غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (1) مختصر للأوضاع التاريخية في غزة كتبه/ علاء بكر فقد أسس الكنعانيون مدينة غزة في القرن الخامس عشر ق. م، التي كانت عبر التاريخ محورًا في طرق القوافل التجارية في العالم القديم، ولم يكن لغزة طوال تاريخها حكمًا مستقلًا حيث احتلها بسبب موقعها الجغرافي غزاة كثيرون، لكن بعد أن فتحها المسلمون العرب عام 635م صارت مركزًا إسلاميًّا مهمًّا. ويمثِّل قطاع غزة حاليًا المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني المطل على البحر الأبيض المتوسط، ويأخذ القطاع شكل شريط ساحلي ضيق يقع شمال شرق شبه جزيرة سيناء، يبلغ طول قطاع غزة نحو 41 كيلو متر، بينما يبلغ عرضه ما بين 6-12 كيلو متر، وتبلغ مساحته الإجمالية نحو 365 كيلو متر، ويشهد القطاع حاليا كثافة سكانية عالية إذ يسكنه رغم صغره نحو 3و2 مليون نسمة، غالبيتهم مسلمون مع أقلية من النصارى. ولقطاع غزة حدود مع فلسطين التاريخية بطول 51 كيلو متر، وحدود مع مصر عند رفح بطول 11 كيلو متر، ويتكون القطاع من خمس محافظات: محافظتي: غزة وشمال غزة شمالًا، ثم محافظة دير البلح في الوسط، وجنوبًا محافظتي: خان يونس، ورفح. وفي القطاع شارعان رئيسيان طويلان: شارع صلاح الدين الذي يمتد بطول القطاع بدايته من أعلاه شمالًا (شمال غزة) حتى أسفله جنوبًا (رفح) بطول نحو 45 كيلو متر، وشارع الرشيد (الكورنيش) الممتد بطول ساحل البحر المتوسط. والقطاع صيفه حار شبه جاف، وشتاؤه ممطر دافئ، تهطل غالبية أمطاره بين شهري: نوفمبر وفبراير. ومن الناحية التاريخية: كان قطاع غزة -وهو جزء من فلسطين والشام- تحت حكم الدولة العثمانية حتى عام 1918م، ثم أصبح -كسائر أرض فلسطين- بعد هزيمة الدولة العثمانية وسقوطها في الحرب العالمية الأولى تحت الانتداب البريطاني. وعند صدور قرار منظمة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين كانت غزة ضمن حدود الدولة العربية في فلسطين، وبعد حرب 1948 وطبقًا لاتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في 24 فبراير 1949 وضع خط للتقسيم -وليس بخط حدود دولية- وأصبح القطاع تحت إدارة العسكرية المصرية لتتولى مصر إدارة شئونه. وقد شهد القطاع خلال حرب 1948 وما بعدها نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى القطاع والمعيشة فيه، فارين من اعتداءات ومجازر اليهود؛ الذين عمدوا إلى تهجير هؤلاء الفلسطينيين بالقوة من ديارهم داخل إسرائيل المعلن عنها في 15 مايو 1948، وكذلك من الأراضي التي سعى اليهود إلى احتلالها وضمها إلى إسرائيل المعلنة رغم أنها داخل حدود الدولة العربية الفلسطينية في قرار تقسيم فلسطين عام 1947 بين اليهود والعرب، وقد أقيمت لهؤلاء اللاجئين مخيمات للعيش فيها، ونظرًا لضخامة أعدادهم وشدة احتياجاتهم كان إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين في نوفمبر 1948، التي تطورت في ديسمبر 1949 من هيئة إغاثة إلى هيئة للإغاثة وللتشغيل أيضًا، والتي عرفت اختصارًا باسم: (الأونروا). وكان غرض الغرب من إنشاء هذه الهيئة هو العمل على تحويل قضية فلسطين بعد نكبة 1948 إلى مجرد قضية لاجئين، حيث لجأ كثير من الفلسطينيين النازحين إلى دول عربية مجاورة، بينما لجأ 55% من النازحين إلى فلسطين العربية وقطاع غزة؛ مما تسبب في مضاعفة عدد السكان بالقطاع الذي أصبح مكتظًا بالسكان. وقد قُدِّر وقتها عدد اللاجئين الفلسطينيين بنحو 752 ألف لاجئ، منهم نحو 20 ألف فقط يعملون وقادرون على إعالة أنفسهم؛ بالإضافة إلى إعالة نحو 60 ألف آخرين، ونحو 150 ألف لهم وسائل خاصة يمكنهم العيش منها، بينما هناك نحو 652 ألف في حاجة إلى المعونة والإغاثة، وقد ساهمت 33 دولة في تمويل هيئة الإغاثة وقتها بمبلغ تجاوز 30 مليون دولار. (راجع: الأهرام عدد الجمعة 8 ديسمبر 2023، ص 2). حكومة عموم فلسطين: اتخذت الجامعة العربية قرارًا بإنشاء حكومة فلسطينية، باسم: (حكومة عموم فلسطين)، واختارت الجامعة (أحمد حلمي باشا) أحد الشخصيات العربية الوطنية رئيسًا لتلك الحكومة، وأعقب ذلك عقد المؤتمر الفلسطيني الوطني في غزة في 30 سبتمبر 1948 لإضفاء الشرعية الشعبية على الحكومة، وشهد المؤتمر حضورًا كبيرًا. وقد اعترفت مصر بحكومة عموم فلسطين في 12 أكتوبر 1948، وكذلك اعترفت بها من الدول العربية كلٌّ من المملكة السعودية والعراق وسوريا ولبنان واليمن، إلى جانب اعتراف أفغانستان بها. ولتكوين نواة لجيش فلسطيني لهذه الحكومة تم تدعيم قوات (الجهاد المقدس) المشاركة في حرب 1948، وتم تأليف قيادة لإدارة شئون القتال في المنطقة الجنوبية من فلسطين، وكانت وحدات هذا الجيش تعمل تحت إشراف القيادة المصرية، ولكن مع تدهور أحوال القتال خلال حرب 1948 وتعرض الجيوش العربية للهزائم، وتزايد عدد اللاجئين الفلسطينيين الفارين إلى قطاع غزة زادت مشاكل القطاع الاقتصادية، ومع تزايد الخطر المحدق اضطر أعضاء الحكومة إلى مغادرة غزة. وفي اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في فبراير 1949 تم تحديد تسليح قطاع غزة، وألزمت مصر بأن تكون قواتها هناك دفاعية، مما أعاق البرنامج العسكري لحكومة عموم فلسطين. ورغم وجود تأييد عربي لحكومة عموم فلسطين؛ إلا أن الحكومة فقدت الفاعلية المطلوبة للاستمرارية لعدة أمور، منها: - عدم تواجد إجماع عربي على الاعتراف بهذه الحكومة. - عدم السعي الجاد للحصول على اعتراف العالم الخارجي لهذه الحكومة. - عدم انسحاب الدول العربية من الأجزاء الفلسطينية الموجودة تحت سيطرتها وتسليمها لهذه الحكومة، مع إبقاء القوات العربية المقاتلة للوقوف أمام العصابات اليهودية. - عدم تقديم الدعم المالي الكافي لتلك الحكومة. - عدم تشكيل جيش فلسطيني لإنقاذ فلسطين وتحرير ما فقد منها. ورغم اعتراف الأمم المتحدة وقتها بإسرائيل بالأردن فلم تصدر من الأمم المتحدة أي إشارة إلى اعترافها رسميًّا بحكومة عموم فلسطين كممثل للشعب الفلسطيني، ولعل مما ساهم في عدم الاعتراف هذا فقدان تلك الحكومة للإجماع العربي أو التأييد العربي القوي لها، ولفتور الجامعة العربية في التعامل مع تلك الحكومة. وفي 23 سبتمبر 1952 قررت الجامعة العربية تجميد أعمال حكومة عموم فلسطين، وبوفاة أحمد حلمي باشا رئيس حكومة عموم فلسطين أسدل الستار على هذه الحكومة. (للاستزادة راجع في ذلك: "حكومة عموم فلسطين في ذكراها الخمسين"، تأليف: محمد خالد الأذعر، وتقديم محمد حسنين هيكل - ط. دار الشروق). مصر وإدارة قطاع غزة: تولت مصر إدارة غزة عبر مرحلتين: الأولى: كانت بين عامي: 1948 و1956، والثانية: بين عامي: 1957 و1967، وبينهما كانت هناك مدة قصيرة استولت فيها إسرائيل على القطاع خلال العدوان الثلاثي عام 1956. وقد تولى عبد الله رفعت الحكم الإداري المصري في المرحلة الأولى، وفيها أعانت مصر القطاع على وضع دستور لحكم غزة، مما مهد بعد ذلك في إقامة أول مجلس نيابي فلسطيني خلال المرحلة الثانية من الحكم الإداري المصري للقطاع، والذي افتتح رسميًّا في مدة حكم مصر الثانية للقطاع، بينما تولى اللواء محمد حسن عبد اللطيف منصب الحاكم الإداري للقطاع في عام 1957، واستمر في هذا المنصب حتى حرب 1967، أي: طوال عشر سنوات كانت الأراضي الصالحة للزراعة في غزة لا تتجاوز ثلث مساحة القطاع، والباقي مجرد كثبان رملية، وكانت الموالح أهم المحاصيل، إلى جانب محاصيل صغيرة من العنب والتين، والتفاح والمشمش، بينما كانت غلة الحبوب ضعيفة؛ لذا تقرر إقامة مشروع لاستصلاح الأراضي غير المزروعة لتحسين الإنتاج الزراعي. أما النشاط الصناعي في القطاع فلم يكن له شأن إذ كان هناك مصنعًا ميكانيكيًّا لصناعة النسيج معطلًا، ويتم صناعة النسيج يدويًّا مع قلة تواجد الغزل، مما ترتب عليه استيراد القطاع الأقمشة من الخارج، وكانت هناك صناعة الصابون ومعاصر لزيت السمسم، إلى جانب دبغ الجلود وصناعة طوب البناء، ونظرًا لضعف اقتصاد القطاع فكانت مصر تتحمل في فترة إدارتها للقطاع سد أي عجز بين الإيرادات والمصروفات، كما كانت تدعم مصر القطاع بالدقيق لإغاثة الفقراء، وتصدر أيضًا الغزل المصري للقطاع. (راجع: الأهرام عدد الجمعة 24 نوفمبر 2023، ص 2). وقد شهدت غزة في المرحلة الثانية لحكم مصر الإداري إقامة أول مجلس نيابي فلسطيني، والذي تم اختياره بالتعيين مع مراعاة وجود ممثلين عن كل بلدة في القطاع، مع وجود عضو ممثل للاجئين أيضًا في القطاع، وقد افتتح أعمال المجلس أنور السادات السكرتير العام للاتحاد القومي مندوبًا عن الرئيس عبد الناصر. احتلال إسرائيل لغزة: ظلت غزة من بعد حرب 1948 تحت الإدارة المصرية، ولكن خلال العدوان الثلاثي من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر في عام 1956 استولت إسرائيل على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ثم أرغمت إسرائيل بعد ضغوط دولية على الانسحاب من قطاع غزة ومن سيناء، لتتولى مصر من جديد إدارة شئون القطاع. وقد شهد قطاع غزة خلال مدة الاحتلال القصيرة تلك مجازر من إسرائيل، وتعقبًا للشباب الفلسطيني الذين كانوا ينتمون لجيش التحرير، كما حاولت إسرائيل خلال هذه المدة من الاحتلال تغيير واقع القطاع تمهيدًا لضمه إلى أراضيها، ولكن تصدى لها أهل غزة، كما حاولت إسرائيل تدويل القطاع عن طريق تعديل مهام واختصاصات قوات الطوارئ في المنطقة لتبقى غزة تحت حكم قوات الطوارئ بعيدًا عن الرعاية المصرية، ولكن تصدى لها الأهالي مرة أخرى مدعومين من مصر ففشلت المحاولة، وظلت قوات الطوارئ حتى انسحابها مقتصرة على واجباتها الأساسية من مراقبة وقف إطلاق النار، وتعقب القوات المعتدية إلى خطوط الهدنة، وفي ظل استقرار الحكم المصري الإداري للقطاع انسحبت قوات الطوارئ من أراضي القطاع، وخلال حرب يونيو 1967 استولت إسرائيل على قطاع غزة مرة أخرى. غزة تحت الاحتلال الصهيوني: شهدت غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي من يونيو عام 1967 ظروفًا غاية في القسوة والسوء حيث: - فر من غزة عشرات الآلاف من أهالي القطاع خوفًا من ارتكاب مجازر إسرائيلية جديدة، كما حدث خلال الاحتلال العسكري لغزة خلال العدوان الثلاثي في عام 1956. - منعت سلطة الاحتلال عودة كل من كانوا خارج قطاع غزة من أهله من الفلسطينيين عند اندلاع حرب 1967 من العودة إلى القطاع، واعتبرتهم من النازحين الذين ليس لهم حق العودة لأرضهم وديارهم، ولم تعد تشملهم أي إحصائيات إسرائيلية للقطاع. - دأبت قوات الاحتلال طوال سنوات الاحتلال على القيام بالعقوبات الجماعية للفلسطينيين في القطاع من خلال اقتحام المنازل ليلًا للبحث عن السلاح واعتقال الكثيرين من الرجال والشبان لمدد مختلفة دون توجيه تهم إليهم، إلى جانب فرض حظر التجوال على السكان. سرحت سلطة الاحتلال الآلاف من موظفي الحكومة من الفلسطينيين، وأحرقت بعض مراكب الصيادين لحرمان أصحابها من مصدر رزقهم. - منع قيام أي مؤسسات أو نقابات فلسطينية. ومن خلال تلك القبضة الحديدية للاحتلال: - تكرر من بداية السبعينيات فرض حظر التجول من وقت لآخر في المخيمات، وتكررت عمليات التدمير المتعمد لمنازل أي مشتبه فيهم لدى سلطة الاحتلال، وتكرر الإتلاف لمساحات كبيرة من بساتين البرتقال بدعوى تمهيد الطرق للمركبات الإسرائيلية، وكان يصحب ذلك عمليات تفتيش للبيوت بطريقة همجية والضرب بوحشية، والاستجواب والاعتقال، والتعذيب والسجن لفترات متفاوتة لمئات الفلسطينيين، وفرض الغرامات الكبيرة بآلاف الشيكل (العملة الإسرائيلية) على الأهالي، مع تواجد دوريات عسكرية تجوب الشوارع في كل المدن والقرى لإحكام السيطرة على القطاع. - تم شق الطرق داخل المخيمات المكتظة بالسكان بعد تجريف آلاف المنازل، وتشريد الآلاف من سكانها ونقل الكثير منهم إلى سيناء المحتلة في 1967 وإلى (أريحا) المحتلة في الضفة الغربية لنهر الأردن. - فرض الكثير من القيود والتضييق على الدراسة خاصة الجامعية والرقابة على الصحف، ومنع أي أنشطة نقابية، ومنع أي أنشطة أدبية أو ثقافية تعبر عن الهوية الفلسطينية، ومنع أي تظاهر أو تجمع سلمي باستخدام القوة المفرطة؛ مما تسبب مرارًا في قتل وجرح متظاهرين واعتقال المئات منهم وحبس الكثيرين منهم حبسًا إداريًّا تعسفيًّا، إلى جانب فرض العديد من صور الضرائب والرسوم المرتفعة على سكان القطاع. ورغم صدور قرارات شجب متعددة من منظمة الأمم المتحدة لتلك السياسات الظالمة والممارسات الوحشية، فلم تتوقف سلطة الاحتلال عن تلك السياسات والممارسات، بل تزايدت وتيرتها وشدتها مع الأيام. معاناة سكان القطاع تحت الاحتلال: - عانى سكان غزة من تدخل سلطة الاحتلال الإسرائيلية في شئون الدراسة والتعليم من خلال إرغام الطلاب الفلسطينيين على الانصياع لما تفرضه عليهم على حساب القيم والهوية العربية الفلسطينية، بل ودفع الاحتلال الشباب إلى ترك الدراسة والتعليم، والتوجه إلى سوق العمل أو الهجرة خارج القطاع تحت وطأة الحياة الاقتصادية الصعبة في القطاع نتيجة لإضعاف الاحتلال لاقتصاد القطاع من خلال التحكم الكامل فيه وتوجيهه، إذ عمدت سلطة الاحتلال ربط اقتصاد القطاع المنهك باقتصاد إسرائيل المتطور بما يحقق الهيمنة على اقتصاد القطاع لخدمة الاقتصاد الإسرائيلي، وجعل سوق القطاع المحلي سوقًا مغلقًا لتصريف البضائع والمنتجات الإسرائيلية، واتخاذ القطاع ليكون طريقًا بصورة غير مباشرة لغزو المنتجات الإسرائيلية لأسواق الدول العربية المجاورة. - كما عانى سكان غزة من ضعف وتدهور الأوضاع الصحية، إذ أهملت سلطة الاحتلال تحسينها فعانى الأهالي بصورة دائمة من ضعف ونقص الخدمات الصحية اللازمة، يتضح ذلك عند مقارنة الأوضاع الصحية في غزة والأوضاع الصحية داخل إسرائيل، وهو ما دفع الفلسطينيين أصحاب الأمراض الشديدة إلى طلب العلاج في المستشفيات داخل إسرائيل. مقاومة أهل القطاع للاحتلال: رغم شدة قمع سلطة الاحتلال فقد قاوم الفلسطينيون الاحتلال وتصاعدت صور المقاومة وبلغت ذروتها في (انتفاضة الحجارة) عام 1987م، وقد سميت تلك الانتفاضة التي بدأت في 8 ديسمبر 1987 بانتفاضة الحجارة حيث كانت الحجارة هي الأداة الرئيسية للمقاومة فيها؛ خاصة من الأطفال الفلسطينيين، والذين أطلق عليهم إعلاميًّا (أطفال الحجارة). بدأت شرارة الانتفاضة من قطاع غزة بنزول الفلسطينيين إلى الشوارع للتظاهر، وقيامهم بمواجهة الدوريات الإسرائيلية وقذفها بالحجارة، وامتدت إلى سائر المناطق المحتلة الأخرى. وقد بلغت وحشية جنود الاحتلال في مواجهتها؛ أن قاموا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وتكسير عظام الأطفال، وإجهاض الحوامل، وغير ذلك من الممارسات التي أظهرت للعالم على قلة نقل صورها وتداولها إعلاميًّا، مقدار القمع المفرط للاحتلال والظلم الفادح للفلسطينيين. استمرت تلك الانتفاضة مشتعلة طوال عامي: 1988 و1989 ببسالة وشجاعة منقطعة النظير رغم ضخامة التضحيات التي قدمتها، وقد تحولت الانتفاضة إلى عصيان مدني واسع في مواجهة الاحتلال. وفي المقابل قام جيش الاحتلال بحملة اعتقالات واسعة، وضرب وتعذيب بلغ حد تكسير عظام المتظاهرين والمعتقلين عقابًا لهم على قذفهم لجنود الاحتلال بالحجارة، إلى جانب هدم المنازل ومصادرة الممتلكات والأراضي. وقد بلغ المعدل اليومي لشهداء الانتفاضة مع نهاية الشهر الثامن للانتفاضة ما بين 3 - 4 شهداء يوميًّا، ومعدل الجرحى نحو 396 جريحًا يوميًّا؛ منهم أطفال ونساء وشيوخ، وقد تم اعتقال نحو 30 ألف معتقل ومعتقلة، وبلغ عدد الجرحى والمصابين ممن كسرت عظام أطرافهم نحو 17 ألف مصاب، منهم 25% من الأطفال، وتم نسف نحو مائة بيت ترك سكانها في العراء، كما تم إبعاد 28 شابًا فلسطينيًّا عن وطنهم بدعوى قيادة الانتفاضة، وتعرضت أكثر من 200 امرأة فلسطينية من الحوامل للإجهاض. وقد شهدت تلك الانتفاضة ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكانت البداية من (جباليا) في غزة، ومع دخول عام 1990 تراجعت وتيرة الانتفاضة وتحولت إلى مواجهات محدودة بعد أن كانت جماهيرية. وفي أعقاب حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) تمكنت المساعي الأمريكية من رعاية مفاوضات للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وبعد اتفاق (أوسلو) في سبتمبر 1993 قبلت إسرائيل فيها قيام حكم ذاتي محدود للسلطة الفلسطينية الوليدة في قطاع غزة وفي أريحا بالضفة الغربية، وعليه تم استقبال ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية استقبالًا جماهيريًّا عند دخوله غزة في 11 يوليو 1994. الانتفاضة الفلسطينية عام 2000: بدأت الانتفاضة في أعقاب الزيارة الاستفزازية للإرهابي آريل شارون للمسجد الأقصى، حيث جرت مواجهات بين المصلين في المسجد الأقصى وجنود الاحتلال الذين أطلقوا الرصاص على المصلين، فكانت الشرارة للانتفاضة التي امتدت من القدس إلى كل أرجاء فلسطين. وقد تميَّزت هذه الانتفاضة بشدة وتصاعد العمليات المسلحة من رجال المقاومة الفلسطينية ضد جنود الاحتلال، وقد حشدت سلطة الاحتلال 60 ألف جندي لمواجهة الانتفاضة ودفعت بمئات من الدبابات والطائرات، وهاجمت المدن الفلسطينية بشراسة من البر والجو والبحر، ودمرت البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية، بل ودمرت مؤسسات السلطة الفلسطينية. وقد بلغ عدد الشهداء 4412 فلسطينيًّا، وبلغ عدد الجرحى 48322، بينما قتل من الجيش الإسرائيلي 334 جنديًّا، وقتل من المستوطنين اليهود 735 مستوطنًا، بينما بلغ عدد الجرحى 4500 إسرائيليًّا، مع إعطاب 150 دبابة إسرائيلية، وتدمير عدد من المدرعات وسيارات الجيب الإسرائيلية. وقد شهدت تلك الانتفاضة عدة اجتياحات إسرائيلية للضفة الغربية وقطاع غزة، وكان من أصعب أحداث الانتفاضة التي تداولتها وكالات الأنباء العالمية فيديو مقتل الطفل (محمد جمال الدرة)، وهو يحتمي في حضن أبيه الأعزل الذي كان يختفي بدوره خلف (برميل) حجري يتقي به رصاص جنود الاحتلال الذي لا يتوقف، وأيضًا مقتل الطفلة (سارة) وهي داخل سيارة والدها، وضرب سيارات الإسعاف لمنع وصولها إلى الجرحى والمصابين من الفلسطينيين. وقد توقفت الانتفاضة بصفة رسمية بتوقف العمليات العسكرية عقب اتفاق هدنة تم توقيعه في شرم الشيخ في فبراير 2005 بين الرئيس الفلسطيني محمد عباس أبو مازن -الذي تولى رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة ياسر عرفات- وبين أريل شارون -المتسبب في هذه الانتفاضة- رئيس وزراء إسرائيل وقتها. حماس وحكم غزة: مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 ظهرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بقيادة اثنين من قادة الإخوان المسلمين: الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وبدأ التحضير للعمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي عام 1991 اعتقلت سلطات الاحتلال الشيخ أحمد ياسين -رئيس حركة حماس- والمئات من أعضاء الحركة، وحكم على الشيخ بالسجن مدى الحياة، ثم أفرج عنه في عام 1997 خلال عملية تبادل أُفرِج فيها عن اثنين من عملاء الموساد كان ألقي القبض عليهما في الأردن مقابل الإفراج عن الشيخ. وعندما أجرت السلطة الفلسطينية انتخابات المجلس التشريعي الأول عام 1996 قاطعتها حماس، وعقب تنفيذ حماس لعدد من العمليات العسكرية ضد جنود الاحتلال اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين في 22 مارس 2004، ثم اغتالت الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في 17 إبريل 2004. وفي عام 2005 وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة شارون بالانسحاب الأحادي من قطاع غزة، وبالفعل انسحبت القوات الإسرائيلية من قطاع غزة بالكامل في 12 سبتمبر 2005 حيث أعلن انتهاء الحكم العسكري الإسرائيلي للقطاع، وقد عدت حماس ذلك انتصارًا لها. وقد فرضت إسرائيل عقب انسحابها سيطرتها الخارجية على القطاع بحصاره برًّا وبحرًا وجوًّا، كما سيطرت سيطرة غير مباشرة على الحياة الداخلية في القطاع من خلال التحكم في بوابات الدخول والخروج من القطاع، كما أقامت منطقة عازلة داخل القطاع، وأعطت نفسها حق اقتحام القطاع والتوغل فيه في أي وقت شاءت. شاركت حماس في الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة فحصلت على 38% من أصوات الناخبين. ثم شاركت في يناير 2006 في الانتخابات التشريعية الثانية، فنالت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي أكثر قليلًا من نصف المقاعد، بينما حصلت منظمة فتح في تلك الانتخابات على أكثر قليلًا من ثلث المقاعد، ونظرًا لكون رئيس السلطة الفلسطينية (أبو مازن) من منظمة فتح، ولكون معظم موظفي السلطة أيضًا من منظمة فتح، وكذلك أجهزة الأمن الفلسطينية تابعة لمنظمة فتح، فقد ظهرت العقبات أمام تشكيل حركة حماس التي تمارس المقاومة المسلحة لحكومة السلطة الفلسطينية؛ خاصة وأن هذه السلطة إنما تعمل متعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي، مما يجعل الجمع بين التزامات السلطة وبين الاستمرار في المقاومة المسلحة متعارضًا. عرضت حماس تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الفصائل الفلسطينية الأخرى أحجمت عن المشاركة، بينما عارضت إسرائيل حكم حماس، كما أعلنت الإدارة الأمريكية مقاطعة حكومة حماس، مع إبداء تأييدها لمحمود عباس الذي طالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية تلبي المطالب الدولية. اندلعت الاشتباكات بين فتح وحماس، وجرت محاولة لاغتيال وزير داخلية الحكومة التي شكلتها حماس، وأخرى لاغتيال (إسماعيل هنية) رئيس هذه الحكومة، وبعد جهود عربية لحل الأزمة تم التوصل إلى (إعلان مكة) في 8 فبراير 2007؛ وعليه قدم هنية استقالة حكومته، مع تكليفه بتشكيل وزارة جديدة في مناطق الحكم الذاتي، لكن إعلان مكة لم يمنع تجدد الاقتتال بين فتح وحماس من جديد وتدهورت الأحوال، فقامت حماس بالسيطرة بالقوة على قطاع غزة في يونيو 2007 لتنفرد بحكمه، وبالتالي فصله سياسيًّا وجغرافيًّا عن الضفة الغربية، وهو ما اعتبرته فتح انقلابًا عسكريًّا. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (2) الحروب الإسرائيلية على غزة كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمنذ أن تولت حركة حماس -التي ترفع شعار المقاومة- الحكم في قطاع غزة، سارعت إسرائيل إلى العمل على إضعافها والسعي إلى القضاء عليها، واتخاذ المواقف العدائية تجاهها، بفرض الحصار عليها، والسعي لكسب التأييد الدولي لعزل حماس، مع عرقلة تواصل المفاوضات بين الفلسطينيين، وامتنعت كذلك عن مواصلة الانسحاب من الضفة الغربية خشية سيطرة حماس عليها، كما حالت بين حماس وبين السيطرة على أي معبر لغزة، وسرعان ما تطورت الأمور إلى التصعيد الإسرائيلي الميداني من خلال سياسة الاغتيالات والاعتقالات والاجتياحات للقطاع، وإظهار التعنت والشدة في التعامل مع الفلسطينيين عامة وقطاع غزة خاصة، والتمادي في إلحاق الأضرار البالغة بهم، وفي خطوة لا مثيل لها عمدت إلى اعتقال وزراء ونواب من حماس، والتهديد بتصفية رئيس حكومتها (إسماعيل هنية). وبلغ الأمر ذروته بقيام إسرائيل في تحدٍّ سافر بشن ثلاثة حروب عنيفة على القطاع في أعوام 2008 و2012 و2014 لتوجيه ضربات عسكرية موجعة مباشرة ضد حركة حماس للقضاء عليها، ولزعزعة ثقة سكان قطاع غزة خاصة وسائر الفلسطينيين عامة في قدرة حماس على مواجهة إسرائيل، وفي قدرتها على حماية الفلسطينيين ومصالحهم الحيوية في قطاع غزة. الحرب الإسرائيلية الأولى عام 2008: أطلقت إسرائيل على هذه الحرب اسم: (الرصاص المصبوب)، وأطلقت حماس على مواجهتها اسم (حرب الفرقان)؛ كان الغرض الأساسي للقوات الإسرائيلية إنهاء إطلاق حماس لصواريخها من غزة على جنوب إسرائيل والمستوطنات بطريقة رادعة، بينما كان غرض حماس من التصدي لهذا العدوان إفشال العدوان، ورفع الحصار المفروض فعليًّا على قطاع غزة. بدأ العدوان الإسرائيلي بعد انتهاء تهدئة بين إسرائيل وحماس تم الاتفاق عليها برعاية مصرية في يونيو 2008 تعهدت فيها حماس والفصائل الفلسطينية بالامتناع عن إطلاق صواريخها على المستوطنات والمدن الإسرائيلية، في مقابل قيام إسرائيل برفع الحصار عن غزة وفتح المعابر والامتناع عن أعمالها العدائية. رفضت حماس مد التهدئة عقب انتهاء مدتها؛ نظرًا لأن إسرائيل لم تفِ بتعهداتها -كالعادة- برفع الحصار وفتح المعابر طوال مدة التهدئة السابقة، بل قامت بـ(162) اختراق للهدنة بمبررات واهية أو بدون؛ كان أشدها القيام بغارة جوية على قطاع غزة أسفرت عن مقتل 6 من المسلحين من حماس؛ بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة ضد الصيادين الفلسطينيين واعتقال مدنيين فلسطينيين؛ لذا قامت حماس والفصائل الفلسطينية بعد انتهاء فترة الهدنة في يوم الجمعة 19 ديسمبر بإطلاق صواريخ وقذائف هاون على المستوطنات الإسرائيلية وعلى جنوب إسرائيل ردًّا على تجاوزات إسرائيل السابقة، وقابلت إسرائيل ذلك بالتهديد بالقيام بعملية عسكرية ضد القطاع. ورغم المساعي الدولية والمصرية للتهدئة ومنع العدوان الإسرائيلي، قامت إسرائيل يوم السبت 27 ديسمبر 2008 -وهو يوم راحة في الديانة اليهودية- بشن عدوان وحشي على قطاع غزة استمر حتى يوم 18 يناير 2009، في مواجهة غير متكافئة بين قوات الجيش الإسرائيلي المدعومة جوًّا وبحرًا وبين حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة محدودة الإمكانيات؛ تعمدت القوات الإسرائيلية خلالها قتل المدنيين الفلسطينيين العزل، وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة. بدأ العدوان بقيام 80 طائرة إسرائيلية بقصف مكثف لأهداف حددتها، منها: المقار الأمنية لحماس، والأماكن التي يتوقع أن فيها يتم إنتاج الصواريخ أو إطلاقها، إلى جانب أهداف مدنية كانت منها منشآت صحية ومستشفيات، ومقر الهلال الأحمر الفلسطيني، والجامعة الإسلامية في غزة، والمدارس، والمنازل، والمساجد. وبوحشية مفرطة استعملت القوات الإسرائيلية قنابل الفسفور الأبيض الحارقة المحرمة دوليًّا، التي تصيب مَن يتعرض لها بحروق مؤلمة وقاتلة، مع استخدام مادة اليورانيوم المخففة، حيث وجد لها آثار في أماكن تم الهجوم عليها في العدوان، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 420 فلسطينيًّا وجرح أكثر من 2000 آخرين معظمهم من المدنيين والأطفال والنساء. وفي اليوم الثامن من العدوان قامت القوات الإسرائيلية باجتياح بري موسع للقطاع مدعومة بطائرات الأباتشي وطائرات (إف 16)، وطائرات الاستطلاع، ودبابات (الميركافا)، مع القصف الذي شنته البوارج البحرية الإسرائيلية على طول الخط الساحلي لقطاع غزة على البحر الأبيض المتوسط. وفي المقابل: تصدت حماس والفصائل الفلسطينية للقوات المهاجمة برًّا، كما أطلقت صواريخها القصيرة والمتوسطة المدى على جنوب إسرائيل والمستوطنات، وفي الأسبوع الرابع من العدوان أوقفت إسرائيل إطلاق النار، فأعلنت الفصائل الفلسطينية هدنة لمدة أسبوع كمهلة لانسحاب القوات الإسرائيلية، لتنتهي أحداث المعركة العسكرية. وإلى جانب الخسائر المادية الفادحة في قطاع غزة نتيجة العدوان الغاشم، فقد استشهد 1417 فلسطينيًّا، وجرح 4336 آخرين، بينما اعترفت إسرائيل بمقتل 10 إسرائيليين، ومقتل 30 من المدنيين، وجرح 400 آخرين. الحرب الإسرائيلية الثانية عام 2012: أطلقت إسرائيل على هذه الحرب اسم: (عامود السحاب)، بينما أطلقت حماس على مواجهتها اسم: (حجارة السجيل)؛ جاء العدوان عقب إطلاق كتائب القسام الجناح العسكري لحماس صواريخها على جنوب إسرائيل ردًّا على اغتيال إسرائيل لـ(أحمد الجعبري) أحد أكبر قادة كتائب القسام، وهو يقود سيارته في وسط مدينة غزة، وقع هذا الاغتيال رغم وجود اتفاق تهدئة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية برعاية مصرية. بدأ العدوان يوم 14 نوفمبر 2012 واستمر لمدة 8 أيام دون قيام إسرائيل باجتياح بري للقطاع، ورغم الإعلان عن استدعاء 75 ألف جندي احتياط إسرائيلي، وحشد آلياتها العسكرية على حدود القطاع الشرقية. قصفت القوات الإسرائيلية ورش لتصنيع الصواريخ ومنصات إطلاق لها ومخازن للأسلحة، والأنفاق المستخدمة في تهريب الأفراد والبضائع التي رصدتها إسرائيل، إلى جانب قصف مبانٍ حكومية ومؤسسات، ومدارس ومنازل، ومساجد، وقد استخدمت في القصف قنابل ثقيلة من وزن طن؛ مما تسبب في مجازر بشعة أودت بعائلات فلسطينية بأكملها. وفي المقابل: أبدت حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية بسالة غير عادية في الرد على هذا العدوان، كشفت عن تطور نسبي في إمكانياتها؛ إذ استخدمت صواريخ جديدة بعيدة المدى، وصل مداها ولأول مرة إلى مدن (هرتسيليا) و(تل أبيب) و(القدس). وقد قصفت المقاومة الفلسطينية البلدات والمواقع الإسرائيلية بـ(1573) صاروخًا وقذيفة، كما استهدفت الطائرات والقطع البحرية الإسرائيلية. وقد كشفت تلك الحرب عن امتلاك حماس والفصائل الفلسطينية لترسانة كبيرة نسبيًّا من الصواريخ تتحسن مع الوقت مع قدرتها على تصنيع صواريخ قصيرة المدى محليًّا يصل مداها إلى 10 و20 كيلو متر، مع امتلاكها صواريخ تصميمها صيني يصل مداها إلى 40 كيلو متر، إضافة إلى صاروخ (فجر 5) الذي يمكنه أن يصيب مدينة (تل أبيب)، ورغم أن هذه الصواريخ غير معقدة الصنع وغير دقيقة التوجيه لكنها شكَّلت خطرًا على إسرائيل، وحققت إصابات وخسائر بشرية ومادية مباشرة. بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين في ذلك العدوان 162 شهيدًا، منهم 42 طفلًا و14 امرأة، و8 شيوخ، وأصيب 1300 آخرين، بينما بلغت خسائر إسرائيل البشرية المعترف بها 6 أفراد، اثنان من العسكريين و4 من المدنيين؛ إضافة إلى 240 جريحًا. وقد امتنعت إسرائيل عن الاجتياح البري الموسع للقطاع خلال هذا العدوان خشية تكبدها خسائر مشابهة لما تكبدته في حربها مع حزب الله الشيعي في جنوب لبنان وقتها. الحرب الإسرائيلية الثالثة عام 2014: وهي أشد هذه الحروب الثلاثة وأطولها؛ إذ استمرت خمسين يومًا، وقد أطلقت إسرائيل عليها اسم (الجُرُف الصامد)، بضم الجيم والراء، بينما أطلقت حماس على مواجهتها: (العصف المأكول)، وأطلقت حركة الجهاد الإسلامي على مواجهتها اسم: (البنيان المرصوص). جاء العدوان الإسرائيلي عقب وقوع عملية فدائية في الخليل جنوب الضفة الغربية، ولم تعلن أي منظمة فلسطينية عن مسئوليتها عنها، بينما سارع (نتنياهو) رئيس الحكومة الإسرائيلية بتحميل حماس مسئوليتها، فشنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات لكوادر من حماس في الضفة العربية، ثم قامت بعدها بإعادة اعتقال عشرات الفلسطينيين في الضفة الغربية ممن كان قد تم تحريرهم في صفقة لتبادل أسرى فلسطينيين مقابل تحرير الجندي الإسرائيلي المختطف (جلعاد شاليط)، وتخلل ذلك قصف وتصعيد من جيش الاحتلال ضد المقاومة الفلسطينية، في الوقت الذي نشرت فيه إسرائيل بطاريات منظومة (القبة الحديدية) في مدنها للتصدي لأي صواريخ تطلقها الفصائل الفلسطينية. بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في منتصف ليلة 7 يوليو 2014 بشن غارات جوية على مواقع متفرقة من القطاع، وكان الغرض من العدوان: القضاء على قيادات حماس، والقضاء على البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية، من خلال تدمير قواعد إطلاق الصواريخ ومخازن السلاح ومستودعات الذخيرة؛ لذا سبق العدوان جهود كبيرة من المخابرات الإسرائيلية لجمع أكبر قدر من المعلومات عن البنية التحتية لفصائل المقاومة العسكرية، واستدعت إسرائيل عشرات الألوف من جنود الاحتياط للمشاركة في المعركة، واستخدمت إسرائيل في عدوانها كل أسلحة قواتها الجوية والبرية والبحرية، فأسقطت على القطاع نحو 40 ألف طن من المتفجرات، وشنت أكثر من 10 آلاف غارة مدفعية، استخدمت فيها قذائف شديدة الانفجار أحدثت دمارًا كبيرًا، كما استخدمت كالعادة قنابل الفسفور والقنابل الحارقة المحرمة دوليًّا، بينما أطلقت الزوارق الإسرائيلية من البحر صواريخ وقذائف بحرية شديدة الانفجار على المنازل والمباني الفلسطينيية، إذ اعتبرت قوات الجيش الإسرائيلي في وحشية مفرطة غير مبررة كل مبنى فلسطيني هدفًا مشروعًا لها، فضربت محطات معالجة المياه، وقصفت المؤسسات المالية والمصرفية، والمنشآت الصناعية والتجارية، وهدمت المستشفيات والمراكز والمنشآت الصحية، واستهدفت سيارات الإسعاف، والجامعات والمدارس الحكومية والخاصة والمدارس التابعة للأمم المتحدة (الأونوروا)، وقوارب الصيد، كما قصفت المناطق السكنية كثيفة السكان مما تسبب في مجازر راحت ضحيتها عشرات العائلات الفلسطينية بأكملها، وبدت غزة بعد العدوان السافر وكأنها تعرضت لزلزال عنيف مدمر. المواجهة الفلسطينية: كانت الفصائل الفلسطينية قد أعدت عدتها لمقاومة الاعتداءات الإسرائيلية على قدر الإمكانيات المتاحة لها، لكنها أدهشت الجميع: 1- ففي مواجهة التوغل والاجتياح البري توسعت المقاومة في إنشاء الأنفاق المحفورة تحت الأرض، بعمق ما بين خمسة إلى عشرين مترًا كسلاح مؤثر يمكن من خلالها تحرك وتنقل رجال المقاومة في الخفاء وبسرعة وسهولة، بعيدًا وفي مأمن من طيران ومدرعات العدو، بل ويمكنها منها التسلل خلف خطوط العدو الأمامية واستهداف مواقعه العسكرية ومناطقه القريبة منها. لقد بنت الفصائل شبكة سرية كبيرة وكثيفة من هذه الأنفاق تمتد لعدة كيلو مترات تحت الأرض، منتشرة تقريبًا في كل حي وشارع، لها مداخل ومخارج أشبه بمدينة كاملة تحت الأرض، فكانت لكثرتها وضخامتها مفاجئة صادمة للعدو الإسرائيلي، وقد استخدمت بعض هذه الأنفاق بالفعل في التسلل إلى داخل الكيان الصهيوني لمهاجمة أهداف أو زرع عبوات، ولتسهيل عمليات أسر وخطف جنود إسرائيليين وإخفائهم فيها، وكذلك نقل البضائع والأسلحة المختلفة لكسر الحصار الشامل الصارم المفروض على قطاع غزة من قبل جنود الاحتلال الذي استمر سنوات طويلة. 2- طورت الفصائل الفلسطينية صواريخها كسلاح فعال تنقل به أرض المعركة من قطاع غزة إلى داخل إسرائيل، وتحدث بها خسائر مباشرة تهدد بها أمن إسرائيل وسكانها، حيث يعد سكان إسرائيل في حقيقة الأمر محتلين غاصبين لأرض فلسطين العربية الإسلامية، فقد طردوا الشعب الفلسطيني من أرضه وأرض آبائه وأجداده، وأحلوا محله يهودًا جيء بهم من شتات الأرض من خلال احتلال استعماري عنصري بغيض، يهود يحصلون على جنسية الدولة وحق الإقامة فيها بمجرد دخولهم إليها، ويجدون فيها السكن والعمل، ويتمتعون فيها بخيرات الفلسطينيين وثروات بلادهم، ويعد كل واحد منهم -لقلة سكان إسرائيل ولكونها دائمًا في حالة حرب، وتقوم بعمليات عسكرية لا تتوقف ضد الفلسطينيين والعرب- هو جندي من جنود جيش الاحتلال لهذه الدولة، إما بالتجنيد الإجباري أو بكونه من جنود الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم للقتال عند الحاجة وفي أي وقت وعند كل تعبئة للجيش، طالما أن سنه يسمح له بالمشاركة في القتال، أي: لإسرائيل حق طلبه للخدمة في الجيش الإسرائيلي متى احتيج إليه. واليهود لا يقرون بحق الشعب الفلسطيني في الوجود داخل أرضه والعودة إليه بعد أن أجبروه على النزوح منها بالقوة الغاشمة، ولا يقبلون منه حق المقاومة أو الدفاع عن حقوقه المشروعة، ولا يتورعون عن تشتيته في بقاع الأرض أو إبادته إبادة جماعية بكل وسائل العدوان، بلا رادع من دين أو إنسانية، أو قوانين ومواثيق دولية، ومن خلال مجازر ومذابح وحشية مروعة، ومن خلال القمع والاعتقال والسجن والتهجير والإبعاد، ومن مصادرة الأراضي وإتلاف المزروعات، وهدم البيوت ونسف المنازل ومداهمة المخيمات باستمرار، ومن مصادرة الأموال وفرض الغرامات والضرائب المجحفة على الفلسطينيين المصرين على التمسك بالبقاء في ديارهم وفي مدنهم المحتلة. 3- صارت صواريخ المقاومة الفلسطينية أبعد مدى وأكثر حمولة من المتفجرات وأدق تصويبًا في استهداف أهدافها، مع القدرة الكبيرة على تصنيعها محليًّا وإخفائها وتخزينها؛ صواريخ تطلق من منصات أرضية وتحت أرضية، ثابتة ومتحركة، مع القدرة على التمويه، مع إمكانية إطلاقها بأعداد كبيرة في وقت واحد، وعلى علو منخفض يعوق أي رصد لها بالرادارات، وبالتالي صعوبة اعتراضها قبل الوصول لأهدافها، حيث: - استخدمت المقاومة صواريخ سوفيتية الصنع من طراز (كاتيوشا) و(جراد)، من عيار 107 ميليمتر، يبلغ مداها 10 كيلو متر. - استخدمت صواريخ (القسام 1 والقسام 2)، ومداها من 9 - 12 كيلومتر. - استخدمت صاروخ (القسام 3) المتطور، ومداه 16 كيلو متر. - استخدمت صاروخ (الكاتيوشا) عيار132، ومداه 15 كيلو متر. - استخدمت صاروخ (فجر 5) الإيراني الصنع المطور في سوريا، ويبلغ مداه 100 كيلو متر، أي: يمكنه الوصول إلى تل أبيب عاصمة إسرائيل، بحمولة تفجيرية 90 كيلو جرام. - استخدمت الصاروخ (إم 75) متوسط المدى، مداه 75 كيلو متر، وبحمولة تفجيرية 70 كيلو جرام. - استخدمت الصاروخ (أر160)، ومداه 120 كيلو متر، بحمولة تفجيرية 45 كيلو جرام. - استخدمت الصاروخ (إم 302) سوري الصنع، مداه 150 كيلو متر، وحمولة تفجيرية 145 كيلو جرام. وهذا يبين -وبوضوح- مدى التقدم النوعي في منظومة صواريخ المقاومة الفلسطينية؛ إضافة إلى زيادة كميتها العددية، مع القدرة على إنتاجها محليًّا بمواد مهربة إلى غزة. وقد اضطرت قوات الجيش الإسرائيلي خلال تلك الحرب إلى الامتناع من استخدام مروحيات (الأباتشي) رغم الحاجة إليها في رصد الأهداف وتحركات المقاومة، وذلك بعد رصد صاروخ (سام7) الروسي الصنع الذي أطلقته المقاومة في سماء خان يونس، وهو صاروخ قادر على إسقاط طائرات الأباتشي المروحية، كما لجأت القوات البحرية الإسرائيلية إلى إعادة توزيع قطعها البحرية الموجودة قبالة ساحل غزة خشية امتلاك حماس لصواريخ أرض - بحر. - كما نجحت حماس في استخدام طائرة بدون طيار صنعت محليًّا مزودة بكاميرات للتصوير، ورغم قدراتها البدائية، لكن النجاح في تصنيعها يدل على قدرة حماس على تنمية قدراتها الذاتية في مواجهة إسرائيل. المواجهة الإعلامية: - لم تغفل المقاومة المواجهة الإعلامية، فوجهت رسالة قصيرة مصورة على موقعها الإلكتروني للمستوطنين حددت فيها مسبقًا موعد إطلاق صواريخ على تل أبيب، كحرب نفسية لكسر هيبة الجيش الإسرائيلي والتلاعب بأعصاب المستوطنين، كما نجح مهندسو حماس في اختراق بث القناة العبرية الثانية واسعة الانتشار وبث رسالة مدتها دقيقتان للجمهور الإسرائيلي. كما اخترقت البريد الإلكتروني لمليون إسرائيلي وأرسلت لهم شارة القسام وبثت بيانًا مصورًا عنها، إلى جانب اختراق هواتف عدد كبير من الجنود الإسرائيليين على حدود غزة والصحفيين ونقل رسائل صوتية إليهم، وتحذير شركات الطيران من تسيير رحلاتها إلى مطار (بن جوريون) لكونه مستهدفًا من صواريخ المقاومة، كما تم إعلاميًّا توثيق شهادات لمقاتلي القسام تتعلق بما قاموا به من عمليات عسكرية ضد قوات الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب. الهجوم البري الإسرائيلي: بعد استدعاء قوات الاحتياط قامت القوات الإسرائيلية في اليوم العاشر من العدوان (في 17 يوليو 2014) باجتياح قطاع غزة برًّا، مدعومة بغارات جوية بلغت أعماق غزة لزيادة الضغط على حماس ومنع إطلاق الصواريخ والكشف على الأنفاق، فواجهتها وحدات من كتائب القسام التي نصبت لهم الكمائن باستخدام العبوات الناسفة، إلى جانب حرب العصابات في الشوارع، مع توزيع وحدات من القناصة في الأماكن السكنية. وتحولت الحرب إلى حرب استنزاف للقوات الإسرائيلية كبدت إسرائيل تكلفة بشرية ومالية كبيرة رغم فداحة وجسامة الخسائر الفلسطينية، مع استمرار تساقط الصواريخ على إسرائيل، وخلال هدنة لمدة 72 ساعة بدء انسحاب القوات الإسرائيلية، ثم أعلن في 5 أغسطس عن وقف إطلاق مفتوح للنار كمرحلة أولى طبقًا لمبادرة من الخارجية المصرية بعد مباحثات غير مباشرة بين الجانبين. وقد أسفر العدوان الإسرائيلي عن استشهاد 2137 فلسطينيًّا، معظمهم من المدنيين (1723 مدنيًّا)، منهم 382 من النساء و544 من الأطفال، وإصابة 11888 جريحًا، منهم 2889 من النساء و3285 من الأطفال، وتهدم 3000 منزل و62 مسجدًا بصورة كلية، و20 ألف منزل و109 مسجد بصورة جزئية، بينما اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل 65 من ضباطه وجنوده، وإصابة أكثر من 200 آخرين، بالإضافة إلى مقتل 5 من المدنيين. ولم يسفر العدوان الإسرائيلي الغاشم إلا عن استمرار صمود الفلسطينيين برغم فداحة الخسائر، وتمسكهم بأرضهم ووطنهم أمام وحشية العدوان، بينما تعرضت إسرائيل للانتقادات داخل وخارج إسرائيل، وأجبرت القوات الإسرائيلية على الخروج من قطاع غزة بعد فشل عدوانه في تحقيق أهدافه. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (3) محاولات تهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد دخلت القدس -ومعها الضفة الغربية وقطاع غزة- مرحلة جديدة من الصراع بعد أن احتلها اليهود خلال حرب يونيو 1967؛ فقد تزايد عدد المهاجرين اليهود إليها من دول العالم، مع تزايد بناء المستوطنات (المستعمرات) اليهودية، وصاحب ذلك تصاعد الاعتداءات اليهودية على الفلسطينيين. ولتغيير التركيبة السكانية خاصة في القدس، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بهدم العديد من بيوت الفلسطينيين وطرد أهلها منها، والعمل على طمس المعالم الإسلامية والعربية فيها من خلال تحويل أسماء المناطق والشوارع إلى أسماء يهودية. الآثار الإسلامية في القدس: تزخر مدينة القدس القديمة بالآثار الإسلامية الكثيرة التي تشهد لها بهويتها الإسلامية، وتشهد أيضًا بمدى اهتمام المسلمين بهذه المدينة، ومعلوم أنه طوال قرون الحكم الإسلامي لفلسطين لم يتعرض المسلمون للآثار الدينية الأخرى، من كنائس ومزارات يقصدها زوار القدس وفلسطين منها، ومن خارجها مع منحهم حرية التنقل والصلاة والعبادة. ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الشأن أنه لا توجد أي آثار يهودية في مدينة القدس القديمة، هذا رغم ما قام به اليهود وغيرهم من العلماء والباحثين الأوروبيين والأمريكان من التنقيب عن الآثار التاريخية اليهودية في المدينة، والتي لم تسفر عن العثور عن أي شيء يذكر لليهود في القدس. ومما هو متفق عليه أيضًا بين علماء الآثار أنه لا يوجد مكان معروف حتى الآن لهيكل سليمان المزعوم، فهو غير ثابت إلا ما ذكر عنه في كتب أهل الكتاب أنه بني مرتين، ودمر في المرتين، دمره في المرة الأولى (نبوخذ نصر) قبل ميلاد المسيح -عليه السلام-، ودمره في الثانية حاكم البلاد الروماني عام 70 بعد الميلاد. ومن أشهر الآثار الإسلامية في المدينة القديمة: - المسجد الأقصى الذي بناه يعقوب -عليه السلام- (أو إبراهيم -عليه السلام-)، وجدده سليمان -عليه السلام-، ثم أعاد بناءه الخليفة عمر بن الخطاب بعد اندثاره. وقد شهد المسجد أعمال ترميم وتجديد كثيرة عبر تاريخ المسلمين الطويل في القدس، خاصة في أعقاب ما كان يصيبه من زلازل وعواصف وأمطار. يبلغ طول المسجد من الداخل 80 مترًا وعرضه 55 مترًا، وهو في فناء واسع مرتفع عن الأرض. وللمسجد سبعة أروقة؛ رواق وسط، وثلاثة من جهة الشرق، وثلاثة من جهة الغرب، وترتفع الأروقة على 53 عمودًا من الرخام وعلى 49 سارية من الحجارة، وفي صدر المسجد قبة، وله 11 بابًا، وفي ساحته 25 بئرًا للماء، 8 منها في صحن الصخرة و17 في فناء الأقصى، وفيها من الماء ما يكفي سكان المدينة. وهناك أربع مآذن، وعدد من القباب والمصاطب، وتوجد به أيضًا أسبلة للشرب. وقد ارتبط المسجد الأقصى بحياة المسلمين من خلال ما ورد في عظم ثواب الصلاة فيه على غيره من المساجد، غير المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد أسرى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى من المسجد الحرام بمكة، وفيه صلى بالأنبياء -عليهم السلام-، ومنه عرج به إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج كما ورد في القرآن الكريم، وفي أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه. - مسجد قبة الصخرة، ويعد من أجمل المباني الإسلامية، حتى صارت صوره ترمز عند الكثيرين إلى القدس أكثر من المسجد الأقصى، وقد بناه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. - المصلى المرواني، وبناه الخليفة الأموي مروان بن الحكم. - حائط البراق الذي يقع في الجهة الغربية من المسجد الأقصى، ويمثل السور الغربي للمسجد بطول 47 مترًا، وارتفاع 17 مترًا. - الأوقاف الإسلامية: وتضم كل العقارات التي أوقفها المسلمون عبر التاريخ على المسجد من دور للأيتام، وحمامات، ودكاكين. - الجوامع الإسلامية: وبلغ عددها 36 جامعًا، غير المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، منها 23 جامعًا خارج سور المسجد الأقصى وداخل المدينة القديمة، و7 جوامع خارج سور المدينة العتيقة؛ بالإضافة إلى العديد من الزوايا التي أعدت لاجتماع الصوفية والغرباء الذين ينزلون القدس من المسلمين فيها، وأيضًا لإطعام الفقراء داخل المدينة العتيقة وخارجها. - المقابر الإسلامية: وهي عديدة، منها ما اندثر مع الزمان وكان مستعملًا فيما مضى، ومنها ما يزال قيد الاستعمال، ومن أشهرها: مقبرة (باب الرحمة) عند سور المسجد من الشرق، وفيها قبور عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- ممَّن شاركوا في الفتح العمري، ومقبرة (باب الساهرة) قرب باب الساهرة عند سور المدينة القديمة من الشمال. وقيل: إن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- دفن فيها المجاهدين الذين استشهدوا خلال فتح المدينة واستردادها من الصليبيين. ومن المقابر المشهورة هناك: (مقبرة ماملا) أو (مقبرة مأمن الله)، والتي كانت تعد من أكبر المقابر الإسلامية وأقدمها في القدس القديمة، والتي صدر حظر دفن الأموات فيها عام 1927 لما اتسع العمران، وأصبحت المقبرة في وسطه. تهويد القدس: تشير الإحصائيات إلى أنه لم يبقَ خارج دائرة التهويد في مدينة القدس الشرقية إلا نحو 20 % منها؛ إذ إنه ما إن استولى اليهود على القدس الشرقية في يونيو 1967 حتى قاموا بعد أربعة أيام فقط من بداية الحرب وقبل صدور قرار بوقف إطلاق النار بنسف المنازل العربية قبالة الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق) بعد إمهال أهلها الفلسطينيين ثلاثة ساعات على الأكثر لمغادرتها، وتمت تسوية المكان بالأرض في حي المغاربة، وهو بكل ما فيه يعد من الممتلكات الإسلامية، فقام اليهود بضم أرض هذا الحي بعد هدمه إلى الساحة المقابلة لحائط البراق، وإعداد هذه الساحة لاستقبال الزوار من اليهود، بدعوى أن هذا الحائط هو الجزء المتبقي من هيكل سليمان أطلقوا عليه اسم :(حائط المبكي)، وربطوا زيارة هذا الحائط بشعائر يتعبدون بها. وقد ترتب على هدم حي المغاربة هدم مسجد البراق والمسجد الأفضلي، وهدم 125 منزلًا، وطرد وتهجير 650 فلسطينيًّا. وخلال الفترة من عام 1968 إلى عام 1979 استولى اليهود على كل الممتلكات الإسلامية في حي المغاربة وتم توطين اليهود فيها، وتسميته بالحي اليهودي. - في عام 1979 تم تشكيل (جمعية تجديد الاستيطان في مدينة القدس) والتي تهدف إلى امتلاك العقارات في الأحياء العربية المجاورة للمسجد الأقصى في قلب المدينة، وتوطين أسر يهودية في وحدات سكنية يتم إنشاؤها لهم فيها، وقد نال هذا الاتحاد اعتراف الحكومة الإسرائيلية في عام 1985. - اتبعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة مصادرة أراضي الفلسطينيين بحجج واهية، حيث صادرت أكثر من 33% من مساحة القدس الشرقية، وجمدت 40 % أخرى، وبنت فيها 27 مستوطنة يهودية، كما صادرت 6 % أخرى لشق طريق يربط بين هذه المستوطنات بعضها ببعض. وقد امتدت بذلك السيطرة الإسرائيلية إلى 73% من القدس الشرقية مما أوجد تغييرًا ديموجرافيًّا (سكانيًّا) لصالح اليهود فيها، وتخلل ذلك قيام بعض اليهود باحتلال مساكن للفلسطينيين في الأحياء العربية بالقوة بدعوى أنها غير مرخصة من السلطات الإسرائيلية. - في يناير 1976 أصدرت محكمة إسرائيلية في القدس قرارًا يأذن لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الأقصى؛ مما شجَّع على اقتحام المستوطنين اليهود لساحة المسجد من جهة باب المغاربة والمطالبة بإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم في ساحة المسجد. إدانة الأمم المتحدة لتهويد القدس: خصت الأمم المتحدة ممارسات سلطات الاحتلال لتهويد القدس الشرقية بقرارات إدانة كثيرة، والتي قابلتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتجاهل التام، وضربت بها كلها عرض الحائط، ومنها: - قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 250 لعام 1968 في 27 أبريل 1968 الذي يطالب إسرائيل بالامتناع عن إقامة العرض العسكري المزمع إقامته في القدس باعتبارها أرض محتلة. وقد تلاه القرار رقم 251 في إبداء أسف الجمعية العامة العميق على إقامة العرض العسكري في القدس رغم قرار المنع الدولي! - قرار رقم 252 في 21 مايو 1968، وفيه دعوة إسرائيل إلى إلغاء جميع إجراءاتها لتغيير وضع القدس المحتلة باعتبارها إجراءات باطلة. - قرار رقم 267 في 3 يوليو 1969 وفيه دعوة إسرائيل مجددًا إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس. - قرار رقم 271 في 15 سبتمبر 1969 الذي يدين إسرائيل بسبب حريق المسجد الأقصى في يوم 21 أغسطس 1969، ويدعو مجددًا إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس. - قرار رقم 298 في 25 سبتمبر 1971 الذي يأسف فيه مجلس الأمن لعدم احترام إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإجراءاتها لتغيير وضع القدس الشرقية. - قرار رقم 452 في 20 يوليو 1979 الذي يطالب فيه مجلس الأمن سلطات الاحتلال الإسرائيلية بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. - قرار رقم 672 في 12 أكتوبر 1990 الذي يدين أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيلية في 8 أكتوبر 1990 في حرم المسجد الأقصى، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 20 فلسطينيا، وعن إصابة ما يزيد عن 150 آخرين من المصلين فيه. وبالرغم أن كل القوانين والأعراف الدولية تمنع من ضم أراضي الغير أو الاستيلاء على ممتلكات الغير بالقوة، فقد أصدر الكنيست الإسرائيلي في 20 يوليو عام 1980 قرارًا يقضي بأن القدس المحتلة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل. تم ذلك كله في ظل تغاضٍ من الدول الغربية عن كل هذه الممارسات الإجرامية المتكررة والمتعمدة، وفي ظل حماية ودعم أمريكي معلن، وفي مقابل تراخ يثير الاستغراب من الحكومات العربية والإسلامية التي اكتفت -وما زالت تكتفي- بالشجب والاستنكار في المحافل الدولية، دون أي إجراءات فعالة وجادة على أرض الواقع تواجه بها الخطوات العملية التي لا تتوقف من اليهود في فلسطين المحتلة. القدس الموحدة: هو اسم أطلقه الصهاينة على القدسين: القدس العربية (الشرقية) والقدس اليهودية (الغربية) معًا؛ إذ إنه بعد حرب 1948 أنشأت القدس الغربية في فلسطين المحتلة لتستوعب اليهود المهاجرين إلى فلسطين، في الوقت الذي كانت القدس الشرقية يقطنها الفلسطينيون من قبل، وتضم القدس الشرقية القدس العتيقة إلى جانب الأحياء التي أقامها الفلسطينيون خارج سور المدينة القديمة، وكانت القدس الشرقية تحت الإدارة الأردنية. وبعد احتلال اليهود للقدس الشرقية في حرب يونيو 1967 كثف اليهود من تواجدهم في القدس الشرقية، ثم قاموا بتوحيد القدسين الغربية والشرقية معًا تحت مسمى واحد هو: (القدس الموحدة)، تمهيدًا لإعلانها عاصمة لدولة إسرائيل، في مخالفة صريحة للقوانين الدولية. القدس الكبرى: هي القدس الموسعة التي تدخل فيها المستوطنات (المستعمرات) الإسرائيلية، والتي اعتبرت من قبل سلطات الاحتلال جزءًا من مدينة القدس، في مخطط لمحو الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس، عن طريق زيادة المساحات التي يمتلكها اليهود في المدينة، وزيادة أعداد اليهود فيها، فيتحول اليهود في المدينة من أقلية إلى أغلبية، بينما تصبح مساحة الأرض التي يعيش عليها الفلسطينيون صغيرة، يتناقص تدريجيًّا عدد السكان الفلسطينيين فيها فيتحولون من أغلبية إلى أقلية. إن مخطط تهويد القدس وزيادة الاستيطان فيها لا يتوقف، بل يتزايد بلا هوادة رغم كل الاحتجاجات الفلسطينية ومصادمات الفلسطينيين مع قوات الاحتلال، ورغم كل الإدانات والقرارات الدولية المنددة بكل ما من شأنه تغيير الأوضاع في القدس؛ خاصة وأن الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967 هي أراضي عربية محتلة، ورغم اتفاق إسرائيل في (أوسلو) مع السلطة التنفيذية الفلسطينية على خضوع القدس للمفاوضات النهائية بين الطرفين، وبالتالي لا يجوز التصرف فيها بأي تصرفات أحادية غير متفق عليها من طرفين، وما هذا كله إلا لأن إسرائيل لا تجد الرادع الذي يتصدى بقوة لبلطجتها وأطماعها الاستعمارية العنصرية. جماعة أمناء الهيكل: يزعم اليهود أن سليمان -عليه السلام- وهو عندهم ملك من ملوك بني إسرائيل لا نبي من أنبيائهم، بنى هيكلًا لذبح وتقديم القرابين، ويدعي اليهود كذبًا وزورًا أن مكان الهيكل هو مكان المسجد الأقصى، وعليه يريدون هدم المسجد لإعادة بناء الهيكل المزعوم مكانه؛ لذا تقوم جماعة (أمناء الهيكل) التي أسست لهذا الأمر بعمل حفريات بحثًا عن بقايا الهيكل المزعوم، وقد بدأت الحفريات في البيوت والمدارس في وحول منطقة المسجد، ثم سرعان ما امتدت منذ عام 1968 إلى أسفل أساس المسجد الأقصى. وجماعة أمناء الهيكل جماعة يمولها مليونير أمريكي من المسيحيين الأصوليين الموالين للصهيونية ممن يعتقدون في نبوءة تزعم أن المجيء الثاني للمسيح سيعقب قيام دولة لليهود في فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان؛ لذا فهم يدعمون حاليًا بكل قوة مادية ومعنوية الصهيونية العالمية ودولة إسرائيل وفكرة إعادة بناء الهيكل، ويروجون لنبوءتهم المزعومة، وقد بنت هذه الجماعة مدرستين قرب حائط البراق لتدريب طلاب من اليهود على شعائر تعبدية خاصة بالهيكل، بل وقامت بوضع حجر أساس للهيكل المزعوم في عام 1989 في احتفالية دينية قامت بها جماعة الهيكل وبمساندة من المؤسسات الدينية في إسرائيل، بل وتولت تصميم نماذج للهيكل المزعوم ونشرها. وقد قامت هذه الجماعة بحفر نفق طويل وعميق تحت المسجد الأقصى، وأنشأت بداخله معبدًا يهوديًّا، وأقامت حوله مدارس دينية وكنس (معابد) يهودية لصبغ المكان بالصبغة اليهودية، رغم قرارات الإدانة الدولية لهذا التهويد المستمر للأرض المحتلة، وما زالت إسرائيل مستمرة في عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى والتي صارت تهدد وبصورة متزايدة بقاء المسجد الأقصى وتنذر بقرب انهياره. وقد حاول أحد اليهود الصهاينة المتطرفين إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969، مما تسبب في إحراق منبر صلاح الدين الأيوبي الأثري، واشتعال النار في سطح المسجد الجنوبي وسقف ثلاثة من الأروقة، وكادت أن تأتي الحرائق على قبة المسجد، وقد أعقب هذا العمل الإجرامي صدور قرار إدانة لإسرائيل من مجلس الأمن، وقد أعلنت سلطات الاحتلال أن الشاب الذي قام بحرق المسجد سيقدم للمحاكمة ثم ادعت أنه معتوه، وأطلقت سراحه بعد ذلك. إن السعي لهدم المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان عقيدة يتبناها الصهاينة، ويوافقهم عليها ويشاركهم فيها ملايين من النصارى البروتستانت الإنجيليين خاصة في أمريكا، وقد تكونت هناك الكثير من الجمعيات الصهيونية والبروتستانتية التي تبشر بذلك وتدعو له، وقد جمعت الأموال الضخمة من رعاياها لتمويل ودعم وتنفيذ فكرة هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم، وهي تؤيد وتدعم تهويد القدس إعلاميًّا وسياسيًّا، وقد امتد نشاط أتباع هذا المعتقد ليشمل من لهم نفوذ قوي في السياسة الأمريكية في الحزب الجمهوري وفي اليمين الأمريكي المحافظ. ومن أشهر هذه الجمعيات والمؤسسات: - مؤسسة جبل الهيكل المسيحية الأمريكية: أسسها المليونير (تيري ريزنهوفر)، الذي قدَّم تبرعات بمبالغ كبيرة لمنظمة الهيكل المقدس اليهودية، بغرض العمل على تحقيق النبوءة المزعومة بشأن بناء الهيكل الثالث، وتساهم هذه المؤسسة في بناء المستوطنات الصهيونية، بداية من توفير الأراضي اللازمة إلى دعم مشروع إعادة الهيكل. - السفارة المسيحية في القدس: أنشأتها الطائف الإنجيلية عام 1980 في القدس، وتتبعها 15 قنصلية في أمريكا، وتقوم بأنشطة للدعاية لصالح إسرائيل في وسائل الإعلام، وتقوم كذلك بتشجيع الأمريكيين على زيارة الأماكن اليهودية في فلسطين بزعمهم، وتقديم الخدمات السياحية لهم، وقد أعدت شريطًا مصورًا يتضمن مخطط إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى. - هيئة المائدة المستديرة الدينية: وتضم الهيئة عددًا من المنظمات ذات التوجه اليميني، ولها نشاط في غاية السرية لدعم وتأييد إسرائيل لدى اليمين المسيحي الأمريكي. - منظمة الأغلبية الأخلاقية: تأسست عام 1979، لها توجه ديني سياسي، ولها برنامج إذاعي لمدة ساعة يوميًّا باسم: (ساعة الإنجيل) تبثه مئات المحطات الإذاعية في أنحاء العالم، كما لها مجلة دورية باسم: (صوت النصرانية)، وتنظم رحلات دورية إلى الأراضي اليهودية -بزعمهم- في فلسطين. - فريق الصلاة لأورشليم، وهي منظمة تؤمن بنبوءة إعادة بناء الهيكل؛ لذا تقدم الدعم لتهويد القدس وتراه واجبًا دينيًّا. - مؤسسة التعاون اليهودي المسيحي. تزايد الاعتداءات على المسجد الأقصى والجهر بالمطالبة في المشاركة عليه: شهدت العقود الماضية خطوات عديدة للاستيلاء والسيطرة على المسجد الأقصى من المستوطنين المتطرفين، رغم مخاوف قادة الحكومات الإسرائيلية من رد فعل العالم الإسلامي والعربي، وإن بدأ هذا التخوف يتلاشى ليتحول إلى تغاض متعمد عن ممارسات هؤلاء المستوطنين، بل وإلى تشجيع وحماية لهم، مما يعد إنذارًا واضحًا لكل ذي عينين عن طبيعة التوجه الحالي سياسيًّا وشعبيًّا في إسرائيل نحو تحقيق الأطماع الصهيونية في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، فلم يعد الأمر مجرد نية وأمنية فقط، بل قطعت الأشواط نحو التنفيذ المتدرج واقتربت معه من خطوته الأخيرة. ولقد شهد المسجد الأقصى محاولات كثيرة لفرض المشاركة اليهودية في المسجد على الفلسطينيين، ومنها: - فتح نفق إسرائيلي تحت بناء المسجد الأقصى في عام 1996، والاعتداء بالقوة على المتظاهرين الفلسطينيين المحتجين على فتحه؛ مما أسفر عن استشهاد 14 فلسطينيًّا وجرح العشرات، ويسعى اليهود إلى بناء مجمع سياحي وتجاري في ساحة حي المغاربة لتشجيع زيارة اليهود للمكان وجلب الأنظار إليه. - إصدار فتوى تحث اليهود على الحج إلى جبل الهيكل -حيث المسجد الأقصى- رغم مخالفة تلك الفتوى لما عليه الشريعة اليهودية من منع عامة اليهود سوى الكاهن الأكبر من زيارة جبل الهيكل قبل تطهيره برماد البقرة الحمراء المقدسة عندهم خشية وطء أقدام اليهود مكان قدس الأقداس من الهيكل المزعوم الذي تم تدميره منذ أكثر من 1900 سنة. والغرض من تلك الفتوى: التمهيد لإدخال اليهود لساحة المسجد الأقصى ومشاركة المسلمين فيه تمهيدا للاستيلاء عليه. - اقتحام الإرهابي المتطرف (شارون) زعيم المعارضة وقتها، ومعه طائفة من اليهود المسجد الأقصى بالقوة في عام 2000، في خطوة لحث اليهود على اقتحام المسجد الأقصى عنوة، وكان ذلك في حماية 1500 من قوات الأمن الإسرائيلي في استفزاز واضح للفلسطينيين المتواجدين بالمسجد الذين قاموا بالتصدي لبلطجة شارون، فوقعت اشتباكات عنيفة أسفرت عن استشهاد 6 من الفلسطينيين، وهو الحدث الذي أدى إلى اندلاع انتفاضة الأقصى في الضفة الغربية وغزة عام 2000م. - سماح المحكمة العليا في إسرائيل في عام 2001 م لحركة أمناء الهيكل بوضح حجر الأساس للهيكل الثالث قرب باب المغاربة في القدس القديمة. - تطبيق برامج خاصة في تربية الماشية بغرض إنتاج البقرة الحمراء التي يشترط كما في معتقداتهم ظهورها وذبحها لتطهير أرض الهيكل برمادها بعد حرقها قبل بناء الهيكل، كما في العهد القديم سفر العدد الإصحاح 19؛ إذ يعتقد الكثير من اليهود أن التطهير لا يكون إلا بذبح بقرة أنثى حمراء خالصة لا عيب فيها يكون عمرها ثلاثة أشهر كاملة؛ ولهذا فتوجد في مستوطنة (بيت شلومو) الإسرائيلية مزرعة لتربية الأبقار فيها معهد لإجراء بحوث وراثية تتعلق بالتوصل إلى إنتاج بقرة حمراء خالصة، وكذلك في ولاية (لويزيانا) بأمريكا يجري أيضًا إعداد أعداد من الأبقار الحمراء، لنقلها بعد ذلك إلى إسرائيل. - استغلال عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار التاريخية اليهودية حول وتحت المسجد الأقصى لإضعاف أساسات المسجد ليسهل هدمه أو ينهار ويسقط من تلقاء نفسه في أي وقت. - إجراء التدريبات الواسعة لآلاف من قوات الأمن والجيش الإسرائيلي المزودة بسيارات وآليات خاصة على اقتحام المسجد الأقصى والسيطرة عليه والتصدي للمصلين فيه والمعتكفين، وهي تدريبات تشير بوضوح إلى التمهيد للاستيلاء على المسجد الأقصى. - تحويل جوانب من الساحات حول المسجد الأقصى إلى كنس (معابد) يهودية ومدارس دينية، لصبغ منطقة المسجد الأقصى بالصبغة اليهودية تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم مكانه. - قيام بعض اليهود المتطرفين بإعداد كسارة حجارة خاصة كي ينتج منها مواد لبناء الهيكل، حيث إن من مواصفات الهيكل المزعوم عندهم أن يبنى من عناصر طبيعية لم تمسسها مطرقة أو أزميل. - جمع وتكديس بعض اليهود المتطرفين كميات كبيرة من المواد المتفجرة في الحي اليهودي بجوار المسجد الأقصى استعدادا لاستعمالها في تفجير وهدم المسجد عند اتخاذ القرار بذلك (راجع في ذلك: (هيكل سليمان: خلاص أم هلاك اليهود؟ عاصم بسيوني، ص 77 - 82). - سعي اليمين الإسرائيلي مع الحركات الاستيطانية إلى تقسيم المسجد الأقصى تقسيمًا زمانيًّا، يكون فيه للمسلمين أيامًا للصلاة ولليهود أيامًا، أو تقسيمًا مكانيًّا يكون بتقسيم المسجد وساحاته إلى منطقتين: إحداهما عربية، والأخرى لليهود، كما هو في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، كحل نهائي يكون بموجبه لليهود موطئ قدم في مدينة القدس القديمة ويمكنهم إقامة هيكلهم المزعوم. وعليه فقد سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلية حاليًا لليهود باقتحام ودخول ساحات المسجد الأقصى بصورة يومية في حراسة قوات الاحتلال، مع استغلال الأعياد والمناسبات الدينية اليهودية لفرض ذلك، مع بدء العمل في إنشاء جسر حديدي عند باب المغاربة تستكمل به البنية التحتية اللازمة لتقسيم المسجد الأقصى. - قصر الصلاة في المسجد الأقصى في كثير من الأوقات على الشيوخ وكبار السن من الفلسطينيين، فيمنع من أعمارهم أقل من 45 عامًا من دخول المسجد، ويضيق على رواد المسجد تارة بمنع الصلاة فيه، بالكلية وتارة بمنع الأذان، وتارة بوضع البوابات الإلكترونية ونقاط التفتيش، واعتقال مَن شاءوا، وتارة باقتحام المستوطنين لساحات المسجد في حراسة قوات الاحتلال لإقامة شعائر لهم أو احتفالات دينية والتجول فيها غير مبالين بحرمته وكونه خاص بالمسلمين. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (4) المستوطنات الإسرائيلية وسياسة فرض الأمر الواقع كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فتقوم أنشطة سلطات الاحتلال الصهيوني على محورين لتقوية قدرتها على ابتلاع أرض فلسطين، هما: - تزايد أعداد المهاجرين اليهود من شتى بقاع العالم إلى أرض فلسطين، مع تناقص نسبة الوجود العربي الفلسطيني فيها. - تزايد بناء المستوطنات الصهيونية؛ خاصة في الجزء الشرقي من مدينة القدس، وفي الضفة الغربية. ومن المعلوم أن التواجد اليهودي في فلسطين في القرون الميلادية الوسطى كان محدودًا جدًّا رغم كل ما عناه اليهود من اضطهاد في أكثر من دولة أوروبية، وهذا الاضطهاد في الغالب ناتج عن أفعال اليهود الإجرامية وغير الأخلاقية مما يكره الشعوب فيهم؛ إذ كان وجودهم لا يزيد عن بضع مئات من الأشخاص وفقًا لتقديرات الرحالة الغربيين الذين زاروا الأماكن المقدسة بين القرنين الثاني عشر والقرن الخامس عشر. وعندما تعرَّض اليهود لاضطهاد الإسبان وحدثت هجرة جماعية كبيرة لليهود من إسبانيا إلى خارجها، انتقل نفر قليل من هؤلاء اليهود الإسبان إلى فلسطين؛ إذ انتقلت الغالبية منهم إلى دول أوروبية أخرى، وإلى بلاد البلقان. وحتى عام 1880 وقبل ظهور الحركة الصهيونية في أوروبا لم يكن يوجد في فلسطين إلا نحو 25 ألف يهودي من أصل سكان فلسطين وقتها، والبالغ تعدادهم آنذاك 600 ألف نسمة، وأكثر هؤلاء اليهود كانوا من اليهود العرب لا من اليهود الأوروبيين. وقد ارتبطت بدايات الهجرة اليهودية الجماعية إلى فلسطين في مطلع القرن العشرين الميلادي بإقامة مستوطنات (مستعمرات) لتوطين اليهود فيها، أي: أن هذه الهجرة أخذت شكل التملك والاستيطان وطابع التهويد؛ إذ قام اليهود القائمون عليها بتهويد الملكية ورأس المال والأيدي العاملة، كما منعت أيضًا الوكالة اليهودية هؤلاء اليهود المهاجرين إلى فلسطين ويعيشون في تلك المستوطنات من بيع أراضيها مطلقًا، كما قصرت العمل في مشروعاتها الزراعية فيها على اليهود دون غيرهم. بدأت الموجة الأولى من الهجرة اليهودية الجماعية إلى فلسطين بين عامي: 1882 و1904 برعاية البارون اليهودي ورجل الأعمال (أدمون دو روتشيلد) ثم برعاية البارون (موريس دو هيرش)، إذ تزعَّم هؤلاء اليهود من رجال الأعمال في تلك الفترة إنشاء مستعمرات لليهود في فلسطين. فالاستيطان إذًا هو السلاح القديم الذي استخدمه اليهود قبل وبعد الحركة الصهيونية لتثبيت التواجد اليهودي في أرض فلسطين؛ سواء قبل أو بعد عام 1948، أي: قبل قيام دولة إسرائيل وبعدها، وهو أيضًا ما زال سلاحها حاليًا لتثبيت التواجد اليهودي المحتل في فلسطين، فالاستيطان هو إستراتيجية صهيونية أساسية قديمة، إن الاستيطان هو الصهيونية. مستعمرات لا مستوطنات: ومما ينبغي التنبه إليه أن اسم (مستعمرة) أو (مغتصبة) هو الأقرب في الدلالة من اسم (مستوطنة)؛ إذ إن كلمة مستوطنة تعني اتخاذ المكان وطنًا، وهي كلمة لها دلالة تاريخية عند الغرب الأوروبي، إذ تعني أن هناك أرضًا بلا شعب أو سكان يتخذها المستوطنون وطنًا لهم، وهو ما تحرص الحركة الصهيونية على الترويج له منذ أن وطأ اليهود بأقدامهم أرض فلسطين في العصر الحديث، أما كلمة مستعمرة فهي تعني عند الغرب الأوروبي الاستيلاء والسيطرة، وفي عالمنا العربي وفي دول العالم الثالث فتتعلق كلمة -مستعمرة- بمعنى الاستعمار البغيض، وهو يتمشى تمامًا مع أطماع اليهود الصهاينة في أرض فلسطين، ويوافق بلا مواربة الغرض من قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، فإسرائيل دولة استعمارية عنصرية زرعها الغرب ورعاها في المنطقة العربية لتحقيق مصالح الغرب في المنطقة. وخلال العقود الخمس الماضية عقب حرب يونيو 1967 قامت سلطات الاحتلال الصهيونية ببناء المئات من المستعمرات بناءً على اتفاق ضمني بين مختلف الأحزاب الإسرائيلية بما فيها حزب العمل الإسرائيلي، لإغلاق الباب في وجه العودة إلى حدود ما قبل حرب يونية 1967؛ خاصة في القدس الشرقية. ومما ينبغي التنبُّه إليه إن: - هذه المستوطنات ليست مشروعات استثمارية لها جدوى اقتصادية، لكنها وسيلة صهيونية قديمة حديثة ينفق عليها مليارات الدولارات للاستيلاء عن طريقها على الأراضي الفلسطينية، واستخدامها كورقة ضغط إسرائيلية في أي مفاوضات قد تضطر إسرائيل للدخول فيها، فيمكن من خلال تواجد هذه المستوطنات الحصول على أكبر قدر من الأراضي العربية الفلسطينية. - هذه المستوطنات ما هي إلا بؤر عسكرية، إذ تتسم منذ بداية نشأتها بالطابع العسكري، لكونها تزرع في وسط التكتلات السكانية الفلسطينية بغية إحداث التغيير السكاني المطلوب بزيادة الكثافة السكانية اليهودية في الأراضي ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية، سواء في القدس الشرقية أو في الضفة الغربية؛ لذا تعد تلك المستوطنات اليهودية حصون عسكرية، تعادي كل ما هو فلسطيني يحيط بها، وهي تقام من أول يوم لها وطوال فترة بقائها في حماية سلطات الاحتلال الإسرائيلية، لأنها تفرض فرضًا على واقع الأرض الفلسطينية رغم الرفض الفلسطيني لها، إذ تقام على أرض الفلسطينيين المغتصبة منهم غصبا. - هذه المستوطنات تغطي مختلف الأراضي العربية الفلسطينية والعربية المحتلة خاصة في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية وفي الجولان، بل كانت هناك عدة مستوطنات يهودية في أرض سيناء خلال احتلال إسرائيل لها، ثم أجبر سكانها على الخروج منها بعد نهاية الاحتلال، وكذلك كانت هناك مستوطنات يهودية داخل قطاع غزة، ثم أجبر سكانها على الخروج منها أيضًا عند الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة. - هذه المستوطنات تمثل شبكة استيطانية تتواصل فيما بينها من جهة، وتساهم بنظام توزيعها في تقسيم وفصل وعزل الأراضي والأجزاء العربية عن بعضها البعض من جهة أخرى، فينقطع التواصل بين هذه الأجزاء العربية وتتحول هذه المدن والقرى الفلسطينية إلى مناطق معزولة محاصرة منفصلة عن الأجزاء العربية الأخرى، ولا يستطيع الفلسطينيون الانتقال بحرية منها وإليها، بل يعيشون محاصرين داخلها، إذ تفصل بين هذه الأراضي العربية المنقسمة المستوطنات اليهودية والطرق المؤدية إليها وتربط بينها، وتتحكم في عشرات البوابات ونقاط التفتيش والحواجز الإسرائيلية. والمحصلة مستوطنات يهودية مترابطة فيما بينها، ومناطق عربية فلسطينية منفصلة عن بعضها، معزولة محاصرة ليس لسكانها حرية الحركة والتنقل إلا من خلال موافقة وإذن سلطات الاحتلال الإسرائيلية. - هذه المستوطنات أداة لتحجيم وخفض مساحة التجمعات الفلسطينية، ولوقف النمو السكاني فيها؛ إذ يضيق زمام المدن والقرى الفلسطينية ويقلل من مساحاتها الكلية بالاقتطاع منها لبناء المستوطنات، وفي المقابل لا يسمح للفلسطينيين بالبناء إلا على أجزاء صغيرة وفي أضيق الحدود، رغم تزايدهم السكاني، حيث تحيط المستعمرات بالأراضي الفلسطينية وتحولها مع الوقت إلى مجموعات صغيرة من أبنية متفرقة لا يرتبط بعضها ببعض، ولا مجال لها للتوسع والتمدد. وتتعمد سلطات الاحتلال إلى تجميد المناطق الخضراء بعدم السماح بالبناء عليها لتتحول في حقيقة الأمر إلى أماكن محجوزة لمستوطنات مقترحة أو تحت الإنشاء، أو مناطق احتياطية لتوسع المستوطنات المقامة في المستقبل. التضييق على الفلسطينيين أصحاب الأرض: في الوقت الذي تمكِّن سلطات الاحتلال الإسرائيلية كل اليهود المهاجرين القادمين من شتات الأرض في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال منح الجنسية الإسرائيلية، وتوفير السكن في المستوطنات، وتوفير فرص العمل وحرية العمل والتنقل، تقوم بالتضييق الشديد على الفلسطينيين أصحاب الأرض التي عاش فيها آباؤهم وأجدادهم من مئات السنين. وتعددت مع الوقت صور العنصرية والاضطهاد للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عبر العقود الماضية، وبدرجة مبالغ فيها لا تطاق، ومنها: - مصادرة الأراضي الفلسطينية بالقوة بمبررات واهية، أو تجميدها ومنع التصرف بالبناء فيها. فمثلًا: مع احتلال القدس في يونيو 1967 أعلنت سلطة الاحتلال عن مصادرة 116 دونما من أحياء البلدة القديمة في القدس، وهدم حي المغاربة، وتهجير السكان العرب من هذه المناطق بالقوة، وذلك لتوسيع رقعة الحي اليهودي -الذي أقيم في القدس مكان حي المغاربة- من 5 دونمات إلى 130 دونما، مع بناء الحي اليهودي في نمط يمزج بين القديم والحديث. وخارج سور المدينة القديمة: تمت مصادرة 3345 دونما من أراضي حي الشيخ جراح ووادي الجوز وأرض السمار في شتاء 1968، لتقام عليها أحياء استيطانية يهودية، وإقامة أربع مستوطنات (رامات أشكول) و(عفعات همفتار) و(معلوت دفنا) و(التلة الفرنسية)، والتي شكلت أول الأطواق من المستوطنات حول القدس تربط بين القدس الشرقية بسكانها العرب والقدس الغربية وسكانها اليهود، وتم إسكان مستوطنين يهود فيها على عجل، وتم التحكم في الطرق المحيطة بهذه المستوطنات؛ خاصة الشارع الممتد منها إلى (رام الله) شمال القدس. وفي صيف 1970 بدأ بناء الطوق الثاني من المستوطنات في القدس الشرقية بعد مصادرة 11780 دونما وبناء عدة مستوطنات جديدة. وقد تم ذلك في ظل حكومة حزب العمل التي يصفها البعض بالاعتدال وعدم التطرف والمناداة بالسلام مع الفلسطينيين، والتي حكمت إسرائيل من عام 1967 إلى عام 1977، فوضعت في تلك الفترة أساسات الاستيطان في القدس، وقد بلغت مساحة الأراضي التي صادرتها حكومة حزب العمل في تلك الفترة 17 ألف دونم. وعندما عاد حزب العمل للحكم عام 1992 استثنى القدس من قراره بتجميد بناء المستوطنات في يوليو 1992م. وفي شتاء 1980 صادرت سلطات الاحتلال 4400 دونما من قريتي بيت حنينا وشعفاط، وقامت ببناء مستوطنتي: (بسغات زئيف) و(بسغات عومر)؛ ليكونا حلقة وصل تصل بين كل من المستوطنات الشمالية والشرقية. وقد واصلت أيضًا حكومة حزب الليكود المتطرفة -وغيرها من الحكومات الإسرائيلية- سياسة الاحتلال في فرض الأمر الواقع بمضاعفة عدد اليهود في القدس الكبرى من 330 ألف يهودي إلى 750 ألف يهودي من عام 1985 إلى عام 2010، وساهم في تحقيق ذلك الهجرة الكبيرة ليهود الاتحاد السوفيتي السابق. وهذا يؤكد أن الاستيطان والتهويد سياسة ثابتة متفق عليها عند كل الأحزاب الإسرائيلية المتتالية المعتدلة منها في نظر البعض كحزب العمل، أو المتطرفة منها كالليكود أو في الحكومات الائتلافية منها. وواصلت -وما زالت تواصل- السلطات الإسرائيلية بناء المستوطنات حول القدس وفي الضفة الغربية لتزيد من مساحة الأراضي التي تسيطر عليها من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي يتم توزيعها بكيفية تشكل حاجزًا دائمًا يفصل بين الأحياء العربية داخل القدس وفي الضفة الغربية عن بعضها البعض، وتتحكم بها في الطرق الموصلة إليها، بينما تترابط وتتواصل هذه المستوطنات مع بعضها البعض، وقد نجحت سلطات الاحتلال في ذلك نجاحًا كبيرًا؛ إذ صار هناك اليوم أكثر من 380 ألف مستوطن يهودي ينتشرون في الضفة الغربية المحتلة، بينما أصبح الفلسطينيون يشكلون أقلية في القدس الشرقية المحتلة نحو 37% فقط من مجموع السكان. - فرض ضريبة ملكية على السكان العرب منذ عام 1985 بمبالغ مبالغ فيها، حتى مع كونها أراضي غير مسموح بالبناء عليها، لدفع الفلسطينيين إلى التخلص منها، بل صارت أراضٍ منها مطروحة للبيع أو معرضة للمصادرة بسبب ما عليها من الضرائب التي يعجز الكثيرون من أصحابها عن سدادها. - لا إصدار لتصريحات بناء لوحدات سكنية فلسطينية جديدة كافية لمواجهة النمو السكاني المتزايد للفلسطينيين، ورغم أنه يتم الإعلان على الورق من وقت لآخر عن مشروعات مستقبلية في تلك المناطق. وحال لجوء السكان الفلسطينيين إلى البناء بدون ترخيص تبقى هذه المساكن مهددة دائمًا بالإزالة في أي وقت؛ لكونها بدون ترخيص من سلطة الاحتلال، بينما تعيش عائلات كثيرة معدومة السكن لدى أقارب لهم في أوضاع سكنية صعبة للغاية. - إسقاط الهوية عن الفلسطينيين، خاصة في القدس، حيث قامت سلطة الاحتلال بمنح السكان الموجودين داخل القدس عند احتلالها بطاقة زرقاء للتعامل بمقتضاها، مما ترتب عليه فقد عشرات الآلاف من الفلسطينيين خاصة من كانوا خارج القدس أو غادروها عند احتلالها. وتتفنن سلطة الاحتلال في وضع القوانين التي تمكن هذه السلطة من حرمان الفلسطينيين من بطاقات هويتهم، وتتعامل مع الفلسطينيين كمقيمين في الأراضي المحتلة لا كمواطنين فيها. وقد تسببت تلك السياسة المتعنتة في فقد آلاف الفلسطينيين لهوياتهم التي تمكنهم من الإقامة -خاصة في القدس-؛ بسبب سفرهم للخارج أو الانتقال لزيارة أقارب لهم أو الانتقال لأماكن محتلة أخرى طلبًا للسكن في ظل أزمة السكن الموجودة. - منع دخول الفلسطينيين لزيارة القدس والمسجد الأقصى إلا من خلال أذونات خاصة للفلسطينيين، ولا تسمح بدخول سياراتهم، بما يعني تركها خارج المدينة عند دخولها، كما تتعمد سلطة الاحتلال منع المصلين من الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول للمسجد الأقصى للصلاة فيه. - طرد وتهجير وإبعاد السكان الفلسطينيين قسرا تطبيقا لسياسة الترحيل للسكان العرب أو نقلهم باتجاه الضواحي. - إفقار المناطق العربية المحتلة بصورة واضحة بسبب حرمانها المتواصل من الخدمات والرعاية الأساسية في شتى جوانب الحياة. - حرمان المناطق العربية من البنية التحتية من طرق وحدائق وإنارة شوارع، ومن توفير المياه والغاز وبناء الوحدات السكنية الجديدة، وإنشاء المناطق الصناعية والتجارية. - معاناة الأحياء والمناطق العربية المحتلة من أوضاع معيشية صعبة للغاية، فهي جيوب معزولة، مكونة من منازل قليلة الطوابق، لا طرق جديدة ولا أرصفة، بل طرق قديمة غير معبدة، قليلة المصابيح أكثرها لا يعمل، ولا أماكن كافية لجمع القمامة والمخلفات، ولا اهتمام كافٍ بجمعها ونقلها، ولا حدائق عامة ولا ملاعب. التضييق على المؤسسات التعليمية الفلسطينية في الأراضي المحتلة بطرق مختلفة، منها: - تفريغ المؤسسات التعليمية من كوادرها. - فرض إشراف البلدية الإسرائيلية على امتحانات الثانوية العامة منذ عام 1998م. - فرض المناهج العبرية على المدارس الفلسطينية في القدس، حيث تدير بلدية القدس 34 مدرسة، في حين تدير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) معظم المدارس الأخرى. وفي مواجهة ذلك قام بعض الفلسطينيين بإنشاء مدارس خاصة للحد من التحاق التلاميذ الفلسطينيين بالمدارس التي تديرها سلطة الاحتلال. مجموعة غلاف غزة: مجموعة غلاف غزة هي مجموعة مستوطنات إسرائيلية تقع على طول الحدود البرية المتاخمة لقطاع غزة بعدة كيلومترات، فيها 57 مستوطنة، يقدر سكانها بنحو 70 ألف مستوطن وفق آخر تحديث إحصائي نشرته دائرة الضرائب الإسرائيلية عام 2019، كما تضم أكثر من 27 ألف عامل أجنبي يعملون في مجال الزراعة. ولمستوطنات غلاف غزة أهمية إستراتيجية وأمنية بالنسبة لإسرائيل. كان الوجود الإسرائيلي قد انتهى في غزة منذ عام 2005 بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية منها، وبعد إخلاء 25 مستوطنة كانت مقامة هناك، وقد أنشأت حينها سلطات الاحتلال منطقة عازلة بين القطاع والأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، وتضم المنطقة العازلة حواجز برية وقواعد ونقاط عسكرية وأراضي زراعية. ومن أبرز المستوطنات والنقاط العسكرية في غلاف غزة: - مستوطنة سديروت: وهي أكبر وأقرب مستوطنة إلى قطاع غزة من جهة الشمال الشرقي، بها حوالي 35 ألف مستوطن وفق آخر إحصاء تم في عام 2023. - مستوطنة زيكيم: تقع شمال شرق القطاع وتطل على البحر المتوسط، وبها قاعدة عسكرية. - مستوطنة بئيري: ويقطنها أكثر من ألف مستوطن. - مستوطنة ناحال عوز: ويعيش فيها نحو 470 مستوطنًا، وفيها قاعدة عسكرية. - مستوطنة رعيم: تقع في منطقة شاسعة مفتوحة، ويعيش فيها نحو 430 مستوطنًا، وبها قاعدة عسكرية رئيسية تعد مقرًّا لفرقة غزة التابعة للواء الإسرائيلي الجنوبي. وقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في السنوات الأخيرة على إحداث تغيير ديموجرافي جذري في غلاف غزة من خلال تشجيع السكن فيها؛ حيث قدَّمت إغراءات مادية كثيرة، منها: التخفيضات الضريبية الكبيرة، وإتاحة الوظائف الكثيرة، وتوفير السكن المدعوم، وتشجيع الاستثمارات السياحية الريفية، وإنشاء مزارع للدواجن وإعداد للحقول. وتطمح الحكومة الإسرائيلية بذلك إلى مضاعفة عدد السكان في هذه المستوطنات في الفترة المقبلة. ومما يزيد من خطورة هذه المستوطنات ما دأبت عليه سلطات الاحتلال في السنوات الأخيرة من فتح باب الترخيص بحمل السلاح للمستوطنين خاصة المتطرفين منهم، ثم التغاضي عن كل ما يقومون به من اعتداءات مسلحة متصاعدة على الكثير من الفلسطينيين المجاورين لهم وعلى بيوتهم ومزارعهم وممتلكاتهم لدفعهم دفعًا إلى مغادرتها والنزوح عنها. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (5) حق المقاومة والدفاع عن الأرض والمقدسات كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ ففي خلال الفترة بعد حرب 1948 التي انتهت باستيلاء اليهود على نحو 80% من أرض فلسطين التاريخية ونزوح أكثر من 700 ألف فلسطيني منها فرارًا من المذابح التي انتهجتها العصابات الصهيونية ضد المدنيين العزل لإجبارهم على ترك أراضيهم فيما عُرِف باسم: (نكبة فلسطين)، وما ترتب عليها من ظهور قضية (اللاجئين الفلسطينيين)، وحتى اندلاع حرب يونيو 1967، وضعت الضفة الغربية لنهر الأردن تحت إدارة الأردن، بينما وضع قطاع غزة تحت إدارة مصر، واعتبر وقتها تحرير فلسطين المحتلة هدفًا عربيًّا يتم تناول القضية الفلسطينية خلاله في إطار صراع عربي - إسرائيلي، في ظل صعود الحركة القومية العربية وغلبة التيار القومي العربي وقتها. وأصبح تطلع الفلسطينيين لاستردادهم حقوقهم المسلوبة مرهونًا بالأمة العربية وتحقق الوحدة العربية المرتقبة، لذا لم يكن مطروحًا وقتها إقامة أي كيان وطني فلسطيني (دولة فلسطينية) عبر نضال فلسطيني؛ رغم أن الضفة الغربية وقطاع غزة كانتا تحت إدارة مصر والأردن. تم هذا رغم أنه كان هناك أكثر من حركة وطنية فلسطينية سابقة قادت النضال الوطني خلال فترة الانتداب البريطاني في مواجهة بريطانيا ومواجهة الهجرة اليهودية الجماعية المتزايدة إلى أرض فلسطين، والدعم البريطاني لإقامة وطن لليهود فيها. وقد اتخذ نضال الفلسطينيين صورًا متعددة: صورة حركة سياسية تقليدية من الوجهاء وكبار الشخصيات من خلال تقديم العرائض والاحتجاجات لسلطة الانتداب البريطاني دون استخدام للقوة المسلحة، وصورة الثورة الشعبية المؤثرة كما في ثورة عام 1936 والتي امتدت إلى عام 1939، وتوقفت بتدخل الحكومات العربية المحافظة بالضغط على الحركة الوطنية الفلسطينية لإيقاف هذه الثورة الشعبية، مما أغلق باب النضال الفلسطيني الشعبي وقتها، والذي كان يجب أن ينمى ويدعم، لا أن يعارض أو يوقف، واتخذ أيضًا صورة القتال والكفاح المسلح كما في نضال عز الدين القسام -رحمه الله-. وفي مؤتمر القمة العربي عام 1964 اتجه العمل العربي إلى إبراز الشخصية الفلسطينية بعد تعثر استمرار حكومة عموم فلسطين من خلال إنشاء كيان سياسي جديد أطلق عليه: (منظمة التحرير الفلسطينية)، والتي ظهرت رسميًّا عام 1965 برئاسة (أحمد الشقيري)، وكان قيام حركة التحرير الفلسطينية (فتح) بأول عملية فدائية ضد إسرائيل في الأول من يناير 1965 إيذانًا ببدء انطلاق العمل الفلسطيني المسلح الذي طال انتظاره، وهو التحول الذي ازداد بعد هزيمة يونيو1967، والذي يعد نقلًا للصراع إلى أرضيته الصحيحة؛ حرب تحرير فلسطينية يقودها الفلسطينيون أنفسهم ويدعمها العرب ماديًّا ومعنويًّا. وقد تم إنشاء الدوائر والمكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في عواصم الدول العربية وغيرها، وتم بث محطة إذاعة (صوت فلسطين) من القاهرة، وكذلك إنشاء مركز أبحاث للمنظمة في بيروت لإثراء الفكر الفلسطيني والتعريف بالحق الفلسطيني وحقيقة الكيان الصهيوني، إلى جانب تشكيل قوات من الفدائيين مسلحة ومدربة، وعبر سنوات طويلة قامت المنظمة بعمليات فدائية ضد العدو الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلة وخارجها. وفي عام 1974 تقرر في مؤتمر القمة العربي الذي أقيم في الرباط بالمغرب اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وفي نفس العام اعترفت أيضًا الأمم المتحدة بالمنظمة ممثلة للشعب الفلسطيني، كما حصلت المنظمة على صفة مراقب في منظمة الأمم المتحدة. ومنظمة التحرير منظمة تجمع كل الفصائل العسكرية والشعبية الفلسطينية وتهيمن عليها منظمة (فتح)، وبعد استقالة (أحمد الشقيري) من رئاسة منظمة التحرير عام 1969 تولى (ياسر عرفات) رئاسة المنظمة، واحتفظ برئاستها حتى وفاته عام 2002م. ونظرًا لعدم قدرة المقاومة الفلسطينية المسلحة على إقامة قواعد رئيسية للقيام بعملياتها العسكرية منها، خاصة بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في يونيو1967، فقد جعلت المقاومة قواعدها العسكرية في الدول العربية التي لها حدود مشتركة مع إسرائيل تسمح بذلك، وهي الأردن ولبنان وسوريا، ولكن أخطاء المقاومة الفلسطينية المتمثلة في عدم التنسيق مع أنظمة الدول التي تعمل من أراضيها، والتدخل أحيانًا في شئونها الداخلية، سرعان ما ساهمت في توتر العلاقات بين تلك الدول ومنظمة التحرير وبدرجات متفاوتة، لم تساعد على استمرار احتضان هذه الدول للمقاومة الفلسطينية، مع ظهور تناقض بين متطلبات وجود هذا النشاط الفلسطيني المسلح وبين أنظمة حكم دول الطوق، فتم تصفية الوجود العلني للمقاومة الفلسطينية في الأردن في عام 1971، وتحجيم أنشطة المنظمة في سوريا، وتكوين تنظيمات فلسطينية خاضعة للنظام السوري تدين له بالولاء. وعقب اجتياح إسرائيل للبنان في 1982 تم إجبار منظمة التحرير على مغادرة بيروت وجنوب لبنان، وقد أعقب نهاية حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) وإخراج القوات العراقية من الكويت ومن خلال جهود أمريكية بدء مفاوضات متعددة الأطراف أسفرت عن توقيع إعلان مبادئ للترتيبات الانتقالية لحكم ذاتي فلسطيني في قطاع غزة وأريحا ونقل السلطة فيهما للفلسطينيين بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية منهما كخطوة تمهيدية، تم توقيع الإعلان في سبتمبر 1993 في واشنطن، مع اعتراف متبادل بين منظمة التحرير برئاسة (ياسر عرفات) ممثلة للشعب الفلسطيني، وليست ممثلة للدولة الفلسطينية، ودولة إسرائيل ممثلة في (إسحاق رابين) رئيس وزرائها في ذلك الوقت. وفي 4 نوفمبر تم اغتيال إسحاق رابين على يد متطرف إسرائيلي، فتولى بعده شيمون بيريز الحكومة الإسرائيلية، وفي 25 أبريل 1996م وافق المجلس الوطني الفلسطيني على حذف مواد الميثاق الوطني الداعية إلى القضاء على دولة إسرائيل! التحرك السياسي لمنظمة التحرير: لقد قامت منظمة التحرير الفلسطينية في الستينيات كما جاء في ميثاقها الوطني بتبني الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير كامل أرض فلسطين من النهر (نهر الأردن) إلى البحر (البحر المتوسط) وإقامة دولة علمانية يعيش فيها المسلمون واليهود والنصارى على حد سواء، ثم في السبعينيات ظهرت الدعوة إلى إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي أرض تتحرر من الاحتلال لتمكين الشعب الفلسطيني من قيام دولة على أرضه يديرها بنفسه للوقوف في وجه النزعة الاستعمارية اليهودية في فلسطين، ولهذا وافق المجلس الوطني الفلسطيني في يونيو 1984م على فكرة إنشاء سلطة وطنية على أي أجزاء تتحرر من الأراضي الفلسطينية باعتبارها خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية. وفي المقابل: كانت إسرائيل لا تعترف بمنظمة التحرير، بل ولا تعترف بوجود شعب فلسطيني، وكانت ترى في الأردن التي أعلن ملكها (عبد الله الأول) ضم الضفة الغربية إلى الأردن عقب حرب 1948م هي الوطن البديل للاجئين الذين تركوا أراضيهم وديارهم خلال حرب 1948م وبعد حرب يونيو 1967م، أي: أن القضية الفلسطينية لا تعدو أن تكون قضية عرب لاجئين تحل بضمهم إلى المملكة الأردنية؛ هذا بينما كانت أمريكا تشترط على منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بدولة إسرائيل للمشاركة في أي مساعي دولية وقبول قرار مجلس الأمن رقم 242 وترك العمل المسلح، مع البحث عن صيغة تشترك فيها الأردن في التفاوض بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة. ولتحريك الموقف سياسيًّا أعلن ملك الأردن الملك حسين إنهاء الروابط الإدارية والقانونية للأردن مع الضفة الغربية في يوليو 1988، ليسقط بذلك أي خيار سياسي يقوم على تسوية إقليمية للقضية الفلسطينية بمشاركة أردنية، وبالتالي منح الفرصة كاملة لمنظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني للتحرك المستقل دوليًّا، وعليه أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في اجتماعه بالجزائر في نوفمبر 1988م قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، مع الدعوة لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، ومشاركة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومشاركة كل أطراف النزاع بما فيها منظمة التحرير لحل القضية الفلسطينية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة ومنها حقه في تقرير مصيره وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة. وعلى ذلك ألقى عرفات كلمته في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في جينيف في ديسمبر 1988 مؤكدًا على قبول منظمة التحرير للقرارين 242 و338، ونبذ العمل المسلح، وهو ما اعتبرته أمريكا كافيًا للدخول في حوار مع منظمة التحرير، خاصة مع فشل إسرائيل وقتها في إيقاف الانتفاضة الشعبية الفلسطينية عام 1987م، وهو ما أسفر عن المفاوضات حول الحكم الذاتي الانتقالي الفلسطيني الذي يعقبه المفاوضات النهائية حول القدس وإقامة الدولة الفلسطينية. ساهمت الأوضاع العربية المتردية والشعور بالإحباط عقب احتلال العراق للكويت ثم حرب تحرير الكويت وهزيمة العراق فيها، وما شهدته هذه الفترة من رفض عرفات إدانة غزو العراق للكويت الذي أضر بصورة منظمة التحرير دوليًّا، وأدى إلى تدهور علاقة المنظمة مع دول الخليج العربي وفتور علاقة المنظمة مع دول عربية أخرى، مما أوقع المنظمة في عزلة كانت كفيلة لجعل عرفات قابلا للضغط عليه وقبوله ما لم يكن يقبله من قبل، وزاد الأمر سوءًا سقوط الاتحاد السوفيتي، وهو ما أفقد القضية الفلسطينية الدعم الروسي، فقادت أمريكا مفاوضات بين إسرائيل ووفد أردني فلسطيني مشترك في ظل شروط حكومة شامير (حزب الليكود) اليمينية، والتي قبلتها منظمة التحرير على مضض، على أن تكون على مرحلتين: الأولى حول فترة انتقالية مدتها خمس سنوات من الحكم الذاتي الفلسطيني، والثانية تبدأ مفاوضتها قبل بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، حول المفاوضات النهائية للمشكلة والوصول للسلام الشامل والدائم للقضية الفلسطينية. ثم جاءت المفاوضات مع حكومة حزب العمل الإسرائيلية بقيادة (رابين) بدون شروط مسبقة والتي شاركت فيها منظمة التحرير بوفد، ثم بدأت اللقاءات السرية التي شهدتها النرويج (في أوسلو)، والتي انتهت بإعلان المبادئ للفترة الانتقالية والاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، وهو ما أتاح لمنظمة التحرير موضع قدم في غزة وأريحا تمارس منه السلطة داخل الأراضي الفلسطينية. وفي الواقع أن إسرائيل قبلت الانسحاب من غزة بسبب الأعباء الأمنية الباهظة التي تتحملها إسرائيل بسبب احتلال قطاع غزة دون عائد اقتصادي أو استراتيجي يبرر الاحتفاظ بها، خاصة مع الكثافة السكانية الفلسطينية فيها والتي تجعل من الصعب ضمها لإسرائيل إلى جانب ضعف اقتصاد القطاع. أما بالنسبة لأريحا فقبلت إسرائيل الانسحاب منها؛ لأنها خالية من المستوطنات الإسرائيلية وليست بعيدة عن القدس فهي مغرية للفلسطينيين، كما أنها قريبة كذلك من نهر الأردن مما يفتح الباب في المستقبل لإمكانية قيام اتحاد بين الأردنيين والفلسطينيين، وأجل إعلان المبادئ مناقشة المسائل الصعبة التي كانت تشكل العقبات الكبرى وقرر إرجاء بحثها إلى مفاوضات الوضع النهائي كالقدس واللاجئين والمستوطنات والحدود النهائية والترتيبات الأمنية والعلاقات الفلسطينية مع دول الجوار، حيث كانت مواقف الجانبين فيها متباعدة بدرجة كبيرة يصعب معها إيجاد حلول وسط بشأنها، وجاءت موافقة منظمة التحرير على إرجاء بحث هذه المسائل بمثابة تغير في مواقفها. كانت حماس قد دخلت معمعة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي مع تنامي الصحوة الإسلامية والتراجع المطرد للحركة الفلسطينية الوطنية العلمانية، وقد عملت حماس باستقلالية دون اندماج مع الحركات الفلسطينية الأخرى، وإن أقرت في ميثاقها أن منظمة التحرير أقرب الحركات إليها، ورغم معارضة حماس لاتفاق أوسلو، لكنها انضمت مع بقية المعارضين له في انتظار ما سيسفر عنه في ظل عدم تقديم بديل؛ لذا ظهرت ونمت سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود (السلطة الفلسطينية)، وفي 11 نوفمبر 2004 توفي ياسر عرفات بعد رحلة مرض، وانتخب محمود عباس (أبو مازن) خلفًا لعرفات في رئاسة منظمة التحرير والسلطة التنفيذية في انتخابات قاطعتها حماس. وفي مارس 2005م تم التوصل إلى (اتفاق القاهرة) بين قيادات الفصائل الفلسطينية الذي يقضي بهدنة مع العدو الإسرائيلي، وتشكيل لجنة تتولى إعادة هيكلة منظمة التحرير بعد دخول كل الفصائل الفلسطينية فيها، وهو ما لم ينفذ في الواقع. وفي يناير 2006 حصلت حماس على الأغلبية في مقاعد المجلس التشريعي في الانتخابات التشريعية الثانية، مما عكس مدى تطلع الفلسطينيين إلى حماس لنصرة القضية الفلسطينية التي تجاوزت اتفاق أوسلو الذي لم يقدم للفلسطينيين شيئًا، والذي عارضته وتعارضه حماس وفصائل أخرى لكونه لم يحقق ولن يحقق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، بل واصلت بعده الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة رفضها لإقامة الدولة الفلسطينية، ورفضها عودة اللاجئين الفلسطينيين لبلادهم، وتبنت سياسة فرض الأمر الواقع من خلال تهويد القدس ومواصلة بناء العشرات من المستوطنات في القدس والضفة الغربية، وتمادت في اضطهاد الفلسطينيين والتضييق عليهم وقامت باغتيالات قيادات الفصائل الفلسطينية عامة وحماس خاصة، ومارست علنا الاعتداءات المتكررة يوميًّا على المسجد الأقصى مع تصاعد التصريحات والتهديدات يومًا بعد يوم من المتطرفين فيها بقرب هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وهي كلها أمور تشير بقوة إلى أهمية مواصلة الكفاح والنضال المسلح من أجل تحرير الأرض والدفاع عن المقدسات، أمام عدو لا يعرف ولا يعترف إلا بلغة القوة. وهذا الكفاح المسلح هو ما قامت به شعوب كثيرة من قبل في مواجهة محتليها رغم قوتهم، وصبرت عليه حتى نالت مرادها في نهاية الأمر. والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة منها ما قام به شعب الجزائر من قبل في مواجهة الاحتلال الفرنسي، وما قام به شعب فيتنام في مواجهة الاحتلال الأمريكي، وما قام به الأفغان في مواجهة الاحتلال السوفيتي ثم من بعده الاحتلال الأمريكي، وغير ذلك. وهذا القتال والنضال المسلح لاستعادة الأرض المسلوبة والدفاع عن المقدسات أذن الله -تعالى- فيه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله تعالى عنهم- لما أخرجوا من مكة والبيت الحرام؛ فأدوه رغم التضحيات حتى نصرهم الله -تعالى-؛ قال -تعالى- في حق أولئك الذين أجبروا على ترك أرضهم وديارهم وأموالهم: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا) (الحج: 38-40)، وقال -تعالى-: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: 195)، وقال -تعالى-: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 191)، وقال -تعالى-: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (البقرة: 194)، وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) (الشورى: 39)، وقال -تعالى-: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى: 41-42)، وقال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (الحج: 60)، وقال -تعالى- في حق كفار مكة لما أخرجوا المسلمين من مكة وأخضعوا البيت الحرام لما هم عليه من الكفر: (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ) (البقرة: 217)، وكذلك هو إخراج اليهود الكفار للمسلمين الفلسطينيين من القدس وانتهاكهم لحرمات المسجد الأقصى وحرمان أهله الأحق به منهم يدخل في عموم قوله -تعالى-: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل: 110)، وفي هذا المعنى قوله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40). ولقد قاتل أهل الإيمان من بني إسرائيل بقيادة ملكهم طالوت من أخرجوهم من أرضهم وديارهم فنصرهم الله -تعالى- على عدوهم مع قلة عددهم، فكيف يكون الأمر وحالنا كحالهم لكننا الأكثر عددًا؛ قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا...) الآيات. (البقرة: 246 وما بعدها). قال الكاتب الفلسطيني (فيصل أبو خضرا) في كتابه: (المسألة الفلسطينية: الأزمة والحل) تعقيبًا على ما آلت إليه منظمة التحرير من التصالح مع إسرائيل، ما مفاده: (يجب أن نعترف أن الشعب الفلسطيني قام قبل هزيمة 1967 بما كان ينتظر منه، وهو اللجوء إلى الثورة الشعبية المسلحة)، (ولكنَّ أمورًا وقعت هنا وهناك أفقدت الثورة توازنها، فكانت -ولا زالت- عاجزة عن الإمساك بمقود السفينة كما ينبغي؛ ذلك أن القائد الملهم لم يأتِ إلى الساحة بعد)، (لقد كانت الثورة الفلسطينية تضج بالحياة والثورية في بدايتها، وكانت تحترم مشاعر الشعوب العربية الشقيقة واختياراتها، وكان محرمًا على الفدائي الذي يعبر جنوب لبنان أو الأراضي الأردنية أو السورية أن يؤذي نملة في أي منزل أو قرية يمر بها في طريقه إلى مهمته القتالية)، (وكانت الثورة مجهولة تعيش تحت الأرض مثلها مثل كل الثورات، ولكن سرعان ما لعبت الأحلام في رؤوس البعض، فحسبوا أن المجد لا يعطى من فوهة البندقية، بل بواسطة الكراسي)، (فسقطوا في المحظور، ودخلوا دهاليز السياسة، وأصبحوا ثورة عمومية، أي: ثورة فوق الأرض)، (ووقع الكل في خطأ الجزء فتذابحنا مع اللبنانيين سنة 1969م، ثم مع الأردنيين سنة 1970م، ثم مرة أخرى مع اللبنانيين سنة 1973، ثم مرة ثالثة مع اللبنانيين سنة 1975م)، (ثم مع بعضنا البعض، ولم نقاتل العدو كما كان يجب، وانقلبنا من ثورة يحترمها العالم كله إلى ثورة لم تعد تخيف أحدًا، بل إن دولًا عديدة في العالم منحتنا ولاءها ثم سحبته بسبب أخطائنا الإستراتيجية). (لقد كان مذهلًا أننا كنا نطلب الشيء ونقيضه في آن واحد، كنا نعلن أننا نقاتل من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني من العدو المحتل، ثم نتوجه بنداء إلى العالم نوافق فيه على إعطائنا أي مكان في فلسطين نقيم عليه دولتنا)، (ولقد كان مذهلًا حقًّا أننا كنا نقف مع سوريا مرة وضدها مرة ومع مصر مرة وضدها مرة، ثم مع تونس وطرابلس وبغداد وضدها مرة... إلى آخره. إن تكرار خطيئة عمان في بيروت، ثم تكرار خطيئة بيروت في تونس، وتكرار خطيئتي بيروت وتونس في عمان مرة ثانية، ثم تكرار كل هذه الخطايا في دمشق وعمان والجزائر... هي سياسة لا يمكن أن يكون دافعها الوعي الثوري أو الحدس الثوري، بل الارتباك، ولقد كان هذا الارتباك بمثابة الحد الأقصى من التخبط)، (ليس مذهلًا أننا انتقلنا في عشر سنوات فقط من ثورة تريد فلسطين كلها إلى ثورة تعترف بالقرار 242 الذي ينص صراحة على حق إسرائيل في فلسطين بدون مواربة أو غموض. إن هذا التخبط جعل العالم يشيح بوجهه عنا، وأبعدنا عن الهدف الحقيقي الذي هو فلسطين ولا شيء سواها)، (فالعار ليس في أن يحتل العدو الأرض، بل أن يعترف صاحب الأرض للعدو بهذا الاحتلال، والتاريخ مليء بالشواهد المشابهة التي احتل فيها العدو الأرض، ثم خرج منها بالقوة أو بالوسائل الأخرى)، (ولأن الوقت الآن لم يعد في صالحنا؛ ولأن ما فقدناه يفوق الوصف والتصور، فقد آن لنا أن نقف وقفة مسئولة ونحاسب أنفسنا، ونجدد انطلاقتنا لكي لا يطمسنا التاريخ) (انظر: المسألة الفلسطينية: الأزمة والحل، للكاتب الفلسطيني فيصل أبو خضرا، ص 12- 14 بتصرفٍ). ويزيد الكاتب الأمر إيضاحًا فيقول ما مختصره: (إننا مسئولون عن ضياع فلسطين مثلما كان السلاح اليهودي مسئولًا عن ضياع فلسطين، ومثلما كان الغطاء الدولي لمصلحة إسرائيل مسئولًا عن ضياع فلسطين، فنحن لم نكن ندرك أن ما كان يجري حولنا منذ مطلع القرن العشرين الميلادي هو مؤامرة صهيونية لاغتصاب أرض فلسطين)، وحين بدأ الفلسطينيون يدركون هذه الحقيقة خاضوا معاركهم ضد اليهود (بالعاطفة وحب فلسطين دون قيادة سياسية واعية، أو قيادة عسكرية محترفة، فاستطاع العدو أن يسجل هدفه الأول: وهو إلغاء فلسطين من الخارطة ووضع إسرائيل بدلًا منها، ولكي يمرر عدونا ذو التجربة والمال هذا الهدف اختلق مسألة تقسيم فلسطين، ووافقت الدول الكبرى عليه... وسرعان ما رفضنا، ثم رضينا بهذا الأمر). (والهدف الثاني الصهيوني: كان طردنا من فلسطين؛ ذلك أن الفلسطينيين كانوا حتى ما بعد التقسيم عام 1947م أكثر عددًا من اليهود بمعدل خمسة إلى واحد، وبسبب حسن تدربهم وقدرات قادتهم السياسية والمالية خاضوا ضدنا حربًا غير متكافئة فانهزمنا)، (الهدف الثالث كان طرد بقية الفلسطينيين والاستيلاء على كل فلسطين. وفي هذه الفترة كانت الدول العربية خارجة للتو من حكم الاستعمار لتدخل عالم الاستقلال الذي لم تتقن سياسته، ولم يكن عندنا زعامات فذة قادرة على شحن أبناء الأمة بالوطنية الصادقة، بل كن لدينا زعامات فارغة أو هوجاء وطنيا أو محبة للسلطة والمال. وبسبب تخبط الشعوب العربية في الجهل والفقر وعذاب الحكام تمكنت إسرائيل من حشد أبنائها وتحصين الأراضي التي سيطرت عليها وأنشأت فوقها دولة، وبينما كانت العرب يتصايحون ويتقاتلون اندلعت حرب 1967م في غفلة عربية، وضربت إسرائيل ضربتها وأذهلت العرب والعالم معا، لا بقوتها المفاجئة المنظمة فحسب، بل بكشف هشاشة القوة العربية العسكرية والتنظيمية، وبهذه الحرب حققت إسرائيل هدفها الثالث وهو الاستيلاء على كل فلسطين، وأجزاء أخرى من مصر وسوريا، لكي تتفاوض بها في المستقبل مقابل الاكتفاء بفلسطين فارغة من الفلسطينيين، أو مقابل إبرام معاهدة صلح مع العرب ينهون بها حالة العداء مع إسرائيل إلى الأبد، فتصبح إسرائيل الدولة الأقوى، والجارة المهيمنة في الشرق الأوسط كله، وتحقق بذلك هدفها الرابع) (المصدر السابق). |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (6) طوفان الأقصى (1) (يوم السبت 7 أكتوبر 2023م - 22 ربيع الأول 1445هـ) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد جاءت عملية طوفان الأقصى التي قامت بها كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس في 22 ربيع الأول 1445هـ الموافق السابع من أكتوبر 2023 -كما أعلن ناطقها الرسمي (أبو عبيدة)- دفاعًا عن الشعب الفلسطيني في مواجهة انتهاكات سلطة الاحتلال الصهيوني واضطهاداتها المتواصلة للشعب الفلسطيني المخالفة للقوانين والمواثيق الدولية التي توجب مراعاة حقوق أصحاب الأرض المحتلة في المعاملة، وردًّا على محاولات تهويد القدس والانتهاكات المستمرة من المستوطنين اليهود لساحة المسجد الأقصى، محملًا سلطة الاحتلال الإسرائيلية المسئولية الكاملة لتبعات جرائمه المتواصلة بحق الفلسطينيين، وبحق القدس الشرقية المحتلة وبحق المسجد الأقصى، وإلزامًا لهذه السلطة بوقف كل المخططات الرامية إلى تهويد المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه؛ فضلًا عن تحرير الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية. كانت ساعة الصفر لعملية طوفان الأقصى هي الساعة السادسة صباحًا، وكانت الخطة الموضوعة لطوفان الأقصى سرية لم يعرفها الذين نفذوها إلا مع اقتراب ساعة الصفر حيث صدرت التعليمات لقادة الكتائب ومسئولي الخلايا بتجميع الأعداد الكبيرة من المقاتلين الذين تم تدريبهم جيدًا لتنفيذ تلك العملية في وقت مبكر من فجر السابع من أكتوبر، وهؤلاء المقاتلون -ويبلغ عددهم قرابة 1500 مقاتل- كانوا قد تلقوا من قبل تدريبات عديدة مكثفة على الأسلحة التي ستستخدم في القتال، والتي يتم تخزينها في ترسانة الأسلحة التي تمتلكها حماس، وتجمعها بعد أداء التدريبات عليها، حيث تم في هذا الصباح توزيع ذخيرة إضافية وأسلحة أكثر قوة ودقة على المجتمعين، وتزويدهم بقذائف صاروخية، وقنابل مضادة للآليات العسكرية، ورشاشات ثقيلة، وبنادق قنص، وكميات كبيرة من المتفجرات والذخائر، وتم اطلاعهم على تفاصيل خطة التحرك، والتأكيد على المهام المحددة لكل مقاتل، أي: إعطاء الأوامر النهائية. كانت حماس قد أعدت الخرائط التي توضح تفاصيل دفاعات ومواقع العدو الرئيسية، التي استقت معلوماتها من داخل إسرائيل عن طريق المتعاطفين مع الحركة، ومن الفلسطينيين العاملين داخل إسرائيل، وعليه حددت الأهداف المطلوبة سلفًا، ومدت مقاتليها التعليمات شفهية وسرًّا لإخفاء تسرب الأخبار عن طريق العملاء وأنظمة المراقبة والتجسس الإسرائيلية والعالمية المتعاونة معها. ومع بدء العملية العسكرية تدفق المقاتلون الفلسطينيون من غزة، وغالبيتهم من كتائب القسام ومعهم مقاتلون من فصائل أخرى فلسطينية -بعضهم من سرايا القدس الذراع العسكري لمنظمة الجهاد الإسلامي-، واستخدم المقاتلون الجرافات في اختراق السياج المزدوج للدفاعات الإسرائيلية، ثم عبروا من خلال فجوات أحدثوها في الجدار العازل. وكان التدفق الفلسطيني في البر والبحر والجو، وفي سرعة اجتاز المقاتلون الفلسطينيون الحدود الإلكترونية والأسوار الحديدية، وعطلوا أجهزة المراقبة والرشاشات الآلية، بينما أطلقت خمسة آلاف صاروخ تجاه العديد من المستوطنات الإسرائيلية من (ديمونا) في الجنوب إلى (هود هشارون) في الشمال وفي العمق في اتجاه القدس. وقد توجه المقاتلون في سيارات رباعية الدفع وشاحنات صغيرة ودرجات نارية، وقد تبعهم آخرون مستخدمين طائرات مسيرة وشراعية (الطوافات)، والتي لا يمكن رصدها خاصة مع إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ في السماء تجاه أهداف للعدو، وكذلك زوارق بحرية سريعة ودراجات نارية، وقاموا جميعًا بالتنسيق معًا وفي وقت واحد بمداهمة المستوطنات والبلدات والقواعد العسكرية المتاخمة لقطاع غزة والتي تعرف باسم: (غلاف غزة)، حيث خاضوا اشتباكات عنيفة في عدد كبير من المستوطنات المتاخمة والمواقع العسكرية، وسيطروا تمامًا على العديد منها؛ خاصة (سيروت) و(أوفاكيم)، كما اقتحموا (نتيفوت)، وتمكنوا من أسر عدد من الضباط والجنود وبعض المستوطنين، وذلك للمقايضة بهم في عمليات الإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية. كان الهجوم مهولًا مذهلًا كمًّا ونوعًا، من جهة ضخامة أعداد المقاتلين أصحاب الكفاءة والقدرات العالية الذين يتوغلون لأول مرة بهذه الدرجة من التوغل في عمق غلاف غزة، ومن جهة نوعية الهجوم وتعدد محاوره التي شملها برًّا وجوًّا وبحرًا، ومنها الإسقاط بالمظلات، والذي تم بسرعة واحترافية كبيرة خلف خط دفاع غلاف غزة، مع الإحاطة بالمعلومات الوافية حول مواقع محددة داخل المستوطنات، كمواقع فرق الاستجابة الأولى على أي هجوم في فرقة غزة التابعة للجيش الإسرائيلي، ومحيط الدفاع عن المستوطنات في غلاف غزة، وكذلك أماكن تجمعات الجنود والمستوطنين. لقد كان الهجوم هو الأكبر على إسرائيل والأكثر تدميرًا في يوم واحد في تاريخها، كشف عن تقدم تقني للمقاومة الفلسطينية على قلة إمكانياتها، وعن امتلاكها ترسانة أسلحة لم يتوقعها العدو، ولم ترصدها من قبل أجهزته الاستخبارية ومن يدعمها. كانت القوات الإسرائيلية في غلاف غزة تعتقد اعتقادًا جازمًا أن حاجزها الأمني الذي يتميز بتقنيته العالية، ويفصل بينها وبين قطاع غزة غير قابل للاختراق، فهناك سياج فاصل مزدوج يبلغ ارتفاعه ستة أمتار وحاجز مجهز بالأسلاك الشائكة والكاميرات، وأجهزة استشعار محصنة بقاعدة خرسانية ضد الأنفاق، ومدافع رشاشة يجري التحكم فيها عن بعد. كان الإسرائيليون يحتفلون بأحد أعيادهم الدينية حتى وقت متأخر من صباح السبت، وقوات الاحتلال والمستوطنين في حالة استرخاء أمني، فلم يتوقعوا هذا الهجوم المفاجئ، وقد قام قناصة فلسطينيون بإصابة أنظمة المراقبة؛ مما أثر على عمليات المراقبة، وانتشرت سريعًا قوات المقاومة الفلسطينية في العديد من المواقع العسكرية والمستوطنات. وقد نجح رجال المقاومة في تخطي معبر (كرم أبو سالم)، وقتلوا عند المعبر قائد قوات لواء (ناحال) للقوات الخاصة الإسرائيلية وقتلوا معه أحد المسلحين، واقتحم رجال المقاومة مستوطنة (سيدروت)، وتمكنت عناصر منهم من اقتحام مقر الشرطة داخلها، حيث أجهزت على كل العناصر داخله. وفي الوقت الذي كانت تتوغل فيه قوات المقاومة في غلاف غزة وتخوض اشتباكات عديدة مع جنود الاحتلال داخل المستوطنات الإسرائيلية، عاودت كتائب القسام من جديد إطلاق صواريخها من غزة تجاه منشآت إسرائيلية حيث قصفت 60 موقعًا. وفي الثامنة صباحًا ألقى (محمد ضيف) القائد العام لكتائب القسام بيانًا عبر وسائل الإعلام أعلن فيه عن بدء العملية العسكرية، (طوفان الأقصى)، وأكد فيه أن الضربة الأولى استهدفت مواقع العدو العسكرية وأهداف أخرى من خلال صواريخ تجاوز عددها الخمسة آلاف صاروخ، قائلًا: إن هذه العملية جاءت لتضع حدًّا للانتهاكات العسكرية الإسرائيلية، وردًّا على تدنيس المتطرفين من المستوطنين الإسرائيليين لساحات المسجد الأقصى مسرى الرسول -صلى الله عليه وسلم-. ومؤكدًا أنه من هذا اليوم لا تنسيق أمني مع الاحتلال، وأن الشعب الفلسطيني يستعيد أيضًا بدءًا من هذا اليوم السابع من أكتوبر ثورته، ويعود لمشروعه لإقامة دولته، وقد أحدث البيان ردود أفعال عديدة في كافة الأوساط. وقد بدأ الإعلام الفلسطيني في نشر وبث مقاطع فيديو فيها جنود إسرائيليون قتلى، وجنود آخرون مستلقون على الأرض يقف مقاتل فلسطيني مسلح فوق رؤوسهم ومستوطنون أسرى، وقد نشرت كتائب القسام مقاطعًا وصورًا لمحاصرة قواتها جنود الاحتلال داخل قاعدة عسكرية تقع على مشارف قطاع غزة، ونشرت صورًا للحظات الاقتحام الأولى والاستيلاء على معبر كرم أبو سالم شرق رفح والإجهاز على الجنود الإسرائيليين في تلك المواقع. ويمكن القول: إنه لولا هذا التوثيق صورة وصوتًا لجوانب من عملية طوفان الأقصى؛ لكان من الصعب على الكثيرين تصديق ما حدث! وقد أدلى صالح العروري نائب حركة حماس بيانًا على فضائية الأقصى، ذَكَر فيه: أن عملية طوفان الأقصى جاءت ردًّا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ودفاعًا عن المسجد الأقصى، ولتحرير الأسرى الفلسطينيين الموجودين في سجون الاحتلال، وأن المجاهدين قد بدأوا عملية واسعة لتحقيق ذلك. ولا يخفى على أحد أن تسمية العملية بطوفان لأقصى هي إشارة واضحة إلى أنها جاءت ردًّا على الاقتحامات والانتهاكات المتكررة للمسجد الأقصى، وقد أكد (أبو حمزة) الناطق باسم سرايا القدس أن التنظيم لديه العديد من الجنود الإسرائيليين الأسرى بين يديه. وقد أصدر أيضًا إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج بيانًا صحفيًّا أعلن فيه أن طوفان الأقصى بدأ من غزة وسيمتد للضفة والخارج، وفي كل مكان يتواجد فيه الشعب الفلسطيني، وأن المقاومة تخوض ملحمة بطولية. ولا يخفى أن هذا التوغل للمقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة لم يحدث من قبل، وبهذه الكيفية كمًّا ونوعًا، وهي تعني بوضوح أن الكيان الصهيوني يواجه شعبًا صلبًا صعبًا، وليست فلسطين أرضًا بلا شعب كما يزعم ويدعي، وأن المقاومة الفلسطينية لم تمت، ولن تموت أبدًا -إن شاء الله تعالى-. ورغم عدم الإعلان رسميًّا عن أهداف ضربة طوفان الأقصى؛ فقد كان واضحًا أن أهدافها الرئيسية تتمثل في: 1- الهدف الأول: اقتحام مقر جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي (شين بيت) من خلال معبر (أرتز)، وهذا المقر توجد به كل الكمبيوترات المحتوية على كل المعلومات الموثقة والوثائق الإلكترونية الأمنية السرية، وذلك للحصول على كافة ما فيها من المعلومات الخاصة بالأمن الإسرائيلي في قطاع غزة، وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد هاجمت عناصر المقاومة المقر على مجموعتين: مجموعة تتعامل مع جنود قوات الاحتلال، ومجموعة تتعامل مع الكمبيوترات والديسكات، وهو ما تم بالفعل بالاستيلاء على أجهزة الكومبيوتر وخوادمها المحتوية على التفاصيل الدقيقة المطلوبة، ومنها بيانات عن كافة العملاء الذين يتعاملون ويعملون لصالح جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي، كما تم أسر اثنين من ضباط الشين بيت العاملين فيه، وتم نقلهما مع الأجهزة إلى قطاع غزة. 2- الهدف الثاني: اقتحام القاعدة العسكرية التي بها مقر وحدة التجسس الإقليمي الإسرائيلي (الوحدة 8200)، وهي الوحدة المتقدمة في القطاع الجنوبي لإسرائيل للتجسس، والمنوط بها أعمال التجسس على مصر والأردن وإيران والبحر الأحمر، حيث تمتلك الوحدة قدرات عالية جدًّا، جعلت إسرائيل ثاني أكبر دولة في التنصت بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الوحدة تابعة لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي مباشرة، حيث يتم نقل كل ما لديها من معلومات إلى جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد)، وإلى جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية (أمان). والغرض من مهاجمة مقر هذه الوحدة هو: الحصول على كافة ما فيها من المعلومات التي تمتلكها إسرائيل. كان تأمين الوحدة (8200) وقت الهجوم ضعيفًا؛ إذ لم يكن متوقعًا مهاجمته من جهة، ولوجود حالة استرخاء عسكري في ظل الاحتفال بالعيد الديني (يوم العرش)، كما كان المسئولون الإسرائيليون يترقبون حدوث مظاهرات إسرائيلية داخل إسرائيل احتجاجًا على سعي حكومة نتنياهو لإجراء هيكلة للقضاء في إسرائيل والتي يعارضها الكثير من الإسرائيليين ويستعدون لاستئناف التظاهر ضدها، وكذلك توقع وقوع مظاهرات فلسطينية في الضفة الغربية احتجاجًا على تزايد انتهاكات المستوطنين الإسرائيليين، وهو ما استدعى سحب قوات من أمام قطاع غزة إلى الضفة الغربية للتعامل المتوقع معها، وقد نجحت بالفعل كتائب القسام في الاستيلاء على كافة أجهزة الكومبيوتر وخوادمها وكل الملفات التي تحتفظ بها الوحدة (8200)، وأسر أحد الضباط وأحد مهندسي الكمبيوتر المتخصصين العاملين في التجسس السيبراني بالوحدة، وعادت بكل هذا إلى غزة، وبدأت في تفريغ معلوماته. 3- الهدف الثالث: اقتحام قاعدة (بيت سليم) العسكرية التي توجد بها قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية، وهي التي تشرف على العمليات في النقب والحدود مع مصر ومنطقة البحر الأحمر، وهو ما تمكنت كتائب القسام من تنفيذه، كما أسرت عدد من قياداته. الموقف على الجانب الإسرائيلي: كان متوقعًا لدى بعض الاستخباريين والعسكريين الإسرائيليين احتمالية هجوم للمقاومة الفلسطينية على غلاف غزة، بل حذر محلل عسكري ينتمي للوحدة (8200)، والتي تعد وكالة استخبارات إسرائيلية إلكترونية متقدمة، من أن حماس أجرت من ثلاثة أشهر تدريبات مكثفة لمدة يوم واحد، ولكن في ظل حالة الهدوء السائدة، واستبعاد امتلاك حماس معلومات استخبارية عالية، وتوقع عدم قدرة حماس على تنفيذ هجوم شامل وواسع النطاق على هذا المستوى العالي من الإعداد والتنفيذ، إلى جانب الثقة التامة في كفاءة الحاجز الأمني والجدار العازل الإسرائيلي؛ قلل كل ذلك مخاوف الخبراء والمسئولين الإسرائيليين من وقوع هجوم حماس المفاجئ، وأن يكون بهذه الدرجة العالية من الإعداد والتنفيذ؛ إضافة إلى أن تنفيذ الهجوم تم خلال أجواء احتفال اليهود بأحد أعيادهم الدينية (عيد العرش)؛ مما زاد في جعل توقيت الهجوم مفاجئة غير متوقعة. في السادسة والنصف صباح السابع من أكتوبر دوت صفارات الإنذار في المستوطنات الإسرائيلية المجاورة لغلاف غزة، وبينما كانت أصوات الصواريخ والرصاص تدوي في العديد من المستوطنات والقواعد العسكرية، كان لا يزال البعض يحتفل بمناسبة العيد اليهودي حتى صباح السبت، وجاء الهجوم المباغت صادمًا للقادة والجنود بما يعد فشلًا ذريعًا لأنظمة المخابرات والجهاز العسكري الإسرائيلي في الجنوب التي لم تقدم قبل وقوع الهجوم أي معلومات استخبارية كافية تساعد على الاستعداد لصد الهجوم أو إجهاضه. وقد أصدر جيش الاحتلال بيانًا أكد فيه أن قائد لواء (ناحال) للقوات الخاصة الإسرائيلية قد قتل في هذا اليوم (السبت) مع أحد المسلحين قرب "معبر كرم أبو سالم"، الذي يفصل بين قطاع غزة وبين إسرائيل، بينما توعد رئيس الوزراء (نتن ياهو) حركة حماس بأنها ستدفع ثمنًا باهظًا لهجومها على إسرائيل صباح اليوم، وذكر عن طريق رسالة تليفزيونية مسجلة من مقره العسكري في تل أبيب أن إسرائيل في حالة حرب، وليس مجرد تحرك أو عملية عسكرية، مشيرا إلى أنه أمر الجيش بتطهير المواقع التي دخلها مقاتلو حماس في البلدات والمدن الإسرائيلية، أما الرئيس الإسرائيلي فنقل عنه قوله: إن إسرائيل تواجه ساعات صعبة، داعيًا الجميع إلى الانصياع لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية وإظهار الدعم المتبادل. وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف جالانت): أن حماس قد ارتكبت خطأ فادحًا من خلال هجومها هذا الذي نفذته يوم السابع من أكتوبر داخل المدن والبلدات الإسرائيلية، وذكر في ختام جلسة تقييم الوضع الأمني وبحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتن ياهو) أن حركة حماس بدأت الحرب ضد دولة إسرائيل، وأن جنود الجيش الإسرائيلي يقاتلون في كل نقاط الاختراق، مشيرًا إلى أن دولة إسرائيل ستنتصر في هذه الحرب. وقد أعلن (إثمار بن غفير) وزير الأمن القومي الإسرائيلي حالة الطوارئ الأمنية في إسرائيل ابتداءً من مساء السبت السابع من أكتوبر ردًّا على العملية العسكرية التي قامت بها حماس، بينما أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال (أفيخاي أدرعي) رسميًّا، وفي نفس يوم الهجوم نفسه إطلاق عملية عسكرية كبرى باسم: (السيوف الحديدية) ضد حركة حماس في قطاع غزة ردًّا على هجوم طوفان الأقصى، بينما قال (جوناثان كونريكوس) المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي: (لقد فشل النظام بأكمله، فمن الواضح أن البنية الدفاعية بأكملها فشلت في وقف الهجمات وتوفير الدفاع اللازم للمدنيين (المستوطنين) الإسرائيليين)، وأضاف: (سيتغير كل شيء بالنسبة لإسرائيل بعد هذا الهجوم الأخير). وفي الاجتماع الأمني الذي عقد على الفور بقيادة نتنياهو حددت الحكومة الإسرائيلية أهدافها العاجلة، وتتضمن: 1- العمل سريعًا على استرداد زمام المبادرة بعد تقييم للوضع الميداني. 2- استرداد المستوطنات التي توجد بها عناصر من حماس، مع منع السماح بانسحاب عناصر حماس ومعهم أسرى من العسكريين أو المستوطنين (المدنيين). 3- العمل سريعًا على استرداد صورة الردع بعد أن تبين هشاشة الأمن القومي الإسرائيلي الداخلي، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتن ياهو" أن ما يجري غير مسبوق، وأن الجيش الإسرائيلي سينتقم ويضرب حماس بلا هوادة، وأن هذه الحرب ستستغرق وقتًا وستشهد أيامًا جسيمة، بينما أعلن المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل ستنفذ حملة عسكرية ضد حماس في داخل غزة، وألمح إلى احتمال قيام الجيش الإسرائيلي بغزو بري لقطاع غزة. وفي الرابعة والنصف عصرًا قصفت إسرائيل بالصواريخ مبنى جمعية خيرية وسط مدينة غزة، وقام الطيران الإسرائيلي بتنفيذ غارة على برج سكني في وسط المدينة فدمره بالكامل، كما قام الطيران الإسرائيلي خلال اليوم بغارات مكثفة على مناطق سكنية متعددة في (بيت لاهيا) شمال قطاع غزة، وفي مخيم (الشابورة) في منطقة رفح جنوب القطاع؛ مما تسبب في وقوع عشرات الشهداء والمصابين. وردًّا على الاعتداءات الإسرائيلية أطلقت المقاومة الفلسطينية في الثامنة مساءً دفعة جديدة مكونة من 150 صاروخًا باتجاه العديد من المدن والمستوطنات الإسرائيلية، ومنها صواريخ على تل أبيب تسببت في وقف جلسة منعقدة للحكومة الإسرائيلية، وهروب وزرائها إلى الملاجئ. وقد ظلت قوات المقاومة الفلسطينية تسيطر طوال يوم السابع من أكتوبر على عدد كبير من المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية التي اقتحمتها في الصباح، وقد كبدت قوات الاحتلال ولأول مرة مئات القتلى من جنودها في يوم واحد ومئات الجرحى وعدد كبير من الأسرى من ضباط وجنود الاحتلال والمستوطنين، وهو ما لم يشهده الكيان الصهيوني من قبل. لقد كانت عملية طوفان الأقصى يوم السبت السابع من أكتوبر 2023 بمثابة شهادة وفاة للأكاذيب والدعاية الإسرائيلية حول تفوقها العسكري وتفوقها الاستخباري والتقني، كما أحيت معها القضية الفلسطينية والاهتمام بها من جديد في نفوس المسلمين في كل العالم الإسلامي خاصة الشباب، كما جرفت وأسقطت تقبُّل الدعوة للديانة الإبراهيمية في المنطقة العربية، وأفشلت جهود العدو الإسرائيلي للتطبيع مع الدول العربية. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (7) طوفان الأقصى (2) الأسبوع الأول من الطوفان الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ ففي يوم الأحد 23 ربيع الأول 1445 هـ، الموافق الثامن من أكتوبر 2023 م، صدر بيان عسكري من كتائب القسام ذكرت فيه: أن مقاتليها ما زالوا يخوضون اشتباكات ضارية في عدة بلدات من غلاف غزة، منها: أوفاكيم، وسديروت، وباد مردخاي، وكفارة عزة، وبئيري، وكيسوفيم. وأثناء ذلك كانت تصدر البيانات والتصريحات الإسرائيلية بلا توقف، تكيل التهديدات لحماس والوعيد، بينما توالت الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، والتي بلغت 800 غارة خلال يوم الأحد الثامن من أكتوبر، وأوقعت المئات من الشهداء والمصابين غالبيتهم من المدنيين العزل. وقد أعلن المجلس السياسي الأمني الإسرائيلي حالة الحرب على قطاع غزة رسميًّا لتدمير كل قدرات حماس العسكرية والحكومية، بما يدل على خطورة الوضع في إسرائيل والرغبة العارمة في الانتقام، وأن المرحلة القادمة ستشهد تطورات خطيرة، فهذه هي المرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973 التي تعلن فيها إسرائيل الحرب رغم أن عملياتها العسكرية لم تتوقف حتى بعد انسحابها من قطاع غزة عام 2005. كانت الأجواء بفعل صدمة طوفان الأقصى ملبدة بالغيوم، وقد أعلن وزير الجيش الإسرائيلي (يوآف جالانت) أنه أمر بفرض حصار عسكري مطبق على قطاع غزة؛ فلا وقود، ولا غاز، ولا طعام، ولا شراب، فكل شيء مغلق! وهو ما أعلنه أيضًا وزير البنية التحتية الإسرائيلية، كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن خطة للتعبئة تتضمن استدعاء 360 ألف فرد من الاحتياط، وهو الاستدعاء الأكبر في إسرائيل. وفي مواجهة تصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية كشفت كتائب القسام عن امتلاكها لمنظومة للدفاع الجوي محلية الصنع تقوم بالتصدي للطائرات الإسرائيلية، ورغم قلة كفاءتها؛ إلا أنها أجبرت جيش الاحتلال على عدم استخدام طائرات الأباتشي في غاراتها خشية إصابتها، رغم أهمية طائرات الأباتشي في عمليات المراقبة والمتابعة والمطاردة وتوجيه نيران المدفعية. وفي نفس اليوم تحركت حاملة الطائرات الأمريكية (جيرالد فورد) إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لتعزيز وضع القوات الأمريكية في المنطقة، وذكرت القيادة المركزية الأمريكية أنها اتخذت خطوات لنشر أسراب من المقاتلات الحربية من طراز إف 35، وإف 16، وإف 15، وإيه 15 في المنطقة دعمًا لإسرائيل في ظل التطورات الجارية، وذكر البيان: أن الولايات المتحدة تحتفظ بقوات جاهزة على مستوى العالم لتعزيز وضع الردع إذا لزم الأمر. وعلقت حماس على ذلك: بأن إرسال الولايات المتحدة حاملة الطائرات إلى المنطقة لدعم إسرائيل يعد مشاركة فعلية منها في العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة، وأن هذه التحركات هي لترميم المعنويات المنهارة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد هجوم كتائب القسام، وهي تحركات لا تخيف الشعب الفلسطيني، ولن تضعف من مقاومته للاحتلال. امتد القتال الدائر بين أفراد من المقاومة وقوات جيش الاحتلال داخل المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة إلى يوم الاثنين التاسع من أكتوبر، أي لليوم الثالث على التوالي، حيث أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن القوات الخاصة الإسرائيلية تشتبك في معارك في 7 إلى 8 مواقع داخل إسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، وأنها ما زالت تعاني من هجمات حماس، وأن هجمات حماس خلفت حتى الآن 800 قتيل إسرائيلي. وقد أعلنت في نفس اليوم الاثنين صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية أن عدد القتلى الإسرائيليين في المواقع العسكرية والمستوطنات من جراء عملية طوفان الأقصى لا يقل عن 800 إسرائيلي، وأن عدد الجرحى بلغ نحو 2500 جريح. مع انتشار أصداء عملية طوفان الأقصى في كل أنحاء العالم، سعت إسرائيل جاهدة كعادتها في نشر الأكاذيب مِن خلال: تزوير الأخبار، وبث المعلومات المغلوطة، ونشر الفيديوهات غير الصحيحة المزورة من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي ونسبتها إلى حركة حماس وكتائب القسام، حيث ادعت إسرائيل أن مقاتلي كتائب القسام يذبحون الأطفال ويغتصبون النساء، ويقتلون المدنيين، وينكلون بالأسرى، وقد ردد ذلك وروج له الإعلام الغربي كذبًا وزورًا أمام الرأي العام الغربي دون أي تحقيق؛ انقيادًا للإعلام الصهيوني! فتردد: أنه قد تم ذبح 40 طفلًا إسرائيليًّا، كما نشر فيديو فيه زعم اغتصاب سيدة إسرائيلية، وكذلك ادعاء قتل كتائب القسام يوم السابع من أكتوبر لمئات من المدنيين الإسرائيليين والأجانب كانوا يحضرون أحد الاحتفالات في مستوطنة (كيبوتس ريعيم). وقد تبيَّن بعد ذلك حقيقة تلك الوقائع، وبالتالي كذب هذه الافتراءات والأكاذيب، بل واعتذرت العديد من وسائل الإعلام لمستمعيها وقرائها على تسرعها في نشر هذه الأخبار الكاذبة والترويج لها دون تدقيق، وقد اعترفت الصحافة الإسرائيلية نفسها بعد ذلك أن طائرات حربية إسرائيلية هي التي قصفت وقتلت بطريق الخطأ المئات من الإسرائيليين والأجانب المحتفلين في حفلة مستوطنة (كيبوتس ريعيم) ممن حضروا الاحتفال الذي قتلوا فيه. ففي يوم 12 نوفمبر نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت)، وهي صحيفة إسرائيلية مقربة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، تقريرًا جاء فيه: إن التحقيقات التي تجري حول أحداث السابع من أكتوبر أثبتت أن طائرات إسرائيلية قصفت مستوطنات ومركبات بداخلها إسرائيليين في السابع من أكتوبر ظنًّا أنهم مقاتلون من حماس وفقًا لاعترافات عدد من الطيارين الإسرائيليين، أي: أنه لا علاقة لحماس بمقتلهم، وقد أحدثت تلك التحقيقات ضجة في إسرائيل بعد مرور أكثر من شهر على بداية الحرب، كما فندت كذلك صحيفة (هاآرتس)، وهي صحيفة إسرائيلية تخاطب النخبة اليسارية في إسرائيل وتؤيد حل الدولتين، أكذوبة قتل الأطفال الإسرائيليين الرضع، مما عرض الصحيفة للهجوم من الكثير من الإسرائيليين. وقد أظهرت الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية حكومات وشعوبًا هجومها الصريح على حماس وشعب غزة على خلفية عملية طوفان الأقصى؛ خاصة بعد كل ما تردد من الأكاذيب في الإعلام الصهيوني والغربي التي حولت النضال الفلسطيني دفاعًا عن المقدسات إلى أعمال إرهابية ضد مدنيين صهاينة أبرياء. وقد أعلن مفوض الشئون السياسية للاتحاد الأوروبي موقفه المعادي من خلال (تغريدة) على مواقع التواصل الاجتماعي أشار فيها إلى التعليق الفوري للمساعدات إلى الفلسطينيين، بينما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تعيد النظر في التمويلات المقدمة للفلسطينيين في ضوء التطورات الأخيرة، وأكدت ألمانيا أنها تتحمل مسئولية الدفاع عن حق إسرائيل في الوجود، وأعلنت الدنمارك والسويد تعليق المعونات التنموية للفلسطينيين، كما قررت بريطانيا أيضًا مراجعة مساعداتها للفلسطينيين. وقد أعلنت كتائب القسام يوم الأحد الثامن من أكتوبر أن قوات تابعة لها تمكنت من التسلل لعدد من مواقع الاشتباك في (صوفا) و(حوليت) و(يتيد) لمد مجاهدي القسام فيها بالقوات والمعدات، كما أعلنت كتائب القسام في الساعة الواحدة ظهرًا أن مقاتلين من كتائب القسام من كوماندوز النخبة نفذوا عملية ناجحة بخمسة زوارق على شواطئ عسقلان، حيث سيطروا على مواقع هناك، وقتلوا عددًا من الجنود الإسرائيليين، وقد تمكنت عناصر من حماس من رفع علم حماس الأخضر فوق موقع (كيسوفيم) العسكري بعد سقوط الموقع في يدها عقب اشتباكات ضارية مع جيش الاحتلال. ومع تصاعد عمليات القصف الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة أعلنت كتائب القسام أن القصف الإسرائيلي على القطاع غزة أدى إلى مقتل 4 من الأسرى الإسرائيليين مع محتجزيهم، بينما كشفت حركة الجهاد الإسلامي في هذا الوقت أنها تحتجز لديها ما لا يقل عن 30 أسيرًا. وأمام هذه التطورات الخطيرة التي حدثت خلال هذه الأيام الثلاثة أعلن وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) أن البنتاجون سيعمل على توفير كل ما تحتاجه تل أبيب للدفاع عن نفسها. وقبيل المساء أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي استعادة السيطرة على البلدات في جنوب البلاد، ومع الحدود مع غزة، مع احتمال أن يكون هناك عناصر أخرى متبقية في المنطقة. أمام حجم الكارثة وخطورتها ومع إدراك الحكومة الإسرائيلية أن معنويات الشعب الإسرائيلي أصبحت في الحضيض؛ قررت أن تسعى بكل ما تملك لشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة مهما كلفها ذلك؛ ولهذا تقدمت رسميًّا إلى واشنطن بطلب مدها بقنابل ذكية وصواريخ اعتراضية إضافية لتقوية منظومة القبة الحديدية في مواجهة صواريخ كتائب القسام والثأر منها. وفي يوم الثلاثاء العاشر من أكتوبر وخلال الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة تم قصف برج سكني غرب غزة بعد الثالثة صباحًا توجد فيه أعداد من الصحفيين؛ مما تسبب في مقتل ثلاثة من الصحفيين دفعة واحدة، وقد احتجت العديد من المنظمات الصحفية والمنظمات الإنسانية على هذا القتل المتعمد للصحفيين مع المدنيين، ورغم ذلك فقد واصلت قوات الاحتلال أيضًا بعدها عمليات استهداف وقتل لعشرات الصحفيين. وقد أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن طائرات السلاح الجوي قد أسقطت أكثر من ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، بينما ردت فصائل المقاومة على هذه الاعتداءات بإطلاق 120 صاروخًا تجاه (أسدود) و(عسقلان)، سقط بعضها داخل مناطق الاستيطان وأدت إلى وقوع عدد من الجرحى. وفي أعقاب مجزرة قام بها جيش الاحتلال في (جباليا) بقصف سوق مزدحم بالفلسطينيين المدنيين أودى بمقتل عشرات من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، أطلقت المقاومة المزيد من الصواريخ على عدد من المناطق الإسرائيلية، وقد حذر بعدها الناطق باسم كتائب القسام إسرائيل من ارتكاب جرائمها في حق الفلسطينيين وتوعدها بالرد عليها بقوة. وفي يوم الأربعاء 11 أكتوبر تم في إسرائيل تشكيل حكومة طوارئ على أن يكون مجلس الحرب الوزاري المصغر بقيادة رئيس الوزراء هو الجهة المرجعية للقرارات الأمنية السياسية الحكومية، ومن خلاله يتم التعامل مع الإستراتيجية العسكرية المتعلقة باستخدام القوة. وفي نفس يوم الأربعاء ذكر موقع (إكسيوس) الإخباري الأمريكي أن (نتن ياهو) أبلغ الرئيس الأمريكي (جون بايدن) أن خياره الوحيد هو بدء عملية عسكرية برية في غزة للقضاء على حماس وكتائب القسام. وقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية بالفعل قرارها بالاجتياح البري لقطاع غزة، وبدأت تحشد قواتها لتنفيذه، وأسندت هذه العملية العسكرية إلى عميد من ضباط الاحتياط المعروفين بشدته وميله للعنف، والذي بدأ على الفور الإعداد والاستعداد للاجتياح. وقد تأجل القيام بهذا الهجوم البري عدة أيام نظرًا لسوء الأحوال الجوية وتلبد السماء بالغيوم التي تجعل من الصعب مشاركة الطيارين الإسرائيليين، وكذلك مشغلي الطائرات بدون طيار من المشاركة في الهجوم لتوفير الغطاء الجوي للقوات البرية خلال اقتحامها للقطاع، وخلال الأيام السابقة للهجوم البري المرتقب ومع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة توالت الجرائم الإسرائيلية الإنسانية في حق سكان قطاع غزة على مرأى ومسمع من الجميع، ومنها: - توجيه التحذير لكل سكان شمال قطاع غزة بمغادرة شمال القطاع إلى جنوبه خلال 24 ساعة، وهو ما يعني التهجير القسري لكل سكان شمال القطاع والذين يتعدى تعدادهم المليون شخص. وذكرت منظمة الأمم المتحدة: أن الجيش الإسرائيلي أبلغها أن نحو مليون فلسطيني في شمال غزة يجب أن ينتقلوا إلى جنوب قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة؛ فضلًا عن إجلاء موظفي منظمة الأمم المتحدة من هذه المنطقة، وذلك تمهيدًا للهجوم البري المرتقب. وقد أكدت وقتها المنظمات الإنسانية -ومنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر-: أنها لن تكون قادرة على مساعدة مليون شخص في غزة أمهلتهم إسرائيل 24 ساعة لمغادرة منازلهم والتوجه إلى جنوب القطاع، كما ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: أن مطالبة إسرائيل للسكان الفلسطينيين في شمال القطاع بالنزوح الجماعي خلال 24 ساعة إلى جنوب القطاع في ظل حصار عسكري مع حرمانهم من الحصول على الغذاء والماء والكهرباء لا يتوافق مع القانون الدولي. ومعلوم أن هذا الإجراء الإسرائيلي يشكل مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني؛ إذ يعرض حياة مليون فلسطيني لمخاطر البقاء في العراء دون مأوى، وفي مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة، وهو الأمر الذي رفضته حماس ورفضه معها مئات الألوف من سكان غزة المحاصرين. - ومع تمادي الضربات الجوية ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، طالب الجيش الإسرائيلي أيضًا بإخلاء عدة مستشفيات في غزة، ووجَّه إنذارًا بالإخلاء الفوري لمستشفى القدس بمدينة غزة في اليوم الثامن من الحرب، وهي بالطبع جريمة جديدة تعكس النية الإسرائيلية المبيتة ضد قطاع غزة بمنع تقديم الخدمات الصحية الأساسية وخدمات الحالات الطارئة. وقد ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية: أن الغارات الإسرائيلية أدت إلى إخلاء مستشفى الدرة للأطفال شرق غزة بعد استهدافه بقنابل الفسفور، ونقل مرضى المستشفى وطاقمها الطبي إلى مستشفى النصر للأطفال، وأن ذلك تكرر أيضًا مع مستشفى بيت حانون. - ولإجبار السكان بالقوة على إخلاء شمال القطاع والنزوح الجماعي إلى وسط وجنوب القطاع وسَّعت إسرائيل وكثَّفت من دائرة هجماتها على شمال قطاع غزة مع نهاية الأسبوع الأول من الحرب، وارتكبت لتحقيق ذلك مجازر عديدة، منها: مجازر في دير البلح ومخيم جباليا. وقد أحصت مستشفيات القطاع في يوم واحد استشهاد أكثر من 350 شخصًا ومئات الجرحى، وقد بلغ عدد الضحايا مع نهاية الأسبوع الأول أكثر من ألفي شهيد وأكثر من 8700 جريح. - وفي تطور جديد دعا الجيش الإسرائيلي سكان شمال القطاع بالتوجه إلى جنوب القطاع عبر محورين، عبر شارعي: (البحر) و(صلاح الدين)، وأنه سيسمح لهم بالتحرك فيهما بدءًا من الساعة العاشرة صباحًا حتى الساعة الرابعة عصرًا، وأنه سيسمح لسكان الشاطئ والرمال وغرب الزيتون بالتحرك على شارعي دلدول والسناة بالتحرك تجاه شارعي صلاح الدين والبحر، ومع ضغط الهجمات الإسرائيلية أشارت التقديرات إلى أن مئات الألوف قاموا بإخلاء مساكنهم، بينما رفض آخرون. كان الوضع مؤلمًا؛ فالأهالي يتركون بيوتهم بأعداد كبيرة، ويسيرون في جماعات في الشوارع لا يعرفون إلى أين سيذهبون. وقد وجه الجيش الإسرائيلي ضرباته المكثفة إلى المستشفيات في قطاع غزة مستهدفًا ما فيها من المرضى والنازحين الذين احتموا داخلها ظنًّا منهم أنها ستكون ملجأ آمنًا لهم؛ إذ لم يتصوروا أنه مهما بلغ إجرام المعتدين سيقومون بضرب المستشفيات والمرضى بها. وقد بررت إسرائيل فعلها الإجرامي هذا المخالف لكل القوانين الدولية والإنسانية بأن قيادات حماس تتواجد داخل أو أسفل تلك المستشفيات، وليس هذا بمبرر مقبول في القانون الدولي لقتل وجرح المئات من المرضى والمدنيين إن صح؛ فكيف وقد أثبتت الوقائع والأحداث بعد ذلك كذب الزعم الإسرائيلي المذكور، وأنه لم يتضمن القتلى والمصابين في المستشفيات التي تم استهدافها وجود أحد من قيادات حماس أو المقاومة أو أحد من رجالها. وقد أدانت منظمة الصحة العالمية في بيان لها في 15 أكتوبر 2023 الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مستشفيات غزة، وأدانت كذلك مطالبة إسرائيل بإخلاء 22 مستشفى في شمال قطاع غزة تقوم بعلاج أكثر من ألفي مريض، وأن الإجلاء القسري لهؤلاء المرضى والأطقم الطبية المرافقة لهم يفاقم من أوجاعهم الصحية والإنسانية. ومعلوم أن هذا يهدد حياة الحالات الحرجة من المرضى ويعرضها للوفاة مباشرة؛ خاصة الذين يعالجون منهم في وحدات العناية المركزة، وأولئك الذين تحت العلاج بأجهزة التنفس الصناعي، وحالات مرضى الغسيل الكلوي، وكذلك النساء الحوامل اللاتي يعانين من مضاعفات الحمل، والأطفال حديثي الولادة في الحضانات، وكلها حالات يجب ألا تغادر المستشفيات التي يعالجون فيها مهما كانت الظروف، ويجب ألا تتوقف -ولو لفترات قصيرة- الرعاية الطبية المقدمة لهم؛ لكونها ضرورية لاستمرار حياتهم. كانت الحرب تتصاعد يوم بعد يوم في كل مكان في قطاع غزة، وهجمات الطيران الإسرائيلي تتواصل ليلًا ونهارًا دون توقف، ورجال المقاومة يردون على الاعتداءات برشقات الصواريخ من وقت لآخر، بينما كانت تعلن الولايات المتحدة وتؤكد دعمها لإسرائيل في موقفها، وترفض وقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطع غزة، على ما فيه من انتهاكات جسيمة واضحة؛ هذا رغم بدء ظهور الاحتجاجات الشعبية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. وقد توجهت قوة مكونة من ألفين من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) إلى سواحل فلسطين المحتلة لتنضم إلى قوة السفن الحربية الأمريكية، ونقل عن بعض المسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية أن هؤلاء الألفين مكلفين بمهمات تقديم المشورة لا المشاركة في القتال. الأوضاع في إسرائيل: كان الخلاف يتزايد داخل أوساط الحكم في إسرائيل حول خطوات المرحلة القادمة؛ خاصة في وجود تقارير تحذر من خطورة الهجوم البري على قطاع غزة، خاصة مع فشل الاستخبارات الإسرائيلية في التعرف على قدرات حماس وترسانتها العسكرية، والتي بات واضحًا أنها تطورت كثيرًا. أما على المستوى الشعبي فقد قامت أعداد من الإسرائيليين بمظاهرات ساخطة ضد حكومة نتن ياهو، وحملتها مسئولية الإخفاق في مواجهة هجوم حماس، وتطالب بإصدار بيان واضح حول أهداف الحرب مع حماس خشية تعرض جنود إسرائيليين آخرين للقتل دون تحقيق أي هدف واضح. وفي يوم السبت الرابع عشر من أكتوبر قام آلاف المتظاهرين الرافضين للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة بمسيرة ضخمة في لندن، وهم يلوحون بالأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها (فلسطين حرة)، ويرددون هتافات ضد حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة لدعمهما اللا محدود للعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية لم تلقِ لذلك بالًا، وظلت تتمادى لليوم الثامن على التوالي في شن ضرباتها الجوية المكثفة ضد الفلسطينيين رغم الاحتجاجات الدولية الشعبية، بل طالب الجيش الإسرائيلي مجددا بإخلاء عدة مستشفيات أخرى في شمال القطاع ومدينة غزة، منها (مستشفى القدس) الواقعة في مدينة غزة. وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أن 70% من سكان شمال غزة ومدينة غزة قد حرموا من تقديم الخدمات الصحية لهم بعد إخلاء وكالة غوث اللاجئين (الأنروا) لمقارها وتوقف خدماتها في شمال القطاع ونقل موظفيها الدوليين إلى جنوب قطاع غزة. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (8) طوفان الأقصى (3) الأسبوع الثاني من الطوفان الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فلم تتوقف الضربات الإسرائيلية الجوية المكثفة للأسبوع الثاني على التوالي ضد سكان قطاع غزة في الشمال والجنوب مما أدى إلى سقوط آلاف أخرى من المدنيين شهداء وجرحى، وقد صرح وزير الجيش الإسرائيلي أمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع بالكنيست أن هناك خططًا من ثلاث مراحل للاجتياح البري لغزة المرتقب، ستبدأ بغارات جوية ومناورات برية، يتبعها إلحاق الهزيمة بجيوب المقاومة لدى حركة حماس وتدمير قدراتها العسكرية، ثم في النهاية إنشاء واقع أمني جديد في قطاع غزة، وكان الجيش الإسرائيلي قد حشد 360 ألف من جنود الاحتياط لتعزيز عدد الجيش الإسرائيلي البالغ 170 ألف جندي، مع حشد ألف دبابة وقوة من الدفاع المدني قوامها 20 ألف فرد. وكان الجدل داخل المجتمع الإسرائيلي مستمرًا حول صدمة عملية طوفان الأقصى وتداعياتها؛ خاصة وقد صرح رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية للإذاعة العبرية بفشل المخابرات الإسرائيلية في الحصول على إنذار مبكر لما قامت به حماس، بينما حاول (بائير لابيد) زعيم المعارضة في إسرائيل التظاهر بوجود رؤية واحدة داخل إسرائيل حول الوقف في مواجهة حماس قائلًا: (سنكون موحدين حتى النصر الذي يعني سحق حركة حماس بشكل كامل). وبعد أسبوع من القصف المكثف الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين الفلسطينيين -خاصة من النساء والأطفال وكبار السن- مع الحصار الشديد، ومنع دخول الماء والغذاء، والوقود والكهرباء إلى كامل قطاع غزة؛ صدر تقرير من منظمة الصحة العالمية أكد أن نقص المياه والكهرباء والغذاء والوقود في قطاع غزة سيتحول إلى كارثة في غضون 24 ساعة، بينما أكد بدوره رئيس البعثة الإقليمية للصليب الأحمر في المنطقة: أن المأساة التي نراها في غزة لم يُرَ مثلها من قبل، ولا يمكن تحملها. ومع ازدياد الأوضاع المعيشية في غزة صعوبة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليها، قال مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: إنه يجب منح حق الوصول للمساعدات الإنسانية للأمم المتحدة دون عوائق إلى غزة، مؤكدًا أن المعاناة الإنسانية لا يمكن أن تكون ورقة مساومة، وقد قابل (نتن ياهو) رئيس الوزراء الإسرائيلي تلك المطالب وغيرها بقوله: إنه لا مساعدات إنسانية، ولا وقف لإطلاق النار في غزة. أطلقت كتائب القسام سراح رهينتين أمريكيتين (أم وابنتها) كانتا محتجزتين لديها في قطاع غزة استجابة لجهود قطرية لدواع إنسانية؛ هذا في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي (بايدن) يزور إسرائيل ويعلن دعمه اللا محدود لإسرائيل، حيث رحبت الإدارة الأمريكية بالعملية العسكرية البرية المرتقبة ضد قطاع غزة، وأعلنت عن تقديم كل المساعدات العسكرية المطلوبة لإسرائيل، مع التعهد بحشد الرأي العام الأمريكي والدولي خلف إسرائيل، وتبرير اجتياحها البري المتوقع لقطاع غزة، كما أعلنت عن تأييدها التام لإسرائيل في سعيها للقضاء على حركة حماس، حيث شارك الرئيس الأمريكي خلال زيارته لإسرائيل بالحضور في اجتماع مجلس وزراء الحرب الإسرائيلية (حكومة الحرب الإسرائيلية) للاطلاع على الخطط العسكرية الإسرائيلية لتنفيذ الهجوم البري وتدمير البنية التحتية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، واستهداف قادتها في شمال غزة. وقد توقع الخبراء العسكريون أن يستغرق ذلك الأمر عدة شهور قد تصل إلى 18 شهرًا، وقد ناقش الرئيس الأمريكي مع مجلس وزراء الحرب الإسرائيلية ضرورة إرساء فترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة في غزة، مع التأكيد على الحيلولة دون اتساع الحرب مع أطراف أخرى في المنطقة. وقد أكد (بايدن) أن واشنطن قد حذرت إيران وحزب الله في لبنان من شنِّ هجمات عسكرية ضد إسرائيل لعرقلة تقدمها في غزة، وأيضًا حذر من شنِّ هجمات موجهة ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا؛ ولذلك تم إرسال حاملة الطائرات الأمريكية (جيرالد فورد) ثم حاملة الطائرات الأمريكية (أيزنهاور) إلى المنطقة، وهما أقوى أسلحة الترسانة البحرية الأمريكية لتكونا رسالة ردع للقوى الإقليمية، وتحذير لها بعدم التدخل في أحداث الصراع الدائر في المنطقة. وفي نفس الإطار كانت زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية لإسرائيل، والذي أكد خلالها أن زيارته لإسرائيل هدفها التأكد من كون إسرائيل لديها ما تحتاجه للدفاع عن نفسها. وقد سبقت زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للمرة الثانية، حيث جدد مرة أخرى مقولته بإدانة حماس ودعم إسرائيل في عدوانها الوحشي على سكان غزة، كما قام كبار المسئولين في إنجلترا وفرنسا وألمانيا بزيارة إسرائيل وإعلان تضامنهم مع إسرائيل في عدوانها الوحشي وعقابها الجماعي لقطاع غزة، بل ساهمت في الدعم العسكري لإسرائيل بإرسال قواتها العسكرية إلى المنطقة، وفي مقدمة ذلك اتجاه العديد من السفن الحربية البريطانية إلى الشرق الأوسط دعما لإسرائيل وتضامنًا مع القوات البحرية المتمركزة قبالة ساحل غزة وتل أبيب. وقد حذَّر الكثير من الخبراء من أن الاجتياح البري لقطاع غزة سوف يستغرق وقتًا طويلًا؛ إذ لا بد وأن حماس قد أعدت الخطط المضادة للاجتياح البري وخوض حرب عصابات طويلة الأمد داخل مدن وشوارع القطاع وعبر ما لديها من شبكة أنفاق كبيرة. وقد حذر بالفعل ضابط المخابرات السابق في الجيش الأمريكي (سكوت ريتر) في مقابلة له مع إحدى قنوات (اليوتيوب) أن الإسرائيليين إذا ذهبوا إلى غزة سيقتلون بأعداد لم يرها الإسرائيليون من قبل، وأن كتائب القسام جاهزة للعملية البرية، وأنهم سيقومون باستدراج الجيش الإسرائيلي إلى فخ الموت. وهو ما حدث بعد ذلك حيث استطاعت المقاومة الفلسطينية عقب الاجتياح البري لقطاع غزة إخراج لواء (جولاني)، وهو لواء النخبة في الجيش الإسرائيلي، من الخدمة بعد تكبيده نحو 25 % من قوته، كما أخرجوا لواء المظليين، ثم هرم القيادة في لواء (ناحال عوز)، ولواء (جعفاتي)، وذلك خلال أول شهرين من الحرب، وهو ما يؤكد ما ورطت حكومة نتن ياهو اليمينية المتطرفة فيه الجيش الإسرائيلي مقابل تمسك نتن ياهو بالبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة ولو على جثث عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والمئات، كذلك من القتلى والمصابين من جنود الاحتلال الإسرائيليين بما لم تشهده إسرائيل من قبل. وقد توعدت حركة حماس الجيش الإسرائيلي حال إقدامه على الاقتحام البري للقطاع بتكبيده خسائر فادحة، مؤكدة أنه يخطئ من يظن أن الشعب الفلسطيني الآبي الصامد سيغادر أرضه، حتى لو كانت تحت القصف أو الاحتلال. وقد حذرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية من تحول عملية الاجتياح البري لقطاع غزة إلى عملية كارثية تنتهي بفشل ذريع وقتل أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين بدون هدف من جهة، والقيام بمذابح ومجازر جماعية لسكان غزة من جهة أخرى، تجعل سكان قطاع غزة يواجهون كارثة (نكبة ثانية) تماثل نكبة 1948، التي ما زال يتذكر جميع الفلسطينيين مشاهدها التي عاشها آباؤهم وأجدادهم من 75 سنة؛ إذ إن فرار أكثر من مليون فلسطيني للنجاة بحياتهم، أكثر من نصفهم على الأقل من الأطفال والنساء، وكبار السن، وأصحاب الاحتياجات الخاصة والمرضى، مع اختلاف أحوالهم؛ منهم مَن سيتشبثون ببيوتهم المدمرة لا يتركونها، ومنهم مَن يهربون نحو الجنوب سيرًا على الأقدام أو على الدرجات الهوائية أو على الدواب يحملون ما استطاعوا من ممتلكاتهم، فيصيرون قطعًا على شفا كارثة تاريخية، ولو نجحت إسرائيل في تدمير القطاع على رؤوس سكانه فسيتم نقش هذا الفعل بفظائعه في وعي العالم العربي كله وكل الفلسطينيين، بل ووعي العالم الثالث لأجيال قادمة، وهذا يؤثر بدوره على قبول إسرائيل عالميًّا. ومع دخول العدوان أسبوعه الثاني من طوفان الأقصى كثفت إسرائيل من هجماتها الواسعة على مناطق شمال ووسط قطاع غزة في محاولة لإخلاء مناطق كاملة من شمال القطاع من السكان ودفعهم إلى وادي غزة؛ تمهيدًا للهجوم البري المحتمل، وقد بلغ عدد الضحايا حتى 14 أكتوبر 2023 نحو 2215 شهيدًا و8714 جريحًا. وفي يوم السابع عشر من أكتوبر قام الجيش الإسرائيلي بقصف المستشفى الأهلي المعمداني في جنوب غزة، وهو مملوك للكنيسة الإنجيلية في القدس، فتم هدمه على مَن فيه من المرضى والأطقم الطبية والعاملين فيه؛ مما تسبب في مقتل المئات منهم، مما أحدث ردود فعل صادمة في أنحاء العالم. وقد نتج عن استهداف المستشفيات مع الانقطاع الكامل للكهرباء والماء عنها أن أجريت عمليات لجرحى ومصابين في طرقات تلك المستشفيات وبدون تخدير، وقد صارت الأوضاع المتدهورة تهدد بانهيار القطاع الصحي في قطاع غزة بالكامل، بينما الآلاف من سكانه أشد ما يكونون حاجة إلى العلاج والدواء، وإلى التعامل الفوري مع عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين. وقد بلغ عدد الضحايا في يوم 20 أكتوبر 2023 نحو 4137 شهيدًا وفق ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحركة حماس؛ بالإضافة إلى إصابة 13162 آخرين بجروح مختلفة. وتوالت التحذيرات الإسرائيلية التي تحث الفلسطينيين بقوة على ترك شمال غزة والتوجه وسط وجنوب القطاع، مع تصعيد الضغط العسكري والمجازر وأعمال القتل لإجبار الفلسطينيين على الهجرة القسرية إلى جنوب القطاع، وفي يوم 22 أكتوبر ألقت الطائرات الإسرائيلية منشورات على الفلسطينيين في شمال غزة تتضمن تحذيرًا واضحًا بأن من لم يغادر منهم شمال القطاع سيتم تحديد هويته على أنه متواطئ ومتعاطف مع منظمة حماس الإرهابية. ومع اقتراب الحرب البرية كانت عائلات الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس والمقاومة الفلسطينية يحثون الحكومة الإسرائيلية على كبح جماح التدخل العسكري، والتفاوض بدلًا من ذلك على إطلاق سراح المحتجزين، ولكن الحكومة الإسرائيلية المتعطشة للانتقام، وقد أصيبت في كبريائها يوم السابع من أكتوبر لم تعطِ أي اهتمام لتلك الدعوات، ومارست الدعاية الكاذبة ضد حماس، وتمادت الحكومة الإسرائيلية مع الإعلام الصهيوني في التهجم، بل والبطش بكل مَن يبدي تعاطفًا مع الفلسطينيين في معاناتهم. معاناة الفلسطينيات الحوامل: كانت الفلسطينيات الحوامل في قطاع غزة يعشن في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتوحشة أوضاعًا مأساوية يصعب وصفها، حيث يوجد في القطاع قرابة 40 ألف امرأة حامل، منهن 9 آلاف على وشك الوضع خلال أيام أو أسابيع قليلة، وجميعهن يعانين في ظل الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحية في القطاع من جراء العدوان الهمجي الإسرائيلي، فكثيرات منهن كن يتعرضن للموت ببطء يومًا بعد يوم: - فهناك الخوف والفزع المستمر، وآثار الصدمة النفسية للحرب عليهن. - وهناك التشريد ومعه فقد أبسط حقوق الرعاية العائلية والعيش في أمان داخل أسرهن. - وهناك صعوبة الوصول إلى المستشفيات التي صارت مكتظة بالشهداء والجرحى والمصابين، بل والنازحين والفارين من الغارات، بينما هذه المستشفيات تعاني من النقص الشديد في المستلزمات الطبية والأدوية، مما تصبح معه الأولوية ليست لرعاية الحوامل، ليصارعن وحدهن آلام المخاض تحت قصف يهدد حياتهن وحياة أجنتهن، وقد قتل منهن كثيرات وأجنتهن داخل أرحامهن، وقد أنهك الحصار الإسرائيلي والغارات الجوية المتكررة القطاع الصحي، الذي هو يعاني من قبل بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة من عام 2005م. - وقد تحولت أقسام النساء والولادة بالمستشفيات إلى ملاجئ وأقسام للطوارئ لإنقاذ المدنيين المجروحين والمصابين، وقد أصبحت أغلب الأجهزة الطبية التي لا غنى عنها في متابعة الحمل - خاصة أجهزة السونار- أو تستخدم في الولادة تحتاج إلى الصيانة ولم تعد صالحة للعمل، كما تحولت غرف العمليات المجهزة للولادة مع ضغط العمل إلى غرف عمليات لاستئصال الرصاص وشظايا القنابل من أجساد الجرحى؛ مما اضطر معه الأطباء إلى إجراء بعض الولادات داخل مشرحة الموتى وأمام ثلاجات الموتى. - وزاد من الكارثة اضطرار الأطباء إلى إجراء عمليات إجهاض لبعض الحالات لخطورة الوضع الصحي لهن أو لوفاة الأجنة في أرحام الأمهات؛ خاصة مع عدم تناول الطعام والحصول على العناصر الغذائية الأساسية، وفقد الماء والسوائل بالقدر اللازم، بل إن مئات السيدات اللاتي وضعن مواليدهن خلال الأسبوعين الماضيين توفي نحو نصف مواليدهن بعد الولادة بقليل. - كما حذر الأطباء إلى أن قصف المدنيين بالقنابل الفسفورية المحرمة دوليا ستزيد من فرص ولادة أطفال مشوهين. فقد الأطفال الفلسطينيين للحماية القانونية: تعرض الآلاف من الأطفال الفلسطينيين للقتل المباشر من جراء القصف الجوي الإسرائيلي المكثف، حيث تحول كل مكان فيه فلسطينيون إلى هدف متعمد للغارات الجوية بلا أدنى تمييز، وهي مخالفة سافرة وصريحة لكل القوانين الدولية الموضوعة للحماية الكاملة للأطفال في أماكن وأثناء الصراعات المسلحة، والتي يعد مخالفتها بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد إنسانية. وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد من القرارات في سبيل تحقيق الحماية الكاملة للأطفال الموجودين في دائرة النزاعات المسلحة، من أهمها: الإعلان العالمي لحقوق الطفل الصادر في 20 نوفمبر 1959، والإعلان الخاص بحماية النساء والأطفال في أثناء الطوارئ والنزاعات المسلحة الصادر في 14 ديسمبر 1974، والإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه عام 1990. ومن أهم القواعد الدولية الصارمة لحماية الأطفال في الحروب والصراعات المسلحة: ما تضمنته الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل عام 1989، كما اتخذ مجلس الأمن عدة قرارات مهمة لحماية الطفل في أثناء المنازعات المسلحة؛ كان أولها: القرار رقم 1261 لسنة 1999 وآخرها القرار رقم 2143 لسنة 2014. ورغم فظاعة جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الأطفال الفلسطينيين المخالفة لجميع الاتفاقيات الدولية لحماية الطفل والتي توجب التحقيق الجنائي الدولي ومعاقبة التي ارتكبها ويرتكبها، فنرى حالة مستنكرة من الصمت الغربي تجاهها. إسرائيل وسياسة التهجير القسري للفلسطينيين: دائمًا ما زعم -ويزعم- قادة إسرائيل عدم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني؛ هذا رغم أنه منذ بداية توافد اليهود في هجرات جماعية إلى فلسطين لأكثر من قرن من الزمان، وحتى مع وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل وإلى الآن، فما زالت أعداد السكان الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية هي الأكثر عددًا من اليهود. وعلى هذا فقد قامت سياسة إسرائيل قبل وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن على إجبار السكان الفلسطينيين على ترك أراضيهم وديارهم والنزوح للعيش في المخيمات بالملايين كلاجئين في الضفة الغربية أو غزة أو في الأردن ولبنان، لتتولى منظمة الأونروا (الوكالة الدولية لرعاية وتشغيل اللاجئين) التي أنشئت من أجلهم بعد نكبة عام 1948 لرعايتهم كلاجئين في حاجة دائمة إلى المأوى والغذاء والتعليم والتشغيل، أو قبول الهجرة والإقامة مشتتين في دول العالم غربًا وشرقًا. وقد بلغت هذه السياسة الإسرائيلية أقصى صورها مع وبعد حرب 1948 والتي أجبرت أكثر من 700 ألف فلسطيني -فيما عرف بنكبة فلسطين- على الهجرة القسرية من المدن داخل فلسطين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة هربًا من المجازر الدموية والمذابح التي أقامها اليهود لهم بغرض إخلاء فلسطين من سكانها الأصليين، تحقيقًا لمقولة كاذبة مخالفة للواقع تمامًا يدعيها الصهاينة ويروجون لها ويدفعون الغرب دفعًا لتقبلها، أن فلسطين أرض بلا شعب، فهي تصلح لشعب بلا أرض، هو الشعب اليهودي. وبهذه السياسة استمر عمل إسرائيل بلا توقف من بعد عام 1948 وحتى الآن بدرجات متفاوتة من خلال مصادرة أراضي الفلسطينيين، وهدم بيوتهم بحجج ومبررات واهية، والتضييق عليهم في المعيشة وسبل الحياة، والإبعاد لقاداتهم والنشطاء منهم لخارج البلاد، وذلك عبر عقود طويلة، أي: ممارسة التهجير القسري، ولكن بصورة ليست علنية أو مكثفة؛ كي لا ينتبه إليها إلا من يراقب الأمور ويعلم واقع الأحداث عن قرب. وجاءت أحداث طوفان الأقصى لتظهر تلك السياسة بصورة مكثفة علنية؛ إذ صرح قادة إسرائيل بمباركة أمريكية وإقرار من دول أوروبا الغربية عن رغبتهم القوية في التهجير القسري لسكان قطاع غزة للإقامة الدائمة في أجزاء من سيناء، على أن تمول أمريكا هذا التوجه، وتعوض إسرائيل مصر عن تلك الأجزاء من سيناء بأجزاء من صحراء النقب البدوية، وهو ما رفضته وترفضه مصر بشدة، كما يرفضه أيضًا وبشدة قادة وسكان قطاع غزة؛ إذ يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا المخطط حلم قديم يراود زعماء الحركة الصهيونية منذ نشأتها، وما زال يداعب أذهان قادتها ومن يواليهم إلى الآن ويراهنون عليه، ويحاولون بالقوة استغلال الرد على طوفان الأقصى بتهجير الفلسطينيين قسرًا تحت وطأة القصف الوحشي والمجازر والمذابح وقتل عشرات الألوف وهدم كل مظاهر وسبل الحياة في القطاع ليتركه أهله على مراحل، من شمال القطاع إلى وسطه، ثم من وسطه إلى جنوبه، ثم من جنوبه إلى رفح المصرية وسيناء، وإلا فهناك الشريط الرملي الضيق جنوب ساحل غزة على البحر المتوسط، الذي لا يسع؛ فضلًا عن افتقاده لسبل العيش بحالٍ من الأحول لسكان القطاع الذين يزيد عددهم عن مليون وعدة مئات الألوف من الفلسطينيين. ملخص تاريخي لسياسة التهجير القسري للفلسطينيين: تعد فكرة تهجير الفلسطينيين إلى خارج أرضهم أحد أحلام الحركة الصهيونية، بدأ التفكير فيها عام 1904 عندما طالب الناشط الصهيوني (زانجويل) بتهجير الفلسطينيين بالكامل، وتلقَّى الفكرة البارون (روتشيلد)، وهو يعد من أوائل الممولين للحركة الصهيونية، بإعجاب، وعرض دفع الأموال اللازمة لتحقيق ذلك، لكن الفكرة لم تلقَ نجاحًا. وفي عام 1937 طالب (زئيف جابوتنسكي) الأب الروحي لليمين الإسرائيلي المعاصر بتشجيع التهجير الطوعي للفلسطينيين، فظهرت أول حركة سياسية تطالب بالتهجير الطوعي، وهي حركة (كاخ) الإرهابية، والتي دخلت الكنيست الإسرائيلي ببرنامج للتهجير الطوعي في ثمانينيات القرن العشرين يقدم إغراءات مالية للفلسطينيين أو لبعض الدول التي تقبل استقبالهم، وهي الفكرة التي تؤيدها وتتبناها الأحزاب الإسرائيلية اليمينية مثل: (الصهيونية الدينية) و(عوتسما يهوديت)، إيمانًا منهم بفكرة أن تكون إسرائيل الكاملة من النيل إلى الفرات لليهود فقط، أي: تبني رفض حل الدولتين، وأن التهجير هو الحل للأزمة الديموغرافية؛ خاصة مع تزايد عدد المواليد الفلسطينيين مما يجعل دائمًا تفوق تعدادهم على تعداد الإسرائيليين. بينما في المقابل: في أوساط اليسار ينظرون لهذا الأمر بتخوف؛ إذ سيؤدي إلى توجيه إدانة إسرائيل واتهامها بالتطهير العرقي وممارسة جرائم حرب؛ إضافة إلى التشكك في قبول الفلسطينيين قيادة وشعبًا لأمر التهجير، بل غالبًا أنهم سيزدادون في التشبث بأرضهم، وهذا كله يجعل تنفيذ التهجير قسرًا أو طوعًا أمرًا صعبًا. وقد أعلن (سموتيرتش) في عام 2017 عن خطة لتهجير الفلسطينيين لسيناء، وقد طرحت بشدة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، ولكنها تتراجع يومًا بعد يوم لأسبابٍ، منها: - موقف مصر الحازم والقاطع برفض الفكرة، وكذلك رفض الأردن لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن. - رغبة إسرائيل في عدم الصدام مع مصر؛ نظرًا لتراكم قوتها العسكرية، والرغبة حاليًا في الحفاظ على اتفاقية السلام معها. - تلاحم وتماسك الشعب المصري خلف قيادته السياسية في مواجهة مخطط التهجير الإسرائيلي، للمحافظة على بقاء القضية الفلسطينية ومنعًا لتصفيتها. (راجع في ذلك حوار ملحق الأهرام الأسبوعي - يوم الجمعة 2 فبراير 2024 مع د. محمد عبود أستاذ الإسرائيليات في جامعة عين شمس، ص 2). |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (9) طوفان الأقصى (4) الأسبوع الثالث من طوفان الأقصى كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد ظلت حكومة الحرب الإسرائيلية التي يترأسها (نتنياهو) على موقفها من التحضير القوي للاجتياح البري لقطاع غزة، رغم وجود خلاف بين الحكومة الإسرائيلية والجيش حول قرار الاجتياح البري، حيث حذَّر خبراء ومسؤولون من الخطر الذي سيتعرض له جنود الجيش الإسرائيلي، وقد يتسبب في حرب إقليمية، كما يهدد حياة الأسرى والمحتجزين الموجودين لدى حماس والمقاومة الفلسطينية. وقد ذكرت مصادر: أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على تأجيل الغزو البري لقطاع غزة حتى تنتهي الولايات المتحدة من تقوية المنظومة الدفاعية الصاروخية لإسرائيل. وقد وجَّه الرئيس الأمريكي (بايدن) إلى الكونجرس الأمريكي طلبًا للموافقة على تقديم اعتمادات مالية إضافية قيمتها 106 مليارات دولار لأغراض حماية الأمن القومي الأمريكي، ومساعدة إسرائيل وأوكرانيا، وقد كشف صحفي أمريكي عن خطة إسرائيلية لإغراق أنفاق حماس بمياه البحر وهو ما يعرض حياة الرهائن الإسرائيليين فيها للخطر، وقد نفذ الجيش الإسرائيلي تلك الخطة فيما بعد في الأنفاق القريبة من ساحل غزة، ولكن إغراق الأنفاق القريبة من ساحل غزة بمياه البحر لم يحقق الغرض منه، مما لزم معه التوقف عنه. وفي السابع والعشرين من أكتوبر: تم قطع الاتصالات عن قطاع غزة، وبدأت طلائع من الجيش الإسرائيلي عملية هجوم بري للمناطق في شمال قطاع غزة، وفي نفس اليوم حذرت الأمم المتحدة من أن العديد من الفلسطينيين معرضون للموت بسبب الحصار الإسرائيلي المحكم الذي تنهار معه الخدمات الأساسية في القطاع. وفي يوم الجمعة 27 أكتوبر: أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار وإنفاذ هدنة إنسانية؛ تحفظ أرواح المدنيين، وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل فوري وبدون انقطاع، وهو ما لم تستجب له إسرائيل، بل سارت قدمًا وَفْق مراحل القتال التي وضعتها، كما واصلت شن الهجمات المكثفة، ووسعت نطاقها برًّا وجوًّا وبحرًا. وقد زعم المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي: أن مقر القيادة الرئيسي لحركة حماس موجود تحت مجمع الشفاء الفلسطيني في غزة، والذي يعد أهم وأكبر مستشفى في قطاع غزة، والذي يعاني من قلة الإمداد بالوقود في الوقت الذي بلغت نسبة إشغال الأَسِرَّة قرابة 150% من طاقتها الاستيعابية؛ لكثرة ما فيها من المرضى والجرحى والمصابين. وقد ثبت بعد ذلك كذب دعاوى الجيش الإسرائيلي بعد حصاره مجمع الشفاء واقتحامه؛ أما المستشفى الإندونيسي فقد اضطر إلى إيقاف جزء من خدماته الحيوية بسبب نقص الوقود، بينما لم يعد مستشفى الصداقة التركي -وهو المستشفى الوحيد لعلاج الأورام في قطاع غزة- يعمل بكامل طاقته؛ بسبب نقص الوقود، مما يعرض نحو 2000 مريض بالسرطان فيه للخطر. وقد أكد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بشرق البحر المتوسط: أن المنظمة لا تزال عاجزة عن توزيع الوقود والإمدادات الطبية الأساسية اللازمة لإنقاذ الأرواح على المستشفيات الكبرى في شمال غزة؛ بسبب عدم توافر الضمانات الأمنية اللازمة، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية حتى يمكن توصيل كل الإمدادات الطبية الضرورية والوقود بأمان إلى جميع أنحاء غزة، كما أكد على توقف 6 مستشفيات عن العمل في أنحاء مختلفة من قطاع غزة، والتي جاء إغلاقها نتيجة الهجمات الجوية ونقص الوقود. وأشار إلى أنه تم بدعم من وكالة الأنروا تسليم 34 ألف لتر من الوقود إلى 4 مستشفيات رئيسية في جنوب غزة وإلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لدعم خدمات الإسعاف التي تقوم بها، ولكن هذه الكمية من الوقود لا تكفي للقيام بالوظائف الحيوية في هذه المستشفيات، ولا إلى استمرار عمل سيارات الإسعاف إلا لمدة 24 ساعة أو أكثر قليلًا، بينما تمادى (نتنياهو) كعادته في الكذب فزعم أن حماس تستخدم المستشفيات في غزة مراكز قيادة، ليبرر لجيشه قصف واقتحام وهدم تلك المستشفيات، كما برر الجيش الإسرائيلي من قبل قصف العشرات من سيارات الإسعاف وهي تؤدي مهامها في مساعدة الجرحى والمصابين، وقام بقتل وإبعاد واعتقال العديد من الأطقم الطبية وأطقم الإسعاف لمنعها من القيام بدورها في إنقاذ الجرحى والمصابين. تمادت إسرائيل في عدوانها الوحشي وقصفها المتواصل للأماكن السكنية والمستشفيات، بل ومدارس الأونروا؛ مما جعل منظمة العفو الدولية تعلن عن فقدها للاتصال بزملائها في المنظمة في غزة، وتحذر من أن المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة يتعرضون لخطر غير مسبوق خاصة بعد قطع إسرائيل للاتصالات في القطاع وتوسعها في الهجوم البري، وقد جدد الأمين العام للأمم المتحدة تنديده بالتصعيد غير المسبوق في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة مجددًا دعوته إلى وقف إطلاق نار إنساني محذرًا من كارثة إنسانية. وقد أعلنت لجنة حماية الصحفيين أن القصف الإسرائيلي لقطاع غزة حتى الأسبوع الثالث من الحرب أسفر عن قتل ما لا يقل عن 29 صحفيًّا وإعلاميًّا ممَّن يقومون تغطية أحداث الحرب، وذكرت المنظمات الحقوقية أن ما وثقته لجنة حماية الصحفيين خلال تلك الأسابيع الثلاثة يعد الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين الذين يغطون الصراعات منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين في عملها في عام 1992، ورغم ذلك فقد زادت إسرائيل من اعتداءاتها الموجهة للصحفيين وللإعلاميين لمنع تغطية ونشر الأحداث المؤلمة التي يعيشها قطاع غزة ونقلها لوكالات الأنباء العالمية لعرضها أمام الرأي العام العالمي، ويعد هذا الاستهداف المتعمد من إسرائيل مخالف للقوانين الدولية التي تكفل الحماية للصحفيين في مناطق الصراع. ولا يزال جيش الاحتلال يواصل اعتقال وإبعاد الصحفيين والإعلاميين والمراسلين الحربيين خلال توغله البري في قطاع غزة، إلى جانب تدمير مقار بعض المؤسسات الإعلامية، والتي كان منها مقار قناة الجزيرة ومكتب وكالة الأنباء الفرنسية، إلى جانب استهداف منازل الصحفيين، واستهداف البنية التحتية لشبكة الاتصالات والنت وتعطيلها عدة مرات، بما يحد ويعطل من قدرات وسائل الإعلام والصحفيين على العمل وعلى نقل ما يروه من مجريات ومستجدات في قطاع غزة، وكشفت شهادات من أفرج عنهم من الصحفيين بعد الاعتقال مدى وحشية قوات الاحتلال الإسرائيلي في معاملة الصحفيين والإعلاميين، وكذلك في معاملتهم السيئة لعامة الأسرى من أساليب التعذيب السادية. وقد صعَّد الجيش الإسرائيلي من غاراته مع نهاية الأسبوع الثالث من الحرب غير عابئ بالنداءات الدولية أو الإقليمية؛ حيث وصفت الغارات الإسرائيلية خلال الأسبوع بأنها الأعنف منذ بداية الحرب، مما خلف المئات من الشهداء والمصابين الجدد، ودمر أعدادًا كبيرة جدًّا من المباني السكنية والمنشآت بما فيها المدراس والمساجد إلى جانب قصف المستشفيات، وقد تقدم الجيش الإسرائيلي في محاور في شمال قطاع غزة وتوسع في عملياته البرية. وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: أن الجيش الإسرائيلي تمكن من قتل مسؤول القوة الجوية في كتائب القسام، وذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أنه تلقى تهديدات شديدة اللهجة من الجيش الإسرائيلي بالإخلاء الفوري لمستشفى القدس تمهيدًا لقصفه، وبالفعل شهد محيط المستشفى غارات متواصلة أدت إلى تدميره بالكامل. وفي مواجهة التحركات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أعلنت كتائب القسام أن مقاتليها يخوضون اشتباكات عنيفة مع القوات الإسرائيلية المتوغلة في شمال القطاع، وفي وقت لاحق أعلنت كتائب القسام أنها قامت بعملية إنزال خلف الخطوط الإسرائيلية غرب معبر (إيرينز) حيث أجهزت على عدد من الجنود الإسرائيليين، وهم داخل آلياتهم المستهدفة. ومع نهاية الأسبوع الثالث من الحرب أعلنت وزارة الصحة في غزة عن وصول عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 7703 شهداء، بينهم 3500 من الأطفال. وقد أدان المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان بشدة استمرار تكثيف الجيش الإسرائيلي هجماته الجوية على قطاع غزة، حيث قام بقصف المدنيين بهدف قتلهم بالجملة، مما يرتقي إلى جرائم حرب مروعة بموجب القانون الدولي الإنساني، وقد ذكر المرصد أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قد ألقت في هجومها الجوي غير المسبوق منذ السابع من أكتوبر ما معدله 22 صاروخًا تدميريًّا لكل كيلو متر مربع في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته الكلية 365 كيلومتر مربع ويكتظ بأكثر من مليون وربع المليون نسمة، وذكر المركز أن سلاح الطيران الإسرائيلي يتعمد استخدام قوة نارية غير مسبوقة في تاريخ الحروب، ويقصف بلا هوادة مناطق سكنية مكتظة، ويقصف تجمعات للمدنيين بشكل مباشر لإيقاع أكبر قدر من الضحايا في صفوفهم. وقد ذكر محللون: أن كمية ما قصف به الاحتلال الصهيوني قطاع غزة من المتفجرات، والتي بلغت نحو 15 ألف طن من المتفجرات حتى الآن، تعادل قوة القنبلة النووية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية، مع صغر مساحة قطاع غزة (365 كم مربع) وكبر مساحة مدينة هيروشيما (900 كم مربع)، وقد ألقيت هذه المتفجرات بمتوسط 33 طنًّا على كل كيلو متر مربع في قطاع غزة منذ بداية العدوان، وارتكبت 644 مجزرة، وألحقت أضرارًا بالغة بنحو 50 % من مساحة غزة، ودمرت 177 مدرسة ودمرت 35 مسجدًا، مع استخدام أسلحة وذخائر محرمة دوليًّا. وقد نتج عن ذلك أن زاد عدد النازحين عن مليون مواطن بنسبة تبلغ 60 % من سكان القطاع، وأن هؤلاء النازحين يتوزعون في 222 مركز إيواء، منها 100 بمركز غزة وشمال القطاع. وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة في يوم الثلاثاء 24 أكتوبر إلى وقف إطلاق للنار إنساني فورًا في غزة، وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني تحت احتلال خانق منذ 56 عامًا، مضيفًا أنه من المهم إدراك أن رد حماس في السابع من أكتوبر لم يحدث من فراغ، وأن ما حدث في السابع من أكتوبر لا يبرر هذا القتل الجمعي الذي تشهده غزة، وشدد على أنه لا يوجد طرف في نزاع مسلح فوق القانون الدولي الإنساني. وذكر أن سكان غزة بحاجة إلى تقديم المساعدات بشكل مستمر بما يتوافق مع الاحتياجات الهائلة، وأنه يجب إدخال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة دون أي قيود، كما أشار إلى أن ما لا يقل عن 35 من موظفي الأمم المتحدة لقوا مصرعهم جراء القصف المتواصل الذي يتعرض له قطاع غزة، وفي المقابل وتماديًا في الغي والباطل؛ هاجم المندوب الدائم للكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة عبر موقع للتواصل الاجتماعي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، ودعاه إلى الاستقالة الفورية من منصبه، واصفًا إياه بأنه غير لائق لقيادة منظمة الأمم المتحدة على حدِّ زعمه. أسيرة إسرائيلية ترد على الأكاذيب الإسرائيلية: حاول العدو الإسرائيلي مرارًا عبر وسائله الإعلامية إلصاق التهم والأكاذيب الباطلة بفصائل المقاومة الفلسطينية، ومنها: سوء معاملة المقاومة للأسرى خاصة النساء الأسيرات، وقد قامت حماس في يوم الإثنين 23 أكتوبر بالإفراج عن أسيرتين إسرائيليتين لدواع إنسانية ومرضية قاهرة بعد وساطة مصرية قطرية، بعد رفض إسرائيل سابقًا استلامهما من دون مقابل. وقد ذكرت وسائل الإعلام الدولي والصحف واسعة الانتشار ونشطاء في مواقع الاتصال الاجتماعي تصريحات أدلت بها أسيرة منهم في مؤتمر صحفي، تشيد بإنسانية رجال حماس في معاملة الأسرى والمعاملة الجيدة التي تلقتها في غزة من توفير حماس للمأكل والماء والمأوى للأسرى رغم قلة الطعام والماء والدواء في غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، فيما وصفته وسائل الإعلام بأنه أشبه بضربة للدعاية الإسرائيلية، بينما ذهب البعض من الإسرائيليين إلى مهاجمة تصريحات تلك الأسيرة، وقد أعلنت المقاومة الفلسطينية أنها تمتلك مجموعة من المحتجزين من جنسيات متعددة غير إسرائيلية تم جلبهم في أثناء المعركة ولم تكن هنا فرصة للتحقق من هوياتهم، موجهة تحذيرًا لأولئك الذين يحملون جنسيات دول أخرى غير إسرائيلية من المشاركة في القتال في جانب جيش الاحتلال، معلنة أن المقاومة ستقوم بإطلاق سراح الأسرى الأجانب لديها متى توافرت الظروف اللازمة لذلك. المقاومة الفلسطينية تواصل قتالها: في هذا الخضم من الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة التي لا مثيل لها والتي أيقن معها العدو الصهيوني وكثيرون أن المقاومة الفلسطينية قد انتهت، أو على الأقل قد ضعفت، خيبت المقاومة الفلسطينية ظنهم من خلال رشقات صواريخها وتصديها الباسل والمستمر لقوات الاحتلال مما كبد جيش الاحتلال تدميرًا كليًّا أو جزئيًّا للدبابات والمركبات وناقلات الجنود؛ مما أسفر عن مقتل وجرح الكثير من جنود العدو. وفي يوم الثلاثاء 24 أكتوبر فاجأت المقاومة الفلسطينية العدو بتنفيذ عملية إنزال لضفادع بشرية تسللت فيها إلى شواطئ (زيكيم) البحرية جنوب عسقلان المحتلة، وخاضت اشتباكات مع قوات الاحتلال فيها وأوقعت بها خسائر عديدة. الأوضاع داخل إسرائيل: في الوقت الذي قام فيه الكيان الصهيوني بمحاولة الرد بوحشية على هجوم طوفان الأقصى بحثًا عن ترميم هيبته التي أصابها شرخ عظيم وفي مواجهة صمود غزة فقد اشتعلت الخلافات داخل إسرائيل، والتي بدت في ظاهرها أن حالة الحرب للانتقام قد وحدت جبهتها الداخلية، فالجيش لا يثق في الحكومة؛ خاصة مع خشية الخسائر الفادحة المتوقعة حال الاجتياح البري، وبالتالي تحمل مسؤولية اتخاذ هذا القرار، والذي سيمثل تحديًا كبيرًا أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية؛ نظرًا للخسائر المتوقعة. وداخل الحكومة والكنيست كانت الأحزاب متناحرة، وفي الشوارع آلاف المتظاهرين يهتفون ضد الحكومة والجيش، وآخرون من أقارب عدة مئات الأسرى لدى حماس يتظاهرون للمطالبة بإطلاق سراح أقاربهم المحتجزين، ومنهم من اعتصم أمام الوزارة أو أمام وزارة الدفاع. وقد بلغ الأمر توجيه البعض الاتهام لرئيس الوزراء نتنياهو بحرق بعض الوثائق والأدلة الدالة على الفشل الاستخباراتي لإنقاذ حكومته من محاكمة باتت أكيدة، ولكنها مؤجلة لما بعد انتهاء الحرب، وهو ما حدا بالبعض بالمطالبة بمنع عمليات التملص من أدلة المسؤولية بالعمل على حماية كل المعلومات وتأمين كل الوثائق التي تتعلق بما قبل هجوم حماس أو بعده؛ خاصة في ظل اعتراف رؤساء الأجهزة الأمنية بفشلهم في توقع الهجوم والتحذير منه، وذكرت بعض الصحف الإسرائيلية نقيض ذلك بأن نتنياهو هو الذي يقوم بحملة لجمع الأدلة ضد الجيش والمخابرات يسعى بها لإبعاد أي لوم عليه بشأن هجوم حماس المفاجئ في السابع من أكتوبر. ومن الجانب الاقتصادي: فقد بلغت تكلفة اليوم الواحد من العدوان على قطاع غزة قرابة 250 مليون دولار، مما لا تقدر موازنة العام المالي في إسرائيل على تحمله؛ مما استلزم تدفق المساعدات العسكرية والمالية اللا محدودة من الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا لإنقاذ دولة الاحتلال من الانهيار التام، وهو ما دفع البعض من التحذير من احتمال نشوب حرب طويلة الأمد قد تؤدي إلى فوضى اقتصادية في إسرائيل، إلى جانب الخسائر في الأرواح؛ هذا في الوقت الذي فقد فيه نحو 360 ألفًا من جنود الاحتياط وظائفهم المدنية من خلال التعبئة العسكرية التي تمت للمشاركة في الحرب، والتي بدورها أثرت -وستؤثر- على قوة الإنتاج والاقتصاد في إسرائيل طوال فترة هذه الحرب. تمادي إسرائيل في استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا: اعتادت إسرائيل في حروبها الأخيرة ضد قطاع غزة -وأيضًا في جنوب لبنان من قبل- على استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا؛ خاصة في مواجهة المدنيين والأهداف المدنية، وهي الجريمة المتكررة التي لا تجد دائمًا مَن يحاسبها عليها، ويردعها عن هذه النوعية من الجرائم الإنسانية الشنيعة! وفي العدوان الحالي على قطاع غزة تمادت إسرائيل في استعمال العديد من الأسلحة المحرمة دوليًّا ضد المدنيين الفلسطينيين بصورة لم تحدث من قبل بهذا الكم وهذه النوعية، وهو ما أشارت إليه العديد من وسائل الإعلام العالمية. ومن ضمن تلك الأسلحة المحرمة دوليًّا التي تستخدمها إسرائيل بلا مواربة: - قنابل الفسفور الأبيض: وهي قنابل تساعد القوات الإسرائيلية على إخفاء تحركاتها على الأرض لما تنتجه من كميات كبيرة من الدخان، ويكثر استعمالها ليلًا، ولها آثار حارقة تمتد إلى مساحات واسعة، وهي تحرق كل ما تسقط عليه، وقد ذكر تقرير لمنظمة (هيومان رايتس ووتش) أن قوات الاحتلال استخدمتها في عملياتها العسكرية في يومي: 10 و11 أكتوبر، حيث ظهر ذلك جليًّا في عددٍ من المقاطع التي التقطت من فوق ميناء غزة. - القنابل الفراغية: وهي من أشد أسلحة التدمير على البنية التحتية والسكان، ويقارب الأثر التدميري الناتج عنها تأثير القنابل النووية ذات العيار الصغير، واستخدمتها قوات الاحتلال في غزة لتدمير البنية التحتية من أنفاق لدى حماس بقطاع غزة. - قنابل جدام الذكية: وهي قنابل أمريكية متطورة تصنف ضمن القنابل الهجومية ذات قوة التدمير العالي، يصل مداها إلى 28 كيلو متر، ويتم التحكم فيها وتوجيهها عبر الأقمار الصناعية. - القنابل العنقودية: وهي من الأسلحة التقليدية المحرمة دوليًّا، وتحتوي الواحدة منها على عشرات القنابل المصغرة؛ لذا تتسبب في إيقاع الكثير من الضحايا. - قنابل اليورانيوم المنضب: وتحتوي على عنصر اليورانيوم المنضب، وهي ذات تأثير حارق على كل ما تسقط عليه، وتشبه في تأثيرها الحارق تأثير قنابل الفسفور الأبيض. - قنابل هالبر: وهي من أحدث ما في الترسانة العسكرية للولايات المتحدة، سلحت بها جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا، وتمتلك إسرائيل منها 750 قنبلة، بجانب 3000 صاروخ هالبر بنفس التأثير تسلح بها المروحيات الهجومية الإسرائيلية، وتم رصد استخدام تلك القنابل خلال قصف إسرائيل لعدد كبير من المباني داخل قطاع غزة، وهي قنابل حارقة وخارقة للحصون. - القنابل الذكية: وهي قنابل كانت الولايات المتحدة ترفض في الماضي أن تمد إسرائيل بها، وأمدت بها واشنطن الجيش الإسرائيلي مؤخرًا فاستخدمها في عدوانه على غزة، وهذه النوعية من القنابل لها رأسان: الأول تدميري، والآخر يقوم بخرق التحصينات والخرسانات، ويمكنه اختراق ثلاث طبقات إسمنتية قبل الانفجار، ويحدث استخدامها في الأماكن المدنية تدميرًا جسيمًا ويسبب خسائر بشرية كبيرة، وتستخدمها إسرائيل في قطاع غزة المأهول بالسكان رغم خطورتها البالغة رغبة في تدمير أنفاق حماس في غزة. - القنابل الارتدادية أو الزلزالية: وهي قنابل يمتد تأثيرها إلى القشرة الخارجية للأرض، حيث تصدر موجات ارتدادية ضخمة تشبه الزلزال، تسبب اهتزازًا قويًّا في المباني أو الأنفاق المستهدفة، وهي تؤثر بقوة على أساسات تلك المباني مما يؤدي إلى انهيارها في ثوان، وهذه القنابل يمكن إطلاقها من الطائرات أو الدبابات أو المدافع. - القنابل الإسفنجية: وهي تستخدم لسد الفجوات والمداخل في الأنفاق، وهي تتكون من حاوية بلاستيكية تحتوي على مواد كيميائية سائلة منفصلة، وعند إزالة القضيب المعدني الفاصل بين تلك السوائل داخل الجهاز وإلقائه في مدخل النفق تحدث انفجارًا مفاجئًا ينتج عنه تكوين رغوة سريعة التمدد وسريعة التصلب، مما يؤدي إلى إغلاق مدخل النفق كلية. - غاز الأعصاب: لمح جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أنه سيتم استخدام غاز الأعصاب خلال الهجوم البري على قطاع غزة، وطبقًا لاتفاقيات لاهاي وجينيف فإنه يحظر استخدام غازات الأعصاب. وتتضمن غازات الأعصاب: غاز السارين، وغاز التابون، وغاز سومان، وغاز الأعصاب، وتعمل هذه الغازات بنفس الطريقة حيث تسبب خللًا في الجهاز العصبي، وغالبًا ما يتعرض من يستنشقه للوفاة نتيجة صعوبة التنفس. لجنة مصرية لتقصي الحقائق: نظرًا لاكتشاف إصابات مدمرة بأجسام المصابين الفلسطينيين القادمين من غزة للعلاج في مصر تشير إلى أن هذه الإصابات ناتجة من استخدام أسلحة محرمة دوليًّا؛ فقد قرر المسؤولون في وزارة الصحة المصرية تشكيل لجنة من الأطباء الشرعيين لفحص هؤلاء المصابين، وبيان طبيعة السلاح الذي تسبب في إحداثها، ويتشكك بعض المسؤولين بوزارة الصحة المصرية في استخدام إسرائيل لأسلحة بيولوجية محرمة دوليًّا في عدوانها على غزة. بينما ذكرت وزارة الصحة في غزة: أن هناك جرحى يعالجون من إصابات متعددة تشمل الكسور والحروق والشظايا، ومنهم مصابون أحدثت الانفجارات داخل أجسادهم حروقًا أدت إلى إذابة الجلد، وشظايا تسببت في انتفاخ للجسم وتسممه، وهي ما لم تشهدها أجساد الجرحى والمصابين من قبل، مما يصعب معها علاج هؤلاء المصابين. ومعلوم دوليًّا: أن استخدام الأسلحة الحارقة والفسفورية ضد المدنيين يعد جريمة حرب بموجب اتفاقية جينيف الرابعة وبروتوكولاتها الإضافية، وهي تحظر الهجمات العشوائية على المدنيين، وتحظر استخدام الأسلحة التي تسبب آلامًا لا مبرر لها، وتنص على ضرورة أخذ الاحتياطات الواجبة لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، بينما تشدد اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأسلحة التقليدية لعام 1980 على حظر استخدام الأسلحة المحرقة ضد المدنيين، كما تحد من استخدامها ضد الأهداف العسكرية إذا كانت بالقرب من المدنيين. أما الأسلحة العنقودية: فقد حظرتها اتفاقية أوسلو لعام 2008 بشأن الذخائر العنقودية، وهي الاتفاقية التي لم تنضم إليها إسرائيل، لكن استخدامها يعد مخالفة سافرة لمبادئ القانون الإنساني؛ خاصة مع تجاهل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين في الهجمات العسكرية (راجع في ذلك: مقالة: قائمة الأسلحة المحرمة دوليًّا التي تستخدمها إسرائيل في إبادة الفلسطينيين - جريدة النبأ الوطني - عدد السبت 2 ديسمبر 2023، ص 3). |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (10) (طوفان الأقصى) (5) الشهر الثاني من الحرب الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد بدأت العمليات العسكرية البرية لقوات الاحتلال الإسرائيلية ضد قطاع غزة مع أواخر الأسبوع الثالث من عملية طوفان الأقصى (في 27 أكتوبر 2023)، وقد تصدت كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية بقوة وثبات لقوات العدو المتوغلة في القطاع، ودارت بين الطرفين اشتباكات ومواجهات عنيفة استمرت لعدة شهور متواصلة؛ رغم أنها كانت بين قوتين غير متكافئتين تمامًا: - فجيش الاحتلال الإسرائيلي جيش نظامي، وقد حشد أعدادًا ضخمة من جنوده بعد تعبئة واستدعاء لنحو 360 ألف من ضباط وجنود الاحتياط؛ إضافة إلى قواته الأساسية، وهو جيش مدجج بأحدث أنواع الأسلحة الحديثة في الترسانة الأمريكية لا يتوانى عن استخدامها جميعًا، بل واستخدام الأسلحة المحرم دوليًّا معها، ويمتلك أنواعًا متقدمة من الدبابات والمدرعات، والعربات المصفحة، والصواريخ ذات القدرات التفجيرية الكبيرة، وهو مدعوم بسلاح جوي قوي ومتطور يمهد له الطريق، ويوفر له دائمًا الغطاء الجوي خلال أي توغل له داخل القطاع. وقد سبق بدء تلك العمليات البرية: القيام بغارات جوية مكثفة على شمال قطاع غزة لم تتوقف ليلًا ولا نهارًا، ولأكثر من أسبوعين؛ لإجبار أعداد كبيرة من سكان شمال قطاع غزة على الهجرة القسرية إلى وسط وجنوب القطاع هربًا من الهجمات الجوية الشرسة على المدنيين، والتي استهدفت كل ما على الأرض في القطاع؛ فكل منشأة أو مبنى أو بيت في شمال القطاع كان هدفًا للغارات الجوية؛ مما أسفر عن استشهاد وإصابة الآلاف من الفلسطينيين، وتدمير الكثير من المنشآت والمؤسسات والمباني والبيوت والمدارس والمساجد بلا تمييز؛ مما يعكس ما كانت عليه قوات الاحتلال من عشوائية ووحشية في العدوان، ودليل الرغبة الإسرائيلية العارمة في الانتقام المبالغ فيه من سكان غزة ردًّا على الهجوم المفاجئ الصادم لحماس في السابع من أكتوبر. فقوات الاحتلال لا تفرق بين المقاتلين من رجال المقاومة وبين أهالي غزة العزل؛ إذ في نظرهم سكان غزة حاضنين لحماس، خاصة وقد فضح هجوم حماس ما كان مستورًا من هشاشة في جهاز المخابرات الإسرائيلية وفي إجراءاتها الأمنية، وتسبب في قتل وجرح عددٍ كبيرٍ من جنود جيش الاحتلال في يوم واحد لم تعرفه من قبل، فأسقط بذلك هيبة الجيش الإسرائيلي التي ظل يروج لها طوال العقود الماضية ويستند إليها. - أما المقاومة الفلسطينية بفصائلها المختلفة "وفي مقدمتها: حماس"؛ فليست بجيش نظامي، وإذا قورنت بجيش الاحتلال الإسرائيلي فهي قليلة العدد، خفيفة التسليح، وما لديها من صواريخ فهي ذات مدى قصير ومتوسط، وذات قوة تفجير محدودة، وهي لا تمتلك أي دبابات أو مدرعات، وليس لها سلاح طيران، وفوق ذلك فكثير من أسلحتها وذخائرها هي صناعة محلية، صنعت في قطاع غزة رغم ضعف اقتصادها، والعزلة المفروضة عليها من خلال الحصار الإسرائيلي الصارم، ولكن أثبتت المقاومة الفلسطينية من خلال ما كبدته لقوات الاحتلال على مدار شهور القتال، ما عليه المقاومة من صلابة وثبات، كما أثبت الصمود البطولي لشعب قطاع غزة -في مواجهة الصلف والبطش للكيان الصهيوني، ومن خلفه الدعم غير المحدود من الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا- مدى صلابة شعب غزة وعزته. وتشهد لذلك خسائر العدو الكبيرة في العتاد والأعداد، والتي اعترف ببعض منها، وأخفى الكثير منها، رغم توثيق المقاومة الفلسطينية والعديد من المراسلين والإعلاميين لكثير منها. ومن أمثلة ما تكبده العدو في مواجهة المقاومة الفلسطينية في شهر نوفمبر، الشهر الأول في الهجوم البري الضخم لجيش الاحتلال: أنه في يوم 3 نوفمبر: - استهدفت المقاومة الفلسطينية آليات جيش الاحتلال المتقدمة تجاه محور صلاح الدين، وأصابت ثلاث منها؛ مما ترتب عليه انسحاب آليات العدو. - كما قامت كتائب القسام بقصف تل أبيب ردًّا على استهداف العدو للمدنيين في غزة. وقد شهد هذا اليوم فيما شهد غارة جوية إسرائيلية على محيط منطقة تل الزعتر شمال قطاع غزة، كما استهدفت مدفعية العدو محيط دوار التعليم وجامعة القدس المفتوحة ومحيط جامع زايد وشارع المنشية غرب غزة، كما قصفت مدرسة أسامة بن زيد بمنطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة؛ هذا بينما قامت زوارق للعدو بإطلاق قذائفها تجاه شاطئ السودانية غرب غزة. وقد أصدرت في هذا اليوم وحدة المعلومات الصحية بوزارة الصحة الفلسطينية إحصائية تراكمية عن العدوان الإسرائيلي ذكرت فيها: أن عدد الشهداء بلغ 9485 شهيدًا، منهم: 2430 رجلًا، و3900 امرأة، و3155 طفلًا، ومن بينهم 572 مسنًّا. كان منهم: 2101 شهيدًا في شمال غزة، و4066 في غزة، و1462 بوسط القطاع، و1116 في خان يونس، و840 في رفح. أما شهداء الطواقم الطبية فقد بلغ عددهم 137 شهيدًا، بينما بلغ إجمالي الجرحى 24173 جريحًا. وفي يوم 4 نوفمبر: - جرت اشتباكات عنيفة بين قوات جيش الاحتلال والمقاومة في محاور مختلفة قرب بيت حانون وإيرز شمال غزة. وقد ذكر موقع (واللا) العبري نقلًا عن جنود إسرائيليين مشاركين في القتال داخل غزة: أن مقاتلي المقاومة يقومون بالخروج من بين المباني المدمرة والأنفاق فيطلقون ما معهم من قذائف وصواريخ مضادة للدبابات ثم يختفون، مما يصعب مع هذا التكتيك في القتال رصدهم بالطائرات، وقد أطلق على هذا التكتيك اسم: (اللدغة). - قامت كتائب الأقصى برشقة صاروخية على حشود للعدو شرق غزة (كفار عزة)، ووجهت عددًا كبيرًا من قذائف الهاون عيار 60 مم على مرابض الدبابات في محور الكرامة. - وقد ذكر المتحدث الرسمي أن كتائب القسام قد دمرت 24 آلية عسكرية إسرائيلية في آخر 48 ساعة من القتال ما بين دبابات (الميركافا) ومدرعات النمر، وجرافات، وأن مقاتلي الكتائب يقاتلون العدو في محاور شمال غرب مدينة غزة وفي جنوبها، وفي بيت حانون. - وقد أعلن جيش الاحتلال عن مقتل 4 من جنوده، من بينهم ضابط (قائد سرية). - تجددت الاشتباكات العنيفة في المناطق الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. - وذكرت سرايا القدس أنها قصفت رشقات صاروخية تجاه عسقلان وسديروت، وكفار سعد، ونيرعام ومفلاسيم، والنقب الغربي. وقد شهد هذا اليوم غارات إسرائيلية كثيفة على عددٍ من المناطق في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، منها: غارة على ساحة مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا، والتي كانت تأوي نازحين من الأطفال والنساء الذين فقدوا بيوتهم بسبب القصف الإسرائيلي؛ مما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات منهم. وتواصل خلال هذا اليوم القصف المدفعي للعدو على شرق القرارة بمدينة خان يونس جنوب القطاع، كما قصف العدو بالمدفعية مناطق متفرقة في قطاع غزة، منها: حي تل الهوى في غزة قرب بوابة مستشفى القدس. وذكر المتحدث باسم حركة حماس: أن قوات الاحتلال لا تتقدم بريًّا إلا على في المناطق التي سبق قصفها وهجرها أهلها، ورغم ذلك فهو يتكبد خسائر فادحة عند التقدم إليها، ويجبر على التراجع عنها. وقد ذكر مراسل قناة الجزيرة: أن العدو استهدف بغاراته منزلين في النصيرات ورفح بقطاع غزة أسفر عن سقوط 7 شهداء. وقد قدم المكتب الإعلامي في غزة تعازيه لأسر 46 من الصحفيين والإعلاميين الذين قتلوا بعد استهدافهم بشكل مباشر بصواريخ جيش الاحتلال، ومنهم من هدمت منازلهم فوق رؤوسهم ورؤوس عائلاتهم، وقد ذكرت صحيفة أمريكية (نيويورك تايمز) أنه وفقًا لتحليل أجرته الصحيفة لصور الأقمار الصناعية وصور ومقاطع فيديو للضربة الإسرائيلية على مخيم جباليا المكتظ بالسكان يوم الثلاثاء الماضي تمت بقنبلتين زنة الواحدة منهما يفوق 900 كيلو جرام (أي: 2000 رطل). وقد ذكرت وزارة الصحة في غزة: أن قوات العدو قد ارتكبت عشر مجازر كبرى راح ضحيتها 231 شهيدًا، وأن 70 % من هؤلاء الضحايا هم من النساء والأطفال. وذكرت أيضًا: تلقيها 2200 بلاغًا عن مفقودين، منهم: 1250 طفلًا ما زالوا تحت الأنقاض، وأنه 150 استشهدوا من الطواقم الطبية وتم تدمير 57 سيارة إسعاف، وقد تعمد العدو استهداف 105 من المؤسسات الصحية وأخرج 16 مستشفى من الخدمة، وقد صارت المستشفيات في القطاع متكدسة بالجرحى من الحالات الحرجة والخطرة؛ يموت العديد منهم يوميًّا، كما أن قوات الاحتلال تتعمد إرهاب العاملين في المنظومة الصحية بقصف محيط المستشفيات. وقد تعرضت منطقة بئر النجعة وامتداد شارع الاتصالات بجوار صالة الطيب شمال قطاع غزة لإطلاق قنابل فسفورية، ودخان بشكل كثيف. في يوم 5 نوفمبر: - قال وزير التراث الإسرائيلي وهو من حزب (عوتسما يهوديت = أي: القوة اليهودية) اليميني المتطرف (عميحاي إلياهو) في مقابلة صباح اليوم (الأحد) مع محطة الإذاعة الأرثوذكسية المتطرفة (كول باراما): إن إسقاط قنبلة نووية على غزة أحد الاحتمالات. - أعلنت سرايا القدس: أن مقاتليها التحموا في اشتباكات مع قوة صهيونية متوغلة في منطقة الفراحين شرق خان يونس. - اشتبكت المقاومة مع قوات العدو المتوغلة جنوب وشرق حي الزيتون بغزة في معارك ضارية. - قصفت المقاومة قوات العدو المتوغلة جنوب مدينة غزة بقذائف الهاون. - مجاهدو القسام يوقعون القوات المتوغلة شرق خان يونس في كمين محكم بعد استهدافها بقذائف الياسين 105، وسلاح القنص الثقيل والأسلحة المتوسطة، وقذائف الهاون؛ مما أدى إلى تدمير دبابتين للعدو، وعودة المجاهدين إلى قواعدهم بسلام. - كتائب القسام تدمر آليتين للعدو متوغلتين في منطقة الفراحين شرق خان يونس بقذائف الياسين 105. - كتائب القسام تدك قوات العدو المتوغلة شرق جحر الديك بقذائف الهاون من العيار الثقيل. - كتائب القسام تقصف تجمعًا للآليات المتوغلة غرب (إيرز) بقذائف الهاون. - مجاهدو المقاومة تستهدف موقع مسكاف عام بالصواريخ الموجهة، ودمروا قسمًا من تجهيزاته الفنية والتقنية. - ذكرت قناة 14 العبرية أنه تم إطلاق عدة صواريخ مضادة للدروع تجاه قوة من الجيش قرب موقع كيسوفيم بغلاف غزة. - اشتباكات بين مقاومين وقوات للاحتلال متوغلة في الحي الشرقي بـ(جنين). - إطلاق نار يستهدف قوات الاحتلال خلال اقتحام بلدة عزون شرق قلقيلية. - كتائب القسام تقصف مستعمرة سديروت برشقة صاروخية، وتقصف تل أبيب برشقة صاروخية جديدة ردًّا على المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين. - كتائب القسام تدمر دبابة للعدو متوغلة جنوب غرب تل الهوى بقذيفة الياسين 105. وقد أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة عن ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 9500 شهيد، أغلبهم من النساء والأطفال. وذكر الهلال الأحمر: أن هناك قصفًا مدفعيًّا شديدًا، وغارات جوية وأصوات انفجارات شديدة في محيط مبنى مستشفى القدس غربي مدينة غزة؛ مما أدى إلى إصابات في صفوف النازحين داخل المستشفى، وقد دمر الاحتلال عمارة تبعد 50 مترًا عن مقر مستشفى القدس. طائرات العدو تقصف محيط المستشفى الإندونيسي، وأبراج مدينة الشيخ زايد شمال غزة، وتقصف بكثافة شرق المحافظة الوسطى، وشرق محافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة، وقصف مكثف من الزوارق الإسرائيلية لامتداد شارع الرشيد مقابل منطقة تل الهوى جنوب غرب غزة، كما أطلقت الزوارق قذائفها على غرب دير البلح وسط القطاع. وجددت طائرات الاحتلال قصف مسجد أبو الخير شرق جباليا شمال مدينة غزة، كما قصفت مسجد الدعوة شمال غرب النصيرات وسط قطاع غزة؛ هذا كله في ظل قطع الاتصالات والإنترنت كليًّا عن قطاع غزة بالتزامن مع القصف للأحياء السكنية مما يحجب مجازر العدو عن وسائل الإعلام وعن الرأي العام. وقد ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية في تقريرها اليومي عن آثار العدوان أنه من يوم 7 أكتوبر حتى يوم 5 نوفمبر بلغ عدد الشهداء 9730 شهيدًا، وعدد الجرحى أكثر من 24 ألف، بينما تم تدمير أكثر من 200 ألف وحدة سكنية، منها 35 ألف وحدة دمرت تدميرًا كليًّا وأصبحت غير صالحة للسكن، بينما دمرت 165 ألف وحدة تدميرًا جزئيًّا، وهذا يمثل أكثر من 50% من الوحدات السكنية بالقطاع. وأنه تم استهداف 3 مستشفيات رئيسية (الشفاء وناصر للأطفال والقدس) بالقصف بتاريخ 4 نوفمبر، وتم تهجير 70 % من سكان القطاع قسرًا، حيث لجأ أكثر من 690 ألف نازح إلى 149 منشأة تابعة للأونروا، وإلى المستشفيات والمباني العامة ومراكز الإيواء ومعظمها غير مجهز بشكل كافٍ لتلبية احتياجات هؤلاء النازحين، ومنهم مَن التحق بعائلات مضيفة. وقد تضررت 50 سيارة إسعاف تعطلت منها 31 سيارة عن العمل بشكل كامل، وأنه يواجه مئات الآلاف من سكان مدن غزة والمناطق الشمالية نقصًا حادًّا في الماء، وقد توقفت عن العمل 25 محطة لضخ مياه الصرف في مدينة غزة والمناطق الشمالية، وأنه تلوح في الأفق بوادر كارثة صحية وشيكة نتيجة للنزوح الجماعي واكتظاظ الملاجئ، ونتيجة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للصرف الصحي، وقد تعرضت 42 منشأة تابعة للأونروا لأضرار؛ مما أدى على استشهاد 13 مواطنًا، وإصابة 195 آخرين من النازحين إليها، كما تضرر 55 مسجدًا وتضررت 7 كنائس جراء القصف. في 6 نوفمبر: - أعلن من مقتل النقيب (يائير عيدو) في القتال، وهو ابن أخ رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو قائد وحدة القناصة المتوغلة في قطاع غزة، وهو من أبرع القناصة في الجيش الإسرائيلي، وحائز على وسام أفضل قناص. - صفارات الإنذار تدوي في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، والتي أصبحت خالية تقريبًا من السكان. - كتائب القسام تدمر دبابة للعدو كانت قد توغلت في منطقة السلاطين شمال غرب بيت لاهيا بقذيفة الياسين 105. - سرايا القدس تجدد استهدافها لتجمع آليات للعدو المتوغلة في محور شمال غرب وفي جنوب مدينة غزة بقذائف الهاون والرشقات الصاروخية المركزة، كما استهدفت موقعي الكاميرا، وكيسوفيم ومستعمرة كفار سعد برشقات صاروخية مركزة. - قوات الشهيد عمر القاسم الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تعلن أن مقاتليها دمروا إحدى الأليات للعدو شرق الزيتون، وعطلوا تقدم قواته على محاور شرق القطاع، وقتلوا أكثر من 20 جنديًّا للعدو في ليلة واحدة. - صفارات الإنذار تدوي في عكا وكريات يام قرب حيفا، وشلومي، وكريات شمونة والناقورة، وكفار مسريك. - تنفيذ إغارة على قوات الاحتلال المتمركزة شمال غرب مدينة غزة، وتدمير 6 دبابات بقذائف الياسين 105. - كتائب القسام تقصف تجمعا لجنود العدو قرب (إيرز) بقذائف الهاون، وتستهدف قوة خاصة متحصنة في إحدى المباني. - وقد خاضت المقاومة اشتباكات ضارية في عدة محاور: شمال غرب غزة، وشرق حي الزيتون، وجنوب غرب حي تل الهوى. وقد دمر مجاهدو القسام في محاور القتال خلال 48 ساعة الأخيرة كليًّا أو جزئيًّا 27 آلية عسكرية، كما دكوا القوات المتوغلة بعشرات من قذائف الهاون، والتحموا في اشتباكات مباشرة أسفرت عن خسائر محققة بقوات العدو. - وقد دوت صفارات الإنذار في مستوطنات غلاف غزة في شتولا. - وقد أعلنت سرايا القدس أنه تم عصرا تدمير آلية إسرائيلية بعد استهدافها بعبوة لاصقة وقذيفة أر بي جي في منطقة المقوسي. - وقد أعلنت كتائب شهداء الأقصى أنها ردٌّ على جريمة اغتيال أحد قادة المقاومة في طولكرم قد قامت صباح الإثنين 22 ربيع الثاني الموافق 6 نوفمبر باستهداف حواجز الاحتلال الإسرائيلي في الضفة المحتلة والاشتباك معها في نفس المكان. - وقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم منذ بداية الحرب حتى السادس من نوفمبر إطلاق 8500 صاروخا على إسرائيل. في يوم 8 نوفمبر: - المقاومة تخوض اشتباكات عنيفة على أطراف مخيم جنين. - كتائب شهداء الأقصى تستهدف بوابة (نتسانيعوز) وقوات الاحتلال المتمركزة على البوابة بوابل من الرصاص. - تفجير عبوة بجنود الاحتلال وآلياته لدى مخيم جنين، وجرى اشتباك مسلح مع العدو من كافة تشكيلات المقاومة في المخيم. - واشتباكات عنيفة في شمال غرب غزة وجنوب غرب غزة وشرق حي الزيتون وجحر الديك. - تفجير عبوة ناسفة بآلية لجيش الاحتلال في مخيم بلاطة، وإلقاء مجموعة كبيرة من القنابل محلية الصنع تجاه قوات الاحتلال في مخيم بلاطة. - كتائب القسام تدمر 6 آليات للعدو في شمال وغرب مدينة غزة، كما توقع قوة للعدو راجلة في كمين محكم في جحر الديك ويجهزون عليها بقذيفة أفراد من مسافة صفر. - كتائب القسام تقصف مجددًا قاعدة رعيم العسكرية برشقة صاروخية، وقد صرَّح المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية بارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 10818شهيدًا من بينهم 4412 طفلًا، و2918 سيدة، و667 مسنًّا، وإصابة 26905 مواطنًا منذ السابع من أكتوبر، كما أن هناك 2650 بلاغًا عن مفقودين، منهم: 1400 طفل تحت الأنقاض منذ بدء العدوان. إسرائيل تتصدع من الداخل: مع نهاية شهر نوفمبر بدا واضحًا أن إسرائيل تعاني من تصدع غير عادي نتيجة عملية طوفان الأقصى وتداعياتها، والحرب المشتعلة في قطاع غزة؛ فقد انتابت إسرائيل فجوة عميقة مع اهتزاز الثقة في جيشها وسقوط أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر مرة أخرى، كما سقطت من قبل في حرب أكتوبر 1973؛ كانت الثقة في الجيش تعني الشعور بالأمان والاستقرار والحماية من كافة الأخطار المحيطة، وتجعل إسرائيل دولة جاذبة للمهاجرين الجدد من اليهود، فوفدت إلى إسرائيل عبر العقود الأخيرة مئات الألوف من اليهود المهاجرين من جنسيات مختلفة، انعكس أثرها على الاقتصاد الإسرائيلي، كما ساهم ذلك في تدفق رؤوس أموال للاستثمار في إسرائيل، كما استفادت السياحة في إسرائيل من هذا الأمان والاستقرار؛ لذا تمادت إسرائيل في بناء المستوطنات في ظل سيطرة اليمين المتطرف الإسرائيلي على دفة الحكم. وسرعان وفي أسابيع قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة أن تغيرت الأوضاع كثيرًا بعد نجاح المقاومة الفلسطينية في اختراق كل الدفاعات التي أقامها الجيش الإسرائيلي ودخول المستوطنات واحتجاز أسرى كثيرين دون حركة رد سريعة من الجيش أو الأمن الإسرائيلي، فدب الشك في مدى القدرات الأسطورية المزعومة للجيش الإسرائيلي، وهو يتلقى صفعة طوفان الأقصى، ويفشل رغم كل إمكانياته العسكرية الكبيرة ومظاهر قوته في التصدي للمقاومة الفلسطينية ذات الإمكانيات العسكرية المحدودة، ويفشل عبر أسابيع وشهور في القضاء عليها أو كسرها، أو التخلص من قادتها ورؤوسها، أو أن يقهر صمود أهل غزة وإصرارهم على التمسك بأرضهم رغم كل الضربات الموجعة الموجهة إليهم، وتحملهم أوضاع هي في غاية في الصعوبة ولا يتحملها بشر. وقد بدى التأثر الشديد واضحًا على الاقتصاد الإسرائيلي من جراء عملية طوفان الأقصى والحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فالثقة في الحكومة صارت مفقودة، والمطالبة بالتغيير صارت معلنة، ولا يمنعها إلا استمرار الحرب، وإلا فنهاية الحرب تعني إسقاط الحكومة وتعرض قادتها للمحاكمة للتحقيق والمحاسبة على جملة أخطائها التي وقعت فيها يوم طوفان الأقصى وحربها على غزة وفشلها الذريع في مواجهة حماس وقادتها؛ إذ مالت استطلاعات الرأي إلى أنه لم تعد الفئة الحاكمة من اليمين المتطرف صالحة للاستمرار في الحكم، وأن إسرائيل في حاجة إلى نخبة أكثر احترافية في قيادة الدولة. وقد شهدت إسرائيل موجات متتالية من الهجرة الجماعية إلى خارج إسرائيل من مئات الألوف من اليهود خاصة الذين يحملون جنسيات مزدوجة والذين كانوا مقيمين فيها فغادروا البلاد خوفًا على حياتهم بعد أن هددتهم وأفزعتهم صواريخ المقاومة الفلسطينية، وقد هاجرت حوالي 25% من العمالة الوافدة على إسرائيل، كما أن كثيرًا من رؤوس الأموال هربت أيضًا من إسرائيل، وتراجعت السياحة بشدة وانهارت عمليًّا. وعليه فقد انهار الشيكل (العملة الإسرائيلية) في مواجهة الدولار الأمريكي، فقد كان الشيكل يمثل 75% من الدولار الأمريكي، فأصبح الشيكل بعد 50 يومًا من الحرب لا يزيد على 5و22% من الدولار؛ مما جعل البنك المركزي الإسرائيلي يتوقع حدوث انخفاض لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، والذي يقدر حجمه بنحو 500 مليار دولار، ما بين 3و2% إلى 3 %. وقد حذرت وكالات التصنيف الائتماني من خفض تصنيف إسرائيل لأول مرة، كما تعرضت إسرائيل لخسائر كبيرة عسكرية ومدنية من جراء الحرب على غزة، نتيجة تكلفة الحرب ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية ونقص العمالة نتيجة خروج مئات الألوف؛ مما تسبب في تخفيض 8% من قوة العمل، وبالتالي تقليل حجم الإنتاج نتيجة مشاركة عدد كبير من ضباط وجنود الاحتياط في الحرب في غزة عقب إعلان التعبئة واستدعائهم. وهذه التكلفة الكبيرة تستنزف قدرًا كبيرًا من الموارد والاحتياطي الأجنبي للاقتصاد الإسرائيلي، وإن كانت تجد العوض من الداعمين والمانحين؛ لقد تكشفت الحقيقة أمام الجميع أن إسرائيل دون الدعم الأمريكي والغربي لن تستطيع الدخول في أي مواجهة عسكرية حتى لو كانت صغيرة؛ أي: أن عملية الأقصى أعادت إسرائيل إلى التبعية الأمريكية بعد ما كانت ظنت أنها اتخذت خطوات للتحرر منها. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (11) طوفان الأقصى (6) نشر التوثيق لانتهاكات إسرائيلية خلال الهدنة المؤقتة كتبه/ علاء بكر فبعد مرور 48 يومًا من بدء عملية طوفان الأقصى والاشتباكات العنيفة بعدها، تم التوصل إلى عقد هدنة مؤقتة تتم خلالها صفقة تبادل بين الفلسطينيين الموجودين في سجون إسرائيل وبين المحتجزين من الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية. وقد تم وضع بنود الهدنة برعاية مصرية قطرية أمريكية، وقد دخلت الهدنة المؤقتة -ومدتها ستة أيام- حيز التنفيذ في يوم 24 نوفمبر 2023، وقد تم خلال أيام الهدنة تبادل مجموعات من الأسرى والمحتجزين بين الطرفين، مع تعهد الطرفين بعدم الاشتباك ووقف جميع العمليات العسكرية، إلى جانب وقف حركة الطيران في جنوب القطاع على مدار أربعة أيام، ووقف حركة الطيران في شمال القطاع لمدة ست ساعات يوميًّا، لكن الهدنة لم تفرض على قوات الاحتلال الإسرائيلية مغادرة المواقع الاستراتيجية التي سيطرت عليه، حيث تبقى عند خطوط وقف إطلاق النار داخل غزة، وتقرر أنه في أثناء تلك الهدنة يتم إدخال شاحنات المواد الإغاثية والطبية لقطاع غزة بواقع 200 شاحنة يوميًّا. وقد تم مد الهدنة الإنسانية في اللحظات الأخيرة منها ليوم سابع إضافي، مع السماح بالإفراج عن رهائن في مقابل معتقلين فلسطينيين. ورغم ترقب العالم كله للالتزام بالهدنة وتنفيذ بنودها فقد خالفت قوات الاحتلال من اليوم الأول للهدنة بنودها؛ مما أدى إلى تأخر موعد تسليم الأسرى والمحتجزين بعض الوقت، ثم تم في اليوم الأول من الهدنة -كما طلبت حماس- الإفراج عن 42 أسيرة وطفل فلسطيني كانوا في سجون الاحتلال، وفي اليوم التالي كان الإفراج عن 6 أسيرات و33 طفلًا داخل سجون الاحتلال. قصص من سجون الاحتلال: - كان من ضمن الأسيرات المحررات (إسراء جعابيص)، التي رصدت الصحافة والفضائيات بعضًا من معاناتها مع الاحتلال، فقد اقتحمت قوات الاحتلال قبل إطلاق سراحها منزل عائلتها وأبعدت عشرات المجتمعين من أهلها ومن جيرانها ومن رجال الأعمال القادمين لتهنئتها بالخروج من سجون الاحتلال، وقد أجبرت أسرتها على تغيير المنزل الذي تجتمع فيه لاستقبالها بعد غياب 9 سنوات في سجون لاحتلال، حيث أجبرت الأسرة على الذهاب إلى منزل أحد أفراد العائلة فوق جبل له طريق متعرج يصعب الوصول إليه، مع تحذير الأسرة من اتخاذ أي مظاهر للاحتفال، ومع هذا فقد كان هناك كثيرون في استقبالها. بدأت قصة إسراء مع الاعتقال عندما تعطلت سيارتها في الطريق وتوقفت ففوجئت بقوات الاحتلال تلاحقها بوابل من النيران؛ مما أدى إلى انفجار سيارتها واشتعال النيران بها، بل ونالت النيران نحو 60% من جسد إسراء، واعتقلتها سلطات الاحتلال وأهملت علاجها وحكم عليها بالسجن، وعانت إسراء أثناء السجن من تعنت سلطات الاحتلال في السماح لأهلها ولأقربائها بزيارتها في السجن، حتى وحيدها الصغير (معتصم) رفضت سلطات الاحتلال زيارته لوالدته عندما توجه لزيارتها في السجن مع خالته، ولم يكن قد بلغ من العمر وقتها 8 سنوات؛ بدعوى أنه لا يحمل بعد بطاقة هوية! واستمر منع الأم من رؤية ابنها، ومنع رؤية الطفل لأمه حتى بلغ الطفل حاليًا الخامسة عشر من عمره، وبعد حرمان طال لنحو تسع سنوات ها هو ابنها يحتضنها أخيرًا بعد تحررها من السجن. - وفي القدس كانت من ضمن الأسيرات المحررات (شروق الدويات) التي أمضت في سجون الاحتلال 8 سنوات بعد اعتقالها وتعطل استكمال مشوارها الدراسي، والتي ذكرت أنها ومن كن معها من الأسيرات تم أخذهن من الزنازين مقيدات دون إخبارهن إلى أين يذهبن، فتوقعن جولة جديدة من التنكيل بهن والتعذيب والقهر والضغط النفسي كما أعتدن من وقت لآخر، فلما علمن بالإفراج عنهن انتابتهن الفرحة الغامرة. وذكرت أن الزنازين تكتظ بأعداد تفوق المساحة المتاحة فيها بكثير، فالمكان الذي يستوعب ثماني سجينات يوضع فيه أكثر من ست عشرة سجينة، جميعهن في غرفة واحدة، ويمنعن من الخروج منها لأيام، وقد جردن من الأغطية والملابس الكافية، والكتب، وغيرها، مع التعرض المتواصل للمضايقات والسب والضرب والتعذيب، لكنهن تعلمن الصمود والتحمل، وقد اتفقن على أن لا شيء يكسرهن، وكن يعلمن الفتيات الصغيرات ذلك لرفع معنوياتهن، وزيادة قدرتهن على الصبر والتحمل. وذكرت أن الأسيرات لم يعتقلن إلا بسبب تداول ونشر (بوستات) على مواقع الاتصال يتحدثن فيها عن فلسطين، أو ينشرن فيها مشاهد من قمع سلطات الاحتلال للفلسطينيين، أو لكونهن يضعن علم فلسطين، وأن في سجون الاحتلال أمهات وسيدات، وذكرت كذلك أن هناك فتيات صغيرات أعمارهن تتراوح بين 12 و15 سنة، قد سلبت منهن طفولتهن إذ يعاملن في السجون كالمعاملة السيئة للنساء الكبيرات. وذكرت أن سلطة الاحتلال نبهت على الفلسطينيات المحررات بمنع أي مظاهر للفرح أو الاحتفال بالتحرر، وعدم ممارسة أي أنشطة وإلا فسيتم إعادة اعتقالهن. وقد روت أسيرات أخريات محررات صورًا من المعاناة من خلال التنقل بين سجون الاحتلال، والقسوة والقهر في المعاملة، ومن الحرمان لأوقات من الطعام والشراب، وكون الطعام الذي يقدم قليلًا؛ إذ يقدم الطعام الذي يكفي عشرة أفراد للثمانين أسيرة، إلى جانب التجريد من الأغطية والملابس الكافية رغم شدة البرد، مما كان يجعلهن يضربن عن الطعام للحصول على الضروري من الاحتياجات، فضلًا عن تعرض العديد من الأسرى السجناء للإصابة بالأمراض ووفاة البعض منهن بسببها. وفي الوقت الذي اطلع فيه العالم على المعاملة السيئة للغاية من سلطات الاحتلال للأسرى والسجناء الفلسطينيين، شاهد العالم في نفس الوقت من خلال اللقاءات الإعلامية والتصريحات ممن أفرج عنهم من المحتجزين من قِبَل حماس ما لقوه من حسن معاملة طوال مدة الاحتجاز لدى حماس مما دفع سلطات الاحتلال إلى منع هؤلاء العائدين من لدى حماس من إجراء أية لقاءات صحفية أو مقابلات إعلامية حتى لا يدرك العالم الفرق الشاسع بين أصحاب الدين والخُلُق وبين من لا خلق لهم، ولا شرف من مجرمي الحرب، وقتلة الأطفال والنساء. مأساة شعب غزة تحت الحصار والقصف: من خلال التواصل مع أهل قطاع غزة خلال فترة الهدنة، ومن خلال إدخال بعض المساعدات الطبية والغذائية والوقود لهم، كان السماع للأهوال والمعاناة غير المسبوقة التي تعرض لها شعب غزة في ظل الحصار الخانق المفروض عليهم، والقصف المتواصل بالطيران من الجو، ومن المدفعية على الأرض ومن الزوارق البحرية من البحر، في وقت لا يملك هؤلاء السكان العزل أي قدرة على حماية أنفسهم، فضلًا عن المقاومة والدفاع عن أنفسهم، في مواجهة آلات القتل الصهيونية الرهيبة، ومع ذلك فقد ضربت غزة الأبية الصابرة المثل الأعلى في العزة والصمود والتحمل. كان لابد أن تقطع قوات الاحتلال كل الاتصالات عن شعب غزة، الهواتف والإنترنت والكهرباء، حتى تعزل غزة عن العالم بالكلية، لتبقى فريسة سهلة قد تركها العالم للكيان الصهيوني ليمزقها ويفترسها كيفما يشاء، مدعومة بكل معداته العسكرية التي أمدته بها الولايات المتحدة بلا حدود ومدعومًا بالفيتو الأمريكي في المحافل الدولية، ومؤيدًا بالمعايير المزدوجة لدول الغرب، وبلا أي خطوط حمراء طوال مدة العدوان توقف همجية محتل غاشم، بدأ احتلال هذه الأرض بلا أخلاق أو شرف، وها هو يسعى بكل قوة لأن يواصل هذا الاحتلال أيضًا بلا أخلاق أو شرف، أشبه بذئب مسعور استفرد بفريسته بعد أن جردها من القدرة على المقاومة وعزلها عن العالم. - ليل غزة طوال أيام العدوان وفي ظل الحرمان من الكهرباء والوقود هو ظلام دامس ممتد، لا ضوء تدركه السماء إلا ضوء نيران انفجارات القنابل الفسفورية، ولا صوت يسمع إلا صوت قذائف الدبابات والطائرات الحربية ومدافع الزوارق البحرية تختلط جميعها بصراخ واستغاثات من الأطفال والنساء الذين يئنون من شدة الدمار! - إن ليل غزة هو كتلة من الجحيم، أما نهار غزة فلا إمكانية فيه لسكان غزة للانتقال من مكان إلى مكان، ولو لجلب القليل من الطعام أو الماء إن وجد، في ظل القصف والتوغل والاقتحام من جانب قوات الاحتلال، ومن كان منهم بلا مأوى ونزح إلى المستشفيات أو المدارس أو إلى المساجد، أو إلى المنشآت التابعة للأونروا التابعة للأمم المتحدة، لم يكن في مأمن من التهديدات والاستهدافات بالقصف والقنص من قوات الاحتلال؛ هناك المئات مدفونون أو مفقودون تحت الأنقاض، والجرحى لا يجدون من يقوم بإسعافهم أو مداواتهم من أطقم إغاثة، أو من يقوم بنقلهم إلى المستشفيات في ظل تعذر الحركة والانتقال حتى لسيارات الإسعاف التي صارت هدفًا متعمدًا ضربه من أهداف قوات الاحتلال، ومن أمكن نقله إلى المستشفيات منهم فلا يجد العلاج اللازم حتى صارت العمليات الجراحية منها ما يجرى بغير تخدير. توثيق منظمة العفو الدولية لجرائم قوات الاحتلال: وثقت منظمة العفو الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة طوال مدة امتدت لأكثر من شهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذكرت المنظمة على موقعها الرسمي على الإنترنت أنها قد حصلت على أدلة دامغة لارتكاب قوات الاحتلال جرائم حرب في القطاع على مدى أكثر من 35 يومًا منذ بدء الحرب، وشملت تلك الجرائم: - القضاء على عائلات فلسطينية بأكملها من خلال هجماتها المكثفة غير القانونية والعشوائية على القطاع بلا مراعاة لوجود هؤلاء المدنيين؛ لذا تسببت في خسائر كبيرة لا مبرر لها في صفوف المدنيين، وأنه يجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب في حق هؤلاء المدنيين. - عمليات القصف الجوي التي نفذتها قوات الاحتلال في المدة ما بين 7 إلى 12 من أكتوبر، والتي تسببت في دمار مروع، والتي تحققت المنظمة منها من خلال الصور ومقاطع الفيديو وتحليل صور الأقمار الصناعية، إلى جانب التحدث إلى الناجين وشهود العيان حيث انتهكت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلية بوضوح القانون الإنسان الدولي بعدم اتخاذها الاحتياطات الواجبة والممكنة لتجنب المدنيين خلال عمليات القصف المكثفة؛ إذ أظهرت قوات الاحتلال خلالها استهتارًا مروعا بحياة العزل من المدنيين خلال القصف، إذ سحقت قوات الاحتلال شارعا بعد شارع لتدمير البنية التحتية في القطاع؛ مما أسفر عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين. - الإصرار على وضع القيود لمنع إنفاذ الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود إلى القطاع كله طوال فترة الحرب. - بعد تحويل قطاع غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم من خلال الحصار الإسرائيلي غير القانوني طوال 17 عامًا، كان العمل من خلال الحرب الحالية على تحويل القطاع إلى مقبرة كبيرة جماعية للفلسطينيين؛ مما يتعين معه تحرك المجتمع الدولي للتحرك لمنع ذلك، كما يجب على الفور فرض حظر شامل على تزويد إسرائيل بالأسلحة؛ نظرًا لارتكابها انتهاكات خطيرة متعددة في قطاع غزة بموجب القانون الدولي. - استهداف قوات الاحتلال لمبانٍ سكنية ومخيم للاجئين بعشرات الهجمات، والزعم بأنها إنما تهاجم أهدافًا عسكرية فقط، ولم تجد منظمة العفو في تحقيقاتها في عدد من الحالات أي دليل على وجود أهداف عسكرية في المنطقة المجاورة أو مقاتلين وقت تلك الهجمات. - في الساعة العاشرة والنصف صباح يوم 9 أكتوبر أصابت الغارات الجوية الإسرائيلية سوقًا في مخيم جباليا للاجئين الواقع على بضعة كيلو مترات شمال مدينة غزة، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 69 شخصًا، ومن المعروف أن شارع هذا السوق هو من أكثر المناطق التجارية ازدحامًا في شمال غزة، وقد كان السوق في هذا اليوم أكثر ازدحامًا عن المعتاد، حيث كان مليئًا بآلاف الأشخاص من المناطق المجاورة الذين فروا من منازلهم في وقت سابق من هذا الصباح بعد تلقي رسائل تهديد من قوات الاحتلال تدعوهم إلى مغادرة منازلهم. وقد قام مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية بمراجعة ستة مقاطع فيديو تظهر آثار الغارة الجوية التي تمت على سوق مخيم جباليا، وتظهر هذه الصور أن المنطقة كانت مكتظة بالسكان، وأن بها مبانٍ متعددة الطوابق، ثم تظهر مقاطع الفيديو وصور الأقمار الصناعية لما بعد الحادث ما لا يقل عن ثلاثة مبانٍ متعددة الأطباق مدمرة بالكامل. وتظهر العديد من المباني في المنطقة المحيطة وقد تعرضت لأضرار بالغة، كما شوهدت العديد من الجثث تحت الأنقاض في اللقطات المصورة، واستنادًا إلى شهادة الشهود وصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو التي تم التحقق منها، فإن الهجوم كان عشوائيًّا، بما يوجب التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب. ودعت المنظمة الدولية في تقريرها إسرائيل إلى الوقف الفوري للهجمات غير القانونية والالتزام بالقانون الإنساني الدولي، وأيضًا ضمان اتخاذ الاحتياطات الواجبة والممكنة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين والعائلات المدنية ووقف الهجمات العشوائية، وأيضًا السماح فورًا بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة دون عوائق، كما طالبت المنظمة جميع دول العالم بالامتناع عن تزويد إسرائيل بالأسلحة والمواد العسكرية بما في ذلك المساعدات التقنية والتدريب، وأيضًا الامتناع عن أي تصريح أو أي إجراء ولو بشكل غير مباشر من شأنه أن يضفي الشرعية على جرائم انتهاكات إسرائيل في غزة. توثيق المكتب الإعلامي في قطاع غزة لجرائم الحرب: وقد وثق المكتب الإعلامي في غزة أيضا خلال فترة الهدنة حجم المجازر الكبيرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي والتي ألقت أكثر من 40 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، حيث أودت بحياة أكثر من 15 ألف شخص بينهم أكثر من 6 آلاف طفلًا، و4 آلاف امرأة، وأصيب أكثر من 36 ألف، 75% منهم من الأطفال والنساء، ونحو 7 آلاف مفقود تحت الأنقاض أو مصيرهم مجهول، بينهم أكثر من 4700 طفل وامرأة، بينما بلغ عدد ضحايا الكوادر الطبية 207، والضحايا من طواقم الدفاع المدني 26، ومن الصحفيين 70. كما دمر الجيش الإسرائيلي 103 مقرات حكومية، و266 مدرسة، خرجت 67 منها من الخدمة، كما تسببت العمليات العسكرية لقوات الاحتلال في تدمير 88 مسجدًا تدميرًا كليًّا، و174 مسجدًا تدميرًا جزئيًّا، وتم استهداف 3 كنائس، كما تعرضت 50 ألف وحدة سكنية للهدم الكلي، و240 ألف وحدة للهدم الجزئي، كما خرجت كذلك 26 مستشفى و55 مركزًا صحيًّا من الخدمة، وتم تدمير 56 سيارة إسعاف. وقد بلغ عدد النازحين في القطاع نحو 1.8 مليون شخص نزحوا من شمال القطاع إلى جنوبه، وإنه بحلول 29 نوفمبر كان ما يقرب من 1و1 مليون نازح يقيمون في 156 منشأة تابعة للأونروا في جميع المحافظات الخمس في قطاع غزة، وبسبب الحرب تقلص نصيب الفرد في القطاع من المياه الصالحة للشرب من 80 لترًا إلى ثلاث لترات فقط، كما أغلقت كل محطات معالجة مياه الصرف الصحي، مع نقص الغذاء والدواء والوقود بما ينذر بكارثة إنسانية حقيقية، وأن 45 % من المباني السكنية والمرافق التعليمية تم تدميرها بالكامل بسبب القصف، كما تم تدمير ما لا يقل عن 33 مدرسة تابعة للأونروا، وتم تدمير ما يزيد عن نحو 36 % من المناطق الزراعية، وتضرر نحو 1023 حقلًا زراعيًّا في غزة وحدها، كما تضررت شبكة الطرق بنحو 539 طريقًا. جريمة التهجير القسري: تتضمن غالبية دساتير العالم نصوصًا تحظر إبعاد أي مواطن عن وطنه، أو تمنعه من العودة إليه، كما تتضمن العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية بنودًا تحظر التهجير القسري. وتستند قواعد القانون الجنائي الدولي في عد التهجير القسري جريمة لا تسقط بالتقادم، إلى قواعد منها: - إن حظر التهجير القسري قد أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتعارضه مع حق الإنسان في التنقل. - تضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي وافقت عليها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 النص على حماية حق الإنسان في التنقل، وعدم جواز تهجيره قسريا. - طبقًا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة فإن التهجير القسري يقع بنقل وإبعاد المدنيين من المنطقة التي يوجدون فيها بالطرد، أو بأي فعل قسري آخر بدون مبررات يسمح بها القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية، متى ارتكب بطريقة متتابعة ومنظمة أو على نحو واسع النطاق ضد أي مجموعة من السكان المدنيين. - تحظر اتفاقية جينيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب التهجير القسري، حيث نصت على أنه يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أو إلى أي أراضي أخرى في أي دول أخرى محتلة أو غير محتلة أيًّا كان دواعيه. - يضمن كل من البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جينيف الأربع عام 1949، النص على أن الاتفاقيات تشمل السكان المدنيين بالحماية في النزاعات المسلحة. وتضم الأطر القانونية والاتفاقيات الدولية لحماية المدنيين والمؤسسات الطبية ومقدمي الخدمات الصحية: - اتفاقية جينيف الرابعة عام 1949 المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب لا سيما المواد 1، 18،19، 146، 147، 148. - القانون الدولي الإنساني. - القانون الدولي لحقوق الإنسان. - نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17 يوليو 1998، لا سيما أركان جريمة الحرب وأركان الجرائم ضد الإنسانية. - اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة في 15 ديسمبر 1948. - القانون الدولي العرفي المتعلق بحماية الجرحى والمرضى في المجال الطبي ومجال تقديم المساعدات الإنسانية. - قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة التي تتعلق بحماية المدنيين. - قرار مجلس الأمن رقم 2268 لعام 2016، والذي ينص على ضرورة احترام العاملين في المجال الطبي وحماية المؤسسات الصحية والعاملين بها، وعدم توجيه هجمات ضد المستشفيات والمرافق الصحية. - القانون الدولي الإنساني الخاص بحظر النقل القسري والترحيل الجماعي. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (12) إسرائيل: استعمار وعنصرية وبطش وإبادة كتبه/ علاء بكر فقد تأثرت الحركة الصهيونية الحديثة عند نشأتها بما ساد أوروبا في ظل النهضة الأوروبية الحديثة من تبني الفكر القومي والأخذ بالنزعة الاستعمارية، والفكر القومي يقوم -كما هو معلوم- على الشعور والاعتزاز بالانتماء إلى قوم أو عرق أو جنس مع التعصب لذلك الانتماء، بينما تقوم النزعة الاستعمارية -كما هو معلوم- على الاستيلاء على ممتلكات الغير من أرض أو ثروات سواء بشكل مباشر باستخدام القوة العسكرية المباشرة أو بشكل غير مباشر ببسط السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية على الغير فيصبح خاضعًا له منقادًا إليه حتى بدون احتلال عسكري. وقد قامت الدولة الأوروبية الحديثة بعد الثورة الفرنسية عام 1789 على توجهات ثلاثة: العلمانية والقومية والديموقراطية كلها مجتمعة معًا. وقد مارست الدول الأوروبية القوية منها السياسة الاستعمارية المباشرة ضد الشعوب الضعيفة، وتوسعت في ذلك؛ خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين، وأصبح لها مستعمرات تخضع لها مباشرة في قارات العالم المختلفة إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وقد تأثر قادة الحركة الصهيونية الحديثة بداية من (تيودور هرتزل) مؤسس الحركة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ومَن قاد الحركة مِن بعده على ما ساد دول أوروبا الغربية في تلك الفترة من النزعة القومية والنزعة الاستعمارية من خلال العمل على إقامة دولة قومية لليهود تستعمر أرضا تقيم عليها دولتها. وقد عمل قادة الحركة الصهيونية بقوة على إغراء الدول الأوروبية بتأييد فكرة إقامة دولة يهودية على النهج الأوروبي الحديث في فلسطين، فتكون هذه الدولة الناشئة ملاذًا يأوي إليه يهود العالم؛ خاصة يهود أوروبا، فتنتهي بذلك مشكلة اليهود في أوروبا وتكرر اضطهادهم فيها، على أن تكون هذه الدولة بنهجها الغربي وخلفيتها الاستعمارية رأس حربة للغرب في مواجهة شعوب المنطقة العربية، وهو ما أشار هرتزل في كتابه (الدولة اليهودية) في قوله: (بالنسبة لأوروبا سنقيم هناك - أي: في فلسطين- جزءًا من السور المضاد لآسيا، وسنكون -أي: اليهود الذين سينتقلون إلى فلسطين ويتخذونها وطنًا- حراس الحضارة المتقدمي الموقع ضد البربر) يعني بالبربر الشعوب العربية حول فلسطين التي هي في نظر الغرب متخلفة عن الحضارة الأوروبية. وبعد وفاة هرتزل نجح (حاييم وايزمان) الذي خلف هرتزل في زعامة الحركة الصهيونية في الحصول من بريطانيا على وعد من وزير خارجيتها بلفور في عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ومن هذا الفكر والمنطلق تبنت إنجلترا والتي كانت وقتها دولة استعمارية عظمى فكرة إقامة وطن لليهود على حساب شعب فلسطين بموافقة ومباركة ضمنية من دول أوروبا الغربية من خلال عصبة الأمم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد الحرب العالمية الثانية وأفول نجم إنجلترا تولت وريثتها الولايات المتحدة الأمريكية هذا التبني. وكما ارتبط الاستعمار الأوروبي بالنظرة العنصرية التي ترى علو الرجل الأوروبي الأبيض على غيره، وأنه هو الأحق بأن يتملك ويسود، فقد ارتبطت النظرة الاستعمارية الصهيونية بنظرة عنصرية مستمدة من ديانتهم التي حرفوها، والتي ترى أن اليهود دون غيرهم من الشعوب والأجناس هم شعب الله المختار الذي يجب أن يسود العالم كله ويحكمه بما فيهم الفلسطينيين والعرب. يقول المفكر روجيه جارودي: (والديمقراطية الإسرائيلية يشوبها تمييز عنصري أساسي كما هو الحال في كل المستعمرات، حيث يتمتع الرجل الأبيض وحده بالحكم. ويمكن مقارنة هذه الديمقراطية الإسرائيلية العجيبة بالديمقراطية الأمريكية التي نادت في تصريح الاستقلال بالمساواة بين الناس جميعًا، ثم أبقت الرق طيلة قرن من الزمان بأكمله بالنسبة للسود، وأطلقت عليهم تأدبًا منها اسم المؤسسة الخاصة، كما سمحت بمطاردة الهنود الحمر فكانوا يذبحون ويطردون من أراضيهم. فإسرائيل إذًا دولة ديمقراطية إلا بالنسبة لزنوجها ولهنودها التي تطلق عليهم القوانين الأساسية في إسرائيل تأدبًا منها السكان غير اليهود) (ملف إسرائيل، ص 112، 113). وسياسة التفرقة العنصرية المنبثقة عن النظرة العنصرية تهدف وترمي إلى إقامة دول يفصل داخلها بين الأجناس والأعراق الموجودة فيها، فيتم تخصيص جنس أو عرق بكل الامتيازات العالية، ويحرم منها من سواهم في نفس الوطن، كما كان الفصل العنصري بين البيض والسود الذي كان سائدًا في المستعمرات الأوروبية في إفريقيا، وأشهرها ما كان في دولة جنوب إفريقيا قبل تخلصها من هذه التفرقة العنصرية. وللتمييز العنصري صور، منها: - التحيز العنصري: أي: التحيز إلى جنس ضد جنس آخر أو أجناس آخرين. - الاضطهاد العنصري: يجمع بين التحيز لجنس واضطهاد الجنس الآخر. - الفصل العنصري: الذي يجمع إلى جانب التحيز لجنس والاضطهاد لآخر فصل الجنس الآخر المضطهد وعزله عن الجنس الآخر اجتماعيًّا. وهذا الفصل العنصري هو ما مارسته الصهيونية وتمارسه بقوة ضد الفلسطينيين منذ قيام دولة إسرائيل، ومن مظاهر هذا الاضطهاد والفصل العنصري الذي مارسته وتمارسه إسرائيل منذ قيامها ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين: - إصدار قانون في يوليو 1950 يعطي أي يهودي في العالم الحق ما أسموه بحق العودة (أي: الهجرة) إلى إسرائيل (أي: إلى فلسطين المحتلة)، مع تيسير حصوله على الجنسية الإسرائيلية بمجرد وصوله لأرض فلسطين. هذا بينما ترفض إسرائيل وبشكل قاطع منح حق العودة لأي لاجئ فلسطيني إلى أرض فلسطين، بل ولا تعطي إسرائيل هذه الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين من المولودين أو المقيمين في فلسطين لمنع حصولهم على حق المواطنة، ولا تمنح الجنسية لأي فلسطيني إلا بشروط صعبة وبموافقة شخصية من وزير داخلية إسرائيل لذا نجد كثيرًا من الفلسطينيين الذين يعيشون على أرض فلسطين يعاملون فيها كأجانب بلا جنسية. - إخضاع كافة الفلسطينيين للحكم العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مع منح الحكام العسكريين الإسرائيليين صلاحيات كبيرة تمكنهم من اضطهاد الفلسطينيين، من خلال فرض القيود على التحرك والانتقال والعمل والتضييق على سبل العيش وذلك لحمل الفلسطينيين؛ حملًا على ترك ديارهم وهجرتها، مع تقسيم وتجزئة المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحصار هذه التقسيمات والأجزاء والتحكم في مداخلها ومعابرها وبالتالي عزل الفلسطينيين فيها. - القيام بعمليات طرد جماعي للفلسطينيين من أراضيهم وقراهم لبناء المستوطنات اليهودية عليها مع انتزاع ومصادرة مساحات من الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها بدعاوى وتبريرات واهية. - حرمان الشعب الفلسطيني من حق التعبير عن نفسه من خلال النقابات أو الجمعيات والتنظيمات، وقصر السبيل على ممارسة ذلك من خلال الأحزاب الإسرائيلية فقط. - إقامة حاجز الفصل العنصري بين الضفة الغربية وإسرائيل. وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1975 على قرار بإدانة الصهيونية واعتبارها شكلًا من أشكال التمييز العنصري، لكنها تراجعت وألغت قرارها بضغط الولايات المتحدة، مع أن الواقع يشهد وبصورة صارخة كم أن الحركة الصهيونية حركة عنصرية متعصبة. وكانت الجمعية العامة قد أدانت من قبل في ديسمبر 1973 التعاون والتحالف الآثم بين الصهيونية والنظام العنصري القائم وقتها في جنوب إفريقيا. وبسبب هذه النزعة الاستعمارية لدى الحركة الصهيونية فإن إسرائيل ترفض منذ نشأتها وحتى الآن أن تكون لها حدودًا واضحة ثابتة، فهي دولة استعمارية لكل اليهود تتمدد على حساب من بجوارها من الدول العربية كلما أمكنها ذلك، ولتبرير ذلك روجت إسرائيل كعادتها شعارًا زعمت كعادتها في الكذب والترويج لهذا الكذب أنه مستمد من تاريخها وباسم الدين (من الفرات إلى النيل أرضك الموعودة يا إسرائيل). ولا يخفى -ولعل الأمر ازداد وضوحًا على وضوح بعد عملية طوفان الأقصى- أن إنشاء دولة إسرائيل هو نتيجة التقاء في المصالح بين الدول الغربية الاستعمارية -وفي مقدمتها إنجلترا قديمًا والولايات المتحدة حديثًا- وبين الحركة الصهيونية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى: - حيث رأت إنجلترا متزعمة الاستعمار الأوروبي وقتها أن قيام دولة لليهود في قلب الأمة العربية تدين لها بالولاء يعني إدخال المنطقة العربية في صراعات تستنزف طاقاتها ومواردها وتضعفها، وتمنع توحدها بعد أن تم تقسيمها عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وزوال الدولة العثمانية. - بينما لعبت الصهيونية العالمية دورًا مزدوجًا بأن تكون ربيبتها إسرائيل رأس حربة للغرب، وفي نفس الوقت هي دولة قومية استعمارية عنصرية لليهود. وزيادة على تلك النظرة القومية العنصرية الاستعمارية فإن لليهود وضعًا آخر يتمثل في أنهم يحملون ديانة محرفة تقوم على تمجيد اليهود دون غيرهم، وزعم أنهم شعب الله المختار الذي يجب أن يعلو وأن يسود، وأن غيرهم من الشعوب جميعها إنما هم أقل شأنا من اليهود بكثير، فهم يجب أن يكونوا خدمًا وعبيدًا لأسيادهم من اليهود بأمر من الرب بزعمهم؛ لذا فهم إن تمكنوا من رقاب العباد قاموا باضطهادهم غاية الاضطهاد، فلا يتورعوا عن استباحة أعراضهم وأموالهم ودمائهم باسم الرب بزعمهم، وما أوردوه في كتبهم المقدسة المحرفة وفي أقوال حاخاماتهم وتصريحات قادتهم وأفعالهم ما يؤكد ذلك غاية التأكيد، وكذلك يؤكده تاريخهم الأسود عبر العصور؛ إذ لم يعرف التاريخ من هم أقسى قلوبا من اليهود، وقد حدثنا القرآن عن تلك القسوة التي التصقت بهم منذ القدم، قال -تعالى- في شأن اليهود: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74). واليهود يزعمون في ذلك أن الرب هو الذي أمرهم به، بل وأوجبه عليهم، فهو الذي أمرهم -ويأمرهم- منذ وجدوا بإبادة سائر الشعوب التي تقف أمامهم، فتكون لهم بعد تلك الإبادة أرضًا بلا سكان يقيمون فيها وطنًا قوميًّا لليهود بلا منازعة من السكان الأصليين، فمن ذلك: - ما جاء في التوراة التي بين أيديهم من قول الرب لهم: (متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها، وطرد شعوبًا كثيرة من أمامك الحيثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبعة شعوب أكثر وأعظم منك ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم، فإنك تحرمهم -أي: تقتلهم- لا تقطع لهم عهدًا ولا تشفق عليهم) (سفر التثنية: الإصحاح 7: (1 - 3) - انظر: الكتاب المقدس: العهد القديم والعهد الجديد، ط. دار الكتاب المقدس - القاهرة، ص 290). - وتتم الحرب مع تلك الشعوب على النحو التالي: (حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا (أي: فلسطين). وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما، بل تحرمها (أي: تقتلها) تحريمًا: الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك) (سفر التثنية: الإصحاح 20: 10 - 18)- انظر المصدر السابق، 311). - ما جاء في إبادة شعب سيحون ملك حبشون بناء على أوامر من الرب: (فدفعه الرب إلهنا أمامنا فضربناه وبنيه وجميع قومه وأخذنا كل مدنه في ذلك الوقت، وحرمنا من كل مدينة الرجال والنساء والأطفال لم نبقِ شاردًا، لكن البهائم نهبناها لأنفسنا وغنيمة المدن التي أخذنا). - ما جاء في إبادة شعب عوج (بضم العين) ملك باشان: (فدفع الرب إلهنا إلى أيدينا عوج أيضًا ملك باشان وجميع قومه، فضربناه حتى لم يبق له شارد، وأخذنا كل مدنه في ذلك الوقت، لم تكن قرية لن نأخذها منهم، ستون مدينة...)، (كل هذه كانت مدنا محصنة بأسوار شامخة وأبواب ومزالج سوى قرى الصحراء الكثيرة جدًّا، فحرمناها كما فعلنا بسيحون ملك حبشون محرمين كل مدينة الرجال والنساء والأطفال) (سفر التثنية: الإصحاح 3:3 - 7) - انظر المصدر السابق، ص 282). - ما جاء في التمادي في عمليات الإبادة والإفناء: (فقال الرب ليشوع مد المزراق الذي بيدك نحو (عاي) لأني بيدك أدفعها فمد يشوع المزراق الذي بيده نحو المدينة وضربوهم حتى لم يبقَ منهم شارد ولا منفلت. وأما ملك عاي فأمسكوه حيًّا وتقدموا به إلى يشوع، وكان لما انتهى إسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل في البرية حيث لحقوهم وسقطوا جميعًا بحد السيف حتى فنوا، أن جميع إسرائيل رجع إلى عاي وضربوها بحد السيف. فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء اثني عشر ألفًا جميع أهل عاي. ويشوع لم يرد يده التي مدها بالمزراق حتى حرم جميع سكان عاي، لكن البهائم وغنيمة تلك المدينة تهبها إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي أمر به يشوع). - ما جاء في الفتك بأهل مديان من شعب فلسطين وإبادتهم ونهبهم دون سابق إنذار: (وكلم الرب موسى قائلًا: انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين ثم تضم إلى قومك....)، (.... فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر، وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم...)، (... وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار، وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم) (سفر العدد: الإصحاح 31: 1 - 12). - ولما أبقى قادة الجيش على حياة النساء والأطفال من شعب فلسطين وسبوهم أمر موسى بأن يطهر جنوده بعد ذبح النساء الأطفال: (وقال لهم موسى هل أبقيتم كل أنثى حية... فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلًا بمضاجعة ذكر اقتلوها). - ومن بعد موسى تسلم الراية يوشع بن نون فاستهل يوشع أعماله بأريحة المنكوبة: (وحرموا (أي: قتلوا) كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف...)، (وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها. إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب) (يشوع: الإصحاح 6:21 - 25). - ولما طلب داود ابنة شاؤل زوجة له طلب شاؤل من داود أن يقطع له مائة غلفة (بضم الغين وسكون اللام وفتح الفاء) من أعضاء الذكور من الفلسطينيين ويقدمها مهرًا لابنته ميكال، (فقال شاؤل هكذا تقولون لداود ليست مسرة الملك بالمهر، بل بمائة غلفة من الفلسطينيين للانتقام من أعداء الملك....)، (ولم تكمل الأيام حتى قام داود وذهب هو ورجاله وقتل من الفلسطينيين مائتي رجل وأتى داود بغلفهم فأكملوها للملك لمصاهرة الملك. فأعطاه شاؤل ميكال (بكسر الميم وفتح الكاف) ابنته امرأة...) (صموئيل الأول: الإصحاح 18: 25 - 29). من صور الإبادة الكاملة التي قام بها اليهود كما جاء في التوراة التي يروونها: إبادة أهل لينة، وإبادة أهل أريحا، وإبادة أهل لخيش، وإبادة أهل عجلون، وإبادة أهل فيرون، وإبادة أهل دبير، وإبادة أهل حاصور، وإبادة ملوك مادون، وإبادة ملوك شامرون، وإبادة ملوك أكشاف، وإبادة بني بنيامين، وإبادة يابيش جلعاد، وإبادة مدينة الكهنة، وإبادة بني عامون (راجع في ذلك : دماء على صفحات التوراة والتلمود: 79 - 89). فهذه حروب بني إسرائيل كما في كتبهم التي يقدسونها؛ ليست حروبًا بغرض إقامة شرع الله تعالى في الأرض وإزالة الأنظمة التي تحول دون ذلك كما هو الجهاد في الإسلام، بل هي لإعلاء جنس بني إسرائيل على غيرهم، فبنو إسرائيل شعب الله المختار ومن عداهم أحط منهم، وليس الأمر أن أكرمكم عند الله -تعالى- أتقاكم، وهم في قتالهم هذا لا يتورعون عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، بل يستهدفونهم، والإسلام يمنع قتلهم في الحروب، ويمنع كذلك قتل غير المحاربين من الرهبان والعباد في الصوامع والأديرة، واليهود يستهدفون -كما رأينا ونرى- المساجد والمستشفيات والمدارس بلا تحفظ. وقد انعكست هذه التوجهات مجتمعة الاستعمارية والعنصرية والقومية اليهودية على الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية والتعليمية في إسرائيل، حيث نشأت في إسرائيل أجيال يهودية تربت على الكراهية الشديدة للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة، وعلى اختلاق التبريرات والدوافع لكل ما ارتكبته -وترتكبه- آلة الحرب الإسرائيلية عبر عقود طويلة من جرائم وفظائع ومجازر بدم بارد ضد الفلسطينيين وجيرانهم من العرب. فمناهج التعليم في إسرائيل تمتلئ بتشويه للحقائق وتبني للأكاذيب وللأساطير الصهيونية لزرع ونشر الحقد والكراهية والتحريض المستمر ضد الأبرياء من الفلسطينيين، بل والعرب أجمعين، وبصورة لا يعرف لها مثيل، وهي التي تترجم عمليًّا في مظاهر القسوة المفرطة التي تمارسها قوات الاحتلال والمستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين؛ هذا من جهة ومن جهة فهي تعلي بصورة مبالغ فيها من شأن الجنس اليهودي وأنه شعب الله المختار. وقد قامت الدكتورة (صفا عبد العال) في كتابها: (تربية عنصرية في المناهج الإسرائيلية) بترجمة وتحليل مضمون 16 كتابًا في الدراسات الاجتماعية (التاريخ والجغرافيا) مقررة على التلاميذ الإسرائيليين من الصف الثالث وحتى الصف السادس الابتدائي، فوجدتها مليئة بصورة مشوهة للعربي، ومنها وصفه بالصفات الوضيعة: فهو اللص السفاح القذر وأنه كالأفعى. وفي تكريس النظرة الدونية للعرب تصور كتب التعليم العبرية العربي على أنه بدوي متخلف جاهل غير قادر على استغلال أرضه وموارده، وأنه بطبيعته عدواني؛ وعليه فإن احتلال بعض الأقطار العربية يجلب لها النعمة لا النقمة! وفي المقابل: تربط مناهج التعليم في إسرائيل الطلاب الإسرائيليين بأرض فلسطين؛ بدعوى أن لليهود الحق المطلق في أرض فلسطين، مع إنكار أي حق للفلسطينيين فيها! كما أنها تكرس لتفوق جنس اليهود حضاريًّا وعرقيًّا على غيرهم، وتحقر من شأن الجنس العربي عامة، وذلك لغرس النظرة الاستعلائية اليهودية من جهة، ولتبرير فظائع جرائم اليهود واستيلائهم على الأراضي الفلسطينية وطرد وتشريد أهلها عبر العقود الطويلة الماضية. وتعمد المناهج التعليمية في إسرائيل إلى جانب زرع الكراهية والعداء للفلسطينيين والعرب زرع الخوف منهم في نفوس النشء؛ لذا فالنشء هناك يعيش في حالة تحفز مستمر يستحيل معها العيش مع الفلسطينيين والعرب، ويلازم الحذر الدائم منهم، فهم الخطر الأكبر والعدو القريب الذي يتطلع إلى القضاء على دولة إسرائيل وإبادة الجنس اليهودي، وبالتالي فلا بقاء للإسرائيليين إلا بإبادة الفلسطينيين أو إبعادهم وعدم السماح لهم مطلقًا بالعودة من جديد لأرض فلسطين، وهذا هو الهدف الذي تسعى إليه الصهيونية وتعمل من أجله، وتحقيق السلام عندهم لا سبيل له إلا بتسليم الفلسطينيين والعرب بالسيادة الإسرائيلية الكاملة على كامل فلسطين. فحصيلة ما زرعته المناهج العنصرية في نفوس الإسرائيليين جيلًا بعد جيل حالة دائمة من الخوف من المستقبل والقلق والتوتر من المستقبل مع العرب في الوقت الذي هم فيه يحتقرون العرب ويتعالون عليهم، فهم في نظرهم الأقل تحضرًا والأكثر تخلفًا وفقرًا، وهم عندهم إرهابيون قتلة مخربون (كتاب: "دماء على صفحات التلمود والتوراة" تأليف: عبد الحليم الجبيصي. طبعة المكتبة التوفيقية. القاهرة، من ص 79 إلى 89). |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (13) التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل كتبه/ علاء بكر فمن أوجه التشابه العديدة بين حرب السادس من أكتوبر 1973 (العاشر من رمضان 1373هـ) وطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 (22 ربيع الأول 1445هـ) الدور الكبير غير العادي الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في إنقاذ إسرائيل في تلك الكارثتين العظيمتين؛ ففي حرب أكتوبر عقب تخطي القوات المصرية لخط بارليف وإسقاطه في بدايات المعركة، ثم فشل الهجوم الإسرائيلي المضاد في الثامن من أكتوبر، وما ترتب على ذلك من فقد الجيش الإسرائيلي لجزء كبير من دباباته ومدرعاته وطائراته؛ سارعت الولايات المتحدة بتعويض إسرائيل عن كل خسائرها في الدبابات والمدرعات والطائرات، بل وإمدادها بأحدث الأسلحة الأخرى الموجودة في ترسانتها، عن طريق جسر جوي سريع لتصل إمداداتها إلى ساحة المعركة في سيناء مباشرة! إلى جانب تقديم كل خبراتها العسكرية ومعلوماتها الاستخبارية المتعلقة بتطورات المعركة الدائرة على كل القطاعات في سيناء أولًا بأول، وهو ما ساهم في بقاء إسرائيل رغم الهزيمة الفادحة التي تمت في أيام الحرب الأولى وكانت تنذر بسقوط الجبهة الجنوبية لإسرائيل بالكلية، بل ساهم ذلك في تكرار محاولات القوات الإسرائيلية لزحزحة القوات المصرية شرق القناة وإعادتها لغرب القناة، والتي أسفرت عن حدوث ثغرة الدفرسوار. وبعد أحداث الثغرة ومحاصرة عشرات الآلاف من القوات الإسرائيلية الموجودة غرب القناة والتخطيط لتصفية الثغرة ومَن فيها بالقوة العسكرية، سارع هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا وقتها بالتهديد بالتدخل العسكري الأمريكي المباشر لإنقاذ القوات الإسرائيلية غرب القناة، وانتهى الأمر بمفاوضات فض الاشتباك، وما تلاها من انسحاب القوات الإسرائيلية من غرب القناة. وفي أعقاب طوفان الأقصى الذي تسبب في صدمة كبيرة لإسرائيل ترتَّب عليها تأثر الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة تأثر السياحة، وارتفاع الهجرة إلى خارج إسرائيل، وتأثر القوة العاملة من جراء استدعاء مئات الألوف من قوات الاحتياط من أعمالهم المدنية، والدخول بهم في حرب برية طويلة مكلفة، وتأثَّر الإنتاج القومي بذلك؛ مما ترتب عليه انخفاض قوة العملة الإسرائيلية بشدة؛ فسارعت الولايات المتحدة إلى تقديم العون المادي والعسكري بسخاء لتعويض إسرائيل كل ما خسرته، ولزيادة قدرات إسرائيل على الاستمرار في عدوانها الغاشم على قطاع غزة، واستخدام أمريكا نفوذها في الأمم المتحدة أربع مرات لمنع صدور أي إدانة لإسرائيل في حرب إبادتها ضد الفلسطينيين، أو وقف تماديها في قتل وتشريد الفلسطينيين. وهنا يكمن السؤال: لماذا تتبنى الولايات المتحدة الحفاظ على وجود إسرائيل ودعمها عبر عقود؛ خاصة في حروبها وأزماتها؟ ولماذا تعتبر استمرار وجود إسرائيل وسلامتها واجبًا عليها؟ نحاول هنا بيان الجواب على ذلك: إسرائيل دولة وظيفية: دأبت سياسات بعض الدول أنها تخصص مجموعة بشرية من داخل المجتمع تسند إليها مهامًا أو وظائف أو أعمالًا، لا يمكن للدولة الاضطلاع بها في سياستها المعلنة؛ لكونها قد تكون في نظر المجتمع والدول الأخرى ككل والمجتمع الدولي وظائف ومهام مشينة، لا تحظى بالاحترام في سلم القيم والأخلاق السائدة، والمجتمع ككل يريد الحفاظ على قيمه ومثله، وقد يكون اللجوء إلى تلك المجموعة؛ لسد فجوة، أو تحقيق رغبة أو حاجة لا يمكن إشباعها والوفاء بها من خلال سياسات الدولة المعلنة؛ لكونها مشينة لها، وغالبًا ما تكون هذه الوظائف والمهام ذات حساسية خاصة أو يكون لها طابع أمني. وبالطبع يتوارث أعضاء هذه المجموعة الوظيفية خبراتهم في مجالهم الوظيفي ويتوحدون معها، وتكون لهم بذلك هويتهم ورؤيتهم الخاصة للأمور؛ يتعاملون ويعاملون بمقتضاها، ويتقبل المجتمع هذه المجموعة الوظيفية من خلال وظيفتهم تلك، ورؤيتهم ذات البعد الواحد المجرد بعيدًا عن الأبعاد الأخرى الأخلاقية أو الإنسانية أو المثالية. وبالتالي تكون علاقة المجتمع بتلك المجموعة علاقة نفعية تقوم على الحياد والوقوف على مسافة منها، بينما تكون العلاقة قريبة وقوية بين النخبة الحاكمة وتلك المجموعة؛ لذا فهي تدعمها بما يضمن لها الاستمرارية والبقاء والتفوق، وفي المقابل: فإن هذه المجموعة يكون ولاؤها التام دائمًا لهذه النخبة الحاكمة، وهي وسيلة وأداة لتلك النخبة لخدمة مصالحها بوسائلها التي قد تكون وسائل مشينة لا يمكن أن تمارسها الدولة في سياساتها المعلنة أمام الجميع. وبالتالي يعد تحقيق المنفعة والمصلحة بوجود تلك المجموعة مبررًا كافيًا لوجودها ودعمها لاستمرار دورها، والعضو في هذه المجموعة يصير جزءًا منها يحمل هويتها ورؤيتها، وهو في نفس الوقت أداة من أدوات النخبة الحاكمة لتحقيق أهداف تراها تلك النخبة دون أن تتورط فيها بصورة معلنة. وعلى هذا النحو تعمل الدول الاستعمارية على المستوى العالمي، فتوظف فئة في دولة ما، أو توظف دولة في منطقة ما، تقوم بإيجادها ودعمها وتضمن لها البقاء والقوة لتحقيق مصالح متبادلة لا تحدث إلا من خلال وسائل لا أخلاقية أو مشينة ليس من مصلحة تلك الدولة ممارستها بصورة معلنة وصريحة، فيتم ممارستها وتحقيقها عن طريق فئة أو دولة عميلة. ومن ذلك: استغلال الدول الاستعمارية وجود الأقليات في بعض الدول لتحويلها إلى مجموعة وظيفية تدين لها بالولاء وتحقق لها مصالحها، وتضمن هي لها البقاء والقوة، تثير المشاكل وتحدث الانشقاقات، وتضعف من شأن الدولة التي تعيش فيها. قال دكتور عبد الوهاب المسيري: "ويحاول الاستعمار دائمًا أن يحول أعضاء الأقليات إلى جماعات وظيفية يسندها إليها، وتتمتع بمزايا تقدمها لها حتى تدين له بالولاء" (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية - د. عبد الوهاب المسيري - دار الشروق - ط. الخامسة 2009 - المجلد الأول، ص 28). وتعد دولة إسرائيل المقامة على أرض فلسطين العربية مثالًا واضحًا للدولة الوظيفية التي أوجدها ودعمها ويدعمها الاستعمار بقوة؛ سواء الاستعمار في ثوبه القديم (إنجلترا) أو في ثوبه الجديد (الولايات المتحدة). قال د. عبد الوهاب المسيري عن الدولة الوظيفية: "يرتبط بمفهوم الجماعة الوظيفية مفهوم الدولة الوظيفية، والدولة الوظيفية هي الدولة التي تؤسس أو يعاد صياغة توجهها أو توجه نخبتها الحاكمة لتضطلع بوظيفة معينة، ويصبح جوهرها هو هذه الوظيفة؛ فالدولة الوظيفية هي الدولة التي تشكل إعادة إنتاج لدور الجماعة الوظيفية في العصر الحديث" (المصدر السابق). ثم يضيف د. عبد الوهاب المسيري إلى كلامه تعريفه للدولة الصهيونية الوظيفية -يعني إسرائيل- بقوله: "الدولة الصهيونية الوظيفية دولة تتسم بكل سمات الجماعة الوظيفية، فهي تدخل في علاقات تعاقدية مع الغرب (خدمة المصالح الغربية نظير أن يقوم الغرب بحمايتها)، وهي دولة (جيتو / قلعة منعزلة) عن محيطها الحضاري ذات رؤية حلولية كمونية، فهي تتصور أنها منفصلة عن الزمان والمكان، ولديها إحساس عميق بتفوقها ورسالتها المقدسة، تتبنى أخلاقيات مزدوجة في علاقاتها مع الذات، ومع الآخر" (المصدر السابق). عجز الدولة الوظيفية: تحتاج الدولة الوظيفية إلى راعٍ يحميها، ويكفل لها أمنها ومستواها المعيشي نظير أن تقوم هي على خدمته ورعاية مصالحه ضد أعدائه. قال د. عبد الوهاب المسيري: "وظلت إنجلترا الراعية الأساسية الشاملة للجيب الصهيوني، توظف الدولة الوظيفية لحسابها ولحساب الحضارة الغربية، وحينما بدأت الولايات المتحدة قيادة التشكيل الاستعماري الغربي تراجع الدور الإنجليزي، وأصبحت الولايات المتحدة راعية الجيب الوظيفي الإسرائيلي ومظلته الواقية"، و"تقوم الدولة الراعية بدعم الدولة الوظيفية حتى يمكنها الاستمرار في وظيفتها بكفاءة"، "وقد تزايد الدعم الأمريكي لإسرائيل إلى أن أصبحت الدولة الوظيفية معتمدة تمامًا عليها"، "وقد أصبح حجم هذه المساعدات من الضخامة بحيث تتضاءل بجواره المساعدات التي يرسلها يهود العالم" (المصدر السابق - المجلد الثاني، ص 384، 385 بتصرفٍ). ويضيف: "ورغم هذا الاعتماد الكلي على الدولة الراعية تتمتع الدولة الوظيفية الصهيونية بقدر من الاستقلال النسبي، وقد يبدو هذا لأول وهلة وكأنه تناقض، ولكن التناقض سيختفي تمامًا إن تذكرنا أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لا يشكل جزءًا عضويًّا من الاستعمار الغربي، وإنما هو مجرد آلة في يد الغرب"، "وقد قام الصهاينة بطرد الفلسطينيين فعلًا وأنشأوا دولتهم الصهيونية المستقلة، ولكن التطورات التاريخية أظهرت أن الجيب الصهيوني يعتمد على قوة غربية عظمى اعتمادًا كاملًا، ولكنه في الوقت نفسه يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال؛ مثل هذا الوضع الشاذ يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل خاصة بالصهيونية وحدها، فالمستوطنون الصهاينة لم ينشئوا في دولة أوروبية واحدة يدينون لها وحدها بالولاء، وتقدم هي لهم بدورها الحماية والمأوى في حالة تصفية الجيب الاستيطاني"، "فالعلاقة بين المستوطنين الصهاينة والدولة الغربية التي ترعاهم تستند إلى المصلحة المشتركة، فهي علاقة تعاقدية نفعية، وليست نتاج روابط حضارية عميقة أو عضوية؛ ولذا فإن الجيب الصهيوني لا يتمتع بالحماية الدائمة من جانب دولة واحدة، وإنما يتمتع بالحماية المؤقتة من جانب عدد من الدول (الواحدة تلو الأخرى)؛ ولعل هذا يفسر سبب انتقال القيادة الصهيونية من مركز جذب إلى آخر، ولكن بسبب هذا الوضع نفسه حقق الجيب الاستيطاني قدرًا كبيرًا من الاستقلال" (المصدر السابق، ص 385 بتصرفٍ). "هذا الإيقاع المركب من الجذب والتنافر، من الحكم الذاتي والاعتماد المذل، ومن التحالف مع الدولة الحامية والصراع معها، هو الذي ميَّز العلاقات الصهيونية الغربية منذ البداية. وقد حاول كل جانب أن يستغل الآخر، وأن يحدد منطقة المصالح المشتركة بطريقة تخدم مصالحه هو أساسًا، فالصهاينة لم يتمكنوا من اكتساب موطئ قدم في الأرض الفلسطينية إلا من خلال وعد بلفور والانتداب البريطاني"، "ولم يشدد المستوطنون الصهاينة قبضتهم على الأرض ولم يتزايد عددهم إلا بعد تعاونهم الكامل مع حكومة الانتداب، وهو الأمر الذي أدى في نهاية الأمر إلى الانتصار الصهيوني عام 1948؛ أي: أن الراعي الإمبريالي لعب دوره كاملًا تجاه الجماعة الوظيفية الاستيطانية حتى تحولت إلى دولة وظيفية استيطانية" (المصدر السابق، ص 385 -386). "ويعقد الموقف تمتع يهود العالم بدرجة من الاستقلال النسبي، وإن كانوا يشكلون في الوقت نفسه جزءًا من كيان أكبر يخضعون لقوانينه وتوجيهاته؛ فالأمريكيون اليهود يمدون إسرائيل بالمساعدات المالية والسياسية بحماس شديد، ولكن مثل هذه المساندة ستستمر ما دامت هناك مصالح مشتركة أساسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويلعب الصهاينة التوطينيون دورًا مزدوجًا، فهم يقومون بالضغط على الولايات المتحدة لتحصل إسرائيل على درجة من الحرية والاستقلال أكثر من أي دولة أخرى تابعة، ولكنَّ هؤلاء التوطنيين كثيرًا ما يجدون أنفسهم مضطرين في مرحلة ما (وهنا تكمن سخرية الموقف) إلى أن يمارسوا الضغط على إسرائيل عندما تقرر الولايات المتحدة أنه ينبغي على إسرائيل أن تغير سياستها بطريقة تتماشى مع المصالح الدولة الأمريكية. إن تاريخ الصهيونية مليء بالتوترات؛ ليس بين الصهيونية ويهود العالم فحسب، ولكن بين الصهيونية الاستيطانية والصهيونية التوطينية كذلك. ومهما يكن الأمر فإن علاقة الشد والجذب تبين مدى تعاقدية العلاقة ونفعيتها" (المصدر السابق، ص 386). مختصر تاريخ التحالف الأمريكي الإسرائيلي: قال د. المسيري: "لا شك أن القوى الاستعمارية هي التي تبنت المشروع الصهيوني، وتكفلت برعايته ووفرت له كل أسباب النجاح. وحتى الحرب العالمية الثانية كانت أوروبا هي القاعدة المركزية للنشاط الصهيوني، وكانت بريطانيا الدولة العظمى التي تقود عملية إنشاء الدولة الصهيونية في فلسطين؛ أما بعد التحولات التي أخذت تتبلور مع الحرب العالمية الثانية فإن النشاط الصهيوني سارع في الانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية مركز القوة الجديد في الغرب، فكانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل بعد دقائق من إعلان قيامها في 15 مايو 1948. وقد أيدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة موقف إسرائيل من الصراع العربي الإسرائيلي باستثناء العدوان الثلاثي سنة 1956، ولكن الدعم العسكري والاقتصادي ظل متواضعًا حتى منتصف الستينيات، حيث كانت إسرائيل تعتمد على التعويضات الألمانية من الناحية الاقتصادية وعلى السلاح الفرنسي من الناحية العسكرية، وبدأ التبدل النوعي في العلاقة بين الطرفين مع تولي (لندن جونسون) رئاسة الولايات المتحدة في وقت أصبح من الواضح فيه أنها وريثة الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة وزعيمة العالم الغربي في عالم ما بعد الاستعمار. وبذلك انطوت حقبة كاملة من السياسة التي تميزت بالتوازن النسبي أحيانًا أو الانحياز المحدود المقتصر على مؤسسة الرئاسة كما في ولاية (ترومان). وبدأت حقبة مختلفة مع جونسون اتسمت بالانحياز الجارف إلى إسرائيل على جميع المستويات الرئاسية والحكومية وبخاصة بعد حرب 1967، حيث أصبحت الولايات المتحدة المورد الأساسي للسلاح لإسرائيل. وفي عهد (رونالد ريجان)، قطعت هذه العلاقة مسافة أخرى على طريق التنسيق الإستراتيجي المتكامل، حيث تم توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي لسنة 1981. وبعد أسابيع من توقيعها أعلنت إسرائيل ضم مرتفعات الجولان السورية، وبعد عام واحد على وجه التحديد في يونيو 1982 قامت إسرائيل باجتياح لبنان، ثم انضمت عام 1983 إلى مبادرة الدفاع الإستراتيجي الأمريكية، وتم توقيع اتفاقية إستراتيجية أخرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل حصلت بموجبها إسرائيل على مكاسب جديدة، وفتحت أمامها آفاق جديدة من التعاون والمساعدات الأمريكية، فقد تكفلت الولايات المتحدة في هذه الاتفاقية بأن تقوم وزارة الدفاع الأمريكية بشراء ما قيمته 200 مليون دولار سنويًّا من إسرائيل، كما سمحت للشركات الإسرائيلية بدخول المناقصات التي تجريها وزارة الدفاع الأمريكية من أجل الحصول على عقود صنع السلاح، كذلك حصلت إسرائيل على تعهد أمريكي بمدها بالمعلومات التي تحصل الولايات المتحدة عليها في الشرق الأوسط عن طريق الأقمار الصناعية. وفي عام 1985 وقعت الحكومتان اتفاقية تم بمقتضاها إلغاء التعريفة الجمركية بينهما؛ أي: قبل سبع سنوات من إبرامها اتفاقية مماثلة مع جارتيها كندا والمكسيك. واستمرت إدارة الرئيسين بوش وكلينتون في دعم إسرائيل"، "وفي يناير 1986 أعلن عن قيام حلف دفاعي بين إسرائيل والولايات المتحدة يستند إلى مجموعة متنوعة من الخدمات المميزة التي يمكن أن توفرها إسرائيل للولايات المتحدة باعتبارها رصيدًا إستراتيجيًّا. وهي تتمثل في: - الموقع الجغرافي: فإسرائيل قاعدة انطلاق مثالية للقوات الأمريكية إذا هددت مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي منطقة مهمة من الناحية الجيوبوليتيكية؛ بسبب ما يحويه من نفط ورؤوس أموال وأسواق. ومن المعروف أن نقل قوة لها شأنها إلى هذه المنطقة يستغرق عدة أشهر، أما مع وجود إسرائيل كحليف فإنه لا يحتاج إلى بضعة أيام. - البني التحتية والمواصلات والاتصالات: تستطيع القوات الأمريكية استخدام القواعد الجوية والبحرية والبرية الإسرائيلية، إما لهدف عسكري مباشر أو عمليات الإسناد أو كقواعد وسيطة. - البحث والتطوير والاستخبارات: يمكن أن تستفيد القوات الأمريكية من الخبرات الحية للتجربة العسكرية الإسرائيلية، ومن المعلومات التي جمعتها إسرائيل عن المنطقة. - القدرة الدفاعية: يمكن استخدام القدرات العسكرية الإسرائيلية لحماية قوة تدخل أمريكية في الشرق الأوسط؛ خصوصًا أن سلاح الجو الإسرائيلي يسيطر على المجال الجوي". "ويترتب على هذه العناصر تحقيق وحدة المصالح الإسرائيلية الأمريكية، وخصوصية علاقتهما وتفردها، باعتبار إسرائيل موقعًا أمريكيًّا متقدمًا في منطقة الشرق الوسط. وفكرة إسرائيل رصيد إستراتيجي للولايات المتحدة لا تنفصل عن الصراع العربي الإسرائيلي، فالخبرات والقدرات السابقة لم تكتسبها إسرائيل إلا بانغماسها في ذلك الصراع، كما أن تصاعد الصراع واحتدامه؛ أدَّى إلى زيادة الروابط العسكرية والإستراتيجية بين البلدين" (المصدر السابق، ص 380-381). الدعم الأمريكي هو الراعي لإسرائيل: تطورت المساعدات الأمريكية لإسرائيل وتصاعدت خلال السبعينيات والثمانينات، وقفزت خاصة بعد حرب 1967 قفزة كبيرة حتى بلغت 3 مليار دولار سنويًّا تقريبًا؛ طبقًا للإحصائيات الأمريكية الرسمية، منها: 1.8 مساعدات عسكرية، و1.2 مساعدات اقتصادية. وقد أخذت هذه المساعدات منذ الثمانينيات طابع المنح بدلًا من القروض، وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي ما حصلت عليه إسرائيل من معونة أمريكية حتى عام 1996 يبلغ 78 مليار دولار؛ منها ما يزيد عن 55 مليار دولار منحة لا ترد، بينما ترفع بعض التقديرات الأخرى مبلغ المعونة الفعلية إلى أعلى من هذا بكثير. ولا تكشف هذه الأرقام بطبيعة الحال عن حجم المساعدات غير الحكومية التي تتلقاها إسرائيل من أفراد ومؤسسات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أصبحت منذ منتصف السبعينيات ثاني أكبر مصدر لتدفق الأموال الخارجية على إسرائيل بعد الحكومة الأمريكية؛ ففي الولايات المتحدة توجد حوالي 200 مؤسسة تعمل في مجال جمع التبرعات لإسرائيل، وتشير بعض التقديرات إلى أن المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل من مصادر غير حكومية في الفترة من 1948 إلى 1986 قد بلغت 24.5 مليار دولار؛ منها: 6.5 مليار مساعدات أفراد، و11 مليار مساعدات من مؤسسات و7 مليارات قيمة سندات دولة إسرائيل. وقد قدمت كل تلك المساعدات لدولة عدد سكانها أقل من خمسة ملايين، وتقدر حصة الفرد الإسرائيلي من المساعدات الأمريكية ما بين 1600 إلى 2000 دولار سنويًّا دون حساب عوائد الدعم الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي والعسكري والسياسي (راجع المصدر السابق، ص 382، 383). والدولة الصهيونية تعد في حالة حرب دائمة تلتهم جزءًا كبيرًا من ميزانية الدفاع والأمن، وهو ما يشكل استنزافًا اقتصاديًّا دائمًا، كما أن عمليات بناء المستوطنات تتطلب أيضًا ميزانيات ضخمة؛ خاصة وأن بناء هذه المستوطنات لا يخضع بالضرورة لمقاييس الجدوى الاقتصادية الصارمة، وإنما يخضع لمتطلبات الاستيطان، وهو ما يسبب إرهاقًا ماليًّا كبيرًا. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (14) بين الصهيونية والنازية كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد أدَّى ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلية من جرائم حرب فظيعة وعقوبات جماعية، وما اقترفته من مذابح شنيعة، وما خلَّفته من مقابر جماعية، وما دأبت عليه لعدة شهور متتالية من أعمال إبادة جماعية للسكان في قطاع غزة في أعقاب عملية (طوفان الأقصى) - إلى إعادة ما كان يثار ويتداول حول علاقة وتعاون الحركة الصهيونية مع النظام النازي في ألمانيا، وتأثرها به خلال النصف الأول من القرن العشرين الميلادي. وإذا كان الشائع أن الحكم النازي في ألمانيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية قد ارتبط بمعاداة اليهود، وأن اضطهاد النازيين لليهود بلغ مداه من خلال إقامة معسكرات لاعتقال اليهود ثم قتل الآلاف منهم فيها، والذي نجحت وسائل الإعلام بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وبعد سقوط النازية فيها في تضخيم هذا العداء والمبالغة في تقدير ضحاياه من اليهود، في ظل صمت أو ترحيب من الحلفاء المنتصرين؛ شماتة في الحكم النازي المهزوم، في مبالغة طغت حتى أخفت وراءها حقيقة أخرى حرصت الصهيونية العالمية كل الحرص على إخفائها تمامًا، ومنع أي حديث عنها تتعلق بصور من المساعي للتعاون المشترك بين الحركة الصهيونية وقتها وبين النظام النازي في ألمانيا، وهو ما أثارته، بل وأثبتته العديد من الأرشيفات القضائية والمكاتبات الدبلوماسية في تلك الفترة، وهو ما سعى في إثباته البعض في مؤلفات تناولت وعالجت الجوانب المختلفة لتلك العلاقة المشبوهة بين الصهيونية والنازية، والتي كشفت وأظهرت خفايا مذهلة غابت عن الكثيرين. ومن تلك الأعمال والجهود المبذولة في هذا الأمر: - الدراسة التي أعدها (ليني برينر) بعنوان: (الصهيونية في عصر الديكتاتوريين)، وهي من منشورات (كوروين هيلم) - لندن - عام 1983. - الدراسة من إعداد (لوسي دافيدوفيتش) بعنوان: (الحرب على اليهود)، وهي من منشورات (بانجوين بوكز) عام 1977. - الدراسة التي أعدها (آري بوبير) بعنوان: (إسرائيل الأخرى)، وهي من منشورات (أنكر بوكز) - نيويورك - عام 1962. - الدراسة التي أعدها (بن هيكت) بعنوان: (الخيانة)، وهي من منشورات (جوليان نيسنر) - نيويورك - عام 1961. - كتاب (آنا ارينت) بعنوان (إيخمان في القدس)، وهو من منشورات (فايكنج برس) - نيويورك - عام 1955. هذا إلى جانب العديد من المؤلفات الأخرى. لماذا تتعاون الصهيونية مع النازية؟ لقد كان من دأب زعماء الحركة الصهيونية الحديثة -التي تبنت فكرة إنشاء دولة لليهود على أرض فلسطين- منذ نشأتها السعي للاستفادة من كل الأطراف على الساحة العالمية، بلا استثناء ومهما كان هذا الطرف، لتحقيق هدفها الأكبر، من باب أن الغاية تبرر الوسيلة؛ فمنذ مؤسسها (تيودور هرتزل) الذي اتصل بكل الأطراف على الساحة الدولية على ما بينها من اختلافات، بل وتناقضات لإقناع كل منها على حِدَة للتعاون معه لصالح حركته الصهيونية، مع إغراء هذا الطرف أو ذاك بتحقيق مصلحة له من وراء مساعدته في إيجاد أرض لليهود وإقامة دولة يهودية لهم فيها، فكانت محاولات هرتزل الدؤوبة مع: البريطانيين والروس والألمان والإيطاليين، بل ومع الدولة العثمانية. كان الهدف الأسمى وقتها هو: تهجير أكبر عدد ممكن من اليهود الأوروبيين عامة والألمان خاصة إلى أرض فلسطين. ومن جانب آخر: كانت النازية في ألمانيا -كغيرها في أوروبا- ممن تعادي اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية، فكان الاشتراك بين الصهيونية والنازية في هذه الغاية يفتح بابًا للتعاون بينهما لتحقيق هذا الهدف المشترك. كان هدف الحركة الصهيونية وهو دفع أكبر عدد يمكن دفعه من يهود أوروبا عامة وألمانيا خاصة لقبول الهجرة إلى أرض فلسطين والاستيطان فيها، وكان أكثر يهود أوروبا وقتها غير متقبلين لفكرة الحركة الصهيونية تلك في ظل اندماج الكثيرين منهم في المجتمعات الأوروبية، وكان هدف النازية هو التخلص من اليهود الألمان؛ لذا لم تهتم الحركة الصهيونية وهي تسعى لتحقيق حلمها إلا باليهود الفارين من أوروبا عامة وألمانيا خاصة، المتوجهين إلى فلسطين دون غيرهم، فلم تكن الحركة الصهيونية تكترث وقتها باليهود ممن لم تكن وجهتهم فلسطين؛ لذا لم تهتم الحركة الصهيونية وقتها كثيرا بإنقاذ اليهود المعتقلين أو المهددين منهم بالموت، بل بلغ الأمر بالتضحية بهؤلاء اليهود لتحقيق الحلم الأكبر. فلقد حاولت بعض الدول الأوروبية أكثر من مرة مساعدة اليهود الراغبين في الفرار من الاضطهاد النازي بنقلهم، ولكن لوجهات أخرى غير فلسطين، ولكن الحركة الصهيونية لم تقبل هذا النقل ليهود أوروبا إلى غير فلسطين. ومن أمثلة ذلك: - سعي الحركة الصهيونية إلى إفشال مؤتمر (أفيان) في فرنسا عام 1938، الذي حضره ممثلون عن كثير من الدول لإنقاذ اليهود من اضطهاد النازية بنقلهم إلى بلدان أخرى آمنة بالنسبة لهم. - رفض الحركة الصهيونية لعرض جمهورية الدومينيك وقتها باستقبال 100 ألف لاجئ يهودي. - رفض الحركة الصهيونية اقتراحًا بنقل 300 ألف يهودي، نصفهم إلى بريطانيا، والنصف الآخر إلى أمريكا، رغم موافقة البلدين على ذلك. - رفض الحركة الصهيونية نقل عشرات اليهود إلى النرويج بعد ما أقر البرلمان في النرويج قانونا يسمح باستقبالهم. لقد كان هدف الحركة الصهيونية واضحًا لا لبس فيه أنه لا سبيل لإنقاذ اليهود إلا من خلال الهجرة إلى فلسطين دون غيرها. وقد نقل عن (بن جوريون) قوله في تصريح له في عام 1938 أمام زعماء الصهيونية: "لو علمت أنه يمكن إنقاذ كل الأطفال اليهود الألمان بنقلهم إلى انجلترا أو إنقاذ نصفهم فقط بنقلهم إلى أرض إسرائيل (يعني أرض فلسطين) لفضلت الحل الثاني على الأول وأخذت به"؛ "إذ يتعين علينا أن نأخذ في اعتبارنا لا حياة هؤلاء الأطفال وحسب بل كذلك تاريخ شعب إسرائيل" (راجع في ذلك: تاريخ المسألة الفلسطينية، فيصل أبو خضرا، ص 135، 136، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري - ط. دار الشروق الخامسة، 1/ 201). ورغم معارضة الحركة الصهيونية تلك؛ فقد فر وهاجر الكثير من يهود أوروبا وقتها إلى دول غير فلسطين فتحت لهم أبوابها؛ منها: روسيا وأمريكا. - ومما تم الكشف عنه في هذا الشأن: رسالة تم الكشف عنها وُجِدت في أرشيف السفارة الألمانية في أنقرة في مطلع عام 1983 تشير إلى وجود قنوات للاتصال بين منظمة (شترن) الصهيونية الإرهابية وبين مسئولين من النازيين الألمان بهدف التنسيق بين الطرفين، وفي الرسالة عروض للتعاون واردة من (إسحاق شامير) أحد قادة منظمة شترن، وكان اسمه وقتها (إسحاق يرتشينسكي)، تتناول إمكانية التقاء المصالح بين إقامة نظام أوروبي جديد وفقًا للمفاهيم الألمانية النازية وبين تطلعات منظمته الإرهابية. قضية تفجير الباخرة (باتريا): غرقت تلك الباخرة (باتريا) وهي تحمل على متنها 252 يهوديًّا أنقذتهم بريطانيا من الألمان، وقد قبلوا جميعًا الانتقال بحرًا والهجرة إلى جزيرة (موريس) في المحيط الأطلنطي، وعند توقف الباخرة في طريقها في ميناء حيفا بفلسطين تعرضت لانفجار أغرقها وأودى بحياة كل من فيها، وارتفعت الأصوات اليهودية بزعم أن يهود الباخرة هم الذين فجروا الباخرة في انتحار جماعي احتجاجًا منهم على عدم السماح لهم بالنزول طبقًا لرغبتهم في فلسطين، واستغلت الصهيونية ذلك الزعم للضغط على الرأي العام الدولي لحمل بريطانيا على التراجع عن قرارها وقتها بتحديد وتقييد الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، وأيضًا حمل أمريكا على الضغط على بريطانيا في نفس الاتجاه، ثم إنه في عام 1950 -أي: بعد عقد من الزمان- اتضحت الحقيقة أن تفجير تلك السفينة كان بموجب قرار اتخذته المنظمة الإرهابية التي كان يرأسها وقتها (بن جوريون) لإعادة فتح باب الهجرة اليهودية لفلسطين بلا أي قيود (راجع: تاريخ المسألة الفلسطينية، ص 57). قال الأستاذ فيصل أبو خضرا تعليقًا على هذه الميكافيلية الصهيونية: "فمن يفعل ذلك هل يتردد أمام دير ياسين؟ وهل يتردد أمام كل ما جنته يداه في فلسطين وما حولها؟) (راجع المصدر السابق). - وأيضًا من أمثلة التعاون مع النازية على حساب اليهود أنفسهم لصالح هدف الصهيونية الأكبر ما كشف عنه المسئول النازي الكبير (إيخمان) أثناء محاكمته في إسرائيل في عام 1955، وذكرته (آنا ارنيت) في كتابها (إيخمان في القدس)، من أن (رودلف كاستنر) نائب رئيس المنظمة الصهيونية تعهد أثناء الحرب العالمية الثانية بنقل 476 ألف يهودي من معتقلات مختلفة إلى معتقل (أوشتز)، وهو معسكر اعتقال في بولونيا يعد رمزًا للقتل الجماعي الذي مارسته النازية الألمانية ضد اليهود والبولونيين، مقابل قيام (إيخمان) بإرسال 1684 يهوديًّا من النخبة اليهودية إلى فلسطين. قال الأستاذ فيصل أبو خضرا تعقيبًا على ذلك: "هذه هي الميكافيلية الصهيونية في أغرب صورها، فمن يفعل ذلك مع مئات وآلاف يهود لقاء مساهمة بسيطة في بناء الدولة اليهودية؛ فماذا تنتظر منه أن يفعل معنا نحن العرب؟!) (المصدر السابق، ص 56، 57). نشأة النازية: اسم النازية مأخوذ بنوع من الاختصار والتصرف لحركة عرقية شمولية تعني الاشتراكية الألمانية القومية. وهذه الحركة حركة سياسية وفكرية، قادها (أدولف هتلر) وهيمنت على مقاليد الحكم في ألمانيا وعلى المجتمع الألماني بأسره خلال فترة الثلاثينيات. ويعد حزب العمال الألمان هو النواة الأساسية للنازية في ألمانيا، وقد تأسس هذا الحزب في عام 1918 بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وإذلالها على يد الدول الغربية المنتصرة. ويقوم الحزب على عقيدة لها صبغة قومية قوية وطابع اشتراكي، يدعو إلى ملكية الدولة للأرض. وقد أعيد تنظيم الحزب عام 1920 وسمي باسم: (حزب العمال الألماني الاشتراكي القومي)، وترأسه هتلر الذي رأى فيه أعضاء الحزب القدرة على تقويض النظام السياسي القائم على وقف تقدم الشيوعيين، وقد تزايد نفوذ الحزب مع اتساع نطاق الكساد الاقتصادي عام 1929، وسرعان ما حل كتاب (كفاحي) لهتلر محل برنامج الحزب؛ مما أسفر عن تراجع الخطاب الاشتراكي ليحل محله الخطاب النازي الأكثر مادية وتبلورًا. وتقدم الحزب النازي بخطى واسعة في بداية الثلاثينيات، حتى بلغ عدد أعضائه نحو المليونين ليصبح الحزب الثاني في ألمانيا. وفي عام 1933 وبتعيين هتلر مستشارًا لألمانيا تحول الحزب النازي إلى الحزب الأوحد المنفرد بالحكم، ليبدأ في عام 1936 خطة السنوات الأربع لإعادة تسليح ألمانيا وإعادة تنظيم الاقتصاد الألماني انطلاقًا من الاعتماد على الذات، وحقق النازيون نجاحًا اقتصاديًّا باهرًا، زاد من التفاف الجماهير حولهم، وقد سيطر هتلر على حزبه سيطرة كاملة، وأصبح رئيسًا للدولة لا ينازعه السلطة أحد، فشرع في تنفيذ مخططه الإمبريالي في الداخل والخارج. وقد تبنت النازية فيما تبنت من أفكار النظرية العرقية الغربية، التي تقوم على التفوق العرقي للشعب الألماني على كل شعوب أوروبا، ولشعوب أوروبا على كل شعوب العالم، من خلال فكرة الشعب العضوي (فولك) الذي توجد بين أعضائه وحدة عضوية من جهة وبين حضارتهم والأرض التي يعيشون عليها من جهة أخرى، وهي وحدة دائمة لا تنفصم عراها، وتواترت في الخطاب العضوي النازي عبارة (الدم والتربة)، وصارت شعارًا أساسيًّا للنازية تجعل رابطة الدم والأرض الصفتين الأساسيتين اللتين يستند إليهما رقي الجنس الألماني، وانطلاقًا منهما ينصب الشعب الألماني نفسه إلهًا على بقية الشعوب، فدمه وتربته يحويان كل القداسة ويعطيانه حقوقًا مطلقة لا يمكن النقاش بشأنها. وقد انعكس ذلك وترجم إلى مفهوم العرق السيد، وهو العرق الآري الألماني الذي سيحتفظ بنقائه العرقي، ويؤسس أمة قدرها المحتوم أن تحكم الأعراق الأخرى الدنيا، وانطلاقًا من هذا وضعت ألمانيا فوق الجميع وأصبح للألمان حقوق مطلقة فيما تصوروا أنه مجالهم الحيوي (راجع في ذلك: الموسوعة - د. المسيري، ص 179). ولا يخفى أن هذه الأطروحات الأساسية للنازية ليست غريبة على أطروحات الحضارة الغربية الحديثة التي شكلت -وتشكل- الإمبريالية الغربية، والتي استقت منها أيضًا الحركة الصهيونية فكرها كحركة قومية استعمارية نبتت في أجواء هذه الحضارة الأوروبية الحديثة. "وبالفعل حظيت الحركة النازية في البداية بتأييد رأسمالي غربي؛ لأنها كانت تنظر إلى الاتحاد السوفيتي باعتباره العدو الأكبر (السلافي) للحضارة الآرية، ومن ثم كان الرايخ الثالث (الألماني) من هذا المنظور يشكل قلعة ضد الزحف السلافي الشيوعي"، "ثم تحالف الغرب الرأسمالي مع الشرق الاشتراكي ضد هتلر؛ لا دفاعًا عن المبادئ، ولكن لأنه بدأ يهدد مصالحهما معًا" (انظر: موسوعة د. المسيري - 1/ بتصرف). قال د. المسيري: "إن جوهر الفكر النازي متمثلًا في كتابات أدولف هتلر (وغيره من المفكرين النازيين) لا يختلف كثيرًا عن فكر سير آرثر بلفور صاحب الوعد المشهور (وغيره من الساسة والمفكرين الاستعماريين". فكلٌّ من: هتلر وبلفور، يدور داخل الإطار الإمبريالي العرقي المبني على الإيمان بالتفاوت بين الأعراق، وعلى حل مشاكل أوروبا عن طريق تصديرها، وكلاهما مؤمن بفكرة الشعب العضوي، وكلاهما يرى في اليهود عنصرًا غير مرغوب فيه، ويؤكد من ثم ضرورة وضع حل نهائي للمسألة اليهودية في أوروبا، وكلاهما لا يلتزم بأية منظومة أخلاقية سوى منظومة المنفعة المادية ومنظومة الصراع الداروينية. وقد تم الحل النهائي في حالة بلفور بنقل (ترانسفير) اليهود خارج إنجلترا وأوروبا إلى فلسطين" (انظر: المصدر السابق). ويضيف د. المسيري: "ولعل أكبر دليل على أن الصهيونية جزء أصيل من الحضارة الغربية: أن الغرب يحاول تعويض اليهود عما لحق بهم على يد النازيين بإنشاء الدولة الصهيونية على جثث الفلسطينيين، وكـأن جريمة أوشفيتس (وهو من أشهر معسكرات الاعتقال للنازيين) يمكن أن تمحى بارتكاب جريمة دير ياسين أو مذبحة بيروت أو مذبحة قانا. وقد أنجزت الصهيونية ما أنجزت من اغتصاب للأرض وطرد وإبادة للفلسطينيين من خلال التشكيل الإمبريالي الغربي، واستخدمت كل أدواته من غزو وقمع وترحيل وتهجير. والغرب الذي أفرز هتلر وغزواته هو نفسه الذي ينظر بإعجاب إلى الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان وبيروت وأنحاء أخرى من العالم العربي. وهو الذي ينظر بحياد وموضوعية داروينية للجريمة التي ارتكبت وترتكب يوميًّا ضد الشعب الفلسطيني" (انظر المصدر السابق، ص 197). أوجه الشبه بين الصهيونية والنازية: 1- التشابه في خطابهما: "كلاهما يستخدم مصطلحات القومية؛ مثل: الشعب العضوي (فولك)، والرابطة الأزلية بين الشعب وتراثه وأرضه، والشعب المختار". وقد سُئِل هتلر عن سبب معاداته لليهود، فكانت إجابته قصيرة بقدر ما كانت قاسية: "لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران؛ نحن وحدنا شعب الله المختار! هل هذه إجابة شافية؟!" (الموسوعة - د. المسيري، 1/ 198). فالصهيونية كالنازية؛ تقوم على أن الرابطة بين اليهود وأرضهم هي رابطة الدم والتربة، ومن ثم تطالب بضرورة العودة إلى فلسطين؛ حيث توجد التربة التي يمكن للدم اليهودي أن يتفاعل معها ويبدع من خلالها. - استخدام النازيين والصهاينة -على حدٍّ سواء- الخطاب المبني على القوة وإسقاط القيمة الأخلاقية؛ "إذ يستخدم الصهاينة شأنهم في هذا شأن النازيين مصطلحًا محايدًا، فهم لا يتحدثون عن طرد الفلسطينيين، وإنما عن تهجيرهم أو دمجهم في المجتمعات العربية، وهم لا يتحدثون عن الاستيلاء على القدس وإنما عن توحيدها، ولا على الاستيلاء على فلسطين أو احتلالها، وإنما على استقلال إسرائيل، أو عودة الشعب اليهودي إلى أرض أجداده" (المصدر السابق). 2- التشابه في ادعاء النقاء العرقي. 3- الأصول الألمانية للزعماء الصهاينة: فنلاحظ "الأصول الألمانية الراسخة للزعماء الصهاينة الذين صاغوا الأطروحات الصهيونية الأساسية. فـ(تيودور هرتزل) و(ماكس نوردو) و(ألفريد نوسيج) و(أوتو) و(وربورج) كانوا إما من ألمانيا أو النمسا، يكتبون بالألمانية ويتحدثون بها، كما كانوا ملمين بالتقاليد الحضارية الألمانية ويكنون لها الإعجاب"، "وقد غير هرتزل اسمه من (بنيامين) إلى تيودور حتى يؤلمن اسمه، وسمى (ماكس نوردو) نفسه بهذا الاسم؛ لإعجابه الشديد بالنورديين". ولا يختلف زعماء يهود اليديشية عن ذلك، فلغتهم اليديشية هي رطانة ألمانية أساسًا. ومن جهة أخرى: كانت الألمانية لغة المؤتمرات الصهيونية الأولى، كما توجه الزعماء النقل الصهاينة أول ما توجهوا لقيصر ألمانيا لكي يتبنى المشروع الصهيوني. وأكد جولدمان أن هرتزل وصل إلى فكرته القومية (العضوية) من خلال معرفته بالفكر والحضارة الالمانيين. وكان كثير من المستوطنين الصهاينة يكنون الإعجاب بالنازية، وأظهروا تفهما عميقًا لها ولمثلها ولنجاحها في إنقاذ ألمانيا، بل عدوا النازية حركة تحرر وطني. وسجل حاييم كابلان، وهو صهيوني كان موجودًا في جيتو وارسو (حين كان تحت الحكم النازي)؛ أنه لا يوجد أي تناقض بين رؤية الصهاينة والنازيين للعالم فيما يخص المسألة اليهودية، فكلتاهما تهدف إلى الهجرة، وكلتاهما ترى أن اليهود لا مكان لهم في الحضارات الأجنبية" (المصدر السابق، ص 199). معاهدة لنقل النازيين اليهود إلى فلسطين: معاهدة (الهعفراه) معاهدة وقَّعها المستوطنون الصهاينة مع النازيين. والهعفراء كلمة عبرية أو الترانسفير، وقد كان الصهاينة الاستيطانيون (اليهود المهاجرون إلى فلسطين) في الثلاثينيات يبحثون عن وسائل لدعم المستوطنين وحماية مصالحهم بأية طريقة، ومن ذلك التعاون مع النظام النازي. وبينما كان صهاينة الخارج التوطينيون (اليهود المندمجون في المجتمعات الأوروبية) وقادة الجماعات اليهودية مشغولين بإنقاذ يهود ألمانيا، ومن ضمن جهودهم تنظيم مقاطعة اقتصادية ضد النظام النازي، وقد شكلت المقاطعة في البداية تهديدًا للنظام النازي حتى تبنى الصهاينة المستوطنون خطتهم لخدمة مصالحهم بالتعاون مع النظام النازي. وقد تم توقيع الاتفاق عام 1933، ويقضي بأن تسمح السلطات الألمانية لليهود الذين يقررون الهجرة من ألمانيا إلى فلسطين بنقل جزء من أموالهم إلى هناك رغم القيود التي كانت تفرضها ألمانيا على تداول العملة الصعبة، يتم ذلك بتمكين أولئك اليهود من إيداع مبلغ مسموح بتحويله في حساب بنكي في برلين أو هامبورج، واستعماله في شراء تجهيزات وآلات زراعية مختلفة من ألمانيا وتصديرها إلى فلسطين، وهناك يتم بيع هذه البضائع وتسدد بأثمانها المبالغ المستحقة لمودعيها بعد وصولهم إلى فلسطين. وقد أفادت المعاهدة النظام النازي بكسر طوق المقاطعة اليهودية للبضائع الألمانية، وأفادت الاستيطان اليهودي بهجرة 52 ألف و300 يهودي إلى فلسطين بين عامي: 1933، 1941 بموجب هذه الاتفاقية، وهذا العدد يشكل 25% من مجموع اليهود المهاجرين إلى فلسطين خلال تلك الفترة. وقد ظلت هذه الاتفاقية سارية المفعول حتى نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1939 حيث توقف العمل بموجبها دون أن تلغى رسميًّا. (للاستزادة راجع موسوعة د. المسيري، ص 203 - 205). |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (15) قوات الاحتلال تدمر المنظومة الصحية في قطاع غزة كتبه/ علاء بكر فلم تكتفِ قوات الاحتلال الإسرائيلية بكل ما ارتكبته من جرائم حرب وحشية لا مثيل لها في التاريخ الحديث ضد المنشآت والمباني الحكومية، والمدنية، والبيوت، وأبراج المدنيين السكنية وممتلكاتهم، والمدارس بأنواعها، والجامعات، والمساجد في قطاع غزة بأكمله من شماله إلى جنوبه، في وحشية غير مسبوقة تدل على اللا مبالاة بالقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية، والقوانين والأعراف الدولية منها والإنسانية! بل قامت كذلك تلك القوات الهمجية باستهداف ومهاجمة منشآت المنظومة الصحية في قطاع غزة بأكمله، ومنعها من القيام بالمطلوب منها لإنقاذ وإسعاف الجرحى والمصابين من جراء الاعتداءات العسكرية الوحشية المتواصلة جوًّا وبحرًا وبرًّا على سكان القطاع، والتي خلَّفت وراءها عشرات الآلاف من المدنيين القتلى ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين الذين يحتاجون وبصورة عاجلة إلى الإسعافات السريعة الطارئة لإنقاذ حياتهم المهددة بالضياع؛ فضلًا عن علاج مئات الألوف من المرضى أصحاب الأمراض الطارئة والمزمنة، ومنهم الكثيرون ممن يحتاجون إلى الحجز في عنابر المستشفيات أو إلى إجراء العمليات لإنقاذ أرواحهم أو إزالة أوجاعهم ومعاناتهم؛ فضلًا عن حالات الولادة ومتابعة الحمل لعشرات الآلاف من الفلسطينيات الحوامل في القطاع، وهذه أبسط الحقوق المدنية لأي شعب سواء كانت تحت الاحتلال العسكري أو بدونه والتي لا يقبل أي تهاون فيها أو منع لها حتى في ظروف الحروب العسكرية أو الصراعات والنزاعات المسلحة. وقد ضربت قوات الاحتلال بكل تلك الحقوق عرض الحائط ولشهور طويلة في جرائم حرب متعمدة هدفها الواضح الانتقام والتشفي من شعب غزة الصامد المتطلع إلى إقامة دولته المستقلة الحرة على أرضه، بل ومارست تلك القوات -وبقوة غاشمة- أعمال عقاب وإبادة جماعية ضد كل السكان الفلسطينيين في القطاع تحت ستار صراعها مع حركة حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية. ولكون تلك الجرائم البشعة التي لا مثيل لها تتم تحت أعين وسمع العالم بأسره ويصعب سترها وإخفاؤها كلها بالكلية؛ فقد مارست إسرائيل الأكاذيب المعتادة منها للتبرير غير المقبول -مهما كانت دوافعه- لما تقترفه من حصار وجرائم في حق المنظومة الصحية لقطاع غزة، تارة بزعم أن هذه المنشآت والمستشفيات يوجد تحتها أنفاق يعيش فيها رجال المقاومة الفلسطينية، وتارة بزعم أنها لم تقصف أو تهاجم تلك المنشآت الصحية والمستشفيات، أو أنها قصفتها بالخطأ، أو تنسب ما تعرضت له تلك المستشفيات أنه من إصابات من فعل رجال المقاومة الفلسطينية خلال استهدافهم للقوات الإسرائيلية المقتحمة لقطاع غزة والمنتشرة فيه، وتارة بزعم أن استهداف قوات الاحتلال لتلك المنشآت والمستشفيات تم لكون رجال المقاومة الفلسطينية يتخذون منها مراكز للقيادة أو الاختفاء أو تخزين السلاح، وهي المزاعم التي ثبت كذبها بعد ذلك -كذبًا لا شك فيه- بعد تدمير ما تم تدميره من هذه المنشآت الصحية والمستشفيات، وبعد التوغل فيها واقتحامها واحتجاز واعتقال كل من كان فيها، من: أطقم طبية وعمال وتمريض، وجرحى ومصابين ومرضى، ومدنيين نازحين اختبأوا فيها؛ رجاء أن تحميهم من بطش قوات الاحتلال، وهم الذين تركوا بيوتهم بعد تعرضهم للقصف والقتل والقنص، ليُجبروا من جديد على عدم الخروج من تلك المستشفيات بالحصار العسكري، ثم تعرضوا للحجز والاعتقال والتحقيق معهم على ما في ذلك كله من تعطيل لهذه المستشفيات والمنشآت بالكامل عن العمل وأداء المطلوب منها، في ظل ظروف القطاع الصحية الحرجة للغاية، واحتياج سكان القطاع الشديد لجهود هذه المنظومة الصحية، في استهانة واضحة من قوات الاحتلال بإنقاذ أرواح عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء المهددين بالموت، ولامبالاة -غير مسبوقة- لرفع المعاناة التي يكابدونها من جراء العدوان العسكري الإسرائيلي المتواصل عليهم بلا انقطاع ولعدة شهور. لقد شهدت المنظومة الصحية في قطاع غزة من الأسابيع الأولى للعدوان وطوال شهور متواصلة بعدها صورًا غير مسبوقة من جرائم الحرب والإبادة التي قامت وتقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلية والتي لا يوجد لها مثيل، ومنها: - قطع الغاز والوقود عن القطاع الصحي ولشهور طويلة مما ترتب عليه وقف عمل الأجهزة الطبية جميعها، وتوقف العمل في غرف العمليات والاستقبال والطوارئ؛ مما أودى بحياة الكثير من الحالات المحتاجة للغسيل الكلوي نتيجة نقص الكهرباء اللازمة لتشغيل ماكينات غسيل الكلى لنقص وقود مولدات الكهرباء، وكذلك وفاة الكثير من الأطفال حديثي الولادة والمبتسرين (الخداج) لتعطل تشغيل حضانات المستشفيات. ومع تدهور الأوضاع داخل المنظومة الصحية ذكر مدير مستشفى الشفاء في غزة د. محمد أبو سلمية: "أن الأطباء يقومون بلف الأطفال الخدج بورق الألمونيوم ووضعهم بجوار الماء الساخن، في محاولة يائسة منهم لإبقائهم على قيد الحياة في الظروف الكارثية التي يمر بها أكبر مستشفى في القطاع". وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مع منتصف شهر نوفمبر 2023 عن وفاة 6 أطفال خدج و9 مرضى في المستشفى بسبب نفاد الوقود وخروج أقسامه عن الخدمة نتيجة حصار القوات الإسرائيلية له. وقال د. أبو سليمة لـ(سي إن إن) الأمريكية: "لم يعد هناك ماء أو طعام أو حليب للأطفال الرضع... الوضع في المستشفى كارثي" (انظر جريدة الأسبوع - عدد 5 فبراير 2024، ص 3، نقلا عن شبكة (سي إن إن) الأمريكية في 11 نوفمبر 2023). وقال مدير مستشفى الشفاء أيضا لوكالة الصحافة الفرنسية: "إن 179 جثة على الأقل دفنت الثلاثاء في قبر جماعي بموقع المؤسسة الاستشفائية، موضحا أن بينهم 7 أطفال خدج توفوا جراء انقطاع الكهرباء، وقال: اضطررنا إلى دفنهم في قبر جماعي. مشيرًا إلى أن جثثًا تنتشر في ممرات المستشفى، والكهرباء مقطوعة عن برادات المشارح بعد منع دخول الوقود منذ السابع من أكتوبر" (المصدر السابق نقلًا عن وكالة الصحافة الفرنسية في 14 نوفمبر 2023). وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية: أن هناك تلالًا من النفايات في شوارع غزة بسبب نقص الوقود اللازم لجمع تلك النفايات، مما يهدد بانتشار الأوبئة؛ هذا إلى جانب توقف الاتصالات وانقطاع شبكة النت بالكامل، وبالتالي عزل قطاع غزة تمامًا عن العالم الخارجي. - قطع المياه عن القطاع ولشهور طويلة مما ترتب عليه فقد دائم لمياه الشرب، وفقد القدرة على أعمال التنظيف والتطهير لشح المياه عامة والمياه النظيفة خاصة؛ خاصة في غرف العمليات وغرف العناية المركزة وغرف الاستقبال وعنابر المستشفيات التي يتم فيها حجز المرضى والحوامل المحتاجين للرعاية الطبية الدائمة، كما أن نقص الوقود أوقف تشغيل المرافق الأساسية في قطاع غزة مثل محطات تحلية المياه ومحطات ضخ المياه، مما ألجأ أكثر السكان في قطاع غزة إلى مصادر للمياه غير صالحة للشرب، بما في ذلك المياه عالية الملوحة والمياه العسرة من الآبار الزراعية، بما يهدد الصحة العامة في القطاع، كما أن محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في غزة قد توقفت تمامًا عن العمل بسبب نقص الوقود، مما أدى خلال أول شهرين من العدوان إلى تصريف أكثر من 120 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي في البحر مما يعرض مياه البحر للتلوث. وقد عرضت تلك الأوضاع المأساوية البيئة في قطاع غزة لمأساة متزايدة وكارثة بيئية غير مسبوقة: - حيث تم تدمير البنية التحتية والبيئية والأراضي الزراعية، مع تشديد الإغلاق والحصار على قطاع غزة، وقطع الإمدادات من الكهرباء والوقود والمياه والطعام والغذاء والأدوية وسائر المستلزمات الطبية، وما نجم عن ذلك من تبعات وآثار على الصعيد البيئي والصحي والاجتماعي. - تراكم كميات هائلة من النفايات الصلبة والسائلة والمخلفات الطبية ومخلفات المياه والصرف الصحي وغيرها من المخلفات بأنواعها، والتي تعذر نقلها أو التخلص منها، والتعرض لكل ما ينتج عنها من تلوث للبيئة وروائح كريهة تعد بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة الخطيرة، وتنذر بكارثة صحية في القطاع. - تراكم مخلفات المنشآت والمباني المدمرة بأنواعها، ومنها ما يرقد تحتها مفقودون وقتلى تعذر إخراجهم من جراء القصف المتواصل. - بقايا جثث وأشلاء قتلى تعذر نقلهم أو دفنهم بسبب أعمال القصف والقنص التي تقوم بها قوات الاحتلال والقناصة الإسرائيليين، ومنها جثث تعرضت لنبش الكلاب والحيوانات الضالة. - تأثر البيئة خاصة الهواء والأراضي الزراعية ومصادر المياه بآلاف الأطنان من نواتج المتفجرات والصواريخ المحتوية على المواد السامة والعناصر المعدنية الثقيلة الخطرة على الصحة العامة، إلى جانب استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا والتي لها تأثيرات بالغة الخطورة على الهواء والتربة ومصادر المياه، ويعد ذلك انتهاكًا صريحًا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحروب، والتي ينص البروتوكول الأول منها على حظر استخدام وسائل أو أساليب قتال يقصد بها أو يتوقع منها أن تلحق بالبيئة الطبيعية أضرارًا بالغة وواسعة الانتشار وطويلة المدى. وهو ما تقوم به قوات الاحتلال بشكل متعمد ومتكرر؛ خاصة ما تحتويه هذه الصواريخ التي أطلقت بكميات كبيرة على القطاع من مواد كيميائية عديدة ضارة منها الفسفور الأبيض، والذي كما يقتل البشر فهو يضر بشدة كل ما يقابله من مواد في الأرض والجو والمياه، وهذه المواد الكيميائية الضارة تتسرب أيضًا إلى التربة الزراعية ومصادر المياه الجوفية فتلوثها وتجعلها غير صالحة للاستخدام البشري بعد ذلك. - منع إمدادات الأدوية والمساعدات والوسائل الطبية عن القطاع ولشهور طويلة، وما ترتب عليه من نقص أو توقف لأعمال مداواة وعلاج المرضى والجرحى والمصابين، وأثر ذلك سلبيًّا على القيام بالعمليات الجراحية اللازمة؛ مما أودى بحياة الكثيرين، خاصة مرضى السرطان وأصحاب الأمراض المزمنة، ويهدد بتفشي الأمراض المعدية والأوبئة في القطاع بأكمله. - منع الإمداد بالطعام والغذاء لشهور طويلة، واستخدام هذا التجويع لأكثر من 2 مليون من سكان القطاع، مما نتج عنه حدوث أوضاع مأساوية للغاية، أثرت على حياة سكان القطاع وعرضتهم لأمراض سوء التغذية والموت عطشًا وجوعًا؛ خاصة الأطفال والمرضى أصحاب الأمراض المزمنة والحوامل وكبار السن. - قصف وتدمير سيارات الإسعاف المكلفة بنقل الجرحى والمصابين سريعًا إلى المستشفيات لإنقاذ أرواحهم، مما أسفر عن تدمير كلي وجزئي لمعظم سيارات الإسعاف في القطاع وقتل من فيها، ومنع المصابين فيها من الوصول إلى أماكن العلاج، ومنع تشغيل القليل المتبقي منها إما خوفًا من القصف والتدمير أو لنفاد الوقود اللازم لتشغيلها. - فرض الحصار العسكري المحكم على تلك المستشفيات ومنع الدخول إليها والخروج منها، ومباشرة أعمال القنص والقتل بلا تمييز لمن يقترب من أبواب المستشفيات من الخارج للدخول فيها أو من الداخل للخروج منها، ثم اقتحامها بالقوة المسلحة، واحتجاز كل من كانوا فيها، والتحقيق معهم، واعتقال البعض منهم واقتيادهم إلى جهات مجهولة. وأخيرًا: تنتهي هذه المشاهد بنهاية شنيعة باستخدام الجرافات في دفن عشرات القتلى والموتى الفلسطينيين من الهيئات الطبية ومن المرضى ومن المدنيين في مقابر جماعية داخل وحول هذه المستشفيات بعد الانسحاب منها. استهداف أهم مستشفيات القطاع: كانت غالبية المستشفيات في قطاع غزة قد خرجت من الخدمة عمليا بعد 38 يومًا من العدوان على غزة؛ حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة أن كل المستشفيات في شمال غزة أصبحت الآن خارج الخدمة: - فمع مرور أسبوعين فقط على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وقبل القيام بالتوغل البري في القطاع قام الطيران الإسرائيلي -وبدم بارد- بقصف مستشفى المعمداني -التابع للكنيسة الأسقفية الإنجليكانية في القدس- والذي يعد من أقدم المستشفيات في غزة؛ مما أسفر عن سقوط المئات من القتلى والجرحى داخل المستشفى في مجزرة بشعة أدانتها بشدة المنظمات والمؤسسات الدولية التي طالبت بالتدخل الفوري لوقف هذه المجازر البشرية، وطالبت بفتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيق عاجل بشأنها؛ خاصة وأن إسرائيل سبق لها التوقيع على ميثاق روما، مما يمد اختصاص هذه المحكمة إلى تلك الأراضي تحت الاحتلال الإسرائيلي. - ومع بداية توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي البري في شمال قطاع غزة داهمت تلك القوات مجمع الشفاء الطبي واجتاحته في الخامس عشر من نوفمبر 2023، حيث سيطرت عليه بالكامل بعد قصف جوي ومدفعي عنيف إطلاق لنيران كثيفة داخل غرف وأروقة المستشفى في وجود الكوادر الطبية والعاملين بالمستشفى والمرضى، مع قصف محيط المستشفى قصفًا طال عدة مبان ومنازل أخرى حول المستشفى، إلى جانب محاصرة الشوارع والأحياء السكنية المجاورة، مع عدم الاكتراث بحياة المدنيين، وتكررت تلك المداهمات للمستشفى بعد ذلك عدة مرات مخلفة بعد كل مداهمة وراءها -بلا أدنى مبالاة- أعدادًا من المدنيين القتلى والجرحى. وتعد اقتحامات هذا المجمع الطبي بالدبابات وقصفه بالطائرات وبالمدفعية جريمة حرب مكتملة الأركان مهما كانت الدوافع والمبررات، وهو ما علق عليه منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي بقوله: إن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة حولت القطاع إلى أكبر مقبرة مفتوحة في العالم بعد أن كان قبل الحرب أكبر سجن مفتوح. - ونظرًا لتعرض المجمع لتلك الأوضاع المأساوية فقد تم إجلاء العشرات من الأطفال المبتسرين (الخداج)، والحالات الحرجة إلى خارج المستشفى وإرسالهم بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية إلى معبر رفح على أمل نقلهم إلى مصر عبر المنفذ الحدودي هناك بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية. "وقد أكد مدير المستشفيات في قطاع غزة (محمد زقوت) في 19 نوفمبر 2023 إجلاء 31 من الأطفال الخدج من مستشفى الشفاء الكبير في قطاع غزة الذي كان الجيش الإسرائيلي وجه إنذارًا بإخلائه". وقال زقوت: "تم إجلاء جميع الأطفال الخدج من مستشفى الشفاء وعددهم 31 طفلًا ومعهم 3 أطباء وممرضين"، مضيفًا: "تجري الترتيبات لنقل الأطفال إلى مصر عبر معبر رفح الحدودي بعد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بنقلهم وعلاجهم في مصر" (انظر: جريدة الأسبوع - عدد 18 مارس 2024، ص 3). وفي وقت لاحق أفادت قناة القاهرة الاخبارية التليفزيونية بأن سيارات إسعاف مصرية مجهزة عبرت معبر رفح لنقل الأطفال الخدج إلى الجانب المصري من أجل تلقي الرعاية الصحية. وكان المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة (منير البرش) قد أكد أن الطواقم الطبية والجرحى والنازحين أجبروا قسرا تحت تهديد السلاح على إخلاء مجمع الشفاء الطبي. (انظر: المصدر السابق). "وفي 18 نوفمبر 2023 نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرًا حول ادعاءات إسرائيل عن وجود مقر قيادة حماس أسفل مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، وقالت الصحيفة: إن أدلة الجيش الإسرائيلي أقل بكثير من أن تكون قادرة على إثبات أن مستشفى الشفاء مقر رئيس لحماس كما ادعت. وجاء في التقرير أنه قبل اقتحام مجمع الشفاء الطبي بذلت السلطات الإسرائيلية جهودًا كبيرة لتصوير المجمع بوصفه مقرا لحركة حماس حيث تم التخطيط لهجماتها على إسرائيل، لكن الأدلة المقدمة حتى الآن أقل بكثير من أن تثبت ذلك بحسب التقرير، ولم تظهر مقاطع فيديو الجيش الإسرائيلي سوى مجموعات متواضعة من الأسلحة الصغيرة، معظمها بنادق هجومية تم انتشالها من المجمع الطبي الواسع" (انظر: جريدة الأسبوع - عدد 4 مارس 2024، ص 3). وفي "تحليل أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن اللقطات التي بثها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي التي تظهر الاكتشاف الواضح لحقيبة تحتوي على مسدس خلف جهاز مسح التصوير بالرنين المغناطيسي، تم تسجيلها قبل ساعات من وصول الصحفيين وعرضها عليهم". وأشار أيضًا تقرير الجارديان "إلى أن هناك تساؤلات حول مدى اعتماد العرض التصويري للشبكة تحت مجمع الشفاء على ما عرفته إسرائيل بالفعل. وكان المهندس المعماري الخاص بها قد بنى منطقة سفلية واسعة هناك في المرة الأخيرة التي احتلت فيها إسرائيل غزة بشكل مباشر حتى عام 2005". وأضافت: "أن كل هذه الأمور مهمة بموجب اتفاقيات جينيف، التي تحظر العمليات العسكرية ضد المستشفيات ما لم تستخدم في ارتكاب أعمال ضارة بالعدو خارج نطاق واجباتها الإنسانية، وهذا الاستثناء المنصوص عليه في المادة 19 من اتفاقية جينيف الرابعة ينص على وجه التحديد على ما يلي... إن وجود أسلحة صغيرة وذخائر مأخوذة من هؤلاء المقاتلين ولم يتم تسليمها بعد إلى الخدمة المناسبة، لا يعد من الأعمال الضارة بالعدو" (المصدر السابق). - وقد بلغ مع منتصف شهر نوفمبر 2023 عدد الشهداء من الكوادر الطبية 148 شهيدًا طبقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ما بين طبيب وممرض ومسعف، كما استشهد 22 من رجال الدفاع المدني و51 صحفيًّا، بينما بلغ وقتها إجمالي عدد الشهداء 11320 شهيدًا، بينهم 4650 طفلًا و3145امرأة، بينما بلغ إجمالي عدد المصابين 29200 مصابًا، أكثر من 70% منهم من النساء والأطفال. وقد أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتن ياهو) بتصريحات وقتها خلال زيارته لجنود الاحتلال على حدود غزة قال فيها: "هذه ليست مجرد عملية، إنها حرب، ولن يكون وقف لإطلاق النار الآن"؛ هذا في الوقت الذي رفض مجلس الأمن مرتين بسبب الفيتو الأمريكي مشروعي قرارين من روسيا يدعوان لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وقد أصدر الأزهر وقتها بيانًا شديد اللهجة جاء فيه: "إن إسرائيل تستعرض جبروتها على الأطفال والمرضى، وارتكبت من الجرائم ما تعف عنه الحيوانات في الأدغال". وقال البيان: "إن إرهاب إسرائيل وعزلها قطاع غزة بالكامل، ومنع الوقود والمستلزمات الطبية عن المستشفيات تسبب في خروج عدد كبير منها من الخدمة، ووفاة مرضى الرعاية المركزة وأطفال الحضانات بمستشفى الشفاء". ودعا الأزهر من سماهم (أحرار العالم) والهيئات والمؤسسات الدولية لكسر هذا الحصار اللا إنساني الذي تفرضه إسرائيل على المستشفيات والمراكز الطبية، مؤكدا أنه يحمل مسئولية هذه الجرائم الشنيعة لكل من يدعم إسرائيل سواء بالتأييد أو الصمت. (جريدة الأسبوع عدد 5 فبراير 2024: ص3، نقلا عن وكالات الأنباء في 13 نوفمبر 2023). - قيام قوات الاحتلال باستهداف وقصف المستشفى الإندونيسي في 20 نوفمبر 2023؛ مما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات، أعقب ذلك محاصرة المستشفى والتمهيد لاقتحامه وطرد من فيه من الطواقم الطبية والمرضى والجرحى والنازحين تحت تهديد السلاح، ضمن مسلسل الاعتداءات على المستشفيات. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (16) إسرائيل تستهدف وكالة الأونروا وقوات حفظ السلام كتبه/ علاء بكر فالمراد بمنظمة (الأونروا) هو وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، وهي وكالة غوث وتنمية بشرية؛ تأسست بموجب قرار رقم 302 (رابعا) الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر عام 1949، في أعقاب جرائم التهجير القسري لنحو 750 ألف لاجئ فلسطيني من أرض فلسطين التاريخية ما بين عامي: 1947 و1949، فرارًا من مذابح وجرائم قوات الجيش الإسرائيلي الوحشية ضدهم، وهو ما عُرف تاريخيًّا باسم (نكبة فلسطين). كان الهدف من تأسيس الوكالة هو تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية، وفي المقام الأول: المساعدات في مجال التعليم الأساسي، ومجال الرعاية الصحية الأولية؛ بالإضافة إلى أعمال الإغاثة والخدمات الاجتماعية والقروض للمشروعات الصغيرة، إلى جانب الاهتمام ببناء البنية التحتية، وتحسين أوضاع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وحماية وتعزيز حقوق هؤلاء اللاجئين. تعد منظمة (الأونروا) جزءًا من عائلة منظمة الأمم المتحدة، وتختص بتقديم خدماتها لأكثر من 8 مليون لاجئ فلسطيني في لبنان والضفة الغربية وغزة؛ حيث يضم قطاع غزة 8 مخيمات للاجئين الفلسطينيين. وقد نُقِل مقر الوكالة من بيروت إلى مركز (فيينا) الدولي عام 1978، ثم تم تحويل مقرها إلى مدينة غزة عام 1997. المنظمة لا علاقة لها بشؤون إدارة قطاع غزة أو مراقبة الأمن في مخيماته. من أهم الخدمات التي تقدمها الأونروا في قطاع غزة: خدماتها في مجال التعليم الأساسي؛ إذ تدير وكالة الأونروا 183 مدرسة تقدم خدماتها لنحو 300 ألف طالب وطالبة من سكان قطاع غزة، حيث تبلغ نسبة مدارس الأونروا التي تقدم خدماتها لمرحلة التعليم الأساسي في القطاع 100%، بينما تبلغ نسبتها في المدارس الخاصة هناك نحو 86% من تلك المدارس؛ لذا تعد مدارس منظمة الأونروا واحدة من أضخم نظم المدارس غير الحكومية في منطقة الشرق الأوسط، ويضم قطاع غزة كذلك 7 جامعات و11 كلية؛ منها: كليات تابعة أيضًا للأونروا. يتم تمويل منظمة الأونروا من خلال التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول المانحة الأعضاء في الأمم المتحدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول من غرب أوروبا ودولة الإمارات العربية. والمراد باللاجئين: هم من فرُّوا من بلادهم ولا يقدرون على العودة إليها بسبب الاضطهاد العرقي أو الديني أو الجنسي، بخلاف النازحين: وهم الذين لا يُعدون من اللاجئين رغم إجبارهم على ترك ديارهم طالما لم يغادروا بلدانهم. قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام: قوات حفظ السلام هي قوات دولية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وهي قوات دولية لا بلد معينة لها، ينتمي أفرادها لبلدان عديدة من دول العالم. يعد مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة هو المسؤول عن إصدار القرارات المتعلقة بنشر هذه القوات من عدمه، ولا تشير أي مادة من مواد ميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945 صراحة إلى قوات حفظ السلام تلك، ولكنها ولدت بالفعل كانعكاسات للحروب والصراعات. وقد أُنشئت من أجل مساعدة البلدان الواقعة تحت الصراعات والحروب، والتي تحتاج إلى طرف محايد لرصد النزاع بين الأطراف المتحاربة وتنظيم مناطق التوتر والتنازعات والحيلولة دون استمرار النزاعات بها. وقد ظهرت بداية الحاجة إليها في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، ويتميز أفراد قوات حفظ السلام بارتداء الخوذات أو القبعات الزرقاء، ولا يلزم أن يكونوا من الجنود، وإن كان في العادة أكثرهم من العسكريين، لكن منهم رجال شرطة وأحيانًا مدنيون، وهم لا يحملون السلاح إلا الأسلحة الخفيفة، ولا يمكنهم استخدام القوة إلا دفاعًا عن النفس. وقد نشر مجلس الأمن العديد من قوات حفظ السلام من قبل؛ كما في الصومال والكونغو الديمقراطية، وليبيريا وسيراليون، وكوسوفو وهايتي وتيمور؛ بالإضافة إلى لبنان. وقد قدمت هذه القوات مساهمات عديدة في مجال حل المنازعات في جميع أنحاء العالم، وفي عام 1988 منحت جائزة نوبل للسلام لقوات حفظ السلام التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وتبلغ تكلفة عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام نحو 4 مليار دولار سنويًّا، ومع تعرض منظمة الأمم المتحدة لأزمات مالية أو تأخر في التمويل فإن مواصلة عمليات حفظ السلام تلك تتعرض لصعوبات، كما تتعرض لخطر عدم القيام بأي عمليات جديدة لحفظ السلام. في لبنان، تأسست قوة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام بواسطة مجلس الأمن في مارس 1978، والتي عُرفت باسم (قوات اليونيفيل)، وتكونت للتأكيد على انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية من لبنان واستعادة الأمن والسلام ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها الفعالة في المنطقة، وقد تم تعديل مهام تلك القوات مرتين نتيجة التطورات في عامي 1982 و2000. إسرائيل ومحاولات تصفية منظمة الأونروا: في إطار محاولة تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، تسعى إسرائيل جاهدة إلى إيقاف أنشطة منظمة الأونروا أو تحجيمها وتقليلها؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه منظمة الأونروا لزيادة الدعم المالي المقدم لها، ولاستمرار الاعتراف الدولي بحقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين لفترة زمنية زادت عن 7 عقود؛ نجد أن إسرائيل تمارس نفوذها السياسي للضغط على الدول الداعمة للأونروا، من خلال توجيه حملات للتشهير والتشويه للوكالة الدولية وأعمالها بغية إيقاف -أو التأثير على- تمويلها، بشكل خفي وتدريجي، مما يهدد ويمهد لتعطيل عمل المنظمة وتفكيكها وتصفية أنشطتها؛ إذ إن انسحاب الدول المانحة بالكامل أو توقفها ولو لفترة عن تقديم حصتها التي قررتها على نفسها من التمويل للوكالة يعد من أكبر العوامل التي يمكن أن تضر الوكالة الدولية، والتي تعتمد بشكل أساسي على تلك التبرعات الطوعية الدولية من تلك الدول المانحة؛ حيث بلغ دعم هذه الدول المانحة في عام 2019 نحو 93.34% من ميزانية الأونروا. وتأتي هذه المحاولات الإسرائيلية بغرض الالتفاف حول الإطار القانوني الدولي المتاح لحماية اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي نسيان أو تجاهل هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين كأشخاص محميين بموجب القانون الدولي؛ إذ إن مجرد وجود هذه الملايين من الفلسطينيين اللاجئين يعد دليلاً جليًّا وشاهدًا باقيًا على استعمار إسرائيل لأرض فلسطين التاريخية، وعلى ممارسة التهجير القسري للفلسطينيين، وعلى سياسة الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد أصحاب الأرض الأصليين. وقد أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأكبر لإسرائيل والممول الأكبر للأونروا، تمويلها للوكالة الدولية، والذي يبلغ نحو 365 مليون دولار سنويًّا، وكذلك أوقفت سويسرا وهولندا تمويلهما بشكل دائم في عام 2019، وتعد دولة الإمارات خامس أكبر دولة مانحة للدعم للوكالة، حيث مولت الإمارات الوكالة في عام 2019 نحو 51.8 مليون دولار. وقد تعرضت الوكالة في ظل أزمة كورونا إلى ضائقة مالية في عام 2020 بتأخر بعض الدول الأوروبية عن التمويل، فلم يعد لدى الوكالة ما يكفي لتسديد رواتب موظفيها، والذي بلغ عددهم 28 ألف موظف، مما هدد بتقويض قدرة الوكالة على الاستمرار في أداء مهامها وأنشطتها؛ لذا لجأت إلى تقليص عدد العاملين بها وأوقفت أعمال الصيانة والترميم في البنية التحتية، واضطرت إلى زيادة ازدحام الطلاب في مدارس الأونروا؛ فصار هناك معلم لكل 50 طالبًا وطالبة، مع تقليص المساعدات الإنسانية التي تقدَّم للاجئين. مذبحة قانا اللبنانية عام 1996: وقعت هذه المذبحة في بلدة (قانا) اللبنانية في 18 إبريل 1996 خلال العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، والذي بدأ في 11 إبريل 1996، واستمر حتى 27 إبريل من نفس العام. وكانت إسرائيل قد اجتاحت لبنان قبلها في أعوام 1978 و1982 و1993، وفي هذا الاجتياح في عام 1993، تم التوصل إلى تفاهم بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي على عدم التعرض للمدنيين، ولكن مع تزايد أعمال المقاومة المسلحة من حزب الله ضد القوات الإسرائيلية المحتلة لجنوب لبنان، خرقت إسرائيل التفاهم وشرعت في مهاجمة المدنيين والعسكريين في عمليات محدودة، ثم تطور الأمر باجتياح إسرائيلي جديد للبنان في عام 1996، وهو الاجتياح الذي نفذت فيه الطائرات الإسرائيلية حوالي 1500 طلعة جوية؛ أي: بمعدل 89 طلعة جوية يوميًّا، وأطلقت أكثر من 32 ألف قذيفة مدفعية؛ أي: بمعدل 1882 قذيفة مدفعية يوميًّا؛ هذا رغم صغر حجم القطاع المستهدف، وهو جنوب لبنان والبقاع الغربي (راجع: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري - طبعة دار الشروق - الطبعة الخامسة 2009، المجلد الثاني، ص 439). ومع شدة وضراوة العدوان الإسرائيلي، لجأ الكثير من المدنيين اللبنانيين إلى مقرات قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام المتواجدة في جنوب لبنان للاحتماء بها والهروب من القصف الإسرائيلي، ومن بين هذه المقرات، كان هناك مقر لكتيبة تابعة لقوات الأمم المتحدة في بلدة (قانا)؛ فقامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بقصف مدفعي للموقع، الذي كان يضم نحو 800 لبناني، وذلك بعد الساعة الثانية ظهرًا بقليل، طبقًا للتوقيت المحلي؛ مما أسفر عن مقتل 110 من اللبنانيين المدنيين العزل في تلك المذبحة البشعة، كما أصيب أربعة من جنود الأمم المتحدة بجروح، وحدثت أضرار واسعة النطاق. وكانت هذه الحادثة هي الأولى من نوعها التي تقصف فيها قوات أممية وُجِدت لحفظ السلام في المنطقة، وهي أخطر شأنًا من الأحداث الأخرى؛ لأن مدنيين -منهم نساء وأطفال- قد لجأوا إلى مجمع الأمم المتحدة في قانا ظنًّا أو اقتناعًا منهم بأنهم في حماية قوات الأمم المتحدة. وقد تداولت وسائل الإعلام العالمية مشاهد وصور المذبحة البشعة؛ فكان الأمر بمثابة فضيحة كبرى لإسرائيل أمام العالم! ونظرًا لخطورة هذا الأمر: رفع د. بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة وقتها، تقريرًا إلى مجلس الأمن، وأرفق به التقرير المقدم من المستشار العسكري للأمين العام للأمم المتحدة. ويتبين من التقرير: أن نسق سقوط القذائف في منطقة قانا يجعل من غير المرجح أن يكون قصف مجمع الأمم المتحدة نتيجة لأخطاء تقنية أو إجرائية (راجع في ذلك كتاب: المسكوت عنه في مذبحة قانا، إعداد د. عبد الحميد صالح حمدان، طبعة دار الغد العربي - ط. أولى - ديسمبر 1996، ص 29-31، 44-47). وكالعادة، سارعت إسرائيل إلى اختلاق الأكاذيب الواهية لتبرير ما فعلت والتنصل منه؛ فسارعت إسرائيل بالإعلان أن قصف الموقع تم عن طريق الخطأ، ولكن الأدلة بعد التحقيقات دلت على كذب ذلك الادعاء؛ إذ وجد تصوير للموقع والمنطقة المحيطة به أثناء ظهور لقطة توضح وجود طائرة استطلاع إسرائيلية بدون طيار تستخدم في توجيه المدفعية، وهي تحلق فوق الموقع أثناء القصف المدفعي؛ بالإضافة إلى ما ذكره شهود عيان من العاملين في الأمم المتحدة بأنهم شاهدوا طائرتين مروحيتين بالقرب من الموقع المنكوب. - ومن جانبه، علَّق (شيمون بيريز) رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها قائلًا: "إنها فضيحة أن يكون هناك 800 مدني يقعون أسفل سقف من الصاج ولا تبلغنا الأمم المتحدة بذلك!"؛ فجاء الرد سريعًا وصريحًا؛ إذ أعلن مسؤولو الأمم المتحدة أنهم أخبروا القوات الإسرائيلية مرارًا بوجود تسعة آلاف لاجئ مدني يحتمون بمواقع تابعة للأمم المتحدة، كما أعلنوا أمام العالم أجمع أن القوات الإسرائيلية وجهت نيرانها تجاه قوات الأمم المتحدة الدولية وتجاه منشآت الأمم المتحدة 242 مرة خلال تلك الفترة، وأنهم نبهوا القوات الإسرائيلية إلى اعتدائها على موقع القوات الدولية في قانا أثناء القصف (راجع المصدر السابق). وقد أكد تقرير صدر من الأمم المتحدة مسؤولية حكومة (شيمون بيريز) عن هذه المذبحة المتعمدة؛ لذا ضغطت كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشدة على د. بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة وقتها، لإجباره على التستر على مضمون هذا التقرير، لكنه كشف عن جوانب من التقرير، وهو الأمر الذي قيل إنه كان من أسباب إصرار واشنطن بعد ذلك على عدم تجديد بقاء بطرس غالي في منصبه أمينًا للأمم المتحدة لفترة ثانية (راجع في ذلك المصدر السابق، ص 439، 440). - وفي عام 1997، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إسرائيل لدفع تعويضات لضحايا مذبحة قانا، وهو ما رفضته تل أبيب كالمعتاد مع كل قرارات الأمم المتحدة ضدها! تنبيه: تكتسب مذبحة قانا أهمية خاصة؛ لكونها وقعت إبان فترة حكم حكومة ائتلاف حزب العمل الإسرائيلي، التي تتحمل المسؤولية الكاملة عنها؛ وقعت رغم كل ما يروج عن سعي حزب العمل للسلام مع العرب، وعن دعوة شيمون بيريز لفكرة السوق الشرق أوسطية! وقد أرجع مراقبون إقدام شيمون بيريز على ارتكاب هذه العملية العسكرية في لبنان وفي قانا إلى أنها كانت محاولة منه لاسترداد هيبة إسرائيل التي اهتزت أمام المقاومة اللبنانية وحزب الله؛ بالإضافة إلى استعادة الوجه العسكري لحزب العمل بعد أن فقد جنراله السابق إسحاق رابين باغتياله (راجع في ذلك: المصدر السابق، ص 439). وبرغم ما فعله بيريز؛ إلا أن الجيل الجديد في إسرائيل قد أسقط بيريز وجاء بـ(نتنياهو) ليعبر عن تيار التشدد الذي يعبر عن المستوطنين الذين يمثِّلون كتائب الأصولية اليهودية، التي تريد الأرض بالقوة، بالتعاون مع الدور المهيمن على أحداث المنطقة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه الأيديولوجية تمثل خطورة بالغة على أطر الشرعية الدولية؛ لأنها تعمق أسلوب اغتصاب الأرض بالقوة وتطبيق سياسة التجويع ضد الشعب الفلسطيني، فضلًا عن كونها غير قابلة للتطبيق العملي. بالإضافة إلى وقاحة نتنياهو واستفزازه الدائم للعالم العربي، وإعلانه مبدأ غريبًا لم يسمع العالم كله به من قبل، وهو ما يسمى: "السلام مقابل السلام" (انظر كتاب: المسكوت عنه في مذبحة قانا، كلمة ناشر الكتاب حمدان جعفر، ص 6). إسرائيل واستهداف الأونروا في غزة: عقب أحداث عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، جددت القوات الإسرائيلية اعتداءاتها المتكررة على مقرات ومنشآت مباني تابعة لوكالة الأونروا في قطاع غزة؛ فلم يسلم موظفو الأمم المتحدة من اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلية، ففي أول أسبوعين من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، رصد مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في قطاع غزة مقتل 14 موظفًا من موظفي الأمم المتحدة في القطاع. - كما تم استهداف مقرات للأونروا، وقصف مدارس الأونروا التعليمية وكليات ومنشآت تابعة لها في قطاع غزة؛ خاصة بعد لجوء عشرات الآلاف من الفلسطينيين النازحين إليها، وقد استخدمت قوات الاحتلال في قصفها قنابل الفسفور المحرمة دولياً في تلك الاعتداءات. ومن ذلك: استهداف قوات الاحتلال في آخر نوفمبر 2023 لمدرسة تابعة للأونروا كانت تأوي نازحين في مخيم جباليا شمال قطاع غزة. - وادعت إسرائيل أن مباني تابعة لوكالة الأونروا استخدمت في عملية طوفان الأقصى ضد المستوطنات الإسرائيلية، ودعت إسرائيل الدول المانحة للمنظمة إلى وقف الدعم المالي للأونروا. وهي الدعوة التي سريعًا ما استجابت لها دول غرب أوروبا؛ فأوقفت تمويلها للوكالة دون طلب أو انتظار لإجراء تحقيقات حول هذا الزعم. - وفي مايو 2024، عقب تصويت مجلس الأمن على التوصية بقبول انضمام فلسطين دولة في الأمم المتحدة: قام سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة باتهام منظمة الأمم المتحدة بأنها أصبحت كيانًا إرهابيًّا! مستشهداً على ذلك بمزاعم إسرائيل بتعاون أفراد من وكالة الأونروا مع حماس في غزة، مدعيًا أن هناك أنشطة منفذة من قبل حماس تمت من داخل مرافق الأونروا، ولما طلب منه توضيح اتهامه، خفف قليلًا من كلماته، واستشهد على اتهامه بإدانات الأمم المتحدة المتكررة السابقة لإسرائيل! - الاعتداء السافر في شهر مايو 2024 من قِبَل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة الأونروا في القدس المحتلة: والذي تم تحت أعين ونظر ومراقبة شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وهو العمل الذي أدانته العديد من الدول والمنظمات الدولية. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (17) (نتن ياهو بين الإرهاب وجرائم الحرب) (1-2) كتبه/ علاء بكر فيعد (نتن ياهو) من أشهر الشخصيات السياسية في إسرائيل في العقود الأخيرة، وهو يرأس الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية، وهي الحكومة التي قادت إسرائيل إلى المثول أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية لشعب غزة، وأصبح هو وبعض أعضاء حكومته أيضًا مرشحين بقوة للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، في ظل ضغوط أمريكية وغربية؛ دفاعًا عنه وعن حكومته لمنع صدور أي إدانة دولية له ولها، رغم كل الأدلة التي تثبت بما لا يدع مجالًا للشك ممارسة إسرائيل في عهده لإرهاب الدولة، وتورطها في جرائم إبادة حربية. الميلاد ومسيرة الحياة: نتن ياهو: اسم عبري يعني عطية الله. ولد نتن ياهو في تل أبيب في 21 أكتوبر عام 1949، وحصل على شهادة الماجستير في الإدارة من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. عُيِّن في وزارة الخارجية الإسرائيلية في عهد (موشى أرينز)، وتولى منصب مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة، حيث تحول إلى شخصية إعلامية معروفة للإعلام ولليهود والأثرياء في أمريكا. انتقل إلى إسرائيل بعد مقتل أخيه (يوناثان) عام 1976 في عملية اقتحام الطائرة الإسرائيلية المخطوفة في مدينة (عنتيبي) الأوغندية، حيث خدم في إحدى وحدات الكوماندوز العسكرية تحت إمرة إيهود باراك، وحصل على رتبة رقيب قبل تسريحه. ثم أصبح نائبًا لوزير الإعلام في مكتب رئيس الحكومة عام 1993، ثم تولى بعد ذلك رئاسة حزب الليكود، ليصبح زعيمًا للمعارضة، ثم تولى بعدها رئاسة الوزارة في إسرائيل في انتخابات 1996. ثم تعرض في 1999 لهزيمة ساحقة على يد تحالف (إسرائيل الواحدة) بقيادة إيهود باراك، فاعتزل بعدها العمل السياسي لفترة ثم عاد إلى قيادة الليكود في ديسمبر 2005 بعد تنحي شارون، ليشكل حزبًا جديدًا وهو حزب (كاديما). ظل زعيمًا للمعارضة من 2006 وحتى 2009، ثم شكل حكومة ائتلافية وتولى خلالها منصب رئيس الوزراء للمرة الثانية. واصل قيادة الليكود للفوز في انتخابات 2013 و2015، ثم تعرض للفشل في تلاث انتخابات متتالية، ثم شارك في تناوب ائتلافي لتولي الحكم عاد بعدها زعيمًا للمعارضة من جديد. وهو يشغل حاليًا منصب رئيس وزراء إسرائيل منذ 29 ديسمبر 2022 حتى الآن، ليعتبر بذلك أطول فترة رئاسة للوزارة في تاريخ إسرائيل؛ إذ تولى هذا المنصب لأكثر من 15 عامًا. (وقد حفلت تجربة نتن ياهو في السلطة بالخلافات والانشقاقات داخل اليمين الإسرائيلي وحزب الليكود، وبعضها يعود للسمات الخاصة بشخصية نتن ياهو، أو بسبب تصاعد التناقضات داخل النظام السياسي الإسرائيلي بين السفارد والإشكناز، والمتدينين والعلمانيين، خصوصًا بين المهاجرين الروس وحركة شاس (انظر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري - دار الشروق ط. الخامسة 2009: المجلد الثاني ص 484). العائلة والنشأة: لنشأة نتن ياهو العائلية تأثير كبير على أفكاره العنصرية التي يعتنقها؛ فوالده: بنزيون (بن صهيون) نتنياهو، أمضى جزءًا كبيرًا من حياته في الولايات المتحدة، كان يملؤه الشعور بالمرارة والتمييز ضده بسبب فشله في الاندماج في المؤسسة السياسية أو الأكاديمية، وكان ذو شخصية محافظة متسلطة، ومن أتباع فلاديمير جابوتنسكي أحد زعماء الصهيونية المتطرفين، والأب الروحي للمتطرف مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل السابق. ونظرًا للاختلاف مع بيجن، عاش (بن صهيون) بقية حياته طواعية شبه منفي في الولايات المتحدة، حيث أقام بالقرب من فيلادلفيا، وكرس حياته لدراسة محاكم التفتيش في إسبانيا، وله عنها كتاب بعنوان: (أصول التفتيش الإسباني في القرن الخامس عشر)، وجوهر أطروحة دراساته أن اليهودي الذي يحاول الاندماج يقابل دائمًا بكراهية عميقة نحو شخصه، ونحو الجنس اليهودي ككل؛ فاليهودي هو الهدف الأزلي لكل الأغيار؛ ولأنه لا يملك الهروب من هذا الوضع لذا يجب عليه أن يحيط نفسه بحائط فولاذي (كما قال جابوتنسكي) وألا يعهد بأمنه للآخرين. (ينظر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، 2/ 483). يقول د. المسيري: (ألا يوحي هذا بأن أباه التصحيحي -أي: المتأثر بحركة جابوتنسكي التصحيحية- الكاره للأغيار قد شكل رؤيته)، و(رغم كل هذا يحاول نتن ياهو أن يتملص من ماضيه دائمًا، وأن ينكر أن هذا الماضي ساهم في تشكيل آرائه بشكل جذري) (انظر: المصدر السابق)، مع أنه صرح بتأثره بفكر جابوتنسكي من قبل. - أما والدته: فولدت لأبوين مسنين، فقامت أخواتها الثلاث الأكبر سنًّا بتربيتها. نشأت في الأراضي المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية، كرست حياتها الزوجية لعمل زوجها، فكانت الدافعة له في حياته المهنية والشخصية العائلية. وصفت بأنها كانت امرأة باردة علمت أطفالها ضبط النفس وإخفاء الانفعالات وإظهار القوة، وكانت تتوقع لهم النجاح العالي. - أما أخوته: فكان إخوته من والدهم الذي كان بعيدًا عنهم، منغلقًا على مكتبه بالساعات، وقد فرضت والدتهم عليهم الصمت. دفع الأب أبناءه للنجاح في المدرسة وأبقاهم تحت سيطرته، كانت العائلة مكرسة لعمل الأب، معزولة اجتماعيًّا، لديهم القليل من الأصدقاء، يعيشون حياة اجتماعية محدودة، يرون أنفسهم كوحدة مغلقة تواجه عالمًا معاديًا، في أجواء من الشك والمرارة والشعور بالظلم رغم كل نجاحاتهم. كانت رسالة الوالدين لهم: انجحوا بأي ثمن، وكرسوا كل شيء لهدفكم؛ كان أخوه (يوناثان) كبير الأسرة، وقتل في الغارة على مطار عنتيبي، فانتقل نتن ياهو بعد موت أخيه إلى إسرائيل وانضم إلى الجيش، وشارك في عدة مهام، وحصل على رتبة نقيب قبل أن يتم تسريحه. وقد ركَّز نتن ياهو بعد موت أخيه كثيرًا على قضية الإرهاب، وكتب عدة كتب فيها، كما أسس معهد (يوناثان نتن ياهو) لمكافحة الإرهاب. حياته الشخصية: تزوج نتن ياهو ثلاث مرات وطلق مرتين، في المرات الثلاث تزوج من امرأة قوية ومسيطرة، لكنها تلزم نفسها بمهنة زوجها، كما هو الحال المألوف في عائلة نتن ياهو الأصلية؛ كانت زيجته الأولى عن حب، وانتهت بقرار من الزوجة بإنهاء علاقة الزواج، ورغم معاناته من هذا الانفصال إلا أنه تعافى سريعًا وواصل مسيرته. زوجته الأخيرة سارة، مضيفة قابلها في إحدى سفرياته. (وقد اعترف بخياناته الزوجية المتكررة، وسلوك سارة نفسها أصبح موضوعًا متداولًا في الصحف الإسرائيلية) (انظر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. المسيري، 2/ 483). التحليل النفسي لشخصيته: قال الدكتور محمد المهدي رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، وخبير طب الأعصاب في تحليله لشخصية نتن ياهو بعد دراسات عنها: إن سلوك بنيامين نتن ياهو يكشف عن الميل إلى جنون العظمة؛ حيث (ربط مصيره بالمصير الوطني)، والطموح القوي والتفاني الكامل لهدفه، وهو النجاح بأي ثمن، وعدم الاعتراف بالضعف، ورفض تحمل اللوم، والافتقار إلى الأخلاق الشخصية والسياسية، والحساسية الكبيرة للنقد، والاهتمام الشديد بمظهره (وهي سمات الشخصية النرجسية). يرى الأحداث والأشخاص من حيث القوة، فهو عدواني بتناقضات صارخة. ينظر إلى تاريخ الصهيونية على أنه استمرار مباشر لمسار الأجداد الذين استوطنوا أرض إسرائيل -أي: فلسطين-، وكان لهذا أثر كبير في تعنته إزاء محاولات الحلول السلمية للقضية الفلسطينية، بل وارتد على كثير من الاتفاقيات التي عقدها أسلافه، والتي كانت مقدمات لإيجاد حل سلمي للقضية؛ مما أدى إلى تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية عدة مرات خاصة في قطاع غزة، وتورط نتن ياهو في مجازر متكررة للفلسطينيين. ويضيف د. المهدي: (يبدو أن جزءًا كبيرًا من إخفاقات نتنياهو ومشكلاته في منصبه كان نتاجًا لشخصيته، وليس بسبب افتقاره إلى الخبرة. ويتساءل كثيرون عن صعوده السريع إلى السلطة من ناحية وفشله كرئيس وزراء من ناحية أخرى، وربما السبب شخصيته كما هو موضح هنا، فسمات شخصيته مثل: الطموح والتصميم والمهارات الإعلامية الفائقة والبلاغة الهائلة والسحر الشخصي مناسب للغاية لتحقيق أعلى منصب سياسي، ومع ذلك فإن هذه السمات ليست كافية للمسؤول الفعال. وعلى الجانب الآخر: كانت هناك صفات شديدة السلبية والخطورة في شخصيته؛ مثل: الافتقار إلى المصداقية وضعف القدرة على العلاقات الشخصية، وجنون العظمة، والعدوان والشك والأنانية، والتلاعب والرغبة في الانتقام (راجع في كل ذلك، وللاستزادة: حوار جريدة الأسبوع مع الدكتور محمد المهدي رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر - عدد الأول من يناير 2024، ص 10). ويذكر د. المهدي أنه جرى تحليل شخصية نتن ياهو من خلال مسح شامل على مدى سنوات لشخصيته سواء في كتب أو تصريحات صدرت عنه هو نفسه، أو ما كتب عنه بواسطة آخرين، أو لقاءات قام بها، وأيضًا على ملاحظة سلوكه في مواقف وأحداث عديدة، ونظرًا لأنه من أكثر الشخصيات ظهورًا في قيادة إسرائيل على مدى سنوات طويلة؛ فقد كانت هناك فرصة كبيرة لقراءة شخصيته من خلال منهجية علمية نشرت في العديد من الدراسات. ويذكر د. المهدي أن من السمات الأساسية في شخصية نتن ياهو (الأنانية)، فهو يسعى باستمرار للنجاح على حساب أي شيء، ويتجلى هذا النمط في قبوله المساعدة من المساهمين الأمريكيين الذين لديهم وجهات نظر متطرفة تختلف تمامًا عن آرائه، ولا يتردد في استغلال الآخرين، بما في ذلك الزملاء من أجل تحقيق النجاح. ويذكر د. المهدي أن من أبرز سمات نتن ياهو كذلك (رغبته في أن يكون الأفضل والأول)، وأن ينتصر على الآخرين وأن يصل إلى القمة. ويلاحظ: أنه يضع أهدافًا عالية ولا يكتفي بالنجاحات الجزئية، ولا ييأس ولا يستسلم أبدًا. ويرى نتن ياهو أن اللعبة السياسية تحكمها قوانين الغابة، حيث يبقى القوي ويسقط الضعيف على الجانب. وبالنسبة له تحقيق الهدف يبرر أي وسيلة سياسية، وهو يهاجم بشكل استباقي أي شخص ينظر إليه على أنه خصم أو منافس، وقد يكون الهجوم مباشرًا أو غير مباشر. وإذا لزم الأمر طرد الحلفاء الذين قد يهددونه في المستقبل، ويتم التعبير عن ذلك في المراوغة والسخرية من المنافسين المحتملين أو حتى الحلفاء الذين قد يهددون مكانته المستقبلية كما يستعين بمساعدين وزملاء للقيام بأفعال قد تثير الغضب أو الانشقاق، ثم اعتمادًا على النتائج إما أن يدعمها أو ينكر أي تورط شخصي له فيها. وهو يقدم، بل ويوقع وعودًا ثم لا يفي بها؛ لذلك فهو غير جدير بالثقة. وقد اتهمه العديد من القادة "ومنهم الرئيس الراحل حسني مبارك" بأنه وعدهم بأشياء ثم نفى القيام بذلك. وهو لديه شغف وهوس بالسلطة؛ لا يكاد يغادرها حتى يعود إليها، ولديه إحساس بالعظمة. والإعلام يناسب شخصيته، فهو رجل كلام، يمتلك كل مقومات النجم التلفزيوني؛ مظهر أنيق، ثقة بالنفس، موهبة خطابية، لغة إنجليزية ممتازة، ذكاء وقدرات منطقية تمكنه من التعامل مع أي محاور أو منافس. أما لغة الجسد عند نتن ياهو: فتعكس قدرًا كبيرًا من العصبية والحدة والتوتر، وأحيانًا كثيرة الغضب والاستهانة بالآخرين والعدوانية (للاستزادة: راجع الحوار السابق مع د. محمد المهدي بجريدة الأسبوع). تطرف نتن ياهو الفكري: (ينطلق نتن ياهو في كتابه: (مكان تحت الشمس) وغيره من الدراسات من الرؤية الصهيونية القائمة على أحقية اليهود المطلقة فيما يسمى: (أرض إسرائيل التاريخية)، ويساندها رؤية صهيونية تؤكد أن إسرائيل انتصرت في كل الحروب ضد العرب)، و(يأتي نتن ياهو بالشواهد التاريخية والجيوسياسية والتلمودية التي تساند وجهة نظره. ثم وعلى عادة الصهاينة لا يكتفي نتن ياهو بذلك، بل يذكر الجميع بمأساة الشعب اليهودي والهولوكوست، ثم يؤكد في الوقت نفسه قدرة هذا الشعب على النهوض، ويعلن نتن ياهو بلا مواربة أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة)، (ويرى نتن ياهو ضرورة إجبار الغرب على الإذعان للاعتراف بوجود إسرائيل عبر استخدام سلاح الردع، فالسلام الوحيد الذي يمكن أن يقام مع العرب هو (سلام الردع) مقابل (سلام الديمقراطيات) الذي لا يصلح مع العرب، فإسرائيل دولة ديمقراطية غربية في بيئة إقليمية معادية بدائية)، (ومستقبل إسرائيل يكون بالتحصن داخل الستار الفولاذي (وهي نفس عبارة جابوتنسكي التي اقتبسها والده بنزيون)، وإعادة الأولوية لفكرة العمق الإستراتيجي الجغرافي، وعدم الانفتاح على هذه البيئة، مع ضبط التفاعلات في المحيط الإقليمي على النحو الذي يحقق مصالح إسرائيل الحيوية) (انظر موسوعة المسيري، 2/ 484 بتصرفٍ). السلام عند بيريز وعند نتن ياهو: ينظر الإسرائيليون إلى السلام على أن للإسرائيليين الحق المطلق في أرض فلسطين، وأن حق الفلسطينيين فيها حق ثانوي؛ لذا فإن نقطة انطلاق عملية السلام تبدأ من القبول بالأمر الواقع، وتوقف كافة صور المقاومة، لتنعم إسرائيل بالأمن والأمان، وفي مقابل ذلك فهناك اتجاهان: - اتجاه الأرض مقابل السلام: بتسليم بعض المدن أو القرى الفلسطينية، لا بانسحاب القوات الإسرائيلية المحتلة منها بالكلية بقدر إعادة انتشار لها فيه، وهو الاتجاه الذي سار فيه شيمون بيريز مع ياسر عرفات، وأسفر عن اتفاق أوسلو. وهو الاتجاه الذي قوضه نتن ياهو بعد ذلك. - اتجاه السلام مقابل السلام: ويرى أن إسرائيل طالما أنها دولة قوية؛ فهي قادرة على فرض السلام على جيرانها العرب الضعفاء، دون تنازل منها عن أي جزء من أرض فلسطين. رؤية بيريز للسلام: توصف رؤية بيريز عند البعض بأنها رؤية إستراتيجية للسلام في المنطقة بناءً على مبدأ الأرض مقابل السلام. وقد بيَّن بيريز رؤيته تلك في كتابه: (الشرق الأوسط الجديد)، على أساس أن السلام لا بد أن ينطلق من نوايا جماعية تكون لدى أطرافه، تدفع باتجاه الثقة وتزيل مشاعر الشك والقلق، ومن خلال ترتيبات ومؤسسات مشتركة، تصبح معها المنظمات الإقليمية مفتاح الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة. وهذا التصور يهدف في النهاية إلى أن (المركز إسرائيل، وهي التي تمسك بكل الخيوط، أما بقية المنطقة فهي مساحات وأسواق)، و(بحيث يتحول العرب إلى كائنات اقتصادية تحركها الدوافع الاقتصادية التي ليس لها هوية أو خصوصية)، ومن خلال كيانات عربية اقتصادية مفتتة متصارعة نشاطها الأساسي نشاط اقتصادي محض وعندها فإن (الإستراتيجية الاستعمارية والصهيونية للسلام تكون قد تحققت دون مواجهة، ومن خلال التفاوض المستمر) (راجع في ذلك موسوعة المسيري، 2/ 522). (وهذه الرؤية تقتضي توفير مناخات اقتصادية تطبيعية تهمش الشأن القومي التاريخي وتلغيه، وتحل محله شأنًا جيواقتصاديًّا جديدًا، وهذا ما أسماه (الشرق الأوسط الجديد) باعتباره وحدة متكاملة اقتصاديًّا وأمنيًّا وسياسيًّا بما يحقق الهدف الإسرائيلي المتمثل في إسرائيل العظمى، عبر السيطرة على المنطقة، ويضمن أمنها عبر موافقة معظم الأنظمة العربية المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ على ضمان أمن إسرائيل. في هذا الإطار يمكن السماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة على جزء من أرض فلسطين المحتلة، على أن تظل هذه الدولة خاضعة للاعتبارات الأمنية الإسرائيلية) (راجع موسوعة د. المسيري، 2/ 522 بتصرفٍ). رؤية نتن ياهو للسلام: (أما رؤية نتن ياهو فترفض الفكرة السابقة، وتعارض أسلوب بيريز، باعتبار أنها أضعفت السياسة الإسرائيلية وشلتها إستراتيجيًّا، فالمؤسسات والاتفاقات التي ركزت عليها حكومة بيريز فشلت جميعها في توفير الأمن لإسرائيل، ولذلك لا بد من إجراءات أكثر حسمًا، وإعادة ترتيب سلم الأولويات) وَفْق رؤية طرحها نتن ياهو في كتابه: (مكان تحت الشمس) لتكون الأولويات على النحو التالي: - الأمن قبل الاقتصاد: والأمن هنا يعني الأرض، فالأرض ملازمة للأمن؛ لذا لا بد من أسس جديدة للمفاوضات تستند إلى مبدأ (السلام مقابل السلام) بدلًا من (الأرض مقابل السلام)، وعلى الجيش الإسرائيلي أن يتولى مباشرة حماية الإسرائيليين في كل مكان دون قيود أو حدود. والسلطة الفلسطينية مطالبة بتوفير الأمن لإسرائيل. أما الجولان فهي عمق إستراتيجي لإسرائيل؛ لذا فهي غير قابلة للتفاوض في هذه المرحلة. - الاقتصاد قبل السياسية: فإسرائيل القوية تجذب الاستثمار وتصبح قوة اقتصادية تقود المنطقة، وتدخل الاقتصاد العالمي دون حاجة إلى جسر شرق أوسطي. وكون الأمن قبل الاقتصاد لا يلغي أهمية الاقتصاد؛ لأن الأمن الداخلي لإسرائيل هو الشرط الأساسي لجذب الاستثمار وازدهار الاقتصاد، إلى جانب الهجرة اليهودية التي ستواصل تحريك الاقتصاد الإسرائيلي، وإلى جانب التطور التكنولوجي والمساعدات الخارجية. - السياسة قبل السلام: حيث يريد أن تكون إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة بينما الدول العربية جميعها ذات نظم استبدادية، فإسرائيل إذًا هي الدولة القوية في المنطقة، وبحكم قوتها يمكنها فرض السلام المبني على الردع في الشرق الأوسـط، فكلما بدت إسرائيل قوية أبدى العرب موافقتهم على إبرام سلام معها؛ لذا فإن الأمن وقوة الردع العنصر الحيوي للسلام ولا بديل عنه. وخلاصة هذه الرؤية -كما هو واضح-: غياب أي إستراتيجية للسلام، مع الاكتفاء بطرح الحكم الذاتي الموسع على الفلسطينيين في ظل السيادة الإسرائيلية. ويكتفى تجاه سوريا بمحاولة التوصل إلى اتفاق أمني لا يقود بالضرورة إلى اتفاق سلام، بل يضمن الأمن الحدودي كما هو في الجولان، ويطرح مقابلها السلام مقابل السلام، أما في لبنان فيمكن إعادة الأرض مقابل الأمن. إسرائيل تمارس إرهاب الدولة: وعلى ذلك فإسرائيل في عهد حكومة نتن ياهو تمثل دولة إرهابية تمارس الإرهاب بامتياز: - فحكومتها بقيادة نتن ياهو حكومة صهيونية يمينية متطرفة تحمل فكرًا عنصريًّا متطرفًا يقوم على تمجيد الجنس اليهودي، وعلى حقه التاريخي المزعوم في أرض فلسطين، ولو على حساب شعب فلسطين صاحب هذه الأرض منذ آلاف السنين. - وهي تعمل جاهدة بكل السبل على فرض هذا الفكر العنصري المتطرف على جيرانها وعلى الآخرين شاءوا أم أبوا. - وهي تستخدم لتنفيذ وتحقيق ذلك القوة العسكرية -بل القوة العسكرية المفرطة- مهما كان الثمن والضحايا. وهذا هو الإرهاب بعينه وفي أشد صوره؛ سواء مارسه أفراد أو مارسته جماعة أو دولة. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
عزة رمز للعزة (18) (نتن ياهو بين الإرهاب وجرائم الحرب) (2-2) كتبه/ علاء بكر فقد قدَّم نتن ياهو نفسه للمجتمع الإسرائيلي خلال سنوات طويلة قاد فيها حزب الليكود -وتحالف فيها مع الأحزاب الدينية اليهودية المتطرفة هناك- على أنه المنقذ لدولة إسرائيل بعد فترة من أطروحة بيريز ورابين للسلام. ومن خلال سنوات طويلة مارس فيها نتن ياهو ألاعيبه السياسة، وحيله وأكاذيبه، وسعى من منطق القوة إلى فرض الخضوع والإذعان على الفلسطينيين والعرب من خلال زعم أن الجيش الإسرائيلي جيش لا يقهر، مع تطلع إلى اقتصاد واعد في المنطقة تقوده إسرائيل؛ خاصة مع دخول العديد من الدول العربية حظيرة التطبيع مع إسرائيل، والنجاح في تدشين الديانة الإبراهيمية في المنطقة. وفي أوج ما تصوره نتن ياهو مجدًا حقَّقه جاءت عملية (طوفان الأقصى) من رجال حماس لتضع نهاية مروعة لهذه الأوهام؛ شاء نتن ياهو أم أبى، طال تشبثه بالحكم أو قصر، كما وضعت من قبل حرب العاشر من رمضان (السادس من أكتوبر) في سيناء النهاية الصادمة للغطرسة الإسرائيلية وقتها، وأسطورة الجيش الذي لا يقهر، والحدود الآمنة لإسرائيل، وقدرة إسرائيل على فرض الأمر الواقع على العرب والفلسطينيين بقوة السلاح. لقد كتبت عملية طوفان الأقصى نهاية نتن ياهو التي لا محيص عنها؛ مهما حاول بحيله وأكاذيبه مد فترة تشبثه بالحكم، كما وضعت من قبل حرب العاشر من رمضان نهاية جولدا مائير، وموشى ديان السياسية، وهما يظنان أنهما في أقصى مجدهما. مع حكم نتن ياهو نسيت إسرائيل كلمة السلام، بدأت تخطط لابتلاع الضفة الغربية بالتدريج، وتركت للمستوطنين التوسع هناك طولًا وعرضًا، وأعلنت من جديد المخططات الخفية للسيطرة على محيط المسجد الأقصى؛ لقد أيقظ نتن ياهو من جديد الوحش الصهيوني الكامن في إسرائيل، فبعد أن كانت إسرائيل مع شيمون بيريز تتطلع إلى تكوين شرق أوسط موسع جديد تكسب من ورائه المكاسب الاقتصادية والسياسية مقابل التنازل عن بعض -لا كل- الأراضي الفلسطينية، فجاء نتن ياهو يحلم بضم كامل للأراضي الفلسطينية، وأن تكون حدود إسرائيل قابلة للتوسع حسب قوة جيشها، وأن هذا التوسع وإن تجاوز حدود إسرائيل الحالية؛ فهو توسع إجباري لمواجهة الأخطار ولتحقيق الأمن الداخلي لإسرائيل، مع إمكانية التمدد طبقًا لما ترى فيه إسرائيل المصلحة أمام ما تصل إليه من مصادر للمياه والطاقة، ويتاح لها من أسواق التجارة. لقد أصبح المجتمع الإسرائيلي في عهد نتن ياهو: - مجتمع يسعى للحرب، ويطلب السلام من خلال إجبار الآخرين عليه بالقوة. - مجتمع لا يريد أن يقدم أو يعطي شيئًا مقابل فرض السلام الذي يريده، يريد أن يقبل الآخرون السلام في مقابل السلام. - مجتمع ليس على استعداد لكي يبت في الأمور المؤجلة كقضية اللاجئين وكالمستوطنات والحدود النهائية. - مجتمع ليس على استعداد على الإطلاق للتنازل عن الأراضي المحتلة؛ خاصة القدس الشرقية. - مجتمع يريد أن تكون إسرائيل دولة يهودية خالصة لليهود، ولا يقبل فيها أي قومية أخرى. - مجتمع تتحكم فيه الأحزاب التلمودية المتطرفة، ولا يعيش إلا من خلال الأساطير التي يعتنقها ولا يؤمن بها إلا هذه الأحزاب اليهودية المتطرفة؛ رغم كل مظاهر العلمانية والتقدم العلمي والتطور التكنولوجي التي تمتلكها إسرائيل، فمقاعد الكنيست أغلبها للأحزاب الدينية لا للأحزاب العلمانية، رغم كل مظاهر الديمقراطية التي تدعي أنها تعتنقها لقد صارت إسرائيل في عهد نتن ياهو تحمل سياسة العنف اللا أخلاقي؛ سياسة تسعى إلى تمدد حدود إسرائيل لتكتسح وتبتلع كل ما تصل إليه من الأراضي الفلسطينية والعربية، سياسة تختلق لنفسها الأخطار التي تبرر له التوسع في احتلال أراضي الغير بدعوى حماية أمنها، سياسة تمارس العنف بقوة ثم تطلب السلام والتطبيع المجاني لتحقيق المصالح التجارية في منطقة مليئة بمصادر الطاقة ورؤوس الأموال والمياه. وفي إطار تحقيق ذلك والوصول إليه حاول نتن ياهو الاستفادة من الصراع بين فتح وحماس ومنع المصالحة بينهما، بإضعاف قوة ونفوذ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والسيطرة على أجهزتها الأمنية في رام الله، والاستفادة من انفصال حماس بقطاع غزة ليشتعل الصدام بينهما ويستمر. لقد انتهى المطاف بنتن ياهو أن يعلن أن إسرائيل دولة دينية لليهود خالصة على كامل التراب الفلسطيني، وعلى الملأ وأمام الأمم المتحدة يعرض خريطة الدولة وبها مرتفعات الجولان والضفة الغربية وجنوب لبنان. صدمة طوفان الأقصى وانهيار رؤية نتن ياهو: جاءت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية بصورة مذهلة فاقت أي تصور أو توقع لتقلب من جديد موازين المنطقة بأسرها، ولتكشف كل مواطن الضعف والهشاشة أمنيًّا وعسكريًّا داخل الكيان الصهيوني في يوم وليلة، وتقوض كل جهود نتن ياهو عبر سنوات حكمه: - فقد تم إخلاء المستوطنات في غلاف غزة من المستوطنين، وتحملت الدولة الإسرائيلية تبعات بقائهم خارجها، وكذلك أعباء تقديم التعويضات اللازمة لهم. - وعاش سكان المدن في جنوب إسرائيل وفي تل أبيب نفسها في المخابئ والملاجئ بشكل يتكرر كثيرًا مع تكرار إطلاق صفارات الإنذار وتكرار التعرض للرشقات الصاروخية؛ لقد أعادت عملية طوفان الأقصى الإسرائيليين من جديد إلى مشاعر الخوف والهلع والقلق من المستقبل القادم. - وتزايدت بشكل غير مسبوق أعداد المهاجرين بشكل عكسي من إسرائيل إلى خارجها، والتي بلغت مئات الآلاف من اليهود الهاربين من إسرائيل خلال أسابيع قليلة من اندلاع القتال. وكثير من هؤلاء هم من النخب وأصحاب الكفاءات الذين إذا استمرت هجرتهم فلن يبقى في إسرائيل أصحاب كفاءات لكن سيبقى فقط أتباع الأحزاب الدينية المتطرفة وحدهم. - وتوقفت الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل وهربت رؤوس أموال إلى خارجها، وتراجع الاستثمار المحلي، وتسارعت حركة بيع الأسهم في الشركات الإسرائيلية المدرجة في بورصة تل أبيب. وقد تعرضت البورصة إلى تراجع مؤشرها بنحو 15%، وفقدت القيمة السوقية للبورصة ما قيمته 25 مليار دولار مع الأسابيع الأولى للقتال، وأدت الحرب إلى تراجع أسهم أكبر خمسة بنوك مدرجة في البورصة بنسبة تتجاوز 20%، بينما تراجعت أسهم بعض الشركات بأكثر من 35% مقارنة بقيمة إغلاقها عشية الحرب. وأدى ذلك إلى تراجع سعر صرف الشيكل (العملة الإسرائيلية) أمام الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له منذ عام 2012، وهو ما أجبر البنك المركزي في إسرائيل على ضخ نحو 45 مليار دولار في محاولة لتحقيق الاستقرار في سعر الشيكل. - هرب الآلاف من العمالة الآسيوية خارج إسرائيل بعد نشوب الحرب واكتظاظ المطارات الإسرائيلية بهم. وفي المقابل توقف قدوم عمالة آسيوية جديدة نظرًا لظروف الحرب؛ هذا إلى جانب منع دخول العمالة الفلسطينية إلى إسرائيل والتي تقدر بنحو 140 ألف عامل فلسطيني يعملون في مجالات الزراعة وتربية المواشي، وكذلك توقف عدة مصانع عن العمل بشكل كلي وجزئي لنقص العمالة، وتضررت من ذلك مؤسسات اقتصادية وتعرضت لخسائر اقتصادية كبيرة. - بلغت نسبة العجز في الميزانية الإسرائيلية في شهر ديسمبر عام 2023 فقط نحو 34 مليار شيكل (نحو9 مليار دولار)، وقدر البنك المركزي الإسرائيلي تكلفة الحرب وقتها بأكثر من 200 مليار شيكل (أكثر من 50 مليار دولار)، وهي تكلفة ثقيلة حتى مع وجود الدعم الأمريكي الواسع والذي بلغ نحو 14 مليار دولار وافق الكونجرس الأمريكي على منحها لدولة الاحتلال نظرا لظروف الحرب. - توقف قطاع السياحة بأكمله داخل إسرائيل وتأثره البالغ بأوضاع الحرب هناك، وبالتالي فقد ما كانت تدره السياحة من دخل كان يعد موردا هاما للاقتصاد الإسرائيلي. - إغلاق حقل (تمار) للغاز الطبيعي؛ مما أثر على إنتاج الغاز في إسرائيل، وأدى إلى انخفاض صادراتها من الغاز الطبيعي إلى 70 %. - انقسم المجتمع الإسرائيلي من الداخل بصورة غير مسبوقة بين مؤيد ومعارض لاستمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة وما يرتبط بها من ملفات كتبادل الأسرى والمحتجزين؛ وهو الانقسام الذي صار يتزايد ويتفاقم شهرًا بعد شهر، كلما طال أمد العمليات العسكرية الإسرائيلية شبه اليائسة في قطاع غزة، والتي استنزفت وتستنزف إسرائيل عسكريًّا في الأفراد والعتاد، واقتصاديًّا في التكلفة الباهظة للحرب الدائرة. - قامت المظاهرات الشعبية الغاضبة في إسرائيل المطالبة بانتخابات برلمانية مبكرة، والمطالبة بإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين مع حماس، وتستنكر سوء إدارة نتن ياهو للأوضاع وعناده في إدارة الأزمة، حيث يحرص على إطالة أمد الحرب لإطالة مدة بقائه في الحكم رغم فشله الذريع في تحقيق أي من أهدافه الإستراتيجية المعلنة مع بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية ولشهور طويلة. - زادت حدة الاختلاف بين حكومة نتن ياهو ورجال الأعمال وكبار التجار وأصحاب المزارع بسبب تعرضهم لخسائر فادحة بسبب نقص العمالة الإسرائيلية؛ خاصة بعد استدعاء أكثر من 350 ألف من الضباط والجنود الاحتياط من الحياة المدنية للانضمام للجيش للمشاركة في العمليات العسكرية، وهم يمثلون رقما مهما في إدارة الإنتاج القومي يمثل نسبة ليست بالقليلة من سوق العمل في إسرائيل (تزيد عن 8% من القوى العاملة المؤثرة في الاقتصاد الإسرائيلي)؛ إذ إن جميعهم في سن العمل والعطاء، وقد تم إجبارهم على ترك أعمالهم المدنية لأسابيع وشهور لحمل السلاح. - تأثر الإنتاج الزراعي من الخضروات والفاكهة في إسرائيل بإخلاء مستوطنات غلاف غزة من سكانها خلال الحرب؛ إذ تعتمد إسرائيل على المنتجات الزراعية لهذه المستوطنات، إذ تنتج نحوًا من 75 % من إنتاج الخضروات، و25 % من الفاكهة، بالإضافة إلى نحو 7 % من حليب المزارع؛ كما تم إخلاء مساحات أخرى مشابهة على الحدود اللبنانية بسبب الاشتباكات مع حزب الله في لبنان مما ترتب عليه وقف حصد محاصيل تعتمد إسرائيل عليها؛ وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية في نهاية الأمر إلى زيادة الاستيراد للمنتجات الزراعية من الخارج لسد هذا العجز. - وقبل كل ذلك وبعده الخسائر العسكرية الكبيرة في الأفراد والمعدات العسكرية، والتي تتعمد الحكومة الإسرائيلية إخفاء حجمها الحقيقي، والتي تعد أكبر خسائر شهدتها إسرائيل منذ حرب العاشر من رمضان، وهي خسائر في تزايد مستمر باستمرار شهور الحرب، خاصة مع توالي البيانات العسكرية التي يبثها إعلام حماس والمقاومة الفلسطينية بصفة دورية، ومنها بيانات موثقة بفيديوهات إعلامية، والتي تشير بوضوح وتؤكد على أن كمية الخسائر الإسرائيلية في الأفراد والمعدات أكثر بكثير مما يتم الإعلان عنه من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم تدمير المئات من الدبابات والمدرعات والعربات والجرافات الإسرائيلية بمن عليها من جنود وضباط؛ فضلًا عن قصف ومهاجمة قوات العدو ومراكز تجمعاته ونقط عبوره، ونصب الكمائن لهم، وعمليات القنص بصفة شبه يومية. - توقف وتعليق مسيرة التطبيع مع الحكومات العربية، والتي كان قد شارف قطارها على الوصول إلى محطة المملكة العربية السعودية، والتي عدها الكثيرون انتصارًا لنتن ياهو ولرؤيته لدور إسرائيل في المنطقة العربية. - تغير نظرة الرأي العام الغربي مع مرور الوقت للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة من التعاطف مع إسرائيل إلى الانكار عليها، كرد فعل على تجاوزات كثيرة غير محسوبة وغير مسؤولة ترتكبها حكومة نتنياهو في تعاملها مع الأوضاع، والتي بلغت صورة غير مسبوقة تنم عن المبالغة في التشفي والانتقام من سكان قطاع غزة المدنيين العزل، والتي تجاوزت استخدام الأسلحة المحرمة دوليا وارتكاب جرائم الحرب اليومية إلى ممارسة أعمال الإبادة الجماعية لشعب غزة، والضغط عليه لإجباره على الهجرة القسرية أو الطوعية، والعمل على إخلاء القطاع بتدمير كل أشكال الحياة فيه من خلال هدم كل الأبراج والمباني السكنية والمنشآت، وكل المدارس والجامعات في القطاع التعليمي، وكل المستشفيات والوحدات الصحية في القطاع الصحي، وقطع إمدادات القطاع من الغذاء ومياه الشرب والوقود والأدوية والمساعدات الطبية؛ أي: استخدام التجويع والحصار الشامل كسلاح في المعركة، والهدم الكامل للبنية التحتية بالقطاع، وتحويله إلى منطقة منكوبة لا تصلح للحياة، كسلاح لفرض التهجير وإجبار الفلسطينيين على ترك ديارهم وأرضهم ووطنهم. - وأخيرًا -وليس آخرًا-: إعادة الحياة للقضية الفلسطينية من جديد وإعادتها للصدارة دوليًّا، والتفاف الأمتين العربية والإسلامية حولها، ودفع شعوب العالم شرقًا وغربًا إلى التعاطف مع الشعب الفلسطيني لدفع الظلم عنه وتأييد إقامة دولته المستقلة، وجر إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، وإدانتها لقادتها، واحتمالية إصدار قرارات دولية بشأن اعتقال بعضهم، ومنهم نتن ياهو نفسه، وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية. - ومما يزيد الأمر سوءًا صلابة المقاومة الفلسطينية وثبات قادتها رغم شدة الضربات الموجهة إليها، وكذلك صمود شعب غزة وتمسكه بأرضه ووطنه رغم كل المعاناة التي يعانيها، بل وانخراط الأجيال الجديدة من الفلسطينيين في الصراع، مما جعل المقاومة الفلسطينية أقوى وأشرس، خاصة مع توحد صفوفها والتنسيق بينها في مواجهة العدو، لتكبده خسائر فادحة لم يكن يتوقعها بحال من الأحوال. فالصورة العامة تشير إلى أن الفلسطينيين لا يكترثون بحجم الخسائر البشرية والمادية؛ لأنهم دائمًا مهددون بالموت تحت الحصار والتجويع والاغتيالات والقمع والاعتقال عبر عقود، فلم يعد لديهم مزيد يخسروه، لكن في هذه المرة لا يدفعون الثمن وحدهم بل يدفع معهم الشعب الإسرائيلي هذا الثمن. إن هذا كله كان كفيلًا بإدراك قادة الكيان الصهيوني بأن القضاء على المقاومة الفلسطينية صعبٌ جدًّا -إن لم يكن مستحيلًا- في ظل وجود مبررات استمرارها، وهو الاحتلال الصهيوني الغاشم للأراضي الفلسطينية. إن هاجس زوال دولة الاحتلال وعدم قدرتها على تجاوز العقد الثامن من عمرها كما وقع عبر التاريخ اليهودي من قبل أصبح لا يغيب عن ذهن قادة إسرائيل، بما فيهم نتن ياهو نفسه؛ فهو الذي قال في وقت سابق: إنه يجب العمل على ضمان استمرارية إسرائيل لمدة 100 عام مشيرًا إلى أنه لم يحدث في التاريخ أن استمرت دولة لليهود أكثر من 80 عامًا. ولعل هذا يفسر ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة أن معظم الإسرائيليين يحملون جنسيات أخرى أجنبية لم يتخلوا عنها رغم الهجرة والإقامة الدائمة في إسرائيل؛ لأنهم غير واثقين في أن دولتهم ستبقى وتدوم، وكأنهم يتوقعون يومًا ما هو قدر مكتوب سيفرون فيه من إسرائيل. وفي المقابل: فإن المقاومة الفلسطينية صامدة متواصلة، كانت هذه المقاومة قبل ظهور حماس وستستمر حتى -لا قدر الله- إن زالت حماس، خاصة في ظل العناد والكبر والغطرسة التي تمارسه حكومة نتن ياهو وتتبناه الأحزاب المتطرفة هناك وتدعمه الحكومة الأمريكية وحكومات دول غرب أوروبا، مع عدم وجود أي إمكانية للحل السياسي للقضية الفلسطينية في الأفق القريب؛ هذا في الوقت الذي تطارد تهم الفساد نتن ياهو، وهي المطاردة التي هدأت حدتها مؤقتا في انتظار ما ستسفر عنه العمليات العسكرية في قطاع غزة. تورط نتن ياهو في تهم فساد: عانى نتن ياهو على مدى العام السابق لعملية طوفان الأقصى من مظاهرات عارمة بشكل شبه يومي في تل أبيب داخل إسرائيل تستنكر رغبته في إجراء تعديلات قانونية تسمح له عند الأخذ بها بالإفلات من العدالة بسبب قضايا فساد مالي تورط فيها هو ونجله. كانت مطالب المتظاهرين التراجع عن مخططات تعديل القوانين السارية، بل والمطالبة بإقالة نتن ياهو من منصبه، وإحالته للقضاء بتهم الفساد الموجهة إليه ولنجله؛ وهي المظاهرات التي هدأت وتيرتها في انتظار انتهاء القتال مع حماس والمقاومة الفلسطينية. تخفي نتن ياهو خلف حكومة الطوارئ: شكل نتن ياهو مع وزراء اليمين المتطرف في حكومته في أكتوبر 2023 حكومة طوارئ مصغرة (الكابنيت) لتتولي إدارة شئون الحرب في قطاع غزة وتتحمل بالتالي نتيجتها؛ كان خيار حكومة طوارئ مصغرة هو الاختيار الأفضل لنتن ياهو حتى لا تنهار حكومته الائتلافية اليمينية بعد أن اصطدم بمقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة تضم الائتلاف اليميني الحاكم ومعه المعارضة لإدارة شئون البلاد خلال الحرب مع حماس. وتحرص حكومة الطوارئ منذ تكوينها على منع نشر أي تفاصيل تتعلق بالمناقشات داخلها، خاصة في ظل الخلافات والفضائح المثارة داخلها، والتي تدل على غياب الرؤية المتفق عليها للحكومة في التعامل مع الأوضاع الجارية، ويوظف نتن ياهو هذه الحكومة المصغرة لتحقيق ما يريد من خلال ضمه المقربين منه ومنع واستبعاد خصومه والمخالفين له، ويضم الكابنيت أحد عشر وزيرًا؛ كما يضم رؤساء الأحزاب التي يتشكل منها الائتلاف الحاكم لضمان استمرارهم في الائتلاف الحاكم. والكابنيت مصطلح استخدم في إسرائيل منذ عام 1984 بعد تشكيل ائتلاف حكومي بين حزبي العمل اليساري وحزب الليكود اليميني، وظل أمره ساريًا حتى عام 1990. وتكرر استحضاره بشكل غير رسمي في حكومات تالية، وللكابنيت سلطة صياغة سياسات الحكومة والدولة، وتنفيذ السياسات المتعلقة بالأمن القومي، وله صلاحيات مطلقة تمنحه القدرة على اتخاذ قرارات الحرب والملفات المرتبطة بها، وكذلك المفاوضات السياسية والعلاقات الدبلوماسية والقيام بالمهام الطارئة؛ وهو أيضا معني برفع قدرات الأجهزة الأمنية وتطوير الجيش، وقراراته لا يمكن الطعن فيها أو مراجعتها. وقد تعددت الأهداف التي حددها الكابنيت للحرب على غزة، وتتضمن تدمير البنية العسكرية والبنية التحتية لحماس؛ لئلا يشكل قطاع غزة في المستقبل أي تهديد لأمن إسرائيل، وإنشاء أماكن أمنية عازلة على أطراف القطاع، وتحقيق الردع وإظهار القوة العسكرية، وحل قضية الرهائن والمحتجزين لدى حماس، وهو ما لم تنجح إسرائيل في تحقيقه حتى الآن رغم كل الدمار الشامل لقطاع غزة، ورغم الارتفاع الكبير جدا لفاتورة العدوان الإسرائيلي على غزة. الهجوم على نتن ياهو: في ظل تزايد الانقسامات التي طرأت داخل إسرائيل بعد طوفان الأقصى طالب العديد من رؤساء أحزاب وقيادات سياسية هناك بضرورة إجراء تغيير في الحكومة الحالية خاصة تغيير بعض الوزراء الذين ينتمون لأحزاب تلمودية متطرفة، ومنهم وزير الأمن الداخلي (إيتمار بن غفير) زعيم حزب القوة اليهودية، الذي ينادي بضرورة تهجير الفلسطينيين من غزة قسرًا أو طوعًا، ويطالب ببقاء الجيش الإسرائيلي الدائم فيها، ويشاركه في هذا الرأي وزير المالية (سموتريتش) ومنهم وزير التراث (عميحاي بن إلياهو)، الذي ينتمي لعائلة من الحاخامات اغتنت من أموال الهبات التي حصلت عليها، والذي صرح بإمكانية ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية! وهو من خريجي المدارس التلمودية الداعية إلى التخلص من العرب بشكل عام. حكومة نتن ياهو في انتظار نتائج التحقيقات: مما لا شك فيه أنه بمجرد انتهاء الحرب القائمة في قطاع غزة؛ ستكون هناك لجنة للتحقيق في القصور والتراخي الذي انتاب الأجهزة الأمنية والاستخبارية، وترتب عليه العجز عن حماية المستوطنين والمواقع العسكرية في غلاف غزة، وأدى إلى النجاح المفاجئ والصادم لعملية طوفان الأقصى؛ لجنة للتقصي والتحقيق على غرار لجنة (جرانت) التي حققت في أسباب هزيمة إسرائيل في حرب العاشر من رمضان وأدانت بشدة القيادات العسكرية في إسرائيل وقتها. والمتوقع إدانتها للقيادات السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل بدرجات متفاوتة، لكنها تهدد مستقبلها السياسي والعسكري؛ خاصة وقد تسربت أنباء عن وجود وثيقة أعدتها المخابرات العسكرية الإسرائيلية في عام 2014 في أعقاب عملية (الجرف الصامد) على غزة، أكدت فيها لنتن ياهو إمكانية القضاء على حركة حماس في غضون 5 سنوات، ولكن بكثير من التضحيات، وربما تتسبب في تهديد اتفاقية السلام مع مصر. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (19) إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية (1-3) كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد تقدمت جمهورية جنوب إفريقيا بصفتها عضوًا في الأمم المتحدة وموقعة على اتفاقية (منع جريمة الإبادة الجماعية)، بما يعني أنها ملتزمة بغرض الاتفاقية الذي أنشأت الاتفاقية من أجله، تقدمت بشكواها ضد دولة إسرائيل بصفتها عضوًا أيضًا في الأمم المتحدة وموقعة على نفس الاتفاقية، وطبقًا للمادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية فإنه تعرض المنازعات بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية والمتعلقة بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها أو تنفيذها، بما في ذلك تلك المتعلقة بمسؤولية دولة ما عن الإبادة الجماعية، إلى محكمة العدل الدولية بناءً على طلب أي من أطراف النزاع. وهنا من منطلق أن جنوب إفريقيا باعتبارها دولة طرفًا في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تعد مسئولة كدولة طرف في الاتفاقية العمل على منع الإبادة الجماعية أو خطر حدوثها في قطاع غزة؛ خاصة بعد كل الدعوات إلى إسرائيل المحتلة لقطاع غزة للوقف الفوري للأعمال العسكرية العدائية المفرطة التي تجاوزت جرائم الحرب إلى حد الإبادة الجماعية في القطاع، والامتناع عن السلوك الذي يشكل -أو لا يمنع- حدوث انتهاكات بموجب التزاماتها بموجب الاتفاقية، خاصة مع عدم رد إسرائيل بشكل مباشر على المذكرة الشفوية التي أرسلتها جنوب إفريقيا في 21 ديسمبر 2023 إلى إسرائيل بمنع حدوث الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ورفض إسرائيل علنا اتهامها بارتكاب إبادة جماعية خلال هجماتها العسكرية، وإدراكًا من جنوب إفريقيا لدور محكمة العدل الدولية الهام، وأهمية ممارسة مسؤوليتها الجسيمة فيما يحدث من أعمال إبادة جماعية ضد سكان غزة، والتي تشتكي منها جنوب إفريقيا. وقد شرعت محكمة العدل الدولية فعليًّا في مناقشة الدعوى المقدمة من دولة جنوب إفريقيا في يومي: الحادي عشر والثاني عشر من يناير 2024. وكانت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية الصادرة من منظمة الأمم المتحدة عام 1948، قد وقعت عليها إسرائيل في 17 أغسطس 1949، وأودعت صك التصديق عليها في التاسع من مارس 1950، وأصبحت طرفًا في الاتفاقية عند دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في 12 يناير 1951، بينما أودعت جنوب إفريقيا صك انضمامها للاتفاقية في 10 ديسمبر 1998، أي: أن إسرائيل وجنوب إفريقيا طرفان في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. يتعلق طلب دولة جنوب إفريقيا بالأعمال التي تم التهديد بها أو تبنيها أو التغاضي عنها أو اتخاذها من قِبَل الحكومة الإسرائيلية وجيشها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023؛ بدعوى أنها حرب ضد جماعة حماس مع كون القتل العشوائي لآلاف المدنيين والتدمير واسع النطاق غير المسبوق للبنية التحتية المدنية والتهجير القسري لمعظم سكان القطاع، وتحويل القطاع إلى معسكر اعتقال تتم فيه أعمال الإبادة الجماعية يفضح تلك الأكذوبة، ويؤكد أن هذه الأعمال العسكرية المفرطة بمثابة عقاب جماعي وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، لما فيها من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لا لبس فيها كما سيأتي. إضافة إلى الفشل الإسرائيلي في وقف تلك الإبادة أو منعها أو معاقبة المسئولين عنها، وذلك من أجل ضمان الحماية العاجلة والكاملة الممكنة للفلسطينيين العزل في غزة، وكذلك تقديم التعويضات المناسبة لضحاياها، وتقديم الضمانات الكافية بعدم تكرارها، وهذا بناءً على أنه يجوز لأي دولة طرف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وليس فقط الدولة المتضررة بشكل خاص، تقديم طلبها لمحكمة العدل الدولية للنظر في الانتهاكات التي تقوم بها دولة أخرى هي طرف في الاتفاقية. وقد جاء في مقدمة دعوى جنوب إفريقيا: أن قطاع غزة وهو شريط ضيق من الأراضي، يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب مصر، ومن الشمال والشرق إسرائيل، وهي تمثل مع الضفة الغربية لنهر الأردن والقدس الشرقية دولة فلسطين، التي اعترفت بها دولة جنوب إفريقيا في فبراير 1995، وقد منحت مركز دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012. وتبلغ مساحة القطاع 365 كيلو متر مربع، يسكنه نحو 3و2 مليون شخص؛ لذا فيعد القطاع من أكثر الأماكن في الكثافة السكانية، نصفهم تقريبًا من الأطفال، ويعد 80 % منهم من اللاجئين وأولاد وأحفاد اللاجئين من البلدات والقرى التي تعرف الآن بدولة إسرائيل، وقد طردوا أو أجبروا على الفرار أثناء التهجير الجماعي لأكثر من 750 ألف فلسطيني، وهو ما يعرف تاريخيًّا بالنكبة؛ ذلك أثناء إنشاء دولة إسرائيل؛ ولذلك فإن النكبة والتهجير الجماعي المرتبط بها يحتل مكانة بارزة في تاريخ ووعي الفلسطينيين في غزة. كانت غزة محتلة في أعقاب حرب يونيو 1967، وفي عام 2005 قامت إسرائيل بفك الارتباط مع غزة وتفكيك قواعدها العسكرية ونقل المستوطنين الإسرائيليين منها إلى إسرائيل والضفة الغربية المحتلة. وعلى الرغم من فك الارتباط فقد مارست إسرائيل سيطرتها على المجال الجوي وعلى المياه الإقليمية والمعابر البرية والمياه والكهرباء والوقود والبنية التحتية المدنية في غزة، واستولت على المهام الحكومية الرئيسية؛ مثل: إدارة سجل السكان الفلسطينيين في غزة، ونظرًا لاستمرار سيطرة إسرائيل على قطاع غزة فالمجتمع الدولي يعتبرها خاضعة للاحتلال العسكري من جانب إسرائيل، وقد تجلت تلك السيطرة شبه الكاملة بشكل صارخ بعد 7 أكتوبر 2023 من قطع المياه وإمدادات الغذاء والوقود والكهرباء والدواء عن غزة. وفي أعقاب فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006 اعتبرت إسرائيل القطاع منطقة معادية، وقامت بتشديد القيود على حركة الأشخاص والبضائع بشكل كبير، وفرضت حصارًا صارمًا على غزة؛ مما أدى إلى عزلة طويلة الأمد على القطاع، حيث تتحكم إسرائيل في معبر (إيريز) للمشاة ومعبر (شالوم) للبضائع، وهما وسيلتا التواصل والانتقال بين غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية للتجارة والعمل والحصول على رعاية صحية متقدمة وعلى الخدمات الاجتماعية وزيارة الأقارب. وقد تعنتت إسرائيل طوال تلك الفترة في منح الفلسطينيين في غزة تصاريح للسفر، وهي تصاريح لا يحصل عليها إلا القليل، وقد سجلت منظمة الصحة العالمية بين سنتي 2008 و2021 أن هناك 839 فلسطينيًّا من غزة توفوا أثناء انتظارهم للحصول على تصاريح طبية لمغادرة غزة لتلقي العلاج العاجل، بينما كانت غالبية التصاريح التي تمنح لدخول إسرائيل هي تصاريح مخصصة لعمال اليومية وتجار المنتجات الزراعية. كما قيدت إسرائيل بشدة دخول البضائع للقطاع من خلال حظر البضائع بدعوى أنه يمكن أن يكون لها استخدام مدني وعسكري مزدوج؛ كما قيدت الإمدادات الغذائية داخل القطاع بتقليص المساحة الزراعية الرئيسية المخصصة للزراعة؛ كما جعلت إسرائيل الصيد البحري في القطاع أمرًا خطيرًا بالنسبة للصيادين الفلسطينيين؛ إذ ليس لهم الوصول إلى كامل منطقة الصيد، والتي تبلغ 20 ميلًا بحريًّا، نصت عليها اتفاقية (أوسلو) المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في أوائل التسعينيات، وقد أدى الحصار البحري الذي فرضته إسرائيل واستخدام القوة والاعتقالات ومصادرة معدات الصيد إلى تقليص منطقة صيد الأسماك في غزة بشدة. لقد حول الحصار الإسرائيلي على غزة القطاع من مجتمع منخفض الدخل بقدرات تصدير متواضعة إلى (جيتو) فقير، له اقتصاد متهالك، ونظام خدمة اجتماعية منهار. ويمكن وصف وضع غزة مع نهاية عام 2022 بأنه قطاع تتمثل إستراتيجية إسرائيل الواضحة تجاهه أن سكانه غير مرغوب فيهم، وهم محصورون في شريط ساحلي ضيق من خلال الحصار الجوي والبري والبحري لمدة 15 عامًا بلغت فيه البطالة نسبة 45%، ونسبة الفقر 60 %، ليصبح 80 % من سكانه يعتمدون على شكل من أشكال المساعدات الدولية. كما تعرضت طبقة المياه الجوفية الساحلية في غزة، وهي المصدر الوحيد لمياه الشرب الطبيعية، للتلوث من خلال التلوث بمياه البحر والصرف الصحي؛ مما جعل قطاع غزة يعتمد بشكل كبير في الحصول على مياه الشرب من المصادر الخارجية. هذا مع انقطاع للتيار الكهربائي يستمر لساعات طويلة أثناء اليوم، مع خنق الاقتصاد المحلي من خلال الرقابة الإسرائيلية الصارمة والتحكم في دخول وتصدير البضائع من وإلى القطاع؛ كما عانى نظام الرعاية الصحية في القطاع من انهيار كبير نتيجة للنقص الخطير في مجال الرعاية الصحية نتيجة نقص معدات العلاج وتناقص أعداد العاملين، ونقص الإمدادات من الأدوية والعقاقير الطبية. هذا إلى جانب تحمل سكان القطاع لأربع حروب غير متكافئة إلى حد كبير مع الجيش الإسرائيلي خلال الثلاثة عشر عاما الماضية كانت الأكبر تأثيرًا، وتسببت في فقد أرواح مدنيين كثيرة وتدمير هائل للممتلكات، إذ قتل في الفترة ما بين سبتمبر 2000 وأكتوبر 2023 نحو 7569 فلسطينيًّا وأصيب عشرات الآلاف؛ إضافة إلى مقتل 214 فلسطينيًّا آخرين خلال مظاهرات (مسيرة العودة)، وهي احتجاج سلمي واسع قام به الفلسطينيون على طول السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل شارك فيه الآلاف من الفلسطينيين كل يوم جمعة لمدة 18 شهرًا مطالبين برفع الحصار المفروض عليهم وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومنازلهم في إسرائيل. العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023: تعرض قطاع غزة من جديد لهجمات عسكرية واسعة النطاق برًّا وبحرًا وجوًّا، منذ الثامن من أكتوبر 2023، هي من أعنف حملات القصف التقليدي في التاريخ الحديث، وتشير التقديرات أنه خلال أول ثلاثة أسابيع من القصف تم إسقاط 6000 قنبلة أسبوعيًّا على قطاع غزة صغير الحجم، وأنه خلال شهرين أحدثت الهجمات العسكرية دمارًا أكبر من حجم الدمار الذي لحق بمدينة حلب السورية بين عامي: 2012 و2016، ومدينة ماريو بول في أوكرانيا، وأكبر من قصف الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية، والذي جعل غزة تبدو من الفضاء بلون مختلف وتتخذ نسيجًا مختلفًا عما كانت عليه قبل الدمار؛ كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة مؤرخة في السادس من ديسمبر 2023 موجهة إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي أحاطت الجمعية العامة للأمم المتحدة علمًا بها بشكل صريح في قرار الجمعية العامة المؤرخ في 12 ديسمبر 2023 بشأن حماية المدنيين والوفاء بالالتزامات القانونية والإنسانية. وقد وصف المسؤولون في الأمم المتحدة وفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر -كما جاء في النص العربي المترجم لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية-: بأن ما يتكشف لهم في قطاع غزة يعد أزمة إنسانية، وأنهم لم يروا شيئًا مثل ما يرونه اليوم في غزة، مما يعد فشلًا أخلاقيًّا يسبب معاناة لا تطاق، وأن الوضع الآن هناك مروع، إنه جحيم حي، هناك بقايا أمة تدفع إلى جيب في الجنوب! شعب بأكمله يعيش في رعب مطلق ومعمق، يتعرضون للقصف الإسرائيلي بلا هوادة، قصف للمنازل والملاجئ والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة، ويعانون الموت والحصار، والدمار والحرمان من الاحتياجات الإنسانية الأكثر أهمية؛ مثل: الغذاء والماء والإمدادات الطبية المنقذة للحياة، وغيرها من الضروريات اللازمة للبقاء على قيد الحياة. إن غزة أخطر مكان يمكن أن يعيش فيه طفل أو إنسان؛ كل شيء فيها غير مسبوق، لقد نفذت الكلمات لوصف ما يجري. أعمال القتل العشوائية الموسعة: تفيد التقارير القادمة من غزة أن هناك عشرات الآلاف من الفلسطينيين قد قتلوا وعشرات الآلاف آخرين أصيبوا، وأن 70% منهم أطفال ونساء، وأن هناك الآلاف ما زالوا في عداد المفقودين وتحت الأنقاض، غالبهم قد لقوا حتفهم تحت تلك المباني المدمرة أو يموتون ببطء أو تحللوا حيث قتلوا؛ إذ تمنع قوات الاحتلال عمدًا أي محاولات لانتشالهم من تحت الأنقاض وإغاثتهم أو إنقاذهم، كما تستهدف بالقصف سيارات الإسعاف إلى جانب قطع الاتصالات عن القطاع. وبلغ الأمر من كثرة عمليات القتل الواسع النطاق أنه يتم دفن جثث الموتى في مقابر جماعية، وغالبًا ما تكون مجهولة الهوية. ولم يعد في غزة أي مكان آمن، لقد قتل الفلسطينيون في منازلهم، وفي كل الأماكن التي لجأوا إليها للاحتماء بها، في المستشفيات، في المدارس، حتى في مدارس ومنشآت الأونروا التابعة للأمم المتحدة، وفي المساجد والكنائس، حتى إنهم قتلوا أثناء محاولتهم الفرار على طول الطرق التي أعلنت قوات الاحتلال أنها طرق آمنة للفرار نحو وسط القطاع وجنوبه، بل إن هناك تقارير عن إطلاق النار على أشخاص عزل فور رؤيتهم على الرغم من عدم تشكيلهم أي تهديد. وقد أسقطت القوات الإسرائيلية في مناطق من أكثر المناطق كثافة سكانية قنابل ثقيلة يصل وزنها إلى 2000 رطل (900 كيلو جرام)، والتي يتوقع أن يصل نصف قطرها المميت إلى 360 مترًا، وأن تتسبب في أضرار بالغة إلى مسافة تصل إلى 800 متر من نقطة الارتطام. مأساة الأطفال في غزة لا مثيل لها: وبالنسبة للأطفال الفلسطينيين على وجه الخصوص فلا مكان آمن لهم، ففي أول شهرين من العدوان على غزة كان معدل القتل للأطفال في غزة أكثر من 115 طفلًا فلسطينيًّا يقتلون يوميًّا؛ لذا وصفت غزة بأنها (مقبرة للأطفال)، وأن الهجمات الإسرائيلية في غزة إنما هي حرب على الأطفال هناك. إن معدل الضحايا من الأطفال في الصراعات التي شاهدها العالم في آخر 20 سنة حوالي 20%، ولكن في العدوان الحالي على غزة بلغت النسبة حوالي 40 %، أي ضعف عدد الأطفال الذين يقتلون في الصراعات الأخرى. ويعاني 80% من هؤلاء الأطفال من مستويات عليا من الاضطراب العاطفي، ومن صوره التبول اللاإرادي، والصمت التفاعلي، والانخراط في إيذاء النفس. ومعلوم أن الأزمات العنيفة تؤثر على الأطفال بشكل رهيب، فهم الأكثر ضعفًا؛ فالتعرض المتكرر للعنف والصراع، بما فيها مشاهدة وتجربة هدم المساكن والحصار الشديد، يرتبط بمستويات عالية من الضيق النفسي؛ هذا إلى جانب الانقطاع عن التعليم، إذ تم تدمير نحو 74 % من المدارس في غزة تدميرا كاملا، وانقطعت العملية التعليمية في القطاع تمامًا. إن هذه المعاناة سيكون لها آثارها على صحة هؤلاء الأطفال الجسدية والنفسية مدى الحياة. لقد وصفت منسقة الطوارئ لمنظمة أطباء بلا حدود عند عودتها من قطاع غزة بعد خمسة أسابيع من بداية العدوان الإسرائيلي الأوضاع بقولها: (إنه في الواقع أسوأ مما يبدو، إنه لا يوجد شيء يضاهي مقدار المعاناة، فهو أمر لا يطاق حقًّا. وأنا عاجزة عن الكلام عندما أحاول أن أفكر في مستقبل هؤلاء الأطفال. إن هناك أجيالًا من الأطفال الذين سيكونون معاقين، والذين سيصابون بصدمات نفسية. إن الأطفال المشاركين في برنامجنا للصحة العقلية يقولون لنا: إنهم يفضلون الموت على الاستمرار في العيش في غزة الآن). وهناك حالات كثيرة من الإصابة بالحروق وبتر الأطراف، حيث يوجد نحو ألف طفل فقدوا إحدى ساقيهم أو كلتيهما، كما أن هناك عشرات الآلاف من الأطفال فقدوا أحد والديهم على الأقل. استخدام أسلحة محرمة دوليًّا ضد المدنيين: هناك تقارير باستخدام القوات الإسرائيلية للفسفور الأبيض المحرم دوليًّا، والذي يسبب حروقًا عميقة وشديدة. قتل الأطباء والصحفيين والعاملين في الأمم المتحدة: فقد قُتِل في غضون هذين الشهرين أكثر من 311 طبيبًا وممرضًا وعاملًا من العاملين في مجال الرعاية الصحية، وقتل سائقي سيارات إسعاف، وذلك أثناء أدائهم لأعمالهم؛ كما قتل 103 من الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، وقتل 40 عاملاً في مجال الدفاع المدني المسئولين عن المساعدة في انتشال الضحايا من تحت الأنقاض؛ كما قتل 144 موظفًا في الأمم المتحدة، وهو أكبر عدد من عمال الإغاثة الذين قتلوا في تاريخ الأمم المتحدة في مثل هذا الوقت القصير. تداعيات أخرى للحصار المفروض: تشير التقديرات إلى أن انتشال رفات من هم تحت الأنقاض سيستغرق سنوات، مع صعوبة التعرف على هوية كل جثة؛ هذا بالإضافة إلى تعرض الفلسطينيين إلى خطر الموت المباشر المؤلم البطيء بسبب الجوع والعطش والجفاف، نتيجة الحصار المستمر وعدم السماح بوصول الإمدادات والمساعدات الكافية إلى السكان الفلسطينيين، مع الصعوبات الشديدة في توزيع المتاح من المساعدات المحدودة التي يسمح بدخولها إلى القطاع نتيجة تدمير البنية التحتية وانقطاع كل سبل الاتصال. المعاملة اللا إنسانية للمدنيين الفلسطينيين: تتعمد قوات الاحتلال الإسرائيلية تجريد المدنيين الفلسطينيين من إنسانيتهم من خلال المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة، وأفادت التقارير إلى أنه تم اعتقال أعداد كبيرة من المدنيين بما في ذلك الأطفال، وتعصيب عيونهم، وإجبارهم على خلع ملابسهم والبقاء في الخارج في الطقس البارد في شهور الشتاء، وإجبارهم على ركوب الشاحنات ونقلهم إلى أماكن مجهولة، كما تم احتجاز الأطباء والمسعفين ومقدمي خدمات الإسعاف الأولية بشكل متكرر. وقد عرضت مقاطع فيديو نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية في يوم عيد الميلاد (عند النصارى) يظهر فيها مئات الفلسطينيين داخل ملعب اليرموك لكرة القدم في مدينة غزة، بما في ذلك أطفال وكبار سن وأشخاص من ذوي الإعاقة، حيث يجبرون على خلع ملابسهم باستثناء ملابسهم الداخلية في ظروف مهينة. وقد أفاد العديد من المعتقلين الفلسطينيين الذين تم إطلاق سراحهم أنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الحرمان من الطعام والماء، والمأوى، والوصول إلى المراحيض. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية: أن هناك لقطات تظهر فيها كدمات وحروق على أجساد المعتقلين. الإخلال بالوعود الآمنة: تكررت من القوات الإسرائيلية أوامر الإخلاء التي تطالب المدنيين الفلسطينيين في غزة بمغادرة منازلهم إلى مناطق أخرى، وتشير التقديرات إلى أن نحو 9و1 مليون فلسطيني من سكان غزة، أي: ما يقرب من 85 % من السكان، قد أجبروا بالفعل على ترك منازلهم، ولا يجدون مكان آمن للفرار إليه؛ أما من لم يستطيعوا المغادرة أو رفضوا النزوح فقد قتلوا، أو هم من المعرضين بشدة لخطر القتل. وقد صدر الأمر الأول في 13 أكتوبر 2023 بأن يغادر 1و1 مليون فلسطيني يعيشون أو يتواجدون في شمال غزة منازلهم والتوجه إلى جنوب غزة في غضون 24 ساعة، وقد حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن تعليمات الإخلاء هذه والتي تؤثر على سكان 36 % من أراضي غزة؛ بالإضافة إلى الحصار الكامل لا تتوافق مع القانون الإنساني الدولي. وحذرت منظمة الصحة العالمية من أنها قد تكون بمثابة حكم الإعدام على مرضى ومصابي المستشفيات، ومع ذلك استمرت قرارات الإخلاء. وقد تم حث الفلسطينيين الفارين من الشمال بأوامر الإخلاء الإسرائيلية على التحرك جنوبًا على طريق صلاح الدين، شريان المرور الرئيسي هناك، في أيام معينة في أوقات معينة، ومع ذلك تم الإبلاغ عن العديد من حالات القصف على طول الطريق؛ كما واصلت القوات الإسرائيلية قصف جنوب وادي غزة مما أدى إلى مقتل العديد من الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم إليه. وفي الأول من ديسمبر 2023 ومع نهاية الهدنة المؤقتة التي استمرت ثمانية أيام بين إسرائيل وحماس ألقت القوات الإسرائيلية منشورات تحث الفلسطينيين على مغادرة الأماكن التي طلب منهم في السابق الفرار إليها، والتي تشكل نحو 30 % من غزة، أي: تراجعت القوات الإسرائيلية عن وعودها بتوفير السلامة لأولئك الذين امتثلوا لأوامرها بإخلاء شمال غزة قبل شهرين، وتم تهجيرهم قسرا مرة أخرى إلى جانب سكان جنوب غزة. وقد نشرت القوات الإسرائيلية خريطة تفصيلية على الإنترنت تقسم قطاع غزة إلى مئات المناطق الصغيرة بغرض تقديم الإشعار بإخلاء مناطق فردية منها قبل الضربات الجوية المخطط لها، ولكن دون تحديد المكان الآمن الذي يجب أن يتم الإجلاء إليه، علاوة على أن وسط قطاع غزة يعاني من الانقطاع المستمر للكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية منذ 11 أكتوبر 2023 فلا توجد طريقة موثوقة للوصول لتلك الخرائط الرقمية والتعرف على ما فيها. وفي ليلة عيد الميلاد نفسها قصفت قوات الاحتلال مخيم اللاجئين المغازي في المنطقة الوسطى التي هرب إليه عشرات الآلاف من الفلسطينيين القادمين من شمال غزة؛ مما أدى إلى مقتل 86 شخصًا وإصابة آخرين. وبالنسبة لمن تم إجلاؤهم قسرًا من منازلهم؛ فقد دمرت أو أتلفت القوات الإسرائيلية ما يقدر بنحو 355 ألف من منازلهم، وجعلتها غير قابلة للسكنى إلى حدٍّ كبير، وهي تمثل 60 % من إجمالي المساكن في غزة، مما يحبط أي آفاق واقعية لعودة أصحابها المشردين إليها، مما يمثِّل تكرارًا تاريخيًّا للتهجير القسري الجماعي للفلسطينيين من قِبَل العصابات الصهيونية الإرهابية في عام 1948. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (20) إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية (2-3) كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمما تعرضت له دعوى دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل: حالة المجاعة الشديدة التي يتعرض لها كل سكان قطاع غزة؛ نتيجة الحصار الصارم من قوات الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، وتعمدها منع دخول الطعام والماء للقطاع، إلى جانب منع دخول الوقود والإمدادات والمساعدات الطبية، بما يعني تعرض سكان القطاع جميعًا، والذين يزيد عددهم عن المليونين لخطر الموت جوعًا بلا رحمة. ورغم أن هناك فترات من تخفيف الحصار وسماح بإمدادات من الطعام والماء والوقود، لكن يظل هذا السماح لعدد من شاحنات المساعدة بدخول القطاع غير كافٍ لاحتياجات هذا العدد الكبير من السكان؛ فهو أقل بكثير من الاحتياجات الدنيا المطلوبة. ومما يزيد من حجم الأزمة -بالإضافة إلى قلة أعداد شاحنات المساعدة التي يسمح على فترات بدخولها القطاع-: - نقص الوقود الشديد؛ مما يؤثر وبشدة على عمليات نقل هذه المساعدات المحدودة داخل القطاع بعيدًا عن نقاط الدخول. - القصف الشديد والأعمال العدائية، والقيود الإسرائيلية على حرية الحركة، وانقطاع الاتصالات وتدمير البنية التحتية من طرق وشوارع يجعل من المستحيل وصول تلك المساعدات على قلتها لكل أو معظم المحتاجين. - إن مطالبة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 22 ديسمبر 2023 بسماح أطراف النزاع بتيسير استخدام جميع الطرق المتاحة عبر قطاع غزة بأكمله بما فيها المعابر، ومطالبة منسق الأمم المتحدة بإنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة وبشكل سريع لتسريع تقديم شحنات الإغاثة الإنسانية أمر غير فعال؛ لأنه لا يعالج بشكل صحيح العناصر الأربعة الضرورية التي حدَّدها الأمين العام للأمم المتحدة للسماح بتقديم مساعدة فعالة قادرة على مساعدة الفلسطينيين، وتتضمن: - الحاجة إلى توفر الأمن: بعيدًا عن القصف الشديد والقتال النشط في مناطق حضرية مكتظة بالسكان بما يهدد حياة المدنيين وحياة عمال الإغاثة. - الحاجة إلى وجود موظفين يمكنهم العيش والعمل بأمان: فلقد قتل نحو 136 من موظفي الأمم المتحدة في غزة خلال 75 يومًا، وهذا شيء لم يُرَ من قبل في تاريخ الأمم المتحدة. - الحاجة إلى توفير اللوجستيات: فلقد تم تدمير العديد من مركبات وشاحنات الإغاثة أو تركها عند الإجلاء القسري من شمال غزة، ولم تسمح القوات الإسرائيلية بتشغيل أي شاحنات إضافية في غزة، مما يعيق أعمال الإغاثة وتوصيل الإمدادات؛ هذا إلى جانب خطورة توصيل الإمدادات بسبب النزاع النشط والذخائر غير المنفجرة، والطرق التي تضررت بشدة في كل مكان. - الحاجة إلى استئناف الأنشطة التجارية في غزة: حيث تضع القوات الإسرائيلية القيود على النشاط التجاري في غزة، فلا يعمل إلا مخبز واحد، ولا يوجد في غزة الكثير لشرائه حتى مع تكثيف الدعم المادي للعائلات الضعيفة. - لقد تسببت الضربات الإسرائيلية في تدمير المخابز ومنشآت المياه والطاحونة الوحيدة المتبقية التي كانت تعمل، وتم تدمير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وما فيها من المحاصيل والبساتين والصوبات الزراعية. إنه بحلول شهر نوفمبر 2023 صارت بنية الغذاء في غزة غير فعالة بالفعل، نظرًا لإغلاق الأسواق والمتاجر ونقص العناصر الغذائية الأساسية وارتفاع أسعار الأغذية القليلة المتوفرة، فالخبز نادر أو غير موجود، والمواشي التي لم تقتل تواجه أيضا المجاعة. - إن قياس فعالية الإغاثة الإنسانية في غزة استنادًا إلى عدد الشاحنات التي يسمح الهلال الأحمر المصري أو الأمم المتحدة وشركاؤها بتفريغها عبر الحدود خطأ، فإن المشكلة الحقيقية في العوائق الهائلة أمام توزيع المساعدات الغذائية داخل غزة. - إن عدم صدور قرار بوقف إطلاق النار يعد بمثابة ضوء أخضر لاستمرار الإبادة الجماعية في غزة. - إن إسرائيل تدفع السكان الفلسطينيين في غزة إلى حافة المجاعة رغم تحذيرات الوكالات الدولية من أن خطر المجاعة في غزة خطر حقيقي، وأنه يزداد كل يوم، وأن أغلب الفلسطينيين في غزة يتضورون جوعًا، وأن مستويات الجوع ترتفع يوميًّا. وقد وصف المفوض العام للأونروا الفلسطينيين في غزة بأنهم يائسون وجائعون ومرعوبون، وأنهم يوقفون شاحنات الإغاثة، ويأخذون الطعام ويأكلونه فورًا، بينما صرحت منظمة الصحة العالمية أن نسبة غير مسبوقة تبلغ 93% من سكان غزة يواجهون مستويات أزمة من الجوع مع عدم كفاية الغذاء، ووجود مستويات عالية من سوء التغذية حتى في المستشفيات. وقد اضطرت أسر لبيع ممتلكاتها واتخاذ إجراءات أخرى لتحصل على وجبة بسيطة، وقد حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان من أن المجاعة لا يجب أن تكون وسيلة أو نتيجة للحرب. - وقد اتهمت منظمة (هيومن رايتس ووتش) إسرائيل صراحة باستخدام الجوع كسلاح حرب ضد الشعب الفلسطيني في غزة. - كما أن المياه منخفضة بشكل كبير مع قطع المياه عن غزة؛ خاصة أن محطة تحلية المياه صارت لا تعمل، ويؤثر نقص المياه بشكل خطير على النساء المرضعات اللاتي يحتجن إلى تناول الكثير من الماء، وقد توقفت الكثير من الأمهات الشابات عن الرضاعة الطبيعية بسبب ندرة الغذاء والماء، وأجبرن على استخدام مياه ملوثة لتحضير الحليب الصناعي إذا توفر، مما يعرض أطفالهن لخطر الأمراض، وذكر أنهم يموتون بالفعل من أسباب كان من الممكن تجنبها؛ هذا بينما يعاني الأطفال الأكبر سنًّا من أعراض سوء التغذية، فهناك أكثر من 7600 طفل في غزة يعانون من الهزال المهدد للحياة، إلى جانب خطر الإصابة بالأمراض المعدية نتيجة التوقف عن التطعيمات الأساسية التي يحتاجونها. إن عشرات الألوف من الفلسطينيين في غزة يعيشون وينامون في الساحات والشوارع؛ إذ لا يوجد سكن لهم ولا أقرباء، ولا مكان لهم في المرافق الحكومية وساحات المستشفيات، وهم يعانون من النقص الحاد في الملابس الدافئة والفرش والأغطية؛ لذا فهم يحرقون الخشب والبلاستيك والنفايات للتدفئة والطهي، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض التنفسية. الحرب الإسرائيلية على المنظومة الصحية: كان الهجوم الإسرائيلي على المنظومة الصحية في قطاع غزة أكثر من أي شيء آخر، ومعلوم أن الرعاية الطبية ضرورية للحياة. لقد أعلنت القوات الإسرائيلية حربًا بلا هوادة على النظام الصحي في غزة، وهو ما أشار إليه المقرر الخاص للأمم المتحدة -حول الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية- بقوله: (إن البنية التحتية الصحية في قطاع غزة قد دمرت بالكامل)، و(نحن شهود على حرب مخزية ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية). وفي رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 4 ديسمبر 2023 كتب الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود: (لقد أظهرت إسرائيل تجاهلًا صريحًا وكليًّا لحماية المنشآت الطبية في غزة، نحن نشاهد المستشفيات تتحول إلى مشارح وأنقاض، تتعرض هذه المنشآت -المفترض أن تكون محمية- للقصف وإطلاق النار من الدبابات والبنادق وتحاصر وتداهم مما يؤدي إلى مقتل المرضى والطاقم الطبي. وقد وثقت منظمة الصحة العالمية 203 هجمة على الرعاية الصحية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 22 شخصًا وإصابة 59 من العاملين في مجال الصحة أثناء الخدمة. الطاقم الطبي -بما في ذلك طاقمنا- مرهق تمامًا ويائس، لقد اضطروا إلى بتر أطراف للأطفال الذين يعانون من حروق شديدة بدون تخدير أو أدوات جراحة معقمة، بسبب الإخلاء القسري من قِبَل الجنود الإسرائيليين اضطر بعض الأطباء إلى ترك المرضى وراءهم بعد مواجهة اختيار لا يمكن تصوره بين حياتهم أو حياة مرضاهم. لا يوجد مبرر للهجمات الفظيعة على الرعاية الصحية.. قتل أربعة من طاقمنا في منظمة أطباء بلا حدود، فقد العديد آخرون من أفراد عائلاتهم، أصيب العديد من الزملاء الآخرين.. أبلغت منظمات إنسانية عن مقتل العشرات من طاقمها.. يتم محو شمال غزة من الخريطة.. انهار النظام الصحي.. أبلغ فريق الطوارئ لدينا في خان يونس جنوب غزة عن تدفقات هائلة للجرحى بعد قصف عنيف، وصل السبت الماضي 60 قتيلًا و213 جريحًا إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الأقصى، تضرب هذه الغارات أيضا مخيمات اللاجئين المكتظة، حيث يكافح الناس للبقاء على قيد الحياة بالمساعدات الإنسانية القليلة المتاحة، إذا لم تصلهم القنابل فسوف تصلهم الأمراض المعدية والجوع). منذ أوائل ديسمبر 2023 ازدادت هجمات الجيش الإسرائيلي على المستشفيات الفلسطينية، استمر الجيش الإسرائيلي في مهاجمة وحصار المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية لحرمانهم من الكهرباء والوقود الضروريين للحفاظ على الأداء الفعال، ولعرقلة وصول المستلزمات الطبية والطعام والماء لإجبارهم على الإخلاء والإغلاق، وبشكل فعال تدميرهم. شمال غزة دون أي مستشفى يعمل لمدة أسبوع، لديه فقط أربعة مستشفيات متحدية بشدة وتعمل جزئيًّا. لقد حولت إسرائيل المستشفيات الفلسطينية في غزة من أماكن للشفاء إلى أماكن موت، ومسارح للمجزرة، الموت والدمار واليأس. أصبح العديد من المستشفيات الآن مجرد أماكن ينتظر فيها الناس الموت، وتصف منظمة الصحة العالمية الوضع بأنه لا يمكن التصديق عليه، ولا يصدق. - استهدف الجيش الإسرائيلي مولدات المستشفيات، والألواح الشمسية للمستشفيات، ومعدات أخرى حيوية؛ مثل: محطات الأكسجين، وخزانات المياه؛ كما استهدف سيارات الإسعاف والقوافل الطبية والمسعفين الأوائل. من بين القتلى بعض من أكثر الأطباء خبرة ومهارة في غزة، بما في ذلك الدكتور (هاني الهيثم) رئيس قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء، الذي قتل مع زوجته الدكتورة (سميرة غيرافي) وأطفالهما، الدكتور (محمد دبور) رئيس قسم علم الأمراض في مستشفى الشفاء، قتل على ما يبدو مع ابنه ووالده أثناء محاولتهم الفرار. الدكتور (مدحت سعيد) م. جراح تجميلي للحروق في مستشفى الشفاء. الدكتور (حمام الله) أخصائي كلى في مستشفى الشفاء، الذي قتل في هجمات على منازل عائلتهم، في مقابلة قبل وفاته بوقت قصير، ردَّ الدكتور على السؤال: لماذا لا يفر من الشمال إلى الجنوب؟ قائلًا: إذا ذهبت فمن سيعالج مرضاي؟ نحن لسنا حيوانات، لدينا الحق في تلقي الرعاية الصحية المناسبة، تعتقد أنني درست الطب وحصلت على درجات عليا لمدة 14 عامًا لأفكر فقط في حياتي وليس مرضاي؟ إن الدمار الممنهج للمستشفيات الفلسطينية، وقتل الأطباء الفلسطينيين المتخصصين لا يؤثر فقط على رعاية الفلسطينيين في غزة حاليًا، بل يقوض أيضًا آفاق أي نظام رعاية صحية فلسطيني مستقبلي في غزة، مدمرًا قدرته على إعادة البناء الصحي كما يجب، وتقديم الرعاية الفعالة للشعب هناك. لقد قتل المئات من الفلسطينيين في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية في غزة من بينهم المرضى والنازحين، الذين سعوا دون جدوى للعثور على ملجأ آمن في أرض المستشفى أو بالقرب منها، وقتلوا بضربات إسرائيلية أو بطلقات القناصة، لقد قتلت الأمهات الفلسطينيات في مستشفيات الولادة، والأطفال الفلسطينيون في مستشفيات الأطفال، حتى أولئك الذين كانوا يعتنون بالموتى ويعدونهم -مثل: (سعيد الشربجي) مدير مشرحة مستشفى ناصر- قتلوا. لقد مات فلسطينيون آخرون نتيجة مباشرة لقطع إسرائيل الكهرباء والوقود عن المستشفيات، من بينهم خمسة أطفال خدج و40 مريضًا في العناية المركزة ومرضى الكلى في مستشفى الشفاء. لقد مات فلسطينيون آخرون نتيجة مباشرة لإجلاء المستشفيات القسري من قبل إسرائيل، بما في ذلك ما لا يقل عن أربعة رضع في مستشفى النصر، تم العثور على جثثهم الصغيرة بعد أسابيع -خلال وقف إطلاق النار المؤقت- وهي تتحلل في أَسِرَة المستشفى. تم تحويل ساحات المستشفيات إلى مواقع للمقابر الجماعية! في مستشفى الشفاء اضطر الأطباء أنفسهم إلى حفر مقبرة جماعية لجثث 179 مريضًا وآخرين متحللـة. وقامت الجرافات الإسرائيلية بحفر واستخراج مقبرة جماعية في مستشفى (كمال عدوان) المحاصر في 16 ديسمبر حيث دفن 26 فلسطينيًّا. قال حسام أبو صفية رئيس خدمات الأطفال في مستشفى (كمال عدوان): (حفر الجنود القبور هذا الصباح وجروا الجثث بالجرافات، ثم سحقوا الجثث بالجرافات، لم أرَ مثل هذا الشيء من قبل). لقد تم تجاهل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 27 أكتوبر 2023 الذي يدعو إلى احترام وحماية جميع المنشآت المدنية والإنسانية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى، وكذلك جميع الأفراد الإنسانيين والطبيين. لم يتوقف الأمر فقط على قتل الأطباء والمسعفين، ولكن أيضًا الجمع والاختفاء على يد قوات الاحتلال، من بينهم المدير العام لمستشفى الشفاء وطاقمه، الذين تم القبض عليهم واحتجازهم دون تواصل منذ 24 أكتوبر 2023. لقد اضطر الفلسطينيون إلى إجلاء مرضاهم والمعاقين والجرحى في مسيرة قسرية من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى أماكن أخرى، سحب أسرة المستشفيات خلف السيارات، دفع الكراسي المتحركة، رفعهم على نقالات مؤقتة - أو ببساطة حملهم على الأذرع. توصف المستشفيات التي لا تزال تعمل بأنها مشاهد من فيلم رعب: النقص الحاد في الموظفين والإمدادات بما في ذلك أدوية التخدير والمسكنات والأدوية والمطهرات، أدى ليس فقط إلى بتر غير - ضروري للأطراف، ولكن أيضًا إلى بتر بدون تخدير غالبًا يتم إجراؤه بواسطة مصباح يدوي. وتتعرض النساء الحوامل أيضًا لإجراء الولادات القيصرية بدون تخدير، يتم علاج المرضى على أرضيات متسخة مغطاة بالدماء، مع وقوف أفراد العائلة يمسكون بأكياس محلول ملحي حيثما كانت متاحة. وهناك نقص في الموظفين والموارد للعناية الكافية بالجروح أو العناية بالجروح بعد العملية الجراحية. الجروح غير النظيفة، والتي غالبًا ما تكون موبوءة بالديدان والذباب، تصبح ملتهبة بسرعة، متعفنة أو متغرنة (متغرغرة) - يتوسل المرضى للحصول على الطعام والماء، حتى علاج الألم الأساسي غالبًا ما يكون غير متوفر، والمرضى معرضون لخطر الموت بسبب أمراض يمكن علاجها. وصف أحد الأطباء الاضطرار إلى القيام بإجراءات دون تخدير فقال: (اضطررت إلى تغيير الضمادات على جروح كبيرة، جروح مؤلمة للغاية، كانت هناك فتاة تغطي جسدها بالكامل الشظايا، كان عمرها تسع سنوات، انتهى بي الأمر إلى تغيير وتنظيف هذه الجروح بدون مخدر ولا مسكن... كان والدها يبكي، وأنا كنت أبكي، والطفلة الفقيرة كانت تصرخ...). يقدَّر أن هناك شهريًّا حوالي 5500 امرأة فلسطينية تلد كل شهر من إجمالي 52 ألف امرأة فلسطينية حامل، وهن يلدن في ظل الحرب القائمة في ظروف صعبة وغير آمنة فغالبا تتم الولادات بدون ماء نظيف، وبدون مساعدة طبية، وقد تتم في البيوت أو في الملاجئ أو الشوارع وسط الأنقاض، أو في مرافق الرعاية الصحية المزدحمة، حيث تتدهور الظروف الصحية ويزداد خطر العدوى والمضاعفات الطبية، وقد تخضع النساء الحوامل لعمليات قيصرية بدون تخدير.. ونظرًا لعدم وصول إمدادات طبية للحالات الحرجة، بما في ذلك أكياس الدم، يضطر الأطباء في حالات النزيف الرحمي بعد الولادة إلى إجراء استئصال للأرحام غير ضروري، خاصة للشابات الفلسطينيات في محاولة لإنقاذ حياتهن من خطر النزف، لكون ذلك هو الخيار الوحيد المتاح للواتي ينزفن بعد الولادة، ومما يجعلهن غير قادرات على الحمل والإنجاب للمزيد من الأطفال في المستقبل. هذا بالإضافة إلى نقص للأدوية المهمة؛ مثل: حقنة (الأنتي - دي) التي تُعطَى للنساء السالبات لعامل (الريسوس) عند ولادة طفل إيجابي للريسوس، مما يؤثر وبشكل خطير على احتمالية الحمل الصحي في المستقبل للنساء المتأثرات. وقد زادت حالات الولادة المبكرة بنسبة تتراوح ما بين (25 - 35) في المائة حيث تتعرض النساء الحوامل للتوتر والصدمات النفسية والتحديات الصعبة؛ بالإضافة إلى الاضطرار للمشي لمسافات طويلة بحثًا عن الأمان، مع الازدحام الشديد في الملاجئ، في ظروف غالبا ما تكون غير نظيفة. وقد زادت حالات انفصال المشيمة، وهي حالات خطيرة تحدث قرب أو مع الولادة وتهدد حياة الأم والطفل معًا. إن أعداد كبيرة من الأطفال حديثي الولادة يموتون لأسباب يمكن تجنبها بالكامل، أما الأطفال الخدج والأطفال قليلو الوزن فليس لهم فرصة كبيرة للبقاء على قيد الحياة. وفي 3 نوفمبر 2023 حذرت منظمة الصحة العالمية من أن من المتوقع زيادة أعداد وفيات الأمهات بسبب نقص الوصول إلى الرعاية الكافية، مع عواقب قاتلة على الصحة الإنجابية، بما في ذلك زيادة حالات الإجهاض المستحثة بارتفاع ضغط الدم وحالات الولادات الميتة والولادات المبكرة، سيكون هذا التأثير بالضرورة طويل الأمد وشديد في غزة على الفلسطينيين. وفي 22 نوفمبر 2023 حذرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن العنف ضد المرأة والفتيات من أن العنف الإنجابي الذي تسببت به إسرائيل للنساء والرضع والأطفال قد يعتبر أعمال إبادة جماعية بموجب المادة (2) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بما في ذلك فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات ضمن مجموعة. وأكدت أن على دول العالم أن تمنع وتعاقب مثل هذه الأعمال وفقا لمسئوليتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية. فقد الرعاية الطبية الروتينية: وفوق كل ما سبق، فهناك مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة ممن يحتاجون إلى الرعاية الطبية الروتينية فقدوا تلك الرعاية على أهميتها؛ مثل: مرضى ارتفاع ضغط الدم ومرضى القلب والأوعية الدموية ومرضى السكري ونحوهم من أصحاب الأمراض المزمنة، الذين يحتاجون على المداومة على الأدوية الخاصة بأمراضهم وعمل الفحوصات الدورية ومعالجة مضاعفات أمراضهم إن وجدت. لقد تم توثيق أكثر من 360 ألف حالة من الأمراض المعدية المبلغ عنها في ملاجئ الأونروا وحدها، والتي تسببت فيها -أو تفاقمت- بسبب الظروف غير الصحة والجوع ونقص المياه النظيفة، مع اعتقاد أن الأعداد الفعلية أكثر من ذلك بكثير، حيث تشهد غزة معدلات متصاعدة من الأمراض المعدية. وقد تم الإبلاغ عن أكثر من 100 ألف حالة إسهال منذ منتصف أكتوبر، نصف هذه الأعداد من الأطفال الصغار دون سن الخامسة، وهي أعداد تزيد 25 مرة عما كان يبلغ عنه قبل بداية الحرب. وتم الإبلاغ عن أكثر من 150 ألف حالة التهابات الجهاز التنفسي العلوي، والعديد من حالات التهاب السحايا، والطفح الجلدي، والجرب والقمل والجديري المائي. وهناك حالات اشتباه في الإصابة بالتهاب الكبد، حيث ظهر العديد من الأشخاص يعانون من علامات اليرقان (الصفراء). إن الجسم السليم يمكنه مقاومة هذه الأمراض ومكافحتها بشكل أسهل، أما الجسم الضعيف الهزيل فيجد صعوبة في ذلك، فالجوع يضعف دفاعات الجسم ويفتح الباب للأمراض الأخرى، وسوء التغذية تزيد من خطر وفاة الأطفال من أمراض الإسهال والالتهاب الرئوي، خاصة في بيئة يفتقد فيها المرضى الوصول إلى خدمات الصحة الحيوية. وحتى لو نجا الطفل فيمكن أن يكون للهزال تأثيرات طويلة الأمد حيث يعيق الهزال النمو ويضعف التطور الإدراكي. إن شعب غزة يواجه الجوع والأمراض التي يمكن علاجها بسهولة في وجود نظام صحي فعال؛ لذا يجب توقف تلك المعاناة، ويجب تدفق الغذاء وكل المساعدات الأخرى بكميات أكثر بكثير. ومن هنا تكرر منظمة الصحة العالمية دعوتها لوقف إطلاق النار الإنساني الفوري. إن الخبراء يقدرون أن عدد الوفيات من الأمراض والجوع قد يكون أضعاف الوفيات من القتال والضربات الجوية. إن إسرائيل من خلال هجماتها المتواصلة على النظام الصحي الفلسطيني في غزة تلحق عمدا بالفلسطينيين في غزة ظروف حياة محسوبة لإحداث دمارهم المؤكد. وقد أبرزت مجموعة من الأطباء في مقال نشر في المجلة الطبية البريطانية (ذا لانست) الأبعاد الصحية للعنف الناجم عن الحصار المستمر والهجمات ضد الفلسطينيين محذرين بحق من خطر جسيم للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (21) إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية (3-3) كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمما تعرضت له أيضًا دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل: بيان ما تعرضت له البنية التحتية في قطاع غزة بأكمله من تدمير غير مسبوق من خلال العدوان الغاشم، واستخدام القوة المفرطة الذي قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد المدنيين وضد أهداف مدنية في قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى. حيث جاء في الدعوى: أنه في 16 نوفمبر 2023 حذَّر 15 من المقررين الخاصين للأمم المتحدة و21 عضوًا من مجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة من إبادة جماعية قيد التنفيذ في غزة، مشيرين إلى أن مستوى الدمار الذي حدث (حتى ذلك الوقت) من الوحدات السكنية، وكذلك المستشفيات، والمدارس والجامعات، والشركات، ودور العبادة، والمقابر، والمخابز، وأنابيب المياه وشبكات الصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، والمؤسسات الثقافية والترفيهية، إلى جانب مواصلة الهجمات المتواصلة على المنظومة الطبية الفلسطيني ونظام الرعاية الصحية، حيث لم تتبقَّ أي مستشفى تعمل بكامل طاقتها بما يهدد باستحالة استمرار الحياة في غزة. لقد استخدمت إسرائيل في قصفها ضد غزة أسلحة ذات تأثيرية غير تمييزية، مما أدى إلى حصيلة قتلى هائلة وتدمير للبنية التحتية الحيوية في قطاع غزة، لم تدمر إسرائيل المنازل والبيوت والأبنية السكنية فقط بل دمرت شوارع وأحياء بأكملها؛ فضاحية (شجاعية) في مدينة غزة، التي كانت موطنًا لحوالي 110 ألف فلسطيني تبدو الآن كأرض قاحلة واسعة ممتدة بقدر ما تستطيع العين أن ترى، تم تدمير متاجرها ومدارسها وسوقها النابض بالحياة ومنازل العائلات وعيادات الأطباء وشوارعها التاريخية، ومسجد ابن عثمان وكل شيء كان يحافظ على الحياة الفلسطينية هناك. بالإضافة إلى العديد من مناطق أخرى في غزة قد شهدت مستوى مماثل من الدمار، بما في ذلك بيت حانون وبيت لاهيا ومدينة غزة القديمة والرمال ومخيم (نصيرات) للاجئين في الجنوب، فلم يعد هناك مكان فارغ للأشخاص يتخذوه مأوى حتى في الشوارع والمناطق المفتوحة الأخرى. إن عدم اتخاذ التدابير الاحترازية لحماية المدنيين في الهجمات العسكرية الإسرائيلية، وعدم التوفيق والتوازن بين اختيار الأساليب والوسائل التي يستخدمها جيش الاحتلال وبين الالتزام بالحرص الواجب على حماية المدنيين والأعيان المدنية، أو على الأقل التقليل من الخسائر العرضية في أرواح المدنيين والأضرار التي تلحق بالأعيان المدنية في مناطق مكتظة بالسكان تشير إلى أن التدمير واسع النطاق هناك ربما تم اعتماده كتكتيك للحرب ضد الفلسطينيين في غزة، وأن قوات الاحتلال تتعمد اتباع سياسة عسكرية تم الاتفاق عليها رغم كونها تنتهك قوانين الحرب. إن جيش الاحتلال نفذ -وينفذ- عمليات تدمير لِمَ ولا تقتضيها الضرورة العسكرية؛ لقد ألحقت إسرائيل الدمار والضرر خلال أول ثلاثة أشهر من العدوان بما يزيد عن 355 ألف منزل فلسطيني، وحولت -ولا تزال- قطاع غزة إلى أنقاض ومناطق منكوبة، تقتل وتدمر وتخلق ظروف تهدف إلى تصفية شعبها جسديا كمجموعة. في جميع أنحاء قطاع غزة استهدفت إسرائيل البنية التحتية، وأسس الحياة الفلسطينية مخلفة وراءها عمدًا ظروف حياة محسوبة لإحداث الدمار الجسدي للشعب الفلسطيني، تم تدمير المستشفيات وأنظمة المياه والأراضي الزراعية والمخابز والمطاحن، لقد استهدفت إسرائيل أيضًا النظام المدني الأساسي في غزة، استهدفت قصر العدالة، المبنى الرئيسي للمحاكم الفلسطينية في غزة، الذي يضم المحكمة العليا الفلسطينية والمحكمة الدستورية ومحكمة الاستئناف ومحكمة البداية والمحكمة الإدارية ومحكمة الصلح؛ بالإضافة إلى أرشيف سجلات المحاكم وملفات تاريخية أخرى. كما ألحقت أضرارًا كبيرة بمجمع المجلس التشريعي الفلسطيني، ومبنى الأرشيف المركزي في مدينة غزة، الذي يحتوي على آلاف الوثائق التاريخية والسجلات الوطنية التي تعود لأكثر من 100 عام، والتي تشكل أرشيفًا أساسيًّا للتاريخ الفلسطيني؛ بالإضافة إلى السجلات الحديثة للتطور الحضري لمدينة غزة، كذلك دمرت إسرائيل الذاكرة الرسمية والسجلات للفلسطينيين في غزة من خلال تدمير الأرشيفات والمعالم في غزة، لمحو الحياة الشخصية والذكريات الخاصة بالتاريخ والمستقبل الفلسطيني من خلال التدمير المتعمد المحسوب للسجلات العائلية والصور الفوتوغرافية، بالإضافة إلى إبادة عائلات فلسطينية متعددة الأجيال بأكملها، إلى جانب قتل وتشويه وترويع جيل كامل من الأطفال؛ جاء في فيديو نشرته (الأونروا) قول أحد الفلسطينيين: (هذه كلها ذكرياتنا، حياتنا بـأكملها... الآن ذهب كل شيء، كل شيء تحول إلى رماد). لقد تركت إسرائيل المكتبة العامة الرئيسية في مدينة غزة في حالة خراب، كما ألحقت الضرر والدمار لعدد لا يحصى من المكتبات ودور النشر، ومئات المرافق التعليمية؛ كما استهدفت جميع جامعات غزة الأربع، بما في ذلك الجامعة الإسلامية في غزة، وهي أقدم مؤسسة للتعليم العالي في قطاع غزة، والتي خرجت أجيالا من الأطباء والمهندسين، لقد دمرت الحرم الجامعي لتعليم الأجيال القادمة من الفلسطينيين في غزة، كما قتلت إسرائيل الكثير من الأكاديميين الفلسطينيين البارزين، منهم: البروفيسور (سفيان طه) رئيس الجامعة الإسلامية، وهو فيزيائي معروف حائز على جوائز وكرسي اليونسكو لعلم الفلك والفيزياء الفلكية، وعلوم الفضاء في فلسطين، الذي قتل مع أفراد عائلته في ضربة جوية، والدكتور (أحمد حمدي أبو عبسة)، عميد قسم هندسة البرمجيات في جامعة فلسطين، الذي قتل بالرصاص على يد جنود إسرائيليين، وهو يبتعد بعد أن تم إطلاق سراحه بعد ثلاثة أيام من اختفاءه القسري، ومنهم: البروفيسور (محمد عيد شبير) أستاذ علم المناعة والفيروسات، ورئيس سابق للجامعة الإسلامية في غزة، والبروفيسور(رفعت العرير)، وهو أستاذ الأدب المقارن والكتابة الإبداعية في الجامعة الإسلامية في غزة، قتل كلاهما من قبل إسرائيل مع أفراد من عائلاتهما، وقد كان البروفيسور العرير أحد الشعراء المعدودين، وهو من المؤسسين المشاركين للمشروع الشبابي الفلسطيني (نحن لسنا أرقاما). لقد دمرت إسرائيل العديد من مراكز التعلم والثقافة الفلسطينية، بما في ذلك مسجد (الزفردمري)، ومركز المخطوطات والوثائق القديمة، المركز الثقافي الأرثوذكسي، متحف القرارة الثقافي، مركز غزة للثقافة والفنون، المركز الثقافي الاجتماعي العربي، جمعية الحكاوي للثقافة والفنون، ومتحف رفح، ومتحف غزة الجديد للتراث الفلسطيني، الذي كان يضم مئات القطع الثقافية والأثرية. لقد دمرت إسرائيل كذلك ما يتعلق بالتاريخ القديم لغزة: حيث تم تدمير وإتلاف ثمانية مواقع؛ منها: الميناء القديم لغزة، المعروف باسم ميناء: (أنثيدون أو البلاخية)، وموقع أثري لمقبرة رومانية عمرها 2000 عام، وهو أثر مدرج في كل من قائمة التراث الإسلامي، والقائمة التمهيدية للتراث العالمي التابعة لليونسكو. وكذلك دمرت المدينة القديمة في غزة، بما في ذلك بيوتها التاريخية التي يبلغ عمرها نحو 150عامًا، والمساجد والكنائس والأسواق والمدارس بأنواعها. كما قامت أيضًا بتدمير التاريخ الأحدث لغزة، بما في ذلك مركز (رشاد الشوا) الثقافي، وموقع لاجتماع تاريخي بين الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) والرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) قبل 25 عامًا، ومركز ثقافي مهم للفلسطينيين في غزة بمسرحه ومكتبته وساحة فاعلياته، ودمرت كذلك إمكانيات غزة الأكاديمية والثقافية المستقبلية. إلى جانب ما سبق تم تدمير وإضرار 352 مدرسة فلسطينية، وتم قتل 4037 طالبًا و209 معلمًا وموظفين تعليميين كانوا فيها، وتم إصابة 7259 طالبًا و619 معلمًا آخرين؛ كما دمرت إسرائيل وألحقت الضرر بحوالي 318 موقعًا دينيًّا مسلمًا ومسيحيًّا (نصرانيًّا)، كانت تتخذ للعبادة عبر أجيال، من بينها: المسجد العمري الكبير، وهو علامة بارزة في تاريخ غزة وهندستها المعمارية وتراثها الثقافي، وكان مكان للعبادة لأكثر من ألف عام، كما ألحق القصف الإسرائيلي أضرارًا بكنيسة القديس (برفيريوس)، والتي تأسست في عام 425 الميلادي، ويعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، إلى جانب كنيستين أخريين تعرضا لإطلاق النار المباشر عليهما، وتم استهداف مسيحيين (نصارى) قتلوا في ساحات الكنائس التي لجأوا إليها بإطلاق النار عليهم مباشرة. هذا إلى جانب تدمير النصب التذكارية الفعلية لتاريخ وتراث الفلسطينيين في غزة؛ فضلًا عن تدمير الشعب الفلسطيني نفسه الذي يشكل هذا التراث، من خلال قتل الشخصيات العامة والمثقفين والمعلمين والصحفيين والإعلاميين، والأطباء، والصناع، والكتاب، ومديري وعمداء الجامعات، ورؤساء المستشفيات، والعلماء البارزين، واللغويين والكتاب والشعراء والفنانين، ومنها قتل أسطورة الفلسطينيين الشيف (مسعود محمد القطاطي)، والذي قتل في ضرب منزله في غارة جوية إسرائيلية في 3 نوفمبر 2023، والذي كان شعار متجره (دع الفقراء يأكلون)، وعرف واشتهر بتوزيعه الحلوى الفلسطينية الشعبية (الكنافة) على المعدمين، وهو ما أكسبه لقب (أبو الفقراء). كما قتلت (الشيماء سعيد) الطالبة التي حصلت على أعلى الدرجات في الامتحان النهائي للمدرسة الثانوية في فلسطين بأكملها، والتي قتلت مع أفراد عائلتها في هجوم على مخيم النصيرات للاجئين. لقد شرعت قوات الاحتلال في رفع العلم الإسرائيلي فوق أنقاض المنازل والبلدات والمدن الفلسطينية المدمرة في غزة مدفوعة بنداءات متصاعدة من داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها تنادي بتسوية غزة المدمرة بالأرض تمهيدا لإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية عليها من جديد. مطالب جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية: استنادًا إلى ما ذكرته ووثقته جنوب إفريقيا في دعواها المقدمة للمحكمة الدولية؛ فإن جنوب إفريقيا تعتقد أن إسرائيل من خلال أجهزتها المعنية وأشخاصها والكيانات الأخرى التي تعمل بتوجيهاتها أو تحت سيطرتها في قطاع غزة قد انتهكت التزاماتها بموجب مواد اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وتأتي أوجه انتهاكاتها لمواد الاتفاقية من خلال أعمال التهديد بالإبادة الجماعية أو الأخذ بها أو تبنيها أو التغاضي عنها من قبل الحكومة الإسرائيلية وجيشها ضد الشعب الفلسطيني في غزة، شاملة ما يلي: - محاولة ارتكاب الإبادة الجماعة، بما يخالف المادة الثالثة (د). - ارتكاب الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الثالثة (أ). - التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الثالثة (ب). - الشراكة في ارتكاب الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الثالثة (هاء). - الفشل في منع الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الأولى. - الفشل في معاقبة ارتكاب الإبادة الجماعية، والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر. - والعلني على الإبادة الجماعية، ومحاولة الإبادة الجماعية، والشراكة في الإبادة الجماعية، بما يخالف المواد الأولى والثالثة والرابعة والسادسة. - الفشل في سن التشريعات اللازمة لإعطاء تأثير لأحكام اتفاقية الإبادة الجماعية، ووضع عقوبات فعالة للأشخاص المذنبين بالإبادة الجماعية والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض على الإبادة الجماعية ومحاولة الإبادة الجماعية والشراكة في الإبادة الجماعية، بما يخالف المادة الخامسة. - الفشل في السماح وعرقلة التحقيق بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الهيئات الدولية المختصة أو بعثات تقصي الحقائق بشأن الأعمال الإبادية المرتكبة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة كالتزام ضروري ومكمل وفقا للمواد الأولى والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة. وتطلب من المحكمة أن تحكم وتعلن وفقًا لذلك أن: - أن إسرائيل خرقت -وتستمر في خرق- العمل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. - أنه يجب على إسرائيل أن توقف أي أعمال وتدابير تخالف تلك الالتزامات. - ضمان معاقبة إسرائيل للأشخاص الذين يرتكبون الإبادة. - الالتزام بجمع وحفظ الأدلة على أعمال الإبادة الجماعية وعدم إعاقتها مباشرة أو غير مباشرة. - الالتزام بالتعويض لصالح الضحايا من الفلسطينيين. - تقديم ضمانات وتعهدات بعدم تكرار انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية. ووفقًا للمادة 41 من نظام المحكمة والمواد 73 و74 و75 من قواعد المحكمة تطلب جنوب إفريقيا من المحكمة تحديد إجراء -أو إجراءات- عاجلة مؤقتة، ممكنة وكاملة وكافية لحماية حقوق الفلسطينيين في غزة، الذين مازالوا معرضين لخطر جسيم ومباشر باستمرار أعمال الإبادة الجماعية المتزايدة ضدهم. فللفلسطينيين كمجموعة حقهم في الوجود وحقهم في الحماية الكاملة من أعمال الإبادة الجماعية ومخاطرها، ومن التآمر ضدهم لارتكاب الإبادة الجماعية، ومن التحريض العلني المباشر وغير المباشر على ارتكاب الإبادة الجماعية ضدهم، ومن محاولة الإبادة الجماعية لهم، ومن الشراكة ضدهم في أعمال الإبادة الجماعية. وعملًا بالمادة 74 (4) من لائحة المحكمة تطلب جنوب إفريقيا من رئيس المحكمة أن يحمي الشعب الفلسطيني في غزة من خلال الوقف الفوري للهجمات العسكرية التي تشكل أو تؤدي إلى انتهاكات لاتفاقية منع الإبادة الجماعية ريثما تعقد جلسة الاستماع العاجلة للدعوى المقامة ضدها أمام محكمة العدل الدولية، لتمكين أي أمر قد تصدره المحكمة بشأن طلب اتخاذ التدابير المؤقتة من أن يكون له آثاره المناسبة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية ينبغي على المحكمة أمر إسرائيل بالكف عن القتل والتسبب في أذى جسدي وعقلي خطير للفلسطينيين في غزة، والكف عن فرض ظروف معيشية متعمدة تهدف إلى تصفيتهم جسديًّا، ومنع ومعاقبة الإسرائيليين القائمين بالتحريض المباشر والفعلي على الإبادة الجماعية وإلغاء السياسات وكل الممارسات ذات الصلة، بما في ذلك ما يتعلق بتقييد المساعدات لقطاع غزة وإصدار توجيهات الإخلاء. وتعد من سلطة المحكمة الدولية العليا تحديد إجراءات مؤقتة عندما يمكن أن يلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه بالحقوق التي هي موضوع الإجراءات القضائية، أو عندما يمكن أن يترتب على التجاهل المزعوم لمثل هذه الحقوق عواقب لا يمكن إصلاحها، بمعنى وجود فعلي لخطر حقيقي -أو وشيك- يلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه قبل أن تصدر المحكمة مستقبلًا حكمها النهائي في القضية. ولذلك جاء في دعوى جنوب إفريقيا أن هناك خطرًا واضحًا بالضرر الذي لا يمكن إصلاحه تجاه حقوق الفلسطينيين، ولحقوق جنوب إفريقيا الخاصة بموجب الالتزام بالعمل على تنفيذ اتفاقية منع الإبادة الجماعية، والإلحاح الشديد للوضع واضح ذاتيًّا: الفلسطينيون عانوا ويعانون من ضرر لا يمكن إصلاحه من الأعمال الإبادية التي ترتكبها إسرائيل بمخالفة المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، ومن انتهاكات إسرائيل الأخرى للاتفاقية، بما في ذلك فشلها في منع أو معاقبة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية، وأنه إذا ظلت هذه الانتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية دون رادع، فليس هناك فقط مجرد خطر بل هناك يقين من المزيد من الخسائر البشرية والممتلكات التي لا يمكن إصلاحها والإصابات الخطيرة وأزمة إنسانية متعمقة أكثر، كما ستتأثر بشكل خطير فرصة جمع وحفظ الأدلة لمرحلة الجوهر في الإجراءات إن لم تفقد تماما. وقد جاء أيضًا في الدعوى مطالبة جنوب إفريقيا: بأنه يجب على إسرائيل تقديم تقرير إلى المحكمة عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر خلال أسبوع واحد اعتبارًا من تاريخ هذا الأمر، وبعد ذلك بفترات منتظمة، حتى يتم إصدار القرار النهائي في القضية من قبل المحكمة. (للاستزادة في هذا الموضوع: راجع النص العربي الكامل لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل العليا). ما بين جهود جنوب إفريقيا وتعنت الولايات المتحدة: لا يعد غريبًا على دولة مثل جنوب إفريقيا أن تقف في جانب شعب فلسطين تنصره بقوة؛ لأنها دولة عانت لعقود طويلة من الاضطهاد والعنصرية الذي مورس ضد سكانها الأصليين، من جانب الاستعمار الهولندي ثم من جانب الاستعمار البريطاني، ذاقت خلالها ألوانًا من العذاب والتحقير والتمييز العرقي حتى تمكنت بعد معاناة شديدة من استرداد حقوقها السليبة؛ ولهذا تقدمت جنوب إفريقيا بدعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي في هولندا في 29 ديسمبر 2023. وقد لجأت جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية وليس إلى محكمة الجنايات الدولية رغم أن المحكمة الجنائية لها قدرة على تنفيذ أحكامها بينما أحكام محكمة العدل الدولية غير ملزمة التنفيذ؛ لأن محكمة الجنايات الدولية رفضت برئاسة مدعيها العام استلام دعوى جنوب إفريقيا، رافضة إدانة إسرائيل أو الإقرار بما ترتكبه من جرائم حرب، فكان اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، والتي سيعد قرار إدانتها لإسرائيل المتوقع صدوره منها دليل إثبات دولي بأن ما ترتكبه إسرائيل هي جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة يجرمها القانون الدولي. وقد أعلنت تركيا عبر وزير خارجيتها يوم 3 يناير 2204 عن تأييدها ومساندتها لدعوى جنوب إفريقيا، وانضمت للدعوى أيضا ماليزيا وكولومبيا وبوليفيا. وقد قابل قادة إسرائيل التصرف الجريء من جنوب إفريقيا بنوع من الترقب والقلق من إمكانية صدور قرار يدين إسرائيل دوليًّا، وقامت إسرائيل باستنكار الأمر واستهجانه قبل النظر فيه كعادتها، بل واتهمت جنوب إفريقيا بمساندة منظمة إرهابية، أي منظمة حماس وبمعاداة السامية، وكالعادة سارعت الولايات المتحدة بتبني الدفاع عن ربيبتها إسرائيل، فزعمت أن الدعوى لا أساس لها من الصحة ولا تستند إلى حقائق! وبدأ التهديد والوعيد الأمريكي الإسرائيلي لقضاة المحكمة مسبقًا؛ لمنع صدور أي قرارات إدانة منهم. في الوقت الذي أعلنت فيه ألمانيا والنمسا انضمامهما للفريق القانوني الإسرائيلي أمام المحكمة. جاء نظر الدعوى في يومين متتاليين (11 و12 يناير 2024) حيث استعرض الفريق القانوني لجنوب إفريقيا في اليوم الأول الوقائع الثابتة التي تؤكد قيام جيش الاحتلال بتعمد القتل العشوائي للمدنيين في قطاع غزة، وأن كمية القنابل والمتفجرات التي استخدمها جيش الاحتلال في العدوان كما وصفها المراقبون هي أكبر كمية من المتفجرات استخدمت في العصر الحديث، مع استخدام متفجرات مفرطة في القوة التدميرية في مناطق مكتظة بالسكان واستخدام القنابل الفسفورية المحرمة دوليًّا، وأن معظم الضحايا من الأطفال والنساء، كما تم منع دخول الغذاء والماء والوقود والمساعدات الطبية لمواطني غزة، وتم هدم منازلهم وتعرضوا للمبيت في العراء في البرد القارس. بينما طالب الفريق القانوني لإسرائيل برفض الدعوى لعدم اختصاص المحكمة بالنظر في الدعوى مدعيا عدم وجود عناصر الإبادة الجماعية، وأن ما قامت به إسرائيل في غزة كان دفاعًا عن النفس، هو بالطبع ما تكذبه الوقائع التي سبقت طوفان الأقصى في 7 أكتوبر من حصار وتعسف وقتل واعتقالات ومعاناة قاسية بحق الفلسطينيين في غزة. وقد أصدرت المحكمة حكمًا مؤقتًا اعتبره البعض توافقيًّا يحرص على ألا يعطي الحق كله لطرف من الطرفين دون الآخر، إذ لم يتضمن قرارًا واضحًا وحازمًا بوقف إطلاق النار الفوري، وهو الطلب الأول لدعوى جنوب إفريقيا، لكن المحكمة طالبت إسرائيل باتخاذ كافة التدابير لمنع الإبادة الجماعية ضد المواطنين في غزة، مع تقديم تقرير إلى المحكمة في غضون شهر واحد تشير فيه إلى إجراءاتها في ذلك. وكالمعتاد رفضت إسرائيل قرار المحكمة بمجرد صدوره، وأعلن قادتها أنهم مستمرون في حربهم على غزة، وكذلك رفضتها الولايات المتحدة وزعمت أنه لا توجد شبهة جرائم إبادة تقوم بها إسرائيل في غزة. محكمة العدل ينقصها العدل: بعيدًا عن إشادة البعض بقرار المحكمة المؤقت، والذي يفيد بإمكانية أن تكون إسرائيل قد قامت بأعمال جرائم إبادة جماعية، وأنه مكسب للقضية الفلسطينية وقوف إسرائيل في قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدولية ولأول مرة في تاريخها، لتواجه بتهمة الإبادة الجماعية التي طالما استند إليها اليهود ضد ألمانيا النازية، رغم أنه قد صدر ضد إسرائيل من قبل عشرات من قرارات الإدانة التي لم تنفذ، ولكن من العجيب أن تتحدث المحكمة عن شبهة قيام إسرائيل بجرائم إبادة ثم لا تطلب الوقف الفوري للحرب مما يفقدها مصداقيتها، ثم كيف تمنح المحكمة إسرائيل المعتدية الحق في مراقبة نفسها، والحق في أن تضع هي لنفسها إجراءاتها لمنع الإبادة الجماعية، وأن تتقدم خلال شهر بتقريرها بشأن التدابير التي اتخذتها في هذا الشأن، فهذا يعد قرارًا هزيلًا يعطي الجاني حق وضع إجراءات المراقبة لنفسه، وكتابة تقرير عنها خلال شهر، أي تترك له فيها الفرصة لاستكمال جرائمه ليظل الباب أمامه مفتوحًا لمواصلة عدوانه الغاشم لحين صدور الحكم النهائي والذي قد يستغرق شهورًا أو سنوات، ومع ذلك رفضت إسرائيل للقرار. وبعد عدة أشهر جاء قرار المحكمة النهائي التوافقي لإرضاء كل الأطراف حيث وصت المحكمة الجنائية الدولية بإصدار قرار باعتقال ومحاكمة كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه بتهمة الإبادة الجماعية، إلى جانب إصدار قرار اعتقال ومحاكمة مماثل لثلاثة من قادة حماس أي: أنها تساوي بين الجلاد والضحية! |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (22) قادة إسرائيل يقولون: دمِّروا غزة.. أبيدوا أهلها! كتبه/ علاء بكر فلم تتوقف تصريحات قادة إسرائيل ومسؤوليها وشخصياتها العامة في أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 عن التحريض السافر المباشر وغير المباشر على الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وتناقلتها وكالات أنباء عديدة سواء محلية في إسرائيل أو عالمية في شتى أنحاء العالم، وكلها تظهر وتؤكد على النوايا الصريحة من وراء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة من أول يوم فيه. وقد أوردت دعوى دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بعضًا من تلك التصريحات العنصرية منذ أكتوبر 2023 وحتى أواخر ديسمبر 2023، أي: في نحو ثلاثة أشهر فقط، وسجلتها في دعواها في المحكمة، وهي تصريحات استمر صدورها من قادة إسرائيل ومسؤوليها عبر شهور طويلة خلال العدوان على غزة وأهلها، تدعو من خلالها وبوقاحة إلى تدمير قطاع غزة تدميرًا كاملًا، وإبادة جميع سكانه؛ رجاله ونسائه، وشيوخه وأطفاله بلا تمييز، (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران: 118)، وهي تشير بجلاء لا لبس فيه إلى وجود النية المبيتة لدى إسرائيل من أول يوم في عدوانها الغاشم على شعب غزة، وبهذه الوحشية والضراوة، وضرورة الأخذ في الاعتبار أن هذا الأمر جد خطير. وننقل هنا ما أوردته دعوى جنوب إفريقيا في ذلك الأمر، وقدمته إلى تلك الهيئة الدولية لإثبات تهمة التحريض السافر الصريح على الإبادة الجماعية لأكثر من مليونين فلسطيني يقيمون في قطاع غزة، فمن ذلك: - في 13 أكتوبر 2023 أكَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو (نحن نضرب أعداءنا بقوة غير مسبوقة). - وفي 15 أكتوبر 2023 بعد أن قتلت بالفعل الضربات الجوية الإسرائيلية أكثر من 2670 فلسطينيًّا مدنيًا أعزل في غزة -منهم 724 طفلًا-؛ صرَّح نتنياهو بأن الجنود الإسرائيليين (يفهمون نطاق المهمة)، و(هم مستعدون لهزيمة الوحوش المتعطشة للدماء التي قامت ضد إسرائيل). - في 16 أكتوبر وفي خطاب رسمي ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلي محرضًا ومهيجًا، وعلى طريقته في الكذب وتصديق كذبه ومطالبة غيره أيضًا بتصديقه، وصف نتنياهو العدوان الوحشي الإسرائيلي على سكان غزة المدنيين بأنه (صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين الإنسانية وقانون الغاب!). وقد كرَّر نتنياهو خطابه التحريضي المغالط للحقيقة هذا في عدة مناسبات، ففي رسالة له إلى الجنود والضباط الإسرائيليين على منصة (أكس) في 3 نوفمبر 2023 أكد فيها أن: (هذه هي الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام. لن نتوقف عن مهمتنا حتى يتغلب النور على الظلام. الخير سيهزم الشر الشديد الذي يهددنا والعالم بأسره!)، كما عاد إلى هذا في رسالته في (عيد الميلاد) قائلًا: (نحن نواجه وحوشًا... وحوشًا قتلت الأطفال أمام والديهم... هذه معركة ليست فقط إسرائيل ضد هؤلاء البرابرة، بل معركة الحضارة ضد الهمجية!). - وفي 28 أكتوبر 2023 ومع الاستعداد للغزو البري للقوات الإسرائيلية لغزة، استحضر نتنياهو قصة التدمير التام للعماليق من قِبَل بني إسرائيل كما في كتبهم المقدسة، وذلك للتحريض على سكان غزة فقال: (يجب عليك تذكر ما فعله عماليق بك -كما تقول كتبنا المقدسة- ونحن نتذكر!)، وأشار مرة أخرى في رسالة أرسلها في 3 نوفمبر 2023 إلى الجنود والضباط الإسرائيليين إلى قصة العماليق، وفيها ذكر النص الكتابي ذو الصلة كما يلي: (الآن اذهب. هاجم عماليق. وأحرم (أي: اقتل) كل ما يخصه. لا تشفق على أحد، بل اقتل على حدٍّ سواء الرجال والنساء. الأطفال والرضع. الثيران والأغنام. الجمال والحمير!). - أما رئيس إسرائيل (إسحاق هرتسوج) فأوضح في 12 أكتوبر 2023: أن إسرائيل لا تميز بين المسلحين والمدنيين في غزة، حيث صرَّح في مؤتمر صحفي لوسائل الإعلام الأجنبية فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة والذين يزيد عدد الأطفال بينهم عن مليون طفل: (إنها أمة بأكملها هناك مسئولة. ليس صحيحًا هذا الخطاب عن المدنيين غير المدركين وغير المشاركين؛ ليس صحيحًا على الإطلاق.. وسنقاتل حتى نكسر عمودهم الفقري!). وفي 15 أكتوبر 2023 أخبر الرئيس الإسرائيلي وسائل الإعلام الأجنبية، على طريقة نتنياهو في الكذب والتحريض، بأنه: (سنقتلع الشر حتى يكون هناك خير للمنطقة بأكملها والعالم). والرئيس الإسرائيلي هو واحد من العديد من الشخصيات الإسرائيلية الذين كتبوا بخط اليد (رسائل) على القنابل التي ستلقى على المدنيين في غزة. - أما وزير الدفاع الإسرائيلي (يوآف جالانت) فقد قال في التاسع من أكتوبر 2023: (إن إسرائيل تفرض حصارًا كاملا على غزة؛ لا كهرباء، لا طعام، لا ماء، لا وقود؛ كل شيء مغلق! نحن نقاتل حيوانات بشرية، نحن نتصرف وفقًا لذلك!). كما أنه أبلغ القوات على حدود غزة بأنه (أطلق جميع القيود) معلنًا بعبارات قاطعة: (غزة لن تعود كما كانت قبل، سنقضي على كل شيء، سنصل إلى جميع الأمان). كما أعلن إن إسرائيل تتحرك نحو (رد كامل النطاق) وأنه (أزال كل قيود عن القوات الإسرائيلية). - أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي (إيتمار بن غفير) فأوضح في 10 نوفمبر 2023 في خطاب تليفزيوني له موقف الحكومة قائلًا: (لتكن الأمور واضحة، عندما نقول: إن حماس يجب أن تدمر؛ فهذا يعني أيضًا الذين يحتفلون، والذين يدعمون، والذين يوزعون الحلوى؛ جميعهم إرهابيون، ويجب أن يدمروا أيضًا). - أما وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي (إسرائيل كاتس) فقد صرح على (تويتر) في 13 أكتوبر 2023 أن: (جميع السكان المدنيين في عزة مأمورون بمغادرة المكان فورًا، سننتصر، لن يتلقوا قطرة ماء أو بطارية واحدة حتى يغادروا العالم). وفي تغريدة له في 12 أكتوبر 2023: (مساعدات إنسانية إلى غزة؟ لن يشغل أي مفتاح كهربائي، ولن يفتح أي صنبور ماء، ولن يدخل أي شاحنة وقود، حتى يعاد الأسرى الإسرائيليون إلى ديارهم. الإنسانية مقابل الإنسانية. ولا أحد يعظنا بالأخلاق). - أما وزير المالية الإسرائيلي (بتسلئيل سموتريتش) فقد صرح في 8 أكتوبر 2023 في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي إنه (يجب علينا توجيه ضربة لم يشهد لها مثيل منذ 50 عامًا وإسقاط غزة). - أما وزير التراث الإسرائيلي (أميحاي إيلياهو) فقد نشر على (فيسبوك) في أول نوفمبر 2023: (شمال قطاع غزة أجمل من أي وقت مضى، كل شيء مدمر ومسطح، متعة بصرية حقيقية. يجب علينا التحدث عن اليوم التالي، في ذهني: سنوزع قطع الأراضي على كل من قاتل من أجل غزة على مر السنين، على الذين تم إخلاؤهم من غوش قطيف (مستوطنة إسرائيلية). وفي وقت لاحق جادل هذا الوزير ضد تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين قائلًا: (لن نقدم مساعدات إنسانية للنازيين)، (لا وجود لمدنيين غير متورطين في غزة). وهو أيضًا الذي طرح فكرة إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة! - أما وزير الزراعة الإسرائيلي (أفي ديختر) فقد ذكر في مقابلة تليفزيونية له نكبة 1948 التي تم فيها إجبار أكثر من 80 % من السكان الفلسطينيين على الفرار من منازلهم لإقامة دولة إسرائيل الجديدة قائلًا: (نحن الآن نطرح نكبة غزة بالفعل). - أما نائب رئيس الكنيست وعضو لجنة الشئون الخارجية والأمن (نسيم فاتوري) فقال في تغريدة له في 7 أكتوبر 2023: (الآن لدينا جميعًا هدف مشترك: محو قطاع غزة من على وجه الأرض. أولئك الذين لا يستطيعون سيتم استبدالهم). - وفي 9 أكتوبر 2023 حذر اللواء (غسان عليان) منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق في فيديو له نشرته القناة الرسمية قائلًا: (حماس أصبحت مثل داعش، ومواطنو غزة يحتفلون بدلًا من أن يشعروا بالرعب. الحيوانات البشرية تعامل وفقًا لذلك. فرضت إسرائيل حصارًا كاملًا على غزة؛ لا كهرباء، لا ماء، فقط الضرر. أردتم جهنم، ستحصلون عليها!). - وفي 7 أكتوبر 2023 كتب (جيورا إيلاند) اللواء الاحتياطي في الجيش الإسرائيلي، والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي ومستشار وزير الدفاع في مجلة على النت يصف عزم قيام إسرائيل بقطع الماء والكهرباء عن غزة فقال: (هذا ما بدأت إسرائيل بفعله، نحن نقطع إمدادات الطاقة والماء والديزل عن القطاع... ولكن هذا ليس كافيًا لجعل الحصار فعالًا، يجب منع الآخرين من تقديم المساعدة لغزة... يجب إخبار الناس أن لديهم خيارين: البقاء والجوع، أو المغادرة. إذا فضلت مصر ودول أخرى أن يموت هؤلاء الناس في غزة؛ فهذا اختيارهم). وفي نفس اليوم أكد في إحدى الصحف الوطنية أن (عندما تكون في حرب مع دولة أخرى لا تطعمهم، لا تزودهم بالكهرباء أو الغاز أو الماء، أو أي شيء آخر.. يمكن مهاجمة دولة بطريقة أوسع بكثير لجلب الدولة إلى حافة عدم القدرة على العمل. هذه هي النتيجة الضرورية للأحداث في غزة). وأكد على فائدة خلق أزمة إنسانية في غزة بقوله إنه: (ليس من مصلحة إسرائيل إعادة تأهيل قطاع غزة، وهذه نقطة مهمة يجب توضيحها للأمريكيين). وأنه (إذا أردنا يومًا ما رؤية الرهائن على قيد الحياة، الطريقة الوحيدة هي خلق أزمة إنسانية شديدة في غزة). وأشار إلى أن الماء يجب أن يكون هدفا، ملاحظًا أن ماء غزة (يأتي من آبار بها مياه مالحة غير صالحة للشرب. لديهم محطات معالجة مياه يجب على إسرائيل ضرب هذه المحطات. عندما يقول العالم كله إننا قد جننا وهذه كارثة إنسانية، سنقول: إنها ليست نهاية، إنها وسيلة). وفي مقابلة إذاعية بعدها في 12 أكتوبر أعاد التأكيد على أن الجيش يجب: (أن يخلق ضغطًا هائلًا على غزة بحيث تصبح المنطقة مكانًا لا يمكن العيش فيه، لا يمكن العيش حتى يتم تدمير حماس، مما يعني أن إسرائيل لا توقف فقط توريد الطاقة والديزل والماء والطعام كما فعلنا في العشرين سنة الماضية، ولكن يجب علينا منع أي مساعدة ممكنة من الآخرين، وخلق في غزة وضعًا رهيبًا وغير محتمل، يمكن أن يستمر لأسابيع وأشهر). وقد أكد أيضًا من خلال منصة الإعلام مرارًا الدعوة لجعل غزة غير صالحة للعيش معلنًا (أن دولة إسرائيل ليس لديها خيار سوى جعل غزة مكانًا مؤقتًا أو دائمًا غير صالح للعيش فيه). وفي مقابلة له بعدها في 6 نوفمبر قال مقترحًا: (إذا كان هناك نية لعمل عسكري في مستشفى الشفاء، والذي أعتقد أنه لا مفر منه، أتمنى أن يكون قد تلقى رئيس الـ (سي آي إيه) تفسيرًا: لماذا هذا ضروري؟ ولماذا يجب على الولايات المتحدة في نهاية المطاف دعم حتى عملية كهذه، حتى لو كانت هناك آلاف الجثث من المدنيين في الشوارع بعد ذلك؟). واقترح أيضًا أن إسرائيل بحاجة إلى خلق أزمة إنسانية في غزة تجبر عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف على طلب اللجوء إلى مصر أو الخليج... (غزة ستصبح مكانًا لا يمكن لأي إنسان العيش فيه)، مكررًا في ذلك كلمات رئيس إسرائيل (هرتسوج) الذي كررها مرارًا أنه لا ينبغي التمييز بين مقاتلي حماس والمدنيين الفلسطينيين، قائلًا: (من هن النساء الفقيرات في غزة؟ هم جميع الأمهات والأخوات أو الزوجات لقتلة حماس. من ناحية هن جزء من البنية التحتية التي تدعم المنظمة. ومن ناحية أخرى: إذا واجهن كارثة إنسانية فيمكن افتراض أن بعض مقاتلي حماس والقادة الأصغر سيبدأون بفهم أن الحرب عبثية... يحذرنا المجتمع الدولي من كارثة إنسانية في غزة ومن الأوبئة الشديدة، يجب ألا نتهرب من هذا مهما كان صعًبا. بعد كل شيء، الأوبئة الشديدة في جنوب القطاع ستقرب النصر... إن انهيارها المدني بالضبط هو الذي سيقرب نهاية الحرب. عندما يقول كبار الشخصيات الإسرائيلية في الإعلام (إما نحن أو هم) يجب أن نوضح سؤال: مَن هم؟ (هم)، (هم) ليسوا فقط مقاتلي حماس المسلحين، ولكن أيضًا جميع المسئولين المدنيين، بما في ذلك مديرو المستشفيات والمدارس. وأيضًا كل سكان غزة الذين دعموا حماس بحماس وهللوا لفظائعها في 7 أكتوبر). - جندي احتياط إسرائيلي يبلغ من العمر 95 عامًا، وهو من قدامي المحاربين الإسرائيليين الذين حضروا مذبحة دير ياسين وحضروا نكبة عام 1948، تم استدعاؤه لرفع معنويات القوات الإسرائيلية قبل الغزو البري لقطاع غزة، حيث قال في خطاب تحفيزي له في 11 أكتوبر 2023 تم بثه على وسائل التوصل الاجتماعي، وهو يحرض الجنود الإسرائيليين على الإبادة الجماعية، يقول وهو يقود مركبة عسكرية إسرائيلية مرتديًا زي الجيش الإسرائيلي: (كونوا منتصرين وأنهوهم. ولا تتركوا أحدا خلفكم. امحوا ذكراهم. امحوهم. عائلاتهم أمهاتهم وأطفالهم. لا يمكن لهؤلاء الحيوانات أن يعيشوا بعد الآن... كل يهودي لديه سلاح يجب أن يخرج ويقتلهم. إذا كان لديك جار عربي لا تنتظر. اذهب إلى منزله وأطلق النار عليه... نريد أن نغزو. ليس كما كان من قبل. نريد الدخول وتدمير ما هو أمامنا، وتدمير البيوت، ثم تدمير الذي يليه بكل قواتنا، دمار كامل، ادخل دمر، كما ترون، سنشهد أشياء لم نحلم بها، ليسقطوا القنابل عليهم ويمحوهم). - وفي 28 أكتوبر 2023 قال المقدم (جيلاد كينان) رئيس مجموعة عمليات الطيران في الجيش الإسرائيلي يصف سلاح الجو الإسرائيلي بـأنه (يعمل معًا مع جميع الهيئات في جيش الدفاع الإسرائيلي عندما يكون الهدف واضحا: لتدمير كل شيء تم لمسه بيد حماس). - في 21 ديسمبر 2023 قال (يائير بن داود) وهو قائد في الكتيبة 2908 في الجيش الإسرائيلي في فيديو نشر له على الإنترنت: إن الجيش الإسرائيلي (دخل بيت حانون وفعل هناك كما فعل شمعون وليفي في نابلس)، وأن (كل غزة يجب أن تشبه بيت حانون). وهو يشير بذلك إلى المدينة الواقعة شمال غزة التي دمرها الإسرائيليون بالكامل كما في النص الكتابي عندهم: (في اليوم الثالث عندما كانوا في ألم. أخذ شمعون وليفي اثنان من أبناء يعقوب إخوة دينا، كل واحد مع سيفه جاءوا إلى المدينة دون مضايقات، وقتلوا كل الذكور). - في 4 نوفمبر 2023 قال (يوغيف بارشيشيت)، وهو عقيد في الجيش الإسرائيلي، وهو نائب رئيس منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق في فيديو تم تصويره في (بيت لاهيا)، واحدة من قطاع غزة، التي عانت فيما يبدو من مستويات شديدة من الدمار، وتم بثه على التليفزيون الإسرائيلي: (من يعود إلى هنا إذا عاد بعد ذلك سيجد أرضًا محروقة؛ لا بيوت، لا زراعة، لا شيء. ليس لديهم مستقبل). وعلق (إيريز إيشيل) -وهو عقيد آخر احتياط- قائلًا: (الانتقام قيمة عظيمة، هناك انتقام عما فعلوه بنا... هذا سيكون أرضًا بورًا، لن يتمكنوا من العيش هنا). - وقد تم تصوير جنود إسرائيليين بالزي الرسمي في 5 ديسمبر 2023 وهم يرقصون ويهتفون ويغنون (لتحترق قريتهم لتمحى غزة)، وبعدها بيومين في 7 ديسمبر تم أيضًا تصوير جنود إسرائيليين داخل غزة يرقصون ويهتفون: (نحن نعرف شعارنا: لا يوجد مدنيون غير متورطين)، (لنمحو نسل عماليق). وكان عدد الذين قتلوا من المدنيين الفلسطينيين العزل في 7 ديسمبر يوم تصوير هؤلاء الجنود يرقصون ويهتفون قد بلغ وقتها 17177 فلسطينيًّا في غزة، يقدر أن 70 % منهم من النساء والأطفال. مدنيون إسرائيليون على الخط: لم يخلُ المجتمع المدني الإسرائيلي كذلك من رسائل وخطابات إبادية بثت بشكل روتيني دون رقابة أو محاسبة على وسائل الإعلام الإسرائيلية، كلها تدعو إلى (محو غزة) وتحويلها إلى (مسلخ)، مع تكرر الادعاء أنه (لا يوجد أبرياء)، وأن هناك 2.5 مليون إرهابي! ودعا مسئول محلي إلى جعل غزة (مقفرة ومدمرة)، مثل: متحف (أوشفيتز)، يعني المعتقل النازي الشهير في الحرب العالمية الثانية، بينما دعا نواب سابقون وأعضاء في الكنيست غير الوزراء مرارًا وتكرارًا إلى أن يتم محو غزة وتسويتها بالأرض وسحقها على جميع سكانها! وعبَّر برلمانيون علنًا عن استيائهم ممَّن يشعر بالأسف تجاه سكان غزة غير المتورطين، مؤكدين أنه لا يوجد غير متورطين، وأنه لا يوجد أبرياء في غزة، وأن أطفال غزة جلبوا هذا على أنفسهم، وأنه يجب أن يكون هناك حكم واحد للجميع هناك: الموت! ودعا برلمانيون إلى القصف بلا رحمة من الجو، وإلى نكبة ستطغى على نكبة 1948. كما شارك أعضاء بارزون في المجتمع الإسرائيلي من نواب سابقين ومذيعين إخباريين في أحاديث كلها تحريض صريح مباشر علني على الإبادة الجماعية لسكان غزة، وكلها مرَّت بغير تحقيق أو معاقبة من قِبَل السلطات الإسرائيلية؛ فقد دعا نائب برلماني سابق إلى قتل جميع الفلسطينيين في غزة قائلًا: (أقول لكم: في غزة دون استثناء جميعهم إرهابيون، أبناء كلاب، يجب القضاء عليهم جميعًا، يجب قتلهم، سنسوي غزة بالأرض، نحولهم إلى غبار، والجيش سينظف المنطقة، ثم سنبدأ ببناء مناطق جديدة لنا، من أجل أمننا) (راجع في ذلك: النص العربي المترجم الكامل لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، ص 41-47 .( |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (23) إنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين كتبه/ علاء بكر فالعزة: حالة مانعة للإنسان أن يُغلَب، من قولهم: أرض عزاز، أي: صلبة. والعزيز: الذي يَقْهَر ولا يُقهَر. والعزة التي لله -تعالى- ولرسوله وللمؤمنين هي العزة الدائمة الباقية، هي العزة الحقيقية؛ قال الله -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) (فاطر: 10)، أي: مَن كان يريد أن يعز يحتاج أن يكتسب من الله -تعالى- العزة، فإنها له. وقال الله -تعالى-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 26). ويقال عزَّ عليَّ كذا: أي: صعب علي. وعزَّه كذا: غلبه. قال -تعالى-: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) (ص: 23)، أي: غلبني. وقيل: صار أعز مني في المخاطبة والمخاصمة. وقال الله -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) (فصلت: 41)، أي: يصعب مناله ووجود مثله. أما العزة التي هي للكافرين؛ فهي بمعنى التعزز. قال الله -تعالى-: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (مريم: 81)، أي: ليتمنعوا به من العذاب. وقد تستعار العزة للحمية والأنفة المذمومة، كما في قوله -تعالى-: (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) (البقرة: 206). قال ابن كثير -رحمه الله-: "(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) أي: إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله، وقيل له: اتقِ الله، وانزع عن قولك وفعلك وارجع إلى الحق؛ امتنع وأبى، وأخذته الحمية والغضب بالإثم؛ أي: بسبب ما اشتمل عليه من الآثام. (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) أي: هي كافيته عقوبة في ذلك" (تفسير ابن كثير). وقال الله -تعالى-: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ . بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) (ص: 1، 2). قال ابن كثير: "وقوله -تبارك وتعالى-: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) أي: إن في هذا القرآن لذكرى لمن يتذكر وعبرة لمن يعتبر، وإنما لم ينتفع به الكافرون؛ لأنهم (فِي عِزَّةٍ) أي: استكبار عنه وحمية. (وَشِقَاقٍ) أي: مخالفة له ومعاندة ومفارقة" (تفسير ابن كثير). العزة جميعها لله وحده ولا تطلب إلا من جهته: قال الله -عز وجل-: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات: 180). قال ابن كثير -رحمه الله-: "ينزِّه -تبارك وتعالى- نفسه الكريمة ويقدسها ويبرئها عما يقول الظالمون المكذبون المعتدون، -تعالى- وتنزَّه وتقدَّس عن قولهم علوًّا كبيرًا؛ ولهذا قال -تبارك وتعالى-: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) أي: ذي العزة التي لا ترام. (عَمَّا يَصِفُونَ) أي: عن قول هؤلاء المعتدين المفترين" (تفسير ابن كثير). وقال الله -تعالى-: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا .الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (النساء: 138، 139). قال ابن كثير في قوله -تعالى-: "(أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ): ثم أخبر الله -تعالى- بأن العزة كلها له وحده لا شريك له، ولمن جعلها له، كما قال -تعالى- في الآية الأخرى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)، وقال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ). والمقصود من هذا: التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين؛ الذين حصل لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" (تفسير ابن كثير). قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-: "والحال أن العزة لله جميعًا؛ فإن نواصي العباد بيده، ومشيئته نافذة فيهم. وقد تكفل بنصر دينه وعباده المؤمنين، ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين، وإدالة العدو عليهم إدالة غير مستمرة، فإن العاقبة والاستقرار للمؤمنين. وفي هذه الآية الترهيب العظيم من موالاة الكافرين وترك موالاة المؤمنين وأن ذلك من صفات المنافقين، وأن الإيمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين وعداوتهم" (انظر: تيسير الكريم الرحمن). وقال الله -تعالى-: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (يونس: 65). قال ابن كثير -رحمه الله-: "يقول -تعالى- لرسوله: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) واستعن بالله عليهم وتوكل عليه فإن العزة لله جميعًا، أي: جميعها له ولرسوله وللمؤمنين. (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي: السميع لأقوال عباده، العليم بأحوالهم" (تفسير ابن كثير). قال الله -تعالى-: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: 10). قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: مَن كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فيلزم طاعة الله -تعالى-، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله -تعالى- مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعًا، كما قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقال -عز وجل-: (وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقال جل جلاله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ). قال مجاهد: من كان يريد العزة بعبادة الأوثان، فإن العزة لله جميعًا. وقال قتادة: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)؛ أي: فليتعزز بطاعة الله -عز وجل-" (تفسير ابن كثير). قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "أي: يا من يريد العزة اطلبها ممن هي في يده، فإن العزة بيد الله، ولا تنال إلا بطاعته. وقد ذكرها بقوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)، من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل، وكل كلام حسن طيب، فيرفع إلى الله ويعرض عليه، ويثني الله على صاحبه في الملأ الأعلى. (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)، من أعمال القلوب وأعمال الجوارح، يرفعه الله -تعالى- إليه أيضًا كالكلم الطيب. وأما السيئات فإنها بالعكس؛ يريد صاحبها الرفعة بها، ويمكر ويكيد، ويعود ذلك عليه، ولا يزداد إلا هوانًا ونزولًا، ولهذا قال: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) يهانون فيه غاية الإهانة. (وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) أي: يهلك ويضمحل، ولا يفيدهم شيئًا، لأنه مكر بالباطل لأجل الباطل" (تفسير السعدي). وقال الله -تعالى-: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ . لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: 7، 8). وقد نزلت هاتان الآيتان أثناء رجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من غزوة تبوك، حيث قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين بالمدينة هذه المقالة الشنيعة؛ فردَّ الله -تعالى- عليه قوله، وبيَّن أن العزة الحقيقية الدائمة كلها إنما هي لله -تعالى-، ومنه يستمد المؤمنون الملتزمون بشرعه وأحكامه عزتهم. من كمال العزة تجنب الوهن والاستكانة: من كمال عزة المؤمن أنه لا يقبل الوهن والضعف والاستكانة، بل يستعين بالله -تعالى- دائمًا ولا يعجز، ويتوكل على الله -تعالى- ولا ييأس، ويصبر على الصعب ولا يجزع، ولا يقصر في طلب ما يجب عليه، وهو يعلم أن الله -تعالى- بفضله وكرمه يجبر عجزه إن وجد، ولكن لا يجبر له تقصيره إن وقع فيه، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو المستعان وعليه التكلان؛ قال الله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139). وقال الله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء: 104). قال ابن كثير: "وقوله -تعالى-: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ)، أي: لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدوا فيهم وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد. (إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ)، أي: كما يصيبكم الجراح والقتل، كذلك يحصل لهم، كما قال -تعالى-: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ). ثم قال -تعالى-: (وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ)، أي: أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياهم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو وعد حق وخبر صدق، وهم لا يرجون شيئًا من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة فيه، وفي إقامة كلمة الله وإعلائها. (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) أي: هو أعلم وأحكم فيما يقره ويقضيه وينفذه ويمضيه من أحكامه الكونية والشرعية، وهو المحمود على كل حال" (تفسير ابن كثير). وقال الله -تعالى-: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35). قال ابن كثير: (فَلَا تَهِنُوا) أي: لا تضعفوا عن الأعداء (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ)؛ أي: المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عددكم وعدتكم؛ ولهذا قال: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ)، أي: في حال علوكم على عدوكم؛ فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين ورأى الإمام في المهادنة والمعاهدة مصلحة؛ فله أن يفعل ذلك، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين صدَّه كفار قريش عن مكة، ودعوه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين فأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك. وقوله جلت عظمته (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) فيه بشرى عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء، (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) أي: ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها، بل يوفيكم ثوابها، ولا ينقصكم منها شيئًا، والله أعلم" (تفسير ابن كثير). ووصف الله -تعالى- حال الأمم المؤمنة السابقة مع أنبيائهم في هذا الشأن فقال الله -تعالى-: (وَكَمْ مِن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رَبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 146-148). والمراد كم من نبي قاتل وقُتِل بين يديه جموع كثيرة من أتباعه من العلماء والصالحين، فما وهن من بقي منهم، وما ضعفوا عن عدوهم، وما ذلوا له، وما استكانوا، حتى إن قُتِل نبيهم أو قُتِل منهم الكثير، بل صبروا وثبتوا رغم ما أصابهم في الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وتحملوا دفاعًا عن دينهم. بل كانوا على تمام العبودية لله -تعالى- باللجوء إليه والعمل في مرضاته، يخافون التقصير في جنب الله -تعالى-، وتتعلق قلوبهم به في النصرة والتثبيت: (وَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، فجمع الله -تعالى- بين خيري الدنيا والآخرة؛ قال الله -تعالى-: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ). موقف في السيرة النبوية تتجلى فيه معاني العزة: رغم الهزيمة القاسية التي تعرَّض لها المسلمون يوم أُحُد على يد كفار قريش، فقد احتفظ المسلمون بكامل عزتهم، ولم يصبهم الضعف والوهن وهم في أصعب الظروف وأسوأها. وقد نقل ابن القيم في (زاد المعاد) هذا الموقف الفريد للطائفة المؤمنة عقب انتهاء المعركة فقال: "ولما انقضت الحرب، أشرف أبو سفيان على الجبل فنادى: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجيبوه، ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قومه أن قيام الإسلام بهم. فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدو الله إن الذي ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله لك ما يسؤك. فقال: إن في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني، ثم قال: اعلُ هبل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ألا تجيبوه؟ فقالوا: فما نقول؟ قال: قولوا الله أعلى وأجل. ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم. قال: ألا تجيبوه؟ قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم. فأمر -أي: النبي -صلى الله عليه وسلم- بجوابه عند افتخاره بآلهتهم وبشركه، تعظيمًا للتوحيد، وإعلامًا بعزة من يعبده المسلمون، وقوة جانبه، وأنه لا يغلب، ونحن حزبه وجنده. ولم يأمرهم بإجابته حين قال: أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر بن الخطاب؟ بل روي أنه نهاهم عن إجابته، وقال: لا تجيبوه؛ لأن كلمهم (جرحهم) لم يكن برد بعد في طلب القوم ونار غيظهم متوقدة. فلما قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، حمي عمر بن الخطاب واشتد غضبه وقال: كذبت يا عدو الله، فكان في هذا الإعلام من الإذلال والشجاعة وعدم الجبن والتعرف إلى العدو في تلك الحال ما يؤذنهم بقوة القوم وبسالتهم، وأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، وأنه وقومه جديرون ألا يخافهم المسلمون، وقد أبقى الله لهم ما يسؤهم. وأيضًا فإن في تركهم، وكان في الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة -بعد وهلة وظن قومه أنهم قد أصيبوا- من المصلحة وغيظ العدو وحزبه، والفت في عضده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدًا واحدًا، فكان سؤاله عنهم ونعيهم لقومه آخر سهام العدو وكيده، فصبر له النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى استوى في كيده، ثم انتدب له عمر فرد سهام كيده عليه، وكان ترك الجواب أولًا عليه أحسن، وذكره ثانيًا أحسن. وأيضًا فإن في ترك إجابته حين سأل عنهم إهانة له وتصغيرًا لشأنه، فلما منته نفسه موتهم، وظن أنهم قد قتلوا، وحصل له من الكبر بذلك والأشر ما حصل، كان جوابه إهانة له وتحقيرًا، ولم يكن مخالفًا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تجيبوه، فإنه إنما نهى عن إجابته حين سأل: أفيكم محمد؟ أفيكم فلان؟ أفيكم فلان؟ ولم ينه عن إجابته حين قال: أما هؤلاء فقد قتلوا، وبكل حال فلا أحسن من ترك إجابته أولًا، ولا أحسن من إجابته ثانيًا. ثم قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال، فأجابه عمر فقال: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار) (انظر: زاد المعاد). وروى الإمام أحمد: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي) فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْحَرْبِ، اللَّهُمَّ عَائِذًا بِكَ مِنْ سُوءِ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ مِنَّا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكَذِّبُونَ رُسَلَكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ) (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني). (انظر: الرحيق المختوم). |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (24) الحراك الطلابي العالمي لمناصرة شعب غزة.. مظاهره وآثاره كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد شهدت العشرات من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية الكثير من المظاهرات الطلابية العارمة؛ احتجاجًا وتضامنًا مع شعب غزة في مواجهة جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تعرض -ويتعرض- لها شعب قطاع غزة من شهور طويلة، في واحدة من المشاهد العجيبة؛ التي ما كانت لتحدث لولا صمود وصلابة المقاومة الفلسطينية وجَلَد وثبات، وصبر وتحمل شعب غزة الأبي! وهو ما دفع الكثيرين في أمريكا ودول أوروبا الغربية إلى إعادة النظر من جديد في وجهة نظرهم نحو القضية الفلسطينية ككل، ومعاناة شعب غزة خاصة، ثم مخالفة ما عليه سياسات حكوماتهم من التأييد المطلق والدعم المفرط لجيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الوحشي على شعب غزة، والذي أسفر عن عشرات الآلاف من الشهداء وعشرات آلاف أكثر من المصابين والمفقودين، مع تدمير البنية التحتية العمرانية والصحية والتعليمية والاقتصادية للقطاع، إلى جانب استخدام سلاح القتل البطيء من خلال الحصار الكامل لمنع الطعام والماء والوقود والكهرباء والدواء والمساعدات الطبية والإنسانية، في واحدة من أسوأ الجرائم الإنسانية في تاريخ البشرية الحديث، وهي الجرائم التي حركت وهزت مشاعر الشباب والطلاب في أمريكا وأوروبا الغربية الذين نشأوا وتربوا على مناصرة إسرائيل والتعاطف معها منذ نشأتها عبر عقود طويلة، في ظل هيمنة الصهيونية العالمية على الإعلام الغربي المرئي والمقروء والمسموع ، وما يروج له من مفاهيم خاطئة ومعلومات كاذبة عما يحدث داخل فلسطين المحتلة، وكذلك في ظل السياسات الاستعمارية والعنصرية لحكام وزعماء وساسة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، والتي تعد إسرائيل بفضلهم وبجهودهم النموذج الأبرز -وربما الوحيد- في العالم حاليا للاستعمار العسكري المباشر البغيض وللتفرقة العنصرية المجحفة؛ إذ إن كل من يدرس جيدا التاريخ الحديث للمنطقة العربية يدرك أن إسرائيل هي من صناعة الغرب، صنعها على عينه الاستعمار القديم (بريطانيا)، وتولى كبر دعمها وحمايتها واستمرارها من بعده الاستعمار الجديد (الولايات المتحدة)، لتكون إسرائيل دائما أداة لعدم الاستقرار في المنطقة العربية تستنزف طاقاتها وقدراتها، وتحول بينها و بين تقدمها وازدهاها وتحقيق وحدتها التي فيها قوتها وعزها. البداية في الولايات المتحدة: رغم أن الاحتجاجات على الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة ظهرت بعد العدوان الإسرائيلي على غزة في مناطق متعددة معتاد فيها القيام بالاحتجاجات في الولايات المتحدة سواء أمام البيت الأبيض أو الكونجرس الأمريكي أو مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لكن على غير المتوقع اشتعلت المظاهرات الطلابية العارمة في الجامعات الأمريكية، والتي بدت أشبه بثورة طلابية لم تشهدها أمريكا من قبل في تاريخها الحديث؛ إذ إن حجم هذه المظاهرات الكبير لم يكن يتخيله أحد، وهي تعارض وتناهض سياسة الحكومة الأمريكية، في سابقة لم تشهد الجامعات الأمريكية مثلها من قبل ربما منذ الحرب في فيتنام، فكانت أشبه بالزلزال، فالطلبة الذين يدرسون مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي لجأوا إلى التعبير عن استنكارهم لما يحدث داخل غزة؛ فهناك إبادة جماعية، وهناك ازدواجية في المعايير. لقد دفعت الانتهاكات الشنيعة وغير المسبوقة التي يتعرض لها شعب فلسطين الكثير من الأمريكيين إلى البحث وبشكل شخصي عن الحقيقة، والتعرف على المعلومات الصحيحة عما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وعدم الاعتماد الكلي فقط على الإعلام الأمريكي الذي لا يقول الحقيقة كاملة. ورغم أن الدستور الأمريكي يكفل للمواطنين حرية التعبير عن الرأي ويكفل حرية التظاهر السلمي بدون وجود أي مظاهر للعنف أو التحريض عليه فقد تعرضت تلك المظاهرات الطلابية داخل الجامعات الأمريكية للقمع وتعرض المشاركين فيها للاعتقال. كانت الشرارة الأولى في جامعة كولومبيا، والتي توصف بأنها جامعة تضم طلاب أبناء النخب في الولايات المتحدة، والتي منها انتقلت المظاهرات إلى الجامعات الأمريكية الأخرى. وقد قام رئيس مجلس النواب الأمريكي (مايك جونسون) بزيارة جامعة كولومبيا حيث هدد رئيسة الجامعة (نعمت شفيق) -وهي من أصول مصرية- بأنه إن لم يتم احتواء المظاهرات سريعًا فسيتم الدفع بقوات من الحرس الوطني إلى الجامعة، ويذكر أن قوات الحرس الوطني تلك قد تسببت من قبل في قتل طلاب عام 1970 خلال مظاهرات الاحتجاج على الحرب في فيتنام، وبدورها قامت رئيسة الجامعة باستدعاء الشرطة إلى داخل الجامعة لفض المظاهرات والسيطرة على الأوضاع. جاء القمع للمظاهرات تارة بزعم وجود أشخاص أو نشطاء من خارج الجامعة يحرضون الطلبة على العنف، وتارة بأن هذه التظاهرات تجعل الطلبة اليهود هدفًا لها، خاصة وقد ندد (نتن ياهو) بتلك المظاهرات ودعا الحكومة الأمريكية إلى وقفها بزعم أنها معادية للسامية. وقد استخدمت قوات الأمن العنف والغاز المسيل للدموع لفض المتظاهرين؛ الأمر الذي زاد من حدة الاحتجاجات وانتقالها إلى جامعات أخرى. وقد تم اعتقال أكثر من مائة من الطلاب المعتصمين في جامعة كولومبيا من بينهم ابنة لإحدى النائبات الأمريكيات. وفي جامعة جنوب كاليفورنيا ترتب على التظاهرات فيها الإعلان عن إلغاء حفل التخرج الذي كان مقررًا عقده في 10 مايو 2024، وذلك عقب اعتقال أكثر من 90 متظاهرا داخل الجامعة، حيث أقام الطلاب المتظاهرون ما أسموه (مخيم فلسطين الحرة) في إحدى المناطق المركزية بالجامعة. وقد صرَّحت المتحدثة باسم المتظاهرين أن المخيم الذي نظمته حركة الطلاب يمثل التضامن مع فلسطين، وأنه استجابة لدعوة للتصعيد خاصة فيما يتعلق باعتقال وقمع الطلاب المؤيدين لفلسطين، لقد مثلت الاعتصامات داخل ساحات الجامعات بالخيام متماثلا لما يعيشه أكثر من مليوني فلسطيني نازح ومشرد في قطاع غزة، فكانت دافعا لمزيد من الحراك في الجامعات الأخرى داخل أمريكا وخارجها. وفي جامعة (إيمرسون) في (بوسطن) تم إلقاء القبض على 108 من الطلاب، بينما في جامعة (تكساس) تم اعتقال 55 شخصا. وقد هددت بعض إدارات تلك الجامعات بفصل الطلاب المحتجين. وفي جامعة (ميتشجان) تم نصب معسكر ضم حوالي 20 خيمة بالساحة الرئيسية في الجامعة، مما دفع الجامعة إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية داخل الجامعة. كما امتدت الاحتجاجات الطلابية إلى جامعات أخرى زادت عن 40 جامعة منها: جامعة (هارفارد) و(بيلوتافتس) و(نورث وسترن)، وهي جامعات معظمها لا يلتحق بها إلا الطلاب النوابغ والمتفوقون وكذلك أبناء المليارديرات والتي تؤهل وتضمن للخريجين منها المراكز والوظائف المرموقة في الدولة. وقد انضم إلى الطلاب أيضًا بعض الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس بتلك الجامعات حيث ساندت الجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات المتظاهرين من الطلاب رافضة سياسة القمع ضدهم. وقد بلغ من قوة دوي تلك التظاهرات والاحتجاجات ما جعل (نتن ياهو) رئيس وزراء إسرائيل يقوم بالتعليق عليها والهجوم عليها ووصف طلابها بمعاداة السامية داعيا الحكومة الأمريكية بالتصدي لتلك الاحتجاجات ومنعها، بينما دعا (بن غفير) عضو الحكومة الإسرائيلية المتطرف إلى تشكيل مجموعات مسلحة للتصدي لهؤلاء الطلاب المتظاهرين وقمعهم. مطالب للطلبة المتظاهرين: وقد كان من مطالب الطلاب المتظاهرين قطع استثمارات الجامعات مع إسرائيل ومع الشركات التي تساعدها في حملتها العسكرية؛ إذ إن جامعة كولومبيا -على سبيل المثال- لديها استثمارات مباشرة في شركات؛ مثل: أمازون وجوجل اللتين أبرمتا عقدًا للحوسبة السحابية بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الإسرائيلية. كما طالب الطلاب بسحب استثمارات الجامعة مع شركة (مايكروسوفت) التي تستخدم وزارة الدفاع الإسرائيلية خدماتها، وكذلك شركة (لوكهيد مارتن) التي تزود إسرائيل بالسلاح؛ كما طالبت مجموعة من الطلاب في معهد (ماساتشوستش) للتكنولوجيا أطلقت على نفسها (علماء ضد الإبادة الجماعية) بتوقف المعهد عن قبول التمويل البحثي من الجيش الإسرائيلي، بينما رفض متظاهرون في جامعة (ميتشجان) نقل مخيمهم الذي أقاموه بالجامعة حتى تتوقف الجامعة عن إرسال الأموال إلى مديري الاستثمار الذين يستفيدون من الشركات أو المقاولين الإسرائيليين. ووفقًا لما جاء في منشور على وسائل الاتصال الاجتماعي من جامعة كاليفورنيا أن المتظاهرين حثوا أيضًا إدارة الجامعة على قطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات والبرامج الإسرائيلية (راجع في ذلك: مقال: مأساة غزة تشعل المظاهرات في جامعات أمريكية، جريدة الأسبوع - عدد 29 إبريل 2024 - 20 شوال 1445، ص 6). وقد عقدت لجنة التعليم في الكونجرس الأمريكي جلسة مساءلة لرؤساء ثلاث جامعات أمريكية، وهي (بنسلفانيا) و(هارفارد) ومعهد (ماساتشوستس)، بدعوى عدم القدرة على السيطرة على خطاب الكراهية لليهود، وبدعوى إعطاء مساحة لمعاداة السامية في جامعاتهم، وطالبت بعض رؤساء الجامعات بالاستقالة، وقد استقالت بالفعل رئيسة جامعة بنسلفانيا بعد أربعة أيام من تلك الجلسة، وأعقبتها أيضا استقالة رئيسة جامعة هارفارد. ويرى مراقبون في الشأن الأمريكي أن تلك الأحداث داخل الجامعات الأمريكية سيكون لها أبعاد مختلفة وتأثير على الانتخابات الأمريكية المقبلة في ظل الدعم الأمريكي غير المشروط لإدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) خلال شهور العدوان على قطاع غزة؛ خاصة وأن أجندة الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه (بايدن) تميل في سياستها الخارجية إلى تأييد حل قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية. المظاهرات الطلابية في أوروبا: امتدت المظاهرات الطلابية إلى أغلب دول أوروبا الغربية حيث شهدت الجامعات خاصة في دول أوروبا الغربية المؤيدة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والداعمة لها بقوة ماديًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا في إنجلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا، إلى جانب تظاهرات طلابية في دول أخرى غير أوروبية. وقد شهدت هذه المظاهرات الأوروبية إصرارًا واستمرارية في مواجهة سياسات حكوماتهم الداعمة لإسرائيل؛ نظرًا لما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلية من أعمال إبادة جماعية ضد شعب غزة وقتل للأطفال والنساء والشيوخ والشباب الأعزل الذي لا يحمل السلاح بدم بارد. ومع تصاعد الاحتجاجات والاعتصامات للحركة الطلابية كان القمع حاضرًا: - ففي فرنسا قمعت الشرطة في 30 إبريل 2024 احتجاجات طلبة جامعة (تولوز)، وكان الطلاب المحتجون فيها يطالبون بإنهاء شراكة جامعتهم مع جامعتين إسرائيليتين متواطئتين مع الإبادة الجامعية في غزة، كذلك امتدت الاحتجاجات إلى جامعة (رامس) التي استولى فيها الطلاب على مكتبة الجامعة كشكل من أشكال الاحتجاج. وفي معهد (باريس) للعلوم السياسية صعد الطلاب إجراءاتهم في يوم الخميس 2 مايو 2024 حيث بدأ 7 طلاب منهم إضرابًا عن الطعام، مما دفع الشرطة في اليوم التالي -الجمعة 3 مايو- إلى العمل بالقوة على فض الاعتصام وإجلاء الطلاب المحتجين. - وفي هولندا فضت الشرطة بالقوة اعتصامًا للطلاب في جامعة (أمستردام). - وتكررت أحداث مشابهة في جامعة (برلين) في ألمانيا. وقد نجحت تلك الاحتجاجات الطلابية في تحقيق بعض الإنجازات؛ منها: - قيام بعض الجامعات الغربية بقطع علاقاتها مع شركات إسرائيلية. - موافقة بعض الجامعات الأخرى على دراسة استثماراتها وعلاقتها مع دولة الاحتلال، ومنها: كلية (ترينيتي) في إيرلندا، وجامعتي (مينيسوتا) و(براون) في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة (جولد سميث) في بريطانيا، وجامعة (برشلونة) في إسبانيا. - وفي إسبانيا أصدر مجلس الجامعات الإسبانية الذي يضم 76 جامعة في 10 مايو 2024 بيانًا يدعم التحرك الطلابي متعهدا بمراجعة العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الإسرائيلية، مع الإعلان عن العزم على قطع العلاقات مع أي جامعة لا تلتزم بالسلام والقانون الدولي (راجع في ذلك: مقال: الحرب على غزة والحراك الطلابي: القوة والتأثير، للباحث التونسي يحيى قاعود والباحثة دعد محمود – مجلة الديمقراطية - مؤسسة الأهرام – عدد يوليو 2024، 224-227). وبالتأكيد فإن مثل هذه النتائج لا تعني إمكانية التغيير المطلوب للدول الغربية في دعمها لإسرائيل في يوم وليلة، لكن -على الأقل- ستكون أشبه بأمواج عائقة أحدثتها أصوات الطلبة وهدير هتافاتهم المطالبة للحرية والعدل المفقود في حق الفلسطينيين، وهي أصوات ليست هينة أو ضعيفة؛ لأنها صادرة من أعرق الجامعات الأمريكية والأوروبية الغربية والتي جعلت لأمريكا ودول أوروبا الغربية تفوقها وسبقها العلمي. تأثير الحراك الطلابي العالمي: - تكمن قوة تأثير هذا الحراك الطلابي العالمي في كونه حراكًا في مجتمع أكاديمي، تكتسب فيه المؤسسات التعليمية وزنًا مهمًّا فهي تضم ملايين من الطلاب والباحثين والأساتذة والموظفين حول العالم، وهي ملايين تمتاز بسمات العلم والمعرفة ولها تأثيراتها على كل الطبقات الاجتماعية الأخرى. - إمكانية تخطي الاحتجاجات أسوار الجامعات خاصة في ظل القمع المتصاعد التي تتعرض لها الحركات الطلابية، بدأ من مشاركة أهالي الطلبة لمساندة أبنائهم الطلبة وكذلك أساتذة الجامعات، والعديد من الشخصيات العامة المؤثرة. - كون الحراك الطلابي العالمي يأتي من إيمان متأصل بحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة بين المتخصصين من هؤلاء الطلاب والدارسين للقانون الدولي وحقوق الإنسان، أو من دارسي العلوم السياسية وعلم الاجتماع، وهو إيمان إن تأكد لا يسهل هدمه بالدعاية السياسية الموجهة أو الوعود المزيفة. - اكتساب أنصار للقضية الفلسطينية يتضامنون معها لا على أنها قضية إنسانية فحسب بل لكونها أيضا قضية سياسية. - كون هذا الحراك يحدث في الدول الغربية الداعمة بقوة لجيش الاحتلال في جرائم الإبادة الجماعية من خلال المشاركة والدعم المادي والعسكري والحماية بالفيتو المتكرر في الأمم المتحدة يشير إلى خطأ هذا الدعم وخطأ القائمين عليه من باب (وشهد شاهد من أهلها). - احتمالية تصاعد الاحتجاجات الطلابية في كل -أو معظم- دول العالم شرقًا وغربًا، وتشكيل رأي عالمي متضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني يتسبب في عزلة كبيرة لدولة الاحتلال، وربما يهدد بقطع العلاقات معها، والاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية المرتقبة في المحافل الدولية. - إمكانية التأثير الفعلي للحراك في السياسات الغربية؛ خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة في عدة دول خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. إن التحرك الطلابي الحالي في دول العالم الغربي واستمراره وتصاعده يتطلب إلى جانب تنظيم هذا التحرك قيام الطلبة العرب والفلسطينيين بمد هذه الحركة الطلابية في دول العالم الغربي بالفيديوهات الحية والبيانات والمعلومات الدقيقة الموثقة حول جرائم قوات الاحتلال وأعمال الإبادة الجماعية والمحافظة على التواصل والتفاعل معها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها لتعزيز مواقف التحرك الطلابي العالمي، وللزيادة من حجم تضامنه مع القضية الفلسطينية. جندي أمريكي يحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية: بعيدًا عن الاحتجاجات الطلابية وتوابعها في الولايات المتحدة فقد شهدت أمريكا صورة أخرى صارخة من الاحتجاج على جرائم الحرب والإبادة الجماعية الإسرائيلية في حق الفلسطينيين في غزة، وتداولتها وسائل الإعلام العالمية، قام بها جندي أمريكي بعد مرور نحو أربعة أشهر من العدوان على قطاع غزة، حيث نقلت وسائل الإعلام الأمريكية خبر إحراق الجندي الأمريكي (آرون بوشنيل) نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في (واشنطن)، وهو بكامل ملابسه العسكرية احتجاجًا على الجرائم التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة. وبوشنيل هو جندي في القوات الجوية الأمريكية منذ 2020، حيث يعمل فني أنظمة عملاء في إدارة التكنولوجيا، ويسعى للحصول على بكالوريوس العلوم في هندسة البرمجيات في جامعة (نيو هامبشاير)، وهو يقيم في سان أنطونيو بولاية تكساس. وقد سكب الجندي مادة قابلة للاشتعال من قارورة على نفسه وأشعل النار فيها، وتم نقله إلى مستشفى محلي في حالة حرجة حيث توفي متأثرًا بحروقه. وقد قام الجندي الشاب ببث مقطع فيديو له على الهواء مباشرة عبر الإنترنت عبر منصة (تويتش) الاجتماعية قبل الحادث قال فيه: (لن أكون متواطئًا بعد الآن في الإبادة الجماعية). وقال: (لن أشارك بعد الآن في الإبادة الجماعية). وأضاف وهو في طريقه إلى مبنى السفارة الإسرائيلية: (سأنظم احتجاجًا عنيفًا للغاية الآن، ولكن احتجاجي ليس كبيرًا بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم)، ثم أضرم النار في نفسه وهو يصرخ: (الحرية لفلسطين)، يكررها مرارًا حتى توقفت أنفاسه. وقد أثار مشهد الحرق مشاعر الفزع لدى المواطنين الأمريكان، وصاحبها مشاعر من الغضب تجاه مسئول تأمين السفارة الإسرائيلية الذي اكتفى بإشهار مسدسه في وجه بونشنيل دون أي مسارعة منه لإطفاء النار، كما تملك الكثيرون الغضب من الإعلام الأمريكي الذي تعامل مع الحدث وكأنه حدث محدود الأهمية. وقد أعاد هذا الحدث الدرامي الدموي وقتها من جديد الأزمة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون إلى صدارة نشرات الأخبار الأمريكية والدولية مرة أخرى بعد أن خبت شعلتها قليلًا فلم تعد في صدارة الأخبار (راجع مقال: آرون بوشنيل يهز ضمير العالم، لمحمد البنا - جريدة النهار المصرية - عدد 28 فبراير 2024، ص 3، ومقال: رسائل الجندي بوشنيل) لأحمد أبو المعاطي - جريدة الأهرام - عدد 1 مارس 2024، ص 12). وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: غزة رمز للعزة
غزة رمز للعزة (25) في انتظار مقاطعة أكثر فاعلية كتبه/ علاء بكر ففي مقابلة العدوان الإسرائيلي الوحشي السافر على سكان قطاع غزة وما صاحبه من جرائم حرب شنيعة، وأعمال إبادة جماعية واسعة ومتواصلة تم فيها قتل أعداد كبيرة من النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد! جاءت المقاطعات الشعبية في العالم العربي والعالم الإسلامي لمنتجات شركات عالمية تتعامل مع الكيان المحتل وتمده بالدعم المادي كي يواصل اعتداءاته الوحشية على إخواننا الفلسطينيين في غزة، وهذا الدعم من هذه الشركات الأمريكية والأوروبية معروف من قبل ليس بجديد عليها؛ إلا أن مواصلته والتأكيد عليه في هذه المرحلة من العدوان الإسرائيلي يعد تأييدًا ظاهرًا ورضاءً كاملًا، ومشاركة صريحة من هذه الشركات في ارتكاب تلك المجازر والجرائم التي لا تتوقف ليل نهار في حق الفلسطينيين، ويستوجب قطعًا الوقوف ضدها وقفة جادة؛ لحملها على التراجع عن هذا الدعم وتلك المساندة السافرة للكيان المحتل. وهذه المقاطعة لتلك الشركات العالمية -وإن كانت أضعف الإيمان- سلاح لا يستهان به إذا استخدمته الشعوب الاستخدام الأمثل، وحافظت على متابعته واستمراره في ظل عالم صارت تحكمه أولًا وأخيرًا المصالح الاقتصادية، ويحرِّكه الحرص الدائم على تحقيق أكبر قدرٍ من الأرباح، ونيل أعلى المكاسب بشتى الوسائل. وتعد مصر واحدة من الأسواق الكبيرة التي يتم فيها تسويق الكثير من المنتجات والسلع الغربية، للكثافة السكانية أولًا، ولإدمان كل ما هو مستورد والانبهار به ثانيًا، وهو سلوك من مخلفات فترة الاحتلال الأجنبي الذي رحلت جيوشه وبقيت هيمنته على كثير من النفوس، ولو على حساب المنتجات المصرية ولو كانت تلك المنتجات المصرية لا تقل عن الأجنبية جودة، بل ولو كانت تقل عنها سعرًا، وبالتالي ضخامة الأموال التي تنفق على تلك المنتجات والسلع. ولعل من حسنات تلك المقاطعة الشعبية لمنتجات وبضائع تلك الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل وسلاسل المحلات التابعة لها أن كثيرًا من الشباب صار يقود تلك المقاطعة ويتحمس لها ويدعو إليها فعلًا وقولًا، وهو أمر يجعلنا نتفاءل ونحسن الظن بشبابنا ووعيهم، والأجمل أن نرى أطفال المدارس الصغار من أكثر الناس حماسًا ومشاركة في تلك المقاطعة على صغر أعمارهم، فمنهم من كان يحب أنواع من المأكولات أو الحلوى أو المشروبات فقاطعها، وحث غيره على مقاطعتها، وهو يشعر أنه إنما يفعل شيئًا كبيرًا، وهو بالفعل شيء كبير؛ لأنه يشكل وينمي فيهم وجدانهم وإحساسهم بآلام المظلومين من إخوانهم في غزة، ويا له من شعور. حرب إعلامية على الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل: مع تمادي العدوان الإسرائيلي وتمادي شركات عالمية بعضها شركات عملاقة في دعمها المادي للكيان الصهيوني عجَّت وسائل الاتصال الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي بدعوات لمعاقبة تلك الشركات اقتصاديًّا، وتوالي إصدار قوائم عديدة بالأسماء والعلامات التجارية لتلك الشركات العالمية التي لها أنشطة وفروع وسلاسل محلات في العالم العربي والعالم الإسلامي وينبغي مقاطعتها. وقد وصلت رسالة المقاطعة تلك للعديد من تلك الشركات العالمية بأن المستهلكين في العالم العربي والإسلامي -وبدون أي قرارات رسمية من حكومات أو دول- غير راضين عن سياسة تلك الشركات وأنهم لن يشاركوا معهم في قتل إخوانهم بشراء ودعم منتجات وسلع تذهب بعض أرباحها لقتلهم. وقد تأثرت بعض هذه الشركات العالمية إلى حدٍّ ما بتلك المقاطعة من خلال انخفاض قيمة أسهمها السوقية، أو انخفاض مبيعاتها، أو اضطرارها إلى إغلاق بعض فروعها؛ فمن ذلك: إعلان المدير المالي لشركة مأكولات سريعة - كانت قد أعلنت أنها ستقدم وجبات مجانية للجنود الإسرائيليين في قطاع غزة - أن الشركة خسرت نحو 7 مليارات دولار من قيمتها؛ بسبب تأثير المقاطعة الشعبية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي لمبيعات الشركة منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في دلالة واضحة على مدى قدرة تلك المقاطعة الشعبية على التأثير، ولم يختلف الوضع كثيرًا في شركة مشروبات ساخنة حيث اشتكى العاملون بها من بدء اتخاذ الشركة لإجراءات من بينها خفض عدد العاملين في فروعها مع استمرار المقاطعة، والتي تسببت في خسائر تاريخية للشركة قدرت بنحو 98 و10 مليار دولار، حيث بدت محلاتها في جميع المولات خالية من الزبائن ، بالرغم من تقديم عروض وتخفيضات على مدار الأيام الماضية؛ هذا بعد أن كانت هذه الشركة الأعلى مبيعًا. وأكد المتابعون أنه في حالة استمرار المقاطعة ستلجأ الشركة إلى غلق 30 % -على الأقل- من محلاتها وتسريح أعداد من العاملين بها في ظل تصاعد الخسائر في مصر وخارجها. الإقبال على المنتجات المحلية البديلة: ترتب على تلك المقاطعة وتزايدها، تزايد البحث عن البديل لها من المنتج المحلي الجيد لتوفيره ودعمه بكل قوة والترويج له، من خلال حملات للترويج للمنتج المحلي، وقد تم بالفعل تدشين صفحات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعريف الجمهور بكثير من المنتجات المحلية والتي قد تكون منسية، وهي من إنتاج شركات الصناعات الغذائية والمشروبات والمحلات الوطنية، والتي تقدِّم بدائل مشابهة للمنتجات والسلع الأجنبية، وذلك تحت شعار: (اشترِ المصري)، وهو أمر له -بالطبع- مردوده الإيجابي على الاقتصاد القومي، وكان -وما زال وسيظل- مطلوبًا من الأمة لتقوية اقتصادها ودعمه، وهو اتجاه يجدد التساؤل المنطقي: لماذا لم نفعل ذلك منذ سنوات طويلة؟ ولماذا لا تكون الأرباح الناشئة من التهافت على المنتجات الأجنبية والترويج لها لتسويقها في بلادنا هي من حقِّ أبنائنا العاملين فيها بإنتاجهم مثل تلك السلع وتقديم مثل هذه الخدمات؟ والجواب بيدنا لا بيد غيرنا؛ خاصة وأننا نعاني من اعتمادنا في أكلنا وشرابنا على البضائع والسلع والمنتجات، والمأكولات والمشروبات الأجنبية، ونستورد الكميات الكبيرة منها من الخارج؛ سواء من السلع الأساسية الضرورية أو من المنتجات الكمالية بما يؤثر بشكل بالغ على اقتصادنا القومي. وفي المقابل -ووفقًا للتقارير الرسمية-: فهناك آلاف من المصانع في بلادنا متوقفة عن العمل، وآلاف أخرى متعثرة، وهي أرقام مفزعة بكل المقاييس، تجعلنا نتندم على الأيام التي كانت فيها الصناعات المصرية المحلية لها شأنها ودورها الفعال في الاقتصاد المصري، من صناعة الملابس الجاهزة في شركات الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، ومنافذها في كل مكان، والتي كانت تلبي احتياجات كل الأسر المصرية، وكذلك المصنوعات الجلدية من الأحذية والحقائب بأنواعها المختلفة والأثاث، والأدوات المنزلية، والتي تراجعنا فيها في العقود الأخيرة تراجعًا كبيرًا، فتوقف الكثير منها عن الإنتاج، وما بقي يعمل منها فإنتاجه ضعيف لا يكفي احتياجاتنا، وتحتاج جميعها إلى تطوير كبير، وقد هجرها صناعها المهرة أو تقدمت بهم الأعمار، ولا حول ولا قوة إلا بالله. منتجات محلية استفادت من المقاطعة: - منها: مبيعات (سبيروسباتس)، وهي إحدى الشركات الوطنية الرائدة وتعمل في السوق المصرية من عقود، ولها منتجات منتشرة في كلِّ المحافظات، وصارت بديلًا للمشروبات الغازية الأجنبية، حيث ارتفعت مبيعاتها بنحو 350% حسب أغلب التقديرات. بدأت الشركة في أول الأمر باسم: (سابسا) في السويس، ثم انتقلت إلى القاهرة بعد هزيمة 1967. وفي عام 1998 قامت الشركة بشراء شركة (سباتوس) من الخواجة اليوناني (سبيروسباتس)، وبدأت في إنتاج نفس المنتج باسم: الخواجة. وفي عام 2014 تم بيع المصنع وتوقف عن العمل بسبب وفاة الأب المؤسس للشركة وسفر بعض أبناء العائلة للخارج. وفي عام 2019 تم لم شمل العائلة من جديد وعادوا للعمل في مصر من جديد. كان يعمل بمصنع سبيروسباتس نحو 150 عاملًا، ويملك المصنع 20 سيارة تقوم بتوزيع المنتج في كل أنحاء الجمهورية؛ بالإضافة إلى استخدام السكك الحديدية في نقل المنتج إلى المناطق البعيدة؛ مثل: كوم أمبو في أقصى الصعيد، ومؤخرًا أعلن المصنع عن تكثيف حركة الإنتاج والتشغيل على مدار الساعة؛ لتلبية احتياجات السوق المحلية، وتوزيع وزيادة خطوط الإنتاج، وتنتج الشركة حوالي 150 باكت في اليوم، وهذا هو الحد الأقصى لطاقة المصنع الإنتاجية. - ومنها: مبيعات شركة مصر كافيه، والتي لاقت اهتمامًا واسعًا من رواد دعوات دعم المنتج المحلي على السوشيال ميديا حيث ارتفعت مبيعاتها نحو 30%. وللشركة 18 منتجًا محليًّا وتقوم بتصدير الكثير منها للخارج، حيث إن لديها فائضًا في الطاقة الإنتاجية يكفي الطلب المحلي ولا تحتاج معه إلى زيادة خطوط إنتاجها. وقد تأسست الشركة في عام 1984، ويقع مصنعها الرئيسي في مدينة العاشر من رمضان، وبالشركة نحو 800 عامل، وتعد أول شركة محلية متخصصة في إنتاج القهوة المحمصة والقهوة الفورية في مصر والشرق الأوسط. - ومنها: شركة (قها) للأغذية المحفوظة التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين والتجارة الداخلية، والتي عادت للسوق من جديد من خلال منافذها الثابتة وفتحت أكشاك جديدة بناء على طلبات الجمهور وتساؤلاته عن منافذ البيع، وقد زادت الشركة من منتجاتها من خلال مصانعها الثلاثة بمدينة (قها) بالقليوبية، ومركز بدر بالبحيرة ومصنعها الثالث في الإسكندرية. والشركة تعد أول شركة في مصر في مجال التعليب، حيث أنشئت عام 1940 بمصنعها في القليوبية. - ومنها: شركة (أفانتي)، التي حققت زيادة في مبيعاتها بنحو 25%، وللشركة نحو 100 منتج، وتصدر نحو 20 % من إنتاجها، وتصل طاقتها الإنتاجية إلى ألف طن شهريًّا، وتسعى الشركة إلى إضافة خطوط جديدة في منتجات جديدة مثل: الجبن؛ حيث تتوقع الاستحواذ على 20 % من منتج معين من الجبن. وكانت الشركة قد بدأت عام 1945 كمشروع صغير. - ومنها: شركة الشمعدان، التي ارتفع مبيعاتها من البسكويت خلال أكتوبر 2023 بنحو 20%، وللشركة أكثر من 50 نوعًا من المنتجات، وهناك زيادة في الطلب على 10 منتجات منها على الأقل؛ لذا قامت الشركة بالتوسع في مراكز البيع. - ومنها: شركة (فريدال) للمنظفات والعطور المصرية التي زادت مبيعاتها بنحو 40 %، وتسعى لزيادة 3 خطوط إنتاج لتلبية الزيادة في الطلبات حيث زاد إنتاجها الشهري في أكتوبر 2023 من 4 ملايين عبوة إلى 6 مليون عبوة. (راجع مقال: مصائب المقاطعة عند قوم فوائد: شركات الأغذية والمشروبات المحلية تعيش أسعد أيام حياتها، جريدة الفجر - عدد 9 نوفمبر 2023، ص 8). ولا شك أن هذا الإقبال على المنتجات المحلية يتطلب من القائمين عليها مراعاة الجودة العالية والسعر المناسب الذي يراعي المشتري ويحقق الربح المعقول لاستعادة تلك المنتجات المحلية لمكانتها المرموقة واكتساب ثقة المشترين بها. وجه آخر للمقاطعة الاقتصادية: في الوقت الذي أحدثت فيه المقاطعة الشعبية أثرها على الشركات العالمية الداعمة للكيان الصهيوني ظهرت مشكلة تتعلق بنظام (الفرانشايز) في مصر. و(الفرانشايز) شركات مساهمة مصرية، يمتلكها مستثمرون مصريون يحصلون من الشركات الأجنبية الأم على حق استخدام اسم الشركة الأم أو علامتها التجارية في فروع تفتح في مصر ويمتلكها هؤلاء المستثمرون مقابل مبلغ محدد يسدده المستثمر لا يرتبط بربح الفرع أو خسارته. وهي شركات مصرية تقوم بتوظيف عمالة مصرية ولها استثمارات بالمليارات، وتقوم بسداد ضرائب وتأمينات لخزانة الدولة المصرية، وهي لا تقوم بالطبع بدعم الكيان الصهيوني بأي دعم، وإنما قد تدعمه الشركة الأم في الخارج أو وكيلها الموجود في إسرائيل؛ أي: أن تلك الفروع المصرية تنحصر مسئوليتها فقط داخل حدود مصر، ولا علاقة لها مطلقًا بما يقوم به الآخرون في البلاد الأخرى. وقد طالت خسائر المقاطعة تلك الشركات المصرية التي تعمل بنظام (الفرانشايز) مما جعل بعضها يستغني عن عدد من العاملين فيها، خاصة ممن يعملون بنظام اليومية، كما تأثر عمال التوصيل لديهم (المعروفين بالطيارين) الذين صارت أعدادهم في تناقص مستمر بسبب تراجع الطلبات التي كان يطلبها المشترون، والتي تسببت أيضًا في خسائر أثرت على نسب الأرباح والحوافز التي يتقاضاها العاملون. وهذا يستدعي -كما يرى البعض- ضرورة التفريق بين فروع الشركات العالمية التي يمكن مقاطعة أجزاء منها تمتلكها الشركة الأم وفروع ينبغي عدم مقاطعتها إذ لا تمتلكها الشركة الأم، أي: ينبغي على المشارك في المقاطعة الرجوع إلى أصل الشركة العاملة في مصر للتعرف عليها هل هي تعمل بنظام الفرانشايز؟ أي: تستغل فقط الاسم العالمي للشركة الأم، أو تحمل العلامة التجارية للشركة في مقابل مبلغ محدد تسدده للشركة الأجنبية الأم، وبالتالي لا تتأثر الشركة الأجنبية الأم بمقاطعة تلك الفروع المصرية وتقتصر خسائر المقاطعة في هذه الحالة على المستثمرين المصريين فقط؟ أم أنها فروع من الشركة الأجنبية الأم تابعة لها مباشرة وبالتالي تتأثر الشركة الأم بالمقاطعة بخسارة مباشرة؟ وهذا الأمر يتطلب من الجهات المعنية بالاقتصاد القومي؛ مثل: اتحاد الصناعات والغرف التجارية، أو جهاز حماية المستهلك القيام بدراسة الأمر جيدًا، وبالتالي وضع قوائم موثقة للمقاطعة يسترشد بها المقاطعون في تحديد المنتجات وسلاسل المحلات والشركات الجديرة بالمقاطعة دون غيرها؛ ليقع تأثير المقاطعة على الشركات العالمية الأم لا على المستثمرين والعمالة المصرية التي تعمل بنظام الفرانشايز؛ إلا إذ رأت تلك الجهات تقديم جانب المصلحة العامة أو العليا للمقاطعة على جانب المصالح الشخصية الأقل للمستثمرين، وهو أمر وارد ترجيحه ولو نظريًّا! مدى جدوى المقاطعة حتى الآن: - يرى البعض أن المقاطعة الشعبية آتت أكلها حيث أعربت عن نفسها بتحقيق مقدار من الضرر على شركات أجنبية داعمة للكيان الصهيونية أثَّر على البعض منها، فمنها من تراجع عن دعمه وأظهر الحياد، ومنها فروع أعلنت تقديم العون المادي للفلسطينيين، ومنها من اكتفى بخفض أسعار منتجاته أو كمية الإنتاج، ومنها من أغلقت بعض فروعها أو خفضت عمالها. ويرى هؤلاء أنه من غير المرجح أن تكون لحملة المقاطعة تلك التأثير الإستراتيجي الكبير أو التغيير الفوري في السياسات الغربية، إلا أن هذه المقاطعة تعد هي الوسيلة المتاحة للشعوب العربية والإسلامية لمناصرة الفلسطينيين، ونشر الوعي بالقضية الفلسطينية. - أما البعض فيتحمس أكثر لجانب المقاطعة، ويرى أن سلاح المقاطعة يمكن أن يحدث أثرًا أكبر بكثير مما أحدثه ويحدثه إذا أجيد استخدامه، فيكون أكثر انضباطًا ووضوحًا وتوجهًا، لا كما هو عليه الآن من العشوائية، فجهوده متروكة لوسائل التواصل الاجتماعي باجتهادات فردية أو جماعية غير منظمة، فلا معيار واضح لما ينبغي مقاطعته؛ لذا يجب تدخل كيانات من المجتمع المدني أو مؤسسات وجهات اقتصادية معنية تقوم بقيادة ومتابعة تلك المقاطعة ومراجعة تأثيرها، وجوانب القوة والضعف فيها، والمراجعة من آنٍ لآخر أسماء الشركات والمنتجات التي ينبغي مقاطعتها، بل والدخول -إن أمكن- في تفاوض مع هذه الشركات للوصول معها إلى حلول مرضية، وفي المقابل تشجيع ودعم المنتجات المصنعة محليا لزيادة الاستثمارات الوطنية، على أن يتم ذلك على أوسع نطاق وأكبر مشاركة ممكنة، ومن خلال متابعة جادة ومستمرة، تطور من أدائها، وتكون قابلة للتحرك والاستجابة لها في أي وقت وفي أي مكان لتحقيق الهدف المنشود. إن دعوات المقاطعة الشعبية في الدول العربية والإسلامية قادرة أن تكلف العدو الصهيوني والدول الغربية الداعمة والمؤيدة له خسائر تصل إلى مئات المليارات من الدولارات؛ إذا أحسن تطبيقها من خلال مشاركة نحو 2 مليار مسلم في شتى بقاع المعمورة، تضطر معه هذه الشركات العالمية اضطرارًا إلى تصحيح مواقفها والتراجع عن غيها؛ إذ لا تستطيع تحمل تلك الخسارة الضخمة إن تحققت. إن حجم صادرات الولايات المتحدة للدول العربية والعالم الإسلامي تبلغ نحو 150 مليار دولار، وجزء كبير منها يرتبط بالمنتجات الاستهلاكية، والمنتجات الزراعية والأغذية، ويمكن بصورة أو أخرى توجيه المقاطعة لاستبدال الواردات من الولايات المتحدة بواردات من دول أخرى لا تدعم الكيان الصهيوني بهذه الصورة الفجة كالصين وروسيا. هذا إلى جانب ما في تلك المقاطعة من جوانب أخرى إيجابية كبيرة؛ منها: دعم المنتجات المحلية، وتوطين الصناعة الوطنية، وزيادة الدخل القومي والصادرات وتقليل الواردات، وتخفيف الضغط على العملات الأجنبية خاصة الدولار. - وبالنسبة لسلاسل الفرانشايز: فلتحويل المقاطعة إلى مقاطعة إيجابية فلا بد من التحاور مع أصحاب تلك السلاسل وإقناعهم بالاستغناء عن الشركات الأم وعلاماتها التجارية، خاصة وأنهم يملكون كل المقومات اللازمة لفتح فروع لمحلات وطنية لإنتاج نفس المنتج الأجنبي من خلال الفنيين الوطنيين وامتلاك كيفية التصنيع والمعدات اللازمة لتقديم بديل مقبول للمنتج الأجنبي بنفس الجودة، خاصة في ظل تشجيع المواطنين لهم في ظل المقاطعة الشعبية للمنتجات الأجنبية وتقديم المنتجات المحلية عليها. |
| الساعة الآن : 10:27 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour