تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif الحمد لله القائل في كتابه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: 185]، والقائل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}[الدخان: 3- 5].والقائل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: 1].الحال مع القرآن في رمضان[1] مساعد بن سليمان الطيار (1) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s والصلاة والسلام على رسوله الكريم الذي خصَّه اللهُ بوحيه، وأنْزَل عليه خيرَ كُتبه، القائل: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه»، ثمَّ أُتمِّم الصلاة على آل البيت الأطهار، وعلى أصحابه البررة الأخيار، ثمَّ على التابعين لهم ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد: فلقد خَصَّ اللهُ هذا الشهر الكريم بخصائص؛ منها: أنه أفضل شهور السنة، وفيه ليلة القدر، وفيه نزل القرآن. ونزول القرآن بنوعيه الجملي والابتدائي كان في ليلة القدر؛ أما الجملي فقد أخبر عنه ابن عباس (ت: 68هـ) -رضي الله عنهما- بقوله: «أُنزِل القرآن كلّه جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان اللهُ إذا أراد أن يُحدِث في الأرض شيئًا أَنزَل منه، حتى جمعه»[2]. وهذا القول ثابت عن ابن عباس، وله روايات متعددة. وأما ابتداء النُّزول، فقد نُسِب للشعبي (ت: 103هـ)، وهو الذي يدلّ عليه ظاهر القرآن في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: 185]، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}[الدخان: 3]. وهداية الناس وبيان الهدى لهم ونذارتهم إنما هي في القرآن النازل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، وليس يمتنع أن يُراد المعنيان معًا في هذه الآيات، فتكون دالَّة على النُّزولَيْنِ؛ إِذْ ليس بينهما تعارض ولا تناقض، والقولان إذا صحَّا في تفسير الآية، والآية تحتملهما، ولم يكن بينهما تعارض؛ فإنه يجوز حمل الآية عليها كما قرَّره العلماء. وعلى كلّ حالٍ فإنّ التلازم بين القرآن وشهر رمضان ظاهر في هذه الآيات، فَشَرُفَ الشهرُ بنُزُول القرآن فيه؛ لذا صار يُسمى: شهر القرآن. أحوال الناس في قراءة القرآن: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يقع سؤال بعض الناس عن أيّهما أفضل: قراءة القرآن بتدبُّر، أو قراءته على وجه الحَدْر، والاستزادة من كثرة ختمه إدراكًا لأجر القراءة؟ وهاتان العبادتان غير متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر في هذا يرجع إلى حال القُرّاء، وهم أصناف: - الصنف الأول: العامّة الذين لا يستطيعون التدبّر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لا شكَّ أنّ الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة. وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكـثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: «لا أقول {ألم} حرف، بل ألِف حرف، ولام حرف، وميم حرف». - الصنف الثاني: العلماء وطَلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن: الأول: كطريقة العامّة؛ طلبًا لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتماتِ. الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتدبُّر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصّصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وأعود فأقول: إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوّع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معًا، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحالِ صاحبه فيه. ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم؛ لذا شبَّه بعض العلماء مَنْ قرأ سورة من القرآن بتدبّر بمَن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كلّ القرآن بغير تدبّر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول. ومما يحسن التنبيهُ على أمورٍ تتعلّق بتلاوة القرآن في رمضان: الأمر الأول: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أن يتعرف المرء على نفسه، فليس الناس ذَوِي حالٍ واحدةٍ في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل -عليه السلام- في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي سنّة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول. والملاحظ أنَّ كثيرًا من الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا. ولأجل هذا فمَن اعتاد من نفسه هذا الأسلوب فإنّ الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكلّ يومٍ جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا الأسلوب في كلّ شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة والإصرار. ولو أنَّ المسلم خصَّص لكلّ وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين صفحة، وهذا ما يعادلُ جزءًا كاملًا في المصاحف الموجَّهة المكتوبة في خمسة عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية. وبهذه الطريقة يكـون مـداومًا على عملٍ من أعمـال الخـير غير منقطع عنه، و«أَحَبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قَلَّ»، كما قال -صلى الله عليه وسلم-[3]. الأمر الثاني: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يحسن بمن يقرأ القرآن عمومًا وبمَن يقرؤه في رمضان على وجهِ الخصوص، أن يكون معه تفسيرٌ مختصَرٌ يقرأ فيه لِيَعْلَم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويعلمها كمن لا يدركها. ومع أهمية هذا الأمر، فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه كتابَ تفسيرٍ مختصرٍ يرجع إليه على الدوام لأدرك كثيرًا من معاني القرآن. ولقد عُني المسلمون في هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين، ومنـها بلاد الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير الميسر) وهو اسم على مسمّى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في الترجمة، إلا أنه نافع لعامّة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من مارس التعامل مع اختلاف المفسرين. والمقصود أن يحرص المسلم على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ القرآن؛ ليجتمع له في قراءته الأداء وفهم المعنى. الأمر الثالث: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif في حال قراءة القرآن تظهر -على وجه الخصوص عند طلاب العلم- بعض الفوائد أو بعض المشكلات، ولا بدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع. إنّ هذا القرآن لا تنـقضي عجائبه، ولا يَخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإنّ ما يتعلق به من المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب، وكثيرة متّسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب. ولما كان هذا حاله، فَلَكَ أن تتصوّر: كم من الفوائد التي ستكون بين يدي طلاب العلم لو أنّ كلّ عالمٍ كتب ما يتحصَّل له من التدبّر أو المشكلات أثناء قراءته لكتاب الله تعالى! الأمر الرابع: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif إنّ القراءة بالليل من أنفع العبادات، وكم من عبادة لا تخرج لذّتها للعابدين إلا في وقت الظلمة؛ لذا كان أهم أوقات اليوم الثلث الأخير من الليل؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان ثلث الليل الآخر يَنْزِل ربُّنا إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟…»[4]. وكثيرًا ما نغفل عن عبادة الليل خصوصًا في رمضان -مع ما يحصل منّا من السهر- وتلك غفلة كبيرة لمن حُرِم لذّة عبادة الليل. فَشَمِّرْ عن ساعد الجِدِّ، وأدرِكْ فقد سبَق المشمِّرون قبلك، ولا تكن في هذه الأمور ذيلًا بل كن رأسًا، واللهُ يوفقني وإياك لما يحب ويرضى. ولو رتَّب المسلم لنفسه برنامج قراءة للقرآن كلّ ليلة؛ لارتبط بعبوديةٍ لله، ولم يكن في لَيلِهِ من الغافلين، لا جعلني اللهُ وإياك منهم. ومما قد يغيب عن أذهاننا في أيامنا هذه أيامِ الإضاءةِ الليلية التي قلبَت الليلَ إلى نهارٍ، فانقلبَتْ بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها بجعلهِ الليل لهم سُباتًا يرتاحون فيه، أقول: إنه قد يغيب عنا لذّة العبادة في الظُّلْمة؛ لذا لو جرَّب المسلمُ قراءةَ القرآن مِن حفظِه أو الصلاة النافلة الليلية بلا إضاءة، فإنّ في ذلك جمعًا لهمِّه، وتركيزًا لنفسه؛ لأن البصر يُشْغِل المرءَ في قراءته أو صلاته. ومن جرَّب العبادة في الظُّلمة وجدَ لذّة تفوق عبادته وهو تحت إضاءة الكهرباء. الأمر الخامس: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif إِنّ من فوائد صلاة التراويح في رمضان سماع القرآن من القُرّاء المتقنين، ومن أصحاب الأصوات الندِيَّة، الذين يقرؤون القرآن ويؤثِّرون بقراءتهم على القلوب، فتراك تجد بقراءتهم أثرًا في قلبك، فاحرص على من يتَّصف بهذه الأوصاف، واعلم أنّ الناس في قبول الأصوات ذوو أذواق، فلا تَعِبْ قارئًا لأنه لا يُعجِبك؛ فإن ذلك من الغِيبة بمكان، لكن احرص على مَنْ تنتفع بقراءته، وهذا مطلب يُحْرَص عليه، ومقصد يُتوَجَّه إليه. وهاهنا استطرادٌ من باب الفائدة والتذكير أُوَجِّهُهُ إلى الكرام أئمة الصلوات الذين يؤمُّون الناس في التراويح الذين مَنَّ الله عليهم بما أعطاهم من الحفظ وحُسن الصوت والقدرة على الأداء المتميِّز في القراءة والتأثير على الناس، أقول لهم: احرصوا على أن يكون تأثيركم على الناس في سماعهم لكم قراءةَ كلام ربكم، وإياكم أن يكون تأثيركم عليهم في دعاء القنوت فقط، فإنَّ في ذلك خللًا كبيرًا، وأنتم حين تعمدون إلى ذلك تغرسون في الناس ذلك الخلل؛ إِذْ كيف يكون تأثُّر الناس بكلام الناس، ولا يكون تأثُّرهم بكلام ربِّ الناس، سبحان الله! أليس ذلك أمرًا عجيبًا يحتاج إلى مدارسة وَحَلٍّ له؟! ألستم تلاحظون الاستعداد النفسي لبعض الأئمة ولكثير من المصلِّين للقنوت أكثر من استعدادهم لسماع كلام ربهم؟! ألا تلاحظون أنَّ بعض الأئمة يغيِّرون طبقات صوتهم، ويُلحِّنون في قنوتهم استجلابًا لقلوب المأمومين، ودعوة لهم إلى البكاء والخشوع؟! أين ذلك كلّه حال قراءة كلام الله سبحانه؟! أين ذلك حال سماع كلام الله سبحانه؟! ذلك ما تُسْكَب له العَبَرات، وتخشع له النفوس الصالحات، وتَخِفُّ به الأرواح الطاهرات، فاحرص على الخشوع والتأثّر بكلام ربك الذي تكلَّم به فوق سبع سماوات، وسمعه منه جبريل رسول ربِّ البريَّات، وأدَّاه كما سمعه لخير الكائنات محمد، وها أنت تسمع من إمامِك ما تكلَّم اللهُ به في عليائه، أفلا يكون ذلك كافيًا في حضور القلوب، واقشعرار الجلود ثمَّ ليونتها بعد ذلك، وطمأنينة النفوس؟! إنه كلام الله، إنه كلام الله، فأدرِكْ معنى هذه الكلمة أيها المسلم. الأمر السادس: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يسأل كثيرون عن كيفية التأثر بالقرآن، ولماذا لا نخشع في صلواتنا حين سماع كلام ربِّنا؟ ولا شكَّ أنّ ذلك عائدٌ لأمور، من أبرزها أوزارنا وذنوبنا التي نحملها على ظهورنا، لكن مع ذلك فلا بدَّ من وجود قدرٍ من التأثّر بالقرآن، ولو كان يسيرًا، فهل من طريق إلى ذلك؟ إنَّ البُعد عن المعاصي، وإصلاح القلب، وتحليته بالطاعات هو السبيل الجملي للتأثّر بهذا القرآن، وعلى قدر ما يكون من الإصلاح يبرز التأثُّر بالقرآن. والتأثّر بالقرآن حال تلاوته يكون لأسباب متعددة؛ فقد يكون حال الشخص في ذلك الوقت مهيَّأً، وقلبه مستعدًّا لتلقِّي فيوض الربِّ سبحانه وتعالى. فمن بكَّر للصلاة، وصلى ما شاء الله، ثمَّ ذكر الله، وقرأ كتاب ربِّه، ثمَّ استمع إلى الذِّكر فإنَّ قلبه يتعلّق بكلام الله أكثر من رجلٍ جاء متأخِّرًا مسرعًا خشية أن تفوته الصلاة، فأنَّى له أن تهدأ نفسه ويسكن قلبه حتى يدرك كلام ربِّه، ويستشعر معانيه؟! ومن قرأ تفسير الآيات التي سيتلوها الإمام واستحضر معانيها؛ فإنَّ تأثره سيكون أقرب ممن لا يعرف معانيها. ومن قدَّم جملة من الطاعات بين يدي صلاته؛ فإنَّ خشوعه وقرب قلبه من التأثّر بكلام ربِّه أَوْلَى ممن لم يفعل ذلك. وإِنّك لتجد بعض المسرفين على أنفسهم ممن هداهم اللهُ قريبًا يستمتعون ويتلذذون بقراءة كلام ربهم، وتجدهم يخشعون ويبكون، وما ذاك إلا لتغيُّر حال قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، فإذا كان هذا يحصل من هؤلاء فحريٌّ بمَن سبقهم إلى الخير أن يُعزِّز هذا الجانب في نفسه، وأن يبحث عن ما يُعِينه على خشوعه وتأثره بكلام ربِّه. الأمر السابع: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يسأل كثيرٌ من المسلمين، كيف أحافظ على طاعاتي التي منَّ الله عليَّ بها في رمضان، فإنني سرعان ما ينقضي الشهر أَبْدَأُ بالتراجع عن هذه الطاعات التي كنت أجد لذةً وحلاوةً في أدائها؟ إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رسم لنا منهجًا واضحًا في كلّ الأعمال، وقد بيَّنه بقوله: «أَحَبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قَلَّ»[5]، ولو عملنا بهذا الحديث في جميع عباداتنا لحافَظْنا على الكثير منها، وَلَمَا صِرْنا كالمُنْبَتِّ؛ لا أرضًا قَطع، ولا ظَهرًا أبقى. فلو اعتمد المسلم في كلّ عبادة عملًا يوميًّا قليلًا يزيد عليه في وقت نشاطه، ويرجع إليه في وقت فتوره؛ لكان ذلك نافعًا له، فالمداومة على العبادة -ولو كانت قليلة- أفضل من إتيانها في مرات متباعدة أو هجرانها بالكلية. فمن أدَّى فرائضه، والتزم بالسنن الرواتب، ثمَّ زاد عليها من أعمال العبادة ما شاء، فإنه يدخل في محبوبية الله التي قال فيها: «ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه». ففي صلاة الليل يحرص أن لا ينام حتى يصلي ثلاث ركعات، ولو كانت خفيفات، فإن أحسَّ بنشاط زادَ، وإلا بقي على هذه الثلاث. وفي قراءة القرآن يعتمد قراءة جزءٍ كلّ يوم، حتى إذا بلغ تمام الشهر، فإذا به قد ختم القرآن. وفي الصيام يعتمد ثلاثة أيام من كلّ شهر، وإن استطاع الزيادة زادَ، لكن لا ينقص عن الأيام الثلاثة. وفي النفقة يعتمد مبلغًا -ولو يسيرًا- بحيث لا يمرُّ عليه الشهر إلا وقد أنفقه. وهكذا غيرها من العبادات، يَعتمِد القليلَ أصلًا، ويزيد عليه في أوقات النشاط، فإذا قصرَتْ همَّـتُه رجع إلى قَلِيلِه، فيبقى في عباداته من غير كَلَفَة ولا مشقّة ولا نسيان وإهمال، أسألُ اللهَ أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبُّ ويرضى، ويجعلنا من أهل القول والعمل. وإذا تأملْتَ رمضان وجدته أشبه بمحطَّةٍ يتزوَّد منها الناس وَقُودهم، وهو محطة الصالحين الذين يفرحون ببلوغه فيتزوّدون منه لعباداتهم في الدنيا، ولجنَّتهم في الأخرى، وهو محضن تربوي فريد يدخله كلّ المسلمين، مُصلِحيهم وصالِحيهم وعُصاتهم، فهلَّا استطَعْنا اغتنام هذا الشهر؟! وأخيرًا: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يرفع البلاء عن هذه الأمة، وأن يهدي قادتها لما يُحبُّ ويرضى، وأن يُرينا في هذا الشهر انتصاراتٍ للمسلمين في كلِّ مجال من مجالات الحياة، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين. ========================== [1] نُشرت هذه المقالة بملتقى أهل التفسير بتاريخ 2 /9 / 1424هـ - 27 /10 / 2003م. (موقع تفسير). [2] انظر: جامع البيان (3/ 190). [3] رواه البخاري (6464). [4] رواه أحمد (16745)، وابن خزيمة في «التوحيد» ص(133)، والنسائي في الكبرى (10321). [5] سبق تخريجه. https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif ٤٥ فائدة من كتاب " تكرار الفاتحة : القوة الكامنة "* د. إبراهيم الدويّش (2) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s ١. سورة الفاتحة : اشتملت على التعريف بالمعبود بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا ومدارها عليها (الله، الرب، الرحمن ) ابن القيم ٢. في الفاتحة وسيلتان عظيمتان لا يكاد يرد معهما الدعاء: توسل بالحمد والثناء على الله توسل لله بعبوديته ٣. بسم الله: استعانتك بحول الله وقوته في إنجاز أي عمل ، متبرئا من حولك وقوتك فتذكر هذا المعنى فهو وقود ودافع لكل خطوة في حياتك ٤. بسم الله حتى تجد أثر الفاتحة من بدايتها وبدقائق حياتك عظِّم ربك وأنت تقول ( بسم الله) ليصغر كل شيء في دنياك ٥. بسم الله نحفظ أنفسنا من كل سوء ونحفظ ذرياتنا من شر الشيطان الرجيم ٦. الحمد لله https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم } أليست كلمة ( الحمد لله ) دارجة على الألسن كال تنفس للهواء اليوم؟ إنها تبعث في النفوس القوة ، فحملة العرش ومن حوله يستقوون بتسبيحهم بحمد ربهم ، ونحن بأمس الحاجة للاستقراء بها في رحلة الحياة الدنيا وفواجعها ٧. الحمد لله الحمد للاستغراق ، لاستغراق أنواع المحامد كلها ، فله سبحانه الحمد كله أوله وآخره ٨. الحمد لله وهو المستحق الحمد المطلق لأن له وحده الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ٩. الحمد لله على نعم لا تٌحصى ، وأرزاق تترى وأخرى نراها ، وأخرى تخفى الحمد لله بالجنان قبل اللسان وبالأفعال والأركان الحمد لله في السراء والضراء في الشدة والرخاء طمأنينة في القلب ورضا في النفس وانشراح في الصدر واحتساب وأجر ١٠. أيها المصلي تأمل وأنت تتلو ( الحمد لله رب العالمين ) أعمل العقل وقلّب النظر تأمل، تفكر،تدبر كم بهذا الوجود مما نراه من صنوف بفضله شاهدات ١١. رب العالمين https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif " دلّ على انفراده سبحانه بالخلق والتدبير والنعم وكمال غناه وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار " السعدي فأعلن فقرك لربك في كل مرة تقرأ فيها هذه السورة لتذوق السعادة الأبدية ١٢. الرحمن الرحيم كيف وأنت كمسلم تكررها عشرات المرات في يومك فتشعر أن ظلال الرحمة يحوطك من كل اتجاه وتكرار الآية يرسخ في عقلك الباطن أنك كبشر تتعامل مع رب رحيم ١٤. الرحمن الرحيم الأمر لا يقف عند حد الثناء لله تعالى بل هو أيضاً دعاء واستحداث وطلب متكرر بأن : يارب ،،، يارحمن ،،،، يا رحيم أدخلني برحمتك التي وسعت كل شيء فلا غنى لي عنها لحظة ولا طرفة عين ولا أقل من ذلك فالزمن صعب والدنيا دار هموم وغموم ودار بلايا ورزايا آلامها ومصابها ، وتقلباتها ومفاجأتها متتاليات لا تنتهي ولولا دوام رحمة الله بك لهلكت ١٥. تأمل : روعة الدمج بين الثناء والدعاء وأنت تردد ( الرحمن الرحيم ) كدعاء غريق مضطر يعرف يقينا أنه هالك لولاها ١٦. الرحمن على وزن فعلان يدل على السعة والشمول فهي أشد مبالغة من الرحيم ١٧. الرحمن اسم خاص بالله تعالى لا يجوز تسمية غيره به متضمن لصفات الإحسان والجود والبر أي يرحم جميع الخلق المؤمنين والكافرين في الدنيا ، وذلك بتيسير أمور حياتهم ومعيشتهم والإنعام عليهم بنعمة العقل وغيرها من نعم الدنيا ١٨. الرحيم https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif خاص بالمؤمنين فيرحمهم في الدنيا والآخرة ١٩. ذكر الرحمن ٥٧ مرة في القران وذكر الرحيم ١١٤ مرة ، أي ضعفها ٢٠. إذا كنت تثني على الله ، وتطلب منه الرحمة بهذا الإلحاح والتكرار اليومي فسيكون لها أثر في سلوكياتك وتعاملاتك فطريق الرحمة وبابها أن ترحم أنت أيضاً ، فاتصف بالرحمة مع الناس واعمل بها كُن رحيما تُرحم ٢١. الرحمن الرحيم املأ جنبات نفسك طمأنينة وراحة وثقة وأملا مادمت تكررها وتتدبر أسرارها ٢٢. مالك يوم الدين أما والله إن الظلم لؤم إلى ديان يوم الدين نمضي وما زال المسيء هو الظلوم وعند الله تجتمع الخصوم ٢٣. يوم الدين أمل الصابرين والمحتسبين الذين جاهدوا أنفسهم على ترك المعاصي والسيئات وصبروا عن الشهوات وصبروا على أقدار الله المؤلمة في الدنيا ٢٤. يوم الدين https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif عزاء للمظلومين والمحرومين يوم تجتمع الخصوم لعلك تدرك هذا السر العظيم الذي سيثمر الصبر والرضا والتسليم وتهدأ آلامك وجراحك وأحزانك ودموعك بل سيعينك على تحمّل الظلم الذي تقاسيه ، والحرمان الذي تعيشه في الدنيا لأنك تعلم أنك منصور ٢٥. ( مالك يوم الدين ) هل سيجرؤ مسلم يردد هذه الآية أن يبخس حق أحد أو أن يظلم أحد أو أن يعتدي على عرض أحد ٢٦. ( مالك يوم الدين ) قراءة هذه الآية يقرع جرس الإنذار عند كل تعامل مع الآخرين أن تنبه ،،، احذر ،،،، لا تغفل ،،،،، لا تنسٓ ،،،،، ٢٧. مالك يوم الدين كأن سورة الفاتحة تصرخ في ضمائرنا يوميا مرات تذكروا يوم الدين ، وذكٍّروا الظالم بيوم الدين ٢٨. إياك نعبد وإياك نستعين قدم العبادة على الاستعانة ١. لشرفها لأن الأول غاية والثاني وسيلة لها ٢. تقديم العام على الخاص ٣. تقديم حقه تعالى على حق عباده ٤. توافق رؤوس الآي ٢٩. وإياك نستعين أنفع الدعاء طلب العون على مرضاته وأفضل المواهب إسعافه لهذا المطلوب " تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في ( إياك نعبد وإياك نستعين ) " ابن تيمية ٣٠. أيها المصلي وأنت تردد ( إياك نعبد وإياك نستعين ) https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif هل تشعر بأنك تطلب العون حقاً ممن بيده ملكوت السماوات والأرض ؟ هل تشعر بأنك صاحب توحيد وشجاعة ؟ وأنك قوي القلب عزيز النفس ؟! هل تشعر بأنك قوي بالله ؟! اللهم اجعلنا أفقر خلقك إليك ، وأغنى خلقك بك اللهم أعنا وأغننا عمن أغنيته عنا اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ٣١. اهدنا الصراط المستقيم إذا كثرت الأقاويل ، واشتد الخلاف وتنازلت الملل والفرق والأحزاب وانتشرت الخرافات إذا اشتدت المحن وكثرت الفتن ونزلت الهموم والغموم وتتبع الناس الأبراج والنجوم إذا ضاقت الأنفاس واشتد القنوط واليأس وحلّ الضر والبأس وسيطر الشك والوسواس ليس لك إلا أن تردد ( اهدنا الصراط المستقيم ) ٣٢. حاجة العبد إلى الهداية ( فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه ، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات ، والموت لا مفر منه ، فإذا كان من أهل الهدى كان سعيدا قبل الموت وبعده وكان الموت موصلا للسعادة الأبدية ، وكذلك النصر إذا قُدّر أنه غلب حتى قُتِلَ فإنه يموت شهيدا وكان القتل من تمام النعمة ، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق ،، بل لا نسبة بينهما ) ابن تيمية ٣٣. الهداية هي الحياة الطيبة وأُسُّ الفضائل ولجام الرذائل بالهداية تجد النفوس حلاوتها وسعادتها ، وتجد القلوب قوتها وسر خلقها وحريتها ٣٤. الهداية لها شرطان : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ٣٥. (من أكبر المنن أن يٌحبب الله الإيمان للعبد ويزينه في قلبه ويذيقه حلاوته وتنقاد جوارحه للعمل بشرائع الإسلام ويبغض إليه أصناف المحرمات) ابن سعدي ٣٦. اهدنا الصراط المستقيم https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif (هذا أجلّ مطلوب وأعظم مسؤول ، ولو عرف الداعي قدّر الداعي هذا السؤال لجعله هجّيراه ، وقرنه بأنفاسه فإنه لم يدع شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا تضمنه ، ولما كان بهذه المثابة فرضه الله على جميع عباده فرضا متكررا في اليوم والليلة ، لا يقوم غيره مقامه ، ومن ثَمّ يعلم تعين الفاتحة في الصلاة وأنها ليس منها عوض يقوم مقامها) ابن القيم ٣٧. ( لهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة ، فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته ، وترك معصيته ، فلم يصبه شرّ لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان ، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة ، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب ، ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة لفرط حاجتهم إليه ، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء ) ابن تيمية ٣٨. ( من هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل كتبه هُدي إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه وعلى قدر ثبوت العبد على هذا الصراط في هذه الدار ، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على هذا الصراط فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا الصراط ، حذو القذة بالقذة " جزاء وفاقا ". ) ابن تيمية ٣٩. غير المغضوب عليهم ولا الضالين " من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى " " لما كان تمام النعمة على العبد إنما هو بالهدى والرحمة كان لهما ضدان: الضلال والغضب ولهذا كان هذا الدعاء من أجمع الدعاء وأفضله وأوجبه" ابن القيم ٤٠. الفاتحة نور وسرور قال صلى الله عليه وسلم ( لن تقرأ بحرف منها إلا أُعطيته ) وفي الحديث القدسي ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) فيه بشارة عظيمة : من قرأ الفاتحة بصدق وإخلاص وحضور قلب يعطيه الله ما جاء من الفاتحة من مطالب سامية ودرجات رفيعة ٤١. الفاتحة أم القران " هي الكافية تكفي عن غيرها ولا يكفي غيرها عنها " ابن تيمية ٤٢. لماذا هي أم القرآن ؟ ١. اشتمالها على كليات المقاصد والمطالب العالية للقرآن ٢. اشتملت على أصول الأسماء الحسنى ٣. اشتملت على كليات المشاعر والتوجيهات ٤٣. سيصبح للحياة طعم آخر وأنت تردد الفاتحة بفهمك الجديد لمكامن القوة فيها ٤٤. لم سميت القرآن العظيم ؟ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif لتضمنها جميع علوم القرآن ، وذلك أنها تشتمل على الثناء على الله وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص والاعتراف بالعجز والابتهال إليه في الهداية وكفاية أحوال الناكثين القرطبي ٤٥. توسل ووسيلة في الفاتحة وسيلتان عظيمتان لا يكاد يرد معهما دعاء التوسل بالحمد والثناء على الله التوسل إليه بعبوديته فهل أنت حاضر القلب والفكر بأنك فعلا تتوسل بهاتين الوسيلتين كل يوم وليلة سبع عشرة مرة لا شك أن ذلك سيكون له أثر في حياتك ودقائق تفاصيلها ======================= * منقول من موقع مثانى القرأن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif تألُّهٌ في محراب عظمة القرآن الكاتب : كريم حلمي (3) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s تكتنف العظمةُ كتابَ الله العزيز من كلّ جوانبه، وحول بعض جوانب هذه العظمة تدور هذه المقالة، لافتةً النظرَ إلى بعض ما اختصَّ الله -عزّ وجل- به كتابه المجيد. تخيّل أننا الآن نسير سويًّا مع بني إسرائيل في ممشى بقلبِ بحرٍ عظيم ضربه موسى -عليه السلام- بعصاه فانفلق، فكان كلّ فِرْقٍ كالطود العظيم! أو أننا نقف في ساحة شاسعةٍ لنرى رجلًا يُقذف في نارٍ عظيمة، ثم لا يلبث أن يخرج منها بسكينةٍ بالغة، ليُقبِل على قومه تارة أخرى يدعوهم ويأمرهم وينهاهم! أو أننا نرى أوصال طير ممزقة مُفرّقة تهفو بعضها إلى بعض؛ لتلتئم وترفرف مقبلةً على إبراهيم -عليه السلام- لمَّا ناداها! تخيّل أننا نطوف بين جبال ثمود فنرى ناقةً تخرج من صخر أحدها، أو نتجول في ضواحي بيت لحم فنرى عيسى -عليه السلام- يُبرئ الأكمه والأبرص، ويَستحيل الطينُ في يده طيرًا يسبح بحمد الله في جوِّ السماء! تأمّل قدر العظمة التي يستشعرها مَن عاين هذه المعجزات! قدر الدهشة التي تسكن صدره، والإعظام الذي يملأ فؤاده، والعَجَب الذي يُذهب عقله! أتدري شيئًا؟! القرآن أعظم من كلّ هذا، وأعجب، وأكثر إدهاشًا! https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif القرآن أعظم المعجزات التي أُرسل بها خاتم الأنبياء وأفضلهم -صلى الله عليه وسلم-. وهذا يدركه من صحّ عقله، وطَهُرَ قلبُه؛ لذلك لما أعرض المشركون عن القرآن ظُلمًا وعُلُوًّا، وسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم بآيةٍ مادية كبعض آيات الأنبياء السابقين التي ذكرناها، قال لهم ربهم -جلّ وعلا-: {أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]. هل هناك ما هو أعظم أو أجلّ أو أحكم أو أرحم أو أبْيَن من القرآن ليكون معجزة وآية؟! تخيّل أن في غرفتك عصا موسى، أو في ساحة منزلك ناقة صالح -عليهما السلام-؛ مصحفك الذي أمام ناظريك هذا، والذي قد يكون علاه التراب، أعظم وأجَلّ وأشدّ إعجازًا. ولو قلّبتَ الطرف في أمر القرآن لوجدتَ أن العظمة تكتنفه من كلّ جانب. فانظر إلى عظمة مصدره ونقله: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 192- 195]، تأمل هذه السلسلة النورانية التي جاء منها القرآن إليك، ثم قل لنفسك: بَخٍ بَخٍ، أن شرّفها الله بسماع ِكتاب هذه حاله، والإيمانِ به. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif تأمل في جلالة لغته وجمال بيانه؛ نَظْمه أحسن من الدُرِّ في النِّظام، ألفاظه الزُّلال أو أرقّ، يسبي السمع ويملك القلب، تحدّى بفصاحته ملوك البيان وأمراء البلاغة أن يأتوا بمثله حُسنًا وبهاءً، أو بعَشْر سور منه، بل سورة واحدة، بل أن يجتمعوا كلّهم على ذلك وأن يَدْعُوا إنسهم وجِنّهم: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، لكن لمَّا أدركوا حقيقة إعجازه عجزت ألْسُنُهم عن المجاراة، فهل تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزًا؟! أرادت قريشٌ من شيخها وفصيحها الوليد بن المغيرة أن يذُمّ القرآن وينكره، فقال: «وماذا أقول؟! فوالله ما فيكم رجلٌ أعلم بالشعر مني، ولا برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا، والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يُعلَى عليه، وإنه ليَحْطِم ما تحته»[1]. وتأمل عِظَم تأثيره في النفوس، ولطف نفوذه إلى القلوب؛ جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليجادله في دينه، ويَدْعُوه إلى ترك ما هو عليه، فلما أنهى عَرْض صفقته، قال له النبي -صلى الله عليه https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وسلم-: (أَفَرغتَ يا أبا الوليد؟ اسمَعْ منِّي: ...)، فلم يزد النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن تلا عليه صدر سورة فصلت؛ وإني لأرجو أن تقرأ صدر السورة وتتساءل ما الذي وقع في قلب الرجل؟! أَنْصَتَ الرجل إلى تلاوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم لم يزد على أن قام من مجلسه متغيّر الوجه، متبدّل الحال، فلمّا كلّم قومه فيما وقع في قلبه، قالوا له: «سحرك واللهِ يا أبا الوليد بلسانه». فالقوم قد رأوا تأثيرًا لا يعرفون له مرادفًا في معجم المعرفة البشرية سوى السحر أو نحو ذلك، تأثيرًا يبدّل الحال، ويغيّر الطبع، ويطهّر القلب، وقد كانوا يخافون من تطهير القرآن على سواد قلوبهم، وعمى أهوائهم، يسيرون على طريق إخوانهم الأقدمين ومَن شابههم في كلّ عصرٍ وحين: {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82]، فكان رؤوس الكفر يتواصَون فيما بينهم: {لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]، فإنكم لو سمعتموه حق السمع وفتحتم له أبواب أفئدتكم، غزاها وأنار ظلماتها وأَلان قسوتها. مَرَّ جُبَير بن مطعم -رضي الله عنه- بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، وكان جُبَير يومئذ على الكفر، فسمع النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ سورة الطور، يقول: «فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35- 37]، قال: كاد قلبي أن يطير». https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif دعك من تأثيره على قلوب البشر، حتى الجن، حارت عقولهم وخُلبت أسماعهم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1]. وكذلك الملائكة، ما تطيق انقطاعًا عن القرآن أو نأيًا عنه؛ قرأ أُسيد بن الحُضير -رضي الله عنه- القرآن ذات ليلة بصوته النديّ الشجيّ، فكان كلما قرأ رأى في السماء مثل الظُّلة فيها أمثال السُّرُج، فلما قصّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأْتَ لأصبحَتْ يراها الناس ما تستتر منهم)[2]. بل حتى الجمادات: الصخر، الجبال: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21]، فإذا علمتَ ذلك أيقنتَ أن هناك أقوامًا يصدق فيهم -حقًّا- قول ربنا: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74]. وإن شئتَ تأمّل في عِظَم أثره في حياة الناس، في دنياهم وآخرتهم، وهو سراج الكون الذي أضاء به من بعد ظلمة: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [الأنعام: 122]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره: «يعني بالنور: القرآنَ». انظر كيف بدّل وجه الأرض، وغزا ربوع الدنيا، كيف عمد إلى خَلْقٍ كانوا أذلّ قوم، يسجدون للحجارة ويَدْعُونها ويسألونها، يسفكون الدماء، فصيَّرهم خير الناس هديًا، وأحسنهم سمتًا، وأعقلهم قولًا، وأعدلهم حكمًا، وأعزّهم ذِكرًا، مَلّكهم رقاب الملوك، ومَكّنهم من قلوب العباد. إِي واللهِ، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين)[3]. انظر كيف يشفي الصدور ويداوي الهَمَّ ويبدد وحشة الحزن؛ ولأجْل ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما أصاب عبدًا هَمٌّ ولا حزنٌ، فقال اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أَمَتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك سمّيتَ به نفسك، أو أنزلتَه في كتابك، أو علّمتَه أحدًا من خلقك، أو استأثَرْتَ به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي وغمّي. إلا أذهبَ اللهُ همّه وغمّه، وأبدله مكانه فرحًا)[4]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وإنْ شئتَ أَدِرْ بصرك في إحكام تشريعه، وجلال أحكامه، التي ما زالت الأمم يجتمع فلاسفتها وعقلاؤها قرنًا بعد قرنٍ على أن يأتوا بمثل ذلك، وما بلغوا معشاره، وانظر إلى شمول قوانينه واتساعها، تارة في أحكام الجهاد والدماء، وأخرى في الصلاة والزكاة والصدقة، ثم تجده يتكلم عن المواريث والحقوق المالية، ثم تسمعه يتكلم عن حقوق الزوجين، وأخلاقيات التعامل بينهما في الاجتماع والافتراق، وكلّ ذلك بلفظ بهيّ، وموعظة بالغة. وإن شئت تأمل عظمة حفظ الله وتدبيره له، وقد قال -سبحانه-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، قامت أمم وسقطت أمم، مرت القرون تلو القرون، والقرآن باقٍ محفوظ، متلوٌّ مسموع، معمورة به المساجد، مضيئة به ظلمات الليالي، جاريةٌ به دموع المآقي، قد جمع الله على خدمته أشرف خلقه في كلّ زمان، وتأمل مئات الأسماء المرقومة على كتب التفسير وعلوم القرآن المطبوعة فقط، تجدهم أحدَّ الناس من كلّ زمنٍ ذهنًا، وأرفعهم قدرًا، وأعلمهم بالمعقول والمنقول. وبعد كلّ ذلك، تأمل يُسْره على الألسنة والأسماع والقلوب، كما قال ربنا: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17]، هذا القرآن الذي أعجز الفصحاء وأدهش الأدباء، واجتمع على بيانه وتفسيره https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif واستخراج كنوزه العلماء من كلّ فنّ، هو هو الذي تراه في يد بائعة الفجل البسيطة التي تمر عليها صباحًا في طريقك إلى العمل، وتجدها تستمتع بتلاوته وتلتذ بحلاوته، يتهدّج صوتها حينًا، وتنهمل عينها أخرى، وما تشبع أبدًا! كيف تشبع وعثمان -رضي الله عنه- يقول: «لو طهرتْ قلوبُكم ما شبعَتْ من كلام ربكم»؟! يا خالة، أتعرفين ما (غسّاق)؟ أم تدركين ما (مجذوذ)؟ هل انتبهتِ أن ههنا كناية؟ وأن (إنّ) ههنا لما اجتمعت مع اللام أفادت توكيدًا شديدًا؟ الخالة قد لا تعرف شيئًا من ذلك، لا تفقه كثيرًا من لسان العرب، لكنها تحسن لغة القلوب الصافية والفِطَر الطاهرة، فوقع بها في فؤادها ما قد لا يفهمه كثيرٌ من العالمين بفنون اللسان. بل قد تجد مِنَ الأعاجم مَن لا يفهم أكثر لفظ القرآن، ثم إذا قرأه قراءة المؤمن بعظمته وجلال المتكلم به وجدتَ هيبة الخشوع تعلوه، ولمستَ فيه تأثرًا بالغًا يصل إلى شغاف قلبك، ورأيتَ سكينة نورانية لا تخطئها البصيرة. وهذا كلّه غيض من فيض، ويسير من كثير، هذا شيء مما في القرآن المسطور بين دفتي مصحفك، أعلمتَ الآن شيئًا من أسباب كونه أجلَّ من طير إبراهيم، وأعظمَ من عصا موسى، وأعجبَ من ناقة صالح، على نبينا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم؟! ها قد علمتَ، فماذا أنت بفاعل؟ فسَلْ نفسك، ما فعلتَ في هذه المعجزة التي بين يديك كلّ يوم؟ هل عظَّمتها بما تستحق أم هضمتَ حقها وهجرتَ حروفها؟ هل أعملتَ معاول الجد في تهيئة وادي الصدر ليجري القرآن ربيعًا لقلبك؟ أم سألتَ الله ذلك ثم بنيت سدودًا من الصدود، وحواجز من الهجران، حتى توشك زهرة قلبك أن تذبل إِذْ مُنعَتْ عنها الحياة، وحُجِبَتْ عن النور؟ لو تأمل العاقل ما ذكرناه وأكثر لمَا فرّط في القرآن أبدًا، لمَا انقطع عن رسالة ربه إليه، لمَا شبع من قراءته اليوم بعد اليوم، يطهّر بذلك قلبه، وينفي عنه به أدران الدنيا، ويُضيء به ظلمات الحياة. لو استشعر المؤمن هذه العظمة وذلك الجلال، لانشغل بالقرآن تلاوة، وحفظًا، وتدبرًا، وتخلّقًا، وعملًا؛ وكلما فعل فُتحت له أبوابٌ من الأنوار والأسرار والفتوحات والهدايات لم يكن ليتصورها أبدًا، وقد سطر لنا التاريخ أخبار أقوامٍ من أهل العلم، اشتغلوا بالقرآن زمنًا حتى قد يظنّ الظانُّ أنهم قد بلغوا منتهى درره، وغاية كنوزه، ولُجَّة بحره، ثم لمَّا طالت خلوتهم بالقرآن في نهاية أعمارهم قال قائلهم -وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه-: «ندمتُ على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن»! =============================== [1] أخرجه الحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وصححه، ووافقه الذهبي. [2] رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. [3] رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. [4] رواه أحمد من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، بإسناد صحيح. https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
فوائد مختارة من كتاب " المواهب الربانية من الآيات القرآنية "* للشيخ عبدالرحمن السعدي (4) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s [١] {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} كل من كان في عبادة الله فهو في ذكر الله، ومن ترك منهيّا لله فهو في ذكر الله .المواهب الربانية ص ١٨ أعم من قوله " في سفر " ليدخل فيه من أقام في بلد أو برية ولم يقطع سفره، بل هو على سفر ، وإن لم يكن في سفر المواهب الربانية ص١٤ [٣] { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ...} https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فائدة من ذكر (بأنفسهن)لأن هذه المدة المحدودة للتربص مقصودة لمراعاة حق الزوج والولد ، ومع القصد لبراءة الرحم . فلا بد من أن تكون في هذه المدة منقطعة انظر عن الرجال ، محتسبة على زوجها الأول ، لا تُخطب ولا تتجمَّل للخطاب ، ولا تعمل الأسباب في الاتصال بغير زوجها . السعدي المواهب الربانية ص١٦ [٤] ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٣٢] لا يمنع الله تعالى عبده شيئا إلا فتح له بابا أنفع له منه وأسهل وأولى السعدي المواهب الربانية ص٢٢ [٥] {بعد وصية يُوصى بها أو دين } النساء ١١ { من بعد وصية توصون بها أو دين } النساء ١٢ { من بعد وصية يوصين بها أو دين } النساء١٢ فاتفقت على إطلاق الدين وتقييد الوصية بحصول الإيصاء بها، وهذا يدل على أن الدَّين مقدم على حقوق الورثة وغيرهم مطلقا سواء وصى المدين بقضائه أو لم يُوصِ ، وسواء كان دَيْنا لله أو للآدميين ، وسواء كان به وثيقة أم لا ، وأما الوصية فشرط الله في ثبوتها أن يوجد الإيصاء بها ... السعدي المواهب الربانية ص٢٢ [٦] قوله تعالى ( إنما المشركون نجس ) https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يدل على أن قوله تعالى ( وطهر بيتي للطائفين ) عام لتطهيره من النجاسات الحسية والمعنوية . المواهب الربانية ص ٢٩ [٧] (يوم يُحْمَى عليها في نار جهنم ) ولم يقل "تحمى في نار جهنم" ؛ ليدل على أنها مع حرارة نار جهنم تستعمل لها الآلات المحمية كالمنافيخونحوها فيضاعف حرها ، ويشتد عذابها . ص ٣٠ [٨] (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ) ذكر المفسرون أن ذلك لأنه إذا جاءهم الفقير السائل صعّر أحدهم بوجهه، فإذا أعاد عليه ولّاه جنبه ، فإذا ألحّ عليه ولّاه ظهره ،فاختصت هذه الثلاث لذلك جزاء وفاقا . وظهر لي معنى أولى من هذا : وهو أن كي هذه المواضع الثلاثة هي أشد على الإنسان من غيرها ، وهي متضمنة لجهاته الأربع : الأمام والخلف واليمين والشمال . وهذه الوجوه التي يخرج منها الإنسان ، فلما منعوا الواجب عليهم منعا تاما من جميع جهاتهم ؛ جوزوا بنقيض مقصودهم ؛ فإن مقصودهم من المنع التمتع بتلك الأموال ، وحصول النعيم بها ، وخوف وحرارة فقدها لو بذلوها ؛ فصار المنع هو عين العذاب ، فَلَو أخرجوها وقت الإمكان لسلموا من كيها ، وفازوا بأجرها. ص ٣٠ - ٣١ [٩] ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٧٢- ١٧٤] نية العبد تقوم مقام عمله : وإذا أحسن العبد في عبادة ربه ، ووطن نفسه على الأعمال الفاضلة الشاقة ؛ سهل الله له الأمور ، وهوّن عليه صعابها ، وربما انقلبت المخاوف أمنا ، وتبدلت المِحنة منحة ، وربما حصل من آثار ذلك خير الدنيا والآخرة . https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وفي الآية دليل أيضا على أن الله يُحدث لعبده أسباب المخاوف والشدائد ليُحدث العبد التوكل على ربه ، والإخلاص والتضرع ؛ فيزداد إيمانه ، وينمو يقينه . ص٣٩- ٤٠ [١٠] ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ) العزم الذي مدح الله به خيار خلقه هو : قوة الإرادة وحزمها على الاستمرار على أمر الله ، والهمة التي لا تني ولا تفتر في طلب رضوان الله وحسن معاملته ،وتوطين النفس على عدم التقصير في شيء من حقوق الله النقص إنما يُصيب العبد من أحد أمرين : إما من عدم عزمه على الرشد الذي هو الخير ، وإما من عدم ثباته واستمراره على عزمه ولهذا كان دعاء النبي ﷺ ( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ) من أنفع الأدعية وأجمعها للخيرات ، فمن أعانه الله على نية الرشد والعزيمة عليها والثبات والاستمرار ؛ فقد حصل له أكبر أسباب السعادة . ص٤٢ [١١] (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم ) فيها فضيلة التأدب بالآداب الشرعية ، وأنها رفعة عند الله ، ولو ظنها الإنسان منقصة .[ [١٢] الظاهر أن قوله تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) تفسير لقوله تعالى ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) فالسماء منها مادة الأرزاق، والأرض محلها وموضعها.[ ص ٤٣ [١٣] (وإن يتفرقا يُغنِ الله كلا من سعته) اذا انغلق عليه باب وسبب من الأسباب التي قدّرها الله لرزقه ، فلا يتشوش لذلك ، ولا ييأس من فضل الله ، فيرجو الذي أغلق عليه هذا الباب أن يفتح له بابا من أبواب الرزق أوسع وأحسن من الباب الأول . بتصرف ص ٤٥ (يغن الله كلا من سعته) ولم يقل يُغنها ، مع أن السياق يدل عليه، لئلا يتوهم اختصاصها بهذا الوعد، وإنما الوعد لها وله، فائدة : من انقطع رجاؤه من المخلوقين ، ومن كل سبب ، واتصل أمله بربه ، ووثق بوعده ، ورجا بره ، فإن الله يغنيه ويقنيه ، ص٤٥ [١٤]﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٠] https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif سعي الإنسان في دفع أسباب التهمة السيئة عن نفسه والعار والفضيحة ليس بعار، بل ذلك من سيماء الأخيار . ص ٥٢ [١٥] {وتوكّل على الحي الذي لا يموت } إذا حقق العبد التوكل على الحي الذي لا يموت ؛ أحيا الله له أموره كلها ، وكفلها وأتمّها . ص ٥٢ [١٦] {وإنه لذكر لك ولقومك } من قام بالقرآن وتذكر به كان رفعة له ، وشرفا وفخرا ، وحسن ذكر وثناء . ص ٥٣ [١٧]يارب : أغلب أدعية القرآن مصدرة بالتوسل إلى الله بربوبيته ؛ لأنها أعظم الوسائل على الإطلاق التي تحصل بها المحبوبات وتندفع بها المكروهات . ص ٥٦ [١٨] {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } هذا سؤال منه بحاله ، والسؤال بالحال قد يكون أبلغ من السؤال بلسان المقال . ص٦٥ [١٩] {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الإخلاص لله تعالى من أعظم الأسباب لعون الله للعبد على جميع أموره ، ولثبات قلبه ، وعدم إنزعاجه عند المقلقات والشدائد . ص ٧٠ [٢٠] المؤمن حقا : هو الذي ينظر إلى قدر الله وقضائه ، وماله من العزة والقدرة ، ويعلم أن هذا لا تعارضه الأسباب وإن عظمت ، وأن نمو الأسباب ونتاجها متحقق إذا لم يعارضه القدر ، فإذا جاء القدر اضمحل عنده كل شيء ، ولكن الأسباب محل حكمة الله وأمره . ص٧٢ [٢١] {كل نفس بما كسبت رهينة ، إلا أصحاب اليمين} عمل الإنسان إما أن يكون سببا لارتهانه أو سببا لخلاصه ، بل الأصل أن الإنسان في حبس ، وأن عمله سيُرتهن ، لأنه ظلوم وجهول طبعا ، إلا من خلّصه الله من هذا ، ومنّ عليه بالصبر وعمل الصالحات . [٢٢] {أولم يكن لهم آية أن يعلمه علمؤا بني إسرائيل } تدل على أن أهل العلم بهم يُعرف الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، فهم الوسائل بين الله وبين عباده ، ولهذا استشهد الله بهم على التوحيد وعلى النبوة ، وعلى صحة القرآن . ص٨٥ [٢٣] {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به } بحسب إيمان العبد يزداد إيمانه عند تلاوة كتاب الله والحكمة ، وهذا أعلى ما يكون من الإيمان ، فإنه إيمان عن أكبر البراهين ، وإيمان عن بصيرة ، لا كإيمان ضعفاء المؤمنين ، الناشئ عن العادات والتقليد ، الذي هو عرضة للعوارض والعوائق . ص٨٩ [٢٤] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦] https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif من صفات المؤمنين الجليلة : أن الله يهديهم إلى الحق في المواطن المشتبهات ، وللصواب في محالّ المتاهات التي لا تحتملها عقول كثير من الناس ، ويزدادون إيمانا ويقينا في المواضع التي يزداد بها غيرهم ريبا وشكا . ص ٩٨ [٢٥] كمال العبد في تمام النعمتين : نعمة الدين ، ونعمة الدنيا ، فبهما تحصل السعادة العاجلة والآجلة . قال تعالى { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } وقال { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } وقد تضمن هذه الأمور الأربعة الدعاء الذي ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه كان يدعو بهذا الدعاء ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ). [٢٦] ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ [الكهف: ٥] أبطل به قول من زعم أن لله ولدا من أربعة وجوه: ١. أنه قول بلا علم ؛ والمعلوم أن القول بلا علم من أعظم المختلقات . خصوصا في أعظم المسائل وهي التوحيد . ٢. أنها كلمة عظيمة شنيعة جدا لأنها متضمنة لشتم رب العالمين وسبه . ٣. أن قولهم هذا هو الكذب الصراح . ٤. ما يحصل به من مجموع هذه الأوجه ، فإن الهيئة الاجتماعية يحصل منها أثر ودلالة غير ما حصل لكل وجه على انفراده. بتصرف ص١٠٣-١٠٤ [٢٧] (اللطيف ) من لطفه بعباده المؤمنين أنه يتولاهم بلطفه ، فيخرجهم من الظلمات إلى النور ، من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة .ص١٢٠ [٢٨] ومن لطفه : أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء ، التي هذا طبعها وديدنها ، فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ، ويصرف عنهم السوء والفحشاء . فتوجد أسباب الفتنة ، وجواذب المعاصي ، وشهوات الغي ، فيرسل الله عليهما برهان لطفه ، ونور إيمانهم الذي منّ به عليهم ، فيدعونها مطمئنين لذلك ، منشرحة لتركها صدورهم . ص ١٢٠- ١٢١ [٢٩] ومن لطفه بعباده : https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم ، فقد يريدون شيئا وغيره أصلح . فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه ( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء) بتصرف ، ص ١٢١ [٣٠] ومن لطفه : أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ، وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق ؛ رحمة بهم ولطفا ، وسوقا إلى كمالهم وكمال نعيمهم . ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) ص١٢١ [٣١] ومن لطفه : أن يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها ، فيعزم على قُربة من القرب ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب فلا يفعلها . ص ١٢٦ [٣٢] ومن لطفه : أن يُقيّض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها ، هي أنفع له منها ، فيدٓعُ العبد الطاعة التي ترضي ربه لطاعة أخرى هي أرضى لله منها . ص١٢٦ [٣٣] من لطفه : أن يُقّر الله خيرا وإحسانا من عبده ، ويُجريه على يد عبده الآخر، ويجعله طريقا إلى وصوله للمستحق، فيثيب الله الأول والآخر . ص١٢٧[/COLOR] ======================== * منقول من موقع مثانى القرآن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif سُئل بعض العلماء: أيّة آية تصلح أن تكون عنوانًا على القرآن كلّه بحيث إذا كُتبت على ظهر المصحف كانت تعريفًا كاملًا به، شاملًا لجميع المعاني الكليّة التي يجدها المتصفح فيه كما تُعَرّفُ الكتب الكبيرة بجمل قصيرة؟ فكان جواب هذا العالِم: الآية التي تصلح لذلك هي قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[إبراهيم: 52]. واجبنا نحو القرآن[1] محمد البشير الإبراهيمي (5) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s ولعَمري، لقد وُفّق هذا العالِم القرآني إلى الصواب فيما أجاب به؛ فالقرآن كتاب يحمل في ثِنْيَيْهِ دينَ الله الكامل، وكلُّ ما سبقه من الكتب والصحف فهي إرهاصات له، وبشارات به، وإشارات إليه. ابتعث به نبيَّه الأمين محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لهذا العالَم الإنساني كلّه، حين بلغ رشده الاجتماعي واستعد للكمال، واستشرف لسائق من وراء العقل يكون سندًا له إذا زلّ، وهاديًا له إذا ضلّ، ومصححًا لخطئه إذا أخطأ، ومخرجًا له من ظلمات الحيرة إذا التبست عليه مناهج الحياة، ومفسحًا له في آماله إذا ضَيّقت عليه هذه الحياة المحدودة حدود الآمال، ومحررًا له من أصناف العبودية الفكرية والبدنية التي تقلَّب فيها قرونًا، ومرشدًا إياه إلى وسائل الكمال التي كان يطلبها فلا يجدها. والآية الكريمة التي جعلها جوابًا لسائله بيان إلهي معجِز للحِكَم التي اقتضت نزول القرآن، والحِكَم التي نزل لبيانها القرآن، والمثُل العليا للكمال الإنساني الذي دعا إليه القرآن، متدرجة في وضعها البياني تدرجها الطبيعي من نفس سامعها؛ بلاغ، فإنذار، فعِلْم، فتذكّر. وأمثال هذا العالم من ربَّانِيِّي هذه الأمّة ممن درسوا القرآن وتدبروه ومارسوه وراضوا أنفسهم على بيانه، واستنبطوا منه الحِكَم التي أُنزل لتحقيقها، والعلوم التي جاء لتجليتها على الناس، يكون من خصائصهم هذه الملَكة، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif مَلَكة استعراض القرآن في مِثل ارتداد الطرف كلما تحرك لهم وجدان وأرادوا أن يَزِنوه، أو نَجَم في آفاق نفوسهم خاطر وأرادوا أن يصححوه، أو أُلقي عليهم سؤال وأرادوا أن يُجيبوا عليه. وما نظنّ بصاحبنا هذا أنه راعى القانون الاصطلاحي الجدلي في انطباق الجواب على السؤال، وإنما هي هيمنة القرآن على نفوس أصحابه، وإلهامها الإصابة في الرأي، والتسديد في الجواب، والفيح في الخصومة. فالسائل يطلب آية جامعة (لوظائف) القرآن، لا جرَم أن أول ما يخطر ببال المجيب أمثال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ...}[المائدة: 67] الآية، وقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ...}[الأنعام: 19] الآية، وقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ...}[الكهف: 110]، وقوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق: 45]، وغيرها من الآيات المبيّنة لأصول الدعوة القرآنية، ثم يلتمس راية تجمع هذه الأصول مع التنويه بهذا الكتاب الجامع لها، فيقع على تلك الآية أو ما شاكلها، والآيات الجامعة (لوظائف) القرآن كثيرة، ومن السهل السريع الوقوع عليها عند هذه الطائفة التي أوتيَتْ قوة الاستعراض. وقد يُسأل عالِم آخر فيقع على قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: 138]، أو قوله: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ}[الجاثية: 29]. والكلّ مُصيب، رضي القانون الجدلي أم سخط، وإن كان هناك تفاوت بين الآيات في الإحاطة والبيان، فلكلّ جملة تزيد في آية موقعٌ ودلالةٌ، ولكلّ كلمة تزيد في جملة معنى وحالةٌ. أما أنا -ولا أعوذ بالله من كلمة أنا- فلو أُلقي عليّ هذا السؤال لتمردتُ على قوانين الجدال، وأجبتُ على المُغافَصَة والارتجال، ولم أَرْعَ إلَّا الاعتبار المناسب ومقتضى الحال، وجرَرْتُ السائل عن (وظائف القرآن) إلى (وظائف أهل القرآن مع القرآن)، وقلتُ للسائل: ضع على ظهر المصحف بالقلم العريض قولَه تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأنعام: 155]، وقولَه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: 29]، واجعلْ جملتي: {فَاتَّبِعُوهُ}، و{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} بين أقواس؛ عَلَّ هذه الأقواس المحنيّة تصيب مِن قارئه شاكلة انتباه فتزعجه إلى معرفة أن هاتين الآيتين هما جواز الداخل إلى أقطار القرآن، وعلَّ هذه القلوب القاسية تستشعر حقّ القرآن عليها ووظيفتها التي يجب أن تقوم بها نحوه، وهي التدبُّر لمعانيه واتّباعه. إنّ حقوق القرآن علينا من التدبر والاتّباع، هي التي يعروها ما يعروها من الإهمال والضياع، والتفريط والغفلة؛ فهي التي يجب التنبيه لها والتذكير بها دائمًا، والدلالة على مواقعها من آيات الكتاب العزيز، وهي التي يجب على العالِم القرآني أن يختار للتذكير بها أصرح الآيات في معناها، وأظهر الجمل في الدلالة عليها، وأقرب الألفاظ لأذهان الناس. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وإذا قارنّا بين: {لِيُنْذَرُوا} وبين: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}، وجدنا بينهما فرقًا جليًّا لا يُستهان به في مقام التذكير، والإبلاغ في التأثير؛ فإن الإنذار -وإن كان معناه الإعلام بالشيء مع التخويف من عواقبه- لا يستلزم التدبّر الذي هو انفعال نفساني ذاتي، يُفضي إلى النظر في أدبار الشيء وغاياته على وجه من التكلّف والتدرج يفيده بناء (تفَعُّل)؛ وأثر الإنذار تأثير خارجي، وأثر التدبّر تأثر ذاتي، والإنذار لا يشعر النفس ما يشعرها التدبّر من العهد المسؤول والأمانة الثقيلة. أما الاتِّباع فهو ثمرة التدبر، وهو الذي لا تتحقق الغايات التي يرمي إليها القرآن إلا به، وقد تكرّر ذكره في القرآن في معارض شتّى، تدلّ مُستعرضها على أنه هو سرّ التديّن والتألّه، وأنه المحقق للكمال، وأنه العاصم من الضلال والهلاك، فليتدبر التالي هذه الأمثلة من الآيات القرآنية: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[الأعراف: 3]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}[الأنعام: 153]، {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران: 31]، {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}[لقمان: 15]، {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}[يس: 20]، {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ...}[يس: 21]، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[طه: 123]، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}[الجاثية: 18]، {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي}[يوسف: 38]. ويا للعجب من بيان القرآن وبيّناته! وإعجازه بفنون إيجازه! إنّ الاتباع ضَرْب من قَفْوِ أثر الغير، وترسُّم خطاه والانقياد له، وجعْل الهوى تبعًا للهوى، مع اطمئنان بالمشاركة في النتيجة خيرًا كانت أو شرًّا؛ وفي معناه من الهُجْنة أنه ينافي الاستقلال الفكري في الفكريات، والذاتي في الذاتيات، فتجد القرآن يدفع عنك أثر هذه الهُجْنة العارضة، فيأمرك بالتدبر واستعمال الحواس الظاهرة والباطنة في وظائفها الفطرية قبل أن يأمرك بالاتباع، حتى تطمئن إلى أنك إنما تتبع فيما فيه حَقّ وخير ورحمة، ثم إذا أمرك بالاتباع فإنما ذاك فيما يتعالى على فكرك إدراكه، أو يصعب عليك تمييزه، أو يخاف فيه غلبة الأهواء عليك، وبعد الأمر ينهى عن اتباع الهوى المضِلّ عن سبيل الحقّ، وعن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وعن اتباع خطوات الشيطان، وعن اتباع أولياء من دون الله، وعن اتباع السُّبل المتفرقة؛ توكيدًا للمعنى الإيجابي، وإيضاحًا للحقّ الذي يجب أن يتبع. إلَّا أنّ المتدبرين للقرآن لا يخرجون من هذا الاستعراض البديع إلا مؤمنين موقنين بأن الاتباع الذي يدعو إليه القرآن هو عين الاستقلال التام للفكر والإرادة والعقل والوجدان؛ لأنه يحميها من شرور الأهواء، ويؤويها إلى حِمَى الحقّ وحده، والاحتماء بالحق الذي قامت به السموات والأرض، واستقر عليه تدبير الكون ونظامه، استقلالٌ ما وراءه استقلال. {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون: 71]، هذا حقّ القرآن علينا؛ يجب أن نتخذ الآيات المنبّهة عليه فواتح في المدارسة، وأن تتجاوب أصداؤها في جوانب نفوسنا؛ حتى لا ندخل حرمه إلا بعد أن نكون عرَفْنا حقه. إنه لم يمضِ على المسلمين في تاريخهم الطويل عصرٌ هم فيه أبعد عن القرآن منهم في هذا العصر، ولم يمضِ على الدعاة إلى الحق وقت عظمتْ فيه العُهْدة واستغلظ الميثاق مثل هذا الوقت، وإنه لا مَخرج لهم من هذه العُهْدة ولا تحلل من هذا الميثاق إلا بالدعوة إلى القرآن، فلا عجب -ونحن نشعر بثقل هذه الأمانة- من أن ترتفع أصواتنا بالدعوة إليه، وإنما العجب الذي لا عجب بعده أن نسكت أو نقصر! وإنّ مِن أحكمِ الوسائل لجذب الأمّة إلى القرآن، وصْفَ القرآن، وتشويقَ الناس إلى الإقبال عليه وتدبّره وفهمه. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فمن التسديد في الرأي والمقاربة في العمل أن تُرْشَدَ الأمّة الإسلامية إلى معرفة ما ضيّعت من خير وما خسرت من هداية؛ بتضييعها للقرآن، وإنما تعرف ذلك ويبلغ مكامن الوجدان من نفوسها، مِن وصْفِه والإشادة بشأنه، والتنويه بجلاله وخطَره، والتنبيه على ما يحتوي عليه من العلوم الكثيرة بألفاظ قليلة، وتقريب ما ينطوي عليه من المرامي المفيدة بالكلمات القريبة، وشرح ما فيه من الحقائق المتفرقة بالجمل الجامعة، فإنّ ذلك يكون أدعى لرجوع النفوس الجامحة عنه إليه، وأعون على فَيْأَتِهَا إلى حِماه والاستظلال بظلّه والاستمساك بحبله. وليت شِعري، أيّ بيان يضطلع بهذا؟! إنّ وصْفَ القرآن وأساليب التشويق إلى القرآن لا توجد على أكملها في غير القرآن، فلو أن البلغاء من كلّ أمّة وفي كلّ جيل اجتمعوا على أن يصفوه ببعض ما وصف به نفسه، وكانت قلوبهم على قلبِ رجلٍ واحدٍ، وألسنتهم على لسانِ رجلٍ واحدٍ لعجزوا وقعد بهم القصور دون الغاية من ذلك. ولقد وصفه جماعة من الباحثين في إعجازه وأسراره، والمتكلمين على قصصه وأخباره والمنقِّبين على مَثُلاته وعِبَره، والغائصين على نُكَت التناسب بين آيهِ وسُوَره؛ فجاؤوا بما يشبه قصورهم الإنساني لا بما يشبه كماله الإلهي! ووصَفه قبلهم أعداؤه اللُّد من مَضَغَةِ الشيح والقيصوم أوصافًا منصفة، فما بلغ هؤلاء ببلاغتهم، ولا أولئك بإيمانهم وعلومهم غايةً مما يريدون. وصَفه الوليد بن المغيرة فقال: «إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر»، فعبّر بهذا الوصف عن وجدانه النفسي وعن أثر القرآن في ذلك الوجدان؛ ولاتصال الشعور بالوجدان جاء هذا الوصف شِعريًّا كما ترى، وكأنه إنصاف منتزع من نفس جائرة، وإقرار مقتلع من سريرة حائرة. ووصَفه شرف الدين البوصيري وصفًا لا غاية بعده من كلام المخلوق في الروعة الشعرية، وتمكّن الاقتباس، وصِدْق التمثيل، فقال: الله أكبر إن دين محمد ويا لله لهذا التمثيل المحكم في المصراع الأخير وما يحدثه في النفوس المفتونة بالمحسوسات!وكتابه أقوى وأقوم قيلا طلعتْ به شمس الهداية للورى وأبى لها وصف الكمال أُفولا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif والحقّ أبلج في شريعته التي جمعتْ فروعًا للهُدى وأصولا لا تذكروا الكُتْبَ السوالف عنده طلع الصباح فأطفِئُوا القنديلا إننا نعدّ من إعجاز القرآن في البلاغة ما هو شائع في جميع آياته من الدقّة المتناهية في تحديد المعاني، وتصوير الحقائق، وتنزيل الألفاظ في مراتبها، وتلوين الأساليب، والتزاوج بين الصِّفَتَيْن أو الصفات حتى كأنهما صفة واحدة؛ كالقوي الأمين، والغني الحميد، والحفيظ العليم، والعليم الحكيم؛ فليقصر الواصفون وليدَعوا القرآن يصف نفسه بتلك الدقة العجيبة وذلك التصوير الرائع، وليسلك الدعاة سبيلهم إلى نفوس الناس بهذه الأوصاف الرائعة من هذه الآيات الجامعة؛ فإن ذلك أدعى إلى التأثير والتأثّر، وأبلغ في باب التشويق من كلّ تبويب في الكلام وتحبير وتزويق، أين يقع كلّ ما وصفه به البشر من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: 57]، وما في هذه الآية من جمْع أصول الإصلاح التي جاء بها القرآن مرتّبة في الذكر ترتيبها في الوجود؟! وأين يقع كلّ ذلك من قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[المائدة: 15، 16]؟! اللهم لا. كانت الأمّة العربية قبل الإسلام -ومثلها جميع الأمم- في جاهلية جَهْلاء، فهي من الوجهة الفكرية في أحطّ الدرجات، ومن الوجهة الاجتماعية في أخسّ الحالات، وكانت لا تملك من أسباب النهضة إلا لسانًا قويمًا، وفطرة غير معقدة، ولكن ماذا يُغني اللسان الخصيب إذا كان يصدر عن فكر جديب؟! فجاءها الله بالقرآن وفيه كلّ ما كان الفكر العربي يتطلبه من العقائد النقية والحقائق العلمية، وكلّ ما كان اللسان العربي يصبو إليه من آفاق وميادين، فنهض العرب به وبلسانهم الذي نزل به، وأنهضوا الأمم معهم، تلك النهضة التي زلزلَت العالَم الروحي العقلي فأذهبَتْ مخارقه وثبّتَتْ حقائقه، وزلزلَت العالَم المادي فذهبت بطغيانه وشروره ورذائله، وأقرّته على التشريع العادل والمعاملة الرحيمة، ثم لاءمت بين الروح والمادة بمعاني التوسط والاعتدال البادية في عقائد الإسلام وآدابه وأحكامه، وجاءت بالمعجزة الكونية الكبرى في تحقيق الحُلم الإنساني بتلك https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الملاءمة، وهي أمنية عجزت عن تحقيقها كلّ تعاليم الأرض، ولم تفِ بها تعاليم السماء قبل الإسلام؛ لحكمةٍ وأمْرٍ قد قُدِر. وانساح الإسلام في الأرض يُزجي جيوش الأخلاق قبل جيوش الخلائق، وبسط ظلّه على الأقطار الممتازة بخصوبة الأرض، وعلى الأمم الممتازة بخصوبة الفكر، وزرع تعاليمه في عقول مستعدة، وأفاض عليها من روحه: إنّ الغاية في هذا الوجود سيادة في الحق وسيادة بالحق، وأن لا سبيل إليهما إلا بالعلم والعمل، وأن عمران الأرض متوقف على عمران العقول والنفوس، وبنَى بذلك تلك الحضارة التي لا يُنكرها إلا مكابر يماري في الشمس وضحاها. إنّ الآفة الكبرى التي قضت على الحضارات وجعلت عاليها سافلها، هي التفرق بين بُناتها والمستحفظين عليها، وقد كان للمسلمين -من بين الأمم القديمة والحديثة- معتصم باذخ، لو اعتصموا به لوقاهم من التفرق فوَقى حضارتهم من الانهيار، وهو القرآن ودينه الإسلام، نعمةٌ خُصُّوا بها دون الأمم. كانت تعصف بهم من عواصف التفرّق، وتثور فيهم من طبائع المُلْك وغرائز المنافسة فيه ما أقلّه كافٍ في تدمير الممالك وتَتْبير الحضارات، فيرجعون إلى القرآن ويعتصمون بالإسلام فيجدون فيهما الْوَزَر الواقي، إلى أنْ داخلَتْهم الأعراق المدسوسة، ومازجَتْهم الجراثيم الغريبة، وابتُلوا بلقاح سوء مما أَفسد مَنْ قبلهم، وكان من تأثير ذلك أنهم انتقلوا من التفرق الذي يعصم منه الدين إلى التفرق في الدّين نفسه وفي القرآن نفسه، ثم زَهدوا في الدين فلم تبق إلا الصور العملية بلا روح، وزهدوا في القرآن إلا الألفاظ المتلُوَّة بلا نذير، حتى كانت عاقبة أمرها خُسرًا، وذاقت السوء بما صدّت عن سبيل الله. إنّ أسلافنا قاموا بما شرط عليهم القرآن في قوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}[الحج: 41]، فتحقق معهم وعد الله في القرآن: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النور: 55]، فكانوا خلفاء الأرض يقيمون فيها الحقّ والعدل، وينشرون فيها الخير والرحمة، ويطهرونها من الشرك والوثنية، ويحققون حكمة الله بإقامة سننه الكونية والشرعية، لا يراهم الله إلا حيث يُرضيه أن يراهم؛ لأن مما أفادهم القرآن استجلاء العِبَر من قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[يونس: 14]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}[الأنعام: 165]، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}[الأعراف: 100]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وكان هؤلاء السلف يعلمون لماذا أُنزل القرآن، ويعلمون أنه كتاب الدهر ودستور الحياة، وحجة الله الباقية إلى قيام الساعة، وأنه وافٍ كلّ الوفاء بإسعاد البشر في الحياتَين، وأن عدم فهمه وعدم العمل به وعدم تحكيمه كلّ ذلك تعطيل له. ففهموه أولًا وحكّموه في أهوائهم ونزعاتهم، فاستأصل باطلها ولطف من نزواتها، ورجعوا إليه في فهم الحقائق الغامضة في الحياة والدقائق المشكلة في الكون والأخلاق التي يجب أن يتعايش بها الناس، فرجعوا إلى معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد انضوت تحت لوائه أمم مختلفة الأهواء والمنازع والفهوم؛ فوحّد أهواءها، وقارب بين منازعها وفهومها، ووفّق بين مصالحها، وهذه النقطة التي عجزت عنها التربية التعليمية والقوانين الوضعية إلى يومنا هذا. يعتقد المسلمون كلُّهم أن سلَفهم كانوا أكمل إيمانًا من خلَفهم وهذا صحيح، ولكنهم لا يبحثون عن علّة كمال الإيمان في السلَف، حتى لكأنهم يعتقدون أن ذلك بوضع إلهيّ وتخصيص ربانيّ لا يدَ للكسب فيه، وهذا خطأ فاحش وجهل فاضح. وما دام الكلام في الإيمان، فهاته وانظر كيف فهمه السلَف؟ ومن أيِّ مَعِينٍ استقَوا فهمه؟ ومن أيِّ أفقٍ استجلَوا حقائقه؟ ثم انظر كيف فهمه الخلف؟ ومن أين سقطتْ عليهم هذه الفهوم السخيفة؟ ثم أرجِعْ كلّ معلول إلى علته بلا إجهاد للذهن ولا إنضاء للقريحة. إنّ السلف تذرّعوا لفهم القرآن ذريعتَيْن: الذوق العربي الصحيح، والسنة النبوية الصحيحة، وقد كانوا يؤمنون بأنه كلٌّ لا يتجزأ، وأن بعضه يفسِّر بعضه، وقد استعرضوه بعد فهمه بتلك الذرائع، فوجدوه يُعرِّف الإيمان بالصفات اللازمة والتي يتكون من مجموعها، فيقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}[الحجرات: 15] الآية، ويقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}[الأنفال: 2- 4]، ويقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون: 1] إلى آخرها، ويقول: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}[البقرة: 177] إلى آخرها، ويقول: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[الفرقان: 63] إلى آخرها، ويقول غيرها من الآيات الجامعة لشعب الإيمان وخصاله وصفاته الذاتية، ثم وجدوه لا يذكر الإيمان في المَعارِض المختلفة إلا مقرونًا بالعمل الصالح، ففهموا من القرآن ما هو الإيمان وما هي الأعمال الصالحة؛ فآمنوا وعملوا الصالحات، فكان إيمانهم أكمل إيمان بالعمل والكسب لا بشيء آخر من الخوارق والاختصاصات، وعلى هذا النحو فهموا العبادة وتوحيد الله وكمالاته المطلقة، والرسل ووظائفهم، والملائكة... إلخ. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أما الخَلَف فقد عدَلوا عن هذا كلّه منذ صاروا يفهمون الإيمان من القواعد التعليمية، وفقدوا الذوق والاسترشاد بالسنّة. إنّ هذه القواعد الجافّة التي لا صلة بينها وبين النفس إنما تنفع في الصناعات الدنيوية، أما في الدين فإنها لا تغني غَناء، وقد أفسدته منذ أصارها الناس عمدة في فهمه، حتى ضعف إيمانهم وضعفت تبعًا له إرادتهم وأخلاقهم، وكيف يُفلح من يَعدِل في تفهُّم الإيمان عن الآيات المتقدمة إلى قولهم: إنّ الإيمان هو التصديق، وإنّ النطق شرط أو شطر فيه، وإنّ النسبة بين الإيمان والإسلام كذا... إلى آخر القائمة؟! وكيف يكون مؤمنًا -حقًّا- من يبني إيمانه على هذا الجُرف الهاري؟! إنّ هذا موضوع واسع الجنبات، وهو يتصل بباب أمراض المسلمين وأسبابها، ولا تتسع هذه الكلمة لبعض القول فيه، فكيف باستيعابه؟! تدبُّر القرآن واتِّباعه هما فَرْقُ ما بين أول الأمّة وآخرها وإنه لفرقٌ هائلٌ، فعدم التدبر أفقدَنا العلم، وعدم الاتباع أفقدَنا العمل، وإننا لا ننتعش من هذه الكبوة إلا بالرجوع إلى فهم القرآن واتباعه، ولا نُفلح حتى نؤمن ونعمل الصالحات، {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: 157]. [1] نُشرت هذه المقالة في مجلة (الشهاب)، الجزء الرابع، المجلد الرابع عشر، يونيو - يوليو 1938م، ص156، كتصدير لأحد أعداد المجلة، وعنونت بـ(تصدير هذا العدد)، فاخترنا لها هذا العنوان المناسب لموضوعها. وطُبعت ضمن (آثار محمد البشير الإبراهيمي)، جمع نجله: د. أحمد طالب الإبراهيمي - ط. دار الغرب الإسلامي (1/320)، وقد ختمها الكاتب -رحمه الله- بالكلام عمَّا خُصِّص به هذا العدد من المجلة من الكلام على ختم الشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- لمجالس تفسيره، مع ذكر بعض جهود معاصريه، مما هو خارج عن موضوع المقالة، فاقتصرنا على صُلب المقالة وحذفنا ما يتعلق بموضوع العدد. (فريق موقع تفسير). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif فوائد من محاضرة ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ د. خالد السبت (6) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s ١- ﴿ كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ﴾ تنكير " كتاب " يفيد التعظيم ، واللام في ( ليدبروا ) تفيد التعليل ، أي أن الإنزال من أجل التدبر الذي هو الطريق للانتفاع والاتعاظ بعبر القرآن وأمثاله وعظاته ، فلا سبيل إلى الوصول إلى كنوزه وهداياته إلا بالتدبر . ٢- إذا حصل التدبر فإنه يحصل بعده التذكر ، فيتذكر أصحاب العقول الصحيحة وينتفعون بذلك ﴿ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ﴾ فالفاء تفيد التعليل وترتيب ما بعدها على ما قبلها ، وإن أبلغ وأجلّ ما يُذكّر به هو كلام الله ﷻ ٣- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ هي واسطة العقد في أعظم سورة في القرآن ، في السورة التي هي ركن في الصلاة ( في فرضها ونفلها ) ، لا تصح صلاة العبد حتى يقرأ بأم القرآن ، حيث ترجع معاني القرآن على كثرتها إلى هذه السورة ، فمضامين القرآن ومقاصده مضمنة في هذه السورة ٤- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ هي الآية الرابعة ، في سورة الفاتحة التي هي بالإجماع سبع آيات https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif التي قال الله ﷻ فيها ﴿ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ﴾ وصح عنه ﷺ قوله ( هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) ٥- سميت بالسبع المثاني لأنها - تثنّى في كل صلاة وكل ركعة - اشتملت على المثاني والثناء على الله ﷻ ، فأولها الحمد الذي هو ذكر المعبود بأوصاف الكمال مع المحبة والتعظيم ، ثم يثني هذا الحمد بالثناء ، فإذا قال العبد ( الحمد لله رب العالمين ) قال ﷻ ( حمدني عبدي ) ، وإذا ثنى هذا الحمد قال ﷻ ( أثنى علي عبدي ) فإذا زاد الثناء قال ﷻ ( مجدني عبدي ) والمجد والتمجيد يدل على السعة . هذا الحمد مقدمة بين يدي السؤال ، فالسورة اشتملت على الحمد والثناء والتمجيد مع السؤال ٦- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ جاءت قبل طلب الهداية ، وسبقها الحمد ، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد الدعاء معهما كما قال ابن القيم ؛ التوسل بأسماء الله وصفاته ، والتوسل بعبوديته . ٧- سورة الفاتحة نصفها للرب ونصفها للعبد كما جاء في الحديث ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) فالآيات الثلاث الأولى للرب ، والثلاث الأخيرة للعبد ، و ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ نصفها للرب ونصفها للعبد https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ٨- ﴿ الحمد لله ﴾ الألف واللام تفيد - الاستغراق ؛ فجميع المحامد لله ﷻ - الاستحقاق ؛ فهو المستحق ﷻ للحمد دون سواه فلواحدٍ كن واحدا لواحدٍ أعني سبيل الحق والإيمان ٩- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ ليعلم العبد في كل وقت أن له غاية ﴿ إياك نعبد ﴾ وله منتهى يسأله ويستمد منه العون وهو الله ﴿ وإياك نستعين ﴾ ، فيكون الله غايتنا في كل ما نقدمه ، ومنه نستمد العون ، ولو شاء لأقعدنا كما أقعد كثيرين ١٠- إذا استعمل الله عبدا في مرضاته فليستحضر أن الله ﷻ هو الذي وفقه واجتباه وهداه فيزداد شكرا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ١١- لا يمكن أن ننهض بعمل من الأعمال إلا بعون الله ﴿ وإياك نستعين ﴾ ، وإذا لم يكن العمل خالصا لله لم ننتفع به ﴿ إياك نعبد ﴾ وهذان الأمران ما اشتملت عليه هذه الآية ١٢- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ قدمت العبادة على الاستعانة مع كون العبادة لا تكون إلا بالاستعانة من أوجه - لأن العبادة هي الغاية والمقصودة لذاتها ، أما الاستعانة فهي وسيلة ، فهو من تقديم الغاية على الوسيلة - ﴿ إياك نعبد ﴾ متصلة بما قبلها ، فهي حق الله ﷻ ، و ﴿ وإياك نستعين ﴾ متصلة بما بعدها وهو حظ العبد ، وحق الله مقدم على حظ العبد - جاء ترتيبها موافقا لترتيب الأسما التي ذكرت في بداية السورة ، الله متعلق بالعبادة ( إياك نعبد ) ، ثم الرب متعلق بالاستعانة . - العبادة هي سبب لحصول الإعانة ، وإجابة الدعاء ، فالعبد إذا حقق العبودية أجاب الله دعاءه ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع ) فذكرهم ﷻ بوصف العبودية الخالصة التي تدل على الاختصاص وليست العبودية القهرية التي يستوي فيها المؤمن والكافر . https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif - الاستعانة جزء من العبادة ، لكن لحاجة العبد دائما إلى الاستعانة في كل عباداته وأموره خصت بالذكر بعدها ١٣- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ تأمل حديث الرسول ﷺ ، الذي هو من جوامع الكلم ( احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ) ، تجده موافقا للاية ، فلا أنفع للعبد أن يحرص عليه من طاعة الله ورسوله وهي العبادة ١٤- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ الفاتحة شفاء من أمراض القلب التي تعرض له ، فهو إما أن ينصرف لغير ربه ( شرك ورياء) أو ينصرف لنفسه ( عجب وكبر) وكلاهما مما يبطل العمل ، ف ( إياك نعبد ) تطرد أمراض الشرك والرياء ، و ( إياك نستعين ) تطرد أمراض العجب والمبر والتعاظم ١٥- إذا عوفي العبد من مرض الشرك والرياء ب ( إياك نعبد ) وعوفي من مرض الكبر والعجب ب ( إياك نستعين ) وعوفي من مرض الجهل والضلال ب ( اهدنا الصراط المستقيم ) https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فقد عوفي من جميع العلل والأوصاب القلبية ، وكذلك فالسورة شفاء من الأمراض البدنية لقوله ﷺ ( وما أدراك أنها رقية ) ١٦- ذكر ابن القيم أن الناس في تحقيق هذين الأصلين ( العبادة والاستعانة ) أربع أصناف ، أكملهم أهل العبادة والاستعانة ، من جعل عبادة الله غايته ، واستعان به في كل أمره ، ولذلك فإن من أفضل الدعاء ما علمه النبي ﷺ لمعاذ رضي الله عنه ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) ، قال ابن القيم إن مدار كل الأدعية هو هذا الدعاء ١٧- وقال ابن تيمية : تأملت أنفع الدعاء فوجدته طلب العون على مرضاته ووجدته في ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ ١٨- ( نعبد ) جاءت بهذا الإطلاق ، فصاحب هذا المقام ليس له غرض في تعبد بعينه ، قد يوافق هوى في نفسه فيؤثره على غيره ، بل هو صاحب التعبد المطلق يتنقل فيه بين أنواع العبادات ، أينما طلبته وجدته ، وهذا هو القائم بالعبودية حقا ١٩- ( نستعين ) جاءت أيضا مطلقة ، فهي استعانة في كل أمر من أمور العبادة أو أمور الدنيا ، نستعين به ﷻ لكل أمر من أوامره ، وعلى كل نهي من نواهيه ، وللصبر على مقدوراته ، ومشاق الحياة وآلامها ، فلا تتحقق الاستقامة على العبادة إلا بالاستعانة بالله ٢٠-﴿ إياك نعبد ﴾ حقيقة الإخلاص ﴿ وإياك نستعين ﴾ حقيقة التوكل ، فهذا هو الكمال ، كما قال ﷻ ﴿ فاعبده وتوكل عليه ﴾ وقال ﴿ قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ﴾ وقال ﴿ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ﴾ ٢١- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif تقديم إياك فلم يقل نعبدك ونستعين بك ، والمعمول إذا تقدم على العامل يفيد الحصر ، فالقصد : لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين بأحد غيرك ٢٢- ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ أسلوب الالتفات في الآية فبعد أن كان الكلام بصيغة الغائب جاء في هذه الآية بصيغة المخاطب وهو نوع من بلاغة الأسلوب ، لتنشيط السامع ، وكأن العبد لما أثنى على الله وحمده ومجده صار في غاية القرب من ربه فتوجه إليه بالمخاطبة ، كأنه حضر بين يديه ٢٣- التكرار في قوله ( إياك ) ولم يقل إياك نعبد ونستعين ؛ وهذا يفيد التوكيد والاهتمام ، وكأنهما قضيتان منفصلتان ٢٤- ( نعبد ) جاءت النون مع أن المتكلم واحد ، وفيها فوائد - أن العبد لما تشرف بالعبودية صار من أهل العزة والشرف وعلت مرتبته - من قبيل تعظيم الله ﷻ فهي نون الجمع ، وهذا أبلغ في تعظيم الله ﷻ مما لو قال أعبد ، فكأنه يقول : كلنا نعبدك ، وكلنا جندك - قيل إنها نون الاستتباع ؛ فالصلاة بنيت على الجماعة ، فكأنهم يتحدثون بلسان واحد ========================= *منقول من موقع مثانى القرآن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif التفاعل مع القرآن الكاتب : محمد الخولي (7) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s لا يشعر بأثر القرآن وهديه إلا من تفاعل مع كلّ آية يقرؤها أو يسمعها، فكيف نتفاعل مع القرآن؟ وما الوسائل المُعِينة على ذلك؟ وكيف كان تفاعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام مع القرآن؟ هذا ما تكشفه لنا هذه المقالة. في خِضَمِّ الواقع الذي نعيش فيه، كثيرًا ما يحتاج المسلم إلى الشعور بالطمأنينة والسكون، وذلك لا يتجلَّى إلا مع الخلوة بكتاب الله -عزّ وجلّ-، هذه الواحة الغَنَّاء؛ ليرتشف من مَعِينها الصافي، ويتنفس من أريجها الزّاكي؛ لينعم بطمأنينة النفس وراحة القلب وسلامة الصدر، ولِمَ لا؟! وقد خَلا بكتاب ربه -عزّ وجلّ- الذي فيه شفاء ورحمة وموعظة للمتقين. ولكن لا يشعر بأثر القرآن وهَدْيه إلا مَن تفاعل مع كلّ آية يقرؤُها أو يسمعها، وأدرك أن كلّ آية تحمل رسالة من الله -عزّ وجلّ- ينبغي عليه أن يرعي لها قلبه وعقله قبل سمعه وبصره. أصناف الناس في التعامل مع القرآن: والناس في تعاملهم مع القرآن أصناف وأنواع: فمنهم مَن يهتم بكثرة التلاوة، ومنهم مَن يهتم بإقامة الحروف وضبط المخارج، ومنهم مَن كلُّ همِّه تجميل صوته والتغني بالقرآن، ولكن ربما نسي أكثر هؤلاء أهمّ شيء وأعظم شيء، ألا وهو التفاعل مع آيات القرآن الكريم، فربما يمرّ الواحد على الآية تِلو الآية بقلبٍ غافلٍ ساهٍ، ثم يشتكي بعد ذلك: لماذا لم أشعر بحلاوة القرآن برغم أني أداوم على القراءة، ولم ألبث أن أنتهي من ختمة حتى أبدأ في أخرى؟! https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif لم يفطن هؤلاء إلى حقيقة مهمّة، ألا وهي: أن أكثر الناس استمتاعًا بالقرآن مَنْ علم أن هذا القرآن يتكون من (مبانٍ) و(معانٍ)، فهو ليس مجرد حروفٍ ومبانٍ تتحرك بها الألسنة، بل إن روح القرآن هي المعاني، وأنه لا ينبغي أن ينشغل المسلم بضبط المباني وينسى التفاعل والتفكّر في المعاني. فالقرآن ليس مجرد نصّ جامد أنزله الله -عزّ وجلّ- لمجرد القراءة والحفظ، بل القرآن روح للأرواح، ونور للقلوب، وحياة للأبدان؛ فقد قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الزخرف:52]. وهذا القرآن لو أُنْزِل على الجبال لخشعت وتحطّمت من خشية الله -عزّ وجلّ-، فقد قال -سبحانه-: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: 21]. ولن يتجلّى أثر القرآن على النفس إلَّا بتدبر آياته ومعرفة المقاصد والمعاني، وهذا أعظم ما ينبغي أن يراعيه المسلم عند التعامل مع القرآن، فمع عظيم أجر قراءة القرآن، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)[1]، إلَّا أن تدبّر القرآن والتفاعل مع معانيه أعظم أجرًا وفضلًا؛ لأنه المقصد والمطلب الأول الذي من أجله أُنْزِل القرآن، فقد قال -تعالى-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29]، وقال -تعالى-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82]، وقال -تعالى-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]. وقد ذمَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- من يقرؤون القرآن لمجرد القراءة ولا يتفاعلون معه، فقال عن هؤلاء: (سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)[2]. تفاعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع القرآن: لقد علَّمَنا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كيف يكون التفاعل مع القرآن؛ فقد كان إذا مرَّ بآية من آيات العذاب تعوَّذ بالله، وإذا مرَّ بآية رحمة سأل الله من رحمته، وإذا مرَّ بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرَّ بآية ثناء https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif على الله أثنى عليه، وإذا مرَّ بآية سجدة سجد. فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: «صلَّيت مع النبِي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فافتتح الْبَقَرَةَ... إِذَا مَرَّ بِآية فيها تسبيح سَبَّح، وإِذا مرَّ بسؤال سأل، وإِذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ»[3]، وزاد النسائي بلفظ: «إذا مرّ بآية عذاب وقف وتعوَّذ». وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: «قمتُ مع رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- ليلة فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمرُّ بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوَّذ...»[4]. وكثيرًا ما كانت تذرف عيناه -صلى الله عليه وسلم- ويخشع قلبه عند سماع القرآن، فعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَأْ علَيَّ القُرآنَ)، قلتُ: يا رسول الله، أقرأُ عليك، وعليك أُنزِل؟! قال: (إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي)، فقرأتُ عليه سورة النِّساء، حتى جئتُ إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}[النساء:40]، قال: (حَسْبُكَ الآن)، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان[5]. تفاعل الصحابة مع القرآن: ولقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرفون أن هذا القرآن رسالة من الله -عزّ وجلّ- إليهم، فكانوا كثيرًا ما يتفاعلون معه، ولا تمرّ عليهم الآية إلا بعد تدبُّرها، والوقوف على مقصودها، وكيفية تطبيقها؛ فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أنه لما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله -تعالى-: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284]، اشتد ذلك على أصحابه رضوان الله عليهم، فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بَرَكُوا على الرُّكَب، يسألون النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- التخفيف في المؤاخذة بما تتحدث به نفوسهم، فنسخ الله هذه الآية وأنزل -سبحانه-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]. ويقول ابن مسعود: «كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن»[6]. بعض الوسائل المُعِينة على تحقيق التفاعل مع القرآن: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif
ويقول ابن القيم: «الشيطان يجلب على القارئ بخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به -سبحانه-، فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأمر عند الشروع أن يستعيذ بالله -عزّ وجلّ- منه»[8].
ولقد كان ذلك دأب السلف الصالح، حيث كان الواحد منهم إذا مرَّ على الآية لا يتركها حتى يتدبرها ويفهم معانيها، وإلَّا لا يعدّ لها أجرًا عند الله؛ فقد نقل الغزالي عن بعض السلف قوله: «آية لا أتفهّمها، ولا يكون قلبي فيها لا أعدّ لها ثوابًا»[9].
فالعمل بعد القراءة له أهمية كبيرة وهو أمر لطالما نعى السلف على إهماله وعدم رعايته والانشغال فقط بالقراءة دون العمل، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: «أُنْزِل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملًا، وإنّ أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته، ما يُسْقِط منه حرفًا، وقد أسقط العمل به»[11]، ويقول الحسن البصري -رحمه الله- عن التدبر: «والله ما تَدَبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأتُ القرآن كله، ما يُرَى له القرآنُ في خُلقٍ ولا عملٍ». وختامًا أيها القارئ الكريم، هذه مجرد نبضات حول التفاعل مع القرآن أردتُ من خلالها أن أدقّ ناقوس الإنذار؛ لينتبه المسلمون لبعض أخطائهم في التعامل مع أعظم رسالة وصلت إليهم، هذه الرسالة التي إن أحسنوا التعامل معها نالوا شرف الدنيا وعزَّ الآخرة، ولِمَ لا؟! وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبته يوم حجة الوداع: (وقد تركتُ فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله)[12]. فنسأل الله أن يردّنا إلى القرآن مَرَدًّا جميلًا، وأن يجعلنا من العالِمين العامِلين، والحمد لله ربّ العالمين. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ================================= [1] رواه الترمذي (2910). [2] رواه مسلم (1067). [3] رواه مسلم (772). [4] رواه أبو داود (873)، والنسائي (1049). [5] رواه البخاري (5050)، ومسلم (800). [6] تفسير الطبري: (1/ 80). [7] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص:825). [8] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: (1/ 93). [9] إحياء علوم الدين: (2/ 48). [10] رواه مسلم (119). [11] الجواهر الحسان في تفسير القرآن، (1/ 134). [12] رواه مسلم (1218). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif فوائد لابن القيم في قوله تعالى ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦] (8) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s في هذه الآية عدة حكم وأسرار، ومصالح للعبد. 1- فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه. لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرّة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة، لعدم علمه بالعواقب. فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد - أوجب ذلك للعبد أمورا -. منها: أنه لا أنفع له من امتثال أمر ربه، وإن شق عليه في الابتداء. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات. ولذات وأفراح، وإن كرهته نفسه، فهو خير لها وأنفع. وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب المنهي، وإن هويته نفسه، ومالت إليه. وأن عواقبه كلها آلام وأحزان، وشرور ومصائب. وخاصة العاقل تحمّل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة، والخير الكثير، واجتناب اللذة اليسيرة لما يعقبها من الألم العظيم والشر الطويل. فنظر الجاهل لا يجاوز المبادئ إلى غاياتها، والعاقل الكيّس دائما ينظر إلى الغايات من وراء ستور مباديها. فيرى ما وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة. فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سم قاتل. فكلما دعته لذته إلى تناوله نهاه عنه ما فيه من السم. ويرى الأوامر كدواء مرّ المذاق، مفض إلى https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif العافية والشفاء، وكلما نهاه مرارة مذاقه عن تناوله أمره نفعه بالتناول، ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم، تدرك به الغايات من مبادئها وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق، لما يؤمل عند الغاية من حسن العاقبة. فإذا فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك. وإذا قوى يقينه هان عليه كل مشقة يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة -. 2- ومن أسرار هذه الآية: أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، والرضا بما يختاره له ويقتضيه له، لما يرجو من حسن العاقبة. 3- ومنها: أنه لا يقترح على ربه، ولا يختار عليه، ولا يسأله ما ليس له به علم. فلعل مضرته وهلاكه فيه. وهو لا يعلم. فلا يختار على ربه شيئا، بل يسألهحسن الإختيار له، وأن يرضيه بما يختاره. فلا أنفع له من ذلك. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 4- ومنها: أنه إذا فوض إلى ربه ورضي بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر، وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه. وأراه من حسن عواقب اختياره ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه. 5- ومنها: أنه يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الإختيارات، ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات، التي يصعد منها في عقبة، وينزل في أخرى. ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه، فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه، وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم عنده غير ملطوف به فيه، مع اختياره لنفسه. ومتى صح تفويضه ورضاه اكتنفه في المقدور العطف عليه واللطف به. فيصير بين عطفه ولطفه. فعطفه يقيه ما يحذره. ولطفه يهون عليه ما قدره. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif إذا نفذ القدر في العبد كان من أعظم أسباب نفوذه: تحيله في رده. فلا أنفع له من الاستسلام وإلقاء نفسه بين يدي القدر طريحا كالميت. فإن السبع لا يرضى أن يأكل الجيف. ................ المصدر: ( بدائع التفسير لابن القيم ( 1/ 172-173) ) * منقول من موقع مثانى القرآن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif أثر القرآن في تغيير الإنسان الكاتب : مسعد عرفة (9) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s لما نزل القرآن العظيم تغيَّر العرب، وأُعيد بناء شخصياتهم وفق المنهج الرباني، وتغيروا بآيات الله. وهذه المقالة تكشف طرفًا من أثر القرآن في تغييرهم، وتسلِّط الضوء على عدة عوامل من عوامل تأثير القرآن في نفوسهم وفي نفوس الناس. منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا؛ وقبل أن ينعم الله -عزّ وجلّ- على البشرية بأعظم نعمة، وهي: إنزال القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم-، ما كان العرب إلّا شَراذِمَ متفرقة وقبائلَ متناحرة، ثم بين عشية وضحاها صاروا إخوة متحابّين، ورفاقًا متآلفين، يفدي بعضهم بعضًا بالغالي والثمين! وقد نصّ الله تعالى في القرآن على هذه النعمة، فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. كانوا يتقاتلون على الناقة والشاة، ثم ما لبثوا أن آثر بعضهم بعضًا على نفسه؛ ونزل فيهم قول الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: 9]. لم يكن لأحدهم ولاءٌ إلا لقبيلته التي ينصرها في الباطل قبل الحقّ، ولم يكن في وسع أحدهم إلا الاستجابة لصراخ أخيه في القبيلة، بلا برهان ولا بينة على قوله؛ كما قال الواصفُ لهم: لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانًا[1] ثم ما كان منهم بعد الإسلام إلا أن صار أحدهم ينصر الحقّ ولو كان مع غير قبيلته، امتثالًا لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[النساء: 135]. وكانت العصبية القبلية دينهم، فإذا بهم يُجاهِد أحدُهم مع إخوانه في الإسلام ولو كانوا من غير قبيلته؛ بل ولو لم يكونوا من العرب بالأساس! فكان المسلم الأوسي يقاتل بجوار المسلم الخزرجي، بجوار المسلم القرشي، بجوار المسلم الحبشي، بجوار المسلم الرومي، بجوار المسلم الفارسي، كلهم ذابوا في بوتقة واحدة، يقاتلون يدًا واحدة حتى لو كان عدوهم هو قبيلة أحدهم. كانوا يتفاضلون فيما بينهم بالمال والجاه وكثرة العدد والولد وجمال الْخِلْقَة وقوة البدن، ثم أصبحت التقوى هي معيار التفضيل، والذي لا يعلمه إلا الله، بعد أن سمعوا كلام ربهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif كانوا ينتقصون ويكرهون النساء والبنات، حالهم في ذلك كما أخبر الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[النحل: 58- 59]. ويحتقرونهن ولا يعتبرونهن شيئًا؛ ثم أكرموهن وورثوهنَّ، وأعلوا قدرهن؛ كيف لا وقد فرض الله لهن نصيبًا في آيات المواريث، {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[النساء: 7]. كان سعي أحدهم وكَدُّهُ طول عمره في تحصيل أكبر قدر من المال والإبل والغنم والعلوّ في الأرض، ثم أصبح منتهى أمل أحدهم أن يُطْعَن في سبيل الله طعنة تنقله إلى منازل الشهداء؛ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب: 23]. كان ليلهم مع شرب الخمور وتمايل الغانيات وفعل المنكرات، فصاروا لا يبيتون إلا وقد صفّوا أقدامهم بين يدي الله -عزّ وجلّ-، يناجونه في جوف الليل، وقد تركوا الغانيات والخمور، وقد كانوا يفرطون في حياتهم التي بين جنوبهم ولا يفرطون فيها! كانوا لا يعتبرون العبيد شيئًا، وكان العبد أهون على سيده من شراك نعله؛ ثم أصبح بعد الإسلام أخًا مساويًا له في الحرمة، بل قد يفوقه ويعلوه إن كان أكثر منه في التقوى والإيمان؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]. والسؤال الآن: ما سبب كلّ هذه التغيرات والتحولات وغيرها مما يحيّر الألباب؟ والإجابة على ذلك بشيء واحد: إنه أثر القرآن في تغيير الإنسان. هذا القرآن الذي أعاد بناء شخصياتهم وفقًا للمنهج الرباني، ولا يراد بذلك مجرد الحفظ والترديد لآيات القرآن؛ وإنما القصد أن يكون القرآن منهج حياة، وخط سير لا يحيد عنه الإنسان. تأملوا هذا المنهج الرباني التربوي، الذي جاء تفصيله في حديث جُنْدُبِ بن عبد الله بن سفيان البَجَلِيِّ العَلَقِيِّ -رضي الله عنه-؛ قال: «كُنَّا فِتْيَانًا حَزَاوِرَةً [جمع حَزَوَّر، وهو الغلام لم يبلغ وقد قارب] مَعَ نَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم-، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا؛ وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ»[2]. فتأمل قول الصحابي الجليل: «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ»، وتدبر كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علّمهم الإيمان قبل القرآن، فلما تعلموا القرآن ازدادوا به إيمانًا. ثم هو -رضي الله عنه- يوضح المنهج المقابل، فيقول: «وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ»؛ فحريٌّ بنا أن نجعل هذا الحديث مركزًا للمنهج التربوي الذي نأخذ به أنفسنا وأبناءنا وبناتنا وأهلينا. ولم لا؟! أليس هو المنهج الرباني والأسلوب النبوي في التربية، الذي تكلم به من لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم-؟! وما فائدة أن يكون الإنسان قادرًا على ترديد القرآن كلّه من الفاتحة إلى سورة الناس، ولكنه في الواقع يسير عكس المنهج التربوي للقرآن تمامًا؟! وحال النبي -صلى الله عليه وسلم-خير مثال يُحتذى به؛ إذ كان -صلى الله عليه وسلم- يهتمُّ بالجانب العملي، ويقدّم الناحية التطبيقية؛ فأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حينما سئلت عن خُلُقِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم تجد سوى أن تقول: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ الْقُرْآن»[3]. فالقرآن في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-كان واقعًا عمليًّا؛ فمثلًا لمَّا نزل قول الله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر: 3]، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمتثل ذلك[4]، كما أخبرت عائشة -رضي الله عنها-: «يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي)؛ يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ»[5]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وهكذا كان جيل الصحابة -رضي الله عنهم-؛ كما جاء وصفه في الأثر الرائع عن أبي عبد الرحمن، قال: «حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَ آيَاتٍ، وَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعَمَلِ وَالْعِلْمِ؛ فَإِنَّا عُلِّمْنَا الْعَمَلَ وَالْعِلْمَ»[6]. فتأملوا هذا الفرق بين هذا المنهج وبين ما وضحه الصحابيّ جُنْدُبِ بن عبد الله بن سفيان -رضي الله عنه- مِن حال مَنْ كان بعدهم، قال: «وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ». فهناك فارق بين المنهجين: المنهج الأول: وهو القائم على الاهتمام بالفهم والعمل. المنهج الثاني: وهو القائم على الاهتمام بالحفظ والترديد، حتى إن كان بغير العمل، أو حتى بغير فهم! ولا ريب أنَّ المؤمنين المتقين يتبعون المنهج الأول؛ ولا علاقة لهم بمن يرددون القرآن ولا يفهمونه، ومن ثمَّ لا يتأثرون به، هؤلاء الذين ذمّهم الله تعالى بجميع أصنافهم؛ فقال: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}[النساء: 78]، وقال -سبحانه وتعالى-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد: 24]، وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[التوبة: 124]. العامل الأول من عوامل تأثير القرآن: التدرج: وذلك كما جاء الخبر في الحديث عن يوسف بن ماهك؛ قال: إنِّي عند عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، إذ جاءها عراقيٌّ، فقال: أَيُّ الكَفَنِ خير؟ قالت: «وَيْحَكَ، وما يضرُّك؟!»، قال: يا أم المؤمنين، أرِينِي مصحفك؟ قالت: «لِمَ»؟ قال: لَعَلِّي أُوَلِّفُ القرآنَ عليه، فإنه يُقرأ غيرَ مُؤَلَّفٍ. قالت: «وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟! إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الخَمْرَ؛ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا؛ لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}[القمر: 46]، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ»، قال: فأَخْرَجَتْ له المصحف، فَأَمْلَتْ عليه آيَ السُّوَرِ[7]. فلنتأمل هذا الأثر العظيم عن أمِّنا عائشة -رضي الله عنها-؛ إذ فيه بيان المنهج الرباني القائم على التدرّج في التأثّر بالقرآن؛ فهذا الرجل العراقي جُلُّ هَمّهِ في ترتيب المصحف؛ فقالت عائشة -رضي الله عنها-: «وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟!»؛ لأن المهم هو ما نستفيده من الآية من أحكام؛ لنعبد الله تعالى على بصيرة، ولنعمل بها في حياتنا، كما أمر الله خالقنا. فكان بناءُ شخصية الإنسان المسلم في المرحلة الأولى من الإسلام متعلِّقًا بجانب العقيدة، والرقائق، والحديث عن الجنة والنار، والساعة، والصراط، ومشاهد يوم القيامة، وثواب المتقين، وعقوبة المجرمين؛ حتى إذا ترسخت العقيدة في القلوب، وصارت الجنة والنار كأنهما رأي العين، أنزل الله تعالى آيات الأحكام، وبيَّن فيها الحلال والحرام. وفي عصرنا الحديث يوجد مَن يسلكون سبيل الدعوة إلى الله تعالى، ولكن على غير هذا المنهج، فيبدؤون الناس بالأمر والنهي، والحلال والحرام، قبل أن تترسخ خشية الله -عزّ وجلّ- في القلوب، وقبل أن تنغرس في صدورهم الرهبة من النار، والرغبة في الجنة، فتكون النتيجة كما أخبرت أمنا عائشة -رضي الله عنها-: «لَا نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا،... لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا». ومن هنا ننتقل إلى مجال آخر من مجالات التدرج؛ فالتدرج في القرآن لم يكن قاصرًا على الأحكام الشرعية؛ بل كان القرآن أيضًا منهجًا ربَّانيًّا متدرجًا لإعداد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- للرسالة. قال الفيروزابادي: «اتَّفقوا على أَنَّ أَوّل السُّور المكِّية {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق: 1]، ثمَّ {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[القلم: 1]، ثمَّ سورة المزمِّل، ثمَّ سورة المدَّثِّر،...»[8]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فقبل أن يُنَزِّلَ اللهُ تعالى على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ}[المدثر: 1-2]، كانت التهيئة والإعداد لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة، فقال -سبحانه وتعالى-:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل: 1- 5]. وهذه لفتة رائقة تؤكد أنّ الهدف الأسمى من قيام الليل هو ترتيل القرآن وتدبّر معانيه، ومن ثم تتم تربية قائم الليل، وتأهيله لحمل أعباء الدعوة، وليعينه القرآن على تحمل كلّ أذى في سبيل الدعوة؛ كما قال -سبحانه وتعالى-: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}[المزمل: 10]، فأكد -سبحانه وتعالى- في الآية الكريمة أن القرآن مُعينٌ لمن يقوم به الليل على تحمّل الأذى في سبيل الدعوة. العامل الثاني من عوامل التأثير: الترتيل: إذ ليس القصد تحقيق أكبر عدد من الختمات، وذلك أن الأمر من الله -سبحانه وتعالى- جاء بترتيل القرآن، فقال -سبحانه وتعالى-: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: 4]؛ وهكذا كانت قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-. واتبعه الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فقد كان ترتيل القرآن سببًا لحرمان أبي موسى -رضي الله عنه- والأشعريين من النوم؛ وذلك أن القرآن متى دخلت محبته القلب خرجت منه كلّ محبة تصرفه عن كلام ربّ العالمين، وأول أثر للقرآن على صاحبه أنه يحرمه النوم الطويل. جاء عن أبي موسى -رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ...)[9]. فأيُّ شرفٍ لهذه الشخصيات الإيمانية، هؤلاء الذين تُعْرَفُ بيوتهم، وتُميّزُ من بين البيوت، كما يميّز البشر النجوم المضيئة في السماء المظلمة، وما ذلك إلا بالقرآن؛ ليس كما في عصرنا الآن الذي فيه بيوت تُعرفُ بسماع المنكرات. وقد عاب الصحابة -رضي الله عنهم- مَنْ اهتمَ بكثرة القراءة وعدد الختمات على حساب ترتيل القرآن؛ حيث جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، فقال: قرأتُ المُفَصَّلَ الليلةَ في ركعةٍ. فقال عبد الله -رضي الله عنه-: «هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ! إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ، إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ»[10]. لقد ظنّ الرجل أن ابن مسعود -رضي الله عنه- سيفرح ويُثني عليه عندما يعلم بأنه يقرأ المفصل كلّه في ركعة واحدة! ولكن المفاجأة كانت في شدة إنكار ابن مسعود -رضي الله عنه- عليه؛ إذ أعلمه أن العبرة ليست بكثرة الآيات؛ بل بترتيلها، وتدبر معانيها، وفهم مراميها. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وهذا ينقلنا إلى العامل الثالث: التدبر: إنّ تأثر الإنسان بالقرآن لا يمكن أن يتم حقيقة إلا بتطبيق القرآن، والتطبيق الصحيح للقرآن لا يتحقق إلا بعد فهم آيات القرآن، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: 29]؛ فمن أخذ القرآن بهذا المأخذ الرباني، وتدبَّر آيات القرآن، فعساه أن يحقق ذلك الأثر الإلهي للقرآن. تأملوا أثر القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم-: بكاؤه -صلى الله عليه وسلم- عند سماع القرآن، وتأثره بمعانيه؛ كما جاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-؛ قال: «قَالَ لِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَأْ عَلَيَّ). قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: (فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي). فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}[النساء: 41]؛ قَالَ: (أَمْسِكْ). فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ»[11]. ولم يكن أثر القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- مقتصرًا على دموع العين؛ بل كان يؤثر في أعماله -صلى الله عليه وسلم-، فالقرآن كان يرفع من درجة السخاء النبوي؛ فعن ابن عباس-رضي الله عنه-؛ قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»[12]. فانظروا ذلك الأثر العملي لمدارسة القرآن، وكيف كان الأثر في مضاعفة الاستعداد الجبلّي للنبي -صلى الله عليه وسلم- للنفقة؛ فهكذا تكون الثمرة الحقيقية لتدبر القرآن برفع مستوى إيمان العبد، ومضاعفة أعماله الصالحة. وقد يقول قائل: ولكن هذا الأثر للقرآن يحدث للطائعين المتقين، ولكن أين العصاة من ذلك؟! تأمل هذه القصة: سُئِل ابن المبارك: عن ابتداء طلبه العلم؛ فقال: «كنت شابًّا أشرب النبيذ، وأحبّ الغناء، وأطرب بتلك الخبائث، فدعوتُ إخوانًا حين طاب التفاح وغيره إلى بستانٍ لي، فأكلنا وشربنا حتى ذهب بنا السُّكْر، فانتبهت آخر السَّحر فأخذت العود أعبث به وأنشد: ألم يأن لي منك أن ترحما ونعصي العواذل واللُّوَمَا فإذا هو لا يجيبني إلى ما أريد؛ فلما تكررت عليه بذلك، وإذا هو ينطق كما ينطق الإنسان: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[الحديد: 16]؛ قلتُ: بلى، يا رب! فكسرت العود، ومزقت ظروف النبيذ، وجاءت التوبة بفضل الله -سبحانه وتعالى- بحقائقها، وأقبلت على العلم والعبادة»[13]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وقد أثّر القرآن في عامة المشركين؛ كما جاء ذلك في الحديث عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-؛ أنها قالت: «لَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الحَبَشَةِ، فردّه ابنُ الدَّغِنَةِ وأجاره من المشركين؛ فقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ، فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ، وَلاَ القِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ [أي: يزدحمون عليه ليسمعوه]، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ. فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلاَنَ،...»[14]. فانظر كيف كان القرآن يؤثر في عامة المشركين حتى النساء والأطفال! وأخيرًا... أفلا ننتبه إلى المعاتبة الربانية الحانية التي كانت سببًا في توبة الكثيرين من الغافلين الذين لم تقض الغفلة على بقية من خير في قلوبهم؟! ألم يأن لنا أن نستحيي من المعاتبة الربانية في قوله -سبحانه وتعالى-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[الحديد: 16]؛ أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه، فتلين عند سماع القرآن، فتفهمه وتنقاد له وتطيعه! فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: «إنّ الله استبطأ قلوب المهاجرين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، فقال-سبحانه وتعالى-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}»[15]. ======================================= [1] عيون الأخبار (1/ 285). [2] رواه ابن ماجه في افتتاح كتابه (ح: 61)، وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 12). [3] رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض (ح: 746). [4] انظر: فتح الباري لابن رجب (7/ 272). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [5] رواه البخاري في الأذان، باب التسبيح والدعاء في السجود (ح: 817)، ومسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود (ح: 484). [6] رواه ابن أبي شيبة (ح: 29929). [7] رواه البخاري في فضائل القرآن، باب تأليف القرآن (ح: 4993). [8] بصائر ذوي التمييز (1/ 98). [9] رواه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر (ح: 4232)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل الأشعريين (ح: 2499). [10] رواه البخاري في الأذان، باب الجمع بين السورتين في الركعة (ح: 775)، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب ترتيل القراءة، واجتناب الهذِّ، وهو الإفراط في السرعة، وإباحة سورتين فأكثر في ركعة (ح: 822). [11] رواه البخاري في تفسير القرآن، باب {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}، (ح: 4583)، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع والبكاء عند القراءة والتدبر (ح: 800). [12] رواه البخاري في كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ح: 6)، ومسلم في الفضائل، باب كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير من الريح المرسلة (ح: 2308). [13] ترتيب المدارك وتقريب المسالك، القاضي عياض (3/ 43). [14] رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة (ح: 3905). [15] رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (18825). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif فوائد من تفسير السعدي [ سورة البقرة ] تغريدات د . محمد الربيعة (10) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s 1.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لله } الشكر مفسر في قوله {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ( وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) } 2. } إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { { ولَا يُزَكِّيهِمْ } لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها العمل بكتاب الله والاهتداء به والدعوة إليه . 3. } وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ { { وابن السبيل } الغريب المنقطع فعلى من أنعم الله عليه بوطنه وراحته وخوله من نعمته أن يرحم أخاه الغريب . https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 4. { ولَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ( يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } الله يحب من عباده أن يعملوا أفكارهم وعقولهم في تدبر مافي أحكامه من الحكم والمصالح . 5.{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } { كما كتب على الذين من قبلكم } فيه تنشيط لهذه الأمة بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال والمسارعة إلى صالح الخصال . 6. { يريد الله بكم اليسر } جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله... ويدخل فيه جميع الرخص والتخفيفات . 7. { فإني قريب } قرب بعلمه من كل خلقه ، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق . 8. { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } إذا بان لهم الحق اتبعوه وإذا تبين لهم الباطل اجتنبوه .. فكان ذلك سببا للتقوى . 9. { لَا تَأْكُلُوا ( أَمْوَالَكُم ) بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } أضافها إليهم لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه مايحب لنفسه ، ويحترم ماله كما يحترم ماله . 10. { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم ( بِالْبَاطِلِ) } https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يدخل فيه الأخذ من الزكوات والصدقات والأوقاف والوصايا لمن ليس له حق منها . 11. { وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ } الوكيل إذا علم أن موكله مبطل في دعواه لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى {ولا تكن للخائنين خصيما} 12. { وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } ينبغي في كل أمر من الأمور أن يأتيه الإنسان من الطريق السهل القريب الذي قد جعل له موصلا . 13. { وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } من لم يتق الله لم يكن له سبيل إلى الفلاح . 14. {وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره, سواء سرتكم أو ساءتكم . 15. { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله } هذه الأعمال الثلاثة هي عنوان السعادة وقطب رحى العبودية . 16. { أولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله } إشارة إلى أن العبد ولو أتى من الأعمال بما أتى به لا ينبغي له أن يعتمد عليها, ويعول عليها, بل يرجو رحمة ربه . 17. { وَلَا تَجْعَلُوالله عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ } https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif "إذا تزاحمت المصالح, قدم أهمها" 18. { لَّا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال, كما هي معتبرة في الأفعال . 19. { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا } هذا يدل على محبته تعالى, للألفة بين الزوجين, وكراهته للفراق . 20. { إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله } ينبغي للإنسان, إذا أراد أن يدخل في أمر ,نظر في نفسه ، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك, أقدم, وإلا أحجم . 21. { وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } لأنهم هم المنتفعون بها, وفيه أن الله تعالى يحب من عباده, معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقه بها . 22. دل قوله: {مَوْلُودٌ لَهُ} أن الولد لأبيه, لأنه موهوب له, ولأنه من كسبه، فلذلك جاز له الأخذ من ماله, رضي أو لم يرض . 23. { ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوا } الأسباب لاتنفع مع القضاء والقدر،وخصوصا التي تترك بها أوامر الله . 24. { قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا } https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الحق كلما عورض وأوردت عليه الشبه ازداد وضوحا وتميز وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء. 25. { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } العلم والرأي مع القوة المنفذة بهما كمال الولايات . 26. { الْحَيُّ الْقَيُّومُ } هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما، ولهذا قال بعض المحققين : إنهما الاسم الأعظم . 27. { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } في عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار وتكل الأبصار، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها . 28. آية الكرسي هذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى . 29. { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ } أي : بالدين القويم الذي ثبتت قواعده ، والمتمسك به على ثقة من أمره . 30.{ وَإِن تُخْفُوهَا ( وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ ) فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} إذا صرفت في مشروع خيري لم يكن في الآية مايدل على فضيلة إخفائها ، بل قواعد الشرع تدل على مراعاة المصلحة . [السعدي] https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 31.{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} { وما تنفقوا من خير } كرر علمه تعالى بنفقاتهم لإعلامهم أنه لايضيع عنده مثقال ذرة ،وإن تك حسنة يضاعفها [السعدي] 32.{ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا } لايسألون الناس بالكلية وإن سألوا اضطرارا لم يلحفوا في المسألة، فهذا الصنف أفضل ما وضعت فيهم النفقات [السعدي] 33. { وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } هذا من جملة الأحكام التي تتوقف على وجود شروطها وانتفاء موانعها ؛ وليس فيها حجة للخوارج [ السعدي] 34. { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } أدخل هذه الآية بين آيات الربا لبيان أن أكبر الأسباب لاجتناب ماحرم الله تكميل الإيمان وحقوقه [السعدي] فوائد وأسرار آية الدين : 35. آية الدين سر تكرر لفظ الكتابة ٨ مرات ١- أهمية الكتابة في الحقوق المالية ٢- أهمية تعلم الكتابةاستعدادا لانقطاع الوحي وحفظ الشريعة بكتابتها . https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 36. آية الدين سر كونها أطول آية : ١- لكون المعاملات المالية وكتابتها عادة تكون طويلة. ٢- لتكون الآية مشهورة مميزة لكونها تعنى بحفظ الحقوق. 37. آية الدين سر كونها من آخر مانزل : ١- لكون الفتوحات في آخر الإسلام ٢- كأنها وصية من الله في آخر وحيه بحفظ الحقوق ولذلك نزل بعدها { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } . https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif أثر القرآن في الحياة العربية (1-2) الكاتب : مصطفى السباعي (11) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s من المُسلَّم به أن لكلّ أمة فضائلها وعيوبها، ولا نعرف أمّة كلها عيوب، أو أمة كلها فضائل، وكذلك كان شأن العرب قبل الإسلام، فماذا كان موقف القرآن والإسلام من هذه الفضائل والرذائل التي كانت عندهم، وكيف كان أثره عليهم؟ هذا ما نتعرف عليه في هذا المقال. أثر القرآن في الحياة العربية[1] {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]. {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2]. {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 3-4][2]. مما يذكره العلماء من حكمة فرض الصيام في شهر رمضان؛ أنه هو الشهر الذي ابتدأ فيه نزول القرآن على رسوله الكريم -صلى الله عليه وسـلم-، فبدأت فيه الرسالة التي غيرت تاريخ العرب وأوضاعهم حتى لكأنما خلقوا خلقًا جديدًا، وحولت مجرى الحضارات الإنسانية حتى لكأنما ولد الإنسان من بعدها ولادة جديدة، فكان من تمام شكر الله على هذه النعمة أن يكون شهرها دائمًا وأبدًا شهر طُهر وبِرٍّ وعبادة؛ مما يجدد في نفس المسلم كلّ عام أهداف هذه الرسالة العظيمة، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ويذكّره بفضل القرآن العظيم عليه، وعلى قومه وعلى الناس أجمعين. ولقد كان الرعيل الأول ممن شرفه الله بصحبة رسوله، وتبليغ رسالته، وحمل مشاعل النور لشعوب العالم المتردّية في الغفلة والجهالة والضلالة، يعرف من فضل الإسلام عليه وأثر القرآن في نقلته من الظلام إلى النور ما يجعله يستقبل رمضان في كلّ عام كما يستقبل أعز الذكريات لديه وأحبها إليه، فلما بعد العهد وانتقل ذلك الجيل إلى جوار ربه أصبح أبناؤه وأحفاده الناشئون في أحضان الإسلام في أشدّ الحاجة إلى من يذكّرهم بجلال نعمة القرآن، وجميل صنع الله بالإنسان، في بعثة رسوله وإنزال كتابه، وهذا هو ما عناه عمر -رضي الله عنه- بقوله: «إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة؛ إذا نبت فيه من لا يعرف من أمر الجاهلية شيئًا»، ولم تصدق نبوءة الفاروق هذه في عصر كصدقها في عصرنا هذا. ومنذ انتشرت الجيوش الإسلامية في أنحاء الأرض فأزالت دولًا وأقامت دولًا، وحطمت عروشًا باغية وزعامات طاغية، وأقامت حكومات تعنى بأمر الشعب وتهتم بمصالحه؛ أخذ الحاقدون الموتورون يعتمدون تشويه تاريخنا بمختلف الأساليب، بالجهر تارة وبالسر أُخرى، حتى بات انحرافهم عن الحقّ واتباعهم للهوى أمرًا معروفًا يكادون يعترفون به هم أنفسهم، ومن ذلك حقيقة الوضع الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، فقد صوّروهم في أبشع صورة وأحطّ صورة وأحطّ درك، وجردوهم من كلّ فضيلة وخلق نبيل، وكانت لذلك ردّة فعل تجلّت بشكلٍ معتدل في الماضي؛ إذ ردّت كلّ الأكاذيب وأثبتت ما كان يتحلى به العرب من فضائل، وتجلّت ردّة الفعل في الحاضر بأشكال مختلفة لا نزال نذكر من بينها أمر تلك الجماعة التي قامت في مصر وادّعت من الفضائل للعرب قبل الإسلام ما لا يثبته التاريخ ولا يؤيّده الإسلام نفسه، حتى زعمت تلك الجماعة أنّ رذائل العرب في الجاهلية خير من فضائل غيرهم في الإسلام! والحق بعيد عن هؤلاء وأولئك كلّ البعد، واتباع حقائق العلم والتاريخ أجدر بالذين يحملون القلم ويقرؤون الكتاب. من المسلَّم به أنّ لكلِّ أمة فضائلها وعيوبها، ولا نعرف أمة كلّها عيوب، أو أمة كلّها فضائل، وكذلك كان شأن العرب قبل الإسلام؛ فقد كانت لهم فضائل من https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif النجدة والشهامة والكرم والشجاعة والذكاء وتحمّل المشقات بصبر وجلد، إلى غير ذلك مما لا يستطيع إنكاره كلّ من قرأ الشعر العربي القديم -وهو ديوان العرب وسجل أعمالهم وخصالهم-، كما كانت لهم عيوب من الغزو والتفاخر فيما بينهم وعبادة الأوثان وشرب الخمور، وغير ذلك مما كانت لكلّ الأمم في عصورهم، فماذا كان موقف القرآن والإسلام من هذه الفضائل والرذائل؟ نريد أن نقول قبل كلِّ شيء: إنّ كلّ رسالة إنسانية لا بد لها من أمة جديرة بحمل أعباء الدعوة إليها، وبما يتفق مع طبيعة الأمة وأهداف الرسالة وظروف البيئة، ولقد كان العرب يومئذٍ أجدر الأمم المعاصرة لهم بشرف دعوة الإسلام وإبلاغ رسالته الإنسانية إلى الناس كافة، فأذهانهم صافية صفاء السماء التي يستظلونها، بعيدة عن التخبط الفكري الذي كانت تعيش فيه أبناء فارس والروم، وأخلاقهم لم تنحلل كانحلال أبناء الحضارات في كلّ من فارس والروم، لقد جاءت رسالة الإسلام منطقية معقولة تخاطب العقل، وتنفذ إلى أعماق النفس بكلّ يسر وسهولة، فليس كالعقل العربي يومئذ عقل يتجاوب مع منطق الإسلام، وليس كالفطرة العربية حينئذ فطرة نقية بيضاء تقبل سهولة الإسلام ويسره وسموّه، وتتجاوب مع واقعيته ومثاليته، وليس كالعربي حينئذ في جَلَدِهِ وصبره وبأسه، أمة تبذل من https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif التضحيات في الأنفس والأموال ما تقتضيه الدعوة الجديدة ومكافحة أعداء أهدافها من رؤساء ومتسلطين، وبهذا كان العرب أجدر الأمم في عصر محمد -صلى الله عليه وسـلم- بحمل رسالة الإسلام، لا لأنهم قوم لا عيب فيهم، بل لأنّ خصائصهم الذهنية وأخلاقهم الاجتماعية تجعلهم جديرين بشرف التضحيات في سبيل الدعوة الجديدة، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وليست جدارتهم بحمل أعباء الرسالة من الناحية التي أشرنا إليها تقتضي أن يكونوا أشرف الأمم قاطبة من الوجهة العرقية الجنسية، فقد يكون الإنسان أصلح من غيره لعملٍ معين، دون أن يكون أصلح من غيره في كلّ الوجوه، كما كان قواد الرسول -صلى الله عليه وسـلم- وولاته أجدر من غيرهم من الصحابة لكفاءتهم الشخصية وعبقريتهم العسكرية، وقد كان تحت إمرتهم من هو أزهد منهم أو أعبد أو أعلم، واعتبر في ذلك بأبي ذر-رضي الله عنه-، فقد شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- بأنه: «ما أظلت السماء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر»، ومع هذا فقد رفض -عليه الصلاة والسلام- أن يوليه الإمارة قائلًا له: إنك ضعيف، وإنك لا تصلح لها. بعد هذه المقدمة التي لا بد منها نريد أن نبحث عن أثر القرآن في العرب وموقعه من فضائلهم وعيوبهم. لقد ندد القرآن بكلّ ما لا يليق أن يتخلق به الإنسان العاقل الكريم الرحيم ذو الخلق المستقيم؛ فندّد بعبادة الأوثان، ووأد البنات، والعدوان على الأموال والأعراض والحرمات، وشرب المسكرات، وإتيان الفواحش، والتعصب بالباطل للقرابة والقبيلة، وأكل الخبائث، وقطع الأرحام، وغير ذلك مما كانت ولا تزال تغصّ به المجتمعات الجاهلية المتفككة. وأما الفضائل فقد ثبتها الإسلام وأكّد عليها، ولكنه حوّلها من أهدافها الجاهلية إلى أهداف إنسانية اجتماعية نبيلة، فالكرم فضيلة لكنه كان يقصد منه التفاخر والسمعة والثناء، وكان الرجل منهم يفعله بدافع فردي من غير أن تلاحظ فيه مصلحة الجماعة عامة، فحوّله الإسلام إلى أن يفعل لوجه الله ورضوانه، وثناء الله وإحسانه، فعلى الكريم أن يبتعد كلّ البعد عن التفاخر بكرمه والتغني به والمنّ به على قومه، فإذا كان لشيء من هذا فَقَدَ أجره وثوابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 264]. وقل مثل ذلك في الشجاعة، فهي من أنبل ما يتحلى به الإنسان من خلق كريم، ولكنها لا يصح أن تكون للمباهاة والمفاخرة، ولا يصح أن يتغنى بها الشجاع، ويتيه بها على المنهزمين من أبناء عمومته، أو أن تكون وسيلة للعدوان على الضعفاء، بل يجب أن تكون دفاعًا عن الحقّ، وذودًا عن الحرمات، وحماية للمستضعفين، وتأديبًا للطغاة والظالمين {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]، {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- عن الرجل يقاتل حميّة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل مباهاة؛ أي ذلك في سبيل الله؟ فأجاب: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». وكلمة الله أي شريعته؛ من إحقاق الحقّ، ومحاربة الباطل، ونصرة الضعيف، وهداية الضالّ، وإغاثة المحتاج، فكلّ ذلك من شريعة الله وكلمته، فمن قاتل للمبادئ الإنسانية النبيلة فهو المجاهد في سبيل الله حقًّا. ولقد كان من أثر القرآن أن تحقق في المجتمع العربي بعد أن لم يكن:
https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif طرفة بن العبد في معلقته: ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وَجَدِّكِ لم أَحْفل متى قام عُوَّدي[3] فَمِنهُنَّ سبقي العَاذِلاتِ بِشَربةٍ كُمَيتٍ متى ما تُعلَ بالماء تُزْبِدِ[4] وكرّي إذا نَادى المضــــــــاف مُحنبًا كَسيد الغَضَا -نبهته- المتوردِ[5] وتقصيرُ يومِ الدجنِ والدَّجنُ معجِبٌ ببهكنــةٍ تحتَ الخبــاءِ المعمــدِ[6] فهو هنا يعلن بأنّ هدفه من الحياة ثلاثة: الخمرة، والمرأة، وإغاثته للملهوف، ولولاها لما بالى متى مات، والهدفان الأوّلان من مفاسد الحياة الاجتماعية، والهدف الثالث وهو إغاثته للملهوف من فضائل الأخلاق، ولكنه يفعل ذلك ليتحدث عنه أبناء قبيلته بهذه المكْرمة كما هو المعروف في أجواد العرب وشجعانهم وشعرائهم في الجاهلية. فانظر كيف حول القرآن المثل الأعلى للعربي في الحياة: يقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فعبادة الله هي هدف الإنسان المؤمن، وليست العبادة مجرد الصلاة والصوم كما يظنه كثير من الناس، بل هو في الخضوع لله وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه في كلّ شئون الحياة، مما علم الله أن الحياة الكريمة للإنسان لا تستقيم بدونها، وقد ذكر القرآن أمثلة للعبادة التي أراد الله من الناس أن يتصفوا بها فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 63-76]. هنا في هذه الآيات يتجلى التبدّل العظيم الذي طرأ على المثل العليا التي يحيا لأجلها الإنسان العربي قبل الإسلام وبعده، ومن ههنا نعرف السرّ العظيم في تطورالتاريخ العربي بعد الإسلام تطورًا معجزًا لا يعرف تاريخ التطور للأمم والشعوب له مثيلًا. ========================== https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [1]مجلة حضارة الإسلام، م:8، 1383هـ -1964م، العدد التاسع، ص: 947-953. [2]تمَّ تخريج الآيات القرآنية داخل المقال من جانبنا (موقع تفسير). [3] يقول: لولا ثلاث خلال -وهي التي ذكرها في البيتين التاليين- لم أبالِ متى متّ. [4] يريد: أغدو على شرب الخمر قبل لوم العاذلات، والكميت الحمراء، ومعنى تعل بالماء تزبد: متى أضيف الماء إليها أصبح لها زبد. [5]يقصد: ركوبه فرسًا شديد العدو لإسعاف من يناديني من المثقلين بالهموم، والمحنب: فرس أقنى الذراع، والسيد: الذئب، قالوا: وذئب الغضا أخبث الذئاب؛ لأنه يستخفي، ونبهته: هيجته، والمتورد: الذي يطلب ورود الماء، يشبه فرسه في شدة عدوها بذئب الفضاحين تهيجه وهو يرد الماء. [6] يريد: وتقصير يوم الغيم باللهو مع امرأة تامّة الخلق تحت الخباء المرفوع بالعمد. https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif أثر القرآن في الحياة العربية (2-2) الكاتب : مصطفى السباعي (12) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s كان للقرآن أثرٌ عظيمٌ في الحياة العربية، وفي هذه المقالة يستعرض الكاتب بعض أوجه التغيير التي أحدثها القرآن في حياة العرب ومجتمعهم، وكيف تعامل القرآن مع ما كان عندهم من فضائل ورذائل؟ لتُتمِّمَ ما تناوله من آثار في مقالته السابقة. أثر القرآن في الحياة العربية[1] لقد كان أثر القرآن عظيمًا في تطوير المجتمع العربي من مجتمع قبلي، كلّ قبيلة فيه لها كيانها الخاصّ ورئاستها الخاصة وشعورها الخاصّ، إلى مجتمع مدني يشعر جميع أفراده بشعور الرعوية في دولة واحدة ذات نظامٍ واحدٍ، يتساوى فيه أبناؤه في الواجبات والمسئوليات، دون تفريق بين شريفٍ ووضيعٍ أو بين قبيلةٍ ممتازة وقبيلةٍ دنيئة.لقد كانت القبائل العربية قبل الإسلام تتفاوت في الشرف والمنزلة الاجتماعية، فأشرفها قريش، وأخسّها باهلة، وفي خسة باهلة تضرب الأمثال حتى قال قائلهم: ولو قيل للكلب يا باهلي عوى الكلب من لؤم هذا النسب! وقيل لأحدهم في فجر الإسلام: أيسرّك أن أباك باهلي وأنك في الجنة؟ فأجاب: لا أحب اللؤم بشيء! وقيل لآخر: أيسرّك أنك في الجنة وأنت من باهلة؟ فأجاب: بشرط أن لا يعلم أهل الجنة! وأسَّس القرآنُ الدولةَ عند العرب على مبدأين ثابتين: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif
وكان توحيد العرب داخل جزيرتهم وإزالة الحروب والغزوات التي كانت قائمة بين قبائلهم؛ مقدمة لخروجهم من جزيرتهم برسالة تحريرية ليس لشعوب العالم يومئذٍ عهدٌ بها، وجعل منهم أمة تحمل لواء الريادة الفكرية والتهذيبية والحضارية لأمم الحضارة المعاصرة لهم، فغدوا قادة بعد أن كانوا تابعين، وأساتذة بعد أن كانوا مقلدين، ومعلِّمين بعد أن كانوا أميّين. لقد عرفت جزيرة العرب قبل الإسلام موجات من هجرة أبنائها إلى خارج حدودها انتجاعًا للرزق والعيش، ولم تكن فيها موجة تحمل رسالة وفكرة وهدفًا تحريريًّا لمن ينتقلون إليهم، ولكن الموجة العربية بعد الإسلام كانت من طرازٍ فريدٍ أدهش العالم يومئذٍ، ولا يزال يدهش كُتّاب العالم اليوم، موجة أقامت حضارة، وأنشأت دولًا، وأزالت دولًا، ونشرت علمًا، وأسست معاهد وجامعات، وأدخلت نور العلم والثقافة إلى أوروبا في https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif القرون الوسطى؛ فبددت ظلامهم، وفتحت عقولهم، وجعلتهم تلاميذ يدرسون كتبهم في معاهدهم وجامعاتهم أكثر من ستة قرون. وكان خروج العرب في هذه الموجة مقرونًا بالاستعلاء الخلقي والفكري على من حاربوهم من الفرس والروم؛ مما كان له عظيم الأثر في انتصاراتهم وفتوحاتهم. وكان من أثر هذه الموجة أيضًا أن امتدت رقعة العالم العربي، فلم يعد العرب هم سكان الجزيرة العربية وحدها، بل ضمت لجزيرتهم إلى الأبد حدود العالم العربي اليوم من بلاد الشام إلى مصر والعراق وأفريقيا وغيرها، وانتشرت لغتهم كلغة علم وحضارة إلى جميع بلاد العالم المتمدن يومئذٍ، ودخلت كثير من كلماتها وتراكيبها إلى لغاتهم. هذا بعض آثار القرآن على الحياة العربية واللغة العربية، ولولا القرآن لما بقيت اللغة العربية واحدة يتكلم بها جميع أبناء البلاد العربية، وهذا هو سرّ خلود اللغة العربية، لا كما يذيع الشعوبيون من أعداء الإسلام من أن القرآن جمَّد اللغة العربية وحال دون تطورها! https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif نماذج رائعة من أثر القرآن: ونكتفي أن نورد هنا بعض النماذج الرائعة التي أوجدها القرآن في العرب، وقد كانت قبله بعكس ما خلدت فيه في التاريخ: فهذا عمر بن الخطاب كان في الجاهلية فتى لاهيًا كفتيان قريش، فإذا هو بعد الإسلام محرِّرُ العالم من أكبر دولتين باغيتين، ويصبح مديرًا لممالكهما بأحسن وأفضل مما كانت تدار به في عهودهما. وهذا خالد بن الوليد لم يكن في الجاهلية إلا فتى شجاعًا يحسن الحرب في غزو قبيلته على قبيلة عربية أخرى، فإذا هو بعد الإسلام قائد جيوش الموجة العربية الجديدة، يتغلب على قوّاد الدولتين الكبيرتين ويلحق بها أكبر الهزائم؛ مما جعله في التاريخ حقًّا مع الخالدين. ونتابع هذه النماذج العجيبة المذهلة إلى أن نصل إلى امرأة كانت في صدر شبابها في الجاهلية قد فقدت أخويها، فجزعت وأنشدت القصائد الطوال في رثائها وبكائهما، ومما يحفظه كلُّ تلميذ في مدارسنا اليوم قولها في رثاء أخيها صخر: يذكّرني طلوع الشمس صخرًا وأذكره لكلّ غروب شمس https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ولولا كثرةُ الباكين حولي على إِخوانهم لقتلتُ نفسي فلا واللهِ لا أنساك حتى أفارقُ مهجتي ويشقّ رَمْسِي فقد ودعتُ يوم فراقِ صخر أبي حسان لذاتي وأُنْسِي فيا لهفي عليه ولهف أمي أيصبح في الضريح وفيه يمسي؟ فانظر إليها كيف انقلبت من امرأة جزعة هلوعة تلبس الخيش وتزهد في الحياة، وهذا كان شأنها في الجاهلية بعد مصرع أخويها، انظر إليها كيف انقلبت في الإسلام، وهي عجوز نيّفت على الثمانين تعطي أروع الأمثلة https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif لبسالة المرأة العربية المسلمة وفدائها وتضحياتها. لقد ذهبت مع الجيش في فتوح العراق ومعها أولادها الأربعة، فلما كانت ليلة القادسية فقالت لهم: يا بني؛ أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خنتُ أباكم، ولا فضحتُ خالكم، ولا هجنتُ حسبكم، ولا غيرتُ نسبكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أنّ الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: {يَا أَيّهَا الذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت على سياقها (وحللت نارًا على أرواقها)، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها (عند احتدام خميسها)؛ تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمقامة. فلما بلغها قتلهم قالت: (الحمد الله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته). قالت هذا وهي في سنّ الثمانين وليس لها غير أولادها الذين فقدتهم، ومستحيل أن يبلغ حزن المرأة على https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أخويها كحزنها على أولادها الأربعة، ولكن القرآن خلق منها امرأة أخرى تسجل في تاريخ المرأة العربية أمثلة يندر أن تسجل امرأة أخرى مثلها في أيّ أمة من أمم العالم. *** https://i.imgur.com/iOUB2As.gif[1] مجلة حضارة الإسلام، م:8، 1383هـ -1964م، العدد العاشر، ص: 1062-1065. [2]في الأصل: "يجوز من"، وهي مشكلة، وقد أثبتنا ما رأيناه أقرب للمعنى بحسب السياق. |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif فوائد وهدايات من محاضرة ( الوصايا العشر المحكمات )* الشيخ خالد السبت (13) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s مقدمة 1- نزلت سورة الأنعام جملة واحدة في مكة . 2- موضوعات السور المكية : تقرير قضية التوحيد والإيمان بالله تعالى ، وانفراد الله بالتشريع، وتقرير الإيمان باليوم الآخر ، وهي القضايا التي يشغب حولها المشركون . 3- جاءت هذه الوصايا العشر في ثنايا هذه السورة ، حينما رد الله عليهم ، وبيّن جهالات هؤلاء في التحريم والتحليل . 4- هذه الوصايا العشر جاءت في ثلاث آيات 5- قيل لها المحكمات ؛ باعتبار أنها أصول يرجع لها غيرها، وهي ام تُنسخ ، ولا يتطرق لها النسخ ، لأن النسخ لا يتطرق للأصول الكبار 6- ذكر أهل العلم أن هذه الوصايا العشر المحكمات هي في شرائع جميع الأنبياء ، ومما اتفق عليه الرسل في شرائعهم 7- جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه " من سره أن يقرأ وصية محمد (رسول الله ﷺ ) التي عليها خاتمه ، فليقرأ هذه الآيات ( قل تعالوا أتلُ ما حرّم عليكم ربكم ) إلى قوله ( لعلكم تتقون )" الآية الأولى : ﴿قُل تَعالَوا أَتلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلّا تُشرِكوا بِهِ شَيئًا وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم مِن إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وَإِيّاهُم وَلا تَقرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلّا بِالحَقِّ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلونَ﴾ [الأنعام: ١٥١] 8- اشتملت أول آية على خمس وصايا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 9- {قل تعالوا } :السورة مكية ، فالخطاب لجميع الناس، ويدخل فيهم المشركون 10- {قل تعالوا } هذا الأمر موجه للنبي ﷺ باعتبار أنه المبلغ عن ربه ، وهذا دليل على أن الرسول ﷺ عبد لله ، يمتثل أمره ، وينقاد له كل الانقياد ، وليس مشرعا من عند نفسه ، بل يوحى إليه 11- في قوله {تعالوا } عدة معان ٍ: فهو يدعى به من كان بعيدا ، فلما كان هؤلاء في حال من البعد لأنهم على الإشراك ، كأنهم في ناحية بعيدة عن الهدى 12- يؤخذ منها أن الهداية إنما تأتي لمن أقبل عليها ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) ، أي كان له قلب وقاد ، وألقى السمع ، فهو يقصد الاستماع مع حضور القلب، أما الذين يعرضون وينأون بأنفسهم فقد أصم الله أسماعهم ، وأعمى أبصارهم ، وجعل على قلوبهم أكنة وأقفالا ، فلا يصل إليها من الهدى شيء 13- أيضا تدل على الارتفاع والعلو ، فمن يأتي للهدى يصعد ويرتفع ، فإذا كان الإنسان متبعا لهوى نفسه والشيطان ، فإنه ينسفل ، لذلك قال الله تعالى ( قد أفلح من زكاها ) فالزكاء فيه معنى النماء ، ( وقد خاب من دساها ) فالدّسّ والتدسية يدل على هبوط وانخفاض وضعة ، وهكذا تفعل الذنوب والآثام والجرائم والشرك تدسّ صاحبها ، فمن أراد أن يرتقي ويعلو ويسمو ، فإن عليه أن يقبل على هذا الهدى الكامل . 14- {أتلُ } التلاوة هنا بمعنى القراءة ، لأن القارئ يتبع الألفاظ ، وهي في مواضع أخرى تكون بمعنى التلاوة والاتباع { واتلُ ما أوحي إليك من كتاب ربك } 15- لاحظ في هذه الآية ( أتل ما حرم ربكم عليكم ) وفي دعاء إبراهيم عليه السلام ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ) فذكر التلاوة أولا ، لأنها أول درجة ومرحلة وممارسة ، التلاوة التي يحصل بها البلاغ . https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 16- الوصية تقال لما يكون من الأمر والنهي المؤكد . 17- (أتل ما حرم ربكم ) ينبغي على الإنسان أن يقبل على كتاب الله فيتلوه ، ويكون له ورد في يومه وليلته لا يفرط فيه 18- ينبغي على الدعاة أن يتلوا على الناس كتاب الله تعالى ويبينوا لهم ما حرم عليهم وما شرع 19- تأمل التعبير بقوله ( ربكم ) ذكر اسم الرب في غاية المناسبة ، لأن من معانيه الذي يتصرف بخلقه ، فيأمر وينهى ويشرع ، ويحلل ويحرم . وهم يقرون بالربوبية ، فكان إلزاما لهم بما وراء ذلك من الانقياد لكونه هو المشرع وحده ،المعبود وحده دون سواه 20- التعبير بقوله ( حرم ربكم عليكم ) قال بعض أهل العلم : لما قُصد به الذين يعبثون بالتحريم والتحليل ، ويشركون به غيره ، جاء في هذا السياق ( حرم ربكم ) ، وفي سورة الإسراء كان المقصود أهل الإيمان فجاء التعبير بقوله ( وقضى ربك ) أي حكم ووصى . هذه الوصايا العشر في سورة الأنعام كلها من قبيل المنهيات ، إلا الوصية الثانية ( وبالوالدين إحسانا ) والأخيرة ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) الوصية الاولى : https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 21- تأمل بداية الوصايا ( ألا تشركوا به شيئا ) : بدأ بقضية التوحيد لأنها أصل الأصول ، وعليها مدار الفلاح ، وكل ما يذكر بعدها فهو متفرع عنها 22- جاء الحديث عن التوحيد بالنهي عن الشرك ، وهذا يستلزم الأمر بضده وهو توحيد الله تعالى ، بينما جاء الأمر بالتوحيد في وصايا سورة الإسراء صريحا ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) 23- {ألا تشركوا به شيئا } شيئا : نكرة في سياق النهي ، تدل على العموم ، أي لا تشركوا به شركا قليلا أو كثيرا ، ويدخل فيه كل أنواع الشرك : الأكبر والأصغر والخفي ، وشرك الربوبية والألوهية والأسماء والصفات 24- إذا كان التوحيد من أهم المهمات وأول المطالب وأول دعوة الرسل ، فينبغي أن يكون هو الأول فيما يوجه للناس ، وما يُدعون إليه الوصية الثانية : 25- {وبالوالدين إحسانا } لم يقل لا تعقوا الوالدين ، كما في الوصايا ، فجاء بصيغة الأمر لا النهي ، وهذا له دلالة والله أعلم لأنه وضع في موضع الأمر للمبالغة ، وللدلالة على أن ترك الإساءة في شأنهما لا يكفي ، بل لابد من كف الأذى بأنواعه وإن قلّ، مع البر والحفظ وامتثال الأمر {إحسانا } عبر بالمصدر وأطلقه ، فلم يقل إحسانا بالقول أو الفعل أو المال ، ليشمل كل أنواع الإحسان . فيدل على كمال الإحسان وأنه إحسان عظيم . 26- الأمر بالإحسان للوالدين يستلزم ترك الإساءة لهما ، فصار ذلك بدلالة اللزوم https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif جاء الأمر بالإحسان للوالدين بعد التوحيد ، وهذا يتكرر في القرآن ، فالله هو الذي أوجدنا من عدم ، والوالدان هما سبب الوجود في هذه الحياة ، وهذا الحق متقرر ثابت وإن كان الأبوان غاية التقصير 27- {وبالوالدين إحسانا } عداه بحرف الباء ، وقد يعدّى بإلى ، والتعدية بالباء أبلغ ، وكأن ذلك الإحسان قد تغلغل في نفسه ، وكان أعمق وألصق ، فلم يكتف أن يوصل الإحسان إليهما . الوصية الثالثة : {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } 28- لما ذكر ﷻ حق الله ثم حق الوالدين ، ذكر حق الأقرب إلى الإنسان وهم أولاده 29- هذا النهي يفيد التحريم ، وجاء بعده فعل مضارع ، فهذا التركيب يفيد العموم ، أي لا يحل قتلهم بحال من الأحوال 30- الأولاد لفظ يشمل الذكور والإناث ، والمعروف أن العرب كانوا يقتلون الإناث 31- ذكر علة القتل { من إملاق } ، وهو الفقر ، يقال :أملق أي افتقر ، كأنه لم يبقَ معه إلا الملقات وهي الصخور والحجارة الملساء التي ليس فيها شيء 32- الله تعالى ذكر العلة وهي الفقر ، والمعروف أن العرب كانوا يقتلون بناتهم خشية العار ، فهل هناك منافاة ؟ الجواب لا ، لأنهم كانوا يقتلون بناتهم خشية أن تفتقر فتضطر بسبب الفقر أن تبيع عرضها ، وتواقع الفاحشة، وهي غيرة جاهلية مذمومة https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 33- لما كان سبب القتل { من إملاق } أي فقر واقع ، قدم الله ﷻ رزق الآباء { نحن نرزقكم وإياهم } وفي سورة الإسراء لما كان الفقر متوقعا { خشية إملاق } إذا كثر الأولاد ، قدم رزق الأولاد { نحن نرزقهم وإياكم } وقد أخذ منه بعض أهل العلم أن الأبناء يكونون سببا للرزق 34- لما كان الخطاب في الآية للجميع ، ويدخل فيه الكفار ، دل ذلك على أن رزق الله لا يخلو منه أحد ، فالكفار تنالهم أرزاق الله عز وجل {وما بكم من نعمة فمن الله } 35- ذكر قتل الأولاد على وجه الخصوص لانه من أشنع الذنوب 36- في {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } ، بمفهوم المخالفة : هل يقال إذا كان قتلهم من غير إملاق فإن ذلك سائغ ؟ الجواب : لا فهذا من المواضع التي لا يعتبر فيها مفهوم المخالفة ، فإن الآيات إذا نزلت على وفاق واقع معين ، فإن مفهوم المخالفة لا يكون حجة مثل ذلك { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } فلا يجوز إكراههن إن كن يردن البغاء الوصية الرابعة {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } 37- الفواحش جمع فاحشة وهي الذنب العظيم ، وما اشتد قبحه من الذنوب والمعاصي 38- قيل الفواحش : الزنا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ما ظهر منها : الإعلان به ، وما بطن : الإسرار وقيل ما ظهر : الخمر ونكاح المحرمات ، وما بطن : الزنا وقيل ما ظهر : الخمر وما بطن : الزنا وقيل عام في الفواحش المعلنة وما كان سرا وقيل : ما ظهر من أفعال الجوارح ، وما بطن : من أفعال القلوب وقيل : ما ظهر : البغاء ، وما بطن : اتخاذ الخلان 39- {ولا تقربوا } النهي للتحريم ، وهذا التركيب مع لا الناهية يفيد العموم ، والعموم يتوجه لأربعة أمور : عموم الأفراد، وعموم الأحوال ، وعموم الأمكنة ، وعموم الأزمنة 40- {ولا تقربوا } لم يقل : لا تأتوا أو تمارسوا ، فالنهي عن القربان يدل على المباعدة ، فهو نهي عن كل ذريعة توصل إليه فما لا يتم الحرام إلا به فهو حرام وتركه واجب 41- قوله { ما ظهر منها } قد يحترز الإنسان من مقارفة الفواحش الظاهرة ، إما خوفا من الناس أو حياء منهم ، أو من أجل سمعة الأسرة والعائلة، أو خوفا على منصب ، ونحو ذلك ، لكنه يفعله سرا ، فهنا تربية إيمانية عميقة 42- {وما بطن } فيه دعوة لتطهير الباطن من كل الآفات ، كالرياء والسمعة ، وحب الظهور والشهرة ، والتوكل على غير الله ، وسوء الظن بالله كل الأشياء المذكورة في الآية هي من الموبقات الوصية الخامسة : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } 43- هذا أيضا نهي يدل على التحريم ، والتركيب يدل على العموم ، فلا يحل قتل نفس أي نفس ، على أي حال ، في أي زمان ، وأي مكان ، إلا ما استثناه الله ﷻ قتل النفس داخل في عموم الفواحش ، فهو من الذنوب العظام ، وإنما خص لشناعته وشدته 44- {إلا بالحق } فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 45- ملاحظة : المنهيات التي تميل لها النفس وتدخل فيها الأهواء والشهوات ، يأتي النهي عنها بتعبير { ولا تقربوا } أما غيرها فالنهي فيه مباشرة { ولا تقتلوا } 46- {ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } أي يكون سببا للعقل ، فمن خالف ذلك فهو سفيه 47- قاعدة : الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه ، فدل ذلك على أن من راعى حدود الله عز وجل ، فهذا أتم وأكمل في عقله ، وبحسب عقل العبد يكون قيامه بأمر الله عز وجل ومراعاة حدوده 48- كلمة (لعل) في القرآن هي للتعليل ، إلا في موضع واحد { وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون } أي كأنكم تخلدون الآية الثانية ﴿وَلا تَقرَبوا مالَ اليَتيمِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ بِالقِسطِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها وَإِذا قُلتُم فَاعدِلوا وَلَو كانَ ذا قُربى وَبِعَهدِ اللَّهِ أَوفوا ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢] الوصية السادسة {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 49- هذا نهي للتحريم ،، ولا الناهية مع الفعل المضارع تتوجه للعموم : عموم الأفراد والأحوال والأمكنة والأزمنة 50- {ولا تقربوا } جاء النهي بعدم القربان ، لأن ما فيه طمع جاء النهي عن قربانه ، فإذا كان النهي عن مجرد القربان فهو أبلغ ، وهذا يدل على رعاية وعناية الشارع بالضعفاء ، وسعة رحمته ، فلا يكون اليتامى عرضة لذوي النفوس الدنيئة 51- {إلا بالتي هي أحسن } مقال " إلا بالحسن " ليشمل ذلك الناحيتين الدنيوية والشرعية ، فما كان فيه تثمير للمال مع محرم أو شبهة فإنه يترك ويلجأ للحلال 52- في الآية دلالة على عناية الشارع باليتيم ، ومن ثمّ فإنه لا يلي مال اليتيم من كان ضعيفا سواء كان الضعف في العقل والتفكير ، أو كان الضعف في القدرات باعتلاله ومرضه ، أو ضعف في الوازع الديني الوصية السابعة {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط} 53- الوفاء بمعنى التكميل ، وقد يدل على معنى الزيادة ، وهذا يدل على النهي عن ضده ، وهو النقص 54- المكاييل والموازين هي التي يكون بها قوام حياة الناس ومعايشهم ، فإذا حدث التطفيف فإن ذلك ترتفع معه الثقة في التعاملات ، ويكون سببا لتعريض مصالح الناس للضياع والبخس ، ويؤثر في مروءات الناس https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 55- {لا نكلف نفسا إلا وسعها} هذه الشريعة ليس فيها تكليف بما لا يطاق ، فالله دفع عن هذه الأمة الآصار والأغلال ، وهذا يدل على سعة الشريعة ورحمة الله بالخلق ، وأنه كلفهم بما يطيقون ، فينبغي للعبد أن يبادر بالقيام بشرائع الدين ، وألا يستثقل ذلك ، فقد كلفه الله أمورا تدخل في وسعه ، وما كان خارجا عن وسعه فهو معفوّ عنه الوصية الثامنة {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } 56- هذا الأمر للوجوب ، وليس من التفضل والإحسان للناس 57- إذا ذكر الله العدل في الأقوال ، كان العدل في الأفعال والمزاولات من باب أولى 58- {ولو كان ذا قربى } لو يقال عنها وصليّة ، تفيد المبالغة في الحال التي من شأنها أن يظن السامع عدم شمول الحكم إياها ، لاختصاصها من بين الأحوال الوصية التاسعة {وبعهد الله أوفوا } 59- أي بوصية الله التي أوصاكم بها ، وهي أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم عنه ، وأن يعملوا بكتابه ،، وسنة رسوله 60- هذا الوفاء بالعهد يشمل جميع ما عهده الله لعباده ، ويدخل فيه ما يقع بين الناس من عهود فهم مأمورون بحفظها ،وكذلك ما أوجبه الإنسان على نفسه من النذور الآية الثالثة ﴿وَأَنَّ هذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾ [الأنعام: ١٥٣] الوصية العاشرة 61- صفة المستقيم للصراط هي صفة كاشفة وليست مقيدة ، لأن الصراط في اللغة لا يقال إلا لما كان مستقيما 62- أضاف الله ﷻ الصراط إلى نفسه ( صراطي ) لأنه هو الذي رسمها وشرّعها المستقيم : هو القويم الذي لا اعوجاج فيه ، وهو دين الإسلام واتباع الكتاب والسنة 63- { وأن هذا صراطي } فهو صراط واحد ، فالطريق الموصل لله واحد ، وهي التي شرعها ، فلا يجوز للإنسان أن يبتدع لنفسه طريقا يعبد الله بها ، أما السبل فجاءت مجموعة 64- {فاتبعوه} هذا الأمر للوجوب ، فلا نجاة لهم بغيره https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 65- {ولا تتبعوا السبل } هذا النهي للتحريم ، فيدخل فيه الأديان والملل غير الإسلام 66- {فتفرق بكم } التعبير بالفاء يدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها ، وعلى التعقيب المباشر ، وعلى التعليل ، فمن شأن اتباع هذه السبل أن تؤدي بمتبعها إلى التفرق عن سبيل الله ، والنأي عنه والانحراف والضلال 67- {لعلكم تتقون } أي من أجل أن تتقوا ، وإذا فسرت بالترجي فيكون ذلك بمعنى " من فعل ذلك وبذل جهدا لعله يكون من المتقين " ، فكيف لمن لم يرفع به رأسا أن يرجو أن يكون متقيا ما سبب ختم الوصايا العشر المحكمات في سورة الأنعام بقوله { لعلكم تعقلون } ( لعلكم تذكرون ) { لعلكم تتقون } ؟ 68- {لعلكم تتقون } علل بعض أهل العلم هذا الختم لأن الحديث عن الصراط المستقيم ، فيشمل الشريعة كاملة ( الأوامر والنواهي ) ، فإذا اتبعها السالك صار متقيا 69- وقيل : الآية الأولى اشتملت على أمور عظيمة ، والوصية فيها أبلغ من غيرها ، فختم بأشرف ما في الإنسان وهو عقله { لعلكم تعقلون } ، والآية الثانية اشتملت على أربع وصايا يقبح ارتكابها ، والوصية بها تجري مجرى الوعظ والزجر ، فختمها بـ {لعلكم تذكرون } ، والآية الثالثة عن الصراط المستقيم واتباعه وترك ما يخالفه ، فختمت بالتقوى التي هي ملاك العمل وخير الزاد 70- وقيل : الآية الأولى اشتملت على خمس أمور ظاهرة يدركها العقل ، ويدرك قبحها ، ويدل عليها النقل ، فختمت بقوله ( لعلكم تعقلون ) ، أما القضايا الأربعة في الآية الثانية فهي قضايا غامضة ، لا بد لها من الاجتهاد والفكر ، حتى يقف المرء على موضع الاعتدال فيها ، فهي تؤثر في الأهواء والشهوات والغرائز ، وهذه تعمي وتصمّ ، فاتبعت بترجي التذكر ، لأن من تذكر أبصر ، فعقل وامتنع ولما كانت هذه الوصايا العشر مما اتفقت عليه الشرائع ، ولم تنسخ في ملة من الملل ، وأن من أخذ بها كان سالكا للصراط المستقيم ، عقّب ذلك بقوله ( لعلكم تتقون ) 71- وأسهل من ذلك وأوضح أن يكون ذلك على سبيل التدرج ، فالإنسان يعقل أولا عن الله ، ثم يحصل له التذكر ، فإذا حصل له التذكر اتقى الله في نفسه ، فجاءت متدرجة حسب الوقوع 72- كل الآيات ختمت بتكرار {ذلكم وصاكم به } تأكيدا للوصية ، وتجديدا للعهد ====================== *منقول من موقع مثانى القرآن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif من مظاهر الرحمة في تشريع الصيام الكاتب : محمد الخولي (14) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s إنّ المتأمل في كتاب الله وما فيه من الأحكام يرى كثيرًا من مظاهر الرحمة في تشريعها، وهذه المقالة تسلِّط الضوء على عبادة الصيام ومظاهر الرحمة في تشريعها من خلال آيات الصيام في سورة البقرة. تمهيد: إنّ المتأمل في كتاب الله -عز وجل- وما فيه من الأحكام والعبادات يشهد صورًا من الرحمة في تشريع هذه الأحكام والعبادات؛ فتارة بالتدريج في فرضيتها، وتارة في التيسير في كيفيتها، وتارة برفع الحرج عن أصحاب الأعذار إلى غير ذلك من الصور؛ بحيث تكون متوافقة مع الفطرة البشرية وفي وُسع المكلَّف وطاقته، والآيات الدالّة على ذلك كثيرة، ومنها قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: 286]، وقوله تعالى: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[المؤمنون: 62]. يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: «أخبر تعالى أنه لا يكلِّف {نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أي: بقدر ما تسَعُه، ويفضل من قوّتها عنه، ليس مما يستوعب قوّتها، رحمةً منه وحكمة، لتيسير طريق الوصول إليه، ولتعمر جادّة السالكين في كلِّ وقت إليه»[1]. وتُعدُّ عبادة الصيام من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى وأعظمها أجرًا عنده، وقد امتدح سبحانه الصائمين في غير آية من كتابه العزيز ووعدهم بالمغفرة والأجر العظيم، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 35]. وورَد في السُّنة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كلُّ عملِ ابنِ آدم له إلّا الصومَ، فإنه لي وأنا أَجزِي به، ولَـخُلُوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك»[2]. يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «اللهُ اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال، وذلك لشرفه عنده، ومحبته له، وظهور الإخلاص له سبحانه فيه؛ لأنه سرٌّ بين العبد وربه لا يطّلع عليه إلّا الله...، وأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة؛ لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أمّا الصوم فإنّ الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد، وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين، والعطية بقدر معطيها؛ فيكون أجر الصائم عظيمًا كثيرًا بلا حساب»[3]. والصيام من العبادات البدنية التي تبدو في ظاهرها شاقّة وثقيلة على النفس؛ لأنها تدعو إلى التغلّب على شهواتها والتحكم في رغائبها وإخضاعها للأمر والنهي، ولكن المتأمّل في حقيقة هذه العبادة والناظر إليها بعين الاعتبار يلمح مظاهر الرحمة التي تغمرها من كلِّ جوانبها. ويحسن بنا أيها القارئ الكريم ونحن نستظلّ بظلال شهر رمضان المبارك، وتغمرنا سحائب طاعاته، ومَعين قرباته، وفيض رحماته أن نتوقّف مع بعض هذه المظاهر من خلال آيات الصيام التي وردت في سورة البقرة. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif إن أول مظاهر الرحمة في تشريع الصيام: إخبار الله سبحانه بأنه كتَب الصيام على هذه الأمة كما كتَبه على الذين من قبلها، وهذا من باب التهوين والتسرية على هذه الأمة، لا سيما وقد جاء هذا الإخبار مسبوقًا بنداء الإيمان، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة: 183]؛ وذلك لجذب القلوب إليه سبحانه، ولإشعار هذه الأمة أن عبادة الصيام ليست من العبادات الشاقة التي اختصَّت بها. يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: «يخبر تعالى بما مَنَّ به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة؛ لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كلِّ زمان، وفيه تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تُنَافِسوا غيركم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصَّيتم بها»[4]. ويمكن الإشارة هنا إلى أنّ تشريع الصيام قد مرَّ بمراحل متدرّجة، بداية بالأمر بصيام عاشوراء وثلاثة أيام من كلّ شهر، ثم الأمر بصيام رمضان لمن شاء من العشاء إلى المغرب من اليوم التالي، ثم فُرض صيام رمضان في https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif المرحلة الثالثة على الكيفية التي نعرفها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وإن كان هذا التدرّج لا نشعر بأثره في الوقت الحالي لارتباطه بزمان التشريع إلّا أنه يعكس لنا صورة من صور رحمته سبحانه بعباده، حيث اهتمَّ بتهيئة النفوس لاستقبال هذه العبادة حتى إذا ذاقت حلاوتها واطمأنَّت بها أكمل سبحانه جوانب تشريعها. ومن مظاهر الرحمة كذلك في تشريع الصيام: أن الله سبحانه ذكر لعباده الحكمة أو الغاية من فرضيته، حيث بيَّن سبحانه ما يعود على المكلَّف من النفع من وراء هذه العبادة، ألَا وهو تحقيق التقوى التي هي مفتاح كلِّ خير ومطلب كلّ مؤمن وسبب الرفعة والنجاة في الدنيا والآخرة؛ وذلك ليكون العبد أكثر إقبالًا على هذه العبادة وأكثر حرصًا على تحقيق مقاصدها، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183]. يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: «ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فإنّ الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، فممّا اشتمل عليه من التقوى: أنّ الصائم يترك ما حرّم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها ثوابه، فهذا من التقوى، ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيِّق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقلّ منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب تكثر طاعته، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغنيّ إذا ذاق أَلَم الجوع، أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى»[5]. ومن مظاهر الرحمة في تشريع الصيام كذلك: أن الله سبحانه أمَر عباده بصيام أيام معدودات ولم يأمرهم بصيام الدهر كلّه أو يأمرهم بصيام نصف الدهر، فقال تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}[البقرة: 184]، وذلك لعلمه سبحانه بضعفهم عن تحمّل صيام الدهر أو نصف الدهر، فرفع عنهم المشقة وكلَّفهم بما يطيقون برحمته وفضله. يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: «ثم بيَّن مقدار الصوم، وأنه ليس في كلّ يوم، لئلّا يشقّ على النفوس فتضعف عن حمله وأدائه»[6]. ومن رحمته سبحانه أنه لم يحجر على أصحاب الهمم العالية في منعهم عن الصيام بعد رمضان إنما فتح لهم باب التطوّع طوال العام لمن يريد الزيادة ويعلم من نفسه القدرة والاستطاعة. ومن مظاهر الرحمة في تشريع الصيام أيضًا: أن الله سبحانه رفع الحرج عن المريض والمسافر بأن أباح لهما ترك الصيام خلال مدة المرض أو السفر رفعًا للمشقة عنهما، وأمَرهما بقضاء هذه الأيام في أيام أُخر لتتم عدّة https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الصيام ويحصِّل العبد مقاصده، فقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: 184]، وقال في الآية التي تليها: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: 185]. ويبيّن سبحانه الحكمة من ذلك فيقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: 185]، فهو سبحانه يريد بعباده اليُسر ولا يريد بهم العُسر؛ لذلك كان من الواجب على عباده أن يكبِّروه ويعظِّموه ويشكروه على هذه الرحمة والتيسير. وأمّا كبار السنّ وأصحاب الأمراض المزمنة التي يصعب معها الصيام، فقد جعل الله لهم فدية عن صيامهم أن يطعموا عن كلّ يوم مسكينًا، فقال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: 184]، وذلك جبرًا لخواطرهم ورفعًا للحرج والمشقّة عنهم برحمته وفضله سبحانه. ومن مظاهر الرحمة في تشريع الصيام أيضًا: أنه سبحانه أحلّ لعباده ليلة الصيام ما كان محرّمًا عليهم وقت الصيام من الطعام والشراب والجماع، وذلك من غروب الشمس إلى طلوع الفجر بخلاف ما كان عليه الأمر في أول تشريع الصيام، فقال سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: 187]. يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله-: «هذه رخصةٌ من الله تعالى للمسلمين، ورفعٌ لِما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحلّ له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء، أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة»[7]. فوجد الصحابة -رضوان الله عليهم- بعض المشقة في ذلك فشَكَوا الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فرفع الله عنهم وعن الأمة مِن بعدهم هذه المشقة، وأحلّ لعباده ليلة الصيام ما كان محرّمًا عليهم، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر برحمته وفضله سبحانه. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال في قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} قال: «كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلَّوا العشاء الآخرة حرم https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا، وإن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء، وأن صرمة بن قيس الأنصاري غلبته عينه بعد صلاة المغرب، فنام ولم يشبع من الطعام، ولم يستيقظ حتى صلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشاء، فقام فأكل وشرب، فلما أصبح أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك، فأنزل الله عند ذلك: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} يعني بالرفث: مجامعة النساء، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يعني: تجامعون النساء، وتأكلون وتشربون بعد العشاء، {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} يعني: جامعوهنّ، {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني: الولد، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فكان ذلك عفوًا من الله ورحمة»[8]. خاتمة: وبعدُ أيها القارئ الكريم، فمن خلال ما مرّ معنا وما توقفنا معه من بعض مظاهر الرحمة في تشريع الصيام، ورأينا كيف أن الله سبحانه لا يكلِّف العبد إلّا بما فيه الرحمة واليسر ويرفع عنهم كلّ ما فيه مشقة وعسر، ينبغي أن يظهر أثر هذه الوقفات على نفس المؤمن؛ وذلك بأن يشعر بمنّة الله سبحانه وفضله، ويجتهد في شكره على تشريع هذه العبادة، وكذلك الإقبال عليها والقيام بها على الوجه الأمثل وعدم استثقالها، وكذلك https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ينبغي أن تنعكس آثار هذه الرحمة على نفس الصائم فتظهر في سلوكه وأخلاقه من خلال إطعامه للفقراء ومواساته للمساكين، كما كان هدي النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الطيبين الطاهرين، وصلِّ اللهم وسلِّم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] تيسير الكريم الرحمن، (ص554). [2] رواه البخاري. [3] مجالس شهر رمضان، (ص15، 16). [4] تيسير الكريم الرحمن، (ص86). [5] تيسير الكريم الرحمن، (ص86). [6] تفسير ابن كثير، (1/ 497). [7] تفسير ابن كثير، (1/ 510). [8] تفسير ابن كثير، (1/ 511). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif تأملات في سورة الشرح - تغريدات د. محمد الربيعة (15) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s ما مقصد السورة؟ هذه السورة فيها عظيم الامتنان من الله على النبيﷺ تسلية له وتخفيفا من العسر الذي يلاقيه في طريق دعوته ما مناسبتها لسورة الضحى؟ والفرق بينهما – الشرح تكميل للضحى - الضحى في النعم الحسية والشرح في النعم المعنوية ما سبب نزولها؟ جاء في لباب النقول قال: نزلت لما عَيّر المشركون المسلمين بالفقر... ماذا يفيد الافتتاح بالاستفهام ( ألم) ؟ الاستفام للتقرير وهو يفيد مزيد تنبيه وتقرير بالنعم. هداية: ( استحضر نعم الله عليك) https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif دلالة: سر التعبير بـ { نشرح } دون أشرح تعظيماً للنعمة وتفخيما لها. هداية : منة الله عليك عظيمة فاستحضر عظمتها دلالة: بماذا انشرح صدر النبيﷺ؟ -بنور الرسالة وهو أظهر -بشق صدره وغسله هداية : أعظم مايشرح الصدر نور الوحي (أفمن شرح الله صدره) دلالة : ما الوزر الذي وضعه الله عن نبيه؟ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ثقل الوحي والشدائد التي يواجهها هداية : عظيم عناية الله بما يحمل رسالته دلالة: التعبير بالوزر دون الحرج يفيد خوفه من التقصير في رسالة ربه فيتحمل وزراً. هداية: إذا بذلت نصحك وجهدك لا تؤخذ بالقصور دلالة : المراد بقوله {الذي أنقض ظهرك https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif } أي كناية عن عظم حمله في نفسه وحرصه. هداية : ما مقدار هم الدين في نفسك ؟ ما صور شرح صدره ﷺ؟ منها ما هو ظاهر كما في القرآن والسنة ومنها ما هو سر بينه بين ربه. هداية: استحضر ما خصك به ربك ينشرح صدرك ما صور رفع ذكره ؟
يفيد أنه أرفع الخلق ذكرا، ولذلك قرن الله اسمه باسمه. هداية : ما أعظم مقام نبيناﷺعند الله { فإن مع العسر يسرا} سنة ربانية ثابتة يؤكدها ويفسرها قوله { سيجعل الله بعد عسر يسرا} دلالة: سر تعريف العسر في الموضعين دون اليسر للتأكيد كما قال النبيﷺ( أبشروا فلن بغلب عسر يسرين). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif هداية : أبشر باليسر من ربك دلالة: سر تنكير {يسرا} للتعظيم : أي مع العسر العارض يسر عظيم. هداية: انتظر من ربك بصبرك مع العسر يسرا عظيما وفتحا مبينا دلالة: فائدة الفاء قي قوله {فإن مع العسر} أي إذا علمت ذلك فاعلم أن مع العسر يسرا. هداية : حين يأتيك عسر فأيقن باليسر يأتيك. أعظم أسباب انشراح الصدر الإخلاص وتوجه القلب إلى الله وحده .ولذلك ختم سورة الشرح بقوله { وإلى ربك فارغب} https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif مقاصد التشريع في آيات الصيام بين جمال المبنى وجمال المعنى الكاتب : عبد الحميد هنداوي (16) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s تعدّدت مقاصد التشريع التي اشتملت عليها الآيات الكريمة التي قرّرت صيام رمضان، وهذا المقال يحاول الكشف عن بعض هذه المقاصد، كما يسلِّط الضوء على بيان ارتباط المقاصد بأحكام الصوم، وما فيها من جمال في الألفاظ وسموّ في المعاني. الصيام هو البيئة المناسبة لحياة الأرواح المؤمنة؛ حيث تصفو النفوس، وتخلص من علائق البدن ونوازعه ونوازغه؛ لا سيما في شهر رمضان، حيث تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتصفَّد الشياطين. ويمثّل الصوم عبادة رئيسة للمسلمين يشتركون فيها جميعًا في شهر رمضان؛ ولمّا كان لهذه العبادة أهميتها إذ تمثل ركنًا في الإسلام، فقد اهتم القرآن بتشريعها وقرّر فرضيّتها في جملة آيات كريمات. وإنّ الناظر في القرآن يلحظ تعدُّدَ أوجه الجمال اللفظي والمعنوي في آيات التشريع ليقترن جمال المبنى بجمال المعنى؛ فمع حلاوة اللفظ وعذوبته، ودقّة اختياره، وجمال التصوير فيه، ولطفه ورقّـته، مع روعة النظم، وفخامة التركيب وجزالته، وسلاسة الأساليب، ووجازة اللفظ مع كثرة المعنى؛ مع ذلك كلّه تجد -في هذه الآيات- روعة المعاني، وتنوع الحِكَم والمقاصد؛ ما بين مقصد التخفيف والتيسير، ومقصد الترفيه والتنعيم، ومقصد العفو والتكريم، إلى مقصد البيان والتبيين؛ ومدارها جميعًا على رحمة العباد والتخفيف عنهم والتوبة عليهم والعفو عنهم. مقاصدُ عديدة، ومعانٍ لطيفة؛ يزداد بها جمال اللفظ مع جمال المعنى؛ فالقرآن واعظ حسن السمت، جميل الهيئة، خفيف الروح، عذب الحديث، قوله الجدُّ، وكلامه الفصل، ليس بالهذر ولا بالهزل، ولا برذيل ولا فاحش من القول. وفي ضوء تلبّسنا بالصيام في هذه الإيام فإننا سنحاول في هذا المقال بيان بعض مقاصد التشريع التي اشتملت عليها الآيات الكريمة التي قرّرت صيام رمضان، ونبيّن ارتباطها بأحكام الصوم وما فيها من جمال في الألفاظ وسموّ في المعاني والمقاصد في التيسير على العباد وفرط رحمة الله بهم، وهو ما يُعِين على حسن أدائنا لعبادة الصيام واستشعارنا لفضل الله فيها. المقصد الأول: تقوى الله واجتناب محارمه: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif لعلّ هذا هو المقصد الأعظم الذي يبدو واضحًا من مطلع هذه الآيات الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183]. فتقوى الله تعالى -وهي العمل بطاعته واجتناب معصيته- هي حكمة الصوم ومقصده الأعظم؛ فمَن صلى وصام ولم يلتزم بشرع الله تعالى في حلاله وحرامه دلّ ذلك على أنه لم يفقه حكمة الله تعالى من فرض الصلاة والصوم؛ فالصوم تدريب عملي للنفس على تقوى الله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، كما أن حكمة الصلاة كذلك تأديب النفس بزجرها عن الفحشاء والمنكر؛ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: 45]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أنْ يدَعَ طعامَه وشرابَه»[1]. فعلى المسلم أن يتقي الله في صومه، وأن يخلِّصه من شوائب اللغو والرفث والغِيبة والنميمة والكذب والنظر إلى الحرام وأكل الرشوة والحرام بكلّ صوره؛ حتى يقبل الله منه صيامه ويجزيه عنه أحسن الجزاء، فالصوم من جنس الصبر، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10]. المقصد الثاني: مقصد التخفيف والتيسير: لا تنفكّ أحكام تلك الشريعة السمحة الغرّاء عن رحمة وتيسير وتخفيف ولطف بالمؤمنين فيما شرع الله لهم؛ حتى فيما يتصوّر أن مبناه على الشدّة وتربية النفوس بالتكاليف الشاقّة. وتلك الرحمة وذلك التخفيف مطّرد في عموم أحكام الشريعة من أشقّها إلى أخفّها؛ فالجهاد رفع الحرج فيه عن ذوي الأعذار؛ قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}[الفتح: 17]. والحجّ جاء التخفيف والتيسير فيه في مواضع عديدة، لسنا بسبيل حصرها، ولكن نذكر منها قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}[البقرة: 196]. والزكاة مبناها على التراحم والتخفيف عن الفقراء؛ إذ «تؤخَذ من أغنيائهم وتُـرَدُّ على فقرائهم»[2]، والصلاة باب التيسير فيها واسع ومنه في كتاب الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 238، 239]. وفي الحديث: «صَلِّ قائمًا، فإِنْ لم تستطع فقاعدًا، فإِنْ لم تستطع فعلَى جنبٍ»[3]. وأما الصوم موضوع المقالة فالتخفيف والتيسير فيه ظاهر كذلك في مواضع عديدة؛ منه إباحة الفطر مع القضاء للمريض والمسافر، وإباحته مع الفدية بغير قضاء لأصحاب الأمراض المزمنة والعَجَزة الذين لا يطيقونه ونحوهم؛ قال تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: 184]. وتظهر جماليات الرحمة في خطابه في كلّ ألفاظه ومعانيه؛ حتى إنه سبحانه ليخفّف الأمر على نفوسهم، ويهوِّنه عليهم؛ بالتعبير بجمع القلّة في قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، وكأنه يقول لهم: إنها أيام قليلة سرعان ما تنقضي، وتمر سريعًا، فلا تضيعوا أجوركم فيها. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ومن رحمة الله تعالى بعباده أَنْ كرّر ما أنزل في إباحة الفطر مع القضاء تأكيدًا للحُكم، ورفعًا للحرَج عن عباده، ثم ذيّل ذلك التأكيد ببيان ذلك المقصد المطرد في أحكامه سبحانه وهو التيسير على العباد؛ قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: 185]. وكان يكفي في بيان مقصد التيسير أن ينصّ سبحانه على إرادة اليُسْر وحده، ولكنه أتى بهذه المقابلة ليؤكد أنه لا يريد بهم أدنى مشقة؛ لأنه لو اقتصر على إرادة اليُسْر وحده فقد يتوهَّم متوهِّم أنه يريد بنا اليُسْر وقد يريد بنا العُسْر كذلك؛ فنفى سبحانه ذلك التوهُّم؛ لأنه لا يريد بهم العُسْر وإن كان واقعًا بمشيئته لحِكَم عظيمة؛ فهو سبحانه لا يريده ولا يحبّه لعباده. ويتّصل مقصد التخفيف والتيسير كذلك في رحمته بهم واستجابته لدعائهم ببيان قُربه منهم، وإجابته دعاءهم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: 186]. ونرى هنا بلاغة الحذف في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}؛ فإن هذا هو السؤال القرآني الوحيد الذي لم يُتْبِعه الله تعالى بلفظ (قُل) كما في جميع الأسئلة القرآنية؛ مثل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}[البقرة: 222]. وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[البقرة: 189]. وغيرها كثير، والنكتة في الحذف هنا؛ حيث لم يقُل: (فقل إني قريب) أنه سبحانه أراد ألّا يجعل واسطة بينه وبين عباده في دعائه؛ فبلَّغهم بنفسه قربه منهم؛ وحذف ذكر الواسطة -على شرفه ومكانته عنده سبحانه- ليبين للعباد أَنْ لا واسطة بينه وبين عباده، وأنه قريب سميع مجيب. فعلى العبد أن يعلم أن الله قريب منه، سميع لدعائه، فيخلص الدعاء له، ويسأله حاجته كلها، ولا يلجأ إلى أحد سواه. المقصد الثالث: مقصد إرادته سبحانه التوبة على عباده والعفو عنهم: من المقاصد والمعاني السامية في الآيات مقصد إرادته سبحانه التوبة على عباده والعفو عنهم، وهو مقصدٌ سارٍ في جميع فروع التشريع، ومتفرّع على مقصد التخفيف والتيسير؛ قال تعالى: {يُرِيدُ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء: 26-28]. فربَط الله سبحانه وتعالى بين إرادته التوبة على عباده وإرادته التخفيف عنهم. وفي أحكام الصيام كذلك نرى التوبة على العباد والعفو عنهم بإحلال المعاشرة بين الأزواج في ليل الصيام -بعد أن كانت محرّمة عليهم في بادئ الأمر- تأتي من رحم التخفيف والتيسير توبةً على العباد وعفوًا عنهم ورحمةً بهم؛ قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}[البقرة: 187]. قال البغوي: «علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم، أي: تخونونها وتظلمونها بالمجامعة بعد العشاء، قال البراء: لما نزل صوم رمضان، كانوا لا يقربون النساء في رمضان كلّه، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}: تجاوَز عنكم، {وَعَفَا عَنْكُمْ}: محَا ذنوبَكم، {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}: جامعوهنَّ حلالًا»[4]. وقد ذكر الطبري نحوًا من ذلك وأتبعه بذكر الآثار التي تبيّن كيف أن الأمر كان قد شقّ على بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان منهم من تخونه نفسه فيقع في أمر الجماع بالليل، وهو محرّم عليهم آنذاك. وهذا يبين لنا مدى رحمته سبحانه وتخفيفه على العباد بمقصد إرادته التوبة عليهم وإعانتهم على حسن الامتثال والتطبيق. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فعلينا أن نقابل ذلك بشكره سبحانه على نعمته، وذلك بطاعته واجتناب معصيته، فالشكر إنما يكون بالقلب وباللسان. المقصد الرابع: مقصد الستر والعفاف: يظهر ذلك المقصد في مواضع لا تُحصى في القرآن الكريم، ولكنه يظهر بالأخصّ في مواضع الحديث عن إتيان النساء، وهو أمر يُستحيا من الخوض فيه بطبيعة الحال؛ لكن القرآن الكريم يعلمنا أدب الحديث حينما يحتاج المرء إلى التعبير عن ذلك الأمر الذي قد تدعو الحاجة إلى الحديث عنه؛ فلا تجد ثمة إسفافًا ولا خدشًا للمشاعر، ولا إثارة للغرائز على نحو ما ترى عند أصحاب الأدب المكشوف بدافع الواقعية -زعموا- وليس ثمة واقعية ولا صدق كواقعية القرآن في تلك الأمور وغيرها مع العفة التامة وكمال الأدب، والدليل على ذلك أن الكبير والصغير والمرأة الكبيرة والفتاة الصغيرة: الكلّ يقرأ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف: 24]. فلا يجد في نفسه امتعاضًا ولا يشعر بالحرج ولا الخجل أن يقرأها على الملأ بلا حياء أو انكسار؛ بل لا يشعر معها إلّا بالخشوع والوقار، مع تمام التعبير عن الحدث بتمامه بلا نقصان. وفي تلك الآيات يجتمع الجمال اللفظي مع الجمال المعنوي بعدد من الوجوه البلاغية؛ يلوح لنا منها وجهان لا يمكن تجاهلهما: 1. بلاغة التضمين في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}[البقرة: 187]. 2. بلاغة الاستعارة في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة: 187]. - أمّا بلاغة التضمين في الآية فلا تسل عمّا فيها من السموّ والرقي بالإنسان عن عالم البهيمية والحيوانية؛ حيث ضمَّن الحقّ سبحانه وتعالى لفظ الرفث -بما له من معانٍ حيوانية وبهيمية صِرفة- معنى الإفضاء إلى الأزواج بالمشاعر وحلو الكلام والسَّمَر والتودد والتحابّ الذي يكون بين الأزواج بين يدي تلك الحاجة. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وذلك أن أصل الكلام أن يقال: (أحل لكم الرفث بنسائكم)؛ فإذا تعدّى الرفث بالباء لم يحتمل غير المعنى الحيواني المعروف للرفث؛ لكنه حيث عدّاه الله تعالى بـ(إلى) ضمَّنه معنى كلمة أخرى تتعدى بهذا الحرف إلى مثل: (الإفضاء إلى نسائكم)، وبنحوها جاءت الكناية اللطيفة السامية في التعبير عن هذا الأمر برقـيِّه الإنساني الذي كرّم الله به الإنسان في قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}[النساء: 21]. ولذا قال الراغب: «الكناية أبلغ وأقرب إلى التصريح من قولهم: خلا بها. قال تعالى: {وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ}»[5]. قال ابن جرير في تأويلها: «وقد أفضى بعضكم إلى بعض بالجماع»[6]. فالكناية هنا وكذلك في آية البقرة قد دلّت على المعنى الصريح بلفظ لطيف لا يخدش المشاعر؛ بل إنّ لفظ (أفضى) قد زاد في الدلالة على أصل معناه (خلا). وبتضمين الرفث معنى الإفضاء ضُمِّن مع معناه الأصلي معنى آخر يرتقي به إلى الكمال الإنساني الذي جاء به الدستور السماوي الذي أراد للإنسان أن يرتقي في أفعاله، ويسمو بمشاعره التي تميَّـز بها عن الحيوان؛ لأنه وإن اشترك معه في صورة الفعل؛ فإنه يختلف عنه في معانيه ومقاصده. - وأما بلاغة الاستعارة في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة: 187]، «قال العز بن عبد السلام: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} بمنزلة اللباس لإفضاء كلّ واحد منهما ببشرته إلى صاحبه، أو لاستتار أحدهما بالآخر، أو سكن. {اللَّيْلَ لِبَاسًا}[النبأ: 10] سكنًا»[7]. وقال الراغب: «جعل اللباس كناية عن الزوج، لكونه سترًا لنفسه ولزوجه أن يظهر منهما سوء، كما أنّ اللباس يمنع أن تبدو السوءة، وعلى ذلك جعلت المرأة إزارًا، وسمي النكاح حصنًا، لكونه حصينًا لذويه عن تعاطي القبيح»[8]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ولذلك قال الطبري: «لذلك وجهان من المعاني: أحدهما: أن يكون كلّ واحد منهما جُعل لصاحبه لباسًا، لتجرُّدهما عند النوم، واجتماعهما في ثوب واحد، وانضمام جسد كلّ واحد منهما لصاحبه، بمنزلة ما يلبسه على جَسده من ثيابه، فقيل لكلّ واحد منهما: هو {لِبَاس] لصاحبه.. والوجه الآخر: أن يكون جَعل كلَّ واحد منهما لصاحبه {لِبَاسًا}؛ لأنه سَكنٌ له، كما قال -جل ثناؤه-: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا}[الفرقان: 47]، يعني بذلك سكنًا تسكنون فيه. وكذلك زوجة الرجل سَكنه يسكن إليها، كما قال تعالى ذكره: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف: 189]؛ فجائز أن يكونَ قيل: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، بمعنى: أنّ كلّ واحد منكم ستر لصاحبه -فيما يكون بينكم من الجماع- عن أبصار سائر الناس»[9]. قلتُ: وإذا كان المعنى في تلك الاستعارة الجميلة ما ذكر المفسرون؛ فإن الآية تَرقى بعد ذلك سموًّا لا يُدرك ولا يرقى إليه مفسِّر؛ إذ إنها قد أوحت بتلك المعاني جميعها، وفي الوقت نفسه لا يُشْتَمُّ منها رائحة عري ولا تجرد، ولا إغراء أو إثارة وتهييج للغرائز؛ لأنه يسمو بالنفوس فوق تلك المعاني كلّها إلى معاني الستر والعفاف والتلاحم والحميمية. فيا ليتنا نتعلم أدب القرآن في مسالك التعبير عن تلك الحوائج بلا إسفاف ولا تَدَنٍّ أو إثارة، ونروض أنفسنا على ذلك. ورفعًا للحرج عن النفوس يؤكّد الله تعالى هذا الحكم -وهو إباحة المعاشرة للأزواج في ليل الصيام- بكنايتين أخريين في قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}[البقرة: 187]، ففيها كنايتان عن الوقاع: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الأولى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}. وهذه -على رقّتها ولطفها- لا تَقِلّ في بيان المعنى عن الاستعارة السابقة: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}،فالمباشرة مماسّة البشرة البشرة فهي واضحة الدلالة على المراد مع عفة اللفظ وسمو المعنى، وما يوحي به من مقدمات الوقاع من الملامسة والتقبيل ونحو ذلك. قال الطبري: «فأما (المباشرة) في كلام العرب، فإنه مُلاقاة بَشَرة ببَشرة، و(بشرة) الرجل: جلدته الظاهرة. وإنما كنّى الله بقوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} عن الجماع. يقول: فالآن إذ أحللتُ لكم الرفثَ إلى نسائكم، فجامعوهنّ في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر، وهو تبيُّنُ الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر»[10]. والثانية: قوله تعالى: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، فقد ذكر المفسرون على أن المراد بابتغاء ما كتب الله تعالى هو طلب الولد، وليس له طريق إلّا الجماع، فدلَّ عليه بطريق الكناية واللزوم. وهو أحد الأقوال الحسنة لأهل العلم في تفسيرها؛ قال ابن الجوزي: «قال بعض أهل العلم: لما كانت المباشرة قد تقع على ما دون الجماع، أباحهم الجماع الذي يكون من مثله الولد، فقال: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يريد: الولد»[11]. فانظر كيف عبّر عن المعنى الواحد بأربع صور مختلفة تنوّع فيها التعبير بين التضمين والاستعارة والكناية رفعًا للحرج عن نفوسهم؛ لأنهم سيقدمون بعد نزول الآيات على ما كان محرمًا عليهم من قبل؛ فربما تحرَّج بعضهم مِن فعله، فرفع الله عنهم ذلك التحرّج بتكرير المعنى ذلك التكرير الذي أراد به توكيد المعنى وتقريره. المقصد الخامس: مقصد الامتنان على العباد بتنعيمهم وترفيههم بالطيبات لعلهم يشكرون: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وهذا المقصد كذلك متفرّع على مقصد التيسير والتخفيف؛ لكنه قد زاد في إكرامه سبحانه لعباده إلى حدّ التنعيم والترفيه، وأدلة ذلك لا تنحصر؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: 70]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: 29]، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: 21]، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}[النحل: 72]. والآيات في ذلك كثيرة، والمقصد منها جميعًا الامتنان على العباد بكثرة النعم لعلهم يشكرون. وفي الآيات التي نحن بصددها يمتنُّ الله على عباده ويُنَعِّمهم بما أحَلَّ لهم من نعمة الإفضاء إلى أزواجهم والسكن إليهم واستمتاع كلّ من الزوجين بالآخر -في ليل الصيام- وائتناسه به؛ فضلًا عن إباحة الاستمتاع بالطيبات من الطعام والشراب، وبيّن أن ذلك كلّه منبثق من مقصد العفو والصفح والتيسير؛ قال تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: 187]. فالأوامر هنا: {بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}؛ أساليب إنشائية المقصد منها الإباحة والامتنان على العباد. ونلاحظ أن الله تعالى قد امتنَّ على هذه الأمة بوجوه من الطيبات أحلَّها لهم؛ حتى صارت المحرمات محصورة معدودة، وصار الأصل هو الحِلّ، وهذه الطيبات حرمها الله على الأمم السابقة؛ ففي باب الأطعمة أحلَّ لنا ما حرّم على الذين هادوا من قبل؛ قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[الأنعام: 145، 146]. وفي باب النكاح والمعاشرة؛ أحلّ الله لنا كلّ وجوه الاستمتاع بالنساء إلّا في الموضع المحرَّم والزمان المحرَّم (الدُّبُر والحيضة)؛ قال تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البقرة: 223]. عن الربيع قوله: «{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: مِن أين شئتم.. ذُكِر لنا -والله أعلم- أن اليهود قالوا: إنّ العرب يأتون النساء من قِبَل أعجازهن، فإذا فعلوا ذلك، جاء الولد أحْوَل، فأكْذَبَ الله أُحدوثتهم فقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}»[12]. وكلّ هذا يقتضي الشكر لله تعالى بالقلب وباللسان وبالصيام والقيام وكثرة الذِّكر ووجوه العبادة المختلفة، ومراعاة ذلك في شهر الصيام خاصّة بعدم إظهار الضجر من التكليف وأهمية استحضار مقام العبودية لله تعالى، وأنّ ما خفّفه علينا فقد خفّفه مِنّة منه، وفضلٌ يستحقّ الشكر. وتأتي الكناية الرائعة: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: 187]متناسقة مع مقصد التيسير والتخفيف والامتنان؛ فهي تبيح لهم الطعام والشراب من غروب الشمس إلى ظهور الفجر الصادق وتبيُّنهم إيّاه؛ فلا عِبرة في ذلك بالشكّ؛ بل العبرة باليقين؛ ولذا ورَد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في ذلك قوله: «كُلْ ما شَكَكْتَ حتى لا تَشُكّ»[13]. وقد فهم بعض الصحابة أنّ الآية على حقيقتها؛ لأنها في سياق الامتنان بالأكل والشرب إلى تلك الغاية المذكورة، وهي تبيُّن الخيط الأبيض من الأسود؛ غير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بيَّن لهم أنها ليست على حقيقتها؛ بل يراد بها الكناية عن سواد الليل وبياض النهار؛ فعن عَدِيّ بن حاتم قال: «قلتُ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أَهُما خَيطان: أبيض وأسود؟ فقال: «إِنّك لَعَرِيض القَفَا إِنْ أبصَرْتَ الخَيْطَين»، ثم قال: «لا، ولكنه سواد الليل وبياض النهار»[14]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ومن بلاغة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى وكأنَّ عَدِيًّا قد استغرب حمل الآية على الكناية؛ فأجابه بكناية يوقظه بها بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنك لَعَرِيض القَفَا»، فهي كناية كذلك عن سوء الفهم. المقصد السادس: البيان والتبيين لأحكام الدين: من رحمة الله تعالى وإرادته التخفيف والتيسير على عباده أن بيَّن لهم أحكام الدين، ولم يدَعْ أحكامه التي يتوقف عليها نجاتهم ملتبسة عليهم؛ قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[البقرة: 187]. وهذا مقصد مستقلّ، وهو بيانه سبحانه لأحكام دينه فلا يكون ملتبسًا على عباده؛ بل يكون ميسرًا لهم العملُ به، وإن كان هذا تابعًا في الحقيقة لمقصد إرادة الله التوبة على عباده؛ حيث حضّ الناس هنا على عدم مجرد الاقتراب من حدود الله وتحذيرهم من ذلك، حتى يعينهم على حسن الابتعاد عن المنهيات. ومع جمال هذا المعنى ووضوح هذا المقصد يأتي جمال المبنى، ودقّة اللفظ، وروعة الأسلوب ليزداد الكلام جمالًا على جماله؛ قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}، نرى بلاغة اللفظ القرآني ودقّـته هنا؛ حيث جاء التعبير بلفظ: {فَلَا تَقْرَبُوهَا}؛ حيث كانت حدود الله هنا من المناهي التي حرّمها الله تعالى؛ خلافًا لِما جاء في قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}[البقرة: 229]؛ وذلك حيث كانت حدود الله هنا وقوفًا عند ما أحَلَّ سبحانه لعباده. الخاتمة: نتبيَّن من خلال تأمُّل آيات الصيام أنّ ديننا دين رحمة ويُسْر، وأن مِن أعظم مقاصد الشارع الحكيم التيسير على عباده، والتخفيف عليهم، وإرادة التوبة عليهم والعفو عنهم؛ ولذا بيَّن لهم أحكام دينهم، وذكَّرهم بطاعته ونهاهم عن مخالفته ومعصيته. فيجدر بنا في هذا الشهر الكريم أن نعمل على تحقيق مقاصد الشرع الكريم من الصيام، وجماعها وأعظمها على الإطلاق تقوى الله تعالى؛ فهي الحكمة من الصوم والمقصد الأعظم منه. فعلى المسلم أن يعمل في هذا الشهر الكريم على تخليص صيامه من كلّ شائبة؛ بأن يحقّق مقصده الأعظم بتقوى الله في كلّ أعماله؛ فيكون رقيبًا على قلبه ولسانه وجوارحه فلا يعمل -عمومًا، ولا في هذا الشهر خاصّة- إلّا بما يُرضِي الله تعالى. ولعلّ هذا يكون من أعظم الصور التي يحقّق بها شكر الله تعالى على نعمة تيسير الصوم، وتخفيف العبادة وتيسيرها، وإباحة الطيبات في هذا الشهر الكريم. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [1] صحيح البخاري، كتاب الصوم: باب مَن لم يدع قول الزُّور، والعمل به في الصوم، (3/ 26)، ح/ 1903. [2] جزء من حديث في صحيح البخاري، كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة، (2/ 104)، ح/ 1395. [3] صحيح البخاري، كتاب الصلاة: باب إذا لم يُطِق قاعدًا صلَّى على جنب، (2/ 48)، ح/ 1117. [4] تفسير البغوي، طبعة: إحياء التراث، (1/ 229). [5] المفردات في غريب القرآن، (ص639). [6] تفسير الطبري، جامع البيان، تحقيق: محمود شاكر، (8/ 126). [7] تفسير العز بن عبد السلام، تحقيق: د/ عبد الله الوهبي، ط: دار ابن حزم، (1/ 192). [8] تفسير الراغب الأصفهاني (1/ 398). [9] تفسير الطبري، جامع البيان، (3/ 492). [10] تفسير الطبري، جامع البيان، (3/ 504). [11] زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، ط: دار الكتاب العربي- بيروت، (1/ 149). [12] تفسير الطبري، جامع البيان، (4/ 402). [13] جاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر، ط: دار المعرفة- بيروت، (4/ 135): «وقد روَى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: أحلَّ اللهُ لك الأكل والشرب ما شككْتَ. ولابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه، ورَوى ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى قال: سأل رجلٌ ابنَ عباس عن السحور، فقال له رجل من جلسائه: كُلْ حتى لا تشُكّ، فقال ابن عباس: إنّ هذا لا يقول شيئًا، كُلْ ما شككْتَ حتى لا تشُكّ. قال ابن المنذر: وإلى هذا القول صار أكثر العلماء». [14] تفسير الطبري، جامع البيان، (3/ 513). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
(17) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s [١] صدق قول الشافعي فيها ( لو لم ينزل الله على عباده إلا هذه السورة لكفتهم ) [٢] {والعصر} هو عصر الإنسان ودهره الذي يعيشه ، عظمه الله فأقسم به، فهل نعظمه ونستثمره بما ينفعنا فياحسرة على أعمار تذهب سدى [٣] { والعصر} أول مرحلة لاستثمار حياتك معرفة قيمة الوقت الذي تعيشه وأنه زمن لن يعود ، وسيكون لك أو عليك [٤] سورة تعداد آياتها ثلاث آيات لكنها والله منهج للحياة https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [٥] { والعصر} ما السر في القسم بالعصر دون الدهر ؟ لأن العصر دال على قيمة الزمن وأهميته [٦] {والعصر} العصر الحقيقي هو عصر الإسلام والإيمان لا عصر الحضارة المادية والثورة التقنية والإعلامية [٧] {والعصر}على معنى أن العصر وقت العصر الذي هو آخر النهار فيه دلالة على سرعة انقضاء الزمن وذهابه ، بعثا للنفوس على استغلاله [٨] المقصد العام للسورة هو بيان حقيقة الخسارة والربح للإنسان وأسبابها [٩] {إن الإنسان لفي خسر } https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ابتدأ الله بذكر خسارة الإنسان قبل ذكر صفات المؤمنين لينبه على عظم الأمر وليحذر كل ذي لب من الخسارة [١٠] { إن الإنسان لفي خسر} مهما كان عليه الإنسان من تطور مادي وتقدم حضاري فهو خاسر إلا من آمن وعمل صالحا [١١] { إن الإنسان لفي خسر} تأمل قوله {لفي خسر} دون لخاسر للدلالة على أنه في حال متجددة في الخسران كلما بعد عن أمر الله https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [١٢] { إن الإنسان لفي خسر} تأمل قوله {لفي خسر} مبالغة في انغماسه في الخسارة لأن في للظرفية المفيدة التمكن من الشيء [١٤] { إن الإنسان لفي خسر} تنكير {خسر} يفيد العموم والمبالغة في حيازته للخسارة [١٥] {إن الإنسان لفي خسر} تضمنت الآية مؤكدات عدة: إن اللام https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif في تنكير خسر مجيء الآية جوابا للقسم مبالغة وتعظيما للأمر [١٦] { وتواصوا بالصبر } ختم الأعمال بالصبر لكونه جامعا لما قبله ، وجميع ماسبق محتاج إليه ، ولذلك كان ( الصبر شطر الإيمان) https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [١٧] { وتواصوا بالصبر} يشمل التواصي بالصبر على - فعل الطاعات - ترك المحرمات - الدعوة إلى ذلك - الأذى في ذلك [١٨] { وتواصوا بالصبر } ختم الأعمال بالصبر لكونه جامعا لما قبله ، وجميع ماسبق محتاج إليه ، ولذلك كان ( الصبر شطر الإيمان) [١٩] وتواصوا بالصبر} https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif كرر فعل التواصي تأكيدا ، وبيانا لعظم أمر الصبر وحاجته لذلك [٢٠] {وتواصوا بالحق] يشمل - تعليم التوحيد والشريعة - الدعوة إلى الله - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ما أعظمها من كلمة https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [٢١] { وتواصوا [بالحق] } ولم يقل بالإيمان والعمل لأن الحق ما جاء عن الله ورسوله فقط . كما يفيد أيضا الثبات على الحق . [٢٢] { وتواصوا بالحق } التواصي على الشيء يدل على مشقته ولذلك (حفت الجنة بالمكاره) والمؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه [٢٣] تأمل صيغة الجمع { آمنوا وعلموا الصالحات وتواصوا} بعد قوله {إن الإنسان}دون الناس مما يؤكد فضيلة الاجتماع وأثره على المسلم https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [٢٤] اشتملت الآية الثالثة على صفات الإمامة في الدين كما قال ابن القيم . - الإيمان والعلم - العمل - الدعوة - الصبر [٢٥] { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif تلازم الإيمان والعمل [٢٦] تأمل مناسبة مجيء السورة بين سورتي التكاثر والهمزة تجد مناسبة بديعة خلاصتها أن الانشغال المال هو سبب الخسارة الحقيقية [٢٧] {إن الإنسان لفي خسر} { قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا . الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [٢٨] {إن الإنسان لفي خسر} الإنشغال بالدنيا عن الآخرة...خسارة [٢٩] {إن الإنسان لفي خسر} https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الخسارة ليست بالكفر فقط بل بالغفلة عن طاعة الله والتفريط فيها {...ياحسرتا على مافرطت في جنب الله} [٣٠] {إن الإنسان لفي خسر} الخسارة الحقيقية خسارة الدين فيالخسارة أصحاب الأموال الذين صرفتهم أموالهم عن طاعة الله [٣١] تعتبر السورة مقياسا لكمال الدين ونقصانه فانظر إلى حالك في -الإيمان -العمل -الدعوة -الصبر وبقدر نقصانك فيها فإنك في خسر ============================== * منقول من موقع مثانى القرآن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif التأثّر بالقرآن الكريم؛ وسائله وثمراته الكاتب : محمد الخولي (18) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s أخبر الله -عز وجل- عن أثر القرآن الكريم في نفوس عباده المؤمنين، وتأتي هذه المقالة لتسلِّط ضوءًا على أهم الوسائل التي يحقِّق بها المؤمن التأثّر بآيات الله البينات، كما تعرِّف بالعوائق التي تحول دون هذا التأثّر، وتكشف طرفًا من الثمرات التي يحصّلها مَنْ تأثّر بالقرآن الكريم. إنّ إعجاز القرآن الكريم لم يتوقف عند روعة الألفاظ وجمال المعاني، بل هناك وجه آخر من أوجه الإعجاز ربما يغفل عنه كثيرٌ من الناس، ألَا وهو الإعجاز التأثيري للقرآن، والمقصود به ذلك الأثر الظاهر أو الباطن الذي يتركه القرآن على قارئه أو سامعه؛ فتارة تذرف العيون، وتارة توجل القلوب، وتارة تقشعر الأبدان، وغير ذلك من الآثار العملية التي لا يُحدثها في النفس إلّا القرآن، فقد قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر: 23]. يقول الإمام الخطابي -رحمه الله- وهو مِن أبرز مَن كتَب في إعجاز القرآن: «في إعجاز القرآن وجه آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلّا الشاذّ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلامًا غير القرآن -منظومًا ولا منثورًا- إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذّة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذَت حظّها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلَق، وتغشّاها الخوف والفرَق، تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها»[1]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ولقد لفَت اللهُ -سبحانه- الأنظارَ إلى هذه القوة التأثيرية للقرآن، فقال سبحانه: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: 21]. يقول ابن كثير -رحمه الله-: «يقول تعالى معظمًا لأمر القرآن، ومبيّنًا علوّ قدره، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب، وتتصدع عند سماعه لما فيه من الوعد والوعيد الأكيد: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي: فإنْ كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه، لخشع وتصدّع من خوف الله عز وجل، فكيف يليق بكم أيها البشر ألّا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله، وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه؟!»[2]. ولقد عاب الله على مَن لا يتأثر بالذِّكر وأعظم الذِّكر القرآن، فقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الزمر: 22]، وذكر سبحانه أن ذلك من أوصاف المشركين والمنافقين، فقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا}[التوبة: 124]، وقال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد: 16]. صور من التأثّر بالقرآن: ولقد ضرب لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في التأثّر بالقرآن، فكان إذا سمعه رَقّ قلبه وذرفت عينه؛ لعلمِه بعظمة القرآن، فعن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: (قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اقْرَأْ علَيَّ القُرآنَ»، قلتُ: يا رسول الله، أقرأُ عليك، وعليك أُنزِل؟! قال: «إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي»، فقرأتُ عليه سورة النساء، حتى جئتُ إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}[النساء: 40]، قال: «حَسْبُكَ الآن»، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان)[3]. ولقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أيضًا يتأثرون عند سماع القرآن تأثرًا عظيمًا، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى المرض وملازمة الفراش عندما استمع إلى بعض الآيات التي تتحدّث عن يوم القيامة، فعن جعفر بن زيد أنّ عمر بن الخطاب خرج يعسّ بالمدينة ليلةً ومعه غلام له وعبد الرحمن بن عوف، فمرّ بدار رجل من المسلمين فوافقه وهو قائم يصلي، فوقف يسمع لقراءته، فقرأ: {وَالطُّورِ} حتى بلغ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 1- 8]، فقال عمر: قسَم ورب الكعبة حقّ، فاستسند إلى حائط فمكث مليًّا، فقال له عبد الرحمن: امضِ لحاجتك، فقال: ما أنا بفاعل الليلة إذ سمعتُ ما سمعتُ، قال: فرجع إلى منزله فمرض شهرًا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه[4]. لماذا لا نتأثّر بالقرآن؟ بعد هذا العرض السابق، يدور هذا السؤال في خلد كثيرٍ منّا، لماذا لا نتأثر بالقرآن؟ وما العوائق التي تحجبنا عن التأثر بالقرآن كما تأثّر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؟ ويمكن أن نُجمِل بعض الأسباب التي تحُول بيننا وبين التأثر بالقرآن، فيما يأتي: أولًا: طول الهجر للقرآن: فإن طول الهجر للقرآن يولّد فجوة كبيرة تحُول بين القلب والتأثر به، ويعدُّ من أعظم الذنوب التي يرتكبها المسلم؛ لذلك يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة ويشتكي لربه هذا الهجران، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فقد قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان: 30]. ثانيًا: مرض القلب وقسوته: فالقلب هو المخاطَب الأول بالقرآن، ولن ينتفع بآيات القرآن ومواعظه وعِبَرِه إلّا القلب السليم، أمّا القلوب التي أمرضتها الذنوب واستولت عليها الشهوات المحرّمة فلن تتأثر بالقرآن، فقد قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: 37]. ثالثًا: الغفلة والانشغال بالمُلهيات: فالإنسان الذي استولت عليه الدنيا وزخارفها لم ولن يشعر بأثر القرآن، ولن يتذوق حلاوته، بل سيتقلّب حاله بين الغفلة والإعراض: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 2، 3]. رابعًا: عدم الاهتمام بمعرفة التفسير: فعدم الاهتمام بمعرفة معاني القرآن وتفسيره يحجب القلب عن الـتأثّر به، فكيف يتأثّر القلب بما لا يفهمه؛ لذلك فقد قال الإمام الطبري صاحب التفسير: «إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يلتذُّ بقراءته؟!»[5]. كيف نتأثر بالقرآن؟ وبعدُ أيها القارئ الكريم، بعدما تعرَّفنا على بعض الأسباب التي تحُول بيننا وبين التأثر بالقرآن، أسوق بين يديك بعض الوسائل التي تُعِين على التأثر بالقرآن: أولًا: تجديد العهد بالقرآن: إنّ تجديد العهد بالقرآن والعودة إليه والمداومة على قراءته هي أولى الوسائل وأعظمها أثرًا؛ لذلك على العبد أن يجاهد نفسه على ذلك وأن يصبر على مشقة ذلك؛ لأن هذه المشقة -إنْ وُجدت- هي نتيجة بُعد العهد بكتاب الله، لذلك عليه أن يستمر ولا ييأس، وليكن على يقين أنّ مَن داوَم على قرع الباب يوشك أن يُفتَح له، وأنَّ دوامَ نزول قطر الماء على الحجر يُحدِث فيه أثرًا لا محالة، فما بالك بأثر كلام الله على القلوب إذا داوم العبد عليه؟ ثانيًا: حضور القلب عند التعامل مع القرآن: ينبغي للمسلم أن يجتهد في استحضار قلبه عند التعامل مع القرآن وإفراغه من الصوارف التي تحجبه عن التأثر بالقرآن، فقد قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: 37]، ومما يساعد على ذلك استشعار أن الله -سبحانه- هو المتحدِّث بهذا القرآن، يقول ابن القيم -رحمه الله-: «إذا أردتَ الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعَكَ، واحضر حضور مَن يخاطبه به مَن تكلَّم به -سبحانه- منه إليه؛ فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله»[6]. ثالثًا: الجهر بتلاوة القرآن: فالجهر بتلاوة القرآن يساعد على يقظة القلب ومِن ثمَّ التأثر بالقرآن، بخلاف ما لو قرأ المسلم سرًّا، فإنه يكون أقرب لشرود الذهن وانصراف القلب؛ ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب أن يجهر بالقرآن، فعندما سُئل ابن عباس -رضى الله عنهما- عن قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل قال: «كان يقرأ في حجرته، فيَسمع قراءتَه مَن كان خارجًا»[7]. رابعًا: استشعار المسلم بأنه مخاطَب بكلّ آية: فمِن أعظم أسباب التأثر بالقرآن أن يستشعر المسلم بأنه هو المقصود بهذا الخطاب، وأن كلّ أمرٍ أو نهي هو مأمور به، فلقد فطن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهذا الأمر جيدًا، ومن ذلك ما ورَدَ عن أنس بن مالك، أنه قال: «لمَّا نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif لَا تَشْعُرُونَ}[الحجرات: 2]، جلس ثابت بن قيس في بيته، وقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سعدَ بن معاذ، فقال: «يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أشتكَى؟»، قال سعد: إنه لَجاري، وما علمتُ له بشكوى، قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال ثابت: أُنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني مِن أرفعكم صوتًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعدٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بل هو من أهل الجنة»[8]. خامسًا: الحرص على تدبر آياته ومعرفة معانيه: فتدبُّر آيات القرآن ومعرفة ما غمض من معانيه بالرجوع إلى كتب التفسير؛ من أعظم أسباب التأثر به والشعور بحلاوته في القلوب؛ لأن ذلك هو الأصل الذي أنزل الله القرآن لأجله، فقد قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: 29]. ولقد كانت هذه طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضوان الله عليهم-، يقول ابن مسعود: «كان الرجل منّا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن»[9]. سادسًا: استخراج المواعظ والعِبر من قصص القرآن وأمثاله: فالقرآن يحوي الكثير من القصص والأمثال، والعاقل مَن تدبَّرها وتأمَّلها واستخرج ما فيها من العبر وتأثَّر بما فيها من المواعظ؛ لأن هذا هو الهدف الذي من أجله ذَكَر اللهُ هذه القصص والأمثال، فقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[يوسف: 111]، كما قال تعالى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[إبراهيم: 25]، وقال أيضًا: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: 21]. يقول ابن قدامة -رحمه الله-: «ينبغي لتالي القرآن أن يعلم أنه مقصود بخطاب القرآن ووعيده، وأنّ القصص لم يُرَد بها السَّمَر، بل العِبَر، فليُتنبه لذلك»[10]. سابعًا: عدم المبالغة في الانشغال بالإقامة للحروف: فبعض المسلمين يُسرِف في الاهتمام بإقامة حروف القرآن ومع ذلك لا يترك مساحة ولو صغيرة للتدبّر والفهم؛ وذلك لأنه غفل عن كون القرآن يتكوّن مِن مَبانٍ ومَعانٍ، والمباني وسيلة للهدف الأعظم وهو فهم المعاني؛ لذلك لا ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل إقامة المباني على حساب تدبّر المعاني، فلقد عدَّ ابن قدامة -رحمه الله- ذلك أحد مداخل الشيطان التي تحجب عن فهم القرآن، فقال -رحمه الله-: «ولْيتخلَّ التالي من موانع الفهم، مثل أن يخيّل الشيطان إليه أنه ما حقّق تلاوة الحرف ولا أخرجه من مخرجه، فيكرره التالي، فيصرف همته عن فهم المعنى»[11]. ثامنًا: الحرص على قيام الليل بالقرآن: فإنّ قيام الليل من أعظم العبادات وأحبها إلى الله، وأكثرها حضورًا للقلب؛ لذلك إن أراد المسلم التأثر بالقرآن فعليه أن يقوم الليل به، وهذه وصية الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}[المزمل: 1-6]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يقول الإمام ابن كثير: «والمقصود أنّ قيام الليل هو أشد مواطأةً بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة، ولهذا قال تعالى: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}، أي: أجمعُ للخاطر في أداء القراءة وتفهّمها مِن قيام النهار»[12]. ثمرات التأثّر بالقرآن: وبعد أن وقفنا على أهم الوسائل التي يتحقق بها التأثّر بالقرآن الكريم، فلنعلم أن القارئ للقرآن يجني الكثير من الثمرات بتدبُّره وتأثره بالقرآن، ومن ذلك: الثمرة الأولى: زيادة الإيمان: فالعبد المؤمن الذي يحسن التعامل مع القرآن، يزداد إيمانًا وإقبالًا على الله ويمتلئ قلبه توكُّلًا وبِشرًا وسرورًا، فقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال: 2]، وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[التوبة: 124]. الثمرة الثانية: صلاح القلوب: فالقرآن الكريم أعظم أدوية القلوب أثرًا في إزالة أمراض الشهوات والشبهات، ولِمَ لا وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: 57]. يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: «هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهَوات الصادّة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبُهات القادحة في العلم اليقيني، فإنّ ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة»[13]. الثمرة الثالثة: الإقبال على طاعة الله: فالإقبال على الطاعات وشحن الهمم للقيام بها من أعظم الآثار العملية التي يحدِثها القرآن، فقد قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر: 23]. يقول القرطبي -رحمه الله-: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، قيل: «أي: تلين إلى العمل بكتاب الله والتصديق به»[14]. الثمرة الرابعة: زيادة خشية الله سبحانه: فإنّ التأثّر بالقرآن وتدبّر ما فيه من الحديث عن عظمة الله -سبحانه- وقدرته من أعظم أسباب زيادة خشيته -سبحانه-، قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[الحشر: 21]، يقول الإمام ابن عاشور في تفسير هذه الآية: «لو كان المخاطَب بالقرآن جبلًا، وكان الجبل يفهم الخطاب لتأثَّر بخطاب القرآن تأثُّرًا ناشِئًا من خشيةٍ لله، خشيةٍ تُؤَثِّرها فيه معاني القرآن»[15]. الثمرة الخامسة: تهذيب السلوك والأخلاق: إنّ انعكاس القرآن على سلوك المسلم من أعظم الثمرات المرجوّة، فبعد فهم القرآن وتدبره يأتي التخلُّق بأخلاقه والاهتداء بهديه كما كان حال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالسيدة عائشة -رضي الله عنها-: عندما سُئلت عن خُلقه -صلى الله عليه وسلم-، قالت للسائل: ألستَ تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: «خُلق نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم- كان القرآن»[16]. ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: «والله ما تدبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إنّ أحدهم ليقول قرأتُ القرآن كلَّه، ما يُرى له القرآنُ في خُلق ولا عمل»[17]. وختامًا: فقد تبيَّن مما سبق عظيمُ أثر القرآن في النفوس، وأهم الوسائل المعينة على التأثر به، وكذلك ما يجنيه التالي للقرآن ممن تدبره وتأثر به من ثمرات، وأسأل الله -سبحانه- أن يردَّنا إلى كتابه مرَدًّا جميلًا، وأن يعلِّمَنا منه ما جهلنا، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [1] بيان إعجاز القرآن: (ص70). [2] تفسير ابن كثير: (8/ 78). [3] متفق عليه. [4] تاريخ دمشق لابن عساكر: (44/ 308). [5] تفسير الطبري: (1/ 10). [6] الفوائد: (ص3). [7] شعب الإيمان: (3/ 453). [8] رواه مسلم (119). [9] تفسير الطبري: (1/ 80). [10] مختصر منهاج القاصدين: (ص54). [11] مختصر منهاج القاصدين: (ص53). [12] تفسير ابن كثير: (8/ 263). [13] تفسير السعدي: (367). [14] تفسير القرطبي: (15/ 249). [15] التحرير والتنوير: (28/ 116). [16] رواه مسلم (746). [17] تفسير ابن كثير: (7/ 64). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif فوائد من كتاب ( مجالس القرآن ) الجزء الأول* للدكتور فريد الأنصاري (19) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s 1- يا حسرة عليك أيها الإنسان! هذا عمرك الفاني يتناثر كل يوم ،لحظةً فلحظة، كأوراق الخريف المتهاوية على الثرى تَتْرَى! اُرْقُبْ غروبَ الشمس كل يوم؛ لتدرك كيف أن الأرض تجري بك بسرعة هائلة؛ لتلقيك عن كاهلها بقوة عند محطتك الأخيرة! فإذا بك بعد حياة صاخبة جزءٌ حقير من ترابها وقمامتها! وتمضي الأرض في ركضها لا تبالي.. 2 - (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.)(النور:35) الآية مَثَلٌ ضربه الله جل جلاله للقرآن في قلب العبد المؤمن عندما يتوهج إيمانه، ويَتَّقِدُ وجدانه؛ بما يتدفق عليه من زيت القرآن وهو آياته البينات! فذلك: نورٌ على نور! فالمشكاة: هي صدر المؤمن. والمصباح هو: القرآن. والزجاجة هي: قلب المؤمن. فكلما اشتغل العبد بِوَارِدِ القرآن تَوَهَّجَ الإيمان بقلبه واشتعل؛ فتدفق منه النور! فهو لذلك كالكوكب الدُّرِّيّ النابضِ بالحسن والجمال في علياء السماء! فإلى نحو هذا المعنى ذهب الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله في تفسير الآية؛ نقلا عن عدد من سلف الصحابة والتابعين، منهم أُبَيّ بن كعب، وابن عباس رضي الله عنهما. 3- تَتَبَّعْ - لبناء النفس وتربيتها - منهج القرآن كما عرضه القرآن! وهو – على الإجمال - ثلاث خطوات قابلة للتفصيل، وهي: التلاوة بمنهج التلقي، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif والتعلم والتعليم بمنهج التدارس، ثم التزكية بمنهج التَّدَبُّر. فذلك ما ذكره الله - سبحانه وتعالى – بإجمال، عند تحديد وظائف النبوة الثلاث. وهي المذكورة في قوله جل ثناؤه: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)(آلعمران:164) وقوله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنقَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)(الجمعة:2). وتلك هي استجابة دعوة إبراهيم عليه السلام لهذه الأمة، بما ورد في قوله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاًمِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَالعَزِيزُ الحَكِيمُ)(البقرة:129). 4- التلاوة، والتعليم، والتزكية هي الأصول الكلية لمهمة الرسالة، وهي المراحل الأساسية لبناء النفس المؤمنة، وتكوين النسيج الاجتماعي الإسلامي. إلا أنها مراحل متداخلة في عملية الاشتغال بالقرآن الكريم لهذا الغرض، إذ يصعب القول بأنها منقطعة مبتورة المفاصل، بل هي متواصلة، يكمل آخرُها أولَها، ويرفد أولُها آخرَها؛ إذ تجد بدايات اللاحقة منها منذ الشروع في السابقة، وتجد آثار السابقة مستمرة في اللاحقة! وإنما تتميز عن بعضها بالغلبة ليس إلا. وبيانها كما يلي: الخطوة الأولى: تلاوة القرآن بمنهج التلقي تلقي القرآن: بمعنى استقبال القلب للوحي، على سبيل الذِّكْرِ؛ إنما يكون بحيث يتعامل معه العبد بصورة شهودية، أي كأنما هو يشهد تنـزله الآن غضا طريا! فيتدبره آيةً، آيةً، باعتبار أنها تنـزلت عليه لتخاطبه هو في نفسه ووجدانه، فتبعث قلبه حيا في عصره وزمانه! https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif كثيرون هم أولئك الناس الذين يتلون القرآن اليوم، أو يستمعون له على الإجمال، على أشكال وأغراض مختلفة. ولكن قليل منهم من (يَتَلَقَّى) القرآن! وإنما يؤتي القرآنُ ثمارَ الذكر حقيقةً لمن تَلَقَّاهُ! وإنما كان رسول اللهe يَتَلَقَّى القرآن من ربه. قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)( النمل:6). ولا يزال القرآن معروضا لمن يتلقاه، وليس لمن يتلوه فقط! والتلقي في اللغة: هو الاستقبال عموما. كما في قول الله تعالى: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)(الأنبياء:103). وأما تلقي القرآن: فهو استقبال القلب للوحي. إما على سبيلا لنبوءة، كما هو الشأن بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم. على نحو ما في قول الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)( النمل:6). إذ ألقى الله عليه القرآن بهذا المعنى! كما فسره الراغب الأصفهاني من قوله تعالى: (إنا سَنُلْقِي عليك قولا ثقيلا)(المزمل:5) قال رحمه الله: (إشارة إلى ما حُمِّلَ من النبوة والوحي!). وإما أن يكون (تلقي القرآن) بمعنى: استقبال القلب للوحي، على سبيل الذِّكْرِ. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وهو عام في كل مؤمن أخذ القرآن بمنهج التلقي على ما سنبينه بعدُ بحول الله. فذلك المنهج هو الذي به تنبعث حياة القلوب. لأنها تتلقى آنئذ القرآن (روحا) من لدن الرحمن. قال تعالى: : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا. مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ. وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(الشورى:52-53). أن تتلقى القرآن: معناه إذن؛ أن تصغي إلى الله يخاطبك! فتبصر حقائق الآيات وهي تتنـزل على قلبك روحا. وبهذا تقع اليقظة والتذكر، ثم يقع التَّخَلُّقُ بالقرآن، على نحو ما هو مذكور في وصف رسول اللهe،من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لما سئلت عن خُلُقِهe؛فقالت: (كان خُلُقُهُ القرآنَ!). وأنْ تتلقى القرآن: معناه أيضا أن تتنـزل الآيات على موطن الحاجة من قلبك ووجدانك! كما يتنـزل الدواء على موطن الداء! فآدم عليه السلام لما أكل هو وزوجه من الشجرة المحرمة؛ ظهرت عليهما أمارة الغواية؛ بسقوط لباس الجنة عن جسديهما! فظل آدم عليه السلام كئيبا حزينا. قال تعالى: (فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا! وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ. وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)(طه:121). ولم يزل كذلك حتى (تلقَّى) كلمات التوبة من ربه فتاب عليه؛ فكانت له بذلك شفاءً! وذلك قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم)(البقرة:37). فهو عليه السلام كان في حاجة شديدة إلى شيء يفعله أو يقوله؛ ليتوب إلى الله، لكنه لا يدري كيف؟ فأنزل الله عليه - برحمته تعالى - كلمات التوبة؛ ليتوب بها هو وزوجه إلى الله تعالى. وهي – كما يقول المفسرون - قوله تعالى: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الأعراف:23) https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فبمجرد ما أن تنـزلت الآيات على موطن الحاجة من قلبه؛ حتى نطقت بها الجوارح والأشواق؛ فكانت له التوبة خُلُقاً إلى يوم القيامة! وكان آدم عليه السلام بهذا أول التوابين! وذلك أخذه كلمات التوبة على سبيل (التلقي): (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ)! فعندما تقرأ القرآن إذن؛ استمع وأنصت! فإن الله جل جلاله يخاطبك أنت! وادخل بوجدانك مشاهد القرآن، فإنك في ضيافة الرحمن! هناك حيث ترى من المشاهد ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر! الخطوة الثانية: التعلم والتعليم بمنهج التدارس وتحصيل العلم بالكتاب للنفس أو تلقينه للغير، إنما يكون بمنهج الدراسة والتدارس لآياته وسوره مبنى ومعنى؛ لقول الله تعالى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)(آلعمران:79). فقد قُرِئَتْ (تَعْلَمُونَ) و(تُعَلِّمُونَ) فهي عملية مزدوجة، الجمع بين شقيها في الفهم والعمل أولى: التَّعَلُّم والتَّعْلِيم. وأقل ذلك أن تكون أحَدَهما: معلما أو متعلما. بيد أن العلم ههنا إنما هو ما أفاد العمل. على قاعدة علماء مقاصد الشريعة: أن (كل علم ليس تحته عمل فهو باطل). وعلى هذا يحمل قولهe: (إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالما أو متعلما!) وقوله عليه الصلاة والسلام: (إنا لله لم يبعثني مُعَنِّتاً ولا مُتَعَنِّتاً؛ ولكن بعثني مُعَلِّماً مُيَسِّراً). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أي: معلما أعمال الخير والصلاح للعالمين، بمنهج حكيم. فالمقصود بقوله تعالى: (تَدْرُسُون) - من آية آل عمران المذكورة - يعني تدرسون الكتابَ نفسه، على اعتبار أن الدراسة والتدارس أو المدارسة هي منهج التعلم، كما ذهب إليه الإمام الطبري رحمه الله(). والتدارس للقرآن الكريم هو المنهج التعليمي الكفيل بالوصول بالدارس إلى الحكمة، التي بمقتضاها يصير (ربانيا). وقد روى ابن جرير الطبري رحمه الله – عن ابن عباس وعدد من التابعين - تفسير(ربانيين) في الآية؛ بأنهم: (الحكماء الفقهاء). فالدراسة والتدارس إذن: هو تتبع صيغ العبارات، ووجوه المعاني والدلالات للمقاصد والغايات، من كل آية وسورة، وتعلُّم ذلك كله ترتيلا وتفسيرا، بما فيه ضبط ألفاظه وآياته وسوره؛ للتعرف على أسرار هو حِكَمِه. وذلك جماع ما كان يفعله جبريل عليه السلام مع رسول الله في ليالي رمضان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسولا الله أجود الناس! وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فَيُدَارِسُهُ القرآنَ، فَلَرسُول الله أجودُ بالخير من الريح المرسلة!)() وهو ما ذكرنا من قوله تعالى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)(آلعمران:79). وذلك تفسير قوله تعالى - من آيات وظائف النبوة - (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). وفُسِّرت الحكمةُ بأنها: (شيء يجعله الله في القلب ينور له به!)(). ويجمع المرحلتين المذكورتين قبل، أعني: (التلاوة، ثم التعلم والتعليم بمنهج التدارس) ما جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إلَى النّبِيّe فَقَالُوا أَنِ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالاً يُعَلّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسّنّةَ. فَبَعَثَ إلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. يُقَالُ لَهُمُ الْقُرّاءُ. فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ. يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَدَارَسُونَ بِاللّيْلِ يَتَعَلّمُونَ). الخطوة الثالثة: التزكية بمنهج التَدَبُّر https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وانظر - رحمك الله - كيف ذكر (التزكية) قبل (التعليم) في الآيتين من آل عمران والجمعة، مع أنه لا تزكية بغير تعليم ابتداء، على ما ترجم له الإمام البخاري رحمه الله في كتاب العلم من صحيحه قال: (باب العلم قبل القول والعمل). وقد قُدِّمَ ذِكْرُ التعليم على التزكية - بناء على الأصل - في قوله تعالى من دعوة إبراهيم: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)(البقرة:129). صحيح أن العطف بالواو - في الآيات كما هو في العربية - لايفيد الترتيب، لكن التقديم والتأخير في البلاغة يفيد الأهمية؛ ومن هنا جاءت التزكية في الآيتين الأوليين مقدمة على التعليم؛ من باب ذكر المقاصد قبل الوسائل؛ لشرف الغاية وعلوها؛ وحتى لا يفتتن السائر بالوسيلة عن الغاية؛ فيضل عنها، ويكون من الخاسرين. تقول: تَدَبَّرَ الشيء في - اللغة – يَتَدبَّرُه بمعنى: تَتَبَّعَ دَوَابِرَه، أي نظر إلى أواخره وعواقبه ومآلاته، كيف هو إذا صار إليها؟ وكيف يكون؟ جاء في لسان العرب: (ودَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّره: نظر في عاقبته، واسْتَدْبَرَه: رأَى في عاقبته ما لم ير في صدره؛ وعَرَفَ الأَمْرَ تَدَبُّراً أَي بأَخَرَةٍ (...) والتَّدْبِيرُ في الأَمر: أَن تنظر إِلى ما تَؤُول إِليه عاقبته. والتَّدَبُّر: التفكرفيه). أما التَّدَبُّر في الاصطلاح القرآني فهو: أنك إذْ تقرأ الآيات،وتتعلم وتدرس؛ تنظر إلى مآلاتها، وعواقبها في النفس وفي المجتمع؛ فتبصر حقائقها الإيمانية إبصارا؛ فتكتسب بذلك من الصفات الوجدانية، ما يعمر قلبك بالإيمان، ويثبت قدمك في طريق المعرفة الربانية، ويضعك على صراط السير إلى التخلق بأخلاق القرآن. وبيان ذلك هو كما يلي: فتدبر القرآن وآيات القرآن إذن: هو – كما ذكرنا - النظر إلى مآلاتها وعواقبها في النفس وفي المجتمع. وذلك بأن تقرأ الآية من كتاب الله، فتنظر - إن كانت متعلقة بالنفس - إلى موقعها من https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif نفسك، وآثارهاعلى قلبك وعملك، تنظر ما مرتبتك منها؟ وما موقعك من تطبيقها أو مخالفتها؟ وما آثار ذلك كله على نفسك وما تعانيه من قلق واضطراب في الحياة الخاصة والعامة؟ تحاول بذلك كله أن تقرأ سيرتك في ضوئها، باعتبارها مقياسا لوزن نفسك وتقويمها. وتعالج أدواءك بدوائها، وتستشفي بوصفاتها. وأما إن كانت تتعلق بالمجتمع؛ فتنظر في سنن الله فيه كيف وقعت؟ وكيف تراها اليوم تقع؟ وكيف ترى سيرورة المجتمع وصيرورته في ضوئها؟ عند المخالفة وعند الموافقة.. ثم تنظر ما علاقة ذلك كلهبالكون والحياة والمصير؟ ثم ما موقع النفس – نفسك أنت! - من هذا كله؟ - التدارس: هو عملية تعليمية ذهنية، تشتغل من داخل النص القرآني لاَ خارجه، وينتجها العقلُ في علاقته بنص الخطاب القرآني مباشرةً، وفي ارتباطه بلغته وأساليبه، على قَدْرِ ما تتيحه تلك اللغةُ من مَعانٍ وحِكَمٍ ودلالات. بينما التَّدَبُّر: عمليةٌ قلبية ذوقية محضة. فهي - وإن صاحبت التدارس - واقعةٌ في النفس لا في النص! إنها حركة وجدانية تجري خارج النص القرآني، إنها تتلقى المعاني والحِكَمَ من التدارس، ثم تَدْخُلُ بها إلى أعماق النفس، أو تخرج بها إلى مطالعة أحوالالمجتمع؛ لتراقب النفس والمجتمع معاً على موازينها. تُشَخِّصُ الأمراضَ والأسقام الواقعة بهما، ثم تنظر إلى وصفات العلاج التي قدمها لها القرآن: كيف تتعامل معها؟ وكيف تستشفي بها؟ وبما أن القرآن كتاب يحيل المتدبر له على سعة الكون وامتداده الفسيح، ويرجع به إلى كشف كثير من أسرار الوجود، وغرائب الخلق؛ فإن (التدبر) الذي هو المنهج الرباني لقراءة القرآن؛ يحيل الإنسان على (التفكر) الذي هو المنهج الرباني لقراءة الكون. فيكون كل متدبر للقرآن متفكرا في الكون. فتقرأ - بقراءة القرآن - كلَّ آيات الله المنظورة والمقروءة سواء. وبذلك كله يتم لك شيء آخر، هو: الإبصار. إن التدبر والتفكر كليهما، يعتبران بمثابة الضوء، أو الشعاع المسلط على الأشياء، تماما كما تسلط الشمس أشعتها المشرقة - في اليوم الصحو - على الموجودات، فتبصرها الأعين الناظرة. فكذلك التدبر يكشف حقائق الآيات القرآنية، والتفكر يكشف حقائق الآيات الكونية، حتى إذا استنارت هذه وتلك؛ أبصرها المتدبرون والمتفكرون. وكانت لهم فيها بصائر ومشاهَدات لا تكون لغيرهم. ولذلك قال عز وجل: (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَاوَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)(الأنعام:104). وقال سبحانه: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِيالْأَبْصَارِ)(الحشر:2). هكذا وجب أن تقرأ القرآن آية آيةً؛ اقرأ وتدبر ثم أبصر!.. عسى أن ترى ما لم تر، وتدرك من حقائقه ما لم تدرك من قبل؛ فتكون له متدبرا حقا ! يتبع ============================= * منقول من موقع مثانى القرآن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif https://i.imgur.com/iOUB2As.gifفوائد من كتاب ( مجالس القرآن ) الجزء الأول. للدكتور فريد الأنصاري (20) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s جلساء الملائكة: الحديث المشهور، الذي رواه أبو هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي فيه: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه!) ضوابط المجالس القرآنية: الضابط الأول: لابد من تجريد القصد لله! واعلم أن القرآن الكريم لا يفتح بصائره إلا للمقبلين عليه بإخلاص! الضابط الثاني: تَحَيُّنُ أوقاتِ الانشراح النفسي للقرآن، والإقبال الوجداني على الذِّكْر، ومَظَانِّ اليقظة الإيمانية. وقد أشار القرآن الكريم إلى نماذج من أحسن أوقات الذكر، وهي أوقات الغُدُوِّ والآصَال. فالغَدُوُّ أو الغَدَاةُ: هي ساعات أول النهار، من الفجر إلى أوائل وقت الضحى. وأما الآصال فمفرده: أصيل، وهو وقت ما بين العصر إلى الغروب.فهو سويعات آخر النهار، حيث يبرد حر الشمس، وتهدأ أشعتها، وتلين أضواؤها، وتطول الظلال وتمتد. و عدم طول وقت المجلس الواحد بما يخرجه عن حده.فإذا لم يكن سبيل إلى عقد مجلس القرآن بأحد هذين الوقتين؛ فليكن بعد المغرب، أي بين العشاءين، وهو وقت داخل أيضا في مسمى (العَشِيِّ)؛ لأن العَشِيَّ في الأصل من العَشْوَةِ وهي: بداية الظلمة، عند إقبال الليل وإدبار النهار الضابط الثالث: وهو مراعاة أدب المجلس، وذلك بالاعتدال في هيأة الجلوس بما يحفظ للعلم وقارَه، وللقرآن جلالَه https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الضابط الرابع: عدم عقد أكثر من لقاء واحد، أو لقاءين اثنين على الأكثر في الأسبوع الواحد، من لقاءات مجالس القرآن؛ بناء على منهج التَّخَوُّلِ في الموعظة، أي جعل تزود القلب من الإيمان على فترات منتظمة وغير متتابعة،؛ حتى لا يَكَلَّ ولا يَمَلَّ. - الضابط الخامس: احترام قواعد تدارس القرآن العظيم: مما سبق بيانه مفصلا من الترتيل بمنهج التلقي، والتعلم والتعليم بمنهج التدارس، والتزكية بمنهج التدبر. وبهذا نفتح باب الضوابط الخاصة لإدارة المجلس وهي: - الضابط السادس: مبادرة أحد الجلساء من أهل العلم أو أهل الحِلْم؛ لتسيير المجلس. فلا بد لمجلس الخير من شخص ينظم سيره، ويرتب أولوياته؛ تجنبا للفوضى والارتجال، أو الانزلاق إلى غير أهداف مجالس القرآن العظيم! وقد يكون هذا المسيِّر من أهل العلم، أو من أهل الصلاح والورع عموما. وقد صَحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: (المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة!).الضابط السابع: أن يعمد إلى إشراك الجميع في عملية التدارس والتدبر. فحضوره في الغالب إنما هو منهجي إداري. فلا ينبغي له أن يتفرد بالكلام إلا إذا آلت الأسئلة إليه وكان من أهل العلم. إذْ يجب التفريق والتمييز بين مجلس الوعظ، أو الدرس، أو المحاضرة، أو نحو ذلك؛ وبين مجلس التدارس. فالتدارس مشاركة كما تدل عليه صيغة (التفاعل) من عبارته. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ومن القواعد التربوية المساعدة على إشراك الجميع: الْحِرْصُ على عدم استفحال عدد الجلساء؛ حتى لا يكون جمهوراً غفيراً! إذْ هنالك وجب أن يُولَدَ مجلسٌ قرآني جديد! فرع عن الأول؛ لأن الجمهور الكثير إنما تؤطره المحاضرةُ، أو الخطبةُ، أو الدَّرْسُ؛ لا (التَّدارُسُ)! الضابط الثامن: تجنيب الجلساء الدخولَ في الجَدَلِ العقيم! فما أهلكَ كثيرا من الناس إلا الجدلُ! وفي الأثر عن بعض السلف الصالح: (إذا أراد الله بقوم سوءا سلَّط عليهم الجدل، ومنعهم العمل!) الضابط العاشر: تحديد أهداف المجلس من التدارس، والتذكير بذلك من حين لآخر. وهو تحصيل التزكية للقلب بكتاب الله تعالى، والتخلق بأخلاق القرآن العظيم، من خلال مسالك التَّدَبُّر والتفكر وهي الحذَرُ من استغراق الوقت كله في التفسير، وتتبع أقوال المفسرين من دقائق اللغات والبلاغة والإعراب، وتفاصيل الخلافات الكلامية، وتفاريع الأحكام الفقهية فلا ينبغي أن ننسى أن غاية (مجالس القرآن) إنما هو التربية والتزكية، أي تحصيل (الربَّانِيَّة) لا تحصيل (العالِمِيَّة). ويكفيك من العلم لتحصيل الربانية ما يعرفك بالله رب العالمين! (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟!(القمر:17) فمن أراد القرآنَ للذِّكْرِ والذكرى والتربية والتزكية؛ فإنما سبيله اليُسْرُ والبساطة، الضابط الحادي عشر: ومن هنا فالاقتراح الأوفق للمقصود إنما هو أن يُعْتَمَدَ تفسيرٌ مختَصَرٌ من ذلك كله، مما تلقته الأمة بالقبول وأجمع على صحته السَّلَفُ والخَلَفُ. وليس كتفسير الإمام أبي جعفر الطبري(ت:310هـ) رحمه الله أوفى بالمقصود. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ويُعْتَمَدُ مختصَرُه فقط دون الأصل؛ لما امتاز به المختصر الذي جمع خلاصة ما ذهب إليه الإمام الطبري، مما أجمع عليه أهل التأويل للآية، أو ما عليه جمهورهم، أو ما رجحه هو رحمه الله من القول والبيان عند الاختلاف(). فإن لم يكن فيلتجأ إلى غيره من المختصرات الجيدة، كمختصر تفسير ابن كثير. الضابط الثاني عشر: وهكذا فلْيُقْرَأ القرآنُ أولا! مما هو مقصود بالتدارس لذلك المجلس. ويمكن أن تُتَداولَ التلاوةُ بين جميع الحضور أو بين أغلبهم، كما يمكن أن يُكْتَفَى بتلاوة أحدهم فقط، حسب ظروف المجتمعين. كما أن تكرار الآيات نفسها التي هي مقرر المدارسة لتلك الحصة أعْوَنُ للقلب على التفقه. والتلاوة – بضوابطها المذكورة من قبل- عبادة رفيعة جدا؛ إذْ تهيء القلب للتلقي عن الله! فلا ينبغي الاستهانة بها وتجاوزها في مجالس القرآن! الضابط الثالث عشر: فإذا تمت حصة التلاوة والاستماع والإنصات إلى كتاب الله، كما يليق بكلام الله؛ فليشرع في قراءة خلاصة التفسير قراءةً مسموعة هادئة مفصَّلَةً؛ الضابط الرابع عشر: تَنَاوُلُ قَدْرٍ قليل من الآيات يُشَكِّلُ معنى يحسن السكوت عليه، والوقوف عنده. سواء كان آية واحدة، أو ثلاث آيات، أو خَمْساً، أو سبعا. بشرط ألا يتعدى المقدار المدروس من ذلك كله نِصْفَ ثُمُن الحزب، بالتحزيب المتداول للقرآن الكريم، المطبوع في المصاحف بعلاماته المعروفة(). فَيُقْرَأُ ما ورد فيها من التفسير. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الضابط الخامس عشر: يُتَحَقَّقُ من الفهم العام للمعاني التي وردت بها، وأن أهل المجلس على إدراك حسن للمقصود. ويمكن أن تثار الأسئلة حول ما أشكل منها؛ للوصول إلى بيانٍ أشمل وأوضح. - الضابط السادس عشر: فإذا اتضح المعنى؛ وجب - بعد ذلك مباشرة - الدخول في محاولة التعرف على الهُدَى المنهاجي للآية أو الآيات،وهو عَيْنُ الحِكَم المطلوب تعلُّمُها، مما ورد في آيات وظائف النبوة: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ). وذلك بمحاولة استنباط الحقائق الإيمانية التي تتضمنها، والأحوال الخُلُقِيَّة التي تُرْشِدُ إليها، ومحاولة عدها باللسان، وإحصائها بالوجدان، وتداول ذلك بين سائر الْجُلَسَاءِ؛ حتى ترسخ بالقلب وتتضح صورتها بما يساعد على تَدَبُّرِها. - الضابط السابع عشر: وبمعرفة ما تيسر من الحِكَم والمقاصد نفتح باب التدبر للآيات،والتفكر في خلق الأنفس والأرض والسماوات. وذلك لغاية التخلق بأخلاق القرآن الكريم، والاتصاف السلوكي بِحِكَمِه العظيمة! والتفكر والتدبر – إذا خلص كلاهما لله- يورثان التخلق بأخلاق القرآن بصورة تلقائية، وبلا كلفة، كما بيناه من قبل بشواهده. ثم إن التدبر والتفكر أيضا – بما ينطويان عليه من إبصار للآيات()- يساعدان على معرفة السبل الكفيلة بتذليل النفس وترويضها؛ لقبول هذا الخُلُقِ الرباني أو ذاك، والتحلي بتلك الخصلة النبوية أو تلك. - الضابط الثامن عشر: فإذا تمت مدارسة السورة بأكملها، بهذا المنهج المُجَزِّئِ للوحدات أو الفقرات من كل سورة، في مجلس واحد، إن كانت من السور القصيرة جدا، أو عبر عدة مجالس إن كانت من السور المتوسطة أو من الطوال؛ فلا بد - بعد ذلك - من محاولة قطف الثمرات التالية من ثمار المدارسة، وهي: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gifhttps://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أ- التعرف على القضايا الأساسية التي تعالجها السورة على الإجمال، وهي حقائقها الإيمانية الكبرى، التي تدور بفلك المحور الرئيس في السورة. ثم من خلال معرفة تلك القضايا والحقائق يمكن: ب- التعرف على المحور الرئيس للسورة على الإجمال. فلكل سورة من سور القرآن العظيم شخصيتها المستقلة، التي بها تتميز عن غيرها في نظمها السالكِ لها بِعَقْدِ الكتاب الحكيم؛ لأن هذا وذاك هو مما يساعد - بإذن الله - على التَّمْسِيكِ بالكتاب؛ لأنه يُمَكِّنُكَ - في كل وقت وحين، بالليل أو بالنهار - من المراجعة والتقويم لِخُلُقِكَ وسلوكك، ولمستواك التربوي عموما، في ضوء ما تَحَصَّلَ لديك من الحِكَم والحقائق الإيمانية، من هذه السورة أو تلك. فضبط المحور الرئيس للسورة، مع ما يدور حوله من قضاياها الأساسية؛ يساعد على طول التدبر للآيات، والتذكر لحقائقها الإيمانية باستمرار؛ حتى بعد انفضاض المجلس، حيث تنطبع المعاني الربانية بالقلب الصافي المتجردِ لله تجردَ افتقارٍ وإخلاص. فإذا اكتمل لديك تدارس القرآن العظيم بهذا المنهج وتكرر؛ صارت خريطته الكلية مرسومة على قلبك بإذن الله؛ لِمَا تلقيت من حقائقه الإيمانية عن الله جل ثناؤه، في مجالس الملائكة! مع جلسائك من (أهل القرآن: أهل الله وخاصته)؛ فلا تتصرف في سلوكك وخلقك بعدها إن شاء الله إلا بخير! وهذا من أهم مقاصد التدارس لكتاب الله تعالى. - الضابط التاسع عشر، وهو: - الضابط الجامع: والضابط الكلي، الجامع لضمان سير مجالس القرآن ونجاحها هو: الحفاظ على ميثاق القرآن العظيم، والالتزام به بقوة! إذ بذلك يعرف الجليس الصادق من غيره. وإنما برهانُ صِدْقِ الجليس، وحقيقةُ انتسابه إلى أهل الله من (جلساء الملائكة)، ومصداقية ذلك كله متوقفة على مدى التزامه بميثاق القرآن العظيم. وهو عَهْدَان: عَهْدُ فِعْلٍ وعَهْدُ تَرْكٍ. فأما عهد الفعل فهو يتلخص في ثلاثة التزامات: - الالتزام الأول: الحفاظ على أوقات الصلوات المفروضة بالمسجد، من الفجر إلى العشاء؛ إلا لضرورة شرعية. مع تأكيد النفس وتوطينها على صلاة الفجر وصلاة العشاء، والاجتهاد في ذلك كله لإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، على قدر الإمكان.() فالصلاة هي خير أعمال المسلم على الإطلاق كما تواتر معناه بطرق شتى! وهي العبادة الوحيدة الحاكمة على ما سواها من الأعمال والعبادات بإطلاق! إذا استقامت للمؤمن حقيقتُها وانكشف له سِرُّها؛ استقام له كل شيء من دينه ودنياه! كما فصلناه بأدلته بمحله، فتأمل!() ويكفيك من ذلك قولهe: (استقيموا ولن تحصوا! واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة! ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن!). - الالتزام الثاني: الحفاظ على تلاوة جزء من القرآن الكريم لكل يوم، على الدوام، في الحَضَرِ والسَّفَر سواء! حتى يكون ختم القرآن لكل فرد من أفراد المجلس عند نهاية كل شهر. وبهذا يضمن العبد السالك إلى الله زادا إيمانيا يوميا، ومنهجا لتذكر حقائق الإيمان التي استفادها من مجالس التدارس القرآني. فالتلاوة المستمرة تذكيرٌ وأيُّ تذكير! لمن ذاق حقيقتَها وشاهد فضيلتَها. - والالتزام الثالث: الاجتهاد لضم جليس جديد، أو جلساء جُدُد؛ إلى مجالس القرآن، متى سنحت الفرصة، أو إنشاء مجلس جديد على التمام. وتلك نعمة إيمانية – إن أكرمك الله بها - ولا كأي نعمة! https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فالحرص على نشر الخير والدعوة إليه؛ سِمَةٌ أساسيةٌ للمؤمن الصادق، مهما لقي في سبيل ذلك ما لقي من الحرج والعنت. والآية التي هي الشِّعَارُ الجامِعُ لذلك كله من كتاب الله جل ثناؤه، هي ما سبقت الإشارة إليه من قوله تعالى وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(الأعراف:170). تَمْسِيكٌ بالكتاب أولا: وهو الأخذ بحقائقه الإيمانية بقوة، وإقامة للصلاة ثانيا: وهو إحسان أدائها والسير إلى الله عبر مواقيتها، ثم انطلاق إلى الإصلاح والدعوة إلى الخير. (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). - القرآن لا يفتح أبواب أسراره إلا لمن أقبل عليه بشروطه. وإنما شروطه أمران: إخلاص القصد لله تعالى، ثم أخذ الكتاب بقوة! فأما بيان الشرط الأول: فبإخلاص القصد عند بدء السير إلى منازل القرآن، وبتحقيق الصدق في طلب مجالسه؛ يفتح الله لك أبواب الخير، ويمهد لك الطريق إلى الجنة، وأما بيان الشرط الثاني: فإن القرآن لا يستقيم سَيْرُ العَبْدِ بين مَسَالِكِهِ إلا إذا أخذه بقوة! ذلك منهج الأنبياء والصِّدِّيقِين. فـ (الأخذ بقوة) هو: الأخذ بعزم وبحزم، والصبر على حمل الأمانة وثقل الرسالة! والصبر على طول الطريق! والثبات على الحق! فالشيطان لك بالمرصاد، يثبطك، ويبطئك عن المضي في طريق الله؛ فالصَّبْرَ الصَّبْرَ على دوام ذكر الله في صحبة الصالحين، ومَعِيَّةِ الربانيين، بمنهج القرآن، وبرنامج القرآن. ============================= *منقول من موقع مثانى القرآن |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif في كم يتلى القرآن؟ الكاتب : محمود محمد الطناحي (21) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s لشهر رمضان خصوصية بالقرآن، وممَّا يتردّد في هذا الموسم الشريف خاصّة: سؤالُ المفاضلة بين تدبّر القرآن والإكثار من الختمات، وسؤال المدّة التي يُختم فيها القرآن، وتأتي هذه المقالة في سياق الجواب عن هذا السؤال. في كم يُتلى القرآن[1]؟ القرآن كلام الله، تنزيل من حكيم حميد، نزل به الروح الأمين جبريلُ -عليه السلام- على قلبِ محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون من المنذِرين، وقد أُمِر -عليه السلام- بتلاوته على أُمَّته، وأُمِرَت أمّته بتلاوته وتدبُّر آياته والعمل بها، وقد أثنى ربُّنا -عزّ وجلّ- على عباده التّالِين له، فقال تقدّست أسماؤه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر: 29، 30]. ويأتي رمضان كلّ عام مذكِّرًا بهذا النور المبين، فقد نزل القرآن الكريم في ليلةٍ مباركة منه. والمسلم وإن كان مأمورًا بقراءة القرآن في كلّ وقتٍ وحينٍ، فإنه يجد لذَّة وأُنْسًا حين يقرؤه في رمضان لا يجدهما في وقت آخر، ونعم إن القرآن يطيب به الفم ويزكو به العمل في كلّ آن، ولكن الله يجعل لبعض الأيام ولبعض المواضع خصوصية ليست لغيرهما، وقد روي عن محمد بن مَسْلَمة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرّضوا لها»[2]. ولقد حفظتُ القرآن صغيرًا، واشتغلتُ بعلومه كبيرًا، وقرأته على فحول شيوخه واستمعته من كبار مقرئيه، ولا زلتُ مغمورًا بنوره وضيائه، فهو معي في مغداي ومراحي، وفي حلِّي وترحالي، والحمد لله، ولكن حلاوته تعظُم في فمي، ونغمه يعذب في سمعي حين أقرؤه في رمضان، وفي الحرمين الشريفين، وكم كان قلبي يخشع وكياني يهتز، ودموعي تجري حين أقرأ -وأنا في الروضة الشريفة- تلك الآيات التي تخاطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتناديه، فأقرأ وأتمثَّل وأستحضر وأنا بقرب النور وفي كرم الجوار، فأيّ جلال وأيّ جمال! وما دخلتُ المسجد النبوي مرّة إلا وقرأتُ سورة النساء، لأستحضر تلك الصورة الغالية الخاشعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن مسعود يقرأ عليه سورة النساء، وذلك ما رواه البخاري عنه قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اقرأ عليَّ»؛ قلتُ: يا رسول الله، أأقرأ عليك وعليك أُنزِل؟! قال: «نعم»، فقرأتُ سورة النساء حتى أتيتُ إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif قال: «حسبُك الآن». فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان[3]. وهكذا تكون معرفة التفسير وأسباب النزول مُعِينة على فهم القرآن وتدبّره، فإذا انضم إلى ذلك معرفة غريبه ووجوه قراءاته ونحوه وإعرابه ومعانيه، كان ذلك أعْوَن على معرفة أسراره والوقوف على دقائقه، ثم التلذّذ بتلاوته، واستصغار لذائذ الدنيا كلّها بجوار آية واحدة من آياته يتلوها المؤمن مستجمعًا لها فكره مخليًا لها قلبه؛ ولذلك يقول أحمد بن أبي الحوارى الصوفي المتوفى سنة 230: «إني لأقرأ القرآن فأنظر في آية فيحار عقلي فيها، وأعجب من حفّاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن؟! أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقّه، وتلذذوا به، واستحلوا المناجاة به؛ لذهب عنهم النوم، فرحًا بما رُزِقوا ووفِّقُوا»[4]. والقرآن مؤنس لتاليه، مزيل لوحشته؛ يقول الراغب الأصفهاني في مقدمة كتابه: (حلّ متشابهات القرآن): «فاتفقَتْ خلوةٌ سَطوتُ على وحشتها بالقرآن، ولولا إنه لم يكن لي بها يدان... وكانت هذه الخلوةُ خلوةَ عينٍ لا خلوة قلب، واضطرارٍ لا عن اختيار، بل لقهر وغلب». والظاهر أن المراد بهذه الخلوة السجن[5]. والمسلم حين يتلو القرآن ليس لسانًا يضطرب في جَوبة الحنك فقط، ولكنه لسان يتلو، وقلب يخشع، ونفس تموج، وعزم ينهج، ولعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كلام نفيس، في أن المسلم مطالَب بأن يجمع القرآن ويحفظه ويحيط به ويجعله إِمامه في جوارحه كلّها، وفي عمله كلّه، وذلك ما أخرجه ابن جرير الطبري عن الحسن: «أنّ ناسًا لَقُوا عبد الله بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله، أُمِر أن يُعْمَل بها، لا يُعمل بها، فأردنا أن نلقَى أمير المؤمنين في ذلك. فقَدِم وقدموا معه، فلقيه عمر -رضي الله عنه- فقال: متى قَدِمْتَ؟ قال: منذ كذا وكذا، قال: أبإِذْنٍ قدمتَ؟ قال: فلا أدري كيف ردّ عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ ناسًا لقوني بمصر فقالوا: إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى، أُمِر أن يُعْمَل بها لا يُعمل بها؛ فَأَحَبّوا أن يَلْقَوْك في ذلك. فقال: اجمعهم لي، قال: فجمعتُهم له... فأخذ أدناهم رجلًا، فقال: أَنْشُدك بالله وبحقّ الإسلام عليك، أقرأتَ القرآن كلّه؟ قال: نعم، قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال: اللهم لا -قال: ولو قال: «نعم» لخَصَمَه- قال: فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ قال: ثم تتبّعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثَكِلَتْ عمرَ أُمُّه! أتُكَلِّفونه أن يقيم الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif لنا سيئات. قال: وتلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلَا كَرِيمًا}[النساء: 31]، هل عَلِم أهل المدينة -أو قال: هل علم أحد- بما قَدِمْتم؟ قالوا: لا، قال: لو علموا لوَعَظْتُ بكم»[6]. قال شيخنا أبو فهر محمود محمد شاكر: «وقوله: «لوعظتُ بكم»، أي: لأنزلتُ بكم من العقوبة ما يكون عِظة لغيركم من الناس؛ وذلك أنهم جاؤوا في شكاة عاملهم على مصر، وتشدّدوا ولم ييسِّروا، وأرادوا أن يسير في الناس بما لا يطيقون هم في أنفسهم من الإحاطة بكلّ أعمال الإسلام، وما أمرهم الله به، وذلك من الفتن الكبيرة، ولم يريدوا ظاهر الإسلام وأحكامه، وإنما أرادوا بعض ما أدَّب اللهُ به خلقه، وعمرُ أجَلُّ من أن يَتهاون في أحكام الإسلام. إنما قلتُ هذا وشرحتُه مخافة أن يَحتجَّ به مُحتجٌّ من ذوي السلطان والجبروت، في إباحة ترك أحكام الله غير معمول بها، كما هو أمر الطغاة والجبابرة من الحاكمين في زماننا هذا». ولهذه الغايات كلّها أُمِرنا بترتيل القرآن، في قوله -عزّ وجل- مخاطبًا وآمرًا نبيه -صلى الله عليه وسلم- والأمر لأُمّته معه: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: 4]، قال القرطبي: «أي: لا تعجل بقراءة القرآن، بل اقرأه في مَهَلٍ وبيان، مع تدبّر المعاني. والترتيل: التنضيد والتنسيق وحُسن النظام، ومنه ثغر رتِل ورتَل، بكسر التاء وفتحها، أي: حَسَن التنضيد»[7]، وحُكي عن أبي بكر بن ظاهر قال: «تدبَّرْ في لطائف خطابه، وطالِبْ نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرَّك بالإقبال عليه». وروي أن علقمة بن قيس قرأ على عبد الله بن مسعود، فكأنّه عَجِل، فقال ابن مسعود: «فداك أبي وأمي، رتّل فإنه زين للقرآن»[8]، لكنَّ قومًا من أهل الصدق والإخلاص -في زماننا ومن قَبل زماننا- حَسُنَتْ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif نياتهم، وسَلِمَتْ صدورهم، يرغبون في إحراز الأجر ومضاعفة الثواب، يشتدّون في هذا الشهر المبارك، ويبالغون في ختم القرآن أكثر من مرة، ويتباهون في ذلك، فيقول أحدهم: ختمتُه عشرين مرة، ويقول آخر: بل ختمته ثلاثين، ثم يزيد بعضهم وينقص بعضهم، وما يدرون أنهم بذلك يبتعدون عن السّنة المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته الأكرمين. فقد روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألم أُخْبَر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كلّ ليلة؟»، قلتُ: بلى يا نبي الله، ولم أُرِد بذلك إلا الخير، قال: «فصُمْ صوم داود -وكان أعبد الناس-[كان يصوم يومًا ويُفطِر يومًا]، واقرأ القرآن في كلّ شهر»، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشرين»، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشر»، قال: قلتُ: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ سبع، لا تزد على ذلك»، قال: فشدَّدْتُ، فشُدِّدَ عليَّ، وقال لي: «إنك لا تدري، لعلّك يطول بك عُمُر». قال فصِرتُ إلى الذي قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما كبرتُ وددتُ أني كنت قَبِلْتُ رخصة نبي الله -صلى الله عليه وسلم-»[9]. وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «لأن أقرأ سورة أرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن كلّه»، وروي عنه أيضًا أنه قال: «لأن أقرأ القرآن في ثلاثٍ أحبّ إليّ من أن أقرأه في ليلة كما يقرأ هَذْرَمَة». والهذرمة: السرعة في الكلام والمشي، وقال: هذرم في كلام هذرمة: أي خلط، ويقال للتخليط: الهذرمة. وثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «أنّ رجلًا قال له: إني أقرأ المُفَصَّل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود: أَهَذًّا كَهَذِّ الشِّعر؟ إنّ أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع»، أراد: أتهذّ القرآن هذًّا فتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشِّعر؟ والهذّ: سرعة القطع. والمفصَّل من سور القرآن: من سورة الحجرات إلى سورة الناس، وقيل غير ذلك، وسمي مفصلًا لكثرة الفصول بين سوره، أو لقلّة المنسوخ فيه[10]. وسُئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة، قيامهما واحد، وركوهما واحد، وسجودهما واحد، وجلوسهما واحد، أيُّهم أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}[الإسراء: 106][11]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وإذا كان كثير من الناس يشتدّون ويجتهدون في ختم القرآن في رمضان أكثر من مرة، فإن كثيرًا منهم أيضًا كان على السُّنة، وعلى المنهج الراشد المقتصد. فقد روي أن أبا رجاء العطاردي -وكان إمامًا كبيرًا من المخضرمين- كان يختم بأصحابه في قيام رمضان القرآن كلّ عشرة أيام[12]. «وذهب كثيرٌ من العلماء إلى منع الزيادة على سبع، أخْذًا بظاهر المنع في قوله: «فاقرأه في سبع ولا تزد» -يعني في حديث عبد الله بن عمرو السابق- واقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فلم يُرْوَ عنه أنه ختم القرآن كلّه في ليلة، ولا في أقلّ من السبع، وهو أعلم بالمصالح والأجر، وفضل الله يؤتيه من يشاء، فقد يعطي على القليل ما لا يعطي على الكثير»[13]. وروي أنّ عبد الله بن مسعود كان يقرأ القرآن في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة، ويقرؤه في رمضان في ثلاث، وكذلك كان تميم والأعمش يختمان في كلّ سبع، وكان أُبيّ يختمه في كلّ ثمان، وكان الأسود يختمه في ستٍّ، وكان علقمة يختمه في خمس[14]. وقد عقد أبو عمرو الداني بابًا: (في كم يُستَحبّ خَتْم القرآن، وما روي عن الصحابة والتابعين في ذلك)[15]. بل إنّ بعض الصحابة والتابعين كان يقف في قراءته عند سورة بعينها، يظلّ يردّدها، أو آية بخصوصها، فلا يزال يكرّرها، طلبًا للتدبّر، وخشوعًا لجلال المعنى، وكان إمامهم في ذلك وقدوتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقد روي عن أبي ذر -رضي الله عنه-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليلَ كلّه حتى أصبح، بها يقوم، وبها يركع، وبها يسجد: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة: 118]، وعن تميم الداري أنه أتى المقام -في الكعبة الشريفة- ذات ليلة، فقام يصلي، فافتتح السورة التي تُذْكر فيها الجاثية، لمّا أتى على هذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية: 21]، لم يزل يرددها حتى أصبح. وعن ابن مسعود أنه لم يزل يردد: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه: 114]، حتى أصبح. وعن عامر بن عبد القيس أنه قرأ من سورة المؤمن -غافر- فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ}[غافر: 18]، لم يزل يرددها حتى أصبح. وروي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- أنها افتتحت سورة الطور، فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور: 27]، ذهبتُ[16] إلى السوق في حاجة، ثم رجعتُ وهي تكرّرها، وهي في الصلاة أيضًا. وعن سعيد بن جبير أنه ردّد هذه الآية في الصلاة بضعًا وعشرين مرّة: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[البقرة: 281]، وعنه أيضًا أنه استفتح بعد العشاء الآخرة بسورة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}[الانفطار: 1]، فلم يزل فيها حتى نادى منادي السَّحَر[17]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فمدار الأمر في تلاوة القرآن على التدبُّر واستحضار المعاني، وتأمُّل الإشارات وتبيُّن الدلالات، فمن أَنِسَ في نفسه قُدرة وجَلادة، مع تحقيق هذه الغايات وتعهّد الواجبات الأخرى من الفرائض والنوافل، ومن سعي في أمور المعاش وإعمار الحياة، فليقرأ ما شاء الله له أن يقرأ، على ألا يزيد على السُّنّة المأثورة. وللحافظ الذهبي هنا كلام جيّد، ينبغي ذِكره، وتأمُّله، قال -رضي الله عنه- تعقيبًا على حديث عبد الله بن عمرو بن العاص السابق: «وَصَحَّ أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نازَله إلى ثلاث ليال، ونهاه أن يقرأ في أقلّ من ثلاث، وهذا كان في الذي نزل من القرآن، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن. فأقلّ مراتب النهي أن تُكره تلاوة القرآن كلّه في أقل من ثلاث. فما فَقه ولا تدبَّر مَن تلا في أقلّ من ذلك، ولو تلا ورتَّل في أسبوع، ولازم ذلك لكان عملًا فاضلًا، فالدّين يسرٌ، فوالله إنّ ترتيل سُبع القرآن في تهجد قيام الليل، مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار المأثورة الثابتة والقول عند النوم واليقظة، ودُبر المكتوبة والسّحَر، مع النظر في العلم النافع، والاشتغال به مخلصًا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل وتفهيمه، وزجر الفاسق، ونحو ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك: لشغلٌ عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين، فإنّ سائر ذلك مطلوب، فمتى تشاغل العابد بختمه في كلّ يوم، فقد خالف الحنيفية السمحة، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه، ولا تدبّر ما يتلوه. هذا السيد العابد الصاحب -يعني عبد الله بن عمرو بن العاص- كان يقول لمّا شاخ: ليتني قَبِلْتُ رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك قال له -عليه السلام- في الصوم، وما زال يُناقصه حتى قال له: «صُم يومًا وأَفطِر يومًا، صم صوم أخي داود -عليه السلام-»، وثبَت أنه قال: «أفضل الصيام صيام داود»، ونهى -عليه السلام- عن صيام الدهر، وأمر -عليه السلام- بنوم قسط من الليل، وقال: «لكني أقوم وأنام، وأصوم وأُفطِر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمَن رَغِب عن سُنّتي فليس منِّي». https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وكلّ مَن لم يزمُّ نفسه -أي: يمنع ويكبح- في تعبُّده وأوراده بالسّنة النبوية يندم ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خيرٌ كثيرٌ من متابعة سُنّة نبيِّه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال -صلى الله عليه وسلم- معلِّمًا للأمة أفضلَ الأعمال، وآمرًا بهجر التبتل والرهبانية التي لم يُبعث بها، فنهى عن سَرْد الصوم -أي: تواليه وتتابعه-، ونهى عن الوصال -في الصوم-، وعن قيام أكثر الليل إلا في العَشر الأخيرة -يعني من رمضان-، ونهى عن العُزْبَة -عدم الزواج- للمستطيع، ونهى عن ترك اللحم، إلى غير ذلك من الأمور والنواهي. فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذورٌ مأجورٌ، والعابد العالم بالآثار المحمدية المتجاوز لها مفضولٌ مغرورٌ، وأحبُّ الأعمال إلى الله تعالى أدْوَمُها وإنْ قَلّ. أَلهَمَنا الله وإياكم حُسن المتابعة، وجنّـبَنا الهوى والمخالفة»[18]. وذَكر الذهبي أيضًا في ترجمة «أبي بكر شعبة بن عياش، أنه مكثَ نحوًا من أربعين سنة يختم القرآن في كلّ يوم وليلة مرّة، وعلق على ذلك فقال: «وهذه عبادة يُخْضَع لها، ولكنّ متابعة السُّنّة أَوْلى؛ فقد صحّ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث، وقال -عليه السلام-: (لم يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث)»[19]. وكذلك ذكر في ترجمة (وكيع بن الجرّاح) أنه كان يصوم الدّهر، ويختم القرآن كلَّ ليلة، وعقَّب على ذلك فقال: «هذه عبادة يُخضَع لها، ولكنها من مِثْلِ إمام من الأئمة الأثرية مفضولة، فقد صحّ نهيُه -عليه السلام- عن صوم الدهر، وصحّ أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث، والدِّين يسرٌ، ومتابعة السُّنة أَوْلى»[20]. ومن قَبل الذهبي، ذَكر خطيبُ السُّنة الإمام الجليل أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة[21] قال: «ولم يفرض اللهُ على عباده أن يحفظوا القرآن كلّه، ولا أن يختموه في التعلُّم، وإنما أنزله ليعملوا بمُحكَمه ويؤمنوا بمتشابهِه، ويأتمروا بأمره، وينتهوا بزجره، ويحفظوا للصلاة مقدار الطاقة، ويقرؤوا فيها الميسور. قال الحسن -البصري-: نزل القرآن ليُعْمَل به فاتخذ الناسُ تلاوتَه عملًا. وكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم- وهم مصابيح الأرض وقادة الأنام ومنتهى العلم، إنما يقرأ الرجل منهم السورتين والثلاث والأربع، والبعض والشطر من القرآن، إلا نفرًا منهم وفَّقهم الله لجَمْعه، وسهّل عليهم حفظه، قال أنس بن مالك: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدَّ فِينَا، أي: جلَّ في عيوننا، وعَظُم في صدورنا»[22]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif عن ابن عمر قال: «كان الفاضل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها، ورُزِقوا العمل بالقرآن، وإنّ آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن، منهم الصبي والأعمى، ولا يُرزَقون العمل به». اللهم حبِّبْ إلينا القرآن، وأذِقْنا حلاوته، وارزقنا تلاوته وفِقْهَه والعمل به آناء الليل وأطراف النهار، واجعله أنيسًا لنا في هذا الزمان الذي ذهب فيه من يُؤنَسُ به ويُستراح إليه، واجعله اللهم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجِلاء -بكسر الجيم- حزننا، وذَهاب -بفتح الذال- همِّنا، واجعلنا ممن يرعاه حقّ رعايته، ويقوم بقصده، ويوفي بشرطه، ولا يلتمس الهَدْي في غيره، ويرحم اللهُ عبدًا قال آمينا. [1] نشرت هذه المقالة في مجلة «الهلال» فبراير، 1995م، ثم نشرت في «مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي» ط. دار البشائر، ص336. (موقع تفسير). [2] مجمع الزوائد للهيثمي، (10/ 231). [3] صحيح البخاري، (باب قول المقرئ للقارئ: حسبك. من كتاب فضائل القرآن) (6/ 241). [4] طبقات الصوفية للسلمي، ص102. [5] مقدمة تحقيق كتاب المفردات في ألفاظ القرآن، ص29. [6] تفسير الطبري، (8/ 254، 255). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [7] تفسير القرطبي، (19/ 37). [8] المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة المقدسي، ص198. [9] جامع الأصول في أحاديث الرسول لمجد الدين بن الأثير، (2/ 471، 472)، وجمع للحديث طرقًا أخرى. [10] بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي، (4/ 194). [11] انظر بيان ذلك كلّه في: المرشد الوجيز، ص197. والتبيان في آداب حملة القرآن للنووي، ص71. [12] حليلة الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، (2/ 306). وصفة الصفوة لابن الجوزي، (3/ 221). [13] كتاب التذكار في أفضل الأذكار للقرطبي، ص67. [14] جمال القراء وكمال الإقراء، لعلم الدين السخاوي، (1/ 107). [15] كتاب البيان في عدّ آي القرآن، ص321. [16] من كلام عروة بن الزبير راوي الحديث -رضي الله عنهما-، وأسماء بنت أبي بكر هي أُمه -رضي الله عنهم-. (موقع تفسير). [17] المرشد الوجيز، ص195- 197. [18] سير أعلام النبلاء، (3/ 84- 86). [19] سير أعلام النبلاء، (8/ 442). [20] سير أعلام النبلاء، (9/ 143). [21] كتاب تأويل مشكل القرآن، ص233. [22] تفسير القرطبي، (1/ 40). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
تأملات في سورة القدر ، د. محمد الربيعة (22) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s حري أن نجعل من عبادتنا هذه الليالي مدارسة وتدبر هذه السورة العظيمة مما يبعثنا على تعظيمها واغتنامها تدبر هذه السورة أعظم دافع لقيام ليلة القدر واستغلالها لأنها تضمنت تعظيم الله وملائكته لها ما سر افتتاح السورة بنون العظيم { إنا } ؟ تعظيما لشأن الليلة بسبب إرتباطها بإنزال القرآن ما مقصد السورة ؟ تعظيم شأن ليلة القدر وفضلها ولذلك اشتملت آياتها على تكرار وتأكيد وتعظيم ما سر الإخبار بنزول القرآن أولا قبل ذكر ليلة القدر؟ إشارة إلى أن سبب تفضيلها إنزال القرآن ولذلك يشرع شغلها بالقرآن ما سر ذكر القرآن ضميرا دون تصريح { أنزلناه} دون أنزلنا القرآن ؟ لكونه معهودا معروفا في الذهن وهو أسلوب لغوي في التعظيم ما دلالات ذكر الليلة https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فضل ليالي العشر التي فيها ليلة القدر فضل قراءة القرآن ومدارسته ليلا لكونه وقت النزول الأول ما المراد بالقدر ؟ قدر العظمة والشرف وهو دال على أنها أفضل ليالي العام قدرا من التقدير اي قدرت فيها المقادير { ليلة القدر } تكررت ثلاث مرات . فما السر ؟ الأول لبيان أن نزول القرآن فيها الثاني تعظيما لها الثالث بيانا لفضلها ما سر تخصيص فضلها بألف شهر؟ لكون الألف أكمل عدد في اللغة فما فوقه مبني عليه لكون ألف شهر٨٣ سنة هو كمال عمر الإنسان عادة https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif { تنزل الملائكة } ما سر قوله تنزل دون تتنزل ؟ فيه إشارة إلى تنزلهم مرة واحدة عند دخولها وارتفاعهم عند خروجها ما سر تخصيص الروح (جبريل) مع دخوله في الملائكة؟ دليل على أنه يتنزل لمناسبة تنزل الوحي أول مرة في هذه الليلة تعظيما لها ما سر التعبير بالروح دون جبريل ؟ لكونه يتنزل على النبي بالروح وهو القرآن { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا } لم يرد أن جبريل يتنزل بعد انقطاع الوحي إلا في ليلة القدر فما السر؟ لعظمها وفضلها ولكونها ليلة تنزل القرآن أول مرة ما سر إخفائها؟ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif تعظيما لها وتحفيزا للمنافسة في تحصيلها ولتكثر حسنات أهلها في طلبهاطيلة العشر فلعظمها لا ينالها إلا مشمر لها لم يرد في السورة حث على قيامها فما السر ؟ لكون السورة مكية ولم يأت الأمر بقيامها إلا في المدينة إنما السورة في تعظيمها ما سر تنزل الملائكة ؟ لكثرة البركة فيها لكونهم يتنزلون بأمر الله { من كل أمر } للسلام والدعاء للمؤمنين { سلام } ما سر قوله { بإذن ربهم } ولم يقل بأمر ربهم ؟ دليل على حرصهم على النزول فهم ينتظرون إذن ربهم لهم. ما سر قوله { بإذن ربهم } دون بإذن الله؟ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وصف الربوبية دال على عناية الله وإكرامه لهم بإنزالهم، وهذا مشعر بعظيم المنة عليهم. ما دلالة كل في قوله { من كل أمر }؟ إشارة إلى كثرة ما يتنزل فيها من أوامر الله وبركاته على عباده ، أمور كثيرة عظيمة ما المراد بقوله { سلام هي } ؟ قيل ما يتنزل فيها لأهلها القائمين بحقها إلا سلام وقيل أن الملائكة تسلم فيها على المؤمنين { سلام هي } أعظم بشرى للمؤمنين أنها سلام لهم من الله فهل نتلقى هذا السلام بسلامة صدورنا من كل كدر وسلامة أعمالنا من كل ذنب { سلام هي } https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ما أعظم دلالات هذه الكلمة. وما أعظم ما تبعثه في النفس من أنس وبشرى ورغبة فيها جعلنا الله فيها من أهل السلام {سلام هي} هذا السلام الإلهي الذي يريده الله لعباده فهل يكون باعثا لأمة الإسلام على بث السلام بينهم وتحقيق السلام فيهم { سلام هي } استنبط ابن عباس من هذه الجملة أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، فكيف ؟ من قوله { هي } فهي الكلمة ٢٧ في السورة ما سر قوله {سلام} دون سلامة ليشمل: سلام الملائكة على المؤمنين https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif كل سلام وخير يريده الله لعباده السلامة من الذنوب بالغفران تحتمل جملة { سلام } معنى الأمر ؟ أي اجعلوها سلاما بينكم ولذلك جاء في الحديث أنها رفعت حين تلاحى رجلان فلنجعلها سلاما بيننا { سلام هي } من جعلها سلاما بقلبه وعمله فهو أحق بأن ينال السلام من الله ما سر قوله { حتى } دون ( إلى ) ؟ لأن حتى لانتهاء الغاية مبالغة في احتوائها الليل كله وتأكيدا على اغتنامها حتى نهايتها https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ما سر قوله {حتى مطلع الفجر} دون طلوع الفجر؟ تأكيدا لاغتنامها حتى طلوع الفجر الصادق من مطلعه لأن الفجر الكاذب لا مطلع له { حتى مطلع الفجر } قرئ مطلع بفتح اللام وكسرها ، فما الفرق ؟ بالفتح : طلوع الفجر أي ظهوره بالكسر : زمن طلوع الفجر تأمل ختم السورة بقوله { هي حتى مطلع الفجر } تأكيد وحض على اغتنامها حتى النهاية وذلك لأن آخر الليلة أفضل من أولها ما المراد بـ { إنا أنزلناه في ليلة القدر }؟ - أنزلناه من اللوح إلى السماء الدنيا - أنزلناه ابتداءً فيها - أنزلناه في شأنها =========================== * منقول من موقع مثانى القران https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif تجليات تيسير القرآن الكريم على العباد الكاتب : عبد المجيد هلال (23) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s مِن نعم الله تعالى على خَلقه أن يسّر لهم كتابه المجيد كما أخبر عن ذلك في القرآن، وهذا التيسير له صور شتى وتجليات متعدّدة، وهذه المقالة تسعى إلى تسليط الضوء على تجليات هذا التيسير للقرآن الكريم ومجالاته. بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد؛ فإنّ مِن أجَلِّ النّعم التي أكرمَنا اللهُ -عز وجل- بها، وتفضّل علينا بإرسالها نعمةَ إنزال القرآن الكريم، وهي مِنّة منه -سبحانه وتعالى- تستوجب الشكر الدائم والثناء الذي لا ينقطع، فلولاها لبقينا في بحار من الظلمات التي لا يعلم حجمها وأثرها إلا الله -عز وجل-، وقد رافقت هذه النعمةَ -نعمةَ إنزال القرآن الكريم- نِعَمٌ تترى متتابعة، لا يَعُدّها العادّون ولا يحصيها المحصُون. ومِن هذه النعم التي رافقَت إنزاله، نعمةُ تيسيره على العباد وتسهيله عليهم، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17، 22، 32، 40]، وهذا التيسير والتسهيل له صور شتى وتجليات متعدّدة، وسأذكر في هذه المقالة بعض تجليات لهذا التيسير، جمعتُها من كتب المفسِّرين؛ علّها تكون نافعة لي أولًا، وللقارئين ثانيًا، وعلّها تكون محفزًا على استخراج مزيد من الأفضال المصاحبة لهذا الكتاب العظيم؛ فإنّ: «القرآن لهو بحقّ مشروع العمر، وبرنامج العبد في سَيره إلى الله حتى يلقى الله»[1]، فإلى هذه التجليات: 1- تسهيل حِفظه: فكلّ مَن رام حِفْظ هذا الكتاب وجدَه سهلًا ميسَّرًا، وقد أورد الماوردي في تفسيره قول الفّراء فقال: «الثالث: هَوّنَّا حِفْظه، فأَيْسَر كتاب يُحفظ هو كتاب الله»[2]؛ وذلك لما ميزه به الله تعالى من «الاختصار وعذوبة اللفظ»[3]. ولا يحتاج من أراد حِفْظه إلا قليلًا من التكلّف والجهد، وشيئًا من الإقبال والإرادة، وصِدْق الطلب مع التوكّل على الله تعالى، قال الماتريدي في تفسير آية القمر: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾: «أي: للحفظ؛ أي: صيرناه بحيث يحفظه كلّ أحد مِن صغير وكبير، وكافر ومؤمن وكلّ أحد يتكلّف حفظه»[4]. وقال الزمخشري: «قيل: ولقد سهّلناه للحفظ وأعنّا عليه من أراد حفظه، فهل مِن طالب لحفظه لِيُعان عليه»[5]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 2- تيسير تذكُّر النعم به وسهولة إدراك ما وقع للأمم الغابرة: فإنّ التالي للقرآن الكريم يتنبّه بسهولةٍ ويُسْرٍ للنعم التي أنعم الله بها على الخلائق، وهي نِعَم غزيرة، دينية ودنيوية، عاجلة وآجلة، ظاهرة وباطنة (...)، نِعَم لا يستطيع أحدٌ عدّها ولا حصرها، قال الله -عز وجل-: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: 34]، كما أنّ قارئ القرآن يقف في بضع آيات على ما وقع للأمم الغابرة التي قضتْ سنين عديدة، مما يتطلّب ممن أراد الاطلاع على أخبار تلك الأمم وتاريخها -من غير القرآن- جهدًا كبيرًا وقراءة مستفيضة وبحثًا عميقًا، دون القدرة على بلوغ الحقيقة في كلّ ما يُتوصل إليه، وقد ذكر الماتريدي في تفسيره أقوالًا في بيان معنى تيسير الذِّكْر في آية القمر، فقال: «والثاني: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ أي: لذِكْر ما نسوا من نِعَم اللَّه تعالى عليهم، ولذِكْر ما أنبأهم فيه من أخبار الأوائل من مصدّقيهم مذكّر»[6]. 3- تيسير الادّكار والاعتبار والاتّعاظ بالقرآن الكريم: من خصائص القرآن الكريم سهولة الاتّعاظ والادّكار به، ولِـمَ لا؟ وهو كتاب الله تعالى الخاتم الذي أرسله للثقلين، وذَكر فيه من أنواع المواعظ والحِكَم والعِبَر:﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ [طه:113]. قال صاحب الكشاف: «أي: سهّلناه للادّكار والاتعاظ، بأنْ شحنّاه بالمواعظ الشافية وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد فهل من متّعظ»[7]، وقال الرازي: «سهّلناه للاتعاظ حيث أتينا فيه بكلّ حكمة»[8]، وللبيضاوي: «سهّلناه أو هيّأناه (...) للادّكار والاتّعاظ بأن صرّفنا فيه أنواع المواعظ والعِبَر»[9]. 4- تيسير التذكير والإرشاد به: فإنّ أنجعَ كلامٍ في تذكير الناس وإرشادهم وحثّهم على الخير وزجرهم عن الشّر كلامُ الله الذي خلق الإنسان وسوّاه، ويعلم سِرّه ونجواه ودخائل نفسه، وما يستصلحه من الكلام، وما يؤثِّر فيه من الألفاظ والمواعظ؛ لذلك كان كلامه سبحانه أفضلَ ما يدعو به وإليه الداعون، وأحسنَ لفظ يرشد به المرشدون، قال ابن سعدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif حَسِيبًا﴾ [الأحزاب: 39]: «يتلون على العباد آيات الله، وحُجَجه وبراهينه، ويدعونهم إلى الله»[10]؛ لهذا كانت هذه الصورة من صور تيسير القرآن الكريم، فقد جاء في كتاب (أيسر التفاسير): «﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، أي: سهّلنا القرآن للحفظ والتذكير والتذكّر به»[11]. يقول الأستاذ إبراهيم السكران: «يخاطبك أحيانًا شابٌّ مراهق يتذمّر من والده أو أمه، فتحاول أن تصوغ له عباراتٍ تربويةً جذابةً لتقنعه بضرورة احترامهما مهما فعَلَا له، وتلاحظ أن هذا المراهق يزداد مناقشة ومجادلة لك، فإذا استعضت عن ذلك كلّه وقلتَ له كلمة واحدة فقط: يا أخي الكريم، يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء 24]؛ رأيتَ موقف هذا الفتى يختلف كليًّا، شاهدتُ هذا بأُمِّ عيني، ومِن شدّة انفعالي بالموقف نسيتُ هذا الفتى ومشكلته، وعدتُ أفكّر في هذه السطوة المدهشة للقرآن»[12]. 5- تيسير بيانه ومعناه وفهمه وتفسيره: ومِن أوجهِ تيسير الله تعالى لهذا الكتاب على عباده جعلُه سهلَ البيان والمعنى، ميسَّرَ الفهم، واضحَ التفسير، ليس فيه غموض، ولا تقعُّر في الألفاظ، ولا تضمُّن لوحشي الكلام وغريبِه بعيدِ الاستعمال، كما هو حال بعض الكتب التي لا يكاد يخرج منها قارئها بشيء، بل قد يرجع منها بالحيرة والشك والضلال، جاء في (الهداية إلى بلوغ النهاية): «﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، أي: سهّلناه وبينّاه وفصّلناه لمن يريد أن يتذكّر به ويعتبِر، قال ابن زيد: ﴿يَسَّرْنَا﴾: بينّا»[13]، وجاء عند ابن كثير: «سهّلنا لفظه، ويسَّرنا معناه لمن أراده؛ ليتذكر الناس»[14]، وقال القشيري: «ويسّرنا فهمه على قلوب قوم»[15]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وللبقاعي قوله:«﴿لِلذِّكْرِ﴾، أي: الاتعاظ والتذكّر والتدبر والفهم والحفظ والتشريف لمن يراعيه»[16]، وفي تفسير السعدي: «ولهذا كان عِلْم القرآن حفظًا وتفسيرًا، أسهل العلوم، وأجلّها على الإطلاق»[17]. وهذا لا يعني أن كلام الله تعالى على درجة واحدة من البيان، بل منه ما يشترك في فهمه العامة والخاصّة، ومنه ما ينفرد بإدراك معانيه وتفسيره الخاصة؛ كما قال ابن عباس: «التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ: وجهٌ تعرفه العربُ من كلامها، وتفسير لا يُعْذَر أحدٌ بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذِكْره»[18]، ويقول الدكتور محمد عبد الله دراز -رحمه الله- في عبارة جميلة: «فهو قرآن واحد يراه البُلَغاء أَوْفَى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم لا يلتوي على أفهامهم، ولا يحتاجون فيه إلى ترجمان وراء وضع اللغة، فهو متعة العامّة والخاصّة على السواء، ميسَّر لكلّ من أراد: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]»[19]. 6- تيسير تلاوته وقراءته: لقد أنزل الله تعالى هذا الكتاب؛ ليُقرأ ويُعمل به، فلو لم يُيسِّر علينا قراءتَه ما استطاع أحد أن يتلو منه حرفًا، كيف لا؟ وهو كلام الله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: 21]،﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد: 31]، قال الضحاك عن ابن عباس: «لولا أنّ الله يَسَّره على لسان الآدميين، ما استطاع أحد من الخَلْق أن يتكلّم بكلام الله عز وجل»[20]. وقد جاء: «عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، قَالَ: هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ»[21]، وعن السدي: «يَسَّرنا تلاوتَه على الألْسُن»[22]. وقال الماوردي: «﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، فيه ثلاثة أوجه؛ أحدها معناه: سهّلنا تلاوتَه على أهل كلِّ لسان، وهذا أحد معجزاته؛ لأنّ الأعجمي قد يقرؤه ويتلوه كالعربي»[23]، وقد أشار ابن كثير إلى وجهٍ من أوجهِ تيسير تلاوة كلام الله -عز وجل- فقال: «ومِن تيسيره تعالى على الناس تلاوةَ القرآن ما تقدَّم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف)»[24][25][26]. 7- تيسير عِلْم ما فيه واستنباط معانيه: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الارتباط بكلام الله تعالى لا تكاد تُحدّ صوره، ومن أوجه هذا الارتباط: استنباط المعارف والعلوم، والأحكام والحِكَم، والأسرار واللطائف والسّنن الإلهية (...) من كلام الله عز وجل، واستخراج ما تحويه الآيات من دقيق العلم وجليله، قال الماوردي: «الثاني: سهّلنا عِلم ما فيه واستنباط معانيه، قاله مقاتل»[27]. وفي تفسير القشيري: «يسّرنا قراءتَه على ألسِنَة الناس، ويسّرنا عِلمه على قلوب قومٍ، ويسّرنا فهمه على قلوب قوم، ويسّرنا حفظه على قلوب قوم؛ وكلّهم أهل القرآن، وكلّهم أهل الله وخاصته»[28]. ولقد سهّل اللهُ على عباده استخراج هذه الكنوز شريطة أن يتقيّدوا بالمناهج المرْضِيّة التي رسمها أهل التخصّص؛ لِئَلّا يصير الاستنباط طريقًا يسلكه كلّ صاحب انحراف أو هوى أو بدعة؛ فيلصق بكلام الله ما هو براء منه، ولا يدلّ عليه، ولا يحتمله. 8- تيسير التأثُّـر به وسرعة أخذِه بمجامع القلوب والعقول: وهذا شيء ملاحَظ؛ فإنّك كثيرًا ما تجد الشخص العامّي الذي لا يقرأ ولا يكتب، إذا تُليت عليه آيات من الذِّكْر الحكيم وقعتْ منه موقعًا عظيمًا، فيهتزّ لها قلبه، وتسكن إليها نفسه، وتخشع بسببها جوارحه، فكيف بمَن علمَ معانيه واطّلع على تفسيره، ووقف عند حدوده؟ فلا شك أنه سيجد للقرآن في قلبه -إذا قرأه أو استمع إليه- أثرًا بالغًا، وهذا من تيسير الله تعالى لهذا الكتاب على عباده؛ إِذْ جعله بهذه الدرجة من التأثير. ومنزلة تأثير كلام الله تعالى على القلوب والعقول لا يمكن أن تصل إليها عبارات العلماء، ولا إشارات الحكماء مهما نمّقوا الألفاظ وزيّـنوا العبارات؛ لأنّ كلامَهم كلامُ المخلوق العبد وكلامَ الله تعالى كلامُ الخالق المعبود، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif قال ابن عطية عن هذا التيسير: «يُسِّرَ بما فيه من حُسْن النَّظْم وشرف المعاني فله لَوْطَةٌ بالقلوب، وامتزاجٌ بالعقول السليمة»[29]، وعن الرازي: «الثالث: جعلناه بحيث يعلق بالقلوب»[30]، وقال صاحب الظِّلال: «وكلّما صحبته النفس زادت له أُلفة وبه أُنسًا»[31]. 9- تيسير تدبّره: لقد طالَب اللهُ تعالى عباده بتدبّر كتابه، بل طالَب الكفار بذلك وحضّهم عليه، ووبّخ المعرِضين منهم عنه، فقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]، وقال أيضًا: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]، وهذا التدبّر هو: «مرحلة ما بعد التفسير! أي: ما بعد الفهم للآية، لكن الفهم المطلوب لتحصيل التدبر إنما هو الفهم الكلي العام، أو بعبارة أخرى: الفهم البسيط. ولا يشترط في ذلك تحقيق أقوال المفسِّرين والغوص في دقائق كتب التفسير! وإلا صار القرآن موجَّهًا إلى طائفة محصورة فقط! ومن ثم يمكن لأيّ شخص أن يتدبّر القرآن بعد التحقّق من المعنى المشهور للآية، يقرؤها من أيّ تفسير أو يسمعها»[32]. ومما جاء عن المفسِّرين في تيسير تدبّر القرآن قولُ البقاعي: «﴿لِلذِّكْرِ﴾، أي: الاتعاظ والتذكر والتدبّر والفهم والحفظ والتشريف لمن يراعيه»[33]. وقال صاحب الظلال: «ميسَّر الإدراك، فيه جاذبية ليُقرأ ويُتَدبَّر، فيه جاذبية الصدق والبساطة، وموافقة الفطرة، واستجاشة الطبع، لا تنفد عجائبه، ولا يَخلق على كثرة الردّ، وكلما تَدَبّره القلب عاد منه بزادٍ جديد»[34]. 10- تيسير التلذّذ به والاستماع إليه: لقد حثّ الله عباده على الاستماع للقرآن الكريم، فقال: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]، وذَكَر أنّ الجن لمّا حضروا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقُرئ عليهم القرآن https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif قالوا: ﴿أَنْصِتُوا﴾ [الأحقاف: 29]، وأخبَر أن صالح القسيسين والرهبان إِذَا: ﴿سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: 83]، وإنك لترى بعض الأعجمين الذين لا يفقهون شيئًا من القرآن الكريم، ولا يعرفون اللغة العربية إذا تُلي عليهم القرآن الكريم وجدوا لذة وحلاوة عند سماعه[35]، وإنّ هذا لمن المهابة التي غشيت هذا الكلام، ومن التيسير الذي جعله الله سبحانه في كلامه؛ ليهتدي به الناس ويؤوبوا إلى ربهم لعلّهم يرحمون، قال الرازي: «ويُستلَذُّ سماعُه، ومَن لا يفهمُ يتفهّمُه، ولا يسأمُ مِن سمعِه وفهمِه، ولا يقول قد علمتُ فلا أسمعه، بل كلّ ساعة يزداد منه لذّةً وعلمًا»[36]. 11- تيسيره لمجاهدة الكفار والمنافقين والملحدين وغيرهم: لقد أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يجاهد الكفار والمنافقين بهذا الكتاب، فقال عز من قائل: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52][37]، ولا شك أنّ القرآن الكريم مليء بطرق الجدال ووسائله وأصناف المجادلين (...)، فلولاه ما علم المسلم المنهج الصحيح في المجادلة، وهذا من رحمة الله بعباده وتيسيره عليهم؛ إِذْ أنزل إليهم هذا الكتاب تبيانًا لكلّ شيء، يعرفون به دينهم وعقيدتهم وكيف يدافعون الشُّبهات التي يلقيها الخصوم في طريقهم، فلك الحمد ربنا حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، قال الرازي: «وتتحدَّى به -أي أيها النبي صلى الله عليه وسلم- في العالَم ويبقى على مرور الدهور، ولا يحتاج كلّ مَن يحضرك إلى دعاءٍ ومسألةٍ في إظهارِ معجزة»[38]. خاتمة: عرجنا في هذه المقالة على جوانب من تيسير القرآن الكريم على العباد، وهي: (تسهيل حفظه، وتيسير تذكّر النعم به، وسهولة إدراك ما وقع للأمم الغابرة، وتيسير الادكار والاعتبار والاتعاظ به، وتيسير التذكير والإرشاد به، وتيسير بيانه ومعناه وفهمه وتفسيره، وتيسير تلاوته وقراءته، وتيسير عِلْم ما فيه واستنباط معانيه، وتيسير التأثّر به، وسرعة أخذِه بمجامع القلوب والعقول، وتيسير تدبّره، وتيسير التلذّذ به والاستماع إليه، وتيسيره لمجاهدة الكفار والمنافقين والملحدين وغيرهم). ولعلّ العباد يُـقْبِلون على هذا الكتاب فيصدّقوا بما حواه من أخبار ويعملوا بما فيه من أحكام، علّهم يأمنون حين يخاف المعرضون، وينجون حين يهلك الهاجرون؛ ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123- 124]، ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30]. واللهَ تعالى نسأل أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. [1] هذه رسالات القرآن فمن يتلقاها؟ لفريد الأنصاري (القاهرة: دار السلام، ط3، 1435= 2014)، ص17.[2] النكت والعيون، للماوردي (بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، بدون طبعة وتاريخ)، (5/ 413). [3] أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1418)، (5/ 166). [4] تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، ط1، 1426= 2005)، (9/ 449). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [5] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري (بيروت: دار الكتاب العربي، ط3، 1407)، (4/ 435). [6] تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (9/ 449). [7] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري (4/ 435). [8] مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، للرازي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420)، (29/ 300). [9] أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي (5/ 166). [10] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (مؤسسة الرسالة: ط1، 1420= 2000)، ص666. [11] أيسر التفاسير، لأبي بكر الجزائري (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، ط5، 1424= 2003)، (5/ 210). [12] الطريق إلى القرآن، لإبراهيم السكران (الرياض: دار الحضارة، ط2، 1437= 2016)، ص10. [13] الهداية إلى بلوغ النهاية، لأبي محمد مكي بن أبي طالب (مجموعة بحوث الكتاب والسنّة- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية: جامعة الشارقة، ط1، 1429= 2008)، (11/ 7190). [14] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء ابن كثير (دار طيبة للنشر والتوزيع: ط2، 1420= 1999)، (7/ 478). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [15] لطائف الإشارات، لعبد الكريم بن هوازن القشيري (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3، بدون تاريخ)، (3/ 497). [16] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، بدون طبعة وتاريخ)، (19/ 108). [17] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص825. [18] جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري (مؤسسة الرسالة: ط1، 1420 / 2000)، (1/ 75). [19] النبأ العظيم؛ نظرات جديدة في القرآن الكريم، لمحمد بن عبد الله دراز (مصر- القاهرة: دار ابن الجوزي، ط1، 1434= 2013)، ص113. [20] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء ابن كثير (7/ 478). [21] تفسير مجاهد (مصر: دار الفكر الإسلامي الحديثة، ط1، 1410= 1989)، ص634. [22] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء ابن كثير (7/ 478). [23] النكت والعيون، للماوردي (5/ 413). [24] رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب أُنزل القرآن على سبعة أحرف، رقم: 4992. ومسلم، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، رقم: 271، كلاهما من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. [25] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء ابن كثير (7/ 478). [26] وقد أشار إلى هذا الوجه من التيسير -أيضًا- أحمد الكوراني الشافعي، في غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني، ص44. [27] النكت والعيون، للماوردي (5/ 413). [28] تفسير القشيري (3/ 497). [29] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الأندلسي (بيروت: دار الكتب العلمية ط1، 1422)، (5/ 215). [30] مفاتيح الغيب (29/ 300). [31] في ظلال القرآن، لسيد قطب (بيروت/ القاهرة: دار الشروق، ط17، 1412)، (6/ 3431). [32] هذه رسالات القرآن فمن يتلقاها؟ لفريد الأنصاري، ص61- 62. [33] نظم الدرر، للبقاعي (19/ 108). [34] في ظلال القرآن، لسيد قطب (6/ 3431). [35] انظر قصة عجيبة تدل على هذا الأمر ذكرها صاحب الظلال -رحمه الله تعالى- في كتابه (في ظلال القرآن، 3/ 1786)، والذي منعني من نقلها هنا خشية الإطالة. [36] مفاتيح الغيب، للرازي (29/ 300). [37] جاء في تفسير الطبري (19/ 281): «عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس، قوله: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾، قال: بالقرآن». [38] مفاتيح الغيب، للرازي (29/ 300). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif فوائد من كتاب ( الإعجاز العلمي إلى أين؟ - مقالات تقويمية للإعجاز العلمي )* للدكتور مساعد الطيار. (24) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s بسم الله الرحمن الرحيم. هذه مجموعة فوائد من كتاب ( الإعجاز العلمي إلى أين؟ ) للدكتور مساعد الطيار: ١- ما من نبي إلا وكانت له آية تدل على صدقه في كونه مرسلاً من ربَّ العالمين، لكن هذا لا يلزم منه أن تكون آيات الأنبياء عليهم السلام قد حُكيت لنا. ٢- الأنبياء عليهم السلام تكون لهم أكثر من آية، وتتمايز هذه الآيات في عظمتها، لذا لا يلزم أن تكون كل آية من آياتهم مما برع به أقوامهم، وإنما يقال: مما يدركه أقوامهم. ٣- شاع تسمية آيات الأنبياء عليهم السلام بالمعجزات، حتى غلب لفظ المعجزة على لفظ الآية في آيات الأنبياء، والوارد في القرآن تسميتها بالآية والبرهان والسلطان والبيِّنة. ٤- الآية: العلامة الدالة على صدق الرسول بأنه مُرسل من ربه، وهذا المصطلح هو الغالب في القرآن والسُّنَّة من بين المصطلحات الأخرى التي جاءت فيهما، وبقي هذا المصطلح في كلام الصحابة، والتابعين وأتباعهم. ٥- لو وازنْتَ بين مصطلح القرآن والسُّنّة (الآية)، وهذا المصطلح الحادث (المعجزة) = لبان لك أن مصطلح القرآن والسُّنّة لا يحتاج إلى تلك الشروط التي عَرَّف بها هؤلاء مصطلح المعجزة؛ لأن الآية هي العلامة الدالة على صدق النبي، وهي مستلزمة لذلك إذا نطق بها، وعلى هذا جميع آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ٦- أما مصطلح المعجزة، فاحتاج من يقول بها إلى تقييدات لها سمَّوها (شروط المعجزة)، وقد بُنيت هذه الشروط شيئاً فشيئاً حتى تكاملت إلى سبعة شروط عند المتأخرين: قال الإيجي: (البحث الأول في شرائطها، وهي سبع: الأول: أن يكون فعل الله أو ما يقوم مقامه ... الثاني: أن يكون خارقاً للعادة إذ لا إعجاز دونه ... الثالث: أن يتعذر معارضته، فإن ذلك حقيقة الإعجاز. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الرابع: أن يكون ظاهراً على يد مدعي النبوة ليعلم أنه تصديق له ... الخامس: أن يكون موافقاً للدعوى ... السادس: ألا يكون ما ادعاه وأظهره مكذباً له ... السابع: أن لا يكون متقدماً على الدعوى بل مقارناً، لها لأن التصديق قبل الدعوى لا يعقل ...) المواقف للإيجي، تحقيق عبد الرحمن عميرة ٧- اشتراط التحدي في تسمية المعجزة ليس بسديد، وإنما الذي دعا إليه هو حصر الحديث عن آيات الأنبياء بالآية العظمى لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، وهي القرآن الكريم الذي تحدى الله به الإنس والجن. ٨- بعض العلماء ذهب إلى التفريق بين المعجزة والكرامة بتفريقات منها: أن المعجزة يتحدى بها النبي عليه الصلاة والسلام، والكرامة تقع للولي ولا يتحدى بها، وهذا التفريق محض اصطلاح. ٩- ومن أهم الشروط التي ذكروها: أن المعجزة تكون مقرونة بالتحدي، وهذا الشرط لا يتناسب مع كثير من معجزاتهم، بل إنها كلها ـ إلا القرآن ـ لم يُتحدَّ بها، ١٠- مما يحسن التنبه له في موضوع (معجزات ـ آيات ـ الأنبياء) أنها ليست هي الطريق الوحيد لإثبات نبوة الأنبياء، لذا تجد أن أغلب الناس يؤمنون بدون أن يظهر لهم البرهان والحجة على معجزة من المعجزات. ١١- مما يحسن التنبه له في (إعجاز القرآن) أن هذا المصطلح أحدث بلبلة في التفريق بين ما تُحدِّي به العرب صراحة وبين (دلائل الصدق) الأخرى التي فيه التي سمَّاها العلماء (أنواع الإعجاز القرآني)؛ كالإخبار بالغيوب، فظنَّ بعض الناس أنها داخلة في التحدي. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ١٢- إذا جمعت الوجوه التي حُكيت في أنواع الإعجاز ـ سوى الصرفة ـ وجدت أنها لا تكون في كل سورة، بل تتخلف في كثير من السور، فمثلاً: ليس في كل السور إخبار بالغيب. أما الذي يوجد في كل سورة بلا استثناء فهو الوجه المتحدى به، وهو ما يتعلق بالنظم العربي لهذا القرآن (لغة وبلاغة وأسلوباً). ١٣- جاز لنا أن نعدل عن مصطلح (أنواع إعجاز القرآن) إلى (دلائل صدق القرآن)، فإنه يمكن القول بأن وجوه صدق هذا الكتاب تظهر في جوانب كثيرة جداً. ١٤- بعض دلائل الصدق (أنواع الإعجاز) ليست مختصةً بالقرآن، بل هي مرتبطة بكلام الله سبحانه وتعالى. ١٥- ما يحكيه بعض المعاصرين من وجوه إعجاز جديدة؛ كإطلاق مصطلح (الإعجاز العقدي) أو (الإعجاز التشريعي) أو (الإعجاز العلمي) أو غيرها = فإنها غير مختصَّة بالقرآن وحده، بل هي عامَّةٌ في كلام الله النازل على رسله. ١٦- موضوع الإعجاز العلمي يدخل تحت التفسير بالرأي، فإن كان المفسر به ممن تأهل وعَلِمَ، كان تفسيره محموداً، وإن لم يكن من أهل العلم فإن تفسيره مذموم، وإن كان قد يصل إلى بعض الحقِّ. ١٧- إنَّ الإعجاز العلمي يدخل في ما يسمَّى بالإعجاز الغيبيي، وهو فرع منه، إذ مآله الإخبار بما غاب عن الناس فترة من الزمن، ثمَّ علمه المعاصرون. ١٨- قصارى الأمر في مسألة الإعجاز العلمي أنَّ الحقيقة الكونية التي خلقها الله، وافقت الحقيقة القرآنية التي تكلم بها الله، وهذا هو الأصل؛ لأنَّ المتكلم عن الحقيقة الكونية المخبر بها هو خالقها، فلا يمكن أن يختلفا البتة. ١٩- إن كثيراً ممن كَتب في الإعجاز العلمي ليس ممن له قدم في العلم الشرعي فضلاً عن علم التفسير وكان من أخطار ذلك أن جُعلت الأبحاث في العلوم التجريبية أصلاً يُحكم به القرآن، وتُؤوَّل آياته لتتناسب مع هذه النظريات والفرضيات. ٢٠- إن كتاب الله أعلى وأجلَّ من أن يُجعل عرضة لهذه العقول التي لم تتأصل في علم التفسير، فأين هم من قول مسروق: «اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله»؟ ٢١- في نسبة الإعجاز، أو التفسير إلى «العلمي» خلل كبير، وأثر من آثار التغريب الفكري، فهذه التسمية منطلقة من تقسيم العلوم إلى أدبية وعلمية، وفي ذلك رفع من شأن العلوم التجريبية على غيرها من العلوم النظرية التي تدخل فيها علوم الشريعة. ٢٢- ومما يلاحظ في أصحاب الإعجاز العلمي عدم مراعاة مصطلحات اللغة والشريعة، ومحاولة تركيب ما ورد في البحوث التجريبية على ما ورد في القرآن ٢٣- إنَّ بعض من نظَّر للإعجاز العلمي، وضع قاعدة، وهي: أن لا يفسَّر القرآن إلا بما ثبت حقيقة علمية لا تقبل الشكَّ، لئلا يتطرق الشك إلى القرآن إذا ثبت بطلان فرضية فسِّرت بها آية. وهذا القيد خارجٌ عن العمل التفسيري، ولا يتوافق مع أصول التفسير. ٢٤- من الذي يُثبتُ أنَّ هذه القضية صارت حقيقةً لا فرضية؟ https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أي: من هو المرجع في ذلك؟ أيكفي أن يُحدِّثَ بها مختصٌّ؟ ٢٥- بالنسبة للمفسِّر، فإنه لا يمكنه أن ينكر ما يُحكمُ بثبوته من حقائق العلم التجريبي؛ لأنه لا يملك الأدوات التي يصل بها إلى أن يثبت أو ينكر. ٢٦- عمل المفسِّر هنا أن يرى صحة انطباق تلك القضية على ما جاء في القرآن من جهة دلالة اللغة والسياق وغيرها إن الربط بين ما يظهر في البحث التجريبي المعاصر وبين ما يرد في القرآن إنما هو من عمل المفسِّر به، كائناً من كان هذا المفسر، ومهمته في هذا بيان معاني القرآن. ٢٧- إن موضوع الإعجاز العلمي طويل جدّاً، ولست ممن يردُّه جملة وتفصيلاً، لكنني أدعو إلى تصحيح مساره، ووضعه في مكانه الطبيعي دون تزيُّدٍ وتضخيم . ٢٨- إنَّ أي تفسير جاء بعد تفسير السلف، فإنه لا يقبل إلا بضوابط، وهذه الضوابط: 1 - أن لا يناقض (أي: يبطل) ما جاء عن السلف (أعني: الصحابة والتابعين وأتباع التابعين) 2 - أن يكون المعنى المفسَّر به صحيحاً. 3 - أن يتناسب مع سياق الآية، وتحتمله الآية. أن لا يُقصَر معنى الآيةِ على هذا المعنى المأخوذ من البحوث التجريبية. ٢٩- إن وجد إشارةٌ في القرآن لبعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية فإنها لم تكن هي المقصد الأول، ولم ينْزل القرآن من أجلها، ٣٠- المعلومات العقدية والشرعية ـ أي: كيف يعرفون ربهم، وكيف يعبدونه ـ هي الأصل المراد بإنزال القرآن وهي التي تكفَّل الله ببيانها للناس، أما المعلومات الدنيوية بما فيها العلوم التجريبية فهي موكولة للناس كما https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif سبق، وإن جاءت فإنها تجيء مرتبطة بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعاً وليس أصالةً؛ أي: أن القرآن لم يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها على توحيد الله وأحقيته بالعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر. ٣١- القضايا العلمية التي يفسر بها من يبحث في الإعجاز أو التفسير العلمي لا يدركها إلا الخواص من الناس، ولا يوصل إليها إلا بالمِراس. ٣٢- الفرق بين القرآن والعلم التجريبي في تقرير القضية العلمية: ⁃ أن القرآن يقررها حقيقة حيث كانت وانتهت، والعلم التجريبي يبدأ في البحث عنها من الصفر حتى يصل إلى الحقيقة العلمية ⁃ القرآن يذكر القضية العلمية مجملة غير مفصلة، أما العلم التجريبي فينحو إلى تفصيل المسألة العلمية. • علم البشر قاصر غير شمولي، ونظره من زاوية معينة، لذا قد يغفل عن جوانب في القضية، فيختلَّ بذلك الحكم ونتيجة البحث. ٣٣- قد تكون بعض القضايا العلمية صحيحة في ذاتها، لكن الخطأ يقع في كون الآية تدلُّ عليها، وتفسَّر بها. ٣٤- موقف المسلم من قضايا العلوم التجريبية المذكورة في القرآن: ⁃ الإيمان بالقضية الكونية التي ذكرها القرآن لا يحتاج إلى إدراك الحسِّ، بل يكفي ورودها في القرآن، بخلاف القضايا العلمية التي يحتاج الإيمان بها إلى الحسِّ، سواءً أكانت هذه القضايا مذكورة في القرآن أم لم تكن مذكورة. ⁃ المسلم مطالب بالأخذ بظواهر القرآن، وأخذه بها يجعله يسلم من التحريف أو التكذيب بها، ولو كانت مخالفة لقضايا العلم التجريبي المعاصر. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ⁃ إذا عارضت النظريات العلمية، ولو سُميت حقائق علمية فإنه لا يلزم الإيمان بها، بل يقف المسلم عند ظواهر القرآن ٣٥- يجب الحذر من حمل مصطلحات العلوم المعاصرة على ألفاظ القرآن وتفسيره بها. 36• البحوث العلمية الناتجة عن الدراسات لا يلزم مصداقيتها، وهي درجات من حيث المصداقية، لذا ترى دراسة علمية تذكر فوائد شيء، وتأتي دراسة تناقضها في هذه الفوائد. ٣٧- ممَّا يلاحظ على من كتب في الإعجاز العلمي أنه لم يبيِّن علاقته بمفهوم المعجزة كما استقرَّ عند العلماء السابقين الذين كتبوا فيها، بل راح بعضهم يتلمَّس مفهوماً جديداً يتناسب مع مفهوم الإعجاز العلمي عنده، فراح يورد معاني مادة عجز في اللغة، حتى إذا ما ظَفِرَ بمعنى (السَّبق) عضَّ عليه. ٣٨- لا تظهر علاقة تعريف الإعجاز العلمي ـ الذي هو عندهم نوع من أنواع إعجاز القرآن الكريم ـ بتعريف المعجزة كما نقلوه عن العلماء السابقين نقل تقريرٍ وقَبول. ٣٩- إن من تكلم عن الإعجاز العلمي يحرص على جعله نوعاً جديداً مستقلاًّ، وتراه يجعله خاصّاً ـ في معظمه ـ بالآيات الكونية، والعلوم التجريبية. ٤٠- التحدي الحقيقي يقوم على من يملك أدوات التحدِّي دون من يفقدها، وهي بالنسبة له من العدم. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وإذا كان هذا بيِّناً، فإنه يظهر أنَّ التحدي لم يكن بغير ما كانوا بارعين فيه، عارفين له، ومالكين لأزمَّة أمره، وهو جانب النظم والبيان، أما غيره مما انسبك في هذا النظم من أمور تشريعية وتاريخية وغيبية وغيرها، فهي مما لم يُطالبوا بالإتيان بمثله؛ لأنهم غير قادرين عليه أصلاً، ٤١- إن النتيجة التي سيصل إليها من يريد البحث في هذا المجال هي صدق القرآن وأنه وحي منَزَّل من عند الله. والمقصود أنَّ نهاية البحث في هذا الموضوع هو التنبيه على صدق القرآن إذ أخبر عمَّا كان خافياً عن البشر إبَّان نزوله، فظهر بتقدم الزمن . ٤٢- يُنتبه لأمور: الأول: أن لا يُسمى البحث في قضايا العلم التجريبي بهذا الاسم (الإعجاز العلمي). الثاني: أن لا يُنطلق في الحديث من القرآن لأجل إثبات أن القرآن قد تحدث عن هذه القضية أو تلك. الثالث: أن يُنطلق في الحديث عن هذه الأمور من باب بيان عظمة الله في خلقه، وإن جاءت الآيات في البحث عن عظمة الله في خلقه فمجيئها على سبيل الاستشهاد لا على سبيل تقرير ما فيها من أمور متعلقة بالبحوث التجريبية. ٤٣- من خلال قراءتي فيما سطَّره بعض المعاصرين ممن اعتنوا بإبراز (الإعجاز العلمي) في كتاب الله سبحانه وتعالى؛ رأيت أن اعتمادهم على المأثور عن السلف قليلٌ جداً، وجُلُّ اعتمادهم على كتب التفسير المتأخرة، فتراهم ينسبون القول إلى القرطبي وأبي حيان والشوكاني على أنهم هم السلف ٤٤- في هذا العصر الذي برز فيه سلطان العلوم الكونية والتجريبية سعى نفر من المسلمين إلى إبراز سبق القرآن إلى كثير من هذه المكتشفات المعاصرة، لكنَّ بعضهم تنقصه الآلة التي يستطيع بها معرفة صحة مطابقة تلك القضية في تلك العلوم للآية التي يحمل عليها ذلك التفسير الحادث، كما أن الملاحظ على هؤلاء أنهم لا يعرفون قول السلف في الآية. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif - تكاد تتفق كلمة الباحثين في الإعجاز العلمي على أن المراد به: سبق القرآن إلى الإخبار بأمور كانت غير معلومة للجيل الذين نزل عليهم القرآن، وظهرت معرفتها في هذا العصر المتأخر. ٤٦- إن أي مفسر ـ كائناً من كان ـ إذا أقدم على التفسير وهو غير عالم بطريقة التعامل مع تفسير السلف حال الاتفاق وحال الاختلاف، فإنه سيقع في تفسيره خلل بسبب نقص علمه في هذا المجال، إلا أن يكون ناقلاً لا رأي له، وبهذا يكون خارجاً عن أن يكون مفسراً. ٤٧- ضوابط قبول التفسير المعاصر: الضابط الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحاً في ذاته: 1 - أن تدلَّ عليه لغة العرب، وذلك في تفسير الألفاظ أو الصيغ أو الأساليب. وهذا يعني أن تفسير ألفاظ القرآن بمصطلحات علمية سابقة له ، أو مصطلحات لاحقة لا يصحُّ البتة؛ لأن ألفاظه عربية. يؤخذ من لسان العرب، ولغة القرآن، لا من هذه المصطلحات 2 - أن لا يخالف مقطوعاً به في الشريعة. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فإن ما لا يوافق الشريعة لا يمكن أن تدل عليه آيات القرآن بحال. الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث: ويمكن معرفة ذلك بطرق، منها أن تدلَّ عليه بأي وجهٍ من وجوه الدلالة: مطابقةً أو تضمُّناً أو لزوماً، أو مثالاً لمعنى لفظ عام في الآية، أو جزءاً من معنى لفظ من الألفاظ، أو غير ذلك من الدلالات التي يذكرها العلماء من أصوليين وبلاغيين ولغويين ومفسرين. وهذا الضابط مهمٌّ للغاية، إذ قد يصحُّ القول من جهة وجوده في الخارج، لكن يقع الخلل في صحة ربطه بالآية، الضابط الثالث: أن لا يبطل قول السلف: والمراد أن القول المعاصر المبني على العلوم الكونية أو التجريبية يُسقطُ قول السلف بالكلية، ٤٨- مصطلح معاصر حادث، وهو (الإعجاز العلمي في السُّنَّة النبوية)، فهل يصح هذا الإطلاق؟ إذا رجعنا إلى تراثنا المتراكم عبر القرون، وجدنا علماءنا ـ رحمهم الله تعالى ـ قد كتبوا في هذا الأمر، لكن تحت مسمَّى (دلائل النبوة) أو (أعلام النبوة)، وهو أقلُّ في الاستعمال من (دلائل النبوة). ويذكرون في كتبهم هذه أموراً: الأول: معجزات نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم. الثاني: أحواله الدالة على صدقه. الثالث: إخباراته بالغيب، والإشارة إلى وقوع بعض ما أخبر به. ٤٩- قلَّبتُ الأمر في هذا المصطلح الحادث، فلم أر أننا بحاجة إليه ما دام في تراثنا ما يغني عنه، ويدلُّ على المراد به دون مشكلات علمية، وإذا تأملت تعريفهم للإعجاز العلمي بالسُّنَّة النبوية؛ ظهر لك يقيناً أن مدلول مصطلح (دلائل النبوة) أصدق وأدقُّ من مدلول (الإعجاز). ٥٠- هل يُعدُّ هذا سبقاً، وهل هذا السبق ـ لو صحَّ ـ إعجاز؟! حقيقة السبق تكمن في المجهود البشري البحت، وليس في ادِّعاء سبق القرآن للعلم المعاصر؛ لأن ادعاء السبق ظنِّي بلا ريب، ولا يمكن لأحد أن يجزم بأن هذه القضية المعاصرة تفسير وتأويل لآيةٍ ما. ٥١- يصحُّ ادعاء السبق في حالين: الأولى: أن تكون الآية ظاهرة واضحة بلا نزاع في أن المراد منها ما اكتشفه العلم المعاصر، وفي هذه الحالة، فإن فهم السلف لها يُخرجها عن كونها لم تُكتشف إلا بالعلوم المعاصرة المكتسبة، ويبدو أنه إذا وُجد أمثلة من هذا النوع فإنها خارجةٌ عن كلام أهل الإعجاز العلمي. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الثانية: إذا قام الباحث المسلم باكتشاف القضية المعاصرة، ثم اكتشفها الكافر بعده، فتلك حقيقة السبق. ٥٢- هل هناك فرق بين دلالة الآيات القرآنية ودلالة الأحاديث على المكتشفات المعاصرة؟ إذا تأملت مجموعة من الأحاديث النبوية التي نُسب إليها (الإعجاز) ـ كما هو الحال في التعريف الأول ـ فإنك ستلاحظ أن دلالة الحديث النبوي على القضية المكتشفة المعاصرة أقوى من دلالة الآية التي تأتي مجملة ـ في كثير من الأحيان . ٥٣- لقد بقي تفسير القرآن بما ورد في كتب العلوم التجريبية والكونية يسمَّى بالتفسير العلمي، وهو اجتهاد في ربط بعض ظواهر الكون المكتشفة حديثاً بالقرآن، وإبراز أن القرآن قد دلَّ عليها، وهذه النتيجة لا تختلف عن الانتقال من تسمية هذه الظاهرة التفسيرية الجديدة باسم الإعجاز العلمي، فهذا يفسر، وذاك يفسر، وإنما الاختلاف في كون المفسَّر به نظرية أو حقيقة. 54- مدلول العلم عند الطاهر بن عاشور أوسع من مدلول المعتنين بالإعجاز العلمي الذين جعلوه في (العلوم التجريبية). 55- دلائل صدق القرآن لا يمكن أن تُحصر، فكل آية من آياته دليل على صدقه، فالجهل بالاستدلال بها اليوم من قِبَلِ بعض الناس لا يعني عدم وجودها، أو أنها لا توجد إلا في الإعجاز العلمي. 56- كيف نتعامل مع تفسير السلف؟ 1- معرفة ما منَّ الله عليهم به من التقدم في الإسلام، والإحاطة بعلم الشريعة، والإدراك لمعاني كلام الله. 2- أن نفهم كلام السلف ونعرفه، لكي لا نتعجَّل في ردِّه. 3- أن نبني عليه ولا ننقضه.4- أن نعلم أن اختلافهم ـ في الغالب ـ اختلاف تنوع.5- أنَّ عدم قولهم بهذا مبني على مسألة مهمة، وهي التفريق بين أمرين:الأمر الأول: أنه لا يوجد في القرآن ما لم يعرف له السلف معنى صحيحاً، وهذا يعني أنهم ـ بجمهورهم ـ فسروا القرآن كله، ولم يفت عليهم شيءٌ من معانيه.الأمر الثاني: أنَّ للقرآن وجوهاً غير التي ذكرها السلف، وأنه يجوز تفسير القرآن بالوجوه الصحيحة التي تحتملها الآية. |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif فوائد وتأملات حول اسم الله ( اللطيف )* من كلام العلامة السعدي - رحمه الله - (25) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s بسم الله الرحمن الرحيم - ورد اسم الله ( اللطيف ) في القرآن في سبعة مواضع : } لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{[الأنعام : 103] { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{ [ يوسف : 100] }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ { [الحج : 63] } يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{ [لقمان : 16] } وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا { [الأحزاب : 34] } اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ {]الشورى : 19] https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif }أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ [الملك : 14[ } لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{[الأنعام : 103] { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الذي لطف علمه وخبرته، ودق حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن. ومن لطفه، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد، ولا يسعى فيها، ويوصله إلى السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي، من حيث لا يحتسب، حتى أنه يقدر عليه الأمور، التي يكرهها العبد، ويتألم منها، ويدعو الله أن يزيلها، لعلمه أن دينه أصلح، وأن كماله متوقف عليها، فسبحان اللطيف لما يشاء، الرحيم بالمؤمنين. { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{ (يوسف 100) { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ } يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها، { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها، وسرائر العباد وضمائرهم، { الْحَكِيمُ } في وضعه الأشياء مواضعها، وسوقه الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {[الحج : 63] { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء، وخفياتها، وسرائرها، الذي يسوق إلى عبده الخير، ويدفع عنه الشر بطرق لطيفة تخفى على العباد، ومن لطفه، أنه يري عبده، عزته في انتقامه وكمال اقتداره، ثم يظهر لطفه بعد أن أشرف العبد على الهلاك، ومن لطفه، أنه يعلم مواقع القطر من الأرض، وبذور الأرض في باطنها، فيسوق ذلك الماء إلى ذلك البذر، الذي خفي على علم الخلائق فينبت منه أنواع النبات، { خَبِيرٌ } بسرائر الأمور، وخبايا الصدور، وخفايا الأمور. } يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{ [لقمان : 16] قال: { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي: لطف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif والمقصود من هذا، الحث على مراقبة اللّه، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، قَلَّ أو كَثُرَ. } وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا { [الأحزاب : 34] { إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } يدرك أسرار الأمور، وخفايا الصدور، وخبايا السماوات والأرض، والأعمال التي تبين وتسر. فلطفه وخبرته، يقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال، ومجازاة اللّه على تلك الأعمال. ومن معاني { اللطيف } الذي يسوق عبده إلى الخير، ويعصمه من الشر، بطرق خفية لا يشعر بها، ويسوق إليه من الرزق، ما لا يدريه، ويريه من الأسباب، التي تكرهها النفوس ما يكون ذلك طريقا [له] إلى أعلى الدرجات، وأرفع المنازل. } اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ {]الشورى : 19] يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه، ويتعرضوا للطفه وكرمه، واللطف من أوصافه تعالى معناه: الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده -وخصوصا المؤمنين- إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif - فمن لطفه بعبده المؤمن أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيعازه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه. ومن لطفه : أن أمر المؤمنين، بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض. ومن لطفه، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أن قيض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصية صرفها عنه، وقدر عليه رزقه، ولهذا قال هنا: { يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ } بحسب اقتضاء حكمته ولطفه { وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } الذي له القوة كلها، فلا حول ولا قوة لأحد من المخلوقين إلا به، الذي دانت له جميع الأشياء. }أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ [الملك : 14[ { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا [والخفايا والغيوب]، وهو الذي { يعلم السر وأخفى } ومن معاني اللطيف، أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر، من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب، بأسباب لا تكون من [العبد] على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة. من أوجه لطفه تعالى : من لطفه بعباده المؤمنين أنه يتولاهم بلطفه ، فيخرجهم من الظلمات إلى النور ، من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة . https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ومن لطفه : أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء ، التي هذا طبعها وديدنها ، فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ، ويصرف عنهم السوء والفحشاء . فتوجد أسباب الفتنة ، وجواذب المعاصي ، وشهوات الغي ، فيرسل الله عليهما برهان لطفه ، ونور إيمانهم الذي منّ به عليهم ، فيدعونها مطمئنين لذلك ، منشرحة لتركها صدورهم . ومن لطفه بعباده : أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم ، فقد يريدون شيئا وغيره أصلح . فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه ( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء) ومن لطفه : أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ، وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق ؛ رحمة بهم ولطفا ، وسوقا إلى كمالهم وكمال نعيمهم . ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) ومن لطفه : أن يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها ، فيعزم على قُربة من القرب ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب فلا يفعلها . ومن لطفه : أن يُقيّض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها ، هي أنفع له منها ، فيدٓعُ العبد الطاعة التي ترضي ربه لطاعة أخرى هي أرضى لله منها . https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif و من لطفه : أن يُقّر الله خيرا وإحسانا من عبده ، ويُجريه على يد عبده الآخر، ويجعله طريقا إلى وصوله للمستحق، فيثيب الله الأول والآخر . المصدر : (1) " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " للسعدي (2) كتاب " المواهب الربانية من الآيات القرآنية " للسعدي * منقول من موقع مثانى القرآن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif ليلة القدر؛ فضائلها وسبل استثمارها الكاتب : مسعد عرفة (26) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s ليلة القدر ليلة لها شرف جليل وقدر عظيم، وفيها الكثير من البركات والخيرات؛ فهي هبة عظيمة ومِنّة كبيرة اختص الله بها هذه الأمة. تعرف في هذه المقالة على فضائل هذه الليلة وسُبل استغلالها. سلْني عن أعظم نعمة امتنّ الله بها على عباده أُحدثك عن نعمة القرآن، وسلْني عن خير ليلة في العام أُحدّثك عن ليلة نزول القرآن؛ فهي ليلة ليست كسائر الليالي، إنها ليلةٌ عظيمة القدر أنزل الله فيها كتابًا عظيم القدر عن طريق مَلَكٍ عظيم القدر إلى نبي عظيم القدر، إنها ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [سورة القدر:1-2]. فسبحان من شَهِدَ بفضل هذه الليلة واختارها لتكون ميقاتًا لميلاد رسالة الإسلام وموعدًا لنزول القرآن، فإن أردت أن تتحدث عن شرف القرآن وقدره فينبغي أن تتحدث عن شرف هذه الليلة المباركة التي نزل فيها القرآن، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [سورة الدخان:3]. فضائل ليلة القدر وخصائصها: فليلة القدر ليلة قدرها جليل، وليس لها مثيل، ويضاعف الله فيها العمل القليل، فهي هبةٌ عظيمة ومنة كبيرة اختصَّ الله بها هذه الأمة، وفيما يلي نُجمل شيئًا من فضائل هذه الليلة العظيمة: أولًا: أنَّ الله شرّفها بنزول القرآن فيها: ذلك أنَّ القرآن قد نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أُنزل بعد ذلك إلى الأرض منجمًا ومفرقًا بحسب الوقائع والحوادث، فعن ابن عباس قال: «أُنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة»[1]. ثانيًا: جعل الله -عز وجل- أجرَ العمل فيها خيرًا من ألف شهر: قال مجاهد في قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: «عملُها وصيامُها وقيامُها خيرٌ من ألف شهر»[2]. وذلك منّة من الله وفضل على هذه الأمة لقصر أعمارها، مقارنة بأعمار الأمم السابقة، فقد روي أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر يومًا أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عامًا، قال: فعجب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، عجبتْ أمّتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين، فقد أنزل الله خيرًا من ذلك، فقرأ عليه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، هذا أفضل مما عجبتَ أنت وأمتك، قال: فسُرَّ بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس معه[3]. وروي عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجلٌ يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتى يُمْسِيَ، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، أي: قيام تلك الليلة خيرٌ من عمل ذلك الرجل[4]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ثالثًا: من قام هذه الليلة إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه: فعن أبي هريرة أن رسول الله -صـلى الله عليه وسلم- قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري]. رابعًا: أَخْبَرَ النبي -صـلى الله عليه وسلم- أن من حُرِم خير هذه الليلة فقد حُرِم: فعن أبي هريرة -رضـي الله عنه- قال: لما حَضرَ رمضانُ قال رسول الله -صـلى الله عليه وسلم-: «قد جاءكم شهر رمضان، شهرٌ مباركٌ، افترض اللهُ عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حرم» [رواه النسائي]. خامسًا: أنَّ هذه الليلة تنزّل فيها الملائكة ويُقدّر فيها الآجال والأرزاق: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يقول مجاهد: «يُقضَى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يُقَدّمُ ما يشاء، ويُؤخّر ما يشاء، فأمَّا كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يُغّير»[5]. وعن ربيعة بن كلثوم، قال: كنت عند الحسن، فقال له رجل: يا أبا سعيد، ليلة القدر في كلّ رمضان؟ قال: إي والله، إنَّها لفي كلّ رمضان، وإنها الليلة التي يُفْرَق فيها كلُّ أمرٍ حكيم، فيها يقضي الله كلّ أجل وأمل ورزق إلى مثلها[6]. سادسًا: أخبر الله سبحانه أنها ليلة سالمة من الشيطان ومن كلِّ شرٍّ: يقول ابن جرير في قوله تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، أي: سلام ليلة القدر من الشرّ كلّه من أوّلها إلى طلوع الفجر من ليلتها[7]. وقد روي عن مجاهد في قوله تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر:5] قال: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو يعمل فيها أذى[8]. الحكمة من إخفاء ليلة القدر : ومن حكمة الله -عز وجل- أن أخفى ليلة القدر كما أخفى الأعمار والآجال والأرزاق؛ وذلك ليجتهد المسلم في العبادة والطاعة في جميع ليالي العشر، بخلاف ما لو عُيّنت لها ليلة لخصّها الناسُ بالعبادة ولتكاسلوا عن سائر الليالي، ومع ذلك قد يخصُّ الله بعض عباده برؤية علامتها أو الشعور بسكينتها وبركاتها، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة، فيرى أنوارها أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر، وقد يفتح الله على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر»[9]. بعدما عرفنا أيها القارئ الكريم فضل هذه الليلة المباركة، كيف لنا أن نكون من الفائزين بها؟ أولًا: ينبغي على المسلم أن يتحرّاها في الليالي العشر الأواخر من رمضان: وذلك بالاجتهاد في العبادات والأعمال الصالحات في هذه العشر كلّها، وألا يفتر في ليلة منها وخاصة الليالي الوتر، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صـلى الله عليه وسلم-، قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري]. وروي عن عائشة -رضـي الله عنها-: أنَّ رسول الله -صـلى الله عليه وسلم-، قال: «تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ثانيًا: ينبغي على المسلم أن يجتهد في قيام هذه الليالي العشر وإحيائها: فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنَّه كان إذا أتت العشر الأواخر من رمضان، كان يحيي ليله ويوقظ أهله ويعتكف في المسجد للعبادة، فعن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» [رواه البخاري]. وذلك لأن قيام الليل في هذه الليالي المباركة من أفضل العبادات، التي يمكن أن يتقرب بها المسلم إلى الله -عز وجل-، لما له من عظيم الأجر كما أخبر النبي -صـلى الله عليه وسلم-، فقد روى أبو هريرة، عن النبي -صـلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري]. وهذا القيام يبدأُ من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، كما قال تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر:5]. ومن كان يصلي القيام في المسجد خلف الإمام فيستحب له عدم الانصراف من المسجد حتى ينتهي الإمام من الصلاة، إن أراد أن ينال أجرَ قيام ليلة كاملة؛ فقد روي عن النبي -صـلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة» [رواه أبو داود]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ثالثًا: الاجتهاد في الدعاء في هذه الليالي العشر: وخاصة بهذا الدعاء الذي علمه النبي -صـلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها-، فقد روي عنها أنها قالت للنبي -صـلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، أرأيتَ إنْ علمتُ أيّ ليلةٍ ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحبّ العفو فاعفُ عنّي» [رواه الترمذي]. وفي الختام: أسأل الله أن يُبلّغني وإياكم ليلة القدر، وأن يرزقنا صيامها وقيامها على الوجه الذي يرضيه عنَّا، وأن يكتب لنا أجرها ولا يفتنّا بعدها، وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [1] تفسير ابن كثير: (6/ 100). [2] تفسير الطبري: (24/ 533). [3] تفسير ابن كثير: (8/ 426). [4] تفسير الطبري: (24/ 533). [5] تفسير الطبري: (22/ 10). [6] تفسير الطبري (22/ 8). [7] تفسير الطبري (24/ 534). [8] تفسير ابن كثير (8/ 427). [9] مجموع الفتاوى (25/ 286). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif ضوابط المجالس القرآنية: من كتاب ( مجالس القرآن ) للدكتور فريد الأنصاري (27) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s الضابط الأول: لابد من تجريد القصد لله! واعلم أن القرآن الكريم لا يفتح بصائره إلا للمقبلين عليه بإخلاص! الضابط الثاني: تَحَيُّنُ أوقاتِ الانشراح النفسي للقرآن، والإقبال الوجداني على الذِّكْر، ومَظَانِّ اليقظة الإيمانية.وقد أشار القرآن الكريم إلى نماذج من أحسن أوقات الذكر، وهي أوقات الغُدُوِّ والآصَال. فالغَدُوُّ أو الغَدَاةُ: هي ساعات أول النهار، من الفجر إلى أوائل وقت الضحى. وأما الآصال فمفرده: أصيل، وهو وقت ما بين العصر إلى الغروب.فهو سويعات آخر النهار، حيث يبرد حر الشمس، وتهدأ أشعتها، وتلين أضواؤها، وتطول الظلال وتمتد. و عدم طول وقت المجلس الواحد بما يخرجه عن حده. فإذا لم يكن سبيل إلى عقد مجلس القرآن بأحد هذين الوقتين؛ فليكن بعد المغرب، أي بين العشاءين، وهو وقت داخل أيضا في مسمى (العَشِيِّ)؛ لأن العَشِيَّ في الأصل من العَشْوَةِ وهي: بداية الظلمة، عند إقبال الليل وإدبار النهارالضابط الثالث: وهو مراعاة أدب المجلس، وذلك بالاعتدال في هيأة الجلوس بما يحفظ للعلم وقارَه، وللقرآن جلالَهالضابط الرابع: عدم عقد أكثر من لقاء واحد، أو لقاءين اثنين على الأكثر في الأسبوع الواحد، من لقاءات مجالس القرآن؛ بناء على منهج التَّخَوُّلِ في الموعظة، أي جعل تزود القلب من الإيمان على فترات منتظمة وغير متتابعة،؛ حتى لا يَكَلَّ ولا يَمَلَّ. - الضابط الخامس: احترام قواعد تدارس القرآن العظيم: مما سبق بيانه مفصلا من الترتيل بمنهج التلقي، والتعلم والتعليم بمنهج التدارس، والتزكية بمنهج التدبر. وبهذا نفتح باب الضوابط الخاصة لإدارة المجلس وهي: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif - الضابط السادس: مبادرة أحد الجلساء من أهل العلم أو أهل الحِلْم؛ لتسيير المجلس. فلا بد لمجلس الخير من شخص ينظم سيره، ويرتب أولوياته؛ تجنبا للفوضى والارتجال، أو الانزلاق إلى غير أهداف مجالس القرآن العظيم! وقد يكون هذا المسيِّر من أهل العلم، أو من أهل الصلاح والورع عموما. وقد صَحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: (المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة!). الضابط السابع: أن يعمد إلى إشراك الجميع في عملية التدارس والتدبر. فحضوره في الغالب إنما هو منهجي إداري. فلا ينبغي له أن يتفرد بالكلام إلا إذا آلت الأسئلة إليه وكان من أهل العلم. إذْ يجب التفريق والتمييز بين مجلس الوعظ، أو الدرس، أو المحاضرة، أو نحو ذلك؛ وبين مجلس التدارس. فالتدارس مشاركة كما تدل عليه صيغة (التفاعل) من عبارته. ومن القواعد التربوية المساعدة على إشراك الجميع: الْحِرْصُ على عدم استفحال عدد الجلساء؛ حتى لا يكون جمهوراً غفيراً! إذْ هنالك وجب أن يُولَدَ مجلسٌ قرآني جديد! فرع عن الأول؛ لأن الجمهور الكثير إنما تؤطره المحاضرةُ، أو الخطبةُ، أو الدَّرْسُ؛ لا (التَّدارُسُ)! الضابط الثامن: تجنيب الجلساء الدخولَ في الجَدَلِ العقيم! فما أهلكَ كثيرا من الناس إلا الجدلُ! وفي الأثر عن بعض السلف الصالح: (إذا أراد الله بقوم سوءا سلَّط عليهم الجدل، ومنعهم العمل!) الضابط العاشر: تحديد أهداف المجلس من التدارس، والتذكير بذلك من حين لآخر. وهو تحصيل التزكية للقلب بكتاب الله تعالى، والتخلق بأخلاق القرآن العظيم، من خلال مسالك التَّدَبُّر والتفكر وهي الحذَرُ من استغراق الوقت كله في التفسير، وتتبع أقوال المفسرين من دقائق اللغات والبلاغة والإعراب، وتفاصيل الخلافات الكلامية، وتفاريع الأحكام الفقهية https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فلا ينبغي أن ننسى أن غاية (مجالس القرآن) إنما هو التربية والتزكية، أي تحصيل (الربَّانِيَّة) لا تحصيل (العالِمِيَّة). ويكفيك من العلم لتحصيل الربانية ما يعرفك بالله رب العالمين! (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟!(القمر:17) فمن أراد القرآنَ للذِّكْرِ والذكرى والتربية والتزكية؛ فإنما سبيله اليُسْرُ والبساطة، الضابط الحادي عشر: ومن هنا فالاقتراح الأوفق للمقصود إنما هو أن يُعْتَمَدَ تفسيرٌ مختَصَرٌ من ذلك كله، مما تلقته الأمة بالقبول وأجمع على صحته السَّلَفُ والخَلَفُ. وليس كتفسير الإمام أبي جعفر الطبري(ت:310هـ) رحمه الله أوفى بالمقصود. ويُعْتَمَدُ مختصَرُه فقط دون الأصل؛ لما امتاز به المختصر الذي جمع خلاصة ما ذهب إليه الإمام الطبري، مما أجمع عليه أهل التأويل للآية، أو ما عليه جمهورهم، أو ما رجحه هو رحمه الله من القول والبيان عند الاختلاف(). فإن لم يكن فيلتجأ إلى غيره من المختصرات الجيدة، كمختصر تفسير ابن كثير.الضابط الثاني عشر: وهكذا فلْيُقْرَأ القرآنُ أولا! مما هو مقصود بالتدارس لذلك المجلس. ويمكن أن تُتَداولَ التلاوةُ بين جميع الحضور أو بين أغلبهم، كما يمكن أن يُكْتَفَى بتلاوة أحدهم فقط، حسب ظروف المجتمعين. كما أن تكرار الآيات نفسها التي هي مقرر المدارسة لتلك الحصة أعْوَنُ للقلب على التفقه. والتلاوة – بضوابطها المذكورة من قبل- عبادة رفيعة جدا؛ إذْ تهيء القلب للتلقي عن الله! فلا ينبغي الاستهانة بها وتجاوزها في مجالس القرآن! https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الضابط الثالث عشر: فإذا تمت حصة التلاوة والاستماع والإنصات إلى كتاب الله، كما يليق بكلام الله؛ فليشرع في قراءة خلاصة التفسير قراءةً مسموعة هادئة مفصَّلَةً؛ الضابط الرابع عشر: تَنَاوُلُ قَدْرٍ قليل من الآيات يُشَكِّلُ معنى يحسن السكوت عليه، والوقوف عنده. سواء كان آية واحدة، أو ثلاث آيات، أو خَمْساً، أو سبعا. بشرط ألا يتعدى المقدار المدروس من ذلك كله نِصْفَ ثُمُن الحزب، بالتحزيب المتداول للقرآن الكريم، المطبوع في المصاحف بعلاماته المعروفة(). فَيُقْرَأُ ما ورد فيها من التفسير. الضابط الخامس عشر: يُتَحَقَّقُ من الفهم العام للمعاني التي وردت بها، وأن أهل المجلس على إدراك حسن للمقصود. ويمكن أن تثار الأسئلة حول ما أشكل منها؛ للوصول إلى بيانٍ أشمل وأوضح. - الضابط السادس عشر: فإذا اتضح المعنى؛ وجب - بعد ذلك مباشرة - الدخول في محاولة التعرف على الهُدَى المنهاجي للآية أو الآيات، وهو عَيْنُ الحِكَم المطلوب تعلُّمُها، مما ورد في آيات وظائف النبوة: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ). وذلك بمحاولة استنباط الحقائق الإيمانية التي تتضمنها، والأحوال الخُلُقِيَّة التي تُرْشِدُ إليها، ومحاولة عدها باللسان، وإحصائها بالوجدان، وتداول ذلك بين سائر الْجُلَسَاءِ؛ حتى ترسخ بالقلب وتتضح صورتها بما يساعد على تَدَبُّرِها. - الضابط السابع عشر: وبمعرفة ما تيسر من الحِكَم والمقاصد نفتح باب التدبر للآيات، والتفكر في خلق الأنفس والأرض والسماوات. وذلك لغاية التخلق بأخلاق القرآن الكريم، والاتصاف السلوكي بِحِكَمِه العظيمة! والتفكر والتدبر – إذا خلص كلاهما لله- يورثان التخلق بأخلاق القرآن بصورة تلقائية، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وبلا كلفة، كما بيناه من قبل بشواهده. ثم إن التدبر والتفكر أيضا – بما ينطويان عليه من إبصار للآيات()- يساعدان على معرفة السبل الكفيلة بتذليل النفس وترويضها؛ لقبول هذا الخُلُقِ الرباني أو ذاك، والتحلي بتلك الخصلة النبوية أو تلك. - الضابط الثامن عشر: فإذا تمت مدارسة السورة بأكملها، بهذا المنهج المُجَزِّئِ للوحدات أو الفقرات من كل سورة، في مجلس واحد، إن كانت من السور القصيرة جدا، أو عبر عدة مجالس إن كانت من السور المتوسطة أو من الطوال؛ فلا بد - بعد ذلك - من محاولة قطف الثمرات التالية من ثمار المدارسة، وهي: أ- التعرف على القضايا الأساسية التي تعالجها السورة على الإجمال، وهي حقائقها الإيمانية الكبرى، التي تدور بفلك المحور الرئيس في السورة. ثم من خلال معرفة تلك القضايا والحقائق يمكن: ب- التعرف على المحور الرئيس للسورة على الإجمال. فلكل سورة من سور القرآن العظيم شخصيتها المستقلة، التي بها تتميز عن غيرها في نظمها السالكِ لها بِعَقْدِ الكتاب الحكيم؛ لأن هذا وذاك هو مما يساعد - بإذن الله - على التَّمْسِيكِ بالكتاب؛ لأنه يُمَكِّنُكَ - في كل وقت وحين، بالليل أو بالنهار - من المراجعة والتقويم لِخُلُقِكَ وسلوكك، ولمستواك التربوي عموما، في ضوء ما تَحَصَّلَ لديك من الحِكَم والحقائق الإيمانية، من هذه السورة أو تلك. فضبط المحور الرئيس للسورة، مع ما يدور حوله من قضاياها الأساسية؛ يساعد على طول التدبر للآيات، والتذكر لحقائقها الإيمانية باستمرار؛ حتى بعد انفضاض المجلس، حيث تنطبع المعاني الربانية بالقلب الصافي المتجردِ لله تجردَ افتقارٍ وإخلاص. فإذا اكتمل لديك تدارس القرآن العظيم بهذا المنهج وتكرر؛ صارت خريطته الكلية مرسومة على قلبك بإذن الله؛ لِمَا تلقيت من حقائقه الإيمانية عن الله جل ثناؤه، في مجالس الملائكة! مع جلسائك من (أهل القرآن: أهل الله وخاصته)؛ فلا تتصرف في سلوكك وخلقك بعدها إن شاء الله إلا بخير! وهذا من أهم مقاصد التدارس لكتاب الله تعالى. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif - الضابط التاسع عشر، وهو: - الضابط الجامع:والضابط الكلي، الجامع لضمان سير مجالس القرآن ونجاحها هو: الحفاظ على ميثاق القرآن العظيم، والالتزام به بقوة! إذ بذلك يعرف الجليس الصادق من غيره. وإنما برهانُ صِدْقِ الجليس، وحقيقةُ انتسابه إلى أهل الله من (جلساء الملائكة)، ومصداقية ذلك كله متوقفة على مدى التزامه بميثاق القرآن العظيم. وهو عَهْدَان: عَهْدُ فِعْلٍ وعَهْدُ تَرْكٍ. فأما عهد الفعل فهو يتلخص في ثلاثة التزامات: - الالتزام الأول: الحفاظ على أوقات الصلوات المفروضة بالمسجد، من الفجر إلى العشاء؛ إلا لضرورة شرعية. مع تأكيد النفس وتوطينها على صلاة الفجر وصلاة العشاء، والاجتهاد في ذلك كله لإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، على قدر الإمكان.() فالصلاة هي خير أعمال المسلم على الإطلاق كما تواتر معناه بطرق شتى! وهي العبادة الوحيدة الحاكمة على ما سواها من الأعمال والعبادات بإطلاق! إذا استقامت للمؤمن حقيقتُها وانكشف له سِرُّها؛ استقام له كل شيء من دينه ودنياه! كما فصلناه بأدلته بمحله، فتأمل!() ويكفيك من ذلك قولهe: (استقيموا ولن تحصوا! واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة! ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن!). - الالتزام الثاني: الحفاظ على تلاوة جزء من القرآن الكريم لكل يوم، على الدوام، في الحَضَرِ والسَّفَر سواء! حتى يكون ختم القرآن لكل فرد من أفراد المجلس عند نهاية كل شهر. وبهذا يضمن العبد السالك إلى الله زادا إيمانيا يوميا، ومنهجا لتذكر حقائق الإيمان التي استفادها من مجالس التدارس القرآني. فالتلاوة المستمرة تذكيرٌ وأيُّ تذكير! لمن ذاق حقيقتَها وشاهد فضيلتَها. - والالتزام الثالث: الاجتهاد لضم جليس جديد، أو جلساء جُدُد؛ إلى مجالس القرآن، متى سنحت الفرصة، أو إنشاء مجلس جديد على التمام. وتلك نعمة إيمانية – إن أكرمك الله بها - ولا كأي نعمة! https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فالحرص على نشر الخير والدعوة إليه؛ سِمَةٌ أساسيةٌ للمؤمن الصادق، مهما لقي في سبيل ذلك ما لقي من الحرج والعنت. والآية التي هي الشِّعَارُ الجامِعُ لذلك كله من كتاب الله جل ثناؤه، هي ما سبقت الإشارة إليه من قوله تعالى وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(الأعراف:170). تَمْسِيكٌ بالكتاب أولا: وهو الأخذ بحقائقه الإيمانية بقوة، وإقامة للصلاة ثانيا: وهو إحسان أدائها والسير إلى الله عبر مواقيتها، ثم انطلاق إلى الإصلاح والدعوة إلى الخير. (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). - القرآن لا يفتح أبواب أسراره إلا لمن أقبل عليه بشروطه. وإنما شروطه أمران: إخلاص القصد لله تعالى، ثم أخذ الكتاب بقوة! فأما بيان الشرط الأول: فبإخلاص القصد عند بدء السير إلى منازل القرآن، وبتحقيق الصدق في طلب مجالسه؛ يفتح الله لك أبواب الخير، ويمهد لك الطريق إلى الجنة، وأما بيان الشرط الثاني: فإن القرآن لا يستقيم سَيْرُ العَبْدِ بين مَسَالِكِهِ إلا إذا أخذه بقوة! ذلك منهج الأنبياء والصِّدِّيقِين. فـ (الأخذ بقوة) هو: الأخذ بعزم وبحزم، والصبر على حمل الأمانة وثقل الرسالة! والصبر على طول الطريق! والثبات على الحق! فالشيطان لك بالمرصاد، يثبطك، ويبطئك عن المضي في طريق الله؛ فالصَّبْرَ الصَّبْرَ على دوام ذكر الله في صحبة الصالحين، ومَعِيَّةِ الربانيين، بمنهج القرآن، وبرنامج القرآن. ========================== *منقول من موقع مثانى القرآن https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif صور نصر الله للمؤمنين في سورة غافر؛ نظرات وتأمّلات الكاتب : إبراهيم لبيب (28) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s وَعَدَ اللهُ -عزّ وجلّ- عبادَه المؤمنين بالنّصر والتمكين في كتابه المجيد، ومن ذلك ما حفلَت به سورة غافر من وعدٍ بالنصر، وهذه المقالة تسلّط الضوء على ما ورد من هذا الباب في هذه السورة بالخصوص، وتتعرّض لأهمية معرفة ذلك في واقعنا، وكَشْف بعض الإشكالات المتعلقة بمفهوم هذا الوعد. الحمد لله الذي أوجب على نفسه الكريمة -تفضّلًا منه وكرمًا- نصرَ عباده المؤمنين؛ فقال -وقوله الحقّ-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: 47]. والصلاةُ والسلامُ على نبيّنا وحبيبنا محمد -صلّى الله عليه وسلم- الذي أقرّ اللهُ عينيه بالنصر والتمكين؛ فأنزل عليه في آخر عُمره: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر: 1- 3]. أمّا بعد، فإنّ مما تكاثرتْ به نصوص القرآن الكريم، وسُنّة خاتم المرسلين وُعُود الله بالنصر والتمكين لعباده المؤمنين. وقد حفلتْ سورة غافر بذِكْر عدد من صور هذا النصر والتمكين، وقد أحببنا في هذه المقالة تسليط الضوء على هذه الصور وبيانها؛ لِمَا لذلك من أهمية في فهم حقيقة نصر الله ووعده بالتمكين كما سنبيّن، وكذلك تقوية نفوس المسلمين؛ فمع علوِّ أهل الباطل في الأزمان المتأخّرة قد يتسرَّب اليأس والشكّ إلى بعض النفوس المؤمنة لما يرونه من تسلُّط أهل الباطل وضعف أهل الحقّ، وما يقاسونه من قتلٍ وتشريدٍ وتنكيلٍ. بل إنّ أهل الباطل يستدلّون بعلوِّهم وتمكينهم في الأرض على أنهم هم أهل الرضا الذين يحبهم الله، وأنهم لولا أنهم على الحقّ لما مُكِّنوا في الأرض، والله -عز وجل- يقول: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[آل عمران: 196- 197]. فجاء هذا المقال لينبّه على ما في سورة غافر من صور للنصر والتمكين؛ ليزيل اللبس، ويوضح المفهوم الصحيح لوعد الله بالنصر والتمكين لعباده من الأنبياء والمرسلين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين؛ ليكون المؤمن على بصيرة من أمره، فالله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل، وذلك بعد تمهيد نسلِّط الضوء فيه إجمالًا على فكرة وُعُود النصر والتمكين وأهميتها في واقعنا ونبيّن بعض الإشكالات في فهمها، وكذلك سبب اختيارنا لسورة غافر لنعالج صور النّصر والتمكين من خلالها. تمهيد: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif آيات وُعُود الله تعالى للمؤمنين بالنّصر والتمكين في القرآن كثيرة، قد لا يناسب المقام ذكرها كلّها، وسنكتفي بذِكْر بعضها؛ فمن ذلك: قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر: 51]، وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة: 21]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[الصافات: 171- 173]. وليس وعدُ الله قاصرًا فقط على الغلَبة على الأعداء، بل جاء الوعد بالاستخلاف في الأرض والتمكين، فقد وعد اللهُ عباده المؤمنين -ووعدُه الحقّ- في القرآن بذلك، فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النــور: 55]. ولكن هنا يقع إشكال يَرِد على كثيرٍ من الناس، وهو: أين هذا النصر ونحن نرى المؤمنين كثيرًا ما يُنَكَّلُ بهم، ويصيبهم الأذى، بل وربما القتل في شتى البقاع والأزمنة؟! والجواب على هذا السؤال ينبغي أن يسبقه حقيقة إيمانية لا بد أن تكون راسخة في قلبِ كلّ مؤمن يؤمن بأنّ هذا القرآن هو كلام الله، وأنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه، فيوقِن أنّ وَعْد الله حقّ، وأنه لا يُخْلِف الميعاد، ويكون على ثقة تامّة ويقين جازم بذلك، فإذا ما رأى المؤمنون على أرض الواقع خلاف ما وَعَد الله في كتابه فليس أمامهم إلا أمران: الأمر الأول: أن يتَّهِموا أنفسَهم بالتقصير في تحقيق شرط النّصر، وأنهم بوَضْعهم الحالي ليسوا أهلًا لتحقيق وَعْد الله؛ لأنّ الله وَعَد بالنصر مَنْ كان أهلًا لذلك، ومن تحقّق فيه شرطه، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: 7]. وهذا كان حال المؤمنين الأوائل، إذا تأخَّر عنهم النصر راجعوا أنفسهم، وفتَّشوا عن الذنوب والعيوب؛ ليقينهم بأنّ وَعْد الله لا يتخلَّف أبدًا، فإذا لم ينتصروا فقد يكون ذلك بسبب ذنوبهم، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: 165]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif الأمر الثاني: أنهم ربما لم يفهموا كلام ربّ العالمين بوعوده بالتمكين، وذلك يرجع إلى سببين: السبب الأول: عدم فهم السّنن الإلهية في تحقيق النصر، فالله -عز وجل- لا يمكِّن لعباده في الأرض إلا بعد أن يُبْتَلَوْا، ولنا في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُسوة حَسنة، فقد كان في العهد المكيّ مع أصحابه مستضعَفين، ثمّ مَكّن اللهُ لهم بعد ذلك بعد الهجرة وحتى وفاته -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك لما سُئِلَ الشافعِيُّ -رحمه الله-: أيُّهما أفضلُ للرجل أن يُمَكَّنَ أو يُبْتَلَى؟ قال: «لا يُمَكَّنُ حَتَّى يُبْتَلَى»[1]. السبب الثاني: عدم فهم حقيقة النصر وحَمْله على صورة ذهنية واحدة، وسيتّضح في المقال -بإذن الله- أنّ نصر الله -عز وجل- للمؤمنين له صورٌ كثيرة إضافة إلى الصورة المتبادرة إلى الذّهن. لماذا وقع الاختيار على سورة غافر؟ القرآن الكريم مملوء بوُعُود الله بنصر المؤمنين كما ذكرنا، ولكن وقع الاختيار على سورة غافر كموضوعٍ للدراسة؛ لخصوصيتها في إظهار الصراع بين الحقّ والباطل، والإيمان والكفر، وكيف بيَّنَتْ لنا السورة أنّ تقلُّب أهل الباطل في البلاد وعلوَّهم في الأرض مآلُه إلى الخسران والهلاك مهما بلغَتْ بهم القوّة، ومهما طال الزمان. ففي بداية آيات السورة، نجد أنها بيَّنت حال أهل الباطل: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ}[غافر: 5]. وفي نهاية السورة كانت آخر آية، بل آخر جملة من الآية والسورة: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[غافر: 85]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وهذا بلا شكّ تأكيد على أن الغلَبة في النهاية لا بد وأن تكون لأهل الحقّ من الرُّسُل وأتباع الرُّسُل، كما صرّحت الآية: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر: 51]. صور نصر الله للمؤمنين من سورة غافر: افتُتِحَت السورة باسمين جليلَيْن من أسماء الله تعالى: {حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[غافر: 1- 2]. فهي تبدأ بتقرير أنّ العزّة -كلّ العزّة- لله سبحانه وتعالى؛ ومِن لوازم هذا الاسم أنّ الله سبحانه وتعالى يُلْقِي هذه العِزّة على مَنْ آمن به واتّبع رضوانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8]. فالعِزّة عنوان للسّورة كلّها، وهذا يجعلنا نبحث عن معالم ومظاهر عِزّة الله في السورة، والتي منها: نصر الله تعالى للمؤمنين: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[آل عمران: 126]. فمن صور نصر الله للمؤمنين في سورة غافر: 1- النصر بالغَلَبة والتمكين وإهلاك الظالمين: فمعلومٌ ما حدث لفرعون وجنوده من غرق وهلاك، وإنجاء الله لعباده المؤمنين، وتمكينهم في الأرض بعد أن كانوا مستضعفين: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}[الأعراف: 137]. وإهلاك الظالمين من فرعون وجنوده دَلَّ عليه قول الله في سورة غافر: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر: 45- 46]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فلم يكتفِ القرآن بذِكْر هلاكهم في الدنيا، بل ذَكَر عذابهم في البرزخ ويوم القيامة. وفي ثنايا حوار مؤمن آل فرعون مع قومه ذَكَر إهلاك الله للأمم السابقة التي كَذّبَتْ رُسُلَها، فقال: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر: 30- 31]. وهذا النوع من النصر (الغَلَبة والتمكين وإهلاك الظالمين) هو أوّل أنواع النّصر التي يتبادر الذِّهن إليها، ولكنها ليست الصورة الوحيدة للنصر. 2- النصر بالحُجّة والبيان: من المفسِّرين مَنْ حملَ تفسير قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[غافر: 51]، على النصر بالحُجّة والبيان. عن أبي العالية -رحمه الله- في قوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} الآية، قال: «ذَلِكَ فِي الحُجَّةِ؛ يَفْتَحُ اللَّهُ حُجَّتَهُمْ فِي الدُّنْيَا»[2]. وتَمَثَّل هذا النصر في سورة غافر في تلك الحُجَج القوية التي واجَه بها مؤمنُ آل فرعون قومَه، فقد كان ظاهر في حديثه علوّ حجّته على قومه، وأنهم ما استطاعوا أن يجابهوه، ولأهمية قصة مؤمن آل فرعون لموضوع السورة؛ فإنّ من أحد أسماء هذه السورة: سورة المؤمن؛ نسبة إلى مؤمن آل فرعون. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif قال ابن القيم: «كلّ سُلْطَانٍ فِي القُرآن فَهُوَ الحُجَّة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الصافات: 156- 157]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}[النَّجْم: 23]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِم سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}[الرّوم: 35]. وَهَذَا لِأَنّ الحُجَّة تسلِّط صَاحِبَها على خَصمه، فَصَاحِب الحُجَّة لَهُ سُلْطَان وقُدرة على خَصمه وَإِن كَانَ عَاجِزًا عَنهُ بِيَدِهِ، وَهَذَا هُوَ أحد أَقسَام النُّصْرَة الَّتِي ينصر الله بهَا رسله وَالْمُؤمنِينَ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غَافِر: 51]»[3]. وهذا حال كلّ مؤمن لديه إيمان راسخ بأنّ الله هو الحقّ، وأنّ ما يدعون من دونه الباطل؛ ولهذا فإنّ من أهمّ سمات أهل الضلالة أنهم دائمًا في أمر مريج وأقوال متضاربة، لا يكادون يثبتون على حُجّة قوية، كما قال تعالى عن المشركين تعقيبًا على أقوالهم الباطلة: {...قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام: 148- 149]. هذه هي القضية: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}؟! هل لديكم كتاب من الله؟! أم أنّ القضية اتّباع الظنّ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}، فالذي يبني قناعاته على الخَرْصِ والظنِّ، لا شكّ أنه في ضلال مبين، بعكس مَنْ بَنى عقيدته وقناعاته على وحي من الله وهدى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد: 14]. وقد قال تعالى في السورة نفسها عُقَيْب قصة مؤمن آل فرعون: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}[غافر: 56]. قال ابن كثير: «وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}، أَيْ: يَدْفَعُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ، وَيَرُدُّونَ الْحُجَجَ الصَّحِيحَةَ بِالشُّبَهِ الْفَاسِدَةِ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ مِنَ اللَّهِ، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}، أَيْ: ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحقّ، واحتقار لمن جاءهم به، وليس ما يرومونه من إخمال الحقّ وإعلاء الباطل بحاصل لهم، بل الحقّ هو المرفوع، وقولهم وقصدهم هو الموضوع»[4]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif عن قتادة: «{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}، أي: لم يأتهم بذلك سلطان، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}، قال: «الكِبر في صدورهم»[5]. وقال السعدي: «...فهذا نصّ صريح، وبشارة، بأنّ كلّ مَن جادل الحقّ أنه مغلوب، وكلّ مَن تكبّر عليه فهو في نهايته ذليل»[6]. 3- النّصر بخذلان الكافرين، وصَرْفِ كيدهم: وهذا نوع من أنواع النّصْر قَلَّ من يتنبَّه له، وهو أنّ الله -عز وجل- قد ينصر عباده المؤمنين -خاصّة إذا كانوا مستضعفين- بمجرّد كفِّ أيدي الظالمين عنهم، وإذهاب كيدهم. قال السعدي: «وإذا تأمّلْتَ الواقع رأيتَ نصر الله لعباده المؤمنين دائرًا بين هذين الأمرين، غير خارج عنهما؛ إمّا نصر عليهم، أو خذل لهم»[7]. قال الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ}[آل عمران: 127]: «وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: أَوْ يُخْزِيَهُمْ بِالْخَيْبَةِ بِمَا رَجَوْا مِنَ الظَّفَرِ بِكُمْ»[8]. وقال السعدي في تفسير الآية: «أي: نصر الله لعباده المؤمنين، لا يعدو أن يكون قطعًا لطرف من الكفار، أو ينقلبوا بغيظهم، لم ينالوا خيرًا، كما أرجعهم يوم الخندق، بعدما كانوا قد أتوا على حردٍ قادرين، أرجعهم الله بغيظهم خائبين»[9]. ومن أمثلة ذلك أيضًا: قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 40]. فسمَّى اللهُ صَرْفَ كيدِ الكافرين عن نبيِّه نصرًا لرسوله، وخزيًا لأعدائه. أمّا عن هذا النوع من النصر في سورة غافر فتمثَّل في صرفِ الله أذى فرعون وقومه عن مؤمن آل فرعون، وذلك بعد أنْ فَوَّض مؤمنُ آل فرعون أمْرَه إلى ربّ العالمين، فكان آخر ما قاله لقومه: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر: 44]. فكانت النتيجة: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}[غافر: 45]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فلم تكن سيئة واحدة منهم، بل كانت سيئات، وقد ذكر بعض المفسِّرين أنّ فرعون وملأه فكّرُوا في قتله، وفي حرقه، وفي تقطيع أوصاله، وفي أنواع من البلاء والعذاب إلى القضاء عليه، ولكن الله -عزّ وجلّ- حفظه، فنِعم المولى ونِعم النصير. 4- النصر بانتقام الله ممن ظلموا المؤمنين، ونصر قضيتهم التي عاشوا من أجلها: مَرَّ بنا أنّ الله -عز وجل- قد ينصر المؤمنين في حياتهم، لكن هنا يأتي إشكال، أنه وُجِدَ في الواقع من الأنبياء والمؤمنين من قُتِلوا دون أنْ يَروا نصرًا. والجواب أنّ النصر في هذه الحالة يكون بانتقام الله -عز وجلّ- من الظالمين، ونصر قضية المؤمنين التي عاشوا من أجلها. قَالَ السُّدِّيّ: «لمْ يبْعث اللّهُ -عزّ وجلّ- رسولًا قطّ إلى قَوْم فيقتلونه، أوْ قومًا مِنْ المؤمنين يدْعُون إلى الحقّ فيُقتلون، فيذهب ذلك القرن حتّى يبعث اللّه -تبارك وتعالى- لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممّن فعل ذلك بهم في الدّنْيا»[10]. فالله تعالى شديد العقاب؛ قال تعالى: {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}[غافر: 3]. وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}[غافر: 5]. أي: «فكيْف كان عِقابي إيّاهم، ألمْ أُهْلكهم فأجعلهم للخَلْق عِبْرة، ولمن بَعْدهم عِظة؟ وأَجْعل ديارَهم ومساكنَهم مِنْهم خلاء، وللوحوش ثواء؟!»[11]. وهذا الإهلاك الذي ذكره اللهُ في السورة يشمل كلَّ مكذِّبي الرّسل والأنبياء؛ سواء شَهِدَ الأنبياء هذا النصر أم حدث بعد مماتهم. أمّا عن نَصْر قضيتهم التي عاشوا من أجلها في الحياة الدنيا بأنْ يُعْلِي الله -عز وجلّ- كلمتهم بعد مماتهم، فالله -عز وجل- نَصَر رسولَه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ومكَّن للإسلام، ودخل الناس في دين الله في آخر حياته أفواجًا، ولكنّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يشهدوا جميعهم هذا النصر والتمكين، فمنهم من قُتِلَ من التعذيب في العهد المكي، ومنهم من قُتِلَ في معارك وغزوات؛ كأُحُد، وبئر معونة، وغيرها من الأحداث التي قُتِلَ فيها عدد غير يَسير من الصحابة. فهل نقول: إنّ الله -حاشاه- أخلفَ هؤلاء الشهداء وَعْده؛ لأنهم قَضَوْا نَحْبَهم قبل أن يروا نصرًا؟! الجواب: كلَّا؛ فالله -عز وجل- نَصَر أُمّته ونَصَر عباده الموحّدين ونَصَر هؤلاء الشهداء بأنْ نَصَر دينهم وقضيّتهم التي عاشوا من أجلها، وهي توحيد الله -عز وجل- وأن يكون الدِّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فالعبرة بالمآل وانتصار المبادئ، وبكمال النهايات لا بنقصِ البدايات. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فعلى هذا فإنّ المؤمن يسعى بكلّ ما أُوتي من جهد في نصرة دين الله وهو يعلم يقينًا أنّ الله سينصره في النهاية حتى وإن لم يشهد هذا التمكين والنصر في حياته، فإنه سيحدث يومًا ما لا محالة. {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}[غافر: 77]. 5- النصر باعتراف الظالمين بالهزيمة: من أروع صور الانتصار أن يعترف المهزوم بالهزيمة، بل إنّ بعض الباحثين العسكريّين يقول: إنّ الهزيمة لا تنعقد إلا باعتراف المهزوم بالهزيمة؛ لأنّ معيار النصر والهزيمة قد يختلف من جماعة لأخرى؛ فلو أنّ جيشًا التحم في معركة مع جيش آخر، ثم انتهت المعركة بالاستيلاء على أرض الخصم، فهو في اعتباره أنه منتصر، حتى وإن كان قد قُتِلَ من جيشه عددٌ كبيرٌ. ولكن في المقابل قد يرى الجيش الآخر الذي سُلِبَت منه الأرض أنه انتصر باعتبار أنه قَتَل من الجيش المحتلّ أعدادًا كبيرة، وأنّ الأرض التي تم الاستيلاء عليها سترجع مرة أخرى في معركة تالية، لكن الذين قُتِلوا لن يعودوا للحياة مرة أخرى! ولا يعنينا الآن تحقيق الصواب في المسألة، ولكننا نبيِّن فقط أنّ معيار النصر والهزيمة قد يختلف من فردٍ لآخر في كثير من الأحيان، والذي يحسم الجدل هو أن يعترف المهزوم بالهزيمة، وأن يُذْعِن تمام الإذعان للمنتصر، فهنا يمكننا القول أنّ النصر قد انعقد وتمّ باعتراف المهزوم. وعند التأمّل في سورة غافر نجد عددًا من اعترافات الكفار بهزيمتهم أمام أهل الحقّ، وسنأخذ مثالَيْن؛ أحدهما لاعتراف في الدنيا، والآخر لاعتراف في الآخرة: أمّا اعتراف الدنيا؛ فهو عند معاينتهم العذاب قُبَيْل الموت بلحظات، كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[غافر: 84- 85]. وهاتان الآيتان هما آخر آيتين في سورة غافر؛ خسر الكافرون، وقبل خسارتهم اعترفوا بشِرْكِهم وأعلنوا إيمانهم، فقالوا: آمنّا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ولكن هذا الإيمان عند معاينة العذاب أو حضور الموت لا ينفع، ودَلّ على هذا آيات أخرى من كتاب الله؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار}[النساء: 18]. وَكَقَوْلِه تعالى في شأن فِرْعَوْنَ: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: 90- 91]. وأمّا اعتراف الآخرة؛ ففي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر: 10- 11]. فها هو اعتراف صريح من الكفار من مُكَذِّبي الرّسل وغيرهم حين مَقَتُوا أنفسهم بسبب كُفرهم، يعترفون بذنوبهم، ويطلبون من الله الرجعة إلى الحياة الدنيا مرّة أخرى. وقد بَيَّن -سبحانه وتعالى- في مواضع كثيرة من كتابه أن اعتراف الكافر بذنبه يوم القيامة لا ينفعه في هذا اليوم، كما في قوله تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِير}[الملك: 11]. وكذلك من اعترافات الآخرة في السورة نفسها قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 52]. 6- نصر الله للمؤمنين يوم القيامة: قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 51- 52]. فما أعظمه من نصر، حين يجمع اللهُ الأوّلين والآخِرِين في مشهد عظيم، ويقف الأشهاد من الملائكة والنبيّين والشهداء والصالحين، فيُعْلِي الله أهل الحقّ، ويخزي أعداءهم من أهل الباطل. «وأمّا حال أعدائهم فهو أنّه حصلتْ لهم أمورٌ ثلاثةٌ: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أحدها: أنّه لا ينفعهم شيءٌ من المعاذير البتّة. وثانيها: أنّ لهم اللّعْنة، وهذا يفيد الحَصْر، يَعْنِي: اللعنة مَقْصورة عليهم وهي الإهانة والإذلال. وثالثها: سوء الدّار، وهو العقاب الشّديد. فهذا اليوم إذا كان الأعداء واقعين في هذه المراتب الثّلاث من الوحْشَة والْبَلِيّة، ثمّ إنّه خَصّ الأنبياء والأولياء بأنواع التّشْريفات الواقعة في الجمع الأعْظم، فههنا يَظْهر أنّ سرور المؤمن كم يكون، وأنّ غموم الكافرين إلى أين تبلغ؟»[12]. فماذا خسر أهل الإيمان في الدنيا حتى ولو لاقَوا بعض الأذى؟! أليس في الآخرة عوضٌ عن الدنيا؟ ألم يقل الله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: 64]؟ وقال سبحانه: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى: 17]. فالفوز الحقيقي إنما هو الفوز بالجنة ورضوان الله، والخسارة الحقيقية إنما هي خسارة النفس في نار جهنم خالدين فيها أبدًا. قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران: 185]. 7- نصر الله بتخليد ذِكْر المؤمنين: ويا له مِن شَرَفٍ عظيم لا شَرَفَ أعظم منه في الدنيا، أن يُخَلِّد اللهُ ذِكْرَ عبده المؤمن في كتاب يُتَعَبَّدُ بتلاوته إلى قيام الساعة. فمؤمن آل فرعون -طيَّب اللهُ ثراه- جاهَدَ بأفضل أنواع الجهاد، وهي قول كلمة الحقّ عند سلطانٍ جائر؛ ولأنّ الأجر يكون على قَدْر المشقّة، ولأنّ قول كلمة حقّ عند سلطان جائر يُعَرّضُ القائل لأشدّ أنواع البلاء؛ فكان هذا الأجر المضاعَف، بل وسُمِّيَت السورة باسمه على قول كثير من أهل العلم: (سورة المؤمن). خاتمة: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif حفلَ القرآن الكريم بذِكْرِ العديد من وُعُود النصر والتميكن لعباد الله المؤمنين، وقد اهتمّت سورة غافر بهذا الأمر، وأشارتْ لعدد من صور هذا النصر والتمكين، وقد استعرضنا في هذا المقال هذه الصورة التي ذكرَتْها سورة غافر، وبينَّا رسوخ مبدأ نصر الله وتمكينه لعباده المؤمنين في القرآن الكريم؛ وأنّ نَصْرَه لهم يكون في الدنيا والآخرة، وأنّ صور هذا النصر لها ألوان تتعدّد، واللهُ غالِبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. نسألُ اللهَ العَلِيّ العظيم أن يُقِرَّ أعيننا بنصر عباده المؤمنين في حياتنا ويوم يقوم الأشهاد. وصلى اللهُ على نبيِّنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. [1] زاد المعاد (3/ 14). [2] تفسير ابن أبي حاتم (18437). [3] الفروسية، ص187. [4] تفسير ابن كثير (7/ 152). [5] تفسير عبد بن حميد كما في الدر المنثور (13/ 51). [6] تفسير السعدي، ص740. [7] تفسير السعدي، ص146. [8] تفسير الطبري (6/ 41). [9] تفسير السعدي، ص974. [10] تفسير ابن كثير (7/ 150). [11] تفسير الطبري (20/ 282). [12] تفسير الرازي (27/ 524). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif نظرات في خواتيم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ} في سورة الروم الكاتب : أحمد محمد الكيلاني (29) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s خُتِمَتْ عدّة آيات في سورة الروم بقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}، وهذه المقالة تسلّط الضوء على هذه الآيات الكريمة، وتبيّن بعض ما فيها من لطائف، وتنبّه على ما نبّهَت عليه من الأمور اللازمة للقيام بعملية التفكّر الحقّ في آيات الله -عزّ وجلّ-. قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: «إذا سمعتَ اللهَ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأَرْعِها سمعَك؛ فإنه خير يَأْمُر به أو شَرّ يَنْهَى عنه»[1]. وهذا القول يهدينا لقاعدة عامّة في تدبّر القرآن، وهي: أنّ كلّ آياتٍ القرآن المشتركة في بداية أو في نهاية فهي مما خُصَّت بغرضٍ يستدعي التنبُّه له والتفكُّر فيه. ونُسَلِّط تلك القاعدة على الآيات المختومة بقوله -سبحانه-: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}، فنلاحظ بجلاء أنها اشتركَتْ في مقصد واحد وهو تنبيه العباد على عظيم خَلْق الله وتصرّفه وتدبيره للكون وموجوداته، مما يحثّ على مزيد من التفكُّر والتدبُّر في كلام الله -سبحانه- من جهة، وفي خلقه من جهة أخرى. وفي هذه المقالة سنجتهد في تسليط الضوء على الآيات المتعاقبة في سورة الروم مما خُتِم بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}، بحيث نبيّن ما فيها من لطائف وما نبّهت عليه من أمور لازمة للقيام بعملية التفكّر الحقّ. وسيأتي كلامنا مقسومًا لقسمين: أحدهما نعرض فيه الآيات، ونشير لبعض اللطائف المتعلّقة بها، معتمِدِين في ذلك على تفسير ابن عاشور بشكلٍ خاصّ؛ لِمَا له من عناية بعرضِ دقائق الآيات ومناسبات الألفاظ ومدلول كلّ منها، كما له بَاعٌ في اللغة عظيم يساعد على ما نحن بصدده من تفكّر وتأمّل. والثاني يُعَدُّ مولِجًا لما يُخْتَمُ به المقال من مناسبة ختم الآيات الشريفة بصفات مخصوصة، وما مدلولها، وكيف حَوَتْ أطوار التفكّر الحقّ الهادي لليقين. القسم الأول: خواتيم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ} في سورة الروم؛ عرض وبيان: 1- قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم: 21]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif سُبقت هذه الآية بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}[الروم: 20]؛ امتنانًا على البشر بنعمة الخَلْق والإنشاء، وحيث لم تُخْتَم بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}، فلم نتعرَّض لتفسيرها لكونها خارجة عن حدّ المقال، ولكن إدراجها لبيان سياق الآيات التالية ووجوه المناسبة بينها. ثم ثَنَّى ربُّنا -سبحانه- بعد نظام الخَلْق بنظام التزاوج والتناسل؛ وناسبَ ذِكْرُه بعد الخَلْقِ لأنه أساس بقائه. وخُتِمَت الآية بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}؛ لأن الناس لمّا اعتادوا هذا النَّسَق غفلوا عن الآيات المتضمّنة فيه، وهي: «أنْ جُعِلَ للإنسان ناموسُ التناسل، وأنْ جُعل تناسلُه بالتزاوج ولم يَجعله كتناسل النبات من نفسه، وأن جَعَل أزواجَ الإنسان من صِنفه ولم يَجعلها من صنف آخر؛ لأن التآنُس لا يحصل بصِنْف مخالِف، وأن جَعل في ذلك التزاوج أُنْسًا بين الزوجين ولم يجعله تزاوجًا عنيفًا أو مُهْلِكًا كتزاوج الضفادع، وأن جَعَل بين كلّ زوجين مودة ومحبّة، فالزوجان يكونان من قَبْلِ التزاوج متجاهِلَيْن فيصبحان بعد التزاوج متحابَّيْن، وأنْ جَعل بينهما رحمة، فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما، فيصبحان بعده متراحمَيْن كرحمة الأبوّة والأمومة»[2]. لذلك يأتي كثيرًا تذكيرُ الله -سبحانه- بنِعَمِه المعتادة على خَلْقِه لغفلتهم عنها، وكانت تلك النعم الدائمة أحقّ بالشُّكر من غيرها؛ ولمّا كان العبد لا يتنبّه لمثل هذا عُوتب بقوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، فمَنْ غفلَ عن تلك النعم كأنه عُدِم التفكُّر. 2- قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[الروم: 22]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ابتدأتْ هذه الآية بخلق السماوات والأرض وليس هو المقصود، بل هي تمهيد لما بعدها من اختلاف ألوان الناس ولغاتهم؛ «إيماءً إلى انطواء أسباب الاختلاف في أسرار خلق السماوات والأرض... فاختلاف الألسنة سببه القرار بأوطان مختلفة متباعدة، واختلاف الألوان سببه اختلاف الجهات المسكونة من الأرض، واختلاف مُسَامَتَة أشعة الشمس لها؛ فهي من آثار خَلْق السماوات والأرض»[3]. وترتيب هذه الآية ناسبَ أن يُذْكَر بعد الآيتين السابقتين؛ حيث كانت الأُولى بيانًا لأحوال الإنسان الذاتية: خِلْقَتِه من تراب وهي ملازمة لكلّ الناس، ثم ذكر أحواله النسبية، فالزواج ملازم لطبيعة الإنسان إلا أنه قد يُفارق بعض الناس فلا يتزاوجون. والآية الثالثة ذُكر فيها أحواله العرضية الملازمة له؛ باختلاف الألسُن والألوان لأنها مكتسبة من طبيعة المكان[4]. وهنا نجد ختام الآية بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}، أي: لأهل العلم، على ما قرأ حفص. وخُصّ أهلُ العلم في هذا الموضع؛ لأنّ آية اختلاف الفرع مع اتحاد الأصل أبهر، والله -سبحانه- يُشْهِدُ أهلَ العلم في المُهمَّات، كما أشهدهم على وحدانيته وهي أعظم ما يُشْهَدُ عليه؛ إعلاءً لقدرهم ومنزلتهم، وهذا من ذاك. وعلى قراءة الجمهور بفتح اللام {للعالَمين}، أي: لجميع الناس، فشابهت الآيةَ الأولى {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، من اعتياد الناس هذا النسقَ مِن الخَلْق فغفلوا عن تدبُّرِه وعن اعتباره آيةً من الآيات. 3- قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[الروم: 23]. لمّا كان النوم من أحوال الإنسان العجيبة التي أودعها اللهُ فيه؛ إِذْ جعله اللهُ في نظامِ أعصاب دماغه يُعَطِّلُ بعض الحواس دون تعطيل مهام الجسد الرئيسة، ولكنه يقلّل من نشاطها إذا أُنهِكَ الجسدُ واعتراه الإعياء فيعتريه شبه موت يعطّل إدراكه حتى تمرّ فترة من الزمن يستكفي بها الجسد فيفيق نشطًا وقد عادت له حياته كاملةً؛ لمّا كانت الحالة كذلك ناسَب أن يمتنّ اللهُ بها على عباده في سياق تعداد النّعم حثًّا على التفكُّر. وخُتِمَتْ هذه الآية بقوله سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}؛ خَصّ السّمع هنا في ختام الآية؛ لأنّ النوم يحُول دون الشعور بالمسموعات، قبل أن يحُول دون الشعور بالمبصرات، وطريق العلم بأحوال النائم هو السمع حين يستيقظ، فخُصّ السمعُ لذلك؛ إقرارًا لليقظان بعجزه في نومه وتعطيل حاسّته التي يتمتع بها في يقظته، فأَوْلَى له أن يُعملها بالتدبّر في تلك الآيات الباهرات[5]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 4- قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الروم: 24]. وآية البرق آية غير متّصلة بالإنسان ولا من لوازمه؛ لكنها متعلّقة به لأن آلة إدراكها هي العين، وجاء ذِكْر البرق بعد تعداد النعم تهديدًا ووعيدًا، كأنّه -سبحانه- يتوعّد مَن حادَ عن الحقّ بعد تذكيره بكلّ ما سبق. وأيضًا لِما في البرق من آية عجيبة؛ لاحتماله النّعمة والنّقمة، ويقذف في قلوب العباد الخوف من العذاب والطمع في الغيث. وخُتِمَتْ هذه الآية بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}؛ لأنه «نِيطَ الانتفاعُ بهذه الآيات بأصحاب صفة العقل؛ لأنّ العقل المستقيم غير المشوب بعاهة العناد والمكابرة كافٍ في فهمِ ما في تلك المذكورات من الدلائل والحِكَم»[6]. وهنا لفتة لطيفة: هي أنه -سبحانه- جعل إدراك البرقِ في الآية بالرؤية؛ لأنه لا يلزم من كلّ ذي بصر أن يكون ذا عقل. القسم الثاني: خواتيم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ} في سورة الروم؛ نظرات تحليلية: قبل إلقاء الضوء على بعض النظرات التحليلية العامّة في خواتيم الآيات التي سبق الحديث عنها وعرضها، لا بد من التنبيه على عظيم مكانة التدبّر، ولا غرو فقد حَثَّ عليه القرآن العظيم في غير ما موضع، فقال -سبحانه-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: 29]، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: 82]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif فكأنّ الغرض المقصود من العباد نحو هذا الكتاب العظيم هو فهمه وتدبّره، والتدبّر ألوان ودرجات؛ منها استنباط الفوائد واللطائف القرآنية، لكن وجب التنبيه أنّ التدبّر لا ينحصر في استخراج اللطائف، بل هو بابٌ واسعٌ، استنباطُ اللطائف فرعٌ عنه. ومن المهم إعمال عقولنا في فهم الإشارات المبثوثة في الآيات، عسى الله أن يُنْفِذَ نور القرآن لعقولنا وقلوبنا، وهذا الفهم النوراني الذي نبتغيه هو ما عبّر عنه كعب بن مالك -رضي الله عنه- بقوله: «عليكم بالقرآن، فإنَّه فَهْمُ العقل، ونورُ الحُكْم، وأحدثُ الكُتُب عهدًا بالرحمن». ومما يساعد على التدبّر وسرعة التنبّه إلى الإشارات اللطيفة؛ معرفةُ أنّ القرآن كلّه متّصل ببعضه أشدّ الصِّلة قال -تعالى-: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود: 1]، أي: «نُظِمَتْ نظمًا محكَمًا لا يَلْحَقُها تناقضٌ ولا خَللٌ»[7]، وما كان كذلك فهو في إجماله مترابط متناسق. حتى قال البَقاعي -رحمه الله- في عرضه لتفسير سورة الناس ومناسباتها: «واتصالُها بالفاتحة كاتصالها بما قبلها بل أشدّ»! وكلّ ما سُقناه يرشدنا إلى ترابط آي القرآن بعضها ببعض، وبهذا نَلِج لتحليل خواتيم آيات المقال فنقول: خُتمت الآيات السالفة بهذه الصفات الأربع: (الفكر - العلم - السمع - العقل)، وقد جاءت بهذا الترتيب لشيء مقصود، يرشدنا إليه سياق الآيات وغرضها؛ وهو التدبّر والتفكّر، ولمّا كانت آيات القرآن شديدة الاتصال ببعضها تنبهنا إلى اختصاص هذه الصفات بسياق الآيات لرابطة الحثّ على التفكر والتدبّر، وبيانه ببيان أطوار التفكّر الحقّ الذي يهدي لليقين: - التفكُّر والنظر أوّلُ عملية يقوم بها الإنسان فيما يَعْرِضُ له، وهذا تفكّر مبدئيّ يُحَلِّل به الإنسان ما يستجدّ عليه من أحداث ودعوات وكلام. - فإنْ تفكَّر فيه أدركَه في نفسه وبانَت له ملابساته ودقائقه؛ كان عالمًا به على وجهه دون شبهات تَحُول بينه وبين حقيقته. - فإنْ عَلِمَه سَمِعَ سَمْعَ عالمٍ واعٍ ممحِّصٍ متأمِّل، فالعلم أصلٌ للسمع، لا البصر؛ لذلك لم يُذكر البصر هنا في هذه الآيات، ولعلّ ما يؤيّده حكاية ربّنا عن قوم نوح: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح: 7]. فصكُّوا أسماعهم بادئ الأمر؛ لأنهم لم يستجيبوا لتفكُّرٍ ولا تأمُّل، فلم يعلموا حقيقة دعوة نوح -عليه السلام-، مما جعلهم لا يَقبلون السمع. وانصراف أنظارهم عنه مبالغة في الإعراض، وليس البصر وحده يفيد عِلمًا. وكذلك قصة الطفيل بن عمرو الدوسي[8]، لمَّا لم يدرك دعوة النبيّ على وجهها، سدّ أذنيه لئلا يسمع قول النبيّ بتحريضٍ من قريش، فَهُمْ علموا عقل ذلك الرجل وخافوا أن يُعْمِل عقله فيتفكّر ويتأمّل، فلما رآه الطفيل يصلِّي عند الكعبة تفكّر في حاله فأدرك أنه ليس كذابًا، وعلم ذلك في نفسه بعقله، فتتبّع رسولَ الله ليسمع منه سماعَ مبتغٍ للحقّ، فلما مَرَّ بهذه الأطوار على وجهها أسلم -رضي الله عنه-. - فإنْ فعَلَ ذلك عقلَ ما تفكّر فيه بنفسه وروحه فاستحال تفلُّته منه، فكلّ ذلك مفضٍ للعقل الصحيح السليم، وهذا هو مبلغ المرام، ولا يكون عاقلًا مَن أخلَّ بأحد هذه الثلاثة السابقة كائنًا مَن كان. فتلك ثلاث مقدّمات تهدي إلى نتيجة؛ تفكُّر فعِلْم فسَمْع فعَقْل! وهنا لفتة أخرى، أنّ المقدّمات الثلاث يجوز حملُ الآيات التي ذُكِرَتْ فيها على أنها مقدّمات أيضًا، فهي تعداد للنّعم، وتذكير لبني آدم بآلاء الله -سبحانه-؛ ثم مُعْرِضٌ ومؤمِن، خائف وطامع، فآية البرق نتيجة للمقدّمات السابقة، ولسان حال الآيات: مَنْ أقرّ بنعم الله -سبحانه- وشُكْرِها زاده اللهُ بغيثه، ومَنْ أعرضَ وتكبّر فجزاؤه قذفُ الخوف في قلبه وإنذاره بالعذاب. وبما تبيَّن لا يخفى ما في سياق الآيات من مقابلة تقديرية بين الإيمان والكفر، والغيث والعذاب، نبهَتْنا إليه المقابلةُ اللفظية في قوله: {خَوْفًا وَطَمَعًا}[الروم: 24]. فاللهم نسألك ذِكْرَك وشُكْرَك وحُسْنَ عبادتك، واجعلنا من أهل القرآن فهمًا وعِلْمًا وعَملًا، واجعلنا ممن يُقيم حروفه وحدوده، والحمد لله، وهو المستعان. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [1] رواه ابن أبي حاتم، انظر تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ط. دار طيبة (2/ 6). [2] التحرير والتنوير، ابن عاشور، ط. الدار التونسية (21/ 71). [3] التحرير والتنوير، ابن عاشور (21/ 73). [4] انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (21/ 72-73). [5] انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (21/ 76). [6] التحرير والتنوير، ابن عاشور (21/ 79). [7] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ط. دار الكتب المصرية (9/ 2). [8] انظر: دلائل النبوة، البيهقي، ط. دار الكتب العلمية (5/ 360) وما بعدها. https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif تأويلات الحداثيين لقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} عرض ونقد الكاتب : محمد حامد حسن عطية (30) https://encrypted-tbn0.gstatic.com/i...oSON_ia2ELAA&s وَعَدَ الله -عزّ وجلّ- بحفظ كتابه العزيز في جملة من الآيات، من أشهرها: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقد قدّم عددٌ من الحداثيين تأويلات خاصّة لهذه الآية تتعارض مع هذه الحقيقة المتفق عليها، وتعمل هذه المقالة على بيان هذه التأويلات ومناقشتها ونقدها. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فمِنَ المستقرّ في قلوب المسلمين وعقولهم أنَّ القرآن الكريم محفوظٌ من الزيادة والنقصان، والتحريف والتبديل؛ وذلك لأنّ الله-وهو الحفيظ- قد وَعَد بحِفْظِه، ولن يُخلِف اللهُ وعدَه، وقد تحقّق مِن وَعْدِ الله بذلك ما تقرّ به عيون الموحِّدِين من حِفْظ القرآن في الصدور، وحفظه في السطور؛ وذلك لأنّ «ما حفظَ اللهُ تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيعَ منه شيء»[1]. وفي القرآن الكريم جملة من الآيات التي تدلّ على وَعْدِ الله بحِفْظِ كتابه العزيز، ومن أشهرها قوله تعالى في سورة الحِجر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9]. ومع أنّ حِفْظَ الله القرآنَ الكريم «حقيقة يعلمها أولو العِلْم من خصوم الإسلام، كما يؤكّدها تاريخ القرآن الكريم»[2]، فقد وجدنا أنَّ الحداثيين شكّكوا في هذه الحقيقة المتّفق عليها، ومن ثم حاولوا تقديم تأويلات خاصّة لآية سورة الحِجْر تتوافق مع رُؤاهم وتكرّس لعدم دلالة الآية على حِفْظ القرآن الكريم، وبِغَضّ النظر عن طبيعة أهدافهم من وراء ذلك إلا أنَّ هذه الدعوى حينما كانت تصدر من مستشرقين عُرِفوا بالعداء والحقد على الإسلام قيل: إنّ الشيء من معدنه لا يُستغرب، لكن الغريب حقًّا صدور مثل هذا الزَّعْم ممن يقول أكثرهم إنهم مجتهدون مسلمون أصحاب مشروعات تجديدية في تفسير القرآن الكريم. وفي ضوء ذلك جاءت هذه المقالة لتبرز ما ادّعاه هؤلاء الحداثيون من تأويلات بل تحريفات في معنى هذه الآية الكريمة، لتستقيم لهم دعواهم فيما يتعلّق بحِفْظ القرآن الكريم، وهيهات فهي باطلة من أساسها، منحرفة في منهجها وأهدافها ومنطلقاتها، مُضِلَّةٌ في نتائجها، فتعمل على بيان تأويلاتهم للآية واتجاهاتهم فيها، وتناقش هذه الاتجاهات وتبيّن الموقف منها، وذلك بعد تمهيد نبيّن فيه فَهْم المفسِّرين لآية سورة الحجر، ونشير فيه لبعض الآيات الأخرى الدالة على حفظ القرآن الكريم. تمهيد: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أولًا: اتّفق المفسِّرون على أنّ المرادَ بالذِّكْر في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} القرآنُ الكريم، وممن نَقل الاتفاق على ذلك أبو الحسن الواحدي، وأبو الفرج ابن الجوزي[3]. ويشهد له ما ذَكره اللهُ قبلها في قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}[الحجر: 6]، وذلك أنّ القرآن الكريم هو الذي نزَّله اللهُ على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكان سبب رميهم إياه بالجنون حين نَسَبه صدقًا وحقًّا إلى الله ربّ العالمين. وعلى ذلك فقولُه تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} رَدٌّ على هؤلاء المشركين الذين سَخِروا من النبيّ بقولهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ}، بهذا الأسلوب المؤكّد الذي فيه كبت لهؤلاء المشركين، وردع لهم، وإعلان بما يملأ صدورهم حسدًا وحسرة؛ فقد أبَوا إلا أن يجهلوا الجهة التي يقول النبيّ إنه تلقّى الذِّكْر منها، فقالوا: {نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} ولم يقولوا -ولو على سبيل الاستهزاء- نَزّل اللهُ عليه الذِّكْر، فجاءهم قول الحقّ -جلّ وعلا-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} بهذا التوكيد القاطع الدالّ عَلى كمالِ الكبرياءِ والجلالة وعلى فخامة شأنِ التنزيل، وجاء قوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} بالجملة الاسمية للدلالة على دوام الحِفْظ له واستمراره، وأفادت الآية الكريمة أنّ الله -سبحانه- هو الذي يتولّى حِفْظه من كلّ عبث، وصيانته من كلّ سوء. وهذا هو الدليل القاطع على أنه منزّل من عند الله، فليحاولوا أن يبدّلوا من صورته، أو يدسّوا عليه ما ليس منه؛ فإنهم لو فعلوا لكان لهم من ذلك حُجّة على أنه ليس من عند الله! وقد حفظ اللهُ القرآنَ الكريم، هذا الحفظ الربانيّ، الذي أبعدَ كلَّ ريبة أو شكّ في هذا الكتاب، فلم تمسسه يدٌ بسوء، على كثرة الأيدي التي حاولت التحريف والتعديل، فردّها الله، وأبطل كيدها وتدبيرها[4]. وأُطلق على القرآن «الذِّكْر» لأوجه؛ منها: أ- ما فيه من الموجبات للتذَكُّر والاعتبار. ب- ولأنه أيضًا يُذكر فيه أخبار الأوّلِين. ج- ولأنه شرف لمن تمسّكَ به، ينال به صاحبه ذِكرًا جميلًا، وثناءً حسنًا كما قال -جلّ ذِكره-: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف: 44]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif ثانيًا: ذهب أكثرُ المفسِّرين إلى أنّ الضمير في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} يعود على القرآن الكريم، ونَسَبَ هذا القولَ للأكثرين ابنُ عطية، وابنُ الجوزي، وأبو حيان الأندلسي[5]. وذهب فريق من العلماء إلى أن الضمير يعود على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أي: يحفظه من أذاكم، ويحوطه من مَكْرِكُم، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: 67]، وفي ضمن هذه الآية التبشير بحياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يُظهِر الله به الدِّين. وقول الأكثرين -وهو أنّ الضمير عائد إلى القرآن الكريم- أَوْلَى وأرجح وأشهر وأظهر؛ لأنّ المقام يقتضيه، وظاهر السياق يدلّ عليه، ولأنه المصرّح به في الآية الكريمة بكلمة: {الذِّكْرَ}، ومن المعلوم أنّ عود الضمير على مذكور أَوْلَى من عوده على غير مذكور[6]. قال الشهاب الخفاجي: «وكون الضمير للنبي -صلى الله عليه وسلم- خلاف الظاهر»[7]. ووجدير بالذكر أنّ مَنْ قال: إنّ الضمير عائد على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يَنْفِ أحدٌ منهم حِفْظَ الله القرآنَ الكريم؛ لتضافر الأدلة على ذلك، وأيضًا فإنّ حِفظ الله رسوله -صلى الله عليه وسلم-يقتضي حِفْظ القرآن الذي نزل عليه، وجعله حجّته، وآية نبوّته الكبرى، ومعجزته العظمى. ثالثًا: هذه الآية الكريمة هي إحدى الآيات الدالّة على وعدِ الله بحفظ القرآن الكريم، وثَمَّ غيرها في تقرير هذا المعنى، ومن ذلك: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: 41- 42]، والذِّكْر هنا القرآن أيضًا في قول الجميع، قاله الماوردي[8]، ومن معاني الآية الكريمة أنه ليس للبطلان إليه سبيل؛ لأنه منزل من ربّ العالمين، وأنه محفوظ من أن يُنقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يُزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه[9]. ومنه أيضًا قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج: 21- 22]، ووجه الدلالة في ذلك أن قوله: {مَحْفُوظ}، فيه قراءتان متواترتان؛ إحداهما وهي قراءة الأكثرين: {مَحْفُوظٍ} بالجر على أنه صفة {لَوْحٍ}، وحِفْظ اللوح الذي فيه القرآن كناية عن حِفْظ القرآن، والقراءة الأخرى وهي متواترة أيضًا -قراءة نافع- برفع {مَحْفُوظٌ} على أنه صفة للقرآن[10]، أي: هو قرآنٌ مجيدٌ محفوظٌ، وهذا صريح في الدلالة على حِفظ الله القرآنَ المجيد، ولله الحمد والمنة. وبعد هذا البيان نشرع في ذِكْر تأويلات الحداثيين لقول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، مع بيان سبب تهافتها: ذهب الحداثيون في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} عِدّة مذاهب، وحاصل ما ذهبوا إليه -بحسب ما وقفتُ عليه- ينحصر في أربعة اتجاهات، وفيما يأتي نبيّن كلّ اتجاه منها، ثم نتبعه بمناقشة تبرز عِلّته وتبيّن إشكاله: الاتجاه الأول: ذهب بعض الحداثيين إلى حمل الآية على معنى الأمر بالحفظ لا الوعد بالحفظ، فالآية -في زعمهم- أمرٌ لنا بحفظ الذِّكْر لا أنّ اللهَ قد تكفّل بحفظه. وممن زعم ذلك د. نصر أبو زيد حين قال: «وقول الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9]، لا يعني التدخُّل الإلهي المباشر في عملية الحِفْظ والتدوين والتسجيل، بل هو تدخُّل بالإنسان المؤمن بالبشارة، والحضّ والحثّ والترغيب على أهمية هذا الحِفْظ، وفهم الحِفْظ على أنه تدخّل مباشر من الزاوية الإلهية فهم يدلّ على وعي يضاد الإسلام ذاته من حيث إنه في جوهره الدِّين الذي أنهى العلاقة المباشرة بين السماء والأرض إلا عن طريق التوجُّهات والإرشادات المضمّنة في القرآن الكريم، وفي سُنّة الوحي الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم»[11]. وهذا التأويل للآية الكريمة تأويل باطل، وبيان ذلك على النحو الآتي: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 1- أنه مناقض تمام المناقضة لقوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؛ إِذْ إنّ هذه الجملة صريحة في أنّ الله وعَد -ووعده حَقّ- بحِفْظ القرآن بنفسه وذلك في قوله: {وَإنَّا}، فكيف يقال مع ذلك إنه لا يعني التدخل الإلهي المباشر، مع أنّ التعبير بالتدخّل غير لائق بجلاله -جلَّ وعزَّ- فالقرآن كلامه، لا كلام غيره، ومن حقّه أن يتكفّل بحفظه وحمايته. 2- من المتقرّر لدى أهل اللغة أيضًا أنّ قوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} جملة خبرية، ودعوى أنّ الآية تدخل بالإنسان المؤمن بالبشارة، والحضّ والحثّ والترغيب على أهمية هذا الحِفْظ يجعلها جملة إنشائية على معنى الأمر والطَّلَب، وهذا خلاف الظاهر، ولا يعدل عن الظاهر إلا بحُجّة وبرهان، وهذا من دلائل فساد هذا التأويل أيضًا. 3- دعوى أنّ الإسلام أنهى العلاقة المباشرة بين السماء والأرض إلا عن طريق التوجُّهات والإرشادات المضمّنة في القرآن الكريم، وفي سُنّة الوحي الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ دعوى عارية عن الحقّ والرشد، بل القرآن وحيه وإن هبط إلى الأرض، واللهُ وعَد بحفظه على كلّ حال، ولم يقيّده بزمان، أو مكان، ونزول القرآن لا يعني قطع صِلَته بمن أنزله وقاله ابتداء، فمنه بدأ وإليه يعود. وقوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} «أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كلّ شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه فيها ثم في قلوب أمّته، وحفظ اللهُ ألفاظَه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرِّف محرِّف معنى من معانيه إلا وقيّض اللهُ له من يبيّن الحقّ المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين...»[12]. 4- لا ينبغي إغفال أنّ القرآن الكريم يختلف عن الكتب المنزلة السابقة، حيث إنّ الله أَوْكَلَ حِفْظ الكتب السابقة إلى الناس، وليس الأمر كذلك في القرآن الكريم. وقد أحسن إسماعيل بن إسحاق القاضي (ت282هـ) حين سُئل لِمَ جاز التبديل على أهل التوراة، ولم يجز على أهل القرآن؟ فقال: قال الله تعالى، في أهل التوراة: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ}[المائدة: 44]، فَوَكَلَ الحفظ إليهم، وقال في القرآن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، فلم يجز التبديل عليهم[13]. الاتجاه الثاني في تأويل الآية الكريمة: ذهب بعض الحداثيّين إلى أنّ المراد بالحفظ الموعود به حفظ المعنى والمضمون، لا حِفْظ النصوص والألفاظ. يقول عبد المجيد الشرفي: «الذِّكْر الذي وعَد اللهُ بحفظه هو المحتوى، وليس الظرف، هو مضمون الدعوة بما انطوتْ عليه من تبشير وإنذار ومن توجيه وإرشاد، وليس الألفاظ والتعابير التي صِيغت فيها تلك الدعوة، والتي دوّنت في ظرف معيّن، وتنسب إلى أقوام بأعيانهم، ولها نحوها وصرفها وقواعدها، ولا تختلف في هذا المستوى عن أيّ لغة أخرى، والرسول نفسه لم يَنْهَ أصحابه عن تلاوة الآيات التي حفظوها بطرق مختلفة، واعتبرها كلّها جائزة، في حين كان بعض الصحابة متمسكًا بالطريقة التي سمع النبي يتلو بها متشدّدًا في وحدة التلاوة، ويرى في تعدّدها تحريفًا لكلام الله»[14]. ويقول د. حسن حنفي: «يُغالي البعضُ وأكثرهم من اللاهوتيين المحافِظِين ويدَّعون أنّ اللهَ قد حفظ كتابه من التغيير والتبديل وأن العناية الإلهية هي الحافظة للنصوص، ومن ثم فلا داعي هناك لتطبيق قواعد المنهج التاريخي على النصوص الدينية، وإقامة نقد تاريخي للكتب المقدسة:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وهي نظرية لاهوتية صرفة، تهرب من النقد، وتلجأ للسُّلْطة الإلهية... وقد يكون معنى الآية هو حفظ المعنى، وحفظ تطبيق المعنى في الواقع، لا حفظ النصّ الحرفي المدون، فذلك ما يعتريه التغيير والتحريف والتبديل، وهو ما يتهم به القرآن أهل الكتاب، ويؤيّده النقد التاريخي للكتب المقدّسة»[15]. وهذا التأويل للآية للكريمة -وهو قَصْر الحفظ على حفظ المعنى والمضمون- تحريف لمعنى الآية الكريمة بُني على مقدمات باطلة فلا غرو أن يكون مثلها. وبيان ذلك على النحو الآتي: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif 1- الآية الكريمة أفادتْ أنّ الله وعَد بحِفْظِ الذِّكْر، والذِّكْر يشمل اللفظ والمعنى، ولا يقتصر على المعنى أو المضمون، فقصره على المعنى وتخصيصه بها دعوى لا دليل عليها. 2- مادة الذِّكْر نفسها تدلّ على أنّ القرآن الموعود بحفظه ألفاظ ومعانٍ، بل الأصل في الذِّكْر أن يكون بلفظ. وقد جاء في القرآن ما يدلّ على أن هذا الذِّكْر المراد به القرآن متلوّ ومسموع وهذا إنما يكون للألفاظ الحاملة للمعاني كما لا يخفى. قال تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ}[آل عمران: 58]، وقال تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[القلم: 51- 52]. 3- هذا التأويل المزعوم مبنيّ على مقدّمة باطلة وهي أنّ الذِّكْر -وهو القرآن- وحي بالمعنى دون اللفظ، وقد صرّح عبد المجيد الشرفي بذلك في موضع آخر ورأى أنه أقرب المواقف من المعقولية الحديثة[16]. ولا شك أنّ هذه مقدّمة باطلة؛ فالقرآن وحي من الله باللفظ والمعنى، ومن دلائل ذلك أنّ الرسول محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كان حريصًا على ترديد ما يلقيه عليه جبريل -عليه السلام- من القرآن خشية أن يتفلّت منه شيء، فأنزل الله قوله:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[القيامة: 16- 19]، فقوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ}، أي: بالقرآن، {لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ}، أي: في قلبك، {وَقُرْآنَهُ}، أي: وأن تقرأه بعد ذلك بلسانك، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}، أي: فإذا قرأه عليه الملَك المبلِّغ عنّا فاتبع قراءته، والقرآن اسم للّفظ والمعنى جميعًا، وفي ذلك دليل على أنّ ألفاظ القرآن بمعانيها جُمعت في قلبه بطريق الوحي إليه، والذي يُقرأ هو الألفاظ. والعجيب أن أصحاب هذا القول الشاذّ تمسكوا بظاهر قوله تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء: 193- 195]، وقالوا: إنّ الذي نزل على قلب الرسول هو المعاني لا الألفاظ، مع أن الآيات نفسها تبطل كلامهم وذلك أن الله قال فيها: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}، واللسان العربي لفظ ومعنى كما لا يخفى، وهو متعلّق بقوله: {نَزَلَ} على الوجه الصحيح، و(القلب) كما ينزل عليه المعنى، ينزل عليه اللفظ، وإنما آثر الحق تبارك وتعالى هذا التعبير للدلالة على أن القرآن كما وعته الأذنان، وعاه القلب اليقظان»[17]. 4- حفظُ اللهِ القرآنَ الكريم من التغيير والتبديل والتحريف ليس من ادعاءات المُغالين بل هذا ما عليه إجماع المسلمين استنادًا إلى صريح القرآن الكريم. وقد ذكر ابنُ حزم في مراتب الإجماع بَابًا عنون له: (من الإجماع في الاعتقادات يكفر مَنْ خَالفه بإجماع)، وممَّا ذكر فيه: «وأنَّ كلّ ما في القرآن حقّ، وأنّ من زادَ فيه حرفًا من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نَقْل الكافة، أَو نقص منه حرفًا أو بدّل منه حرفًا مكان حرف، وقد قامَت عليه الحُجَّة أنه من الْقُرْآن، فتمادى مُتعمِّدًا لكلّ ذلك عالمًا بأنه بِخِلاف ما فعل؛ فإنه كافِر»[18]. 5- لا يصحّ ما ادّعاه هؤلاء من أنَّ القرآن ألفاظٌ تنسب إلى أقوامٍ بأعيانهم، ولها نحوها وصرفها وقواعدها، ولا تختلف في هذا المستوى عن أيّ لغة أخرى؛ وذلك لأنّ القراءات القرآنية حين تنسب إلى القرّاء فيُقال مثلًا: قراءة نافع، أو عاصم، أو حمزة، فإضافة القراءة إليهم إضافة شُهْرَة واختيار لا نِسبة اختراع. قال ابن الجزري: «إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة ورواتهم المراد بها أن ذلك القارئ وذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به، فآثره على غيره، وداوم عليه ولزمه حتى اشتهر وعُرِف به، وقُصِد فيه، وأُخِذ عنه؛ فلذلك أُضيف إليه دون غيره من القرّاء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد»[19]. وهذه القراءات المتواترة متلقّاة بالوحي، وسُنّة متّبَعة لا تحريف فيها ولا تبديل. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif قال أبو عمرو الداني: «وأئمة القُرّاء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشَى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردّها قياس عربية ولا فشوّ لغة؛ لأنّ القراءة سُنّة متبَعة يلزم قبولها والمصير إليها»[20]. والاختلاف بين القراءات اختلاف تنوّع لا تضاد، وله فوائده الجليلة كالتسهيل والتخفيف على الأُمّة، وما في ذلك من نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز، وجمال الإيجاز؛ إِذْ كلّ قراءة بمنزلة الآية، إِذْ كان تنوّع اللفظ بكلمة تقوم مقام آيات. 6- دعوى أنّ الرسول نفسه لم يَنْهَ أصحابه عن تلاوة الآيات التي حفظوها بطرق مختلفة مقيّد بما سمعوه منه -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذا لمَّا أقر قراءتهم وجَّه ذلك بقوله: «هكذا أُنْزِلَت»، وكان الصحابي نفسه يقول عن قراءته: «أقرَأَنِيها رسول الله» صلى الله عليه وسلم[21]. 7- لا يصح قياس القرآن الكريم على الكتب المقدّسة الأخرى فيما يتعلق بحفظ ألفاظها من التحريف والتبديل؛ لما سبق من أن الله وَكَلَ حِفظ الكتب السابقة إلى الناس، وتكفّل بحفظ القرآن الكريم. وسبب اختصاص القرآن الكريم بهذا «أنّ الكتب السماوية السابقة مرادة لغاية محدودة، ولوقت محدود، وذلك إلى أن يأتي القرآن الكريم، الذي هو مَجمع هذه الكتب، والمهيمن عليها. وهو بهذا التقدير الرسالة السماوية إلى الإنسانية كلّها في جميع أوطانها وأزمانها»[22]، و«ترك حِفظ الكتاب الخاتم للبشر، الذين يجوز عليهم الإهمال والتحريف والنسيان، معناه طروء وحدوث التحريف والضياع لهذا الكتاب، حيث لا وحي سيأتي، ولا رسول سيبعث، ولا كتاب سينزل... الأمر الذي لو حدث -افتراضًا- سيضلّ الناس، ولا رعاية لهم، ولا حُجّة عليهم...»[23]. 8- دعوى أنّ القول بحفظ الله القرآنَ هروبٌ من النقد، ولجوءٌ للسلطة الإلهية =جرأة عظيمة على الله وكلامه حَمَلهم عليها عدم مراعاتهم لخصائص القرآن الكريم، ومنها قدسية النصّ القرآني، وأنه كلام الله الحقّ المنزّه عن كلّ نقص وعيب، ولي بحث مفرد بعنوان: «نظرات في موقف الحداثيين العرب من خصائص القرآن الكريم»، بيّنتُ فيه مواضع الخلل عندهم في هذا الباب. الاتجاه الثالث في تأويل الآية الكريمة: ذهب بعض الحداثيين إلى أن الذِّكْر الموعود بحفظه هو القرآن المتلوّ أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- دون المكتوب في المصاحف بعد ذلك: ذكر محمد أركون أن القرآن: «عبارة عن مجموعة من العبارات الشفهية في البداية، ولكنها دوّنت كتابةً ضمن ظروف تاريخية لم توضح حتى الآن أو لم يُكشف عنها النقاب، ثم رفعت هذه المدوّنة إلى مستوى الكتاب المقدّس بواسطة العمل الجبار والمتواصل لأجيال من الفاعلين التاريخيين»[24]. وقال عبد المجيد الشرفي: «فلفظ القرآن لا يصح أن يطلق حقيقة إلا على الرسالة الشفوية التي بلّغها الرسول إلى الجماعة التي عاصرته»[25]. وهذا الادّعاء باطل؛ وذلك أن المكتوب في المصاحف اليوم لا يختلف عن القرآن الذي تلاه النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه كما تلقّاه من جبريل -عليه السلام-، وقد تكفّل اللهُ بحفظ القرآن في الصدور والسطور، ولعلّه لهذه الحكمة سُمّي بالقرآن، وبالكتاب فـ«روعي في تسميته قرآنًا كونه متلوًّا بالألسُن، كما روعي في تسميته كتابًا كونه مدونًا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه»[26]. وجاء في القرآن الكريم تسمية القرآن بالكتاب ومجيء أحدهما في موضع الآخر أو حالًا منه، قال تعالى:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[فصلت: 3]، وحاصل الأمر أنه لا فرق بينهما من حيث الحقيقة، وإنما كلّ منهما أفاد معنًى وصفيًّا فيه، ونظيرهما في ذلك {الذِّكْر}؛ ولذا جاء في القرآن ما يدلّ على أن الذِّكْر هو الكتاب العزيز وأن الذِّكْر محفوظ حال كونه كتابًا قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: 41- 42]، «والذِّكْر: القرآن بإجماع»، وقوله: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ}، جملة حالية على الأرجح، وهي من حيث المعنى داخلة في صفة الذِّكْر المُكَذَّب به، فلم يتم ذِكْر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه، https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وهذا كما تقول: تخالف زيدًا وهو العالم الودود الذي من شأنه ومن أمره، فهذه كلّها أوصاف[27]. هذا، وقد قضى اللهُ بأن يكون القرآن مكتوبًا، وهذا شامل لكتابته في اللوح المحفوظ وكتابته بعد ذلك، واتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- كُتّابًا للوحي، ولم تتأخّر كتابة القرآن عن زمان النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والذي صنعه أبو بكر الصديق هو جَمْع القرآن في مصحف واحد، ثم نُسِخَ إلى عدّة نُسَخٍ في عهد عثمان رضي الله عنه، ولهذين الجَمْعَيْن أسباب معروفة، وقد كان التعويل في ذلك على المكتوب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمحفوظ في صدور الصحابة. ولو تصوّرنا أنّ المصاحف لم تُكتب أصلًا، أو اختفت بعد كتابتها، فإنّ القرآن محفوظ بالصدور منقول بالتواتر، لم يُزَد فيه ولم يُنْقَص منه، فكيف وقد تحقّق فيه الأمر؛ الحفظ في الصدور والحفظ في السطور. وتقدّم أنّ نافعًا المدني قرأ قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج: 21- 22]، برفع: {مَحْفُوظٌ}، وهذا يعني أنّ القرآن محفوظ مع أنه في لوح، فكتابته لا تُغَيِّر شيئًا من الوعد بحفظه. قال الواحدي: «فإن قيل: لِمَ اشتغلَت الصحابة بجمع القرآن في الصحف، وقد وعَد اللهُ حفظه، وما حَفِظَه الله فلا خوف عليه؟ الجواب أن يقال: جَمْعُهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله إياه، ولمّا أراد حِفظه قيَّضهم لذلك، وقال ابن الأنباري: إنهم أرادوا تسهيل القرآن على الناس وتقريب مطلبه بالذي فعلوه، لكي يَسْهُلَ تناولُه على من أراد حفظه وقراءته إذا رآه مجموعًا في صحيفة، ولو لم يفعلوا ما كان يضيع؛ إِذْ ضمِن اللهُ حِفْظَه»[28]. والإجماع منعقد على أنّ القرآن المكتوب في المصاحف هو القرآن الذي تكفّل الله بحفظه. قال ابن عبد البر: «وأجمع العلماء أنّ ما في مصحف عثمان بن عفان -وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا- هو القرآن المحفوظ الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه ولا تحلّ الصلاة لمسلم إلا بما فيه»[29]. وقال ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع) تحت عنوان: (باب من الإجماع في الاعتقادات يكفر مَن خالفه بإجماع): «وأنّ القرآن المتلوّ الذي في المصاحف بأيدي الناس في شرق الأرض وغربها من أول {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إلى آخر {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، هو كلام الله -عزّ وجلّ- ووحيه أنزله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- مختارًا له من بين الناس»[30]. الاتجاه الرابع: ذهب أحد الحداثيّين وهو المهندس محمد شحرور إلى التغاير والاختلاف بين القرآن والذِّكْر؛ استنادًا إلى قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}[ص: 1]، وذلك حين قال: «وإذا نظرنا أيضًا إلى الربط بين القرآن والذِّكْر في سورة (ص) لوجدناهما مربوطين بأداة (ذِي) وهذه الأداة تستعمل للدلالة على صفة الشيء لا على الشيء نفسه...»، إلى أن قال: «إنّ القرآن مجموعة القوانين الموضوعية الناظمة للوجود ولظواهر الطبيعة والأحداث الإنسانية، وأساسه غير لغوي ثم جعل لغويًّا؛ لقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف: 3]... والذِّكْر هو تحوُّل القرآن إلى صيغة لغوية إنسانية منطوقة بلسان عربي...»، إلى أن قال: «الذِّكْر ليس القرآن نفسه، وإنما هو أحد خواصه وهو صيغته اللسانية حصرًا»[31]. واستند أيضًا إلى الفرق بين الذِّكْر والقرآن بقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}[يس: 69]. وهذا الكلام فاسد في ذاته باطل من أساسه، وهو مبنيّ على مغالطات كثيرة ومفاهيم مخترعة زعمها صاحبها في كثير من كلمات القرآن الكريم، لا يتّسع المقام لمناقشته أو بيان فساد منهجه الذي سار عليه فيها، وقد كفانا مؤنة ذلك عددٌ من الباحثين[32]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif والذي نحتاج إلى بيانه هنا أنّ تفريقه بين القرآن والذِّكْر بما ادّعاه لا يصح؛ وذلك أننا ذكَرْنا آنفًا أنه رُوعي في تسمية القرآن كونه متلوًّا بالألْسُن، كما رُوعي في تسميته كتابًا كونه مدوّنًا بالأقلام، وهنا نقول: ورُوعي في تسميته بالذِّكْر كونه مذكِّرًا للناس، وشرفًا لمَن تمسّك به ونحو ذلك مما تقدّم ذِكْرُه في سبب تسمية القرآن بالذِّكْر، فإذا جاء اقتران القرآن بالذِّكْر وصفًا أو عطفًا مما يفيد تغايرًا، فإنه تغاير في الأوصاف لا في الذات والحقيقة، وهذا ما أغفله د. شحرور في عامة ما ذكره من فروق بين القرآن والكتاب والفرقان والذِّكْر وغيرها، فأتى بفروق لم يُسبق إليها، ولا يشهد لها لغة ولا عقل، ونقول له -دفعًا لرؤيته الفاسدة في قضية التغاير-: إنّ الله -جلَّ ذِكْره- قال عن نفسه: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}[الحديد: 3]، فهل هذا العطف يقتضي تغايرًا بالذات فيكون الآخِر غير الأول، ويكون الحديث في الآية عن أربع ذوات؟! فإن قال: نعم فتلك مصيبة لا نحتاج معها إلى مزيد، وإن قال: إنّ المغايرة باعتبار ما في كلّ اسم من صفة تختصّ به وكلّها أسماء لله وأوصاف، فهذا عين ما نقوله في القرآن والذِّكْر والكتاب، ولله الحمد. ودعوى أنّ القرآن أساسه غير لغوي ثم جعل لغويًّا لقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف: 3]، ينقضها أنّ الأمر لو كان كما زعم في التفريق بين القرآن والذِّكْر لقيل: (إنّا جعلنا ذِكْرًا عربيًّا) وليس {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} على اعتبار أن الذِّكْر هو الصيغة اللغوية. وإنما المعنى أنه على هذه الصفة قرآن عربي، وأنزله اللهُ كذلك؛ تيسيرًا منه سبحانه، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[يوسف: 2]. ولا يخفى أن ما ادّعاه من أن الذِّكْر صيغة لغوية إنسانية باطل؛ فالقرآن أو الذِّكْر كلام الله لا تصرُّف لبشرٍ فيه، وليس للرسولَيْن (جبريل ومحمد عليهما السلام) منه إلا شرف التبليغ. وأخيرًا، فقد كَثُر في القرآن الكريم ما يدلّ على أنّ القرآن يُقرأ ويُتْلَى ويُقَصّ، وهذا كلّه يهدم دعواه، ولو كان الأمر كما زعم من التفريق بين القرآن والذِّكْر لجاء التعبير في هذه الآيات بالذِّكْر لا بالقرآن. خاتمة: يتبيّن مما سبق أنَّ للحداثيّين تأويلات متهافتة في معنى قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9]، يمكن تقسيمها إلى أربعة اتجاهات: الأول: حمل الآية على معنى الأمر بالحِفْظ لا الوعد بالحِفْظ. والثاني: المراد بالحِفْظ الموعود به حِفْظ المعنى والمضمون، لا حِفْظ النصوص والألفاظ. والثالث: الذِّكْر الموعود بحِفْظِه هو القرآن المتلوّ أيام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-دون المكتوب في المصاحف بعد ذلك. والرابع: دعوى التغاير والاختلاف بين القرآن والذِّكْر. وتبيّن أنها تأويلات مبنيّة على مقدّمات باطلة؛ كقياس القرآن الكريم على الكتب المنزلة الأخرى في طروء التحريف والتبديل عليها، وعدم مراعاة خصائص القرآن الكريم؛ فلا غرو أنْ جاءت هذه التأويلات منحرفة، بمنأى عن سياق الآية الكريمة ودلالات ألفاظها، وإجماع المسلمين على حِفْظ الله للقرآن الكريم، بحيث يمكن القول بأنها باطنية جديدة تُفضي للهدم والتبديد لا البناء والتجديد، والله أعلم. [1] الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/ 98)، دار الآفاق الجديدة- بيروت. [2] التفسير القرآني للقرآن (7/ 218) لعبد الكريم الخطيب، دار الفكر العربي- القاهرة. [3] التفسير البسيط للواحدي (12/ 547)، الناشر عمادة البحث العلمي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1430هـ. وزاد المسير لابن الجوزي (2/ 525)، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ. [4] ينظر: إرشاد العقل السليم لأبي السعود (5/ 69)، والتفسير القرآني للقرآن (7/ 218). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [5] المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي (3/ 352)، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ، وزاد المسير (2/ 525)، والبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (6/ 468)، دار الفكر- بيروت، الطبعة: 1420هـ. [6] ينظر: تفسير القرآن للسمعاني (3/ 131)، دار الوطن، الرياض- السعودية، ومفاتيح الغيب للرازي (19/ 123)، دار إحياء التراث العربي- بيروت، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/ 527)، دار طيبة. [7] حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (5/ 283)، دار صادر- بيروت. [8] النكت والعيون للماوردي (5/ 185)، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان. [9] ينظر: مفاتيح الغيب (27/ 567)، وتفسير ابن كثير (7/ 183). [10] ينظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري (2/ 399)، والبحر المحيط (10/ 447)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (30/ 254)، الدار التونسية للنشر- تونس. [11] النصّ، السلطة، الحقيقة، د. نصر حامد أبو زيد، ص69- 70، المركز الثقافي العربي، الطبعة: الأولى. [12] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص429، مؤسسة الرسالة. [13] ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، مطبعة فضالة، المحمدية، المغرب. [14] الإسلام بين الرسالة والتاريخ لعبد المجيد الشرفي، ص50، دار الطليعة- بيروت، الطبعة: الثانية، 2008م. [15] رسالة في اللاهوت والسياسة، باروخ سبينوزا- ترجمة: حسن حنفي، ومراجعة: فؤاد زكريا، هامش ص27، في المقدمة، الناشر: مؤسسة هنداوي. [16] ينظر: الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص37. [17] المدخل لدراسة القرآن، د. محمد حسين الذهبي (1/ 67-68)، مكتبة السنّة- القاهرة، الطبعة: الثانية. [18] مراتب الإجماع لابن حزم الأندلسي، ص174، دار الكتب العلمية- بيروت. [19] النشر في القراءات العشر لابن الجزري (1/ 52). [20] جامع البيان في القراءات السبع لأبي عمرو الداني، جامعة الشارقة- الإمارات، الطبعة: الأولى. [21] من ذلك ما وقع لعمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم -رضي الله عنهما-، والقصة أخرجها الشيخان في مواضع، منها: صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب مَن لم يَرَ بأسًا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا، (6/ 194)، ح5040. [22]التفسير القرآني للقرآن (7/ 219). [23] حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، ص301، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1424هـ-2003م. [24] الفكر الأصولي واستحالة التأصيل لـ محمد أركون، ص41، ترجمة وتعليق: هاشم صالح، دار الساقي، بيروت- لبنان، الطبعة: الأولى، 1999م. [25] الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص49. [26] النبأ العظيم، د/ محمد عبد الله دراز، ص41، دار القلم. [27] ينظر: المحرر الوجيز (5/ 19). [28] التفسير البسيط (12/ 547). [29] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر (4/ 278). [30] مراتب الإجماع، ص173. [31] الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، محمد شحرور، ص62- 63، الأهالي للطباعة والنشر. [32] من هذه البحوث على سبيل المثال: بيضة الديك؛ نقد لغوي لكتاب (الكتاب والقرآن) ليوسف الصيداوي. |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif «آيات الرجاء» في كتاب الله الكاتب : أسامة المراكبي (31) هناك آيات عديدة في القرآن الكريم قيل عن كلّ آية منها أنها أرجى آية في القرآن، هذا المقال يستعرض هذه الآيات ويبيّن وجهَ الرجاء في كلّ واحدة منها من خلال أقوال العلماء والمفسّرين. بسم الله الذي وَسِعَت رحمتُه كلَّ شيء، وما حُرِمَ من فضله شيء. أمّا بعد: فهذا بابٌ لطيفٌ من أبواب علوم القرآن سمّاه السيوطي «مفردات القرآن»، ونستحسنُ نحن تسميته «فرائد القرآن»، وهو باب يغلب عليه الرّقائق يتناول تلك الآيات القرآنية التي كان لها نوعُ انفراد وتميّز يبلغ بها الغاية في بابها، حتى يقول الناس: هي أبلغ آية في معنى من المعاني؛ كالرجاء والخوف، والشِّدّة واليُسْر، والبلاغة والإحكام، والوعظ والتسلية، ونحو ذلك من معاني القرآن. ويأتي هذا المقال ليعرض عشرين آية أو يزيد من آيات القرآن، ما منهنّ آية إلّا وقد قيل فيها: هي أرجى آية في كتاب الله تعالى، بادِئًا في ذلك بما رُوِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين ثم الأئمة والعلماء والصالحين والزهّاد، مبينًا بإيجازٍ شديد وجهَ الرّجاء فيها من أقوال العلماء والمفسّرين. أرجى آية فيما رُوِي عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم): عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما أُحِبُّ أنّ لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]، فقال رجلٌ: يا رسول الله، فمَنْ أشرك؟ فسَكَتَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: إلّا مَن أشرك، إلّا مَن أشرك (ثلاث مرات)»[1]. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «بعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وحشيّ قاتِلِ حمزة -رضي الله عنه- يدعوه إلى الإسلام، فقال: كيف تدعوني وأنت تَزْعُمُ أنّ مَنْ قَتَلَ أو زَنَى أو أشرك يَلْقَ أثامًا، ويضاعَف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا، وأنا صنعتُ ذلك؟! فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله -عز وجل-: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[الفرقان: 70] إلى آخر الآية، فقال وحشي: يا محمد، هذا شرط شديد: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}! فلعلي لا أقدر على هذا، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: 48]، فقال وحشيّ: يا محمد أَرى بَعْدُ مشيئةً، فلا أدري يُغْفَرُ لي أم لا؟ فهل غير هذا؟ فأنزل الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: 53]، قال وحشي: هذا نعم، فجاء فأسلم»[2]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وتحدّث الشوكاني عن وجه الرّجاء في الآية، فقال: «واعلم أنّ هذه الآية أرجى آية في كتاب الله سبحانه؛ لاشتمالها على أعظم بشارة، فإنه: - أولًا أضاف العِباد إلى نفسه لقصْد تشريفهم ومزيد تبشيرهم، فقال: {يَا عِبَادِيَ}. - ثم وصَفهم بالإسراف في المعاصي، والاستكثار من الذّنوب. - ثم عقّب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثِرين من الذّنوب؛ فالنهي عن القنوط للمذنِبين غير المسرِفين من باب الأَوْلَى. - ثم جاء بما لا يَبْقَى بعده شكٌّ، ولا يتخالج القلبَ عند سماعه ظنٌّ، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ}، فالألف واللام قد صيّرت الجمع الذي دخلتْ عليه للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده، فهو في قوّة: (إن الله يغفر كلَّ ذنبٍ كائنًا ما كان)، إلّا ما أخرجه النصّ القرآني، وهو الشرك: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: 48]. - ثم لم يكتفِ بما أخبر عبادَه به من مغفرةِ كلّ ذنبٍ؛ بل أكَّد ذلك بقوله: {جَمِيعًا}. - وما أحسن ما علّل سبحانه به هذا الكلام قائلًا: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، أي: كثير المغفرة والرحمة، عظيمهما، بليغهما، واسعهما. قال: فيا لها من بشارة ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسِنِينَ ظنَّهم بربّهم، الصادِقِين في رجائه، الخالِعِين لثياب القنوط، الرافضِين لسُوء الظنّ بمن لا يتعاظمه ذنبٌ، ولا يبخل بمغفرته ورحمته على عباده المتوجّهين إليه في طلب العفو. فمَن أبى هذا التفضُّل العظيم، والعطاء الجسيم، وظنَّ أن تقنيط عبادِ الله، وتأييسهم من رحمته أَولَى بهم مما بشّرهم الله به! فقد رَكِبَ أعظمَ الشّطط! وغلط أقبح الغلط! فإنّ التبشير وعدم التقنيط الذي جاءت به مواعيد الله في كتابه العزيز، والمسلك الذي سلكه رسوله -صلى الله عليه وسلم-»[3]. وعن عليّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أنزل اللهُ عليَّ آية أرجى من قوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}[الضحى: 5]، [فذخرتها] لأُمّتي يوم القيامة»[4]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif قال ابن عباس: «رضاه أن تَدْخُل أمّتُه كلُّهم الجنّة»[5]. وعن عبد الله بن عمرو، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: تلا قولَ اللهِ -عز وجل- في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[إبراهيم: 36]، وقال عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة: 118] فرفع يديه وقال: «اللهم أُمّتي أُمّتي» وبكى! فقال الله تعالى: «يا جبريل، اذهب إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فقل له: إنا سَنُرضِيك في أُمّتك ولا نَسُوؤك»[6]. وقال الشاعر: قَرَأْنَا فِي الضُّحَى وَلَسَوْفَ يُعْطِي ** فَسَرَّ قُلُوبَنَا هذا الْعَطَاءُ أرجى آية عند أبي بكر الصديق (رضي الله عنه):وَحَاشَا يَا رَسُولَ اللهِ تَرْضَى ** وَفِينَا مَنْ يُعَذَّبُ أَوْ يُساءُ[7]! قال أبو عبد الله القرطبي: «حُكِي أنّ الصحابة -رضوان الله عليهم- تذاكروا القرآنَ، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: قرأتُ القرآنَ من أوّله إلى آخره فلم أَرَ فيه آية أرجى وأحسن من قوله -تبارك وتعالى-: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}[الإسراء: 84]؛ فإنه لا يُشاكِل بالعبد إلّا العصيان، ولا يُشاكِل بالربّ إلّا الغفران...»[8]. أرجى آية عند عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: «قرأتُ القرآن من أوّله إلى آخره فلم أَرَ فيه آية أرجى وأحسن من قوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}[غافر: 3]، قَدَّم غفران الذّنوب على قبول التوبة، وفي هذا إشارة للمؤمنين»[9]. وَرُوِيَ «أنّ رجلًا كان ذا بأس وكان يُوفَد على عمر لبأْسه، وكان من أهل الشام، وأنّ عمر فقَدَه فسأل عنه، فقيل له: تَتَايَع[10] في هذا الشّراب، فدعا كاتبه فقال: اكتُبْ: من عمر بن الخطاب إلى فلان، سلام عليك، فإني أحمدُ إليك اللهَ الذي لا إله إلا هو {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[غافر: 3]، ثم دعا وأمّنَ مَن عنده، ودَعَوا له أن يُقْبِل اللهُ بقلبه، وأن يتوب عليه. فلما أتت الصحيفةُ الرجلَ جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني اللهُ أن يغفر لي، قد حذّرني اللهُ عقابَه، فلم يزل يردّدها على نفسه، ثم بكى، ثم نزَع فأحسن النّزع، فلما بلغ عمرَ أمرُه قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخًا لكم زَلَّ زلّة فسدِّدوه، ووفِّقوه، وادعُوا اللهَ أن يتوب عليه، ولا تكونوا عونًا للشيطان عليه»[11]. قال الثعلبي: «قال أهل الإشارة: {غَافِرِ الذَّنْبِ} فضلًا، {وَقَابِلِ التَّوْبِ} وَعْدًا، {شَدِيدِ الْعِقَاب} عدلًا، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} فردًا»[12]. وقال ابن عطية «في قوله: {ذِي الطَّوْلِ} أي: ذي الإنعام والمَنّ، فلا خير إلّا مِنْهُ، فترتّب في الآية وَعِيد بين وَعْدَين، وهكذا رحمة الله تغلب غضبه. سمعتُ هذه النزعة من أَبِي -رضي الله عنه-، وهي نحو من قول عمر -رضي الله عنه-: لن يَغْلِب عُسْرٌ يُسْرَين، يريد في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح: 5- 6]»[13]. أرجى آية عند عثمان (رضي الله عنه): https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: «قرأتُ جميع القرآن من أوّله إلى آخره فلم أَرَ آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الِحجر: 49]»[14]. أرجى آية عند عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه): وعن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: «قرأتُ القرآن من أوّله إلى آخره فلم أَرَ آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]»[15]. وعن عليّ -رضي الله عنه- قال: «ما في القرآن أرجى إِلَيَّ من هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: 48]»[16]. وقال ابن عمر: «كنّا نُطْلِق القول فيمن ارتكب الكبائر بالخلود في النار، حتى نزلتْ هذه الآية، فتوقّفْنَا»[17]. وعن عليّ -رضي الله عنه- قال: «ألَا أخبركم بأرجى آية في القرآن؟ قالوا: بلى، فقرأ عليهم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[الشورى: 30]، ثم قال: إذا كان يكفِّر عنِّي بالمصائب، ويعفو عن كثير، فماذا يَبْقَى من ذنوبي بين كفارته وعَفْوِه»[18]. وقال بعضهم: جعل اللهُ ذنوب المؤمنين صِنفين: صِنف كفَّره عنهم بالمصائب، وصِنف عفَا عنه في الدنيا، وهو كريم لا يَرْجِع في عَفْوِه، فهذه سُنّة الله مع المؤمنين. وعن الحسن قال: «دخلْنا على عمران بن حصين في الوجع الشديد، فقيل له: إنّا لنغتمُّ لك من بعضِ ما نرى، فقال: لا تفعلوا فوالله إنّ أَحبَّه إلى الله أَحبُّه إليَّ، وقرأ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فهذا بما كسبَتْ يداي، وسيأتيني عفو ربي»[19]. أرجى آية عند ابن مسعود (رضي الله عنه): عن ابن مسعود -رضي الله عنه- وسأله عمر -رضي الله عنه-: «أيّ آية في كتاب الله أرجى؟ قال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر: 53]»[20]. وهو قول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-؛ فعن سعيد بن المسيب، قال: «اتَّعَدَ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو أن يجتمعَا، فقال أحدهما لصاحبه: أيّ آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة؟ فقال عبد الله بن عمرو: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}[الزمر: 53] حتى ختم الآية. فقال ابن عباس: أما إن كنت تقول، إنها. وإنّ أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْييِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: 260]»[21]. رواية أخرى عن ابن مسعود (رضي الله عنه): وعن عبد اللَّه بن مسعود -رضي الله عنه- أيضًا قال: «أرجى آية في القرآن قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء: 110]»[22]. وعنه -رضي الله عنه- قال: «في القرآن آيتان ما قرأهما عبدٌ مسلم عند ذنب إلّا غُفِرَ له، قال: فسمع بذلك رجلان من أهل البصرة، فأَتَيَاه، فقال: ائْتِيَا أبيَّ بن كعب فإني لم أسمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهما شيئًا إلّا وقد سمعه أبيُّ بن كعب، فأَتَيَا أبيَّ بن كعب فقال لهما: اقرَءَا القرآن فإنكما ستجدانهما. فقرءَا حتى بلَغا آل عمران: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ...}[آل عمران: 135] إلى آخر الآية، وقولَه: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء: 110] فقالا: قد وجدناهما. فقال أبيٌّ: أين؟ فقالا: في آل عمران والنساء. فقال: هما، هما»[23]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif قال أبو حيّان: «كأنّ المغفرة والرحمة مُعَدّان لطالبهما، مهيّئان له متى طلبهما وجدهما، وهذه الآية فيها لطفٌ عظيم، ووَعْدٌ كريم للعصاة إذا استغفروا الله»[24]. أرجى آية عند ابن عباس (رضي الله عنهما): عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «أرجى آية في القرآن: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[طه: 48]؛ لأنّ المؤمن ما كَذَّب وتولَّى، فلا يناله شيء من العذاب»[25]. قُلْتُ: لا ينبغي أن يُفهم من ذلك أنّ المؤمنَ سالمٌ من العذاب على كلّ حال من طاعة ومعصية، فإنه إذا كان العذاب على مَنْ كذَّب وتولَّى، فإنّ النجاة لمن آمن وعمل صالحًا، وقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم: 31]. وعفو الله رجاء كلّ طائع وعاص، أمّا الأمن: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف: 99]. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «ما في كتاب الله -عز وجل- آية أرْجَى من قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ}[الرعد: 6]»[26]. أي: مع ظلمهم أنفسهم، فذكر المغفرة مع الظلم ولم يشترط التوبة[27]. وتلا مطرف يومًا هذه الآية: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ}، فقال: «لو يعلم الناس قَدْرَ رحمة الله ومغفرة الله وعفو الله وتجاوز الله لقرّت أعينهم، ولو يعلم الناس قَدْرَ عذاب الله، وبأس الله ونكال الله ونقمة الله، ما رقَأ لهم دمع، ولا قرّت أعينهم بشيء»[28]. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «ثمانِ آيات نزلت في (سورة النساء)، هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أُولاهنّ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[26]. والثانية: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا}[27]. والثالثة: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا}[28]. والرابعة: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[31]. والخامسة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}[40]. والسادسة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[48، 116]. والسابعة: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}[110]. والثامنة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[152]»[29]. وعن محمد بن المنكدر، قال: «التقى ابن عباس وعبد الله بن عمرو، فقال ابن عباس: أيّ آية في كتاب الله أرجى؟ فقال عبد الله بن عمرو: قول الله -عز وجل-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: 53]. فقال ابن عباس: لكن قول الله -عز وجل-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: 260]، قال ابن عباس: فرضي منه بقوله {بَلَى}، قال: فهذا لِما يعترض في الصدر مما يوسوس به الشيطان»[30]. قال ابن عطية: «فأمّا قول ابن عباس: هي أرجى آية فمِن حيث فيها الإدلال على الله تعالى، وسؤال الإحياء في الدنيا وليست مظنّة ذلك، ويجوز أن يقول: هي أرجى آية لقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ...} أي: إنّ الإيمان https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif كافٍ لا يحتاج بعده إلى تنقير وبحث، وأمّا قول عطاء بن أبي رباح: دخل قلبَ إبراهيم بعضُ ما يدخل قلوب الناس، فمعناه: من حُبِّ المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أُخْبِرَتْ به... وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع، وقد كان إبراهيم -عليه السلام- أعلم به، يدلّك على ذلك قوله: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[البقرة: 258]، وإذا تأمّلْتَ سؤالَه -عليه السلام- وسائر ألفاظ الآية لم تعطِ شَكًّا؛ وذلك أنّ الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرّر الوجود عند السائل والمسئول»[31]. وعن عكرمة قال: «سُئِل ابن عباس: أيّ آية أرجى في كتاب الله؟ فقال: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: 30]»[32]. قال زيد بن أسلم: «هذا عند الموت، والبشارة في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث»[33]. يتبع https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان
https://i.imgur.com/MyH3TZn.gif «آيات الرجاء» في كتاب الله الكاتب : أسامة المراكبي (32) أرجى آية عند محمد بن الحنفية (رضي الله عنه): عن محمد بن عليّ، ابن الحنفية قال: «يا أهل العراق، تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله -عز وجل-: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ...}[الزمر: 53]، وإنّا أهلَ البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله -عز وجل-: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}[الضحى: 5]، وهي واللهِ الشفاعة، لَيُعطَيَنَّها في أهل لا إله إلا الله حتى يقول: ربِّ رضيتُ، وزدتَني على أُمّتي في أُمّتي»[34]. أرجى آية عند عليّ بن الحسين (رضي الله عنه): وعن عليّ بن الحسين قال: «أشدّ آية على أهل النار: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا}[النبأ: 30]، وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ...}[النساء: 48، 116]»[35]. أرجى آية عند جعفر الصادق (رضي الله عنه): قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}[فاطر: 32، 33]. عن جعفر الصادق -رضي الله عنه- قال: «أرجى آية في كتاب الله تعالى هذه الآية: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}؛ لأنه جَمَعَ بين الظالم والمقتصد والسابق، ثم قال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}»[36]. وعنه قال: «فَرَّقَ المؤمنين ثلاثَ فِرَق، ثم سمّاهم (عبادنا) أضافهم إلى نفسه تفضّلًا منه وكرمًا، وجعلهم أصفياء مع علمه بتفاوت معاملاتهم، ثم جمَعهم في آخر الآية فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}[فاطر: 33]، وبدأ بالظالمين إخبارًا بأنه لا يُتَقَرَّب إليه إلّا بمحض كرمه، ثم ثنّى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء، ثم ختم بالسابقين لِئلّا يأمن أحدٌ مكرَه ولا يقنط من كرمِه. وكلُّهم في الجنة بحُرمة كلمة الإخلاص»[37]. وعن عمر بن الخطاب قال: «ألَا إنّ سابقَنا سابق، ومقتصدَنا ناجٍ، وظالمَنا مغفور له»[38]. وعن ابن عباس أنه سأل كعبًا عن هذه الآية فقال: «تماسّت مناكبهم وربِّ الكعبة، ثم أُعطوا الفضل بأعمالهم»[39]. وقال بعض أهل العلم: «حقّ لهذه الواو في قوله: {يَدْخُلُونَهَا} أن تُكْتَب بماء العينين»[40]. أرجى آية عند عبد الله بن المبارك (رضي الله عنه): قال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور: 22]. قال عبد الله بن المبارك: «هذه أرجى آية في كتاب الله»[41]. قال السيوطي: «لأنّه أَوصى بالإحسان إلى القاذف، وعاتب على عدم الإحسان إليه»[42]. أي: فغيره أَوْلَى بلطفه سبحانه ورحمته. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif أرجى آية عند الإمام الشافعي (رضي الله عنه): عن ابن عبد الحكم، قال: «سألتُ الشافعيّ: أيّ آية أرجى؟ قال: قوله تعالى: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}[البلد: 15، 16]»[43]. قُلْتُ: لم يظهر لي وجهُ كونها أرجى آية! إلّا أن يريد أنّ من عَمِلَ بها رُجِيَ له الفوز عند الله تعالى. أرجى آية عند يحيى بن معاذ الرازي (رحمه الله): قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[غافر: 7]. عن يحيى بن معاذ الرازي أنه كان يقول لأصحابه إذا قرأ هذه الآية: «افهموا؛ فما في العالم خيرًا أرجى منه»[44]. وقال مطرّف: «وجدنا أغَشّ عباد الله لعباد الله الشياطين، ووجدنا أنصَح عباد الله لعباد الله الملائكة»[45]. وقال خلف بن هشام البزار القارئ: «كنتُ أقرأ على سليم بن عيسى، فلما بلغتُ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} بكى! ثم قال: يا خلف ما أكرم المؤمن على الله! [يكون] نائمًا على فراشه والملائكة يستغفرون له!»[46]. وقال الماتريدي: «وعندنا أرجى الآيات هي التي أمر اللَّهُ -تعالى- رسلَه بالاستغفار للمؤمنين، وكذلك ما أمر الملائكة بالاستغفار لهم؛ فاستغفروا لهم»[47]. أرجى آية عند أبي عثمان النَّهْدي (رحمه الله): عن أبي عثمان النَّهْدي، قال: «ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 102]؛ لأنّ عسى من الله لما يُرجى أن يتحقّق وقوعُه»[48]. قال مطرف: «إني لأستلقي من الليل على فراشي فأتدبّر القرآن وأَعرض عملي على عمل أهل الجنة، فإذا أعمالهم شديدة: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات: 17]، {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان: 64]، فلا أراني فيهم. فأَعرض نفسي على هذه الآية: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} إلى قوله: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المدثر: 42- 46] فأرى القومَ مكذِّبين. وأمرُّ بهذه الآية: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ...}[التوبة: 102] فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم»[49]. وقال الآلوسي: «التوبة من الله سبحانه بمعنى قبول التوبة، وهو يقتضي صدور التوبة عنهم، وقيل: الاعتراف دالٌّ على التوبة، وكلمة {عَسَى} للإطماع، وهو من أكرم الأكرمين إيجابٌ وأيُّ إيجاب!»[50]. أرجى آية عند رابعة العدوية: قالتْ رابعة -رحمة الله عليها-: «أرجى آية في كتاب الله عندي: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر: 6]، كأنه يخاطبنا فيقول: أنا حبيبكم فاتخذوني حبيبًا»[51]. أرجى آية عند أبي بكر الشبلي[52]: وقال الشبلي: «أرجى آية: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: 38]»[53]، يعني أنّ الكافر إذا أتى بالتوحيد والشهادة غُفِرَ له، فكيف بالمؤمن المقيم على الإيمان والتوحيد؟ وأَنشَدوا: https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif يَا مَنْ عَدَا ثُمَّ اعْتَدَى ثُمَّ اقْتَرَفْ ** ثُمَّ انْتَهَى ثُمَّ ارْعَوَى ثُمَّ اعْتَرَفْ أرجى آية عند حمدون القصّار[55]:أَبْشِرْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِي آيَاتِهِ ** إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ»[54]. قال حمدون القصّار: «لا أعلم في القرآن أرجى من قوله: {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ}[غافر: 43]، فقد حُكي عن بعض السلف أنه قال: الكريمُ إذا قَدَر عفَا»[56]. أرجى آية عند أبي إسحاق الزجّاج: قال تعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}[الأحقاف: 35]، قال قتادة: لا يهلك على الله إلّا هالكٌ؛ كافرٌ ولَّى الإسلامَ ظهرَه، أو منافقٌ يصِفُ الإيمانَ بلسانه ويُنْكِر بقلبه. وقال الزجّاج: «تأويله: لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلّا القوم الفاسقون، وما في الرجاء لرحمة اللَّه شيء أقوى من هذه الآية»[57]. أرجى آية عند أبي منصور الماتريدي: قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: 159]. قال أبو منصور الماتريدي -رحمه الله-: «أرجى آية للمؤمنين قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}[آل عمران: 159]، وقوله -أيضًا-: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد: 19]؛ فإنه لا جائز أن يؤمَر -صلى الله عليه وسلم- بالاستغفار لهم ثم لا يفعل، ولا جائز إذا استَغْفَر كما أُمِر ألّا يُجاب؛ فدَلّ أنه ما ذكَرْنا، واللَّه أعلم»[58]. قُلْتُ: صدق -رحمه الله-، وقديمًا قال الشاعر: لو لم تُرِدْ نَيْلَ ما أرجُو وأطلُبُه ** من فيضِ جودِكَ، ما علَّمْتَنِي الطَّـلَبَا[59] قال الماتريدي: «وكذلك دعاء سائر الأنبياء -عليهم السلام- للمؤمنين، نحو دعاء نوح -عليه السلام-: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[نوح: 28]، وقول إبراهيم - عليه السلام -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم: 41]، ونحو ذلك، وكذا استغفار الملائكة لهم -أيضًا- لقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}[الشورى: 5]، وقوله: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ...}[غافر: 7] الآية، هذه الآيات أرجى آيات للمؤمنين، ودعوات الأنبياء -عليهم السلام- أفضل وسائل تكون إلى اللَّه -تعالى- وأعظم قُربة عنده، واللَّه الموفِّق»[60].وعن سفيان بن عيينة أنه قال لرجلٍ: طِبْ نفسًا؛ فقد دعت لك الملائكة، ونوح، وإبراهيم، ومحمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم قرأ: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}[الشورى: 5] يعني: من المؤمنين. وقال نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[نوح: 28]. وقال إبراهيم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم: 41]. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif وقال الله -جلّ ذِكره- لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد: 19]. قال أبو محمد مكيّ بن أبي طالب: «ولا نَشُكُّ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فَعَل ما أمره اللهُ به من الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، فهذا دعاء لا نشكّ -إن شاء الله- أنّ اللهَ قد أجابه لنوح وإبراهيم ومحمد والملائكة، فمَن مات على الإيمان فهو داخل تحت الدعوات المذكورات إن شاء الله. أماتَنَا الله على الإيمان وختم لنا بخير»[61]. أرجى آية عند الحافظ أبي بكر غالب بن عطية[62]: قال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}[الأحزاب: 47]. قال ابن عطية: «قال لنا أبِي -رضي الله عنه- هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى؛ لأن الله تعالى أمر نبيّه أنّ يبشّر المؤمنين بأنّ لهم عنده فضلًا كبيرًا، وقد بيّن تعالى الفضل الكبير ما هو في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}[الشورى: 22]»[63]. أرجى آية عند أبي القاسم القشيري: قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}[محمد: 11]. قال القشيري: «الـمَوْلَى هنا بمعنى الناصر؛ فالله ناصر للذين آمنوا، وأمّا الكافرون فلا ناصر لهم. أو (المولى) من الموالاة وهي ضدّ المعاداة، فيكون بمعنى المحبّ؛ فهو {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} أي: محبّهم، وأمّا الكافرون فلا يحبهم الله. ويصحّ أن يقال: إنّ هذه أرجى آية في القرآن؛ ذلك بأنه سبحانه يقول: {بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} ولم يقل: مولى الزهّاد والعبّاد، وأصحاب الأوراد والاجتهاد، فالمؤمن -وإن كان عاصيًا- من جملة الذين آمنوا، لا سيّما و{آمَنُوا} فعلٌ، والفعل لا عموم له»[64]. قال ابن عجيبة: «والمحبة تتفاوت بقدْر زيادة الإيمان والإيقان، حتى يصير محبوبًا مقرّبًا»[65]. وبعد.. فقد كانت تلك تطوافة سريعة عرَضْنا فيها لِأشهر آيات الرجاء في القرآن الكريم، رَجَوْنا بعرضها أن نُفسح بها صدورًا ضاقتْ بهمومها الأيام، ونرطِّب بها قلوبًا قسَّتْها آلامُ الحياة، وننقذ بها أنفُسًا غلب عليها الإياس والقنوط؛ لتنهض على جناح الرجاء إلى رحاب الله الذي وَسِع كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا. [1] أخرجه أحمد في مسنده، في تتمة مسند الأنصار، (37/ 45)، (22362)، وقال الشيخ شعيب: «إسناده ضعيف». [2] المعجم الكبير، للطبراني (11/ 197)، قال في مجمع الزوائد (7/ 101): «فيه (أبين بن سفيان)، ضعّفه الذهبي». [3] فتح القدير، للشوكاني (4/ 539). [4] الفردوس بمأثور الخطاب، للديلمي (4/ 62)، (6195)، وقال في كنز العمال (1/ 594): «فيه حرب بن شريح، فيه ضعفٌ، والباقون ثقات». ولفظ الديلمي «قد خَزَنَها»، ولعله تصحيفٌ صوابه ما أثبتُّه https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif نقلًا عن كنز العمال (1/ 594)، ويقويه ما رواه أبو العباس السراج في مسنده (ص179) مرفوعًا: «أُعْطِيتُ خمسًا لم يُعْطَهُنّ أحدٌ قَبْلي؛ أُعطيتُ الشفاعة فذخرتُها لأُمّتي...» الحديث، وأخرجه بلفظه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 352). [5] رواه البيهقي في شعب الإيمان، (3/ 44)، (1374). ومعناه صحيح؛ فإن كل أمّته يدخلون الجنة -إن شاء الله- ابتداء أو انتهاء، أي: بلا حساب، أو بعد الحساب والعقاب. ولا يُفْهَم من كلام ابن عباس أنّ أحدًا من الأمة لا يدخل النار أصلًا، فإنّ هذا فهمٌ فاسد مناقِض لآيات وعيد العُصاة وأحاديثه جملة، وهي أكثر من أن تُحْصَى، وأحاديث الشفاعة مصرِّحة بأنه -صلى الله عليه وسلم- يُخْرِج من النار قومًا دخلوها، وامتحشُوا فيها! نسأل اللهَ العافية، قال ابن القيم: «من الناس من يغترُّ بفهمٍ فاسد فَهِمَه من نصوص القرآن والسنّة، فاتَّكَلُوا عليه، كاتِّكال بعضهم على قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}. قال: وهو لا يرضى أن يكون في النار أحدٌ من أُمّته، وهذا من أقبح الجهل، وأبْيَن الكذب عليه، فإنه يرضى بما يرضى به ربُّه -عز وجل-، والله تعالى يُرضِيه تعذيب الظَّـلَمة والفَسَقة والخوَنة والمصرِّين على الكبائر، فحاشا رسوله أن يَرضى بما لا يَرضى به ربُّه تبارك وتعالى». الداء والدواء (ص23). [6] أخرجه مسلم في الصحيح: كتاب الإيمان، باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمّته، (1/ 191)، (346). [7] البيتان لمحمد جميل الخطيب النقشبندي، شيخٌ أديبٌ سوري، توفي سنة (1964م). انظر: معجم أعلام شعراء المدح النبوي (ص339). [8] تفسير القرطبي (10/ 322)، ولم أقف على الأثر عند أحد قبله. [9] تفسير القرطبي (10/ 322). [10] قال أَبُو عبيد: «التَّتَايُع: التهافُت فِي الشَّيء والمتابعة عَلَيهِ، يُقَال: قد تتايعوا فِي الشرّ، إِذا تهافتوا فِيهِ وسارعوا إِلَيهِ». تهذيب اللغة: [تاع]، (3/ 92). [11] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 97). [12] الكشف والبيان (8/ 264). [13] المحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 546). [14] تفسير القرطبي (10/ 322). [15] تفسير القرطبي (10/ 322). [16] الكشف والبيان، لأبي إسحاق الثعلبي (3/ 325). [17] تفسير السمعاني (1/ 434). [18] الهداية إلى بلوغ النهاية (10/ 6597). وقال بعض العلماء: «إنما يعفو في الدنيا عمّا يشاء، ويؤخّر عقوبة مَن شاء إلى الآخرة، فلا يلزم إبطال وعيد الآخرة» انظر: البحر المديد، لابن عجيبة (6/ 567). [19] التفسير الكبير، للرازي (27/ 601). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [20] أخرجه عبد الرزاق في التفسير (3/ 449)، (3673) عن معمر قال: «بلغني أن عمر...» فذكره. [21] أخرجه ابن جرير في جامع البيان (5/ 490)، وفيه راوٍ مبهم، والحاكم في المستدرك (4/ 289) وصحّحه، وتعقّبه الذهبي بأنّ فيه انقطاعًا. وقال الشيخ أحمد شاكر هذا. ومعنى قوله: «أما إن كنت تقول إنّها»، فإنّ في الجملة حذوفًا جارية على لغة العرب في الاجتزاء، ومعناه: (أما إن كنت تقول ذلك، إنها لمن أرجى الآيات، وأرجى منها قول إبراهيم). وحذفُ خبر (إنّ) كثير في العربية. [22] تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (3/ 356). [23] فضائل القرآن، للقاسم بن سلام (ص277). [24] البحر المحيط، لأبي حيّان (3/ 361) وانظر: تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (3/ 356). [25] البحر المحيط، لأبي حيان (6/ 232)، وقد انفرد أبو حيان بنسبته إلى ابن عباس، وإلّا فهو في سائر المصادر غير منسوب إلى معيّن. انظر: التفسير البسيط، للواحدي (14/ 413)، وغرائب التفسير، للكرماني (2/ 718)، ومدارك التنزيل، للنسفي (2/ 367)، والبرهان في علوم القرآن (1/ 447). [26] الهداية الى بلوغ النهاية (5/ 3676)، المحرر الوجيز (3/ 296)، تفسير القرطبي (9/ 285). [27] تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (2/ 143). [28] التفسير الوسيط، للواحدي (3/ 6). [29] جامع البيان، للطبري (8/ 257). [30] فضائل القرآن، للقاسم بن سلام (ص277). [31] المحرر الوجيز، لابن عطية (1/ 352) [32] الإتقان في علوم القرآن (4/ 153)، وقال السيوطي: «أخرجه ابن أبي حاتم»، ولم أجده عنده. [33] إعراب القرآن، للنحاس (4/ 42) [34] التفسير الوسيط، للواحدي (4/ 510). وأخرجه بنحوه في قصة طويلة الإمامُ ابن خزيمة في كتاب التوحيد (2/ 673)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (3/ 179). [35] الإتقان في علوم القرآن (4/ 150)، وذكر السيوطي أنه من رواية الواحدي، ولم أجده عنده. [36] تفسير السمعاني (4/ 360)، في تفسير الظالم والمقتصد والسابق أقوال أشهرها قول الحسن. [37] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1650). [38] رواه البيهقي في البعث والنشور (ص84) عن عمر -رضي الله عنه- مرفوعًا وموقوفًا، والمرفوع مرسَل، والموقوف غير قوي. انظر: تخريج أحاديث الكشاف، للزيلعي (3/ 153). https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [39] جامع البيان، للطبري (20/ 466). [40] أضواء البيان (5/ 482). [41] صحيح مسلم: كتاب التوبة، باب في حديث الإفك، (4/ 2136)، (2770). [42] معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 359). وقال ابن عطية: «إنما تعطي الآية تفضلًا من الله في الدنيا، وإنما الرجاء في الآخرة، أو أنّ الرجاء في هذه الآية بقياس، أي: إذا أمَر أُولي السعة بالعفو فطرد هذا التفضل بسعة رحمته، لا ربّ سواه». المحرر الوجيز (4/ 209). [43] أحكام القرآن، للشافعي - جمع البيهقي (1/ 38). [44] الكشف والبيان، لأبي إسحاق الثعلبي (8/ 267). [45] جامع البيان، للطبري (21/ 358). [46] تفسير القرطبي (15/ 295). [47] تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (10/ 559). [48] مصنف ابن أبي شيبة (13/ 548)، جامع البيان، للطبري (14/ 452)، شُعب الإيمان (9/ 356). [49] حلية الأولياء (2/ 198). [50] روح المعاني (11/ 13). [51] حقائق التفسير، لأبي عبد الرحمن السلمي (2/ 158). [52] قال الذهبي: «شيخ الطائفة أبو بكر الشبلي البغدادي. قيل: اسمه دلف بن جحدر، وقيل: جعفر بن يونس، كان فقيهًا عارفًا بمذهب مالك، وكتَبَ الحديث عن طائفة، وقال الشعر، وله ألفاظ وحِكَم وحال وتمكُّن، وله مجاهدات عجيبة انحرف منها مزاجه، توفي ببغداد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة». سير أعلام النبلاء (15/ 367). [53] معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 360). [54] الأبيات لأبي منصور عبد القاهر البغدادي. انظر: الحاوي للفتاوي (1/ 327). [55] شيخ الصوفية، أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة القصّار النيسابوري، سمع إسحاق بن راهويه وغيره، وكان عالمًا فقيهًا يذهب مذهب الثوري، ومن كلامه، قال: لا يجزع من المصيبة إلّا من اتّهَم ربَّه، توفي سنة (271هـ)، انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 50)، والأعلام للزركلي (2/ 274). [56] البحر المديد، لابن عجيبة (5/ 138). وسياق الآية في الوعيد كما لا يخفى. https://i.imgur.com/ISX7WyM.gif [57] معاني القرآن وإعرابه، للزجّاج (4/ 448)، تفسير السمعاني (5/ 166). [58] تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (2/ 515) بتصرّف. [59] لطائف الإشارات، للقشيري (1/ 155). [60] تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (9/ 275). [61] الهداية إلى بلوغ النهاية (12/ 7751). [62] هو المحدِّث الحافظ الأديب، أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن عطية الأندلسي، كان حافظًا للحديث وطرقه وعِلله، عارفًا بالرجال، ذاكرًا لمتونه ومعانيه، يُذكر أنه كرّر [صحيح البخاري] سبعمائة مرة، وهو والد عبد الحقّ بن عطية صاحب التفسير، توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة. سير أعلام النبلاء (14/ 401). [63] المحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 450). [64] لطائف الإشارات (3/ 406). [65] البحر المديد، لابن عجيبة (7/ 157). https://i.imgur.com/iOUB2As.gif |
الساعة الآن : 12:45 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour