر فيه بشئ غير إنكار الشرك فإنه يكون قد شجع الشرك الأكبر وأقره وآوى أهله وإنه بذلك قد أوهم الجهال بأن ما يعملونه حق لا غبار عليه وعبادة يتقرب بها إلى الله وهذا من أعظم الظلم والغش والخداع الذي حرمه الله ورسوله. فإن قيل: إن الشيخ البنا قد دعا إلى الجهاد في هذه الخطبة فيكون قد أدى ما عليه؟! قلنا أي جهاد الذي دعا إليه البنا إذا كان قد أقر الشرك الأكبر المخرج من الملة وما فائدة جهاد اليهود والنصارى إذا كنا مثلهم ؛ بل أردأ منهم فاليهود ألهوا عزيراً والنصارى ألهوا عيسى عليه السلام فقط، أما الصوفية ومن دان بدينهم فقد ألهوا ملا يحصى من البشر فتجد قوماً يعبدون الحسين وآخرون يعبدون السيدة زينب وآخرون يعبدون البدوي وآخرون يعبدون الجيلاني وآخرون يعبدون الدسوقي وهلم جراً مالا يعد ولا يحصى من الآلهة فحسبنا الله على من أقر الشرك بالله في حين أنه يزعم أنه يدعوا إلى الله. والخلاصة: أن كل من دعى إلى جهاد ولم يؤسسه على التوحيد الذي أسس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاده فإنه قد ضل وأضل، وأخطأ الطريق الأمثل، الذي سار عليه كل نبي مرسل، ونطق به كل كتاب منزل. أما قول البنا في رسالة التعاليم في الأصل الرابع من الأصول العشرين: "والتمائم والرقى والودع والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة علم الغيب وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إلا ماكان آية أو قرآن أو رقية مأثورة"(14) اهـ. وقال في النص الرابع عشر(15): ((وزيارة القبور أيا كانت سنة مشروعةبالكيفية المأثورة، ولكن الاستعانة بالمقبورين أيا كانوا وندائهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها وإضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات، كبائر تجب محاربتها ولا نتأول لهذه الأعمال سداً للذريعة))اهـ. وأقول: أولاً وقبل كل شئ في هذين المقطعين أو الأصلين الذين كتبهما الأستاذ البنا خلط يدل على عدم تمييزه بين البدعة والشرك الأكبر والشرك الأصغر فمزاولة الكهانة وادعاء معرفة علم الغيب شرك أكبر مخرج من الملة، وكذلك الاستعانة بالمقبورين أياً كانوا وندائهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم والنذر لهم والتمسح بقبورهم كل ذلك شرك أكبر مخرج من الملة وكذلك تعلق التمائم والودع إن اعتقد فيه أنه يدفع عنه الجن أو ما أشبه ذلك كل هذا من الشرك الأكبر مثل شرك العرب الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستباح سفك دمائهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم،وأما الشرك الأصغر فهو كالحلف بغير الله تعالى والرقية إذا كانت بغير المشروع ولم يكن فيها استغاثة بالجن أو غيرهم أما البدع فهي البناء على القبور وسترها والإضاءة لها، فالدمج بين هذه الأمور المتفاوتة في الحكم دال على عدم معرفته للتفصيل، فمن دعا غير الله وطلب منه جلب النفع ودفع الضر فقد كفر، قال الله تعالى {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}(16) وفي الحديث: ( من أتى كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) وفي رواية فقد كفر بما أنزل على محمد(17) فإذا كان هذا في حق الآتي إلى الكاهن فما بالك بالكاهن نفسه، ومن ادعى علم الغيب فقد كفر، ومن اعتقد فيه ذلك فقد كفر، فمن زعم أن هذه الأمور من الكبائر التي لا يخرج بها صاحبها من الإسلام فهو أحد رجلين إما جاهل لا يعرف الأحكام الشرعية وإما مفتون يريد أن يضل الناس. وأما الحلف بغير الله فهو شرك أصغر لا يخرج من الإسلام بدليل أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يحلفون بآبائهم وبالكعبة وبالنبي صلى الله عليه وسلم ثم نهوا عن ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت). أما البناء على القبور وسترها والإضاءة لها فهي بدع إذا لم يصحبها دعوة للمقبورين ولا توسل بهم، ولو قدر أنه يقصد بالمنكر الشرك والكفر فأين العمل بهذا التقرير وقد أقر العامة على دعوة المقبورين وتأليههم؟! ولقد انعكس هذا- أي التهاون بتوحيد الألوهية واستمراء الشرك الذي يناقضه، وعدم الحساسية منه وعدم اعتباره ردة يهدم الإسلام ويقوضه من أصله -انعكس هذا الوضع الذي عاشه البنا في دعوته على جميع القادة والمنظرين في هذا المنهج فخيرهم الساكت عنه والمقر له وإن كان الساكت عن الشرك لا خير فيه ؛ بل من المنظرين والقادة في المنهج الإخواني من وقع في الشرك الأكبر، كما سيأتي عن سعيد حوى وعمر التلمساني ومصطفى السباعي فضلاً عن غيرهم. لنا لقاء ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة البقرة آية: 159. (2) صحيح الجامع رقم (2834). (3) أخرجه البخاري في كتاب العلم من حديث أبي بكرة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رب مبلغ أوعى من سامع) وأخرجه مسلم في الحج باب (82) رقم الحديث (446). (4) رواه جماعة من الصحابة في عدة ألفاظ متقاربة ينظر موسوعة أطراف الحديث (10/35،36،37). (5) سورة الكهف الآيات: 103ـ105. (6) سورة النساء آية:48. (7) سورة النساء آية: 116. (8) سورة المائدة آية: 72. (9) سورة الأنعام آية: 88. (10) سورة الزمر آية: 65. (11) انظر كتاب (هذه هي الصوفية) لعبدالرحمن الوكيل أو (الكشف عن الصوفية لأول مرة) وسترى أن الصوفية كلها داء عضال وسم قاتل وبلاء ليس فوقه بلاء، فإن كنت قد عوفيت منها فاحمد الله على العافية. (12) حسن البنا قال في كتاب (النقط فوق الحروف) لأحمد عادل كمال (ص 81) ولد الأستاذ حسن البنا بقرية المحمودية مديرية البحيرة بمصر سنة 1904م. وتلقى أول دراسته في كتاب القرية في المدرسة الإعدادية بالمحمودية ثم في مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ثم في دار العلوم بالقاهرة وقد تميز في كل هذه المراحل بأنه كان دائماً أول الناجحين حيث كان موضع فخر أساتذته ورعايتهم وكان من المتوقع أن ترسله وزارة المعارف لانجلترا أو فرنسا على عادتها في إيفاد أوائل الحاصلين على دبلوم دار العلوم لولا ظروف خاصة جعلت الوزارة تخرج عن ذلك التقليد. حصل الأستاذ على دبلوم دار العلوم ولم يبلغ الحادية والعشرين من عمره فتم تعيينه مدرساً بمدرسة الإسماعيلية الأميرية في الدرجة السادسة وتسلم عمله في عشرين 20 سبتمبر 1927م واستمر بعد ذلك مدرساً في المدارس الابتدائية تسع عشر سنة لم ينل فيها الدرجة الخامسة إلا بحكم قانون الموظفين المسنين. وفي مايو 1946 استقال الأستاذ من وظيفته بوزارة المعارف بمناسبة إنشاء الجريدة اليومية للإخوان المسلمين " اهـ من كتاب النقط على الحروف (ص81ـ83) بتصرف. قلت: وقد نشأ حسن البنا من أول يومه ونعومة أظفاره نشأة صوفية وقد ذكر ذلك البنا نفسه في كتابه مذكرات الدعوة والداعية مفتخراً ومغتبطاً فقال في (ص27): "وصحبت الإخوان الحصافية بدمنهور وواظبت على الحضرة بمسجد التوبة في كل ليلة... ثم قال: وحضر السيد عبدالوهاب المجيز في الطريقة الحصافية الشاذلية وتلقيت الحصافية الشاذلية عنه وآذنني بأدوارها ووظائفها". وقال جابر رزق في كتابه حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه (ص 8): "وفي دمنهور توثقت صلته ـ يعني حسن البنا ـ بالإخوان الحصافيةوواظب على الحضرة كل ليلة في مسجد التوبة مع الإخوان الحصافية ورغب في أخذ الطريقة حتى انتقل من مرتبة المحب إلىمرتبة التابع المبايع ؛ بل شارك في إنشاء جمعية صوفية حصافية كما ذكر في مذكراته (ص 28). قال وفي هذه الأثناء بدا لنا أن نؤسس جمعية إصلاحية هي الجمعية الحصافية الخيرية وانتخبت سكرتيراً لها... وخلفتها في هذا الكفاح جمعية الإخوان المسلمون بعد ذلك". قلت: ليهنأ جماعة أو جمعية الإخوان عراقتها في الصوفية وانتمائها لها بانغماس مؤسسها في التصوف، وكونها خلفت جمعية صوفية حصافية لتقوم بدورها وتؤدي غرضها، فالله ألله يا موحدون في عقيدة التوحيد ولا تضيعوها أو تميعوها، اقرؤا القرآن وانظروا ما فيه عن الشرك والمشركين من التحذير منه والوعيد عليه إقرأوا آية واحدة {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحد} وأضيفوا قوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}. اقرؤا السنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته لتروا كيف دعا إلى نبذ الأوثان وكسر الأصنام وتوحيد الملك العلام، ثم اقرؤا عن الصوفية لتروا ما فيها من شرك عظيم وتأليه للشيوخ ؛ بل لتروا ما فيها من دعوة صريحة إلى وحدة الوجود وإيمان بها، واعلموا أن الشرك والبدع أمور طبيعية عند المتصوفة كل المتصوفة لا يسلم منها حسن البنا ولا غيره وإن خالجكم شك في صدور الشرك منه والبدع فإليكم هذا الخبر وإن شككتم في صحته فراجعوه في المصدر الذي نسب إليه: نقل جابر رزق في كتابه ((حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصرية)) (ص 70ـ71) عن مجلة الدعوة فبراير 1951م حديث عبدالرحمن البناعن أخيه حسن البنا، قال فيه: "وعقب صلاة العشاء يجلس أخي ـ حسن البنا ـ إلى الذاكرين من جماعة الإخوان الحصافية وقد أشرق قلبه بنور الله فأجلس إلى جواره نذكر الله مع الذاكرين وقد خلا المسجد إلا من أهل الذكر وخبأ الصوت إلا ذبالة من سراج وسكن الليل إلا همسات من دعاء أو ومضات من ضياء، وشمل المكان كله نور سماوي ولفه جلال رباني، وذابت الأجسام وهامت الأرواح وتلاشى كل شئ في الوجود وانمحى وانساب بصوت المنشد في حلاوة وتطريب. الله قل وذر الـوجود وما حوى إن كنت مرتاداً بلوغ كمالي فالـــــــكل دون الله إن حققته عدم على التفصيل والإجمالي". قلت: هذان البيتان ينضحان بوحدة الوجود مع ما فيهما من بدع الذكر الصوفي وقبل ذلك قول أخيه "وتلاشى كل شئ في الوجود وانحمى"، هذه عبارات أصحاب وحدة الوجود. ونقل أيضاً في المصدر المذكور (ص 70ـ71) عن عبدالرحمن البنا قوله: "وذلك أنه حين يهل هلال ربيع الأول كنا نسير في موكب مسائي كل ليلة حتى ليلة الثاني عشر ننشد القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من قصائده المشهورة في هذه المناسبة المباركة: صلى الإله على النور الذي ظهرا للـــعالمين ففاق الشـــمس والقمرا كان هذا البيت تردده المجموعة ينشد أخي وأنشد معه. هذا الحبيب مع الأحباب قدحضرا وسامح الـكل في ماقد مضى وجرى لقد أدار على العـــــــشاق خمرته صـــــرفاً يكاد سناها يذهب البصرا ياسعد كرر لنا ذكــر الحبيب لقد بلبلت أســـــــماعنا يامطرب الفقرا وما لركب الحــمى مالت معاطفه لا شك أن حـبيب القوم قد حــضرا بواسطة (دعوة الإخوان في ميزان الإسلام 62ـ63) قلت: في هذه الأبيات ومقدمتها بدع: أولها: بدعة الاحتفال بالمولد. ثانيها: بدعة إنشاد المدح بصوت جماعي. ثالثها: زعم الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر احتفالاتهم المبتدعة، وهذا كذب عليه، عامل الله من اختلقه وصدقه بما يستحق، وفيها كارثة كبرى ومصيبة عظمى وهي إسناد مغفرة الذنوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "وسامح الكل فيما قد مضى وجرى" وهذا شرك أكبر مخلد في النار، قال تعال: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} وفي الحديث القدسي:(علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به) توفي البنا اغتيالاً سنة 1949م. (13) قافلة الإخوان المسلمون (1/192). (14) من كتاب ((نظرات في رسالة التعاليم)) لمحــمد عبدالله الخطيب ومحمد عبدالحليم حامد (80). (15) (ص 166) من نفس المصدر . (16) المؤمنون آية: 117. (17) الرواية الأولى: رواها مسلم في كتاب السلام باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. الرواية الثانية : أخرجها الإمام أحمد في المسند (2/429) والحديث رجاله ثقات خرج لهم في الصحيحين، أخرجه البخاري (5/53)، ومسلم في كتاب الإيمان رقم (4). |
سلسلة المورد العذب الزلال(11) ما انتقد على الإخوان المسلمين (الملاحظة الثانية)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(158) : الثاني: من الملاحظات: إقرار المشاهد والأضرحة وعدم محاولة إزالتها والقيام بحرب عليها وعلى مرتاديها. إن المشاهد والأضرحة التي مازالت قائمة في البلاد المصرية والتي يرتادها المصريون من كل نواحي مصر يتطوفون بها ويقدمون لها النذور ويهتفون بأسماء أصحابها إستغاثة في الكروب ورجاءً في الرغائب إن هذه المشاهد والأضرحة تمثل الطواغيت التي كانت في الجاهلية كاللات والعزى وذي الكفين وذي الخلصة ومناة وغير ذلك والتي حاربها النبي صلى الله عليه وسلم , منذ بعث حرباً شعواء لا تخبوا نارها ولا يفتر أوارها، فلما انتصر على المشركين أرسل بعض أصحابه لهدم تلك الطواغيت وإبادتها وإحراقها. وإن الواجب على كل داعية يزعم أنه يدعوا إلى الله ويكون في وسط وبيئته كالوسط والبيئة التي كانت وما زالت في مصر وغيرها من بلدان العالم التي بليت بهذا المرض الفتاك وهو مرض الخرافة والشرك بالله؛ أقول: إن الواجب على كل داعية في مثل هذا المحيط أن يبدأ ببيان التوحيد وما ينافيه من الشرك أما من سكت عن الشرك وهو يزعم في نفس الوقت أنه يدعوا إلى الله مع أنه لا يتمعر وجهه من هتافات المشركين بأسماء المخلوقين يدعونهم بما لا يقدر عليه إلا الله سواء كانوا أحياء أم أمواتاً ولم يحارب تلك المشاهد ومرتاديها حتى ولا بالإنكار بالكلمة ؛ بل هو يذهب إليها بنفسه موهماً لعوام الناس ودهمائهم أن هذه الأضرحة تمثل الإسلام وما يعمله الناس عندها يقره الإسلام كما تقدم، أن الشيخ البنا حاضر في مشهد السيدة زينب في حفل الهجرة ولم يذكر حرفاً واحداً عن الشرك الذي يعمل في ذلك المشهد. وقال حسن البنا في مذكراته (ص33): "وكنا في كثير من أيام الجمع التي يتصادف أن نقضيها في دمنهور نقترح رحلة لزيارة الأولياء القريبين من دمنهور فكنا أحياناً نزور دسوقي فنمشي على أقدامنا بعد صلاة الصبح مباشرة بحيث نصل حوالي الساعة الثامنة صباحاً فنقطع المسافة وهي حوالي عشرين كم في ثلاث ساعات، ونزور ونصلي الجمعة ونستريح بعد الغداء ونصلى العصر ونعود أدراجنا إلى دمنهور حيث نصلها بعد المغرب تقريباً،... وقال أيضاً في الصفحة نفسها: وكنا أحياناً نزور عزبة النوام حيث دفن في مقبرتها الشيخ سيد سنجر من خواص رجال الطريقة الحصافية والمعروفين بصلاحهم وتقواهم، ونقضي يوماً كاملاً هناك ثم نعود"(1) اهـ. وأقول: إن الزيارة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: سنية وبدعية وشركية، فمن دعا صاحب القبر فهو مشرك* وزيارته شركية، ومن زعم أن الدعاء عند ذلك القبر مستجاب فهو مبتدع وزيارته بدعية ومن زار قبر فلان ليدعو له، لعلمه أن المقبور في حاجة إلى الدعاء فتلك هي الزيارة السنية التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة)(2). ولكن الزيارة السنية لا يجوز أن يشد إليها رحل لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)(3). والعشرين كيلو ((بريد)) وهي مسافة قصر على رأي بعض أهل العلم وظاهر الدليل معهم فقد ورد في حديث (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام) وفي رواية (يوم وليلة) وفي رواية يوم، وفي رواية: ليلة. إلا مع ذي محرم. وهذه الروايات صحت صحة لا شك فيها وورد في رواية سهيل بن أبي صالح وقد روى له البخاري مقروناً بلفظ: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة بريد). والبريد مسافة تسعة عشر كيلوا ومائتي متر (19200) فتبين أن هذه المسافة مسافة قصر. وأخيراً ما هو الباعث للشيخ البنا ورفاقه إلى هذه المشاهد وهذه القبور التي فتن بها الناس وجعلوها مضاهية للكعبة إن كانوا يدعون الله عندها ومضاهية لله إن كانوا يدعونها والأخير هو المعروف من حال المشركين الذين يرتادون هذه الأماكن وما الذي حملهم على أنهم يذهبون إلى هذه القبور يمشون على الأقدام ويزعمون أن ذلك قربة. والظاهر أن البنا ورفاقه يقصدون واحداً من الاثنين، إما الدعاء عندها وهذا بدعة وإما دعاء المقبورين فيها وهذا شرك أكبر، فمن عاش وتربى على هذا من صغره وأيام طلبه فكيف يستبعد وقوعه منه في كبره وأيام تبنيه للدعوة إلى الله بل إن ذكره لذلك معتزاً ومغتبطاً به في مذكراته يدل دلالة واضحة علىعدم رجوعه عنه وسكوته على تلك المشاهد أيام دعوته، وعدم إنكاره على مرتاديها شاهد آخر؛ بل والذهاب إليها والمحاضرة فيها عن غير الشرك الذي يجري فيها شاهد ثالث وفيه من المحاذير: 1ـ إيهام العامة أن ما يجري عند تلك القبور من الدعاء لغير الله والاستغاثة بغيره من المخلوقين والذبح والنذر لهم دونه أنه هو الإسلام وذلك محاربة للإسلام الصحيح لا دعوة إليه. 2 ـ فيه تشجيع للوثنية التي حاربها الإسلام من أول يوم نزل القرآن فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وبالأخص في السور المكية كقوله تعالى {ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً لمن الظالمين}(4). 3 ـ صدور هذا من داعية يظهر للناس أنه يمثل الإسلام الصحيح أعظم في التغرير بالسذج، وأكثر إيغالاً في الإيهام والخداع، وأنا لا أعتقد أن البنا قصد الإيهام، ومن سبر حاله من كتبه وسيرته يتبين له أن الذي أوقعه في ذلك هو الجهل بالإسلام الصحيح. لنا لقاء ان شاءالله ـــــــــــــــــــــــ (1) مذكرات الدعوة والداعية (ص 33). (2) أخرجه مسلم في قصة زيارته صلى الله عليه وسلم لقبر أمه بلفظ: (فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) برقم (996) في آخر الجنائز. وأخرجه من طريق بردة بن بريدة عن أبيه مرفوعاً كنت نهيتكم في الأضاحي برقم (1976) وفي الجنائز، بلفظ نهيتكم وأخرجه الترمذي في الجنائز باب الرخصة في زيارة القبور بلفظ: قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة. ورواه البيهقي بلفظ: أتم. ورواه أحمد أيضاً. (3) قال في ((إرواء الغليل للألباني)) (3/226): ((حديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد... صحيح متواتر ورد عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو بصرة الغفاري وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو وأبو الجعد)). (4) سورة يونس. الآية: 106. ــــــــــــــــــــــ *قال بعض أهل العلم:الحكم على الأشخاص المعيّنين بالشرك الأكبر المخرج من الملة يكون بعد البيان لهم وإصرارهم على الشرك. (فكير). |
سلسلة المورد العذب الزلال(11) ما انتقد على الإخوان المسلمين (الملاحظة الثالثة)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(158) : الملاحظة الثالثة: قبول المشركين بالله شركاً أكبر بالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك في الجماعة واعتبارهم أخواناً مع منافات عقيدتهم لأعظم قاعدة في الإسلام واعتبار الرافضة الذين يسبون الصحابة ويعتقدون في أئمتهم العصمة إخواناً إلى غير ذلك. دليلنا على ذلك أمور: الأمر الأول: أن حسن البنا حين قام بالدعوة في مصر تابعه على دعوته عشرات الألوف بل مئات الألوف لكنا لم نسمع أنه شرط علىأحد ممن دخلوا في حزبه أن يتخلى عن عقيدته السابقة سواء كانت شركية خرافية أو جهمية تعطيلية أو معتزلية تنفي القدر وتقول بخلق القرآن وتجحد رؤية الله في الآخرة أو غير ذلك لم نسمع ولم نقرأ في كتبه أنه قال لأحد منهم لا تدخل في دعوتنا حتى تتخلى عن عقيدتك السابقة. الأمر الثاني: سعي الشيخ البنا في التقريب بين السنة والشيعة واعتباره أن الشيعة إخوان في الإسلام رغم ما عندهم من العقائد المنافية للدين الإسلامي منافاة واضحة، من ذلك زعم الشيعة أن أئمتهم معصومون وقد خالفوا في هذا إجماع علماء المسلمين أن العصمة ليست لأحد غير الأنبياء. ومن ذلك زعمهم عليهم لعائن الله أو زعم بعضهم أن جبريل خان فألقى الرسالة على محمد وهي كانت لعلي وهذا كفر من أبشع الكفر. ومن ذلك سبهم لأبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة ورميهم لعائشة بالإفك بعد أن برأها الله منه وهذا كفر وإنكار لما جاء في القرآن من تبرئتها وجحد له. ومن ذلك زعمهم أن القرآن مبدل ومحرف وقد حذف منه أكثر من النصف وهذا تكذيب لقوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(1). ومن ذلك اعتقادهم جواز نكاح المتعة ومخالفتهم لإجماع المسلمين على نسخها. ومن ذلك اعتقادهم أنه يجوز للرجل أن يتزوج أكثر من أربع ويخالفون إجماع المسلمين. ومن ذلك تأليههم لأئمتهم خاصة وأهل البيت عامة، وذلك بتعبيد أبنائهم لهم فهم يسمون عبدالزهراء وعبدالحسين وعبدالكاظم وغير ذلك. ويعتقدون أن الأموات منهم يجيبون الدعاء ويكشفون الغمة(2). ورغم هذه الأمور المكفرة والبلاوي التي هي غاية في البشاعة والكفر، رغم هذا كله فقد اعتبرهم حسن البنا إخواناً في الدين وسعى في التقريب بينهم وبين أهل السنة سعياً حثيثاً وبذل في ذلك جهداً ليس باليسير وسار على نهجه أتباعه من بعده. يقول عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين: "وبلغ من حرصه ـ حسن البنا ـ على توحيد كلمة المسلمين أن كان يرمي إلى مؤتمر يجمع الفرق الإسلامية لعل الله أن يهديهم إلى الإجماع على أمر يحول بينهم وبين تكفير بعضهم خاصة وأن قرآننا واحد وديننا واحد وإلهنا واحد ورسولنا صلى الله عليه وسلم واحد " (3). قلت: وهل يتصور أن تجتمع الفرق التي عاشت على الخلاف ألف سنة بل أكثر. هل يتصور أن تجتمع الآن؟! ولقد استضاف لهذا الغرض فضيلة الشيخ محمد القمي أحد كبار علماء الشيعة وزعمائهم في المركز العام فترة ليست بالقصيرة، كما أنه من المعروف أن الإمام البنا قد قابل المرجع الشيعي آية الله الكاشاني أثناء الحج عام 1948م وحدث بينهما تفاهم يشير إليه أحد شخصيات الإخوان المسلمين اليوم وأحد تلامذة الإمام الشهيد !!! الأستاذ عبدالمتعال الجبري في كتابه(4) . الاعتصام: نقل فيه كلاماً لكاتب انجليزي يذكر فيه دور البنا في التقريب مع الشيعة. ويعلق الأستاذ الجبري قائلاً:"لقد صدق ((روبير)) وشمَّ بحاستة السياسية جهد الإمام في التقريب بين المذاهب الإسلامية فماله لو أدرك عن قرب دوره الضخم في هذا المجال مما لا يتسع لذكره المقام"اهـ. ونقل عن كتاب التلمساني ((ذكريات لا مذكرات)) أنه قال: "وفي الأربعينات على ما أذكر كان السيد القمي وهو شيعي المذهب ينزل ضيفاً علىالإخوان في المركز العام ووقتها كان الإمام الشهيد يعمل جاداً على التقريب بين المذاهب حتى لا يتخذ أعداء الإسلام الفرقة بين المذاهب منفذاً يعملون من خلاله على تمزيق وحدة الأمة الإسلامية، وسألناه يوماً عن مدى الخلاف بين أهل السنة والشيعة فنهانا عن الدخول في مثل هذه المسائل الشائكة التي لا يليق بالمسلمين أن يشغلوا أنفسهم بها، والمسلمون على ما ترى من تنابذ يعمل أعداء الإسلام على إشعال ناره، قلنا لفضيلته نحن لا نسأل عن هذا للتعصب أوتوسعة هوة الخلاف بين المسلمين، ولكننا نسأل للعلم لأن ما بين أهل السنة والشيعة مذكور في مؤلفات لا حصر لها، وليس لدينا من سعة الوقت ما يمكننا من البحث في تلك المراجع. فقال رضوان الله عليه: اعلموا أن السنة والشيعة مسلمون تجمعهم كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا أصل العقيدة والسنة والشيعة فيه سواء وعلى النقاء، أما الخلاف بينهما فهو في أمور من الممكن التقريب بينهما فيها"(5). قلت: القول بأن (الشيعة وأهل السنة سواء وعلى النقاء) هذا القول لايصدر إلا من جاهل أو مغالط. 1 ـ فهل من يسب أبا بكر وعمر ويكفرهما ويتهمهما بالخيانة هو ومن يجلهما ويترضي عنهما ويعتقد أنهما أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد نبيها سواء. 2 ـ وهل من يعتقد العصمة للأئمة الإثنا عشر من أهل البيت ومن يعتبرهم كغيرهم من المسلمين سواء. 3 ـ وهل من يعبِّد أبنائه لأهل البيت ويسميهم عبدالزهراء أو عبدالحسين أو غير ذلك ومن لا يرى العبودية إلا لله تعالى سواء إلى غير ذلك ولقد صرح الخميني في بعض كتبه أن المهدي المنتظر إذا ظهر فسينجح أكثر من محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم . إن الفوارق بين أهل السنة والشيعة فوارق كبيرة لا يمكن معها تقارب ولا اجتماع إلا أن يتخلى أحد الجانبين عن عقيدته ويرضى بعقيدة الجانب الآخروهذا مالا يجوز من السني ولا يمكن حصوله من الشيعة رغم وجوبه عليهم ووجوب الإذعان للحق الذي مع أهل السنة. وأما قوله: (على النقاء) فأين النقاء من قوم يرون أفضل القرب أذية أهل السنة وفي ذلك أخبار مستفيضة، وأذكر أنَّا ذهبنا لطواف الإفاضة والسعي في آخر ليلة الحادي عشر (11) أو ليلة الثاني عشر (12) فوجدنا تحت الصفا أي قبل الوصول إليها عذرة كثيرة منثورة على مسافة ما يقارب خمسة عشر متراً وبكميات كبيرة مما يدل على أن فاعل هذا قد جمعها في باغات ونثرها وأذكر أن الناس باللسان الواحد كانوا يتهمون بذلك الشيعة لأن أذية أهل السنة مبدأ من مبادئهم ودين من دينهم. الأمر الثالث: قول حسن البنا حين اجتمع بلجنة مشتركة أمريكية بريطانية جالت العالم العربي من أجل قضية فلسطين فالتقى بهم في مصر ممثلاً للحركة الإسلامية فقال: "فأقرر إن خصومتنا لليهود ليست دينية لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم ومصادقتهم، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلى بالتي هي أحسن } وحينما أراد القرآن أن يتناول مسألة اليهود تناولها من الوجهة الاقتصادية فقال تعالى {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم}(6). وأقول: أين هذا مما قص الله عنهم في سورة البقرة وفي سورة المائدة وغيرهما من السور؟ أين قول البنا أقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية من قوله تعالى {من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} أنزل الله ذلك حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم من يأتيك بالوحي من الملائكة قال: جبريل، قالوا ذاك عدونا من الملائكة، لو كان الذي يأتيك بالوحي ميكائيل لتابعناك. فأنزل الله هذه الآيات، فكيف يقول إن خصومتنا مع اليهود ليست دينية. سبحان الله، إن هذا لعجب أي عجب أن يقرر الله عداوة اليهود له ولملائكته ورسله وجبريل وميكال ثم يقرر عداوته لهم حين قرروا هم عداوتهم لأوليائهم.. ثم يأتي رجل يزعم بأنه يدعوا إلى الله ويقرر حتى عدم الخصومة مع اليهود في الدين مع أن الخصومة أدق من العداوة فقد يتخاصم الإخوة، فنفي الخصومة يستلزم نفي العداوة وما هو دونها. إن هذا لأمر غريب عجيب، وموقف سيئ مريب فإنا لله وإنا إليه راجعون. الأمر الرابع: ومن ذلك إقامته حفلاً لتكريم السيد محمد عثمان الميرغني قال فيه البنا: "إن دار الإخوان لتسعد أكبر السعادة وتأنس أعظم الإيناس إذ تستقبل هذه القلوب الطاهرة والنفوس الكريمة أعلام الجهاد وأبطال العروبة وأقطاب قادة السلام، أتقدم إلى الزعيم السوداني الكريم السيد محمد عثمان الميرغني وإلى حضرات الذين أجابوا الدعوة بأجزل الشكر وأعظمه... إلى أن قال: أيها السادة لعل الكثير لا يعلمون أننا نحن الإخوان مدينون للسادة الميرغنية بدين المودة الخالصة والحفاوة البالغة التي غمرونا بها من قبل ومن بعد كلما ذهب مبعوثنا إلى السودان.. لا.. ولكن دين قديم منذ نشأت الدعوة بالإسماعيلية فقد كان أول أنصارها والمجاهدون لتركيزها الإخوان الختمية الميرغنية وقد حضرت في سنة 1937م حفلاً للإسراء والمعراج في زاوية وخلوة السيد عثمان الميرغني الكبير بالإسماعيلية، وهي لا تزال قائمة ولا زلت أذكر أخانا هناك فالقلب الختمي والتأييد الختمي يسير مع الدعوة منذ فجرها،وسماحة السيد عثمان الميرغني الكبير ووارثه السيد محمد عثمان هو أول من حمل هذا اللواء وبشر به فهذا تاريخ قديم نتحدث عنه أيها السادة لنعبر لفرع الدوحة الكريمة السيد محمد عثمان عما يكنه الإخوان لسماحته من حب ومودة وتقدير"(7) اهـ وإن قول البنا: "إنهم معشر الإخوان مدينون للسادة الميرغينية بدين المودة الخالصة والحفاوة البالغة " وقوله في الأخير "لنعبر لفرع الدوحة الكريمة السيد محمد عثمان الميرغني عما يكنه الإخوان لسماحته من حب ومودة وتقدير " إن هذا الثناء وهذا التكريم ليدل على واحد من أمرين: الأمر الأول: وهو إما أنه يشارك الميرغني في عقيدة وحدة الوجود، وهذه سوءة ما مثلها سوءة فالميرغني من أقطاب وحدة الوجود وكهنتها. وإما : الأمر الثاني: وهو أن الولاء والبراء منعدم عنده، فهل سيفهم هذا الذين عاشوا على التوحيد وربوا على العقيدة السلفية منذ الصغر. لنا لقاء ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ (1) سورة الحجر آية: 9. (2) انظر كتاب ((الكافي للكليني)) الذي هو عند الرافضة بمنزلة البخاري عند أهل السنة ففيه: (200/1، كتاب الحجة ـ باب نادر فيه ذكر الغيب) أي أن الإئمة يعلمون الغيب، وفي (1/202، كتاب الحجة ـ باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم)، وفي (1/203، كتاب الحجة ـ باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شئ صلوات الله عليهم) . فانظر إلى هذا الضلال والإفك المبين، ومع هذا كله يريد (الإخوان المسلمون) التقريب بين أهل السنة والرافضة؛ بل يرون أن هذا كله لا يوجب الاختلاف بيننا. محمد بن هادي (3) ((حسن البنا القائد الملهم الموهوب)) (ص 78). (4) ((لماذا اغتيل حسن البنا))(ص 32) . بواسطة ((الاخوان المسلمون في الميزان)). (5) ذكريات لا مذكرات لعمر التلمساني (ص 249 ـ250). (6) كتاب ((الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ))(1/409)، وعباس السيسي في كتاب ((حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية)) (ص 488). (7) قافلة الإخوان المسلمون للسيسي (1/259). |
سلسلة المورد العذب الزلال(11) ما انتقد على الإخوان المسلمين (الملاحظة الرابعة)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد:قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(166) : الملاحظة الرابعة: تهاونه في التوسل الذي هو من الذرائع المؤدية إلى الشرك واعتباره من الفروع التي لا يهتم فيها، لقد صرح البنا بأن التوسل من الأمور الفرعية التي مازال الخلاف فيها قائماً وليست من أمور العقيدة، فقال في الأصل الخامس عشر من الأصول العشرين: والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من أمور العقيدة"(1). قلت: التوسل بالذوات ممنوع ومحرم فإنه لم يعرف عن أحد من الصحابة أنه فعله، أما قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الاستسقاء: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فهذا دليل على القائلين بالتوسل بالذوات، لأنه لو كان التوسل بالذوات جائزاً ما عدل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عن ذات النبي صلى الله عليه وسلم إلى دعاء العباس. ثانياً: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما توسل بدعاء العباس وليس بذاته، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية حين سئل هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فأجاب رحمه الله: الحمد لله أما التوسل بالإيمان به ومحبته وطاعته والصلاة والسلام عليه وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك مما هو من أفعاله وأفعال العباد المأمور بها في حقه فهو مشروع باتفاق المسلمين وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتوسلون به في حياته، وتوسلوا بعد موته بالعباس عمه كما كانوا يتوسلون به. ومقصود الشيخ أنهم كانو يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فلما مات توسلوا بدعاء عمه العباس ولهذا قال بعد ذلك : ((وأما قول القائل اللهم إني أتوسل إليك به، فللعلماء فيه قولان كما لهم في الحلف به (يعني النبي صلى الله عليه وسلم ) قولان. وجمهور الأئمة كمالك والشافعي وأبي حنيفة على أنه لا يسوغ الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بغيره من الأنبياء والملائكة ولا تنعقد اليمين بذلك باتفاق العلماء وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد تنعقد اليمين به خاصة دون غيره. ولكن غير أحمد قال إن هذا إقسام على الله بمخلوق، ولكن الرواية الأخرى عنه وهي قول جمهور العلماء أنه لا يقسم على الله به كسائر الملائكة والأنبياء، فإنا لا نعلم أحداً من السلف والأئمة قال إنه يقسم به على الله كما لم يقولوا أنه يقسم بهم مطلقاً، ولهذا أفتى أبو محمد بن عبدالسلام أنه لا يقسم على الله بأحد من الأنبياء والملائكة وغيرهم، لكن ذكر له أنه روى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإقسام به على الله قال: إن صح الحديث كان خاصاً به، والحديث المذكور لا يدل على إقسام به وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت) وقال من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك والدعاء عبادة والعبادة مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع. والله أعلم(2). قلت: القول بأن الإقسام على الله بذات أحد من خلقه أو بجاهه محرم لا يجوز هو القول الحق لأمور. الأمر الأول: أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله أو أمر به، ولم يصح عن أحد من أصحابه أنه فعله أو أمر به ولو كان التوسل بالجاه أو الذات من العبادات التي شرعها الله لعباده لنقله أصحابه عنه نقلاً متواتراً أو مشهوراً كسائر العبادات التي نقلت عنه نقلاً مشهوراً. الأمر الثاني: أن كل ما روي في الإقسام بالمخلوق على الخالق أو السؤال بجاهه فهو إما موضوع أو ضعيف، انظر كتاب ((التوسل والوسيلة)) لشيخ الإسلام ابن تيمية والجزء الأول من ((الفتاوى الكبرى)) له وكتاب ((أوضح الشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة))(3) فيه شئ من التحقيق مقتبس من كتب شيخ الإٍسلام ابن تيمية وغيرها. الأمر الثالث: القاعدة الشرعية: أن نرد المشكل إلى الواضح والمنكر إلى المعروف بأن نستبعد المنكر ونأخذ بالمعروف والمعروف من الشريعة الإسلامية أن الوسيلة المأمور بها هي العمل الصالح كما في قوله تعالى {وابتغوا إليه الوسيلة}(4). الأمر الرابع: أما حديث عثمان بن حنيف فهو إن صح من التوسل بدعائه لا بذاته وكونه أمر به رجلاً في عهد عثمان رضي الله عنه فقضيت حاجته، فهذا مردود بثلاثة أمور: الأمر الأول: ضعف الرواية. الأمر الثاني: إن صح فهو اجتهاد من عثمان بن حنيف ولم يوافقه عليه أحد من الصحابة. الأمر الثالث: أن انقضاء حاجة ذلك الرجل لا تدل على شرعية ما أمر به؛ بل قد تقضى حاجته ابتلاءً كما تقضي حاجة المشرك أحياناً إذا دعا غير الله ولا يدل ذلك على جواز الشرك. الأمر الخامس: أن الواجب علينا أن نأخذ بقول أحمد بن حنبل مع الجماعة ونرد قوله وحده فإن قوله مع الجماعة أصح وأحب إلينا من قوله وحده لأنه وإن كان إمام أهل السنة بحق إلا أنه ليس بمعصوم من الخطأ وقد قال مالك: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر يعني النبي صلى الله عليه وسلم. الأمر السادس: أن القول بجواز التوسل بالذوات مفتاح لباب شر عظيم ألا وهو الشرك الأكبر لأن العامة لا يقتصرون على سؤال الله عزوجل بالذات الذي هو بدعة ؛ بل سرعان ما ينقلهم الشيطان من السؤال بالذات إلى سؤال الذات نفسها ومن سبر أحوال الناس لم يساوره في هذا أدنى شك. الأمر السابع: ومن هذا يتبين لك أن قول البنا أن التوسل من الأمور الفرعية قول باطل ؛ بل هو من الأحكام التي تتعلق بالعقيدة وبالله التوفيق لنا لقاء ان شاءالله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) من كتاب نظرات في رسالة التعاليم (ص 177) إعداد محمد عبدالله الخطيب ومحمد عبدالحليم حامد. (2) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/140ـ141). (3) هو لشيخنا المؤلف ـ حفظه الله ـ . محمد بن هادي (4) سورة المائدة آية: 35. |
سلسلة المورد العذب الزلال(11) ما انتقد على الإخوان المسلمين (الملاحظة الخامسة)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الشيخ أحمد النجمي في كتابه المورد العذب الزلال ص(170) : الملاحظة الخامسة: حضور البنا للأعياد المبتدعة ومحاضرته فيها: قال في (قافلة الإخوان) "حسن البنا في الإسكندرية ثم قال: "دعا الإخوان المسلمون بالإسكندرية إلى الاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في حفل يحضره فضيلة المرشد العام بمسجد نبي الله دانيال واستقبل الإخوان الأستاذ المرشد على محطة السكة الحديدية قبيل صلاة المغرب، إلى أن قال: وبدأ الأستاذ المرشد محاضرته بحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله الكريم ثم دخل في موضوع الذكرى فقال: نحي ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن حق الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين أن يحتفلوا في هذه الذكرى المباركة فرسولنا عليه السلام لم يأت للمسلمين فقط وإنما بعث رحمة للعالمين الإنس والجن... الخ"(1). وقال محمود عبدالحليم في كتاب (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ): "وأقام الإخوان حفلاً بشطبة العباسية بالقاهرة بمناسبة ذكرى غزوة بدر وألقيت فيها كلمة المرشد العام التي نشرت في الصحف في اليوم التالي"(2). وفي مجلة الدعوة (ص 4ـ5) عدد 13 رجب 1397هـ: ((أن عمر التلمساني كتب مقالاً بعنوان الإسراء قال فيه إن الاحتفال بهذه المناسبة يدل مظهره على التعظيم لشأن هذه المعجزة الباهرة))(3) اهـ. قلت: الاحتفال بالمولد بدعة أحدثها العبيديون الذين ملكوا المغرب ثم امتد ملكهم إلى مصر في القرن الخامس الهجري ولم يفعله أحد من الخلفاء الأربعة ولا سائر الصحابة ولا عمله أحد من أهل القرون المفضلة. فهل علموا فضله وتركوه؟ أم جهلوه؟ فإن قلتم علموا فضله وتركوه فقد كذبتم عليهم، وإن قلتم جهلوه وعلمتموه أنتم فأنتم أحق بالجهل منهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قافلة الإخوان المسلمون (1/48). (2) انظر (3/127). (3) بواسطة كتاب الإخوان المسلمون في ميزان الإسلام (ص71). |
| الساعة الآن : 09:07 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour