القـــــدر
القـــــدر (1) هاتفني معرفاً نفسه أنه من قناة المعالي.. عرض علي إعداد برنامج عن (القدر) موزعاً على ثلاث عشرة حلقة، قبلت الدعوة.. باشرت إعداد المادة من آيات وأحاديث. - الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، في حديث جبريل عليه السلام: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» (مسلم). - وكيف يمكن تحقيق هذا الركن؟ - هذا الركن يتحقق بأمور أربعة: أولاً: العلم، ثانياً: الكتابة، ثالثاً: المشيئة، رابعاً: الخلق والتكوين، ولكل بند من هذه البنود تفصيل، وحتى لا نتعجل في تفصيل هذه البنود، لو أن المرء التزم بعض القواعد البسيطة لما ضل بإذن الله تعالى. - ماذا تعني بهذه القواعد البسيطة؟ - أولاً: لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز، كلها صحيحة، وكلها متناسقة، وكلها تحمل معاني صحيحة، وإن بدت في ظاهرها خلاف ذلك؛ فالمرء يتهم فهمه ولا يظن في آيات الكتاب تعارضا. وكذلك أحاديث النبي[ الصحيحة لا تعارض بينهما، ولا تعارض بين الأحاديث الصحيحة وآيات الكتاب العزيز كلها من عند الحكيم العليم؛ فلو أن المرء التزم بهذه القواعد البسيطة؛ فإنه لا يقع فيما يخالف العقيدة الصحيحة في باب القدر. - كنت وصاحبي نتحاور بينما كنت أبحث في «المكتبة الشاملة» عن الآيات المتعلقة بالقدر. - وماذا عن بنود تحقيق الإيمان بالقدر؟ - أولاً: العلم، ذلك أن الله علم كل شيء قبل خلق أي شيء، فهو سبحانه وتعالى (العليم)، وهذه الصفة ملازمة لا تنفصل ولا تطرأ على الله عز وجل، أي: إنه سبحانه وتعالى لا يعلم شيئاً بعد أن كان لا يعلمه - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وذلك أن علمه كامل، يليق بذاته عز وجل، ويذكر الله لنا شيئاً من ذلك في كتابه: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} (الأنعام: 58)، فهو سبحانه يعلم كل أفعال العباد قبل أن يولدوا، ويعلم كل صغيرة وكبيرة، وظاهرة وباطنة {وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون} (القصص: 69). ثانياً: الكتابة: لقد أمر الله تعالى (القلم) أن يكتب العلم المتعلق بالخلائق في اللوح المحفوظ، فعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله[ يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى الأبد» (صحيح الترمذي)؛ فهذا الذي كتب هو علم الله. أما المشيئة: فهي أنه لا يقع في الكون شيء دون مشيئة الله، بل لا بد أن يأذن الله للشيء حتى يقع وإن كان هذا الشيء مما لا يحبه الله، فهو سبحانه مالك الكون كله ولا يقع شيء في ملكه دون إذنه، ولو شاء سبحانه لما وقع شيء لا يحبه في ملكه، ولكنه عز وجل سمح لها أن تقع حتى يحاسب الجميع على أعمالهم بالعدل والفضل «فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (صحيح مسلم). - ثم الرابعة: أن الله خلق كل شيء، والعباد يختارون من الأفعال ما يريدون من خير أو شر، فالله خلق إبليس لحكمة أرادها، وخلق الشياطين، وخلق الملائكة، وكل شيء - عدا الله عز وجل - فهو مخلوق والمرء يختار من مخلوقات الله ما يشاء من خير أو شر، وعلى اختياره يحاسب يوم القيامة. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــدر (2) - لا بد أن نتذكر دائماً عندما نريد مناقشة أية قضية أنه لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز، ولا بين الأحاديث الصحيحة، ولا بين الآيات والأحاديث الصحيحة. - وهل هناك من لا يقر بهذه القاعدة، بل هذا الأصل البدهي؟! قالها صاحبي مستغرباً. - نعم.. وإن لم يقولوها بلسان المقال، وبعد هذه التذكرة تعال نقرأ بعض الآيات من كتاب الله تعالى، يقول تعالى: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير} (المائدة: 40)، ويقول عز وجل: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وآليه تقلبون} (العنكبوت: 21). يحتج بعض الناس بهاتين الآيتين ليقولوا: لماذا العمل إذا كان الله يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، والرد بكل بساطة نقول لهم: اقرؤوا جميع الآيات التي تبين من يعذبهم الله، مثلاً: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} (الانفطار: 13)، {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} (الأعراف: 50)، {مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار} (الرعد: 35)، {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً} (الأحزاب: 64)، {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً} (الزمر: 71)، {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً} (الزمر: 73)، {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً} (مريم: 63)، {وألفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين} (الشعراء: 90)، {إن الذين كفروا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين} (الأعراف: 40). وآيات أخرى كثيرة تبين أن مآل الكافرين النار وأن الله يعذب الكافرين، والمجرمين، والظالمين، وأن مآل المؤمنين الجنة، وأن الله يغفر للمتقين والمخبتين والصادقين والمستغفرين، فإذا جمعنا هذه الآيات بتلك التي تبين أن الله {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} اتضح المعنى. كان صاحبي منصتاً.. متابعاً يهز رأسه موافقاً: - أكمل الاستنتاج والبيان. - أقول: يتضح المعنى بأن العذاب لمن يستحقه من الناس نتيجة كفره وظلمه، والرحمة لمن يستحقها من الناس جزاء طاعته وتقواه، وكل ذلك بمشيئة الله، أي إن العاصي لا يعصي رغماً عن الله، بل أذن الله للمعصية أن تقع، وأذن الله للظلم أن يقع مع أنه حرمه ونهى عنه ولا يحبه، ولكنه سمح بوقوعه في ملكه ممن يريد أن يرتكبه من خلقه، ولو شاء عز وجل لمنعه، ولكن حتى يعطي كل أحد حسب عمله سمح لأهل المعصية أن يرتكبوا معاصيهم، وأما أهل التقوى والصلاح الذين يريدون رضا الله ويحرصون على نيل مغفرته وعفوه؛ فإنه سبحانه يتفضل عليهم بزيادة توفيق وسداد؛ فيزدادوا في طاعة الله عز وجل، وينالوا الجنة لا مقابل أعمالهم، بل تفضلا من الله؛ ذلك أن أعمال العبد تقصر عن أن تدخله الجنة، وكل ذلك مرة أخرى بمشيئة الله, وهذا معنى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} وفق أعمالهم, لا عبثاً ولا بعشوائية، تعالى سبحانه عن ذلك. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــدر (3) - تعال نذكر آيات أخرى لبيان جانب آخر من القدر، يقول عز وجل: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (البقرة: 142)، ويقول سبحانه: {لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (النور: 46)، ويقول: {وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد} (الحج: 16)، {يضل به كثيرا ويهدي به كثيراً} (البقرة: 26)، {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} (الرعد: 27)، وكذلك: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} (فاطر: 8)، {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} (المدثر: 31)، هذه بعض الآيات وهناك غيرها. - وما الاعتراض في هذه الآيات؟! - يقول أصحاب الأهواء: الهداية بيد الله، فلو هداني الله إلى الصلاة لصليت؛ لأن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء. - رغم أني لا أعرف الإجابة الناجعة عن هذه الشبهة، إلا أني أعلم أنه لا ينبغي لمسلم أن ينسب إلى الله أنه أضله, ولذلك هو لا يأتي بالطاعات ويرتكب المحرمات. كنت وصاحبي نتابع نقاشنا حول قضايا القدر ، ويعجبني فيه رغبته في تعلم القضايا الشرعية، رغم أنه نال درجة الأستاذية في علم الأحياء. - صدقت يا (أبا عبد الله) إذا عجز المرء عن فهم بعض الأمور فلا ينبغي أن ينسب إلى الله أي نقص أو عيب، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً. - لنرجع إلى معاني الآيات. - هذه الآيات تبين أن الله {يضل من يشاء ويهدي من يشاء}، وتعال نقرأ الآيات التي تبين هذه الآيات، يقول عز وجل: {وما يضل به إلا الفاسقين} (البقرة: 26)، ويقول سبحانه: {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} (غافر: 34)، ويقول: {كذلك يضل الله الكافرين}، وبالمقابل يقول عز وجل: {ويهدي إليه من أناب} (الرعد: 27)، {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} (طه: 123)، {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3)، {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} (غافر: 28)، {والله لا يهدي القوم الظالمين} (البقرة: 258)، {والله لا يهدي القوم الكافرين} (البقرة: 264)، {والله لا يهدي القوم الفاسقين} (المنائدة: 108). فالله عز وجل لا يهدي الفاسقين والمسرفين والكاذبين والظالمين والكافرين والمرتابين، بمعنى أن هؤلاء القوم اختاروا هذه السبل البعيدة عن هدى الله، وأعرضوا عن أوامر الله، فتركهم الله لما اختاروا، وعلى الجانب الآخر يهدي الله عز وجل {من أناب}، و{يهدي من اتبع رضوانه}، أي: اجتهد في عمل ما يرضي الله عز وجل، ويهدي من اتبع الهدى الذي أنزله الله، بمعنى أن هولاء القوم اجتهدوا في طاعة الله ونيل رضوانه فوفقهم الله بزيادة {والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم} (محمد:17). وبهذا المعنى نفهم {يهدي من يشاء ويضل من يشاء} أن الذين ضلوا وكفروا وفسقوا وسلكوا درب الضلال، لم يفعلوا ذلك رغماً عن الله عز وجل، بل تركهم الله يفعلون هذه الأمور ويرتكبون هذه الكبائر (حتى الكفر) مع أنه عز وجل لا يحبها ولا يرضاها، ولكنه سبحانه أذن بوقوعها، وذلك حتى يجازيهم بالعدل يوم القيامة، والفائزون اجتهدوا في طاعة الله، فأذن الله لهم بطاعته ووفقهم إلى مرضاته وزادهم من فضله، حتى يجازيهم بأفضل ما عملوا يوم القيامة، فالهداية والإضلال ليس عشوائيا وليسا قهراً ورغماً على الله، بل بإذنه سبحانه، وإن كان عز وجل يبغض الكفر والظلم والفسوق، ولكنه سمح بوقوعه في ملكه لمن أراد ذلك. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــدر (4) - ما زلنا نؤكد على أصل عظيم وبدهي.. أنه لا تعارض بين آيات الله عز وجل، ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بين الأحاديث الصحيحة وآيات الكتاب العزيز؛ فإنها جميعا بوحي من الله سبحانه وتعالى. وتعال نقرأ بعض الآيات التي يظن بعض الناس أنها متعارضة، يقول سبحانه وتعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} (القصص: 56)، {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين} (النحل: 37)، ويقول عز من قائل: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} (الشورى: 52). ففي الآيتين ينفي الله قدرة النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الناس، وفي الآية الأخيرة يثبتها {وإنك لتهدي} كيف نفهم هذه الايات؟! كانت خاطرة قصيرة لم أكن قد أعددت لها، طلب إليَّ رواد الديوان إلقاءها قبل تناول العشاء. - الجواب المنطقي الوحيد لهذا السؤال أن معنى (الهداية) مختلف. كان المتحدث (بوفيصل) وهو شاب حديث تخرج وتزوج، وهو في أوائل الثلاثينيات. - أحسنت يا (أبا فيصل)، بالفعل معنى (يهدى) مختلف في الموضعين، وكلا المعنيين صحيح في اللغة العربية التي أنزل بها القرآن.. (هدى) تأتي بمعنى (وفّق إلى قبول الحق واتباعه) لا مجرد معرفته، ومن هذا المعنى قولنا في كل صلاة: {اهدنا الصراط المستقيم}، أي: وفقنا لقبوله والثبات عليه، و(هدى) تأتي بمعنى (بيّن)، و(أرشد)، و(أوضح)؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم (يهدي) بمعنى (يبيّن)، و(يرشد)، ويشرح، ولكنه لا يملك أن (يقبل من يبين له الحق)، فهذه لله عز وجل وحده بأسباب من عند العبد؛ فالذي يبذل أسباب الهداية يوفقه الله لنيل الهداية، والذي يعرض عن أسباب الهداية يتركه الله عز وجل لما أراد، وفي معنى الإرشاد أيضاً {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس} (آل عمران: 4)، {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} (المائدة: 44)، (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} (الإسراء: 2)، {هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم} (الجاثية: 11). فالهداية بمعنى (التوفيق لقبول الحق والعمل به) لا يملكها إلا الله ويعطيها من يستحقها بالإنابة والتقوى والعمل الصالح والدعاء، أما الهداية بمعنى البيان والإرشاد، فهي في كتب الله تعالى، وهي مهمة الأنبياء جميعاً والدعاة من بعدهم، وإن كان المرء يرجو أن من يدعوهم يستجيبون له، إلا أن الله أعلم بمن يستحق الهداية ويريدها ومن لا يريد الهداية ولا يعمل لأجلها؛ فهو سبحانه ختم آية الهداية بقوله عز وجل: {وهو أعلم بالمهتدين} (القصص: 56)، أي الذين يبذلون أسباب الهداية القلبية والعملية هؤلاء ينالونها بمشيئة الله. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
كلمات في العقيدة: القـــــدر (5) «لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز.. ولا تعارض بين أحاديث النبي [ ولا تعارض بين القرآن والأحاديث الصحيحة» - الله خلق كل شيء... وخلقه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون... هذا هو الأصل ولا نستثني إلا اثبت بالحديث الصحيح استثناؤه... والعبد يختار من الأعمال ما يريد.. ويحاسب على اختياره. - هل يمكن أن تذكر آيات الكتاب العزيز في بيان عمل الإنسان. - نعم... لقد نسب الله العمل إلى الإنسان في مواضع كثيرة من كتابه العزيز.. {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة: 8،7).. {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف: 43)، {اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} (فصلت: 40)، {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} (الأعراف: 39)، {ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} (يونس: 52).. {وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون} (الزمر: 24).. ففي هذه الآيات وغيرها... نسب الله عز وجل العمل إلى الإنسان وكذلك الكسب... فهو الذي عمل... وهو الذي اختار وهو الذي سعى... وذلك أن الله خلق فيه القدرة على الطاعة... وعلى المعصية... {وهديناه النجدين} (البلد: 10)... {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً} (الإنسان: 3)، وهذه القدرة التي خلقها في الإنسان... هي التي جعلته أهلاً للتكليف... بمعنى: يأتيه الأمر من الله... من الأمور الشرعية... وهو له القدرة على القبول أو الرد... على التطبيق أو الامتناع... هذا في الأوامر الشرعية... وكذلك في المناهي الشرعية... له القدرة على الطاعة... والمعصية... واقتراف المعصية أو تجنبها... فهو قادر على أداء الصلاة... أو الإعراض عنها... وكذلك قادر على شرب الخمر... أو تجنبها... والمرء يختار من هذه الأفعال ما يريد... فإن هو أقبل على الطاعات يسر الله له الأمر... وإن أقبل على المعصية... تركه وما يريد... فالعبد هو الذي يختار... والرب عز وجل ييسر أو يخلي بينه وبين ما يريد... والملائكة تكتب ما يفعله العبد: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} (الانفطار: 10-12) {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} (الزخرف: 8) {إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} (يونس: 21)... كان صاحبي يستمع باهتمام... تركته ليعلق. - مع أني أعرف كل هذه الأمور إلا أن ترتيبها وبيانها بهذه الطريقة جعلها أكثر وضوحاً في ذهني... تابع ما تريد. - والأحاديث الصحيحة... منسجمة مع آيات الكتاب العزيز... في وصف الإنسان بأنه هو الذي يعمل... وهو الذي يكسب... ففي الحديث القدسي: «ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» مسلم... وفي الحديث الآخر «إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشراً» مسلم... قاطعني: - طالما ذكرت الأحاديث... ما القول في الحديث الصحيح: «إن الله عز وجل خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي...» السلسلة الصحيحة. - وتتمة الحديث؟! - لا أعرفها. - تتمته: «فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر»... هذا الحديث يضاف إلى الآيات والأحاديث السابقة أن الإنسان يعمل الخير أو الشر... ويكسب الحسنات أو السيئات بعمله والملائكة يكتبون ذلك... وللإنسان القدرة على الطاعة وعلى المعصية... وحسابه يوم القيامة على عمله... الذي عمله في الدنيا وسجلته الملائكة... وهذا هو الكتاب الذي يعرض يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً... اقرأ كتابك} (الإسراء: 13) وحيث إن علم الله كامل فإنه علم أن هذا الإنسان سيعمل بعمل أهل النار... وسيدخلها بعمله... وأن ذاك الإنسان سيعمل بعمل أهل الجنة... وسيدخلها بعمله الذي وفقه الله إليه... فالنار عدل من الله... والجنة فضل من الله. - والحديث الآخر?! لنؤجل هذا الحديث إلى لقائنا القادم إن شاء الله. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــدر (6) «لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز.. ولا تعارض بين أحاديث النبي [ ولا تعارض بين القرآن والأحاديث الصحيحة» - الله خلق كل شيء... وخلقه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون... هذا هو الأصل ولا نستثني إلا ماثبت بالحديث الصحيح استثناؤه... والعبد يختار من الأعمال ما يريد.. ويحاسب على اختياره. - هل يمكن أن تذكر آيات الكتاب العزيز في بيان عمل الإنسان. - نعم... لقد نسب الله العمل إلى الإنسان في مواضع كثيرة من كتابه العزيز.. {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة: 8،7).. {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف: 43)، {اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير} (فصلت: 40)، {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} (الأعراف: 39)، {ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} (يونس: 52).. {وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون} (الزمر: 24).. ففي هذه الآيات وغيرها... نسب الله عز وجل العمل إلى الإنسان وكذلك الكسب... فهو الذي عمل... وهو الذي اختار وهو الذي سعى... وذلك أن الله خلق فيه القدرة على الطاعة... وعلى المعصية... {وهديناه النجدين} (البلد: 10)... {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً} (الإنسان: 3)، وهذه القدرة التي خلقها في الإنسان... هي التي جعلته أهلاً للتكليف... بمعنى: يأتيه الأمر من الله... من الأمور الشرعية... وهو له القدرة على القبول أو الرد... على التطبيق أو الامتناع... هذا في الأوامر الشرعية... وكذلك في المناهي الشرعية... له القدرة على الطاعة... والمعصية... واقتراف المعصية أو تجنبها... فهو قادر على أداء الصلاة... أو الإعراض عنها... وكذلك قادر على شرب الخمر... أو تجنبها... والمرء يختار من هذه الأفعال ما يريد... فإن هو أقبل على الطاعات يسر الله له الأمر... وإن أقبل على المعصية... تركه وما يريد... فالعبد هو الذي يختار... والرب عز وجل ييسر أو يخلي بينه وبين ما يريد... والملائكة تكتب ما يفعله العبد: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} (الانفطار: 10-12) {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} (الزخرف: 8) {إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} (يونس: 21)... كان صاحبي يستمع باهتمام... تركته ليعلق. - مع أني أعرف كل هذه الأمور إلا أن ترتيبها وبيانها بهذه الطريقة جعلها أكثر وضوحاً في ذهني... تابع ما تريد. - والأحاديث الصحيحة... منسجمة مع آيات الكتاب العزيز... في وصف الإنسان بأنه هو الذي يعمل... وهو الذي يكسب... ففي الحديث القدسي: «ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» مسلم... وفي الحديث الآخر: «إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشراً» مسلم... قاطعني: - طالما ذكرت الأحاديث... ما القول في الحديث الصحيح: «إن الله عز وجل خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي...» السلسلة الصحيحة. - وتتمة الحديث؟! - لا أعرفها. - تتمته: «فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر»... هذا الحديث يضاف إلى الآيات والأحاديث السابقة أن الإنسان يعمل الخير أو الشر... ويكسب الحسنات أو السيئات بعمله والملائكة يكتبون ذلك... وللإنسان القدرة على الطاعة وعلى المعصية... وحسابه يوم القيامة على عمله... الذي عمله في الدنيا وسجلته الملائكة... وهذا هو الكتاب الذي يعرض يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً... اقرأ كتابك} (الإسراء: 13) وحيث إن علم الله كامل فإنه علم أن هذا الإنسان سيعمل بعمل أهل النار... وسيدخلها بعمله... وأن ذاك الإنسان سيعمل بعمل أهل الجنة... وسيدخلها بعمله الذي وفقه الله إليه... فالنار عدل من الله... والجنة فضل من الله. - والحديث الآخر?! لنؤجل هذا الحديث إلى لقائنا القادم إن شاء الله. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
كلمات في العقيدة - القـــــدر (7) لا تعارض بين آيات الله، ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بين آيات الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة. تابعت حواري مع صاحبي.. سألني: - لعل أكثر حديث يسبب لي «عدم فهم» في القضاء والقدر، هو: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها»، ولا أعلم إن كان هذا الحديث صحيحا أم لا؟! - بل الحديث متفق عليه، وتمامه: عن عبدالله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». وهو حديث يجمع أصول الإيمان بالقدر التي بيناها في بداية حوارنا، نلخصها بأنها: العلم والكتابة والمشيئة والخلق، ولكن انظر في مفردات الحديث: «فيعمل بعمل أهل النار» أي إن العبد هو الذي اختار أن يعمل هذا العمل المؤدي إلى النار، وعلم الله عز وجل ذلك قبل خلقه، فكتبه، ولكن العبد هو الذي اختار وهو الذي عمل. قاطعني: - ولكن الحديث يوحي بأن هذا العبد لم يكن له خيار إلا أن يعمل بعمل أهل النار؛ لأنه سبق أن كُتب عليه ذلك. - كلا.. الحديث لا يوحي بهذا، بل يبين أمرين منفصلين: ما كتبه الله، وما عمله العبد، والعبد لا يعلم ما كتب له، ولكنه اختار بمحض إرادته ما يريد أن يعمل ووقع هذا العبد في هذه المعصية؛ لأنه لم يتخذ أسباب الهداية. - كيف ذاك؟! - هذا العبد الذي كان: «يعمل بعمل أهل الجنة» أصابه الغرور بصلاحه، ولم يكن يدعو الله أن يثبته على الحق كما بيّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حيث في الحديث: «كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، فقيل له: أتخاف علينا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : «نعم.. إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله؛ فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ» (حسنه الألباني). فالمؤمن يأتي بالطاعات ويجتنب المعاصي، ويدعو الله أن يثبته على الطاعة دائماً ويخلص في دعائه ولا يغتر بعبادته، بل حاله كما وصف الله عباده المؤمنين: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون: 60)، هذا يثبته الله عز وجل على الهدى؛ لأنه اتخذ أسباب الثبات: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم: 27)، ولا ينبغي لعبد أن يقول: إن الله هو الذي أضلني؛ لأن هذا منطق إبليس: {بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} (الحجر: 39)، أما آدم عندما وقع في الذنب فقال: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، وهكذا العبد إذا وفق إلى الخير حمد الله وأثنى عليه، وسأله الثبات والمزيد من هذا الخير، وإذا وقع في الذنب لام نفسه واستغفر وأقر بظلمه لنفسه؛ وبهذا نجمع الآيات والأحاديث التي قد تبدو متعارضة في ظاهرها، وذلك لالتزامنا ويقيننا بأنه لا تعارض بين آيات الله ولا بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلما جاءك هذا الشعور اتهم فهمك وابحث عن المعنى الصحيح. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
كلمات في العقيدة- القـــــدر (8) لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز ولا بين أحاديث النبي[ ولا بين حديث صحيح وآية من كتاب الله عز وجل. - لو التزم المرء هذه القاعدة ولم يأخذ آية بمعزل عن بقية آيات الكتاب، ولا حديثا بمعزل عن بقية الآيات والأحاديث التي تبين ذات القضية لتوصل المرء إلى الحق في مسائل القدر. ومن هذه المسائل أفعال الخلق. - كيف نستطيع أن نفهم هذه المسألة؟ - لو تتبعنا آيات الكتاب العزيز لوجدنا أن العبد يعمل العمل خيراً كان أم شراً بإرادته، ويكون هو الفاعل ويحاسب على فعله: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى} (الليل: 5 - 8). قاطعني: - كيف ييسر الله عز وجل العبد لليسرى؟ وكيف ييسره للعسرى؟ - أما التوفيق لعمل الصالحات فيبدأ من العبد ثم يوفقه الله لعمل آخر ما دام العبد مقبلا بإخلاص على الطاعات كما في الحديث الذي في البخاري: «إذا تقرب العبد مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً». وفي صحيح مسلم: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإذا تقرب مني شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»، فإن العبد المقبل على الله بصدق وإخلاص ييسر له الله عز وجل الطاعة بعد الطاعة، وأما العبد المعرض عن الله عز وجل فإن الله يتركه في ضلاله وغيه، وذلك أنه هو الذي اختار هذا الدرب وسار فيه، وهذا بالطبع مع فطرة الإنسان على الخضوع لله، وبيان طريق الحق وترغيبه فيه، وبيان طريق الضلالة والترهيب منه، وتأكيد المآل لمن آمن ولمن ضل، وإرسال الرسل وإنزال الكتب التي فصلت كل شيء، وجميع الآيات والأحاديث التي يظن بعضهم من خلالها أن العبد «مجبر» على فعل شيء تحمل على هذا المعنى، ولا تقرأ بمعزل عن هذه الآيات والأحاديث «فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (مسلم). - وماذا لو أصر العبد على قوله: «لو شاء الله أن أهتدي لاهتديت»؟! - هذه العبارة لن تنجيه بين يدي الله عز وجل، ويمكن الرد عليه بأمور عدة، منها: 1 - لا تسع في طلب الرزق، فلو شاء الله أن يرزقك فسيأتيك رزقك وأنت نائم على فراشك؛ لحديث النبي[: «ياأيها الناس، إن الغنى ليس عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، وإن الله عز وجل يؤتي عبده ما كتب له من الرزق؛ فأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم» (صحيح الترغيب والترهيب)، وكذلك حديث الخلق: «ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: اكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد».. فالرزق قد كتب فلماذا تسعى وتكدح في طلب رزقك؟! ابق في سريرك وسيأتيك!! وهذا لا يقوله عاقل، وكذلك في الهداية. ثم هذه المقولة ليست جديدة، بل قالها المشركون من قبل: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} (الأنعام: 148)، وكذلك في سورة النحل: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} (النحل: 35). اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
كلمات في العقيدة القـــــدر (9) - إذا تصفحنا المصحف لنتدبر الآيات المتعلقة بالقدر بعد القواعد التي ذكرناها فلن نجد صعوبة في الوصول إلى الفهم الصحيح.. وما أجمل مقولة عمر عندما خرج إلى الشام فأخبره أمراء الأجناد أن الوباء قد وقع في الشام.. فقرر الرجوع، فقال له أبو عبيدة: «أفرارا من قدر الله؟!» فقال عمر: «لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله».. ثم بيّن له الفهم الصحيح للقدر: «أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت في الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت في الجدبة رعيتها بقدر الله؟!».. متفق عليه. أعجب صاحبي بمقولة عمر رضي الله عنه فرددها: - نفر من قدر الله إلى قدر الله. - وبهذا نفهم جميع آيات القدر في كتاب الله.. اسمع قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم} (النساء:71)، ثم بعد ذلك بقليل يقول عز وجل: {أينما تكونوا يدركّم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} (النساء:78).. وفي سورة التوبة: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} (51). وفي الحديث عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» حسنه الألباني.. وكلها أوامر صحيحة.. في الآية يأمر الله المؤمنين أن يأخذوا حذرهم، وفي الحديث يخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم .. أنه «لا يغني حذر من قدر».. والتوفيق بينهما: أن العبد مأمور أن يأخذ بالأسباب المادية لجلب ما ينفعه ودفع ما يضره.. فإن وقع عليه ضرر يؤمن أن الله قدره عليه لحكمة.. ويسعى في دفع الضرر ويستعين بالدعاء أولا وأخيرا فضلاً عن الأسباب المادية مع تعليق القلب دائما بالله.. بأنه لا شيء ينفع ولا يضر إلا بإذن الله.. هكذا هي العقيدة الصحيحة فيما يصيب الإنسان من خير أو من شر. علق صاحبي: - هذه قضايا تحتاج إلى مران ذهني وعملي.. - إذا تمسك المرء بالثوابت التي ذكرناها ورجع إليها لا يضل في هذا الباب إن شاء الله. - وماذا عن حديث التداوي؟ - تعني قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، إلا الهرم -وفي رواية إلا السأم (الموت)- فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر» السلسلة الصحيحة. وفي رواية... «وفي ألبان البقر شفاء من كل داء».. وقد تعالج النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بالتداوي.. فقال: «يا عباد الله تداووا؛ فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء».. صححه الألباني. قاطعني.. - نعم هذا الحديث الأخير.. ولا أعرف الأحاديث الأخرى التي ذكرت. - هذا الحديث وغيره يبين العقيدة في القدر.. فالله خلق الداء والدواء وأمر عباده أن يأخذوا الدواء إذا أصابهم الداء.. وفي الحديث عن ابن أبي خزامة عن أبيه.. قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: «هي من قدر الله» حسنه الألباني. فالإيمان بالقدر.. إيمان بكمال علم الله وكتابته لهذا العلم، ويحفظ الإنسان من اللجوء إلى غير الله في سرائه وضرائه.. وليس القدر للاحتجاج على ارتكاب المعصية.. والعجز والكسل عن الطاعة.. أو عن طلب الرزق! اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
كلمات في العقيدة – القـــــدر (10) يقول الله تعالى: {بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (البقرة: 117)، ويقول سبحانه: {ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (مريم: 35)، ويقول عز وجل: {هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (غافر:68). - إن قضاء الله عز وجل نوعان: قضاء كوني، وقضاء شرعي، كما قلنا في مشيئة الله وإرادة الله عز وجل، فهناك إرادة كونية وإرادة شرعية، أما القضاء الكوني، فهو الذي لا راد له ولا مانع لوقوعه، ولا يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، وإنما يقع في الكون أو على الإنسان اختبارا له، أو تمحيصاً أو تكفيراً لذنوبه:مولده، مماته، المصائب العامة، الكوارث التي يسمونها (طبيعية)، وهي دون شك بقضاء الله لحكمة علمها من علمها وجهلها الغافلون. قاطعني: - وهل ذكر الله القضاء الشرعي في كتابه؟! - نعم.. في قوله عز وجل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} (الإسراء:23)، فالله عز وجل أمر أمراً شرعياً يسع العبد اتباعه أو مخالفته، قضى ألا نعبد إلا إياه، ومن الناس من يشرك بالله، وقضى أن نحسن إلى والدينا، ومن الناس من يعق والديه، وقال عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} (الأحزاب: 36). وأوامر الله الشرعية ورسوله[ هناك من يتبعها، وهناك من يخالفها؛ فهذا من القضاء الشرعي وكلمة (قضاء) تحمل هذا المعنى وذاك، وكذلك (الإرادة) وهناك (إرادة كونية) واقعة لا محالة، ولا يستطيع أحد مخالفتها، وهناك إرادة شرعية يخالفها العصاة كقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} (النساء: 26)، وقوله سبحانه: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما} (النساء: 27)، وقوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد} (المائدة: 1)، وقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} (المائدة: 6). فهذه إرادة شرعية، ويريد الله منا أن نتوب ليتوب علينا، ومنا من يتوب ومن الناس من لا يتوب، ويريد الله منا ألا نصيد ونحن محرومون، ويستطيع من شاء أن يعصي هذه الإرادة لأنها «إرادة شرعية» أي: «حكم شرعي» أو «أمر شرعي»، أما الإرادة الكونية والأمر الكوني والقضاء الكوني؛ فلا أحد يستطيع الخروج عليه أو حتى تأخيره {إن الله يفعل ما يريد} (الحج: 14). علق صاحبي على هذا الإسهاب: - نعم.. حتى يفهم المرء هذه القضية يجب أن يتتبع جميع الآيات والأحاديث التي تتناول الأمر؛ فيتدبر الآيات التي تذكر (القضاء)، و(الإرادة)، و(الأمر) ويعلم أنه لا تناقض بين آيات الكتاب ولا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة؛ فيخرج بالفهم الصحيح للقضاء، ففي الصحيح: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان» (البخاري)، وفي صحيح مسلم: «لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً وإنما يستخرج من البخيل». فهذا القدر والقضاء الكوني الذي لا مجال لرده، ولا حتى لتعطيله، هو الذي كتبه الله قبل خلق السموات والأرض بخمسمئة عام. - وكيف يكون قد كتب وهو «جديد» بالنسبة للملائكة؟ - نعم.. ذلك أن الملائكة لا تعلم الغيب، ولا ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ، حتى يظهره الله عز وجل لهم وينزل من تحت العرش إلى السماء فتعرفه الملائكة، ثم ينزل إلى الأرض حيث قدره الله عز وجل. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــدر (11) كتب الله لي عمرة لم أخطط لها مسبقاً.. حين اتصل بي صاحبي وأبدى رغبته في صحبتي له.. لم أتردد.. قضينا يومين في مكة ومثلهما في المدينة التي لم أزرها منذ أكثر من عشر سنوات.. - أينما تقرأ في كتاب الله تجد آية توضح شيئاً من قضايا القدر.. كنت وصاحبي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بين العشاءين.. وكنا قد سلمنا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة مباشرة.. وأخذنا مجلساً هادئاً ننتظر الصلاة الأخيرة.. فتح صاحبي المصحف... قرأ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (الزمر:41) - في هذه الآية.. ينسب الله الاهتداء للعبد.. {من اهتدى}.. وكذلك الضلال.. {ومن ضل}.. وذلك أن العبد يختار بإرادته ما يريد.. فالذي يختار طريق الهداية ويبذل أسبابها ينالها.. فضلاً من الله.. ومن يختار طريق الغواية ويسير فيها يتركه الله.. عدلاً منه عزّ وجلّ. والأول يثاب على طاعته.. والآخر يعاقب على معصيته.. في الآخرة أما في الدنيا... فلا جزاء ولا عقاب.. وإنما ابتلاء.. - هل نستطيع أن نجزم بأن من أراد الهداية نالها؟ - نعم.. إذا بذل أسبابها الصحيحة.. عمل الطاعات.. ترك السيئات.. الإخلاص لله.. ودعاء الله.. ومن أخل بشيء من هذه الشروط حرمه الله «الهداية».. وإن كان فيما يبدو «مهتديا».. وبهذا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة.. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار» متفق عليه. قاطعني.. - أريد شرحاً لهذا الحديث ولاسيما «فيسبق عليه الكتاب»؟ - بفضل الله لقد كنت اطلعت على شرح ابن حجر والنووي للصحيحين قبل فترة وجيزة.. نعلم ابتداء أن ما كتبه الله في اللوح المحفوظ إنما هو علمه... وما يقع في الكون يتفق مع ما كتبه الله لكمال علمه سبحانه وتعالى.. أما الأعمال: «الحسنات والسيئات» فلا تسجل على العبد إلا بعد أن يعملها.. وهنا تكون المحاسبة على ما يعمله العبد.. لا ما كتبه الله.. وفي شرح الحديث يقول النووي.. «والمراد بهذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من الناس لا أنه الغالب فيهم» وفي رواية.. «فيما يبدو للناس».. وذلك أن أحدنا لا ينبغي أن يحكم على أحد.. فيقول: «والله لا يغفر الله لفلان».. لكثرة معصيته.. أو يقول «فلان من أهل الجنة» لكثرة طاعاته.. فإن أحدنا لا يعلم خاتمة أي أحد.. وكذلك هذا الحديث يحذر الإنسان من سوء الخاتمة فلا يركن إلى صالح أعماله «ويضمن» الجنة بل يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويكثر من الدعاء «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».. «السلسلة الصحيحة».. أما قوله صلى الله عليه وسلم : «فيسبق عليه الكتاب».. أي سبق في علم الله ما سيفعله هذا الإنسان ولكنه هو الذي عمل بعمل أهل الجنة.. أو عمل بعمل أهل النار.. فنال جزاء عمله.. لا أن الله كتب عليه بمعنى أرغمه على عمل أهل النار.. ولكن نبين أن هذا قد يحصل في القليل النادر من الناس لخلل في أسباب الهداية.. كالغرور أو العجب أو الاتكال إلى الأعمال الصالحة وعدم دعاء الله عز وجل.. فالهداية فضل من الله والضلال عدل من الله، لمن اختار هذه الطريق.. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (12)ولو شاء الله - يقول عز وجل: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم..} (المائدة:48).. ويقول سبحانه: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين} (الأنعام:35).. ويقول عز من قائل: {ولو شاء الله ما أشركوا..} (الأنعام 107).. ويقول سبحانه: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} (يونس:99).. ويقول: {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين} (النحل:9).. ويقول: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون} (النحل:93)، وفي آية أخرى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير} (الشورى:8). هذه الآيات تبين جانبا من الإيمان بالقدر. ولنتدبر آخر آيتين إذ يخبر الله عز وجل أنه لو شاء وأراد إرادة كونية لجعل جميع خلقه أمة واحدة مهتدين طائعين.. ولكنه عز وجل يهدي من يسلك طريق الهداية.. ويدخل في رحمته.. ويترك الظالم الذي يختار طريق الضلال، وسيبعث الجميع يوم القيامة ليسألوا عما كانوا يعملون في الدنيا ويجازون على ذلك... وهكذا نوفق بين المعاني التي وردت في هذه الآيات. كنت وصاحبي في موعدنا الشهري الذي يصادف أول ثلاثاء من كل شهر ميلادي.. - ولكن بعض الناس يتمسك بأن الله: {يضل من يشاء ويهدي من يشاء}.. عذراً إذا لم يرغب أن يسلك طريق الهداية. - هذا عذر أقبح من ذنب.. أولا وصف الله بما لا يليق به.. «بهذا المعنى»، وثانياً.. لن ينفعه هذا العذر بين يدي الله عز وجل.. وثالثا.. من ركن إلى هذا العذر لن يبحث عن الهداية.. ومن باب أولى لن يجدها.. باختصار.. كل أحد مسؤول عن عمله.. وسيقف بين يدي الله يوم القيامة: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} (الزلزلة:6). - وماذا عن الآيات الأخرى؟! - على الإجمال هذه الآيات تبين أن مشيئة الله نافذة.. لا يردها شيء.. فلو أراد الله سبحانه أن يجعل الجميع مؤمنين مهتدين.. لكانوا كما شاء- ولو شاء أن يجعل الجميع أمة واحدة.. لكانوا كذلك.. ولكن حكمته سبحانه اقتضت أن يترك للناس حرية العمل والاختيار.. وأنزل لهم أنواعا من الاختبارات.. ليتبينوا مواقعهم من الإيمان والتصديق وليزدادوا من الخيرات.. والحسنات.. وأريد أن أذكر آية واحدة من مجموع الآيات التي ذكرناها في البداية.. وهي: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين} (الأنعام:35)، يخاطب بها الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن المراد من وراءه.. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من الجاهلين... ولكن من ظن أن الله يعجز عن هداية الناس جميعاً... فهو جاهل.. ومن ظن أن الله يجبر أحداً على الضلال فهو جاهل.. ومن ظن أنه يهتدي دون توفيق من الله فهو جاهل.. ومن ظن أنه يرتكب المعصية رغما عن الله فهو جاهل.. إن الفاسق يرتكب المعصية بإرادته والله أذن للمعصية أن تقع في ملكه مع أنه سبحانه وتعالى يكرهها.. والصالح يعمل الصالحات بتوفيق الله.. والله يحب ذلك، ويجزي عليها أضعافا مضاعفة. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (13) تحقيق الإيمان - لم يكن تحقيق الإيمان بالقدر مشكلة عند الصحابة، فقد فهموا المطلوب منهم بأحاديث بسيطة سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . - هل لك أن تبين ذلك بأمثلة؟ كنت وصاحبي نتمشى حول مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء من فندقنا الواقع عند الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد. - لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم مثلا في الحديث المتفق عليه، عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». وهذا شرح قول الله تعالى: {ياأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليماً حكيما} (النساء: 170). فإن الله بعث الأنبياء جميعا بالهدى، الذي هو البيان والإرشاد والحجة والبرهان وخاتمهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه بأعظم بيان وهو القرآن العظيم، فمن الناس من قبل هذا الهدى وأقبل عليه مخلصاً وأراد أن يستزيد إيماناً منه أن الهداية سبيل للنجاة بعد الموت، فهذا ييسر الله له درب الهداية ويزيده هدى. ومن الناس من لم يهتم بهذا الأمر ولم يعتن به، ولم يرفع بذلك رأساً غفلة منه، أو ضعف إيمان، أو عدم يقين بما سيكون بعد الموت، فهذا تركه الله لما اختار. قاطعني.. - وهل اختيار هذا وذاك بمحض إرادتهما؟ أم بتقدير الله؟ - كلا الأمرين معاً، هكذا فهم الصحابة الكلمات التي تلقوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ففي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فأخذ شيئاً فجعل ينكت به الأرض، فقال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة»، قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء»، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى} (الليل: 5 - 11)، وفي رواية قالوا: إذاً نجتهد. ولاحظ -يا أبا عبدالله- أن التيسير للعمل من الله، أتى بعد العمل من العبد {أعطى واتقى...}، {فسنيسره لليسرى}، {بخل واستغنى}، {فسنيسره للعسرى}، ثم قرأ الآيات في سبب نيل الجنة: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف: 43)، {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون} (الأنعام: 127)، {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} (السجدة: 17)، {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون} (السجدة: 19)، {أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون} (الأحقاف: 14). فلقد نالوها بأعمالهم، وسبق في علم الله ما هم عاملون فكتبه عز وجل، وهذا معنى الحديث: «إن الله عز وجل خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر» السلسلة الصحيحة. فالعبد لا يعلم الغيب ولا يعلم ماذا كتب له، ولن يحاسب على ما كتب، بل سيحاسب على ما يعمل؛ ولذلك قال الصحابة: «إذاً نجتهد»، أو «إذاً نجد في العمل»، وهذا هو المطلوب من العبد أن يعمل بطاعة الله لينال الثواب من الله. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (14) يــدبـر الأمـــر «التدبير»... تنزيل الأمور في مراتبها وعلى أحكام عواقبها، وأيضا.. إنه سبحانه وتعالى يقضي ويقدر حسب مقتضى الحكمة وهو النظر في أدبار الأمور وعواقبها.. وجاء «التدبير» في حق الله تعالى.. في مواضع من كتاب الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (يونس:3)، وفي قوله سبحانه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}(يونس:31), ويقول تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}(الرعد:2). كنت وصاحبي في طريقنا إلى مبنى المحاكم.. لحضور جلسة في قضية بينه وبين بعض أقاربه: - وماذا عن قوله سبحانه: {فالمدبرات أمراً}؟! - هذه وردت في سورة النازعات حيث يقسم الله عز وجل ببعض ملائكته.. ومنهم «المدبرات أمراً».. التي تباشر تدبير أمور الكون كما أراد الله عز وجل وقضى... فالملائكة هي التي تتولى تنفيذ القضايا الكبرى كنفخ الروح وانتزاعها.. وسوق السحاب وإنزال المطر.. والزرع والرياح وكل ما يحتاج الإنسان: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}(الرعد:11).. أي يحفظونه بأمر الله.. قاطعني: - ألا توجد آية أن الله يدبر الأمور في يوم كان مقداره ألف سنة؟ - بلى في سورة السجدة: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}(السجدة:5).. والمعنى أن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض في يوم واحد من أيامكم.. مع أن المسافة التي يقطعها تقدر بمسيرة ألف سنة، خمسمائة نزولا ومثلها صعودا.. وذلك أن المسافة بين السماء الدنيا والأرض مسيرة خمسمائة سنة.. وقيل إن الملائكة تقطع في يوم واحد ما يقطعه أحدكم في ألف سنة.. وقيل إن قضاء ألف سنة ينزل في يوم واحد.. وهكذا.. كل ألف سنة ينزل القضاء مرة واحدة.. والظاهر الأول وأن الملائكة تنزل بأمر الله فتدبر أمور الكون جميعا.. فهي تنزل بالأوامر وتعرج بالأعمال.. كل ذلك في أقل من يوم.. كما أخبر الرسول [ «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون» البخاري، وإذا علم المؤمن أن الله هو الذي يدبر الأمر.. أي كل أمر.. في السماء والأرض.. الرزق، الصحة، المرض، السعادة، الشقاء، الأبناء.... وغيرها من أمور بني آدم... فإنه يطمئن.. لان الذي يدبر الأمور هو الله عز وجل... فإذا تيقن المؤمن من ذلك.. لم يحزن على ما فات ولم يجزع بما يقع... ولم يخف مما سيأتي. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (15)لا شيء يقع إلا بإذن الله - من الآيات التي يجب تدبرها لاستكمال مسألة الإيمان بالقدر الآيات التي تبين أن لا شيء يقع إلا بإذن الله. - هل لي بمزيد ايضاح؟ - نعم.. إن شاء الله. - كنت وصاحبي نشرب قهوة الضحى في أحد الأماكن الهادئة قبالة شاطئ البحر، بعيداً عن صخب الشوارع وزحمة الأسواق. - تدبر قول الله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} (البقرة: 102)، وقوله عز وجل: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً} (آل عمران: 145)، وقوله سبحانه: {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} (يونس: 100)، {وما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} (التغابن: 11)، وقوله عز وجل: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين} (آل عمران: 166). هذه الآيات وغيرها تبين أن لا شيء: طاعة، ومعصية، ومصيبة، وفرحا، وموتا، وعزة، وذلا، ونصرا، وهزيمة.. إلخ، لا شيء يقع إلا بإذن الله، وما أذن الله به أن يقع في ملكه، وكل شيء ملكه، قد يحبه، وقد يبغضه، ولكنه سبحانه أذن له أن يقع. - هل أستطيع أن أقول - ولله المثل الأعلى - ولكن تقريباً للمعنى: إن ملكا أذن لمن في قصره أن يفعل ما شاء، سواء وافق ما يحبه ويريده أم عارض ما يحبه ويرضاه. - هذا المثل ناقص، وذلك أن الله عز وجل يعلم مسبقاً ما سيفعله عبيده وكتبه سبحانه، وما يفعلونه بكامل إرادتهم سبق في علم الله، وأذن الله له أن يقع في ملكه، وسوف يجازي عبيده على أفعالهم إن خيرا فخير وزيادة، وإن شر فعدله إن لم يتفضل الله بمغفرته. - وماذا عن الآية التي تبين أن المصائب تقع بسبب الذنوب؟ واسمح لي لا أحفظ الآية. - تعني قوله عز وجل: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى: 30). - نعم. - هذه الآية تبين سبباً رئيساً لوقوع المكروه على العبد وهو الأكثر ولا تعارض، فكله يقع بإذن الله، كما تعلم تقع المصيبة تكفيراً أو تمحيصاً، فالله تبارك وتعالى يمحص المؤمنين ويطهرهم ويرفع درجاتهم، تدبر قول الله تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} (آل عمران: 165 - 166)، وكذلك تدبر قول الله تعالى: {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} (آل عمران: 142). قاطعني: - قوله عز وجل: {ليعلم الله...}؟ - شعرت أنك ستسأل هذا السؤال، لقد علم الله هذه الأمور قبل وقوعها: {ليعلم الله} هنا أي: ليتحقق علم الله على أرض الواقع، لتروا أنتم علم الله فيكم، فالله عز وجل لا يعلم شيئاً جديداً، سبق علمه كل شيء قبل وقوعه، بل ما لم يقع لو وقع يعلمه الله، ثم تأمل قوله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} (آل عمران: 156)، فقول بعض الناس: لو أطاعنا فلان ولم يسافر لما وقع عليه هذا الحادث المميت، هذا القول يشبه قول الكفار؛ وذلك أن من الإيمان بالقدر أن يؤمن العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وما أخطئه لم يكن ليصيبه. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (16)- شمولية الإيمان بالقدر - مشكلة كثير من الناس في قضية القدر أنهم يطبقون الإيمان بالقدر في موضع وينكرونه في موضع آخر. - هذه عبارة مبهمة بيّنها جزاك الله خيراً. هكذا بدأ الحوار بيني وبين شقيقي الأصغر، حين كنت في زيارة لوالدتي يوم الثلاثاء، وكانت والدتي ثالثنا. - مثلاً.. لا أحد يجلس في بيته ولا يبحث عن عمل ومصدر رزق ويقول: لو شاء الله لرزقني، فهو القائل في كتابه: {إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} (آل عمران: 37) وغيرها من الآيات التي تدل على المعنى نفسه، بل كل عاقل يسعى في طلب رزقه ليرجع بما كتبه الله له من رزق، وكذلك لا أحد يتأخر عن الزواج والاقتران بامرأة ويرجو الذرية ويقول: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} (الشورى: 49)، بل كل عاقل يسعى للزواج، ثم إن لم يرزق بذرية يبذل كل الأسباب المادية لإزالة العوائق طلباً للذرية. وهكذا ينبغي أن يكون الموقف في جميع قضايا القدر، بذل الأسباب لنيل المحبوب، ودفع المكروه، والإيمان بأن ما يتحصل بعد بذل الأسباب قد علمه الله قبل خلق السموات والأرض وكتبه، فالهداية مثلاً، كما في الرزق، لا ينبغي لأحد أن يبتعد عن أسباب الهداية ولا يسعى لها، ثم يقول: لو شاء الله لهداني، فهو القائل سبحانه في كتابه: {لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (النور: 46)، أو يتقاعس عن الطاعات ويتمادى في المعاصي والمنكرات، ويقول: {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء} (النحل: 35)، أو يقول في الحديث القدسي أن الله تعالى قال عن ذرية آدم: «هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي» السلسلة الصحيحة؛ بل يفعل مثل ما فعل في الرزق والذرية فيبذل أسباب الهداية، ويقرأ قوله الله تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً} (مريم: 63)؛ فالهداية لها أسباب كما للرزق أسباب، والجنة لها طريق واضح بين، كما للذرية طريق واضح بين، وفي الواقع الحصول على الهداية والجنة أضمن من الحصول على الرزق والذرية. استغرب صاحبي جملتي الأخيرة، وأظهر ذلك بتعابير وجهه: - ماذا تعني؟ - أعني أن العبد قد يبذل أسباب الرزق ولا ينال الرزق الذي سعى له لحكمة أرادها الله، وقد يبذل أسباب الذرية ولا ينال الذرية، ولكن لا يبذل أحد أسباب الهداية الصحيحة ولا ينالها، وكذلك لا يبذل أسباب دخول الجنة ولا يدخلها، وبالطبع من الأسباب الدعاء وعدم الاغترار بالعمل، وعدم الايجاب على الله، بل الرجاء. إن الإيمان الصحيح بالقدر يربح العبد ويبين له كل ما يحتاج في أمور دينه ودنياه؛ فيعيش مرتاح البال قرير العين، يتعامل بطريقة صحيحة في كل جوانب حياته. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (17) مسؤولية العبد عن تصرفاته لا شك أن العبد مسؤول عن جميع تصرفاته.. وسيحاسب عن كل عمل: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة:7). - وماذا عن الآيات التي تبين أن الشيطان هو الذي يغوي بني آدم وأنه سبب ضلالهم؟! كان حواري مع صاحبي ونحن في طريقنا إلى أحد المخيمات الربيعية بعد أن صلينا العصر وذلك لقضاء المساء مع بعض معارفنا الذين دعونا للعشاء بمناسبة فوز أحدهم في الانتخابات الفائتة. - لا شك أن الشيطان سبب للإغواء.. كما الشهوات سبب للضلال.. كما الأخلاق السيئة كالكبر والحسد.. سبب للمعاصي.. ولكن العبد مسؤول عن نفسه.. ألا يخضع لهذه الأسباب.. ولذلك يتبرأ الشيطان من جميع من استجاب له: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} (إبراهيم:22)، فالشيطان يدعو إلى المعاصي.. وكذلك بعض الناس يدعو إلى المعاصي ويزينها.. والهوى أيضا يدعو إلى المعصية ويزينها.. والعبد يستجيب لهذه الدعوات أو يرفضها.. ويستجيب لدواعي الخير والهداية.. فالقرآن يدعوه إلى الخير.. وأهل الصلاح يدعونه إلى الهدى.. وهكذا هي حياة العبد.. ولكنه في النهاية هو المسؤول عن اختياره وهو الذي يحدد مصيره.. بما كسبت يداه. تركنا الطريق المعبد إلى طريق صحراوي.. اكتست الأرض بشيء من اللون الأخضر بعد موسم لا بأس به من الأمطار. - وماذا عما يجري على العبد من مصائب لا دخل له بها.. كمرض عزيز وموت حبيب.. وغير ذلك من أمور تجري عليه.. يكرهها؟! - لقد جعل الله الحياة الدنيا «دار ابتلاء».. فهو سبحانه الخالق.. وله الحق أن يبتلي من يشاء بما يشاء.. {لا يُسأل عما يفعل} (الأنبياء:23)، ومع ذلك فهو سبحانه.. رحيم بعباده.. لطيف بخلقه.. بل هو أرحم بالعبد من الأم برضيعها.. ولم يخلق الله سبحانه الخلق ليعذبهم.. بل ليعبدوه، فإذا قضى الله على عبده قضاء فيما لا دخل للعبد به فقد أمره سبحانه وتعالى.. أن يعلم أن الذي قدر هذا الأمر هو الله سبحانه وتعالى.. فعليه أن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه فيرضى بما قدره الله عليه.. لأن رضاه بذلك يرضي الله عنه.. «فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» السلسلة الصحيحة، ورضاه أو سخطه لا يغير مما وقع.. أو مما سيقع شيئا.. ولكن الرضا فيه الأجر من الله.. والسخط فيه الوزر على العبد. - هناك آية.. أظن في سورة النساء.. معناها.. ما أصابك من حسنة فمن الله؟! قاطعته: تعني قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} (النساء:78)؟ - نعم. - هذه الآية تبين المصدر والسبب فيما يقع على العبد.. في بدايتها.. أن لا مفر من الموت.. في المكان والزمان الذي كتبه الله عز وجل.. قبل خلق السموات والأرض، فلا يظنن ظان أنه إذا فرّ من الموت سينجو... بل ينبغي على العبد أن يتخذ أسباب النجاة من الهلاك ولكنه إذا مات.. فهذه قضية حتمية.. ثم يبين الله عز وجل.. موقف بعض اليهود والمنافقين الذين لا يتركون فرصة إلا ويلمزون رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والآية عامة وتنطبق على كل من قال مقولتهم.. وذلك أنهم جعلوا الرسول صلى الله عليه وسلم سببا فيما يقع عليهم من مكروهات كالجدب والمرض.. يتشاءمون برسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأمر الله عز وجل رسوله أن يخبرهم بأن كل ما يجري عليهم مما يحبون أو يكرهون مصدره الله عز وجل.. ثم بين سبحانه وتعالى.. أن المكروه قد يقع بسبب معاصي العبد.. كما قال تعالى في آية أخرى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى:30)، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد:11)، باختصار.. الله سبحانه وتعالى عدل.. رحيم.. لطيف.. رؤوف.. لا يقضي على العبد ما يضره.. إذا آمن العبد بهذه الصفات.. وغيرها من صفات الكمال لله عز وجل.. فإنه دون شك يرضى بقضاء الله فينال الرضا من الله.. فيعيش مطمئنا في حياته.. مأجورا في آخرته. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (18) القــدر واختيــار العبــاد من الآيات التي تبين الإيمان بالقدر قول الله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} (القصص:68).. وكذلك قوله تبارك وتعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير} (التغابن :2). وقد نقل القرطبي كلاما للزجّاج وقال عنه: هو أحسن الكلام في هذه المسألة، ونصه: «إن الله خلق الكافر وكفره فعل له وكسب، وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب مع أن الله خالق الكفر والإيمان». وهذا الذي عليه جمهور الأمة. - وما الذي كتبه الله عز وجل.. وهو واقع لا محالة؟ كنت وصاحبي بانتظار ضيف لنا من مكة المكرمة.. تعرفنا عليه خلال موسم الحج الفائت ودعوناه حينها لزيارة الكويت.. هاتفنا قبل أربعة أيام ليخبرنا بموعد وصوله. - الذي كتبه الله عز وجل هو علمه الذي أحاط بكل شيء.. فقد علم سبحانه من سيكون مؤمنا.. ومن سيكون كافرا.. وعلمه هذا لا يعلمه أحد من خلقه.. فلا يعلم أي منا.. إن كان قد سبق في علم الله أنه سيموت مؤمنا أو كافرا.. ولذلك يسعى كل منا ويجتهد في الطاعات ليكون من أهل الإيمان.. وهذا معنى قول الزجاج: «الكفر فعل وكسب للعبد يصبح به كافرا، والإيمان فعل وكسب للعبد يصبح به مؤمنا..» فالعبد هو الذي يكسب العمل.. كما قال تعالى في سورة الإنسان: {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان:3).. أي بينا له الطريق.. وهو الذي اختار... أن يكون شاكرا.. أو اختار أن يكون كافرا.. وكل ذلك قد علمه الله عز وجل.. وكتبه.. ولنرجع إلى الآية التي بدأنا بها حديثنا.. من سورة القصص فـ«الخيرة» من «التخير» وتستعمل بمعنى المصدر وبمعنى «المتخير».. قيل سببه.. قول الوليد بن المغيرة: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} (الزخرف:31).. فالله سبحانه وتعالى.. بحكمته وعلمه يختار للعباد ما هو خير لهم.. فيختار الرسل من خيرة البشر «يصطفيهم».. وليس الأمر للمخلوقات.. وهذا مما اختص الله به.. فلا ينازعه أحد: {سبحان الله عما يشركون}... وهكذا كل أمر كوني.. لا يشارك الله أحد من مخلوقاته فيه. ظهر على لوحة القدوم أن الطائرة وصلت. - وبالطبع هذه الآية لا تعني أن العبد لا خيار له في أفعاله... فالواقع يكذب هذا بل العبد له كامل الاختيار؛ ولذلك هو مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله.. ومحاسب عليها يوم القيامة.. ومجاز عليها.. هو لا خيار له فيما لن يسأل عنه: مولده.. لونه.. نسبه.. عمره... القضايا التي لا دخل له فيها.. إن قضايا القدر تدور على علم الله.. الذي كتبه.. فنؤمن به... وعلى الأمور التي تقع علينا دون اختيارنا فنصبر على ما نكره ونشكر لنيل ما نحب. وعلى أعمالنا التي نكتسبها... وهذه مسؤوليتنا وسنحاسب عليها. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (19) الرضا بالقدر - الرضا بالقدر ليس استسلاما.. الفرق بينهما كالفرق بين التوكل والتواكل... إن أحدنا مأمور أن يرضى بقضاء الله وقدره.. وأيضا مأمور أن يتخذ الأسباب لإزالة ما يقع عليه من مكروه... وكله بقضاء الله عز وجل. - ولكن النفس البشرية -في لحظات الضعف- ربما تتململ وتضجر من كثرة ما يصيبها من المكروهات. - وهنا ينبغي على العبد أن يثبت على الإيمان... في لحظات الضعف والابتلاء كما قال الله تعالى: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون} (التوبة:16)... وكذلك قوله عز وجل: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} (آل عمران:140)، وكذلك: {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} (الحديد:25).. وقوله: {وليعلم الله الذين آمنوا وليعلم المنافقين} (العنكبوت:11).. ومعنى الآيات: حتى يتحقق علم الله فيكم وترونه رأي العين.. وإلا فكل ذلك قد علمه الله سابقا.. ولا يضاف إلى علم الله الكامل شيء.. فالمؤمن يتمسك بالإيمان ويلجأ إلى الله.. وكلما ازدادت الشدة.. ازداد إقبالا على الله.. أما الآخر فقد وصفه الله عز وجل بقوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} (الحج:11). كان صاحبي يناقشني وبيده قصاصة من صحيفة يومية ذكرت كاتبتها قضية «الاستسلام للقدر». أراد صاحبي مزيد توضيح: - وكيف يكون الرضا بالقدر..؟! - اسمع قول النبي [: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط». (السلسلة الصحيحة)... فالبلاء غالبا دليل خير.. والرضا نتدرب عليه.. بهدي من القرآن والسنة.. يصف الله عباده المؤمنين: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} (البقرة:156).. فالعبد المؤمن يعلم أنه لا شيء يقع إلا بإذن الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} (التوبة: 51).. كل هذه عقائد يؤمن بها المؤمن إيمانا راسخا.. فإذا وقعت المصيبة.. قال بلسانه: {إنا لله وإنا إليه راجعون}... يذكّر نفسه.. ويحيي ما كان يعتقده في قلبه.. ثم يحمد الله.. «الحمدلله على كل حال».. كما في حديث من قُبض ولده.. فيكون جزاؤه.. «ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» السلسلة الصحيحة. قاطعني: - وماذا عن قول: «الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه»؟ - هذا القول لم أجده في كتب الحديث ولا يجوز نسبة الشر إلى الله كما قال [ في دعائه: «والخير كله في يديك والشر ليس إليك...» (مسلم)، وعلى أية حال.. إذا نزل المكروه بالعبد.. صبر ولم يجزع.. ولم يسخط بأن يتكلم ساخطا على قضاء الله.. بل يصبر.. ويسترجع، ويسعى بكل ما أوتي أن يزيل ما وقع عليه -إن كان يمكن إزالته- ولا يستسلم ويضعف.. بل يستعين بالله ويستعين بمن يستطيع الاستعانة به من عباد الله الأحياء... ويتقوى على ذلك بذكر الله.. ويذكّر نفسه.. أن الجزع لا يغير مما وقع شيئا.. والسخط لا يرفع المصيبة.. بل يزيدها سوءا.. فيتعامل «بإيجابية» مع المصيبة لتتحول إلى مصدر لكسب رضا الله... ومغفرة الذنوب.. وربما.. نيل الجنة. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (20)الله قسم الأرزاق التقيته دون سابق موعد في حفل زفاف ابن صديق مشترك لنا، كانت قد مضت قرابة العشر سنين منذ آخر لقاء بيننا. بعد التحيات والأسئلة المعتادة، أخذنا جانبا هادئاً نسبياً. - قرأت حديثاً لا أعرف مدى صحته، ولكن بدايته: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم» وبصراحة أعجبني الحديث، فهل مر عليك من قبل؟! - سبحان الله، كنت في حلقة علمية ألقاها أحد المشايخ الأفاضل الذين دعتهم وزارة الأوقاف، وتناول هذا الحديث، فعزمت على حفظه، ومتنه: «إن الله ق سم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب، فمن ضن بالمال أن ينفقه وخاف العدو أن يجاهده وهاب الليل أن يكابره فليكثر من قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» هذا النص ورد في السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله. - هل هناك رواية عن ابن مسعود بالنص ذاته؟ - نعم... الحديث يرويه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي بعض الكتب مثل صحيح الترغيب والترهيب يروى موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه والشاهد أن هذا الحديث يبين أن الله قسم الأخلاق بين العباد كما قسم الأرزاق، وحتى نفهم الموقف مما قسمه الله ينبغي أن نطبق هذا المعتقد على القضايا المادية الملموسة ونقيس عليها غيرها. فنقول: الجميع يؤمن بأن الله قسم الأرزاق بين عباده، فلماذا لا يجلس هؤلاء في بيوتهم ويقولون: ما قسمه الله لنا سيأتينا ولو نمنا في بيوتنا ولم نسع في طلب الرزق؟ لا يقول ذلك عاقل، بل الجميع يسعى لطلب الرزق والاستزادة منه قدر ما يستطيع، بل السعي مطلوب ومأمور به: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} (الملك: 15)، {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} (الجمعة:10)، وكذلك قضايا الأخلاق والإيمان، فمن رزقه الله أخلاقاً حميدة - وذلك أن من الأخلاق جبليا ومكتسبا - ينبغي أن يحمد الله على الخلق الحميد ويستغله في كسب الثواب والأجر، أما الغالب من الأخلاق فهو من كسب ابن آدم؛ ولذلك يثاب عليه يوم القيامة، وثبت في الحديث: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق» صحيح الترغيب والترهيب؛ فالعبد المؤمن يؤمن يقيناً أن الله كتب كل شيء من رزق، وهداية، وإيمان، وولد، وتوفيق في أمور الدنيا، ومع ذلك يسعى في طلب الرزق ويتزوج لطلب الولد، وينبغي عليه أن يجتهد في طلب الإيمان والهداية والصلاح؛ فيبذل الأسباب الشرعية لينال كل هذا مع اليقين أن الله قد كتبها سابقاً. قاطعني: - والجزء الثاني من الحديث؟ - قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب. هذه الحقيقة تريح العبد الصادق، فإن كان يزعم أنه يريد أن يكون فيمن يحبهم الله، لا ينظر إلى أهل الدنيا، بل إلى أهل الإيمان؛ فلا يكون عنده حسد، ولا جشع، ولا حرص على متاع الدنيا. ثم يختتم الرسول صلى الله عليه وسلم حديثه بإرشاد المؤمنين إلى عبادة عظيمة وهي ذكر الله عز وجل؛ فإنه أثوب عند الله من إنفاق المال النافلة والجهاد النافلة والقيام النافلة، وهذا يصدقه حديث أبي الدرداء: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكارها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى، قال: «ذكر الله» صححه الألباني. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (21) كتابة عمر الإنسان ورزقه - لا يستحدث شيء في علم الله عز وجل. رغم أني لا أحب الإطالة في حديث الهاتف، إلا أن صاحبي يناقشني أحيانا في قضايا فيمتد حديثنا إلى قرابة الساعة. - في باب القدر.. نعلم أن الله كتب عمر الإنسان ورزقه، وشقي أم سعيد. قاطعته: - الحديث في البخاري عن ابن مسعود أن رسول الله[ قال: «... ثم يبعث إليه الملك فيُؤْذَن بأربع كلمات، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح...». تابع حديثه: - نعم.. هذا الحديث جاء بروايات أخرى، ونعلم أن ذلك كتب قبل خلق السموات والأرض، وأنه كان غيباً لا يعلمه أحد، ثم أنزله الله وأعلم به بعض ملائكته، وسؤالي: لقد كتب الله أن يموت شخص ما في لحظة ما من يوم ما، ولكن هل كتب أيضاً كيف يموت؟ أم إن هذا الشخص في اللحظة التي كتب الله عليه الموت قاد مركبته بسرعة كبيرة وتسبب الحادث في موته؟ أم ركب البحر فمات في اللحظة المحددة غرقاً؟ قاطعته: - اقرأ قول الله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} (الأنعام: 59). علم الله أحاط بورق الشجر، وقطرات المطر، وحبات الرمل، وما في أعماق الأرضين والمحيطات، وما فوق السموات، أحاط علمه بكل مخلوقاته وملكه: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} (يونس: 61)، وكذلك: {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} (سبأ: 3)، الله تبارك وتعالى علم كيف يتصرف كل منا، وكيف سيموت وأين ومتى، وهذا العلم كتبه في: {كتاب مبين}, فلا يحصل شيء لم يعلمه الله، أو لم يكتبه، وبذلك يكون الفهم الصحيح للآيات التي تبدو في ظاهرها أن الله «سيعلم» كقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} (المائدة: 94)، وقوله سبحانه وتعالى: {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} (العنكبوت: 3)، وقوله: {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} (العنكبوت: 11)، {قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} (الأعراف: 129). هذه الآيات ومثيلاتها يفهم منها أن يتحقق علم الله السابق، فترونه أنتم، ويكون ماثلاً أمام أعينكم فتقام الحجة، وتعلمون ما كنتم تجهلون أنتم، فلا جديد ولا محدث يكون في علم الله عز وجل، وهذا معنى كمال العلم في حق الله سبحانه وتعالى. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (22) الكتاب الذي يحاسب عليه العبد - أليس الإيمان بالقدر أن نؤمن بأن ما كتبه الله واقع لا محالة؟! - بلى.. ولكن يجب أن نفصل في الأمر، وذلك أن كثيراً من الناس يستغل هذه العقيدة ليعتذر بها في «لوم القدر» على ما يرتكبه من معاص وما يقصر فيه من طاعات، وهذا إثم عظيم، يزينه الشيطان لكثير من الناس حتى يبقوا على ما هم عليه من الابتعاد عن الله عز وجل. - وكيف لنا أن نفصل هذا الأمر؟ التقيت وصاحبي لتناول عشاء خفيف بعد الصلاة الأخيرة، وقررنا السير على الأقدام إلى المطعم الذي يبعد عن مسجدنا كيلو متراً واحداً تقريباً. - دعني أذكر لك آية ربما ليست في الموضوع، ولكن استغلها من لا يريد إخراج الصدقات، وذلك انطلاقا من قول الله عز وجل: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}(هود:6) فكان كموقف الكفار: {وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه}(يس:47)، وهذا منهج أهل الضلال أنهم يستغلون آيات الله في البعد عن أوامر الله، ولنرجع إلى موضوعنا: جاء في الحديث عن ابن عباس: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني. هذه العقيدة يجب أن نؤمن بها إيمانا إيجابيا، بمعنى أن نتذكرها إذا وقع لنا ما لا نحب، وأصابنا ما لا يسر، وخسرنا ما نعز، ونريد بعد أن نكون قد بذلنا الأسباب فنطمئن ولا نجزع، وتعيننا هذه العقيدة على الصبر والرضا، ولا ينبغي لعاقل أن يلوم القدر على معصيته، ويحتج بالقدر على ضلاله، وينسب كفره إلى الله تعالى.. سبحانه عما يقولون علواً كبيراً.. وهذا الأسلوب ليس بجديد كما أخبرنا الله تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}(الأنعام:148)، وفي سورة النحل: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين}(النحل:35)؛ فهذه حجة مردودة وعذر قبيح لا ينجي صاحبه من العذاب. - وكيف أحاور أحدهم بطريقة أخرى؟! - اسأله.. ما الذي كتبه الله عليك بعد ساعة؟ حاول أن تخالف ما تظن أن الله كتبه عليك، مثلا إذا كان الله قد كتب عليك أن تكون في المكان (أ) اذهب إلى المكان (ب)، وإذا كان الله قد كتب أن تأكل الوجبة (جـ) كل الوجبة (د)، لا أحد يعلم ما كتبه الله، ولا يستطيعون، ما كتبه الله يعلمه العبد بعد أن يفعله بمحض إرادته، والذي يحاسب عليه العبد يوم القيام ليس ما كتبه الله عز وجل، بل ما يسطره الملك في كتاب جديد لم يكتب فيه شيء، بل الملك لا يكتب حتى يفعل العبد؛ ففي الحديث قال رسول الله [: «قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشراً» مسلم. وهذا هو الكتاب الذي يحاسب عليه العبد يوم القيامة: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} (الإسراء:13). اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (23) التعوذ من شر القضاء - هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من شر القضاء؟ - الحديث الذي في البخاري: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من سوء القضاء ومن درك الشقاء ومن شماتة الأعداء ومن جهد البلاء»، وهو في صحيح مسلم أيضا. لم يخف صاحبي استغرابه: - وكيف ذلك؟! - لعلك تعني تعوذه صلى الله عليه وسلم من سوء القضاء؟ - نعم. وقف صاحبي في طريقنا للخروج بعد صلاة العصر.. وعادة نمشي معا حتى نبلغ منازلنا. - ألم يتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من «الهم والحزن» ؟ متفق عليه.. ألم يتعوذ من «الكسل والجبن والهرم»؟ البخاري.. ألم يتعوذ من «وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد»؟ مسلم.. ألم يتعوذ من «أرذل العمر»؟.. وكل ذلك من القضاء؟! وفي شرح البخاري.. «أن كل أمر يكره يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء، وجهة المعاد وهو درك الشقاء، وجهة المعاش وهو جهد البلاء».. فالأمراض من القضاء، والدعاء لإزالتها من القضاء أيضا.. فنلجأ إلى قضاء الله لإزالة قضاء الله.. وفي الحديث: «لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر»، الترمذي- حسنه الألباني. فالمقصود أن القدر لا يرد إلا بالقدر، فما كتبه الله قدر... ودعاؤنا لرفعه أو رده قدر. قاطعني: - أما رفع ما وقع فمفهوم... ولكن كيف منع وقوع ما قدره الله؟! - ما قدره الله غيب.. لا يعلمه أحد.. ولا حتى الملائكة... فإذا نزل جزء مما قدره الله علمته الملائكة.. قبل أن ينزل إلى الأرض.. فإذا دعا العبد وهذا أيضا مما قدره الله.. ارتفع الدعاء فمنع نزول البلاء. فكان الدعاء سببا في رد البلاء قبل وقوعه وكله علمه الله عز وجل قبل وقوعه.. فكتبه. - وكيف في زيادة العمر.. وقد كتب الله آجال الناس فلا تزيد ولا تنقص؟! - كلامك صحيح.. ذلك أنه إذا كان في علم الله أن فلانا سيموت عن عمر سبعين سنة وأربعة أشهر وخمسة أيام وساعتين وسبع دقائق وعشرين ثانية.. فإنه لا يتقدم ولا يتأخر عن هذه اللحظة.. فتكون الزيادة المذكورة في الحديث بالنسبة لملك الموت ومن وكل معه من الملائكة بقبض الأرواح.. وهذا معنى قول الله عز وجل: {هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون} (الأنعام:2).. وكذلك قوله عز وجل: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} (الرعد:39).. فأشار سبحانه عز وجل في آية الأنعام إلى أجلين: الأول ما علمه ملك الموت الذي ربما يتغير بأعمال البر.. فيمحو الله هذا الأجل ويزيده عند ملك الموت ليوافق الأجل المكتوب في اللوح المحفوظ.. ففي شرح الترمذي: «الحاصل أن القضاء المعلق يتغير، وأما القضاء المبرم فلا يبدل ولا يتغير».. وهذا ما يسميه العلماء تدافع الأسباب أو معالجة الأقدار بالأقدار.. أي إنك تدفع قدرا بقدر ليثبت في النهاية ما أرداه الله عز وجل. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (24) الصبر على المصائب - عندما أقرأ الآيات التي تذكر المصائب، أشعر أنني لا أفهمها فهماً صحيحاً. - هل لك أن تذكر لي أمثلة؟! - مثلاً قول الله عز وجل: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} (التوبة: 51)، وقوله عز وجل: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى: 30)، وقوله سبحانه: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} (الحديد: 22)، وقوله سبحانه: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} (التغابن: 11). كان يقرأ هذه الآيات من قصاصة أخرجها من جيبه العلوي.. انتهى. - هذه الآيات كلها متناسقة متحدة المعنى، وأود أن أضيف آية أخرى، بل آياتين من سورة النساء: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} (النساء: 78 - 79). هذه الآيات تبين أسباب وقوع المكروه للمؤمنين، والسبب الأعظم لأي مصيبة هو الذنوب، كما في آية الشورى، وذلك أن المؤمن ربما تعجل له العقوبة على الذنب الذي لم يتب منه في الدنيا ولا يعاقب عليه في الآخرة، ولا شك أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وجاء في المستدرك على الصحيحين: عن علي - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أصاب ذنبا في الدنيا فعوقب به، فالله أعدل من أن يثنّي عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا فستر الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء عفا عنه» قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وهذا الفهم كان عند الصحابة - رضوان الله عليهم - بأن أحدهم يرجع ما يصيبه إلى تقصيره في حق الله عز وجل، والله سبحانه لا يؤاخذ على جميع الذنوب، بل يعفو عن أكثرها، كما في آية الشورى التي ذكرتها، وذلك من رحمته وعفوه وكرمه سبحانه، والله عز وجل قد سبق في علمه كل ما سيكون وكتبه، فلا شيء جديد في علم الله كما في آية الحديد، ولا يقع شيء في ملك الله عز وجل إلا بإذنه، فلا ينبغي للعبد أن يتذمر من مكروه أصابه أو مصيبة وقعت له، بل يصبر ويرضى بقضاء الله عز وجل. قاطعني: - وماذا عن الآيتين في سورة النساء؟! - هاتان الآيتان تذكران حالة فئة من المنافقين، هلعوا عندما أمروا بالجهاد، فأخبرهم الله أن الموت يأتيهم وإن تحصنوا في بروج مشيدة، وكانوا ينسبون وقوع المكروه إلى النبي[، فكذبهم الله عز وجل بأن كل شيء خلقه الله وأن المكروه يقع على الإنسان بسبب ذنوبه، فمع أن المخاطب هو الرسول[، إلا أن المراد أمته من بعده. ولقد حذر الله المؤمنين من أن يقعوا فيما وقع فيه الكفار: {ياأيها الذي آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} (آل عمران: 156)، فالمؤمن وإن وقعت عليه أعظم مصيبة وهي الموت رضي بقضاء الله ويعلم أنه لم يكن للأمر أن يتأخر أو يتقدم وأن السبب لا قيمة له؛ فيرضى بقضاء الله لأجل أن ينال الرضا من الله. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (25) لماذا الدعاء إذاً؟ بلغت باب المسجد قبل الأذان بخمس دقائق.. التقيته خارجا من المسجد مشمرا عن ساعديه يريد تجديد وضوئه.. استوقفني: - لدي استيضاح في قضية القدر.. تابع حديثه دون أن ينتظر ردة فعلي: - إننا هذه الأيام نقنت في كل صلاة ندعو لإخواننا في بلاد الشام أن يفرج الله همهم وينصرهم على من ظلمهم وسفك دماءهم، والله عز وجل يعلم ما ستؤول إليه الأمور.. فلماذا ندعو نحن؟!... ودعاؤنا لن يغير ما كتبه الله عز وجل؟! - هذا السؤال يخطر على بال كل منا... لا في قضية إخواننا المسلمين المستضعفين في بلاد الشام، بل في قضايا كثيرة، ولاسيما إذا كان الأمر لا يتعلق بنا.. وحتى أوضح لك الأمر.. هل تستطيع أن تقول: لماذا أدعو لابني بالشفاء العاجل وزوال مرضه العضال... وقد سبق في علم الله ما سيؤول إليه الأمر؟! لا تقل ذلك وإنما تستمر بالدعاء رجاء أن يستجيب الله لك ويشفي ابنك.. هل تستطيع أن تقول لنفسك: لماذا أخرج وأجتهد في طلب الرزق... وأحرص على اتخاذ القرار الصحيح في البيع والشراء للأسهم في البورصة وقد سبق في علم الله إن كنت سأربح أو أخسر في تجارتي؟! (بوفهد) من رواد المسجد المواظبين على جميع الصلوات وكثيرا ما يمكث بين المغرب والعشاء في المسجد يقرأ القرآن.. متقاعد يتعامل بالبورصة ويعرف الكثير من أسرار الأسهم فهو مرجعنا في البيع والشراء. - هذه الأمور لا بد أن أجتهد فيها وأبذل الأسباب من المتابعة والسؤال والبحث حتى أحقق أرباحا في بيعي وشرائي. - سؤالي: لماذا تفعل ذلك وقد سبق في علم الله وكتب الله ما سيؤول إليه أمرك؟! أجابني مستغربا: - لا بد من بذل الأسباب لنيل المطلوب. - هذه التي أردت.. لا بد من بذل الأسباب.. ومن أعظم الأسباب التي يجب أن يبذلها العبد لينال مطلوبه أن يدعو الله عز وجل... في كل شيء بل الله أمر عباده بدعائه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر:60).. فالدعاء عبادة يحبها الله وهي أعظم سبب لنيل المراد... والنبي [ كان يدعو بالنصر لجنوده ويدعو للاستسقاء ويدعو لنفسه، وكان أكثر دعائه: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» البخاري.. وكان يدعو عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم، الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم»، متفق عليه.. فالدعاء أقوى سبب.. ومن لم يدع الله عز وجل فقد ترك سببا أساسيا لنيل المطلوب.. في جميع الأمور.. إذا أردت لابنك أن ينجح.. مُرْه فليدرس.. وليدع الله عز وجل أن يرزقه التفوق والنجاح.. وإذا أردت أن ترزق الذرية.. فابذل الأسباب وادع الله أن يرزقك الذرية الصالحة.. وإذا أردت سعة الرزق.. فاسع في طلبه وادع الله أن يرزقك رزقا طيبا واسعا.. وإذا أردت النصر للمسلمين المستضعفين على الظالمين -كما في بلاد الشام- فأعن إخوانك بما تستطيع وادع لهم.. وأعلم يقينا أن الدعاء ينفع.. ويستجيب الله لمن يدعوه صادقا.. والدعاء أيضا من القدر.. ومما كتبه الله عز وجل. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (26) أحداث الكون بأمر الله - وماذا عن القدر في أحداث الكون... وما يصيب البشرية عامة؟! - لا شيء يقع في الكون إلا بأمر الله... وقوع الزلازل... هبوب العواصف... انفجار البراكين... فيضانات الأنهار... انهيار الثلوج... جفاف السماء... لا شيء على الإطلاق... وهذه الأمور يحلو لبعضهم أن يسميها «غضب الطبيعة» ولا شك أن هذه التسمية خاطئة؛ فليس للطبيعة أن تغضب أو ترضى... إنها مخلوق يأتمر بأمر الله... هذه الأمور كلها تقع بحكمة الله عز وجل... أحيانا عقابا... وأحيانا إنذارا... وأحيانا تخويفا... وأحيانا دعوة للناس وتذكيرا. - وماذا عن الموقف حيال هذه الأمور؟! - لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يجب على الأمة عمله في بعض هذه الحالات.. ففي الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن -وأعوذ بالله أن تدركوهن- لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله [ إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم»، حسنه الألباني. ففي هذا الحديث ربط بين بعض الذنوب التي إذا تفشت في الأمة نزل العقاب العام: «أخذوا بالسنين»... أي أصابتهم المجاعة. قاطعني: - ولكن هذه الأمور كلها أو معظهما واقع من الكفار؟! - إن الله إذا عجل العقوبة للمؤمن في الدنيا فإن ذلك أهون عليه من عذاب الآخرة... وربما كان هذا العقاب عبرة له فيرجع عن معصيته، أما الكافر فإن عقابه مؤجل إلى يوم القيامة... فلا يعاقب في الدنيا.. والعقاب هناك أشد وأبقى... وعلى أية حال.. إذا نزل العقاب أو تأجل فإن ذلك لحكمة يريدها الله عز وجل.. وفي كتاب الله أمثلة على ما يصيب الأمم بسبب الذنوب.. أو ينالها من خير بسبب الطاعات، اقرأ قوله تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} (النحل:112)، وكذلك قوله سبحانه: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} (الأنعام:6)، وقوله سبحانه: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} (نوح:11). وذكر لنا ربنا ذنوب بعض الأمم السابقة.. مثل عاد وثمود وقوم لوط وما حل بهم بسبب ذنوبهم.. وذلك حتى نتعظ ونعتبر. - وماذا عن الدراسات الحديثة التي تتنبأ بالأعاصير والبراكين والأمطار وغيرها؟! - إن الله إذا أراد أمرا حصل.. ويجعل له من الأسباب الدنيوية ما يحدثه... مثلا تفاوت درجات الحرارة بين الأسطح المائية والهواء ثم اليابسة يكون سبباً في حدوث الأعاصير ومع انخفاض الضغط الجوي يجلب السحاب والأمطار... والإنسان يراقب ويعيش ويتجنب... ولكن لا يستطيع أن يفعل شيئا حيال هذه الأمور وكلها بأمر الله. - وما الموقف الشرعي حيالها؟! - الرجوع إلى الله... وبالطبع الماديون لا يعترفون بالأسباب الشرعية لهذه الأمور.. ولكننا بفضل الله نعلم أن هناك أسبابا غيبية وعلى يقين بأن الأمر ليس مادة فحسب وإنما الله سبحانه هو الذي خلق هذه المادة ويسيّرها وفق حكمته.. وبأمره عز وجل.. فشرع لنا صلاة الاستسقاء... والاستغفار والتوبة حال الجفاف.. واللجوء إلى الله حال الكوارث... لأنها لا تقع صدفة.. تعالى الله سبحانه أن يقع شيء في ملكه عبثا.. بل بتدبير الله وأمره... وهنا يفترق المؤمن عن غيره. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (27) ألفاظ مخالفة للعقيدة - كثير من الأعمال الأدبية تستخدم ألفاظا مثل: (سخرية القدر)، و(ظلم القدر)، و(جبروت الأقدار)، و(لعبة الأقدار)، ولا شك أن هذه المصطلحات وأشباهها تخدش الإيمان، ومن اعتقدها ربما ينقض إيمانه. - لا شك أن هؤلاء لا يقصدون المعنى اللفظي لهذه العبارات. - وإن كان، ففي العقيدة حتى التجاوز اللفظي ممنوع، ألا تذكر حادثة ذاك الأعرابي الذي قال: «ما شاء الله وما شئت يا محمد»، فأرشده الرسول[ إلى شدة خطأ هذه العبارة، فقال: «أجعلتني لله عدلا، قل ما شاء الله وحده» (أحمد والنسائي)، ففي قضايا العقيدة يجب مراعاة الألفاظ؛ لأن التجاوز فيها يخدش التوحيد، الذي هو حق الله الذي يجب أن يؤدى كاملاً. - وماذا عن بعض الألفاظ الأخرى التي تخدش التوحيد؟ - الألفاظ كثيرة، ولذلك يجب على المؤمن أن يحذر فيما ينطق، مثل: (سب الدهر) ففي البخاري: قال الله عز وجل: «يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار»، فلا ينبغي لأحد أن يلعن ساعة أو يوماً أو شهراً؛ لأن ما حدث في هذه الأزمنة إنما حدث بأمر الله. صاحبي متابع جيد للأنشطة الأدبية، وهو عضو في رابطة الأدباء ولا تفوته فريضة في المسجد. - إن الإيمان بالقدر يجعل المرء مرتاح البال، قرير العين، طيب النفس، لا يجزع ولا يخاف ولا يهلع مهما نزل به من مصاعب ومهما أصابته من مشكلات.. اسمع حديث النبي[: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان»، مسلم وفي رواية ابن ماجة: «فإن غلبت أمر...»، وهذه «لو» الحسرة على أمر قد وقع، كما في قوله عز وجل مخبراً عن الكافرين: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} (آل عمران: 156)، هذه هي الـ«لو» المنهي عنها، أما «لو» التخطيط للمستقبل والبيان في الكلام فلا شيء فيها، كما قال النبي[ في الحج، وقد ساق الهدي من المدينة: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سُقت الهدي ولحللت مع الناس حين حلوا» البخاري. وكما قالت عائشة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه» أبو داود، وأحمد. - حقاً إذا فهم المرء أمور العقيدة بطريقة صحيحة يرتاح باله وتزول شكوكه. - من هنا قال العلماء: إن العلم الواجب خير من العبادة الواجبة، والعلم النافلة خير من العبادة النافلة «العلم الصحيح يحفظ للمرء دينه وعباداته». اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القـــــــدر (28) الخـلاصــة - الآن وقد قضينا قرابة ستة أشهر نتحدث عن العقيدة في القدر، نريد أن نخرج بخلاصة قصيرة جامعة مانعة. - الأمر ليس بهذه السهولة، ولكن ربما نستطيع أن نضع لأنفسنا بعض القواعد التي إن التزمناها بقينا على قصد السبيل، وهي: - الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، من أنكره هدم دينه. - علم الله أحاط بكل شيء قبل خلق السموات والأرض، وأمر الله القلم أن يكتب هذا العلم. - خلق الله كل شيء في الكون، والمرء يختار الخير فيوفقه الله، أو يختار الشر فيتركه الله لاختياره. - أذن الله أن يقع في ملكه ما لا يحبه من شر ومعصية؛ فإنه لا يقع في الكون شيء إلا بإذن الله. - لا نستشهد بآية واحدة أو حديث واحد لإثبات قضايا القدر، بل نجمع جميع الآيات والأحاديث، فإنها يبين بعضها بعضا ولا تعارض بينها مطلقاً. - العبد مسؤول مسؤولية كاملة عن تصرفاته التي سيحاسب عليها بين يدي الله. الإيمان بالقدر يستوجب الرضا بما يجري على العبد مما لا يحب. استوقفني صاحبي قبل أن أذكر النقطة التالية: - أظن أن أحدنا يحتاج أن يذكر نفسه دائماً بالقدر، فما الأذكار المتعلقة بهذا الأمر التي تعين المرء على الرضا بقضاء الله؟! - لاشك أن معظم السخط إنما يكون حال المصيبة؛ ولذلك يذكرنا الله في كتابه بما يجب أن نقول بألسنتنا: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} (البقرة: 156)، وكذلك قوله عز وجل: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون} (التوبة: 51)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم حين فقدان عزيز: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى» متفق عليه. ومما يعين العبد على الرضا بما قضاه الله عز وجل أن يذكر نفسه بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فهو اللطيف، الرحيم، الحكيم، الغفور، العليم، الودود، فاقرأ مثلا قوله عز وجل: {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز} (الشورى: 19)، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (الملك: 14)، {وهو الغفور الودود} (البروج: 14)، {سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (الحديد: 1)، فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق، وهو أرحم بهم منهم بأنفسهم، وهو لطيف بعباده، رحيم بهم، يدبر الأمور بحكمته سبحانه؛ فربما وقع على العبد ما يكره وهو خير له، كما في آية القتال: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة: 216)، فمن آمن يقينا بأسماء الله وصفاته، أيقن أن ما قضاه الله عليه خير له، ويذكّر نفسه دائماً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويدعو الله دائما؛ فإن الدعاء جزء من الإيمان بالقدر وهو من القدر وينفع مما وقع ومما لم يقع. اعداد: د. أمير الحداد |
رد: القـــــدر
القدر(29) لا إله إلا الله - هذه هي كلمة التوحيد العظمى.. أرسل الله من أجلها الرسل وأنزل الكتب، ولأجلها قاتل الرسول [ الناس.. ومن مات عليها دخل الجنة.. ومن نقضها دخل النار. - لا يشك أحد في عظم هذه الكلمة ولكن لنذكر بعض الآيات والأحاديث الصحيحة في شأنها. صاحبي لايكاد يقنع بأية فكرة.. كثير السؤال.. والجدال أحيانا.. ولكن أحب فيه رغبته في التعلم والدقة في طلب الإجابات. - يقول الله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} (آل عمران:18)، ويقول سبحانه: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام:102).. ويقول سبحانه: {اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين} (الأنعام:106).. ويقول تعالى: {قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} (الأعراف:158).. وأختم بهذه الآية من سورة التوبة: {فإن تولوا فقل حسبي الله لا إلا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} (التوبة:129).. وهناك آيات أخرى كثيرة. - لم تذكر آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم...} (البقرة:255). - أحسنت.. ولكن أخبرتك أن هناك آيات أخرى في إثبات مكانة هذه الكلمة.. والأحاديث في فضلها كثيرة لا مجال لذكرها كلها.. ولكن نذكر شيئاً يسيرا منها.. ففي مسند الإمام أحمد أن رسول الله [ قال في حديث طويل: «وإن نبي الله نوحا [ لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق.. وأنهاك عن الشرك والكبر...» صححه الألباني. وتعرف حديث التسعة والتسعين سجلا؟! - نعم.. ذاك الرجل الذي لم يكن له من الخير إلا بطاقة كتب فيها «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله» رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. - وهناك حديث طويل عن أهوال النار.. ومنه «فيقول الله عز وجل: «شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط إلا أنهم لم ينقضوا لا إله إلا الله..» (مسلم). فلا يبقى في النار أحد قال لا إله إلا الله صادقا.. {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} (النساء:48). - وهل تنفع «لا إله إلا الله».. من لم يصلِّ أو يصم أو يأت بالطاعات.. ومن وقع في شرب الخمر وربما السرقة والزنى.. وغيرها من الكبائر وربما قتل النفس التي حرم الله؟ - نعم.. تنفعه «لا إله إلا الله».. إن لم يقلها منافقا كاذبا.. هذه عقيدة أهل السنة والجماعة.. فكل ذنب دون الشرك يكون إلى الله أن يغفره أو يعذب عليه.. وإن عذب الله عليه العبد فإنه ينال جزاءه.. ثم يؤخذ به إلى الجنة.. وهذا مصداق الحديث الذي ذكرناه قبل.. «عتقاء الرحمن».. لم يفعلوا خيرا قط على الإطلاق.. ولكنهم لم يقعوا في الشرك ولم ينقضوا «لا إله إلا الله». والأحاديث الأخرى في عظم كلمة لا إله إلا الله كثيرة، منها حديث «الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأعلاها لا إله إلا الله» مسلم، وحديث: «من ختم له بإطعام مسكين محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة، ومن ختم له بصوم محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة، ومن ختم له بقول لا إله إلا الله محتسبا على الله دخل الجنة» صححه الألباني، وحديث: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الشكر الحمد لله» صححه الألباني. اعداد: د. أمير الحداد |
الساعة الآن : 09:54 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour