ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   هَمَسات .. في كلمات ... (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=272102)

ابوالوليد المسلم 13-12-2021 03:28 PM

هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (1)


سالم محمد



أقسم الله تعالى في القرآن بأمور كثيرة، وإذا أقسم رب العزة بشيء فهذا إشارة إلى عظمته وأهميته، ومن ذلك القلم والكتاب، حيث قال تعالى {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} ، فهي لا تزال مهمة حتى في عصر الصوت والصورة المباشرة، ولا زال لها حضروها القوي، والكتابة سلوة الحزين، وانيس المستوحش، ولسان القلب، وسلاح المجاهد، وحجة لك أو عليك، قد تكون سبيل للفساد، ويمكن أن تكون عماد الإصلاح، بها يجاهَد المنافقون، وينافح بها عن حمى الدين، فما أكثر الشبهات التي تنتشر كتابة، وما اكثر الأكاذيب التي تنشر كذباً لإبطال حق، أو لإحقاق باطل، فمن آتاه الله قدرة على الكتابة فهو على ثغر من ثغور الأمة فليحسن استخدامه، ويوجه سهامه لنصر الحق وإبطال الباطل، وهنا نبدأ سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) وسوف تستمر إن شاء الله، ونسأل الله أن يكتب لها القبول ويجعلها لبنة في سبيل الإصلاح، وقذيفة في وجه الظلم والباطل، وذخرا يوم المعاد.
  • الله تعالى أوجب علينا قراءة سورة الفاتحة مرات كثيرة يومياً، لذا فكل موضوع ذكر فيها فهو من الأهمية بمكان، كإخلاص العبادة لله لا سيما الدعاء، والاستعانة بالله، والاقتداء بالصالحين، والحذر من طريق اليهود حيث علم بلا عمل، أو النصارى حيث العمل بلا علم وكلا الطريقين مذموم، وقبل ذلك شكر الله تعالى وحمده ومن أهم مظاهر الحمد استعمال نعمه تعالى فيما يرضيه.
  • دلائل أنَّ القرآن من عند الله كثيرة جداً، ومن أبرزها جانب العظمة الموجودة في كتاب الله تعالى ؛ فهل قرأت أو سمعت أن بشر يقول عن نفسه أنه ( { عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، أو ( بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)} ، وهل هناك أحد من المخلوقين يـَجْرُئْ أن يدَّعي -فضلاً أن يثبت- أنه {( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)} ، أو {( يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، أو أنَّ (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)} ، ومن ذا الذي من البشر يزعم أنَّ {(إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)، أو (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)} وفي هذا الكتاب يقول منزله سبحانه وتعالى: {(أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى)} ، ومن ذلك أيضاً (الثقة المطلقة في نفي الرَّيب دليل على أنَّه من عند الله؛ إذ لا يمكن لمخلوق أن يدعي ذلك في كلامه) والأمثلة كثيرة جداً علينا أن نتدبرها عند سماعها أو قراءتها.(
  • {(ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)،} كتاب الله هداية لمن اتقى، والتقوى بمفهومها العام عمل الطاعات واجتناب المحرمات، فمن كان لله أتقى كان بالقرآن أهدى، ومن اهتدى بالقرآن {(فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)} ، وفي النهاية {(فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)} .
    تطغى على العالم في هذه الإيام المادية المقيتة، وهي لا تعترف إلا بالمحسوسات، فهم لا يؤمنون باليوم الآخر، وهذا يتصادم رأساً وعقيدة الاسلام حيث أنَّ (من أعظم مراتب الإيمانِ الإيمانُ بالغيب؛ لأنه يتضمن التسليم لله تعالى في كل ما تفرد بعلمه من الغيب، ولرسوله بما أخبر عنه سبحانه(.
  • في القرآن يكثُر الجمع بين شيئين، ولعلَّ الصلاة والزكاة في القرآن هي أكثر ما جاء مقترناً، فعبادة البدن الصلاة وعبادة المال الزكاة، والآمر واحد وهو الله، وفي هذا رد قاطع على الذين يَدعُون إلى فصل الدين عن الحياة أو عن السياسة أو الاقتصاد، كما أنّ (الصلاة إخلاص للمعبود، والزكاة إحسان للعبيد، وهما عنوان السعادة والنجاة).
  • إيمان الناس بالحق ليس مشروطاً بكثرة الآيات، فالباحث عن الحق تكفيه آية واحدة، ولذك تأمل قول حَبْر من أحبار اليهود عندما رأي النبي صلى الله عليه وسلم قال: «(فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ)» ، هذا هو عبدالله بن سلام رضي الله عنه، بينما تجد ملحداً ينكر وجود الله تعالى مع أن أدلة وجود الله أكثر من عدد شعر رأسه، فنسأل الله الهداية للحق والثبات عليه لأن (مَنْ طبع الله على قلوبهم بسبب عنادهم وتكذيبهم لا تنفع معهم الآيات وإن عظمت) وإن كثرت.
  • الحياة في ظل الشريعة الإسلامية حياة الرضا والراحة النفسية، والانتحار يكثر في المجتمعات التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فمن ظُلِم على سبيل المثال ولم يستطع أن يقتص من ظالمه؛ فإن الهم والقهر والشعور بالهزيمة يلاحقه ويأكل مع ويشرب، ويصبح ويمسي، بينما المظلوم لو كان مسلماً فإنه يعلم يقيناً أن ظالمه الخاسر وهو الرابح، وسيقتص منه لا محالة، ويستوفي حقه كاملاً في يوم هو أحوج ما يكون إليه، قال تعالى: {(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)} ، فلا تأْمنْ أيها الظالم من القصاص، ولا تَيْئسْ أيها المظلوم فحقك أقرب إليك من شراك نعلك {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}
  • مَن هم الذين يزعمون أنهم (أصحاب الصلاح والإصلاح)، هم طائفة أخطر على الاسلام والمسلمين من المشركين، ألا وهم المنافقون، {(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)} ، وللأسف بيننا كثير منهم، أو من يمشي على طريقتهم، فتجد من يدعو إلى الفواحش بدعوى الحرية، وقد تتمدد حريتهم المزعومة لتشمل سب الأنبياء بل والتطاول على رب العالمين سبحانه، كل هذا وهم يزعمون أنهم دعاة الاصلاح وانقاذ الشعوب والسعي لما فيه ازهار وفلاح الأمة، وفي الحقيقة هم مطايا إبليس استخدمهم لإفساد الناس وسيؤدي بهم إلى الهاوية وبئس المصير إن لم يتركوا العمل كمطايا للشيطان.
أهم المراجع: المختصر في تفسير القرآن الكريم: الصادر من مركز تفسير للدراسات القرآنية










ابوالوليد المسلم 25-12-2021 01:06 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (2)


سالم محمد

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، هذه هي الباقة الثانية في هذه السلسلة المباركة بإذنه الله تعالى، وهي صوت خافت في وسط هدير مزعج، وبصيص نور في مواجهة الظلمات، أسأل الله تعالى أن يكتب لها القبول ويجعلها من الباقيات الصالحات.
المنافقون أشد خطراً على الإسلام من الكفار المظهرين للعداوة، فهم أعداء داخل الصف، وطفيليات سامة، وبثور متقيحة بين صفوف المسلمين، لهم الصدارة في العداوة رغم خفائهم، لأجل هذا وغيره نجد في أول سورة البقرة خمس آيات عن المؤمنين، وآيتان عن الكفار، وثلاثة عشر آية عن المنافقين، والله تعالى قال: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} وعند الحديث عن الكافرين {(إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)} ، لاحظ الفرق بين (الْعَدُوُّ) و(عَدُوًّا)، فلنحذر أشد الحذر منهم، فخطرهم أشد، وعدواتهم أخفى، وجهادهم أولى، {(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)} .
الله خلقنا وخلق كل شيء وكفى، هذا من أعظم الأدلة على عجز الخلق، فمن يستطيع أن يخلُق ذرة من العدم؟ فالمتفرِّد بالخلْق يجب أن يُفْرَد بالعبادة، فهل هناك أحد يخلق غير الله حتى يعبد... {(أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)} ، ومن العبادة الطاعة والتحكيم، فكل حكم خالف أمر الله فهو رجعية وتخلف وجاهلية... {(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)} .
(العاقل لا يرى لنفسه ثمنا إلا الجنة)[1]، فنعيم الدنيا يعقبه فناء، ويتخلله أمراض وأحزان، وهموم غموم، وسبحان الله هذه من أسباب بلوغ نعيم الجنة لمن صبر واحتسب، ففي الحديث «(ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة) » فالمؤمن بالله واليوم الآخر تكون الأحزان والهموم والغموم زاده للوصول للجنة، فـ (لولا مصائب الدنيا لوردنا يوم القيامة مفاليس) كما قال أحد السلف، وفي كتاب ربنا: {(وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)} .. الخطير في الأمر أنَّ مَن فاتته الجنة فمصيره النار، ولا فريق ثالث ولا توجد مناطق رمادية .. ( {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)} .
من الأساليب النافعة في بيان الحق، وتقريبه للخَلْق، ورد شبهات المبطلين، ضرب الأمثال، وهي كثيرة في القرآن، فالعناية بالأمثال تعلًّماً وتعليماً غاية في الأهمية...فكلنا محتاجين لتعلم ضرب الأمثال، الأم مع أولادها، الأب مع أبناءه، الشيخ مع طلابه، المعلم مع تلاميذه، الخطيب مع مستمعيه ... {(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)} .. فالأمثال طريق معبَّد وقصير للوصول إلى الفِطَر الصافية والعقول السليمة، وربطها بخالقها، حيث الطمأنينة والفلاح في الدارين .. {(مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)} .
هناك من يقول جهلاً أو خبثاً، أن الشريعة الإسلامية لا دخل لها بالسياسة أو الاقتصاد أو كليهما معاً، والواقع أن هذا من أبطل الباطل إذْ أنَّ أي قضية سياسية أو اقتصادية أو غيرها لا تخرج عن أحد الأوصاف الخمسة: الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح، فنتحدَّى أي أحد على وجه الأرض يأتي بقضية سياسية أو اقتصادية أو غيرها من المجالات تخرج عن أحد هذه الأوصاف... فالحمد لله على كمال الشرع، وجلاء الحق، وتمام النعمة، فلو أخذنا السياسة مثلاً فكم هي عدد التفاسير وكلها ذكرت جوانب سياسية، وقل مثل ذلك كتب الحديث وشروحها، والسيرة والفقه وأصول الفقه لو جمعت الكتب الإسلامية التي ذكرت الجوانب السياسية في الشريعة لكانت ناطحة سحاب... ( {وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء} ).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وإلى اللقاء في الهمسات القادمة بإذن الله تعالى



ابوالوليد المسلم 06-01-2022 02:23 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (3)


سالم محمد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، فمع الباقة الثالثة من الهمسات، نسأل الله أن يجعلها من العلم الذي يُنتَفعُ به بعد الممات
إذا وقعت لك مصيبة، فالكثير والكثير من يحثونك على الصبر وينسون قرينَه أَلا وهي الصلاة فقد «(كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا حزَبه أمرٌ صلَّى)» ، وقبل ذلك حثنا ربنا بقوله: {(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)} ، فعند المصيبة يضطرب الإنسان، وذكر الله تعالى يثبت القلوب {(أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ)} ، حتى إنه في حال الحرب أُمِرْنا بكثرة الذكر: {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )} ، والصلاة من أفضل الذكر، وهي (صلة بين العبد وربه)، فكم هي المصائب التي مرت علينا ولم نفزغ إلى الصلاة، فلنحاصر مصائبنا بسياج من الصبر والصلاة؛ لتتحول من محن إلى منح، ومن رزايا إلى عطايا، ونحصل على الجوائز الكبرى كما في قوله تعالى: {(أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)} ، أوقوله: {(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)} .
الشريعة الإسلامية {(مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)} ، فشرْعُ الله تعالى في منتهى العدل والحكمة والرحمة، وعلينا أن نتقبله بالتسليم التام، {(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)} ، فنحن عادة ما نستسلم لبشر كالطبيب في تشخيصه والأدوية التي يأمرنا بتناولها ونثق في ما يقول؛ ولو كان شق بطون أبنائنا؛ ولا نناقش في ذلك ولو ناقشنا لن نفهم، هذا مع أن الطبيب بشر يخطئ ويصيب وينسى ويغفل وقد يكون مجرماً يتعمد الضرر بمرضاه، فيسقيهم السم الزعاف بدل الدواء الناجع، فكيف بعد ذلك نناقش في أحكام الله وشرعه ولله المثل الأعلى، فاللذين يعرضون شرع الله على عقولهم القاصرة إنما يناقضون أنفسهم ويهلكونها، فالأمر لله من قبل ومن بعد . . {(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)} .. فمن السفاهة أن نسلِّم عقولها إلى دساتير أو قوانين مرجعيتها استفتاء أو تصويت من لا يعلم عدد المواد في الدستور فضلا عن معرفة خيرها من شرها أو عواقب تطبيقها، وبين أيدينا والحمد لله كتاب { (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)} ، {(هُدًى لِلنَّاسِ)} ، {(أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)} ، { (كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ)} ، إذا الواجب الاتباع، قال تعالى {(وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)} .
في القرآن رفع الله من شأن العلم والعلماء، لذا من السخف أن يقال أنَّ سبب تأخر المسلمين هو تطبيق الشريعة الإسلامية، فلو طبقت الشريعة الإسلامية لفاق المسلمون كل الأمم في جميع المجالات، {(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) } وهذا حصل بالفعل فيما مضى، فالأمم الأخرى يتقدمون مادياً بالتخلي عن أديانهم الباطلة، كما فعل الأوروبيون عندما تحرروا من قبضة الكنيسة النصرانية، العكس في الإسلام التمسك به رفعه وعزة والبعد عنه تخلف عن ركب الآخرين كما هو الواقع الذي نعيشه، والنصوص طافحة بالحث على العلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم «(طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ)» ، وقال عليه الصلاة والسلام «(...ارجِعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومُرُوهم)» ، و( «فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة» )، وأما كتاب ربنا فجاء فيه: {(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)} ، فمن يرى أن الإسلام ضد العلم الدنيوي النافع فهو إما جاهل أو مكابر.
أول معصية عُصِيَ الله بها الكِبْر، فالمتكبر يرفض الحق بحجج واهية مضحكة، حتى لو كان هو يعلم بطلانها، فهو {(يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)} ، فالكبر مانع لقبول الحق، وبالتالي الهلاك، وإمام التكبرين إبليس: {(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)} ، ولهذا قال سفيان بن عيينة رحمه الله:(من كانت معصيته في كِبر، فاخش عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرا فلُعِن!)، فتأمل أن كثير من كفار قريش منعهم الكبر من اتباع الحق مع أنهم رأوا بأم أعينهم المعجزات، ويعرفون الرسول صلى لله عليه أمانته وصدقه، والمتكبر مبغوض في الأرض والسماء، و(يُحشَرُ المتكبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهم الذُّلُّ من كلِّ مكانٍ يُساقون إلى سجنٍ في جهنَّمَ يُقالُ له : بُولَسُ تعلُوهم نارُ الأنيارِ يُسقَوْن من عُصارةِ أهلِ النَّارِ طِينةَ الخَبالِ)، فمن رد حقاً فهو متكبر، أما المؤمنين فقال الله عنهم: {(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ)} .
من الحواجز القوية بين المظلومين وحقوقهم ما يسمى بـ (الواسطة) أو المحسوبية، كما أنها سبب رئيسي لارتفاع الأسافل وتمكنهم من المناصب، وفي الحديث: «(حتى يُقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مِثقالُ حبةٍ من خردلٍ من إيمان)» ،عندها تضطرب سفينة المجتمع ويُوشَك أنْ تغرَق، فالمعيار الشرعي الصحيح لتولي المناصب الأمانة والقوة، والقوة تشمل كل ما يحتاجه فقد تكون علمية أو جسدية أو قوة شخصية كل كرسي بحسبه {(إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ)} ، ومن مواصفات الملك الذي أرسله لبني إسرائيل: {(قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)} .
نحن مغموسون غارقون في بحار نعم الله تعالى، فمنا الشاكرون الذين يسخرون ما أنعم الله عليهم في طاعته، ومنا الجاحدون الذين يستعينون بنعم الله على معاصيه وظلم عباده، فالصنف الأول غارق في انهار الخير، والصنف الآخر يتدنس بمستنقعات الرذيلة الآسنة، و(الشكر مبني على خمس قواعد ، هي خضوع الشكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره) كما في مدارج السالكين، أما إنْ أردتَ درساً عمليا للشكر فإليك ما قاله (رجل لأبي حازم : ما شكر العينين يا أبا حازم ؟ قال : إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًا سترته , قال : فما شكر الأذنين ؟ قال : إن سمعت بهما خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًا أخفيته , قال : ما شكر اليدين ؟ قال : لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًا لله هو فيهما , قال : ما شكر البطن ؟قال : أن يكون أسفله طعامًا، وأعلاه علمًا , قال : ما شكر الفرج ؟قال : كما قال الله تبارك وتعالى : " {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} " إلى قوله : " { فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} " وأنت شاكر لله. وأما من شكر بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه؛ فمثله كمثل رجل له كساء، فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر! ».)، اللهم اجعنا من العباد الشاكرين.
من أعظم المعضلات في العلمانية غياب المرجعية، فلا يوجد مقياس للعدل والظلم، والخير والشر، ومحاسن الأخلاق ومساوئها، بينما في الإسلام (الوحي هو الفَيْصَلُ بين الحق والباطل)، فكل مقياس بشري يمكن معارضته، عقل، فلسفة، تصويت، استفتاء، واستبدال شرع الله بغيره تخلف همجي، وجاهلية مقيته: {(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)} ، فلا يمكن أن يفصل بين الناس إلا وحي رباني، ومخالفته اتبع للأهواء: {(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)} .
بين الله لنا في القرآن أن اليهود والنصارى حرفوا كتبهم ووصفهم الله بقوله: {(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)} ، ونحن بحمد الله قد حفظ الله لنا القرآن ولكن هناك من يحاول تحريف المعنى، ولذا (كل من يتلاعب بنصوص الشرع ويحرّفها فيه شَبَهٌ من اليهود، وهو مُتوعَّد بعقوبة الله تعالى)، قال تعالى:( {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} )، فالحذر ممن يحرفون المعنى وما أكثرهم، كمن يزعم أن قوله تعالى {(فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) } للتخيير وهذا خطأن والصحيح أنَّ (هذا من باب التهديد والوعيد الشديد) كما قال ابن كثير رحمه الله، أو من يزعم أنَّ قوله تعالى: {(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)} ، دليل على جمع الحق والباطل بما يسمى بالدين الإبراهيمي، حيث يبنون مسجد يوحد الله، وكنسية تدعي (أن الله ثالث ثلاثة)، أو اليهودية الذي وصفهم الله بقوله {(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ)}

وإلى اللقاء في همسات أخريات،،،






ابوالوليد المسلم 02-02-2022 07:14 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (4)


سالم محمد




الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فمع الحلقة الرابعة من سلسلة: همسات في كلمات، التي أسال الله أن تكون لبنة في سبيل الإصلاح، وأن تكون من الباقيات الصالحات.
أعدائنا عندما يتسلطون علينا لا بقوتهم فحسب، وإنما أيضا بضعفنا، وضعفنا نابع من بعدنا عن شريعة ربنا، فالمعاصي وتجاوُزُ حدود الله، وللأسف كثير من المجتمعات الإسلامية تسنُّ قوانين تسهِّل المعصية، بل ربما يفرضون المعاصي على الناس بحجة الحرية، أو أي حجة مضحكة أخرى، والمعصية لها ضرر على الفرد والأسرة والمجتمع خصوصاً الإعلان بها، ومن أروع ما قيل عن الطاعة والمعصية: (إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وان للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق) وهو من قول ابن عباس رضي الله عنهما.
-----------------------
هناك من يقدسون الأوطان لدرجة كبيرة، وتعبئ الجيوش الدول الإسلامية - للأسف للشديد- على تقديس التراب والتفاني في خدمته، وتقديس العَلَم والفخر بالقتال في سبيله؛ لذلك حصلت لنا هزائم كثيرة، ونحن إن واجهنا أعدائنا بمقاييس الدنيا فقط تفوَّقوا علينا ولا شك، فهم اكثر منا عدة وعددا، ولو أننا ربَّينا أبنائنا على التفاني والعمل والموت في سبيل رب التراب لكنا أعزة، كما كان سلفنا الصالح، فـ «(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)» [متفق عليه] .
فتراب وطنك بل والأرض كلها مخلوق مسخر لك لتعبد الله لا لتقدس التراب وتعصي الله به، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذا المعنى بقوله (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون)، فماذا يساوي وطنك بالنسبة للشمس والقمر، فلا تكن ممن يقدسون صنما ضخماً بحجم بلدهم أو الطبيعة كلها .. ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
-----------------------
(من أعَظم الخذلان أن يأمر الإنسان غيره بالبر، وينسى نفسه)، وفي ظل وسائل التواصل الاجتماعي كم هم الذين ينشرون الآيات والأحاديث، والحِكَم والمقالات التي يصل طول بعضها إلى أمتار دون أن يقرؤونها فضلا عن العمل بها، وهذا لا بأس به إذا كان في فضائل الأعمال، أو الآداب، وهذا أمر طيب (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه) كما جاء في الحديث، أما في الواجبات والنواهي فقد جاء الوعيد الشديد في ذلك حيث (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتنذلق أقتابه ، فيدور بها في النار ، كما يدور الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون : يا فلان ! ما أصابك ؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : بلى ، قد كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه)، ولكن الأكمل أن يكون الآمر بالخير أول الفاعلين له، وفي طليعة العاملين به، وسئل سفيان الثوري رحمه الله: طلب العلم أحب إليك يا أبا عبد الله أو العمل؟ فقال: إنما يراد العلم للعمل، لا تدع طلب العلم للعمل، ولا تدع العمل لطلب العلم.
-----------------------
كل نعمة لا تعينك على طاعة الله فهي نقمة، وكل نعمة تستخدمها في معصية الله فهي وبال على صاحبها، وزوالها خير من بقائها فـ(إن من شُكْرِ الله على النعمة أن تَحْمدَه عليها، وتستعين بها على طاعته، فما شكر الله من استعان بنعمته على معصيته) كما جاء عن سيفان رحمه الله، وعلاج ذلك كله بالتوبة عن ما مضى وإصلاح ما تبقى، فإذا عصيت الله بِنِعَمِهِ -وكلنا ذلك العبد- فما عليك إلا أن (تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك حسنات كلهن) كما جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولا ننسى أن الموت يأتي بغتة، عندها تندم وتقول: {(رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)} .
-----------------------
الثبات على المبدأ يخلق لك العداوات، خصوصاً إذا كنت على الحق، فما أكثر أنصار الباطل وأعداء الحق، والرسول صلى الله عليه وسلم كان من أفضل الناس خَلْقَا وخُلُقاً، وأحسنهم معاشرةً، واكرمهم جانب، وأعذبهم كلاماً وفصاحةً، لكنهم عادوه لما رفض التنازل عن مبادئه، قال تعالى: {(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ )} ، وأمر الله نبيه أن يعلنها صريحة مدوية {(وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ)} ، وما رضي صلى الله عليه وسلم التنازل عن مبادئه أبداً { ( وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)} ،وقال تعالى لنبيه: {(فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)} ، فهلا اقتدينا به، فإن لكل مجتمع ولكل قانون ولكل دستور خطوط حمراء، والحرية المطلقة وهم من نسج الخيال، ففي العلمانية الغربية يجرمون من يناقش محرقة اليهود بينما من يسب الأنبياء حر طليق.
-----------------------
الحيوان بطبيعته يسعى إلى مصالحه، لدرجة أن الكلاب في الصيف تبحث عن الظل أو الأماكن الندية لترتاح فيها، وهكذا كل عالَم الحيوان، والانسان شرفه الله تعالى وكرمه بالعقل فهو أولى بالهروب من الأذى، والسعي خلف الاطمئنان، وكمال ذلك في الجنة فـ( ملذاتها لا يكدرها أي نوع من التنغيص، ولا يخالطها أي أذى)، وأيضا (ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه)، لذلك فـ(العاقل لا يرى لنفسه ثمنًا إلا الجنة).
-----------------------
ملك الجوارح هو القلب، وصلاح الملك صلاح الرعية، فالعناية بالقلب غاية في الأهمية، والقلب يلين بذكر الله تعالى، وقد يكون (كالحجارة أو أشد قسوة)، كما أنه يضعف ويمرض وقد يموت، وكم من إنسان يلهو ويمرح وقلبه ميت، ومقياس حياة قلبك هو حاله مع كتاب الله وذكره، وعند ذكر الموت، وحضوره في الصلاة، فإذا لم يتحرك قلبك فاعلم أنه ميت أو على الأقل في طريقه إلى الموت، ومن فضل الله يمكنك إحياء قلبك بغيث الوحي فالأمل موجود، والعلاج ميسور ومجاني وباب التوبة مفتوح، فكم من الصحابة من كان قلبه أقسى من الصنم الذي يعبده، فشرح الله صدره بالإسلام، وجعله من خير أمة أخرجت للناس، ورضي الله عنه ورضي عنه، ووعده بالحسنى، وجعله قدوة لغيره.
-----------------------
الملاحظ أن هناك إقبال نوعا ما على القراءة، فهل هذا نذير خير أم شؤم؟ فالحقيقة يختلف بحسب الذي يُقْرَأْ، فالكتاب جليس، والجليس قد يكون جليس صالح أو جليس سوء، فإن كان الثاني أوبق دنياك وآخرتك، فيجب الحذر، فكما أننا نحمي أبناءنا من السموم أن تفتك بأجسادهم، فيجب علينا أن نوحد الجهود لنحميهم من سموم الأفكار من أن تعصف بعقولهم، وتجعلهم في الآخرة من الخاسرين، باختصار نريد جمعيات ومؤسسات لحماية عقولنا كما أن هناك جمعيات ومؤسسات لحماية بطوننا، وهذا يدخل تحت قوله تعالى:(قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة).

وإلى اللقاء في همسات أخريات إن شاء الله تعالى









ابوالوليد المسلم 17-05-2022 12:53 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (5)


سالم محمد

الحمد لله رب العالمين وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين ومع الحلقة الخامسة من سلسلة (همسات في كلمات)، والتي نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من الكلمات الطيبات، والذخر بعد الممات، في يوم الحسرات، والآن مع الـ همسات:


هناك من يقدسون العلم التجريبي ويجعلونه المرجعية في كل شيء، وهذه النزعة تعرف بالعلموية، والعلم التجريبي منه ما هو حق، ومنه وما هو زائف وينسب للعلم كذبا وزوراً، فبهذا العلم تزعم معظم أرقى الجامعات في أوروبا صحة الدراوينية التي تزعم بأن المخلوقات تكون من أصل مشترك عن طريق صدف عشوائية عمياء فـنظرية دارون ( أن الأحياء قد تطورت من خلية واحدة إلى أحياء ذات خلايا متعددة، ثم تشعّبت مساراتها في التطور) ، ولا يقبلون بأن الإنسان خلقه الله تعالى وهو الحق الذي لا مرية فيه فـ {(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)} ، ومن جهة أخرى فإن العلم التجريبي قد يخبرك عن سؤال (كيف ؟) لكن لن يخبرك عن سؤال (لماذا؟) فهو يشرح لك (كيف؟) تصنع سكيناً أو مسدساً، لكن لن يخبرك من يستحق القتل ومن قَتْلُهُ جريمة، بينما في الشرائع الإلهية هذا من أوضح الواضح {(وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)} ، فالميزان الموضوعي للأخلاق ومعرفة العدل من الظلم والخير من الشر كل ذلك مبين عن طريق الوحي . . { ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )} .
---------------------------------
الابتسامة عطية منك لغيرك، وصدقة وثواب لك من العزيز الوهاب فـ( «تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة» )، وطمأنينة وانشراح لصدرك، فعندما تبتسم في وجه أخيك تكون قد أحسنت مرتين: مرة لنفسك وأخرى لأخيك، لذلك تجازَى بالأجر على صدقتك، فكأنك استقطعت جزء من مالك وتصدقت به على أخيك، لأنك أدخلت السرور عليه، وازدادت محبة كل منكما للآخر، فاكثر من الصدقة بالابتسامة حيث لا مال تدفع، وتعود عليك بانشراح في صدرك، ومحبة في قلوب الخلق لك، وثواب تقدمه بين يديك ينفعك، فلا تبخل على نفسك وإخوانك و «(لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طليقٍ)» .
---------------------------------
في حياتنا اليومية هناك الكثير من المزعجات ومنها أنك تصلي بجانب من يرفع صوته فإما أن تصمت أو تقرأ معه، أو تقرأ لنفسك وتحس بالمنازعة الشديدة من جارك في الصف، فهذا جاء لعمل الخير، (وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ) كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، بالإضافة إلى أنه أساء إلى مَن بِجوارِه هداه الله، وهناك أناس يرفعون أصواتهم لدرجة أنك تتجنب مسبقا الصلاة بجانبهم حتى لا يفسدوا عليك خشوعك هذا عن استطعت أن تعقل صلاتك، وهؤلاء الأشخاص صنف منهم مصاب بالوسوسة نسال الله العافية، فهو يكرر الآية عشرات المرات ويشك أنه قرأها، فاحمد لله على العافية إن كان جارك مسوساً، وانصح أخيك برفق إن كان غافلاً ولا يشعر بأنه يؤذي جيرانه في الصف، فكثير منهم يفعل ذلك ولا يدري بإزعاجه لمن بجانيه.
---------------------------------
صنفان من يعرفون قيمة وأهمية اللغة العربية، أما الصنف الأول فالمسلمون وهذا واضح، وليس بمستغرب، فالقرآن نزل (بلسان عربي مبين)، لدرجة أن من علماء المسلمين من قال: (إنَّ نفْسَ اللغة العربية من الدِّين، ومعرفتها فرْض واجب، فإنَّ فَهْم الكتاب والسنة فرض، ولا يُفهَم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) أما الصنف الآخر فهم أعداء الإسلام، فكلما اشتدت العداوة للإسلام رافقها الخصومة مع العربية، وكمثال على ذلك العلمانيون في تركيا الذين بلغ من عدواتهم للإسلام وكل ما يتصل به وذلك بـ(تبني الأبجدية اللاتينية للغة التركية بدلاً من العربية) ومنعوا الأذان باللغة العربية ومنعوا تدريس اللغة العربية في المدارس، أما العلمانيون الشيوعيون في روسيا فأقبح وأشنع، وما الذي فعتله فرنسا منا ببعيد، حيث فرضت - اخزاه الله- على المسلمين قسراً وظلما وعدوانا تعلم الفرنسية ومنع العربية، وأيضا كانت هناك محاولات استخدام العامية ومحاولة استبدال الأحرف العربية باللاتينية في الدول العربية والله المستعان.
---------------------------------
الحياة مدرسة، وبيت حكمة، ومركز دورات، ولا تلتفت يمنينا أو شمالاً إلا وترى من الحكم والآيات التي تستفيد منها، إن نظرت إلى جماد، أو حيوان، أو حتى إلى نفسك، فلن تعدم الفوائد الكثيرة، المهم هو إزالة حجاب الغفلة عن قلبك، والسعي للتأمل فيما حولك بقلبك، والناظر في الكتاب الحكيم يجد عدد كبير من الآيات التي تدعو الإنسان للتأمل والتفكر فيما حوله، ولا شك أنَّ الهدف الأساسي من ذلك هو اخذ العبرة والعظة، قال تعالى: {(قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)} ، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم «(لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرتين)» ، فالجحور كثيرة في جدا في حياتنا سواء ما لدغنا نحن منه أو ما لُدِغَ غيرنا، وعلينا تجنب الإثنين معاً، وخلاصة مدرسة الحياة أنْ(خذ ما صفا، ودع ما كدر !).
وإلى اللقاء بحلقة جديدة من الهمسات إن شاء الله تعالى.



ابوالوليد المسلم 17-05-2022 12:53 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (6)


سالم محمد

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، أظهر الحقَّ بالحقِّ وأخزى الأحزاب، وأتمَّ نورَه، وجعل كَيد الكافرين في تَبَاب، والصلاة والسلام على عبده الذي خُلُقه الكتاب، ورأْيه الصواب، وقوله فصْل الخِطاب، وعلى من تبعه إلى يوم الحساب، أما بعد فهذه الحلقة السادسة من سلسلة (همسات في كلمات)، والتي نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من الكلمات الطيبات، والذخر بعد الممات، في يوم الحسرات .. اللهم آمين:



• النعمة لا تُعرَف حقيقةً إلا عند فقدها، أو نُدرتها، فالأمطار تصبح ضمن أخبار الصحف في المناطق الصحراوية، بينما رؤية الشمس يعتبر يوم جميل ومناسب للتنزه في المناطق غزيرة الأمطار، فسبحان الله، {الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} . ويمكن تطبيق هذا على مستوى فردي، فأغمض عينيك وتجول في بيتك لتحس بعمق عظم نعمة البصر، وبالتالي لا تشاهد بها إلا ما أحل الله، أيضا هناك من يتبرم من أولاده أحياناً، بينما من فَقَدَ أو فَقَدَتْ نعْمة الولد تتفطَّر أفئدتهم شوقاً للذريِّة، ويبذلون الكثير من الأموال ويزورون عدد من الأطباء في مناطق متعددة ليرزقوا بولد، أما أعظم نعمة فهي الهداية للإسلام ولكي تحس وتشعر بعظم العطية الربانية لك انظر لمن يعبد شجر أو حجر أو بقر وأسوء منهم من ينكر وجود خالق كل هؤلاء يعيشون جحيم لا يطاق، ويفتقرون إلى الطمأنينة التي يتفيَّءْ ظِلالها المؤمن كل ساعة.. {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ}.
***********
• عندما تنطق بالشهادتين فهذا في الحقيقة عقد والتزام منك وتعهد بالتسليم والاستسلام والتصديق والقبول والمحبة والانقياد لكل ما جاء عن الله ورسوله، حتى لو لم تعلم الحكمة تحديدا، وإلَّا فكل نقطة في الشريعة وُجِدَت لِـحِكَمٍ عظيمة وليس واحدة، عَلِمَهَا من عَلِمَهَا وجَهَلَها مَن جَهَلَها، لأنها ببساطة {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}، وهذا من أشرف مقامات العبودية لله والتصديق بوعده ووعيده، فالذي يشهد أن محمدا رسول الله -مثلا- عليه أن يصدقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ويجتنب ما نهى عنه وزجر، ويحذر كل الحذر من الابتداع فقد قال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» .
***********
• فضْل العلْم وأهميته أشهر من أن يُذكر، لكن علينا أن نعرف أن تفاضل الخلق فيما بينهم حسب ما استفادوا من علمهم، وأشرف العِلْم علمك بخالقك، لذا فالعلماء في منزلة رفيعة وقلبهم الأنبياء وذلك لأن العلماء ورثتهم، كما أن طلب العلم يستطيعه كل أحد تقريبا لا سيما في هذا الزمان، فالعلم يرفع الوضيع، ويعز الذليل، ويرشد الحيران، وقبل ذلك طريق إلى الجنان، فارتقِ في سُلَّمِ المجد بطلب العلم والعمل به وأداء زكاته بنشره بين الناس، فالرفعة في الدنيا والآخرة للذين {أُوتُوا الْعِلْمَ} ، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
***********
• الدنيا دار حرْث وزرْع وعمَل، والآخر دار جزاء وحصاد، لكن قد يعجِّل الله تعالى العقوبة لقوم في الدنيا مع ما ينتظرهم من العقاب الشديد في الآخرة {وَلَنُذيقنهم مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ، وفي هذا تحذير لمن يمشي في طريقهم، وعبرة لمن تسوّل له نفسه العمل مثلهم والتشبه بهم، وثبات للمؤمنين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون؛ قال تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} عوقبوا في الدنيا لِتَحايلهم على أوامر الله، لذلك علينا أن ننظر في أسبابِ هلاك الذين خلوا قلبنا لنتجنب الأسباب حتى لا يحل علينا العقاب .. {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ }.
***********
• الكذب من الخصال المذمومة بالفطرة، وهذا شيء متفق عليه بين العقلاء من كل المشارب، لكن (من أعظم الناس إثمًا مَن يكذب على الله تعالى ورسله، فينسِب إليهم ما لم يكن منهم)، والذين يكذبون على الله أو على رسوله أنواع فمنهم من يخترع كلاما لم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم وينشره، وهذا وإن كان مجرما إلا أنه من السهل معرفة دَجَلِه وكذبه، لكن هناك صنف آخر يفتري على الله وعلى رسوله بتحريف المراد من نصوص الوحي، كمن يدعي أن قوله تعالى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} إقرار للكفار على ضلالهم والسماح لهم بالدعوة إليه في بلاد المسلمين، ويقولون أنه حرية كفلها الإسلام، والإسلام جاء لإبطال الباطل لا التسامح في نشر الباطل وترويجه وإفساد عقائد الناس وآخرتهم، فهؤلاء يحرفون الكلم عن مواضعه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة، على ما أصَّله من البدع الباطلة.


وإلى همسات أخريات بإذن رب الأرض والسماوات.


ابوالوليد المسلم 17-05-2022 12:54 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (7)


سالم محمد

الحمد لله الواحد القهار، مكور الليل على النهار ومكور على النهار، والصلاة والسلام على النبي المصطفى المختار، وعلى آله وصحابته الميامين الأبرار، أما بعد:


فمع حلقة جديدة ومفيدة - إن شاء الله تعالى- من هذه السلسلة، التي أسأل الله أن يثقل بها موازين الحسنات، ويحط بها السيئات، والآن مع هذه الباقة:

«لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا» ، هذه كلمة قالها المصطفى عليه الصلاة والسلام في حجة الوادع، في إشارة إلى قرب رحيله عن دنيانا، وفيها إشارة إلى الاغتنام لأمر قد لا يتكرر، هذه العبارة نفسها تقولها مواسم الخيرات لكنْ بلسان الحال، ومواسم الخيرات في حياة الإنسان كثيرة ومن أبرزها: عشر ذي الحجة، رمضان لا سيما العشر الأواخر منه وغيرها، وهذه مواسم زمانية، وقد يكون الموسم مكانيا كمن جاء إلى مكة أو إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، أو المسجد الأقصى، كما يشمل الاغتنام قد أشخاص كالوالدين، قفد يكونا اليوم فوق الأرض وغدا في باطنها، كذلك العالِم الرباني، كل هذه تنادي بلسان الحال: (لعلي لا ألقاكَ بعد عامي هذا)، فإذا كانت هذه النصيحة نصب عينيك فقل أن تضيع موسماً للصالحات.
--------------------------
(نصيب الأسد)، هذه مصطلح يذكر للاستحواذ على النصيب الأكبر من شيء ما، وهو ينطبق اليوم تماما على نشرات الأخبار، حيث نصيب الأسد فيها للحرب الروسية الأوكرانية، هذه الحرب التي أسقطت كثير من الأقنعة الزائفة، وفضحت الكثير من الشعارات البراقة، وكشفت عقيدة الولاء والبراء التي يعيشها كهنة الديمقراطية العلمانية، وأظهرت أبرز صفاتهم وسماتهم ألا وهو الكيل بمكيالين، وهذا ليس جديد ولا مستغرب فقد قال لنا ربنا: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} ، إذن فالحرب مستمرة على الإسلام والمسلمين، و(الذي لا يعلم أن أمريكا وروسيا تريدان القضاء على الإسلام والمسلمين فهو مغفَّل أشبه بالبهائم) كما قال العلامة الوادعي رحمه الله تعالى، (لَقَد كانَ فينا الظُلمُ فَوضى فَهُذِّبَت *** حَواشيهِ حَتّى باتَ ظُلماً مُنَظَّما)
--------------------------
ما أكثر ما كُتب في النجاح، وكثيرة تلك الكتب التي تحدثت عنه، ولعل أكثر من يؤلف في النجاح هم الغرب، لكن معيار النجاح عندهم مختلف تماما عما جاءت به الرسل، فقصارى النجاح عندهم أن تكون غنيا أو مشهور أو غير ذلك من المقاييس الدنيوية، ولا غضاضة أن يكون نجاحك في نشر الشرك والمنكرات والفواحش كالرقص، أو صناعة وبيع الأصنام، أو حتى البغاء فهي عندهم مهنة معترف بها وأيضًا (شريفة)، كما أنه لا مكان للآخرة في كتبهم، فالنجاح عندهم دنيوي فقط، وتجد أن هؤلاء الناجحين على مقياسهم يكثر فيهم الاكتئاب الموصِل أحيانا إلى الانتحار، ولكن المتأمل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بكل ما يسعد الأنسان في الآخرة والأولى يجد الكثير من مقومات النجاح، النجاح المتكامل الذي يشمل الروح والجسد، يشمل الدنيا والآخرة، يشمل الغني والفقير، والمشهور والمغمور وهنا إشارة إلى خلطة مكونة من أربعة عناصر للنجاح:
- صلاة بخشوع {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}
- ملازمة لذكر الله {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
- قيام الليل قال أبو سليمان( أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا‏)
- سلامة الصدر فـ(أصل الدين الورع، وأفضل العبادة مكابدة الليل، وأقصر طريق للجنة سلامة الصدر) كما قال القاسم الجوعي رحمه الله.
--------------------------
رمضان محطة للتزود من الطاعات، ومدرسة للتدرب وترويض النفس على العبادات وحسن الأخلاق، وترك مساوئها، وللتزود من الباقيات الصالحات، والعتق من النيران، وفضائل رمضان كثيرة ومشهورة، ومنها تصفيد الشياطين، لكن للأسف تنشط شياطين الإنس ليمكروا مكرا كبَّارا، ينفقون الأموال، ويعملون بجد واجتهاد، ويستعدون قبل قدوم رمضان بأشهر، بل لعلهم بعد انقضاء رمضان السابق، وهذا الجهد والجهاد، والمال والأوقات في سبيل الطاغوت، هدفهم الأسمى أن يغمسوك في نار تلظى، فاحذر من لصوص الآخرة، الذين ما كفاهم أن يكونوا جنودا لإبليس حتى طمعوا في عباد الله في شهر الخيرات يحاولون جرجرتهم معهم (نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها)، فإذا نظرت في إنتاجهم الفني تجد غالبه تشويه الإسلام العلماء والصالحين ونشر الفواحش بقوة، فالرذيلة عندهم أوكسجين حياتهم، والأخلاق الحسنة تزكم أنوفهم، وتشمئز منها نفوسهم.
--------------------------
أخي المسلم هل أنت تاجر، الجواب كلنا تجار، لكن منا تجارة في حطام الدنيا وهو محمود ما دام يعمل في تجارته بطاعة الله ويؤدي ما عليه الحقوق، والصنف الأخر يتاجرون مع الله، حيث الربح مضمون بل ومضاعف ونسبة الخسارة (صفر في المائة)، لكن تأمل في تجار الدنيا إنهم يستعدون للمواسم أتم استعداد، ويحاولون أن يحققوا أكبر قدر من الربح ولو على حساب رفاهيتهم أو راحتهم، وقبل ذلك لديهم خطة مسبقة ويتم تطويرها باستمرار حسب ظروف العمل، حري بك أيها المسلم أن تكون أذكى من تجار هدفهم الربح المادي الذي حلاله حساب وحرامه عقاب، فلا يدخلن عليك موسم للتجارة مع الله إلا وخطتك مكتوبة عند رأسك {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} .


ابوالوليد المسلم 15-06-2022 11:50 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (8)


سالم محمد

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فمع المجموعة الثامنة من باقات: همسات .. في كلمات، نسأل الله أن يبارك في كاتبها وقارئها وكل منتفع بها:
عقيدة الولاء لأولياء الله، والبراءة من أعداء الله متأصلة في كتاب الله وسنة نبيه، ومن أساليب الأعداء لتمييع هذه العقيدة الحنيفية السمحة، تقسيم الناس إلى مسلمين وغير مسلمين، والله تعالى يقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، فحتى تَقْبَل بالكفر والظلال؛ يقال هذا غير مسلم وليس كافر، وإذا ما قرأت القرآن تجد التحذير من الكفار وفضح أساليبهم لكن هؤلاء يوهمونك أن غير المسلمين ليس كلهم كفار، ومن المعلوم أن مصطلح غير مسلمين لا وجود له في القرآن، والبعض يستعمله مداهنة وخوفا من أن يقال له تكفيري، والتكفير قد يكون بحق أو باطل، وهو حكم لله تعالى، فمن كفره الله كفرناه، ولو كره المنافقون، وهذه اللوثة سرت وانتشرت حتى إن بعضهم لا يكفر اليهود والنصارى أو من يسميهم (المسيحيين)، ووصل التطرف والغلو من بعضهم أن شهد لهم بالجنة، وقبل ذلك يترحم على موتاهم. و(الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة : حرام بنص القرآن والإجماع) كما قال الإمام النووي رحمه الله.
--------------
طابور من القرون منذ أن بعث الرسول صلى الله عليه وسلم و(رأيت الناس يدخلون في دين الله)، من أعظم دلائل النبوة؛ إذْ كيف لبشر أن يَكذِبَ كل هذه القرون وعلى كل هؤلاء البشر دون أن يكتشفه أحد، أو يخذله الله سبحانه وتعالى، كما أن الحقائق التي جاء بها لم يوجد فيها ولا خطأ واحد، فكيف يمكن تأليف كتاب قبل قرون عديدة ويتحدث عن أمور علمية كثيرة وغيبية، ولا يخطئ في مسألة واحدة، والكتب والأفكار الموغلة في القدم والتي وصلت إلينا كالأفكار اليونانية تحتوي على الكثير من المعلومات المغلوطة والمضحكة التي تبين أنها خرافة بسبب التقدم في العلوم والاكتشافات، وهكذا هي كتب البشر، فيها ما يكون اليوم حقيقة علمية؛ وبعد سنين عددا يكون خرافة مضحكة، فكل منصف درس القرآن وتأمَّل فيه لابد وأن يصل إلى حقيقة أنه من عند الله عز وجل، نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
--------------
من المشاريع الرائدة والنافعة (الموسوعة الفقهية الكويتية)، ويشار إليها لشهرتها بالموسوعة الفقهية، وقلَّ أن تجد طالب علم عموما، وطالب فقه خصوصا فضلا عن العلماء لم يستفد منها، (وهي دائرة معارف بصياغة عصرية, لتراث الفقه الإسلامي ...، تجمع الأحكام الفقهية, وتعرضها من خلال عناوين ومصطلحات ... وكتابتها بأسلوب مبسط)، والهدف منها (تسهيل العودة إلى الشريعة الإسلامية لاستنباط الحلول القويمة منها لمشكلات القضايا المعاصرة)، والعمل الموسوعي يتميز بكثرة مؤلفيه، واستيعابه، وسهولة الوصول إلى المعلومة ومراجعها للاستزادة، والمسلمين بحاجة اليوم إلى موسوعات على غرار هذه الموسوعة في مجالات عدة، خصوصا العقيدة، فأين جهود العلماء والحكام والتجار لإخراج موسوعة للأمة تلم شعث علم العقيدة وتشمل جميع العقائد بما فيها الباطلة وتفنيدها، حتى يقف عليها الباحث وطالب العلم، وتكون مجموعة في مكان واحد، يسهل الوصول إليه والمقارنة، وتكون ملجأ للدعاة لدحض الشبهات، وبيان عوار العقائد الجاهلية.
--------------
الناظر المتأمل في أحوال الأمم اليوم يجد بوضوح أزمة أخلاقية واضحة، فنرى مثلا تهافت الكثير من الدول على فرض مساوئ الأخلاق، من فواحش ومنكرات، وشرك وظلم، وتكبر على الله عز وجل، حيث شجعوا على سب الأنبياء والرسل واعتبروه (حرية)، مع عدم قبولهم للتعرض لأوثانهم بالطعن بأي شكل كان، والحضيض الذي وصلت إليه الكثير من المجتمعات لا يكاد يصدق، حيث أنهم جعلوا معيار الأخلاق لثلة من سفائهم، فما وافق أهوائهم قبوله وأيدوه، وما لم حاربوه واعتبروه تخلف وفساد وانتهاك للحقوق، على المنطق الفرعوني {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} ، بل تمادوا في ظلالهم وظلامهم حتى أنكروا أن تكون هناك مرجعية للأخلاق، فقالوا بنسبية الأخلاق، فلا يمكن إطلاقا - بحسب هذا النطق الهمجي العشوائي الأعوج - تخطئة أي فعل أيًّا كان حتى إبادة جميع أهل الأرض، وبذلك انحدروا إلى مستوى دون الحيوانات، والحقيقة أنه بقدر ابتعاد الانسان عن النبع الصافي المتمثل في الوحي الإلهي، يكون شططه في أخلاقه، حتى يجعل إله هواه، وينفي أن يكون للأخلاق معيار، قال تعالى ( {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} ).
--------------
التمادي في عدم إنكار المنكر يجعل الناس يستمرؤن الباطل ويُشرَب في قلوبهم ويأكل معهم ويشرب، بحيث ينكرون على من لم يُجارِهِم في باطلهم، وبمرور السنين، وذهاب المصلحين أو تخاذلهم، تنمو شجرة الباطل من بدع وخرافات وظلم، ويصعب زعزعتها أو اقتلاعها، لأن جذورها عميقة في نفوس المجتمع، ويحتاج المصلح إلى جهد جهيد، وتضحية عظيمة؛ حيث يعاديه جل أفراد المجتمع في البداية لا سيما (الملأ منهم) بل قد تكلفه حياته، لذا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان للمجتمعات ولو بكلمة، وذلك حتى يعرف الناس الباطل وإن وقع بعضهم فيه، أو عجز صالحيهم عن دفعه، وقد قص الله علينا في القرآن طرفا من ذلك كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} ، فلم يقبلوا البعث بعد الموت واستنكروه مع إيمانهم بالخلق الأول، وأن الله على كل شيء قدير، وأيضا قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ، هنا استنكروا أن يكون الرسول من البشر، ولشدة انغماسهم في الشرك وعليه نشأ الصغير، وهرم الكبير، أنكروا أن يكون الإله واحد، لأنهم نشأوا على تعدد الآلهة ولو كانت من حجارة صماء، وحكى الله ذلك عنهم بقوله: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ، فصار توحيد الخالق العليم القدير مالك الملك شيء عجاب.

وإلى اللقاء في باقات أخريات أن شاء الله





ابوالوليد المسلم 22-06-2022 11:48 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات .. (9)


سالم محمد


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فمع المجموعة التاسعة من باقات: همسات .. في كلمات، نسأل الله أن يبارك في كاتبها وقارئها وكل منتفع بها:
الشهوة الجنسية والميل إلى الجنس الآخر غريزة مركبة في البشر، وليست خطأ ولا عيبا في حد ذاتها، ولكنها كالسيل إن لم توضع أمامه الحواجز والسدود دمَّر وأهلك ما أمامه، والاسلام جاء بتهذيب هذه الشهوة، والسمو بها وجعلها مورد للحسنات ومحاسن الأخلاق والتآلف والتراحم، بينما في المناهج البشرية الوضعية الوضيعة كالعلمانية واللبرالية والديمقراطية أُطْلق للشهوة العنان فاكتووا بنارها واصطلوا بلظاها، وتخبطوا وانحدروا إلى مستوى أسفل من الحيوانات، فأقروا عمل قوم لوط، بل حتى نكاح المحارم والبهائم، وأصبح الأمر عندهم سعار وفوضى ووصل الأمر بهم بأن يحاربوا الرذيلة ويفرضوا على الناس قسرًا تأييد عمل قوم لوط والعياذ بالله، أَلَا فلا نمش في نفس الطريق فنصل إلى ما وصلوا، ونهوي في هوة سحيقة من الباطل، (فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ).
------------
الذين يتركون التعلم عموما والقراءة خصوصا فور انتهائهم من الجامعة أو المعهد واستلام الشهادة، هؤلاء لم يعرفوا العلم حق المعرفة، ولعلهم طلبوا العلم لأجل الشهادة، والشهادة لأجل الوظيفة، فإذا حصل -مَنْ هذا شأنه- على الوظيفة ألقى عصى الترحال، وحسِب أنه وصَل، وهذا يعود لخلل في الهدف، فالهدف السائد عند الكثير - وللأسف - التعلم للحصول على الدرجات والنجاح في الاختبار، ثم الشهادات ثم المال والجاه، ولا مكان للتعبد لله بهذا العلم والإخلاص لله تعالى في طلبه وبثِّه، ومجاهدة الأعداء به، والعلم النافع حتى ولو لم يكنْ متعلق بالشريعة فيما يسمى بالعلوم التجريبية يمكن طلبها بإخلاص لله تعالى ونفع الناس ابتغاء وجه الله فـ (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)، والأمة محتاجة لجميع أنواع العلم النافع، والذي يطلب علمًا لأجل دنيا خسر خسرانا مبينًا، وقد يكون سببا في هلاكه.
------------
مما يقضي على الشبهات والوساوس التي يلقيها شياطين الإنس والجن على المسلم استشعار علاقته بربِّه، فأنت مخلوق والله خالق، ( {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ) والله ( {الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} )، وأنت ظلوم جهول والله عليم خبير، وأنت من ماء مهين والله الواحد القهار، وأنت الفقير والله الغني الحميد، والنتيجة أنت عبد مقهور والله (عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)، أي أنك محتاج إلى عبادة الله والخضوع له قال تعالى:( {لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} )، وأما إنْ عصيت وتكبرت على ربك فقد قال الله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، من ذلك يتبين أنَّ أي اعتراض على أوامر الله تعالى، والطعن في الشريعة هو قمة السفه والحمق، إذ أنك محتاج إلى الله في جميع أمرك ، واقع تحت سلطن الله وقهره في كل لحظة، فكيف يكون في نفس شك أو حرج من أمر الله، ومن استحضر هذه المعاني فسوف يفرُّ إلى الله، ولن تقف في وجهه شبهة أو شهوة، لأنه عرف ربه وعرف حقيقة نفسه، والنظر في القرآن وفي آيات الله الكونية مما يعرِّف الانسان بنفسه وبخالقه جل وعلا.
------------
قد تجد من دعاة العلمانية ومحاربو الفضيلة عبارات من مثل: الجهاز الذي تكتب به صنعه كافر، الكتاب الذي تقرأ منه صنعه كافر، اللباس الذي تلبسه صنعه كافر، وهكذا يعدد لك بعض الصناعات التي ابتكرها الكفار أو تفوقوا فيها، وهو بذلك ساخرا من الاسلام والمسلمين لا سيما العلماء والدعاة، وهذا منطق أعوج، إذ لا علاقة بين الصناعة وصحة المعتقد، أو صلاح الأخلاق، والعلماء متخصصون في العلم الشرعي ولا يلزمهم اتقان العلوم التجريبية الأخرى، بل النبي صلى اله عليه وسلم استخدم سلاح صنعه كفار، واقتنى آنية صنعها كفار، ولبس ثيابا نسجها كفار، وهلم جرّا، ورسالته واضحة قدمها في قوله: (إنما بعثت لأتمَّمَ مكارم الأخلاق)، فالمسلم يقبل من الكافر العلم الدنيوي النافع ويرفض ويحارب الرذيلة كالزنا وعمل قوم لوط، يقبل التقدم الصناعي ويرفض الخرافات من مثل نظرية التطور واعتقاد أن أجدادنا قردة، كذلك يقبل المسلم المعارف الإدارية النافعة ولا يلزم منه شرعنة قتل النفس التي حرم الله بما يسمونه (حق الإجهاض)،كذلك لا صلة بين الاستفادة من معادلات الفيزياء النافعة وسب الأنبياء بحجة (حرية التعبير)، الخلاصة أن كل نافع مقبول ولو كان من كافر، وكل ورذيلة مرفوضة ولو كانت من مسلم.
------------
من محاسن الشريعة الإسلامية محاربة الرذيلة ووسائلها وما يؤدي إليها، والدعوة إلى الفضيلة وما يقرِّب منها، أبرز مثال على ذلك تحريم فاحشة الزنا وعمل قوم لوط، حيث جاءت الشريعة بأحكام كثيرة من ضمنها فرض الحجاب على المسلمة، والأمر بغض البصر، ولكن هذا لا يعجب دعاة الرذيلة، فشجَّعوا كل وسائل الرذيلة وحاربوا ما يمنعها أو يقللها، لذلك تجد هجومهم الشديد على تغطية الوجه، والزواج المبكر والتعدد، وقد يتذرعون في تغطية الوجه مثلا بأن المسألة خلافية، وتغطية الوجه من فضائل الأخلاق، ومحاسن الشرائع، ولا يحاربه إلا جاهل أو عدو للفضيلة في قلبه مرض، والعلماء مجمعون قاطبة على الدعوة إلى تغطية الوجه وفضيلته، وإنما اختلفوا في وجوبه، والذين قالوا بالجواز اشترطوا لذلك شروط لا يذكرها عباد الشهوات، ومروجو الفواحش.
وإلى لقاء آخر في باقات أُخَر بإذن الله تعالى




ابوالوليد المسلم 22-07-2022 12:19 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 

هَمَسات .. في كلمات .. (10)


سالم محمد

الحمد لله رب العالمين وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين ومع الحلقة العاشـ 10ـرة من سلسلة (همسات في كلمات)، والتي نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من الكلمات الطيبات، والذخر بعد الممات، في يوم الحسرات، والآن مع الـ همسات:


الإنسانية هي كلمة مطاطية يُنصَر بها الباطل ويُرفَض بها الحق، وكثير من دعاتها يعتبرون الفواحش عمل إنساني، والإنكار على المستهزئ بالأنبياء عمل لا إنساني، ومن كانت مرجعيته الإنسانية فهو يجري خلف سراب، ولو سألته ما تعريف الإنساني وغير الإنساني، وما هو الضابط لما هو أنساني وغير إنساني لحار في ذلك ولم يستطع جواباً. فعلا سبيل المثال هناك سؤال أيها نقدم الإنسانية أم الدين؟، وهنا سؤال المليون: ما هو الخير الذي تدعوا له الإنسانية وغير موجود في الإسلام؟، فالإنسانية مذهب فوضوي عشوائي يشمل الكثير من الباطل والتناقضات العجيبة، وليس له زمام ولا خطام ولا مرجعية ولا أساس، وهذا عين الباطل، أما ما يدعون إليه من بعض مكارم الأخلاق فهي موجودة في الإسلام، بينما دعاة الإنسانية يتخبطون في ظلمات الجهل والخرافة والتناقض، بل والشرك أحيانا، فلنحذر ولنحذِّر منهم.
-----------------------------------------
هناك للأسف من يقلل من شأن الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك والتحذير من وسائله، والحقيقة أن هؤلاء لو تأملوا قليلا في القرآن والواقع لغيروا رأيهم، أما القرآن فالعناية فيه بالتوحيد أوضح من الواضح، وأبين من البين، يكفيك أن أول ما يقوم به الأنبياء ( {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} )، أما الواقع فنحن نعلم أنَّ ( «الدعاء هو العبادة» )، وهناك الملايين ممن يدَّعون الإسلام ويصرِفون أهم عبادة لغير الله وهذا عين الشرك، وأيضا التعلق بغير الله تعالى مستشري في الأمة، فهذا يتعلق بقبر، وآخر بولي مزعوم، وثالث بإمام يعتقد زورا عصمته، وكل هؤلاء يدعون من دون الله، ويُخافون ويُرجَون، وتسكب على عتبات أضرحتهم الدموع، وتنفق على سدنتهم الملايين، والله المستعان، ونسى هؤلاء أو تناسوا قوله تعالى:( {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} )، وقول المصطفى ( {إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّ} هِ).
-----------------------------------------
من عيوب الديمقراطية عدم الثبات، فهي تختلف من مكان إلى آخر، ومن زمن لآخر، فهناك ديمقراطيات تمنع بناء المساجد، وأخرى تسمح، وكانت الديمقراطيات تحرم قتل الأجنة(الإجهاض)، وتهاجم عمل قوم لوط، وبمرور الزمن أبيح قتل الأجنة وأصبح حق، وتم تشجيع عمل الفاحشة الكبرى وأصبح مجرد مخالفتهم أو حتى عدم التصريح بتأييدهم إجرام، باختصار الديمقراطية منهجية عشوائية عمياء لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، وليس في الديمقراطية هنا معيار موضوعي للتفريق بين الخير والشر والعدل والظلم والصواب والخطأ، والسؤال المحير لهم: هل الديمقراطية حق أم باطل؟ وإذا كانت حق ما الدليل؟!!!!
-----------------------------------------
هناك دعوة خبيثة منتشرة عالميا وهي المناداة بالمساواة، أما في الإسلام فقد قال تعالى:(إن الله بأمر بالعدل ) وليس المساواة لأنها قد تكون ظلم، فعلى سبيل المثال لم تساوي الشريعة بين حق الأم والأب (أمك ثم أمك ثم أمك)، ولم تساو أيضا بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فهو معصوم اختاره الله واصطفاه، فمن سبه خرج من الإسلام ووجب إقامة الحد عليه باتفاق العلماء، وهذا ليس لآحاد أمته، والأمثلة كثيرة، بل إن الحياة تستحيل بالمساواة المطلقة، ولذا فهي شعار أجوف يرفعه كهنة العلمانية واللبرالية والديمقراطية والنسوية، أخزاهم الله، وقد يقول قائل مساواة لكن مقيدة، نقول ما ضابط هذا القيد؟ ومن أعطاهم الحق في أن يفرضوا قيودهم على المسلمين؟ فالحمد لله على نعمة الإسلام والعقل.
-----------------------------------------
الجهاد نوعان: إما في سبيل الله أو سبيل الطاغوت لقوله تعالى:( {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} )، أما الجهاد في سبيل الله فضابطه (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، أما الطاغوت فـ (كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع أو مطاع)، وكل من يحارب الإسلام اليوم من دعاة الديمقراطية أو العلمانية أو اللبرالية أو النسوية هم مجاهدون لكنْ في سبيل الطاغوت، وهناك من يجاهد من أجل التراب، يقدس تراب وطنه ويجاهد من أجله مع أن وطنه جماد، لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئا، قال تعالى:( {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} )، فإن رأيت مجاهدون في سبيل طاغوت فاحمد لله أن أنجاك من ضلالهم، ولا تنسس أن تجاهدهم، فالجهاد لا يقتصر على القتال بل يشمل الحجة والبرهان، ومنه الرد على الشبهات وتفنيدها، ومناظرة رؤوس الباطل وفضحهم، قال تعالى: ( {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ).
وإلى اللقاء بحلقة جديدة من الهمسات إن شاء الله تعالى.






ابوالوليد المسلم 28-09-2022 10:56 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
همسات في كلمات - 11


سالم محمد


الحمد لله رب العالمين وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، ومع الحلقة الحادية عشر من سلسلة (همسات في كلمات)، والتي نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من الكلمات الطيبات، والذخر بعد الممات، في يوم الحسرات، والآن مع الـ همسات:
🌤 لن تعيش في الدنيا إلا حياة واحدة، هي جلسة امتحان بعده تكرم أو تهان، ولا مجال للعودة والاستعتاب، فإن كنت عاقلاً فلا تفوت فرصة لن تعود، وخسارتها تهوي بك في جهنم وبئس المصير، لذلك سماه الله: {(الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)} ، وسمى عكسه {( الْفَوْزُ الْمُبِينُ)} ، {(الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)} ، {(الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)} ، ولا تغرنَّك قوة الباطل وأهله وضعف أهل الحق فنهاية المطاف الفوز لأهل الحق وإن ماتوا مظلومين أو مطرودين، فالعبرة بالنهاية، والثبات على الحق، وإلا فإن هناك أنبياء بعثهم الله بالبينات ولم يؤمِن بهم أحد، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خَرج من بلده خائفًا ومتخفيًا لوجود مؤامرة على قتله، وهناك أنبياء سجنوا وطردوا بل وقتلوا، {(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)} .
🌤 هناك من يعمل عمل خير كمساعدة فقير أو إحسان إلى يتيم، ويقول إنه عمل إنساني، والسؤال: لمن عملت هذا العمل؟ فالذي أعطاك المال، والعقل وجعل في قلبك الرحمة لتعطف على هذا المسكين، وجعلك تتغلب على حب المال وتنفقه، ويسر لك من تعطيه المال؛ هو الله جل وعلى ثم تقول الإنسانية، سبحان الله {(وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ)} ن وقال جل شأنه: {( إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)} أي (إن الإنسان لِنعم ربه لَجحود)، هل هناك خير في الإنسانية ولا يوجد في الإسلام، ثم ما ضابط هذه الإنسانية وهل يمكن تعريفها؟ وما مرجعيتها!!! والملاحظ أن عتاة المجرمين يدعون الإنسانية، وكهنة العلمانية واللبرالية والديمقراطية عموما يعتبرون الكثير من شرائع الإسلام غير إنسانية لا سيما الحدود، فمفهوم الانسانية غامظ ولا ضابط صحيح له، ومن يدخل الأعداء بين المسلم وعبوديته لله الخالق البارئ سبحانه، {(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)} .
🌤 السير على خطى الأنبياء يعني الثبات على المبادئ، والثبات على المبادئ يعني غضب طائفة لا تقبل الحق لا سيما (الملأ منهم)، ولذا تجد أن أكثر من يعارض دعوة الأنبياء الإصلاحية هم عِلْية القوم والملأ منهم، كقوله تعالى: {( وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) } وهؤلاء يرفضون الحق لأسباب منها: خوفًا أن يُسْحب البساط من تحتهم في وجاهة المجتمع، أو تكبرًا من اتِّباع شخص ليس منهم أو يرونه دونهم، أو خوفا من العدل بينهم وبين ضعفاء الناس الذي يقتاتون على ظلمهم، ويصعدون على أكتافهم وغير ذلك، إذن الثبات على المبادئ يعني الكثير والكثير من الأعداء، وهذا ليس بمستغرب أبدا، لأن انتزاع الناس من ظلمات الجهل والشرك ليس بالأمر الهين، قال تعالى:( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) ولكن الحق أحق أن يُتَّبعْ، وقد حُسِمَ هذا الأمر في كتاب ربِّنا، فقال تعالى: {( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)} وقال تعالى: {( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)} ، وكثير من آيات القرآن تذم الكثرة الضالة من الناس، فالحق بالحجج والبينات، لا بالكثرة، مثل قوله تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
🌤 مما يفرح النفس، ويبهج الفؤاد، تسابق المسلمين لخدمة القرآن الكريم، وهذا على مستوى الشعوب جلي وواضح، أما على مستوى الحكومات، فإن أغلب الحكومات الإسلامية، تأخذ من القرآن وتترك، وهذا من سمات اليهود قال الله عنهم: {(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)} ، فنرى الكثير من الحكومات الإسلامية تغدق الأموال والتكريم لحفاظ القرآن وتنفق الأموال لإقامة المسابقات المحلية والدولية، مع أن القرآن نزل ليطبق في حياة الناس، لا أن يُفصَل عن الحياة أو الحكم كما يزعم كهنة العلمانية، فالحاكم المسلم سيسأله الله عن تطبيق القرآن والحكم به بين الناس، ولن يسأله لمَ لم يقم مسابقة دولية في الحفظ، أو لم يطبع ملايين النسخ من المصاحف، وإن كان هذا عمل جليل ومطلوب، ولكن علينا العلم بـ(أن المقصد من إنزال القرآن هو الهداية بإخراج الناس من ظلمات الباطل إلى نور الحق)، ولا يتأتى ذلك إلا بتطبيقه وجعله نبراسًا في جميع شئون الحياة، وعلى رأسها الحكم، إذ من المستحيل أن يكون القرآن منهج لحياة المسلمين ولا دخل له في الحكم، فهل توجد حياة بلا حكم ولا سياسة !!!
🌤 هناك في العالم الكثير من الجمعيات التي تهدف إلى مساعدة الناس في مأكلهم وعلاجهم، ولا شك أننا مأمورين بالإحسان إلى الناس جميعا بما فيهم الكفار، فقد حثنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله « (أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ)» ، وقال أيضًا: «(فُكُّوا العانِيَ، يَعْنِي: الأسِيرَ، وأَطْعِمُوا الجائِعَ، وعُودُوا المَرِيضَ)» وقبل ذلك قال تعالى: {( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)} ، وأعظم إحسان إلى الكافر تقدِّمه له، ليس مالا ولا أكلا، ولا دفع تكاليف علاج، أفضل وأعظم بر وإحسان هو دعوته إلى الله وإنقاذه من النار، وبالتالي ضمان السعادة الأبدية في جنات ونهر، لذا جاء في الحديث: «( عَجِبَ اللَّهُ مِن قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ في السَّلاسِلِ)» والمسلم يجاهد في سبيل الله وقد تُزهَق روحُه في سبيل الله وذلك لإيصال الحق للكافر نقيا وإنقاذ من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {(لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)} فهل رأيتم أخلاق أفضل من أخلاق الإسلام!

وصلى الله على البشير النذير والسراج المنير، وإلى حلقة قادمة بإذن الله تعالى




ابوالوليد المسلم 15-10-2022 07:15 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (12)


سالم محمد



الحمد لله رب العالمين وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين ومع الحلقة الثانية عشر من سلسلة (همسات في كلمات)، والتي نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من الكلمات الطيبات، والذخر بعد الممات، في يوم الحسرات، والآن مع الـ همسات:
✹ عقيدة الولاء لأولياء الله، والبراءة من أعداء الله متأصلة في كتاب الله وسنة نبيه، ومن أساليب الأعداء لتمييع هذه العقيدة الحنيفية السمحة، تقسيم الناس إلى مسلمين وغير مسلمين، والله تعالى يقول:( {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} )، فحتى تَقْبَل بالكفر والضلال؛ يقال هذا غير مسلم وليس كافر، وإذا ما قرأت القرآن تجد التحذير من الكفار وفضح أساليبهم لكن هؤلاء يوهمونك أن غير المسلمين ليس كلهم كفار، والله تعالى يقول:( {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} ) ومن المعلوم أن مصطلح غير مسلمين لا وجود له في القرآن، والبعض يستعمله مداهنة وخوفا من أن يقال له تكفيري، والتكفير قد يكون بحق أو باطل، وهو حكم لله تعالى، فمن كفره الله كفرناه، ولو كره المنافقون، وهذه اللوثة سرت وانتشرت حتى إن بعضهم لا يكفر اليهود والنصارى أو من يسميهم (المسيحيين)، ووصل التطرف والغلو من بعضهم أن شهد لهم بالجنة، وقبل ذلك يترحم على موتاهم، و(الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة : حرام بنص القرآن والإجماع) كما قال النووي رحمه الله.
----------------
✹ طابور من القرون منذ أنْ بعُث الرسول صلى الله عليه وسلم و(الناس يدخلون في دين الله)، وهذا من أعظم دلائل النبوة؛ إذْ كيف لبشر أن يَكذِبَ كل هذه القرون وعلى كل هؤلاء البشر دون أن يكتشفه أحد، أو يخذله الله سبحانه وتعالى، كما أن الحقائق التي جاء بها لم يوجد فيها ولا خطأ واحد، فكيف يمكن تأليف كتاب قبل قرون عديدة ويتحدث عن أمور علمية كثيرة وغيبية، ولا يخطئ في مسألة واحدة، والكتب والأفكار الموغلة في القدم والتي وصلت إلينا كالأفكار اليونانية تحتوي على الكثير من المعلومات المغلوطة والمضحكة التي تبين أنها خرافة بسبب التقدم في العلوم والاكتشافات، وهكذا هي كتب البشر، فيها ما يكون اليوم حقيقة علمية؛ وبعد سنين عددا يكون خرافة مضحكة، فكل منصف درس القرآن وتأمَّل فيه لابد وأن يصل إلى حقيقة أنه من عند الله عز وجل، نزل على محمد صلى الله عليه وسلم من عند القائل: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا».
----------------
✹ من المشاريع الرائدة والنافعة (الموسوعة الفقهية الكويتية)، ويشار إليها لشهرتها بالموسوعة الفقهية، وقلَّ أن تجد طالب علم عموما، وطالب فقه خصوصا فضلا عن العلماء لم يستفد منها، (وهي دائرة معارف بصياغة عصرية, لتراث الفقه الإسلامي ..., تجمع الأحكام الفقهية, وتعرضها من خلال عناوين ومصطلحات ... وكتابتها بأسلوب مبسط)، والهدف منها (تسهيل العودة إلى الشريعة الإسلامية لاستنباط الحلول القويمة منها لمشكلات القضايا المعاصرة)، والعمل الموسوعي يتميز بكثرة مؤلفيه، واستيعابه، وسهولة الوصول إلى المعلومة ومراجعها للاستزادة، والمسلمين بحاجة اليوم إلى موسوعات على غرار هذه الموسوعة في مجالات عدة، خصوصا العقيدة، فأين جهود العلماء والحكام والتجار لإخراج موسوعة للأمة تلم شعث علم العقيدة وتشمل جميع العقائد بما فيها الباطلة وتفنيدها، حتى يقف عليها الباحث وطالب العلم، وتكون مجموعة في مكان واحد، يسهل الوصول إليها والمقارنة، وتكون ملجأ للدعاة بل ولعامة الناس لدحض الشبهات، وبيان عوار العقائد الجاهلية، ( {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ).
----------------
✹ الناظر المتأمل في أحوال الأمم اليوم يجد بوضوح أزمة أخلاقية واضحة، فنرى مثلا تهافت الكثير من الدول على فرض مساوئ الأخلاق، من فواحش ومنكرات، وشرك وظلم، وتكبر على الله عز وجل، حيث شجعوا على سب الأنبياء والرسل واعتبروه (حرية)، مع عدم قبولهم للتعرض لأوثانهم بالطعن بأي شكل كان، والحضيض الذي وصلت إليه الكثير من المجتمعات لا يكاد يصدق، حيث أنهم جعلوا معيار الأخلاق لثلة من سفائهم، فما وافق أهوائهم قبلوه وأيدوه، وما لم حاربوه واعتبروه تخلف وفساد وانتهاك للحقوق، على المنطق الفرعوني {(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)} ، بل تمادوا في ضلالهم وظلامهم حتى أنكروا أن تكون هناك مرجعية للأخلاق، فقالوا بنسبية الأخلاق، فلا يمكن إطلاقا - بحسب هذا المنطق الهمجي العشوائي الأعوج - تخطئة أيِّ فعل أيًّا كان حتى إبادة جميع أهل الأرض، وبذلك انحدروا إلى مستوى دون الحيوانات، والحقيقة أنه بقدر ابتعاد الإنسان عن النبع الصافي المتمثل في الوحي الإلهي، يكون شططه في أخلاقه، حتى يجعل إلَههُ هواه، وينفي أن يكون للأخلاق معيار، قال تعالى {(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)} .
----------------
✹ التمادي في عدم إنكار المنكر يجعل الناس يستمرؤن الباطل ويُشرَب في قلوبهم ويأكل معهم ويشرب، بحيث ينكرون على من لم يُجارِهِم في باطلهم، وبمرور السنين، وذهاب المصلحين أو تخاذلهم، تنمو شجرة الباطل من بدع وخرافات وظلم، ويصعب زعزعتها أو اقتلاعها، لأن جذورها عميقة في نفوس المجتمع، ويحتاج المصلح إلى جهد جهيد، وتضحية عظيمة؛ حيث يعاديه جل أفراد المجتمع في البداية لا سيما (الملأ منهم) بل قد تكلفه حياته، لذا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان للمجتمعات ولو بكلمة، وذلك حتى يعرف الناس الباطل وإن وقع بعضهم فيه، أو عجز صالحيهم عن دفعه، وقد قص الله علينا في القرآن طرفا من ذلك كقوله تعالى: {(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)} ، فلم يقبلوا البعث بعد الموت واستنكروه مع إيمانهم بالخلق الأول، وأن الله على كل شيء قدير، وأيضا قوله تعالى: {(وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ)} ، هنا استنكروا أن يكون الرسول من البشر، ولشدة انغماسهم في الشرك وعليه نشأ الصغير، وهرِم الكبير، أنكروا أن يكون الإله واحد، لأنهم نشأوا على تعدد الآلهة ولو كانت من حجارة صماء، وحكى الله ذلك عنهم بقوله: {(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)} ، فصار توحيد الخالق العليم القدير مالك الملك شيء عجاب.

--------------------------------------------------
وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن رب الأرض والسماوات











ابوالوليد المسلم 04-11-2022 08:43 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (13)


سالم محمد

الحمد لله رب العالمين وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين ومع الحلقة الثالثة عشر من سلسلة (همسات في كلمات)، والتي نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من الكلمات الطيبات، والذخر بعد الممات، في يوم الحسرات، والآن مع الـ همسات:


✹ هناك أنواع متعددة للتأليف منها ما انتشر في القرن الماضي الذي برز فيه فن كتابة المقالة، وكانت الصحف والمجلات ميدان ذلك الفن، ثم جمعت ما تفرق من تلك المقالات فصارت كتابا، فكثير من الكُتَّاب جمع مقالاته أو جمعها غيره لتكون في مكان واحد بين دفتي كتاب، هذا النوع من الكتب لازال موجودا، ونحن اليوم في زمن التدوين المصغر وأشهر تطبيق لذلك التغريدات، وظهرت في هذا الزمان كتبا أصلها تغريدات، وهناك الكثير من الحسابات النافعة التي لو جمعت تغريداتها في كتاب لكانت نافعة ومسلية في نفس الوقت، لأن التغريدة قصيرة فلا يمل منها القارئ، فتكون وجبة سهلة الهضم لمن يعانون من سوء هضم الكتب، كما أنها مناسبة للقراءة في السفر والمواصلات العامة وأماكن الانتظار بخلاف المقالات الطويلة، كما أن جمع تغريدات في مجال ما في كتاب واحد كالتربية مثلا، سيكون مفيدًا، وينتشر على أوسع نطاق، فمن لم يستطع أن يغرد فليجمع المفيد من التغريدات في باقة ويقدمها للناس، فاختيار المرء جزء من عقله، ولعله يكون من العلم الذي يُنتفع به، والصدقة الجارية.
---------------------
✹ الزواج نعمة عظيمة وآية من آيات الله الباهرة، وأول ليلة فيه توصف بليلة العمر، والشهر الذي يليها بشهر العسل، ثم تتناقص حلاوة هذا العسل وقد تنعكس إلى علقم، ما يعنينا هنا هو أنه بمرور الأيام يسيطر الروتين اليومي على حياة الزوجين، وتبدأ الرتابة والكآبة تتسلل إلى المملكة الصغيرة، ولكن هناك أمور كثيرة تنعش عش الزوجية وتجدد فيه البهجة والسرور، وتطرد الملل وتكسر الروتين وتزيح الكآبة وتقضي على الرتابة، من أعظمها الاجتماع على طاعة الله، والطاعات أنواع عديدة، ويمكن للزوجين الاجتماع على مائدة القراءة عموما ومدارسة القرآن خصوصا، أما الكتب فكثيرة أيضا ولكن كتب السيرة وقصص الأنبياء والصالحين تجمع بين المتعة والفائدة، ومن الطاعات أيضاً الصيام إن تيسر ذلك فإن الصوم يذهب وحر الصدر، وساعات السحور والإفطار فيها الهدوء والسكينة والبهجة للنفوس والسرور وواقع رمضان خير شاهد، حيث تلتقي في موائد السحور والإفطار الأرواح والأبدان، وتقوى بذلك أواصر المحبة المودة في العائلة .
---------------------
✹ من عظمة وروعة الإسلام أن فيه جنة الذِّكر، فكل حال تقريبا لها ذكر خاص، من التقلب أثناء النوم ليلاً مروراً بالاستيقاظ والطعام واللباس، حتى قضاء الحاجة لها آدابها وأذكارها، هذا فضلاً عن الذكر المطلق، ومن الأذكار التي يغفل عنها كثير من الناس أذكار طرفي النهار وفيها أجر عظيم وحفظ للعبد من الأمراض الحسية والمعنوية والشهوات والشبهات، ربما لكثرتها حيث يظن البعض أن عليه الإتيان بها كلها، وهذا خطأ بل يمكنه قول بعضها، ومن أكثر ما يعين على ذلك، حفظها أو حفظ القصير منها، فالحافظ للأذكار يسهل عليه قولها في أي مكان وعلى أي حال مناسب، هذا يقودنا إلى الأهمية العظمى لغرس هذا الأذكار في عقول أبنائنا منذ نعومة أظفارهم حتى تكون سبب لحفظهم وسجية في مقتبل أعمارهم، وللأسف الشديد أن تعليم الأذكار مفقود في مناهج المسلمين إلا ما رحم ربك، كما أن مما سهل قول أذكار طرفي النهار على المسلم وجودها في جواله الذي يرافقه في حله وترحاله.
---------------------
✹ التسول من الظواهر السيئة والمنتشرة في المجتمعات، والمتسولون أصناف منهم الصادق والعاجز، أي أنه محتاج فعلا وعاجز عن سد حاجته أو حاجة أبناءه، ومنهم صنف محتاج ولكنه كسول، جرب التسول فوجد أنه يجذب مال بلا تعب؛ كل ما يحتاجه فقط اختلاق قصة مؤثرة، والأهم إلقاؤها بأسلوب آسر ومؤثر، ولو كانت من نسج الخيال، بالإضافة إلى ثياب رثه، وشعر أشعث أغبر، وتكون هيئته يرثى لها، وصنف آخر من المتسولين يسأل تكثُّرًا، أي عنده ما يكفيه لكن وجد أن التسول تجارة مريحة ومربحة، فيكفي أن يظهر أنه صاحب عاهة أو أنه أعمى، وبعضهم يعطف رجليه بحيث تبدوا مقطوعتين، وهكذا ... وإذا ما رأيت مستول فاحمد الله أن عافاك مما ابتلاه به إن كان محتاجا مستحق أن أغناك، وكف ماء وجهك أن تريقه من أجل لقمة لك أو لأولادك فـ «(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرها)» ، وإن كان كاذبا احمدِ الله أن جنبك طريق الكسب المحرم هذا؛ فإن «(مَنْ سأل الناس أموالهم تكثُّرًا، فإنما يسأل جمرَ جهنَّم، فَلْيَسْتَقِلَّ أو لِيَسْتَكْثِرَ)» .
---------------------
✹ في البشر يوجد ناجحون وفاشلون، وبينهم فروق كثيرة، ومن هذه الفروق أن الناجح يستفيد مما حوله من الظروف ولو كانت في غاية السوء والإحباط، ويحول المحن إلى منح، والعقبات والمعوقات إلى بطولات، بالمقابل الفاشل توجد لديه الكثير من الفرص والمزايا ولا يستفيد منها، بل يصل به الأمر إلى لوم الآخرين على فشله، فيبرئ نفسه ويلوم غيره، وبهذا يبقى في قاع الإحباط ولا يقوم منها إلا أن يشاء الله، ولو نظرنا إلى حياة الناجحين وعلى رأسهم الأنبياء وورثتهم من العلماء الربانيين نجد أنهم لم يجدوا بساط أحمر فرش لهم ليصلوا إلى ما وصلوا إليه، وإنما تعرضوا لجميع أنواع المعوقات والمحاربة بل والقتل أحيانا، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعث في قوم يعبدون حجارة ويأكلون الميتة ويعتدي فيهم القوي على الضعيف، ولم يلقِ اللوم على أحد وتواني بل قال له ربه {(قم فأنذر)} ، وقال له أيضا: {(فاصدع بما تؤمر)} ،فقام بالأمانة خير قيام، وبلغ الرسالة أتم بلاغ، ولذلك من أفضل العلاجات لمشكلة الكسل والتواني هو مصاحبة الناجحين، أو قراءة سيرهم وعلى رأسهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فهذا هو الوقود الذي يتحرك به الناجح، والحرارة التي تذيب جليد الكسل، والشعلة التي تضيء درب المجتهد، فلنبادر إلى الصالحات حتى نصل إلى {(جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)}
---------------------

وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن رب الأرض والسماوات





ابوالوليد المسلم 13-11-2022 01:05 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 



هَمَسات .. في كلمات ... (14)



سالم محمد



الحمد لله العزيز الوهاب، الكبير المتعال، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأزكاهم، وأعبدهم وأتقاهم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد فها قد وصلنا بفضل الله ومنته إلى الحلقة الرابعة عشر من هذه السلسة التي نسأل الله أن يجعل لها القبول، وأن تكون لبنة في سبيل الإصلاح.
✹ من أعظم الآثام الكذب على الله ورسله، (وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى كُفْر من تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم) ومن (زعم أن النبي أوجب شيئا لم يوجبه ، أو حرم شيئا لم يحرمه ، فقد كذب على الله) وفي هذا الزمن يمكن نشر أي شيء تقريبًا وبمنتهى السهولة واليسر، فعلينا التحري قبل النشر، فأعداء الإسلام من المنافقين والكافرين وسائر أهل الأهواء والبدع يجتهدون في نشر باطلهم، فربما التبس على بعض الناس شيئا مما ينشرونه، ومن طرقهم الخبيثة أنهم يفتعلون قصة أو اكتشاف علمي وأنه وُجِد مصداقه في القرآن ثم ينشرونه فيتلقفه بعض الجهلة بحسن نية وينشره معتبرا أن ذلك من دلائل صحة الإسلام، فالتثبت التثبت، والحمد لله فكما أن النشر سهل فالتحقق من صحة الأحاديث وما ينسب للصحابة سهل أيضا ولكن لنعلم أن (أعظم الناس إثمًا من يكذب على الله تعالى ورسله، فينسب إليهم ما لم يكن منهم) ويكفينا في ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وسلم «(إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ ، فمن كذب عليَّ مُتعمِّدًا ، فلْيتبوَّأْ مقعدَه من النَّارِ)»
---------------
✹ الاختراعات كثيرة جداً بل لا يكاد يمر يوم حتى تسجل براءات اختراع جديدة، ولكن هناك مخترعات غيرت حياة البشرية، منها الطباعة، فبعد أن كان الشخص يحتاج إلى أسابيع لنسخ كتاب واحد، وإن أراد شراءه فبثمن باهض، أصبحت المطابع تقذف بملايين النسخ وبجودة خيالية، وبذلك (أضحى الكتاب أحد أكثر السلع تداولاً بين الناس) وبذلك انتشرت المكتبات العامة والخاصة، واستبدلت وظيفة النُّساخ التي كانت رائجة بمن يجيد الطباعة بسرعة، وتطورت الطباعة وحصلت فيها قفزات وقفزات، بعد ذلك ظهرت الكتب الإلكترونية، ثم تحويل الصوت إلى نص، وما ندري ماذا يأتي في قادم الأيام، فسبحان الله العظيم، والحمد لله على ما يسر من طلب العلم ونشره، وبذلك يصبح العمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «(بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً)» ميسور لكل أحد حتى الطفل ما دون الروضة والشيخ الفاني، والجاهل الذي لا يحسن كتابة اسمه.
---------------
✹ معروفة مكانة العلم وطلبه، سواء الشرعي أو الدنيوي، مع أن العلم الدنيوي يمكن أن يرفع المرء درجات عند الله إذا حَسُنتْ نيته، ولكن هناك مشكلة تطل برأسها وتسبب الحرج للمتعلم، هذه المشكلة هي تعدد وسائل التعليم، فسبحان الله من كثرة هذه الوسائل يحتار المتعلم أيها يأخذ، وبأي طريق يسلك، فإذا ما جرب واحدة قال هذه، هذه، ثم تتعرض له أخرى فيجربها ويقول هذه هذه، فالمواقع كثيرة، والتطبيقات متعددة، وقبل ذلك المنصات والأكاديميات والجامعات المفتوحة، فالبرامج العلمية لا حصر لها ولا عد، وبجميع الأنواع: المكتوب والمسموع والمرئي والتفاعلي، وبشهادات وبدونها، والحل في رأيي أنه في حالة طلب العلم الشرعي فلا أفضل من التفرغ عند العلماء والمشائخ، وهذا صعب أو متعذر على الكثير، فيستشير أهل العلم مبينا لهم حالة من عُمُر ووقت فراغ وطبيعة عمله، فهؤلاء يختلف بعضهم عن بعض، أما في حالة الوسائل الأخرى فسؤال أهل الخبرة والتجربة، لأن ما يناسب فلان قد لا يناسبك، وهنا نقطة مهمة وهي تشجيع الشباب على النهل والاغتراف من العلم والمعرفة في أمور دينهم ودنياهم، فالشاب في بداية عمره حر طليق من كثير من المسؤوليات وعنده الفراغ الكثير الذي يعد –وللأسف- مشكلة عند بعضهم، فعلى المربي أن يدفع مربيه للعلم النافع فهو ميسور ، فينظر ما هو شغف وميول ابنه أو ابنته فيوجه إلى منابع العلم التي تروي ظمأه وتشفي غليله، ولو أن أهل الخير والدول من ورائهم جعلوا التعليم بمال فمثلا من اجتاز دورة كذا فله من المال كذا، لكان ذلك خيرا عميمًا، ولننظر مثلا إلى الأموال التي تنفق على الرياضة ماذا لو ذهب عُشرُها في خدمة طلاب العلم النافع بنوعيه الشرعي والدنيوي لكانت النتائج باهرة، واستبدل الشباب التافه والمضر بالنافع لهم ولأمتهم.
---------------
✹ أمرنا الله بالتفكر في آياته، وآيات الله منها ما هو مسطور (القرآن)، والآخر منظور، وهو كل ما خلق الله بما فيه أنت {(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)} ، والتفكر عبادة جليلة قال تعالى: {( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)} ، وأثنى على المتفكِّرين بقوله: {(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)} ونِعَمُ الله تعالى ترافقك في كل مكان، وتحيط بك من كل جهة، والتفكر في آيات الله يزيد في قلب المؤمن عظمة الله ومحبته وجلالته ويزرع الحياء منه سبحانه، وما أكثر الإشارة في القرآن إلى عددا من آيات الله كالسماوات والأرض والشمس والقمر والليل والنهار، وغيرها كثير من المخلوقات العظيمة التي تدل بدورها على عظمة فاطرها وخالقها سبحانه، والتفكر عبادة وهي ميسورة على من يسرها الله عليه، فهي لا تحتاج إنفاق مال ولا بذل جهد بدني بل لا تحتاج حتى إلى حركة اللسان، فإذا كان القلب حيًّا، فلا يمر به شيء إلا وله فيه عبرة وفكْر.
---------------
✹ الناظر في حال المسلمين يجد كثير منهم مهتم بسماع القرآن، خصوصاً أثناء قيادة السيارة والمواصلات والبيوت خصوصاً النساء، وهذا جميل وثوابه جزيل، لكن قلَّ أن تجد حتى من طلبة العلم من يستمع للسنة، نعم الاستماع للسنة علْم عظيم، والسنة مبيِّنة للقرآن والعمل به، وفيها التطبيق العملي لكتاب الله، كما أن فيها سيرة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا بالاقتداء به {(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)} ، فعلينا أن نضيف إلى الاستماع إلى القرآن الاستماع للسنة وللتفسير وهناك تفاسير متوفرة صوتيا ومجانا كتفسير السعدي والمختصر في تفسير القرآن الكريم، وأيضا نستمع لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن الكتب الصوتية الرائعة في ظلال السيرة، بالإضافة إلى الاستماع إلى دواوين السنة بدءً بالأربعين النووية ورياض لصالحين وعمدة الأحكام واللؤلؤ والمرجان في اتفق عليه الشيخان وغيرها كثير، فلماذا نحرم أنفسنا من كلام خرج من أطيب فم، وأفصح لسان، بأعذب بيان، والاستماع للكتب الصوتية انتشر عند الناس، لكن غالب ما يسمعون الروايات، وكتب تنمية الذات المترجمة، حيث من ألفها لا يهمه إلا الدلالة على الدنيا وملذاتها ولا مكان فيها للمستقبل الأبدي بعد الموت، وللحصول على الكثير من الكتب النافعة بصورة مجانية فعليه بـ مشروع الكتاب الناطق على شبكة الألوكة، ففيه الكثير من الكتب في مجالات مختلفة.

وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن رب الأرض والسماوات


















ابوالوليد المسلم 27-11-2022 12:07 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (15)


سالم محمد


الحمد لله العزيز الوهاب، الكبير المتعال، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأزكاهم، وأعبدهم وأتقاهم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد فها قد وصلنا بفضل الله ومنَّته إلى الحلقة الخامسة عشر من هذه السلسة التي نسأل الله أن يجعل لها القبول، وأن تكون لبنة في سبيل الإصلاح وراية تهدي إلى طريق الفلاح:
✹ من مفاخر ديننا الحنيف أنه دعا إلى محاسن الأخلاق ونبذ وحارب مساوئها، ومن هذه الفضائل الاعتراف لكل ذي فضل بفضله، فالله سبحانه هو الوهاب المنان الكريم، وأفضل البشر منة علينا هم الأنبياء عموماً ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم خصوصاً، وأيضا وورثة الأنبياء لأنهم هم من نقلوا لنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أعلم الناس بمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك توجهت سهام الأعداء إلى العلماء لأسقاطهم في نفوس الناس، لكي يخلو لهم الجو ليتلاعبوا بنصوص الوحيين ويفسرونها حسب أهوائهم وأهواء أسيادهم، وأكثر من حاولوا إسقاطهم هم السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فإسقاط فضل العلماء من السلف هدم للدين من أساسه لأنهم نقلته إلينا، فإن استطاعوا تشكيكك في الأصل فقد أسقطوا ما دونه من باب أولى، ومن أصحاب الفضل كذلك الوالدين وحملة القرآن وكبار السن وذووا السلطان.
✹ لا تستقيم حياة بدون حقوق وواجبات، ويتعكر صفو الحياة عندما نطالب بحقوقنا ولا نؤدي واجباتنا، وكثير من الناس يتعامل مع الحقوق والواجبات كأنها سلعة يبيعها نقدا بنقد، ويدًا بيد، فإن حصل على حقٍ رضي بتقديم واجب، وإن كان لا، فلا، وبهذا تنشأ كثير من المشاكل ويعيش هؤلاء في تعاسة وشقاء، وإثم وخطيئة، قد يكون بعدها عذاب، وإذا كانت هذه المعادلة هي تحكم حياة بيت فرَّت منه السكينة والمودة والرحمة، وقرَّت فيه التعاسة والشقاء، فكل واحد ينتظر من الآخر المبادرة بالقيام بواجبه، مع عدم قيامه هو بما عليه، وإذا عدنا إلى شرعنا الحنيف نجد أن حل هذه المشكلة ميسور وسهل، ففي ظل العقيدة الإسلامية، جميع حقوقك مضمونة إن لم تأخذها في الدنيا أخذتها في يوم أنت أحوج إليها فيه من يومك هذا، وهو يوم الحساب، {(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)} ، فما عليك إلا أن تتفقد قيامك بواجباتك كما أمرك الله، أما حقوقك فلا تخف عليها ولا تحزن، وأعظم واجب هو القيام بحق الله تعالى بالتوحيد ونبذ الشرك وأهله، ثم القيام بحقوق المخلوقين بدء بالأنبياء فالوالدين فالزوج والأولاد والجيران والحكام وسائر الناس بما فيهم الكفار، وقد لخص لنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ بقوله (أدوا الذي عليكم وسلوا الله الذي لكم)، فنم قرير العين مرتاح البال لأن سيأتي يوم القيامة {(فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)} ، ولو عفوت عن حقك {(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)} فأنت ناجح ومحمود ولك من الثواب الجزيل من الكريم المنان سبحانه {(فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)} .
✹ نحن نكرر كل يوم مرات عديدة في صلاتنا وفي غيرها أسمين من أسماء الله تعالى هما(الرحمن الرحيم)، ومن أبرز مظاهر رحمته بنا سبحانه أن بعث إلينا رسولا لينقذنا به من النار، وجعل الله تعالى الطريق الوحيد لمرضاته هو باتباع رسوله، وهذا يدل على أن لهذا الرسول فضل عظيم جدا على البشر، أكثر من فضل آباءهم وأمهاتهم، ومن أسماء الله تعالى (الشكور)، حيث أنه رفع من شأن نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمرنا وحثنا على تعظيم وتعزيره وتوقيره وما يؤذن مؤذن إلا رفع ذكره بقوله (أشهد أن محمدا رسول الله)، وفي الصلاة في التشهد والصلاة الإبراهيمية كذلك، وبعد الوضوء ويوم وليلة الجمعة وكل ما ذُكِرَ علينا أن نصلي عليه ونسلِّم تسليما، ومن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا، بل جاء في الحديث «(لا يَجزي ولدٌ والدًا، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه)» ، وقال الله في حق الزوجين فيما بينهما بعد الفراق {(وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)} سبحان الله هذا في حق الوالدين والزوجين فكيف بحق النبي صلى الله عليه وسلم وحقه أعظم من حق أي مخلوق كائنا من كان، وهكذا يعلمنا ربنا ويؤدبنا على الاعتراف بالفضل لذوي الفضل من الخلْق وأعظمهم الأنبياء، وقبل ذلك خالقنا القائل سبحانه {(وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)} .
✹ لو أن إماما صلى بالناس الظهر وجَهَرَ فيها بالقراءة لأنكَرَ عليه كل من خلفه تقريبًا، مع أنَّ الإسرار والجهر في الصلوات من السنة وليس بواجب، ولكن الناس تعودوا فأنكروا خلاف ما تعودوا، هذا ينبئنا عن أهمية محاربة البدع ونشر السنن، فالبدعة إذا ما نشء عليها الصغير وشاب عليها الكبير، فإن اقتلاعها من مجتمع ما يكون بصعوبة بالغة ويحتاج إلى تضحيات، والوقاية خير من العلاج، فيحاربُ الناس السنةَ ويستمسكون بالبدعة ظنا منهم أنها السنة، بينما ينظرون للسنة وكانها دين جديد مبتدَع، وتحذير السلف من البدع وأهلها كثير ومستفيض في كتبهم، وهكذا كل تغيير في الدين كلما طال أمده صعب اجتثاثه، وأدت محاربته إلى الصدام مع عامة الناس بما فيهم أصحاب القرار، فعلى سبيل المثال يظن كثير من الناس أن الدين لا علاقة له بالسياسة أو على الأقل بالحكم، وما ذلك إلا للهجوم الشرس والمتواصل منذ أكثر من مائة سنة على تحكيم شرع الله، هذا الهجوم أنفقت في أموال طائلة، وجهود جبارة، وكتابات كثيرة، وأقحم في المناهج الدراسية والثقافة العامة والتوجه العام للدول ومرت السنوات تلو السنوات، حتى أصبح كثير من العامة يؤمنون بالديمقراطية ويرون أن الخير كل الخير في تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم، مع العلم أنهم يصلون ويصومون ويحبون شعائر الإسلام، لكن بسبب التضليل المتواصل، أصبحوا يهاجمون الحق وينصرون الباطل، ولكن(لا تظهر بدعة, إلا ترك مثلها من السنة) كما قال غضيف بن الحارث رحمه الله تعالى.
✹ من معاني العقل والحكمة التوظيف الأمثل للموارد بل وتحويل العقبات إلى إنجازات واستخراج المنح من المحن، والتربية من الأمور الشاقة والتي تحتاج إلى طول نفس للوصول إلى قطف ثمارها، والتفيء بظلالها، والملاحظ أن الأطفال الصغار في زماننا يستهويهم الجوال وهذا يعرفه الوالدان وكل من له احتكاك بالصغار، بل أنجح وسيلة لإسكات الطفل إعطاءه جوالا يقلبه بين يديه الصغيرتين، هذا التعلق بالجوال والشغف به والبكاء عند مفارقته، والتنازع مع الإخوة للاستحواذ عليه، يمكن أن يستغله المربي في تعليم الطفل وتقويمه وإكسابه الكثير من الأخلاق والمهارات وذلك بعرض بعض مقاطع الصوت أو الصوت والصورة النافعة، وكذلك الكثير من الألعاب النافعة وهي بفضل الله كثيرة ومتوفرة حتى لعُمرِ ما دون الخامسة، بل إن الجوال يمكن أن يكون بديلا مناسبا ومنافسا لقنوات الأطفال الفاسدة وما أكثرها التي تهدم عقيدة الطفل وتلطِّخ فطرته، ففي الجوال أنت من تختار لابنك ما يشاهد، فيتابع وأنت مطمئن البال لما يتلقَّى طفلك، فالحمد لله على نعمة الجوال، ومن شكر النعمة استعمالها في ما يرضي الله عز وجل بما في ذلك تحويل شغف ابنك بالجوال إلى وسيلة لتعليمه وتهذيب أخلاقه وبذلك تكون تخلصت من مساوئ الجوال بل وحولتها إلى منافع.
وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن العزيز الوهاب




ابوالوليد المسلم 04-12-2022 04:59 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (16)


سالم محمد


الحمد لله العزيز الوهاب، الكبير المتعال، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأزكاهم، وأعبدهم وأتقاهم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد فها قد وصلنا بفضل الله ومنَّته إلى الحلقة السادسة عشر من هذه السلسة التي نسأل الله أن يجعل لها القبول، وأن تكون لبنة في سبيل الإصلاح وراية تهدي إلى طريق الفلاح:
✹ عندما تتصفح بعض المجلات القديمة تجد فيها مقالات رائعة في سردها، بديعة في بلاغتها، تطرب القارئ، وتجعله يتعجب من كاتبها وامتلاكه ناصية البيان وجودة التعبير، وكاتبها هذا أصبح تحت أطباق الثرى مرهون بعمله، وقد حباه الله في حياته بموهبة وقدرة على البيان، إلا أن كثيرا منهم سخرها في توافه الأمور، ولم يستخدم قلمه في نصر الحق وأهله، ومحاربة الباطل وحزبه، فكم هي حسرة هؤلاء الآن، ماذا لو كتب علمًا ينتفع الناس به بعد موته لكان أجره مستمرا إلى الآن وإلى أن يشاء الله، ماذا لو جعل موهبة الكتابة نبع للحسنات بعد الممات، الأشد خسرانا من الصنف هذا، صنف سخر قلمه في محاربة الأخلاق والفضيلة والدعوة إلى المنكر والرذيلة، ومناصرة أعداء الإسلام، كم من الكتاب فيما مضى حارب الحجاب وحارب تطبيق الشريعة، وكم منهم من طعن في السنة وانتقص من حملتها، وهناك من مجد أعداء الأمة وحاول التنفير من سلفها الصالح، أي حسرة لاقى هؤلاء بعد وفاتهم، ربما تجري عليهم سيئاتهم بعد موتهم بسنين، المهم علينا الاعتبار واستغلال مواهبنا في ما ينفعنا في الحياة وبعد الممات، وأقل القليل ألا نجعلها في الصد عن سبيل الله وفتنة الناس عن دينهم فنندم كما ندم من قبلنا.
--------------
«القرآن حجة لك أو عليك» هكذا قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، هذا يشمل من حفظه ومن لم يحفظه، من كان مواظبا على قراءته أو من لم يفتحه لشهور أو سنين، في الإسلام لا يوجد عندنا رجال دين ورجال دنيا، الكل سيسأل، الكل مطالب بنصرة الحق ونبذ الباطل لأن ( «القرآن حجة لك أو عليك» ) وفي الحديث المشهور ( «مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ» ) هذا يشمل الحاكم والمحكوم، العالم والجاهل، التاجر والفقير، والواعظ والموعوظ كلهم مطالبون، والكثير للأسف ينأى بنفسه عن المسؤولية لأنه بزعمه (ليس مطوعًا) ونسي أو تناسا أن الله قال ( {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ) أجمعين وليس المطوعين أو من يسميهم رجال الدين أو الإسلاميين، الكل مطالب بإنقاذ نفسه وأهله ( {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} ) ويلخص ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( «كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِه» ).
---------------
نحن في عالم غريب وعجيب، لو قصصنا أحوالنا على من سبق ربما لظن أننا مجانين أو نكذب عليه، ومن أعجب وأسخف الأفكار التي انتشرت في هذه الآونة فكرة النسوية التي يروق للبعض أن يسميها (الفسوية)، وهؤلاء نشطون جدا في نشر أفكارهم ومن ورائهم دول كبرى ومنظمات عالمية، وانقلبت من اتجاه محارَب إلى محاربة من لا يؤيدهم، وهذا الاتجاه يريد أن يجعل المرأة رجل، بحيث يكلفها أعباء الرجولة، ويزعم أن ذلك مساواة، والمساواة ليست دائما عدل، بل قد تكون ظلما، وحتى يبرروا باطلهم ويروجوا قذارتهم أخذوا يرفعون شعارات مثل: (جسدك ملك لك) وهذا كذب صريح ولا دليل عليه البتة، فكيف تملك المرأة جسدها وقد كانت عدما، وفي أثناء حياتها لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وهذه الحركة قد نخرت في المجتمع الغربي وفككته، وهي في طريقها لتفذف به في هوة سحيقة، ولكن لم يعجبهم تماسك الأسرة المسلمة فوجهوا سهامهم إلى بلاد المسلمين يخدعون بنات وشباب المسلمين بشعارات براقة لكنها زائفة، وإذا لم نأخذ على يد هؤلاء السفهاء فإن الهلاك سيعمنا جميعا، كما قال الصادق المصدوق ( «فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا» ) فعلينا تربية أبناءنا تربية إسلامية صافية وذلك من خلال تقديم القدوات الصالحة لهم من أنبياء وصحابة ومن تبعهم بإحسان، وكذلك محاربة هذه القاذورات قدر المستطاع، لأنها لم تدع شيء تقريبا إلا ودخلته حتى ألعاب الأطفال وأفلامهم الكرتونية.
---------------
مما يقضي على الشبهات والوساوس التي يلقيها شياطين الإنس والجن على المسلم استشعار علاقته بربِّه، فأنت مخلوق والله خالق، ( {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ) والله ( {الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} )، وأنت ظلوم جهول والله عليم خبير، وأنت من ماء مهين والله هو الواحد القهار، وأنت الفقير والله الغني الحميد، والنتيجة أنت عبد مقهور والله {(عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)} ، أي أنك محتاج إلى عبادة الله والخضوع له قال تعالى: {(لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ)} ، وأما إنْ عصيت وتكبرت على ربك فقد قال الله: {(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)} ، من ذلك يتبين أنَّ أي اعتراض على أوامر الله تعالى، والطعن في الشريعة هو قمة السفه والحمق، إذ أنك محتاج إلى الله في جميع أمرك ، وواقع تحت سلطان الله وقهره في كل لحظة، فكيف يكون في نفسك شك أو حرج من أمر الله، ومن استحضر هذه المعاني فسوف يفرُّ إلى الله، ولن تقف في وجهه شبهة أو شهوة، لأنه عرف ربه وعرف حقيقة نفسه، والنظر في القرآن وفي آيات الله الكونية مما يعرِّف الإنسان بنفسه وبخالقه جل وعلا، قال تعالى:( { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} ) وقال جل شأنه عن آيات الكون المنظور { (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)}
---------------
الخباز والكاتب الجيد،بينهما تشابه في عملهما،فالخباز عندما يعجن العجين ويضيف إليه الخميرة،يتركه وقت حتى يختمر
ويصبح جاهز للاستعمال في التنور أوالفرن،وهكذا الكاتب عليه أن يكتب ثم يترك ما كتبه مدة لكي يختمر، ثم يعود إليه ويضيف إليه ويحذف منه، ويعدل وينقِّح، ويتركه أيضا ليختمر، ويعمل هذا عدة مرات ثم يبثه للناس فيكون لذيذا شهيا يتلقفه القراء ويبحثوا عن نتاجٍ غيره، وأيضا مما يختمر عند الكاتب الأفكار في ذهنه فتحتاج إلى وقت مناسب، وتغذية مناسبة لكي تختمر، وتغذية الأفكار يكون بالقراءة، والتأمل في الآيات الكونية المنظورة، والآيات الشرعية المسطورة، كما أن مما يغذي الأفكار دقة الملاحظة عند مخالطة الناس بل والحيوانات، فعين الكاتب يجب أن تلبس نظارة ترى ما لا يراه الناس، وتفكر أبعد مما يفكرون، وبالتالي يعكس ذلك ويصوغه في مادة مكتوبة سائغةً للقارئين.

وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن العزيز الوهاب


ابوالوليد المسلم 10-12-2022 11:09 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (17)



سالم محمد



الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ها قد وصلنا بفضل الله ومنته إلى الحلقة السابعة عشر في رحلة الهمسات، نسأل الله أن يجعلها من الباقيات الصالحات لكاتبها وقارئها وكل منتفع بها:
✹ من جوانب العظمة في الإسلام أنه لم يأت بالمساواة المطلقة، بل بالعدل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} وبين العدل والمساواة بُعْدَ المشرقين، وفي زمننا هذا ارتفع سُعار المساواة، بهدف منه تمكين المرأة من حقوقها كما يزعمون، والحقيقة أنهم جردوا المرأة من معظم ملابسها وأهم حقوقها، وعجزوا عن مساواتها مع الرجل في كل شيء، والمساواة التي ينادون بها إنما هي على مزاجهم، فالرجل يعمل خارج البيت، فأخرجوا المرأة من مملكتها الصغيرة لتشقى خارج البيت مع أتعابها في داخله، بينما في اللباس لا وجود للمساواة، بل توجد حرب عليها، فلِباس المرأة يتناقص اصبع اصبع حتى أصبح بضع سنتمترات تغطي السوءتين، وأصبح التجرد الكامل من الملابس مشاهد في الشواطئ، وطريقة من طرق الاحتجاج، فوجدت نساء في شوارع بعض المدن يتظاهرن كالحيوانات حيث أن ِلباسهن جلودهن، في المقابل الرجل يتستتر لا ترى إلا رأسه وكفيه، حتى أرجله مستورة، وبالفضفاض والغليظ من الثياب؛ فأين المساواة المزعومة، فالرجل شبة مغطى، والمرأة شبه عارية، وتحيا المساواة!!! فقضية هؤلاء ليست مساواة ولا حقوق وإنما كما قال الله { (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)} ولذا حذرنا الله من اتباع أهواءهم بقوله {(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)}
---------------
✹ سؤال يطرح كثيرا على الأطفال خصوصاً من المدرسين وربما الوالدين، هذا السؤال ماذا تريد أن تكون في المستقبل، ويقصدون بالمستقبل العمل بعد التخرج أي بعد بضعة عشر سنة، وهذا السؤال ليس بغريب فالأسرة والمنهج المدرسي والنظام التعليمي بل والتوجه العام للدولة في الغالب يركز فقط على النجاح المادي المتمثل في العمل والوظيفة وجمع المال، ويهمل الجانب الأخلاقي والعقيدة والحياة الأخرى، والإسلام يتميز عن غيره بالشمول فقد جاء بجميع الأخلاق الحسنة وحذر من كل مساوئ الأخلاق، وضمن لك السعادة والنجاة والنجاح في الآخرة والأولى، ومن أهم الجوانب الأخلاقية العناية بالمستقبل الحقيقي لنا عندما يكون (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وللأسف هذا لا يأبه له واضعوا المناهج، بل قد يحاربون أخلاق الإسلام، ويجردون المناهج من كل شيء له علاقة بالإسلام خصوصًا في الحكم، فالواجب علينا أن نعلِّق أطفالنا بخالقهم والفوز والنجاة في الآخرة ونجعل كسب المال والتفوق في العلوم التجريبية وسيلة للفوز الكبير يوم الحسرة، لا أن يكون هو القضية المركزية الكبرى، فنضيع مستقبلهم الأخروي لسراب دنيوي، فالتوازن التوازن {(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)} .
---------------
✹ أهل الباطل يحاربون تطبيق حكم الله في مجتمعات المسلمين بكل ما أوتوا من قوة، وبالسلاح والمال والشبهات والإعلام، وهم في ذلك مفلسون من الحجة والبرهان، ولذا لا تناقش من لا يريد تطبيق الشريعة الإسلامية حتى تسأله: هل هناك أفضل أو مماثل لحكم الله؟ فإن قال نعم طالبناه بالبديل مع الدليل، ولن يجد إلى ذلك سبيلا، لأنه لا يستوي الحق والباطل ولا الظلمات والنور، ومع العلم أن كل ما ينتقدونه في الشريعة موجود أضعافه عندهم، ومن ذلك قولهم أن تطبيق الشريعة رأي بعض الشعب وليس كلهم، ولو سلمنا جدلا بهذا الادعاء فإن تعطيل بعض أحكام الشريعة والتحول إلى ما يسمى بالدول المدنية أو الديمقراطية لا يوافق عليه كل الشعب وعلى هذا فقس من تعطيل الحدود وظلم المرأة باستبدال أحكام الشرع بقذرات بعض العقول التافهة، فالهم عندهم تنحية شرع الله عموما، والحكم بالشريعة لا سيما فيما يتعلق بالحدود والمرأة خصوصًا، ثم إذا وقعوا في تناقض لا يهمهم ما دام أن فرضوا على الناس باطلهم ظلما وعدوانا {(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)} .
---------------
✹ ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن قصة آدم مع إبليس، وتكررت عدة مرات، هذه قصة حصلت في غابر الأزمان، ولكن عِبرها وفوائدها مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بل إن القصة تكرر كل لحظة ولكن بين بني آدم وإبليس وذريته، فالحلال الذي جعله الله لنا كثير، والحرام دائرة ضيقة، ولكن إبليس يوسوس ويزين لبني آدم في الوقوع في الحرام، وهو كما أخرج أبانا من الجنة ، يريد أن يحرمنا دخول الجنة أيضًا، فكل واحد منا يتعامل معه إبليس كما تعامل مع أبيه، وعلينا أن نحذر من الشيطان وتزيينه للباطل، كما أن علينا أن نتوب إذا ما زلت أقدامنا اقتداء بأبينا عليه السلام، وقد أشار الله في القرآن إلى الاستفادة من مما حصل بين أبينا عليه السلام وعدونا إبليس بقوله: {(يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)}
---------------
✹ كثيرا ما يوصف المتقاعد في مجتمعاتنا بقولهم (مُتْ قاعد) لأن كثير منهم يسيطر عليه الممل والاكتئاب والشعور بالوحدة القاتلة، خصوصا إذا تقاعد مِن مركز مرموق حيث كان يأمر وينهى، وهناك مجموعة من البشر تحت سيطرته ورهن إشارته، ثم بين عشية وضحاها يجرد من جميع صلاحياته، ويتحول إلى عاطل براتب، ومأمور لا آمر، بل يترك كرسيه ويعود لبيته، لكن في رأيي صنف من المتقاعدين لا يصل إلى هذا المستوى من الإحباط، أَلَا وهم محبُّوا القراءة، فالتقاعد فرصة ذهبية يحلم بها الموظف القارئ، لأنه كان يحلم بقراءة الكثير من الكتب ولا يملك الوقت، لأن الوظيفة تستنزفه يوميا، وتلتهم جل وقته وطاقته، فإذا تقاعد فلسان حاله (مُشْتاقةً زُفَّتْ إلى مُشتاقِ) وبذلك يشبع نهمته من الكتب، وأيضا فإنه يجد وقت كثير للكتابة، فلا يكون مستهلك للكتب بل ومنتج أيضًا، فيمكنه كتابة ما ينفعه وينفع الناس ففي الحديث (إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو له) أما الصنف من الناس الأشد فرحًا بالتقاعد، ويحلم به ويعد الليالي والأيام لبلوغه، والوصول إليه، فهم الدعاة إلى الله تعالى، هؤلاء في عمل دائب، والتقاعد فرصة ثمينة لتوسعة المشاريع الدعوية، سواء كانت كتابة أو غيرها، فهو تقاعد من الوظيفة، ليأخذ وقت وظيفته لدعوته، يتفرغ لمهمة الأنبياء والعظماء وقد قال الله: {(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)}

وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن مالك الأرض والسموات.


ابوالوليد المسلم 25-12-2022 03:56 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (18)



سالم محمد

الحمد لله الكريم المنان، والصلاة والسلام على النبي العدنان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فقد وصلنا إلى المحطة الثامنة عشر من سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) ونسأل الله أن يجعل كاتبها وناشرها وقارئها (مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ) .. اللهم آمين:
✹ من أعجب الاتجاهات في هذا الزمن تيار النسوية، فهو كتلة من التخبط والتناقض وقبل ذلك الجهل، إحداهن ممن في قبلها مرض، تستنكر على الشريعة السماح للرجال بالتعدد، ومنع ذلك للنساء، معللةً ذلك بأن قدرات المرأة الجنسية أكبر من الرجل، وأنه – أي الرجل- يضعف جنسيا بتقدمه في العمر، وذكرت تفاصيل أخرى، المصيبة أن هذه الجاهلة أو المتجاهلة تحسب أن تشريع التعدد أو منعه يرجع إلى القدرة على استعراض العضلات الجنسية، والتفوق على فراش الشهوة الحيوانية، والحقيقية أن كل تحركات وسكنات المسلم يجب أن يستمدها من كتاب ربه وسنة نبيه، فما أحل الله فهو حلال طيب، وما حرمه ربنا فهو حرام وخبيث وارتكابه ظلم ومفسدة، وهذا هو الفرق الجوهري بين المرجعية الربانية الحق، والمرجعيات الوضعية الوضيعة الضلالية الظلامية التي تفتقر إلى مرجعية موضوعية صحيحة للأخلاقي واللاأخلاقي، والصواب والخطأ، والظلم والعدل، فببساطه مستحيل إثبات أن اغتصاب طفل وقتله جريمة وظلم من منطلق علماني أو ليبرالي ومن باب أولى نسوي، فالنسوية شر مستطير، وتكبُّر على رب العالمين سبحانه، وفي النهاية يقيسون المسموح والممنوع حسب القوة الجنسية، فالحمد لله على نعمة الإسلام والعقل.
---------------
✹ للناس فيما يقرأون مذاهب، فمنهم من يقرا طلبا للمعرفة، وكثير منهم للتسلية، ومنهم استعداد لدخول امتحان، أو الحصول على وظيفة، وغير ذلك كثيرا، أي أن الدافع للقراءة مؤثر في نتيجتها وثمرتها، أما عن أفضل المنازل فهو من جعل القراءة عبادة، حيث أنها من أهم وسائل الحصول على العلم {(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)} وطلب العلم طريق إلى الجنة فـ «(مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ)» وطلب العلم من أنواع الجهاد إذا كانت نية صاحبة الدفاع عن دين الله، إذا فهو طريق إلى الجنة، وحفظ بإذن الله من عواصف الشهوات، ومزالق الشبهات، ومن الطرق السهلة في تحصيله قراءة الكتب النافعة، ولكن كيف نعرف الكتب النافعة؟ الجواب: بسؤال أهل العلم (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وفي الجملة احرص على قراءة تفسير للقرآن كـ (المختصر في تفسير القرآن الكريم) وكتب السنة كرياض الصالحين مع شرح مناسب له ومن أسهلها أسلوبا وأكثرها فائدة شرع العثيمين رحمه الله، وكذلك يمكن أن يقرأ كتاب الفقه الميسر مع شرح له، ولا يغفل السيرة وقبل ذلك العقيدة ومن الكتب الجامعة والمختصرة والنافعة كتاب (الوجيز في عقيدة السلف الصالح ) وغير ذلك كثير وميسور بفضل الله ومنته.
---------------
✹الدنيا فانية، والآخرة باقية، فلا تخسر النعيم في دار البقاء بلذات محدودة في دار الفنا، فاكبح جماح شهواتك هنا ليكون لك {(مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)} فمن ذا الذي عاش في الدنيا بلا كدر، ولم تلسعه بمصائبها، وإنما النصر صبر ساعة، وقد سبق قوم ففازوا، ومن صُبَّت عليه المصائب في الدنيا فإن غَمْسة واحدة في الجنة تجعله يقول:(لا، والله ما مر بي بؤسٌ قط، ولا رأيت شدةً قط) ونحن بشر معرضون للوقوع في الخطأ والزلل، لكن من كرم الله تعالى أن مَن تاب فـ (إنَّ اللهَ يَقبَلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغَرْغِرْ) بلو يبدل الله سيئاته حسنات، ولكن علينا الحذر من الشبهات والشهوات المحرمة والبعد عن أسبابها وأصحابها، ومما يعين ذلك قراءة القرآن بتدبر، وكثرة ذكر الموت، والدعوة إلى الله تعالى وجماع ذلك كله طلب العلم النافع، لأنه كما يقال (الهجوم خير وسيلة للدفاع) وقبل ذلك كله التضرع إلى الله فـ (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) وجاء في الحديث القدسي: «(يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)» .
---------------
✹ (قال رجل لعبيد الله بن أبى بكرة: ما تقول في موت الوالد، قال مُلْك حادث، قال: فموت الأخ، قال: قص الجناح، قال فموت الزوج: قال عُرْس جديد، قال: فموت الولد، قال: صدعٌ في الفؤاد لا يجبر)، هذه الحوار يبين ما للولد من عظيم المنزلة في قلب أبويه، ولذلك فإن فراقه بالموت وقْعه ثقيل على أنفسهما، ومصير من (مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة ؛ لأنه ليس مكلفا) وعليه أجمع العلماء، فهنيئا لهؤلاء الأطفال الجنة، ولكن الوالدان يتجرعان ألم الفراق، ومن صبر منهما فله بشرى في هذا الحديث فإنه(إذا مات ولدٌ لعبدٍ قال اللهُ عزَّ وجلَّ لملائكتِه قبضتم ولدَ عبدي، فيقولون نعم، فيقولُ قبضتم ثمرةَ فؤادِه، فيقولون نعم، فيقولُ ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمَدك واسترجع، فيقولُ ابنُوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوه بيتَ الحمدِ)، من جهة أخرى علينا أن نعتبر حيث أننا لم نظمن الجنة كما هو حال أطفالنا الذين ماتوا، وقد عملنا سيئات كثيرة، لكن لنا رب كريم رحيم حليم فـ «(اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا)» ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «(سَدِّدُوا وقارِبُوا، وأَبْشِرُوا، فإنَّه لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه برَحْمَةٍ، واعْلَمُوا أنَّ أحَبَّ العَمَلِ إلى اللهِ أدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ)» فالدنيا محطة للتزود بالحسنات، وتكفير السيئات ورفعة الدرجات للوصول إلى الجنات.
---------------
✹النقل الجوي يعتبر من أكثر وسائل النقل أمانا، وهذه نعمة عظيمة من ربنا جل وعلا، فأنت ترى أطنانا عديدة المعادن في جوفها مئات من البشر يجوسون فوق وخلال السحاب، بين السماء والأرض، في أمن وأمان، إلا أن الموت لا يعرف مكان ولا زمان ولا أعمار، فقد يأتيك الموت وأنت معلق سابحا بين السماء والأرض وفوق السحاب، وحوادث الطائرات مميتة في معظمها وقلَّ أن ينجو أحد من تحطم طائرة، ومع كل هذه النعم ووجود هذه المخاطر، إلا أن الإنسان كفور وجحود، فتجد شركات الطريران تختار النساء أجمل النساء المتبرجات ليخدمن الركاب، كما يوجد من الراكبات من هي أشد تبرجا وفجورا من المضيفات، ولم تنس شركات الطيران أن تقدم أم الخبائث كضيافة لزبائنها، فعندهم السياحة والضيافة لا معنى لها إذا شابوها بالرذيلة، وخلطوها بالفجور، وبعض نساء المسلمين إذا صعدت إلى الطائرة نزعت حجابها وقبل ذلك حياءها، وكأن رب الطائرة غير رب الأرض والمطار، وهكذا أكثر الناس في غفلة، تزداد عليهم النعم ويزيدون في كفرها، والمجاهرة بمعصيته المنعم بها جلا وعلا، فمن ركب الطائرة فليتذكر أنه قد لا ينزل منها إلا فحما أو رمادا وماذا سيغني عنه معاصيه ومجاهرته، وماذا سينفع المتبرجة التي عصت ربها وجاهرت بمعصيته وفتنت غيرها فتحمل وزرها ووزر من فُتِنَ بها وعصى الله بسببها.

وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن العزيز الوهاب.





ابوالوليد المسلم 30-01-2023 09:30 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (19)


سالم محمد


الحمد لله الرحيم الرحمن، والصلاة والسلام على النبي العدنان، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فقد وصلنا إلى المحطة التاسعة عشر من سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) ونسأل الله أن يجعل كاتبها وناشرها وقارئها (مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ) .. اللهم آمين:
✹ {(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)} إذن فالقرآن أنزل للتدبر، والتدبر هو (النظر إلى ما وراء الألفاظ من المعاني والعِبَر والمقاصد، الذي يثمر العلوم النافعة والأعمال الزاكية)[1] ولكن وللأسف الشديد أن كثير من المسلمين قدر هجر القرآن تلاوة، فكيف سيتدبر هذا، ونرى أماكن تحفيظ القرآن الكريم كثيرة ومنتشرة وطلابها بأعداد غفيرة، لكن جل تركيزهم واهتمامهم على التحفيظ، أي استظهار الطالب الآيات عن ظهر قلب وهذا حسن، ولكنهم يُغفِلون الجانب الأهم وهو التدبر؛ لأنه الطريق للانتفاع بالقرآن والحصول على البركة: { (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)} فلو أنهم اهتموا بمسألة التدبر الذي يسبقه فهم الآيات -لأنك لا تستطيع تدبر شيء لم تفهمه- لكان خيرا كثيرا، (والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبُّره، أحبُّ إليَّ من قراءة الكثير من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه، وظاهر القرآن يدل على ذلك، والسنة، وأقوال أئمة المسلمين) كما قال الإمام الآجري رحمه الله تعالى.
---------------
✹ الذي لا يعرف حقيقة الدنيا، أو يعرفها لكنه يتعامى عن حقيقتها يعيش تعيسًا، فطبيعة الدنيا أن لذَّاتها مشوبة بكدر، فكيف بلَسَعاتها وبمصائبها، فإذا تأملت فيها، وجدت شابًا قويًا جلدًا، موفور الصحة والطاقة، لكنه لا يملك كثير مال، فعنده شهية للطعام لكن بينه وبين بعض أنواع الطعام قلة ذات اليد، وآخرون يكادون ينفجرون من قوة الشهوة، بل إن شهواتهم قد تتعبهم وتؤرقهم ، لكنهم لا يملكون ما يعفِّون به أنفسهم، وهذا حال شريحة عريضة من شباب المسلمين اليوم، وإذا اتجهت إلى الجانب الآخر تجد من يملك أموالا كثيرة لكن حاصرته الأمراض، فيشتهي الطعام وعنده قيمته لكن هناك أمراض متربصة به، فيؤثر صحته على شهوة بطنه، وهناك من أرباب الأموال من يجوب البلدان طولا وعرضًا من أجل أن يرزق بولد ولكن هيهات، فالدنيا دار ابتلاء وليست اكتفاء، ودار عناء وليست دار هناء، فمن فهمها على أنها مزرعة للحياة الأبدية جعل من مصائبها تكفيرًا للسيئات، ورفعة للدرجات، وزيادة رصيد الحسنات، فإذا لم تجعل دنياك مزرعة لأخراك عشت ضيق الصدر، طويل الهم، فتعامل مع مصائب الدنيا بالصبر والاحتساب، ومع نعمها بالشكر للرحيم الوهاب.
---------------
✹ قد تجد من دعاة العلمانية ومحاربو الفضيلة عبارات من مثل: الجهاز الذي تكتب به صنعه كافر، الكتاب الذي تقرأ منه صنعه كافر، اللباس الذي تلبسه صنعه كافر، وهكذا يعدد لك بعض الصناعات التي ابتكرها الكفار أو تفوقوا فيها، ويقول ذلك ساخرا من الإسلام والمسلمين لا سيما العلماء والدعاة منهم، وهذا منطق أعوج، إذ لا علاقة بين الصناعة وصحة المعتقد، أو صلاح الأخلاق وبراءات الاختراع، والعلماء متخصصون في العلم الشرعي ولا يلزمهم اتقان العلوم التجريبية الأخرى، بل النبي صلى الله عليه وسلم استخدم سلاح صنعه كفار، واقتنى آنية صنعها كفار، ولبس ثيابا نسجها كفار، وهلم جرّا، ورسالته واضحة قدمها في قوله: (إنما بعثت لأتمَّمَ مكارم الأخلاق)، فالمسلم يقبل من الكافر العلم الدنيوي النافع ويرفض ويحارب الرذيلة كالزنا وعمل قوم لوط وقبل ذلك الشرك، يقبل التقدم الصناعي ويرفض الخرافات من مثل نظرية التطور واعتقاد أن أجدادنا قردة، كذلك يقبل المسلم المعارف الإدارية النافعة ولا يلزم منه شرْعَنة قتل النفس التي حرم الله بما يسمونه (حق الإجهاض)،كذلك لا صلة بين الاستفادة من معادلات الفيزياء النافعة وسب الأنبياء بحجة (حرية التعبير)، الخلاصة أن كل نافع مقبول ولو كان من كافر، وكل ورذيلة مرفوضة من أي أحد كائنًا من كان.
---------------
✹ يشكوا كثير من قراء الكتب ومحبي المعرفة، أن المعلومات التي قرأوها تتفلت منهم وتتبخر بعد مفارقتهم للكتاب، وهذا أمر طبيعي يحصل لكل قارئ، لكن هل عدمت الفائدة من القراءة لمجرد أنك أغلقت الكتاب وترى أنه لم يعلق بذهنك منه شيء، الجواب: لا، لأن هناك فوائد حصلت عليها ولم تشعر بها، فهناك معلومات تبقى معك مما قرأت وتعرِف ذلك عند التعرض لموضوع ما فتتذكر أنك قرأت عنه، كما أن القراءة مع النية الصالحة من طلب العلم الذي هو طريق الجنة، أيضا القراءة النافعة متعة واستغلال مناسب للوقت، وهناك فائدة مهمة ربما لا ينتبه لها القارئ، وهو أن كثرة قراءتك يجعلك تعرف أفضل الكتب التي تحدثت عن موضوع ما، فلو سُئلتَ أو احتجت لمرجع في موضوع ما، فإن ستقول هذا الموضوع أجاد فيه المؤلف الفلاني في الكتاب الفلاني، أي أن القراءة طريق للإحالة إلى الكتب عند الحاجة لك ولغيرك.
---------------
✹ الزواج سكن وطريق للمودة والرحمة والعِفَّة، وأيضا سبب لإكثار الأمة وتقويتها، بالإضافة للنفع الأخروي للذرية الصالحة، ولكن قلَّ أن تخلوا حياة زوجين من منغصات – وهذا حال الدنيا- وما أكثر المشاكل في البيوت بين الأزواج، أو الزوجة مع أهل زوجها، والواجب تقليل أسباب الخلاف والفرقة، وزيادة أواصر الائتلاف والمحبة، وهناك أسباب كثيرة لذلك، لكن هنا سنذكر باب وطريقا وسببا مهما لوصول المرأة لقلب زوجها ورفعتها في عينه، وأيضا ولوج الزوج إلى قلب زوجته وأسر قلبها، ذلكم السر هو الوالدين، نعم، فأيما زوجة أرادت أن تسرق قلب زوجها فعليها بالعناية والإجلال لأمِه، فلا أحد أعظم في عين الابن من أُمِّه، ومن أكرمها زاد رصيد محبته في قلبه، وهذا للأسف تغفل عنه الكثير من الزوجات بل ربما رأت أم زوجها ندِّا لها ولا تقصر في تنغيص حياتها، وهذا يؤدي إلى المشاكل مع الزوج. بالمقابل لو اجتهد الزوج في إجلال أبِ زوجته وتفقده والاهتمام به لا سيما إن كان طاعنا في السن أو مريضا، فإن يكون قد أمسك بتلابيب قلب زوجته وعاشا حياة هنيئة رغيدة، لأنه ما دخل الحب والاحترام بين زوجين إلا غمرتهما السعادة، هذا سبب والأسباب كثيرة فلنحرص عليها حتى يسود الوئام في بيوت المسلمين.
---------------
وإلى اللقاء في باقة أخرى من الهمسات بإذن الله رب الأرض والسماوات.





[1] الخلاصة في تدبر القرآن الكريم د. خالد السبت












ابوالوليد المسلم 15-02-2023 04:41 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (20)


سالم محمد



الحمد لله العزيز الوهاب، واهب النعم، ودافع النقم، والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه، وعلى آله وصحابته إلى يوم التناد، أما بعد:
بفضل الله ومنته تحط رحالنا مع الثلة العشرون من سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) التي نسأل الله أن يجعل كاتبها وناشرها وقارئها «مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ» .. اللهم آمين:
✹ من أسباب شقاء الإنسان، نظره إلى ما في يد غيره، ونسيان ما حباه الله من فضائله ونعمه، ومن كان كذلك حاله، فحياته تعيسة، وهمه دائم، وسخطه مستمر، بالإضافة إلى إصابته بأمراض قلبيه كالحسد للآخرين؛ لذا حذرنا المصطفى من ذلك بقوله ( «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» )، والحاسد يركبه الهم والغم ولابد، وأيضا المتطلع إلى الآخرين ينسى فضل الله عليه؛ وبالتالي يجحد نِعَم الله عليه ولا يكون من الشاكرين، والسعادة كل السعادة في استشعار نِعَم الله عليك، وما أكثرها، واللهج بالحمد والثناء له سبحانه، واستعمال ما أنعم عليك في طاعته، أما ما تراه عند غيرك ولا تملكه فاسأل الله من فضله، ولا تحسد أحدا من خلق، فلو لم يكن من شؤم الحسد إلا أنه سوء أدب مع الله واعتراض على حكمته لكفى، واعلم أن من تنظر إليهم قد حرموا نِعَم أنت تتمتع بها، وهذا حال الدنيا، وإنما النعيم الكامل في جنات النعيم، وهاك العلاج النبوي الناجع، والبلسم المحمدي الشافي لهذه المشكلة: «(انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ)»
✹ من الحقائق المقررة في عالم اليوم، أنه لا وجود فعلي لحرية التعبير، فهي وهم من الأوهام، فلا يوجد في أي بلد اليوم السماح بالحديث وانتقاد والسخرية من أي شيء بشكل مطلق، ولكنَّ كهنة العلمانية والديمقراطية يقدسون أشياء وإذا انتقدها أحد أو سخر منها اتهموه وخونوه وربما حاكموه وعاقبوه، ولا يجلعون ذلك ضمن انتهاك حرية التعبير، وفي المقابل يريدون من الآخرين خصوصا المسلمين أن يقبلوا أن الهجوم أو السخرية أو التعدي على عقيدتهم بحجة حرية التعبير، فحرية التعبير المقصود بها فعليا: حرية ما تسمح به أهواءهم وسخافات عقولهم، فمثلا يعتبرون الهجوم الصريح على العقدية الإسلامية، والفضيلة حرية تعبير، حتى وصل بهم الأمر إلى اعتبار سب الأنبياء والسخرية منهم حرية تعبير ينكرون على المسلمين عدم تقبلها، وإذا ما تعرَّضتَ -ولو من بعيد- لوثن من أوثانهم فإنهم يتهمونك بأبشع التهم وربما طرودك من بلادهم، هذا إذا لم يسجونك ويفرضوا عليك الغرامات، وهكذا تعلم أن أهل الباطل لا يريدون المساس بباطلهم ويطلبون من المسلمين السكوت بل والقبول لتطاول كهنة الديمقراطية والعلمانية على أغلى ما عندهم، فحريتهم المزعومة هذه تعمل في اتجاه واحد ولصالح أكابر المجرمين في الأرض.
✹ الذين يتركون التعلم عموما والقراءة خصوصا فور انتهائهم من الجامعة أو المعهد واستلام الشهادة، هؤلاء لم يعرفوا العلم حق المعرفة، ولعلهم طلبوا العلم لأجل الشهادة، والشهادة لأجل الوظيفة، فإذا حصل -مَنْ هذا شأنه- على الوظيفة ألقى عص الترحال، وحسِب أنه وصَل إلى بر الأمان، وهذا يعود لخلل في الهدف، فالهدف السائد عند الكثير - وللأسف - التعلم للحصول على الدرجات والنجاح في الاختبار، ثم الشهادات ثم المال والجاه، ولا مكان للتعبد لله بهذا العلم والإخلاص لله تعالى في طلبه وبثِّه، ومجاهدة الأعداء به، والعلم النافع حتى ولو لم يكنْ متعلق بالشريعة فيما يسمى بالعلوم التجريبية يمكن طلبها بإخلاص لله تعالى ونفع الناس ابتغاء وجه الله فـ «(أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)» ، والأمة محتاجة لجميع أنواع العلم النافع، والذي يطلب علمًا لأجل دنيا خسر فقط فقد خسرانا مبينًا، وقد يكون سببا في هلاكه.
✹ للعبادة شرطان لا تقبل إلا باجتماعهما، وإذا فقد أحدهما كان العمل هباء منثورا، الشرطان هما: الإخلاص لله سبحانه، وكون العمل على سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ويسمى بالمتابعة، وزمننا هذا استجد فيه الكثير من الأمور ومن أبرزها وأوضحها: عالم مواقع التواصل الاجتماعي التي من لم يكن من أهلها أصابه غبارها، وفيها الخير والشر، والسيء والجيد، وما فتئ كثير الناس ينشرون كل غسيلهم في هذا المواقع، من أكلهم وشربهم وغرف نومهم، وحيواناتهم، ولو استطاعوا لنشروا -في بث مباشر-أحلامهم وهم نيام، وإذا ييسر الله لأحدهم الوصول إلى بيت الله الحرام وأداء العمرة، فتجده لا ينسى أن يصور كل فعل قام به، من بداية السفر إلى صورته بلباس الإحرام الأبيض حاسرا عن رأسه وقد كشف كتفه الأيمن، وانتهاء بصلعته بعد الحلق إيذانا منه بانتهاء أعمال العمرة، وكل ذلك موثق بالصور الملونة وربما المتحركة، وكأنه يقول للناس انظروا إلى عملي وامدحوني، ولو نظرنا في حال سلفنا الصالح لوجدنا أنهم حريصون على إخفاء أعمالهم خوفًا من الرياء والسمعة والعُجُب فعن ابن أبي عدي قال: (صام داود بن أبي هند أربعين سنةً لا يعلم به أهله، وكان خرازًا يحمل معه غذاءه من عندهم فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشيًّا فيفطر معهم)، وقال سفيان الثوري: (بلغني أن العبد يعمل العمل سرًّا، فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه، فيُكتب في العلانية، ثم لا يزال به الشيطان حتى يحبَّ أن يُحمد عليه، فيُنسخ من العلانية فيثبت في الرياء).
---------------
للتأليف أنواع كثيرة، ومنها ما ظهر بعد انتشار فن المقالة في الصحافة، حيث جَمَع كثير من المؤلفين مقالاتهم أو جُمعتْ لهم من بعد وفاتهم لتصبح كتبًا، وكذلك الحال بالنسبة للأعمدة الصحفية، ثم جاء عصر التدوين المصغر (تويتر) فجمعت التغريدات لتكون كتابا، كقطرات المطر الماء الذي ينساب من فوق سطوح المنازل، بل إن بعض المؤلفين يؤلف كتابه على طريقة المقالات، أي أن الكتاب عبارة عن مقالات متعددة تخدم موضوع الكتاب، ونحن في هذه السلسلة من الهمسات قد وصلنا بفضل الله وتوفيقه ومنته إلى ما يزيد على المائة همسة في عشرين باقة، وبإذن الله ستصدر هذه المجموعة في كتاب يحمل نفس العنوان، فسبحان الذي جعل من اجتماع قطرات المطر سيلا جاريا، ومن ائتلاف الحروف والكلمات كتابا نافعًا.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإلى اللقاء في الباقة الحادية والعشرين من سلسلة الهمسات.




ابوالوليد المسلم 29-05-2023 11:09 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (21)

سالم محمد


لا زلنا بفضل الله وتوفيقه في سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) وقد وصلت هذه الباقات إلى الباقة الحادية والعشرين:
✹ الديمقراطية تشبه السائل الذي يأخذ شكله من الوعاء الذي توضع فيه، ويختلط بالمادة الموجودة فيها، فهي تسمح لك بأي جريمة أو ظلم أو شرك أو خرافة، بما فيها الزنا ولو بالمحارم كالأم والبنت والأخت، والخيانة الزوجية وسبّ الأنبياء، بل والتطاول على الخالق جل وعلا، وإنكار وجوده أصلا، كل ذلك ممكن وديمقراطي؛ أهم شيء يمر عبر صندوق الاقتراع، أو عبر التصويت في البرلمان، ولك أن تتخيل أن أكابر مجرمي الأرض اليوم وفي القرن الماضي ارتكبوا أفظع الجرائم، ونهبوا خيرات الشعوب وامتصوا دمائها، وساموا أهلها سوء العذاب، حتى أنهم أرغموا أهل بعض البلاد على ترك لغتهم الأم واعتبار تعلمها جريمة، كل ذلك وغيره كثير جاء عن طريق أنظمة ديمقراطية تمثل إرادة الشعب كما يزعمون، بل إن النازية وصلت إلى الحكم بطريقة ديمقراطية، ثم ارتكبت عظائم الأمور، بل وصلوا إلى درجة مقززة من العنصرية وإبادة الأعراق التي يعتقدون أنها أدنى منهم، وصدق الله {(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)} .

---------------
✹ للعقل في الإسلام منزلة عظيمة، ومن نظر في القرآن وجد التنبيه لذلك بكثرة من مثل { (أَفَلَا تَعْقِلُونَ)} ، {(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)} ، {(أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) } وغيرها كثير، وأعظم ما جاء في القرآن تعظيم الله وتوحيده والتحذير من الشرك به سبحانه، ومن الحجج المقررة لهذان الأصلان التلازم العقلي، فمن أقرَّ بأنْ لا خالق إلا الله، عليه أن يقر بأنه لا يستحق العبادة سواه، ومن أقر بأن الله مالك الملك؛ فليزمه الإقرار بأن له الحكم وحده، فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، والذين يقدمون مخلوق على الخالق سبحانه سواء في العبادة أو الطاعة أو الحكم، هؤلاء من أسفه الناس عقولًا، وأضلهم تفكيرًا، وقد داسوا على عقولهم بأقدامهم، فالواجب على الناس جميعًا تعظيم الخالق، خالق الإنسان، وعقله وتفكيره، ولا يُقدَّم مخلوق على الخالق مهما كان، وتحت أي مبرر، سواء أكان المخلوق شعبًا، أو وطنًا أو برلمانًا، أو صندوق اقتراع، أو قانون دولي، أو معاهدات ظالمة.
---------------
✹ من أكثر ما يزعج كهنة العلمانية والذين في قلوبهم مرض حلقات تعليم القرآن الكريم، لذا فإنها ممنوعة في بعض مجتمعات المسلمين التي للعلمانية فيها يد طولى، ويزيد الاشمئزاز إذا كان رواد هذه الحِلَق المباركة من صغار السن، فإن هذه الفئة الضالة كثيرا ما تربط كذبا وزورا بين تعلُّم القرآن والتطرف والعنف وما يسمونه (الإرهاب)، فيقولون تصريحا أو تلميحا أن هذه المحاضن القرآنية تفرخ للإرهاب والتطرف حسب ما يزعمون، فينادون بإغلاقها أو تحجيمها، ويتباكون على الصغار والشباب الذين يرتادون هذه الرياض المباركة، ويقسون ويسخرون من الآباء الذين يدفعون بفلذات أكبادهم إلى تلك المنابع الخيِّرة، وميزة هذه الفئة الشريرة التناقض، فأينما وجدوا فالتناقض حاضر وبقوة، وتجدهم مثلا يعمَون أو يتعامون عن مظاهر زرع العنف الموجودة في ألعاب الصغار، أو ما يقدم للشباب من أفلام تشرح الجريمة وتجعل المجرمين واللصوص أبطالا يدوخون الشرطة والجيش المدجج بالسلاح، وفي بعض الألعاب يكون البطل فيها مجرم وحرامي، ويقتل ويدمر ويأخذ سيارات الناس بالقوة بعد أن يرديهم أرضًا، أو يقتلهم، والطفل يمثِّل ذلك المجرم ويحصد النقاط والتقدم في اللعبة كلما ازداد تدميرا وقتلا وسرقة للآخرين، وصدق الله حين وصف أمثال هؤلاء بقوله {(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)}

---------------
✹ في زماننا هذا تكثر الأحداث، حتى ما يكاد المتابع يدركها، ومن فترة لأخرى تظهر نازلة، وتستمر ثم تظهر أخرى، تجعل الناس ينسون أو يتناسون الحادثة السابقة، وهكذا دواليك، فما يحدث في عشر سنين ربما يحتاج في الماضي إلى عشرات السنين، وما يستفظعه الناس من جرائم في الماضي، أضحت في هذا الزمان روتين يومي، لا تكاد تخلو منه الأخبار، بل العجيب عدم سماع مثل تلك الجرائم، صحيح أن العالم أصبح كالمائدة يمد إليها الآكل يده إلى أي جهة منها، ولكن الفتن في ازدياد، والجرائم في ارتفاع ومن أعظم أسباب ذلك تنحية شرع الله من أن يحكم في الناس، بل إن كثير من الدول تفتخر بكونها دولة غير دينية، أو تضع الدول مادة شكلية في الدستور أما الواقع فبادة للأهواء وبيع الدنيا بالآخرة (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) فعلى سبيل المثال زعم كهنة العلمانية أن فتح باب العلاقة بين الشباب والبنات يحل مشكلة الاغتصاب كون كل ممنوع مرغوب، ولكن الواقع جاء بعكس ذلك تمامًا، فما ازداد التحرش بل والاغتصاب إلا شيوعا، واصبح كثير من الناس في هذه المجتمعات الآسنة تحاول التأقلم مع التحرش يوميا كأنه قوة الصباح، وتعتبر نفسها محظوظة إذا لم تتعرض للاغتصاب، مع وجود الحكومات القوية التي تنفق المليارات على الأمن وتزع ملايين الكاميرات في كثير من الأماكن، وتستخدم أحدث التقنية لمحاربة الجريمة، ولكنهم ينفخون في قِرْبة مثقوبة.
---------------
✹ أهل الباطل لا يكلون ولا يملون من نشر باطلهم ومحاربة الحق وأهله، وذلك على مستوى الشهوات، والشبهات وهو الأخطر، لكن مما يقصم ظهور تلك الشبهات التي يثيرونها أن نقول لهم أن الله قال عن الوحي {(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)} كما أن من صفات هذا الوحي أنه (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) فما تنقمونه على الشريعة في أي قضية هل تستطيعون أن تثبتوا أن حكمكم الوضعي أفضل مما جاء عن الله ولو في مسألة واحدة، ووالله وبالله وتالله لو اجتمع أهل المناهج الوضعية المخالفة للوحي الرباني أن يأتوا بقضية واحدة فقط تفوق فيها الوضع البشر على الوحي الإلهي لعجزوا {(وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) } فالحمد لله على أن جعل الباطل لجلج والحق أبلج، وجعل جزاء المتبعين للحق {(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)}
-----------------------------------------------
والحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وإلى اللقاء في الحلقة الثانية والعشرين بمشيئة الله.






ابوالوليد المسلم 27-08-2023 12:01 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (22)

سالم محمد


بفضل الله وتوفيقه لا زلنا في سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) وقد وصلت هذه الباقات إلى الباقة الحادية والعشرين:
✹ الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأنفعها للفرد والمجتمع ويتعدى نفعا الدنيا لتنفع صاحبها في الآخرة أيضًا، ووسائل الدعوة كثيرة ومتعددة، ولا زالت في ازدياد مع التقدم العلمي والصناعي والثورة العارمة في عالم الاتصالات، بحث أصبح حتى العامي بل والأمي يستطيع المساهمة في الدعوة إلى الله وبوسائل عديدة، مثل أعادة نشر المواد النافعة والدلالة عليها وغيرها، والكتابة كانت ولا زالت من الوسائل المهمة جدًا في الدعوة إلى دين الحق سبحانه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، كما أنها وسيلة فعالة للرد على الحرب المستعرة على الإسلام والمسلمين، وكذلك الرد على الشبهات وتفنيدها وإبطالها والتحذير منها ومحاربتها، وكثير من أبناء المسلمين عنده مهارة الكتابة ولو بالقدر اليسير، لكن ما إن تبحث عن الكتابة في عالم النت حتى تجد سيل من المواد المكتوبة والمرئية وقبل ذلك الأسئلة الكثيرة حول قضية واحدة ألا وهي كيفية الربح المادي من الكتابة وكم دولارا ستحصل عليه مقابل المقالة الواحدة، أخي الشاب، يا أمة الله الكتابة ابتغاء وجه الله والجهاد في سبيله عن طريقها كل ذلك ربحه مضمون وعائدة لا يقدر بالدولات ولا الذهب، فأفيقوا يا شباب المسلمين، واكتبوا لتربحوا رضا الله والفوز بجنته، فأي ربح أعظم من ذلك.
---------------
✹ جميع النفوس السوية والعقول السليمة، تشمئز وتنفر من الظلم، المشكلة أن المتبادر إلى أذهان الكثير عندما يذكر الظلم، هو القتل والاغتصاب خصوصًا للأطفال، والسرقة، وانتهاك الحرية وغيرها، لكن هناك نوعين من أنواع الظلم لا يكاد يُلفت إليها: أولها ظلم النفس، فمن جماليات ومحاسن وشمول الشريعة، أنها تمنعك حتى من ظلم نفسك، وقبل ذلك تبين لك ما هي مجالات ظلم النفس، وما عواقبها، فظلم النفس يكون بترك الأوامر والوقوع في المعاصي، وهذا النوع من أنواع الظلم يغفل عنه كثيرا، لا سيما عند من يسمون أنفسهم الحقوقيون، وهو في الحقيقة شهوانيون والله المستعان، أما عن أعظم أنواع الظلم على الإطلاق فهو الشرك بالله تعالى: {{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }} (ووجه كونه عظيما، أنه لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئا، بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه)[1] وللأسف فإن الأنظمة الوضعية الوضيعة كالديمقراطية مثلًا إن لم تدعو للشرك فإنها توفر البيئة الخصبة له وتشجع عليه.
---------------
✹ جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل تصدق بصدقه بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) ونحن اليوم في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينشر الناس أعمالهم فتبلغ الآفاق، فترى من يحرم بالحج أو العمرة، ثم يصور نفسه بلباس الإحرام، وينشر صورته، ثم إذا انتهى صوَّر للناس صلعته إيذانا بانتها مراسم العمرة وهذا مثال فقط، لكن فضاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مجال خصب لنشر الأعمال الصالحة بدون أن يعلم أحد، فتكون وسيلة رائعة لإخفاء الأعمال الصالحات بما في ذلك الصدقة ونشر العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك وأكثر يمكن عمله بدون أن يعلم بك أحد، حتى أقرب الناس إليك بل وحتى زوجتك التي تشاركك نفس الغرفة ونفس الفراش، فالذين حولك بما فيهم المقربين لا يدرون هل أنت تطلب علما أم تشاهد ملخص مباراة، ولا يشعرون هل أنت ترد على شبهة أم تعلب لعبة جماعية، ونفس الأمر في الجهاد بالمال حيث يكون ببضع لمسات بيمينك لا تعلم عنها شمالك تتصدق وتنشر الخير وتجاهد وتفرج كربات وتقضي ديون وتعلم الناس وتساهم في علاجهم وغيرها كثير، فسبحان الله الذي يسر طرق الخير وفتح أبواب الجنة لعباده الصالحين.
---------------
✹ بعث الله الأنبياء إلى الناس بالبينات والزبر (الكتب) فجاءوهم بالهداية والحق مقرون بالدليل مع إعلامهم بمآل من أعرض عن الحق وتوعُّدهم بالعذاب الأليم عند المخالفة: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) ، وكذلك حذروهم من الباطل وفضحوا تناقضه وفساده وعاقبة من أصر عليه، لكن لم يستجب كل المدعويين لهذا الحق الواضح، والبينات والحجج الساطعات والسبب ليس في ضعف الحجة أو عدم وضوحها، أو في قوة الباطل ووجاهة أدلته، هناك أسباب من أهمها: التكبر على الحق والتعالي على حملته وربما احتقارهم، كما قال اللهhttps://majles.alukah.net/image/gif;...wUheQuAgwIADs=فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) فالمعرض عن الحق والمتكبر على طريق الهداية لا يقتنع ولو جئت له بعدد شعر رأسه أدلة ، لأنه جاحد للحق وليس باحثًا عنه {(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)} بالمقابل طالب الحق يكفيه دليل واحد على طريق الهداية فيسلكها مباشرة ويتشبث بها وكأنه ضمآن في صحراء وقع في يديه ماء باردا، فتأمل في حال حبر اليهود عبدالله بن سلام رضي الله عنه «(أَوَّلُ ما قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ انْجَفَلَ الناسُ إليه ، فكُنْتُ فِيمَن جاءَهُ ، فلما تَأَمَّلْتُ وجهَه واسْتَثْبَتُّهُ عَلِمْتُ أنَّ وَجْهَهُ ليس بوَجْهِ كَذَّابٍ) » الله أكبر مجرد تأمله في وجهه النبي صلى الله عليه وسلم علِمَ « (أنَّ وَجْهَهُ ليس بوَجْهِ كَذَّابٍ)» ومعرفة كثير من أهل الكتاب للحق مع الإعراض عنه لم تنفعهم «(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) » فنسأل الله الهداية للحق والثبات عليه.
---------------
✹ الحمد لله من أعظم الميزان فـ «(الحمد لله تملأ الميزان) » كما أخبرنا الصادق المصدوق، كما أنhttps://majles.alukah.net/image/gif;...wUheQuAgwIADs=أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهنَّ بدأت) فعلى المسلم أن يحمد الله في كل أحيانه، وأعظم هذه النعم الهداية إلى الإسلام فعليها مدار سعادة الإنسان وشقاؤه في الدنيا والآخرة، وإذا نظرنا في حال كثير من الناس الذين غلبت عليهم المادية والإغراق في الترفيه التافه وربما المحرم، ترى العجب العجاب، فمن شدة تعلقهم بهذه الأمور يحمدون الله على حصولها، ويحوقلون ويسترجعون عند فواتها، ويدعون الله بدعوات من صميم قلوبهم أن يوفقهم إليها، خذ مثلا على ذلك الفور في مباراة، تسمع بعدها الكثير يقول: (الحمد لله على الثلاث النقاط) والمهزومين يقولون: (الحمد لله على كل حال) وهذا ينسحب أيضا على الغناء والتمثيل والله المستعان، فترى الكثير من هؤلاء مقصر في كثير من الواجبات ومنغمس في الشهوات ولا يحرك لذلك ساكنًا، ويدعو الله ويرجوه أن ييسر له تفاهات مضرة، ويغفل عن أمر دنياه وأخراه والموت والحساب والجنة والنار.
---------------
والحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وإلى اللقاء في الباقة الثالثة والعشرين بعون الله.


[1] تفسير السعدي

ابوالوليد المسلم 02-09-2023 11:07 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (23)

سالم محمد

قافلة (هَمَسات .. في كلمات) متواصلة بفضل من الله وتوفيق، وقد وصلت إلى الحلقة الـ (23) نسأل الله أن ينفع بها الكاتب والناشر والقارئ:
✹ الشهوة الجنسية والميل إلى الجنس الآخر غريزة مركبة في البشر، وليست خطأ ولا عيبا في حد ذاتها، ولكنها كالسيل إن لم توضع أمامه الحواجز والسدود دمَّر وأهلك ما أمامه، والإسلام جاء بتهذيب هذه الشهوة، والسمو بها وجعلها مورد للحسنات ومحاسن الأخلاق والتآلف والتراحم، بينما في المناهج البشرية الوضعية الوضيعة كالعلمانية واللبرالية والديمقراطية أطلقوا للشهوة العنان فاكتووا بنارها واصطلوا بلظاها، وتخبطوا وانحدروا إلى مستوى أسفل من الحيوانات، فأقروا عمل قوم لوط، بل حتى نكاح المحارم والبهائم، وأصبح الأمر عندهم سعار وفوضى، حيث تفشى التحرش وانتشر الاغتصاب وتفككت الأسر، وقتلت الأنفس البشرية البريئة بالملايين فيما يسمى بـ (حق الإجهاض) ووصل الأمر بهم بأن يفرضوا على الناس قسرًا تأييد الفواحش عامة وعمل قوم لوط خاصة والعياذ بالله، أَلَا فلا نمش في نفس الطريق فنصل إلى ما وصلوا، ونهوي في هوة سحيقة من الباطل، {(فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ)} .

---------------
✹ عالم الأدوية واسع ومنوع، ولا تؤخذ الأدوية إلا عن طريق متخصص وإلا حصلت للشخص الكوارث وربما الوفاة، وتعاطي الأدوية بدون علم أو خبرة متخصص تؤدي إلى اعتلال الجسد، ومرض الجسم وقد يهلك، هذا يكاد ينطبق على القراءة، فالقراءة لا يُنكَر أهميتها ومركزيتها، والداعين الناس إلى القراءة كُثر، ومنهم صنف يدعو للقراءة لمجرد القراءة، ويحث الناس خصوصًا الشباب على القراءة في كل مجال ولأي كتاب ومن أي موقع، وهذا خطأ فادح، فالكتب تشبه الأدوية إذا أخذها شخص عن طريق الخطأ أوفي الزمان الخطأ قد تهلكه، وكم من شاب انحرف وانجرف في طريق الشبهات بسبب كتاب وقع بين يديه وهو غير مناسب له كونه غير محصن بما فيه الكفاية ليعرف السم المدسوس في ثنايا السطور، وكم كتاب مضل زعزع عقيدة في نفس فتى أو فتاة، فلندعو إلى القراءة النافعة وليست أي قراءة فقد (كانَ مِن دعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا ينفعُ ومِن دعاءٍ لا يُسمَعُ ومِن قلبٍ لا يَخشعُ ومِن نفسٍ لا تشبعُ) فالعلوم الضارة والكتب المضلة لا يُطَّلع عليها إلا متخصص بغرض معرفة ما فيها من باطل ودحضة والتحذير منه، وخلاف ذلك فشر مستطير.
---------------
✹ من الأخطاء التربوية الفادحة والشائعة في نفس الوقت، تخلص الكثير من الأسر خصوصًا الأمهات من إزعاج الأطفال بقذفهم إلى شاشة التلفاز وقنوات الأفلام الكرتونية، فهذه الأفلام تحمل في طياتها سمًا زعافا، وشرًا مستطيرًا، يبدأ من الخطر الصحي إلى الأخلاقي وانتهاء بالعقدي، نعم! كثير من هذه الأفلام الكرتوينة يلوث فطرة الطفل بأخلاق ساقطة، وعقائد فاسدة، ومفاسد لها رأس وليس لها ذنب، وحلُّ هذه المعضلة يكمن في التقليل من مشاهدة الأطفال لهذه الأفلام إن لم تكن مقاطعتها، كما يجب علينا أن نختار النافع وإن قلَّ على الضار وما أكثره، فما كل ما عرض على الشاشة نتلقفه نحن وأبناؤنا، والحقيقة أن على الحكومات وأيضا التجار مسؤولية عظيمة تجاه هذا الخطر المحدق بفلذات أكبادنا فيجب بذل الكثير من الأموال والجهود والطاقات لإنتاج مواد للأطفال تدعوا إلى مكارم الأخلاق وترسخ المعتقد الصحيح وذلك لمزاحمة ومنافسة أهل الباطل وحتى تجد الأسرة المسلمة مادة نظيفة ونافعة تطمئن لمشاهدة أبنائها لها، وتكون قريرة العين في جانب من أهم جوانب التأثير على الطفل والمراهق.
---------------
✹ للاجتماع للعبادة في حياة المسلم صور كثيرة منها الواجب وبعضها مستحب، كصلاة الجماعة والعيدين وصلاة الكسوف والاستسقاء والحج والعمرة، وهذه الاجتماعات شرعت لحِكَمٍ عظيمة وفوائد جليلة، ولعلَّ من هذه الفوائد حمل المسلم على ملازمة النظافة والعناية برائحته طيبة، فإن الإنسان إذا حضر في مجتمع من الناس ولو كانوا قليلا أحبَّ أن يكون حسن الهيئة طيب الرائحة، والمسلم المحافظ على صلاة الجماعة يعرف أنه سيقف بجانب أخوة له وسيخالطهم ويقترب منهم جسديًا فيعزُّ عليه ترك العناية بنظافته، وقل مثل ذلك في صلاة الجمعة والعيدين، ولا ننسى أن أخذ الزينة قد جاء الأمر به في القرآن (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فما أعظم ديننا وأكمل شريعة الإسلام.
---------------
✹ قسوة القلوب داء عضال، معه تكون الصلاة بلا روح، وتلاوة القرآن بلا تدبر وخشوع، والعبادة بلا لذة، والقيام بالعبادة أمر عسير، والانجراف نحو المعصية سهل ويسير، وعندها يكون ذكر الموت نادرا وإن وجد فبلا أثر، ورؤية المقابر أمر عاديا، والسير والجنازة محمولة لا يحرك في الجسم شعرة، كما أن قسوة القلب تجلب التعلق بالدنيا، والنظر إلى ما في أيدي الآخرين من متاع الدنيا وربما حسدهم، والقلب القاسي عليه جدران سميكة تحول بينه وبين التأثر بكلام الله، والقلب القاسي متوعَّد صاحبه في كتاب الله {(فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)} ، أما عن علاج هذه المعضلة، وتفتيت هذه الصخرة، وإزاحة هذه الران فيكون بـ(تدبُّر القرآن، استشعار عظمة الرحمن، حلقات العلم الشرعي، تنويع العبادات، كثرة ذِكْر الموت، كفالة اليتيم، الانكسار بين يدي الله)[1] وغيرها
---------------
وإلى الملتقى في هسمات قادمة بمشيئة المولى جل في علاه

[1]علاج قسوة القلب - الشيخ وحيد عبدالسلام بالي – شبكة الألوكة.

ابوالوليد المسلم 19-09-2023 11:53 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (24)

سالم محمد

✹ الباطل ملة واحدة، وأهل الباطل بينهم تشابه، وفي أساليبهم تقارب، وإن تعجب فعجب اتفاق صنفين من أهل الباطل على طريقة خطيرة وماكرة للنيل من الإسلام والمسلمين، وهذه الطريقة هي إسقاط علماء الأمة، وذلك حتى يتسنى لهم اللعب بمعاني النصوص وليُّ أعناقها لتوافق مذاهبهم الباطل، أما عن الصنفين فهما الداوعش ومن دار في فلكهم وكهنة العلمانية وأذنابهم، فكلا الفريقين على باطل، كما أن كلاهما يضيق ذرعًا بالرجوع إلى العلماء الربانيين لفهم نصوص الكتاب والسنة، فعلماء الأمة صمام أمانها والصخرة التي تتحطم عندها كل شبهات أهل الباطل مهما كثرت، والحمد لله القائل: {(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)} فانتشار حِلَق العلْم وزيادة طلاب العلم الشرعي يغيض أعداء الإسلام ويهدم باطلهم ويقوض خططهم، ويدحر شبهاتهم، ويفضح أمرهم أمام المخدوعين بهم، وهذا يدعونا لدعم وتشجيع وتيسير الطريق لطلاب العلم فهم علماء المستقبل والرجوع إليهم الحصن الحصين للمجتمع من الشبهات العاتية التي يتخبط فيها كثير من الناس.
---------------
✹ اعتراضات كثير من أهل الباطل على بعض التشريعات نابع من المنطلقات التي يعتمدون عليها، ثم يريدون غيرهم أن يسير خلفهم ولو بالقوة، ويغير من عقيدته طبقا لما يقدسون أو وفقًا لأولوياتهم، ومما هو معلوم أن جميع الشرائع جاءت لحفظ الكليات الخمس: حفظ الدين، النفس، العقل، النسل، والمال، ومن المعروف أن كهنة العلمانية والديمقراطية يقدسون المال والشهوات وقبل ذلك أهواءهم، فلا تعجب من بيعهم فروج النساء مقابل المال، وتنظيم البغاء وجعله إثباتا للذات وعملا شريفًا، ولا تعجب من صناعتهم للأصنام وبيعها ما دامت تجلب المال، وكذلك بيع الأسلحة للطرفين المتحاربين ثم التبجح بدعوتهم لوقف إطلاق النار مع أنهم سبب رئيسي للقتل والتشريد والدمار، أما في الإسلام فالكلمة العليا لله عز وجل، والآخرة خير من الأولى، والعِرْض أهم من المال وهكذا، وهذا يدلنا على أنه يستحيل الجمع بين شرع الله العليم الحكيم وأهواء كهنة الديمقراطية والعلمانية الباطلة المتناقضة الفاسدة.
---------------
✹ الناجحون بينهم رحم مشتركة، ووشائج جامعة، وسمات عامة، ليس هنا موضع تفصيلها والخوض فيها، لكن منها بلا شك التخطيط الصحيح المؤدي إلى الاستغلال الأمثل للموارد وأهمها الوقت، فالعشوائية والارتجالية نهايتها جهد عظيم وإنتاج قليل، هذا الإنتاج لا يتناسب وحجم الجهد المبذول والوقت المقضي، وكثير من الناس يتحمسون لإعداد الخطط لا سيما بداية العام أو على مشارف الإجازة أو قبيل حلول المواسم كرمضان مثلا، وما يلبث هذا الحماس أن يخبو فتتحول ناره إلى رماد، وشعلته إلى ظلام، ويعود الشخص إلى العشوائية تارة أخرى، ولتلافي الوقوع في هذه الدوامة ينبغي للمرء بعد الاستعانة بالله عزو وجل أن يتعلم مهارات التخطيط وإدارة الوقت وذلك بقراءة الكتب النافعة ، أو سماع المحاضرات القيمة، أو متابعة الدورات المتوفرة، وذلك حتى لا تموت خطته قبل أن تولد، ومن لم يتحمل ثقل الخطط فليقاسي عذاب التخبط، وقد قيل: إذا فشلت في التخطيط فقد خطت للفشل، فكونك خططن هذا نجاح ثم حاول المشي بهذه الخطة وتعديلها إذا لزم الأمر.
---------------
✹ الباطل المحض لا يروج هذا خلاصة مقولة مشهورة لشيخ الإسلام وهي قوله: (ولا يشتبه على الناس الباطل المحض بل لا بد أن يُشاب بشيء من الحق) من هذا المنطلق يتم التلبيس على المسلمين في قبول المناهج الباطلة بذكر بعض الجوانب الإيجابية، أو بعض المواقف الحسنة وعمل تضخيم إعلامي لها، ولو أن شخصا دقق في أعمال هذا المنهج الباطل لوجد الجوانب الإيجابية نقاط يسيرة في بحر متلاطم من الظلم والظلمات، لنأخذ على ذلك مثالًا: ينبهر كثير من الناس خصوصًا الشباب من المحاكمات التي تجري لبعض كبار المسؤولين في الدوال الديمقراطية، وتكون هذه المساءلة أو المحاكمة على أمر بسيط في نظره ويقارن ذلك بحجم السرقة والفساد في مجتمعه، فيبدو الأمر للوهلة الأولى أن هذه الدولة الديمقراطية غاية في النزاهة، لكن لو تأملت قليلًا لوجدت أنها من أكبر مجرمي الأرض ورصيدها من قتل الأبرياء بالملايين، هذا غير النهب والسلب والتدمير والتشريد لكثير من المستضعفين، وقبل ذلك الانحطاط الأخلاقي والعقدي ومحاربة عقيدة المسلمين خاصة وكل فطرة سليمة عامة، ولك أن تتخيل أنهم يعتبرون قتل ملايين الأجنة البريئة سنويا حق، يسمى بـ (حق الإجهاض) فتبًّا لهم هذه الأنفس البريئة (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)
---------------
✹ الصدق والوفاء بالعهد والوعد من الأخلاق الحميدة، والخلال الجليلة، وفقدانهما من علامات النفاق (آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) ومن الأهمية لهذين الخلقين جاء ذكرهما في القرآن في مثل قوله تعالى: {(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)} وقوله: {( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) } ولكن هذه الصفات تقل أن تندر في فئة من الناس أَلَا وهم أصحاب الحِرَف والأعمال كالمهندسين والبنائين والنجارين والحدادين والخياطين ومن على شاكلتهم ممن يحتاج إليه الناس في أمور حياتهم، فترى الكثير من هؤلاء يكاد أن يكون الكذب وخلف الوعد وربما الغش جزء من عمله ومهنته، وبعضهم يعِد الوعد تلو الوعد تلو الوعد ولا وجود لوعوده في الواقع فهي مواعيد عرقوب، وتتمنى من كثرة كذبه وإخلافه للوعد لو أنك ما طرقت بابه أبدًا، ألم يعلم هؤلاء أن الصدق والوفاء بالوعد مما يرضى الزراق سبحانه وسبب لحلول النماء و البركة، ولا خير في مال جاء من طريق الكذب وإخلاف الوعد والغش وخيانة العهد، هذا بخلاف الأوزار التي يتحملها والكذب وخلف الوعد لن يزيد في رزقه شيئا ولن يأتيه من الرزق إلا ما كتب له.
---------------
وإلى لقاء في درب الهمسات بمشيئة رب الأرض والسماوات






ابوالوليد المسلم 29-09-2023 12:02 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (25)

سالم محمد

(هَمَسات .. في كلمات) في نسختها الـ (25) بفضل من الله وتوفيق:
✹ عبارة (أنا حُر) يكثر تداولها بين الذين ضاقت نفوسهم من التشريعات الربانية كونها حالت بينمه وبين شهواتهم الجنسية أو جشعهم المالي أو تكبرهم على عباد الله، العجيب أن عبارة (أنا حُر) لا وجود لها في الواقع، لأن أي إنسان إما أن يكون عبدًا لله، مطيع، خاضع لأوامره، ومجتنب لنواهيه، وفي هذا سعادة الدنيا والآخرة، ولا تنس قبل ذلك أن عبوديتك لله وخضوعك له مقتضى العقل والحكمة والمنطق والفطرة، فقد خلقك الله من العدم وأنت وما تعمل ملك له سبحانه، ولا تستغني عنه طرفة عين، وأنت متوعد إن خالفت بشقاء في الدنيا وعذاب في الأخرى، وإن خضعت فزت بالنعيم المقيم، أما من رفض هذه العبودية فلن يكون حرًا، كل ما في الأمر أن سيخضع للمخلوق بدل الخالق، هذا المخلوق قد يكون الشيطان أو هواه، أو هوى غيره من المخلوقين، ويصاحب ذلك المعيشة الضنك في الدنيا والعذاب المهين بعد الموت، فالواقع هو أنك إما أن تخضع للخالق فتفلح وتنجح، أو تخضع لمخلوق فتخيب وتخسر.
---------------
✹ (العلم صيد والكتابة قيده ...) هذا البيت المشهور يحث على تقييد الفوائد العلمية بالكتابة، ولعل هذا ينطبق على الأفكار أيضًا، فالأفكار تهبط عليك أحيانًا دون اعتبار لزمان أو مكان أو استعداد ذهني وعقلي، المشكلة ليست هنا فتوارد الأفكار ظاهرة صحية ودليل عقل سليم، ولكن إذا لم تقدي هذا الصيد الثمين فإنك غالبًا تنساه، فإذا انتظرت المكان المناسب وأحضرت أدوات التدوين تكون الفكرة قد هربت وتكون ذاكرتك قد خاتنك في تذكرها مرة أخرى بعد ذلك تندم ولات حين مندم، والحل السهل الذي يتجاهله الكثير هو التشبث بأي فكرة ترد على خاطرك ولو كانت بسيطة فربما تتطور لتكون عظيمة، المهم هنا الإمساك والتدوين، ومن فضل الله علينا أن الجوالات لا تكاد تفارقنا ويمكن تسجيل الأفكار والملاحظات التي تمر بذهنك أو ببصرك ليتم إنضاجها لاحقًا وينتفع بها صاحبها وينفع غيره أيضًا،
---------------
✹ الزواج هو اللبنة الأولى لبناء الأسرة، يبدأ الزواج سعيداً ثم بمرور الأشهر والسنوات تخبو نار الفرحة وقد يتسلل إلى عش الزوجية الروتين اليومي والرتابة المملة، وهناك عوامل كثيرة لإعادة جو البهجة وتجديد النشاط أبرز هذه العوامل السفر، وما أجمله إذا كان إلى بيت الله الحرام وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمنية -أي السفر- لا تأتَّى لمعظم الناس؛ لقلة ذات اليد أو انشغال رب أسرة بالعمل، وهناك صورة مصغرة للسفر وهي النزهات وهي أيضا مكلفة لكثير من الأسر، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فلا أقل أن تغير الأسرة مكان تناولها للوجبات، فبدلاً من الأكل في غرفة النوم أو مطبخ البيت، يمكن أن تأخذ الأسرة طعامها أحياناً لسطح البيت أو قارعة الطريق، أو على شاطئ البحر، أو مشارف الصحراء، أو في حديقة عامة، أو حتى بقرب المزارع، المهم هو التفنن في التغيير، وكسر الروتين، هذا التغيير الذي ربما يراه رب الأسرة بسيطا وهامشيًا يكون له أثر كبير على الزوجة والأولاد، وتعود الأسرة بنفسية غير التي خرجت بها، وهكذا فلتتكيف الأسر لتدخل البهجة والسرور وتعيد النشاط إلى المملكة الصغيرة، وبهذا تقل المشاكل، ويقترب الوالدين من أبناءهم ولا يتركوهم لقرناء السوء الذين يستغلون حب الأولاد للنزهات فيميل إليهم الأولاد في غياب ملاحظة الآباء.
---------------
✹ من عجائب عصرنا الحاضر انتشار الجوال، وهو جهاز يحوي الكثير من المزايا وأيضاً المخاطر، فهو كسكين يمكن أن تقطع به خبزاً لتطعم يتيم أو تبقر به بطن بريء، والناظر إلى الناس سواء في بيوتهم أو خارجها، لا تكاد أعينهم ترتفع عن الشاشة الصغيرة حتى تعود إليها في حال أشبه بالإدمان، وسبحان الله ترى من ينظر في جواله لتلاوة آيات من كتاب ربه، أو يكتسب علما نافعاً شرعياً أو دنيويا بقراءة كتاب أو استماع محاضرة أو مشاهدة مقطع مرئي، وصنف ينظر في شاشة جواله لمتابعة التوافه كالرياضة مثلاً وما أكثرها في عالم الأجهزة المحمولة، أما الصنف الأسوأ وأكثرهم من الشباب فيحشو جواله بمآت الأغاني والمسلسلات والأفلام التي تدعو للرذيلة وهدم الأخلاق وربما مست العقيدة، والكثير في عنقه غل يصعب عليه التخلص منه أو وهو الإدمان على المواد الإباحية التي يتبعها غالبا الولوغ في العادة السرية، فالجوال قد يكون نعمة يدر على صاحبه جبال الحسنات، وربما كان موردا للأوزار والسيئات، والموفق من وفقه الله، {(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)}
---------------
✹ الجهاد ذروة سنام الإسلام، ومنزلته لا تكاد تخفى على عامة المسلمين، والتالي للقرآن يلمس ذلك بسهولة، وعندما يُذكر الجهاد يتبادر إلى أذهان البعض أنه القتال في سبيل الله، ولكن هذا جزء من الجهاد ليس إلا، وتوجد أنواع أخرى من الجهاد أعظمها الجهاد بالعلم والحجة والبرهان ودحض شبهات أهل الباطل وما أكثرهم في زماننا وما أشد قوتهم السياسية والمالية وامتلاكهم لترسانة إعلامية ضخمة يسخرونها في تضليل الناس وتشويه الإسلام والمسلمين سواء في بلادهم أو بين أوساط المسلمين، فجهاد هؤلاء وبيان ضلالهم وتلبيسهم على الناس أمر غاية في الأهمية وهو وظيفة الأنبياء وورثتهم، والسلاح الفتاك في هذا النوع من الجهاد الحجة البرهان واكتسابهما يكون عن طريق طلب العلم الشرعي، فالعلماء وطلاب العلم المنافحين عن دين الله شوكة في حلوق أهل الأهواء وسد منيع وسيل جارف لخرافاتهم والحمد لله، فالله الله في طلب العلم أو إعانة طلابه بالمال والكفالة وتفريغ المتمكنين منهم لكي يقفوا في وجه الباطل وأهله، فأهل الباطل من الكفار والمنافقين لا يدخرون جهدا في الصد عن سبيل الله كما قال الله {:(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)} .


ابوالوليد المسلم 25-12-2023 11:57 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 




هَمَسات .. في كلمات ... (26)

سالم محمد



(هَمَسات .. في كلمات) في إصدارها الـ (26) بفضل الله وتوفيقه:
✹ يخيل للبعض أن تطبيق الشريعة غاية في الصعوبة، ولنضرب مثالًا يوضح هذه المعضلة المزعومة، هناك شخص يحمل حقيبة وزارية ما، عنده مستشارين قانونيين تُصرَف لهم رواتب مجزية واختيروا بعناية، ويداومون في الوزارة كل يوم ، لكن ما هي مهمتهم وما فائدتهم، وفائدة هذا المجموعة من المستشارين؟ الفائدة هي أن يتأكد معالي الوزير قبل أن يضع خطوة أو يحك رأسه أو يصدر أي قرار يتأكد أنه غير مخالف للقوانين المنبثقة من الدستور الوضعي الذي صادق عليه الشعب، إذن فكل هذه المجهودات المعقدة حتى لا يخالف سعادته آراء مخلوقين، وهذه الدوائر القانونية موجودة في كل مفصل في البلد، وتطبيق الشريعة ببساطة هو أن تتأكد أن كل عمل تعمله لا يخالف أمر الخالق كما أنهم يحاولون الالتزام بآراء مخلوقين، هذا هو تطبيق الشريعة، مع العلم أن ما ذكر من مثال في أول الفقرة يتحدث عن قانون وضعي بشري ممزوج بالأهواء والشهوات بينما الشريعة موجودة في { (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) } فهل هناك دستور وضعي له واحدة من هذه الصفات؟
-------------------------------
✹ جاء في الصحيح «(واللهِ ما الدنيا في الآخرةِ إلا مثلُ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه في اليمِّ ، فلينظر بِمَ يرجعُ)» من هذا الحديث يتبين لنا أن دنيانا بالنسبة لآخرة لا تكاد تُذكر، ولكن هذه الجزء البسيط جدا يتحدد فيه شقاوة العبد من سعادته، فإما أن يكون {(فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) } أو { (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) } فالمسالة خطيرة جدًا، فالدنيا قصيرة وعمر الإنسان قصير بالنسبة للدنيا، فهذا القليل من القليل فيه يُحَدد المستقبل الأبدي للمرء و(الجَنَّةُ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِن شِراكِ نَعْلِهِ، والنَّارُ مِثْلُ ذلكَ) فنسأل الله برد العيش بعد الموت.
-------------------------------
✹ العيش مع القرآن طمأنينة للقلب وراحة للنفس وحياة للروح، وهذا يكون (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) وهناك جزئية تتعلق بتدبر القرآن أكثر الناس عنها لا يعلمون، ألا وهي التفاعل مع الآيات أثناء التلاوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان في الصلاة « (إذا مرَّ بآيةِ رحمةٍ سأل، وإذا مرَّ بآيةِ عذابٍ استجارَ، وإذا مرَّ بآية ٍفيها تنزيهٌ لله سبح)» و «(إذا مرَّ بآيةِ عذاب ٍ وقفَ وتعوَّذَ، وإذا مرَّ بآيةِ رحمةٍ وقفَ فدعا) فهذا (يسن للقارئ في الصلاة وخارجها) » كما ذكر الإمام النووي ذلك عن الشافعي في المجموع، فما أجمل تلاوة القرآن يتخللها الوعد والوعيد والتعظيم والتسبيح، مرة في شوق لدخول الجنة ونعيمها وأخرى في خشية من النار وجحيمها، ومن كانت هكذا تلاوته فما أبعد القسوة عن قلبه، وما أسعده بالإنابة إلى ربه والشوق للقائه ، وإذا كان هذا حال المسلم مع القرآن ازداد الإيمان في قلبه وابتعد عن ظلمات الكفر والنفاق والمعاصي {(يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)}
-------------------------------
✹ حذرنا الله سبحانه وتعالى في أعظم سورة في القرآن من سلوك (طريق المغضوب عليهم، الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه كاليهود) ومن(طريق الضالين عن الحق، الذين لم يهتدوا إليه لتفريطهم في طلب الحق والاهتداء إليه كالنصارى) هذا إجمالا أما التفصيل عن الصنف الأول فقد ذُكِر في سورة البقرة، والنصف الثاني جاء في سورة آل عمران، فهاتان السورتان فيهما بيان لأحوال اليهود والنصارى وكيفية التعامل معهم وبيان فساد عقيدتهم وأخلاقهم ودعوتهم والرد على شبهاتهم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأنهما «(اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ ... تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا، اقْرَءُوا الْبَقَرَةَ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)» فماذا علينا لو علمنا أبناءنا وعامة المسلمين حال اليهود والنصارى من الزهراوين، لو فعلنا ذلك لما ابهر أبناء المسلمين بخرفات اليهود والنصارى في الاعتقاد والأخلاق والسياسة.
-------------------------------
✹ سد الذرائع من الأمور المقررة في شريعة العدل الإلهية، ويظهر ذلك جلي في أمور لعل من أبرزها الشرك والفضيلة، فهناك أمور حرمت لأنها وسيلة الشرك وإن لم يقع في الشرْك كل من مارسها، وكذلك في حفظ الأعراض، حيث حُرِّم النظر واللمس والاختلاط المحرم، وهناك مشكلة ربما لم تعط حقها من التحذير، ألا وهي الاختلاط في البيوت، علمًا أن الثياب في بعض بيوت المسلمين تتجه للتبرج وإبداء الزينة، وهناك تساهل في لباس البنات بحجة صغر السن مع أن أعمارهن قد يكون الثامنة أو التاسعة، فلربما ارتدين القصير من الثياب، والضيق من البناطيل، والقمصان التي لا أكمام لها، ويكشفن شعورهن بل وأكثر، وفي البيت القنوات والجوال وما يه من وسائل تواصل إنه البارود بجانب النار، فالبيوت التي يوجد بها الاختلاط والتبرج على خطر عظيم وكم من قصص يندى لها الجبين بسبب التساهل في امر الحجاب في البيوت بين أبناء العمومة أو الخؤولة أو زوجات الإخوان، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: (إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)، وإذا جمعنا إلى ذلك أن الزواج أصبح شبه مستحيل لكثير من شباب المسلمين لا سيما في مقتبل العمر حيث الشهوة في أوجها، فتتحول بذلك كثير من البيوت إلى قنابل موقوتة وألغام مدفونة يمكن أن تدمر البيت وأهله في أي لحظة.
-------------------------------










ابوالوليد المسلم 03-01-2024 01:27 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 




هَمَسات .. في كلمات ... (27)

سالم محمد



(هَمَسات .. في كلمات) في باقتها الـ (27) بعون الله وتوفيقه:
✹ من السمات البارزة لزماننا كثرة وانتشار الفتن بنوعيها من الشبهات والشهوات، وأصبحت الفتن تُطارد مَن هرب منها فضلًا عمَّن استشْرف لها، يدرك ذلك جليًا الآباء والأمهات؛ حيث انفتحت في زمن أبناءهم من أبواب الفتن مالم يكن في زمانهم، وتيسرت تيسيرا لم يتوقعه أحد، ولذا فالآباء والأمهات خصوصًا والمربون عمومًا تؤرقهم تربية أبناءهم تربية إسلامية ويعانون في ذلك الأمرين، حتى إنه في بعض البلاد العربية الإسلامية يدخل الوالدين في جدال طويل لإقناع ابنتهم بلبس الحجاب وترك التبرج، وهناك من جَنَّ جنونه عندما اكتشف تلوث ابنه بأفكار علمانية أو حتى إلحادية، أما العلاقات المحرمة بين الشباب والبنات فحدث ولا حرج، وكثيرًا ما يكتشف الوالدين ذلك بعد أن يقع الفأس في الرأس، وللأسف منهم من يرتكب جريمة أكبر بقتل ابنته خوفًا من الفضيحة كما يزعم، ولكن ما هو الحل لهذا الرعب المسيطر على قلبي الأب والأم؟ والجواب العام لهذه المعضلة هو الالتجاء إلى الله وبذل الأسباب الشرعية ومن أهمها التربية على تعظيم الله والخوف منه، ومن ذلك العناية الفائقة بأمر الله بما في ذلك صلاة الجماعة، وأيضًا العناية بتعليم القرآن وحفظه فـ(إنَّ أفْضَلكُم مَن تَعْلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ) كما أنَّ (أَهْلُ القُرآنِ هُم أَهْلُ اللهِ وخاصَّتُهُ) فمن عاش مراقبًا لله خاشعًا في صلاته، متدبرًا لكتابه فأنى تغلبه الشبهات أو الشهوات { (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)} .
-------------------------------
✹التطاول على الصحابة لم يقتصر على الروافض والخوارج، بل إن كل مَن أراد الكيد للإسلام من داخله دخل من بوابة الهمز واللمز لبعض الصحاخوارج، بة، مع محاولة الظهور بمظهر الغيور على الإسلام، فإذا نجح في زعزعة ثقة المسلمين في صحابة نبيهم خلا له الجو للطعن فيمن دون ذلك من العلماء، وأصبح يرد كل ما لم يوافق هواه أو هوى أسياده من شريعة الله السمحة، أما العلماء المعاصرون فإسقاطهم يسير إذا ما سقطت الأركان، والحقيقة أن الطعن في الصحابة هدم للدين من أساسه، فمن أين عرفنا القرآن فضلًا عن السنة إلا عن طريق الصحابة، ولا توجد نقطة في الإسلام إلا ووصلتنا عن طريق الصحابة، فتوقير الصحابة والاعتقاد بعدالتهم من أهم ما نربي عليه أبناءنا حتى نقطع الطريق على كل من في قلبه مرض، وبفضل الله فإن القرآن والسنة تزخر بالنصوص في فضل الصحابة كقوله تعالى: { (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)}
-------------------------------
✹ لما خلق الله سبحانه وتعالى آدم أسجد له ملائكته { (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى)} ، وأدخله جنته {(وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)} فكلُّ الجنة مباحة لآدم وزوجه عليهما السلام، إلا شجرة واحدة فقط، إلا أن الذي حصل: {(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)} وهذا حال كثير من بني آدم للأسف، فباب الحلال والطيبات واسع جدًا ولا حصر له، وباب المحرمات والممنوعات ضئيل في بحر من المباحات، لكن كثير من بني آدم يعمد إلى الخبيث القليل طمعًا وحرصًا ويستبدل الذي هو شر بما هو خير، وبهذا يُهلِك الشيطان بني آدم، ويزين لهم المحرمات على خبثها وقلٍّتها ويزهدهم في الحلال مع طيبته وسعته، وبالإضافة إلى خبث المحرمات فهي سيئات يستحق العقوبة من وقع فيها، وهذا في مجالات كثيرة كالمطعم والمليس والعلاقات وغيرها ، فمثلا تجد الشاب والفتاة يزين لهم الشيطان التعلق ببعضهما البعض بالحرام، فإذا قدِّر وأن تزوجا انقلب العشق إلى وسواس مدمر، وقلما تنجح مثل هذه الزيجات، لأن العلاقة لما كانت محرمة زينها الشيطان، ولما كانت بعقد شرعي زال تزيين الشيطان وسقطت الأقنعة وتسللت الشكوك.
-------------------------------
✹ ما يوجد في بلاد الكفار من الاتجاهات المنحرفة عندما تُنقل إلى المسلمين بحذافيرها، لا تجد لها صدى يُذكر، ولهذا أمثلة واقعية كثيرة كالشيوعية مثلا، فعندما حاول كثير من المتأثرين بهذا الفكر العفن نقله إلى ديار المسلمين لم يكونوا يركزون على قضية إنكار الخالق والنبوات والكتب المنزلة، والإيمان بنظرية التطور، وإغلاق المساجد والكنائس وحرق المصاحف وغيرها، قل مثل هذا في العلمانية والديمقراطية، فالديمقراطية الغربية تكاد تؤله الإنسان (الشعب) وأن من حقه عن طريق التصويت أو عبر ممثليه أن يستحل ما شاء ويحرم ما شاء، ويتطاول على من شاء ولو كان الخالق سبحانه، وما حرمه اليوم يحله غدًا، وتعظيم الله سبحانه وتعالى وتوقير رسله لا مكان له في الديمقراطية فالحكم عندهم للشعب وليس لله الواحد القهار، لو نقل هذا وغيره للمسلمين بحذافيره لبصق المسلم العامي في وجه قائله، ولكنهم من خبثهم يأتون بنسخة معدلة وليست طبق الأصل ليخدعوا بها المسلمين، فيزعمون مثلًا أنه لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية، وبعضهم يزعم جهلًا أو خبثًا أن الإسلام جاء بالديمقراطية ويلوي أعناق النصوص ويبعثر في الروايات التاريخية ولو كانت ضعيفة أو مكذوبة ليؤيد قوله، والخلاصة أنه لا يكاد يوجد باطل عند الكفار ألا وجاء به المنافقون إلى بلاد المسلمين بعد أن يخفوا قبحه بعمليات تجميلية كثيرة، وصدق الله {( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)}
-------------------------------
✹ دساتير العالم كثيرة، منها ما هو ساري المفعول، ومنها ما اندثر وأصبح جزءاً من التاريخ، وهذه الدساتير الوضعية تعتمد عليها الدول في قوانينها، ويتم إرغام الشعوب على تنفيذ القوانين المنبثقة منها، ومن يخالف قد يُتَّهم بالخيانة وتُطبَّق عليه عقوبات قد تصل إلى القتل، العجيب أن هذه الدساتير لا يوجد فيها أدلة صحتها بل هي مفتقرة للشرعية المستمدة من التصويت حسب خرافاتهم، قارن ذلك بكتاب الله الذي أنزله علينا وامرنا باتباعه، هذا الكتاب المبين فيه الأدلة الواضحة على صحته وأنه حق من عند الخالق سبحانه، وفيه الأدلة على أن ما سواه باطل، وفيه بيان عاقبة من اتبعه ومن خالفه، وهو يتلى من قبل مئات الملايين من الناس، ويحفظه العديد من الأطفال فضلا عن الكبار فهل يوجد دستور بهذه المواصفات حتى نستبدل به شريعة ربنا، قال الله: {(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)}








ابوالوليد المسلم 20-01-2024 11:09 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 




هَمَسات .. في كلمات ... (28)

سالم محمد


(هَمَسات .. في كلمات) في باقتها الـ (28) بفضل الله ومنَّته:
✹ من الأسئلة التي تشغل بال كثير من الزوجات سؤال كيف اكسب قلب زوجي؟ أو بعبارة أخرى كيف يحبني زوجي؟ وهذا سؤال يطرحه الكثير منهن على المستشارين حتى قبل الزواج، وهناك وسائل كثيرة يمكن للمرأة أن تكسب بها قلب زوجها وتستميله إليها، والأخذ بالأسباب المشروعة وهي كثيرة لا بأس به بل مطلوب شرعًا، لكنْ لتعْلم المرأة أنَّ قلبها وقلب زوجها بل «(إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ)» [1] ولن تغني أي طريقة مهما كانت إلا بعد توفيق الله سبحانه { (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)} فلنلجأ إلى من بيده القلوب، ليجمع قلوبنا بمن نُحب، سواء كان أبًا أو أمًا أو ولدًا أو زوجًا، أو صديقًا أو أي مخلوق آخر.
--------------
✹ البيوت أسرار، ومن أسرارها ما تعانيه كثير من البيوت من المشكلات والخلافات المنغِّصة لأهل البيت، ولا يخلو بيت من مشكلات ولكنها تتفاوت في عظمها وزمنها، فالمشكلات البسيطة والتي تتلاشى بوقت قصير لا ضير منها، وإنما المزعج والمنكِّد على أهل البيت عيشهم هو طول المشكلات ونوعها، فهناك يشكو من زوجه، وأخرى في مشكلة مع زوجها، والأولاد ووالديهم يتبادلون المشكلات فيما بينهم، وكثير من الأولاد يتهرب من البيت وربما انحرف لأنه فقد الراحة والسكينة في بيته؛ بسبب عشعشة المشكلات والمنغصات فيه، وعلى البيت المسلم أن لا يغفل عن بعض الأمور ليكون بيته سَكَنًا، من أهمها التخلص من المعاصي لا سيما المجاهرة بها في البيت، فالاختلاط والقنوات المنكرة وما تحويه من أفلام خليعة ومسلسلات ماجنة وأغاني فاجرة وغيرها من البرامج الهادمة للعقيدة والأخلاق وأيضًا الغيبة والنميمة وغيرها من المعاصي سبب رئيسي لظلمة البيت على أهله وتحول سكينته إلى اضطرابٌ، كما لا ننس المداومة على قراءة سورة البقرة في البيت فـ «(إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ)» حتى تعود البيوت إلى سكن فالله تعالى يقول:(وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا).
--------------
✹ لو كان الباطل نقيًا لما انخدع به أحد، ولكن المشكلة هي لَبْسُ الحق بالباطل، فلا يكاد يوجد صاحب باطل إلا ولديه قليل من الحق يخلطه بالباطل الذي لديه، فهو كقشرة من الذهب على روثة كلب أو خنزير، وفرعون مثلا هو الذي ربَّى موسى في قصره، كما أنه بالمقابل قال أنا ربكم الأعلى، وكان يسوم الضعفاء سوء العذاب ويقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فقد كانت عند العرب في الجاهلية بعض الخصال الحميدة المغموسة في بحر من الشرك والخرافة والظلم، وتمييز الحق من الباطل لا يكون إلا بنور الوحي الإلهي وذلك عن طريق العلم الشرعي، وفي زماننا هذا نجد مثلا منظمة إجرامية تسمى منظمة العفو الدولية ومهمتها الفعلية العفو عن المجرمين، فتجدها تحارب التعذيب وتسعى للإفراج عن السجناء الذين تعرضوا للظلم وتخلط ذلك بما تسميه (حقوق المرأة والطفل) التي تشمل الفواحش ولو كان زنى محارم، كما تناضل أيضًا من أجل زواج المثليين (اللوطيين) وحقوق المثليين فيما يزعمون، وقس على ذلك كهنة الديمقراطية فتراهم في بعض الدول يحاكمون الوزير الفلاني لأنه استعمل سيارة الدولة في رحلة خاصة مثًلا، ونفس هذه الديمقراطية تصدر قرارات بقتل وتدمير وتشريد ملايين المسلمين واخذ أرضهم وثرواتهم ونشر الرذيلة بينهم.
--------------
✹ كَم هُم الذين يتمنون من سويداء قلوبهم أن يصبح ولدهم طبيباً حاذقًا، أو طيارا مشهوراً، أو محامياً ناجحاً، أو مهندساً مرموقاً، أو غيرها من جوانب النجاح في نظر الناس، ومعلوم أن الآباء يبذلون في سبيل تحصيل تلك الأماني الغالي والنفيس ويقتطعون من راحتهم ومن عرق جبينهم وأموالهم لتتحقق تلك الأمنية الموجودة في بال الأب وما زال ابنه في بطن أمه، وهذه الأماني مشروعة والأُمَّه في حاجتها، لكن أين من يتمنى ويعد ابنه ليكون عالما ينفع الإسلام والمسلمين، أين من يعد ولده ليكون شوكة في حلوق أعداء الإسلام من كفار ومنافقين، أين من يعد ولده ليصبح سد منيعاً في وجه الشبهات التي تتدفق على شباب المسلمين كالسيل الجارف، أين من يتمنى ويخطط ويبذل ليكون ولده ركن من أركان الإصلاح في مجتمعات خيم عليها الظلم والفساد، إننا نرى كثير من يرسل ولده ليتغرب في أقاصي الأرض ليأخذ دروسا في اللغة الإنجليزية مثلا، ولا يبالي بوجود الشبهات والشهوات المحدقة بابنه، أهم شيء عنده أن يتقن الإنجليزية ليتفوق في الجامعة، فهلَّا وُجِد َمن أُسَرِ المسلمين من تُفرِّغْ أولادها للسفر والتفرغ لطلب العلم عند عالم من العلماء، لو حرصت بيوت المسلمين على العلم الشرعي كما تحرص على الشهادة الجامعية لكُبِتَ أصحاب الشبهات وتجار الأعراض والشهوات وفَشَا الخير في بلاد المسلمين وغيرهم، وتوصيف الداء والدواء في لهذه المشكلة في قوله تعالى: {(بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)} .
--------------
✹ حب الخير، وعمل المستحبات ديدن كثير من عوام المسلمين فضلًا عن طلبة العلم والعلماء، والملاحظ أن بابًا عظيما من أبواب الأجر، متعدي النفع، والحاجة إليه ماسة، ولكن العزوف عنه شديد، ذلكم الباب هو طلب العلم الشرعي، والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين والعلماء كثيرة مشهورة منها ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنها أنه قال : «تذاكر العلم بعض ليلة أحبُّ إليَّ من إحيائها»[2] والشافعي رحمه الله قال: «ليس بعد أداء الفرائض شيء أفضل من طلب العلم» [3]فنرى جمع غفير من المسلمين يُكثر من أنواع العبادات من الصلاة والذكر والصيام والصدقة وبعضهم يقوم الليل وهذا حسن وجيد ويحتاجه كل أحد حتى العلماء لكن هؤلاء المكثرين من نوافل العبادات تجدهم في عزوف عن طلب العلم إما بحجة كِبَر السن أو المشاغل، وبعضهم يلبٍّس عليه إبليس بأنَّ طلب العلم فقط إنما يكون بالتفرغ وثني الركب عند العلماء، وهذا في الحقيقة إنما هو أفضل سبيل لطلب العلم ولكنه ليس الأوحد، وهناك طرق كثيرة وميسورة لطلب العلم تصلح للكبير والمشغول وسيء الحفظ وغيرهم، فكما أن صيام النوافل أنواع، فأفضله صيام يوم إفطار يوم ودون أنواع كثر، فكذلك طلب العلم مراتب فمن لم يتيسر له الأعلى فلا يحرم نفسه من الأدنى، ومن الطرق الميسرة لطلب العلم التي تناسب كل أحد تقريبًا القراءة للكتب النافعة والاستماع للدروس المفيدة وما أنفع وأيسر هاتين الوسيلتين فـ( «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ)» [4]
وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
[email protected]
[1] رواه مسلم (2654)

[2] أخرجه معمر بن راشد في «جامعه» (20469)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (458)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (107)

[3] أخرجه البيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (475).

[4] أخرجه أبو داود (3641)، والترمذي (2682)










ابوالوليد المسلم 12-02-2024 02:04 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (29)

سالم محمد

(هَمَسات .. في كلمات) في باقتها الـ (29) بحمد لله وتوفيقه:
  • من الأهمية بمكان أن يربى الناشئة والشباب على العلم بمحاسن الشريعة الإسلامية وهذا سيؤدي بإذن الله إلى افتخارهم بدينهم ويكون سد منيع في وجه الشبهات التي تمطر على رؤوسهم صباح مساء، وتندس في كل مكان حتى في ألعابهم، فإذا نشئ ناشئ الفتيان منا على أن كل حكم وأمر ونهي ورد في الكتاب أو السنة فهو في قمة العدل والرحمة والهداية والنور والمصلحة في الدنيا والآخرة، وعلماء المسلمون مستعدون استعداد كامل على إثبات ذلك، كما أنهم على أتم الاستعداد لمجادلة أو مناظرة أو تحدي أي أحد على وجه الأرض كائنًا من كان وإفحامه بالحجة والبرهان وإثبات أن ما عليه باطل وظلم وأن كل نقطة في الشريعة هي عين العدل، إذا زرعنا ذلك في نفوس الناشئة خاصة والمسلمين عامة أفلحنا وأنجحنا، لكن للأسف فإن الكثير من مناهج التعليم والوسائل الإعلامية تعظم عند أفكار جاهلية كالديمقراطية والوطنية وربماما يسمى بالشرعية الدولية وسبحان القائل (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا).
  • طرق محاربة الإسلام عموما وتطبيق الشريعة خصوصًا كثيرة ومتعددة ومتشعبة وحثيثة، وتصب عليها الأموال الطائلة وتبذل فيها للجهود الجبارة، وتحظى بتأييد ودعم سياسي وثقافي وإعلامي وعسكري ومالي دولي، فجميع المنظمات والهيئات المسماة دولية تحارب الشريعة علنًا وتنصر الوثن الديمقراطي، وكل ما يسمى بالدول العظمى وعلى رأسها أمريكا والصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي خصوصًا فرنسا وبريطانيا حاربت ولا زالت تحارب الإسلام والمسلمين وبالذات في مسألة الحكم، ومن مزاعمهم التي يحاولون بها صد الناس نور الحكم بما أنزل الله قولهم بالفصل بين السياسة والدين أو السياسة والحياة وعبارتهم الوثنية (الدين لله والوطن للجميع) والصحيح أن الدين لله والوطن ومن فيه لله أيضًا ولو كره المجرمون، أما قولهم بالفصل بين الدين والسياسة أو الحياة فهذا من أبطل الباطل؛ إذ أنه لا يوجد عمل أو قول أو اعتقاد إلا وهو ضمن أحد (الأحكام الخمسة:]اَلْوَاجِبُ: وَهُوَ مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ، وَعُوقِبَ تَارِكُهُ وَالْحَرَامُ: ضِدَّهُ. وَالمَكْرُوهُ: مَا أُثِيبَ تَارِكُهُ، وَلَمْ يُعَاقَبْ فَاعِلُهُ. وَالْمَسْنُونُ: ضِدَّهُ. وَالْمُبَاحُ: وَهُوَ اَلَّذِي فِعْلُهُ وتَرْكُهُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ)[1]ولا يستطيع أحد أن يأتي بحكم خارج عن هذه الخمسة، إذا فالشريعة شاملة لكل نواحي الحياة بل إنها توجه الإنسان إلى التعامل بينه وبين نفسه فضلا عما حوله ( { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ).
  • لعل من رحمة الله بنا أن جعل الدنيا دار نكدٍ وهمّ، فإن أفرحت يومًا أحزنت أيامًا، ولا يخلو العيش فيها من منغصات إما جسدية أو نفسية أو الاثنين معًا، ولا تجتمع لأحد فمن استقام له جانب فَقَدَ آخر، وجانب الرحمة في هذه الجزئية هو النفور من الدنيا وعدم الركون إليها، فالمؤمن أذا مسه طائف من أحزان الدنيا ومصائبها وقابل ذلك بالنعيم المقيم في الجنة تاقت نفسه لنعيم الجنة وتعزَّى بها عن حطام الدنيا، وأفضل ما يبين لك حقيقة الدنيا ويحلق بك في نعيم الجنة هو تلاوة كتاب الله بقلب حاضر متدبر، فسبحان الله مع ما في الدنيا من عيوب وبلايا إلا أن أكثر الناس متكالبون عليها تكالب الكلاب الجائعة على الجيفة النتنة، فيا ربنا (لا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا).
  • في كل مجتمع شِيبٌ وشبان، ويتميز الشيب (الشيوخ) غالبًا بالتروي والتأني والنظر إلى العواقب وتغليب العقل على العاطفة، بينما يبرز في الشباب الاندفاع والحماس والإقدام وربما قصر النظر للعواقب وجماح العاطفة وطغيانها على العقل، وأحيانًا عندما ترى سيارة لن تجد كبير مشقة في استنتاج عُمْر السائق من خلال سرعته، وهكذا المواقف في الحياة، والواقع أننا بحاجة لحكمة الشيوخ وحماس الشباب، والعاطفة عند الشباب إذا لم تضبط تحولت إلى عاصفة وأفسدت أكثر مما أصلحت وربما دمَّرت، فكيف نضبط عواطفنا؟ الجواب بعرض مواقنا وتصرفاتنا على مرجعية تضمن لنا سير العاطفة في مسارها الصحيح وعدم تحولها إلى عاصفة، ومن فضل الله علينا أنه بين المرجعية الصحيحة (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) ويبقى السؤال لماذا يجنح كثير من الشباب إلى التهور المؤدي إلى نتائج كارثية؟ لهذا أسباب من أبرزها الجهل وعدم الرجوع إلى العلماء {(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)} ، فمن لا يعرف كيف يتصرف في موطن ما لا شك ستزلُّ قدمه، والجهل منتشر في كثير من بلاد المسلمين، فتجد الشاب في بعض البلاد يدرس أكثر من عشر سنوات في المحاضن الحكومية ولا تعلمه حتى التشهد، هذا إذا لم تكن المناهج الحكومية تحارب الإسلام أصلًا، ولذا على المسلم عمومًا والشباب خصوصًا الإقبال على طلب العلم الشرعي النافع العاصم بإذن الله من الفتن والغلو، ولا أقل أن يسأل العلماء قبل الإقدام على أي تصرف والحمد لله فمع شدة الحرب على الإسلام إلا أن طلب العلم أصبح أيسر من ذي قبل ولله المنُّ والفضل.
  • للناس في لباسهم شؤون ومذاهب فمنهم من يشتري اللباس الجاهز، والبعض الآخر يفِّضل الذهاب إلى محل خياط ليفصل له لباسًا حسب ذوقه وعلى مقاسه، هذه الفكرة موجودة بحذافيرها في جانب الفتوى، فأصبح البعض منهم (كالخياط) جهلًا أو خبثًا يصدر فتاوى مفصلة لأذواق الناس خصوصًا الحكام منهم ومثل هذا " أحق بالسجن من السرَّاق" كما قال ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن (ت 136هـ)، حيث(رأى رجلٌ ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن يبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقال : استُفتي مَن لا علم له ، وظهر في الإسلام أمر عظيم ، قال: ولَبعضُ مَن يفتي ههنا أحق بالسجن من السرَّاق) وهؤلاء الصنف من المضلين أضر على الإسلام والمسلمين من الأعداء الظاهرين، فهم يهدمون الدين من حيث يظن الجاهل أنهم من حملته والله المستعان، (والواجب على العامي أن يسأل أهل العلم الذين يثق بدينهم وعلمهم، أما من عُرِف بالتساهل وتتبع الرخص ، وعدم الحرص على اتباع السنة ، فلا يجوز لأحد أن يستفتيه ، ولا أن يعمل بما يفتيه به)[2] ألا على أهل العلم بيان ضلال هؤلاء وفساد فتاويهم الشاذة حتى لا ينخدع بهم عامة الناس، وللأسف في زماننا هذا يُمكنون من المنابر الإعلامية والقنوات ليبثو سموهم ولا حول ولا قوة إلا بالله {(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)} .
وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

[1] منهاج السالكين للعلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله.

[2] الإسلام سؤال وجواب سؤال رقم (121235).




ابوالوليد المسلم 04-03-2024 12:41 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 




هَمَسات .. في كلمات ... (30)

سالم محمد




  • (الدُّعاءُ هو العبادةُ) هكذا قال الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى صلوات الله وسلامه عليه، وما دام أن الدعاء هو العبادة فلا يجوز صرف هذه العبادة وأي عبادة أخرى لغير الله؛ لأن ذلك شرك وظلم عظيم {(وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ)} لكن وللأسف دعاء غير الله متفشي بشكل مخيف في كثير بقاع الأرض بل وفي بعض مجتمعات المسلمين، فيصرفون هذه العبادة العظيمة وهي الدعاء لمخلوق ويدَعُون الخالق سبحانه، وإذا عدنا لزمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه «(إذا فرغَ مِن دفنِ الميِّتِ وقفَ علَيهِ ، فقالَ: استغفِروا لأخيكُم، وسَلوا لَهُ التَّثبيتَ ، فإنَّهُ الآنَ يُسأَلُ)» [1]سبحان الله هذا ميت من الصحابة الذين «(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)» وقد صلَّى عليه الرسول بنفسه، ودعا له بالرحمة والمغفرة؛ ودعوة الأنبياء مستجابة، ثم يقول «(استغفِروا لأخيكُم ، وسَلوا لَهُ التَّثبيتَ)» أي انه محتاج من الأحياء للدعاء، لا أن ندعوه من دون الله كما يفعل كثير من الجهلة الذين يدعون الأموات من دون الله تعالى {(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)}
--------
  • لو تتبعنا القرآن لوجدنا أن الله عز وجل يجمع بين الإيمان به سبحانه واليوم الآخر مع أمر أو نهي، ذلك أن عدم الإيمان بالله وباليوم الآخر يعني انتشار لكل أنواع الجرائم، فالتخفي وخداع البشر أمر سهل ميسور، لكن من في قلبه إيمان بالله ويعلم أن في اليوم الآخر ثواب وعقاب هنا يرتفع منسوب الرقابة الذاتية لديه فيحجم عن الوقوع في الموبقات من قتل وغيره، ولو لم يكن هناك يوم آخر، لكان الظَلَمة هم أنجح الناس في الدنيا، ولكان المظلومون أغبن الناس، ولكان الظلم من مكارم الأخلاق ومن خصال الشجاعة، وبهذا يكون القوي الظالم هو الناجح، والمظلوم الضعيف هو الخاسر، وهذا ما يفسر انتحار أو جنون بعض من وقع عليهم ظلم شديد فيسيطر عليهم اليأس لأنهم لا يؤمنون بيوم يُقتَص فيه من الظالم، أما مع الإيمان بالله واليوم الآخر فإن المظلوم يطمئن إلى أنه ظالمه قد خسر خسرانا مبينا {(وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)} .
--------
  • في مجتمعات المسلمين كثير هم حفظة القرآن، وهذا حسن، لكن الكثير منهم لم يقرأ تفسير للقرآن ولو مختصرًا مختصرًا حتى لمرة واحدة في حياته الطويلة مع القرآن، فتجده قد ختم القرآن مرات وكرات ولم يبدأ في ختمة لتفسير مختصر فضلًا عن المطول، والمعرفة بالمعاني تكون عونًا للحافظ على فهم وتدبر والعمل بما يحمل في صدره من كلام الله عزَّ وجل، فالذي اقتصر على الحفظ فقط كيف سيدفع أهل الشبهات بالقرآن إذا كان هو لا يعرف معانيه، حيث أن القرآن فيه رد على كل شبهة، وفضح لكل باطل، وحجة لكل حق، والتلاوة لألفاظه فقط دون فقه معانيها لن تسعف صاحبها عند مصادفته لشبهة ما، وما أكثر ما تلاحق الشبهات الناس وإن فروا منها، حتى أفلام الكرتون الخاصة بالأطفال لم تسلم من سموم أهل الباطل العقدية، وإذا كان حامل القرآن يعجز عن الرد، فالمشكلة فيه لا في القرآن، ومن أسباب هذه المشكلة هو بعض القائمين على المحاضن القرآنية الذين يصرفون جل اهتمامهم للحفظ وإتقان المحفوظ وتجويده، ولا يعيرون اهتمامًا يذكر بالغاية العظمى من تنزيله، بل ربما كان المعلم والمربي هو نفسه لم يقرأ في حياته تفسيرًا كاملًا للقرآن ، وماذا على متعلم القرآن أن يشفع حفظه بقراءة لتفسير سهل مثل التفسير الميسر، أو المختصر في تفسير القرآن أو المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، فيا حامل القرآن قد ضبطت حروفه، فأقم حدوده.
--------
  • من الصعب إحصاء عدد القنوات الإعلامية والوكالات والمواقع ومنشورات مواقع التوصل الاجتماعي التي تتحدث عن الحقوق، لا سيما حقوق المرأة، لكن المشكلة ليست في الوقوف ضد حقوق المرأة، فهذا لا يكاد يصرح به أحد حتى الملاحدة، ولكن المعضلة الكبرى هي تحديد ما هي حقوق المرأة قبل المطالبة بها، أما في الشريعة الإسلامية فالمرجعية في الحقوق والصواب والخطأ واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار {( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)} والمرجعية متمثلة في مثل قوله تعالى: {(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) } بالمقابل كل اتجاه مخالف للوحي الإلهي مرجعه لأهواء بشرية قاصرة (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ولنأخذ على ذلك مثالًا واحدًا فقط، في الإسلام من حقوق المرأة الزواج ولو كانت دون الثامنة عشر، ومحرم عليها الزنى بأي عُمُرٍ كان، في المجتمعات الملوثة بالعلمانية من حق المرأة الزنى بأي عُمُر أما الزواج فليس من حقها دون الثامنة عشر لأنهم يعتبرون ما دون الثامنة عشر قاصر وذلك بلا دليل ولا برهان، هذا مثال واحد وغيره كثير من صور التناقض والتخبط في المجتمعات العلمانية والديمقراطية ومن اغترَّ بهم، فالقضية ليست في الحقوق ولكن تحديد الحقوق وإثباتها بالحجة والبرهان، فكل من زعم أن شيئا ما من حقوق المرأة أو ليس من حقوقها نقول له (هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
--------
  • ما أكثر النصوص من آيات وأحاديث وكلام السلف من صحابة وتابعين وغيرهم في الحث على الصدقة والجهاد بالمال وبيان أهمية ذلك وفوائده، وبعض الناس عندما يسمع ذلك يذهب بعقله إلى أصحاب الأموال الوفيرة، وطبقة الموسرين والأغنياء، وهذا وأمثاله لم يفقه معنى الصدقة الحقيقي، فالصدقة أول وأكثر ما يعود نفعها على المتصدق نفسه، وأنت بحاجة إلى عوائد الصدقة سواء أكنت موسِر أو مُمْلِق، سواء كنت في قمة الغنى أو في قاع الفقر، هذا المعنى فهمه الصحابة جيدًا، فاستمع إلى أحد فقرائهم وهو يقول {(لمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنا)} سبحان الله! نزلت آية الصدقة وكثير من الصحابة فقراء أصلًا لا يملكون ما يتصدقون به بل هم يحتاجون إلى من يتصدق عليهم، لكن هل سيفوتون أجر الصدقة؟ لا، فما الحل؟ الحل أن يعمل أحدهم حمَّالًا عند الناس يحمل الثقيل على ظهره، لا لشيء إلا للحصول على المال والتصدُّق به، فلو كنا نفكر بهذه العقلية لما ترك الصدقة فقيرنا فضلًا عن غنينا.
وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

[1] صحيح أبي داود (3221).










ابوالوليد المسلم 15-05-2024 10:26 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 




هَمَسات .. في كلمات ... (31)

سالم محمد



(هَمَسات .. في كلمات) في نسختها الـ (31) بفضل الله وتوفيقه:
➊ مما يفرح النفس، ويبهج الفؤاد، تسابق المسلمين لخدمة القرآن الكريم، هذا على مستوى الشعوب جلي وواضح، أما على مستوى الحكومات، فإن أغلب الحكومات الإسلامية، تأخذ من القرآن وتترك، وهذا من سمات اليهود قال الله عنهم: {(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)} ، فترى الكثير من الحكومات الإسلامية تغدق الأموال والتكريم لحفَّاظ القرآن ولا تبخل بالأموال لإقامة المسابقات المحلية والدولية، مع أن القرآن نزل ليطبق في حياة الناس، لا أن يفصل عن الحياة أو الحكم كما يزعم كهنة العلمانية، فالحاكم المسلم سيسأله الله عن تطبيق القرآن والحُكم به بين الناس، ولن يسأله لمَ لمْ يقم مسابقة دولية في الحفظ، أو لم يطبع ملايين النسخ من المصاحف، وإن كان هذا عمل جليل ومطلوب، ولكن علينا العِلم بـ(أن المقصد من إنزال القرآن هو الهداية بإخراج الناس من ظلمات الباطل إلى نور الحق)، ولا يتأتى ذلك إلا بتطبيقه وجعله نبراسًا في جميع شئون الحياة، وعلى رأسها الحُكم، إذ من المستحيل أن يكون القرآن منهج لحياة المسلمين ولا دخل له في الحكم.
********
➋ ذم الله تعالى مشركي العرب في الجاهلية لقتلهم أولادهم خوفًا من الإملاق (الفقر)، وكثير من المسلمين في هذا الزمن للأسف يخشى كثرة الأولاد لأنه قليل ذات اليد، وربما لن يجد ما يطعمهم به كما يزعم، وهذا تناقض عجيب، فالحقيقة أن الأب لا يرزق نفسه فضلًا عن غيره، ومن عنده ولد واحد لا يرزقه هو، وإنما الرزاق هو الله تعالى، ولو قيل لأحدهم إن الأمير الفلاني أو الملك الفلاني سيتكفل بأولادك، أو هم في ذمة تاجر فاحش الثراء، ربما لاطمأنت نفسه لكثرة الولد، وهنا المصيبة العظمى، والبلية الكبرى، لأننا يقيننا قوي في وعد المخلوق الضعيف الفقير، وضعف يقيننا في وعد الخالق الغني الزراق ذو القوة المتين، وهناك جانب آخر لهذه المأساة وهو أن حكام بعض الدول الإسلامية يدعوا الناس صراحة للاكتفاء بولدين فقط، ويرى - جهلا أو خبثًا- أن ذلك في صالح الاقتصاد، والحقيقة أن مثل هذا الجاهل لا يملك رزق نفسه، فكيف يطلب من الناس تقليل النسل، والحق أن من أسباب قوة المسلمين كثرتهم، ولم ولن يكون عدد السكان سبب للفقر، وإنما هناك أسباب أخرى كالفساد بأنواعه، والاستغلال السيء للثروة، والتدخل السافر للأعداء في شئون المسلمين وغيرها.
********
➌ نعمة الأمن من أجل النعم وأعظمها، فمع الأمن يسعى الناس لتحصيل أرزاقهم، ومع الأمن يداوي الناس مرضاهم، ومع الأمن ينشرون رسالة ربِّهم، ومن فقد الأمْن لا يكاد يهنئ له عيش، ولا يقرُّ له قرار، فإذا ألبسك الله لباس الأمان فاشكر ربك وأخلص له العبادة، وهذه النعمة فقدها كثير من المسلمين في السنوات السابقة بسبب ما يسمى بـ (الثورة الشعبية)، والمطالبة بالتغيير، وحصل التغيير فعلا ولكن إلى الأسوأ، كان هناك ظلم، وفساد، واستئثار بالثروات، ومحاباة بالباطل، وقتل ومنكرات، فطالبوا بالتغيير، فحصل التغيير ولكن إلى الوراء، فكل ما طالبوا بتغييره زاد واستشرى، وأصبح علانية، والداعين إلى المظاهرات والثورات حتى ولو حسنت نيتهم، فإن المظاهرات غالبا ما يفلت زمامها ممن أشعلها، ويصبح هو نفسه يقاد من حيث لا يدري، والشريعة جاءت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الظلم والفساد، لكن بالحكمة وليس استبدال ظلم بظلم أكبر منه بكثير، فأمنٌ منقوص خير من عدمه، فالحكمة الحكمة وأموال وأعراض ودماء الناس ليست مختبر للتجارب.
********
➍ إذا ذُكرت مرحلة الشباب جاء معها ذِكْر أمور منها الملل، وملل الشباب ناتج من الفراغ غير المستغل، والشاب يجتمع له مع الفراغ الصحة غالبًا، ولكن للأسف يعتبر كثير من الشباب أن الفراغ مشكلة فيحاولون قتله بأي وسيلة، سواء كانت تافهة كالشغف بمتابعة المباريات أو محرمة كمتابعة المسلسلات والأفلام الهابطة وقبل ذلك الأغاني الماجنة أو ربما قتلوا فراغهم بالمهلكات كالإدمان على الخمور والمسكرات، ولو أن الشاب حُبب إليه ما يملئ فراغه بالمفيد كقراءة الكتب والمنافسات النافعة، فإن القراءة النافعة عالم من المتعة والفائدة، ولن تجد محبًا للقراءة إلا ويشكوا من قلة الوقت ولو كان شابًا يافعًا، كما أن الشباب لديه شغف وحُب للمنافسات بمختلف أنواعها، المسابقات التنافسية بمختلف أنواعها تجذب الشباب وتستهويهم، فإذا كانت مسابقات هادفة حققت الكثير من الأهداف ومن أهمها الاستغلال الأمثل لفراغ الشباب الذي يحاولون قتله.
********
➎ (مَن بدَّل دينَه فاقتُلوه) هذا الحكم العادل من كلام سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) لكن هذا الحكم لا يعجب كهنة العلمانية والديمقراطية والليبرالية وأذنابهم بل ويعتبرونه انتهاك وتعدي على حقوق الإنسان حيث جاء في مرجعتيهم الظالمة المسماة بـ (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) ما نصه: ( لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه ، أو معتقده) والواقع وبكل أسف فإن معظم حكام المسلمين يقبلون كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرًا ولكن عند التطبيق فالكلمة تكون أحيانًا لـ (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) وهكذا في كثير من أوامر الرسول ﷺ يتم قراءتها لكن مع وقف التنفيذ، بينما تنفذ اتفاقيات ما يسمى بالمجتمع الدولي الذين شريعتهم أهواؤهم كما وصف الله تعالى (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) بالمقابل حذَّر الله من اتباع أهواء هؤلاء الظلمة (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ).
وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان.









ابوالوليد المسلم 18-09-2024 11:26 AM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (32)

سالم محمد




➊ رأيت رجل كبير في السن، له أولاد، ولأولاده أولاد، أي أنه أصبح جَدًّا، قد رقَّ عظمه، وانحنى ظهره، وغزى الشيب شعر رأسه، كان يصطحب أحد أحفاده معه إلى المسجد ليشهد الجماعة مع المصلين، وهذا الرجل لكبر سِنِّه لا يستطيع أن يجلس في التشهد إلا متربِّعًا، العجيب أن المسجد مليء بالمصلين الذي لا يجلسون متربعين أثناء الشهد لكنَّ الولد الصغير تجاهل كل هؤلاء العشرات من الكبار والشباب والصغار ليجلس في التشهد متربعًّا محاكيًا جدَّه ومخالفًا -بلا مبالاة- كافة الموجودين في المسجد، انتبه يا صغيري! جَدُّك مجرد واحد فقط وغيره في المسجد الكثير والكثير فيا سبحان الله! إنه اقتداء الأبناء – لا سيما الصغار منهم – بوالديهم وإخوانهم الكبار، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أشار بوضوح إلى هذا المعنى بقوله ( «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» )[1]فإذا كان الوالدين قدوة حسنة لأولادهم فقد اختصروا مسافات طويلة وجهود مضنية، من عناء التربية ووعثائها، فعند أولادنا الأفعال أبلغ وأعمق تأثيرًا من الأقوال.
********
➋ الناس مع الحق أزواجٌ ثلاثة، فمنهم من جهِله، ومنهم من عرَفه ولم يوفق لاتِّباعِه، وطائفة بأعلى المنازل عرفوا الحق واتبعوه، والصنف الأول أقرب إلى الحق من الصنف الثاني، أما أسوأ الطوائف فهم الذين عرفوا الحق ونبذوه إما لكبْرٍ أو إعراض أو شهوة أو غيرها، ولذا فالفئة الأولى بحاجة إلى إرشاد ودلالة وثاني الفئات قد يفيد معها التخويف والإنذار من عذاب الله وعقابه، والتخويف من عذاب الله يفيد أكثر مع صاحب الشهوة أكثر من صاحب الكِبْر والهوى والإعراض، وهذه التقسيمات مهمة ولأهميتها ذكرها الله في أعظم سور القرآن سورة الفاتحة، فالعارفين للحق والمتبعين له هم الذين أنعم الله عليهم، والذي جهلوا الحق هم الضالون، أما المغضوب عليهم فيعرفون الحق ويخالفونه والعياذ بالله.
********
الابتلاء سنة إلهية وما سلِم منه أحد حتى الأنبياء، فقد سئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قال : الأنبياءُ ، ثم الصالحون ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه ، فإن كان في دِينِه صلابةٌ ، زِيدَ في بلائِه ، وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ ، خُفِّفَ عنه ولا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ حتى يمشي على الأرضِ وليس عليه خطيئةٌ) وبعض أنواع الابتلاء لا يدرك المسلم حقيقتها إلا إذا وقع فيها، فليست النائحة الثَّكْلى كالنائحة المستأجرة، من ذلك مسألة الذهاب إلى السحرة والعرافين والكهان، وحكمهم معروف في شريعة ربنا عز وجل فـ ( «من أتى عرَّافًا فسأله عن شيءٍ؛ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» ) و( «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» ) وحذرنا رسولنا من ذلك بقوله:( «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هنَّ ؟ قال: الشرك بالله، والسحر» ) والكثير - والحمد الله- يدرك خطورة إتيان هذه الفئات الضالة المفسدة، ويعرف المحذور الشرعي في الذهاب إليهم لكن المشكلة أن هناك من يسقط عند أول ابتلاء، فإذا مرض ابنه أو اختفت ابنته أصبح مستعد للتعلق بأي شيء ولو كان الذهاب إلى السحرة والعرافين والكهان الذين بالأمس كان يحذر الناس منهم بلسانه، والمعصوم من عصمة من الانزلاق في مثل هذه المهالك، وبعض الناس يصبح عونًا للشيطان على أخيه بحيث يستحثه للذهاب للساحر الفلاني أو تلك العرافة لعله يجد عنده أو عندها حلّ، والله وبالله وتالله ما عند هؤلاء المجرمون إلا سراب يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، فلا شك أن ضياع الابن أمر مهول لكن علينا أن نقف إلى جانب إخواننا لنثبتهم ونرشدهم للتعلق بالله القوي العزيز، وذلك لأن شياطين الأنس والجن يستغلون حاجة الناس وضعفهم لإيقاعهم في شباكهم وسرقة آخرتهم.
********
➍ العبد في حاجة دائمة ماسة إلى خالقه سبحانه، واستشعار هذا المعنى يسمو بالنفس البشرية عن الكِبْر واحتقار الآخرين والتعالي عليهم، كما أنه يقطع تعلق النفْس بالمخلوقين، فلا قوة إلا بإذن القوي العزيز وإنما هم مجرد أسباب، وحاجة العبد لمولاه تشمل كل شيء في أمْنه وحفظه وصحته ورزقه وسعيه وفي تعلمه وعبادته وفي شأنه كله، وتظهر هذه المعاني جلية عند حالات الضعف كالمرض والخوف والفاقة وعند حلول المصائب والكوارث، كما أن التالي لكلام ربِّه بتأمل يمتلئ قلبه من الخضوع والخشوع لخالقه ومالكه والافتقار إليه، وأهم ذلك ما في كتاب الله من أسمائه الحسنى وصفاته العلى التي تجعل العبد يعرف حقيقته نفسه وعظمة خالقه ونتيجة لذلك يلجأ إليه في كل أحواله، بالإضافة إلى أن الصلاة بخشوع تطهِّر النفس من أدران الكبر والإعراض عن الله ونسيان نعمه، ومرد ذلك كله إلى ذكر الله بذهن حاضر، وقلب خاشع، فتلاوة القرآن والصلاة ما هما إلا ذكر لله العزيز الرحيم.
********
➎ مكانة العلم لا ينكرها عاقل، ولذا تبذل الدول الكثير الأموال والمجهودات وتضع الخطط المُحْكمة ليحصل رعاياها على تعلُّم أفضل، ونجاح أحسن في حياتهم الدراسية، لكن للأسف النظام التعليمي في المناهج الحكومية يجعل المركزية للدرجات لا العلْم، حيث يقاس النجاح بالدرجات التي بدورها تؤدي للحصول على الشهادات ومن ثَم الوظيفة والعمل، فالهدف غالبًا يكون المال الذي يأتي من الوظيفة المرتبطة بالشهادة، والشهادة بتحصيل الدرجات والنجاح في الامتحانات، وهذا خطأ فادح ومن نتائجه أن الطالب بعد الاختبار بمدة تطول أو تقصر يتبخَّر ما لديه من معارف خزنها في ذهنه من أجل الاختبار والحصول على الدرجات والدرجات فقط، ولو تأملنا قليلا في ديننا العظيم نجد أن العلم وسيلة لمرضاة الله، وطريق إلى الجنة، ونوع عظيم من أنواع الجهاد في سبيل الله وذلك لمن صلحت نيته، أما من كانت همته ونيته في تحصيله العلمي في الدنيا وللدنيا فقد فوت على نفسه خيرًا كثيرًا، بل قد خسِر خسرنًا مبينا، ولذا تعوّذ الرسول صلى الله عليه وسلم من علْم لا ينفع، فالمسلم يطلب العلم عبادة لله، وإذا فعل ذلك نجح ونجاحه يعني وصوله إلى الجنة، فمتى سنربي أولادنا على أن يكون شعارهم في الحياة { ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)}
وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان.

[1] البخاري ومسلم





ابوالوليد المسلم 30-10-2024 08:34 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 




هَمَسات .. في كلمات ... (33)

سالم محمد



➊ من عادتي زيارة مكتبات بيع الكتب وهي شحيحة في المحيط الذي أعيش فيه، ومع ذلك لم أقطع صلتي بها، وزيارة المكتبات يبعث في النفس أشجان وأحزان، ويرفع الطموح ويحفز للقراءة بل والكتابة، ويتحول القارئ الداخل للمكتبات إلى طفل يريد شراء كل شيء، أو على الأقل شراء كل ما يعجبه، وما أكثر ما يعجب القارئ من الكتب في الرفوف، ولولا ما فتح الله به على الناس من الكتب الإلكترونية والشبكة العنكبوتية لكان الكتاب معاندا لكل ذي دخل محدود، وكما يقال العين بصيرة واليد قصيرة، أما ما يحزُّ في النفس ويبعث على الحزن هو وجود كتب تروج للباطل وتنشر الضلال، وتخلط الحق بالباطل وتدس السم في العسل، وهذه من المنكر الذي يجب إزالته، ولكن قد لا يكون لأهل الإصلاح اليد العليا لمنع أو لإزالة مثل هذه المنكرات والله المستعان، والواجب على أولي الأمر في بلاد المسلمين أن يحموا عقول أبناءهم كما يحاولون أن يحموا أجسادهم، فإن فساد المعتقد أشد من فساد الجسد، فإذا فسد المعتقد ضاع المستقبل صار صاحبه من ( {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } ) كما أن على أهل الصلاح مزاحمة أهل الباطل ونشر الحق وتبيين زيف الباطل والرد على أهله بقدر المستطاع.

********
➋ في الدول العربية والإسلامية يتهافت الناس على المنح الدراسية الخارجية في دول الغرب خصوصاً، والذي يحصل على واحدة منها يغبطه القريب والبعيد، ويكاد والديه يطيران من شدة الفرح، مع العلم أن الوالدين لو عَلِمَا بأن بلد الدراسة فيه وباء يصيب واحد من كل ألف لمنعا ولدهما من الذهاب خوفاً على جسده، أما عقيدته وأخلاقه فلا يقيمون لها وزن، ويزجُّون به في بحر من الشبهات والشهوات في غربة وشباب متقّد وقليل الخبرة وفي بلاد متقدمة صناعياً منحطة أخلاقيا، والسبب ( {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} )، فانعكست المفاهيم وأصبحت الأخلاق خلف الورقة هذا إن وجدتْ لها مكان، وفي الحقيقة إن كان ولا بد من إرسال أبناءنا لتلك المستنقعات فيكون ذلك للضرورة وفي أضيق الحدود كما يجب علينا تحصينهم بالعلم والإيمان الذي يدفعون به الشبهات، والزواج لكي لا يغرقوا في بحار الشهوات، ونجعلهم دعاة إلى الله في تلك البقاع التي تموج بظلمات الكفر والشرك والانحطاط الأخلاقي، فأفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، ليدفعوا الباطل وأهله بدعوتهم إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما أنهم سيصادفون قلوبًا ضمئى تبحث عن غيث الإيمان وهم موجودون في كل بلاد والحمد لله.
********
➌ مجلة الرسالة وما أدراك ما مجلة الرسالة، يعرفها الأدباء ومن يعتني بالكلمة الرائعة والأساليب الجميلة، هذه المجلة استمر صدورها لسنوات ومن قُبِلَ له فيها مقال فكأنما أعطي وساما في الأدب، وشهادة ترفعه إلى مقام الكبار في الكتابة الأدبية، سمعتُ عنها كثيرا وقرأت بعضا من مقالاتها، وقد توقفت عن الصدور قبل اكثر من نصف قرن أي أن الأقلام التي كتبت فيها قد جفت، والأنامل التي خطت فيها قد أصبحت عظاما نخرة، والمقالات المكتوبة فيها على قدر عال من الأسلوب الجميل والأدب الرفيع لكنها في معظمها ليست في الدعوة إلى الله تعالى ونصرة الحق، ومحاربة الباطل، بل بعضها في نصرة الباطل ونشر الرذيلة، ماذا لو أن هؤلاء أدباء سخروا ما حباهم الله به من حسن البيان وجودة التعبير في مواد تكون صدقة جارية لهم وعلم ينتفع به وجهاد في سبيل الله، كم هي حسرة من لم يقدم لنفسه من الأعمال ليوم تشخص فيه الأبصار، ونحن في زمن المهلة فعلينا بتسخير كل ما حبانا الله من مواهب للدعوة إلى الله حتى نسعد بها في حياتنا وبعد مماتنا.
********
➍ نحن نعيش في زمن ليس للمسلمين فيه الريادة في التقدم المادي والتفوق الاقتصادي والقوة العسكرية وحتى الثقافية، وأصبح دم المسلم من أرخص الدماء، وأرضه وثرواته حمى مستباح لأيدٍ ظالمة، وأعراض المسلمين يتلاعب بها الفجرة والفسقة، وما ذاك إلا لبعد المسلمين عن تحكيم شريعة ربهم وهي السبب الرئيسي لعزهم والتي من أهم لوازمها الخضوع الكامل والتام لله العليّ الكبير، فعندما أعرضنا عن شرع ربنا سلط الله أرذل الناس وأوباشهم على ديارنا ودماءنا فقتلوا ونهبوا وانتهكوا الأعراض إلى أن وصل بهم الأمر أن يأمرون بسن قوانين تخالف شريعة الله ويفرضون تعطيل أحكام اتفق المسلمون على مشروعيتها، ولكن البعض تفكيره معكوس وفهمه مقلوب؛ لأنه يجعل سبب تأخر المسلمين هو الإسلام، وما ذلك إلا لأن مقياس الحق والباطل عنه ساقط، فأينما وجد القوة المادية وزخرف الحضارة والتفوق المادي والتقدم في العلم التجريبي ظن أن من يملكون ذلك هم على الحق، بالمقابل متى ما رأى الفقر والتعاسة والتخلف المادي والتدهور الاقتصادي نسب أهله إلى الباطل، وعلى فكرة فإن هذا المنطق ليس جديدًا، بل كان منطق مشركي قريش حيث قال الله عنهم( {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } ) فرد الله عليهم بقوله ( {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} ) فالحق يعرف بالبرهان لا بالزخرف والبهرجة، والحق يعلو بحججه لا بارتفاع أرصدة أهله وترسانة أسلحتهم وامتلاكهم الآلة الإعلامية المضللة.
.********
➎ الناس تشمئز وتنفر من الشخص المتكبر، والتكبر قد يكون باحتقار عباد الله وازدرائهم، والشق الثاني من الكِبْر هو ردّ الحق، ورد الحق أوضح ما يكون في الأنظمة الوضعية الوضيعة، ففي الديمقراطية مثلا يزعمون أن الحكم للشعب، وهذا رد صريح للحق وتكبر على رب الشعب القائل سبحانه ( {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} ) العجيب أن كهنة العلمانية والديمقراطية وأذنابهم خدعوا عوام الناس، فبدلًا من الاشمئزاز والنفور من التكبر على الحق الذي جاء من عند الله، أصبحوا ينادون، ويناصرون هذه القذارات الوضعية التي تفسد دنيا الناس وآخرتهم.
وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان.









ابوالوليد المسلم 19-01-2025 12:37 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (34)

سالم محمد


سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) في إطلالتها الـ (34) بفضل الله القدير الوهاب سبحانه:
➊ ما بعث الله رسولا ولا نبيا إلا أيده بالآيات البينات التي تدل كل عاقل ومتجرد للحق على صدقه وأنه مرسل من الله حقًا وصدقًا وكان أعظمهم حظا في هذا الباب خاتمهم وأعظمهم وإمامهم وسيد الخلق أجمعين محمد بن عبدالله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وأيده الله تعالى بمعجزات كثيرة أوصلها بعض العلماء إلى ألف، ولعل منها تفوقه صلى الله عليه وسلم وعظمته في كل باب من أبواب التميز العظمة، فمن اطلع على حياته باحثًا عن الحق ومتجردًا له، مستخدمًا العقل الذي وهبه الله، فإنه ولا بد أن تحاصره الدهشة ويسلم ويذعن أنه لا بد وأن يكون رسولًا مرسلًا ومؤيدًا من عند رب العالمين، فمع أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمِّيًّا لا يقرأ ولا يكتب ونشأ في بيئة بعيدة عن أسباب العلم الدنيوي والحضارة المادية، إلا أنه جمع العظمة من أطرافها، فهو عظيم في أخلاقه، عظيم في معاملاته مع أعداءه فضلًا عن أتباعه، عظيم في حربه وسلمه، عظيم في تعليمه وتوجيهه وتربيته، عظيم في شجاعته، عظيم في حربه وسلمه، في غناه وفقرة، عظيم في كل جانب من جوانب العظمة الموجودة عند البشر وغير ذلك كثير {﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾} ( آل عمران: 164)
********
➋ « بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»[1] هكذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أبرز مظاهر الغربة التي يعاني منها المسلمون اليوم هو الحيلولة بينهم وبين ما يشتهون من العيش في مجتمع يسود فيه النور الرباني والشريعة السمحة الهادية لمنزلة من الحكيم الخبير سبحانه، فبلاد المسلمين -إلا ما رحم ربك- تئن تحت وطئة بدائل وضعية وضيعة أنتجتها عقول قذرة تم بها استبدال شرع الله العزيز الحكيم بضلالات بشرية ظالمة، وهذا الاستبدال بين قليل وكثير، فقد يكون تعطيل للحدود وربما يصل إلى نشر الرذيلة الفجة والكفر البواح والشرك الصريح في بلاد بها أكثرية مسلمة ولكن لا حول لهم ولا قوة، ولو أنك ذهبت إلى كل مجتمع مسلم وسألت ألا تريدون تحكيم شرع الله في كل أمور حياتكم بما في ذلك الحدود لكان جوابهم بلى ..وألف بلى، ولكن شياطين الأنس والجن من كفرة ومنافقين قد حالوا بين المسلم والتمتع بالحكم في ظل شريعة الله العادلة والله والمستعان، والحقيقة أن أنفسهم تتوق، وأفئدتهم تهوى، وأرواحهم تتطلع إلى تحكيم ( {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} ).
********
➌ (يوشِكُ أنْ يقعُدَ الرجلُ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ ، يُحَدَّثُ بحديثٍ مِنْ حديثي ، فيقولُ : بينَنَا وبينَكُمْ كتابُ اللهِ ، فما وجدْنا فيه مِنْ حلالٍ اسْتَحْلَلْناهُ ، وما وجدَنا فيه مِنْ حرامٍ حرَّمْناهُ ، ألَا وإِنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ مثلَ ما حرَّمَ اللهُ) هذا الصنف الضال عن القرآن ينشط بين المسلمين عمومًا والشباب خصوصًا حيث يشككون المسلم في دينه ويحاولون قطع الصلة بينه وسنة نبيه وفهم السلف الصالح، (ومنكر السنة كافر مرتد)[2] فالتصدي لهم غاية في الأهمية، ومن فضل الله أن هؤلاء الضلال شبهاتهم تافهة يسهل إبطالها والعلماء يذكرون الكثير من الأمثلة المبطلة لمنهجهم نضرب هنا مثالين الأول قول الله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا} ... الآية} [البقرة:143] )فقد أمر الله المسلمين بالتوجه لقبلة قبل البيت الحرام وهذا الأمر غير موجود في القرآن، ومثال آخر هو قول الله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) فما هي الميتة وهل نأكل لحم الحيوان إلا ميّتا وماذا عن السمك وما معنى الذكاة والكثير من الأسئلة في كثير من الآيات التي تفحم النكرانيين، ومن أراد معرفة أحوالهم والرد على شبهاتهم بشكل مختصر فعليه بكتابين هما: منكرو السنة المذهب الضال عن القرآن، وأفي السنة شك، الأول لـ د.هيثم طلعت، والآخر لـ احمد يوسف السيد حفضهما الله.
********
➍ الكتابة نعمة جليلة القدر من نِعَم المولى جل وعلا، ومن شكْرِها استعمالها فيما يرضي الله والذب عن دينه وسنة نبيه، فهي سلاح يُجاهد به في سبيل الله وإعلاء كلمته، ومن أراد أن يكون كاتبًا فعليه بخصلتين اثنتين: الأولى: الإكثار من القراءة لا سيما لمواد من الأدب العالي، والثانية: الكتابة اليومية ولو بدون نشر، وقد تبرز لبعضهم مشكلة وهي فيم يكتُب، والجواب سهل ويسير؛ فكل شيء تراه أو تسمعه أو تقرأه أو حتى خاطر يمر بقلبك يصلح للكتابة فيه، كما أن تلاوتك للقرآن بتدبر يثير فيك الكثير من المواضيع التي يمكنك الكتابة فيها، أيضا الأحاديث النبوية وغير ذلك كثير، المهم أن تبدأ وتستمر في القراءة المقرونة بالكتابة.
.********
➎ ليس كل المسلمين يصلي المفروضة في جماعة بل الأغلب يصليها في البيت ومنهم من لا يعرف المسجد إلا يوم الجمعة وهناك من يزعم أنه مسلم ولا يصلي إطلاقا وهذا على خطر عظيم فقد جاء في الحديث «العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ، فمَن تركَها فقد كفرَ» «بينَ الرجلِ وبينَ الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ» ، لكن حديثنا بالذي منَّ الله عليه بالحضور للصلاة في جماعة المسلمين، الحديث عن حالهم بعد الصلاة فهم أنواع أيضا: فمنهم من يخرج من المسجد إثر التسليم كأنما يهرب من سجن، ومنهم من يسبح وتتحرك شفتيه وأصابعه وقلبه في واد آخر، حتى إنك لو كلمته لاستمرت أصابعه في حركتها تلقائيا كأن التسبيح حركة الأصابع فقط، والذي ينبغي أن تتواطؤ حركة اللسان مع حضور القلب، والذكر باب عظيم من أبواب الخير لذا يحرص الشيطان على صرف المسلم عنه، فإن لم يستطع صرفه بالكلية صرف قلبه عن التفكر فيما يقول، والأمر يحتاج إلى مجاهدة كما أن الخشوع يحتاج مجاهدة أيضا، وغالبا من خشع في صلاته ففي الذكر بعد الصلاة يكون حاضر القلب متفكرا فيما يقول، وبهذا يحصل على الأثر العظيم للذكر في الدنيا قبل الآخرة.
وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان.
[1] رواه مسلم

[2] موقع الإسلام سؤال وجواب رقم السؤال (9067)










ابوالوليد المسلم 29-05-2025 01:28 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (35)

سالم محمد



سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) في إطلالتها الـ (35) بفضل الله العليم الخبير سبحانه:
➊ الشركات عندما تفتح باب التسجيل للوظائف الشاغرة فإن تهتم بجانب الخبرة بالإضافة إلى الشهادة، فكثير من الأعمال تتطلب الخبرة ولا تحتاج إلى شهادة، وغني عن التعريف الأهمية القصوى للخبرة في أي مجال، والحديث هنا موجه إلى الآباء، فأبناؤهم مقبلون على دخول معترك الحياة الصعب والمعقد ولكي يتسلح الابن بالخبرة اللازمة لخوض غمار الحياة، فيحتاج مخالطة الناس والتعلم ميدانيًا من خلال التجربة في أرض الواقع، ومن الأفكار الجميلة أن يختار ولي الأمر عملًا مناسبًا لولده عند أشخاص أمناء ثم لا بأس أن يدفع هو المال إلى صاحب العمل دون أن يشعر الابن، فيأخذ الابن المال من أبيه بطريقة غير مباشرة بالإضافة إلى اكتسابه مهارات عديدة كالاستقلال في تحصي المال وترك حياة اللهو واللعب والتعامل مع أصناف مختلفة من الناس ومعاشرتهم وغير ذلك من الفوائد وهذا مفيد جدًا للابن في مستقبل عمره، فهو يكسب الابن فوائد كثيرة بأثر عميق ومؤثر، ولنا في المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم الأسوة فقد اشتغل بالرعي صغيرًا وسافر وعمل بالتجارة يافعًا، وشارك في الحروب شابًا.
********
➋ إذا أردت أن تعطل طاقة ما سواء لفرد أو جماعة أو حتى طاقة أمَّة، فعليك أن تزرع في نفوسهم اليأس، فهو كفيل بأن يكبل طاقاتهم بل ربما دفعهم إلى تثبيط غيرهم، والمسلون اليوم في حالة من الضعف الشديد والهوان المرير، فدماؤهم أرخص الدماء، وأعراضهم أبخس الأعراض، وأرضهم مستباحة، وثرواتهم منهوبة، ولا يتحكمون حتى في وضع قوانينهم، وهذا الواقع المرير ليس علاجه باليأس والقنوط والقعود والتثبيط، ولكن بالأخذ بالأسباب المتاحة مهما كانت ضعيفة واليقين بوعد الله والالتجاء إليه، فالحل الأمثل للواقع المرير هو العمل لا اليأس، ونحن مأمورون بالمشي في الطريق لا الوصول إلى غايته، فكل فرد منا يستطيع عمل الكثير والكثير، فعليه أن يبدأ بنفسه ويثنِّي بمن له عليه ولاية من أبناء وزوجه وعمال وغيرهم، فاليأس يزيد الأمر سوءً والأعداء تمكنًا، والطاقات تعطيلًا، فلا تيأسوا من نصر الله فالعاقبة للمتقين، { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34)]
********
➌ لو نظرنا إلى القرآن الكريم كتاب الله الذي فيه كلامه وأنزله هداية للناس وجعل اتِّباعَه أمان لهم من الشقاء والضلال وحياة طيبة في الدنيا وسعادة أبدية في الآخرة، لوجدنا ما يقارب الثلث منه قصص بمعنى آخر تاريخ، وبهذا نعرف المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة لعلم التاريخ، وبفضل الله تزخر المكتبة الإسلامية بمؤلفات عديدة حوت أحداثًا تاريخية منها مثلا كتاب البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله، لكن ماذا لو عمد طالب علم أو باحث إلى كتاب تاريخ مثل الكتاب المذكور آنفًا، بحيث يأخذ كل حدث ويعلق عليه بأهم الفوائد والعبر وماذا كان ينغي فعله أو لا ينبغي فعله في واقعة ما، وما هي المخالفات الشرعية في الحدث التي تسببت في وقوع مكروه أو مأساة ما، ثم ذِكْر الموقف الشرعي الصحيح الذي كان ينبغي العمل به، بهذه الطريقة يكون التاريخ روحًا تنبض بالحياة ونبراسًا لحاضر الأمة ونورًا لمستقبلها وتتجنب به تكرار الوقوع في الأخطاء، كما أن دليل لكل أحد خصوصًا المصلحين والحكام للتصرف المناسب في المواقف المشابهة، فنسأل الله أن يقيض لكتب التاريخ من يجعل عبرها ودروسها مصابيح في متناول الجميع.
********
➍ إذا ذُكِرت الصدقة تتجه أذهان الكثير إلى الجيوب والأرصدة وما فيها من مال، أي أنهم يضيِّقون مفهوم الصدقة بالنوع المالي، والجُود بالمال من أفضل أنواع الصدقة إلا أن للصدقة أنواعًا كثيرة غير بذل الدراهم والدنانير، والإشارة هنا ستكون لنوع قلَّ أن يحسبه الناس من الصدقة، حيث لا مال ينفق، ولا جهد يبذل، ولا حتى لسان يتحرك، فقط «(تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ)» نعم هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم أردف بقوله: «(فإنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ)» فسبحان الله! ما عظم الإسلام، إنك عندما (تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ فإنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ) ما نقص مالك، وما أتعبت نفسك وما تفوهت بكلمة، فما أيسر هذه الصدقة على من يسرها الله عليه فهي مما لا يَعجِزُ عنه أحَدٌ، حتى لو كان لا يجد قوت يومه، كما أن انتشار هذه الصدقة بين الأسر وفي المجتمعات يجعلها تعيش في بحبوحة من الأمان والتراحم، والثواب من الكريم سبحانه.
.********
➎ إذا أردت مثالًا على محرم مقطوع بتحريمه كأنه أشبه ما يكون بالحلال فهو الربا،، مع أن الله تعالى قال {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ) وكذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم «(لعَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبا، ومُؤْكِلَه، وكاتِبَه، وشاهِدَيْه، وقال: هُم سَواءٌ)» (أخرَجه مسلمٌ (1598)) فالربا جريمة شنعاء وظلم صريح وأكل لأموال الناس بالباطل إلا أنه مستشري في الناس ولا يكاد توجد دوله لا تمارسه وتشجعه فضلًا أن تمنعه، ومما لا ينتبه له كثير من المسلمين أن يحملوا أشياء تروج لهذا الظلم الصارخ كالملابس فيها أسماء بنوك وهذا من التعاون على الإثم والعدوان والركون إلى الذين ظلموا وقد نهانا الله تعالى عن ذلك بقوله { (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)} فباب الربا – والله المستعان- ولغ فيه الحاكم قبل المحكوم والشريف من الناس قبل الوضيع، والصائم المصلي قبل التارك لصلاته وصيامه إلا من رحم ربك.
. وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان.









ابوالوليد المسلم 02-06-2025 10:19 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (36)

سالم محمد




➊ دخلت أيام العشر من ذي الحجة وفضها معروف فقد قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ» [1] وبينما أنا أبحث عن فديو حول تكبير العيد لأنشره في حالة الواسآب وكذلك الاستمتاع بسماع تكبير الله وحمده إذا بين نتائج البحث عن تكبير العيد فيديوهات عن تكبير الثدي والله المستعان، وهذه الظاهرة -للأسف-تشمل الكثير من كلمات البحث فأنت تبحث عن فائدة تأتيك شبهة قاتلة، تبحث عن معلومة تأتيك الشهوات في أقذر صورها، تبحث عن دورة في مجال من المجالات تأتيك إعلانات لدورات تشككك في سنة نبيك وتسرق آخرتك، وهذا ربما يكون سبب لانحراف الكثير من البنات والشباب وانزلاقهم في مستنقعات الشهوات ودهاليز الشبهات، مع ما هم عليه من ضعف إيماني وعلمي، فهل لهذه المشكلة من حل!؟ لو كانت الغلبة لأهل الاسلام لما سمحوا لهذه السموم بالتسلل إلى القلوب الضعيفة، لكن لا نيأس ونحاول أن تبتكر حلولا ولو جزئية لمكافحة هذا الشر، والمحاولة قدر الإمكان توجيه الصغار والشباب والبنات والإشراف على ما يتابعونه، أما أهم حصن للتصدي لهذا السيل الهادر هو تحصينهم علميًا بعلم الكتاب والسنة، وإيمانيًا بزرع مراقبة الله في نفوسهم وقلوبهم.
.********
الأخلاق الفاضلة تجعل المسلم محبوبًا عند الله وكذلك بين عبادِ الله، ومنزلتها في الإسلام عظيمة حتى قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «(إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ)» ولا يخفى على شريف علمكم أن أحسن الناس خَلْقًا وخُلُقًا هو صفوة البشر صلى الله عليه وسلم كيف لا وقد وصفه الله بقوله:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ولتأمل قليلًا وننظر ما هو أهم أمر بُعث النبي صلى الله عليه وسلم لأجله؟ الجواب: الدعوة إلى إفراد الله تعالى بالعبادة ومحاربة الشرك صغيره وكبيره، وهذا هو حق الله تعالى على العباد، فأعظم وأهم وأعلى الأخلاق هو أداء حق الرب جلا وعلا، وهذا المعنى يغيب عن أذهان الكثير، فيحجِّرون معنى الأخلاق في التعامل الحسن مع الخلق، وينسون أو يتناسون أن من لم يؤد حق الخالق فإن احسانه للخلق يذهب هباءً منثورًا، ولذلك فالكفار أسوأ الناس خُلُقًا وقد وصفهم الله بقوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وبقوله: {(أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)} فتبًا لمن يصف الكفار بأن أخلاقهم عالية وأسوأ منه من يفضلهم على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله.
********
➌ أغلبنا أو كلنا سمع عن عظمة القرآن وأصافه الكثيرة المبثوثة بين دفتي المصحف مثلًا أنه (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) وأنه (شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ) وكذلك قال الله عنه: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ) وغيرها من الأوصاف العظيمة، ولكن كثيرًا ما نسمع أو نتلوا كتاب ربنا ولا يؤثر في قلوبنا ولا يظهر كما ينبغي على جوارحنا، فكيف نتأثر بالقرآن ظاهرًا وباطنًا؟ لذلك أسباب كثيرة منها: أخلص نيتك، ولتكن غايتك من التلاوة: رضا الله عز وجل، أيضًا طهّر قلبك من الأمراض لا سيما الشهوات واتباع الهوى، كذلك استحضر أن الله يُكلّمك فاستمع وأنصت وقُلْ بقلبك وجوارحك قبل لسانك: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)، ولا تنس الربط بين الآيات وحياتك الواقعية فكتاب الله ( تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) وقبل ذلك عليك معرفة معاني ما تقرأ ويمكنك الاستعانة بكتاب: المختصر في تفسير القرآن الكريم، وهو تفسير شهير ومنتشر، كما عليك أن تتبرأ من حولك وقوتك وتلجأ إلى ربك متضرعًا أن يفتح الله قلبك لكلامه ويدخلك جنة التدبر التي هي المقصود من إنزال القرآن: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29 )
********
➍ إذا ذُكِرت الصدقة تتجه أذهان الكثير إلى الجيوب والأرصدة وما فيها من مال، أي أنهم يضيِّقون مفهوم الصدقة بالنوع المالي، والجُود بالمال من أفضل أنواع الصدقة إلا أن للصدقة أنواعًا كثيرة غير بذل الدراهم والدنانير، والإشارة هنا ستكون لنوع قلَّ أن يحسبه الناس من الصدقة، حيث لا مال يُنفَق، ولا جهد يُبذَل، ولا حتى لسانًا يتحرك، فقط «(تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ)» نعم هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم أردف بقوله: (فإنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ) فسبحان الله! ما أعظم الإسلام! إنك عندما (تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ فإنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ) ما نَقَصَ مالك، وما أتعبتَ نفسك وما تفوهت بكلمة، فما أيسر هذه الصدقة على من يسرها الله عليه فهي مما لا يَعجِزُ عنه أحَدٌ، حتى لو كان لا يجد قوت يومه، كما أن انتشار هذه الصدقة بين الأسر وفي المجتمعات يجعلها تعيش في بحبوحة من الأمان والتراحم، والثواب من الكريم سبحانه.
.********
الجهاد في سبيل الله مفهومه واسع ولا يقتصر على القتال المسلح، بل إن هناك جهادًا لا قتال فيه وإن كان له أسلحة، وسلاحه الحجة والبرهان وجبهاته رد الشبهات وبيان الحق وإبطال الباطل وإفحام المبطلين المشككين في شريعة رب العالمين، وكما أن الجهاد الميداني له جبهات مختلفة وأسلحة متنوعة ويواجه أعداء متباينون وكذلك المقاتلين تخصصاتهم شتى: فهناك الطيارون والمشاة وجنود البحرية وبعضهم دعم وإسناد وهناك أطباء وجيش إعلامي بل وجيش إلكتروني، كذلك الجهاد بالبيان يحتاج إلى تخصصات، فالناس بحاجة إلى من يبين لهم الحق ويدعوهم إليه، ومن يرد عنهم الشبهات وإلباس الحص بالباطل، وباب الشبهات أيضًا واسع: فمن شبهات في وجود الله إلى الطعن في الأنبياء والقرآن والصحابة وفهم السلف واخطر هذه الأنواع هو تشكيك المسلم في سنة نبيه وإسقاط فهم السلف الصالح للقرآن والسنة وكذللك المنازعة في الإجماع، وذلك أن الهجوم المباشر على الإسلام يستنكره عوام المسلمين فضلًا عن متعلميهم، أما من يشكك في فهم السلف فيظهر نفسه بمظهر الحريص على الإسلام بل وعلى التجديد فيه ويدس السم في العسل ويخلط الحق بالباطل وربما خدع الكثير من المسلمين ضعاف العلم والإيمان، فلذا علينا أن نجهز جيش من طلبه العلم المفرَّغ ونوقف لهم الأوقاف ونمدهم بكل ما يلزم للجهاد بالبرهان وذلك ليخوضوا ميادين الجهاد بكلمة العدل والحق فـ(أفضلُ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند سُلطانٍ جائرٍ) والله تعالى قال:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
. وصلى الله على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان.


[1] أخرجه أحمد (5446) وصححه شعيب الأرناؤوط











ابوالوليد المسلم 12-06-2025 03:05 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (37)

سالم محمد



(هَمَسات .. في كلمات) في نسختها الـ (37) بفضل الله وعونه:
➊ إلى القلوب المجروحة، والخواطر المنكسرة، والنفوس اليائسة، اعلموا أنكم في الدنيا وأن كل شيء فيها إلى زوال بما فيه أحزانكم، فحولوا أحزانكم ومصائبكم إلى مكاسب «(عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له)» واعلموا أن الله ما أنزل من داء إلا وله ودواء، ودواؤكم الناجع وبلسمكم الشافي الذي يلملم الجراح، ويجبر الانكسار ويحي النفوس في متناول أيديكم وبالمجان ومضمون النتائج وسليم العواقب، هل تعرفونه إنه في كتاب الله {(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)} نعم .. إنه في ذكر الله ( {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب} ُ) ومن ذكر الله الصلاة على رسوله ومصطفاه، ولا تغفل عن الصلاة ف(كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا حزبَهُ أمرٌ فزعَ إلى الصَّلاةِ) أي أن نلجأ الى الخالق قبل المخلوق.
..********
➋ هاجس مزعج لكثير من الشباب قبل الزواج وبعد الزواج وحتى بعد إنجاب الأولاد هو امتلاك مسكن، وهذه أمنية كل أسرة ولا تحقق للكثير من الأسر وربما يموت رب الأسرة قبل أن يسكن في بيت يملكه، ولو قيل لأحدنا اقرأ سورة ما ألف مرة، أو صلِّ في يوم ألف ركعة واحصل على قطعة أرض بيضاء ليس عليها بناء وتصلح لبناء بيت، لو قيل لنا ذلك ما تخلَّف معظمنا عن ذلك طمعًا في الحصول على بضعة أمتار من الأرض في دنيانا الفانية، بينما لو تأملنا في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم التي فيها وعد الله الذي لا يخلف الميعاد بأن هناك أعمالًا يسيرة يضمن بها المؤمن بيت ولكنه في الجنة وليس في الدنيا، بيت لبنة من ذهب ولبنة من فضة، فـ(من صلَّى في يومٍ وليلةٍ اثنتي عشْرَةَ ركعةً تطوعًا غيرَ فريضةٍ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ) وهناك أعمال أخرى تبنى بها بيوت الجنة، ولكننا – إلا من رحم ربك – قد استحوذت علينا الغفلة وضعُف يقيننا، وحالنا مع الدنيا وصفه الله في كتابه بقوله { (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْر وَأَبْقَى)} والله تعالى حذرنا من التعلق بالدنيا في كثير من المواضع في كتابه كقوله: {(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ)}
.********
➌ الانسان اجتماعي بطبعه، وأكثر من ينبسط معهم أصدقاؤه لا سيما في مقتبل العمر، فترى الشاب ينشرح صدره عند صديقه أو أصدقائه ويتكلم ويتصرَّف معهم وبينهم بأريحية تامة، ويقول من الكلام ما لا يقوله لواديه في البيت أو للمعلم في المدرسة أو المسجد، وهنا يحدث التأثير والتأثر بمحيط الأصدقاء، هذا يقودنا لأمرين مهمين، أولهما أن أكبر المؤثرين على ابنك وابنتك هم أصدقاؤهم، فإن صلحوا صلحوا مثلهم وإن فسدوا جروهم إلى الفساد والهلاك، ولا يمكن للولد - لا سيما المراهق - أن يكون بدون أصدقاء، والحل الأنسب هو إبعاده عن أصدقاء السوء وتوفير البديل الصالح، الأمر الآخر هو أن يكون الوالدين لولدهما مثل الصديق، هنا يكسبان ولدهما وإذا حصلت له مشكلة يبوح لهما دون غيرهما، فقد تواجه الابن مشكلة ولكن لا يلجأ إلى أسرته نتيجة للجفاء في التعامل مع والده، خصوصا المشكلات ذات الطابع الأخلاقي، فكثير من الذئاب البشرية يخدعون الشاب الصغير أو الفتاة ثم يبتزونه فيجد نفسه بين نارين، نار الأسرة وما يتوقع منها من عقوبة وفضيحة، ونار الذئب البشري، ثم قد يخضع لهذا المجرم فيحدث ما لا تحمد عقباه، وإذا أردنا طريق مختصر لأصدقاء صالحين لأبنائنا فهو حلقات القرآن الكريم، فإذا اخترت لولدك أو بنتك محضن قرآنيا مباركًا فحري به أن يكون أصدقاءه أو أصدقاءها من أهل القرآن، مع الانتباه إلى أن المدارس النظامية عادة ما تحمل خليط من أصدقاء السوء فينبغي الانتباه لها.
********
المرض يكسر النفس البشرية ويُظهِر ضعفها، ولذا فإن الأطباء المشهورين يزدحم الناس على أبوابهم، مع بذل الكثير من حرِّ مالهم؛ حتى يتذوقوا طعم العافية التي فقدوها أو فقدها أحد أحبابهم لا سيما الاولاد الذين هم فلذات الاكباد، وهناك نوع من الأمراض مرهق للمريض، ومتعب لمن معه من أهل وأقارب، ألا هو المرض الناتج عن عين أو سحر فهذا الصنف من المرضى يلهثون خلف الرقاة وربما اتجهوا للسحرة والمشعوذين جهلا أو ضعف ديانة، ولذلك تجد الراقي لا يكاد يجد وقت يلبي فيه حاجة الناس للرقية ومنهم من اتخذها مهنة، ولقلة الرقاة وكثرة المسحورين والمصابين بالعين، وقبل ذلك فإن السحرة في معظم بلاد المسلمين يسرحون ويمرحون من غير نكير؛ لأن الحد في معظم مجتمعات المسلمين معطل، بل إن كثيراً من الدول لا تعترف في قوانينها بأن السحر جريمة أصلًا، وربما اعتبر السحر فنًّا من الفنون الجميلة، فضلًا من أن تقيم عليه حد السحر والله المستعان، والحق أن الساحر ظالم يستحق القتل، وذلك لشدة خطره وإفساده لعقائد الناس وأبدانهم، فإذا كان هذا الوضع فعلينا أن نتعلم كيف نرقي أنفسنا وأهلينا وقبل ذلك كيف نتحصن من شر للسحرة الحساد؛ فالوقاية خير من العلاج، ولنسع ما استعطنا إلى ذلك سبيلًا في حمل ولاة الأمر على تطهير البلاد، وتخليص العباد من شر السحرة والمشعوذين وإقامة حكم الله فيهم، حيث أن(حدُّ الساحرِ ضربُه بالسيفِ).
..********
➎ مما يثلج الصدر، ويفرح النفس، ويقر العين، كثرة الداخلين في الاسلام، والإسلام أسرع الأديان انتشارا وهذه حقيقة يقر بها الأعداء قبل الحلفاء، ولكن المتأمل في قصص الكثير من المهتدين الجدد يجد أثر القرآن الواضح عليهم؛ فتجد من يقول ابهرني القرآن، أحسست أن الله يخاطبني، وآخر يقول أجاب القرآن عن كل تساؤلاتي، وثالثة تقول كلما قرأت بكيت وبكيت، وربما تجد من يقول كان القرآن النور الذي أضاء لي الطريق، ومن يقول إن حياتي يعد اطلاعي على القرآن كان لها معنى، العجيب أن هؤلاء وغيرهم كثير إنما اطلعوا على ترجمة لمعاني القرآن بلغتهم الأم، فكل هذه التأثر عليهم بدون أن يقرؤوه بلغته التي نزل بها على محمد صلى الله عليه وسلم فسبحان الله ما اعظمه، وما أعظم كلامه، هذا يدعونا أن نحمد الله أن جعل لغتنا الأم العربية، ويسر لنا فهم كتابه مباشرة من غير واسطة ترجمة، فما علينا إلا التدبر لكتاب ربنا وجعله نبراسًا ينير حياتنا وينظمها.
والحمد لله رب العالمين.







ابوالوليد المسلم 21-10-2025 02:06 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 
هَمَسات .. في كلمات ... (38)

سالم محمد



➊ تعوَّد الكثير من الناس أن يستقبل يومه الجديد بأمور لعل أبرزها ما يسمى بقهوة الصباح، لكن ما أجمل أن يبدأ المسلم يومه بعد أن تعود إليه روحه؟ وذلك بعد الاستيقاظ من نومه والابحار في مشوار يومه، إن أجمل وأروع بداية هي ذكر الله بعد استيقاظه، ثم الوضوء وصلاة الفجر في جماعة وقبلها ركعتين خير من الدنيا وما فيها ، ثم يلهج بما بشيء من أذكار الصباح وقراءة ما تيسر من القرآن، بعد ذلك يأخذ بطرف من العلم، إما قراءةً أو حفظًا أو استماعًا فإن هذا الوقت وقت صفاء وانشراح، ولا يغفل بعد ذلك أن يصلي ركعتين الضحى ثم يسبح في لُجَجِ يومه ويغوص في أعماله، ويترك النوم بعد صلاة الفجر، فإن البكور وقت مبارك وفيه قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:(اللَّهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورِها) أما إذا كان له حظ من الصلاة ثلث الليل الآخر فهذه جنة الدنيا وجمع بين الحسنيين.

..********
➋ «(طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ، وإِنَّ طالبَ العلمِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ ، حتى الحيتانِ في البحرِ[1])» (و مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) والنصوص في فضل العلم وأهله وعظيم فائدته في دنيا العبد وآخرته كثيرة، وفي زماننا بقدر ما سهل اقتراف الآثام، تيسر أيضًا المسارعة للخيرات وسلوك طريق الجنان، ومن ذلك سهولة طلب العلم عن طريق السماع، فبفضل الله ومنته تتوفر مئات الآلاف من الساعات الصوتية للدروس والخطب والفتاوى والمحاضرات والدورات والكتب المسموعة النافعة فضلًا عن الإذاعات النافعة، فهناك دروس التفسير والحديث والسيرة والعقيدة وغيرها، فما على المسلم أو المسلمة إلا أن يسمع أثناء قيادته للسيارة مثلا، والمرأة في حاجة بيتها ومطبخها، والعامل في مكان عمله، فإن كثير من الأعمال يستطيع المسلم أن يجمع فيها بين عمله وسماعه للخير والعلم الشرعي، فكم من ساعات أهدرت في القيل والقال لو صرفت في سماع العلم النافع لكان لصاحبها شأن آخر بمرور الأيام والأعوام، بل إن المرء يستطيع أن يستمع للعلم أثناء راحته واسترخائه، فالحمد لله الذي وهبنا أسباب مرضاته والموفق من وفقه الله تعالى.
.********
➌ ما أكثر ما قيل عن السعادة وكتب عنها، وكل عاقل ينشدها، ولكن ليس كلهم حصلها، بل أكثرهم ضل سبيلها، وعمِيَ عنها، ولذا فإن المنتحرون سنويًا بالآلاف وفيهم الأغنياء بل والأثرياء، والسؤال ما هي طريق السعادة وأين باب ولوجها، أما جواب السؤال فسعادتنا قد بينها لنا خالقنا وهو أعلم وأرحم بنا من أنفسنا، السعادة باختصار في تعلق العبد بخالقه حُبًا وخوفًا ورجاءً، السعادة في بذل المعروف مهما صغر للمخلوقين ابتغاء وجه الخالق سبحانه، السعادة في جعل الدنيا مطية وقنطرة إلى جنة عرضها السموات والأرض {(وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)} ، إذن اجتهد في عبادة الخالق واسْعَ في نفع المخلوقين ولو بابتسامة مشرقة، أو كلمة طيبة، وأعظم نفع للخلق هو نشر العلم الشرعي والدعوة إلى الله تعالى لإخراج الناس من ظلمات الكفر والمعصية إلى جنة الإيمان والطاعة.
********
➍ « بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» [2]هكذا جاء عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، وإن من أبرز مظاهر الغربة في هذا الزمان، تنحية الحكم بالشريعة الإسلامية وربما محاربة تطبيقها، ومن شدة غربة هذا الأمر تجد أن كثير من جهلة المسلمين والمخدوعين بالمناهج الوضعية كالديمقراطية يقول بكل صراحة إنه يريد دولة مدنية ولا يهمه تطبيق الشريعة الإسلامية، ظنا منه أن تطبيق الشريعة خيار من ضمن الخيارات المطروحة لطريقة الحكم، وما درى هذا الجاهل ومن خدعه أنه لا توجد مقارنة أصلا بين شريعة هي وحي إلاهي ونور رباني وعدل مطلق، ومناهج وضعية وضيعة كالديمقراطية التي هي في الحقيقة عبادة للأموال والشهوات والأهواء، كما أن تطبيق الشريعة الإسلامية يشمل سعادة الدارين الآخرة والأولى، بينما كهنة المناهج الوضعية لا تقيم للآخرة وزن هذا إن كانوا يؤمنون بها أصلًا {(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)} .
..********
➎ (فمي بشوق) إن لم تفهم مغزى هذه العبارة فلعلك لست حافظًا للقرآن أو لست ممن يكثر من ختم القرآن، لو سألنا عن حالنا مع تلاوة القرآن فكثير من المسلمين لا يختم القرآن أبدًا ولو مرة في العام، وبعضهم من رمضان إلى رمضان، وصنف لا بأس به يختم كل شهر أو شهرين، وقلَّ من يسلك طريق السلف وهي ختمة كل أسبوع، وهؤلاء يستخدمون طريقة (فمي بشوق) حيث البداية بالفاتحة، واليوم الذي يليه يبدأ بـ المائدة وبعده يونس، وفي اليوم الرابع البداية بـ الإسراء ثم الشعراء فالصافات أما آخر يوم فمن سورة ق إلى الناس، فأي حياة يعيشها ذلك العبد الذي يختم كل أسبوع في غير رمضان، وأي أجور عظيمة حصلها، اللهم اجعلنا من يتلوا كتابك آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنه.


[1] صحيح الجامع (3914)

[2] رواه مسلم (145)











ابوالوليد المسلم 17-12-2025 05:19 PM

رد: هَمَسات .. في كلمات ...
 


هَمَسات .. في كلمات ... (39)

سالم محمد

(هَمَسات .. في كلمات) في نسختها الـ (39) بمنة الله وفضله .............................................


➊ (ثمَّ اعتذرَ إليَّ) مَن المعتذِر؟ ومن المعتذَر إليه، أما المعتذر فهو سيد الخلْق وأشرفهم، وأحسن الناس خلْقًا وخلُقًا، أما تكملة الصورة: فقد قال أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(أَتَيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يبولُ، فسلَّمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ حتى توضَّأَ، ثمَّ اعتَذرَ إليَّ، وقال: إنِّي كرِهتُ أنْ أذكُرَ اللهَ تعالى إلَّا على طُهرٍ. أو قال: على طهارةٍ)» [1] إذا تأملنا في الحدث تبين لنا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يخطئ حتى يعتذر ولكنه القدوة في الأخلاق، إنه باختصار قرآن يمشي على الأرض فقد «(كان خُلُقُه القُرآنَ)» فياليت أن لنا حظًا من الاعتذار فنريح ونستريح، كم نحتاج إلى خُلُق الاعتذار ليزيل الوحشة من بيوتنا بين الأخ وأخيه، بين المرء وزوجه، بل بين الأبن وأبيه، نحتاج الاعتذار لتسود الألفة بين الجيران والزملاء في العمل، بل بين الأصدقاء والأخلاء، فتعامل الناس واحتكاك بعضهم ببعض يؤدي ولا بد إلى حصول الزلل من طرف تجاه الآخر، الاعتذار يحتاج إلى شجاعة خصوصًا من الأعلى إلى الأدنى، وباختصار الاعتذار خلق نبيا المختار، فإذا اعتذر إليك أحد فلا تتردد في قبول اعتذاره، وإذا أحسست أنك قصرت أو أخطأت في حق أخيك فبادر إلى الاعتذار وقدوتك في المصطفى المختار.
********
➋ « (صلُّوا أيُّها الناسُ في بُيوتِكم؛ فإنَّ أفضلَ صلاةِ المرءِ في بيتِه إلَّا الصلاةَ المكتوبةَ)» [2] هذا حث صريح من رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام على أن نجعل لبيوتنا حظًا من صلاتنا، وفي ذلك حكم كثيرة وجليلة، منها الإخلاص لله تعالى حيث الصلاة ليست بين الناس كما هو الحال في المسجد، وأيضًا عمارة البيوت بطاعة الله فالعمارة الحقيقة لأي مكان إنما هي بطاعة الله والتقرب إليه بصنوف العبادات حيث تحل البركة وتنزل السكينة وتغشى أهل البيت الرحمة وتحفهم الملائكة ، ومنها أيضًا تعليم الأهل والولد بالقدوة؛ فالأبناء الذين تعودوا على رؤية والدهم يركع لخالقه ويسجد لمولاه في البيت فسيتعلموا ويتأثروا ولا بد، كما أن الكثير من البيوت مظلمة وتعشعش فيها الشياطين بسبب ما فيها من اللهو والغفلة عن ذكر الله، فالصلاة نور للعبد في وجهه وقلبه وقبره وكذلك في بيته.
********
➌ «(بادِروا بالأعمالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، أو يُمسي مُؤمِنًا ويُصبحُ كافِرًا، يَبيعُ دِينَه بعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا)» إن هذا الحديث مخيف ومخيف جدًا، دين المرء الذي سر سعادته ونجاته في الآخرة ينسلخ منه المرء وربما باعه بثمن بخس، والفتن التي تعصف بشباب وأبناء المسلمين اليوم تموج موج البحار، وتندفع اندفاع السيل، وتهيج هيجان الجمل والثور، وتحتاج من الجميع التكاتف للتصدي لها، من الأسرة والمدرسة والمسجد وقبل ذلك أولياء الأمر ومن جعل الله بيدهم سياسة الناس وحكمهم، والناظر المتأمل في حال شبابنا اليوم يجد أن من أعظم الفتن التي تزيغ قلوبهم جهلهم بدينهم وانبهارهم بسلوك عدوهم، حيث أن مدارس المسلمين في معظمها وللأسف الشديد يتخرج منها الطالب لا يكاد يحسن صلاته فضلًا عن تسليحه بالعلم الشرعي لكي يتصدى للشبهات، والرصيد الإيماني لكي يتصدى للشهوات، لذا علينا أن نركز في محاربتنا لهذه الفتن العاتية ببيان محاسن الإسلام وفضح افلاس المناهج الوضعية الغربية كالديمقراطية، فإن ما عند الإعداء من التخبط والضلال على مستوى المرجعية والتشريعات والانحطاط الأخلاقي ما يجعل كل عاقل ينفر منها ويفر إلى نور الوحي الإلهي المعصوم.
********
➍ هل تعرفون عاقلًا يبيع مُلك كبير بمتاع قليل، نعم والله كثير جدا من يزعم أنه عاقل بينما يتصرف تصرف أخرق أحمق وبكل غباء ورعونة، إنه كل من آثر متاع الدنيا {(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى)} إنهم صنف خسر وضيع ما وصفه الله بقوله {:( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)} سبحان الله! مُلك عظيم، ومن قال عنه أنه عظيم؟ إنه العظيم سبحانه، ومن رحمته أن حذرنا ونبهنا بقوله: {( أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)} لكن يبقى السؤال، لماذا يستبدل جمٌّ غفير من بني آدم الكثير الباقي بالقليل الفاني؟ هذا لأسباب كثيرة: منها الغفلة واتباع خطوات الشيطان، والانزلاق في بحر الشهوات العاجلة، وعدم الصمود أمام الفتن كفتنة المال والجاه والشهوات، وكذلك الإعراض عن شريعة الله وتعلم العلم النافع وغير ذلك، كما علينا أن ننتبه أن كل من سعى للفوز في الآخرة وسلك سواء السبيل، إنما ذلك بتوفيق من الله الهادي سبحانه، فنعمة سلوك الصراط المستقيم والثبات عليه على حتى وضع أول قدم في المُلك الكبير، أعظم النعم على الإطلاق.
********
➎ أرى أن القراءة بدأت تستهوي الكثير من الناس والشباب خصوصًا، وهذا طبيعي فالقراءة عالم من اللذة والمتعة وإذا كانت نافعة واجتمع معها صلاح النية فهو تجارة رابحة مع الله تعالى وسير في طريق نهاية جنة عرضها السموات والأرض، لأن من أجلِّ العبادات طلب العلم، ومن أوسع أبواب طلب العلم القراءة النافعة، ويمكن تقسيم القراء إلى أزاوج ثلاثة، فمنهم من يقرأ ويستفيد ولا يكاد يفيد، وهذا على خير لكنه فوت على نفسه خيرا كثيرا، وصنف كالنحلة التي تقع على النبات الطيب لتمتص رحيقه وتخرجه عسلًا مصفى فيه منافع للناس، وهذا الذي يقرأ وينتج، يستفيد ويفيد غيره، يتنقل بين بساتين الكتب وينتقي أعذب الزهور ليمتص رحيقها ثم يحوله إلى مواد نافعة، والإنتاج ليس مقصورًا علي تأليف الكتب، بل يشمل كتابة المراجعات حولها، والدلالة على النافع منها، وتهذيبها وتلخيصها، وجمع الفوائد منها وبثها للناس، وغير ذلك مما هو متاح لأغلب القراء، أما الصنف الأخير الذي اختار أسوأ المنازل، فهو كالزنبور يقرأ الكتب لا يستفيد ويفيد بل ليَضِل ويُضِل، ويبث سمومه، ويلسع من استطاع، ولسعه قد يكون قاتل ومميت ويجعل المرء يخسر الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة، وما أكثر هذا الصنف ومقارعته من الجهاد في سبيل الله.

[1] أخرجه أبو داود بسند صحيح.

[2] رواه البخاري (7290) واللفظ له ومسلم (781).












الساعة الآن : 01:03 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 271.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 270.29 كيلو بايت... تم توفير 1.69 كيلو بايت...بمعدل (0.62%)]