أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام أحاديث الطهارة (1) كتاب الطهارة الحديث الأول 1- عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"[1]. الطهارة في اللغة: التنزه عن الأدناس والأقذار. وفي الشرع: رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء، أو التراب عند عدم الماء، قال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ï´¾ [المائدة: 6].... الآية. • قوله: عن (عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- وفي راوية: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- على المنبر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول...) • قوله: (إنما الأعمال بالنيات...). • افتتح البخاري صحيحه بهذا الحديث في باب بدء الوحي، وقال ابن رشيد: لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته فيه. • قال الحافظ: وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث. • قال أبو عبد الله: ليس في أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم- شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث. • واتفق عبد الرحمن بن مهدي أيضا والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدار قطني وحمزة الكتاني على أنه ثلث الإسلام، ومنهم من قال ريعه، واختلفوا في تعيين الباقي. • وقال ابن مهدي أيضا: يدخل في ثلاثين بابا من العلم. • وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا، ويحتمل أن يريد بهذا العدد المبالغة. • وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا: ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب. ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بان كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها، لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها، ومن ثم ورد: نية المؤمن خير من عمله[2]. فإذا نظرت إليها كانت خير الأمرين: وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه قواعد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده؛ وهي هذا، و"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"[3]، و"الحلال بين والحرام بين..." الحديث[4]. • قوله: (وفي رواية: "بالنية"). • قال الحافظ: قوله: "إنما الأعمال بالنيات" هو من مقابلة الجمع، بالجمع أي: كل عمل بنيته. • وقال الخوبي: كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال، كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعود أو الاتقاء لوعيده. ووقع في معظم الروايات بإفراد النية، ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها، بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها، ولأن النية ترجع إلى الإخلاص وهو واحد للواحد لا شريك له. • وقال الكرماني في قوله: "إنما الأعمال بالنيات" هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين[5]. • قال ابن دقيق العيد: ومعناه إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه. • وقال الحافظ: (قوله: "بالنيات" الباء للمصاحبة، ويحتمل أن تكون للسببية، بمعنى أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في إيجاده، وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تختلف عن أوله. قال النووي: النية القصد وهي عزيمة القلب، وتعقبه الكرماني بان عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد. واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط، والمرجح أن إيجادها ذكرا في أول العمل ركن واستصحابها حكما، بمعنى أن لا يأتي بمناف شرعا شرط. ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور، فقيل تعتبر، وقيل تكمل، وقيل تصح، وقيل تحصل وقيل تستقر، قال وقال شيخنا شيخ الإسلام: الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث "فمن كانت هجرته..." إلي آخره، وعلى هذا يقدر المحذوف كونه مطلقا من اسم فاعل أو فعل، ثم لفظ العمل يتناول فعل الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال)[6]. • قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوع). • قال القرطبي: فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال. • وقال ابن السمعاني: الجملة الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال، والثانية لبيان ما يترتب عليها. • قال الحافظ: (وخص من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة فإنه لا يحتاج إلي نية تخصه كتحية المسجد، كمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر إلا بعد مدة العدة فإن عدتها تنقضي لأن المقصود حصول براءة الرحم وقد وجدت ومن ثم لم يحتج المتروك إلي نية، قال: والتحقيق أن الترك المجرد لا ثواب فيه وإنما يحصل الثواب بالكف الذي هو فعل النفس، فمن لم تخطر المعصية بباله أصلا ليست كمن خطرت فكف نفسه عنها خوفا من الله تعالى فرجع الحال إلى أن الذي يحتاج إلى النية هو العمل بجميع وجوهه لا الترك المجرد والله أعلم)[7]. • قوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله). أي: من كانت هجرته إلى الله ورسوله بنية وقصد فهجرته إلى الله ورسوله حكما وشرعا. • قال الحافظ: (الهجرة الترك والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره). وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه وقد وقعت في الإسلام على وجهين: الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرته إلى الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة. الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي - صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا)[8]. • قوله: (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه). وسميت الدنيا دنيا لسبقها للأخرى، وقيل: سميت دنيا لدنوها إلى الزوال. • قال الحافظ: (لفظ دنيا مقصور غير منون، وحكي تنوينها. وقوله: "أو امرأة" نكتة الاهتمام بها الزيادة في التحذير. لأن الافتتان بها أشد. وقوله: "فهجرته إلى ما هاجر إليه". قال الحافظ: يحتمل أن يكون ذكره بالضمير ليتناول ما ذكر من المرأة وغيرها وإنما أبرز الضمير في الجملة التي قبلها لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شانهما بخلاف الدنيا والمرأة فإن السياق يشعر بالحث على الإعراض عنهما. انتهى[9]. • وقال ابن دقيق العيد: (نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به)[10]. • قال الحافظ: (من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوج المرأة معا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة، وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة، فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصد الهجرة لكن دون ثواب من أخلص. قال: وأما إذا نوى العبادة وخالطها شيء مما يغاير الإخلاص فقد نقل أبو جعفر ابن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء، فإن كان ابتداؤه لله خالصا لم يضره ما يعرض عليه بعد ذلك من إعجاب وغيره، والله أعلم. قال: واستدل بمفهوم الحديث أن ما ليس بعمل لا تشترط النية فيه، ومن أمثلة ذلك جمع التقديم فإن الراجح من حيث النظر أنه لا يشترط له نية، بخلاف ما رجحه كثير من الشافعية، وخالفهم شيخنا شيخ الإسلام وقال: الجمع ليس بعمل وإنما العمل الصلاة، ويقوي ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمع في غزوة تبوك ولم يذكر ذلك للمأمومين الذين معه، ولو كان شرطا لأعلمهم به. قال: وفيه زيادة النص على السبب لأن الحديث سيق في قصة المهاجر لتزويج المرأة، فذكر الدنيا مع القصة زيادة في التحذير والتنفير. وقال شيخنا شيخ الإسلام: فيه إطلاق العام لان كان سببه خاصا، فيستنبط من الإشارة إلى المرأة إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)[11] انتهى. • وقال البخاري[12]: باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام. وقال تعالى: ï´؟ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ï´¾ [الإسراء: 84]، على نيته، نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة. وقال: ولكن جهاد ونية[13] ثم ساق الحديث. • قال الحافظ: (واستدل الجمهور على اشتراط النية في الوضوء بالأدلة الصحيحة المصرحة بوعد الثواب عليه، فلا بد من قصد يميزه عن غيره ليحصل الثواب الموعود، وأما الصلاة فلم يختلفوا في اشتراط النية فيها. قال: وقد ذكر ابن المنير ضابطا لما تشترط فيه النية مما لا تشترط. فقال: كل عمل لا تظهر له فائدة عاجلة بل المقصود به طلب الثواب فالنية مشترطة فيه، وكل عمل ظهرت فائدته ناجزة وتعاطته الطبيعة قبل الشريعة لملائمة بينهما فلا تشترط النية فيه، إلا لمن قصد بفعله معنى آخر يترتب عليه الثواب)[14] انتهى. ولعل وجه إدخال المصنف هذا الحديث في كتاب الطهارة، أنها لا تكون شرعية إلا بالنية، فأما زوال النجاسة فلا يحتاج إلى نية. وأما فول الرجل نويت أتوضأ، نويت أصلي، فلم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه ولا التابعين ولا عن الأئمة الأربعة، ولو كان خيرا لسبقونا إليه. وبالله التوفيق. والنية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة، ويحرم خروجه لشكه في النية. للعلم بأنه ما دخل إلا بالنية. ولو أحرم منفردا ثم نوى الإمامة صحت صلاته فرضا ونفلا، وهو رواية عن أحمد اختارها أبو محمد المقدسي وغيره. ولو سمى إماما أو جنازة فأخطأ صحت صلاته إن كان أفسده خلف من حضر وإلا فلا. ووجوب مقارنة النية للتكبير فد يفسر بوقوع التكبير عقيب النية، وهذا ممكن لا صعوبة فيه، بل عامة الناس إنما يصلون هكذا. وقد يفسر بانبساط آخر النية على أجزاء التكبير بحيث يكون أولها مع أوله وآخرها مع آخره، وهذا لا يصح لأنه يقتضي عزوب كمال النية عن أول الصلاة، وخلو أول الصلاة عن النية الواجبة. وقد يفسر بحضور جميع النية الواجبة. وقد يفسر بجميع النية مع جميع أجزاء التكبير، وهذا قد نوزع في إمكانه فضلا عن وجوبه، ولو قيل بإمكانه فهو متعسر فيسقط بالحرج. وأيضا فما يبطل هذا والذي قبله أن المكبر ينبغي له أن يتدبر التكبير ويتصوره، فيكون قلبه مشغولا بمعنى التكبير لا بما يشغله عن ذلك من استحضار المنوي، ولأن النية من الشروط، والشرط يتقدم العبادة ويستمر حكمه إلى آخرها[15]. المصدر: كتاب "أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام" للمؤلف [1] صحيح البخاري مع فتح الباري: (1/ 9)، وشرح مسلم للنووي: (13/ 54، 6/ 387). [2] هذا الأثر أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن الأعرابي: (5/ 343). [3] رواه البخاري ومسلم وأبو داود ولفظه. من صنع أمرا على غير أمرنا فهو رد، وابن ماجه وفي رواية لمسلم، من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد [4] أخرجه البخاري: (1/ 126) حديث (52)، ومسلم: (3/3219 - 1220)، حديث (1205). [5] فتح الباري: (1/ 12). [6] فتح الباري: (1/ 12. 13). [7] المصدر السابق. [8] فتح الباري: (1/ 16). [9] فتح الباري: (1/ 16). [10] فتح الباري: (1/ 17). [11] فتح الباري: (1/ 17). [12] فتح الباري: (1/ 135). [13] أخرجه البخاري: (6/ 45) باب الجهاد، ومسلم: (3/ 1487)، من حديث ابن عباس ومن حديث عائشة، وأخرجه النسائي: (7/ 145) عن صفوان بن أمية. [14] فتح الباري: (1/ 135، 136). [15] الفتاوى الكبرى: (5/ 331). على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (2) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثاني 2- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم- " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ". • قال البخاري: باب لا تقبل صلاة بغير طهور، وساق الحديث بلفظ: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ". وهذه الترجمة لفظ حديث رواه مسلم وغيره. • قال الحافظ: (والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الأجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا، وأما القبول المنفي في مثل قوله - صلى الله عليه وسلم- :"من أتى عرافا لم تقبل له صلاة" فهو الحقيقي؛ لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع، ولهذا كان بعض السلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا. قاله ابن عمر قال: لأن الله تعالى قال إنما يتقبل الله من المتقين. • قوله: (أحدث) أي: وجد منه الحدث، والمراد به الخارج من أحد السبيلين. قال: واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا، وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة، لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء، وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا. • قوله: (يتوضأ) أي: بالماء أو ما يقوم مقامه. • قال الحافظ: (وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا: ( الصعيد الطيب وضوء المسلم): فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه. ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة)[1]. والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 235). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (3) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثالث 3- عن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعائشة- رضي الله عنه- قالوا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" ويل للأعقاب من النار". • قال البخاري: باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين، وساق حديث عبد الله بن عمرو قال: تخلف النبي - صلى الله عليه وسلم- عنا في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثا. • قال ابن بطال: (كأن الصحابة أخروا الصلاة في أول الوقت طمعا أن يلحقهم النبي - صلى الله عليه وسلم- فيصلوا معه، فلما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء، ولعجلتهم لم يسبغوه، فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم)[1] انتهى. وفي رواية لمسلم: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا لم يغسل عقبه فقال ذلك. • قوله: (ويل للأعقاب من النار). العقب: مؤخر القدم. • قال الحافظ: (وجاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء، واختلف في معناه على أقوال: أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا: "ويل واد في جهنم ". • قال ابن خزيمة: لو كان الماسح مؤديا للفرض لما توعد بالنار، وأشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة أن الواجب المسح أخذا بظاهر قراءة "وأرجلكم" بالخفض، وقد تواترت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو المبين لأمر الله، وقد قال في حديث عمرو بن عبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء: "ثم يغسل قدميه كما أمره الله" ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك. • قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على غسل القدمين. رواه سعيد بن منصور. قال: وفي الحديث تعليم الجاهل، ورفع الصوت بالإنكار، وتكرار المسالة لتفهم)[2]انتهى. • وقال البخاري: باب غسل الأعقاب. وكان ابن سيرين يغسل موضع الخاتم إذا توضأ، وساق حديث أبي هريرة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة قال: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم- قال: "ويل للأعقاب من النار". • قال الحافظ: (وفيه أن العالم يستدل على ما يفتي به ليكون أوقع في نفس سامعه، وإنما خصت بالذكر لصورة السبب كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو، فيلتحق بها ما في معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل في إسباغها. وفي الحاكم وغيره من حديث عبد الله بن الحارث: "وبل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" ولهذا ذكر في الترجمة أثر ابن سيرين في غسله موضع الخاتم لأنه قد لا يصل إليه الماء إذا كان ضيقا، والله أعلم) [3]انتهى. وأما حديث عائشة فهو في مسلم قالت: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، في سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "ويل للأعقاب من النار". وروى مسلم أيضا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "ارجع فأحسن وضوءك" وبالله التوفيق. [1] فتح الباري: (1/ 265). [2] فتح الباري: (1/ 266). [3] فتح الباري: (1/ 267). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (4) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الرابع 4- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" وفي لفظ لمسلم: " فليستنشق بمنخربه من الماء" وفي لفظ: "من توضأ فليستنشق". • قال البخاري: باب الاستنثار في الوضوء ذكره عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس - صلى الله عليه وسلم-، وساق الحديث بلفظ: "من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر". • قال الحافظ: (الاستنثار: هو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ أي: يجذبه بريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرجه بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا، وحكي عن مالك كراهية فعله بغير إعانة اليد لكونه يشبه فعل الدابة، والمشهور عدم الكراهة؛ وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون باليسرى، بوب عليه النسائي وأخرجه مقيدا بها من حديث علي)[1]. قوله: (ثم ليستنثر) وفي رواية "ثم لينتثر". • قال الفراء: يقال: نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة وهي طرف الأنف في الطهارة. • قال الحافظ: (ظاهر الأمر أنه للوجوب، فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر أن يقول به في الاستنثار. وظاهر كلام صاحب "المغني" يقتضي أنهم يقولون بذلك، وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا بالاستنثار. وصرح ابن بطال بان بعض العلماء فال بوجوب الاستنثار، وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه. واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنه الترمذي وصححه الحاكم من قوله- صلى الله عليه وسلم- للأعرابي: "توضأ كما أمرك الله" فأحاله على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق. وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء، فقد أمر الله سبحانه بإتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم- وهو المبين عن الله أمره، ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه - صلى الله عليه وسلم- على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة، وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضا، وقد ثبت الأمر بها أيضا في (سنن أبى داود) بإسناد صحيح. وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا لكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد، وهذا دليل قوي، فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الإعادة، ذكره كله ابن المنذر، ولم يذكر في هذه الرواية عددا، وقد ورد في رواية سفيان عن أبي الزناد ولفظه: "وإذا استنثر فليستنثر وترا" أخرجه الحميدي في مسنده عنه وأصله لمسلم. وفي رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة عند المصنف في بدء الخلق: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه" وعلى هذا فالمراد بالاستنثار في الوضوء التنظيف لما فيه من المعونة على القراءة، لأن بتنقية مجرى النفس تصح مخارج الحروف، ويزاد للمستيقظ بان ذلك لطرد الشيطان)[2] انتهى. قوله: (ومن استجمر فليوتر) الاستجمار: استعمال الأحجار في الإستطابة. وقوله: "فليوتر" أي: فليستجمر بثلاث أحجار أو خمسة أو أكثر منها إن رأى ذلك. • قال البخاري: باب الاستجمار وترا، وساق الحديث بلفظ: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده". قوله: (وإذا استيقظ أحدكم من نومه). • قال الحافظ: (أخذ بعمومه الشافعي والجمهور، فاستحبوه عقب كل نوم، وخصه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث: "باتت يده" لأن حقيقة المبيت أن يكون في الليل. وفي رواية لأبي داود ساق مسلم إسنادها: "إذا قام أحدكم من الليل" وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح، ولأبي عوانة في رواية ساق مسلم إسنادها أيضا: "إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح". لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة. • قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال: الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشد منها لمن نام نهارا، لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة. ثم الأمر عند الجمهور على الندب، وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار، وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار. واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء. وقال إسحاق وداود والطبري ينجس، واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدي، والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب عند الجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك، لأن الشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم استصحابا لأصل الطهارة. وقال: ورقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد: "فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها" والنهي فيه للتنزيه كما ذكرنا إن فعل استحب ، وإن ترك كره، ولا تزول الكراهة بدون الثلاث نص عليه الشافعي. والمراد باليد هنا الكف دون ما زاد عليها اتفاقا، وهذا كله في حق من قام من النوم، لما دل عليه مفهوم الشرط وهو حجة عند الأكثر، أما المستيقظ فيستحب له الفعل لحديث عثمان وعبد الله بن زيد، ولا يكره الترك لعدم ورود النهي فيه وقد روى سعيد بن منصور بسند صحيح عن أبي هريرة أنه كان يفعله ولا يرى بتركه بأسا)[3]. انتهى. قوله: "فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا" وفي رواية لمسلم: "فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها". • قال الحافظ: (والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء، ويلحق به إناء الغسل لأنه وضوء وزيادة وكذا باقي الآنية قياسا، لكن في الاستحباب من غير كراهة لعدم ورود النهي فيها عن ذلك. والله أعلم. وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهي، والله أعلم. وقوله: (فإن أحدكم). • قال البيضاوي: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة؛ لأن الشارع إذا ذكر حكما وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها، ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات: "فإنه يبعث ملبيا" بعد نهيهم عن تطييبه، فنبه على علة النهي وهي كونه محرما. • وقال الحافظ: (قوله: "لا يدري" فيه أن علة النهي احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا، ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة- مثلا- فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة، وإن كان غسلها مستحبا على المختار كما في المستيقظ. ومن قال بان الأمر في ذلك للتعبد كمالك، لا يفرق بين شاك ومتيقن، واستدل بهذا الحديث على التفرقة بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء، وهو ظاهر، وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء، وهو صحيح، لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم يتغير فيه نظر، لأن مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس، فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقن أشد من الكراهة بالمظنون. قاله ابن دقيق العيد. ومراده أنه ليست فيه دلالة قطعية على من يقول إن الماء لا ينجس إلا بالتغير. قوله: (أين باتت يده) أي: من جسده. • قال الشافعي رحمه الله: كانوا يستجمرون وبلادهم حارة، فربما عرق أحدهم إذا نام فيحتمل أن تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر غير ذلك. • قال الحافظ: (وفي الحديث الأخذ بالوثيقة، والعمل بالاحتياط في العبارة، والكناية عما يستحيا منه إذا حصل الإفهام بها، واستحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه أمرنا بالتثليث عند توهمها فعند تيقنها أولى)[4] انتهى. [1] فتح الباري: (1/ 262). [2] فتح الباري: (1/ 262) [3] فتح الباري: (1/ 262). [4] فتح الباري: (1/ 264، 265). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (5) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الخامس 5- عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:" لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"، ولمسلم: " لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم و هو جنب". • قال الحافظ: (الساكن: يقال: دوم الطائر تدويما إذا صف جناحيه في الهواء فلم يحركهما[1]. • قوله: (الذي لا يجري) قيل: هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه، وقيل: احترز به عن راكد يجري بعضه كالبرك. • قوله: (ثم يغتسل) بضم اللام على المشهور، وقال ابن مالك: يجوز الجزم عطفا على يبولن، لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون. وعند مسلم من حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن البول في الماء الراكد. ولأبي داود: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة". • قال الحافظ: (واستدل به بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل، لأن البول ينجس الماء فكذلك الاغتسال، وقد نهى عنهما، معا وهو للتحريم، فيدل على النجاسة فيهما. ورد بأنها دلالة اقتران وهي ضعيفة، وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية، فيكون النهي عن البول لئلا ينجسه، وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبه الطهورية ويزيد ذلك وضوحا قوله في رواية مسلم: (كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولا" فدل على أن المنع من الانغماس فيه لئلا يصير مستعملا فيمتنع على الغير الانتفاع به، والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره. وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور، وقد تقدمت الأدلة على طهارته. ولا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الآدمي وغيره خلافا لبعض الحنابلة، ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في إناء ثم يصبه فيه خلافا لظاهرية، وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل، وقد تقدم قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه وهو قوي، لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه. • قال: ونقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير، وهو قول الباقين في الكثير. • وقال القرطبي: يمكن حمله على التحريم مطلقا على قاعدة سد الذريعة لأنه يفض إلى تنجيس الماء)[2] انتهى. • وقوله: (ثم يغتسل فيه) وفي رواية: (ثم يغتسل منه). • قال الحافظ: (وكل من اللفظين يفيد حكما بالنص وحكما بالاستنباط. قاله ابن دقيق العيد. ووجهه أن الرواية بلفظ: "فيه" تدل على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط، والرواية بلفظ: "منه" بعكس ذلك، وكله مبني على أن الماء ينجس، بملاقاة النجاسة. والله أعلم[3] انتهى. [1] فتح الباري: (1/ 346). [2] فتح الباري: (1/ 347). [3] فتح الباري: (1/ 348). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (6) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث السادس 6/ ا- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:" إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا". ولمسلم: "أُولاهن بالتراب". 6/ 2- وله في حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:" إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب". • قوله: "إذا شرب الكلب" وفي رواية: (إذا ولغ) يقال: ولغ يلغ- بالفتح فيهما - إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه. • وقال ثعلب: هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه. • وقال ابن مكي: فإن كان غير مائع يقال: لعقه. • وقال المطرزي: فإن كان فارغا يقال: لحسه. • قال الحافظ: (قوله: (في إناء أحدكم) ظاهره العموم في الآنية، ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا، وبه قال الأوزاعي مطلقا، لكن إذا قلنا بان الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الماء دون الكثير، والإضافة التي في: "إناء أحدكم " يلغى اعتبارها هنا، لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه وكذا قوله: (فليغسله) لا يتوقف على أن يكون هو الغاسل. وزاد مسلم والنسائي من طريق علي بن مسهر عن الأعمش عن أني صالح وأبي رزين عن أبي هريرة في هذا الحديث: "فليرقه" وهو يقوي القول بان الغسل للتنجيس، إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما، فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال، لكن قال النسائي: لا أعلم أحدا تابع علي بن مسهر على زيادة فليرقه. • قال الحافظ: (قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا، أخرجه ابن عدي، لكن في رفعه نظر، والصحيح أنه موقوف) [1]. • قوله: (فليغسله سبعا) أي سبع مرات، ولمسلم وغيره: (أولاهن بالتراب) ولأبي داود: "السابعة" وعند البزار: "إحداهن " وللشافعي: (أولاهن أو إحدهن). • قال الحافظ: (وفي الحديث دليل على أن حكم النجاسة يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها بشرط كونه مائعا، وعلى تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسة؛ وعلى تنجيس الإناء الذي يتصل بالمائع، وعلى أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وان لم يتغير، لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالبا، وعلى أن ورود الماء على النجاسة يخالف ورودها عليه لأنه أمر بإراقة الماء لما وردت عليه النجاسة؛ وهو حقيقة في إراقة جميعه وأمر بغسله، وحقيقته تتأدَّى بما يسمى غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق)[2]. • قوله: (وعفروه الثامنة بالتراب) قال بعض العلماء: لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنتين. • قال الحافظ: (والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزيادة من الثقة مقبولة. وقال: لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية، ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازا، وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى)[3]. • قال النووي: (ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله وانتفع بالباقي على طهارته السابقة)[4]. وقوله: "بالتراب" فيه الجمع بين المطهرين وهما الماء والتراب في غسل الإناء بعد ولوغ الكلب. وقد روى البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنه- قال: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فلم يكونوا يرشوا شيئا من ذلك. • قال الحافظ: (والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها. واستدل به أبو داود في السنن على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف)[5]. والله أعلم. تتمة: قال في الاختيارات الفقهية: (الطهارة تارة تكون من الأعيان النجسة وتارة من الأعمال الخبيثة وتارة من الأحداث المانعة. فمن الأول: قوله تعالى: ï´؟وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْï´¾ [المدثر: 4] على أحد الأقوال، وقوله تعالى: ï´؟فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُواï´¾ [التوبة: 108]. ومن الثاني: قوله تعالى: ï´؟إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراًï´¾ [ الأحزاب: 33] ومن الثالث: قوله تعالى: ï´؟وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواï´¾ [المائدة: 6]. وفد اختلف العلماء في الطهر: هل هو بمعنى الطاهر أم لا، وهذا النزاع معروف بين المتأخرين من أتباع الأئمة الأربعة. قال كثير من أصحاب مالك وأحمد والشافعي: الطهور متعد والطاهر لازم. وقال كثير من أصحاب أبي حنيفة: بل الطاهر هو الطهور، وهو قول الخرقي. وفصل الخطاب في المسألة أن صيغة اللزوم والتعدي لفظ مجمل يراد به اللزوم، فالطاهر يتناول الماء وغيره وكذلك الطهور، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- جعل التراب طهورا، ولكن لفظ الطاهر يقع على جامدات كثيرة كالثياب والأطعمة وعلى مائعات كثيرة كالأدهان والألبان، وتلك لا يمكن أن يطهر بها فهي طاهرة ليست بطهور. قلت: وذكر ابن دقيق العيد في شرح الإلمام عن بعض المالكية المتأخرين معنى ما أشار إليه أبو العباس، والله أعلم. قال بعض الناس: لا فائدة في النزاع في المسالة. قال القاضي أبو يعلى: فائدته أنه عندنا لا تجوز إزالة النجاسة بغير الماء لاختصاصه بالتطهير، وعندهم تجوز لمشاركته غير الماء في الطهارة. قال أبو العباس: وله فائدة أخرى وهي أن الماء يدفع النجاسة عن نفسه بكونه مطهرا كما دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم- : "الماء طهور لا ينجسه شيء" وغيره ليس بطهور فلا يدفع، وعندهم الجميع سواء. وتجوز طهارة الحدث بكل ما يسمى ماء وبمعتصر الشجر، قاله ابن أبي ليلى والأوزاعي والأصم وابن شعبان، وبالمتغير بطاهر، وهو رواية عن أحمد رحمه الله وهو مذهب أبي حنيفة، وبماء خلت به امرأة لطهارة وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى وهو مذهب الأئمة الثلاثة، وبالمستعمل في رفع حدث، وهو رواية اختارها ابن عقيل وأبو البقاء وطوائف من العلماء، وذهبت طائفة إلي نجاسته، وهو رواية عن أحمد رحمه الله وحمل كلامه على الغدير يغتسل فيه أقل من قلتين من نجاسة الحدث، وليست هذه المسالة من موارد الظنون بل هي قطعية بلا ريب. ولا يستحب غسل الثوب والبدن منه وهو أصح الروايتين عنه وأول القاضي القول بنجاسة الماء بجعله في صفة النجس في منع الوضوء لا أنه تنجس حقيقة، وكلامه في التعليق أن الحدث لا يرتفع عن الأعضاء إلا بعد الانفصال كما لا يصير مستعملا إلا بذلك، هذا إذا نوى وهو في الماء، وإذا نوى قبل الانغماس ففيه الوجهان، وأما إذا صب الماء على العضو فهنا ينبغي أن يرتفع الحدث، ويكره الغسل لا الوضوء بماء زمزم، قاله طائفة من العلماء. ولا ينجس الماء إلا بالتغير، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن عقيل وابن المنى وأبو المظفر وابن الجوزي وأبو نصر وغيرهم من أصحابنا وهو مذهب مالك، ولو كان تغيره في محل التطهير، وقاله بعض أصحابنا. وفرقت طائفة من محققي أصحاب الأمام أحمد رحمه الله بين الجاري والواقف، وهو نص الروايتين عن أحمد، فلا ينجس الجاري إلا بالتغير سواء كان قليلا أو كثيرا. وحوض الحمام إذا كان فائضا يجري إليه الماء فإنه جار في أصح قولي العلماء نص عليه أحمد. وإذا وقعت نجاسة في ماء كثير هل يقتضي القياس فيه النجاسة كاختلاط الحلال بالحرام إلي حين يقوم الدليل على تطهيره أو مقتضى القياس طهارته إلى أن تظهر النجاسة فيه قولان والثاني الصواب. والمائعات كلها حكمها حكم الماء قلت أو كثرت، وهو رواية عن أحمد ومذهب الزهري والبخاري وحكي رواية عن مالك. وذكر في شرح العمدة أن نجاسة الماء ليست عينية لأنه يطهر غيره فنفسه أولى. وفي الثياب المشتبهة بنجس أنه يتحرى ويصلي في واحد، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي سواء قلت الطاهرة أو كثرت. قلت: ذكره ابن عقيل في فنونه ومناظراته. ونص الأمام أحمد رحمه الله وغيره أنه إذا سقط عليه ماء من ميزاب ونحوه ولا أمارة على النجاسة لم يلزمه السؤال عنه بل يكره، وإن سئل فهل يلزمه رد الجواب فيه وجهان. واستحب بعض الأصحاب وغيرهم السؤال وهو ضعيف وأضعف منه من أوجبهما، قال الأزجي: إن علم المسؤول بنجاسته وجب الجواب وإلا فلا. وإذا شك في النجاسة هل أصابت الثوب أو البدن، فمن العلماء من يأمر بنضحه ويجعل حكم المشكوك فيه النضح كما يقوله مالك، ومنهم من لا يوجبه فإذا احتاط ونضح كان حسنا كما روي في نضح أنس للحصير الذي قد اسود، ونضح عمر ثوبه ونحو ذلك، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 275). [2] فتح الباري: (1/ 276). [3] فتح الباري: (1/ 277). [4] شرح النووي على مسلم: (3/ 186). [5] فتح البارز: (1/279). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (7) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث السابع 7- عن حمران مولى عثمان بن عفان - رضي الله عنه- أنه رأى عثمان دعا بوضوء، فافرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا، ثم قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه". • قوله: (أن عثمان دعاء بوضوء) وهو بفتح الواو: اسم للماء المعد للوضوء، وبالضم الذي هو الفعل. • قال الحافظ: وفيه الاستعانة على إحضار ما يتوضأ به. • قوله: (فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات) وفي رواية: "فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما". • قال الحافظ: (وفيه غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطا). • قوله: (ثم أدخل يمينه) فيه الاغتراف باليمين. •قوله: (ثم تمضمض واستنشق واستنثر). • قال الحافظ: (ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد. نعم ذكره ابن المنذر من طريق يونس عن الزهري، وكذا ذكره أبو داود من وجهين آخرين عن عثمان، واتفقت الروايات على تقديم المضمضة. • قوله: (ثم غسل وجهه) فيه تأخيره عن المضمضة والاستنشاق، وقد ذكروا أن حكمة ذلك اعتبار أوصاف الماء، لأن اللون يدرك بالبصر، والطعم يدرك بالفم، والريح يدرك بالأنف، فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل الوجه وهو مفروض، احتياطا للعبادة)[1]. • قوله: (ويديه إلى المرفقين ثلاثا) أي كل واحدة، وفي رواية لمسلم: تقديم اليمنى على اليسرى. والتعبير في كل منهما بثم وكذا القول في الرجلين. • قوله: (ثم مسح برأسه) وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح، وبه قال أكثر العلماء. • قوله: (ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا) وفي رواية: ثم غسل رجليه، وفي رواية: ثم غسل كل رجل، وفي رواية: ثم غسل كل رجله. • قال الحافظ: (وهي تفيد تعميم كل رجل بالغسل). • وقال ابن دقيق العيد: هذا صريح في الرد على الروافض في أن واجب الرجلين المسح. • قوله: (ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا) وفي رواية: من توضأ مثل هذا الوضوء، ولمسلم: من توضأ مثل وضوئي هذا. • قوله: (ثم صلى ركعتين) فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء[2]. • قوله: (لا يحدث فيهما نفسه). • قال الحافظ: المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه، لأن قوله: "يحدث" يقتضي تكسبا منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه. وقال: من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلا أعلى درجة بلا ريب. ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقا، ورقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث: "لا يحدث نفسه بشيء من الدنيا". وهي في "الزهد" لابن المبارك أيضا و "المصنف" لابن أبي شيبة، ومنها ما يتعلق بالآخرة فإن كان أجنبيا أشبه أحوال الدنيا، وان كان من متعلقات تلك الصلاة فلا. • قوله: (غفر له ما تقدم من ذنبه). • قال الحافظ: ظاهره يعم الكبائر والصغائر، لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية)[3] انتهى. • قال النووي: (هذا الحديث أصل عظيم في صفة، الوضوء وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة؛ وفيه دليل على أن غسل الكفين في أول الوضوء سنة وهو باتفاق العلماء[4]. • قال الحافظ: (وفي الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم، والترتيب في أعضاء الوضوء للإتيان في جميعها بثم، والترغيب في الإخلاص، وتحذير من لها في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا في عدم القبول، ولاسيما إن كان في العزم على عمل معصية فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجها، ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث: قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : "لا تغتروا" أي: فتستكثروا من الأعمال السيئة بناء على أن الصلاة تكفرها؛ فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله وأنى للعبد بالاطلاع على ذلك)[5]. انتهى. وعن إبراهيم قال: قال صالح بن كيسان: قال ابن شهاب: ولكن عروة يحدث عن حمران، فلما توضأ عثمان قال: ألا أحدثكم حديثا لولا آية ما حدثتكموه، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يتوضأ رجل يحسن وضوءه ويصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة حتى يصليها". قال عروة: الآية: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ï´¾ [البقرة: 159]. قال الحافظ: (وليس ذلك اختلافا وإنما هما حديثان متغايران)[6]. قوله: "حتى يصليها" أي يشرع في الصلاة الثانية. قوله: "قال عروة: الآية: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا ï´¾ [البقرة: 159] يعني: الآية التي في البقرة إلي قوله: {اللاعنون} كما صرح به مسلم. ومراد عثمان - رضي الله عنه- أن هذه الآية تحرض على التبليغ، وهي وإن نزلت في أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ، قال: وإنما كان عثمان يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة، خشية عليهم من الاغترار، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 259). [2] فتح الباري: (1/ 260). [3] الفتح: (1/260). [4] شرح النووي على مسلم: (3/ 106). [5] فتح الباري: (1/ 313، 314) [6] فتح الباري: (1/ 261). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (8) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثامن 8- عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم-؟ فدعا بتور من ماء، فتوضأ لهم وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأكفأ على يديه من التور، فغسل يديه ثلاثا، ثم أدخل يده في التور، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا، ثم أدخل يده في التور، فغسلهما مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يده في التور، فمسح رأسه، فاقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه. وفي رواية: بدأ بمقدم رأسه، حتى ذهب بهما إلي قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه. وفي رواية: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فأخرجنا له ماء في تور من صفر. التور: شبه الطست. اهـ. • قوله: (شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم-) وفي رواية أن رجلا قال لعبد الله بن زيد وهو جد عمرو بن يحيى: أتستطيع كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يتوضأ. •قال الحافظ: (فيه ملاطفة الطالب للشيخ، وكأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم، وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون الشيخ نسي ذلك لبعد العهد. •قوله: (فدعا بتور من ماء). •قال الداودي: التور قدح. •وقال الجوهري: إناء يشرب منه. وقيل: هو مثل القدر يكون من صفر أو حجارة. والصفر: صنف من حديد النحاس، قيل: إنه سمي بذلك لكونه يشبه الذهب، ويسمى أيضا: الشبه بالفتح. •قوله: (فأكفأ على يديه من التور) وفي رواية: "فكفأ" بفتح الكاف[1]. وهما لغتان بمعنى، يقال: كفأ الإناء وأكفأ إذا أماله. •وقال الكسائي: كفأت الإناء كببته، وأكفأته أملته. والمراد في الموضعين إفراغ الماء من الإناء على اليد. •قوله: (فغسلهما ثلاثا) وفي رواية: فدعا بماء فافرغ على يديه فغسل مرتين. •قال الحافظ: (وفيه من الأحكام غسل اليد قبل إدخالها الإناء ولو كان من غير نوم كما تقدم مثله في حديث عثمان، والمراد باليدين هنا الكفان لا غير. •قوله: (ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات). •قال الحافظ: واستدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفة. وفي رواية خالد بن عبد الله الآتية بعد قليل: مضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثا). •قوله: (ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثا) وفي رواية: ثم غسل وجهه ثلاثا. •قال الحافظ: (لم تختلف الروايات في ذلك)[2]. •قوله: (ثم أدخل يده فغسلهما مرتين إلى المرفقين)، وفي رواية: ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين. واختلف العلماء: هل يدخل المرفقان في غسل اليدين؟ فقال الجمهور: نعم، وخالف زفر. واحتج بعضهم للجمهور بان "إلى" في الآية بمعنى "مع" كقوله تعالى: ï´؟ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ï´¾ [النساء: 2] قال إسحاق بن راهويه: "إلى" في الآية يحتمل أن تكون "بمعنى" الغاية وأن تكون بمعنى "مع"، فبينت السنة أنها بمعنى مع[3] انتهى. •قال الحافظ: (والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء: هو العظم الناتئ في آخر الذراع. سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه)[4]. •قوله: (ثم أدخل يديه فمسح بهما رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة). •قال البخاري: باب مسح الرأس كله، لقوله تعالى: ï´؟ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ï´¾ [المائدة: 6] وقال ابن المسيب: المرأة بمنزلة الرجل تمسح على رأسها. وسئل مالك: أيجزئ أن يمسح بعض الرأس؟ فاحتج بحديث عبد الله بن زيد. ثم ساق الحديث بلفظ: ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه". •قال الحافظ: (وموضع الدلالة من الحديث والآية أن لفظ الآية مجمل، لأنه يحتمل أن يراد منها مسح الكل على أن الباء زائدة، أو مسح البعض على أنها تبعيضية، فتبين بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- أن المراد الأول، ولم ينقل عنه أنه مسح بعض رأسه إلا في حديث المغيرة أنه مسح على ناصيته وعمامته فإن ذلك دل على أن التعميم ليس بفرض، فعلى هذا فالإجمال في المسند إليه لا في الأصل)[5] انتهى. •قوله: (فأقبل بهما وأدبر). •قال الحافظ: (الواو لا تقتضي الترتيب، وفي رواية: فأدبر بيديه وأقبل. فلم يكن في ظاهره حجة لأن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية؛ ولم يعين ما أقبل إليه ولا ما أدبر عنه. قال: وعينت رواية مالك البداءة بالمقدم، فيحمل قوله: "أقبل" على أنه من تسمية الفعل بابتدائه، أي بدأ بقبل الرأس، وقيل في توجيهه غير ذلك. والحكمة في هذا الإقبال والإدبار استيعاب جهتي الرأس بالمسح)[6]. •قوله: (وفي رواية أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأخرجنا له ماء في تور من صفر). •قال الحافظ: (التور المذكور يحتمل أن يكون هو الذي توضأ منه عبد الله بن زيد إذ سئل عن صفة الوضوء فيكون أبلغ في حكاية صورة الحال على وجهها). •قوله: (ثم غسل رجليه) في رواية: إلى الكعبين. •قال الحافظ: (والمشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم. قال: ومن أوضح الأدلة فيه حديث النعمان بن بشير الصحيح في صفة الصف في الصلاة، فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه. قال: وفي هذا الحديث من الفوائد: الإفراغ على اليدين معا في ابتداء الوضوء. • وأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث. • وفيه مجيء الإمام إلى بيت بعض رعيته وابتداؤهم إياه بما يظنون أن له به حاجة. • وجواز الاستعانة في إحضار الماء من غير كراهة. • والتعليم بالفعل. • وأن الاغتراف من الماء القليل للتطهر لا يصير الماء مستعملا لقوله في رواية وهيب وغيره: "ثم أدخل يده فغسل وجهه" الخ)[7] انتهى. •وقال البخاري: باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، ثم ساق أحاديث منها: حديث عبد الله بن زيد، وبالله التوفيق[8]. تتمة: قال في "الاختيارات الفقهية": (يحرم استعمال آنية الذهب والفضة واتخاذها، ذكره القاضي في الخلاف، وما لا يستعمل فهو أسهل، مثل الضبة في السكين والقدح، وكذلك نقل جعفر بن محمد: لا يعجبني رؤوس القوارير والمكحلة والمرود. ويحرم استعمال إناء مفضض إذا كان كثيرا ولا يكره يسير لحاجة، وبكره لغيرها، ونص على التفصيل في رواية الجماعة، وفي رواية أبي الحارث: رأس المكحلة والميل وحلقة المرآة إذا كانت من فضة فهي من الآنية. وقال في رواية أحمد بن نصر وجعفر بن محمد: لا بأس بما يضببه، وأكره الحلقة، وقال في رواية مهنا وأبي منصور: لا بأس في إناء مفضض إذا لم يقع فمه على الفضة. قال القاضي: قد فرق بيئ الضبة والحلقة ورأس الحلقة. وقال أبو العباس: وكلام أحمد- رحمه الله- لمن تدبره لم يتعرض للحاجة وعدمها، وإنما فرق بين ما يستعمل وبين مالا يستعمل، فأما يسير الذهب فلا يباح بحال، نص عليه في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث في النصل إذا خاف عليه أن يسقط هل يجعل له مسمار من ذهب؟ فقال: إنما رخص في الأسنان على الضرورة، فأما المسمار فلا، فإذا كان هذا في اللباس ففي الآنية أولى. وقد غلطت طائفة من أصحاب أحمد حيث حكت قولا بيسير الذهب تبعا لقوله في الآنية عن أبي بكر عبد العزيز، وأبو بكر إنما قال ذلك في باب اللباس والتحلي، وباب اللباس أوسع. ولا يجوز تمويه السقوف بالذهب والفضة، ولا يجوز لطخ اللجام والسرج بالفضة، نص عليه وعنه ما يدل على إباحته، وهو مذهب أبي حنيفة. وحيث أبيحت الضبة فإنما يراد من إباحتها أن تحتاج إلي تلك الصورة لا إلي كونها من ذهب أو فضة، فإن هذه ضرورة وهي تبيح المتعذر. وصباح الاكتحال بميل الذهب والفضة لأنها حاجة ويباحان لها قاله أبو المعالي بن منجا)[9] انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 291). [2] فتح الباري: (1/ 291). [3] فتح الباري: (1/ 291). [4] فتح الباري: (1/ 292). [5] فتح الباري: (1/290). [6] فتح الباري: (1/293). [7] فتح الباري: (1/ 293). [8] فتح الباري: (1/ 301). [9] الاختيارات الفقهية: (1/ 6). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (9) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث التاسع 9- عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله. • قوله: (يعجبه التيمن)، وفي رواية: ما استطاع. • قال الحافظ: (فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع. • قوله: (في تنعله) أي لبس نعله. • (وترجله) أي ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه. قال في (المشارق): رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر ويمد المنقبض، زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة: "وسواكه"[1]. • قوله: (وفي شأنه كله). • قال الحافظ: (كذا للأكثر من الرواة بغير واو. وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو، وهي التي اعتمدها صاحب (العمدة). • قال الشيخ تقي الدين: (هو عام مخصوص، لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار)[2]. • قال الحافظ: (وفي الحديث استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق، ولا يقال هو من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر، بل هو من باب العبادة والتزيين، وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق كما سيأتي قريبا. • وفيه البداءة بالرجل اليمنى في التنعل وفي إزالتها باليسرى. • وفيه البداءة باليد اليمنى في الوضوء وكذا الرجل، وبالشق الأيمن في الغسل. • واستدل به على استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد وفي الأكل والشرب باليمين، وقد أورده المصنف- أي البخاري- في هذه المواضع كلها. • قال النووي: قاعدة الشرع المستمرة: استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر)[3]. انتهى، والله الموفق. [1] فتح الباري: (1/ 269). [2] فتح الباري: (1/ 269). [3] فتح الباري: (1/ 270). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة (10) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث العاشر 10- عن نعيم المجمر عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء". فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. وفي لفظ لمسلم: رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء". فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل. وفي لفظ لمسلم: سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم- يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء". • قوله: (عن نعيم المجمر). بضم الميم وإسكان الجيم، هو ابن عبد الله المدني، وصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- . • قوله: (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال)، وفي رواية قال: رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال: (إني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل). • قال الحافظ: (وقد رواه الإسماعيلي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ: توضأ، وزاد الإسماعيلي فيه: فغسل وجهه ويديه فرفع في عضديه، وغسل رجليه فرفع في ساقيه، وكذا لمسلم من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال نحوه، ومن طريق عمارة بن غزية عن نعيم وزاد في هذه: أن أبا هريرة قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يتوضأ، فأفاد رفعه، وفيه رد على من زعم أن ذلك من رأي أبي هريرة، بل من روايته ورأيه معا)[1] انتهى. • قوله: (إن أمتي) أي أمة الإجابة وهم المسلمون. • قال الحافظ: (وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوة، وليست مرادة هنا. • قوله: (يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء) "الغر" جمع أغر أي ذو غرة • قال الحافظ: (وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- . قوله: (محجلين) من التحجيل، وهو بياض يكون في قوائم الفرس، والمراد به هنا أيضا النور. واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة- رضي الله عنها- مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي، وفي قصة جريج الراهب أيضا، أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام، فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضا مرفوعا قال: "سيما ليست لأحد غيركم" أي علامة، وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي" وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه، ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة[2]. • قوله: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) أي: فليطل الغرة والتحجيل. • قال الحافظ: (واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى نحو: ï´؟ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ï´¾ [النحل: 81] واقتصر على ذكر الغرة وهي مؤنثة دون التحجيل وهو مذكر لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء، وأول ما يقع عليه النظر من الإنسان. على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الأمرين، ولفظه: "فليطل غرته وتحجيله". قال: واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل. فقيل: إلى المنكب والركبة، وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا. وعن ابن عمر من فعله، أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو عبيد بإسناد حسن. وقيل: المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق. وقيل: إلى فوق ذلك. وقال ابن بطال وطائفة من المالكية: لا تستحب الزيادة على الكعب والمرفق لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "من زاد على هذا فقد أساء وظلم" وكلامهم معترض من وجوه، ورواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال. وأما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهي مردودة بما نقلناه عن ابن عمر، وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية. وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترض بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى، كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع - صلى الله عليه وسلم-)[3]. • وقال البخاري: باب فضل الوضوء والغر المحجلون. • قال الحافظ: (وفي الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء، لأن الفضل الحاصل بالغرة والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب، فكيف الظن بالواجب؟ وقد وردت فيه أحاديث صحيحة صريحة أخرجها مسلم وغيره، وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد، لكن إذا لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه)[4]. والله أعلم. تتـمة: قال ابن تيمية: (لم يرد الوضوء بمعنى غسل اليد والفم إلا في لغة اليهود، فإنه روي أن سلمان الفارسي قال: إنا نجده في التوراة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-:" إن من بركة الطعام الوضوء قبله وبعده" وهو من خصائص هذه الأمة كما جاءت الأحاديث الصحيحة أنهم يبعثون يوم القيامة غرا الحديث، وحديث ابن ماجه: " وضوء الأنبياء قبلي" ضعيف عند أهل العلم بالحديث لا يجوز الاحتجاج بمثله، وليس عند أهل الكتاب خبر عن أحد من الأنبياء أنه كان يتوضأ وضوء المسلمين بخلاف الاغتسال من الجنابة، فإنه كان مشروعا ولم يكن لهم تيمم إذا عدموا الماء. ويجب الوضوء بالحدث، ذكره ابن عقيل وغيره وفي الانتصار بإرادة الصلاة وهو نزل لفظي. والراجح أنه لا يكره الوضوء في المسجد، وهو قول الجمهور، إلا أن يحصل معه بصاق أو مخاط. والأفضل بثلاث غرفات المضمضة والاستنشاق يجمعهما بغرفة واحدة. وتجب النية لطهارة الحدث لا الخبث، وهو مذهب جمهور العلماء، ولا يجب نطقه بها سرا باتفاق الأئمة الأربعة، وشذ بعض المتأخرين فأوجب النطق بها وهو خطأ مخالف للإجماع، ولكن تنازعوا هل يستحب النطق بها؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره في استحباب النطق بها، والأقوى عدمه، واتفق الأئمة على أنه لا يشرع الجهر بها ولا تكرارها، وينبغي تأديب من اعتاده، وكذا في بقية العبادات لا يستحب النطق بها لا عند الإحرام وغيره. قال أبو داود لأحمد: يقول قبل الإحرام شيئا؟ قال لا، إذ لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ، والجهر بلفظها منهي عنه عند الشافعي وسائر أئمة المسلمين، وفاعله مسيء، وإن اعتقده دينا خرج عن إجماع المسلمين وبجب نهيه، ويعزل عن الإمامة إن لم يتب. ويجوز مسح بعض الرأس للعذر، قاله القاضي في التعليق، ويمسح معه العمامة ويكون كالجبيرة فلا توقيت، وان لم يكن عذر وجب مسح جميعه، وهو مذهب أحمد الصحيح عنه، وما يفعله بعض الناس من مسح شعرة أو بعض رأسه بل شعرة ثلاث مرات خطأ مخالف للسنة المجمع عليها. ولا يسن تكرار مسح جميعه وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة. ولا يمسح العنق، وهو قول جمهور العلماء، ولا أخذه ماء جديدا للأذنين وهو أصح الروايتين عن أحمد وهو قول أبي حنيفة وغيره. وإن منع يسير وسخ في ظفر ونحوه وصول الماء صحت الطهارة، وهو وجه لأصحابنا ومثله كل يسير من وصول الماء حيث كان كدم وعجين. ولا يستحب إطالة الغرة، وهو مذهب مالك ورواية عن أحمد. والوضوء إن كان مستحبا له أن يقتصر على البعض لوضوء ابن عمر لنومه جنبا)[5] انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 235). [2] فتح الباري: (1/ 236). [3] فتح الباري: (1/ 236) [4] فتح الباري: (1/ 237). [5] الاختيارات الفقهية: (1/ 10). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (دخول الخلاء والاستطابة 1) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب دخول الخلاء والاستطابة (الحديث الأول) 11- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". • (الخبث) بضم الخاء والباء وهو جمع خبيث. و "الخبائث" جمع خبيثة استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم. • (الاستطابة) هي الاستنجاء بالماء أو بالأحجار، سمي استطابة لأنه يطيب جسده بإزالة الخبث عنه. • (والخلاء) موضع قضاء الحاجة وهو في الأصل المكان الخالي. • قوله: (كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). • قال الحافظ: الخبث بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية قال: ورقع في نسخة ابن عساكر: قال أبو عبد الله- يعني البخاري: ويقال: الخبث أي: بإسكان الموحدة. • قال الحافظ: (وكان - صلى الله عليه وسلم- يستعيذ إظهارا للعبودية، ويجهر بها للتعليم. وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث" وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه الرواية. وعن علي - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: " ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله" رواه ابن ماجه[1]. • وقال البخاري: باب ما يقول عند الخلاء وساق الحديث وقال في آخره: وقال غندر عن شعبة: "إذا أتى الخلاء"، وقال موسى عن حماد: "إذا دخل "، وقال سعيد بن زيد. حدثنا عبد العزيز: "إذا أراد أن يدخل ". • قال الحافظ: (وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله: "إذا دخل الخلاء" أي: كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده، والله أعلم. وهذا في الأمكنة المعدة لذلك بقريبة الدخول، ولهذا قال ابن بطال: رواية: " إذا أتى" أعم لشمولها، انتهى. والكلام هنا في مقامين: أحدهما: هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن؟ أو يشمل حتى لو بال في إناء- مثلا- في جانب البيت؟ الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة. المقام الثاني: متى يقول ذلك؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل، أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها، وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع، كتشمير ثيابه مثلا، وهذا مذهب الجمهور. وقالوا فيمن نسي: يستعيذ بقلبه لا بلسانه)[2] انتهى. وعن ابن عمر- رضي الله عنه- أن رجلا مر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه.رواه الجماعة إلا البخاري. وعن أنس - رضي الله عنه- قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه. رواه الأربعة. وقال أحمد: الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعل في باطن كفه ويدخل الخلاء. وعن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: " الحمد الله الذي أذهب عني الأذى وعافاني". رواه ابن ماجه. [1] فتح الباري: (1/ 242، 244). [2] فتح الباري: (1/ 244). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (دخول الخلاء والاستطابة 2) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب دخول الخلاء والاستطابة (الحديث الثاني) 12- عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا". قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها، ونستغفر الله عز وجل. • (الغائط): الموضع المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه. • و(المراحيض): جمع مرحاض، وهو المغتسل، وهو أيضا كناية عن موضع التخلي. |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (دخول الخلاء والاستطابة 3) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب دخول الخلاء والاستطابة (الحديث الثالث) 13- عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال: رقيت يوما على بيت حفصة، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستقبل الشام، مستدبر الكعبة. • قال البخاري: باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء جدار أو نحوه. وساق حديث أبي أيوب بلفظ: "إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا"[1]. • قال الحافظ: (قال الإسماعيلي: ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور، وأجيب بثلاثة أجوبة: أحدها: أنه تمسك بحقيقة الغائط لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء وهذه حقيقته اللغوية، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازا فيختص النهي به، إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة، وهذا الجواب للإسماعيلي وهو أقواها-إلى أن قال- ثالثها: الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر المذكور في الباب الذي بعده، لأن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- كله كأنه شيء واحد. قاله ابن بطال، وارتضاه ابن التين وغيره)[2]. • قال الحافظ: (فإن قيل: لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء والبنيان، لاسيما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما لأنه قال- كما سيأتي عند المصنف في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة-: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر؟ فالجواب: أن أبا أيوب أعمل لفظ الغائط في حقيقته ومجازه وهو المعتمد، وكأنه لم يبلغه حديث التخصيص، ولولا أن حديث ابن عمر دل على تخصيص ذلك بالأبنية لقلنا بالتعميم، لكن العمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وقد جاء عن جابر فيما رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم تأييد ذلك، ولفظه عند أحمد: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء. قال: ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة، والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافا لمن زعمه، بل هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه، لأن ذلك هو المعهود من حاله - صلى الله عليه وسلم- لمبالغته في التستر، ورؤية ابن عمر له كانت عن غير قصد كما سيأتي فكذا رواية جابر، ودعوى خصوصية ذلك بالنبي - صلى الله عليه وسلم- لا دليل عليها إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال، ودل حديث ابن عمر الآتي على جواز استدبار القبلة في الأبنية، وحديث جابر على جواز استقبالها، ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر إلا جواز الاستدبار فقط. • قوله: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول). • قال الحافظ: (والغائط الثاني غير الأول، أطلق على الخارج من الدبر مجازا من إطلاق اسم المحل على الحال كراهية لذكره بصريح اسمه. • قوله: (ولكن شرقوا وغربوا) هذا مخصوص بالمخاطبين من أهل المدينة، ويلحق بهم من كان على مثل سمتهم. • قوله: (رقيت يوما على بيت حفصة) وفي رواية: لقد ارتقيت يوما على ظهر بيت لنا فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته[3]. • قال الحافظ: (قوله: على لبنتين، ولابن خزيمة: فأشرفت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو على خلائه. وفي رواية له: فرأيته يقضي حاجته محجوبا عليه بلبن. وللحكيم الترمذي بسند صحيح: فرأيته في كنيف. ولم يقصد ابن عمر الإشراف على النبي - صلى الله عليه وسلم- في تلك الحالة وإنما صعد السطح لضرورة له فحانت منه التفاتة، نعم لما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة عن غير قصد أحب أن لا يخلي ذلك من فائدة، فحفظ هلا الحكم الشرعي، وكأنه إنما رآه من جهة ظهره حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور، ودل ذلك على شدة حرص الصحابي على تتبع أحوال النبي ليتبعها، وكذا كان - رضي الله عنه- )[4]. انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 245). [2] فتح الباري: (1/ 245). [3] فتح الباري: (1/ 246). [4] فتح الباري: (1/ 236). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (دخول الخلاء والاستطابة 4) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب دخول الخلاء والاستطابة الحديث الرابع 14- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء. والعنزة: الحربة الصغيرة. والإداوة: إناء صغير من جلد. • قال البخاري: (باب الاستنجاء بالماء، وساق الحديث بلفظ: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء، يعنى يستنجي به). • قال الحافظ: (أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه، وعلى من نفى وقوعه من النبي - صلى الله عليه وسلم-. قوله: (فاحمل أنا وغلام نحوي). • قال الحافظ: (أي مقارب لي في السن، والغلام هو المترعرع. قاله أبو عبيد، وقال في المحكم من لدن الفطام إلى سبع سنين. وحكي الزمخشري في "أساس البلاغة": أن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء، فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز. • قوله: (إداوة من ماء) الإداوة: إناء صغير من جلد. • قوله: (فيستنجي بالماء) وعند الإسماعيلي فأنطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي - صلى الله عليه وسلم- . وللبخاري: إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به. ولمسلم: فخرج علينا وقد استنجى بالماء)[1]. • وقال البخاري: (باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، وذكر الحديث وقال في آخره: العنزة عصا عليه زج). • قال الحافظ: (العنزة: عصا أقصر من الرمح لها سنان، وقيل: هي الحربة القصيرة. قال: وفي "الطبقات" لابن سعد أن النجاشي كان أهداها للنبي - صلى الله عليه وسلم-، وهذا يؤيد كونها كانت على صفة الحربة، لأنها من آلات الحبشة)[2]. • قوله: ثم يدخل (الخلاء). • قال الحافظ: (المراد به هنا الفضاء، لقوله في الرواية الأخرى: "كان إذا خرج لحاجته" ولقرينة حمل العنزة مع الماء، فإن الصلاة إليها إنما تكون حيث لا سترة غيرها، وأيضا فإن الأخلية التي في البيوت كان خدمته فيها متعلقة بأهله، وفهم بعضهم من تبويب البخاري أنها كانت تحمل ليستتر بها عند قضاء الحاجة وفيه نظر، لأن ضابط السترة في هذا ما يستر الأسافل، والعنزة ليست كذلك، نعم يحتمل أن يركزها أمامه ويضع عليها الثوب الساتر، أو يركزها بجنبه لتكون إشارة إلى منع من يروم المرور بقربه، أو تحمل لنبش الأرض الصلبة، أو لمنع ما يعرض من هوام الأرض، لكونه - صلى الله عليه وسلم- كان يبعد عند قضاء الحاجة أو تحمل لأنه كان إذا استنجى توضأ،وإذا توضأ صلى، وهذا أظهر الأوجه واستدل البخاري بهذا الحديث على غسل البول. وفيه جواز استخدام الأحرار- خصوصا إذا أرصدوا لذلك- ليحصل لهم التمرن على التواضع. وفيه أن في خدمة العالم شرفا للمتعلم، لكون أبي الدرداء مدح ابن مسعود بذلك، يعني قوله: (أليس منكم صاحب النعلين والطهور والوسادة)[3]. والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 250). [2] فتح الباري: (1/ 252). [3] فتح الباري: (1/ 252). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (دخول الخلاء والاستطابة 5) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب دخول الخلاء والاستطابة الحديث الخامس 15- عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:" لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء". • قال البخاري: باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال. وساق الحديث بلفظ: "إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء". • قال الحافظ: (واستنبط منه بعضهم منع الاستنجاء باليد التي فيها الخاتم المنقوش فيه اسم الله تعالى لكون النهي عن ذلك لتشريف اليمين، فيكون ذلك من باب الأولى، وقيل: الحكمة في النهي لكون اليمين معدة للأكل بها، فلو تعاطى ذلك بها لأمكن أن يتذكره عند الأكل فيتأذى بذلك، والله أعلم. • قوله: (ولا يتمسح من الخلاء بيمينه) أي: لا يستجمر بيمينه ولا يستنج بها. • وقال البخاري: باب النهي عن الاستنجاء باليمين، وساق الحديث بلفظ: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه. قوله: (ولا يتنفس في الإناء). • قال الحافظ: (أي داخله، وأما إذا أبانه وتنفس فهي السنة كما سيأتي في حديث أنس في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى. وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغة في النظافة، إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره عن شربه. والتنفس في الإناء مختص بحالة الشرب كما دل عليه سياق قوله: " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء" وللحاكم من حديث أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم-: "لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه ")[1]. [1] فتح الباري: (1/ 253). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (دخول الخلاء والاستطابة 6) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب دخول الخلاء والاستطابة (الحديث السادس) 16- عن ابن عباس - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة، وأما الأخر فكان لا يستتر من بوله" ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة. فقالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا". • قوله: (مر النبي - صلى الله عليه وسلم- بقيرين) وفي رواية: مر النبي - صلى الله عليه وسلم- بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، وللبخاري في الأدب: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- من بعض حيطان المدينة، وللدارقطني من حديث جابر: أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية. • قال الحافظ: وهو يقوي رواية الأدب لجزمها بالمدينة من غير شك. • قوله: (فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) وفي رواية: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : "يعذبان وما يعذبان في كبير" ثم قال: "بلى" أي وإنه لكبير، وصرح بذلك في "الأدب المفرد"، فقال: "وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير" أي: ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين، وهو عند الله كبير، كقوله تعالى: ï´؟ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ï´¾ [النور: 15] • قوله: (أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) وفي رواية: "يستبرئ"، ولمسلم: "يستنزه". • قال الحافظ: (فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه، فتوافق رواية لا يستنزه، لأنها من التنزه وهو الإبعاد، وقال: وأما رواية الاستبراء فهي أبلغ في التوقي)[1] انتهى. • وقال البخاري: (باب ما جاء في غسل البول. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لصاحب القبر: "كان لا يستتر من بوله" ولم يذكر سوى بول الناس). قال ابن بطال: أراد البخاري أن المراد بقوله: "كان لا يستتر من البول " بول الناس لا بول سائر الحيوان، فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان. • قال الحافظ: (قوله: "من البول" اسم مفرد لا يقتضي العموم، ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية لطهارة بول ما يؤكل)[2]. قلت: الكلام للقرطبي وإنما نقله الحافظ. • قوله: (وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة). • قال ابن دقيق العيد: هي نقل كلام الناس. والمراد منه هنا ما كان بقصد الإضرار، فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك مفسدة فهو مطلوب[3]. • وقال النووي: هي نقل كلام الغير بقصد الإضرار، وهي من أقبح القبائح. • قوله: (ثم دعا بجريدة رطبة) وفي رواية: فدعا بعسيب رطب. • قوله: (فشقها نصفين) وفي رواية: فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة. وفي حديث جابر الطويل عند مسلم في قصة أخرى أنه - صلى الله عليه وسلم- أمر جابرا فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم- جالسا، وأن جابرا سأله عن ذلك فقال: "إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين". • قوله: (فقالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا) أو "إلى أن ييبسا"[4]. • وقال الخطابي: هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة، لا أن في الجريدة معنى يخصه، ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس. قال: وقد قيل: إن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح. وفد استنكر الخطابي ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر عملا بهذا الحديث. قال الطرطوشي: لأن ذلك خاص ببركة يده. وقال القاضي عياض: لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله: "ليعذبان". • قال الحافظ: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة. قال: وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: - إثبات عذاب القبر. - وفيه التحذير من ملابسة البول، ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب. - ويستدل به على وجوب إزالة النجاسة خلافا لمن خص الوجوب بوقت إرادة الصلاة. تتمة: • قال ابن تيمية: (يحرم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلي مطلقا، سواء الفضاء والبنيان، وهو رواية اختارها أبو بكر عبد العزيز، ولا يكفي انحرافه عن الجهة). قلت: وهو ظاهر كلام جده. (وبحمد الله في نفسه إذا عطس بخلاء وكذلك في صلاته، قال أبو داود للإمام أحمد: أيحرك بها لسانه؟ قال: نعم، قال القاضي: ونقل بكر بن محمد: يحرك به شفتيه في الخلاء؟ قال القاضي: بحيث لا يسمعه وقال: مالا يسمعه لا يكون كلاما فيجري مجرى الذكر في نفسه، ولا تبطل الصلاة في الرواية عنه وفاقا للقاضي وجعلها أولى الروايتين. قال أبو العباس: أما مسألة الصلاة فتقارب مسألة الخلاء، فإن الحمد لله ذكر لله، ونص أحمد أنه يقوله في الصلاة بمنزلة أذكار المخافتة لكن لا يجهر به كما يجهر خارج الصلاة ليس أنه لا يسمع نفسه. وأما مسالة الخلاء: فيحتمل أن يكون ما قال القاضي، ويحتمل أن الروايتين معناهما الذكر الخفي عن غيره كما في الصلاة، ويحتمل أن يكون في المسالة روايتان إحداهما في نفسه بلا لفظ، والثانية باللفظ. ويكره السلت والنتر، ولم يصح الحديث في الأمر بالمشي، والتنحنح عقيب البول بدعة. ويجزئ الاستجمار ولو بواحدة في الصفحتين والحشفة وغير ذلك لعموم الأدلة بجواز الاستجمار. ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم- في ذلك تقدير، والأفضل الجمع بينهما، ولا يكره الاقتصار على الحجر على الصحيح. وليس له البول في المسجد ولو في وعاء). وقال في موضع آخر في البول حول البركة في المسجد: (هذا يشبه البول في قارورة في المسجد، ومنهم من نهى عنه، ومنهم من يرخص فيه للحاجة فأما اتخاذه مبالا فلا. ولا يجوز أن يذبح في المسجد ضحايا ولا غيرها. وليس للمسلم أن يتخذ المسجد طريقا فكيف إذا اتخذه الكافر طريقا. ويحرم منع المحتاج إلي الطهارة ولو وقفت على طائفة معينة كمدرسة ورباط ولو في ملكه لأنها بموجب الشرع والعرف مبذولة للمحتاج، ولو قدر أن الواقف صرح بالمنع فإنما يسوغ مع الاستغناء وإلا فيجب بذل المنافع المحضة للمحتاج كسكنى داره والانتفاع بما حوته ولا أجرة لذلك، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد، ويمنع أهل الذمة من دخول بيت الخلاء إن حصل منهم تضييق أو فساد ماء أو تنجيس وإن لم يكن بهم ضرورة ولهم ما يستغنون به فليس لهم مزاحمتهم[5] والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 321). [2] فتح الباري: (1/ 322). [3] فتح الباري: (1/ 319). [4] فتح الباري: (1/ 322). [5] الفتاوى الكبرى: (5/300). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب السواك 1) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك 2- باب السواك الحديث الأول 17- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". اتفق أكثر أهل العلم على أن السواك سنة مؤكدة لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم- ومواظبته عليه، وترغيبه فيه، وندبه إليه. وعن عائشة- رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" رواه أحمد والنسائي. وهو مسنون في كل وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء وقراءة القرآن وتغير الفم والاستيقاظ من النوم. قال في "المغني ": (وإن إستاك بأصبعه أو خرقة فقد قيل: لا يصيب السنة، لأن الشرع لم يرد به ولا يحصل الإنقاء به، والصحيح أنه يصيب بقدر ما يحصل من الإنقاء، ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها)[1] انتهى. • قوله: (لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك). • قال الشافعي: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب، لأنه لو كان واجبا لأمرهم، شق عليهم به أو لم يشق. • قوله: "مع كل وضوء" وفي رواية "مع كل صلاة" وفي رواية (عند كل صلاة). وللنسائي: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء". وعند أحمد: "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضؤون". وله أيضا: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك". واستدل بقوله: "كل صلاة" على استحباب السواك للفرائض والنوافل[2]. • قال الحافظ: (وفيه ما كان الني - صلى الله عليه وسلم- عليه من الشفقة على أمته. • وقال المهلب: فيه: أن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج. • واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال لعموم قوله: " كل صلاة". • قال ابن دقيق العيد: الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حال تقرب إلى الله، فاقتض أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة)[3]. • وقال البخاري: (باب سواك الرطب واليابس للصائم. ويذكر عن عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد. وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء". ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ، ولم يخص الصائم من غيره. وقالت عائشة عن النبي: - صلى الله عليه وسلم- " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب". وقال عطاء وقتادة: يبتلع ريقه. ثم أورد حديث عثمان في الوضوء). • قال ابن المنير في الحاشية: أخذ البخاري شرعية السواك للصائم بالدليل الخاص، ثم انتزعه من أعم الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال ما يستاك به، ثم انتزع ذلك من أعم من السواك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب. قوله: وقال عطاء وقتادة: يبتلع ريقه. ومناسبته للترجمة من جهة أن أقصى ما يخشى من السواك الرطب أن يتحلل منه في الفم شيء، وذلك الشيء كماء المضمضة فإذا قذفه من فيه لا يضره بعد ذلك أن يبتلع ريقه. • وقال البخاري أيضا: وقال ابن عمر: يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه. وقال عطاء: إن ازدرد ريقه لا أقول يفطر. وقال ابن سيرين: لا بأس بالسواك الرطب، قيل: له طعم، قال: والماء له طعم وأنت تمضمض به[4] انتهى. وقد نقل الترمذي: أن الشافعي قال: لا بأس بالسواك للصائم أول النهار وآخره، والله أعلم. [1] (1/109) [2] فتح الباري: (2/ 375). [3] فتح الباري: (2/ 376). [4] فتح الباري: (4/158). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب السواك 2) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثاني 18- عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك. معناه: يغسل أو يدلك، يقال: شاص يشوص وماص يموص إذا غسله، والشوص بالفتح الغسل والتنظيف. • قال ابن دقيق العيد: فيه استحباب السواك عند القيام من النوم، لأن النوم مقتض لتغير الفم لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة، والسواك آلة تنظيفه فيستحب عند مقتضاه[1]. الحديث الثالث 19- عن عائشة قالت: دخل عبد الرحمن بن أي بكر الصديق - رضي الله عنهما- على النبي - صلى الله عليه وسلم- وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بصره، فأخذت السواك فقضمته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فاستن به، فما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- استن استنانا قط أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رفع يده أو إصبعه ثم قال: "في الرفيق الأعلى"- ثلاثا- ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي. وفي لفظ: فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم. هذا لفظ البخاري، ولمسلم نحوه. • قولها: ( ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به) أي: يستاك،. وفي رواية: مر عبد الرحمن وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه، فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه. • قولها: (فأبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بصره) بتشديد الدال، أي: مد نظره إليه. • قولها: (فأخذت السواك فقضمته). • قال الحافظ: (بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة أي مضغته والقضم الأخذ بطرف الأسنان، وفي رواية "فقصمته" بصاد مهمله أي كسرته. • قولها: "ونفضته" بالفاء والضاء المعجمه. • قولها: (فما عدا أن فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رفع يده أو إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى- ثلاثا- ثم قضي) أي: مات. • وقوله - صلى الله عليه وسلم-: (في الرفيق الأعلى) إشارة منه - صلى الله عليه وسلم- إلي قوله تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ï´¾ [النساء: 69] عن عائشة قالت: كنت سمعت أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، قالت: فأصابت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بحة شديدة في مرضه، فسمعته يقول: ï´؟ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقً ï´¾ [النساء: 69] فظننت أنه خير، رواه البخاري[2]. • قوله: (وكانت تقول: مات ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي). وفي آخره: توفي في بيتي وفي يومي، وبين سحري ونحري، لان الله جمع ريقي وريقه عند موته في آخر يوم من الدنيا. والحاقنة: ما سفل من الذقن، والمراد أنه مات ورأسه بين حنكها وصدرها- صلى الله عليه وسلم- ورضي عنها. • قوله: (فقلت آخذه لك؟ فأومأ برأسه أن نعم) وفي رواية: فأومأ. • قال الحافظ: (ويؤخذ منه العمل بالإشارة عند الحاجة إليها، وقوة فطنة عائشة)[3]. قال: (وفيه دلالة على تأكد أمر السواك لكونه - صلى الله عليه وسلم- لم يخل به مع ما هو فيه من شاغل المرض)[4]. وفي الحديث أيضا إصلاح السواك وتهيئته. والاستياك بسواك الغير بعد تطهيره وتنظيفه. وفيه العمل بما يفهم من الإشارة والحركات عند الحاجة إليها، والله أعلم[5]. الحديث الرابع 20- عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو يستاك بسواك رطب، قال: وطرف السواك على لسانه، وهو يقول: " أع أع " والسواك في فيه كأنه يتهوع. • قوله: (يستاك بسواك رطب) وفي رواية: فوجدته يستن بسواك بيده، يقول: ( أع أع) بضم الهمزة وسكون المهملة. • قوله: (وطرف السواك على لسانه). • قال الحافظ: ( والمراد طرفه الداخل كما عند أحمد: "يستن إلى فوق" ولهذا قال هنا: "كأنه يتهوع" والتهوع التقيؤ، أي: له صوت كصوت المتقيئ على سبيل المبالغة. ويستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولا، أما الأسنان فالأحب فيها أن تكون عرضا. قال وفيه تأكيد السواك وأنه لا يختص بالأسنان، وأنه من باب التنظيف والتطيب لا من باب إزالة القاذورات، لكونه - صلى الله عليه وسلم- لم يختف به، وبوبوا عليه: استياك الأمام بحضرة رعيته)[6]. تتمة: • قال ابن تيمية: (يطلق على الفعل وعلى ما يتسوك به وهو مذكر، قال الليث: وتؤنثه العرب أيضا، وغلطه الأزهري في ذلك وتبعه ابن سيده في المحكم، وهو في جميع الأوقات مستحب، والأصح ولو للصائم بعد الزوال، وهو رواية، وقاله مالك وغيره. وقال: والسواك ما علمت أحدا كرهه في المسجد، والآثار تدل عليم)[7] انتهى والله أعلم. وعن المقداد بن شريح عن أبيه قال: قلت لعائشة: بأي شيء كان يبدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا دخل بيته قالت: بالسواك. رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، والله الموفق [1] فتح الباري: (1/ 356). [2] فتح الباري: (8/ 136). [3] فتح الباري: (8/ 139). [4] فتح الباري: (2/ 377). [5] إحكام الأحكام: (1/ 69). [6] فتح الباري: ( 1/ 356) [7] الفتاوى الكبرى: ( 5/302) |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام 3- باب المسح على الخفين الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الأول 21- عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في سفر فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما إني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما. المسح على الخفين جائز عند عامة أهل العلم. • قال أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ما رفعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وما وقفوا. • وعن الحسن قال: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين. • وعن ابن المبارك قال: ليس على المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، ولأن كل من روي عنه منهم إنكاره فقد روي عنه إثباته. وعن جرير: أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هكذا. قال: نعم، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بال ثم توضأ ومسح على خفيه، قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. متفق عليه. • قال الحافظ: (وقد صرح جمع من الحفاظ بان المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين[1]. • قال ابن المنذر: (اختلف العلماء أيهما أفضل: المسح على الخفين، أو نزعهما وغسل القدمين؟ قال: والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض. قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه. • وقال أصبغ: المسح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وعن أكابر أصحابه في الحضر أثبت عندنا وأقوى من أن نتبع مالكا على خلافه. • قوله: (كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- ) في سفر. وفي رواية: أنه خرج لحاجته. ولمالك وأحمد وأبي داود: أنه كان في غزوة تبوك وأن ذلك كان عند صلاة الفجر. وللبخاري: فأتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء فصب عليه حين فرغ من حاجته فتوضأ ومسح على الخفين. وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة وزاد: فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته ثم أقبل فتوضأ. وعند أحمد من طريق أخرى عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال له: "سلها فإن كانت دبغتها فهو طهور" وأنها قالت: إي والله لقد دبغتها. وللبخاري: وعليه جبة شامية فغسل وجهه ويديه. وعند أحمد: أنه غسل كفيه. وللبخاري: أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه. زاد أحمد: ثلاث مرات، فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين، فأخرجهما من تحت الجبة. وللبخاري: ومسح برأسه ولمسلم: ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخفين)[2]. قال الحافظ: (وفيه من الفوائد: الإبعاد عند قضاء الحاجة والتواري عن الأعين. واستحباب الدوام على الطهارة لأمره - صلى الله عليه وسلم- المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به، وإنما توضأ به حين رجع. وفيه جواز الاستعانة في الوضوء وغسل ما يصيب اليد من الأذى عند الاستجمار، وأنه لا يكفي إزالته بغير الماء، والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه. وقد يستنبط منه أن ما انتشر عن المعتاد لا يزال إلا بالماء وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت. والانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها، لأنه - صلى الله عليه وسلم- لبس الجبة الرومية ولم يستفصل، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الجبة كانت شامية وكانت الشام إذ ذاك دار كفر، ومأكول أهلها الميتات، كذا قال. وفيه الرد على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي المائدة، لأنها نزلت في غزوة المريسيع، وكانت هذه القصة في غزوة تبوك، وهي بعدها باتفاق، وسيأتي حديث جرير البجلي في معنى ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. وفيه التشمير في السفر، ولبس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك. وفيه المواظبة على سنن الوضوء حتى في السفر. وفيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة، سواء كان ذلك فيما تعم به البلوى أم لا، لأنه - صلى الله عليه وسلم- قبل خبر الأعرابية. فيه أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجزئ، لإخراجه - صلى الله عليه وسلم- يديه من تحت الجبة، ولم يكتف فيما بقي منهما بالمسح عليه، وقد يستدل به على من ذهب إلى وجوب تعميم مسح الرأس لكونه كمل بالمسح على العمامة ولم يكتف بالمسح على ما بقي من ذراعيه)[3]. قال في "المغني": وما جرت العادة بكشفه من الرأس استحب أن يمسح عليه مع العمامة، نص عليه أحمد، ويجوز المسح على العمامة المحنكة إذا كانت ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه، ولا يجوز على غير المحنكة إلا أن تكون ذات ذؤابة فيجوز في أحد الوجهين... وإن لم يكن تحت الحنك منها ولا لها ذؤابة لم يجز المسح عليها، لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يؤثر نزعها[4]. • قوله: (فأهويت لأنزع خفيه فقال: "فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما). • قال البخاري: (باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، وساق الحديث. • قال ابن بطال: فيه: خدمة العالم، وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من عادة مخدومه قبل أن يأمره. وفيه: الفهم عن الإشارة، ورد الجواب عما يفهم عنها، لقوله: فقال: "دعهما". • قوله: (فأني أدخلتهما) أي القدمين (طاهرتين) كذا للأكثر. وللكشميهني: "وهما طاهرتان". ولأبي داود: "فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان". وللحميدي في "مسنده"، قلت: يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه؟ قال:" نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان". ولابن خزيمة من حديث صفوان بن عسال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا) [5]انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/306) [2] فتح الباري: (1/ 305) [3] فتح الباري: (1/307) [4] الشرح الكبير لابن قدامة : (1/ 166، 167)، الإنصاف للمرداوي: (1/185). [5] فتح الباري: (1/ 309) |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام 3- باب المسح على الخفين(2) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثاني 22- عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فبال وتوضأ ومسح على خفيه. مختصرا. • قوله: (كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- )، وللبيهقي: إن كان ذلك بالمدينة وقد وقع في بعض النسخ كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في سفر. وهو غلط. • قوله: (فبال وتوضأ ومسح على خفيه. مختصرا). • قال البخاري: (باب البول قائما وقاعدا، وساق الحديث بلفظ: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء، فجئته بماء فتوضأ. • قال ابن بطال: دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى، لأنه إذا جاز قائما فقاعدا أجوز. قلت: ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما فإن فيه: بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جالسا، فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول المرأة. وحكي ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال: كان من شأن العرب البول قائما، ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة: قعد يبول كما تبول المرأة. وقال في حديث حذيفة: فقام كما يقوم أحدكم. ودل حديث عبد الرحمن المذكور على أنه - صلى الله عليه وسلم- كان يخالفهم في ذلك فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول، وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره، ويدل عليه حديث عائشة قالت: ما بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قائما منذ أنزل عليه القرآن. رواه أبو عوانه في صحيحه والحاكم. قوله: سباطة قوم، هي المزبلة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها، وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل. وفي رواية أحمد عنه: أتى سباطة قوم فتباعدت منه، فأدناني حتى صرت قريبا من عقبيه فبال قائما، ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه. وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين. قال: واستدل به على جواز المسح في الحضر) [1]انتهى. • وقال البخاري أيضا: (باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط، ثم ساق الحديث بلفظ: رأيتني أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم- نتماشى، فأتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم، فبال فانتبذت منه، فأشار إلي فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ)[2]. • قال الحافظ: (قوله: فأشار إلي. يدل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه. وإنما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين: عدم مشاهدته في تلك الحالة، وسماع ندائه كانت له حاجة، أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره. وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم: "ادنه" كان بالإشارة لا باللفظ، وأما مخالفته - صلى الله عليه وسلم- لما عرف من عادته من الإبعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة، فقد قيل: فيه إنه - صلى الله عليه وسلم- كان مشغولا بمصالح المسلمين، فلعله طال عليه المجلس حتى احتاج إلى البول، فلو أبعد لتضرر، واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامه مستورا بالحائط، أو لعله فعله لبيان الجواز. ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف، ولما يقترن به من الرائحة. والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر. وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بعض سكك المدينة، فانتهى إلى سباطة قوم فقال: "يا حذيفة استرني" فذكر الحديث. وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة، وكان حذيفة لما وقف خلفه عقبه استدبره، وظهر أيضا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر. ويستفاد من هذا الحديث: دفع أشد المفسدتين بأخفهما والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا، وبيانه أنه - صلى الله عليه وسلم- كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم، فلما حضره البول وه في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من الضرر، فراعى أهم الأمرين، وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما. • وقال البخاري أيضا: باب البول عند سباطة قوم. وساق الحديث عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى الأشعرى يشدد فى البول، ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه، فقال حذيفة: ليته أمسك، أتى رسول الله سباطة قوم فبال قائما)[3]. • وقال الحافظ: (بين ابن المنذر وجه هذا التشديد، فاخرج من طريق عبد الرحمن ابن الأسود عن أبيه أنه سمع أبا موسى ورأى رجلا يبول قائما، فقال: ويحك أفلا قاعدا، ثم ذكر قصة بني إسرائيل، وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبي موسى)[4]. • قال الحافظ: (وإنما احتج حذيفة بهذا الحديث، لأن البائل عن قيام قد يتعرض للرشاش ولم يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى هذا الاحتمال فدل على أن التشديد مخالف للسنة والله أعلم)[5]. • قال أبو العباس: (وخفي أصله على كثير من السلف والخلف حتى أنكره بعض الصحابة وطائفة من أهل المدينة وأهل البيت، وصنف الإمام أحمد كتابا كبيرا في الأشربة في تحريم المسكر ولم يذكر فيه خلافا عن الصحابة، فقيل له في ذلك فقال: هذا صح فيه الخلاف عن الصحابة بخلاف المسكر، ومالك مع سعة علمه وعلو قدره أنكره في رواية، وأصحابه خالفوه في ذلك. فقلت: وحكى ابن أبي شيبة إنكاره عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس، وضعف الرواية عن الصحابة بإنكاره غير واحد، والله أعلم والذين خفي عليهم ظنوا معارضة آية المائدة للمسح لأنه أمر بغسل الرجلين فيها، واختلف في الآية مع المسح على الخفين، فقالت طائفة: المسح على الخفين ناسخ للآية. قاله الخطابي قال: وفيه دلالة على أنهم كانوا يرون نسخ القرآن بالسنة، قال الطبري: مخصص، وهو قول طائفة: هو أمر زائد على ما في الكتاب، وطائفة: بيان لما في الكتاب. ومال إليه أبو العباس، وجميع ما يدعى من السنة أنه ناسخ للقرآن غلط، أما أحاديث المسح فهي تبين المراد بالقرآن إذ ليس فيه أن لابس الخف يجب عليه غسل الرجلين، وإنما فيه أن من قام إلى الصلاة يغسل، وهذا عام لكل قائم إلى الصلاة، لكن ليس عاما لأحواله بل هو مطلق في ذلك مسكوت عنه. قال أبو عمر بن عبد البر: معاذ الله أن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كتاب الله بل يبين مراده به. وطائفة قالت كالشافعي وابن القصار، ومال إليه أبو العباس أيضا أن الآية قرئت بالخفض والنصب فيحمل النصب، على غسل الرجلين والخفض على مسح الخفين فيكون القرآن كآيتين. وهل المسح أفضل أم غسل الرجلين أم هما سواء؟ ثلاث روايات عن أحمد، والأفضل في حق كل أحد بحسب قدمه، فللابس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خفيه اقتداء به - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولمن قدماه مكشوفتان الغسل، ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه وكان - صلى الله عليه وسلم- يغسل قدميه إذا كانتا مكشوفتين ويمسح إذا كان لابس الخفين. ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين، حكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيا والمشي فيه ممكن، هو قديم الشافعي، واختيار أبي البركات وغيره من العلماء، وعلى القدم ونعلها التي يشق نزعها إلا بيد أو رجل كما جاءت به الآثار، والاكتفاء بأكثر القدم هنا، والظاهر منها غسلا ومسحا أولى من مسح بعض الخف ولهذا لا يتوقت. وذكر في موضع آخر أن الرجل لها ثلاث أحوال: • الكشف، له الغسل، وهو أعلى المراتب. • والستر المسح. •وحالة متوسطة وهي في النعل، فلا هي بارزة فيجب الغسل، فأعطيت حالة متوسطة وهو الرش، وحيث أطلق عليها لفظ المسح في هذا الحال فالمراد به الرش، وقد ورد الرش على النعلين والمسح عليها في "المسند" من حديث أوس ورواه ابن أوس، ورواه ابن حبان والبيهقي من حديث ابن عباس، ومنصوص أحمد المسح على الجوربين ما لم يخلع النعلين، فإذا أجاز عليهما فالزربول الذي لا يثبت إلا بسير يشده به متصلا ومنفصلا عنه أولى بالمسح عليه من الجوربين، وما لبسه من فرو أو قطن وغيرهما وثبت بشده بخيط متصل أو منفصل مسح عليه، وأما اشتراط الثبات بنفسه فلا أصل له في كلام أحمد وإنما المنصوص عنه ما ذكرناه. وعلى القول باعتبار ذلك فالمراد به ما ثبت في الساق ولم يسترسل عند المشي ولا يعتبر موالاة المشي فيه كما ذكره أبو عبد الله ابن تيمية. يجوز على العمامة الصماء وهي كالقلانس، والمحكي عن أحمد الكراهة والأقرب أنها كراهة لا ترتقي إلى التحريم كسفر النزهة، ومثله لا يمنع الرخص، وتحمل كراهة السلف لغير المحنكة على الحاجة إلى ذلك لجهاد أو غيره، والعمائم المكلبة بالكلاب تشبه المحنكة من بعض الوجوه، فإنه يمسكها كما تمسك الحنك العمامة ومن غسل إحدى رجليه ثم أدخلها الخف قبل غسل الأخرى فإنه يجوز المسح عليها من غير اشتراط خلع، ولبسه قبل إكمال الطهارة كلبسه بعدها، وكذا لبسها قبل كمالها، وهو إحدى الروايتين ومذهب أبي حنيفة قال ولا يتوقف مدة المسح في حق المسافر الذي يثق اشتغاله بالخلع، واللبس كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين، وعليه تحمل قصة عقبة بن عامر، وهو نص مذهب مالك وغيره ممن لا يرى التوقيت، ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعها ولا بانقضاء المدة، ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه، وهو مذهب الحسن البصري، كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور. وإذا حل الجبيرة فهل تنتقض طهارته كالخف على قول من يقول بالنقض أو لا تنتقض كحلق الرأس؟ الذي ينبغي أن لا تنتقض الطهارة بناء على أنها لطهارة أصل لوجوبها في الطهارتين وعدم توقيتها، وأن الجبيرة بمنزلة باقي البشرة، لأن الفرض استتر بما يمنع وصول الماء إليه فانتقل الفرض إلى الحائل في طهارتين كما ينتقل الوضوء إلى منبت الشعر في الوجه والرأس للمشقة لا للشعر، وهذا قوي على قول من لا يشترط الطهارة لشدها. فأما من اشترط الطهارة لشدها فألحقها بالحوائل البدلية فتنتقض الطهارة بزوالها كالعمامة والخف. ويتوجه أن تنبني هذه على الروايتين في اشتراط الطهارة. قلت: البدل عندنا في حل الجبيرة إن كان بعد البرء وإلا فكالخف إذا خلعه، وإن كان قبله فوجهان أصحهما كذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم)[6]. • وقال المجد في "المنتقى": باب المسح على الموقين وعلى الجوربين والنعلين جميعا. عن بلال قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار. رواه أحمد. ولأبي داود: كان يخرج يقضي حاجته فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه. ولسعيد بن منصور في "سننه" عن بلال قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم-يقول: "امسحوا على النصيف والموق". وعن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي. • قال الشوكاني: (والحديث بجميع رواياته يدل على جواز المسح على الموقين وهما ضرب من الخفاف قاله ابن سيده والأزهري، وهو مقطوع الساقين قاله في الضياء. وقال الجوهري: الموق الذي يلبس فوق الخف قيل: وهو عربي، وقيل: فارسي معرب، وعلى جواز المسح على الخمار وهو العمامة كما قاله النووي. وقد تقدم الكلام على ذلك في باب جواز المسح على العمامة وعلى جواز المسح على النصيف وهو أيضا الخمار قاله في الضياء. وعلى جواز المسح على الجورب وهو لفافة الرجل قاله في الضياء والقاموس، وقد تقدم أنه الخف الكبير. وقد قال بجواز المسح عليه من ذكره أبو داود من الصحابة وزاد ابن سيد الناس في شرح الترمذي: عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبا مسعود البدري عقبة بن عمرو. وقد ذكر في الباب الأول أن المسح على الخفين مجمع عليه بين الصحابة. وعلى جواز المسح على النعلين. قيل: وإنما يجوز على النعلين إذا لبسهما فوق الجوربين، قال الشافعي: ولا يجوز مسح الجوربين إلا أن يكونا منعلين يمكن متابعة المشي فيهما)[7] انتهى والله أعلم. [1] فتح الباري: ( 1/328). [2] فتح الباري: ( 1/329). [3] فتح الباري: ( 1/ 329) [4] فتح الباري: ( 1/ 356) [5] فتح الباري: ( 1/ 357) [6] الفتاوى الكبرى: ( 5/303) [7] نيل الأوطار: ( 1/226) |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام 4- باب في المذي وغيره (1) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الأول 23- عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- قال: كنت رجلا مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: "يغسل ذكره، ويتوضأ". وللبخاري: "أغسل ذكرك وتوضأ". ولمسلم: "توضأ وانضح فرجك". • قال البخاري: (باب غسل المذي والوضوء منه. وساق الحديث بلفظ: كنت رجلا مذاء، فأمرت رجلا أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته، فسأل فقال: (تتوضأ واغسل ذكرك)[1]. • قال الحافظ: (وفي المذي لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء، ثم بكسر الذال وتشديد الياء، وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته، وقد لا يحس بخروجه. قوله: (مذاء) صيغة مبالغة من المذي أي: كثير المذي. قوله: (لمكان ابنته مني) وفي رواية لمسلم: "من أجل فاطمة- رضي الله عنه- ". • (فأمرت المقداد بن الأسود فسأله) وللنسائي. فقلت لرجل جالس إلي جنبي: سله، فسأله عن المذي يخرج من الإنسان، وفي رواية لأبي داود والنسائي وابن خزيمة: كنت رجلا مذاء، فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-:"لا تفعل". وعن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء وكنت أكثر من الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنما يجزيك من ذلك الوضوء" فقلت: يا رسول الله، فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: "يكفيك بان تأخذ كفا من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه". رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح[2]. • قوله: فقال: (يغسل ذكره ويتوضأ). • قال الحافظ: ( واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم-: "توضأ" على أن الغسل لا يجب بخروج المذي، وصرح بذلك في رواية لأبي داود وغيره، وهو إجماع، وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول. • قوله: (وللبخاري: اغسل ذكرك وتوضأ) وفي رواية للبخاري: (توضأ واغسل ذكرك). • قال الحافظ: (قوله: "واغسل ذكرك " هكذا وقع في البخاري تقديم الأمر بالوضوء على غسله، ووقع في العمدة نسبة إلي البخاري بالعكس، لكن الواو لا ترتب فالمعنى واحد، وهي رواية الإسماعيلي، فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى، ويجوز تقديم الوضوء على غسله لكن من يقول بنقض الوضوء بمسه يشترط أن يكون ذلك بحائل، واستدل به ابن دقيق العيد على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها، لأن ظاهره يعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال إلا به. قال: واستدل به بعض المالكية والحنابلة على إيجاب استيعابه بالغسل عملا بالحقيقة. قال: واستدل به أيضا على نجاسة المذي وهو ظاهر. وقال: وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وقد يؤخذ منه جواز دعوى الوكيل بحضرة موكله. وفيه ما كان الصحابة عليه من حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم- وتوقيره. وفيه استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيي منه عرفا، وحسن المعاشرة مع الأصهار وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة. • قوله: (ولمسلم: توضأ وانضح فرجك) النضح: يراد به الغسل هنا، لأنه المأمور به في الرواية الأخرى، وغسل الفرج يكون قبل الوضوء، والواو لا تقتضي الترتيب)[3] انتهى. • وقال البخاري أيضا: (باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال. وساق الحديث بلفظ: كنت رجلا مذاء، فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم-، فسأله فقال: "فيه الوضوء". • قال الحافظ: لأن فيه جمعا بين المصلحتين: استعمال الحياء، وعدم التفريط في معرفة الحكم)[4]. [1] فتح الباري: (1/379). [2] فتح الباري: (1/ 379). [3] فتح الباري: (1/ 380). [4] فتح الباري: (1/ 380). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام 4- باب في المذي وغيره (2) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثاني 24- عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني - رضي الله عنه- قال: شكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: “لا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا”. • قال البخاري: (باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن. وساق الحديث). • قوله: (عن عباد بن تميم عن عمه). • قال الحافظ: (هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري. قوله: (شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- الرجل) وفي رواية: أنه شكا إلى رسول الله الرجل)[1]. • قال الحافظ: (كذا في روايتنا: شكا بألف، ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي، وصرح بذلك ابن خزيمة عن عبد الجبار عن سفيان ولفظه: عن عمه عبد الله بن زيد قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الرجل. ووقع في بعض الروايات: “شكي” بضم أوله على البناء للمفعول، وعلى هذا فالهاء في “أنه” ضمير الشأن. • وقال: قوله: (الرجل) بالضم على الحكاية. وهو وما بعده في موضع النصب. • قوله: (يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة). • قال الحافظ: وأصله من الخيال، والمعنى يظن، والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين. • قوله: (يجد الشيء)، أي الحدث خارجا منه، وصرح به الإسماعيلي ولفظه: يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شيء. وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاص اسمه إلا للضرورة. • قوله: ( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا). • قال الحافظ: (ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين، لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى، قاله الخطابي. • وقال النووي: هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها. وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء) [2]انتهى، والله أعلم. • قال ابن دقيق العيد: (والحديث أصل في إعمال الأصل وطرح الشك، وكأن العلماء متفقون على هذه القاعدة، لكنهم يختلفون في كيفية استعمالها. ثم ذكر كلاما نفيسا ثم قال: وإنما أوردنا هذه المباحث ليتلمح الناظر مأخذ العلماء في أقوالهم، فيرى ما ينبغي ترجيحه فيرجحه وما ينبغي إلغاؤه فيلغيه)[3] والله الموفق. [1] فتح الباري: (1/ 237). [2] فتح الباري: (1/ 238). [3] إحكام الأحكام: (1/ 117). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام 4- باب في المذي وغيره (3) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثالث 25- عن أم قيس بنت محصن الأسدية أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه على ثوبه، ولم يغسله. 26- وعن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أتي بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فأتبعه إياه. ولمسلم: فاتبعه بوله، ولم يغسله. • قال البخاري: باب بول الصبيان. وساق حديث عائشة وأم قيس. • قال الحافظ: (قوله: "باب بول الصبيان" أي: ما حكمه، وهل يلتحق به بول الصبايا- جمع صبية- أم لا؟ وفي الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف، منها: حديث علي مرفوعا في بول الرضيع: ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية. أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي. قال قتادة: هذا ما لم يطعما الطعام، وإسناده صحيح. ورواه سعيد عن قتادة فوقفه وليس ذلك بعلة قادحة. ومنها: حديث لبابة بنت الحارث مرفوعا: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر. أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزنمة أيضا) [1]انتهى. • قال الحافظ: (المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضيه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتناء بغير اللبن على الاستقلال، هذا مقتضي كلام النووي في لشرح مسلم " و"شرح المهذب". • قوله: (فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حجره فبال على ثوبه) أي ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. • قوله: (فنضح على ثوبه ولم يغسله) ولمسلم. فلم يزد على أن نضح بالماء. ولأبي عوانة: فرشة عليه)[2]. • قال الحافظ: ولا تخالف بين الروايتين، أي: بين نضح ورش، لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء، وانتهى إلي النضح وهو صب الماء. ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام: "فدعا بماء فصبه عليما. ولأبي عوانة: "فصبه على البول يتبعه إياه" انتهى. وفي رواية لمسلم: قال ابن شهاب: فمضت السنة أن يرش بول الذي ويغسل من بول الجارية. وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه: منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل أن النفوس أعلق بالذكور منها بالأثاث، يعنى فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة. • قال الخطابي: ليس تجويز من جوَّز النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس، ولكنه لتخفيف نجاسته[3] . انتهى. [1] فتح الباري: (1/ 325). [2] فتح الباري: (1/ 326). [3] فتح الباري: (1/ 327). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام 4- باب في المذي وغيره (4) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الرابع 27- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي، فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم-، فلما قضى بوله أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بذئاب من ماء، فأهريق عليه. • قوله: (جاء أعرابي) الأعرابي: واحد الأعراب، وهم من سكن البادية عرباً كانوا أو عجما. • قوله: (فبال في طائفة المسجد) أي: ناحية مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم . • قوله: (فزجره الناس). وفي رواية: فتناوله الناس، أي: بألسنتهم. وللبخاري: فثار إليه الناس. وعند البيهقي: فصاح الناس به. ولمسلم: فقال الصحابة، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم- . وفي رواية: فقال: "لا تزرموه" أي: لا تقطعوا عليه بوله. وفي رواية: • فقال: "دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ". • قال الحافظ: (وإنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة، فلو من لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد، فلو من لدار بين أمرين: إما أن يقطعه فيتضرر، وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد)[1]. • وقال أيضا: وقوله: "إنما بعثتم" إسناد البعث إليهم على طريق المجاز، لأنه هو المبعوث - صلى الله عليه وسلم- بما ذكر، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، إذ هم مبعوثون من قبله بذلك، أي مأمورون. وكان ذلك شانه - صلى الله عليه وسلم-في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول: "يسروا ولا تعسروا" انتهى. • ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآنية وعند الترمذي وغيره في أوله أنه صلى ثم قال: (اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: " لقد تحجرت واسعا". ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فلما قض بوله أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فأهريق عليه. الذنوب: الدلو ملأى ماء، وقيل: فيها ماء قريب من الملء، ولا يقال لها وهي فارغة. قال الحافظ: (وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة ولهذا بادروا إلي الإنكار بحضرته - صلى الله عليه وسلم- قبل استئذانه ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص. قال: وفيه المبادرة إلي إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء. وفيه تعلن الماء لإزالة النجاسة. قال: وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، ويلتحق به غير الواقعة، لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة. وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا، ولاسيما إن كان ممن يحتاج إلي استئنافه. وفيه رأفة النبي - صلى الله عليه وسلم- وحسن القمع قال ابن ماجه وابن حبان في حديث أبي هريرة: فقال الأعرابي بعد أن فقه الإسلام: فقام إلي النبي - صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي- فلم يؤنب ولم يسب. وفيه تعظيم المسجد وتنزهيه عن الأقذار. قال: وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها)[2] انتهى. • وقال البخاري: باب الرفق في الأمر كله. وساق حديث عائشة في قصة اليهود وحديث أنس، والرفق هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، والله المستعان[3]. تتمة: قال: (باب ما ظن ناقضا وليس بناقض). والأحداث اللازمة: كدم الاستحاضة وسلس البول لا تنقض الوضوء ما لم يوجد المعتاد، وهو مذهب مالك. والدم والقيء وغيرهما من النجاسات الخارجة من غير المخرج المعتاد: لا تنقض الوضوء ولو كثرت، وهو مذهب مالك والشافعي. قلت: اختاره الأجرمي في غير القيء. والنوم: لا ينقض مطلقا إن ظن بقاء طهارته، وهو أخص من رواية حكيت عن أحمد أن النوم لا ينقض بحال. ويستحب الوضوء من أكل لحم الإبل، ويستحب الوضوء عقيب الذنب، ومن مس الذكر إذا تحركت الشهوة بمسه، وتردد فيما إذا لم تتحرك، ومال أبو العباس أخيرا إلي استحباب الوضوء دون الوجوب من مس النساء والأمرد إذا كان لشهوة قال: إذا مس المرأة لغير شهوة فهذا مما علم بالضرورة أن الشارع لم يوجب منه وضوء ولا يستحب الوضوء منه. وقال: ولا يفتح المصحف للفأل قاله طائفة من العلماء خلافا لأبي عبد الله بن بطة، ويجب احترام القرآن حيث كتب، وتحرم كتابته حيث يهان ببول حيوان أو جلوس عليه إجماعا، والناس إذا اعتادوا القيام وإن لم يقيم لأحدهم أفضى إلي مفسدة فالقيام دفعا لها خير من تركه. وينبغي للإنسان أن يسعى في سنة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وعادتهم وإتباع هديهم والقيام بكتاب الله أولى. والدراهم المكتوبة عليها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) يجوز للمحدث لمسها، وإذا كانت معه في منديل أو خريطة وشق إمساكها جاز أن يدخل بها الخلاء[4]. وقال أيضاً: (واختلف كلام أبي العباس في نجاسة الكلب، ولكن الذي نقل عنه أخيرا أن مذهبه نجاسة غير شعره، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز. والمسك وجلدته طاهران عند جماهير العلماء كما دلت عليه السنة الصحيحة وعمل المسلمين، وليس ذلك مما يبان من البهيمة وهي حية بل إذا كان ينفصل عن الغزال في حياته فهو بمنزلة الولد والبيض واللبن والصوف وغير ذلك مما ينفصل عن الحيوان)[5]. ولا ينجس الآدمي بالموت، وهو ظاهر مذهب أحمد والشافعي وأصح القولين في مذهب مالك، وخصه في شرح العمدة بالمسلم، وقاله جده أبو البركات في شرح الهداية. وتطهر النجاسة بكل مائع طاهر يزيل كالخل ونحوه، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن عقيل ومذهب الحنفية. وإذا تنجس ما يضره الغسل كثياب الحرير والورق وغير ذلك أجزأ مسحه في أظهر قولي العلماء، وأصله الخلاف في إزالة النجاسة كإفساد الماء المحتاج إليه، كما ينهى عن ذبح الخيل التي يجاهد عليها والإبل التي يحج عليها والبقر التي يحرث عليها ونحو ذلك لما في ذلك من الحاجة إليه. وتطهر الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة ونحوهما إذا تنجست بالمسح، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، ونقل عن أحمد مثله في السكين من دم الذبيحة، فمن أصحابه من خصصه بها لمشقة الغسل مع التكرار، ومنهم من عداه كقولهما. ويطهر النعل بالدلك بالأرض إذا أصابته نجاسة وهو رواية عن أحمد. وذيل المرأة يطهر بمروره على طاهر يزيل النجاسة، ونقله إسماعيل بن سعيد الشالنجي عن أحمد. وتطهر النجاسة بالاستحالة، أطلقه أبو العباس في موضع، وهو مذهب أهل الظاهر وغيرهم. وقال في موضع آخر: ولا ينبغي أن يعبر عن ذلك بان النجاسة طهرت بالاستحالة، فإن نفس النجس لم يطهر بل استحال. وصحح في موضع آخر: أن الخمرة إذا خلت لا تطهر، وهو مذهب أحمد وغيره لأنه منهي عن اقتنائها مأمور بإراقتها، فإذا أمسكها فهو الموجب لتنجسها وعدم حلها وسواء في ذلك خمر الخلال وغيره. ولو ألقى أحد فيها شيئا يريد به إفسادها على صاحبها لا تخليلها، أو قصد صاحبها ذلك بأن يكون عاجزا عن إراقتها لكونها في حب فيريد إفسادها لا تخليلها فعموم كلام الأصحاب يقتض أنها لا تحل سدا للذريعة ويحتمل أن تحل. وإذا انقلبت بفعل الله تعالى فالقياس فيها مثل أن يكون هناك ملح فيقع فيها من غير فعل أحد، فينبغي على الطريقة المشهورة أن تحل، وعلى طريقة من علل النجاسة بإلقاء شيء لا تحل، فإن القاضي ذكر في خمر النبيذ أنها على الطريقة لا تحل لما فيها من الماء، وأن كلام الإمام أحمد يقتض حلها. أما تخليل الذمي الخمر بمجرد إمساكها فينبغي جوازه على معنى كلام أحمد فإنه علل المنع بأنه لا ينبغي لمسلم أن يكون في بيته الخمر، وهذا ليس بمسلم، ولأن الذمي لا يمنع من إمساكها. وعلى القول بان النجاسة لا تطهر بالاستحالة فيعفى من ذلك عما يشق الاحتراز عنه كالدخان والغبار المستحيل من النجاسة كما يعفى عما يشق الاحتراز عنه من طين الشوارع وغبارها، وإن قيل إنه نجس فإنه يعفى عنه على أصح القولين. ومن قال: إنه نجس ولم يعف عما يشق الاحتراز عنه فقوله أضعف الأقوال. ولو كان المائع غير الماء كثيرا فزال تغيره بنفسه توقف أبو العباس في طهارته. وتطهر الأرض النجسة بالشمس والريح إذا لم يبق أثر النجاسة وهو مذهب أبي حنيفة ولا يجوز التيمم عليها بل تجوز الصلاة عليها بعد ذلك ولو لم تغسل. ويطهر غيرها بالشمس والريح أيضا، وهو قول في مذهب أحمد ونص عليه أحمد في حبل الغسيل. وتكفي غلبة الظن بإزالة نجاسة المذي أو غيره وهو قول في مذهب أحمد ورواية عنه في المذي. ونقل عن أحمد في جوارح الطير إذا أكلت الجيف فلا يعجبني عرقها، فدل على أنه كرهه لأكلها النجاسة فقط وهو أولى. ولا فرق في الكراهة بين جوارح الطير وغيرها، وسواء كان يأكل الجيف أم لا. وإذا شك في الروثة هل هي من روث ما يؤكل لحمه أو لا، ففيه وجهان في مذهب أحمد مبنيان على أن الأصل في الأرواث الطهارة إلا ما استثنى، وهو الصواب، أو النجاسة إلا ما استثنى. قلت: والوجهان يمكن أن يكون أصلهما روايتين. إحداهما: قال عبد الله: إن الأبوال كلها نجسة إلا ما أكل لحمه. والثانية: قال أحمد في رواية محمد بن أبي الحارث في رجل وطئ على روث لا يدري هل هو روث حمار أو برذون فرخص فيه إذ لم يعرفه. وبول ما أكل لحمه وروثه طاهر لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجسه بل القول بنجاسته قول محدث لا سلف له من الصحابة. وروث دود القز طاهر عند أكثر العلماء ودود الجروح. ومني الآدمي طاهر، وهو ظاهر مذهب أحمد والشافعي. وقول الأصحاب: الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، يعني أن جنسها طاهر. وقد يعرض له ما يكون نجس العين كالدود المتولد من العذرة فإنه نجس، ذكره القاضي، وتتخرج طهارته بناء على أن الاستحالة إذا كانت بفعل الله تعالى طهرت، ولا بد أن يلحظ طهارة ظاهره من العذرة بان يغمس في ماء ونحوه إلا أن لا يكون على بدنه شيء منها. ويطهر جلد الميتة الطاهرة حال الحياة بالدباغ، وهو رواية عن أحمد أيضا والشافعي، ورجحه في الفتاوي المصرية. وجلد مالا يؤكل لحمه يطهر بالذكاء، وهو رواية عن أحمد أيضاً. ولا يجب غسل الثوب والبدن من المذي والقيح والصديد، ولم يقم دليل على نجاسته وحكى أبو البركات عن بعض أهل العلم طهارته. والأقوى في المذي أنه يجزئ فيه النضح، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. ويد الصبي إذا أدخلها في الإناء فإنه يكره استعمال الماء الذي غمس يده فيه، وكذلك تكره الصلاة في ثوبه. وقد سئل أحمد رحمه الله في رواية الأثرم عن الصلاة في ثوب الصبي فكرهها. وقرن الميتة وعظمها وظفرها وما هو من جنسه كالحافر ونحوه طاهر، قاله غير واحد من العلماء. ويجوز الانتفاع بالنجاسات وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي وأومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور. ويعفى عن يسير النجاسة حتى بعر فأرة ونحوها في الأطعمة وغيرها وهو قول في مذهب أحمد، ولو تحققت نجاسة طين الشارع عفي عن يسيره لمشقة التحرز عنه، ذكره أصحابنا. وما تطاير من غبار السرجين ونحوه ولم يمكن التحرز عنه عفي عنه. وإذا قلنا يعفى عن يسير النبيذ المختلف فيه لأجل الخلاف فيه، فالخلاف في الكلب أظهر وأقوى، فعلى إحدى الروايتين يعفى عن يسير نجاسة الكلب. وإذا أكلت الهرة فارة ونحوها فإذا طال الفصل طهر فمها بريقها لأجل الحاجة، وهذا أقوى الأقوال، واختاره طائفة من أصحاب أحمد وأبي حنيفة، وكذلك أفواه الأطفال والبهائم، والله تعالى أعلم[6]..انتهى. [1] فتح الباري(1/ 323). [2] فتح الباري: (1/ 324، 325). [3] فتح الباري: (10/ 449). [4] الاختيارات الفتاوى الكبرى: (5/ 306). [5] الاختيارات الفقهية: (1/ 22). [6] الفتاوى الكبرى: (5/ 311 . 314). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام 5- باب في المذي وغيره (5) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الخامس 28- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الفطرة خمس: الختان والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط". • قال أبو شامة: كما في "فتح الباري": أصل الفطرة الخلقة المبتدأة، ومنه فاطر السماوات والأرض، أي: المبتدئ خلقهن، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "كل مولود يولد على الفطرة" أي: على ما ابتدأ الله خلقه عليه، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: ï´؟ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ï´¾ [الروم: 30] والمعنى أن كل أحد لو ترك من وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلي الدين الحق وهو التوحيد، ويؤيده قوله تعالى قبلها: ï´؟ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ ï´¾ [الروم: 30] وإليه يشير في بقية الحديث حيث عقبه بقوله: "فأبواه يهودانه وينصرانه". والمراد بالفطرة في حديث الباب أن هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثهم عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة. قال البيضاوي: الفطرة: السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع، وكأنها أمر جبلي فطروا عليه)[1]. قوله: (الفطرة خمس) وفي رواية أحمد: (خمس من الفطرة). قال ابن دقيق العيد كما في "فتح الباري": دلالة "من" على التبعيض فيه أظهر من دلالة هذه الرواية على الحصر، وقد ثبت في أحاديث أخرى زيادة على ذلك، فدل على أن الحصر فيها غير مراد. انتهى. وقيل: أريد بالحصر المبالغة لتأكيد أمر الخمس المذكورة كما حمل عليه قوله: "الدين النصيحة" و "الحج عرفة" ونحو ذلك. • قال الحافظ: (ويدل على التأكيد ما أخرجه الترمذي والنسائي من حديث زيد بن أرقم مرفوعاً: "من لم يأخذ شاربه فليس منا" وسنده قوي") [2] انتهى. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء" يعنى الاستنجاء بالماء. قال زكريا: قال مصعب بن شيبة ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. رواه أحمد والنسائي والترمذي. • قال الحافظ: (مجموع الخصال التي وردت في هذه الأحاديث بلفظ: "الفطرة" خمس عشرة خصلة الخمس الواردة في الحديث المتفق عليمة والوضوء والاستنشاق والاستنثار والاستنجاء والسواك وغسل الجمعة وإعفاء اللحية والفرق و غسل البراجم والانتضاح. وأما الخصال الواردة في المعنى لكن لم يرد التصريح فيها بلفظ الفطرة فكثيرة، منها ما أخرجه الترمذي من حديث أبي أيوب رفعه: "أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر والسواك، والنكاح" وأخرج البزار والبغوي في "معجم الصحابة" من طريق فليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده رفعه: "خمس من سنن المرسلين" فذكر الأربعة المذكورة إلا النكاح وزاد الحلم والحجامة)[3] انتهى ملخصًا. وقال: ويتعلق بهذه الخصال مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع، منها تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلا، والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة، ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعباد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: ï´؟ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ï´¾ [غافر: 64] لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل: قد حسنت صوركم فلا تشوهوها بما يقبحها، أو حافظوا على ما يستمر به حسنها، وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التالف المطلوب، لأن الإنسان إذا بدأ في الهيئة الجميلة كان أدعى لانبساط النفس إليه، فيقبل قوله، ويحمد رأيه والعكس بالعكس[4]. • قوله: (الختان) وفي رواية مسلم: الاختتان. • قال الحافظ: (والختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان أيضا كما في حديث عائشة: "إذا التقى الختانان" والأول المراد هنا. • قال الماوردي: (ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغنى به شيء من الحشفة)[5]. • قال الموفق: (فأما الختان فواجب على الرجال، ومكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن، هذا قول كثير من أهل العلم)[6]. • قال النووي: ويسمى ختان الرجل إعذارا، وختان المرأة خفضا[7]. انتهى. وعن أي هريرة مرفوعًا: "اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" متفق عليه. وأخرج أبو الشيخ: من طريق موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، قال: أمر إبراهيم أن يختتن وهو ابن ثمانين، فاختتن بالقدوم، فاشتد عليه الوجع، فأوحى الله عز وجل إليه: إنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته فقال: كرهت أن أؤخر أمرك[8]. • وقال الماوردي - كما في "الدين الخالص" أو "إرشاد الخلق إلى دين الحق"[9]: للختان وقتان: وقت وجوب ورقت استحباب. فوقت الوجوب: البلوغ، ووقت الاستحباب قبله. • وقال الحافظ: (وقال أبو الفرج السرخسي: في ختان الصبي وهو صغير مصلحة من جهة أن الجلد بعد التمييز يغلظ ويخشن، فمن ثم جوز الأئمة الختان قبل ذلك. • قال الحافظ: (وقد نقل الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في "المدخل" أن السنة إظهار ختان الذكر وإخفاء ختان الأنثى، والله أعلم. • قال الحافظ: قوله: (والاستحداد) المراد به استعمال الموسى في حلق الشعر من مكان مخصوص من الجسد. قال: وقد وقع في رواية النسائي في حديث أبي هريرة هذا التعبير بحلق العانة. • قال النووي: المراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة. قال: وذكر الحلق لكونه هو الأغلب، وإلا فيجوز الإزالة بالنورة والنتف وغيرهما)[10] انتهي. وقد سئل أحمد عن أخذ العانة بالمقراض، فقال: أرجو أن يجزئ. قيل فالنتف؟ قال: وهل يقوى على هذا أحد؟ • قال ابن دقيق العيد: (والأولى في إزالة الشعر هنا الحلق إتباعا، ويجوز النتف، بخلاف الإبط فإنه بالعكس، لأنه تحتبس تحته الأبخرة بخلاف العانة، والشعر من الإبط بالنتف يضعف وبالحلق يقوى، فجاء الحكم في كل من الموضعين بالمناسب). • وقال الحافظ: (ويفترق الحكم في نتف الإبط وحلق العانة أيضا بان نتف الإبط وحلقه يجوز أن يتعاطاه الأجنبي، بخلاف حلق العانة فيحرم إلا في حق من يباح له الصف والنظر كالزوج والزوجة. وأما التنور فسئل عنه أحمد فأجازه، وذكر أنه يفعله. • قوله: (وقص الشارب) هو الشعر النابت على الشفة العليا. • قال النووي: المختار في قص الشارب أنه يقصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله، وأما رواية "أحفوا" فمعناها: أزيلوا ما طال على الشفتين)[11] انتهى. • وقال مالك لمن يحلق شاربه: هذه بدعة ظهرت في الناس. • وقال القرطبي: وقص الشارب أن يأخذ ما طال على الشفة بحيث لا يؤذي الأكل ولا يجتمع فيه الوسخ. انتهى. وفي حديث المغيرة بن شعبة: "ضفت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان شاربي وفي فقصه على سواك" أخرجه أبو داود. وعن الشعبي أنه كان يقص شاربه حتى يظهر حرف الشفة العلياء وما قاربه من أعلاه، ويأخذ ما يزيد مما فوق ذلك وينزع ما قارب الشفة من جانبي الفم ولا يزيد على ذلك. • قال الحافظ: وهذا أعدل ما وقفت عليه من الآثار، وفد أبدى ابن العربي لتخفيف شعر الشارب معنى لطيفا فقال: إن الماء النازل من الأنف يتلبد به الشعر لما فيه من اللزوجة وبعسر تنقيته عند غسله وهو بإزاء حاسة شريفة هي الشم، فشرع تخفيفه ليتم الجمال والمنفعة به. انتهى. وعن ابن عمر - رضي الله عنه-، عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى واحفوا الشوارب". متفق عليه. زاد البخاري: وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه. • قال أبو شامة: وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها[12]. • قوله: "وقلم الأظافر" وفي رواية: (وتقليم الأظفار) وفي حديث ابن عمر: "قص الأظفار". والمراد إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الإصبع من الظفر، لأن الوسخ يجتمع فيه فيستقذر. • قال الحافظ: (ولم يثبت في ترتيب الأصابع عند القص شيء من الأحاديث)[13]. وأخرج البيهقي من مرسل أبي جعفر الباقي قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب أن يتخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة). وسئل أحمد عنه فقال: يسن في يوم الجمعة قبل الزوال، وعنه يوم الخميس، وعنه يتخير، وهذا هو المعتمد أنه يستحب كيف ما احتاج إليه[14]. • قوله: "ونتف الآبطاط" وفي رواية: (ونتف الإبط). • قال الحافظ: (والمستحب البداءة فيه باليمنى، ويتأدى أصل السنة بالحلق ولاسيما من يؤلمه النتف. وقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت على الشافعي ورجل يحلق إبطه فقال: إني علمت أن السنة النتف، ولكن لا أقوى على الوجع. قال الغزالي: هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده، قال: والحلق كاف لأن المقصود النظافة. وتعقب بان الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة، وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج، فشرع فيه النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به، بخلاف الحلق فإنه يقوي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك)[15]. وعن أنس - رضي الله عنه- : وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة. رواه مسلم وابن ماجه، ورواه أحمد والثلاثة قالوا: "وقت لنا رسول الله" قال القرطبي في "المفهم": ذكر الأربعين تحديد لأكثر المدة، ولا يمنع تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، والضابط في ذلك: الاحتياط. • قال الحافظ: (وفي سؤالات مهنا عن أحمد قلت له: يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه قلت: بلغك فيه شيء؟ قال: كان ابن عمر يدفنه. وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بدفن الشعر والأظفار وقال: "لا يتلعب به سحرة بني آدم". • قال الحافظ: وهذا الحديث أخرجه البيهقي من حديث وائل بن حجر نحوه. وفد استحب أصحابنا دفنها لكونها أجزاء من الآدمي)[16] والله أعلم. ويكره ترك شعره في المسجد وإن لم يكن نجسا، ويفعل الأصلح كل بلد بما يناسبه في العمل، والأفضل قميص من سراويل لا رداء، وإزار ولو مع القميص، وهو أحد قولي العلماء. ويحرم حلق اللحية، ويجب الختان إذا وجبت الطهارة والصلاة، وينبغي إذا راهق البلوغ أن يختتن كما كانت العرب تفعل لئلا يبلغ إلا وهو مختون [17] انتهى. وعن جابر بن عبد الله قال: جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأن رأسه ثغامة. ولأحمد من حديث أنس: ولحيته ورأسه كالثغامة بياضا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"اذهبوا به إلي بعض نسائه فلتغيره بشيء، وجنبوه السواد". رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ". رواه الجماعة. وعن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم " رواه الخمسة وصححه الترمذي. وعن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك. رواه النسائي وأبو داود. وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى صبيًا حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهى عن ذلك وقال: "احلقوه كله أو اتركوه كله ". رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه". رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن. والله الموفق. [1] فتح الباري: (10/339). [2] فتح الباري: (10/ 337) [3] فتح الباري: (10/ 337) [4] فتح الباري: (10/337). [5] فتح الباري: (10/ 340). [6] المغني: (1/100). [7] فتح الباري: (10/340) [8] أخبار أصبهان: (4/ 491). [9] (1/ 238). [10] فتح الباري: (10/ 343). [11] فتح الباري: (16/479). [12] فتح الباري: (10/351). [13] فتح الباري: (10/345). [14] فتح الباري: (10/ 346). [15] فتح الباري: (10/344). [16] فتح الباري: (10/346). [17] الفتاوى الكبرى: (5/302). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الغسل من الجنابة1) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك باب الغسل من الجنابة الحديث الأول 29- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- به أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، قال: فانخنست منه، فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال:" أين كنت يا أبا هريرة؟" قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال: "سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس". وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ï´¾ [المائدة: 6] وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ï´¾ [النساء: 43]. والغسل- بضم الغين: اسم للاغتسال. • قال البغوي: وأصل الجنابة البعد، وسمي جنبا لأنه يتجنب موضع الصلاة، أو لمجانبته الناس وبعده منهم حتى يغتسل. • قوله: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب) يعني نفسه. • قوله: (فانخنست منه). أي: مضيت عنه مستخفيا فذهبت فاغتسلت. وفي رواية: لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأنا جنب فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت منه وأتيت الرحل فاغتسلت، ثم جئت وهو قاعد، فقال: "أين كنت يا أبا هر؟ " فقلت "له: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة فقال: سبحان الله يا أبا هر، إن المؤمن لا ينجس ". • قال البخاري: باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس. وذكر الحديث. • قال الحافظ: (كأن المصنف يشير بذلك إلي الخلاف في عرق الكافر. وقال قوم: إنه نجس بناء على القول بنجاسة عينه كما سيأتي، فتقدير الكلام: بيان حكم عرق الجنب، وبيان أن المسلم لا ينحس، وإذا كان لا ينجس فعرقه ليس بنجس، ومفهومه أن الكافر ينجس فيكون عرقه نجسا). وقال أيضا: • قوله (إن المؤمن لا ينجس) تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال: إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى: ï´؟ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ï´¾ [التوبة: 28] وأجاب الجمهور عن الحديث بان المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة وعن الآية بان المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار، وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال. وفي هذا الحديث استحباب الطهارة عند ملابسة الأمور المعظمة. واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبهم على أكمل الهيئات. وكان سبب ذهاب أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم- كان إذا لقي أحدا من أصحابه ماسحه ودعا له، هكذا رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة، فلما ظن أبو هريرة أن الجنب ينجس بالحدث خشي أن يماسحه - صلى الله عليه وسلم- كعادة فبادر إلى الاغتسال، وإنما أنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- قوله: "وأنا على غير طهارة"، وقوله: "سبحان الله" تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجس بالجنابة أي كيف يخفى عليه هذا الظاهر؟ وفيه استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه لقوله: "أين كنت؟ " فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يعلمه. وفيه استحباب تنبيه المتبوع لتابعه على الصواب وإن لم يسأله. وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه. قال: واستدل به البخاري على طهارة عرق الجنب، لأن بدنه لا ينجس بالجنابة، فكذلك ما تحلب منه. وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه قبل أن يغتسل فقال: باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره)[1].انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (390). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الغسل من الجنابة2) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثاني 30- عن عائشة- رضي الله عنه- قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، ثم توضع وضوءه للصلاة، ثم يغتسل، ثم يخلل بيده شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده. وكانت تقول: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، نغترف منه جميعا. • قال الشافعي: (فرض الله تعالى الغسل مطلقا، لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شيء فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه. والاختيار في الغسل ما روت عائشة[1]. • وقال البخاري: (باب الوضوء قبل الغسل). وذكر حديث عائشة وميمونة. • قال ابن عبد البر: هو من أحسن حديث روي في ذلك. • قولها: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه) وفي رواية. (بدأ فغسل يديه)[2]. • قال الحافظ: (يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من يستقذر، وسيأتي في حديث ميمونة تقوية ذلك. ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام: (قبل أن يدخلهما في الإناء) رواه الشافعي والترمذي، وزاد أيضا: "ثم يغسل فرجه"، وكذا لمسلم من رواية أبي معاوية، ولأبي داود من رواية حماد بن زيد كلاهما عن هشام، وهي زيادة جليلة، لأن بتقديم غسله يحصل الأمن من مسه في أثناء الغسل. • قولها: وتوضأ وضوءه للصلاة وفي رواية: "يتوضأ كما يتوضأ للصلاة" فيه احتراز عن الوضوء اللغوي. • قال الداودي: وإنما قدم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل له صورة الطهارتين الصغرى والكبرى. • قولها: (ثم يغتسل، ثم يخلل بيده شعره) وفي رواية: "ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر" وللترمذي والنسائي: "ثم يشرب شعره الماء" و عند البيهقي: " يخلل بها شق رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر كذلك" [3]. • قال الحافظ: (وفائدة التخليل إيصال الماء إلى الشعر والبشرة، ومباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء، وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به. ثم هذا التخليل غير واجب اتفاقا، إلا إن كان الشعر ملبدا بشيء يحول بين الماء وبين الوصول إلى أصوله)[4]. • قولها: (حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات)، وفي رواية: ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه. • قال الحافظ: (والإفاضة الإسالة. واستدل به من لم يشترط الدلك وهو ظاهر. وقال: هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعدما تقدم)[5]. انتهى. وصفت عائشة غسل النبي - صلى الله عليه وسلم- من الجنابة قالت: كان يغسل يديه ثلاثا ثم يفيض بيده اليمنى على اليسرى فيغسل فرجه وما أصابه، قال عمر: ولا أعلمه إلا قال: يفيض بيده اليمنى على اليسرى ثلاث مرات، ثم يتمضمض ثلاثا، ويستنشق ثلاثا، ويغسل وجهه ثلاثا، ثم يفيض على رأسه ثلاثا، ثم يصب عليه الماء. رواه النسائي[6]. • قوله: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد نغترف منه جميعا. • قال البخاري: (باب غسل الرجل مع امرأته. وساق الحديث ولفظه: عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد من قدح يقال له الفرق". وعند مسلم: قال سفيان - يعني ابن عيينة: الفرق ثلاثة آصع، قال النووي: وكذا قال الجماهير)[7]. • قال الحافظ: (واستدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته فقال: سالت عطاء فقال: سالت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسالة، والله أعلم)[8] انتهى. • قال البخاري أيضا: (باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة، وتوضأ عمر بالحميم ومن بيت نصرانية. حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه قال: "كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جميعا"[9]. ومناسبته للترجمة من جهة أن الغالب أن أهل الرجل تبع له فيما يفعل، فأشار البخاري إلي الرد على من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل، لأن الظاهر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو معه فيناسب قوله: "وضوء الرجل مع امرأته" أي من إناء واحد. • قوله: "ومن بيت نصرانية" هو معطوف على قوله: "بالحميم" أي: وتوضأ عمر من بيت نصرانية، وهذا الثاني مناسب لقوله: "وفضل وضوء المرأة" لأن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل. • قال: وجرت عادة البخاري بالتمسك بمثل ذلك عند عدم الاستفصال، وإن كان غيره لا يستدل بذلك، ففيه دليل على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمة لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانية. وفيه دليل على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال، وقال الشافعي في (الأم): لا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسة، وقال ابن المنذر: انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جنبا. • قوله: "كان الرجال والنساء" يتوضؤون في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جميعا. زاد أبو داود: "من إناء واحد ندلي فيه بأيدينا جميعا". • قال الحافظ: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالمحارم. • وقال الموفق: اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت به. والمشهور عنه أنه لا يجوز ذلك، وهو قول عبد الرحمن بن سرجس والحسن وغنيم بن قيس، وهو قول ابن عمر في الحائض والجنب، قال أحمد: قد كرهه غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأما إذا كانا جميعا فلا باس. والثانية: يجوز الوضوء به للرجال والنساء، اختارها ابن عقيل، وهو قول أكثر أهل العلم لما روى مسلم في "صحيحه" قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يغتسل بفضل ميمونه)[10]. انتهى. وقد أخرج أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لقيت رجلا صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع سنين فقال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا". وأخرج أصحاب السنن والدار قطني- واللفظ له- من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت: أجنبت فاكتسبت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم- يغتسل منه، فقلت له، فقال: "الماء ليس عليه جنابة" ففيه جواز غسل الرجل بفضل المرأة، ويقاس عليه العكس لمساواته له. قال في "سبل السلام": والأظهر جواز الأمرين، وأن النهي محمول على التنزيه. انتهى، وبالله التوفيق. [1] الأم: (1/ 56). [2] فتح الباري: (1/ 360). [3] فتح الباري: (1/ 360) [4] فتح الباري: (1/ 360) [5] فتح الباري: (1/ 361) [6] شرح سنن النسائي للسيوطي، وحاشية السندي: (1/ 146). [7] فتح الباري: (1/ 363) [8] فتح الباري: (1/ 364) [9] فتح الباري: (1/ 299) [10] المغني: (1/ 247). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الغسل من الجنابة3) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثالث 31- عن ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها- زوج النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: وضعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- وضوء الجنابة، فأكفأ بيمينه على يساره مرتين- أو ثلاثا- ثم غسل فرجه، ثم ضرب يده بالأرض، أو الحائط، مرتين- أو ثلاثا- ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه الماء، ثم غسل جسده، ثم تنحى فغسل رجليه، فأتيته بخرقة فلم يردها، فجعل ينفض الماء بيده. • قولها: (وضعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- وضوء الجنابة)، وفي رواية: وضعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- غسلا وسترته. • قولها: (ثم غسل فرجه)، وفي رواية: ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره. • قولها: (ثم تنحى فغسل رجليه)، وفي رواية: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وضوءه للصلاة غير رجليه وغسل فرجه وما أصابه من الأذى، ثم أفاض عليه الماء، ثم نحى رجليه فغسلهما، فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره. • قال الحافظ: ذهب الجمهور إلي استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل، وعن مالك: إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم. • قال القرطبي: الحكمة في تأخير غسل الرجلين ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء[1]. • قال الحافظ: (واستدل البخاري بحديث ميمونة هذا على جواز تفريق الوضوء، وعدى استحباب الإفراغ باليمين على الشمال للمغترف من الماء، لقوله في رواية أبي عوانة وحفص وغيرهما: "ثم أفرغ بيمينه على شماله"، وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة، وعلى استحباب دلك اليد بالتراب من الحائط أو الأرض ليكون أنقى. قال: واستدل به البخاري أيضا على أن الواجب في غسل الجنابة مرة واحدة، وعلى أن من توضأ بنية الغسل أكمل باقي أعضاء بدنه، لا يشرع له تجديد الوضوء من غير حدث، وعلى جواز نفض اليدين من ماء الغسل، وعلى استحباب التستر في الغسل ولو كان في البيت، وقد عقد المصنف لكل مسألة بابا وأخرج هذا الحديث فيه بمغايرة الطرق، ومدارها على الأعمش، وعند بعض الرواة عنه ما ليس عند الآخر. وقال: وفي الحديث من الفوائد أيضا: جواز الاستعانة بإحضار ماء الغسل والوضوء. قال: وفيه خدمة الزوجات لأزواجهن. وفيه الصب باليمين على الشمال لغسل الفرج بها. وفيه تقديم غسل الكفين على غسل الفرج لمن يريد الاغتراف لئلا يدخلهما في الماء وفيهما ما لعله يستقذر، فأما إذا كان الماء في إبريق- مثلا- فالأولى تقديم غسل الفرج لتوالي أعضاء الوضوء. قال: واستدل بعضهم بقولها: "فناولته ثوبا فلم يأخذه" على كراهة التنشيف بعد الغسل، ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو لكونه كان مستعجلا، أو غير ذلك. قال المهلب: يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء أو للتواضع أو لشيء رآه في الثوب من حرير أو وسخ. وقد وقع عند أحمد والإسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: لا باس بالمنديل، وإنما رده مخافة أن يصير عادة. قال: واستدل به على طهارة الماء المتقاطر من أعضاء المتطهر، خلافا لمن غلا من الحنفية فقال بنجاسته[2]، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 362). [2] فتح الباري: (1/ 362). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الغسل من الجنابة4) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الرابع 32- عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد". • قال البخاري: (باب الجنب يتوضأ ثم ينام. وذكر حديث عائشة قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة"، ثم ذكر الحديث ولفظه: عن عبد الله بن عمر أنه قال: ذكر عمر- رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضأ واغسل ذكرك ثم نم" وفي رواية: "اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم". وعند النسائي عن نافع قال: أصاب ابن عمر جنابة فأتي عمر فذكر ذلك له، فأتي عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأمره، فقال: "ليتوضأ ويرقد". • وقال جمهور العلماء: المراد بالوضوء هنا الشرعي، والحكمة فيه أنه يخفف الحدث. وروي ابن أبي شيبة عن شداد بن أوس الصحابي قال: "إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ، فإنه نصف غسل الجنابة". وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء. رواه أبو داود وغيره. • قال الحافظ: إن الحفاظ قالوا: إن أبا إسحاق غلط فيه وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه أو أن معنى قوله "لا يمس ماء" أي للغسل)[1]. وروي البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم. • قال الحافظ: (ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء). قال: وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما ويتضيق عند القيام إلا الصلاة، واستحباب التنظيف عند النوم، قال ابن الجوزي: والحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك)[2] والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 393). [2] فتح الباري: (1/393). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الغسل من الجنابة5) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الخامس 33- عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم- قالت: جاءت أم سليم- امرأة أبي طلحة- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :"نعم، إذا هي رأت الماء". • قولها: (جأت أم سليم). • قال الحافظ: (وقد سألت عن هذه المسألة أيضا خولة بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجه، وفي آخره: "كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل". • قولها: (إن الله لا يستحيي من الحق). • قال الحافظ: قولها: "إن الله لا يستحيي من الحق " قدمت هذا القول تمهيدا لعذرها. • قولها: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت) وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت: يا رسول الله، إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام، أتغتسل؟. • قوله: (إذا رأت الماء) أي المني بعد الاستيقاظ. وفي رواية: "إذا رأت إحداكن الماء فلتغتسل "، وفي رواية: "فغطت أم سلمة وجهها". وفي رواية: "فضحكت أم سلمة". ولمسلم: فقالت لها عائشة: "يا أم سليم، فضحت النساء")[1]. • قال الحافظ: (وهذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من عادتهن، لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال. • قال: وفيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال، وقد روى أحمد من حديث أم سليم في هذه القصة أن أم سلمة قالت: يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال: "هن شقائق الرجال". وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز، وإنما يعرف إنزالها بشهوتها. قال: وفيه استفتاء المرأة بنفسها، وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية لما يستفاد من ذلك. وفيه جواز التبسم في التعجب)[2] انتهى، والله أعلم. • قال البخاري: (باب الحياء في العلم. وقال مجاهد: "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر" وقالت عائشة: "نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ". وساق الحديث وزاد في آخره: فغطت أم سلمة تعني وجهها، وقالت: يا رسول الله أو تحتلم المرأة؟ قال: "نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها؟". ثم ذكر حديث ابن عمر: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم. الحديث. وروي الخمسة إلا النسائي عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما، فقال: "يغتسل". وعن الرجل يرى أن قد احتلم، ولا يجد البلل، فقال: "لا غسل عليه". فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك عليها الغسل؟ قال: "نعم، إنما النساء شقائق الرجال". • قال ابن رسلان: أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني)[3] انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 388). [2] فتح الباري: (1/388). [3] فتح الباري: (1/ 228). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الغسل من الجنابة6) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث السادس عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء في ثوبه. وفي لفظ لمسلم: لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركا، فيصلي فيه. • قال البخاري: (باب غسل المنى وفركه وغسل ما يصيب من المرأة)[1]. •قال الحافظ: (لم يخرج البخاري حديث الفرك، بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته، لأنه ورد من حديث عائشة أيضا كما سنذكره. وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض، لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني، بان يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث. وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته، بان يحمل الغسل على ما كان رطبا، والفرك على ما كان يابسا، والطريقة الأولى أرجح، لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا) [2]. • قولها: (كنت أغسل الجنابة) أي: (المني من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)، وفي رواية عن سليمان بن يسار قال: سالت عائشة عن المنى يصيب الثوب، فقالت: كنت أغسله من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء. • قولها: (فيخرج إلى الصلاة) أي: من الحجرة إلى المسجد. • قال الحافظ: (وفي هذه الرواية جواز سؤال النساء عما يستحيى منه لمصلحة تعلم الأحكام. وفيه خدمة الزوجات للأزواج. واستدل به المصنف على أن بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النجاسة وغيرها. لا يضر، فلهذا ترجم: "باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثرها وأعاد الضمير مذكرا على المعنى، أي: فلم يذهب أثر الشيء المغسول، ومراده أن ذلك لا يضر. وذكر في الباب حديث الجنابة وألحق غيرها بها قياسا، أو أشار بذلك إلي ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض، فكيف أصنع؟ قال: "إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه" قالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: "يكفيك الماء ولا يضرك أثره". وفي إسناده ضعف وله شاهد مرسل ذكره البيهقي، والمراد بالأثر ما تعسر إزالته جمعا بين هذا وبين حديث أم قيس: "حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر" أخرجه أبو داود أيضا وإسناده حسن. ولما لم يكن هذا الحديث على شرط المصنف استنبط من الحديث الذي على شرطه ما يدل على ذلك المعنى كعادته)[3]. انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 332). [2] فتح الباري: (1/ 333). [3] فتح الباري: (1/334). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
|
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الغسل من الجنابة8) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثامن عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله، وعنده قوم، فسألوه عن الغسل؟ فقال: صاع يكفيك، فقال رجل: ما يكفيني، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرا، وخيرا منك- يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أمنا في ثوب. وفي لفظ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يفرغ الماء على رأسه ثلاثا. قال: الرجل الذي قال: "لا يكفيني" هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأبوه محمد بن الحنفية. • قوله: (عن أبي جعفر) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالباقر. • قوله: (إنه كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله وعنده قوم فسألوه عن الغسل فقال: يكفيك صاع). • قال الحافظ: ( أفاد إسحاق بن راهويه في "مسنده" أن متولي السؤال هو أبو جعفر الراوي، فأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال: "سألت جابرا عن غسل الجنابة" وبين النسائي في روايته سبب السؤال فاخرج من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي جعفر قال: (تمارينا في الغسل عند جابر، فكان أبو جعفر تولى السؤال" ونسب السؤال في هذه الرواية إلي الجميع مجازا لقصدهم ذلك، ولهذا أفرد جابر الجواب فقال: "يكفيك"[1]. • قال ابن دقيق العيد: (والصاع أربعة أمداد بمد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمد رطل وثلث بالبغدادي. • قوله: (فقال رجل: ما يكفيني، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعرا) أي: أطول وأكثر، و"خير منك" بالرفع عطفا على "أوفى". وفي رواية عن أبي جعفر قال: قال لي جابر بن عبد الله وأتاني ابن عمك يعرض بالحسن بن محمد بن الحنفية قال: (كيف الغسل من الجنابة؟ فقلت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه ثم يفيض على سائر جسده، فقال لي الحسن: إني رجل كثير الشعر، فقلت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر منك شعرا". • (ثم أمنا في ثوب)، يعنى: صلى بنا في إزار بغير رداء. وروى الشيخان عن جابر قال: قال رسول الله: -صلى الله عليه وسلم- (إذا كان الثوب واسعا فالتحف به" يعني في الصلاة "وإن كان ضيقا فاتزر به". • قال الحافظ: (هذا الحديث بيان ما كان عليه السلف من الاحتجاج بأفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- والانقياد إلي ذلك، وفيه جواز الرد بعنف على من يماري بغير علم إذا قصد الراد إيضاح الحق وتحذير السامعين من مثل ذلك، وفيه كراهية التنطع والإسراف في الماء)[2]0 انتهى، والله الموفق. قال في الاختيارات: (ويجب غسل الجمعة على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره وهو بعض من بعض مطلقا بطريق الأولى، ولو اغتسل الكافر بسبب يوجبه ثم أسلم لا يلزمه إعادته إن اعتقد وجوبه بناء على أنه يثاب على طاعته في الكفر إذا أسلم ويكره الذكر للجنب لا للحائض. ولا يستحب الغسل لدخول مكة والمبيت ومزدلفة ورمي الجمار ولا لطواف الوداع، ولو قلنا باستحبابه لدخول مكة كان نوع عبث للطواف لا معنى له. وفي كلام أحمد ما ظاهره وجوب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم، ويحرم على الجنب اللبث في المسجد إلا إذا توضأ، ولا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب إلا إذا توضأ. وإذا نوى الجنب الحدثين الأصغر والأكبر ارتفعا، قاله الأزجى. ولا يستحب تكرار الغسل على بدنه وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد، ويكره الاغتسال في مستحم أو ماء عريانا، وعليه أكثر النصوص ونهيه عليه السلام عن الاغتسال في الماء بعد البول، فهذا إن صح فهو كنهيه عن البول في المستحم. ويجوز التطهير في الحياض التي في الحمامات سواء كانت فائضة أو لم تكن وسواء كان الأنبوب يصب فيها أو لم يكن وسواء كان نائتا أو لم يكن ومن اعتقد غسله من الحوض الفائض مسطرا أو دينا فهو مبتدع مخالف للشريعة مستحق التعزير الذي يردعه وأمثاله أن يشرعوا في الدين ما لم يأذن به الله. ولا يجب غسل باطن الفرج من حيض أو جنابة وهو أصح القولين في مذهب أحمد. قال أبو العباس في تقسيمه للحمام بعد ذكر من ذمه ومن مدحه من السلف فصلا للنزاع: الأقسام أربعة يحتاج إليها ولا محظور فلا ريب في جوازه ولا محظور ولا حاجة فلا ريب في جواز بنائها فقد بنيت الحمامات في الحجاز والعراق على عهد علي -رضي الله عنه- وأقروها وأحمد لم يقل ذلك حرام، ولكن كره ذلك لاشتماله غالبا على مباح ومحظور وفي زمن الصحابة كان الناس أتقى لله وأرعى لحدوده من أن يكثر فيها المحظور فلم يكن مكروها إذ ذاك للحاجة ولا محظور غالبا فالحاجات: منها ما هو واجب: كغسل الجنابة والحيض والنفاس، ومنها ما هو مؤكد قد نوزع في وجوبه: كغسل الجمعة والغسل في البلاد الباردة ولا يمكن إلا في حمام وإن اغتسل من غيره خيف عليه التلف، ولا يجوز الانتقال إلي التيمم مع القدرة عليه بالماء في الحمام هل يبقى مكروها عند الحاجة إلي استعماله في طهارة مستحبة؟ هذا محل تردد، فإذا تبين ذلك فقد يقال: بناء الحمام واجب حيث يحتاج إليه لأداء الواجب العام. وأما إذا اشتمل على محظور مع إمكان الاستغناء كما في حمامات الحجاز في الأزمان المتأخرة فهذا محل نص أحمد، وبحث ابن عمر وقد يقال عنه إنما يكره بناؤها ابتداء، فأما إذا بناها غيرنا فلا نأمر بهدمها لما في ذلك من الفساد، وكلام أحمد إنما هو في البناء لا في الإبقاء، والاستدامة أقوى من الابتداء، وإذا انتفت الحاجة انتفت الإباحة: كحرارة البلد وكذا إذا كان في البلد حمامات تكفيهم كره الأحداث، ويتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع وإلا ظهر أن الصاع خمسة أرطال وثلث عراقية سواء صاع الطعام والماء، وهو قول جمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة، وذهبت طائفة من العلماء كابن قتيبة والقاضي أبي يعلى في تعليقه وأبي البركات: أن صاع الطعام خمسة أرطال وثلث، وصاع الماء ثمانية أرطال عراقية والوضوء رغم ذلك)[3]. [1] فتح الباري: (1/ 366). [2] فتح الباري: (1/ 366). [3] الفتاوى الكبرى: (5/307). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب التيمم1) الحديث الأول الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا معتزلا، لم يصل في القوم؟ فقال:"يا فلان، ما منعك أن تصلي في القوم؟" فقال: يا رسول الله، أصابتني جنابة، ولا ماء، فقال:"عليك بالصعيد، فإنه يكفيك". التيمم في اللغة: القصد، قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ï´¾ [البقرة: 267]. وفي الشرع: مسح الوجه واليدين، بشيء من الصعيد، وهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: ï´؟ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ï´¾ [النساء: 43]. قال في القاموس: الصعيد: التراب أووجه الأرض. • وقال البخاري: (باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء. وقال الحسن: يجزئه التيمم ما لم يحدث، وأم ابن عباس وهو متيمم، وقال يحيى بن سعيد: لا باس بالصلاة على السبخة والتيمم بها. حدثنا مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنا عوف قال حدثنا أبو رجاء عن عمران قال: كنا في سفر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها فما أيقظنا إلا حر الشمس وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان يسميهم أبو رجاء فنسي عوف ثم عمر بن الخطاب الرابع وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلا جليدا فكبر يرفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم قال: "لا ضير" أو "لا يضير ارتحلوا" فارتحل فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم قال "ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم " قال أصابتني جنابة ولا ماء قال "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" ثم سار النبي -صلى الله عليه وسلم- فاشتكى إليه الناس من العطش فنزل فدعا فلانا كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف ودعا عليا فقال: "اذهبا فابتغيا الماء" فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أسس هذه الساعة وفيها ونودي في الناس اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء-وذكر تمام قصتها وكان آخر ذلك- وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء قال: "اذهب فأفرغه عليك[1]. قال الحافظ: • قوله: ( أصابتني جنابة ولا ماء) أي معي موجود، وهو أبلغ في إقامة عذره. وفي هذه القصة مشروعية تيمم الجنب، ويؤخذ من هذه القصة أن للعالم إذا رأى فعلا محتملا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب. وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة، وأن ترك الشخص الصلاة بحضرة المصلين معيب على فاعله بغير عذر. وفيه حسن الملاطفة والرفق في الإنكار. • قوله: (عليك بالصعيد) واللام فيه للعهد المذكور في الآية الكريمة، ويؤخذ منه الاكتفاء في البيان بما يحصل به المقصود من الإفهام، لأنه أحاله على الكيفية المعلومة من الآية، ولم يصرح له بها. ودل قوله يكفيك على أن المتيمم في مثل هذه الحالة لا يلزمه القضاء، قال واستدل بهذه القصة على تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره كمصلحة الطهارة بالماء لتأخير المحتاج إليها عمن سقى واستسقى).[2] انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/ 446). [2] فتح الباري: (1/ 451). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب التيمم2) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثاني عن عمار بن ياسر-رضي الله عنه- قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجته فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد، كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال:"إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا" ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه. • قوله: (عن عمار بن ياسر)، وفي رواية: عن شقيق بن سلمة قال: " كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو موسى أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان يكفيك" قال: ألم تر عمر لم يقنع بذلك، فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول، فقال: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم، فقلت لشقيق: فإنما كره عبد الله لهذا قال: نعم. وفي رواية: كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى: لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا أما كان يتيمم ويصلي؟ فقال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة: ï´؟ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ï´¾ [النساء: 43]؟ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد. قلت: وإنما كرهتم هذا لذا؟ قال: نعم. فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه ثم مسح بها وجهه. فقال عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟ • قال البخاري: (وزاد يعلى عن الأعمش عن شقيق كنت مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى ألم تسمع قول عمار لعمر إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثني أنا وأنت فأجنبت فتمعكت بالصعيد فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه فقال "إنما كان يكفيك هكذا" ومسح وجهه وكفيه واحدة)[1]. • قال الحافظ: (فدعنا من قول عمار، فيه جواز الانتقال من دليل إلى دليل أوضح منه، ومما فيه الاختلاف إلي ما فيه الاتفاق. وفيه جواز التيمم للجنب بخلاف ما نقل عن عمر وابن مسعود، وفيه إشارة إلي ثبوت حجة أبي موسى لقوله " فما درى عبد الله ما يقول" وفي رواية عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه قال: جاء رجل إلي عمر فقال: إنا نجنب وليس معنا ماء فذكر قصته مع عمار بن ياسر وقال وقال- يعني عمارا- فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك: هكذا وهكذا وضرب بيديه إلي التراب ثم نفضهما ثم نفخ فيهما ومسح بهما وجهه ويديه)[2]. • قال الحافظ: (وإنما لم يقنع عمر بقول عمار لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال وحضر معه تلك القصة ولم يتذكر ذلك عمر أصلا، ولهذا قال لعمار فيما رواه مسلم: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به فقال عمر: نوليك ما توليت. • قال النووي: معنى قول عمر "اتق الله يا عمار" أي فيما ترويه ونثبت فيما فلعلك نسيت أو اشتبه عليك، فإني كنت معك ولا أتذكر شيئا من هذا، ومعنى قول عمار: إن رأيت المصلحة في الإمساك عن التحديث به راجحة على التحديث به وافقتك وأمسكت فإني قد بلغته فلم يبق علي فيه حرج. فقال له عمر: نوليك ما توليت، أي لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقا في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحديث به). • قال الحافظ: (وبه يتضح عذر عمر وأما ابن مسعود فلا عذر له في التوقف عن قبول حديث عمار، فلهذا جاء عنه أنه رجع عن الفتيا بذلك)[3]. • قوله: (فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة) أصله تتمرغ فحذفت إحدى التاءين. • قال الحافظ: (وكأن عمارا استعمل القياس في هذه المسالة لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء رأى أن التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل. ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه وإن لم يصب الحق، وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة. • قوله: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا) فيه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المذكورة في هذا الحديث. • قوله: (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة) وفي رواية فضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بيديه بكفيه الأرض ونفخ فيهما. • قال الحافظ: (واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب، وعلى سقوط استحباب التكرار في التيمم لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف. • قوله: (ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) ولأبي داود: ثم ضرب شماله على يمينه ويمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه)[4]. • قال الحافظ: (وفيه الاكتفاء بضربة واحدة في التيمم، ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره. وفيه أن الترتيب غير مشترط في التيمم)[5]. • وقال البخاري: باب التيمم للوجه والكفين. • قال الحافظ: (أي هو الواجب المجزئ، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، ومما يقوى رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولاسيما الصحابي المجتهد. • وقال البخاري: (باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم. ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم وتلا: ï´؟ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ï´¾ [النساء: 29]، فذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعنف. • قال الحافظ: (وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك، سواء كان لأجل برد أو غيره. وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين، وجواز الاجتهاد في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-)[6]. تتمة: قال في الاختيارات: (ويجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض إذا لم يجد ترابا وهو رواية ويلزمه قبول الماء فرضا وكذا ثمنه إذا كان له ماء يوفيه، ولا يكره لعادمه وطء زوجته، ومن أبيح له التيمم فله أن يصلي به أول الوقت ولو علم وجوده آخر الوقت، وفيه أفضلية وقال غير واحد من العلماء: ومسح الجرح بالماء أولى من مسح الجبيرة وهو خير من التيمم ونقله الميموني عن أحمد ويجوز التيمم لمن يصلي التطوع بالليل وأن كان في البلد ولا يؤخر ورده إلى النهار ويجوز لخوف فوات صلاة الجنازة وهو رواية عن أحمد إسحاق وألحق به من خاف فوات العيد. وقال أبو بكر عبد العزيز والأوزاعي: بل لمن خاف فوات الجمعة ممن انتقم وضوءه وهو في المسجد ولا يتيمم للنجاسة على بدنه وهو قول الثلاثة خلافا لأشهر الروايتين عن أحمد -رحمه الله- تعالى، ويجب بذل الماء للمضطر المعصوم ويعدل إلي التيمم كما قاله جمهور العلماء. ومن استيقظ آخر وقت صلاة وهو جنب وخاف إن اغتسل خرج الوقت اغتسل وصلى ولو خرج الوقت وكذا من نسيها بخلاف من استيقظ أول الوقت فليس له أن يفوت الصلاة بل يتيمم ويصلي. ومن أمكنه الذهاب إلي الحمام لكن لا يمكنه الخروج منه إلا بعد خروج الوقت: كالغلام والمرأة التي معها أولادها ولا يمكنها الخروج حتى تغسلهم ونحو ذلك فالأظهر يتيمم ويصلي خارج الحمام لأن الصلاة في الحمام وبعد الوقت منهي عنها. وتصلي المرأة بالتيمم عن الجنابة إذا كان يشق عليها تكرار النزول إلى الحمام ولا تقدر على الاغتسال في البيت، وكل من صلى في الوقت كما أمر بحسب الإمكان فلا إعادة عليه وسواء كان العذر نادرا أو معتادا (قاله أكثر العلماء). وصفة التيمم أن يضرب بيديه الأرض يمسح بهما وجهه وكفيه لحديث عمار بن ياسر الذي في الصحيح، والجريح إذا كان محدثا حدثا أصغر: فلا يلزمه مراعاة الترتيب وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره فيصح بعد كمال الوضوء بل هذا هو السنة. والفصل بين أبعاض الوضوء بتيمم بدعة ولا يستحب حمل التراب معه للتيمم قاله طائفة من العلماء خلافا لما نقل عن أحمد. ومن عدم الماء والتراب يتوجه أن يفعل ما يشاء من صلاة فرض أو نفل وزيادة قراءة على ما يجزء، وفي الفتاوى المصرية على أصح القولين وهو قول الجمهور. وإذا صلى قرأ القراءة الواجبة. وقال: والتيمم يرفع الحدث وهو مذهب أي حنيفة ورواية أحمد واختارها أبو بكر محمد الجوزي، وفي الفتاوى المصرية التيمم لوقت كل صلاة إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى: كمذهب مالك وأحمد في المشهور عنه وهو أعدل الأقوال، ولو بذل ماء الأولى من حي وميت فالميت أولى ولو كان الحي عليه نجاسة وهو مذهب الشافعي واختيار أبي البركات. قال أبو العباس: وهذه المسألة في الماء المشترك أيضا وهو ظاهر ما نقل عن أحمد لأنه أولى من التشقيص. وإذا كان على وضوء وهو حاقن يحدث ثم يتيمم إذ الصلاة بالتيمم وهو غير حاقن أفضل من صلاته بالوضوء وهو حاقن. انتهى والله أعلم. قال الموفق لا يشترط تقدم الطهارة على شد الجبيرة في إحدى الروايتين لأن المسح عليهما جاز دفعا للمشقة ونزعها يشق. انتهى. ولا يحتاج مع مسحها إلي تيمم إذا شدها على طهارة وإن شدها على غير طهارة مسح وتيمم احتياطا ليخرج من الخلاف، وإن وضع على جرحه دواء وخاف من نزعه مسح عليه فإن لم يكن على الجرح عصاب وخاف أن يزداد وجعا أو شدة غسل الصحيح وتيمم للجرح، والله أعلم)[7]. [1] الفتح: (1/456) [2] الفتح: (1/455) [3] فتح الباري: (1/457) [4] فتح الباري: (1/ 444). [5] فتح الباري: (1/ 456). [6] فتح الباري: (1/ 444). [7] الفتاوى الكبرى: (5/ 309). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب التيمم3) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثالث عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعطيت خمسًا، لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة". • قوله: (أعطيت خمسًا، لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي) وفي حديث ابن عباس: "لا أقولهن فخرا". ولمسلم من حديث أبي هريرة: "فضلت على الأنبياء بست" فذكر الخمس المذكورة إلا الشفاعة وزاد خصلتين وهما: (أعطيت جوامع الكلم وختم بي النبوة). • قوله: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) أي يقذف في قلوب أعداءه والرعب هو الوجل والخوف. • قوله: (وجعلت لي الأرض مسجدا) أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره. • قال الخطابي: أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع. • قال الحافظ: ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ: "وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم". • قوله: (وطهروا) استدل به على أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض. • قوله: (فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي: "فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورا ومسجدا". وفي رواية عمرو بن شعيب: "فأينما أدركنني الصلاة تمسحت وصليت". قال ابن القيم: (كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها ترابا كانت أو سبعة أو رملا. وصح عنه أنه قال حيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره وهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور. ولما سافر هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرمال في طريقهم وماؤهم في غاية القلة ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب ولا أمر به ولا فعله أحد من أصحابه مع القطع بأن في المفاوز الرمال أكثر من التراب وكذلك أرض الحجاز وغيره ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل)[1]. والله أعلم. • قوله: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي). • قوله: (وأحلت لي الغنائم). قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين، منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته. • قوله: (وأعطيت الشفاعة). • قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: ï´؟ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ï´¾ [الإسراء: 79] قال أهل التأويل: هو المقام الذي يقومه محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة للشفاعة للناس لييريحهم ريهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم. وقال ابن دقيق العيد: (هي الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف بتعجيل حسابهم، وهي شفاعة مختصة به - صلى الله عليه وسلم - ولا خلاف فيها والشفاعات خمس إحداها: هذه. والثانية: الشفاعة في إدخال قوم الجنة من دون حساب. والثالثة: قوم قد استوجبوا النار فيشفع في عدم دخولهم. الرابعة: قوم دخلوا النار فيشفع في خروجهم منها. والخامسة: الشفاعة بعد دخول الجنة في زيادة الدرجات لأهلها) [2]. انتهى. • قوله: (كان النبي يبعث إلي قومه خاصة وبعثت إلي الناس كافة)، وفي رواية: وبعثت إلى الناس عامه، وفي رواية لمسلم: وبعثت إلي كل أحمر وأسود وله من حديث أبى هريرة: وأرسلت إلي الخلق كافة. قال الحافظ: (وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم، مشروعية تعديد نعم الله وإلقاء العلم قبل السؤال، وأن الأصل في الأرض الطهارة، وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني لذلك، قال: واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي وقال: لأن الآدمي خلق من ماء وتراب، وقد ثبت أن كلا منهما طهور، ففي ذلك بيان كرامته، والله تعالى أعلم بالصواب)[3]. انتهى. [1] زاد المعاد: (1/ 192). [2] إحكام الأحكام: (1/153). [3] فتح الباري: (1/439). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الحيض1) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الأول عن عائشة - رضي الله عنها - أن فاطمة بنت أبي حبيش: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: "لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي". وفي رواية: "وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة: فاتركي الصلاة فيها، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي". الحيض جبلة وطبيعة يرخيه الرحم بعد البلوغ في أوقات معلومة لحكمة تربية الولد يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام وقد يزيد على ذلك، قال الله تعالى: ï´؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ï´¾ [البقرة: 222]. • قولها: (إني أستحاض فلا أطهر) يقال استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه. • قال الحافظ: (وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن اتصاله، وكانت علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقق ذلك فقالت: "أفأدع الصلاة")[1]. • قوله: (إن ذلك دم عرق) أي لا تدعي الصلاة وهذا العرق يسمى العاذل. • قوله: (ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي). • قال ابن دقيق العيد: (وليس في هذا اللفظ الذي في هذه الرواية ما يدل على أنها كانت مميزة)[2]. • قوله: (وفي رواية: "وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فيها فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي") وفي رواية: "إذا أدبرت". • قال الحافظ: (والمراد بالإقبال والإدبار هنا ابتداء دم الحيض وانقطاعه. قوله: "ندعي الصلاة" يتضمن نهي الحائض عن الصلاة، وهو للتحريم ويقتض فساد الصلاة بالإجماع. قال وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقض قدره اغتسلت عنه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة، لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله: "ثم توضئي لكل صلاة"، وبهذا قال الجمهور وفيه جوازا استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق بأحوال النساء، وجواز سماع صوتها للحاجة. وفيه غير ذلك) [3]. انتهى. • قال الخرقي: (فمن أطبق بها الدم فكانت ممن تميز فتعلم إقباله بأنه أسود ثخين منتن وإدباره بأنه رقيق أحمر تركت الصلاة في إقباله فإذا أدبر اغتسلت وتوضأت لكل صلاة وصلت)[4]. انتهى. وظاهر كلام الخرقي أن المستحاضة إذا كان لها عادة وتمييز قدمت التمييز فعملت به، وتركت العادة، وهو رواية عن الإمام أحمد. وعن عائشة - رضي الله عنها - أن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي ". رواه أبو داود. • قال البخاري: (باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض وما يصدق النساء في الحيض والحمل فيما يمكن من الحيض لقول الله تعالى: ï´؟ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ï´¾ [البقرة: 228] ويذكر عن علي وشريح (أن امرأة جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرض دينه أنها حاضت ثلاثا في شهر صدقت) وقال عطاء "أقراؤها ما كانت" وبه قال إبراهيم وقال عطاء: "الحيض يوم إلى خمس عشرة" وقال معتمر عن أبيه "سألت ابن سيرين عن المرأة ترى الدم بعد قرئها بخمسة أيام قال النساء أعلم بذلك" ثم ساق الحديث. • قال الحافظ: (ومناسبة الحديث للترجمة من قوله: "قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها" فوكل ذلك إلى أمانتها ورده إلى عادتها، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص)[5]. انتهى. قال البخاري: (باب إذا رأت المستحاضة الطهر، قال ابن عباس تغتسل وتصلي ولو ساعة ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم، وساق الحديث بلفظ: "فإذا أقبلت الحيضة: فدعي الصلاة، فإذا أدبرت قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي")[6]. • قال الحافظ: (أي تميز لها دم العرق من دم الحيض فسمى زمن الاستحاضة طهرًا لأنه كذلك بالنسبة إلي زمن الحيض، ويحتمل أن يريد به انقطاع الدم، والأول أوفق للسياق، قوله: قال ابن عباس: تغتسل وتصلي ولو ساعة قال الداودي معناه إذا رأت الطهر ساعة ثم عاودها دم فإنها تغتسل وتصلي، والتعليق المذكور وصله ابن أبي شيبة والدارمي من طريق أنس بن سرين عن ابن عباس: أنه سأله عن المستحاضة فقال: أما ما رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي، وهذا موافق للاحتمال المذكور أولا لأن الدم البحراني هو دم الحيض، قوله: ويأتيها زوجها هذا أثر آخر عن ابن عباس أيضا وصله عبد الرزاق وغيره من طريق عكرمة عنه، قال: المستحاضة لا بأس أن يأتيها زوجها، ولأبي داود من وجه آخر عن عكرمة قال: كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها وهو حديث صحيح إن كان عكرمة سمعه منها، قوله: إذا صلت شرط محذوف الجزاء أو جزاؤه مقدم، وقوله: الصلاة أعظم أي من الجماع والظاهر أن هذا بحث من البخاري أراد به بيان الملازمة، أي إذا جازت الصلاة فجواز الوطء أولى لأن أمر الصلاة أعظم من أمر الجماع، ولهذا عقبه بحديث عائشة المختصر من قصة فاطمة بنت أبي حبيش المصرح بأمر المستحاضة بالصلاة، قال: وأشار البخاري بما ذكر إلى الرد على من منع وطء المستحاضة، قال: وما استدل به على الجواز ظاهر فيه)[7] انتهى. • وقال البخاري: (باب إقبال المحيض وإدباره) وكن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" تريد بذلك الطهر من الحيضة، وبلغ بنت زيد بن ثابت أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر فقالت: "ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن". وساق الحديث بلفظ: أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي. • قال الحافظ: (اتفق العلماء على أن إقبال المحيض يعرف بالدفعة من الدم في وقت إمكان الحيض، واختلفوا في إدباره فقيل: يعرف بالجفوف، وهو أن يخرج ما يحتشي به جافا، وقيل بالقصة البيضاء وإليه ميل المصنف)[8] انتهى، والله أعلم. [1] فتح الباري: (1/439). [2] إحكام الأحكام: (1/ 156). [3] فتح الباري: (1/ 332). [4] مختصر الخرقي: (1/ 20). [5] فتح الباري: (1/ 424، 425) [6] فتح الباري: (1/ 428). [7] فتح الباري: (1/ 429). [8] فتح الباري: (1/ 420). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الحيض2) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثاني عن عائشة - رضي الله عنها -: أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فأمرها أن تغتسل، قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة. • قال البخاري: (باب عرق الاستحاضة، وساق الحديث ولفظه أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال: "هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة". وأم حبيبة هي بنت جحش أخت زينب أم المؤمنين. • قال الحافظ: ولهما أخت أخرى اسمها حمنة وهي إحدى المستحاضات. • قوله: (فأمرها أن تغتسل)، زاد الإسماعيلي وتصلي، ولمسلم نحوه. • قال الحافظ: وهذا الأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار فلعلها فهمت طلب ذلك منها بقرينة فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة، وقال الشافعي إنما أمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل وتصلي وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعا وكذا قال الليث بن سعد في روايته عند مسلم لم يذكر ابن شهاب أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل لكل صلاة ولكنه شيء فعلته هي وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة لكن يجب عليها الوضوء، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة أن أم حبيبة استحيضت فأمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي فإذا رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت، وأما ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث فأمرها بالغسل لكل صلاة فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة لأن الإثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، لكن روى أبو داود من طريق يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فيحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين[1] انتهى. واعلم أن للمستحاضة أحكامًا تخالف الحائض، منها: جواز وطئها، وكونها لا تترك الصلاة والصيام والطواف، وإذا دخل الوقت غسلت فرجها وعصبته وتوضأت لقوله في حديث أم سلمة: "ثم تستثفر ثم تصلي فيه" رواه أبو داود والنسائي. والله أعلم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] فتح الباري: (1/ 426). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الحيض3) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الثالث عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد كلانا جنب. وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض. وكان يخرج رأسه إلي، وهو معتكف، فاغسله وأنا حائض. • قولها: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد كلانا جنب) تقدم الكلام على ذلك. • قولها: (فكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض). • قال البخاري: (وساق الحديث ثم ذكر حديث عائشة أيضا قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك إربه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه، وذكر حديث ميمونة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض)[1]. • قال الحافظ: (المراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين، لا الجماع. قوله: "يملك إربه" قيل: المراد عضوه الذي يستمتع به، وقيل حاجته، والحاجة تسمى إربا. قال والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره ممن ليس بمعصوم. وبهذا قال أكثر العلماء، وهو الجاري على قاعدة المالكية في باب سد الذرائع. وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره ابن المنذر. • وقال النووي: هو الأرجح دليلا لحديث أنس في مسلم: "اصنعوا كل شيء إلا الجماع" وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعا بين الأدلة. وقال ابن دقيق العيد: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد)[2]. انتهى. ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا، وفصل بعض الشافعية فقال: إن كان يضبط نفسه عند المباشرة عن الفرج ويثق منها باجتنابه جاز وإلا فلا، واستحسنه النووي[3]. • قولها: (وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض). • قال البخاري: (باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وساق الحديث ولفظه "كنت أرجل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حائض" وساق أيضا عن عروة أنه سئل: "أتخدمني الحائض أو تدنو مني المرأة وهي جنب فقال عروة كل ذلك علي هين وكل ذلك تخدمني وليس على أحد في ذلك بأس أخبرتني عائشة أنها كانت ترجل تعني رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ مجاور في المسجد يدني لها رأسه وهي في حجرتها فترجله وهي حائض"[4]. • قال الحافظ: (وهو دال على أن ذات الحائض طاهرة، وعلى أن حيضها لا يمنع ملامستها. وقال: قوله: "مجاور" أي معتكف، وحجرة عائشة كانت ملاصقة للمسجد، وألحق عروة الجنابة بالحيض قياسا، وهو جلي، وألحق الخدمة بالترجيل. وفي الحديث دلالة على طهارة بدن الحائض وعرقها، وأن المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته وأن الحائض لا تدخل المسجد. وقال أيضًا: وفي الحديث جواز التنظف والتطيب والغسل والحلق والتزين إلحاقا بالترجل، والجمهور على أنه لا يكره في المسجد)[5] انتهى. تتمة: قال في "المنتقى": (عن ابن عباس: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار) رواه الخمسة، وقال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة، قال: دينار أو نصف دينار. وفي لفظ للترمذي: (إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار)، وفي رواية لأحمد: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في الحائض تصاب دينارا فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار كل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه تنبيه على تحريم الوطيء قبل الغسل انتهى. وعن أم عطية - رضي الله عنها- قالت: كنا لا نرى الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا. رواه البخاري وأبو داود واللفظ له وهذا الحديث يدل بمنطوقه على أن الصفرة والكدرة بعد الطهر لا تعد حيضا ويدل بمفهومه على أنها قبل الطهر حيض، والله أعلم)[6]. [1] فتح الباري: (1/ 403). [2] فتح الباري: (1/ 403). [3] فتح الباري: (1/ 404). [4] فتح الباري: (1/ 401). [5] فتح الباري: (1/ 401). [6] نيل الأوطار: (1/ 351). |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الحيض4) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الرابع عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن. قال البخاري: (باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض، وكان أبو وائل يرسل خادمه وهي حائض إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته وساق الحديث، قولها: يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن وفي رواية كان يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض)[1]. قال الحافظ: (قال ابن دقيق العيد: في هذا الفعل إشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن. لأن قراءتها لو كانت جائزة لما توهم امتناع القراءة في حجرها حتى احتيج إلى التنصيص عليها، وفيه جواز ملامسة الحائض وأن ذاتها وثيابها على الطهارة ما لم يلحق شيئا منها نجاسة، وهذا مبني على منع القراءة في المواضع المستقذرة، وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة، قاله النووي: وفيه جواز استناد المريض في صلاته إلى الحائض إذا كانت أثوابها طاهرة، قاله القرطبي)[2]. انتهى. [1] فتح الباري: (1/ 401) [2] فتح الباري: (1/ 468) |
رد: أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام كتاب الطهارة
أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام (باب الحيض5) الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك الحديث الخامس 44- عن معاذة بنت عبد الله: أن امرأة سألت عائشة: أتقضي الحائض الصلاة إذا طهرت؟ قالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة. • قال البخاري: (باب لا تقضي الحائض الصلاة، وقال جابر بن عبد الله وأبو سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "تدع الصلاة"، حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة قال حدثتني معاذة: أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت كنا نحيض مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يأمرنا به أو قالت فلا نفعله)[1]. • قال الحافظ: (قوله: "باب لا تقضي الحائض الصلاة" نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك، وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه فقال: اجتمع الناس عليه وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه، وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة، لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره. • قوله: (عن معاذة). • قال الحافظ: (هي بنت عبد الله العدوية، وهي معدودة في فقهاء التابعين. • قولها: فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحروربة أنت)[2]. • قال الحافظ: (قوله: الحروري منسوب إلى حروراء بلدة على ميلين من الكوفة، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار، وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذة فقلت: لا ولكني أسال، أي سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت، وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل، والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام[3] انتهى. • قال ابن دقيق العيد: أجابتها عائشة بالنص ولم تتعرض للمعنى لأنه أبلغ وأقوى في الردع عن مذهب الخوارج وأقطع لمن يعارض بخلاف المعاني المناسبة فإنها عرضة للمعارضة. تتمة: قال في الاختيارات: (ويحرم وطء الحائض فإن وطئ في الفرج فعليه دينار كفارة ويعتبر أن يكون مضروبا وإذا تكرر من الزوج الوطء في الفرج ولم ينزجر فرق بينهما كما قلنا فيما إذا وطئها في الدبر ولم ينزجر، ويجوز للحائض الطواف عند الضرورة ولا فدية عليها وهو خلاف ما يقوله أبو حنيفة من أنه يصح منها مع لزوم الفدية ولا يأمرها بالإقدام عليه وأحمد رحمه الله تعالى يقول ذلك في رواية إلا أنهما لا يقيدانه بحال الضرورة وإن طافت مع عدم الضرورة فمقتضي توجيه هذا القول يجب الدم عليها، ويجوز للحائض قراءة القرآن بخلاف الجنب وهو مذهب مالك وحكي رواية عن أحمد وان ظنت نسيانه وجب وإذا انقطع دمها فلا يطؤها زوجها حتى تغتسل إن كانت قادرة على الاغتسال وإلا تيممت وهو مذهب أحمد والشافعي، ولا يتقدر أقل الحيض ولا أكثر بل كل ما استقر عادة للمرأة فهو حيض وإن نقص عن يوم أو زاد على الخمسة أو السبعة عشر ولا حد لأقل سن تحيض فيه المرأة ولا لأكثره ولا لأقل الطهر بين الحيضتين، والمبتدأة تحسب ما تراه من الدم ما لم تصر مستحاضة وكذلك المنتقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال فذلك حيض حتى تعلم أنها استحاضة باستمرار الدم، والمستحاضة ترد إلى عادتها ثم إلى تمييزها ثم إلى غالب عادات النساء كما جاءت في كل واحدة من هؤلاء سنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذ الأمام أحمد بالسنن الثلاث فقال: الحيض يدور على ثلاثة أحاديث: حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وحديث أم حبيبة، وحديث حمنة، واختلفت الرواية عنه في تصحيح حديث حمنة وفي رواية عنه: وحديث أم سلمة مكان حديث أم حبيبة، والصفرة والكدرة بعد الطهر لا يلتفت إليها قال أحمد وغيره: لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا ولا حد لأقل النفاس ولا لأكثره ولو زاد على الأربعين أو الستين أو السبعين وانقطع فهو نفاس ولكن إن اتصل فهو دم فساد وحينئذ فالأربعون منتهى الغالب والحامل قد تحيض وهو مذهب الشافعي وحكاه البيهقي رواية عن أحمد بل حكى أنه رجع إليه، ويجوز التداوي لحصول الحيض إلا قرب رمضان لئلا تفطره وقاله أبو يعلى الصغير، والأحوط أن المرأة لا تستعمل دواء يمنع المني في مجاري الحبل، والله سبحانه وتعالى أعلم)[4]. [1] فتح الباري: (1/ 421). [2] فتح الباري: (1/ 421). [3] فتح الباري: (1/ 422). [4] الفتاوى الكبرى: (5/ 314). |
| الساعة الآن : 07:58 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour