ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   السياسة الشرعية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=302135)

ابوالوليد المسلم 08-03-2024 12:36 PM

السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (1)… طاعة أولي الأمر


في ظل ثورات الربيع العربي في بعض الدول العربية كتونس ومصر وسوريا ... وغيرها، كثرت الأقلام وتناثرت المقالات حول الكيفية أو الآلية التي تدور عليها طاعة أولي الأمر، ومتى تجوز معصيتهم بل والانقلاب عليهم.
دعونا نرجع إلى ديننا الحنيف، فسنرى أنه حدد الضوابط اللازمة والضرورية التي تحكم تلك الطاعة. قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء:58-59).
أخي القارئ، إذا تأملت الآيتين السابقتين ستجد أن الطاعة لها شقان أساسيان هما ولاة الأمور والرعية، فالآية الأولى قد نزلت في ولاة الأمور بأن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل.
أما الآية الثانية فنزلت في الرعية بما عليهم من طاعة أولي الأمر الفاعلين في قسمهم وحكمهم، إلا أن يَأمروا ـ ولاة الأمور ـ بمعصية، فإن أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما أوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن تنازعوا في شيء فالحَكم والفَيصل هنا هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن طاعة أولي الأمر من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، بل وجاء الفعل {وأطيعوا...} بصيغة الأمر الذي يوجب طاعة أولي الأمر بالشروط السالفة الذكر.
وفى السياق نفسه قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمات أصاب فيهن: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة، وإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويجيبوه إذا دعا.
ولا ننسى أن طاعة أولي الأمر من قبل الرعية علامة جلية من علامات الإيمان بالله واليوم الأخر، حيث قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ..} إلى قوله تعالى: {إن كنتم تؤمنون....} (النساء: 58 - 59).
ألا تتذكرون عصر الخلفاء الراشدين المهديين, فقد أجمعت الأمة وتوحدت على طاعة الصديق أبي بكر والفاروق عمر بن الخطاب, فدانت الجزيرة العربية بأسرها, بل وفتحت بلاد الفرس والروم وأصبحت الدولة الإسلامية من أقوى الدول الموجودة حينئذ, ثم تغير الحال وأبى بعضهم طاعة أولي الأمر المتمثلين في عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فتفرقت الأمة وتشتت المسلمون وظهرت الفتن والقلاقل, وتعددت الآراء الدينية والمذهبية ولم يلتئم الشمل إلى عصرنا هذا.
أيها النواب الكرام، الحل بأيدينا، فإن تحققت تلك الطاعة يعم الأمن والأمان والاستقرار الذي يترتب عليه نمو اقتصاد الكويت، ومعه يعم الخير لسائر الرعية، كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها؛ لأن أساس الحكم هو العدل، والعدل أساس الملك.
ولكن يتبادر إلى العقول والأذهان أسئلة عدة منها: ما شروط اختيار ولاة الأمور؟ وهل كل إنسان يصلح أن يكون والي أمر من أمور المسلمين؟ هذا ما سندركه في مقالنا القادم ـ إن شاء الله تبارك وتعالى.



اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 08-03-2024 12:59 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (2)

استعمال الأصلح من ولاة الأمور



أولاً يجب أن نعلم جيداً أن لفظ ولاة الأمور لا ينطبق على الحكام فقط بل يسري على كل إنسان يرعى مصالح الناس, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُول...» رواه البخاري. فالوزير مسؤول عن وزارته، ونائب البرلمان مسؤول عن دائرته, ومدير المدرسة مسؤول عن مدرسته, والأب مسؤول عن أهل بيته..... وهكذا؛ لذلك يجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل.
فالولايات تنقسم إلى ولايات عامة, وولايات خاصة, أما الأولى فيجب على ولي الأمر ألا يوظف إلا من هو أصلح لذلك العمل بعينه, فقد يكون الإنسان صالحاً في هذا العمل بعينه وغير صالح في عمل أخر. وكذلك الولايات الخاصة كمدير المدرسة وغيره, حتى في رعاية الإنسان لأهله ؛ إذا أراد أن يوصي على أولاده الصغار يختار من أولاده الأصلح, وليس الكبير لأنه أكبر بل يختار الأصلح, فقد يجد الصغير من الأولاد أصلح ممن هو فوقه, وهذا هو مقتضى الأمانة.
وعثمان رضي الله عنه لا شك أنه خليفة راشد عين من أقاربه من رأى أنه الأصلح للأمة، وقال فيه ابن عثيمين: إنه أخطأ في اجتهاده، ولا نقول حابى أقاربه. فهو أحد الخلفاء الراشدين ومن الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة والذي جهز جيش العسرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم». رواه أحمد وحسنه الألباني.
فقد يسأل القارئ ويقول: أنا لا أعرف الناس بسيماهم ولا أعرف نواياهم وما في صدورهم, وهل هذا الرجل يصلح لهذا العمل, أم لا؟
- الإجابة: نعم، قد يكون هذا عذراً, ولكن إذا وجدنا أنه غير صالح لهذا العمل وجب على الفور بدون أدنى تفكير ولا تأخير عزله عن منصبه وتولية من هو خير منه وأصلح، ولذلك أنصح نوابنا الكرام أن يؤدي كل واحد منهم ما أوجب الله عليه من ولاية أمور الأمة, فقد أعطاك الناخبون أصواتهم أملاً منهم أن ترعى مصالحهم وتحمل همومهم وأعباءهم, وتشرع لهم قوانين شرعية لازمة لتيسر لهم حياتهم وتحمي حقوقهم, ولا تنصرف إلى أغراضك الدنيوية الزائلة حتماً, أما ما تفعله لخدمة ناخبيك ووطنك ـ الكويت ـ فيمكث في الأرض, وسيظل دائماً حياً ظاهراً، وهذا هو دورك الحقيقي.
إن دور نائب مجلس الأمة أمانة، واجب عليه الحفاظ عليها وأداؤها على أكمل وجه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة, فقيل: يا رسول الله! وما إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» رواه البخاري. فمن لم يكن أهلاً لذلك, فإنه لا يحق له أن يتولى هذه الولاية حتى لو عرضت عليه ولا يقول أجرب نفسي كما يفعله بعض الناس, ومن كان أهلاً لها, ولكن خاف ألا يعدل فإنه لا يجوز أيضاً أن يتولاها.
وأختم قائلاً: ما من راع يسترعيه الله رعية، ليس المراد هنا الإمام الأعظم أو نائبه أو حتى الوزير وحسب، حتى الرجل في بيته إذا مات وهو غاش لأهله فإن الله يحرم عليه رائحة الجنة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لاَ يَسْتَرْعِى اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» رواه مسلم.
نسال الله العافية والسلامة.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد

ابوالوليد المسلم 08-03-2024 07:26 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (3)

اختيار الأمثل فالأمثل



بعد تحديد كيفية اختيار ولاة الأمور, فمن الطبيعي أن الحاكم لن يحكم بمفرده ولن يستطيع معرفة أحوال العامة؛ لذلك فهو يحتاج إلى من يعاونه من وزراء ومحافظين وأمناء... وغيرهم, لذلك من الواجب عليه اختيار الأمثل فالأمثل لمثل تلك المناصب التي تنوب عنه في الحكم والفصل بين عامة الناس.
وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام, وأخذه للولاية بحقها؛ فقد أدى الأمانة, وقام بالواجب في هذا, وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله. فإذا اختار الأمثل فالأمثل لكل منصب بحسبه، فوجب عليه أن يراقبه وأن ينصحه وليس معناه أن يوليه ويتركه؛ لأنه ليس أهلاً, وإنما نُصِّب للضرورة.
ويجب على من ينوب عن الحاكم أن تتوافر فيه القوة والأمانة:, القوة في كل وظيفة أو ولاية بحسبها, فمثلاً في باب الحروب القوة هنا تتمثل في شجاعة القلب وقوة البدن, والخبرة الميدانية بالحروب والكر والفر...., وفي ولاية أخرى كالحُكم بين الناس «القضاء» القوة فيها بالعلم, وقوة الشخصية, والمقدرة على تنفيذ القانون وعدم التهاون فيه. ولو أن صاحب الولاية الثانية وضعناه مكان صاحب الولاية الأولى لصار جباناً وفر من ظله, وفشل في مهمته؛ لأن كل شيء يكون بحسبه, حتى في الأمور الحسية, فالنجار قوي في النجارة والحداد في حدادته, فيعطى كل إنسان ما يليق به, والأمانة والعدل في ذلك.
ولا تكون شروط المنصب وفق الشهادات العلمية فحسب, فلو وظف إنساناً قد أخذ شهادة الدكتوراه في الفقه, ثم ولاه ولاية القضاء, وتبين له عدم تمكنه من تخصصه وعجزه فيه بالرغم من حصوله على أعلى الشهادات فيها, فيجب عليه عزله وتولية من هو أصلح منه؛ فالوظائف ليست بالشهادات العلمية فقط, وليست هي التي يقاس بها الرجل, فربما حصل عليها بالغش أو بالرشوة, فكم من إنسان ليست عنده هذه الشهادات, لكنه جيد ويصلح لتلك الوظيفة, فالواجب أن نولي الأمر من هو أهله بالمعنى الحقيقي, لا بالدرجات الوضعية والشهادات الحاصل عليها وهنا يقول القائل: أليست تلك الشهادات تُعين صاحب الأمر على اختيار الأمثل؟
نقول: نعم، هي وسيلة مساعدة لحسن الاختيار, ولكن إذا تبين له أنه ليس بأهل لتلك المهمة فوجب على ولي الأمر إقالته, حتى ولو احتج قائلاً: عندي الدكتوراه منذ عشرين سنة.
فنقول له: مادام ظهر عجزك وفشلك, فلا يجوز أن نوليك أمور المسلمين, لا في القضاء ولا في التدريس ولا في غيرها.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة:, قاضيان في النار, وقاض ٍ في الجنة, فرجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار, ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار, ورجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة». أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
فوزارة التربية على سبيل المثال لا الحصر, تنشر الإعلانات لشغل وظيفة معلم، ثم تضع الشروط الواجب توافرها في المتقدمين لشغل تلك الوظيفة؛ وبناءً على شهاداته العلمية وخبراته العملية يتم توظيفه، فالأمانة تقتضي متابعة هذا المعلم باستمرار, فإذا ثبتت كفاءته لتلك المهمة استمر فيها, وإلا وجب عزله وتولية من هو أصلح منه وهكذا.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 08-03-2024 09:29 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (4)

قلة اجتماع الأمانة والقوة في الناس



بينا قبل ذلك أن ولاة الأمور يجب عليهم اختيار من تتوافر فيهم القوة والأمانة؛ لكي يساعدوهم في رعاية مصالح الرعية. ولكن ما الحل إذا لم يوجد من تجتمع فيه هاتان الصفتان؟ فتجد مثلاً الذي ليس أهلاً لوظيفة ما من حيث الأمانة، وتجده قوياً نشيطاً في إنجاز الأعمال، وتجد الرجل الأمين قد يفقد القوة اللازمة لتسيير أمور تلك الولاية؛ ولذلك تجد الذين يولون الناس يختارون الأول الذي ينجز أعمالهم وإن لم يكن أميناً.
«اللهم إني أشكو إليك جَلد الفاجر وعَجز الثقة»، هكذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما لم يجد من هو أهل للولايات، فالأول: قوة بلا أمانة، والثاني: أمانة بلا قوة، وهذا في زمن الفاروق, فما بال زماننا هذا؟!
فالواجب اختيار الأصلح لكل ولاية بحسبها, فإذا وُجد رجلان أحدهما أعظم أمانة, والأخر أعظم قوة قدِّم أنفعهما للناس وأقلها ضررًا، فإمارة الحروب يتقدم لها الرجل الشجاع القوي حتى وإن كان فاجراً، وفي هذا سُئِل الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أيهما أفضل للغزو الرجل القوي الفاجر أم الضعيف الصالح؟ ومع من يُغزى؟ فرد قائلاً: القوي الفاجر؛ لأن قوته للمسلمين وبها يعود النفع عليهم وفجوره على نفسه فقط، والصالح الضعيف صلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». رواه البخاري.
ولهذا استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على الحرب منذ أن أسلم, مع أنه قد يفعل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يده إلى السماء قائلاً: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد» رواه البخاري، وكان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق، ومع ذلك نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفاً.
وإن كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أقوى وأشد وجب عليك تقديم الأمين في حفظ الأموال وغيرها، ولكن ما المانع في اشتراك الاثنين معاً في ولاية واحدة؟ فمثلاً ولاية القضاء تحتاج الأعلم والأورع، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع، قدِّم من يُظهِر الحق ويخاف أن تحيد نفسه عن الحق: الأورع، ويكون نائبه الأعلم فيما يدقق الحُكم ويخاف فيه الاشتباه. وإذا أردنا أن نولي ولاية لرجل قوي لكنه ليس أميناً فما المانع أن نضم إليه رجلاً أميناً يعينه ويذكره، وكذلك إذا كان أميناً ولكنه ليس بقوي نضم له إنساناً قوياً يساعده في إنجاز الأعمال سواء أكان نائباً أم مساعداً، يرجع إليه في الأمور وإذا رأى فيه تقصيراً أمره أن يتم الأمر. وخير مثال لهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما؛ فإذا كان أبو بكر رقيق القلب حانياً اشتد عمر، وإذا كان الصديق قوياً عازماً على إنفاذ أمره لان عمر ورقَّ حاله كما حدث في حروب الردة.
ولذلك أقول: إن أصواتنا الانتخابية هي أمانة سيحاسبنا الله عز وجل عليها؛ فيجب أن نعطيها لمن يستحق، فلا يجوز أن يكون معيار اختيار نائب مجلس الأمة حسب الغِنَى والفقر أو العصبية القبلية، ولكن يجب أن نفكر أولاً في طبيعة هذا النائب أيصلح لتلك المهمة أم لا؟ هل لديه القوة والأمانة على تشريع القوانين التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية أم لا؟ فوالله لو تحقق هذا في زماننا لعم العدل وقل الظلم وانتشر الخير على عامة الناس وتحققت مطالب المواطنين دون الحاجة إلى الرشوة أو المحسوبية أو الواسطة التي تفسد علينا حياتنا بما فيها من ضياع الحقوق ووصولها إلى


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 08-03-2024 10:03 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (5)

الـصــــــــــــلاة



أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة, فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله, فالصلاة ركن أصيل من أركان الإسلام؛ ولهذا كانت أكثر الأحاديث النبوية الشريفة عن الصلاة، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: «لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة». رواه ابن حبان وصححه الألباني.
فإقامة الدين وصلاحه يتوقفان على صلاة العبد وصلاحها وإتمامها, وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على حرب أمّره على الصلاة بأصحابه، فالصلاة فرض على كل مسلم بالغ عاقل لا تسقط عنه أبداً إلا بالموت، فإن كنت لا تستطيع أن تصلي واقفاً فجالساً أو على جنب، وإن نسيت صلاة فصلها حين تتذكرها، وإن كنت مسافراً فجائز لك القصر في الصلاة الرباعية ـ وإن لم تستطع الوضوء لعلة ما, فجائز لك أيضاً التيمم وهكذا, ومن هنا يتضح أن الصلاة لا تسقط عن العبد إلا بموته, عكس الزكاة والصيام والحج فكل هذه تتطلب مقدرة من الفرد على أدائها وإلا سقطت عنه.
كل تلك الرخص قد رخصها الله عز وجل، حتى يستطيع العبد تأدية الصلاة في أي وقت وفى أي مكان، بل كانت آخر ابتسامة للنبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى أبا بكر يؤم المسلمين في الصلاة, وكانت آخر كلماتهصلى الله عليه وسلم : «الله الله في الصلاة» أو «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم».
وكذلك عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يكتب إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة؛ فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة.
نعم, هذا لا غبار عليه؛ فإن أكثر الناس من العمال على أمور المسلمين إضاعة لأعمالهم هم الذين يضيعون الصلاة, وكذلك الموظفون المهملون للوظائف التي وكلت إليهم تجدهم ضعفاء في صلاتهم؛ لأن من ضيعها فهو لما سواها أضيع, ولا ننسى أن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه, وإذا لم يكن بين الإنسان وبين الله صلة فكيف يحافظ على عمله وصلته بين الناس؟!
قال الحسن البصري كلمات من نور: «من أراد أن يكلمه الله فعليه بالقرآن, ومن أراد أن يكلم الله فعليه بالصلاة».
فالصلاة هي أقوال وأفعال يقوم بها المسلم بهدف التقرب إلى الله عز وجل, بل إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} (العنكبوت:45).
ومن هنا يتضح أن ولاة الأمور عليهم عبء كبير في اختيار من يُسير أمور الناس بأن يكون محافظاً على صلاته؛ لأنه كما قلنا سالفاً إن المؤدي لصلاته تامةً في أوقاتها، فهو محافظ على عمله وعلى حقوق الناس، ومن جانب آخر كيف نعطي أصواتنا لنواب لا يقربون المسجد، إلا من رحم ربي، فكيف له أن يطبق الشريعة الإسلامية؟! وأن تكون تشريعاته وقوانينه التي تصدر منه مطابقة للمصدر الصحيح ألا وهي الشريعة الإسلامية؟! ولكن نحمد الله عز وجل، فقد ظهرت البشرى في مجلسنا الموقر بعد إقراره عقوبة الإعدام بحق كل من يسب الذات الإلهية أو يسب النبي الكريم[ أو زوجاته رضي الله عنهن، عسى أن يوفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 09-03-2024 07:49 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (6)

- الإسلام دين ودنيا



مَن يدعي أن الإسلام يهتم بالدين فقط ويترك أمور الدنيا بما فيها من معاملات البشر مع بعضهم, فالله منه براء؛ إنما الإسلام دين يهتم بالدنيا وما فيها من أمور تساعد العبد المؤمن على الوصول إلى النهاية السعيدة في الآخرة ألا وهي جنات تجري من تحتها الأنهار؛ ولذلك فإننا لسنا منهيين عن إصلاح دنيانا، فالإسلام ليس دين رهبانية, بل دين حق, ودين عدل, يعطي النفوس ما تستحق، ويعطي الخالق ما يجب, فنحن مأمورون بإصلاح دنيانا كما أنت مأمورون بإصلاح ديننا.
سأل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه - رضي الله عنهن - عن عمله في السر، فكأنهم تقالّوها فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم, وقال بعضهم: لا أنام على فراش, ثم لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بما قالوا، حمد الله وأثنى عليه, ثم قال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». متفق عليه.
وهذا خير دليل على أن الدين الإسلامي دين يحث على التمتع بما أحله الله لنا من متاع الدنيا ومباهجها، فما شادّ أحد الدين إلا غلبه، وبالتالي فإن ولاة الأمور عليهم مساعدة الرعية على تمام دينهم ودنياهم، ولا ننسى أن إصلاح الدين يعتمد على إصلاح الدنيا في المقام الأول، أما الوالي الذي يهدف في ولايته إلى إصلاح الدنيا فقط ناسياً دينه, وانصرف إلى الترف واللهو, وما أشبه ذلك, فهذا والله ولايته ناقصة, فالولاية الحقة هي التي يريد الوالي فيها أن يستقيم الناس على دين الله.
فمثلاً: إذا قدرنا صاحب البيت في بيته لا يهمه إلا أن يأتي إلى أولاده بالفاكهة الطازجة و«الفرش» اللينة والماء البارد وما لذ وطاب من الأطعمة والأشربة, وكل ما يريح أولاده من مترفات الحياة وملذاتها, أما الدين - للأسف - فهو في غفلة عنه وكما أوضحنا في المقالات السابقة أن الأب ولي على أهل بيته مسؤول عنهم مسؤولية كاملة وسوف يُسأل عنهم يوم الدين؛ ولذلك فإنه بذلك تكون ولايته قاصرة ورعايته أيضاً قاصرة, ومن كان همه هو إصلاح أهله إصلاحاً دينياً، فإنه بالطبع يُجازي على هذا الفعل، ويوضع له في ميزان حسناته - إن شاء الله - ويبتغي أن تكون وسائل الدنيا القصد منها إصلاح الدين، ولتكن المكافآت والمنح والسيارات الجديدة لمن كان أكثر طاعة وحرصاً على دينه من أولاده... وهلم جراً، فإن فعل العبد ذلك ابتغاء وجه الله تعالى وفى سبيل إعانة أهل بيته على طاعة الله عز وجل أعانه الله عليه, أما من ليس له نية صادقة أو قصد حسن ويفعل ما يفعل بقصد إتراف أهله باللباس والطعام والملذات وصناعة المنازل ؛ فإن هذا في الحقيقة عنده قصور عظيم واضح في ولايته.
ومن هذا المنطلق فإن الحياة الدنيا ما هي إلا وسيلة توصلنا إلى الغاية المنشودة ألا وهي رضا الله، فعلى كل راع أن يتقي الله فيما يملك ويبتعد عن الإسراف والترف الزائد عن الحد في حياته الدنيا الزائلة, وأن تكون نيته فيما ينفق خالصةً لوجه الله تعالى.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 09-03-2024 08:14 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (7)

الانتدابات في الوظائف



من الطبيعي أن توفر الحكومة ما عليها من التزامات تجاه المواطنين, من حيث توفير فرص العمل المناسبة لهم, ولا ننسى أن ولي الأمر عليه تولية الأصلح أو اختيار الأمثل فالأمثل بحسب كل وظيفة لديه, فهو يعلم متطلبات تلك الوظيفة وأي تخصص يَصلح له, بل يجب أن تتوافر في هذا الموظف صفتان ضروريتان هما الأمانة والقوة, ولكن هل يتساوى جميع الموظفين في رواتبهم؟ بمعنى أن من قام بعمل شاق يحتاج إلى العمل الكثير في جو غير ملائم كحرارة الجو أو برودته أو مكان يقابله الناس فيه ويؤذونه, أيكون مثل موظف يجلس في المكاتب المكيفة ما عليه إلا أن يكتب ما يوجه إليه؟! الإجابة: بالطبع لا؛ ولذلك على ولي الأمر أو من ينوب عنه من وزراء أو مدراء أو كبراء الموظفين أن يراعوا تلك الظروف وأن تكون رواتب الموظفين على حسب كل وظيفة, وحسب حاجة الناس إليها, وحسب مشقتها للقائم عليها, فالجزاء على قدر المشقة.
هذا ما على الدولة تجاه الموظفين، أما ما على الموظفين فهو ألا يطالبوا ولي الأمر بما لا يستحقونه من زيادة رواتبهم وما إلى ذلك، فإن طالبوه بما لا يستحقونه كانوا كمن قال الله تعالى فيهم: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (التوبة:58).
ومثال حي واضح على طلب الزيادات غير الشرعية أن يطلب الموظف بدل انتداب وهو لم يتجاوز عتبة بابه, فإنه حرام على الموظف طلبه, وحرام على ولي الأمر أن يعطيه ما طلب أيضاً, يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ـ: «هذا حرام عليكم أن تأخذوا ما لا تستحقونه, وحرام على الذين انتدبوكم أو أعطوكم عوض انتداب وأنتم لم تتحركوا، حرام عليهم ذلك وهم في الحقيقة خائنون لأماناتهم».
وهناك صنف من الموظفين يُكتب لهم انتداب عشرين يوماً, وتلك المهمة قد تنتهي في خمسة عشر يوماً فقط, فنراه يبطئ في عمله ويتأخر حتى تنتهي مدة العشرين يوماً الممنوحة له. هذا أيضا لا يجوز.
وقد يدعي من بعثهم أنهم راضون، وهذا غير صحيح؛ لأنك لو رفعت هذا للمسؤولين عنهم ما رضوا بتلك الانتدابات المزيفة, لكن هذه الانتدابات جاءت من المدراء المباشرين.
ولهذا أنصح إخواني وأخواتي في الله ألا يُدخل أحد منهم إلا ما هو حلال متأكد تماماً من عدم حرمته على أهل بيته.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «لو أمكن أن تُرجع هذا المال الذي أخذته نظير هذا الانتداب المزيف لكي يتبين أن هذا الذي منحك هذا المال أنه ليس بشخص أمين, ولكان خيراً لك وأطيب لأهل بيتك, وإذا لم يمكنك إرجاع هذا المال, فلتجعله في مصالح عامة أو تتصدق به على الفقراء, أو ما شابه ذلك».
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 09-03-2024 09:21 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (8)

التوظيف لمنع المظالم أو تخفيفها



يعمل الكثير منا في بعض الوظائف، ولكنه قد يرى ظلماً واقعاً على بعض المواطنين, ولا يدري ماذا يفعل ؟ أيقف صامتاً بلا حراك ؟ أم ينصر المظلوم على الظالم ؟ أم يترك العمل هذا ويبحث عن آخر ؟
يجب أن نعلم أمراً مهما وهو أن المُعين على الإثم والعدوان هو من أعان الظالم على ظلمه، أما من أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه فهذا ليس معيناً على الإثم والعدوان.
فعلى سبيل المثال, شخص يريد أن يعمل في وظيفة ما يتعامل فيها مع جمهور من الناس، فيفعل بعض الأمور تخفيفاً على الناس ـ مع موافقتها لقانون العمل الذي يعمل فيه ـ وأحياناً ينصح زملاءه الموظفين بحسن معاملة هؤلاء الناس، ولا يظلموهم، و لايفضلوا أحداً على أحدٍ لصلة قرابة أو محسوبية أو واسطة وما شابه ذلك, وأن يعطوا كل ذي حقٍِ حقه, فهذا في الواقع مصلحة للظالم والمظلوم, فالظالم تُخفِف عنه الإثم, والمظلوم تُخفِف عنه المظلمة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : « انصر أخاك ظالما أو مظلوماً» قالوا: يا رسول الله كيف ننصر الظالم ؟ قال: «تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه». رواه البخاري.
ومن ناحية أخرى يجب على هذا الموظف أن يدفع مظنة السوء عن نفسه, فمن الجائز أن يوجه إليه اللوم لو لم يقل: أنا أعمل من أجل مصلحة المسلمين, فإن لم يسأله أحد فلا يحل لأي شخص أن يقع في عرضه حتى يتبين, فقد يفتري عليه بعضهم أنه يأخذ الرشاوى والإكراميات لكي ييسر عمل هذا أو ذاك, فهذا افتراء على خلق الله بدون بينة واضحة, فهذا الموظف الشريف وضع نفسه في هذا الوضع دفعاً للظلم لا أكثر ولا أقل, إذاً كل إنسان يريد الإصلاح اتهم بقصدٍ سيئ فيقال: لا يريد الإصلاح ! والناس لا يسلم منهم أحداً, وما أكثر المنافقين في هذا الزمان, فإذا جاء رجل من المسلمين بمال كثير في سبيل الله, قالوا: هذا مراءٍ, وآخر جاء بصاع, فقالوا: إن الله غني عن صاعه .. وهكذا, وإذا تأملت الحقيقة لوجدت أن هؤلاء يريدون الخير, ولكن الناس لا يسلم منهم أحد كما قلنا, المهم أصلح أنت ما بينك وبين ربك, يصلح الله لك ما بينك وبين الناس.
وفي الأحوال التي لا يستطيع الإنسان فيها أن يخفف الظلم في بعض الوظائف, فعليه أن يترك هذا العمل حتى لا يكون مشاركاً في الظلم, ومن قال: لا أجد إلا هذه الوظيفة فإن الرزق على الله تعالى, أما لو قال: لو لم أتوظف فيها لتوظف فيها فاسق فاجر يفسد في الأرض بعد إصلاحها وعلى يده يزيد الظلم على الناس، فلا بأس في ذلك.
فإن أيقنت أنك تستطيع في موقع عملك أن تخفف المظالم عن الناس وتساعدهم فعلاً, فلا تتأخر عن فعل ذلك لما فيه خير لك ولغيرك.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 10-03-2024 10:47 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (9)

إنما بعثتم ميسرين



بال مرةً أعرابي في المسجد فقام الصحابة إليه, فقال صلى الله عليه وسلم : «لا تزرموه»، أي: لا تقطعوا عليه بوله, ثم أمر بدلو من ماء فصب عليه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما بعثتم ميسرين, ولم تبعثوا معسرين»، والحديثان في الصحيحين، هكذا كانت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لذلك ينبغي أن يُعرف المسلم عن غيره بحسن أخلاقه وسلامة لسانه من قول المنكر وما يسيء إلى الناس, فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولتكن أخلاقك أخي المسلم كأخلاق خير البرية.
فلم لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لنا جميعاً في كل أمورنا, في العمل، والمنزل, والطريق؟! وحتى إن لم تستطع أخي المسلم، فابتسامة رقيقة في وجه أخيك المسلم, قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تَحقِرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم.
فأخي الذي يعمل في وظيفة يتعامل معها مع جمهور من الناس, لم لا تبتسم في وجه هؤلاء وتُيسر لهم أمورهم بما استطعت؟! فإنك بلا شك تُجازى على فعلتك تلك.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: وما المتفيهقون يا رسول الله؟ قال: المتكبرون » رواه الترمذي وصححه الألباني. فلا تكن أيها المسلم ثرثاراً كثير الكلام ولا متشدداً في أحكامك، بل كن لين القول والفعل، وابتعد عن الكبر؛ لأنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
وحسن النية من مكارم الأخلاق، فعلى ولي الأمر أن يرأف بالرعية ويحسن إليهم، وليس معنى ذلك أن يفعل ما يهوونه، ويترك ما يكرهونه وإلا فسد الحال, فقد قال الله عز وجل: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (المؤمنون:71) وقال للصحابة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} (الحجرات:7). وإنما الإحسان إليهم يكون بفعل ما ينفعهم في الدين والدنيا، ولو كرهه من كرهه، لكن ينبغي له أن يرفق بهم فيما يكرهون، ومثاله: فيما لو صلى الإمام بالناس صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لنفروا منه، فهل يترك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي بهم على ما يريدون؟ بالطبع لا, ليس هذا من الإحسان إلى الرعية ( كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة لم يرده إلا بها, أو بميسور القول؛ ولذلك فإن ولي الأمر عليه أن يكون كذلك في قسمه وحكمه, فإن الناس دائماً يسألون ولي الأمر ما لا يصلح من الأعطيات والأموال والأجور والولايات .. وغيرها، فيعوضهم من جهة أخرى إن أمكن، أو يردهم بميسور من القول، قال تعالى: { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } (الضحى:10) وإذا حكم على شخص فإنه قد يتأذى، فإذا طيب نفسه بما يصلح من القول والعمل كان ذلك من تمام السياسة، فقد قال الله عز وجل لموسي وهارون عليهما السلام لما أرسلهما إلى فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:44).
وهذا ما يحتاج إليه الرجل في سياسته مع نفسه وأهل بيته؛ فإن النفوس لا تستقيم على الحق إلا ببعض اللين والرفق، فليكن كل زوج ليناً رقيقاً مع زوجته وأبنائه وليأخذهم باللين لحثهم على طاعة الله وعبادته.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 10-03-2024 11:33 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (10)

أقسام الناس في الشجاعة والغضب



الغضب صفة بشرية لا يسلم الإنسان منها؛ فهو موجود في كل إنسان بنسب متفاوتة, فهناك من يغضب ويتعصب لأتفه الأسباب, وهناك من يتمالك نفسه عند الغضب ويتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». (متفق عليه من حديث أبي هريرة).
فالثورة والصياح والصوت العالي عند الغضب ليست أبداً مقاييس للقوة, وإنما القوي هو الذي يستطيع أن يسيطر على نفسه ويمتلك زمام أموره عند الغضب؛ لأن الغضب من الشيطان والإنسان عندما يتملكه الغضب ويسيطر عليه يصبح شخصاً آخر فلا يدري ما يقول ولا ما يفعل، وعليه فإن الناس تُقسم إلى أربعة أقسام:
- الأول: قسم بليد لا يغضب لنفسه ولا لربه.
- الثاني: يغضب لنفسه ولربه.
- الثالث: يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وهذا هو الوسط.
- الرابع: يغضب لنفسه لا لربه, وهؤلاء هم شر الخلق.
وكما جاء في «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً ولا امرأةً ولا دابةً ولا شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء قط فانتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله, فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله تعالى». فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه أبداً، وإنما إذا انتهكت حرمة من حرمات الله, أما نحن فأسهل شيء هو السباب والشتائم والتمادي فيما يغضب الله، فها نحن أولاء نرى على شاشات التلفاز وصفحات الجرائد ما يحدث داخل مجلس الأمة من بعض النواب الذين يتملكهم غضبهم ويعمي بصائرهم وأبصارهم، المهم عنده أن ينتقم لنفسه عما بدر إليه من إساءة من نائب آخر مخالف له في الرأي، أو هذا الأول متعصب لرأيه غير مدرك لثقافة الحوار والاختلاف, أو خالفت الحكومة رأيه ورفضته، ولذلك أقول لكل واحد من النواب الكرام: انظر في أي قسم أنت من هؤلاء, ولماذا تغضب وتثور؟! أتغضب لنفسك أم لربك؟! فإذا كانت ثورتك وغضبك لإقرار قانون أو تشريع يتماشى مع الشريعة الإسلامية ومنهج السلف الصالح فجزاك الله خيراً ووفقك وأعانك، ونحن من خلفك ندعمك بكل ما نمتلك من قوة, فهذا دورك الحقيقي الذي ننتظره منك, فلا تخشَ في الله لومة لائم، وكن كالجبل الراسخ لا يتزحزح عن مكانه، أما ذلك الذي يثور لغرض شخصي أو لعمل (شو إعلامي) لكي يظهر في البرلمان فهذا خائن للأمانة التي وكلها إليه الناخبون «وإنما الأعمال بالنيات».
وقد يضرب المدرسون طلابهم غضباً لأنفسهم، وقد يكون لله، فقد يضرب المدرس الطالب لأنه رأى هذا الطالب امتهنه, وقد يضربه لأن هذا سوء أدب فيريد أن يقومه ويؤدبه ويعلمه، «وإنما الأعمال بالنيات». وهذا لا يخالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أمر بالضرب للتأديب فقال: «مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر». (رواه الترمذي وأبو داود)، وأولياء الأمور في العهد السابق كانوا يقولون: «خذ لحم وأعطنا عظم» أما الآن فإن تجرأ المدرس بكلمة فإما أن يضرب أو يشتم أو ترفع شكاوى بالمخفر عليه.
أما من يغضب لنفسه لا لربه، أو يأخذ لنفسه ولا يعطي غيره, فهؤلاء لا يصلح بهم دين ولا دنيا، كما أن الصالحين أرباب السياسة الكاملة هم الذين قاموا بالواجبات وتركوا المحرمات، وهم الذين يعطون ما يصلح الدين بعطائه, ولا يأخذون إلا ما أُبيح لهم ويغضبون لربهم إذا انتهكت محارمه ويعفون عن حظوظهم, وهذه أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بذله ودفعه, وهى أكمل الأمور، وكلما كان المسلم إليها أقرب كان أفضل، فليجتهد المسلم في التقرب إلى الله وليبتعد عما يثيره ويغضبه وليستغفر الله بعد ذلك.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد



ابوالوليد المسلم 13-04-2024 09:30 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (11)

اتــق الــله



كثير من الناس إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، وربما قال: هل أنا عاص؟ هل أنا مجرم؟ أنت اتق الله! ومن الناس من إذا قيل له: اتق الله، اقشعر جلده وارتعد وسقط ما في يده خوفًا من الله عز وجل، فالثاني من أهل الإيمان والتقوى، أما الأول فمن تأخذه العزة بالإثم والعياذ بالله، أي يعتز بإثمه, ويقول: أنا لم أفعل شيئًا، ماذا فعلت لتقول لي: اتق الله؟ فنقول له بكل بساطة: لست أتقى لله من رسول الله، فقد قال الله له: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} (الأحزاب: 1) وذلك في أول السورة, وقال في أثنائها: {... وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} (الأحزاب: 37) وقال في آخرها: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} (الأحزاب: 70) وهذا يعم النبي صلى الله عليه وسلم أيضا.
ومَن قيل له: اتق، الله يحسب نفسه أنه فعل خطأ فيقول: لماذا تقول ذلك هنا؟ فالسؤال عن الخطأ الذي فعله, لا بأس به؛ لأنه لم تأخذه العزة بالإثم، وإنما يريد أن يتبين لعله أخطأ وهو لا يدري، وكل إنسان عليه أن يتعلم من أخطائه.
وفى المعاصي الصغار, يُقال للإنسان: اتق الله، فلو جاء إنسان مثلاً يغتاب إليك شخصا تقول له: اتق الله يا أخي وأعرض عن هذا، وهناك بعض الناس يقولون: اتق الله، في المباحات وفى كلامهم العادي مثل: شرب الشاي أو غير ذلك، فإذا أدى الحال إلى الاستخفاف بها لكثرة تداولها بين الناس, بحيث تقال في مكان ليست محلاً لها فلا تقال.
ومن أذل نفسه لله فقد أعزها, ومن بذل الحق في نفسه فقد أكرم نفسه؛ فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، فالعزة ليست بالغنى ولا بالمناصب الرفيعة فمن اغتر بالظلم من منع الحق وفعل الإثم، فقد أذل نفسه وأهانها، قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} (فاطر: 10).
ومن هذا المنطلق نقول لنواب الأمة وحكومة الوطن: اتقوا الله فينا، وحاولوا أن تتفقوا على صلاح هذه البلاد التي تحتوينا جميعاً بدلاً من الشقاق والعناد والخلاف, حتى صار الأمر كما قال القائل: إما تغيير الحكومة أو حل البرلمان, وكلاهما مُر, فلما لا تحاولون أن تدعوا هذا الخلاف وتبحثوا عن نقطة تتواصلون فيها؟ ولذلك أقول لنواب الأمة: اتقوا الله فيما تفعلونه داخل هذا الصرح, وكونوا على قدر المسؤولية التي أنتم فيها، اتقوا الله فيما تشرعونه من قوانين, اتقوا الله في حواراتكم ومناقشاتكم داخل المجلس. اتقوا الله في كويتنا الغالية.
وأقول للوزراء الأفاضل: اتقوا الله في وزاراتكم، ولتخافوا الله ولتعملوا من أجل مصلحة وراحة المواطنين، وليتق الله كل رجل في زوجته وأولاده, وليحسن تعليمهم وتربيتهم على منهج السلف الصالح بعيدًا عن الفتن المنتشرة في كل مكان، وليتق الله كل معلم، طبيب، مهندس، موظف، عامل، خادم في وظيفته التي وكل إليها وليعلم أن الجزاء من جنس العمل.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 13-04-2024 09:44 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (12)

السـيـاحـــة



انقضى العام الدراسي, وحل علينا فصل الصيف، وقد اعتاد الكثيرون منا السفر إلى الخارج بغرض التسلية والتنزه والمرح, وكثيرًا ما نرى في تلك البلاد المنكر واضحًا جليًا أمام أعيننا, فهل هذا يجوز أم لا ؟!
في الواقع أن الله تعالى خلق اللذات والشهوات في الأصل لتمام مصلحة الخلق, فإنهم بذلك يجلبون ما ينفعهم, وتكون لهم دَفعةً وشحناً للهمم على طاعة الله واتباع أوامره, والابتعاد عن نواهيه, فالنفس البشرية تميل إلى الدِّعة والفتور؛ ولذلك قيل في بعض حكم آل داود عليه السلام: حق على العاقل أن تكون له أربع ساعات: فالإنسان العاقل المؤمن لابد أن تكون له ساعة يعبد فيها الله تعالى يدعوه فيها تضرعًا وخِيفَة؛ لأن هذا هو الأساس الذي خلقنا من أجله، ثم ساعة يحاسب فيها نفسه عما اقترفه من ذنوب في حق الله وحق العباد، وساعة أخرى يجلس فيها مع جلسائه الصالحين منهم ليستفيد منهم ويعلم مميزاته وعيوبه، وساعة يتلذذ فيها بالدنيا ومباهجها فيما أحله الله له فإنه لابد من تلك الملذات المباحة الجميلة؛ لأنها تعين على فعل تلك الأمور,
لكن لا يظن بعضنا أن الترفيه أو الترويح عن النفس لا يكون إلا بالسفر لبلاد الكفر فقط والتلذذ بما حرمه الله على المسلمين, بل الأصعب من هذا اصطحاب زوجته وأولاده معه في تلك الرحلة؛ ليشاهدوا المفاسد والمنكرات, أليس من الجائز أن يفتتن أولاده بما رأوه في تلك البلاد ولاسيما في البلاد التي فيها الفسق جِهاراً؟! ألا يعلم هذا الرجل أنه سوف يُسأل عن أهل بيته, بحكم أنه راع لهم ؟!
قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله : إن السياحة لغير غرض شرعي مذمومة؛ لما فيها من إتعاب البدن وإضاعة المال, والانشغال عما هو أهم, فلا يجوز أن يسافر المرء المسلم إلى بلاد الكفر إلا لأسباب عدة منها: أن يكون عنده دين يمنعه من فعل المنكرات, أو علم يدفع به الشبهات, أو يسافر لطلب العلاج أو لطلب علم لا يوجد في بلاد الإسلام, أو في تجارة. وأضيف إلى كلام الشيخ: إن كان هناك صلة رحم لابد من وصلها.
وفي السنن أنه صلى اله عليه وسلم قال: «إن لكل أمة سياحة, وسياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» رواه أبو داود وصححه الألباني.
فلا جهاد اليوم إلا جهاد النفس وحثها على الطاعات والبعد عن المنكرات, والغريب في هذا أن الذي سافر إلى تلك البلاد الكافرة وفعل فيها المنكرات وما حرمه الله يرجع ويقص نوادر ما حدث له وما اقترفه من ذنوب، ناسيًا أو متناسيًا قول رسول الله [: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله, فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه» رواه البخاري.
ومن هذا المنطلق أطلب من الحكومة أن تعتني بجانب السياحة الداخلية في الكويت وتعوض الناس الذين لا قدرة مادية لهم على السفر للسياحة ليفرحوا بها في الكويت، فتنشيط السياحة مطلب ترفيهي واقتصادي وجاذب للسائحين من الخارج إن تم العناية بها بإخلاص من قبل نوابنا الكرام.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 14-04-2024 11:27 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (13)

الولايات



لا يستقيم حال البشر إلا بتأمير أمير عليهم يقوم بالحكم والفصل بينهم, وإن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين, بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها؛ فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، وإذا اجتمعوا لا بد لهم من رأس؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أبو داود وصححه الألباني، حتى البلاد الكافرة لا بد لهم من أمير عليهم, فلا يمكن أن تستقيم البلاد ولا العباد من دون أمير أو حاكم, ولا يمكن أن تستقيم الأحوال بحاكم لا طاعة له ولا إمرة, ولذلك يُنكر على الذين يخرجون على الحاكم وعدم السمع والطاعة لهم, حتى لو كان الحكام فساقًا فجارًا أو لهم معاصٍِ كبيرة أو ظلم؛ فإن طاعتهم واجبة والخضوع لأوامرهم واجب إلا في شيء واحد ألا وهو أن يأمروا بمعصية الله تعالى, فلا سمع لهم ولا طاعة, وفي غير ذلك توجب طاعتهم وعدم منابذتهم؛ لما يترتب على عكس ذلك من مفاسد عظيمة تحل على البلاد.
جاء في صحيح مسلم عن يحيى بن حصين قال: سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وهو يقول: «ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا»، وفي رواية للإمام أحمد: «فاسمعوا وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب الله»، قال الإمام النووي في شرح الحديث: «قال العلماء: معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم، ولا يشق عليهم العصا بل إذا ظهرت منهم المنكرات وعظوا وذكروا».
ومن هنا فلابد للناس من أمير أو وزير أو ملك أو رئيس، المهم وجود قائد، حتى لا تنتشر الفوضى ويحدث الاختلاف؛ لأنه لو كان كل إنسان أمير نفسه, لكان كل واحد يريد من الناس أن يتبعوه ويخالفوا غيره, وهذا غير مسلّم ولا ممكن, ولو كان الناس كل على رأيه, لكان هؤلاء يصومون, وهؤلاء يأكلون, وهؤلاء يُعيّدون ... وهكذا.
ولو كان حاكم له إمرة وقوة ولكن يُتمرد عليه ولا تُطاع أوامره, فلا فائدة, بل هذا شر كبير, فكيف ينفذ حكمه في اثنين اختصما إليه؟! وكيف يقتص من الظالم ويرد إلى المظلوم مظلمته دون طاعة الرعية له وامتثالاً لأوامره؟! فلا يمكن أن تستقيم أحوال الأمة بمثل هذا؛ ولهذا أمر النبي [ بالسمع والطاعة للأمراء وإن ضربوا ظهورنا وأخذوا أموالنا وإن لم يعطونا حقنا؛ فإن الواجب علينا أن نعطيهم حقهم ونسأل الله حقنا.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 14-04-2024 11:43 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (14)

السلطة والمال



لا شك أن البشر يختلفون من فرد إلى آخر, فمنهم من يريد الرياسة ويسعى إليها بشتى السبل، ومنهم من يريد المال وليس أي مال، يريد الثراء الفاحش والعياذ بالله، وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون, وجامع المال أن يكون كقارون, وقد بيّن الله تعالى في كتابه حال فرعون وقارون, فقال تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} (غافر:21).
ولذلك فإن الناس أربعة أقسام:
- القسم الأول: يريدون العلو على الناس والفساد في الأرض وهؤلاء الملوك والرؤساء المفسدون كفرعون وحزبه, وهؤلاء هم شرار الخلق. قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ...} (القصص:4) وقال أيضا: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات:24)، فكان جبارًا متكبرًا, قال رسول الله [: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر» رواه مسلم, فها نحن أولاء نرى مَن يطلب الرياسة أو يجمع المال لكي يتكبر على خلق الله, ويسعى في الأرض فسادًا, ولكن قد يسأل السائل كما سئل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : أنا أحب أن يكون ثوبي حسنًا, ونعلي حسنة, أفمن الكبر ذاك؟ يقول النبي [: «لا, إن الله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر بطر الحق, وغمط الناس» رواه مسلم. فبطر الحق: دفعه وجحده, وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم, وهذا حال من يريد العلو والفساد.
- القسم الثاني: الذين يريدون الفساد بلا علو, كالسراق المجرمين من سفلة الناس, فهؤلاء همهم الأكبر وشغلهم الشاغل جمع المال بأي طريقة كانت حلالاً أو حرامًا، المهم أن يكونوا أثرياء أغنياء فقط.
- القسم الثالث: الذين يريدون العلو بلا فساد, كالذين يفتخرون بعلمهم ودينهم, يريدون أن يعلوا به على غيرهم من الناس, لكي يقال: هذا عالم, هذا رجل متدين, فقد نال حظه من الدنيا, وما له في الآخرة من نصيب.
- القسم الرابع: هم أهل الجنة الذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا، نسأل الله أن نكون منهم، مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم دينًا ونسبًا وشرفًا, كما قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران:139).
فها نحن أولاء نرى كثيرا من الناس من أهل العلم والإيمان يُقَدَّمون على ذوي الجاه والمال, يُقدّمون في القلوب, ويُقدمون تقديمًا حسيًا في المجالس؛ لأنهم لا يريدون العلو ولكن الله تعالى قد أراد ذلك لهم؛ فمن تواضع لله رفعه، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة:11)، ولكن قد نرى في زماننا هذا كثيرا من متخذي القرار إن رأوا رجلاً عاملاً مجتهداً ناجحاً في عمله أو دعوته لا ينصبونه خوفاً على كراسيهم منه... اتقوا الله فليس كل عامل ناجح يريد علواً في الأرض.
- أخي المسلم: إياك أن تغتر بمنصبك وتتكبر وتتجبر على خلق الله, ولا تحسبن أن المنصب أو كثرة المال هما اللذان سيرفعان من شأنك في المجتمع, ويعليان من قدرك وسط الناس، فكم ممن يريدون العلو لا يزيدهم ذلك إلا سفولاً، واعلم أن المال ما هو إلا فتنة يُبتلى بها المرء، فإما أن يشكر وإما غير ذلك، فلتجعل سلطانك ومنصبك في خدمة الناس لا ظلمهم, ولتجعل مالك سبيلا للتقرب إلى الله، وتذكر أن الكفن ليس له جيوب, فإذا توفاك الله, وحُملت على الأكتاف, ووُضعت تحت الثرى, رجع عنك مالك وأولادك, ولم يبقَ إلا عملك فى الدنيا.
والله الموفق والمستعان.
والله الموفق والمستعان.

اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 15-04-2024 01:16 AM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (15)

الشورى


لا غنى لولي الأمر عن المشاورة؛ فقد أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159)، وعن علي قال: قلت: يا رسول الله إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرنا؟ قال: «شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصة» رواه الطبراني في (الكبير) وقال الهيثمي: رجاله موثقون من أهل الصحيح.
فيجب على ولاة الأمور أن يتشاوروا مع معاونيهم ذوي الرأي السديد، وذلك في الأمور المشتركة بينهم وبين الرعية، كالحروب والأمور الجزئية وغير ذلك، أما إن كان الأمر عائدا إلى نفسك كالمأكل والمشرب والملبس، فأنت حر شاور أو لا تشاور، الأمر راجع إليك، فعلى سبيل المثال صاحب العمل أو المدراء المباشرين يجب عليهم المشاورة قبل فصل عامل من عمله, والتأكد من تقصير ذلك العامل بأمور قطعية تثبت هذا التقصير، وعلى أثره اُتخذ قرار عزله من عمله، ولكن إذا اشتبه عليك الأمر، فماذا يكون الحل ؟ الإجابة: لك طريقان:
- الأول: استخارة الله عز وجل.
- الثاني: استشارة ذوي الرأي الأمناء.
ولكن هل كل إنسان أهل لأن يكون مستشارًا لغيره؟ الإجابة: لا، فلابد في المستشار من أمرين: الأمانة والرأي. فلو فرضنا أننا وجدنا رجلاً متديناً عالماً بالشرع ليس لديه رأي, ولا يعرف أحوال الناس، فبالطبع هذا لا يُستشار، لا لنقص أمانته ولكن لنقص مقدرته، وضيق أفقه وحكمه على الأمور، ولو رأينا رجلاً محنكاً في الرأي معرفة بتجارب الناس، لكنه غير ثقة في دينه، فإننا أيضا لا نستشيره؛ خوفًا من أن تحيد مشورته عما فرضه الله عز وجل وما أنزله على نبيه الكريم[.
المهم أنك إذا أُشكل عليك الأمر، فاذهب أو الجأ إلى: استخارة الله عز وجل أولاً، ثم مشورة ذوي الدين والرأي ثانياً.
وإذا استشارهم - ولي الأمر - فإن بين له بعضهم ما يجب اتباعه في كتاب الله، أو سنة رسوله[ أو إجماع المسلمين، وجب عليه اتباع هؤلاء، ولا طاعة لأحد في خلاف ذلك، وإن كان عظيمًا في الدين والدنيا، ولكن إذا أدلى كل من المستشارين برأيه، وكان كل رأي مختلفا عن الآخر، فمن نتبع ؟ قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: «نتبع الرأي الذي فيه مصلحة للناس, والمصلحة فيما جاء في كتاب الله وسنة نبيه[».
ولذلك فما المانع من أن يستشير الرجل زوجته في أمور دنياهما، وتسيير أمور بيتهما وتربية أبنائهما على المنهج الصالح؟! بل هذا هو الأولى من أن يستأثر الرجل برأيه ويفرضه عليها فرضًا، بل يستحسن له مشاورتها والاستئناس بآرائها, لاسيما في أمور المنزل؛ لأن المرأة بطبيعة الحال أعلم منه بها.
وما المانع أن يستشير وزراؤنا الأفاضل نوابهم ووكلاء وزاراتهم قبل أن يخرجوا علينا بقرارات ما أنزل الله بها من سلطان، تؤثر على المواطنين سلبًا أو إيجابًا؟! فلابد أن يكون القرار مدروسا ومخططا له قبل أن يخرج إلى العامة لما فيه من صلاح هذه البلاد، وما المانع أن يتشاور نواب مجلس الأمة مع أصحاب الرأي السديد والدين الصحيح، وألا يتركوا للشيطان مجالاً يتخلل بينهم ليفسد الأمر عليهم؟! وأقدّم اقتراح لنوابنا الكرام بأن يجعلوا في أمانة المجلس لجنة تشريعية يرجع إليها في حال احتاجوا مشورة شرعية تكون خاصة بهم غير تابعة لوزارة الأوقاف ويكون رأيهم الشرعي نافذا.
بل يجب على كل هؤلاء أن يحسنوا اختيار مستشاريهم كما بينا سالفاً, من اتصافهم بالأمانة والرأي؛ لأنه سيعود عليهم بالخير وحسن اختيار المنهج السليم، وليعلم من يستشار قول نبينا الكريم[: «المستشار مؤتمن» رواه أبو داود وصححه الألباني.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 16-04-2024 12:40 AM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (16)

الاعتصام بالكتاب والسنة


أمر الله تعالى الأمة الإسلامية بتوحيد القلوب والصفوف والاجتماع على كلمة واحدة, ولابد لهذا الاجتماع أن يكون قائماً على الاعتصام بالكتاب والسنة, وفهم سلف الأمة لا على غيره، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ .. } (آل عمران:103).
واعتصموا: أي تمسكوا، وجاء بصيغة الأمر للدلالة على الوجوب والفرضية, وحبل الله: المراد الكتاب والسنة؛ ولذلك وجب على كل مسلم يؤمن بالله ورسوله أن يعتصم بحبل الله وما أجمع عليه سلف الأمة, كذلك من الاعتصام بحبل الله طاعة أولي الأمر- وهم العلماء والأمراء - لأنها توحد الأمة وتلم الشتات وتجمع الأفئدة على قلب رجل واحد؛ لذلك قرنها الله تعالى بطاعته وطاعة نبيه الكريم، فقال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ منكم} (النساء:59).
هذا وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف, نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تركتكم على البيضاء, ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا, فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة...» حديث صحيح.
وللأسف الشديد مع علمنا بتلك الأحاديث النبوية الصحيحة، وقع ما لا تحمد عقباه ؛ فقد تشتت الأمة الإسلامية إلى فرق عديدة متناحرة؛ تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم : «وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا ملة واحدة» قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي» رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني. ولكن منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلّمة من عذاب النار -نسأل الله تعالى أن نكون منهم- وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإذا أردنا العزة والكرامة في الدنيا والآخرة والنجاة من عذاب جهنم, فيجب علينا التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فإنهما الحصن الحصين والحرز المتين لمن وفقه الله تعالى لذلك, هذا وإنه من المعلوم أن الفرقة الناجية هي التي تسير وفق منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم المعتصمين المتمسكين بسنته من أمته خير بشارة ألا وهي الفوز بدخول جنة الخلد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» رواه البخاري. ويكون الإباء بالإحداث والابتداع في الدين, ويعد هذا مخالفة جلية لأمره صلى الله عليه وسلم ومخالفة لسنته وهديه، نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لاتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي يحبه ويرضاه.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 16-04-2024 12:53 AM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (17)

إن الحكـم إلا لله


أنزل الله تعالى القرآن من السماوات العلا على قلب النبي صلى الله عليه وسلم كاملاً شافياً لا نقص فيه ولا تبديل، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (المائدة:3). فالدين الإسلامي دين كامل شامل لكل العبادات والمعاملات, وتقف إلى جواره السنة المطهرة فهما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي, فكيف إذا حدث نزاع أو خلاف لا نرجع ولا نحتكم إلى الكتاب والسنة؟! قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}(النساء:65) قال الإمام ابن القيم: «أقسم تعالى أنّا لا نؤمن حتى نحكِّم رسوله في جميع ما شجر بيننا, وتتسع صدورنا بحكمه فلا يبقى منها حرج». فلا نحتكم إلى رأي أو هوى أو تشريع وضعي من صنع البشر؛ لأنها تخضع للميول والأهواء فقد أقسم عز وجل على نفي الإيمان لهؤلاء الذين يقدمون العقل على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهناك صنف آخر هم المنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر, هؤلاء يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويريدون أن يحتكموا إلى الطاغوت ـ أي كل من حكم بغير شرع الله ـ مع العلم أنهم مأمورون بالكفر به, فكيف يجتمع هذا والإيمان ؟! قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً} (النساء:60) فإذا كان الحكم لهم جاؤوا سامعين مطيعين, وإن كان عليهم أعرضوا وأرادوا غير الحق بأن يحتكموا إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ألا وهو الطاغوت, فهؤلاء يسيرون وفق أهوائهم وهذا هو الضلالة وأول الطريق للوهن, وفيه فساد الأمة وضياع الحقوق؛ لأن كل فرد يريد أن يحتكم إلى هواه ورأيه ظالماً كان أم مظلومًا، بل يجب أن يكون ما جاء به الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم المرجع والقانون الذي نحتكم إليه في الخصومات والمنازعات ونقبل به طواعية دون أدنى حرج, وننقاد إليه مذعنين في الظاهر والباطن, ونسلِّم لذلك الحكم تسليمًا دون أدنى ممانعة أو إعمال لعقولنا، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59) أي إلى كتاب الله وسنة رسوله, وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء يتنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة, فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق, فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور, فمن زعم أنه مؤمن ويريد أن يحتكم إلى غير شرع الله, فليراجع نفسه فهو كاذب في إيمانه منافق كما أخبرنا المولى عز وجل. قال تعالى: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (النساء:59) فالكتاب والسنة ملاذان آمنان لكل من أراد أن يحتكم إليهما، فهما الحل الوحيد لكل نزاع يحدث بين الناس, فهما ثابتان بعيدان كل البعد عن أهواء البشر وميولهم.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد






ابوالوليد المسلم 16-04-2024 05:46 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (18)

ماهية السلفية


السلفية بإيجاز شديد هي دين الله النقي, الذي أنزله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وكلمة النقي توحي بالصفاء والطهارة، والخلو من البدع, ولأن الدين قد علقت به عادات تحولت إلى عبادات وتقاليد وموروثات قد أدخلت في الدين, وهي ليست منه, ولأن هذا الدين عظيم من أصل عظيم؛ أصاب أهله الجهل, بل أصاب أهله البغي والظلم، فكثير من الناس الآن يتكلمون باسم الدين والدين منهم براء، هذه هي السلفية التي نؤمن بها وندعو إليها.
ولكن قد يسأل السائل فيقول: لماذا تطلقون على أنفسكم سلفيين، ولا تقولوا مسلمين فحسب؟! الإجابة: إنه يكفينا الإسلام لو أن غيرنا أسقط اسمه الذي اقترن معه ممن قد أحدث وابتدع في الدين, وأدخل فيه ضلالات ما لم ينزل الله بها من سلطان, ولو قلنا: نحن مسلمون, وفهم عنا الناس الإسلام الذي يحبه ويرضاه, لما قبلنا لهذه الكلمة (الإسلام) بديلاً, ولكن ها أنت ترى الذي يقتل المسلمين باسم الإسلام, والخوارج ومجوس الباطنية والصوفية وغيرهم كُثر يتكلمون باسم الدين, وكل هؤلاء يفسرون دين الله على أهوائهم وحسب ما تقتضيه حاجتهم, ومن هنا أردنا أن نميز أنفسنا ونميز إسلامنا من هذا الجهل البائن بكلمة واردة في كتاب ربنا عز وجل وفي أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم وليست العبرة بالألفاظ والمباني, وإنما العبرة بالحقائق والمعاني.
فالسلفية مصطلح شرعي ونِسبة مباركة إلى السلف الصالح, وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم إلى القرون المفضلة التي زكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء في صحيح مسلم, عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته وحبيبته فاطمة رضي الله عنها: «نعم السلف أنا لكِ»، وثبت في الحديث الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يودع ابنه إبراهيم وبناته زينب ورقية عند دفنهم بعد الموت: «الحق - أو الحقي - بسلفنا الصالح عثمان ابن مظعون».
ومن هنا اتضح لنا أن الطريق الحق هو طريق السلفية النقية التي تتخذ هَدي النبي صلى الله عليه وسلم وهَدي أصحابه الكرام نوراً تسير عليه، وطريقًا يوصل إلى جنة الخلد بإذن الله تعالى ومنهجًا يبعد عن الضلال والابتداع.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى طريق الحق والصواب ويهدينا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 16-04-2024 07:45 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (19)

اتـق الـله


كثير من الناس إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، وربما قال: هل أنا عاص؟ هل أنا مجرم؟ أنت اتق الله! ومن الناس من إذا قيل له: اتق الله، اقشعر جلده وارتعد وسقط ما في يده خوفًا من الله عز وجل، فالثاني من أهل الإيمان والتقوى، أما الأول فمن تأخذه العزة بالإثم والعياذ بالله، أي يعتز بإثمه, ويقول: أنا لم أفعل شيئًا، ماذا فعلت لتقول لي: اتق الله؟ فنقول له بكل بساطة: لست أتقى لله من رسول الله، فقد قال الله له: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} (الأحزاب: 1) وذلك في أول السورة, وقال في أثنائها: {... وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} (الأحزاب: 37) وقال في آخرها: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} (الأحزاب: 70) وهذا يعم النبي [ أيضا.
ومَن قيل له: اتق، الله يحسب نفسه أنه فعل خطأ فيقول: لماذا تقول ذلك هنا؟ فالسؤال عن الخطأ الذي فعله, لا بأس به؛ لأنه لم تأخذه العزة بالإثم، وإنما يريد أن يتبين لعله أخطأ وهو لا يدري، وكل إنسان عليه أن يتعلم من أخطائه.
وفي المعاصي الصغار, يُقال للإنسان: اتق الله، فلو جاء إنسان مثلاً يغتاب إليك شخصا تقول له: اتق الله يا أخي وأعرض عن هذا، وهناك بعض الناس يقولون: اتق الله، في المباحات وفي كلامهم العادي مثل: شرب الشاي أو غير ذلك، فإذا أدى الحال إلى الاستخفاف بها لكثرة تداولها بين الناس, بحيث تقال في مكان ليست محلاً لها فلا تقال.
ومن أذل نفسه لله فقد أعزها, ومن بذل الحق في نفسه فقد أكرم نفسه؛ فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، فالعزة ليست بالغنى ولا بالمناصب الرفيعة فمن اغتر بالظلم من منع الحق وفعل الإثم، فقد أذل نفسه وأهانها، قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} (فاطر: 10).
ومن هذا المنطلق نقول لنواب الأمة وحكومة الوطن: اتقوا الله فينا، وحاولوا أن تتفقوا على صلاح هذه البلاد التي تحتوينا جميعاً بدلاً من الشقاق والعناد والخلاف, حتى صار الأمر كما قال القائل: إما تغيير الحكومة أو حل البرلمان, وكلاهما مُر, فلما لا تحاولون أن تدعوا هذا الخلاف وتبحثوا عن نقطة تتواصلون فيها؟ ولذلك أقول لنواب الأمة: اتقوا الله فيما تفعلونه داخل هذا الصرح, وكونوا على قدر المسؤولية التي أنتم فيها، اتقوا الله فيما تشرعونه من قوانين, اتقوا الله في حواراتكم ومناقشاتكم داخل المجلس. اتقوا الله في كويتنا الغالية.
وأقول للوزراء الأفاضل: اتقوا الله في وزاراتكم، ولتخافوا الله ولتعملوا من أجل مصلحة وراحة المواطنين، وليتق الله كل رجل في زوجته وأولاده, وليحسن تعليمهم وتربيتهم على منهج السلف الصالح بعيدًا عن الفتن المنتشرة في كل مكان، وليتق الله كل معلم، طبيب، مهندس، موظف، عامل، خادم في وظيفته التي وكل إليها وليعلم أن الجزاء من جنس العمل.
والله الموفق والمستعان.




اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 16-04-2024 08:06 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (20)

السلفية… السياسة


إن الدعوة السلفية ليست دعوة حزبية, أو دعوة لها بيانات أو منشورات سياسية تحث على الاشتغال بالسياسة وطلب الحكم واللهث وراء السلطة, بل هي دعوة علم, دعوة أمن, دعوة منهج لفهم دين الله عز وجل وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ولاسيما أننا تحت حاكم مسلم, فالدعوة السلفية ليست حزبية, بل كل من يؤمن بالإسلام إيماناً صحيحاً فهو سلفي بالفطرة, بمعنى أنه مُعظّم لكتاب الله تعالى ومُعظّم لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك معظّم للصحابة والتابعين, فمن كان هذا حاله فهو سلفي دون الحاجة لعمل اشتراكات أو كارنيهات عضوية, فالأمر ميسر لكل المسلمين في كل مكان وزمان, فالدعوة السلفية ليست دعوة إقليمية خاصة ببلد أو منطقة معينة دون غيرها بل هي دعوة عامة, فالأمر يرجع لكل فرد دون أدنى شروط أو توجيهات, ولكن لا نقبل بأي حال من الأحوال أن يندس في صفوفنا من ليس منا, ويدعي السلفية بهتاناً وظلماً, فقد جاء يحمل أفكاراً غريبة على دعوتنا النقية, يريد بها تحطيم تلك الدعوة وأن يبث الفرقة بين أصحابها؛ لأنه ببساطة لا يفهم الدين كما نفهمه, ولا يرجع للعلماء الذين نرجع إليهم, ولا يعظم القواعد والمبادئ المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي نعظمها.
فالمؤامرات على هذه الدعوة المباركة كثيرة, ولا يمل أصحاب تلك المؤامرات ولا يكلون من إثارة الفتن والقلاقل؛ ولذلك يجب على أبناء هذه الدعوة أن يميزوا أنفسهم عنهم, وأن يبيّنوا دين الله تعالى. ولكن العجيب أني قد أرى من ينتسب إلى السلفية وتراه بعيداً عنها تماما، يقول ويعمل ضد مبادئ السلفية وأصولها, فعلى سبيل المثال من ينادون بما يسمى «الإمارة الدستورية» ويذهبون إلى ساحة الإرادة ويهتفون في الجماهير بضرورة تنفيذ ذلك المطلب, ناسين أن الله أمرنا باتباع الحكام وعدم الخروج عليهم وعدم منابذتهم، وهذا من مبادئ الدعوة السلفية وقواعدها الأساسية, ألم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة للأمراء وإن ضربوا ظهورنا وأخذوا أموالنا وإن لم يعطونا حقنا؟! كيف نطلق على هؤلاء «سلفيون»؟! والسلفية منهم براء. ألا يعلمون أنهم بتلك الدعاوى الباطلة سيمزقون شمل هذه البلاد, وسيذهبون بريحنا, ونحن ننعم بالأمن والأمان والاستقرار وتلك نعمة لابد أن نتمسك بها ولا نفرط فيها، فإن كان لدى المعارضة مطالبات فلتكن ضمن نطاق ما سمح به الشرع وليس ما قرره الدستور، فعلينا اتباع السنة والجماعة واجتناب الشذوذ والخلاف والفرقة كما قال ابن أبي الحنفي.
اللهم احفظ هذه البلاد واحفظ أهلها من كل سوء.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد

ابوالوليد المسلم 16-04-2024 10:31 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (21)

السلفية: نصوص شرعية


السلفية إنما هي عمل محكم, وجعل النصوص الشرعية للعلماء المعتبرين هي الحَكَم والفيصل في الصغير والكبير وفي الدقيق والجليل, وفي كل شيء في حياة الناس؛ امتثالاً لقول رب العالمين: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59) وكلمة {شَيْءٍ} نكرة تفيد العموم, مهما كان هذا الشيء فهو عام يشمل كل حادثة وكل عمل. فالرد إلى الله؛ أي: إلى كتابه، والرد إلى الرسول؛ أي: إلى رسوله صلى الله عليه وسلم في حياته, وإلى سنته بعد وفاته.
فالسلفية ليست رجوعًا للوراء -كما يدّعي البعض- وليست تقهقرًا للخلف, وإنما هي دعوة منضبطة في فهمها بمنهج وضعه علام الغيوب الذي يشمل علمه الماضي والحاضر والمستقبل, فهي تتقدم للأمام نحو الإسلام المصفى دين الله الخاتم لإقامته وتحقق هيمنته على جميع الأديان والمبادئ والأفكار.
إن منبع السلفية شيئان هما: الكتاب والسنة, فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر القرآن بتطبيقه وخلقه, وكان هذا أبلغ في البيان وأقطع للاحتمالات وأنفع للناس, ولاسيما في مجال التربية, هذه هي السلفية الذي نؤمن بها, نؤمن بأن كتاب الله وأحاديث نبينا ينبغي أن نفهمها على ذلك الحال التي طُبقت فيه, وترجمت إلى أفعال عملية, وهذا أمر واضح عند علماء الإسلام بما فيهم العلماء الكبار وعلى رأسهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، رحمهم الله.
وإليك -عزيزي القارئ- مثالاً لمنهج الشافعي السلفي, فقد روى البيهقي في «السنن الكبرى» أنه دخل الإمام الشافعي المسجد الحرام, وقال للناس: سلوني ما شئتم أخبركم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, فقال له رجل: يا إمام, وأنا أمشي إلى البيت الحرام دست زنبورًا ـ حشرة ـ فقتلتها وأنا محرم, ماذا عليّ؟ فقرأ الشافعي بعد أن حمد الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (الحشر:7), ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر»، ثم أسند الشافعي معلقاً على هذا الربط بين الآية والحديث وفتوى عمر ] للسائل: هذا جوابي على سؤالك من كتاب الله تعالى. وهذه الفتوى استنادًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, عضوا عليها بالنواجذ» ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: عضوا عليهما بالنواجذ، وإنما قال: «عضوا عليها» فسنة الخلفاء الراشدين هي عين سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
هذه هي الدعوة السلفية بمبادئها الكلية، فالسلفية أكبر من الأشخاص وأكبر من المراكز, والجمعيات والمشايخ وأكبر من كل شيء, فالسلفية كما ذكرنا هي دين الله النقي الذي أنزله على الله تعالى على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
والله الموفق والمستعان.

اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 16-04-2024 10:35 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (22)

الأمراء والعلماء


يجب أن ندرك جيداً أن من أسباب قوة الأمة اجتماع الأمراء والعلماء, وأسباب القوة في الأمة في اجتماعهما كما قال سفيان الثوري: «صنفان إن صلحا صلح سائر الناس, وإن فسدا فسد سائر الناس: الأمراء والعلماء» وكان أبو بكر الوراق يقول: «الناس ثلاثة: أمراء، وعلماء، وفقراء» ولذلك فإن فسد الأمراء فسدت المعيشة, وإن فسد العلماء فسد الدين، وإن فسد الفقراء فسدت الأخلاق.
من هنا لابد من ضرورة اجتماع مراكز القوة, ولا يصح افتراقها، فالعلماء يدعون للأمراء ويسألون الله تعالى لهم السداد والتوفيق، قال الفضيل بن عياض: «لو لم تكن لي إلا دعوة واحدة لجعلتها في الإمام؛ لأنه بصلاحه صلاح الناس، وبفساده فساد الناس»، كما لا ننسى دور الخطباء وطلبة العلم والوعاظ فهم جند العلماء, فالواجب أن تكون العلاقة بين العلماء وجندهم علاقة تكامل وتواصل, وأيضا العلاقة بين الأمراء والعلماء لابد أن تكون علاقة تكامل, فالعلماء هم أعلم الناس بالدين لذلك فهم ينصحون ويأمرون وينهون, فيجب ألا يُقرّبوا لصلة قرابة وما شابه ذلك, بل يجب أن يكون الأساس هو العلم والأمانة والإخلاص.
ومن هنا فإني لن أطلب من دعاة تجمع الإرادة من الليبراليين والحركيين أن يتقوا الله في هذا البلد وأن يكفوا أيديهم عنها, وعما يصدرونه من مصطلحات وأفكار ليست من صالح الديرة «كالإمارة الدستورية» كما يسمونها لأنهم وضعوا أصابعهم في آذانهم, وكفوا عن الاستماع لآراء غيرهم, بل هذه المرة سأوجه ندائي لعلمائنا الأفاضل ومشايخنا الكرام من أصحاب الدعوة السلفية بأن يوضحوا لمن قد يختلط عليهم الأمر من عوام الناس خطورة ما نحن فيه, والحكم الشرعي في الخروج على الحاكم ومنابذة أوامره والكف عن طاعته, أطلب منهم راجياً من الله ثم منهم الظهور بين الناس بشتى السبل سواء في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.. وغيرها، وأخص بالذكر منها قناة المعالي الفضائية أعلاها الله بطاعته والتمسك بسنة نبيه [، أطلب منهم الظهور بين الناس لتوضيح ما يحدث لنا من فتن وقلائل يثيرها بعض الحاقدين, وأن يبينوا لنا مدى شرعية وخطورة «تجمع الإرادة» على البلاد، وألا نكتفي بإعلان واحد نشر في جريدة أو ظهر في برنامج تلفزيوني, بل لابد من الاستمرار في توعية الناس والسير على هذا المنهاج.
نؤمن تماماً بأن علماءنا لا يريدون إلا أن يعظَّم دين الله عز وجل, يريدون أن تتحقق أسباب المعيشة, وأن يحوز كل فرد من هذه الأمة الدنيا بحذافيرها، كما قال النبي [: «من أصبح منكم آمنا في سربه, معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» أخرجه ابن ماجه، وحسنه الألباني, لذلك خطابي لهم تذكيراً لا نقداً.
فالحمد لله تعالى على ما نحن فيه من نعم لا تعد ولا تحصى، فقد وهب الله دولة الكويت الخير كله, وحيز لأهلها الخير والرخاء كله فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان?!
حفظ الله الكويت.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد






ابوالوليد المسلم 17-04-2024 03:33 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (23)

السلفية الجهادية


لم يكتفِ أصحاب التيارات الليبرالية, ومن ينادون بالمدنيّة الحديثة بإلصاق التهم بالدعوة السلفية, فبعد أن قالوا: سلفية تكفيرية، وبدا واضحاً جلياً زيف ما قالوا, استحدثوا مصطلحاً آخر ألصقوه بالسلفيين، فنسمع أحياناً في وسائل الإعلام وغيرها ما يسمى بـ«السلفية الجهادية». نعم, الجهاد باب من أبواب الفقه, ولكن له أحكام وضوابط موجودة في أمهات الكتب مذكورة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم, والدعوة السلفية تؤمن بالنصوص الشرعية وتطبيقاتها، وتؤمن بالجهاد الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلمحيث قال صلى الله عليه وسلم: «انتدب الله لمن خرج في سبيل الله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي، أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة» رواه البخاري.
وجاء على لسان الصديق أبي بكر رضي الله عنه : “لا يترك قوم الجهاد في سبيل الله تعالى إلا ضربهم الله بالذل».
ولكن الجهاد في سبيل الله لا يجوز شرعًا إلا بثلاثة شروط, وللعلم أن تلك الشروط ليست من آرائنا ولا أفكارنا، بل جرت على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم.
- فالشرط الأول: وجود إمام، يوحد القلوب وينظم الصفوف ويدير الخطط والمعارك؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام جُنة -أي وقاية- يقاتَل من ورائه».
- الشرط الثاني: الراية الشرعية؛ فالنبي صلى الله عليه وسلمقال: «من قاتل تحت راية عُمِّيَّة يقاتل عصبية, ويغضب لعصبيةٍ، فقتلته جاهلية» أخرجه النسائي وصححه الألباني.
فلابد أن يكون الجهاد تحت راية نصرة الإسلام وإعزازه، لا من أجل عصبية الجاهلية، فمن قتل في سبيل هذا مات على جاهلية.
- الشرط الثالث: إعداد العدة؛ لقوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (الأنفال:60) وإعداد العدة يكون بتجهيز المال والسلاح والجيوش وغيرها من موجبات الجهاد، أما أن يأتي جاهل وينادي بالجهاد في سبيل الله، فهذا ليس بجهاد في سبيل الله، بل هذا ينطبق عليه قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة:195) فالجهاد ليس بأمر هين يسير, بل يحتاج إلى أشياء عدة كما بينا سالفًا.
وإعلان الجهاد منوط بولي الأمر, وليس أي فرد آخر, فهو المسؤول أمام الله وأمام رعيته؛ لما يترتب عليه من تبعات كثيرة وكبيرة وخطيرة, في حفظ البيضة وصد النوازل.
هذا هو الجهاد في سبيل الله الذي نؤمن به, فليس كل من حمل السلاح نوافقه في هذا ونبيح له ما يفعله, فالجهاد حكم فقهي له تقريراته وله أحكامه وأصوله.
هذه هي السلفية، دعوة منهجية عقدية تربوية, تؤمن بطاعة أولياء الأمور, وتحرم الخروج عليهم, تؤمن بالإسلام الصافي, وهذه الدعوة إن نادت بالجهاد فإنها تعتقد أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وأن الجهاد من أحكام الله، ولكن لا يكون على وجه فيه عبث وفيه مضرة بأمن البلاد أو بأمن العباد، فهذا دخيل على الشرع ودخيل على الدين, ودخيل على هذه الدعوة الطيبة المباركة.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 17-04-2024 03:47 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (24)السلفية والتكفير


نعيش الآن في زمان اختلطت فيه المفاهيم, وصار كل إنسان يقول ما يشاء دون أدنى رقابة، وساعد في ذلك كثرة القنوات الفضائية والتطور التكنولوجي الرهيب في وسائل الاتصالات, وسرعة انتقال المعلومات والأخبار، وظهر ما يسمى بمعركة الاصطلاحات وغر الناس الألفاظ والأسماء, وكاد الناس أن ينسوا الحقائق, فإنما العبرة بالحقائق, لا بالمسميات؛ لذلك تسمع وصفين متناقضين, لا يمكن أن يجتمعا أبداً, كأنك تقول: هذه الورقة بيضاء سوداء! فالبياض مع السواد لا يمكن أن يجتمعا أبدًا, فعندما تقول: سلفية تكفيرية, فهذان وصفان لا يجتمعان أبدًا؛ لأن الدعوة السلفية لا تحكم أهواء أصحابها ولا تحكِّم قول أحد في التكفير، فلا نكّفر أحداً إلا أن يكون عندنا دليل صريح لنا فيه من الله برهان, فلا يجوز لنا أن نكفر أحدًا.
وشاءت إرادة الله تعالى أن تقع حادثة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أصلاً في التكفير، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أسامة بن زيد, قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية, فصبّحنا الحُرَقات من جهينة, فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله, فطعنته فوقع في نفسي من ذلك, فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!», قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح! قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!» فما زال يكررها علىّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.
وأخذ أهل العلم من هذا الحديث أصلاً مهماً؛ فقالوا: لو أن الرجل قال قولاً أو فعل فعلاً يحتمل مائة وجه, تسعة وتسعون منها على الكفر, وواحد على الإسلام، فالواجب علينا أن نحمل قوله وفعله على الإسلام.
هذا وقد نسب إلى الشيخ الألباني أنه يكفر الناس، يقول الشيخ مشهور آل حسن: «فقد زار ذات مرة المملكة الأردنية فزاره بعض فقهاء هذا البلد, فقال أحدهم له: أنت تكفر الناس، فرد عليه: معاذ الله، لو أنك سمعت رجلاً يصلي صلاة السنة, فيقول: أصلى ركعتين سنة الظهر للرسول صلى الله عليه وسلم, ماذا تقول له؟ قال: كافر، قال الشيخ الألباني: أمّا أنا فلا أكفره، هذا جاهل أنا أعلمه, ولا أكفره».
هذا هو منهج السلفيين المجمل في التكفير؛ فهُم أجبن الناس عن التكفير، وتلك تهمة قديمة, عسى الله أن يهدي أصحابها، اللهم آمين.
والله الموفق والمستعان.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 17-04-2024 04:15 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (25)

– الأحــد الأســود



تابعت بشغف ما حدث في ثورات الربيع العربي في بعض البلدان العربية, فذهبت بخيالي بعيدًا, وقلت لنفسي: هل من الممكن أن يحدث مثل هذا في بلد مثل الكويت؟! ولكني استيقظت يوم الأحد 21/10/2012 على أخبار مفجعة, مظاهرات من هنا وهناك تخرج من مناطق عدة متفرقة في العاصمة, أبراج الكويت وساحة الإرادة ومنطقة البورصة، وهناك تعامل رجال الأمن بحزم تجاه هؤلاء المتظاهرين حفاظا على الأمن العام وحفاظا على المارة وحركة المرور التي بالفعل قد أصابها حالة من الشلل التام بعدما حدثت حالة من الهرج والمرج من قبل المتظاهرين, وحدث ما لا يحمد عقباه, وما قد حذرنا منه مرارًا وتكرارًا, فقد تدافع المتظاهرون على رجال الأمن وبدورهم تعامل معهم رجال الأمن, فسالت دماء طاهرة من هنا وهناك واستقبل المستشفى الأميري عشرات المصابين من رجال الأمن والمتظاهرين.
هذا ما حدث يوم الأحد, اليوم الذي لن ينساه تاريخ الكويت, اليوم الذي بكت فيه العيون على شبابها, فلم يحدث مثل هذا طيلة تاريخ دولة الكويت. وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤلات عدة مهمة منها:
لماذا يحدث هذا في بلد غني بالنفط؟! هل تأخر ذات مرة راتب أحد هؤلاء المتظاهرين؟ّ! هل أحس أحدهم يومًا بالجوع أو العطش أو البرد ولم يجد ما يؤويه؟! هل دفع أحدهم فلسًا واحدًا عندما دخل أحد المستوصفات أو المستشفيات العامة؟!
إذاً فلم تحدث كل تلك المظاهرات وكل أحداث الشغب تلك من قبل بعض المواطنين المغرر بهم, وقد عمّنا الله سبحانه وتعالى بالخير الوفير والرزق المبارك فيه؟! كل تلك النعم قد أنعمها الله علينا يا أهل الكويت الشرفاء, لماذا لا نحمد الله ونحافظ عليها ونسأل الله أن يديمها علينا أبدًا ما حيينا؟! وإلا فسنندم بعد ما لا يفيد الندم, وسنتحسر على تلك العيشة الرغداء.
هبوا من سباتكم وأفيقوا قبل فوات الأوان ولا تقعوا فريسة سهلة لبعض الآراء الهدامة والمزايدات الرخيصة من فئة تجهل ما تفعله, تأملوا ما يحدث حولنا من فتن وقلاقل ودسائس تحاك لنا, انظروا إلى الدماء الطاهرة التي سالت في ذلك اليوم المشين من تاريخ دولة الكويت, فهل ترضون بذلك؟! هل ترضون أن تحدث مثل هذه الأمور في أيام مباركة كالعشر الأوائل من ذي الحجة التي نتقرب فيها إلى الله عز وجل بفعل الطاعات ونبذ المنكرات؟!
نسأل الله أن يهدي شباب هذه الأمة لما فيه الخير والصلاح والتقوى.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد






ابوالوليد المسلم 17-04-2024 04:38 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (26)

– الدين و السياسة



اختلفت الآراء حول علاقة الدين بالسياسة, وهل هناك سياسة في الدين أو دين في السياسة ؟!
يجب أن ندرك جيدًا أن الدين ثابت منزّل من عند الله تعالى, له أصول وضوابط يحكمها الشرع، ويفتي بها المشرِّع ذو الرأي والأمانة, وليس كل من هبّ ودبّ.
أما السياسة فمتغيرة غير ثابتة ليس لها قوانين تحكمها, بل المسيطر الأول والأخير عليها هو النظم السياسية والمناخ العالمي الذي يتصف بأنه دائم التغير, يتبدل من حال إلى أخرى وتتبدل معه السياسات واللوائح والقوانين؛ لأنها بكل بساطة من وضع البشر.
فرجال الدين لهم طريق, والسياسيون لهم طريق آخر, أصحاب الطريق الأول شغلهم الشاغل الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسلكون في ذلك كل الطرق الشرعية المباحة, ويبتعدون كل البعد عن الكذب والنفاق؛ لأنهما ليسا من شيمهم وإلا فلن يتبعهم عوام الناس, ولن يجدوا صدى لما يقولونه ولا لما يفعلونه.
أما أصحاب الطريق الثاني -السياسيون- فهم أصحاب الدهاء والمكر, ليس لهم مبادئ ثابتة ولا قوانين تحدد مواقفهم السياسية، بل ما تقتضيه المصلحة يكون فيه الصواب، فالسياسي يُظهر ما لا يُبطن, ويبتسم في مواضع البكاء, ويبكي في مواضع الابتسام لذلك تجد أحدهم عندما يُسأل عن شيء ولا يعرف إجابته أو لا يريد أن يفصح عما بداخله, تراه يلف ويدور ويذهب هنا وهناك؛ لكي يبتعد عن الإجابة, عكس رجل الدين الذي إذا سُئل أجاب، وإن لم يعلم الإجابة رد بكل شجاعة وقال: لا أعلم.
وحينما نرجع إلى سلفنا الصالح عصر صدر الإسلام سنكتشف أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كانوا على دراية بهذا الخلط, ففصلوا بين ما هو سياسي دنيوي وما هو روحي ديني, فمن ناحية الجانب السياسي الدنيوي أخذوا من الكفار علوم الهندسة والزراعة والدواوين؛ لأنه لم ينزل بها وحي من السماء؛ لأنهم سمعوا رسول الله [ يقول: «أنتم أعلم بدنياكم»، رواه مسلم, وبشأن الدين قال صلى الله عليه وسلم : «والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك» رواه أحمد بإسناد حسن.
النبي صلى الله عليه وسلم في قراراته الدنيوية كان يستشير خبراءها, كالحباب بن المنذر في غزوة بدر الكبرى, وسلمان الفارسي في غزوة الخندق, وأمر بتعيين أسامة بن زيد قائدًا لجيش المسلمين لمحاربة الروم, ولو كان الأمر يؤخذ بالتقوى والدين لكان من الأولى أن يُؤمِّر على الجيش أحد الشيخين فهما أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي عصرنا هذا سُئِل أحد الكُتاب: لماذا لا تدخل عالم السياسة ودهاليز السياسيين؟ فرد قائلاً: أنا لا أحب أن أكون سياسياً؛لأني لا أحب أن أكون جلاداً، لا فرق عندي بين السياسيين والجلادين, إلا أن هؤلاء يقتلون الأفراد, وأولئك يقتلون الأمم والشعوب.
من هنا يتبين لنا أن امتهان رجال الدين السياسة ودخولهم في المعترك السياسي يقلل من سلطتهم الدينية الراسخة في قلوب محبيهم؛لأن السياسة تتطلب التنازل عن بعض الأمور والتغاضي عن كثير من الأشياء كما أسلفنا سابقًا, وإلا فإنه يتاجر بدين الله لنيل مكاسب شخصية، والله أعلم.
والله الموفق والمستعان.






اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 19-04-2024 01:43 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (27)


– الأحزاب السياسية



حث الإسلام على التوحد ونبذ الفرقة, قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران: 103), هذا هو الإسلام الواضح الصريح، أما أن تفترق الأمة ويظهر ما يسمى بالأحزاب السياسية فهذا غير جائز؛ لأن تعدد الجماعات والأحزاب في الإسلام يؤدى إلى تعدد مناهجها في الدين والدعوة وبالتالي يؤدي إلى الخلاف والتنازع فيما بينها, فلا يجوز أن يتفرق المسلمون في دينهم شيعاً وأحزاباً, فإن هذا التفرق مما نهى الله عنه وذم من أحدثه أو تابع أهله وتوعد فاعله بالعذاب العظيم, قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: 105), وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (الأنعام: 159)، أما إن كان ولي أمر المسلمين هو الذي نظمهم ووزع بينهم أعمال الحياة الدينية والدنيوية فهذا مشروع (فتوى الشيخ ابن باز)
فنحن نرى ما يحدث من تنازع وتكالب على السلطة من الأحزاب المختلفة في بعض البلدان العربية فكل حزب يكيد للآخر, ويسعى جاهداً في تشويهه ورميه بالاتهامات الباطلة, والدخول في مهاترات تضيع معها القضايا الكبرى التي يجب أن توليها هذه الأحزاب الجزء الأكبر من اهتماماتها، كما نلاحظ أيضا ما يسمى بالحزبية الضيقة ؛ بحيث يلتف كل حزب بعباءته السياسية الحزبية دون الالتفات أو مجرد الاستماع للآراء الأخرى التي ربما يكون منها الأصوب وفي صالح الدين والدنيا، ثم يأتي دور التفاهمات والتربيطات السياسية بين بعض الأحزاب, ويظهر هذا جلياً أيام الانتخابات البرلمانية, فكل حزب يريد أن ينال (كيكة) السلطة كاملة فينزل إلى الشارع ببرامج متعددة أكثرها وهمي من نسج الخيال, المهم هو كسب رضا المواطنين وتعاطفهم وبالطبع أصواتهم وذلك هو الأهم, وبعد أن ينالوا مرادهم تتبخر الوعود وتطير الأماني والأمنيات التي قد نسجوها لنا, ونُفاجأ بأن دور الحزب الفائز الذي يلقب بعد ذلك بالحزب الحاكم يقتصر على توطيد أركان حكمه وتثبيتها والتنكيل بالأحزاب الأخرى المناوئة له, لكي تصبح أحزاباً هامشية لا يُرجى منها فائدة بعد ذلك.
هذه هي الأحزاب, فهل تختارونها يا أهل الكويت بعدما رأينا منهم من تناحر فيما بينهم؟ أم تختارون الشريعة الإسلامية منهاجاً نستقي منها مبادئنا واتجاهاتنا, فأيهما نختار؟
والله الموفق والمستعان.
[email protected]
Abuqutibaa@






اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 19-04-2024 05:08 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية(28)

– ولنا في نبينا أسوة



كانت الهجرة مبدأ تاريخ الإسلام, حيث تحولت يثرب إلى المدينة المنورة, وتلك نواة دولة الإسلام الجديدة التي ستغزو العالم بأسره, وتذل ممالك وإمبراطوريات عظمى. كان المعلم الأول هادي البشرية محمدا صلى الله عليه وسلم حيث بدأت دعوته بمكة, وإذا تأملنا أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فسنجد أنها أبهرت سائر العرب, فكانت معجزات علمه وحلمه وتواضعه وإيثاره أكثر إبهارًا من معجزات تسبيح الحصا, وانشقاق القمر, ولين الحجر, فعلمت العرب مَنْ محمد صلى الله عليه وسلم نسبه وشرفه وصفاته وأخلاقه فلقبوه بالصادق الأمين قبل أن يدعوهم لدين التوحيد وعبادة إله واحد لا شريك له, ونبذ عبادة الأوثان, فكانت معجزاته بعيدة كل البعد عن عرافة العرافين, وكِهانة الكهنة, وسحر السحرة.
كان صلى الله عليه وسلم شجاع القلب, يعلم تماماً أن دعوته تلك ستلقى على قوم مشركين غلاظ القلوب يغضبون لدينهم, ويحبون آلهتهم كحبهم لأبنائهم, فلم يخش في الله لومة لائم، ودعا أهل مكة ثلاث عشرة سنة متواصلة دون كلل أو ملل, فكان حليماً, سمح الأخلاق, لم يلتفت إلى وضع التراب على رأسه, وإلقاء سلا الجزور على ظهره, ولم يلق بالاً أن تلك الأمور تصدر من قومه وأهله وعشيرته, فلم يلب دعوته إلا الرجل بعد الرجل, فزاد إصراراً على الاستمرار في الدعوة فعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} الآيَةَ (رواه البخاري).
وما زال هذا شأنه, حتى علم أن مكة لن تكون مبعث رسالة التوحيد, فهاجر إلى يثرب, وتلك كانت المرحلة الأولى في بناء الدولة الإسلامية, وتأسيس وانتشار كلمة لا إله إلا الله, فأصبحت الهجرة عيدًا يحتفل به المسلمون في شتى بقاع المعمورة كل عام -مع أن هذا العيد يبدّعه علماء الدعوة السلفية- فقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر عناءً عظيماً, ومشقةً كبرى في تلك الرحلة, فمشيا يتسلقان الصخور, ويتخفيان في الأغوار والكهوف؛ لأن أهل مكة يخافون من أن تلقى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم آذاناً مصغية وقلوباً مؤمنة, فيلتف حوله الأعوان والأنصار, كأنما يشعرون بأنه طالب حق, وأن طالب الحق لا بد أن يجد بين المحقِّين أعوانًا وأنصارًا، لكن بفضل الله تعالى وقدرته وصل المهاجران إلى الأرض الجديدة, الأرض الخصبة الصالحة لبناء مجتمع إسلامي موحِّد متكامل.
إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مثال يجب أن يحتذيه المسلمون للوصول إلى التخلق بأشرف الأخلاق وأجل الصفات, وأحسن مدرسة يجب أن يتعلموا فيها ويربوا أبناءهم عليها كيف يكون الصدق في القول والعمل, والثبات على الرأي وسيلة للنجاح, وكيف يكون الجهاد في سبيل الحق سبباً في علوه على الباطل؛ ولذلك لا حاجة لنا بتاريخ فلاسفة اليونان وحكماء الرومان وعلماء الإفرنج قاطبة, فلدينا في تاريخنا الإسلامي حياة مملوءة بالجد والعمل والإنسانية المتكاملة والحب والرحمة والتسامح والحكمة والسياسة وهي حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
والله الموفق والمستعان.







اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 19-04-2024 05:26 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (29)

– التـوحيــــد



التوحيد هو اعتقاد أن الله عز وجل واحد في ملكه وخلقه وتدبيره لا شريك له, وأنه هو وحده المستحق للعبادة فلا تصرف لغيره، وأنه لا مثيل له ولا شبيه في صفاته وأسمائه. فالتوحيد أن تقول: لا إله إلا الله، قولاً وعملاً واعتقاداً ويقيناً لا ريب فيه ولا شك.
ولماذا خلق الله سبحانه وتعالى الإنس والجن؟ خلقنا الله عز وجل وأوجدنا في هذه الدنيا لعبادته وحده لا شريك له, قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56), ثم ننعم بعده بجنة ربنا التي أعدها لعباده الموحدين، وهذا هو الأصل الأول للتوحيد عبادة الله عز وجل.
- والأصل الثاني: أنه لا تصح العبادة إلا بالتوحيد، وهذا عدل؛ فلا تصح عبادة من صلاة ولا صيام ولا زكاة ولا حج ولا ذبح إلا بأن تكون خالصة لوجه الله تعالى, وهذا هو أصل التوحيد، أي يوحد الله ويفرده بالعبادة دون غيره, فالكافر مهما فعل من الخيرات فلا تقبل منه لأنه ليس موحد الله, قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر:65).
إذاً العبادة هي التذلل لله بالطاعة وبالامتثال لأوامره والخضوع والانقياد لشرعه مع الحب له, فكل ما يحب الله عز وجل أن نتقرب إليه فهو عبادة, وقد قسم العلماء العبادات إلى:
- عبادات قلبية: لا يعلم بها إلا الله عز وجل, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (الملك:12), فالخشية عمل قلبي وقد وعد الله من يخشونه بالمغفرة, إذاً هي محبوبة له، وهذا دليل واضح على أن الخشية عبادة.
- عبادات قولية: قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} (الأحزاب:41) والأمر بالذكر يدل على أنه محبوب لله سبحانه وتعالى؛ لذلك فهو عبادة, كذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} (آل عمران:191), وهذا مدح للذاكرين.
- عبادات فعلية: قوله: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} (البقرة:43), أمر الله المسلمين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة إذاً هي عبادة, وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر:2), أمره عز وجل بالنحر له دون غيره يدل على أنه محبوب, فهو عبادة.
لذلك فالعبادة بشتى أنواعها لا بد أن يكون خالصة لوجهً الله تعالى؛ فلا تجوز صرفها لغير الله أبدًا, قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} (الزمر:2), وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (الفاتحة:5) حيث قدم المفعول على الفاعل وهو دليل على حصر العبادة في الله وحده دون غيره، أي لا نعبد إلا إياك.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 19-04-2024 11:31 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (30)

-الشرك بالله من أعظم الذنوب



إن أعظم ما عُصي به الله عز وجل منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا الشرك بالله؛ لذلك وصف الله هذا الذنب بالظلم العظيم؛ حيث قال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13) فالشرك يحبط جميع الأعمال إن مات عليه صاحبه ولا يغفره الله أبدًا ما لم يتب منه قبل الموت, قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} (النساء: 48) فالله هو الذي خلق, وهو الذي يحيي ويميت, وهو الذي يرزق عباده من فضله, ومع كل تلك النعم والمنن يشرك به الإنسان؛ لذلك استحق من الله العقاب على ذلك وهو نار جهنم خالدًا فيها, قال تعالى: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة: 72).
والشرك نوعان: الشرك الأكبر: والشرك الأصغر, أما الشرك الأكبر فهو اتخاذ شريك مع الله فيما اختص به سبحانه وتعالى، وله أنواع:
شرك في الربوبية: الله عز وجل رب كل شيء متصرف فيه متفرد بالخلق؛ فمن اعتقد أن ثمة متصرفا في الكون بالخلق والتدبير مع الله سبحانه فهو مشرك, وهذا الشرك قد ادعاه فرعون لنفسه {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات:24).
شرك في الألوهية: الله عز وجل الإله المعبود وحده، وإليه تصرف كل العبادات من صلاة وصيام ونحر, فمن يصرف العبادة أو نوعا من أنواعها لغير الله فقد أشرك, كمن يتقرب بعبادته للأصنام والقبور أو يذبح لغير الله.
شرك في الأسماء والصفات: وهو اعتقاد أن ثمة مخلوقا متصفا بصفات الله عز وجل, فقد اتصف الله الخالق بصفات لا تشبه صفات المخلوقين وتَسمَّى بأسماء لا تطلق إلا عليه, فمن اعتقد في مخلوق أن له صفة القوة كقوة الله, أو العلم بكل شيء كعلم الله ودرايته بمجريات الأمور, أو أن أحدًا يستحق أن يسمى بالرحمن أو رب العالمين أو الخالق، فقد أشرك بالله؛ لأنه ساوى بين الله وبين خلقه في أسمائه وصفاته.
هذا بالنسبة للشرك الأكبر, أما الشرك الأصغر فهو إن لم يكن يخرج صاحبه من الملة, إلا إنه قد ارتكب ذنباً عظيمًا, وإذا مات العبد على هذا الشرك الأصغر كان تحت مشيئة الله: إن شاء يعذبه، وإن شاء يتوب عليه، وإن شاء يعذبه بما أشرك ثم يدخله الجنة. ومن أمثلة الشرك الأصغر أن تحلف بغير الله من غير اعتقاد أن منزلة المحلوف به كمنزلة الله عز وجل في الإجلال والتعظيم كقول القائل: إن شاء الله وشئت, أو من يحلف بالكعبة, وكذلك الرياء يعد من الشرك الأصغر كما أخبرنا به النبي[ حيث قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء». رواه أحمد وصححه الألباني.
لذلك أخي المسلم كن حذرًا فيما تقوله وفيما تفعله, واسلك سبل التوحيد في شتى مجالات حياتك, وعلّم أبناءك وبناتك معنى كلمة التوحيد, وما يقربنا إلى المولى عز وجل، وابتعد عما يبعدنا عنه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على بيان التوحيد الخالص, وبيان الشرك بنوعيه الأكبر والأصغر، أعاذنا الله وإياكم منهما.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 20-04-2024 12:02 AM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (31)


-التوحيد وبناء المساجد على القبور



يجب على المسلم الموحد بالله أن يفرد عبادته لله عز وجل دون غيره, ولكن ما بال من يشيدون القبور والأضرحة ويبنون عليها المساجد بل يعظمونها ويشدون إليها الرحال من كل صوب وحدب؟! فنحمد الله أن الشريعة الإسلامية قد سدت كل الطرق التي توصل إلى الشرك بالله, ومنها ما يتعلق بالقبور وتعظيم أصحابها والغلو في قبورهم.
كان أول شرك بالله تعالى على الأرض سببه الغلو في الصالحين وفي قبورهم, وهو ما حدث مع قوم نوح عليه السلام, ولنتأمل أحوال العالم الإسلامي وما حصل من الشرك والغلو بسبب تشييد المساجد على قبور بعض الصالحين, وتعظيمها واتخاذ السدنة لها، مع العلم اليقين أنها من وسائل الشرك؛ لذلك كان من مقاصد الشريعة الإسلامية أنها حذرت منها بل منعتها تماماً.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يُتخذ مسجدًا.
وفي الصحيحين أيضا أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ذكرتا لرسول الله[ كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال[: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله».
والجدير بالذكر أن اتخاذ القبور مساجد على نوعين:
- الأول: أن يبنى عليها مساجد.
- الثاني: أن تتخذ كما هي مكانًا للعبادة من غير بناء, كما جاء في الحديث: «وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» بمعنى أن أي مكان طاهر على وجه الأرض يصلح للعبادة والصلاة.
وكلتا الحالتين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما؛ لذلك قال علي - رضي الله عنه -لأبي الهياج الأسدي: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه النبي صلى الله عليه وسلم : ألا تدع قبرًا مُشرفًا إلا سويته، ولا صورة إلا طمستها», وما رواه مسلم أن النبي صلىالله عليه وسلم قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها».
من هنا يتبين لنا حرص الشريعة الإسلامية على عدم تعظيم القبور والأضرحة سواء بالبناء عليها أو اتخاذها مساجد بالدعاء والصلاة فيها, أو حتى شد الرحال إلى تلك المساجد؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» رواه مسلم، وكذلك نص الأئمة من علماء المسلمين في جميع المذاهب الأربعة على النهي عن ذلك؛ عملاً بسنة رسول الله ونصحًا للأمة وتحذيرًا لها أن تقع فيما وقع فيه من قبلها من غلاة اليهود والنصارى وأشباههم من ضلال هذه الأمة.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد






ابوالوليد المسلم 22-04-2024 09:15 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (32)

– من التوحيد ضرورة السنة مع القرآن



السنة النبوية هي كل قول وفعل وتقرير بدر من النبي صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى..} (النجم:3، 4) فالسنة النبوية المطهرة المصدر الثاني للتشريع الإسلامي, فهي إما مبينة لآيات الذكر الحكيم, أو مفسرة أو مكملة لبعض الأحكام، فعلى سبيل المثال قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (المزمل:20) ولكن كيف تقام الصلاة؟ وما أركانها؟ وما شروط صحتها؟ وماذا نقول خلالها؟ لم يذكر القرآن الكريم أية تفاصيل وشروحات لكل تلك الأسئلة؛ إنما بينها ووضحها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد بينت السنة المطهرة كل مبهم من آيات الله عز وجل, وهنا أسائل الذين ينكرون سنة النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تصلون؟ وكيف تحجون؟ وعلى أي أساس تخرجون زكاتكم؟ كيف تقومون بكل تلك العبادات؟ أليست بتوضيح وتفسير من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته التي سخر الله لها أناسًا كالبخاري ومسلم وأحمد ... وغيرهم -رحمهم الله- حفظوها وكتبوها حتى وصلت إلى أيدينا الآن؟!
وقال الشافعي: فلم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أن سنن النبي من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا منها على وجهين، والوجهان يجتمعان ويتفرعان:
- أحدهما: نص كتاب, فاتَّبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أنزل الله.
- والأخر: جملة كتاب، بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عن الله معنى ما أراد أن يأتي به العباد, وكلاهما اتبع فيه كتاب الله.
- أما الوجه الثالث: فقال: ما سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما ليس فيه نص كتاب، فقد كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبره جبريل عليه السلام بالسنة التي تفسر ذلك, بل الأكثر من ذلك أن السنة أتت بما هو زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها, وكتحريم الحمر الأهلية, وكل ذي ناب من السباع إلى غير ذلك.
فالسنة قرينة القرآن تفسره وتبينه وتدل عليه, ولا يصح الاستدلال بشيء من السنة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير إلا بما صح عنه بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير قطع في السند ومن غير شذوذ ولا علة، أو بما نزل عن رتبة الصحيح إلى الحسن بأن يخف ضبط بعض رواته خفة لا تسقطه عن درجة الاحتجاج.
ومن هنا لا بد لمن أراد تدبر القرآن والعمل به العلم بالسنة, فإن أهل البدع أجمع, أضربوا عن السنة, وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة, فضلوا وأضلوا، ونعوذ بالله من الخذلان, ونسأله التوفيق والعصمة برحمته.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 23-04-2024 02:07 AM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (33)


– تطبيق الشريعة الإسلامية (1)



أصبح مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية حلمًا يراود الكثيرين في الكويت, فالشريعة الإسلامية التي علَّمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار على نهجه أصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان، هي دستور ومنهج واضح لكل من أراد العزة والكرامة, فقد كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الأوحد للأحكام في صدر الدولة الإسلامية وما بعدها؛ لذلك كان العدل سائدًا منتشرًا بين جموع المسلمين وغيرهم من الموالي؛ لذلك فإن السعي لضبط الأفراد والجماعات والمؤسسات وسائر النشاطات الإنسانية بمرجعية الوحي, فيُحل الجميع ما أحل الله ويحرمون ما حرمه الله ويجتهدون في تقدير حكم ما سكت عنه الوحي وَفْق المصلحة والمفسدة والموازين الخاصة بكل باب, هو عين تطبيق الشريعة الإسلامية.
قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (النساء:65), وقال تبارك وتعالى: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} (المائدة:48).
وفي الجملة كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس الأوحد للأحكام لأكثر من ألف وثلاثمائة عام, حتى تزايد النفوذ الأجنبي في الدول العربية والإسلامية وكان شغله الشاغل وهدفه الأوحد هو إقصاء الشريعة الغراء وإفساد المسلمين, وإبعادهم عن الأحكام الربانية واستبدال بأحكام وشرائع وضعية بها, ولم يكتف المحتلون بذلك بل أخذوا ينفِّذون خطة منهجية لمسخ المناهج الدراسية وتصفيتها من الجوانب الدينية شيئًا فشيئًا، ولم يكن هذا في المدارس النظامية فقط، بل كذلك في المدارس والمعاهد الدينية، وكذلك شرعوا في تأسيس مدارس الحقوق وكلياتها وَفْق مناهجهم لبثِّ سمومهم وتكوين جيل من المسلمين يحمل على عاتقه مهمة الانحراف بالأمة عن شرع الله، بدلاً منهم، إما عمداً أو جهلاً.
وليس ذلك فحسب بل أخذوا ينعِمون بالمنح الدراسية في جامعاتهم على أفذاذ شباب هذه الأمة وأوائل الطلبة في مدارس وكليات البلاد الإسلامية، كما حدث مع الدكتور طه حسين وغيره، ليعودوا بعد استكمال دراستهم أشد عداءً للشريعة؛ ففرنسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها تحصد الآن ما زرعته وما بذلته من مجهود في سبيل تغيير التوجه العام للشعوب الإسلامية، وتهيئة المناخ نحو رفض تطبيق الشريعة إذا ما أُذن لها أن تعود، وكل ما علينا إذن هو إعادة تهيئة هذا المناخ نحو تقبُّل الشريعة قانونًا يتحاكم إليه وبه المسلمون بإزالة المعوقات والعقبات التي وضعها الغربيون للحيلولة دون تطبيق الشريعة، وإننا ننتظر اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ليشع نورها، إن شاء الله تعالى.
والله الموفق والمستعان.


اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 23-04-2024 02:23 AM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (33)

– تطبيق الشريعة الإسلامية (2)



إذا أردت أن تعالج مشكلة ما فعليك أولاً البحث عن أسبابها؛ لذلك إذا أردت أن تطبق الشريعة الإسلامية وتجعل منها نورًا يهتدي به صناع الدساتير والقوانين؛ فلابد أن تعرف أولاً ما معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية؛ حيث تُقسَّم تلك المعوقات إلى ثلاثة أقسام:
- أولاً: معوقات نفسية وفكرية تتعلق بالإيمان والعقيدة والعوامل النفسية وطرائق التفكير.
- ثانيا: معوقات مادية وواقعية فرضتها حوادث تاريخية أو ظروف حالية.
- ثالثاً: معوقات متوهمة لا أصل لها.
القسم الأول: المعوقات النفسية والفكرية:
وتتلخص تلك المعوقات في جهل الناس بحقيقة الشريعة, ومدى قدرتها على مواكبة كل العصور منذ زمن البعثة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, وأنها صالحة لكل زمان ومكان, فهؤلاء الناس يظنون أن الشريعة عاجزة عن معالجة بعض المسائل العصرية المستحدثة, وتلك الظنون مبنية على الجهل الواضح بأمور الشريعة, ولعل ذلك الجهل ناتج عن تقصير بعض الدعاة في البلاد الإسلامية عن بيان محاسن الشريعة الغراء ووجوه الإعجاز فيها؛ لأنها من عند الله تبارك وتعالى الذي يدرك أمورًا لا ندركها نحن بني البشر, فعندما يأمرنا بقطع يد السارق, ورجم الثيب الزاني حتى الموت وأن يشهد عذابه طائفة من الناس, فإنه جل وعلا له حكمة في ذلك قد تكون واضحة لبعضهم وخافية عن غيرهم.
أيضا ضعف الإيمان عند كثير من المسلمين وشعورهم بالهزيمة النفسية, فعدم الثقة في وعد الله تعالى بنصرة المسلمين إذا ما رجعوا إلى تطبيق الشريعة, وتمسكوا بدينهم, جعلهم ينفرون من تطبيق الشريعة, وتأثرهم بالفكر العلماني الذي يفصل الدين عن الدولة ومؤسساتها والإيعاز إلى الناس بأن الدين مصدر التخلف والرجوع إلى العصور البدائية، وهذا ما فعله كمال أتاتورك في تركيا.
وسبب آخر من معوقات تطبيق الشريعة هو انعدام الثقة في بعض دعاة المسلمين أو من نسميهم بالنخبة الإسلامية, وهؤلاء النخبة هم المنوط بهم وضع الشريعة الإسلامية في موضعها الصحيح في النظام السياسي والقانوني للدولة, ويرجع عدم الثقة إلى أن الناس تعلق الحكم على التشريع الإسلامي بحكمهم على هؤلاء الدعاة، ولأن الدعاة بشر يخطئون ويصيبون في بعض الأمور، وهذا وارد, وبذلك لا يمكن تعليق حكم تطبيق الشريعة على بعض الأشخاص، ولامسنا هذا في الانتخابات البرلمانية وللأسف.
أيضا التأثر بفكر دعاة حقوق الإنسان من الأسباب الرئيسة لبعد الناس عن تطبيق الشريعة؛ فإن دعاة حقوق الإنسان يتهمون نظام العقوبات الإسلامي وتشريعات الحدود بالقسوة ويعدُّونها انتهاكًا صارخًا لحقوق وآدمية الإنسان, وللأسف وجدت تلك الآراء صدى واسعًا في بلداننا الإسلامية والعربية.
تلك هي بعض المعوقات النفسية والفكرية التي تتعلق بالإيمان والعقيدة المناوئة لتطبيق الشريعة الغراء, أما المعوقات المادية والواقعية وكذلك المتوهمة فنتناولها في مقالات قادمة إن شاء الله .
والله الموفق والمستعان.




اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 26-04-2024 11:42 AM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (34)


- تطبيق الشريعة الإسلامية (3)



تحدثنا في المقال السابق عن المعوقات النفسية والفكرية التي تحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية, وإليك الآن -أخي المسلم- القسم الثاني:
معوقات مادية وواقعية: يظن الكثير منا أنه بعد استقلال الدول الإسلامية عن الاحتلال الأجنبي أننا نلنا حريتنا كاملة, والأمر على العكس تماماً فما زال الاحتلال موجوداً ومتغلغلاً في بلداننا الإسلامية متمثلاً في تحكم الدول الغربية الكبرى في النظم السياسية للبلاد الإسلامية؛ بهدف التحكم في القرارات السيادية والسياسية لكي تتماشى مع سياسات تلك الدول وتوجهاتها بما لا يتعارض مع مصالحها في المنطقة, وبالطبع تطبيق الشريعة الإسلامية ضد أهدافها ومصالحها.
ولتلك الدول الكبرى طرائق عدة لكي تبعدنا عن ديننا وشريعتنا وتجعلنا في حاجة لها باستمرار، منها على سبيل المثال لا الحصر: منح القروض للدول الفقيرة والمساعدات المشروطة, إنشاء البنوك الربوية, تقديم منح عينية كالآلات والمعدات الحربية دون قطع غيار, إثارة الفتن والاضطرابات الداخلية والطائفية والحزبية، بما يسمى الربيع العربي كأقرب مثال في عصرنا.
وهناك تحكم من نوع آخر وهو تحكم تلك الدول الغربية في مصادر ثروات البلاد الإسلامية ومواردها الطبيعية, والسيطرة على أسواق المال والذهب وغيرهما, مما يفرض علينا أن نسير وفق قوانينهم وتشريعاتهم الوضعية التي تتعارض قطعًا مع شريعتنا الغراء. وفي الحقيقة هذا احتلال ناعم مباشر, فإذا لم تتمكن الدول الإسلامية من قراراتها السياسية السيادية وطموحاتها الاقتصادية فلن تستطيع أن تشرع قوانين تتماشى مع الشريعة الإسلامية.
ومن المعوقات الواقعية لتطبيق الشريعة: أمية المناهج الدراسية الدينية, فلابد أن نربي أولادنا منذ نعومة أظفارهم وتعويدهم على تطبيق شرع الله, حتى إذا كبروا لم يصبح الأمر شاقاً عليهم, فتطوير المناهج التعليمية وتحديث الجوانب الدينية صار أمرًا ملحًا تقتضيه الحاجة الآن.
وتَرتب على أمية المناهج التعليمية تخلف المسلمين في العلوم التطبيقية, فالأمية ليست قاصرة على الجانب الديني فقط، بل اتسعت لتشمل العلوم التطبيقية والعلمية والصناعية, حتى جعل الغرب يطلقون على الأمة الإسلامية بالبلاد الأمية أو المتخلفة أو دول العالم الثالث؛ مما جعلنا نهرول وراء الأفكار الغربية في الفكر والاقتصاد والعلوم مبتعدين عن ديننا وشريعتنا السماوية؛ حتى نلحق بركب التقدم والنمو، كما يزعم البعض.
وإذا نظرنا إلى أهم معوقات تطبيق الشريعة فسنجدها الدعوة الخاطئة إلى تطبيق أحكام الشريعة التي يمارسها بعض الدعاة في دعوتهم للناس إلى تطبيق شرع الله, حيث يقصر بعض الدعاة قضية تطبيق الشريعة عند عرضها على جانب العقوبات وإقامة الحدود فقط؛ فإنهم -الدعاة- تقتصر دعوتهم على تطبيقها بشكل سطحي دون بيان حكمتها ومحامدها وأهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع ككل؛ لذلك فإن الشريعة تمثل منهجًا شاملاً متكاملاً لحياة الأفراد ونظم الدولة في كل جوانبها وشؤونها الداخلية والخارجية.
والله الموفق والمستعان.




اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 26-04-2024 12:00 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (35)

تطبيق الشريعة الإسلامية (4)


ثالثًا: معوقات متوهمة لا أصل لها.
هناك معوقات عدة لا أصل لها، بل هي متوهمة، تحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية، قد روج لها بعض العلمانيين ودعاة المدنية وحقوق الإنسان؛ لكي يوهموا المسلمين بصعوبة تطبيق الشريعة, وللأسف الشديد أنه قد انخدع الكثير منا بتلك المعوقات وصدقوا قائليها, ومن أمثلة تلك المعوقات:
- أولاً: العجز عن تفعيل أحكام الشريعة.
حيث يزعم الكثير من دعاة المدنية الحديثة أن أحكام الشريعة الإسلامية كثيرة ومتشعبة في مذاهب و كتب عدة, ومن أي منهج أو مذهب تُستقى أحكام الشريعة؟ ولذلك يستعصي علينا جمعها وتقنينها دون تشكيل اللجان وعقد المؤتمرات والندوات وعمل البحوث والدراسات والمشروعات لتقنين أحكام الفقه في المجالات القانونية المختلفة, وهذا بالطبع يستغرق وقتاً طويلاً قد يمتد إلى عدة سنوات, وبالتالي يترتب عليه تعطيل تطبيق الشريعة الإسلامية وهذا ما يهدفون إليه.
ولكن إذا تأملنا المشهد قليلاً سنجد أن الشريعة الإسلامية مطبقة حالياً في قوانين الأحوال الشخصية دون غيرها من المجالات القانونية؛ إذاً الأمر ليس بالعسير فهناك مشروعات عدة لتقنين الشريعة الإسلامية موجودة بالفعل في جامعة دول العربية على سبيل المثال, وإذا ظهر نقص أو تعديل فمن السهل تداركه, أما أن نتوهم أن الأمر شاق ومستحيل فهذا شيء متوهم لا أصل له، فتلك الأفكار المتوهمة هي ما نشرها أعداء الإسلام وأعداؤنا بهدف تعطيل تطبيق الشريعة الإسلامية.
ثانيًا: خشية إغضاب الدول الأجنبية .
عرضنا قبل ذلك أن الدول الأجنبية هي المتحكمة في الاقتصاد العالمي وسوق المال والذهب والبورصة ومصادر السلاح وما إلى ذلك, وإذا طبقنا الشريعة الإسلامية سيؤدي ذلك إلى إغضاب تلك الدول الكبرى, وستتخذ إجراءات سياسية واقتصادية وربما عسكرية تجاه الدول الإسلامية إذا ما طبقت الشريعة, وبالطبع هذه أوهام لا أصل لها, فالمملكة العربية السعودية تطبق حاليًا الشريعة الإسلامية, فلم يؤثر ذلك على علاقاتها مع الدول الغربية, فضلاً عن أن تلك الدول الغربية لا تستطيع التدخل لمنع تطبيق الشريعة حرصًا على مصالحها السياسية والاقتصادية مع تلك الدول الإسلامية والعربية تحديداً, ولاسيما البترول العربي الذي لا تستغني عنه تلك الدول إطلاقًا، فضلا عن أن عدد المسلمين في تلك الدول الأجنبية أصبح يتزايد يومًا بعد يوم مما يقوي الموقف الإسلامي ضد الغرب.
وإذا سلّمنا بصحة هذا الادعاء -وهو ليس بحقيقة- في أن تطبيق الشريعة سيغضب الدول الأجنبية وسيجلب لنا المتاعب والصعاب, فما زلنا نمتلك من الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية ما يقوي موقفنا, وما زلنا نمتلك العزيمة الصادقة لامتلاك حرية القرار والتحرر من هذا الاستعمار الفكري والاجتماعي, قال تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44).
والله الموفق والمستعان.





اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 26-04-2024 03:13 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (36)

– الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية في الميزان (5)



الشريعة الإسلامية منزلة من عند الله عز وجل، ولذلك فهي منزهة عن الخطأ وهوى النفس, نزلت على رسولنا الكريم [ الذي لا ينطق عن الهوى, مما ترتب على ذلك أنها تتصف بالعدل والكمال؛ لأنها من الله العادل الخبير بشؤون عباده فهي صالحة لكل زمان ومكان. أما التشريع الوضعي الذي وضعه الإنسان لتنظيم أمور حياته, فإنه يخضع للميول والأهواء التي تتبدل من حال إلى آخر, وتصلح لزمن دون غيره وبالتالي يفقد الاستمرارية, ومن هنا فإن تطبيق القوانين الوضعية كان وما زال هو أهم أسباب انتشار الجريمة، وتلك القوانين لم تستطع الحد من انتشارها لنقص تلك القوانين وعوارها. وإذا تأملنا الفرق بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية فسنجد أن:
1- الشريعة الإسلامية تعاقب كل من يمس الأخلاق دون النظر إلى رضا المجني عليه؛ لذلك تعاقب كل من يشرب الخمر، وتعاقب على الردة والزنى والفجور بأنواعه والشذوذ بغض النظر عن طرفي الجريمة.
2- لا جريمة إلا بنص, مقولة شائعة وأصيلة في القوانين الوضعية الحديثة, مع أن الشريعة الإسلامية سباقة لهذا المبدأ؛ حيث إن الجرائم يعاقب عليها إما بنص من الشرع كعقوبة الزنى وشرب الخمر والردة, وإما بنص من ولي الأمر المفوض من قبل الشرع وذلك خاص بالجرائم التعزيرية, قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء:15).
3- الشريعة الإسلامية لا تفرق بين هذا وذاك, ولا غني ولا فقير, ولا حاكم أو محكوم, فالكل عندها سواء؛ فمن أخطأ فعليه وزر ما أخطأ فيه وحقت عليه العقوبة المنصوص عليها في الشريعة, قال النبي [ فيما روته عنه عائشة رضي الله عنها: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد, وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» متفق عليه. وقال [ في خطبة الوداع: «ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي, ولا أحمر على أسود, ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى, أبلّغت؟» أخرجه أحمد وصححه الألباني. فالتشريع الإسلامي وحدوده وعقوباته حقيقة ليس فيها استثناءات أو حصانات كالتي يتمتع بها الساسة والسفراء والحكام وأعضاء المجالس النيابية (مجلس الأمة) والقضاة في كل القوانين الوضعية.
4- الشريعة الإسلامية تعلو على باقي التشريعات الوضعية من حيث مبدأ الشهادة، ففي الشهادة التي هي من أهم وسائل الإثبات, والدليل الأول على إثبات الجرائم، فإن النظم الوضعية لا تتطلب سوى أن يكون الشاهد مميزاً عاقلاً مختاراً غير مكره, أما الشريعة الإسلامية فقد زادت على ذلك أن يكون الشاهد عدلاً, والعدالة أن تحمل الشاهد على تجنب الكبائر, بل إن القاضي ملزم أيضاً بتحري صفة العدالة في الشاهد قبل الأخذ بشهادته.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
والله الموفق والمستعان.



اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 26-04-2024 03:29 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (37)

– الشريعة والقانون الوضعي في الميزان (6)



الكليات الخمس هي: «الدين, النفس, العقل, العرض, المال» وهي ضروريات الحياة وجُلُّ مشكلات بني آدم، وسنرى كيف تتعامل معها كل من الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية, وأي منهما تحافظ عليها وتصونها كالآتي:
فيما يتعلق بالدين: فالإنسان حر في تغيير دينه دون أية عواقب وفقًا للقوانين البشرية, أما في شريعتنا الغراء فقد قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} (آل عمران: 19), وقَالَ رَسُولُ اللَّه[: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» متفق عليه، فالدين الإسلامي دين إلهي منزل من عند رب السموات والأرض لا تبديل فيه ولا تحريف.
وفيما يتعلق بحفظ النفس: من الجائز أن يُحكَم على القاتل بالسجن المشدد, ومعه يضيع دم المقتول, هذا ما نجده في التشريعات الوضعية, أما في الشريعة الإسلامية فقد قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 179) وقال أيضا: {وَكَتَبْنَا عَلَيهمْ فِيهَا أَنَْ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (المائدة: 45).
وما يتعلق بالعقل: فالتشريعات الوضعية قد سمحت بالتجارة في الخمور والمسكرات, وإنشاء مصانع التبغ والسجائر وكل هذه الأشياء من أهم ملوثات العقل، أما الشريعة الإسلامية فإنك تجد فيها كل ما هو صالح لنفسك وبدنك وعقلك، قال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (المائدة: 90).
أما العرض وحفظ النسل: فالتشريعات الحالية تجدها لم تحرم الزنا إلا في حالات قليلة جدًا, فلا تكون هناك جريمة أصلاً إلا بشكوى من الزوج, وفي حال أسقط الزوج حقه عن الزانية فيعد حكمًا تنازلاً عن الزاني أيضًا، أما بالنسبة إلى أن تكون حرية ممارسة الزنى ضد حقوق الإنسان والحريات الشخصية فهو قول خاطئ؛ فإن المرأة (الزوجة أو الابنة أو الأخت) لا يحق لهن الإقدام على تلك الفاحشة باعتبار أنها حق شخصي؛ لأن ذلك مرتبط بحقوق آخرين، وعليه فإن الشريعة الإسلامية قد وضعت أقسى عقوبة للثيب الزاني وهي الرجم حتى الموت، والجلد إذا كان بكرًا, قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النور: 2)، وكل هذا حفظ للأعراض وعدم اختلاط للأنساب بين المجتمعات الإسلامية.
وإليك ما يتعلق بحفظ المال: فإن عقوبة السارق في القوانين الوضعية لا تحد من جشعه وظلمه للناس، بل تشجعه على أن يسرق مرات ومرات أخرى بل امتهان واحتراف تلك الوظيفة, فضلاً عن أن تلك القوانين تبيح التعامل بالربا وذلك في معظم بنوك العالم الربوية؛ لذلك كانت عقوبة قطع يد السارق في التشريع الإسلامي هي عقوبة رادعة مانعة لكل من تسول له نفسه الإتيان بمثل هذه الجرائم.
واليكم المزيد في العدد القادم.
والله الموفق والمستعان.




اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 26-04-2024 07:26 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (38)

– الشريعة والقانون الوضعي في الميزان (7)



- تطرقنا في الأعداد السابقة إلى بعض مميزات الشريعة الإسلامية التي جعلتها تعلو على جميع القوانين الوضعية الحالية، وإليكم المزيد:
6. كثيرًا ما نسمع «الشك يفسر لصالح المتهم»، وتلك قاعدة ثابتة في التشريعات الوضعية, ويُعبّر عنها في الشريعة الإسلامية بقاعدة «درء الحدود بالشبهات»، ولكن القاعدة الأولى تعني أن أي خلل في الإجراءات القانونية المتعلقة بجريمة ما فإنه يؤدي إلى وجود شك في ثبوت التهمة, وذلك الشك يصب في مصلحة الجاني, وبالتالي لا يملك القاضي إلا الإدانة في حالة ثبوت القضية أو البراءة في حالة الشك في ثبوت أدلة الاتهام، بالرغم من كون هذا المتهم أتى فعلاً بتلك الجرائم, ولكنه يفلت بسبب (قاعدة الشك), أما الشريعة الإسلامية فقد عالجت هذا الأمر بمبدأ التعزير, وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود, فإنه في حالة عدم ثبوت الأدلة الدامغة على الجاني, إلا أن القاضي متيقن من وجوب زجره وإيلامه فيعزره, فالأصل أن الشك لا يعفي الجاني من العقاب مطلقًا بل إن القاضي له سلطات واسعة في تعزير ذلك الجاني بقدر جريمته.
7. من أهم الدلائل التي تفيد ثبوت الجريمة على الجاني، إقراره واعترافه بارتكاب تلك الجريمة, وبالرغم من هذا إذا تراجع الجاني عن أقواله وجب على القاضي الأخذ بذلك ووقف تنفيذ العقوبة, وهذا العدول يعتبر في حد ذاته شبهة تسقط العقوبة, ويصح الأخذ به في كل الأحوال قبل تنفيذ الحكم ولو بعد القضاء, هذا ما نجده في الشريعة الإسلامية، أما في التشريعات الوضعية فقبول العدول مرهون قبول القاضي أو رفضه, فضلاً عن أنه لا يصح إذا كان بعد صدور الحكم.
8. الشريعة الإسلامية بعقوباتها تكفل العدل بين الجاني والمجني عليه, خاصة في جرائم القصاص استنادًا إلى مبدأ «الجزاء من جنس العمل»، فالقاتل إذا ثبت عليه بالأدلة الدامغة ارتكاب فعلته وجب القصاص منه وذلك تحت إمرة السلطان أو ولي الأمر؛ مما يؤدي إلى شفاء صدور أهل المجني عليه وشعورهم بأخذ حقهم من الجاني دون التفكير في الأخذ بالثأر والانتقام مما يؤدي إلى حدوث نزاعات أخرى وجرائم تالية, أما في التشريعات الوضعية فعقوبات الدم كثيرًا ما تهدر دم المقتول وتشعر أهله بالذلة مما يؤدي إلى شعورهم بضرورة الثأر والانتقام لذويهم, وبالتالي يترتب على ذلك جرائم قتل أخرى.
محاسن الشريعة الإسلامية لا تقف عند هذا الحد فقط, ولا تتسع تلك الصفحات لإبرازها, ولكن بقدر المستطاع حاولنا تقريب الصورة إليكم لكي تعلموا أيهما أصلح لديننا ودنيانا.
والله الموفق والمستعان.
[email protected]
Abuqutibaa@






اعداد: محمد الراشد





ابوالوليد المسلم 26-04-2024 11:27 PM

رد: السياسة الشرعية
 
السياسة الشرعية (40)


-الوسطية في الحدود



الأخلاق ما هي إلا مجموعة من السلوكيات الحسنة التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في معاملة الآخرين, وهذه الأخلاق كان العرب في الجاهلية يتحلون ببعضها, فجاء الإسلام متممًا لها, ففي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» صححه الألباني.
وإذا تأملت الآيات القرآنية ستجدها زاخرة بالآداب والفضائل العامة ووفق التعامل مع الناس, فعلى سبيل المثال قال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف: 199)، ففي هذه الآية أمر الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بثلاثة أوامر هي في الأصل سجايا تدل على حسن الخلق: أن يأخذ بالعفو، وأن يأمر بالمعروف، وأن يُعرض عن الجاهلين.
إن الشريعة الإسلامية الكاملة جاء فيها النبي صلى الله عليه وسلم بتمام مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال، ولنضرب لذلك مثالاً, ففي حد القصاص ذكر أهل العلم أن أحداً ما إذا ما اقترف جريمة قتل نفس بغير ذنب؛ فإن قتله واجب حتمي وذلك في شريعة اليهود, ولا خيار للمجني عليهم في ذلك, وعلى العكس في شريعة النصارى فقد وجب العفو عن هذا القاتل ولا خيار للمجني عليهم في ذلك أيضَا، أما شريعتنا الإسلامية فقد نهجت منهج الوسطية والاعتدال في الحدود والقوانين فجاءت كاملة من الوجهين: فيها القصاص وفيها العفو, ففي القصاص ردع للجاني وعبرة لغيره, وفي العفو عنه إحسان وجميل ومعروف إلى من عفوت عنه؛ لذلك ارتقت الشريعة الإسلامية عن كل الشرائع السماوية، فشريعتنا دين وقانون, هي عقيدة تشمل ما يُطلب الإيمان به وشريعة تشمل ما شرع من نظم ليكون سلوك الإنسان على مقتضاه, وتدور قوانين الشريعة في فلك دائرة الأخلاق باعتبار أن الأخلاق هي الأساس الذي تقوم عليه كل التكاليف الشرعية وأن الأفعال التي تحاسب عليها الشريعة تشمل كل ما تحاسب عليه الأخلاق؛ لذلك فالشريعة والأخلاق تسيران وفق غاية مثالية هي السمو بالإنسان والوصول به نحو الكمال.
وعليه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ» رواه مسلم, فهذا الحديث دليل واضح على سعي الشريعة الإسلامية إلى كمال أخلاق الإنسان المسلم, فإنك إذا أردت أن تفعل سيئة ما ولم تفعلها كتبت لك حسنة ؛ لأنك ابتعدت عن فعل المنكرات والمعاصي, أما إذا فعلتها فإنها تكتب لك سيئة واحدة، وهذا بالطبع يتماشى مع قواعد الأخلاق، فتلك القواعد تقرر أن الفعل يكون خيرًا أو حتى بحسب المقصد منه: «إنما الأعمال بالنيات» رواه البخاري، والإنسان في حكم الأخلاق يفعل الخيرات ويبتعد عن فعل الشرور.
من هذا المنطلق بُنيت الشريعة الإسلامية ورست قوائمها بما فيها من حدود وعقوبات لزجر الإنسان المسلم وحثه على فعل الخير والالتزام بالأخلاق السامية, حتى إذا ما هم بفعل سيئة عوقب عليها في الدنيا وفق ما تقتضيه الشريعة وكانت العقوبة كفارة له عما فعله من ذنوب ومعاصٍ؛ فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
يقول أبو الطيب المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
والله الموفق والمستعان.




اعداد: محمد الراشد





الساعة الآن : 05:17 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 171.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 169.87 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (1.03%)]