تمام المنة - الحج
على من يجب الحج؟ تمام المنة - الحج (1) الشيخ عادل يوسف العزازي يجب الحج على: المسلم، العاقل، البالغ، الحُرِّ، المستطيع؛ فلا يجب على الكافر؛ لأن العبادة لا تَصِحُّ من كافر، فلا يؤمَر بها حالَ كفرِه. وأما "المجنون" فلا يلزمه الحج؛ لحديث: ((رُفِع القلم عن ثلاثةٍ: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يُفِيق، وعن النائم حتى يستيقظ))[1]، والراجح: أنه لا يصح منه إلا أن يكونَ له نَوْباتُ إِفاقةٍ يتمكن فيها من الحَجِّ، واشترط الشافعي لصحة ذلك إفاقتَه عند الإحرام، والوقوفِ، والطواف، والسعيِ دون ما سواها. وأما الصبي، فلا يجب عليه الحج؛ للحديث السابق، ولكن لو حج، هل يصح حجُّه؟ الجواب: نعم، يصح منه، ولو كان صغيرًا ليس له إلا يوم أو أقل، ولكن لا يُجزئه عن حَجة الفريضة؛ لِما ثَبَت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة رفعتْ صبيًّا، فقالت: يا رسول الله، أَلِهَذا حَجٌّ؟ قال: ((نعم، ولك أجرٌ))[2]. وأما كونُه لا تجزئه؛ فلحديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعًا: ((أَيُّما صبي حَجَّ ثم بَلَغ، فعليه حَجَّة أخرى، وأَيُّما عبد حَجَّ ثم عُتِق، فعليه حَجَّة أخرى))[3]. وأما العبد، فيَصِحُّ منه الحجُّ بإذن سيِّده، ولكنه لا يجب عليه؛ لأنه لا مال له، ولا يجزئه، بل متى أُعْتِق، وجب عليه حجة الإسلام؛ وذلك للحديث السابق[4]. وأما شرط الاستطاعة؛ فلقوله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، والمقصود بالاستطاعة: "الزاد والراحلة". - وقد ورد بذلك حديثٌ له طرقٌ وشواهدُ يتقوَّى بمجموعها، ويصح به الاحتجاج[5]؛ أي: مع تمام القدرة البدنية، فيكون قادرًا في ماله وبدنه، مع عدم وجود مانعٍ يمنعه من الذَّهاب؛ كالحبس، أو الخوف من سلطان جائر. قال الشيخ ابن عُثَيمِين: "فإن كان عاجزًا بماله قادرًا ببدنه، لزمه الحج أداءً؛ لأنه قادر، مثل أن يكون من أهل مكة، لكنه يَقْدِر أن يخرج مع الناس على قدميه ويَحُجُّ، وإن كان قادرًا بماله عاجزًا ببدنه، لزمه الحج بالإنابة؛ أي: أنه يلزمه أن يُنِيب مَن يَحُجُّ عنه، إلا إذا كان العجز مما يُرْجَى زوالُه، فيَنْتَظر حتى يزول"[6]. قلتُ: وعلى هذا لو كان عاجزًا في ماله وبدنه، سقط عنه الحج، وإذا مات لا يجب أن يُحَجَّ عنه. ملاحظات وتنبيهات: (1) إذا بلغ الصبي، أو أفاق المجنون، أو أُعْتِق العبد بعرفة أو قبلها، فالحَجُّ يجزئ فرضًا عن حجة الإسلام، وأما إن زال هذا العذرُ بعد عرفة، فإنه لا يجزئه عن الفرض. (2) كيف يحج الصبي؟ يُلْبِسه وَلِيُّه ملابس الإحرام، ثم إن كان الصبي مميِّزًا، فإن وَلِيَّه يأمره بنية الإحرام، وإن كان غير مميِّز نَوَى عنه وليُّه بأن يقول في نفسه: "جعلتُه محرِمًا"، ثم إن كان قادرًا على المشي مَشى، وإن لم يكن قادرًا حمله وليُّه أو غيره، ويجعله معه في جميع المناسك، ويمنعه من محظورات الإحرام[7]. (3) إذا أحرم الصبيُّ، هل يلزمه الإتمام؟ فيه خلاف، والذي مال لصوابه الشيخابن عثيمين: أنه لا يلزمه الإتمامُ، وهو مذهب الحنفية؛ لأنه - أي الصبي - غيرُ مكلَّف، ولا يُلزَم بالواجبات. واختلفوا إذا فعل الصبي محظورًا من محظورات الإحرام متعمِّدًا، والراجح: أنه لا يلزمه شيء، لا من ماله، ولا من مال وليِّه؛ لأن الصبي عَمْدُه كخطئه. (4) لو تكلَّف غيرُ المستطيع المشقة وحج، فحجُّه صحيح يجزئ عنه. (5) معنى "الزاد": نفقة الحج؛ أي: بعد قضاء الواجبات، والنفقات الشرعية، والحوائج الأصلية، و"الراحلة": وسيلة النقل التي ينتقل بها، بأن تكونَ صالحة لمثله، وأما إن كانت غير صالحة لمثله، فلا يجب عليه. ومعنى "بعد قضاء الواجبات": كقضاء الديون، والكفَّارات، والنذور، ونحو ذلك. ومعنى "النفقات الشرعية"؛ أي: التي يبيحها الشرعُ؛ كالنفقة له ولعياله بغير إسراف، بحيث يكفيه ذلك ومَن يَعُولهُم إلى أن يرجعَ من الحج، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء. وأما "الحوائج الأصلية": فما يحتاجه من كتب وأقلام، وآلات صنعته، ونحو ذلك. (6) إذا مات مَن لزمه الحج والعمرة - أي: مَن كان قادرًا مستطيعًا، وتَمَّت الشروط في حقه - ولم يَحُجَّ، مات عاصيًا، ووَجَب إخراج نفقة الحج والعمرة من تَرِكتِه قبل الإرث وقبل الوصية؛ لأن ذلك دَيْن؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دَين الله أحقُّ بالوفاء))[8]. قال الشيخ ابن عثيمين: "ويخرج من تركته، سواءٌ أوصى أم لم يُوصِ" [9]. (7) قال ابن قدامة: "إن احتاج إلى النكاح وخاف على نفسه العَنَت، قدم التزويج؛ لأنه واجبٌ عليه، ولا غنى به عنه، فهو كنفقته، وإن لم يخَفْ قدَّم الحج؛ لأن النكاح في هذه الحالة ليس فرضًا عليه، فلا يقدَّم على الحج الواجب" [10]. (8) جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "إذا حجَّ الشخص بمالٍ من غيره صدقةً من ذلك الغير، فلا شيءَ في حجه - يعني أن حجَّه صحيح - أما إذا كان المال حرامًا، فحجُّه صحيح، وعليه التوبة من ذلك"[11]. قلتُ: وأما من حيث القَبول؛ فإن الله طيِّب لا يقبل إلا طيبًا. (9) إذا مَنَحت الدولة بعض رعاياها الحجَّ على نفقتها، أو مُنِح بعض الفائزين في مسابقاتٍ جائزةَ الحج، فحجُّهم صحيح يجزئهم عن حجة الإسلام[12]. (10) لو اقترض للحج، فحجُّه صحيح، وإن كان ذلك الاقتراض لا يَلْزَمه. (11) هل يجوز حجُّ مَن عليه دَين؟ ورد في فتاوى اللجنة الدائمة: "إذا كان المَدِين يَقْوَى على تسديد المبلغ مع نفقات الحج، ولا يَعُوقه الحجُّ عن السداد، أو كان الحج بإذن الدائن ورضاه، مع علمه بحال المَدِين - جاز حجُّه، وإلا فلا يجوز، لكن لو حجَّ صح حجُّه" [13]. [1] صحيح بمجموع طرقه: رواه أبو داود (4399)، والترمذي (1423)، والنسائي (7/413). [2] مسلم (1336)، وأبو داود (1736). [3] صحيح: الطبراني في الأوسط (3/140)، ورواه الشافعي (1/290)، والطحاوي (1/435)، والبيهقي (5/156)، وصحَّحه الحافظ في الفتح (4/61)، وصحَّحه الألباني في "الإرواء" (986). [4] وهذا هو رأي جمهور العلماء، وهو الراجح، وقد ذهب ابن حزم إلى صحة حج العبد، واعتبر الحديثَ منسوخًا. [5] حسَّنه الألباني في الإرواء (4/160 - 167)، والشنقيطي في أضواء البيان (5/92). [6] الشرح الممتع (7/13). [7] سيأتي بيان هذه المحظورات. [8] البخاري (1852)، (6699)، (7315). [9] الشرح الممتع (7/48). [10] المغني (3/222). [11] الفتوى رقم (3198)، وانظر: الرياض النضرة؛ للعفَّاني (2/37). [12] انظر فتاوى اللجنة الدائمة (6593)، (6277). [13] الفتوى (9405)، انظر: الرياض النضرة؛ للعفاني (2/49). |
رد: تمام المنة - الحج
شروط وجوب الحج على المرأة تمام المنة - الحج (2) الشيخ عادل يوسف العزازي يشترط لوجوب الحج على المرأة الشروطُ السالفة الذكر، ويُزَاد في حقِّها شرطٌ آخرُ، وهو وجود مَحْرَم لها يسافر معها، فإن لم تجد مَحْرَمًا، فهي عاجزة عجزًا شرعيًّا. ومما يدل على وجوب المَحْرَم ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرَم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها ذو مَحْرَم))، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرجَ في جيشِ كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج؟ فقال: ((اخرجْ معها))[1]. ملاحظات: (1) المقصود بالمَحْرَم: الزوج، أو مَن تَحْرُم عليه على التأبيد بنسبٍ - يعني قرابة - أو بسببٍ مُبَاح؛ من الرَّضاع والمصاهرة. والذين يَحْرُمون بالنسب سبعة، وهم: الأب، والابن، والأخ، وابن الأخ، وابن الأخت، والعم، والخال. والذين يَحْرُمون بسبب الرضاع: ما ثَبَت في الحديث: ((يحرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب))[2]. والذين يَحْرُمون بسبب المصاهرة أربعة، وهم: أبو زوجها (حموها)، وابن زوجها، وزوج ابنتها - وهؤلاء الثلاثة مَحَارِمُ بمجرد العقد - والرابع زوج أمِّها، ولا يَحْرُم إلا بعد الدخول. وعلى هذا؛ فيَجِب التنبيه إلى أن أخا الزوج وخالَه وعمه لا يكون مَحْرَمًا لها، وكذلك زوج الأخت لا يكون مَحْرَمًا لأختها، وكذلك أبناء العم، وأبناء الخال ليسوا مَحارِمَ. (2) يشترط في المَحْرَم أن يكون بالغًا عاقلاً، والصحيح أنه يشترط أن يكون مسلمًا، فأما الكافر، فليس بمَحْرَم لها. (3) إذا كانت المرأة واجدةً للزاد والراحلة، لكنها لم تجدْ مَحْرَمًا يسافر معها، ثم ماتت ولم تَحُجَّ، فهل يُخرج مال الحج من تركتها؟ فيه قولان لأهل العلم. والذي رجَّحه ابن قدامة: يُخرج عنها حجةً؛ لأن الشروط قد كملت، وإنما المَحْرَم لحفظها[3]، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، وهو الراجح. قلتُ: لكنها غيرُ آثمة؛ لأنها لم تَحُجَّ لعذر. (4) قال الحسن البصري في المرأة التي لم تحجَّ: "تستأذن زوجها؛ فإن أَذِن لها، فذاك أحب إليَّ، وإن لم يأذَن لها، خرجت مع ذي مَحْرَم؛ فإن ذلك فريضة من فرائض الله - عزَّ وجلَّ - ليس له عليها فيها طاعة"[4]. قلتُ: ولكن له الحق في منعها إذا لم تكتمل شروط الحج، كأن تريد أن تسافر بغير مَحْرَم مثلاً، هذا في حج الفريضة، وأما حج التطوع، فله منعُها. قال ابن المنذر: "أجمع كل مَن أحفظُ عنه من أهل العلم أن له منعَها من الخروج إلى الحج التطوع" [5]، وليس له منعُها من الحج المنذور؛ لأنه واجبٌ عليها أشبَهَ حجَّةَ الإسلام[6]. (5) إذا أذِن لها بحج التطوع، فله الحق في الرجوع عن إذنه ما لم تتلبَّس بالإحرام، فإن خرجت بغير إذنِه، فله الحق في تحليلِها منه حتى لو أَحْرَمت، ويكون حكمُها حُكم المُحْصر[7]. (6) قال ابن قدامة: "ولا تخرج إلى الحج في عدَّة الوفاة، نصَّ عليه أحمد، قال: ولها أن تخرج إليه في عدَّة الطلاق المبتوت - أي: الذي لا رجعة فيه - وأما عدَّة الرجعية، فالمرأة فيها بمنزلتها في طلب النكاح؛ لأنها زوجة، وإذا خرجت للحج فتُوُفِّي زوجها، وهي قريبة رَجَعت لتعتَدَّ في منزلها، وإن تباعدت مَضَت في سفرها"[8]. قلت: ثَبَت أن عمر - رضي الله عنه - ردَّ نسوةً حاجَّاتٍ أو معتمراتٍ حين خرجنْ في عدَّتهن[9]. قلت: وبِناءً على ما تقدم؛ فإن المرأة إذا كانت في الطلاق الرجعي، وجب عليها أن تستأذِن زوجَها. (7) لا يُلْزَم الزوجُ شرعًا بنفقاتِ حجِّ زوجته حتى لو كان غنيًّا؛ وإنما ذلك من باب المعروف والإحسان[10]. [1] البخاري (1862)، ومسلم (1341)، وابن ماجه (2900). [2] البخاري (2646)، ومسلم (1444)، وأبو داود (2055)، والترمذي (1147)، والنسائي (6/98). [3] المغني (3/237). [4] صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/339). [5] الإجماع: (ص16). [6] انظر: المغني (3/240). [7 وسيأتي أحكام الإحصار. [8] المغني: (3/240 - 241). [9] رواه ابن أبي شيبة (3/326)، ورجاله ثقات. [10] انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1071). |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (3) الشيخ عادل يوسف العزازي الحج عن الغير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة من خَثْعَم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركتْه فريضةُ الله في الحج شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستَوِيَ على ظهر بعيرِه، أَفأحُجُّ عنه؟ قال: ((نعم))[1]. وعنه: أن امرأة من جُهَيْنَة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "إن أمي نَذَرت أن تَحُجَّ فلم تحجَّ حتى ماتت، فأَحُجُّ عنها؟ قال: ((نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّك دَينٌ، أكنتِ قاضيتَه؟ اقضُوا اللهَ؛ فاللهُ أحقُّ بالوفاء))[2]. وعلى هذا؛ فيجوز الحجُّ عن الغيرِ في الحالات الآتية: (أ) إذا مات وكان عليه حجة الإسلام، أو حَجُّ نذرٍ، أو كان لم يعتمر؛ فإنه يؤخذ من تَرِكته قبل الإرث، سواءٌ أوصى الميت أم لم يُوصِ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقضُوا الله؛ فاللهُ أحقُّ بالوفاء))، ويَسْتَنِيب أهلُه مَن يحجُّ عنه من هذا المال. قال ابن حجر: "ويلتحق بالحج كلُّ حقٍّ ثَبَت في ذِمَّته من كفارة، أو نذر، أو زكاة، أو غير ذلك، وفي قوله: ((فالله أحق بالوفاء)) دليلٌ على أنه مقدَّم على دَين الآدَمِي، وهو أحد أقوال الشافعي" [3]. ويَحُجُّ المرء عن أبويه إذا كانا ميِّتينِ أو عاجزين؛ وذلك لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقضُوا اللهَ؛ فاللهُ أحقُّ بالوفاء)). (ب) العاجز عن الحج - بعد تحقُّق شروط وجوبه - لمانعٍ ما، لا يؤمَن زوالُه؛ كمرض مُزْمِن لا يُرْجَى بُرْؤه، أو هُزَال لا يَقْدِر عليه إلا بمشقة غيرِ محتملة، والشيخ الفاني، ونحو ذلك، فهذا يُنِيب عنه مَن يحج؛ للأحاديث السابقة. ملاحظات: (1) إن كان المرض مما يُرْجَى بُرْؤه، فإنه لا يُنِيب غيرَه، بل يؤخِّر الحج لحين شفائه. (2) يشترط لمن يُنِيبه عنه أن يكون أدَّى فرْض الحج عن نفسه؛ لما ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يقول: لبيك عن شُبْرُمَةَ، قال: ((مَن شُبْرُمَةُ؟)) قال: أخٌ لي أو قريب، قال: ((حَجَجتَ عن نفسِك؟)) قال: لا، قال: ((حُجَّ عن نفسك، ثم حُجَّ عن شُبْرُمَة))[4]. (3) قال ابن قدامة: "يجوز أن يَنُوبَ الرجلُ عن الرجل والمرأة، والمرأةُ عن الرجل والمرأة في الحج، في قول عامة أهل العلم، لا نعلم فيه مخالفًا إلا الحسن بن صالح؛ فإنه كَرِه حج المرأة عن الرجل" [5]. قال ابن المنذر: هذه غَفْلة عن ظاهر السنة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر المرأة أن تَحُجَّ عن أبيها. (4) اشترط بعض الفقهاء أن تكون الإنابةُ من نفس بلد المُنِيب؛ أي: إنه لا بد أن يخرج من بلد صاحب العذر أو الميت، وأن يَمُرَّ بميقاته. قال ابن عثيمين: "هذا القول ضعيف"، ثم قال: "والقول الراجح: أنه لا يلزم أن يقيم مَن يَحُجُّ عنه من مكانه، وله أن يقيم مَن يحج عنه من مكة، ولا حرج عليه في ذلك" [6]. قلتُ: وعلى هذا؛ فيجوز لمن كان بمصرَ أن يرسل نفقة الحج لمقيمٍ بمكة؛ ليَحُجَّ عن ميِّتهم. (5) إذا عُوفِي المريض بعد أن حجَّ عنه غيره، لم يجبْ عليه حجٌّ آخر، وهذا مذهب الحنابلة؛ لأنه أدَّى حجَّه بأمر الشرع، وأدَّى ما عليه من دَيْن الله، فلا يُطَالَب بغيره. (6) إذا دخل في النسك، ثم مات أثناء الحج قبل أن يتمَّه، هل يجب على أوليائه أن يحجُّوا عنه؟ الراجح: أنه لا يجب ذلك، بخلاف لو مات قبل الدخول في النسك؛ فإنه يجب الحجُّ عنه. ومعنى الدخول في النسك: بداية الإحرام، وليس مجرد الخروج من بيته، أو الحصول على تأشيرة السفر، فهناك فرقٌ إذًا بين الحالتين؛ فالحالة الأولى: أن يموت قبل الإحرام، فهذا يحج عنه أولياؤه؛ لأنه لم يحجَّ، والحالة الثانية: أن يموت بعد الدخول في الإحرام، فهذا لا يحجون عنه؛ لأنه ثبت له الحجُّ بدخوله في النسك، والله أعلم. [1] البخاري (1513)، ومسلم (1335)، وأبو داود (1809)، والترمذي (928)، وابن ماجه (2907). [2] البخاري (1853)، وأبو داود (1809)، والترمذي (929)، والنسائي (5/118)، وأحمد (1/345). [3] فتح الباري (4/66). [4] صحيح: رواه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، وصحَّحه النووي في المجموع، وابن حجر في التلخيص، والألباني في الإرواء (994). [5] المغني (3/233). [6] الشرح الممتع (7/39 -40)، وانظر: فتوى اللجنة الدائمة رقم (6515). |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (4) الشيخ عادل يوسف العزازي أحكام التلبية وبعد بيان معنى المواقيت والإحرام، وأنواع النُّسُك، نعود لنتابع صفة الحج والعمرة: 4- ثم يَشْرَع في التلبية: مشروعيتها وفضلها: (1) عن السائب بن خلاَّد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمُر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية))[1]. (2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أهلَّ مُهِلٌّ قطُّ، ولا كبَّر مكبِّر قطُّ، إلا بُشِّر بالجنة))[2]. ملاحظات: (1) يُستحب الإكثار من التلبية من حين الإحرام في حال الركوب والمشي والنزول، وعلى كل حال. (2) ويُستحب رفعُ الصوت بالتلبية؛ للحديث السابق، وقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرفعون أصواتهم حتى تُبَحَّ أصواتهم[3]. (3) هل رفْع الصوت بالتلبية يختص بالرجال دون النساء؟ فيه خلاف، رجَّح ابن عثيمين اختصاصه بالرجال، وذهب ابن حزم إلى أن المرأة ترفع صوتها؛ لعموم الحديث السابق عن السائب، وقد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - أنها اعتمرت ورفعت صوتها بالتلبية. وتوسَّط شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "والمرأة ترفع صوتها بحيث تسمع رفيقتها"[4]. متى تبدأ التلبية ومتى تنتهي؟ تشرع التلبية عند انعقاد الإحرام، وتبدأ التلبية بعد الإحرام من الميقات، إما بعد الصلاة إن وافق ذلك وقت صلاة، وإما بعد استوائهعلى راحلته، واعلم أنه ليس هناك صلاة سنة الإحرام كما سبق بيان ذلك. وأما انتهاؤها، ففي العمرة تنتهي عند رؤية البيت واستلام الحجر، وفي الحج تنتهي حين يَشْرَع في جمرة العقبة يوم النحر، وقال بعض أهل العلم: حتى ينتهي من رميه إياها. والراجح الأول؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحُلَيفة، أَهَلَّ[5] فقال: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك))؛ متفق عليه. وأما الدليل على وقت انتهاء التلبية، فعن الفضل بن العباس - رضي الله عنهما - قال: "كنت رَدِيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جَمْعٍ[6] إلى مِنى، فلم يزل يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة"[7]. وفي لفظ لمسلم: "لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة". هذا بالنسبة للحج، وأما بالنسبة للعمرة، فعن عطاء عن ابن عباس - رفَعَ الحديثَ -: "أنه كان يُمْسِك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر"؛ رواه الترمذي وصحَّحه، ورواه أبو داود نحوَه. لفظ التلبية: ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وفي صحيح البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها - وعند مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في تلبيته إذا أهلَّ محرِمًا: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، فهذه هي التلبية التي كان يداوم عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس يزيدون فلم ينكر عليهم، ومن هذه الزيادات: زاد ابن عمر: "لبيك وسعديك والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل"، وزاد أنس: "لبيك حقًّا حقًّا، تعبُّدًا ورِقًّا"[8]. معنى التلبية: ورد في معنى التلبية معانٍ كثيرةٌ، أوردها الشيخ سيِّد العفَّاني في كتاب: "الرياض النضرة"، وهي على النحو الآتي: معنى لبيك: إجابة بعد إجابة، ولزومًا لطاعتك، فهي من "لبَّى"، بمعنى: أجاب. وقيل: معناها: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم: "داري تلبي دارك"؛ أي: تواجهها. وقيل: معناها: محبتي لك، مأخوذ من قولهم: "امرأة لَبَّة"، إذا كانت محبة لولدها. وقيل: معناها: إخلاصي لك، مأخوذ من قولهم: "حب لبَّاب"، إذا كان خالصًا. وقيل: معناها: أنا مقيم على طاعتك، مأخوذ من قولهم: "لبَّ الرجل بالمكان"، إذا أقام فيه. حُكم التلبية: اختلف العلماء في حكم التلبية: فذهب الشافعي وأحمد إلى أنها سنَّة. وحكى الخطَّابي عن مالك وأبي حنيفة الوجوب[9]، وهذا هو الراجح؛ لحديث السائب السابق، وفيه الأمر برفع الصوت بالتلبية. قال ابن حزم: "وهو فرض، ولو مرة"[10]. [1] صحيح: رواه أحمد (4/55)، وأبو داود (1814)، والترمذي (829)، والنسائي (5/162)، وابن ماجه (2922). [2] حسَّنه الألباني في صحيح الجامع (5569)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (3/224): رواه الطبراني في الأوسط (7/379) بإسنادَينِ رجالُ أحدهما رجال الصحيح. [3] حسن: رواه ابن أبي شيبة (3/372). [4] مجموع الفتاوى: (26/115). [5] ومعنى "الإهلال": رفع صوته بالتلبية. [6] المقصود بـ "جَمع": المزدلفة. [7] البخاري (1544) ومسلم (1281)، والترمذي (918)، والنسائي (5/268)، وابن ماجه (3039). [8] صحيح: أخرجه الشافعي في مسنده (1/303). [9] انظر: نيل الأوطار (5/53). [10] انظر: المحلى (7/104). |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (5) الشيخ عادل يوسف العزازي محظورات الإحرام محظورات الإحرام: والمقصود بمحظورات الإحرام: الممنوعات في الإحرام؛ امتثالاً لأمر الله - عز وجل - وأمرِ رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذه المحظورات هي: أولاً: حلق الرأس: لقوله -تعالى-: ï´؟ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ï´¾ [البقرة: 196]، فلا يجوز للمحرِم أن يأخذ من شعر رأسه شيئًا، حلقًا أو تقصيرًا. واختلفوا في إزالة غيره من الشعور كالعانة والإبْط ونحوهما، والجمهور على منع ذلك، وأن حُكمه حُكم حلق الشعر، وذهب آخرون - وهم الظاهرية - إلى عدم المنع من حلق بقية الشعور عدا الرأس؛ تمسكًا بظاهر الآية؛ لأنها لم تنصَّ إلا على حلق الرأس فقط، وبأن الأصل جوازه، فلا يمنع إلا بدليل، وهذا ما رجحه ابن عثيمين لكنه قال: "ولو أن الإنسان تجنَّب الأخذ من شعوره، كشاربه وإِبْطه وعانته احتياطًا، لكان هذا جيدًا"[1]. ثانيًا: تقليم الأظفار: وفيه خلاف؛ لأنه لم يأتِ نص قرآني ولا نبوي يتعلق بالمسألة، فيَظَلُّ فيها الخلاف كالخلاف السابق في بقية الشعور، لكن نقل بعضهم الإجماع على المنع من تقليم الأظفار. قال ابن قدامة: "أجمع أهلُ العلم على أن المحرِم ممنوع من أخذ أظفاره، وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم: حماد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، ورُوِي عن عطاء، وعنه: لا فِدْيَة عليه؛ لأن الشرع لم يَرِد فيه بفِدْيَة" [2]. قال ابن عثيمين: "فإن صحَّ هذا الإجماع، فلا عذر في مخالفته، وإن لم يصحَّ، فإنه يبحث في تقليم الأظفار كما بحثنا في حلق بقية الشعر" [3]. قلتُ: وعلى هذا؛ فالأحوط عدمُ الأخذ إلا إن اضْطُرَّ لذلك، كمن انكسر ظفرُه فتأذَّى به. ملاحظات: 1- مَن حَلَق شعر رأسه فعليه فِدْيَة[4]، واختلفوا في القَدْر الذي تجب فيه الفدية: فبعضهم يرى حلق ثلاث شعرات، وبعضهم يرى حلق رُبُع الرأس، وغير ذلك من الأقوال. لكن أرجح الأقوال: أن يحلق مَن يقال في حقِّه: إنه أماط الأذى عن رأسه؛ لأنه ظاهر القرآن، والدليل على ذلك: (أ) قوله -تعالى-: ï´؟ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ï´¾ [البقرة: 196]، فلا تجب الفدية إلا في حالة إماطة الأذى. (ب) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرِم، وهذا يحتاج إلى إزالة شعر، ولم يثبتْ أنه افتدى؛ لأنه لا يقال: إنه أماط الأذى عن رأسه. بناءً على ما سبق؛ فإنه لا تجب الفدية إلا على من حلق حلقًا يقال فيه: إنه حلق رأسه، وأما مجرد حلق بعض الشعرات وإزالتها، فلا تجب فيه الفدية. وأما ما عدا ذلك من الشعور في بقية الجسد غير الرأس، ففيه خلاف في وجوب الفدية، وأما تقليم الأظفار، فالراجح قول عطاء أنه لا فدية فيه، سواء قلنا بحرمة التقليم أم لا. (2) لا يعني مما سبق أنه يجوز أن يأخذ بعض الشعر من رأسه؛ فإن ذلك حرام، لكن الكلام السابق متعلِّق بوجوب الفدية، وعلى هذا؛ فأخذ أي شعر من الرأس لا يجوز، لكن الفدية لا تكون إلا في الحالة المذكورة سابقًا. (3) يجوز للمحرِم حَكُّ رأسه[5]، فلو سقط منه شيء من شعره بغير قصد، فلا شيء عليه، وإن كان قاصدًا، فيَحْرُم، ولا فدية عليه كما تقدم. ثالثًا: تغطية الرأس: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الرجل الذي وَقَصته ناقته فمات: ((اغسلوه وكفِّنوه في ثَوْبيه، ولا تخمِّروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا))[6]، ومعنى "التخمير": التغطية، ولا يكون إلا بمُلاصِق؛ كالطاقية والقَلَنْسُوة والعِمَامة، وأما غير الملاصق كالشمسية، والخَيْمة، وسقف السيارات، والمنازل، فلا شيء فيه. ولقد ثبت في حديث جابر في صفة حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه "ضُرِبت له قُبَّة بنَمِرة، فبقي فيها حتى زالت الشمس في عرفة"[7]. ويلاحظ مما سبق أن النهي عن تغطية الرأس إنما هو خاص بالرجال دون النساء، فعلى المرأة أن تستر رأسها ولا يظهر منه شيء. رابعًا: لا يلبس الرجال ملابس الحِل: أي: لا يلبس المحرِم ما كان يلبسه قبل إحرامه مما هو مصنوع للعضو: كالقميص، والسراويل، والجُبَّة؛ لما ثبت في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل: ما يلبس المحرم؟ قال: ((لا يَلْبَس القميص ولا السراويل، ولا البُرْنُس ولا العِمَامة ولا الخِفَاف، ولا يلبس شيئًا مسَّه الوَرْس ولا الزعفران))[8]. ملاحظات: (1) اشتهر على ألسنة كثير من الفقهاء: ألاَّ يَلْبَس المحرِم المَخِيط، وتَبِع لذلك أخطاء وقع فيها الناس؛ إذ المقصود ألاَّ يَلْبَس الملابس المَحِيكة - المفصَّلة - وبناءً على هذا؛ فلو كان في الرداء خيط يَسُدُّ خروقًا أو رُقَعًا فيه، أو كان على أطرافه خيط منعًا من تَهَلْهُلِه - أو ما يسمَّى أُوفَر - فهذا كله لا يضر، وكذلك لو أوصل رِدَاءين قصيرين بخيط بينهما لا يضر، طالما أنه لم يفصَّل كملابس الحِل. (2) يجوز لُبْس "النعل"؛ لأنه ليس بخُفٍّ، حتى لو كان هذا النعل مخروزًا بخيط، وأما ما يفعله العامة من لبس نعال خاصة لا خيط فيها، فهو تنطُّع وتكلُّف لم يأمر به الشرع. (3) وعلى العكس من ذلك فلو صنعت الملابس بدون خيط، تصلح للارتداء لكنها صنعت على قدر العضو، فإنه لا يجوز للمحرِم لُبْسها، وعلى هذا ما يفعله العوام من وضع "دَبَابيس" على إزاره، وصناعته كأنه ثياب مصنوعة، فهذا لا يصح. (4) انتشر عند بعض المحلات التجارية ما يسمى "بالساتر"، وهي خِرْقة يَلْبَسها المحرِم سترًا لفرجه - أشبه بحفاظة الأطفال - فهذه لا تجوز؛ لأنها في معنى الملابس، وإن لم يدخلْها خيط. (5) إذا لم يجد النعلين، جاز له لُبْس الخُفَّين، وإذا لم يجد الإزار، جاز له لُبْس السراويل. فلو قدِّر أن شخصًا نَسِي ملابس الإحرام في حَقِيبة سفره في الباخرة أو الطائرة مثلاً وأراد أن يحرم، فماذا يصنع؟ الجواب: يمكنه أن يلبَس السراويل البنطال، وأن يضع شيئًا على أعاليه - بدون لُبْس - كأن يَلُف القميص على كتفه على صورة لبس الرداء، حتى إذا وصل إلى الميناء أخرج ملابس إحرامه ولبسها، ولا شيء عليه. (6) ما تقدم كله خاصٌّ بالرجال، وأما المرأة، فإنها تَلْبَس جميع ملابسها، وإنما الذي يَحْرُم عليها لُبْس القفَّازين والنقاب؛ لما ثبت في الحديث: ((لا تَنْتَقِب المرأة المحرِمة، ولا تَلْبَس القفَّازين))[9]، ولا يعني هذا أنه يَحْرُم عليها تغطية وجهها ويديها؛ إنما المحظور لُبْس هذا النوع من الملابس - وهو النقاب للوجه، والقفَّازان لليدين - لكنه يجوز لها أن تغطِّيَ وجهها بغير النقاب، بأن تُسْدِل الثوب من رأسها، وسواء في ذلك مسَّ وجهها أم لا؛ لما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان الرُّكْبَان يمرون بنا، ونحن محرِماتٌ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا حاذَونا سَدَلت إحدانا جِلبابها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه"[10]، وكذلك يجوز لها تغطية يديها بغير القفَّازين، كأن تجعلهما تحت خمارها، أو تطيل أكمامها بحيث تغطيهما. خامسًا: الطِّيب: سواء لبدنه أو لثوبه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الذي وَقَصته دابته فمات: ((ولا تحنطوه))، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- للمحرم: ((ولا يَلْبَس شيئًا مسَّه الزعفران ولا الوَرْس))[11]. وأما شم الطيب إن كان بغير قصد، فلا شيء، وإن كان بقصد التلذُّذ فحرام، وأما إذا أصابه شيء من طِيب الكعبة، فلا شيء عليه. سادسًا: عَقْد النكاح أو الخِطبة: سواء على الذكور والإناث؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يَنْكِح المحرِم، ولا يُنْكِح، ولا يَخْطُب))[12]. فلا يتولَّى عقد النكاح لنفسه ولا لغيره، وكذلك لا يجوز له أن يَخْطُب ما دام أنه محرِم. ملاحظات: (1) إذا تم عقد النكاح في حال إحرام أحد الزوجين أو إحرام الولي، فالعقد فاسد، ولا يحتاج إلى فسخه بطلاق؛ لأنه لم ينعقد أصلاً، ولا يصح هذا الزواجُ. (2) ما الحكم إذا عقد المحرِمُ النكاحَ وهو لا يدرى أنه حرام؟ الجواب: لا إثم عليه، لكن العقد لا يصح. (3) ما الحكم لو دخل بمعقودته، وأنجب أولادًا بعد إحلاله؟ الجواب: لا بد من تجديد العقد، والأولاد شرعيون ينسبون له؛ لأن الوطء الأول كان وطأ بشبهة. (4) يجوز مراجعة زوجته المطلَّقة وهو محرِم، ما دامت في العدَّة؛ لأن هذا ليس عقد نكاح، وإنما استدامة نكاح، وأما بعد انقضاء العدة، فلا يصح؛ لأنه عقد جديد لا يصح إلا بولي وصَدَاق جديد. (5) يجوز للمحرِم أن يَشْهد على عقد النكاح لغير المحرِمين؛ لأن الشاهد لا يتناوله حديث: ((لا يَنْكِحُ المحرم ولا يُنْكِحُ)). سابعًا: الجِماع: وهو أشد المحظورات، فإنْ جامع زوجته وهو محرِم، ترتَّب على ذلك أمور، يأتي بيانها في أحكام الفدية. ثامنًا: المباشرة: أي: بشهوة؛ فإن أنزل فعليه الإثم، ولكن لا يفسد معها الحج، وهذا الحكم أورده أهل العلم، ولا أعلم دليلاً لذلك، والله أعلم. تاسعًا: الصيد: لقوله -تعالى-: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ï´¾ [المائدة: 95]. والمقصود بالصيد المَنْهِيِّ عنه: صيدُ الحيوان البريِّ، وأما الحيوان البحري - وهو الذي يعيش في البحر - فجائزٌ صيدُه للمحرِم؛ لقوله -تعالى-: ï´؟ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ï´¾ [المائدة: 96]. ملاحظات: (1) الصيد إن كان مأكولاً، ففيه الفدية، وإن كان غير مأكول، فيَحْرُم صيده، ولكن لا فِدْية فيه، وسيأتي أحكام جزاء الصيد. (2) اعلم أن الحيوان غير المأكول أقسام: فمنه ما أُمِر بقتله؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس من الدوابِّ كلُّهن فَوَاسِق يُقْتَلن في الحِل والحرم: الغراب، والحِدَأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العَقُور))[13]. ومنه ما نهي عن قتلِه؛ كالنمل، والنحلة، والهدهد، فهذا لا يقتل. ومنه ما سُكِت عنه، فإن كان مؤذيًا، أُلْحِق بالأول، وإن كان غير مؤذٍ، ففيه خلاف. فيجوز للمحرِم وغيره قتلُ الأسد، والسباع، والخنازير، والقَمْل، والبراغيث، والذباب، صغار ذلك أو كِبَاره. (3) لو كان معه حيوان إنسي ثم هرب، ولم يتمكن منه إلا بالصيد، فلا شيء عليه. (4) لو صال[14] عليه حيوان، ولم يستطع أن يدفعَه إلا بالقتل، قتله ولا شيء عليه. (5) إذا صاد المُحرِم صيدًا، فهذا الصيد بمنزلة المَيْتة، لا يحل له أكلُه، ولا يحل لغيره أكلُه. (6) أما إذا صاد الحَلال - يعني: غيرَ المُحرِم - فإنه يجوز للمحرِم الأكلُ منه إلا إذا كان المحرم دلَّ عليه، أو أعان عليه، أو كان الحَلال إنما صاده لأجل المحرم. (7) ويجوز للمحرِم أكلُ الصيد إذا كان صاده قبل أن يُحْرِم وظل معه بعد إحرامه، وإنما الذي يَحْرُم عليه ابتداء الصيد. (8) لو صاد المحرم صيدًا فانتزعه منه حَلال، لكان ملكًا للحَلال، ولا يملك المحرِم تملُّكه حتى بعد إحلاله. [1] الشرح الممتع (7/132). [2] المغني (3/320). [3] الشرح الممتع (7/133). [4] وسيأتي بيان أحكام الفدية. [5] وسيأتي بيان ما يباح للمحرم؛ انظر (ص356). [6] البخاري (1265)، ومسلم (1206)، وأبو داود (3238)، والترمذي (951)، والنسائي (5/195)، وابن ماجه (3084). [7] مسلم (1218). [8] البخاري (1542)، ومسلم (1177)، وأبو داود (1824)، والترمذي (833)، والنسائي (5/131)، وابن ماجه (2929). [9] البخاري (1838)، وأبو داود (1825)، والترمذي (833)، والنسائي (5/133). [10] صحيح: رواه أبو داود (1833)، وابن ماجه (2935)، وأحمد (6/30). [11] تقدم تخريجه، انظر: رقم (337). [12] مسلم (1409)، وأبو داود (1841، 1842)، والترمذي (840)، والنسائي (5/192)، وابن ماجه (1966). [13] البخاري (1829)، ومسلم (1198)، والترمذي (837)، والنسائي (5/210)، وابن ماجه (3087). [14] أي: هجم عليه بقوة. |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (6) الشيخ عادل يوسف العزازي أحكام الطواف وليبدأ بالطواف: إذا وصل المُحْرِم إلى الكعبة، بدأ بالطواف سبعة أشواط حول البيت، وهذا الطواف يقال له: "طواف القدوم" للقارِن والمُفْرِد، ويسمَّى "طواف العمرة" في حق المعتمر، سواء كانت عمرة مفرَدة، أو كانت عمرة التمتع. كيفية الطواف: (1) إذا وصل المُحْرِم بدأ طوافه هذا مُضْطَبِعًا - وذلك بأن يكشف كتفه الأيمن، واضعًا طَرَفَيْ الرداء على كتفه الأيسر - ويكون الطواف كالآتي: أولاً: تقبيل الحجر الأسود: يبدأ الطواف محاذيًا الحجر الأسود، فيستقبل الحجر استقبالاً، ويكبر "الله أكبر"؛ فقد ثبت ذلك في حديث جابر - رضي الله عنه - في وصفِه لحجه - صلَّى الله عليه وسلَّم [1]. ويجوز أن يقول: "بسم الله، والله أكبر"؛ لِما ثبت أن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا استلم الركن، قال: "بسم الله، والله أكبر"[2]. ومعنى استقباله: أن يحاذيَه بوجهه، وجميع بدنه. ثم يستلمه بيده ويقبِّله بفمه؛ لِما ثبت ذلك من فعله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصحيحين[3]. قال الشيخ الألباني: "ويسجد عليه أيضًا؛ فقد فعله رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعمر، وابن عباس" [4]. فإن لم يستطع تقبيلَه، استلمه بيده أو بشيء معه، وقبَّل يدَه أو ذلك الشيء؛ فعن نافع قال: "رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده، ثم قبَّل يده، وقال: "ما تركتُه منذ رأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعله"[5]. وعن أبي الطُّفَيل - رضي الله عنه - قال: "رأيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَطُوفُ بالبيت، ويَسْتَلِم الحجر بمِحْجَن، ويقبِّل المِحْجَن"[6]. و "المِحْجَن": عصا مَعْقُوفة الرأس. فإن لم يتمكَّن من استلامه، أشار إليه، وفي هذه الحالة لا يقبِّل يده؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: طاف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على بعيرٍ، كلَّما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبَّر[7]، والمقصود بالركن: الركن الذي به الحجر الأسود. يفعل ما تقدَّم في كل شوط من الأشواط السبعة. ثانيًا: الشروع في الطواف: ثم يبدأ بالطواف حول الكعبة - بأن يجعلها عن يساره - سبعة أشواط، يبدأ كل شوط من الحجر الأسود وينتهي عنده، والسنَّة أن يَضْطَبِع[8] فيها كلها، ويَرْمُل في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، ويمشي في الأربعة الأشواط الأخرى. فعن جابر - رضي الله عنه -: "أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – رَمَل من الحجَر إلى الحجَر ثلاثًا، ومشى أربعًا"[9]، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خبَّ ثلاثًا، ومشى أربعًا"[10]. فإذا لم يستطع الرَّمَل لزحام ونحوه، طاف حسب ما تيسَّر له. ومعنى "الرَّمَل والخبب": أن يمشى خطوات سريعة متقاربة، وليس الرمل هو هزَّ الكتفين كالمتسكِّع، كما يفعله الجهَّال. فإذا وصل أثناء طوافه إلى الركن اليَمَاني - وهو الركن الذي قبل الحجر الأسود - استلمه بيدِه فقط في كل طَوْفة دون تكبير، ولا يُشْرَع فيه التقبيل، فإذا لم يتمكَّن من استلامه لم يُشْرَع له الإشارة، بل يستمر في مَشْيِه دون أن يشير إليه. ويدعو بين هذين الركنين - اليَمَاني، والذي به الحجر الأسود، ويقال لهما: الركنان اليَمَانيان - بهذا الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنَا عذاب النار"[11]. ويلاحظ: 1- اعلم - رحمك الله - أن الاضطباع والرَّمَل إنما يكون فقط في طواف القدوم، وأما غير ذلك من الطواف، فلا يُشْرَع فيه الاضطباع ولا الرَّمل، واعلم أنهما من سنة الطواف، فلو تركهما؛ فإن طوافه صحيح لا يضره. 2- إذا لم يتمكَّن من الرَّمَل في الثلاثة الأولى، لكنه تمكَّن منه في الثلاثة الأخيرة، فلا يُشْرَع له الرَّمَل فيها؛ لأن محله فات، والسنَّة في الأخيرة المشي لا الرَّمَل. 3- إذا أمكنه الرَّمَل مع البعد عن الكعبة، أو المشي مع القرب من الكعبة، فأيهما يقدِّم؟ قال ابن عُثَيمِين: "قدِّم الأول فأَرْمِل، ولو بَعُدْتَ عن الكعبة"، وعلَّل ذلك بأن الفضيلة المتعلقة بالعبادة أَولى من الفضيلة المتعلقة بمكانها. 4- ينبغي مراعاة أن يكون طوافه خارج الحِجْر، وهو ما يعرف عند العوام بـ"حجر إسماعيل" [12]؛ لأن الحِجْر من البيت. ومعلوم من شروط الطواف أن يكون خارج الكعبة، فلو طاف داخل الحِجْر لم يَصِحَّ طوافه. 5- إذا شك في عدد الأشواط، بنى على الأقل. 6- اعلم أن الرَّمَل والاضطباع خاصٌّ بالرجال، ولا يكون ذلك على النساء؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "يا معشر النساء، ليس عليكن رَمَل بالبيت، لَكُنَّ فينا أُسْوَة"[13]. وثَبَت نحوه عن ابن عباس، وابن عمر في منع النساء من الرَّمَل[14]. 7- ليس للطواف ذكرٌ خاصٌّ، وما يفعله العامَّة من جعلهم لكل شَوْطٍ ذكرًا يخصُّه، هذا من البدع، ولم يثبت في السنة إلا الدعاء بين الركنين اليَمَانيين - وهما الركن الذي به الحجَر الأسود، والركن الذي قبله. والدعاء الوارد ما ثبت عن عبدالله بن السائب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول بين الركن اليماني والحجر: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنَا عذاب النار))[15]. وعلى العبد أن يجتهد في الدعاء والابتهال بما يَمُنُّ الله عليه، دون التقيُّد بذكر خاص أو دعاء خاص. 8- ينبغي للطائفين مراعاة الآداب الشرعية، وعدم المزاحمة والدفع، والاختلاط والنظر إلى المحرمات، ونحو ذلك. 9- إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف، أو حضرت جنازة، وأراد الصلاة عليها، فإنه يصلي، ثم يكمل ما بقي من طوافه. 10- اعلم أنه ليس الغرض من تقبيل الحجر الأسود التبرُّك به ولا التمسُّح به، وإنما هو اتِّباع السنة؛ فقد قال عمر - رضي الله عنه - وهو يقبل الحجر: "إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقبِّلك ما قبَّلتك"[16]. 11- اشتهر على ألسنة بعض العوام تسمية الحجَر "بالحجر الأسعد"، وهو خطأ، والصواب: "الحجر الأسود". 12- يجوز للطائف الركوب وإن كان قادرًا على المشي، خاصة إذا كان هناك سبب يدعو لذلك؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بالمِحْجَن[17]. 13- إذا حاضت المرأة أثناء الطواف، قَطَعت طوافها حتى تَطْهُر، فإذا طَهُرَت من حيضها طافت ما تبقى لها من الأشواط، ويرى بعض أهل العلم أنها تستقبل الطواف من جديد. 14- إذا خشيت المرأة الحيض، وأرادت أن تمنعه باستخدام بعض العقاقير حتى تتمكَّن من الطواف ولا تتأخَّر عن رُفْقَتها، جاز لها ذلك ما لم يكن ضررًا. 15- قال شيخ الإسلام: "وأما سائر جوانب البيت، ومقام إبراهيم، وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها، ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومَغَارة إبراهيم، ومقام نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كان يصلِّي فيه، وغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين، وصخرة بيت المقدس - فلا تُسْتَلَم ولا تقبَّل باتفاق الأئمة" [18]. شروط الطواف: 1- الراجح أنه لا يُشْتَرط الطهارة لصحة الطواف، ولكن ذهب جمهور العلماء إلى أن الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، ومن النجاسة شرطٌ؛ لِما تقدَّم من قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الطواف بالبيت صلاة))[19]، وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - دخل عليها وهي تبكي، فقال: ((أَنَفِسْتِ؟)) - يعني الحيضة - قالت: نعم، قال: ((إن هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم، فَاقْضِي ما يقضي الحاجُّ، غير ألا تَطُوفِي بالبيت حتى تَغْتَسِلي))[20]. وأما المُسْتَحَاضة، ومَن به عذر: كسَلَسِ البول، وانفلات الريح، ونحوه، فلا بأس بطوافه. وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الطهارة ليست شرطًا، وحجته في ذلك أن حديث ابن عباس: "الطواف بالبيت صلاة" موقوفٌ، ولم يَثْبُت نصٌّ صحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شروط الطهارة، ولم يمنع من ذلك إلا الحائض. وعلى فرض صحته، فلا يلزم أن الطواف يشبه الصلاة في كل شيء، وقد فرَّق الله بين مسمَّى الطواف ومسمَّى الصلاة، وأورد على ذلك أمثلة كثيرة لهذا التفريق[21]. قال ابن عثيمين: "وعليه؛ فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس: أنه لا يُشْتَرط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنه بلا شكٍّ أفضل وأكمل وأتْبعُ للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحيانًا يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل: لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد"[22]. 2- ستر العورة: للحديث السابق، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ولا يطوف بالبيت عُرْيَان))[23]. 3- عدد الأشواط وهي سبعة، فلو ترك شيئًا ولو خطوة لم يَصِحَّ، وإن شك أثناء الطواف في عدد الأشواط بنى على الأقل، أو على غلبة الظن. قال ابن عثيمين: "أما بعد الفراغ من الطواف، والانصراف عن مكان الطواف، فإن الشك لا يؤثِّر، ولا يُلْتَفَتُ إليه، ما لم يتيقَّن الأمر" [24]. 4- يُشْتَرط أن يبدأ الطواف من الحَجَر الأسود وينتهي إليه، وأن يكون البيتُ على يسار الطائف، وأن يكون طوافه خارج البيت، كما تقدم. سنن الطواف: 1- استقبال الحجر الأسود، واستلامه. 2- الاضْطِبَاع في طواف القدوم. 3- الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى. 4- استلام الركن اليَمَاني. بدع الطواف[25]: 1- قول بعضهم: "نَوَيتُ بطوافي هذا، كذا وكذا". 2- التصويت عند تقبيل الحجر الأسود، والتبرُّك به. 3- مسابقة الإمام بالتسليم وقت الصلاة؛ لتقبيل الحَجَر الأسود. 4- لُبْس بعضهم الجوارب أثناء الطواف؛ حتى لا يطأ ذَرْقَ الحَمَامِ. 5- دعواتهم بأدعية مخصوصة عند استلام الحجر، أو عند الطواف لكل شوط، أو خلف المقام. 6- تقبيل الركن اليماني، وتقبيل الركنين الآخرين، أو استلامهما. 7- من البدع رفع اليدين عند استلام الحجر، كما يرفع للصلاة، ولكن السنة أن يشير إليه، كما تقدَّم. 8- وضع اليمنى على اليسرى حال الطواف، كما يفعل في الصلاة؛ إذ لا دليل على ذلك. 9- الدعاء الخاص تحت مِيزَاب الكعبة؛ لأنه لم يثبت في ذلك دليل. 10- التبرُّك بالعروة الوثقى - وهو موضعٌ عالٍ من جدار البيت المقابل لباب البيت - تزعم العامة: أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى. 11- قصد الطواف تحت المطر، بزعم أن مَن فعل ذلك غُفِر له ما سلف من ذنبه. 12- طواف بعضهم مُستَقبِل البيت بوجهه أو مُستَدبِره بظهره، مثل أن يَلْتَفَّ بعضهم حول رجل مُسِنٍّ، أو حول امرأة؛ حفاظًا عليهم من الزحام، فيكون بعض هؤلاء الملتفين ظهره للكعبة وبعضهم وجهه للكعبة، وكلاهما خطأ؛ لأن الصحيح أن يكون كتفه الأيسر للكعبة. ثم يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم: فإذا انتهى من الأشواط السبعة، غطَّى كتفه، ويُسَنُّ له صلاة ركعتين عند مقام إبراهيم، قال - تعالى -: ï´؟ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ï´¾ [البقرة: 125]. فعن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قدم مكة طاف بالبيت سبعًا، وأتى المقام فقرأ: ï´؟ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ï´¾ [البقرة: 125]، فصلَّى خلف المقام، ثم أتى الحجر فاستلمه[26]. ويلاحظ: 1- أنه يُسَنُّ صلاة هاتين الركعتين بعد كل طواف. 2- يُسَنُّ قراءة سورة "الكافرون" في الركعة الأولى، وسورة "الإخلاص" في الثانية؛ كما ثبت في حديث جابر عند مسلم[27]. 3- تؤدَّى هذه الصلاة في أي وقت حتى في أوقات النهي، فعن جُبَير بن مُطْعِم - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يا بَنِي عبدمناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلَّى أية ساعةٍ شاء من ليل أو نهار))[28]. 4- إذا لم يتمكَّن من أداء هاتين الركعتين خلف المقام، جاز له أن يصلِّيَها في أي مكان أمكنه داخل المسجد، فإن لم يتمكَّن أدَّاها خارجه؛ فعن أمِّ سَلَمة - رضي الله عنها - أنها طافت راكبة، فلم تصلِّ حتى خرجت[29]. • فإذا فَرَغ الحاجُّ من صلاة ركعتي الطواف، ذهب إلى زمزم، فشَرِب منها، وصبَّ على رأسه. واعلم أن الشرب من ماء زَمْزَم ليس من المناسك، بل إنه موافقة للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنه شَرِب من ماء زَمْزَم بعدما صلَّى ركعتي الطواف، كما ثَبَت ذلك في حديث جابر عند مسلم[30]، ولو تركها الحاجُّ فلا شيء عليه. • ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيكبِّر، ويستلمه على التفصيل المتقدِّم. [1] مسلم (1218). [2] رواه عبدالرزاق (8894) والبيهقي (5/79) وصححه الحافظ في التلخيص (2/247)، وهو موقوف على ابن عمر، ولم يصح في التسمية شيء مرفوع بخلاف التكبير، فقد تقدم ثبوته عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم. [3] انظر صحيح البخاري (1609)، (1605)، ومسلم (1270). [4] انظر: مناسك الحج والعمرة؛ للألباني (ص19). [5] مسلم (1268). [6] مسلم (1275)، وأبو داود (1879)، وابن ماجه (2949). [7] البخاري (1612)، (1613)، والترمذي (865)، والنسائي (5/233). [8] "الاضطباع": أن يكشف كتفه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء على كتفه الأيسر، وهذا في طواف القدوم فقط. [9] مسلم (1263)، والترمذي (856)، والنسائي (5/330)، وابن ماجه (2951). [10] البخاري (1603)، (1617)، ومسلم (1261). [11] صحيح: رواه أحمد (3/411)، وأبو داود (1892)، وابن خزيمة (2721). [12] والصحيح أن يقال: "الحِجْر" فقط؛ لأنه حُجر عن البيت، فهو من البيت أصلاً، لكنهم لما بنوا البيت قصرت بهم النفقة فحُجر هذا عنه. [13] صحيح: رواه البيهقي (5/84)، وابن أبي شيبة (3/150). [14] صحيح: انظر ابن أبي شيبة (3/151)، والبيهقي (5/84). [15] صحيح: رواه أحمد (3/411) وأبو داود (1892). [16] البخاري (1605)، ومسلم (1270). [17] البخاري (1607)، ومسلم (1272)، وأبو داود (1877)، والنسائي (5/233). [18] مجموع الفتاوى (26/121). [19] رواه النسائي (5/222)، وأحمد (3/414) (4/64)، والصحيح: أنه موقوف على ابن عباس؛ كما رجَّح ذلك ابن تيمية في مجموع الفتاوى (26/198)، وقد بيَّن ذلك بيانًا شافيًا الشيخ مصطفى العدوي - حفظه الله - في كتابه: "الجامع لأحكام النساء" (2/515)، وصحَّحه الشيخ الألباني في "الإرواء" (1102)، وفي "صحيح الجامع" (3954). [20] البخاري (294)، (5548)، ومسلم (1211)، وأبو داود (1782)، وابن ماجه (2963). [21] انظر مجموع الفتاوى (26/198). [22]الشرح الممتع (7/300). [23] البخاري (369) (1622)، ومسلم (1347)، وأبو داود (1946)، والنسائي (5/134). [24] الشرح الممتع (7/276). [25] انظر: كتاب مناسك الحج والعمرة؛ للألباني (ص 48 - 50). [26] مسلم (1218)، والترمذي (856). [27] رواه مسلم (1218)، ورواه الترمذي وقال: "حسن صحيح". [28] صحَّحه الألباني، ورواه أبو داود (1894)، والترمذي (268)، والنسائي (1/284). [29] البخاري (1626). [30] مسلم (1219)، زمزم. |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (7) الشيخ عادل يوسف العزازي أحكام الفدية وجزاء الصيد معنى الفِدْيَة: ما يُعْطَى فداءَ الشيء، ومنه فِدْيَة الأسير. وقد ذكرنا أن هناك محظوراتٍ للإحرام، فإذا وَقَع الإنسان في بعض هذه المحظورات، فعليه فِدْيَة، وهي تختلف من محظور لآخر على النحو الآتي: أقسام المحظورات بالنسبة للفِدْيَة: الأول: ما لا فِدْيَة فيه، وهو عقد النكاح. الثاني: ما فِدْيَته مغلَّظة، وهو الجِمَاع. الثالث: ما فِدْيَته الجزاء، أو بدله، وهي جزاء الصيد. الرابع: ما فِدْيَته فِدْيَة أذى، وهو بقية المحظورات. أولاً: فِدْيَة الأذى: وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة. والأصل في ذلك قوله - تعالى -: ï´؟ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ï´¾ [البقرة: 196]، هكذا على التخيير، والمحظورات التي يجب بها فِدْيَة الأذى: 1- حَلْق الرأس: لما ثَبَت في حديث كَعْب بن عُجْرة قال: كان بي أذًى من رأسي، فحُمِلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقَمْل يتناثر على وجهي، فقال: ((ما كنتُ أرى أن الجَهْد قد بلغ منك ما أرى، أتجد شَاةً؟))، قلتُ: لا، فنزلت الآية: ï´؟ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ï´¾ [البقرة: 196]، قال: ((هو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، نصف صاع لكل مسكين))، وفى رواية: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كأن هوامَّك تؤذيك؟))، فقلت: أجل، قال: ((فَاحْلِقه، واذبح شاة، أو صُمْ ثلاثة أيام، أو تصدَّق بثلاثة آصُعٍ من تمر بين ستة مساكين))[1]. 2- تقليم الأظفار، لُبْس الثياب، الطِّيب: أوجب العلماء فِدْيَة الأذى على مَن ارتكب محظورًا من هذه المحظورات السابقة؛ قياسًا على حَلْق الرأس. قال الشنقيطي: "ولا دليل عندهم للزوم الفِدْيَة في ذلك، إلا القياس على حَلْق الرأس المنصوص عليه في آية الفِدْيَة"[2]. وقال: "واعلم أنهم متَّفقون على لزوم الفِدْيَة في استعمال الطِّيب، ولا دليل من كتاب ولا سنة على أنَّ مَن استعمل الطِّيب وهو مُحْرِم يلزمه الفِدْيَة، ولكنهم قاسوا الطِّيب على حَلْق الرأس المنصوص على الفِدْيَة فيه". قلت: والذي يترجَّح لي أن ارتكاب هذه المحظورات لا يوجب الفِدْيَة؛ وإنما عليه أن يُزِيل هذا المحظور إن أمكن، ويتوب إلى الله إن كان فعل ذلك عن عَمْدٍ، لكن نقل بعضهم الإجماع على وجوب الفِدْيَة على ارتكاب هذه المحظورات، وهو الأحوط، والله أعلم. ملاحظات: 1- يُلاحظ أن الصيام لا يُشْتَرط أن يكون متتابعًا. 2- الشاة تكون من المَاعِز، أو الضَّأْن: ذكرًا أو أنثى. 3- الفِدْيَة على التَّخْيِير، فأيها فعل فقد أجزأ عنه. 4- يجوز الصيام لفِدْيَة الأذى في أي وقت، ولا يُشْتَرط في أيام الحج. 5- يجوز ذَبْح الشَّاةِ حيث شاء على الأرجح، وكذا الإطعام، ولا يُشْتَرط لها أن تكون في الحَرَم. 6- لا يجوز له الأكل من فِدْيَة الجزاء، والله أعلم. 7- الفِدْيَة إنما تجب على حَلْق الرأس الذي به إماطة الأذى، وأما حَلْق بعض الشعرات، أو بعض الرأس، فلا تجب فيه الفِدْيَة، وكذلك إذا حَلَق شعرًا آخر غير شعر الرأس، وقد سبق حكم المسألة. قال الشنقيطي - بعد أن ساق أقوال العلماء في حلق بعض الرأس، وحلق شعر الجسد - قال: "وإذا عَلِمت أقوال الأئمة - رحمهم الله - في شعر الجسد، فاعلم أني لا أعلم لشيءٍ منها مستندًا من نص كتاب أو سنة، والأظهر أنهم قاسوا شعر الجسد على شعر الرأس؛ بجامعِ أن الكل يَحْصُل بحَلْقَه الترفُّه والتنظُّف"[3]. 8- لو حَلَق شعره ناسيًا، لا شيء عليه. ثانيًا: الفِدْيَة المغلَّظة: ولا يكون ذلك إلا بالجماع، ويترتَّب على ذلك أمور: الأول: فساد الحج، وفيه تفصيل فيما يتعلَّق بفساد الحج؛ خلاصته كالآتي: • إذا جامع قبل الوقوف بعرفة فَسَد حجُّه عند الأئمة الأربعة. • إذا جامع بعد عرفة، وقبل التحلُّل الأول، فَسَد حجُّه عند الثلاثة، ولم يَفْسُد عند أبي حنيفة. • إذا جامع بعد التحلُّل الأول وقبل الثاني، لا يفسد حجُّه عند الأربعة. الثاني: المُضِي في فاسده؛ فلا يكون إفساد الحج مانعًا من إكماله. الثالث: عليه الفِدْيَة، وهو عند الثلاثة: "بَدَنة"، وعند الحنفية: "شاة" إن جامع بعد الحلق، و"بدنة" إن جامع قبله، وهناك تفصيلات في تحديد الفِدْيَة راجعها في المطوَّلات. والمرأة كالرجل فيما يجب عليها إن كانت مطاوِعة، وأمَّا إن أكرهها، فلا فِدْيَة عليها. وأما الظاهرية، فقد ذهب ابن حزم إلى أنه إذا جامع المُحْرِم بَطَل حجه، وليس عليه أن يتمادى في باطله، لكنه يُحْرم من موضعه، فإن أدرك تمام الحج فلا شيء عليه غير ذلك، كأن يكون جماعه قبل عرفة، فإنه يَنْوي الحج، ويدخل في النسك. وإن كان لا يدرك تمام الحج، فقد عصى، وأمره إلى الله تعالى، ولا هَدْي في ذلك ولا شيء، إلا أن يكون لم يحجَّ أو يعتمر قط، فعليه الحج والعمرة[4]. وما ذهب إليه ابن حزم قويٌّ معتَبر، لولا ما ثَبَت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - واستدل به الأئمة، لكان ما ذهب إليه ابن حزمٍ أرجح؛ لأنهم لم يذكروا دليلاً من كتاب ولا سنة. قال الشنقيطي: "اعلم أن غاية ما دل عليه الدليل: أن ذلك - يعني الجِمَاع - لا يجوز في الإحرام؛ لأن الله - تعالى - نصَّ على ذلك في قوله - تعالى -: ï´؟ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ï´¾ [البقرة: 197]. أما أقوالهم في فساد الحجِّ وعدم فساده، وفيما يَلْزم من ذلك، فليس على شيء من أقوالهم في ذلك دليلٌ من كتاب ولا سنَّة، وإنما يحتجُّون بآثار مروية عن الصحابة" [5]. قلتُ: من هذه الآثار ما رواه البيهقي بسنده: أن رجلاً أتى عبدالله بن عمرو يسأله عن مُحْرِم وقع بامرأته، فأشار إلى عبدالله بن عمر قال: اذهب إلى هذا فاسأله، فسأل ابن عمر فقال: بَطَل حجُّه، فقال الرجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع الناس، واصنع ما يَصْنَعون فإذا أدركت قابلاً، فحُجَّ، وَاهْدِ، فرجع إلى عبدالله بن عمرو فأخبره، فقال: اذهب إلى ابن عباس فسَلْه، فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبدالله بن عمرو، فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول أنت؟ قال: قَوْلي مثل ما قالا[6]. وجاء في بعض الروايات عن ابن عباس أن على كل واحد منهما "بَدَنة"، وفي بعضها أنهما تَكفيهما بَدَنة واحدة. ولا يُعْلَم لهؤلاء الصحابة مخالِف، فوَجَب الرجوع لفتواهم: فإن كان هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه، فهو في حكم المرفوع إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم. وإن كان ذلك عن اجتهاد منهم، فالمصير إلى اجتهادهم أَولى من اجتهاد غيرهم، وهذا ما ترجَّح عند الأئمة الأربعة، والله أعلم. وأما الدليل على أنه لو جامع بعد التحلُّل الأول وقبل التحلل الثاني؛ أي: قبل طواف الإفاضة، فحجُّه صحيح، فما ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في رجل أصاب أهلَه قبل أن يُفِيض يوم النحر فقال: "يَنْحَران جَزُورًا بينهما، وليس عليه الحج من قابل"[7]. ملاحظات: 1- إذا تعدَّد ارتكاب المحظور، فإن كان من جنس واحد، فعليه فِدْيَة واحدةٌ إذا لم يَفْدِ عن الأول، وأما إن فدى عن الأول[8]، فعليه فِدْيَة عن الثاني، وهكذا. 2- مَن فعل محظورات من أجناس مختلفة، فَدَى لكل محظور على حِدَة. 3- إذا فعل محظورًا، ثم رفض إحرامه، فعليه الفِدْيَة أيضًا، ولا يجوز رفض الإحرام أصلاً. 4- ولو رفض إحرامه، ثم ارتكب المحظور، فعليه الفِدْيَة أيضًا؛ لأنه لا يجوز رفضُ إحرامه، ولا يكون ذلك مبطلاً لحجِّه. 5- لو فعل المحظور ناسيًا، أو مكرَهًا، أو جاهلاً، فلا شيء عليه، إلا أن العلماء استثنَوا من ذلك الوطء، فقالوا: لا يسقط بالنسيان، وعليه الفِدْيَة. قال ابن عثيمين: "والصحيح أن المعذور بجهل، أو نسيان، أو إكراه، لا يترتَّب على فعله شيء أصلاً، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لُبْس المَخِيط، ولا في شيء" [9]. ثالثًا جزاء الصيد: قال - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ï´¾ [المائدة: 95]. وفي ذلك مسائل: 1- أجمع العلماء على أن المحرم إذا صاد متعمدًا ذاكرًا لإحرامه، فعليه الجزاء المذكور في الآية. 2- الراجح أن الناسي لإحرامه والمخطِئَ، لا شيء عليهما؛ لقوله في الآية: ï´؟ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ï´¾ [المائدة: 95]. والمقصود متعمِّد القتل مع تذكُّر الإحرام. 3- إذا تعدَّد الصيد، وجب عليه الجزاء في كل مرة، حتى إنه لو أصاب بسهم أكثر من صيد، وجب عليه في كل واحد جزاءٌ. 4- إذا اشتركوا جميعًا في قتل صيد، فهل على كل واحد جزاء، أم يشتركون جميعًا في جزاء واحد؟ فيه خلاف، والذي أفتى به ابن عمر، وابن عباس، أنهم مشتركون في جزاء واحد. 5- الراجح أن الصيد الذي قتله المُحْرِم لا يجوز له أكله، ولا لغيره، وهو مَيْتة، سواء كان ذلك عن عَمْد أو خطأ أو نسيان. 6- معنى قوله - تعالى -: ï´؟ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ï´¾ [المائدة: 95]؛ أي: جزاؤه أن يُهْدِي مثله من النَّعِم، وهي: الإبل، والبقر، والغنم، فينظر في الصيد، فإن كان له مشابه من النَّعَم بحكم اثنين من ذوي العدل، أَهْدى هذا المثل. 7- ما حكم فيه الصحابة وكذا التابعون، وجب المصير إليه؛ لأنهم من ذوي العدل؛ فوجب الرجوع إلى حكمهم. 8- قاتل الصيد مخيَّر بين واحد من ثلاثة: الهدي، أو الإطعام، أو الصيام؛ وهذا إذا كان للصيد ï´؟ مِثْل ï´¾ من ï´؟ النَّعَم ï´¾، وأما إذا لم يكن له ï´؟ مِثْل ï´¾، فهو مخيَّر بين الإطعام والصيام. 9- المقصود "بالمِثْل" المشابهة في الصورة والخِلْقة. 10- إذا اختار قاتل الصيد "المثل" من النَّعَم، وجب أن يذبحه في الحرم، ويوَزِّعه على فقراء الحرم؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ï´¾ [المائدة: 95]. وأمَّا الإطعام والصيام، فلا يشترط أن يكونا بالحَرَم؛ لأن الآية لم تنص على بلوغه الكعبة إلا على الهَدْي. 11- إذا أراد الإطعام، أطعم مساكين حتى يُشْبِعهم، واختلفوا في عدد المساكين الذين يجب إطعامهم، والراجح ما ذهب إليه ابن حزم: أقلُّهم ثلاثة؛ لأن الله - تعالى - قال: ï´؟ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ï´¾ [المائدة: 95]، ولم يحدِّد عددًا، وأن لفظ ï´؟ مَسَاكِينَ ï´¾ [المائدة: 95]، جمْع، وأقل الجمع ثلاثة. ورأى بعض أهل العلم أن يقوِّم الصيد، ويشتري بثمنه طعامًا ويطعم به، لكل مسكين صاع، فمَن أخذ بهذا الرأي، فهو أحوط له، وإلا فالرأي الأول قويٌّ معتبر. 12- وإن أراد الصيام، نظر إلى عدد ما يُشْبِع هذا الصيد من الناس، فصام بدل كل إنسان يومًا؛ لأن الله قال: ï´؟ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ï´¾ [المائدة: 95]. 13- في بيان ما حكم به الصحابة والتابعون: • في النعامة: بَدَنة. • وفي حمار، وثور الوحش، وشاة الوحش، وتسمَّى "الأُرْوِيَّة": بقرة. • وفي الغزال، والوَعْل - وهو التيس الجبلي- والظبي: عَنْزة. • وفي الضَّب، واليَرْبُوع، والأرنب: جَدْي. • وفي الحمامة، وكل ما عَبَّ وهَدَر من الطير: شاة. • وفي الحُبَارى، والإِوَزِّ البري، والبُرَك البحري، والدَّجَاج الحبشي، والكَرَوان: شاة. [1] البخاري (1816)، (4517)، ومسلم (1201). [2] أضواء البيان (5/406). [3] أضواء البيان (5/400 - 401). [4] المحلى (7/375)، المسألة (857) من كتاب الحج. [5] أضواء البيان (5/381 - 382). [6] رواه البيهقي (5/167) وقال: هذا إسناد صحيح، والحاكم (5/167)، وصحَّحه الألباني في الإرواء (1043). [7] صحيح: رواه مالك (1/384)، والدارقطني (2/272)، والبيهقي (5/171). [8] ويستثنى من ذلك جزاء الصيد، وسيأتي. [9] الشرح الممتع (7/231). |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (8) الشيخ عادل يوسف العزازي أعمال يوم النحر فإذا رمى الجمرة، فقد حَلَّ الإحلال الأول: والمقصود: أن المُحْرِم محظورٌ عليه أمور كما تقدَّم في محظورات الإحرام، لكنه بعد رَمْي الجَمْرة يوم النحر، يتحلَّل من هذه المحظورات كلها إلا النساء، يعني: يباح له كل شيء كان مُحَرَّمًا عليه إلا النساء؛ أعني: الجِمَاع، ويسمى هذا "التحلُّل الأول"، وأمَّا "التحلل الثاني" الكامل - حتى من النساء - فذلك بعد طواف الإفاضة في هذا اليوم؛ وذلك لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رَمَيتم الجمرة، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء...))[1]. هذا، وقد ذهب بعض أهل العلم: أنه لا يحِلُّ إلا بعد الرمي والحلق، وفي المسألة أقوال، وما ذكرناه أولاً هو الأرجح، والله أعلم. وعلى ذلك، فله بعد الرمي أن يَلْبَس ثيابه ويتطيَّب، وأُبِيح له كل شيء كان مُحرَّمًا عليه إلا النساء. ثم يَنْحَر الهَدْي: ففي حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "ثم انصرف إلى المَنْحَر، فنَحَر ثلاثًا وستين بَدَنة بيده، ثم أعطى عليًّا، فنَحَر ما غبر، وأشركه في هَدْيه"[2]. ومعنى "ما غبر": ما تبقَّى، وكان مجموع هَدْيه مائة بَدَنة. ويجوز له أن يَنْحَر في أي مكان آخر من مِنى غير المَنْحَر، وكذلك يجوز له أن يَنْحَر بمكة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نَحَرتُ ههنا، ومِنى كلها مَنْحَر))، وفي بعض الروايات: ((وكل فِجَاج مكة طريقٌ ومَنْحَر))[3]. واعلم أنه يجوز أن يَنْحَر أو يَذْبَح بنفسه، ويجوز له أن يُنِيب غيره عنه. ويُسْتَحب له أن يأكل من هَدْيه؛ لما ثَبَت عن جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما نحر الهدي: "... ثم أمر من كل بَدَنة ببَضْعَة فجُعِلت في قِدْر، فطُبِخت، فأكلا من لحمها، وشَرِبا من مَرَقِها"[4]. وذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها. وسيأتي مزيد لبيان أحكام الهَدْي. ثم يَحْلِق أو يقصِّر: والأفضل الحلق؛ لما ثَبَت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((وللمقصِّرين))[5]. ويجوز أن يَحْلِق لنفسه أو يَحْلِق له غيره، والسنة أن يبدأ الحَلْق بيمين المحلوق؛ لما ثَبَت في حديث أنس - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمِنى ونَحَر، ثم قال للحلاق: ((خُذْ))، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس"[6]. والصحيح: أن يَحْلِق جميع رأسه، أو يقصِّر جميع رأسه، ولا يكتفى بحَلْق أو تقصير بعضه. وهذا الحَلْق خاصٌّ بالرجال، وأما النساء، فليس عليهن إلا التقصير؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على النساء حلق؛ إنما على النساء التقصير)).[7] فتقصِّر المرأة قدر أُنْمُلة من كل ضَفِيرة. تنبيه: هذا الحَلْق في المناسك عبادة ونسك يؤجر عليها العبد، وأمَّا فيما عدا ذلك، فيختلف باختلاف النية على النحو الآتي: (أ) فإن كان يَحْلِق شعره تعبدًا، نقول: هذه بدعة؛ إذ لم يُشْرَع الحلق إلا في المناسك، وكان من علامات الخوارج الحَلْق، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في وصفهم: ((سيماهم التحليق))[8]. (ب) وإن كان للترفُّه والتنزُّه، فلا بأس به، ويكون من فعل المباح. [9] ثم يُفِيض إلى مكة، ويطوف طواف الإفاضة، وذلك في نفس يوم النحر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في يوم العيد، كما ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم: فيطوف سبعًا حول البيت، كما تقدَّم، غير أنه لا يَضْطَبِع، ولا يَرْمُل. وهذا الطواف يقال له: طواف "الإفاضة"، وطواف "الزيارة"، وطواف "الركن". ثم يصلِّي ركعتين عند مقام إبراهيم، كما تقدَّم وصف ذلك[10]. واعلم أنه يجوز أن يؤخِّر طواف الإفاضة إلى آخر شهر ذي الحجة، ولا يجوز تأخيره عن ذلك إلا إذا كان هناك عذر. ملاحظات: (1) قلنا: إنه يجوز تأخير طواف الإفاضة عن يوم العيد، لكنه في هذه الحالة: هل يعود إلى إحرامه، أم أنه على حله الأول؟ الجواب: الذي عليه جمهور أهل العلم أنه على حِلِّه الأول حتى لو أخَّر طوافه إلى ما بعد الغروب، وهو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله. وذهب بعض التابعين، منهم عُرْوة بن الزبير، إلى أنه إذا لم يَطُف قبل غروب الشمس يوم النحر، عاد مُحْرِمًا كما كان قبل رمي الجمرة، فعليه أن يَنْزِع ثيابه، ويَلْبَس ملابس الإحرام كما كان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا يوم رخِّص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة، أن تحِلُّوا من كل ما حُرِمتم منه إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تَطُوفوا هذا البيت، صرتم حُرمًا لهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة، قبل أن تطوفوا به))[11]. وهذا الرأي اعتمده الشيخ الألباني بعدما صحَّح الحديث. (2) راجع أحكام الطواف، وقد تقدَّم. (3) يجوز للمرأة استخدام ما يرفع عنها دمَ الحيض؛ حتى تتمكن من طواف الإفاضة، خاصة إذا خَشِيت تخلُّفها عن رُفْقَتها، وأرى: أنه إذا لم تَخَف ذلك، فإنها تترك الأمر كما هو، ولا تستخدم ما يرفع الدم عنها، وعليها أن تأتي بالطواف متى طَهُرت. ويشرب من ماء زمزم. ثم يَسْعَى بين الصفا والمروة: وهذا السَّعْي للمتمتِّع فقط؛ فإنه يجب عليه، وأما القارِن والمُفْرِد؛ فإنه إذا كان سَعَى بعد طواف القدوم، فلا يَلْزَمه هذا السعي، وإن كان لم يَسْعَ سَعَى هذا السعي. تنبيهات: (أ) إذا انتهى من طوافه ذاك، فقد حَلَّ له كل شيء، ويسمَّى التحلل الأكبر، فيَحِل له كل شيء حتى النساء. (ب) وله أن يقدِّم أو يؤخِّر أعمال المناسك في هذا اليوم: الأصل أن يرتِّب الحاجُّ أعمال الحج يوم النحر على الترتيب السابق: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي. لكنه يجوز أن يقدِّم بعضها على بعض؛ لما ثبت عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: "سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل يوم النحر، وهو واقف عند الجمرة، فقال: يا رسول الله، حلقتُ قبل أن أرمي؟ قال: ((ارمِ ولا حرج))، وأتى آخر فقال: إني أَفَضْتُ إلى البيت قبل أن أرمي؟ قال: ((ارم ولا حرج)). وفي رواية: فما سُئِل يومئذٍ عن شيءٍ إلا قال: ((افعل ولا حرج))[12]. قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "وقال بعض المحقِّقين - كابن دقيق العيد وغيره -: إن هذا إنما يكون لمن كان معذورًا؛ لأنه في بعض ألفاظ الحديث: "لم أشعر، فظننت أن كذا قبل كذا"، قال: ((افعل ولا حرج)). ولكن لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((افعل))، فقال: ((افعل ولا حرج))، وهي للمستقبل، ولم يقتصر على قوله: ((لا حرج))، علم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل، وبين الذاكر والعالم، وهذا كما أنه ظاهر الأدلة، فهو الموافق لمقاصد الدين الإسلامي في مثل هذه الأزمان؛ لأن ذلك أيسر للناس" [13]. (جـ) ويخطب الإمام يوم النحر: يستحب للإمام أن يَخْطُب الناس يوم النحر يعلِّمهم فيها أحكام الحج ويَعِظهم، فعن الهِرْمَاس بن زياد - رضي الله عنه - قال: "رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُب على ناقته العَضْبَاء يوم الأضحى بمِنى"[14]. وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: "خَطَبَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، فقال: ((أتدرون أي يوم هذا؟))، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيُسَمِّيه بغير اسمه، فقال: ((أليس ذا الحجة؟))، قلنا: بلى، قال: ((أي بلد هذا؟))، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيُسَمِّيه بغير اسمه، قال: ((أليست البلدة؟))، قلنا: نعم، قال: ((فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلَّغت؟))، قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد، فلُيْبِلغ الشاهدُ الغائبَ، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلا تَرْجِعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))[15]. [1] رواه أحمد (1/234) مرفوعًا، ورواه أحمد (1/344)، والنسائي (5/277)، وابن ماجه (3041) موقوفًا، وثبت نحوه عن عائشة مرفوعًا: رواه أحمد (6/143)، وأبو داود (1978)، وسنده ضعيف، والحديث صحَّحه الألباني لشواهده في الصحيحة، كما أشار إلى ذلك في الإرواء (4/235). [2] حسن: رواه أبو داود (1764)، وابن ماجه (3074). [3] صحيح: رواه أبو داود (1937)، وابن ماجه (3048). [4] مسلم (1218). [5] البخاري (1727)، ومسلم (1302)، وأبو داود (1979)، والترمذي (913)، وابن ماجه (3043). [6] مسلم (1305) وإعطاؤه شعره للناس يتبركون به: خاصٌّ بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وآثاره، فلا يجوز الاستدلال بمثل هذا على التبرُّك بآثار الصالحين. [7] صحيح: رواه أبو داود (1985)، وانظر: الصحيحة للألباني (605). [8] البخاري (7562)، وأبو داود (4765)، وابن ماجه (175). [9] أفاد هذا الحكم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى. [10] أي: بعد طواف القدوم. [11] رواه أبو داود (1999)، وأحمد (6/295)، وصحَّحه الشيخ الألباني. [12] البخاري (1736، 1737)، ومسلم (6 130). [13] الشرح الممتع (7/367 - 368). [14] صحيح: رواه أحمد (5/7)، وأبو داود (1954). [15] البخاري (1739)، ورواه أحمد (5/37، 39، 45). |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (8) الشيخ عادل يوسف العزازي المبيت بمنى ثم يَرْجِع فيَبِيت بمِنى أيام التشريق: يَبِيت بمِنى ثلاثة أيام إن تأخَّر، وأمَّا إن تعجَّل، فيَبِيت يومين؛ لقوله -تعالى-: ï´؟ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ï´¾ [البقرة: 203]. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أفاض[1] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين صلَّى الظهر، ثم رَجَع إلى مِنى، فأقام بها أيام التشريق الثلاث يَرْمِي الجمار - حين تزول الشمس - بسبع حَصَيات كل جمرة، ويكبِّر مع كل حَصَاة تكبيرةً، يقف عند الأولى وعند الوسطى ببطن الوادي، فيُطِيل المقام، وينصرف إذا رمى الكبرى، ولا يقف عندها"[2]. ويتعلَّق بذلك مسائل: أولاً: معنى المَبِيت بمِنى: ليس المقصود الاضطجاع والنوم، وإنما المقصود المُكْث بها، على أي صفة كان، سواء كان مضطجعًا، أو نائمًا، أو واقفًا، أو جالسًا، وإن كان الأفضل النوم؛ اقتداءً برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. ثانيًا: حكم المَبِيت بمنى: ذهب الجمهور: إلى أن المَبِيت بمِنى واجب، ودليلهم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخَّص للرُّعَاة أن يتركوا المَبِيت بمنى[3]، وهذا يدل على أن غيرهم يجب عليهم المَبِيت، ولا يرخص لهم ترك المَبِيت، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خُذُوا عني مناسككم))، وقد بات النبي -صلى الله عليه وسلم- بمِنى، وهذا الرأي هو الراجح، والله أعلم. وذهب الأحناف إلى أنه سنَّة، وهو ما رجحه ابن حزم في المحلَّى. ثالثًا: وقت المَبِيت بمِنى: لم تفصِّل النصوص وقت المَبِيت من الليل، والراجح أنه متى بات بمِنى في أولها، أو آخرها، أو الليل كله، أو بعضه، أن ذلك كله يجزئه. قال مجاهد: "لا بأس بأن يكون أول الليل بمكة، وآخره بمِنى، أو أول الليل بمِنى وآخره بمكة". قال ابن عثيمين - رحمه الله -: "ولكن، ليعلم أن المَبِيت في منى ليس بذلك المؤكَّد كالرمي مثلاً... ولهذا يخطئ بعض الناس - فيما نرى - فإذا قيل له: رجل لم يَبِت في مِنى ليلة واحدة، قال: عليه دمٌ، ثم يقول الشيخ - متعجبًا -: "عليه دمٌ بليلة واحدة؟". رابعًا: ماذا عليه إذا لم يَبِت بمنى؟ يرى جمهور العلماء: أن عليه دمًا؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج. ويرى ابن حزم وغيره: أنه أساء، ولا شيء عليه. وهذا الخلاف مبني على الخلاف السابق في حكم المَبِيت بمِنى. وهذا الحُكم إنما هو لمن ترك المَبِيت الأيام الثلاثة، أمَّا من ترك المَبِيت ليلة - مثلاً - فلا تلزمهُ بدمٍ؛ لأنه أتى بجنس المَبِيت، وإن كان فاته الأكمل. خامسًا: يرخَّص لذوي الأعذار ترك المَبِيت: في الحديث: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخَّص لعمه العباس أن يَبِيت بمكة من أجل السِّقَاية[4]، وقد ذهب ابن عثيمين إلى أن هذه الرخصة تشمل الذين يشتغلون أيضًا بمصالح الحَجِيج؛ كرجال المرور، والأطباء في المستشفيات، ومَن يقومون بصيانة أنابيب المياه، ونحوهم. ويَرْمِي الجمرات الثلاثة كل يوم: وهذه الجمرات على الترتيب هي: الجمرة الصغرى، والوسطى، والكبرى "وهي جمرة العقبة". وأما ما يتعلَّق بهذا الرمي، فبيانه كما يلي: 1- وقت الرَّمْي: يبدأ وقت الرَّمْي في أيام التشريق بعد زوال الشمس؛ أي: وقت صلاة الظهر، كما تقدَّم في حديث عائشة. ولكن متى ينتهي وقت الرمي؟ ذهب كثير من العلماء إلى أن آخر وقت الرمي حتى غروب شمسِ كلِّ يومٍ من الأيام الثلاثة؛ لأنه عبادة نهارية، فتنتهي بالنهار. والراجح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحدِّد ذلك، بل ثَبَت في صحيح البخاري: أن رجلاً قال: رَمَيتُ بعدما أمسيتُ؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا حرج))[5]، ولم يَستَفصِل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أي وقت المساء؛ فدلَّ ذلك على الجواز مطلقًا. وعليه؛ فمَن تيسَّر له الرَّمْي بالنهار، كان أَولى، وإلا فلا حرج عليه لو رمى مساءً، والله أعلم. 2- ترتيب الرَّمْي: ويبدأ الرمي بالجمرة الأولى، وهي الجمرة الصغرى، وهي الأقرب إلى مسجد الخَيْف، فيرميها بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة، ثم يستقبل القبلة، ويرفع يديه ويدعو دعاءً طويلاً. ثم يأتي الجمرة الوسطى فيرميها كذلك بسبع حَصَيات، ويقف للدعاء كذلك. ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها كذلك على أن يجعل الكعبة عن يساره ومِنى عن يمينه إن أمكن، ولا يقف عندها للدعاء، بل ينصرف. ويفعل كذلك في اليوم الثاني والثالث. حكم مَن ترك رمي الجمرات: الذي عليه جمهور العلماء: أن رَمْي الجمرات واجب، وأنه إذا ترك رمي الجمرات يكون عليه دمٌ. ملاحظات: 1- صفة الرمي، وصفة الحصى تقدَّم بيانها عند رمي جمرة العقبة. 2- لا يجوز أن يَرْمِي قبل الزوال؛ فمَن فعل، فإنه لا يجزئه على الراجح. 3- يجب الترتيب برمي الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى؛ لفعله -صلى الله عليه وسلم- ذلك مع قوله: ((خُذُوا عني مناسككم)). 4- يجوز لأصحاب الأعذار ممن يقومون على خدمة الحَجِيج أن يجمعوا رَمْي يومين في يوم واحد؛ فعن عاصم بن عدي - رضي الله عنه - قال: "رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرِعَاء الإبل في البَيْتُوتة أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رَمْي يومين بعد النحر، فيرمونه في أحدهما"[6]. ومعنى "رخص لهم في البَيْتُوتة"؛ أي: في ترك المَبِيت بمِنى. قال ابن القيم: "وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رخَّص لأهل السِّقَاية، وللرِّعَاء في البَيْتُوتة، فمَن له مالٌ يخاف ضياعه، أو مريض يخاف من تخلُّفه عنه، أو كان مريضًا لا تمكنه البَيْتُوتة، سقطت عنه؛ بتنبيه النص على هؤلاء، والله أعلم"[7]. ويلاحظ أنه إذا جمع رمي يومين مثلاً، أن يرميهم بالترتيب، فيرمي الصغرى بسبع حصيات، ثم الوسطى بسبع حصيات، ثم الكبرى بسبع حصيات عن اليوم الأول، ثم يعود فيرميهم كذلك مرتبة عن اليوم الثاني، ولا يجزئه أن يرمي كل واحدة بأربع عشرة حصاة مجتمعة عن اليومين. ومن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه. والمقصود باليومين: الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحجة، ويشترط لمن أراد أن يتعجَّل أن يخرج من مِنى قبل الغروب، فإن جلس إلى الغروب لزمه المَبِيت الليلة الثالثة، وهي ليلة الثالث عشر من ذي الحجة. وإذا عزم على الخروج وحمل متاعه، لكنه تأخَّر في المسير حتى غابت الشمس لعذر كزحام الطريق مثلاً، فلا شيء عليه، وليستمر في الخروج؛ لأنه حُبِس بغير اختياره. فإذا عزم على الرحيل طاف طواف الوداع: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفَّف عن المرأة الحائض"[8]. حُكمه: طواف الوداع واجب على من أراد الخروج من مكة؛ للحديث السابق، ولا يُستثنى من ذلك إلا الحائض، بشرط أن تكون طافت قبل ذلك طواف الإفاضة، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلتُ: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى صفيَّة إلا حَابِسَتَنا، قال: ((ما شأنها؟))، قلتُ: حاضت، قال: ((أما كانت طافت قبل ذلك؟))، قلت: بلى، ولكنها حاضت، قال: ((فلا حَبْسَ عليها، فلتَنْفِر))[9]. والقول بوجوب طواف الوداع هو مذهب الجمهور، وذهب مالك وأبو داود وابن المنذر إلى: أنه سنَّة لا شيء في تركه. والمشهور عند أهل العلم أن عليه دمًا إذا ترك طواف الوداع، وقد استدلُّوا بأثرٍ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "مَن ترك شيئًا من نُسُكه أو نَسِيه، فليُهْرِق دمًا"[10]. ملاحظات: 1- إذا تأخَّر بعد طواف الوداع لشراء شيء في طريقه، أو لانتظار رُفْقة، فلا شيء عليه. 2- ليس في طواف الوداع رَمَل ولا اضطباع[11]، ولا يَلْزمه أن يَلْبَس ملابس الإحرام، بل يَطُوف بملابسه العادية. 3- من البدع: رجوع بعض الناس عن الكعبة القَهْقَرى - أي: الرجوع إلى الخلف - مودِّعين البيت، ويقفون عند الباب، ويكبِّرون ثلاثًا قائلين: السلام عليك يا بيت الله، فهذا كله لا دليل عليه، بل عليه الخروج لوجهه لا يتكلَّف صفة معينة؛ لأن خير الهَدْي هَدْي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم. 4- إذا أخَّر طواف الإفاضة، ثم أراد الخروج من مكة أجزأه طوافه الأخير عن طواف الوداع مع طواف الإفاضة، بشرط إحضار النية لطواف الإفاضة، أو للطوافين معًا. ولا يَنْوِ الوداع فقط، حتى لو كان متمتعًا يحتاج إلى السعي بعد هذا الطواف، فلا بأس بذلك، ولا يلزمه طواف آخر؛ لأن هذا الفصل - أعني السعي - قبل الانصراف لا يضر، ومعلوم أن النبي-صلى الله عليه وسلم- طاف للوداع، ثم صلَّى صلاة الفجر، وقرأ بسورة الطور، ولم يَثْبُت أنه أعاد طواف الوداع رغْم هذا الفاصل. [1] - أي: طاف طواف الإفاضة، وقد تقدَّمت أحكامه. [2] حسن: أحمد (6/90)، وأبو داود (1973)، وابن حبان (3868). [3] انظر: صحيح البخاري (1743)، ومسلم (1315). [4] البخاري (1745)، ومسلم (1315). [5] البخاري (1735). [6] صحَّحه الألباني: رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، والنسائي (5/273)، وابن ماجه (3037)، وأحمد (5/450)، وصحَّحه الألباني في الإرواء (1080). [7] زاد المعاد (2/290). [8] البخاري (329)، (1760)، ومسلم (1327). [9] البخاري (328)، ومسلم (1211). [10] رواه مالك في الموطأ (1/419/240)، ومن طريقه رواه البيهقي (5/152). [11] تقدم معناهما. |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (9) الشيخ عادل يوسف العزازي أركان وواجبات الحج وأحكام العمرة أركان وواجبات الحج: تقدَّم صفة أعمال الحج، وقد قسَّم العلماء أعمال الحج إلى أركان، وواجبات، وسنن، ونجمل هذا فيما يلي. أولاً: الأركان: 1- الإحرام. 2- الوقوف بعرفة. 3- طواف الإفاضة. 4- السَّعْي بين الصفا والمروة. ثانيًا: الواجبات: 1- أن يكون الإحرام من المِيقَات. 2- المَبِيت بالمُزْدَلِفة، وفيه خلاف. 3- المَبِيت بمِنى لغير أصحاب الأعذار. 4- رَمْي الجِمَار. 5- الحَلْق أو التقصير. 6- طواف الوداع. تنبيه: ذكروا أيضًا من الواجبات: امتداد الوقوف بعرفة إلى ما بعد الغروب، وقد تقدَّم ترجيح أن ذلك هو الأكمل، لكنه لو دفع قبل الغروب فلا شيء عليه. ثالثًا: السُّنَن: وهي غير ما ذُكِر من الأركان والواجبات. أحكام العمرة: العمرة واجبة مرَّة في العمر على الراجح من أقوال أهل العلم. ملخَّص أعمال العمرة: • إذا وصل المِيقَات أَحْرَم بالعمرة، كما تقدَّم في وصف الإحرام. • ثم يلبِّي حتى يَصِل مكة. • ثم يَطُوف بالبيت سبعًا، كما سبق بيان ذلك في موضعه. • وبعدها يصلِّي ركعتين خلف مقام إبراهيم. • ثم يستلم الحجر الأسود - وله أن يَشْرَب بعد ذلك من ماء زَمْزَم. • ثم يَسْعَى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم يَحْلِق أو يقصِّر، وبهذا تنتهي أعمال العمرة. تنبيه: راجع كلَّ عمل من أعمال العمرة في موضعه مما سبق. أولاً: أركان العمرة: 1- الإحرام. 2- الطواف. 3- السَّعْي بين الصفا والمروة. ثانيًا: واجبات العمرة: 1- أن يكون الإحرام من المِيقَات. 2- الحَلْق أو التقصير. حكم مَن ترك واجبًا أو ركنًا في الحج أو العمرة: أمَّا مَن ترك نيَّة الإحرام، فلم ينعقد إحرامه أصلاً، فلا يصح حجُّه. وأمَّا مَن ترك ركنًا من الأركان، كالطواف، أو السعي، فيلزمه الإتيان به، إلا إذا فات وقته كالوقوف بعرفة، فقد فاته الحج. وأمَّا مَن ترك واجبًا، فعليه دمٌ، والمقصود بالدمِ: سُبُع بَدَنة، أو سُبع بقرة؛ أي: يشارك سبعة فيها، أو واحدة من الضَّأْن أو المَعز؛ وذلك لما ثَبَت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "مَن ترك شيئًا من نُسُكه أو نَسِيه، فليُهْرِق دمًا"[1]، وهذا موقوف على ابن عباس؛ فإن كان ذلك مما لا يُقَال بالرأي، فهو في حكم المرفوع، وإن كان قاله عن اجتهاد، فالقول به أَولى؛ لأنه لا يُعْلَم له مخالف، ولأن فيه إلزامًا للحاجِّ بتعظيم النسك، هذا ما أفاده ابن عثيمين [2]. فإذا لم يجد الهَدْي، فلا شيء عليه، وعليه الاستغفار والتوبة. حكم تَكْرار العمرة: نشاهد المعتمِرين يذهبون إلى التَّنْعِيم، من حين لآخر فترةَ وجودِهم بمكة يُهِلُّون بعمرة وأخرى، وهكذا. والصحيح أن هذا الصنيع لا يجوز؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَثْبُت عنه أنه اعتمر في السفر الواحد أكثر من عمرة، ولم يَثْبُت ذلك - أيضًا - عن أحدٍ من الصحابة، وأمَّا ما استدل به القائلون بجواز ذلك: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن يُرْدِف عائشة - رضي الله عنها - ويُعْمِرها من التَّنْعِيم، فجوابه: أن هذا الصنيع خاصٌّ بعائشة - رضي الله عنها - وبمن كانت مشابهةً لها في حكمها؛ فإن عائشة - رضي الله عنها - لما حجَّت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حاضت قبل أن تَطُوف بالبيت، وظلَّت على إحرامها، حتى كان يوم عرفة شَكَت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ارفُضِي عُمْرتك، وانقُضِي رَأْسَك، وامتَشِطي، وأَهِلِّي بالحج))، قالت: فلما كان ليلة الحَصْبة، أرسل معي عبدالرحمن إلى التَّنْعِيم، فأَهْلَلتُ عُمْرة مكان عُمْرتي[3]؛ أي: عمرة مستقلَّة، وإلا فالراجح أن عائشة أَدْخَلت الحج على العمرة فصارت قارِنة، لكنها لم تَطِب نفسُها حتى تؤدِّيَ عمرة كاملة، فأَذِن لها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. وعلى ذلك نقول: مَن أدركها الحيض، ولم تَطُف بالبيت طواف العمرة حتى تأتي أيام الحج، فإنها تُكْمِل مناسك الحج، وتُدْخِل الحجَّ على العمرة فتكون قارِنة، ولها أن تؤدِّي عمرة مستقلَّة بعد الحج، كعائشة - رضي الله عنها. وأمَّا غيرها، فمَن لم يكن حالها هكذا، فلا يشرع لها أداء عمرة أخرى، ومما يؤيِّد ذلك أن عبدالرحمن أخا عائشة الذي خرج معها إلى التَّنْعِيم لم يَعْتَمِر معها، مع حرصهم الشديد على فعل الخيرات، وأيضًا فلم يَثْبُت أن أحدًا من الصحابة كان يفعله، ولم يَثْبُت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدَّى في السفر الواحد إلا عمرةً واحدة، وقد اعتمر - صلى الله عليه وسلم - أربع عُمَر، كلُّهن في ذي القعدة، ولو كان تَكرار العمرة مشروعًا، لفعله - صلى الله عليه وسلم - ولو مرَّة، أو فعله الصحابة. [1] رواه مالك في الموطأ (1/419/240)، ومن طريقه البيهقي (5/152). [2] راجع: الشرح الممتع (7/438 - 440). [3] البخاري (1783)، ومسلم (1211). |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (10) الشيخ عادل يوسف العزازي الفوات والإحصار معناه: معنى الفَوَات: أن يُسْبَق فلا يُدْرِك، كأن يَذْهَب إلى الحج وقد فاته الوقوفُ بعرفة. ومعنى الإحصار: الحَبْس والمنع؛ أي: يُمْنَع عن إتمام النُّسُك. دليل مشروعيته: قول الله -تعالى-: ï´؟ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ï´¾ [البقرة: 196]. حكم الفَوَات: إذا فاته الوقوف بعرفة؛ بمعنى: أنه لم يُدْرِك الوقوف بها في أي وقت من الليل أو النهار، فقد فاته الحج، وعلى ذلك فحكمه كالآتي: 1- إن كان اشترط في إحرامه: "فمَحِلِّي حيث حبستني"، تحلَّل ولا شيء عليه؛ أي: إنه يخلع ملابس الإحرام، ويَلْبَس ملابسه الأخرى، ويرجع إلى أهله. والأَوْلى: أن يتحلَّل بعمرة إن أمكنه، فيُتِم أعمال العمرة: بأن يذهب إلى مكة، فيَطُوف، ويَسْعَى، ثم يحلق أو يقصر. 2- وإن كان لم يشترط، تحلَّل، وعليه القضاء إن كان الحج واجبًا، واختلفوا إن كان تطوُّعًا، هل يجب عليه القضاء أم لا؟ على قولين، رجَّح شيخ الإسلام عدمَ وجوبِه، ورجح ابن عثيمين وجوب القضاء. واختلفوا كذلك هل يجب عليه هَدْي أم لا؟ وليس هناك دليل يوجب ذلك؛ فالراجح عدمه. حكم الإحصار: مَن صُدَّ عن البيت بعدوٍّ، أَهْدَى؛ أي: ذَبَح الهَدْي، إذا كان ساق الهَدْي معه، ثم حَلَق؛ لأن الله -تعالى- قال: ï´؟ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ï´¾ [البقرة: 196]. وكذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه يوم الحُدَيْبِيَة بالحَلْق أو التقصير. وأمَّا إن كان المحصر قد اشترط عند إحرامه: "مَحِلِّي حيث حَبَستني"؛ فإنه يتحلَّل، ولا شيء عليه. ملاحظات: 1- الراجح أن هذا الهدي يكون واجبًا لمن ساقه، وأمَّا مَن لم يَسُقِ الهَدْي، فلا شيء عليه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُلْزِم كل مَن كان معه من الصحابة يوم الحُدَيْبِية بشراء الهَدْي، ومعلوم أن فيهم فقراء لم يكونوا ساقوا الهَدْي معهم. 2- الصحيح أن نَحْرَ الهَدْي إنما يكون في المكان الذي أُحْصِر فيه، ولا يَلْزَمه إرساله إلى الحرم ليُذْبَح هناك. 3- اختلفوا في حقيقة الإحصار: فيرى بعضهم أنه لا يكون إلا مَن حُصِر بعدو، والراجح أنه متى مُنِع عن البيت بعدو أو بغيره، كمن حُصِر لمرض، أو ذَهَاب نفقة ونحو ذلك، فحكمه سواء. 4- إذا أُحْصِر عن واجب كمَن يُمْنَع الوقوف في مُزْدَلِفة، فإنه لا يتحلَّل؛ لأنه يمكنه جبرُه بالدمِ. 5- الصحيح أنه لا قضاء على المُحْصَر؛ لأنه لم يَثْبُت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أحدًا أن يَقضِيَ شيئًا يوم الحُدَيْبِية، إلا أن يكون أُحْصِر عن حجَّة الفريضة، فعليه قضاؤها، وهذا هو الثابت عن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما. 6- لا يَأكُل المُحْرِم من هَدْي الإحصار. |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (11) الشيخ عادل يوسف العزازي الهدي معنى الهدي: ما يُهْدَى من النَّعَم إلى الحرم؛ تقربًا إلى الله - عزَّ وجلَّ. • من أي شيء يكون الهَدْى؟ يكون الهَدْي من بَهِيمة الأنعام، وهي: الإِبِل، والبقر، والغَنَم. وأقل ما يُجْزِئ في الهَدْي: شاة - ضَأْن، أو مَعْز - أو سُبُع بَدَنة، أو سُبع بقرة؛ يعني: يشارك سَبْعة في بَدَنة - وهو: الجمل - أو بقرة. فعن جابر - رضي الله عنه - قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشترك في الإبل، والبقر: كلُّ سبعةٍ منا في بَدَنةٍ"[1]. قال ابن القيم: "فأَهْدَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغَنَم، وأَهْدَى الإِبِل، وأَهْدَى عن نسائه البَقَر، وأَهْدَى في مُقَامه، وفي عُمْرته، وفي حجَّته"[2]، ومعنى "في مُقَامه"؛ أي: وهو مقيم في وطنه، غير معتمِر أو حاجٍّ. أقسامه: الهَدْي: منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحبٌّ. أولاً: الهَدْي المُستَحبُّ: 1- ما يُهْدِيه المُفْرِد، أو يُهْدِيه المعتمر. 2- ما يُرْسِل به المُقِيم هَدْيًا إلى البيت. واعلم أنه إذا أرسل هَدْيًا إلى البيت، وهو مُقِيم فلا يعني ذلك أنه يكون مُحْرِمًا، بل هو حلالٌ[3]؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُهْدِي من المدينة، فأَفْتِلُ قَلائِد هَدْيِه، ثم لا يَجتَنِب شيئًا مما يَجتَنِب المُحْرِم"[4]. ثانيًا: أمَّا الهَدْي الواجب، فهو أقسام: 1- هَدْي التمتُّع. 2- هَدْي واجب على مَن ترك واجبًا من واجبات الحج. 3- هَدْي واجب على من ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام. 4- هَدْي واجب بالجناية على الحرم؛ كالتعرُّض لصيده. 5- هَدْي واجب بالنذر. تقليد الهَدْي، وإِشْعَار البُدْن: ومعنى "الإشعار": أن يَكْشِط جلد "البَدَنة"، حتى يَسِيل الدم، ثم يَسْلته، ويكون ذلك في الجانب الأيمن لسَنمة البعير، وهذا الحكم مختصٌّ بالبعير فقط، دون البقر والغنم. وأما "التقليد"، فهو أن يعلِّق في عنقها نعلين، أو يضع عليها شيئًا من صوف ونحوه، وهذا الحكم عام للبقر والغَنَم والإِبِل. فعن ابن عباس - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الظهر بذي الحُلَيفة، ثم دعا ناقته، وأشعرها في صفحة سَنَامها الأيمن، وسَلَت الدم عنها، وقلَّدها نعلين، ثم رَكِب راحلته"[5]. ومعنى: "صفحة سَنَامها": جانب السَّنمة، وهي أعلى الجمل. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "فَتَلتُ قلائد بُدْن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد البخاري: مِن عِهْنٍ كان عندي - ثم أشعرها وقلَّدها، ثم بَعَث بها إلى البيت"[6]، ومعنى "العِهْن": الصوف. متى يُشْعر الهَدْي؟ من الأحاديث السابقة أنه إذا ساق الهَدْي معه، أشعره من المِيقات؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أشعر ناقته من ذي الحُلَيفة، كما في حديث ابن عباس السابق. وأما إن أرسل بها تطوُّعًا وهو في بلده، أشعرها من مَحلِّ إقامته؛ لحديث عائشة السابق. جواز ركوب الهَدْي: عن جابر- رضي الله عنه - أنه سئل عن ركوب الهَدْي، فقال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اركَبها بالمعروف إذا أُلْجِئت إليها حتى تجد ظهرًا))[7]. ومعنى ((أُلْجِئتَ)): اضطُرِرْتَ. فهذا يدل على جواز ركوب الهَدْي إذا احتاج لذلك، وفي المسألة خلاف، والذي ذكرته هو الأرجح؛ للحديث السابق. وهذا الحكم عامٌّ، سواء كان في هَدْيٍ واجبٍ، أو هَدْي تطوُّع. وأجاز الجمهور أن يَحْمِل عليها متاعَه، ومنعه الإمام مالك، كما أجاز الجمهور أيضًا أن يَحْمِل عليها غيره إذا احتاج لذلك. قال الشوكاني: "ونقل عياضٌ الإجماعَ على أنه لا يؤجِّرها"[8]. ماذا يفعل إذا عَطِب الهَدْي؟ عن أبي قَبيصة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث معه بالبُدْن، ثم يقول: ((إن عَطِب منها شيءٌ، فخشيت عليها موتًا، فَانْحَرها، ثم اغْمِس نعلَها في دمِها، ثم اضرب صفحتها، ولا تَطْعَمها أنت ولا أحدٌ من أهل رُفْقَتِك))[9]. ومعنى هذا الحديث، كالآتي: أنه إذا عَطِب الهَدْي أثناء الطريق؛ بمعنى: أصابه مكروهٌ يُخْشَى منه الموت، فعلى مَن يسوقها أن يتصرَّف فيها كالآتي: 1- ينحرها. 2- يَغْمِس نعلَها، أو قلائدها في دمِها، ثم يُلَطِّخ صفحتها؛ يعني: جانبها، ليعلم المارُّ أنها مما أُهْدَي للبيت. 3- لا يأكل هو ولا أحدٌ من رُفْقَته منها، وهذا سدًّا للذريعة؛ حتى لا يتسبَّب أحدٌ في إعطابها، إذا علم أنه لن يأكل منها. 4- يخلِّي بينها وبين بقية المارين ليأكلوا منها، وقد بيِّن ذلك في حديث آخر رواه أصحاب السنن، وفيه: ((وَخَلِّ بين الناس وبينه يأكلونه))[10]. هذا بالنسبة لهَدْي التطوُّع. وأما الهَدْي الواجب، فإنه إذا عَطِب، فعليه أن يأتي بغيره؛ لأنه في ذمته حتى يؤديَه، ولا تَبْرَأ ذمَّتُه بمجرد شرائه. حكم الأكل من الهَدْي: قال - تعالى -: ï´؟ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ï´¾ [الحج: 36]. وقد تقدَّم في حديث جابر - رضي الله عنه -: "ثم انصرف إلى المَنْحَر، فنحر ثلاثًا وستين بَدَنة بيده، ثم أعطى عليًّا - رضي الله عنه - فنَحَر ما غبر وأشركه في هَدْيه، ثم أمر من كلِّ بَدَنةٍ ببَضْعَة، فجُعِلت في قِدْر فطُبِخت، فأكلا من لحمها، وشَرِبا من مَرَقها"[11]. وفي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ".. فدخل علينا يوم النَّحْر بلحم بقرٍ، فقلت: ما هذا؟ فقيل: نَحَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه"[12]. فالحديث الأوَّل: دليل على جواز الأكل من هَدْي التمتُّع والتطوُّع. والثاني: دليل على جواز الأكل من هَدْي القِرَان، وقد ذهب بعضهم إلى وجوب الأكل من هذا الهَدْي؛ للأمر به في الآية، ولفعلِه - صلى الله عليه وسلم - حيث إنه أخذ من كلِّ بَدَنةٍ بَضْعة منها، ولم يَقتَصِر على أخذ اللحم من بعض البُدْن. وأما مقدار ما يَأكله، فلم يحدِّده الشرع بشيءٍ. قلتُ: وأمَّا ما عداها من الهَدْي كجزاء الصيد، أو هَدْي الإحصار، أو هَدْيٍ وجب لفعل محظور من محظورات الإحرام، أو ترك واجب من واجبات الحج، وكذلك ما كان عن نذر، فإنه لا يأكل منه[13]. قال ابن حزم: "كل هَدْيٍ أوجبه الله -تعالى- فرضًا، فقد ألزم صاحبه إخراجَه من ماله وقطعه منه، فإذا هو كذلك فلا يَحِلُّ له ما قد سقط ملكه عنه إلا بنص، لكن يأكل أهلُه وولدُه إن شاؤوا؛ لأنهم غيره، إلا ما سمَّى للمساكين، فلا يأكلوا منه إن لم يكونوا مساكين" [14]. تنبيه: بقي بعض المسائل، وهي: السِّن المعتبرة في الهَدْي، وطريقة تقسيمها، وحكم إعطاء الجازِر منها، ووقت الذبح، وما يُجْزِئ منها، وما لا يجزئ. وسيأتي بيان ذلك مع أحكام الأضحية. [1] مسلم (1318)، وأبو داود (2809)، والترمذي (904)، وابن ماجه (3132). [2] زاد المعاد (2/310). [3] أعني لا يُحظر عليه شيء من محظورات الإحرام. [4] البخاري (1698)، ومسلم (1321)، وأبو داود (1757)، وابن ماجه (3095). [5] مسلم (1243)، وأبو داود (1752)، والترمذي (906)، والنسائي (5/174)، وابن ماجه (3097). [6] البخاري (1705)، ومسلم (1321). [7] مسلم (1324)، وأبو داود (1761)، والنسائي (5/177)، وأحمد (3/317). [8] نيل الأوطار (5/163). [9] مسلم (1325)، وابن ماجه (3105)، وأحمد (4/64). [10] صحيح: رواه أبو داود (1762)، والترمذي (910)، وابن ماجه (3106). [11] مسلم (1218). [12] البخاري (1709)، ومسلم (1211). [13] وقد تقدَّم بيان ذلك في مواضعه عدا النذر. [14] المحلى (7/427). |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (12) الشيخ عادل يوسف العزازي الأضحية يتعلَّق بحكم الأُضْحِية عدَّة مسائل، أوضِّحها فيما يلي: المسألة الأولى: معنى الأُضْحِية: الأُضْحِية: ما يُذْبَح يوم الأضحى؛ تقربًا إلى الله - عزَّ وجلَّ - ويقال فيها: أُضْحِيَّة، وإِضْحِيَّة، وضَحِيَّة، وأَضْحَاة. المسألة الثانية: حكم الأُضْحِية: الذي ذهب إليه جمهور أهل العلم أن الأُضْحِية سُنَّة، وهو الثابت عن الصحابة. فعن حُذَيفة بن أَسِيد - رضي الله عنه - قال: "لقد رأيتُ أبا بكر وعمر وما يضحِّيان؛ كراهية أن يُقْتَدى بهما". وعن أبي مسعود البَدْري - رضي الله عنه - قال: "لقد هممتُ أن أَدَع الأُضْحِية - وإني لمن أيسرِكم - مخافةَ أن يحسب الناس أنها حتم واجب". وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "الأُضْحِية سنة". قال ابن حزم: "ولا يصح عن أحد من الصحابة أن الأُضْحِية واجبة"[1]. هذا، وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن الأُضْحِية واجبة، ومال إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال ابن عثيمين: "والقول بالوجوب للقادر قوي؛ لكثرة الأدلة على عناية الشرع واهتمامه بها" [2]. المسألة الثالثة: السِّنُّ المعتبرة في الأُضْحِية: عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تَذْبَحوا إلا مُسِنَّة، إلا أن يَعْسُر عليكم، فتذبحوا جَذَعة من الضَأْن))[3]. فهذا الحديث يدل على أنه يشترط في الأُضْحِية أن تكون ((مُسِنَّة))؛ أي: ((ثَنِيَّة))، وأنه لا يجزئ الجَذَع من الضَأْن إلا إذا تعسَّر المُسِنَّة. و((المُسِنَّة)): من الإبل ما له خمس سنوات، ومن البقر ما له سنتان، ومن المَعْز ما له سنة[4]. وأما ((الجَذَع)) من الضَأْن، فقيل: ما له سنة، وقيل: ستة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر[5]. فهذا الحديث يدل بظاهره على أن الضَأْن لا يجزئ إلا إذا تعسَّر المُسِنَّة، ويشكل على هذا ما ثبت في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الجَذَع يُوفِّي مما يُوفِّي منه الثَّنِيُّ))[6]. قال النووي: "ومذهب العلماء كافَّة أنه يجزئ؛ يعني: الجَذَع من الضَأْن، سواء وُجِد غيره أم لا، وحَمَلوا هذا الحديث على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يُستَحبُّ لكم ألا تَذْبَحوا إلا مُسِنَّة، فإن عجزتم فجَذَعة ضَأْن، وليس فيه تصريح بمنع جَذَعة الضَأْن، وأنها لا تجزئ بحال، وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره"[7]، وقوَّى هذا الكلام الحافظ ابن حجر - رحمه الله - وساق الأدلة على جوازه. المسألة الرابعة: وقت الذَّبح: عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يومَ النحر: ((مَن كان ذبح قبل الصلاة، فليُعِد))، وفي رواية: ((مَن ذبح قبل الصلاة، فإنما يَذْبَح لنفسه، ومَن ذبح بعد الصلاة، فقد أتم نُسُكَه، وأصاب سُنة المسلمين))[8]. فهذا يدل على أن أول وقت الأُضْحِية يكون بعد صلاة العيد، وأما مَن ذبح قبل ذلك، فلم يُصِب الأُضْحِية، وتكون ذبيحتُه للأكل، وليس فيها ثواب القُربة، ويجب عليه إعادة الذبح بأضحية أخرى. وقيَّد المالكية الذبح بقَيْدٍ آخر، وهو: أن يكون بعد ذبح الإمام؛ لِما ثبت في صحيح مسلم عن جابر، قال: "صلَّى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر بالمدينة، فتقدَّم رجال فنَحَروا، وظنُّوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نَحَر، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن كان نَحَر قبله أن يُعِيد بنحر آخر، ولا يَنَحروا حتى يَنَحر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم"[9]. ويُحْمَل هذا - والله أعلم - على خصوصيته بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يُشِر -صلى الله عليه وسلم- أن هذا الحُكم لمن يَذْبَح قبل الإمام مطلقًا، ولتَعَذُّر تحقُّقه في هذه الأعصار، والله أعلم. ولا مانع أن يكون ذلك تقديريًّا، كما قال الشافعي - رحمه الله -: "وقت الأضحى قدر ما يدخل الإمام في الصلاة، وذلك إذا نوَّرت الشمس، فيصلِّي ركعتين، ثم يخطب خطبتين خفيفتين، فإذا مضى من النهار مثل هذا الوقت، حلَّ الذبح"[10]. وأما عن آخر وقت النحر، فقد ثبت في الحديث: ((كل أيام التشريق ذبحٌ))[11]. وهذا يدل على أن أيام الذبح: يوم النحر وأيام التشريق، فتكون الأيام بَدْءًا من يوم النحر حتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وسواء في ذلك الليل أو النهار على الراجح. المسألة الخامسة: ما لا يضحَّى به لعَيْبِه: عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أربع لا تَجُوز في الأضاحي: العَوْرَاء البيِّن عَوَرُها، والمريضة البيِّن مرضها، والعَرْجَاء البيِّن ظَلْعها، والكسير التي لا تُنْقِي))[12]، وفي رواية الترمذي ((العَجْفاء)) بدلاً من الكسير. والمقصود بها: الهَزِيلة التي لا مخَّ لها. وعن علي - رضي الله عنه - قال: "أَمَرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نَستَشْرِف العين والأُذُن، وألا نضحِّي بمقابَلَة، ولا مُدَابَرَة، ولا شَرْقَاء، ولا خَرْقَاء"[13]. ((المقابَلة)): التي قُطِع طرف أذنها. و((المُدَابَرة)): قطع مؤخر أذنها. ((والشَّرْقَاء)): مشقوقة الأذن طولاً. و((الخَرْقَاء)): التي في أذنها خرق مستدير. فدلَّت هذه الأحاديث على أنه لا يُجْزِئ الأُضْحِية إذا كان بها عيب بأُذنها أو عينها، أو أن تكون عَرْجَاء بيِّنًا ظَلْعها، أو مريضة بيِّنًا مرضها، وكذلك الهَزِيلة. ملاحظات: 1- إذا كان المرض أو العَوَر أو العرج يسيرًا غير واضح، جازت الأُضْحِية؛ لأنه قيِّد في الحديث بكونه (بيِّنًا)؛ يعني: (واضحًا). 2- لا يجوز الأُضْحِية بما كان في معنى ما ذُكِر، وأشد: كالعمياء، والمقطوعة الرِّجل، وشبهه، قاله الشوكاني [14]. 3- يُسْتَحبُّ اختيار الأُضْحِية؛ لقوله: "أُمْرِنا أن نَستَشْرِف العين والأذن"، وكذلك ما ثبت في الحديث عن أبي أُمَامَة قال: "كنا نسمِّن الأُضْحِية بالمدينة، وكان المسلمون يسمِّنون"[15]. وأفضل اختيار للأضحية أن يكون سمينًا، وأن يكون كامل القرون، وأن يكون "أملح"، وهو الأبيض، والأفضل فيه: أن تكون قدماه وفمه وعيناه في سواد. والأدلة على ذلك: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – "ضحَّى بكبشين سمينين، عظيمين، أَمْلَحين، أَقْرَنين"[16]، وعن أبي سعيد قال: "ضحَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبش أَقْرَن فَحِيل، يأكل في سواد، ويمشي في سواد، وينظر في سواد"[17]. 4- ما تقدَّم هو في بيان الأفضل، ولكنه يجوز أن يضحَّى بأي لون، ولكن الأبيض أفضل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((دَمُ عَفْرَاء أحبُّ إلى الله من دَمِ سوداوين))[18]. و((الأَعْفَر)): بياض يعلوه حمرة؛ أي: ليس بشديد البياض. 5- تجوز الأُضْحِية بالفَحِيل والخَصِي: أما دليل الأُضْحِية بالفَحِيل وهو الذي لم يُخْصَ، فقد تقدَّم في حديث أبي سعيد السابق. وأما دليل الخَصي، فلما ثبت عن أبي رافع قال: "ضحَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أَمْلَحين، مَوجُوءين، خَصِيَّين"[19]. ((والمَوجُوء)): منزوع الأُنْثَيين؛ يعني: الخُصْيَتين. 6- إذا كانت بالأُضْحِية عيوب أخرى غير المذكورة في الأحاديث السابقة، جازت الأُضْحِية وأَجْزَأت، وإن كان الأفضل اختيار الأكمل. وعلى هذا؛ فمكسور القرن كلِّه أو بعضه، ومقطوع الذيل والأَلْيَة، ومكسور الأسنان وغير ذلك، لا يؤثر في جواز الأُضْحِية؛ لأن الأحاديث الواردة في عدم الأُضْحِية بها ضعيفة لا تصح[20]. المسألة السادسة: ما يُجزئ عن الشخص: تُجْزِئ الشاة عن الشخص الواحد وعن أهل بيته، وتجزئ البقرة، والبَدَنة عن سبعة؛ يعني: وأهاليهم، فيكون نصيب كل واحد سُبع بقرة، أو سُبع بَدَنة. فعن عطاء بن يَسَار، قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: "كان الرجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحِّي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطْعِمون"[21]. وأما دليل البقر والإبل؛ فعن جابر - رضي الله عنه - قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نَشْتَرك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بَدَنة))[22]. و((البَدَنة)): البعير، ويطلق أيضًا على البقر. المسألة السابعة: فيما يتعلَّق بالذبح: يُسْتَحبُّ نحر الإبل قائمةً معقولةً؛ يعني: مربوطة اليسرى. فعن ابن عمرو - رضي الله عنهما - أنه أتى على رجل قد أناخ بَدَنته ينحرها، فقال: "ابعثها قيامًا مقيَّدة؛ سنة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم"[23]. ومعنى (مقيدة)؛ أي: مربوطة. وأما الغنم، فقد ثبت عن أنس - رضي الله عنه - قال: "ضحَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشين، أملحين، أقرنين، ورأيتُه يذبحهما بيده واضعًا قَدَمه على صِفَاحهما، وسمَّى اللهَ وكبَّر"[24]. ويُشْتَرط للذبح شروط: 1- أن يسمِّي بأن يقول: "بسم الله، والله أكبر"، انظر: الحديث السابق، ويستحب أن يَزِيد: "اللهم هذا عن فلان - ويسمي نفسه - وآل بيته". أو يقول: "اللهم إن هذا عني وعن أهل بيتي، اللهم إن هذا منك ولك"، وقد ثبت ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم- من حديث عائشة - رضي الله عنها[25]. 2- أن يُنْهِر الدمَ؛ وذلك بقطع أحد الوَدَجَين على الأقل مع الحُلْقُوم والمَرِيء، وهما العِرْقَان الغليظان المحيطان بالحُلْقُوم، والأكمل في الذبح أن يقطع الوَدَجَين مع الحلقوم والمَرِيء. 3- أن يكون الذابح عاقلاً، ويجوز للمضحِّي أن يتولَّى الذبح بنفسه، ويجوز له أن يوكِّل غيره؛ على أن يكون وكيله مسلمًا[26]. المسألة الثامنة: في الأكل منها وتقسيمها: وردت الأحاديث بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهاهم في بادئ الأمر عن ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ثم قال لهم: ((إنما نهيتُكم من أجل الدافَّة التي دفَّتْ، فكُلُوا وادَّخروا وتصدَّقوا))[27]. و"الدافَّة": جماعة قَدِموا المدينة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهاهم عن الادِّخار؛ لكي يزوِّدوا هؤلاء بالطعام. فدل ذلك على: جواز الأكل من الأُضْحِية، ووجوب التصدُّق منها، وقد ذهب بعض أهل العلم أيضًا إلى وجوب الأكل منها. واعلم: أنه لم يحدِّد الشرع تقدير القسمة في الأكل والتصدُّق، بل يصح بكل ما يطلق عليه إتيان المأمور به من الأكل والتصدق، ولو كان بعضها قليلاً جدًّا، والآخر كثيرًا جدًّا. قال الشوكاني: "فيه دليل على عدم تقدير الأكل بمقدار، وأن للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وإن كثر، ما لم يستغرق - أي: كل الأُضْحِية - بقرينة قوله: ((وأطعموا)) [28]. المسألة التاسعة: ما يجب على من أراد أن يضحِّي: عن أم سَلَمة - رضي الله عنها - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليُمْسِك عن شعره وأظفاره))، وفي رواية: ((حتى يضحِّي))[29]. ففي هذا الحديث: دليل على وجوب ترك الشعر والظُّفر لمن أراد أن يضحِّي، بَدْءًا من أول رؤية هلال شهر ذي الحجة حتى يضحِّي، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى تحريم الأخذ من الشعر والظفر؛ عملاً بهذا الحديث، وهو الراجح. وهو مذهب أحمد، وإسحاق، وداود الظاهري، وبعض أصحاب الشافعي. ويتعلَّق بذلك أمور: 1- هل هذا الحكم يَجْرِي على أهل بيته الذين يضحِّي عنهم، أم يختص بالمضحِّي فقط؟ فيه خلاف، ورجَّح ابن عثيمين أن هذا خاص برب البيت فقط الذي يضحِّي؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خصَّه به. 2- لو انكسر ظفر، أو نبت في داخل الجَفْن شعر فتأذَّت به العين، فجائز إزالته؛ لأنه لرفْع أذى. 3- لو تجاوز الإنسان وأخذ من شعره، أو بشَرَتِه، أو جلده شيئًا، أَثِم، ولا فدية عليه. 4- لا علاقة بين الأخذ المذكور وصحة الأُضْحِية، فأضحيته صحيحة إذا تمَّت شروطها، حتى لو أخذ شيئًا مما ذكر. 5- ما اشتهر على الألسنة أن هذا النهيَ ليكونَ المضحِّي متشبهًا بالحاج قياس باطل لا دليل عليه، وبناءً على هذا؛ فلا يَحْرُم على المضحِّي شيء من محظورات الإحرام التي يمتنع منها الحاج. 6- إذا لم يَنْوِ الأُضْحِية إلا في أثناء العشر، فإنه يبتدئ تحريم الأخذ من حين نيته في الأُضْحِية. ملاحظات عامة: 1- ما ورد عن بعض الفقهاء بتقسيم الأُضْحِية إلى ثلاثة أثلاث، لا يعني المساواة في الثلث، ولكن يفهم بأن المراد بأنها تقسم ثلاثة أجزاء: يأكل جزءًا، ويتصدق بآخر، ويُهْدي ثالثًا، ولا يشترط المساواة. 2- ما يفعله كثير من الناس من الذبح ليلاً يوم العيد أو الذبح قبل الصلاة، لا يقع ذبحهم أضحية، ولا يثابون عليها ثواب الأُضْحِية؛ وإنما يثابون ثواب الصدقة لو تصدَّقوا بها، ويجوز أكلها إذا ذُبِحت ذبحًا صحيحًا. 3- الأُضْحِية إذا ذُبِحت لا يُعْطَى الجزَّار منها شيئًا لأجل الأجرة، لا من جلودها ولا من غيره؛ فعن علي - رضي الله عنه - قال: "أمرني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بُدْنه، وأن أتصدَّق بلحومها، وجلودها وأَجِلَّتها، وألا أُعْطِي الجَازِر منها شيئًا، وقال: ((نحن نُعْطِيه من عندنا))[30]. وقوله: (وأجلتها): جمع جلال: ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه أثناء إهدائه للبيت. 4- وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إعطاء الجازِر بعد توفيته أجرته، إذا كان فقيرًا، ويرى بعضهم المنع عمومًا؛ خشية أن يقع تسامح في الأجرة من أجل الذبح. وإن أخذ الفقير من جلودها أو لحمها شيئًا، فله حق التصرف فيه ولو بالبيع. 5- إذا فات وقت الأُضْحِية، ولم يتمكَّن من الذبح، فهل يَقْضِيها بعد وقتها؟ قال ابن عثيمين: "والصواب في هذه المسألة: أنه إذا فات الوقت، فإن كان تأخيره عن عَمْد؛ فإن القضاء لا ينفعه، وأما إن كان عن نسيان، أو جهل، أو انفلتت البهيمة وكان يرجو وجودها قبل فوات الذبح حتى انفرط عليه الوقت، ثم وجدها، ففي هذه الحالة يذبحها" [31]. 6- في تعيين الأُضْحِية: اختار شيخ الإسلام أنه إذا اشترى الأُضْحِية بنية الأُضْحِية تعيَّن ذلك، ويرى بعض أهل العلم أنه لا تتعيَّن إلا بالقول بأن يقول: "هذه أضحية"، وقد ذهب ابن حزم إلى أنها لا تتعيَّن، ولا تكون أضحية إلا بذبحها أو نحرها، إلا إذا نذر ذلك فيه، فيلزمه الوفاء. قال ابن حزم: "ولا يلزم مَن نوى أن يضحِّي بحيوان مما ذكرنا أن يضحِّي به ولا بد، بل له ألا يضحِّي به إن شاء إلا أن ينذر ذلك فيه، فيلزمه الوفاء به" [32]. 7- بِناءً على ما تقدَّم من قول ابن حزم - وهو الراجح عندي - فيجوز لمن اشترى أضحية ولم يضحِّ بها بعد، أن يتصرَّف فيها كيف شاء: من إبدالها، أو بيعها، أو هِبَتها، أو أن يَجُزَّ صوفها، ويتصرف فيه كيف شاء ولو بالبيع، ويشرب لبنها أو يبيعه، وإن ولدت فله أن يُمْسِك ولدها، أو يذبحه، أو يبيعه[33]. 8- إن اشتراها وبها عيب لا يجزئ في الأُضْحِية ثم برئت، فالراجح جواز الأُضْحِية بها، والعكس إن اشتراها سليمة ثم أصابها عيب لا يجزئ في الأُضْحِية، فإنها لا تصح. 9- لا يجوز شراء لحوم والتصدق بها بدلاً من الأُضْحِية، أو التصدُّق بثمنها؛ إذ الأُضْحِية لا تكون قربة إلا بذبحها. 10- إذا أعطاها للفقراء سليمة قبل الذبح، لم تَصِحَّ أضحيته، وله ثواب الصدقة؛ إذ شرط الأُضْحِية الذبح، فلو وكَّلهم أن يذبحوها أجزأت، ولكن لا يفعل ذلك إلا إذا وَثِق بالفقير؛ خشية أن يبيعها ولا يذبحها. 11- لا تُشْرَع الأُضْحِية عن الأموات استقلالاً: كأن يقول هذه الأُضْحِية عن فلان "متوفَّى"، ولو كان قريبًا؛ إنما يَدْخُلون ضمنًا، بأن يقول: هذا عني، وعن أهل بيتي. [1] المحلى (8/9). [2] الشرح الممتع (7/519). [3] مسلم (1963)، وأبو داود (2797)، والنسائي (7/218)، وابن ماجه (3141). [4] الشرح الممتع (7/460). [5] نيل الأوطار (5/202)، وفتح الباري (10/5). [6] صحيح: رواه أبو داود (2799)، والنسائي (7/215)، وابن ماجه (3140). [7] نقلاً من فتح الباري (10/15). [8] البخاري (5546، 5561)، ومسلم (1960). [9] مسلم (1964). [10] نقلاً من معالم السنن للخطابي على هامش أبي داود (2/234). [11] حسن لشواهده: رواه أحمد (4/82)، وابن حبان (3854)، والدارقطني (2/284). [12] صحيح: أبو داود (2802)، والترمذي (1497)، والنسائي (7/214)، وابن ماجه (3144). [13] صحيح: أبو داود (2804)، والترمذي (1498)، والنسائي (7/215)، وابن ماجه (3142). [14] نيل الأوطار (5/206). [15] رواه البخاري تعليقًا (10/9)، ووصله أبو نُعَيم في المستخرج، كما قال الحافظ. [16] صحيح: رواه أحمد (6/136)، وأصل الحديث في البخاري (5553، 5554) دون قوله: "سمينين". [17] صحيح: رواه أبو داود (2796)، والترمذي (1496)، والنسائي (7/321)، وابن ماجه (3128). [18] حسن لغيره: رواه أحمد (2/417)، وانظر: الصحيحة للألباني (1861). [19] صحيح: رواه أحمد (6/8)، وله شواهد من حديث عائشة، وأبي هريرة. [20] انظر في ذلك المحلى (8/9 - 13). [21] صحيح: رواه الترمذي (1505)، وابن ماجه (3147). [22] مسلم (1318)، وأبو داود (2808)، والترمذي (904)، والنسائي. [23] البخاري (1713)، ومسلم (1320). [24] البخاري (5558)، ومسلم (1966)، وأبو داود (2794)، والترمذي (1494)، والنسائي (7/219)، وابن ماجه (3120). [25] مسلم (1967)، وأبو داود (2792). [26] رجح ذلك ابن عثيمين، وعلَّل أنها عبادة؛ فلا تصح إلا ممن تصح منه القربة، ورجَّح ابن حزم جواز الذبح من الكتابي أيضًا، وما ذهب إليه ابن عثيمين أَولى وأحوط، وأما ذبيحة الكتابي، فحلال بشروطها. [27] البخاري (5570) مختصرًا، ومسلم (1971). [28] نيل الأوطار (5/220). [29] مسلم (1977)، وأبو داود (2791)، والترمذي (1533)، والنسائي (7/211)، وابن ماجه (3149). [30] البخاري (1707)، ومسلم (1317)، وأبو داود (1769)، وابن ماجه (3099). [31] الشرح الممتع (7/504). [32] المحلى (8/40). [33] المحلى (8/41)، وهذه المسألة - والمسألتان بعدها - مبنية على ما رجحناه، وإلا ففي هذه المسائل خلاف بناء على الخلاف المذكور في الملاحظة (6). |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (13) الشيخ عادل يوسف العزازي فضائل في الحج [1] أولاً: فضل مكة: اعلم يا أخي أن الله - تعالى - جعل لمكة في الفضل مزايا، وخصَّها ببيته الذي هو قِبْلة للبرايا، وبحجِّه الذنبُ مغفور، وبالطواف به تَكْثُر الأجور. اختار الله خير الأماكن والبلاد وأشرفَها، وهي البلد الحرام، وجعلها مناسكَ لعباده، وأوجب عليهم الإتيان إليها من القُرْب والبُعْد من كل فَجٍّ عميق، فلا يدخلونها إلا متواضعين، متخشِّعين، متذلِّلين، كاشفي رؤوسهم، متجرِّدين عن لباس أهل الدنيا. فمن فضائلها: 1- جعلها الله حرمًا آمنًا: قال - تعالى -: ï´؟إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَï´¾ [النمل: 91]. وليس على وجه الأرض بقعةٌ - يجب على كل قادر السعيُ إليها، والطوافُ بالبيت الذي فيها - غيرها. وليس على وجه الأرض موضِع يُشْرَع تقبيلُه واستلامه - وتحط الخطايا والأوزار - غير حجرها الأسود، وركنها اليماني. 2- والصلاة في مسجدها الحرام بمائة ألف صلاة: عن عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرامَ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة))[2]. 3- وهي أحب بلاد الله إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: عن عبدالله بن عدي - رضي الله عنه - قال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته واقفًا بالحَزْوَرة يقول: ((والله إنكِ لخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرضِ الله إلى الله، ولولا أني أُخْرِجتُ منك ما خرجتُ))[3]. • ((والحَزْوَرة)): موضع بمكة. 4- وهي الحبيبة إلى قلب نبينا - صلى الله عليه وسلم -: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أطيبَك من بلدة، وأحبَّك إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك))[4]. 5- ولقد حرَّمها الله يوم خلق السموات والأرض: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله حرَّم مكة يوم خلق السموات والأرض؛ فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لم تَحِلَّ لأحد قبلي، ولا تَحِلُّ لأحد بعدي، ولم تَحِلَّ لي قط إلا ساعة من الدهر، لا يُنفَّر صيدها، ولا يُعْضَد شوكها، ولا يُخْتَلى خَلاَها[5]، ولا تَحِلُّ لُقَطَتُها إلا لمُنْشدٍ))[6]. وفي رواية: ((فإن أحدٌ ترخَّص لقتالِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فيها، فقولوا: إن الله قد أَذِن لرسوله، ولم يَأْذَن لكم، وإنما أَذِن لي ساعةً من نهار، ثم عادت حرمتُها اليومَ كحرمتها بالأمس، وليُبلغ الشاهد الغائب))[7]. 6- ومن خصائصها: كونها قِبْلةً لجميع المسلمين، فليس على وجه الأرض قبلةٌ غيرها. 7- ومن خصائصها أيضًا: أنه يَحْرُم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة، دون سائر بقاع الأرض. 8- ومما يدل على تفضيلها: أن الله - تعالى - أخبر أنها أمُّ القُرَى، فالقرى كلها تَبَعٌ لها، وفرعٌ عليها. وهي أصل القرى، فيجب ألا يكون لها في القرى عَدِيل، كما أن الفاتحة أم الكتاب ليس لها في الكتب الإلهية عَدِيل. 9- ومن خصائصها: أنه لا يجوز دخولها - لغير أصحاب الحوائج المتكرِّرة - إلا بإحرام، وهذه خاصية لا يشاركها فيها شيء من البلاد، وهذه المسألة تلقَّاها الناس عن ابن عباس - رضي الله عنهما. 10- ومن خصائصها: أنها يعاقَب فيها على الهمِّ بالسيئات، وإن لم يفعلها، قال - تعالى -: ï´؟ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ï´¾ [الحج: 25]. ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيها، لا كمياتها. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الكبائر تسع: أعظمُهن: إشراكٌ بالله، وقتلٌ بغير حقٍّ، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، وقذفُ المحصنة، والفرارُ يومَ الزحف، وعقوقُ الوالدين، والسِّحرُ، واستحلالُ البيت الحرام قبلتِكم، أحياءً وأمواتًا))[8]. وقد ظهر سر هذا التفضيل والاختصاص في انجذاب الأفئدة - وهي القلوب - وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الأمين، فجذبُه للقلوب أعظمُ من جذب المغناطيس للحديد. ولهذا أخبر - سبحانه - أنه مثابةٌ للناس؛ أي: يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضون منه وطرًا، بل كلما ازدادوا له زيارة، ازدادوا له اشتياقًا. ثانيًا: فضل الحجر الأسود: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كان الحجر الأسود أشدَّ بياضًا من الثلج، حتى سوَّدتْه خطايا بَنِي آدم))[9]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يَحُطَّان الخطايا حطًّا))[10]. وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا ما مسَّ الحجرَ من أنجاس الجاهلية ما مسَّه ذو عاهةٍ إلا شُفِي، وما على الأرض شيءٌ من الجنة غيرُه))[11]. عن ابن عباس مرفوعًا: ((إن لهذا الحجر لسانًا وشفتين، يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق))[12]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليَأْتِيَنَّ هذا الحجَرُ يوم القيامة له عينان يُبْصِر بهما، ولسانٌ يَنْطِق به، يشهد على من استلمه بحق))[13]. ثالثًا: فضل الركن اليماني والمقام: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الركن والمقام يَاقُوتَتَان من يَوَاقِيت الجنة))[14]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الركن والمقام يَاقُوتَتَان من يَوَاقِيت الجنة، طَمَس الله نورَهما، ولو لم يَطْمِس نورَهما، لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب))[15]. وفيما مرَّ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطَّان الذنوب حطًّا))، وقد تقدم تخريجه. رابعًا: فضل زمزم: الفضيلة الأُولى: غَسْل قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء زمزم: وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أُتِيتُ ليلةَ أُسْرِي بي، فانطلق بي إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم))[16]. الفضيلة الثانية: ماء زمزم لِما شُرِب له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ماءُ زمزمَ لما شرب له))[17]. الفضيلة الثالثة: ماء زمزم طعام طُعْم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((زمزم طعام طُعْم، وشفاء سُقْم))[18]. الفضيلة الرابعة: زمزم شفاء سُقْم: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحمل ماء زمزم في الأَدَاوِي، والقِرَب، وكان يَصُبُّ على المرضى ويَسْقِيهم"[19]. الفضيلة الخامسة: ماء زمزم يتحف به الضِّيفان. خامسًا: فضل المدينة، وزيارة المسجد النبوي: يُستَحبُّ زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه؛ لأن الصلاة فيه خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. فإذا وصلتَ المسجد؛ فَصَلِّ فيه ركعتين تحية المسجد، أو صلاة الفريضة إن كانت قد أقيمت. ثم اذهب إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقِفْ أمامه، وسلِّم عليه قائلاً: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلَّى الله عليك وجزاك عن أمتك خيرًا"، ثم اخطُ عن يمينك خطوةً أو خطوتين؛ لتقف أمام أبي بكر، فسلِّم عليه قائلاً: "السلام عليك يا أبا بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرًا"، ثم اخطُ عن يمينك خطوةً أو خطوتين؛ لتقف أمام عمر، فسلِّم عليه قائلاً: "السلام عليك يا عمر أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيرًا". يتبع |
رد: تمام المنة - الحج
تمام المنة - الحج (13) الشيخ عادل يوسف العزازي فضائل في الحج [1] الأماكن المشروع زيارتها بالمدينة: اخرج إلى مسجد قُبَاء متطهِّرًا، وصلِّ فيه. اخرج إلى البَقِيع، وزُرْ قبر عثمان - رضي الله عنه - وقِفْ أمامه، فسلِّم عليه قائلاً: "السلام عليك يا عثمان أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك، وجزاك عن أمة محمد خيرًا"، وسلِّم على من في البقيع من المسلمين. اخرج إلى أُحُد، وزُرْ قبر حمزة - رضي الله عنه - ومن معه من الشهداء هناك، وسلِّم عليهم، وادع الله - تعالى - لهم بالمغفرة والرضوان[20]. ومما ورد في فضل المدينة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - تعالى - سمَّى المدينة طَابَة))[21]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله أمرني أن أسمِّي المدينة طَابَة))[22]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن إبراهيم حرَّم بيت الله وأَمَّنه، وإني حرَّمت المدينة ما بين لاَبَتَيْها[23]، لا يُقْطَع عِضَاها[24]، ولا يُصَاد صيدُها))[25]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة))[26]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إن إبراهيم كان عبدَك وخليلَك، ودعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمدٌ عبدُك ورسولُك أدعوك لأهل المدينة، أن تُبَارك لهم في مُدِّهم وصَاعِهم مِثْلَي ما باركتَ لأهل مكة، مع البركة بَرَكتينِ))[27]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الإيمان ليَأْرِز[28] إلى المدينة كما تَأْرِز الحيَّة إلى جُحْرها))[29]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما المدينة كالكِير تَنْفِي خَبَثها، وتَنْصَع طِيبَها))[30]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنها طَيْبَة، تَنْفِي الرجال كما تَنْفِي النارُ خَبَث الحديد))[31]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني أُحَرِّم ما بين لاَبَتَي المدينة، أن يُقْطَع عِضَاها، أو يُقْتَل صيدُها، المدينةُ خيرٌ لهم، لو كانوا يعلمون، لا يَدَعُها أحدٌ رغبةً عنها إلا أبدل الله فيها مَن هو خيرٌ منه، ولا يَثْبُت أحدٌ على لأْوَائها[32] وجَهْدِها إلا كنتُ له شفيعًا، أو شهيدًا يوم القيامة، ولا يريد أحدٌ أهلَ المدينة بشرٍّ إلا أذابه الله في النار ذوبَ الرَّصَاص، أو ذوبَ المِلْح في الماء))[33]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن استطاع أن يموت بالمدينة فليَمُت بها؛ فإني أَشْفَع لمَن يموت بها))[34]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أخاف أهل المدينة، فقد أخاف ما بين جَنْبَيَّ))[35]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أخاف أهل المدينة أخافه الله))[36]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أراد أهل المدينة بسوءٍ، أذابه الله، كما يَذُوب المِلْح في الماء))[37]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنها حَرَمٌ آمِنٌ، إنها حَرَمٌ آمِنٌ - يعني: المدينة))[38]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((المدينة حرامٌ ما بين عَيْر إلى ثَوْر، فمَن أحدث فيها حَدَثًا، أو آوَى فيها مُحْدِثًا، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين))[39]، ((عَيْر)) و((ثور)): جبلان، هما حدود المدينة. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((على أنقاب المدينة ملائكة، لا يَدْخُلها الطاعون، ولا الدَّجَّال))[40]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَدْخُل المدينة رُعْب المسيح الدَّجَّال، لها يومئذٍ سبعةُ أبوابٍ، على كل باب مَلَكان))[41]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يأتي الدَّجَّالُ المدينةَ، فيَجِدُ الملائكة يَحْرُسونها، فلا يدخلها الدَّجَّال، ولا الطاعون إن شاء الله))[42]. ملاحظات وتنبيهات: 1- اعلم أن زيارة المدينة لا علاقة لها بأعمال الحج، فلو أتم نُسُكَه، ولم يَشُدَّ رَحْلَه إلى المدينة؛ فحجُّه صحيح، ولا شيء عليه. 2- اعلم أن زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - تابعةٌ لزيارة المسجد، فتكون نية الذاهب إلى المدينة شدُّ الرِّحَال إلى المسجد النبوي، وليس إلى القبر الشريف. 3- ما يقوم به البعض من المَزَارات لا دليل عليه، من ذلك: موقِع الخَنْدَق، ومسجد القِبْلَتين، ومسجد الغَمَامة، والمساجد التي يقال عنها: "المساجد السبعة"، فكل هذه لا دليل على زيارتها، ولا ثواب على ذلك. 4- من الأخطاء كذلك: تحميل الحُجَّاج السلام على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم. 5- من البدع: التزام دعاء معين عند دخول المدينة. 6- من المنكرات الشائعة: استقبال قبره - صلى الله عليه وسلم - عند الدعاء، أو قصد القبر للدعاء عنده. 7- من المنكرات: تقبيل القبر، أو استلامه. 8- من المنكرات: التمسُّح بالمنبر والنحاس الموجود حوله. 9- من الأخطاء: التزام زوَّار المسجد النبوي المقام فيه أسبوعًا؛ حتى يتمكَّن من أربعين صلاة في المسجد. 10- من المنكرات: الخروج من المسجد النبوي القَهْقَرى عند الوداع. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأسأله - سبحانه - أن يجعله خالصًا لوجهه، وأن يجزيَنا بالإحسان إحسانًا، وعن السيئات عفوًا وغفرانًا، وما كان من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان. وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على عبدِك ونبيِّك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] قد استفدت هذه الفضائل، والتعليقات عليها، والحكم على أحاديثها من كتاب "الرياض النضرة" لفضيلة الشيخ الدكتور سيد حسين العفاني - حفظه الله. [2] إسناده صحيح: رواه أحمد (4/5)، وابن حبان في صحيحه (1620)، (1621)، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3841)، وصحَّحه الشيخ شعيب الأرناؤوط، والشيخ عبدالقادر الأرناؤوط. [3] إسناده صحيح: الترمذي (3925)، والنسائي في الكبرى (4252)، وابن ماجه (3108)، وأحمد (4/305)، والحاكم (3/431)، وصحَّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. [4] صحيح: رواه الترمذي (3926)، وابن حبان (3709)، والحاكم (1/186)، وصحَّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. [5] النبات الرطب الرقيق. [6] رواه البخاري (112) (2434) (6880)، ومسلم (1355)، وأبو داود (2017)، والترمذي (1406)، والنسائي في الكبرى (5846). [7] البخاري (104)، (1832)، ومسلم (1354)، والترمذي (5846)، والنسائي في الكبرى (3859). [8] حسن: رواه أبو داود (2875)، والحاكم (1/59)، والبيهقي (10/186) من حديث عمير بن قتادة، وله شواهد، والحديث حسَّنه الألباني في صحيح الجامع رقم (4605). [9] صحيح: رواه الطبراني في الكبير (11/453)، وابن خزيمه (2733)، والترمذي (877)، وأحمد (1/307)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (4449). [10] صحيح: رواه أحمد في مسنده (2/89)، والترمذي (959)، والنسائي (5/221)، وصحَّحه السيوطي، والألباني في صحيح الجامع برقم (2194). [11] أخرجه البيهقي (5/75)، وعبدالرزَّاق في مصنفه (8915)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع رقم (5334). [12] إسناده صحيح: رواه ابن ماجه (2944)، وأحمد (1/266)، والحاكم (1/457)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وفي صحيح الجامع (2184). [13] صحيح: رواه الترمذي (961)، وأحمد (1/247)، وابن خزيمة (2735)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (5346). [14] صحيح: رواه الحاكم في المستدرك (1/456) عن أنس وصحَّحه، ووافقه الذهبي، ورواه الترمذي (878)، وابن خزيمة (2731) عن ابن عمرو، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع برقم (3559). [15] صحيح: رواه أحمد (2/213)، والترمذي (878)، وابن حبان (3710)، والحاكم (1/456)، وابن خزيمة (2731) عن عبدالله بن عمرو، وصحَّحه السيوطي والحاكم، والألباني في صحيح الجامع برقم (1633) وشعيب الأرناؤوط في تحقيق الإحسان برقم (3710). [16] مسلم (162)، والبخاري (349)، (3207)، (3570). [17] حسن: رواه أحمد (3/357)، وابن ماجه (3062)، والبيهقي (5/148)، وابن أبي شيبة (3/274)، والطبراني في الأوسط (1/259). [18] صحيح: أخرجه البيهقي (5/147)، وابن أبي شيبة (3/273)، والبزَّار عن أبي ذر، وكذا رواه الطيالسي (1/61)، والطبراني في الصغير (1/186)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (3572). [19] صحيح: أخرجه الترمذي (963)، والحاكم في المستدرك (1/660)، والبيهقي (5/202)، والبخاري في تاريخه، انظر: السلسلة الصحيحة رقم (883). [20] صفة الحج والعمرة؛ للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص(35 - 38). [21] مسلم (1385)، وأحمد (5/97)، والنسائي في الكبرى (4260)، وابن حبان (3726). [22] رواه الطبراني في الكبير (2/236) عن جابر بن سمرة، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع رقم (1719). [23] يعني حَرَّتيها: والحَرَّة: الأرض ذات الأرض السوداء، والحجارة السود. [24] نوع من الشجر. [25] مسلم (1362) عن جابر، والبيهقي (5/198)، والنسائي في الكبرى (4284). [26] البخاري (1885)، ومسلم (1369) عن أنس، ورواه أحمد (3/142). [27] صحيح: رواه الترمذي (3914)، وأحمد (1/115) من حديث علي بن أبي طالب، وله شاهد من حديث أنس: رواه البخاري (1885)، (2130)، (2889)، ومسلم (1365)، (1368). [28] أي: يجتمع. [29] البخاري (1876)، ومسلم (147)، وأحمد (2/286)، وابن ماجه (3111). [30] رواه أحمد (3/306)، والبخاري (1883)، ومسلم (1883)، والترمذي (3920)، والنسائي (7/151) عن جابر. [31] البخاري (1871)، ومسلم (1382)، وأحمد (3/385). [32] الضيق في المعيشة. [33] مسلم (1363)، وأحمد (1/181) عن سعد. [34] صحيح: رواه أحمد (2/104)، والترمذي (3917)، وابن ماجه (3112)، وابن حبان (3741) في صحيحه عن ابن عمر، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع رقم (6015). [35] رواه أحمد (3/354)، والبخاري في تاريخه، وابن عساكر عن جابر، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع رقم (5978). [36] صحيح: رواه ابن حبان (3738) عن جابر، ورواه أحمد (5/54)، والطبراني في الكبير (7/144)، والنسائي في الكبرى (4265)، وعبدالرزاق (9/264)، وابن عساكر عن السائب، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع رقم (5977)، والصحيحة رقم (2671). [37] مسلم (1386)، وابن ماجه (3113)، وأحمد (2/279)، وابن حبان من حديث أبي هريرة، ومسلم (1387)، والطبراني في الأوسط (9/42) عن سعد بن أبي وقاص. [38] مسلم (1375)، وأحمد (3/486)، وابن ماجه عن سَهْل بن حنيف. [39] البخاري (6755)، ومسلم (1370)، والترمذي (2127)، وأبو داود (2034)، وأحمد (1/81) من حديث علي بن أبي طالب. [40] البخاري (1880)، ومسلم (1379)، وأحمد (2/378) من حديث أبي هريرة. [41] البخاري (1879)، (7125)، (7126) عن أبي بكرة. [42] البخاري (7134)، (7473)، والترمذي (2242)، وأحمد (3/123) عن أنس. |
الساعة الآن : 07:11 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour