ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=41)
-   -   من مشاهير علماء المسلمين .. (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=200397)

ابوالوليد المسلم 12-04-2019 09:52 PM

من مشاهير علماء الكيمياء المسلمين
 
من مشاهير علماء الكيمياء المسلمين


د. عبدالله حجازي



لا يَخفى أن إقبال المسلمين على العلوم الطبيعية - وبخاصة التجريبية منها - يرجع إلى القرن الأول، وقد برز عددٌ كبير من الذين اشتغلوا بالكيمياء على امتداد عددٍ من القرون، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: خالدَ بن يزيد بن معاوية (ت ٩٠هـ/ ٧٠٨م)، ورائدَ الكيمياء الأول: جابر بن حيان الكوفي (ت٢٠٠هـ/ ٨١٥م)، وأبا بكر الرازي (ت٣١٣هـ/ ٩٢٥م)، وأبا مسلمة محمد بن إبراهيم المجريطي (ت بعد ٤٤٠هـ/ ١٠٤٩م)، ومحمَّد بن بشرون المجروطي (ت بعد٤٥٠هـ/ ١٠٨٥م)، وعلي بن موسى الأنصاري المعروف بابن أرفع رأس (ت٥٩٣هـ/ ١١٩٧م)، وغيرهم كثير ممن اشتهر وخلَّف مؤلَّفات كثيرة في الكيمياء، إلا أننا نقتصر على ترجمة الجلدكي؛ لِما امتازت به كتبُه وشروحه؛ فلقد جمع فيها آراء وأقوالَ وأفكار مَن سبقه ممن صنَّف وألَّف في الكيمياء، حتى كان المصدرَ الموثوق المحمود لكل من أرَّخ للكيمياء عند المسلمين.



الجِلْدكَي (ت٧٤٣هـ/ ١٣٤٣م)

علي بن محمَّد بن أيدمر الجلدكي، عز الدين، اختلفت المصادر في اسمه واسم أبيه، نسبته إلى "جِلْدَك" من قرى خراسان على فرسخين من مشهد الرِّضا، نزل دمشق وصنَّف فيها - كما يذكر حاجي خليفة - كتابه "البدر المنير في ينبوع الإكسير"، وذلك عام ٧٤٠هـ/ ١٣٣٩م، ورحل منها إلى القاهرة، حيث صنف فيها كتابًا آخر في أوائل شهر شوال من عام ٧٤٢هـ/ ١٣٤٢م بعنوان: "نتائج الفكر في الفحص عن الحجر".



يُعَد الجِلدكي من أعظم المؤلِّفين معرفةً بتاريخ الكيمياء وما كتبه السابقون؛ فقد كان مغرَمًا بجمع المؤلَّفات الكيميائية وتفسيرها، قضى معظم حياته في جمع كتب الكيمياء، التي استطاع الحصول عليها، وعمل على تفسيرها، أو التعليق عليها.



وكان ينقل عمَّن تقدَّمه من الأعلام من أمثال جابر بن حيَّان، وأبي بكر الرازي، وابن أرفع رأس، وأبي القاسم العراقي، وغيرهم، كان ينقل عنهم فقراتٍ كاملة، وبهذا الفعل أدى لتاريخ الكيمياء في الإسلام خدمةً جليلة؛ إذ دوَّن في مصنَّفاته التي خلَّفها كثيرًا مما اندثر وضاع من كتب سابقيه.



وقد وُجِدَ أن نُقُولَه كانت حقًّا لا ادعاءً؛ إذ عثر مؤخرًا على بعض الكتب التي نَقَلَ عنها، وكان يُظَن أنها ضاعت، ووجد التطابق بين ما ذكره الجِلدكي نقلاً عنها، وما تتضمَّنه هذه الكتب، الأمر الذي دفع هولميارد أن يصرِّح أن الجلدكي يستحق "أطيب الشُّكر والعِرفان بالجميل من كل أولئك الذين يهمهم دراسة تاريخ الكيمياء"[1].



وقد عدد له حاجي خليفة صاحب كشف الظنون - جملةً من المؤلَّفات، التي شرح فيها آراء غيره ممن سبقه من الكيميائيين، أهمها شرح شذور الذهب في الإكسير لأبي الحسن[2] علي بن موسى بن أبي القاسم علي الأنصاري الأندلسي، المعروف بابن أرفع رأس (ت ٥٩٣هـ/ ١١٩٧م)، وهو كتاب شِعر يتضمن قصائدَ في الشعر مرتبة على الحروف، شرحه الجلدكي، وسماه: "غاية السرور"، قال فيه: "استوعب - يقصد: ابن أرفع رأس - فيه جميعَ الحكمة المطلوبة، والنِّعمة المرغوبة".



وقد شدَّ انتباهي لدى اطلاعي في برلين على مخطوطة كتاب "شذور الذهب"، قصيدة نظمها ابن أرفع رأس على قافية الزاي، وردت فيها الأبيات التالية، التي يمكن اعتبارها وكأنها قيلت في وصف الذَّرَّة في الربع الأول من القرن الميلادي العشرين، أو لكأنها ترجمة ناطقة للنظرية الذرية الحديثة التي ابتكرها الفيزيائي الدنماركي بور (Bohr) عام ١٣٣٢هـ/ ١٩١٣م، وحصل إثرها على جائزة نوبل في الفيزياء:



فشتَّانَ بين اثنينِ، هذا مكوكب http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يدورُ، وهذا مركزٌ للمراكزِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وإنهما عند الحكيمِ لواحدٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لأنهما من واحدٍ متمايزِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فهذا على هذا يدورُ، وهذه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لها مركزٌ راسٍ بقدرةِ راكزِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وبينهما ضدانِ، عالٍ وسافلٌ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بقاؤُهما فردينِ ليس بجائزِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وبينهما جسمٌ مشفٌّ كأنه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

من اللُّطفِ فيما بينهم غيرُ حاجزِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فأعجِبْ بها من أربعٍ حال بعضها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إلى بعضها عن نسبةٍ في الغرائزِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فراسِبُها السُّفليُّ كوَّن جسمَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لنا من غليظِ الصاعدِ المتمايزِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






وقد توهم الأستاذ الدكتور عزة مريدان (انظر كتابة دراسات وتأملات في العلم والطب والحياة) أن الأبياتَ للجِلدكي؛ لأنه - والله أعلم - عثر عليها لدى اطلاعه على كتاب الجلدكي "غاية السرور"، الذي هو شرح لكتاب "شذور الذهب" في ثلاثة مجلدات.



وكتاب "المكتسب في زراعة الذهب" يرجع إلى أبي القاسم محمد بن أحمد العراقي، وله كتاب "كنز الاختصاص في معرفة الخواص"، وكتاب "البدر المنير في معرفة أسرار الإكسير"، وهو الذي ألفه في دمشق، وله كتاب "المصباح في علم المفتاح" جعله خلاصة لكتبه الخمسة، وهي: نهاية الطلب، وكنز الاختصاص، وغاية السرور، والبرهان في أسرار علم الميزان، وكتاب "التقريب في أسباب التركيب"، وهو كتاب ضخم أشبه ما يكون بموسوعة.



ومن الجدير بالذكر أن كتاب المصباح طُبع في بمباي، وأن الجزء الأول منه يتناول الكيمياء، وللجلدكي كتاب بعنوان "نتائج الفكر في الفحص عن الحجر"، وهو الذي ألَّفه بالقاهرة.



ومع أن شروحه لا تزيد عباراتِ الكتب التي شرحها إيضاحًا، إلا أنها ذاتُ قيمة تاريخية؛ لما اشتملت على أقوال من سبق، من أمثال: خالد بن يزيد، وجابر بن حيان، وأبي بكر الرازي، وغيرهم.



ومن المفيد أن نذكر أخيرًا أن فيدمان wiedemann - وهو من أشهر المستشرقين الذين خدموا تراثنا العلمي الكوني - قسَّم المصنَّفات والمؤلَّفات الكيميائية صِنفين:

صِنف يكتنهُه طابعٌ صوفي، ويكتنهه الغموضُ والإبهام كذلك، وصِنف آخر يختلف عن الأول اختلافًا بيِّنًا، يقوم في جملته على التجريب بشكل عامٍّ، وعلى هذه الكتب من الصِّنف الآخر قامت - كما يقرر فيدمان - الكيمياء الأوربية، ومن ثَم الكيمياء الحديثة، وقد عَدَّ فيدمان مؤلَّفات الجِلدكي من الصنف الأول، وهذا يتفق وما أفصح عنه الجِلدكي حين ذكر رأيه في التأليف: "ومن شروط العالم ألا يكتمَ ما علَّمه اللهُ تعالى، من مصالحَ يعود نفعُها على الخاص والعام، إلا هذه الموهبة - يقصد الكيمياء - فإن الشرط فيها ألا يظهرها بصريح اللفظِ أبدًا".





[1] هولميارد. أ. ج: "صانعو علم الكيمياء" أوكسفورد عام ١٩٦٤م، صفحة٨٢، (نقلاً عن كتاب "الكيمياء عند العرب"، لمصطفى لبيب عبدالغني).




[2] (لأبي الحسين) في صورة المخطوطة التي حظيت بها في برلين.

ابوالوليد المسلم 18-04-2019 09:12 PM

من مشاهير علماء الرياضيات المسلمين
 
من مشاهير علماء الرياضيات المسلمين


د. عبدالله حجازي






لا يخفى على المطلع على تراث المسلمين أن أعدادَ الرياضيين الذين أحرزوا شهرة من خلال مصنفاتهم، ومساهماتهم، وابتكاراتهم الرائدة في مجال علوم الرياضيات - كبيرٌ جدًّا.

وهذا المقال ما هو إلا لمحة عن علوم المسلمين الكونية؛ لذا فقد اخترنا ترجمة شخصيتين من من مشاهير علماء الرياضيات، ربما كانا غيرَ معروفين عند كثير من القراء.

الكرجي (ت٤١٩هـ/ ١٠٢٩م)

أبو بكر محمد بن الحسن الكرجي، عاش في بغداد في عهد فخر الملك أبي غالب محمد بن خلف، وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي، وقد عُرف لمدة طويلة بالكرخي حتى أثبت G.L.D.vida عام ١٣٥٢هـ/١٩٣٣م أن النسبةَ ينبغي أن تكون للكَرَج.

ألَّف الكرجي كتبًا كثيرة، أغلبها مفقود، أما الكتب المعروفة، فقد وضعها في بغداد باللغة العربية، من كتبه:
1- كتاب في حساب الهند، ذكره في كتابه البديع، ويبحث في استخراج الجذر التربيعي لكثير حدود جبري، وهو مفقود.

2- كتاب نوادر الأشكال، ذكره في كتابه الفخري (مفقود).

3- كتاب الدور والوصايا (مفقود).

4- الفخري: وهو كتاب مهم يبين أن الكَرَجي أثبت في هذا الكتاب وكتاب البديع والكافي في الحساب وبقية أعماله في الحساب والجبر - أنه مدرسة جبرية جديدة[1]، حققه الباحث الألماني فوبكه woepeke عام ١٢٧٠هـ/١٨٥٣م وترجَمه إلى الفرنسية.

ويذهب فوبكه إلى أن الكَرجي يعرف أعمال ديوفانطس الحسابية، واستفاد منها في كثير من المعالجات الحسابية، وأن كتاب الفخري امتاز بعرض المادة العلمية بأسلوب منظم رفيع جدًّا.

5- البديع، حققه وترجمه إلى الفرنسية الأستاذ عادل أنبوبا معتمدًا على نسخة الفاتيكان، نسخت عام ٥٩١هـ/١١٩٤م، وهي النسخة الوحيدة المعروفة.

6- كتاب أنباط المياه الجوفية، وصف الكرجي ميزة الكتاب وأهميته بقوله: لست أعرف صناعةً أعظم فائدة وأكثر منفعة من أنباط المياه الخفية، التي بها عمارة الأرض، وكيفية رضفها، وبيان موضعها من العالم.

7- كتاب عقود الأبنية، يبحث في البناء بشكل عام (أبنية، قلاع، جسور، أقنية).

8- كتاب الأجذار (أو نصف الأجذار).

9- كتاب حول تنصيف الجذور.

10- رسالة الخطأين.

11- الكافي في الحساب، خصص هذا الكتاب للموظفين ولعامة الناس، وقد امتدحه رضا كحالة، إذ قال عن مؤلفه إنه: "من أعاظم نوابغ الرياضيين الذين ظهروا في بداية القرن الخامس للهجرة، والذين كان لهم أثرٌ حقيقي في تقدُّم العلوم الرياضية".

وفي هذا الكتاب بعضُ قوانين وطرق حسابية مبتكرة لتسهيل بعض المعاملات كالضرب.

وقد ترجم هُخْ هايم hochheim هذا الكتاب إلى الألمانية عام ١٢٩٦هـ - ١٢٩٨هـ/١٨٧٨م - ١٨٨٠م، ونشره أحمد سعيدان عام ١٣٩١هـ/١٩٧١م.

الكاشي (ت نحو ٨٤٠هـ - نحو ١٤٣٦م)

جمشيد غياث الدين الكاشي، فارسي من كاشان، كان أول من أشرف على بناء المرصد الذي بناه ألوغ بك[2]، وهو أول من تولى إدارة المرصد، وكذلك أشرف على تنظيم الزيج أو جداول الهيئة.

وقد نسب ذلك الزِّيج إلى ألوغ بك، ودُعي الزيج السلطاني الجديد، أو الكركاني الحديث، ويُعَد من أنفس الأزياج، بلغ علمُ الهيئة وعلم الحساب في زمانه أوج ما وصلا إليه، وقد رصد الكاشي الكسوفات التي حصلت سنة ٨٠٩هـ، و٨١٠هـ، و٨١١هـ.

بينت بحوثُ السنوات الأخيرة أن الكاشي كان أعظمَ رياضي في القرن التاسع الهجري/ القرن الخامس عشر الميلادي وأعظم فَلَكيِّيه، وأن أعماله في عدة مجلات تعتبر ذروةَ العلم في حِقبة القرون الوسطى، مما يلفت النظر إلى طرق حساباته الرائعة، وفن إحصاءاته الماهر، مما ليس له مثيل في الماضي ولا في الحاضر.

كان الكاشي يُعَد عماد علم الفلك والبطليموس الثاني، لم يكن الكاشي يعتني بمظهره الخارجي؛ فقد قيل: "إن ألوغ تغاضى عن فضاضة الكاشي مستخدمه للغزارة علمه ولأجلها فقط".

خصص الكاشي الكثيرَ من وقته لعلم الفلك، فظهرت منه براعات أثناء حله لبعض المسائل الفلكية التي تحتاج إلى تطوير طرق الحسابات التقريبية، من مؤلفاته:
١- مفتاح الحساب؛ لسد حاجات المحاسبين والمهندسين والرياضيين والمساحين وغيرهم، لم يكن له من مثيل بين المؤلَّفات الرياضية للقرون الوسطى من حيث كمالُه، وانتظام ترتيبه، ووضوح شروحه.

من أهمِّ ما توصل إليه الكاشي في مفتاح الحساب: شرحُه المفصل للكسور العشرية (الأعشارية)، وكتاباته المتعلقة بقسم الجبر؛ فالكاشي يصوغ فيه قواعدَ كثيرة لجمع المتتاليات كما يسرد الخصائصَ الهندسية لبعض الأشكال وغيرها مما تلزم في أشياء عديدة، والكتاب محقق ومطبوع.

٢- "الجدول الفلكي الخاقاني"؛ يُعَد هذا الجدول تتمة وتدقيقًا للجدول الشهير "الجدول الفلكي الأيلخاني" لنصير الدين الطوسي، الذي وضعه الطوسي قبل مائة وخمسين عامًا من تاريخ الجدول الخاقاني.

وقد وضع الكاشي الجدول الخاقاني تكريمًا للشاه الذي ساعد كثيرًا على تطوير العلم في العاصمة هراة.

٣- "رسالة الوتر والجيب"، وضعت في استخراج ثلث القوس المعلومة الوتر والجيب، ولتدقيق جداول مثلثية يحتاج إليها في الدراسات الفلكية.

٤- "الرسالة المحيطية"؛ كانت هذه الرسالة محل البحث والدراسة عند لوكي، الذي قال: لو عرفها الغرب لادخر أكثر من مائة وخمسين عامًا حتى توصل إلى معرفة نسبة محيط الدائرة إلى القطر، وهي ما تتضمنه الرسالة بدقة فائقةٍ، وإلى مرتبة بعيدة في التقريب (انظر قبله).

٥- "رسالة في الآلات الفلكية باللغة الفارسية"؛ مخطوطة محفوظة في لايدن تصف آلات فلكية استعملت في زمن الكاشي وصفًا دقيقًا، يخرج الدارس لها بفكرة واضحة عن الآلات الفلكية المستعملة في ذلك الزمان.


[1] ذكر الدكتور الدفاع في كتابه "العلوم البحتة...." أن صلاح أحمد ورشدي راشد اكتشفا مخطوطة للسَّمَوءل المغربي، وأن هذه المخطوطة توضح أن مثلث معاملات ذات حدين يجب أن ينسب لصاحبه الكرجي، وليس - كما يسميه علماء الغرب - مثلث باسكال (ت ١٠٧٣هـ/ ١٦٦٢م).

[2] ألوغ بك حفيد تيمور لنك، عاش في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، لَمَّا آل إليه سلطان سمرقند أقبل على علم الفَلك بنشاط عظيم، فأحاط نفسه بعددٍ قليل من علماء المسلمين، فاستطاع بما لديه من الغنى أن يضع آلاتٍ رصدية كانت غير معروفة قبل هذا التاريخ، أما المرصد الذي بناه فقد امتاز بآلاتِه الكبيرة، وهي من الدقة على جانب عظيم.


ابوالوليد المسلم 21-04-2019 04:02 PM

من مشاهير علماء الفيزياء المسلمين.. الخازن
 
من مشاهير علماء الفيزياء المسلمين.. الخازن


د. عبدالله حجازي





الخازن (ت نحو 550هـ/ نحو 1155م)


عبدالرحمن الخازن، أو الخازني، أبو الفتح، كان غلامًا محبوبًا روميًّا لعلي الخازن المروزي، حصَّل علوم الهندسة والمعقولات، وكمل فيها؛ لما كانت تتوافق مع طبعه، مع جهده في تحصيلها.

قال عنه البيهقي الشهير بابن فندمه: "كان نقيَّ الجيب عن الأطماع الخسيسة، بعث السلطان الأعظم سنجر[1] إليه ألف دينار على يد الإمام شافع الطبيب فرده، وقال: لا أحتاج إليها، وبقي لي عشرة دنانير، ويكفيني كل سنة ثلاثة دنانير، وليس معي في تلك الدار إلا سنور".

وهذا يعني أنه لم يكن للخازن زوجةٌ أو غيرها ليهتمَّ بها.

وكان الخازن متقشفًا، يلبَس لباس الزهاد، وكان يتوقد ذكاءً، وصاحب مواهب عظيمة، وبخاصة في الفيزياء والميكانيك، قام بتعيين الأوزان النوعية لكثير من المعادن والمركبات.

له كتاب في ذلك سماه "ميزان الحكمة"، أورد فيه ميزانَ الماء لأرشميدس لمالانوس، والميزان الطبيعي لمحمد بن زكريا الرازي، وميزان الماء المطلق للإمام عمر الخيامي، ثم فصَّل الأعمال التي أجراها وتجري على "ميزان الحكمة" الذي قام بتركيبه وتصنيعه، فكان ميزانًا توزن عليه الأجسام في الهواء والماء.

هذا، وقد وصف مكوناته وكيفية استعماله، وكيفيه الوزن، وتَعداد وجوه الوزن "بميزان الحكمة"، وكيفية إثبات مراكز الفلزات والجواهر.

والكتاب في ثمان مقالات، خصص المقالة الثامنة منها لميزان الساعات وأزمانها.

ولقد بقي هذا الكتاب مجهولاً حتى عثر قنصل روسيا في تبريز على نسخة منه، وقام بترجمة ونشر جزء منه في:
Journ. Americ. Oriental. Soc. Bd. 6, 1857.



أما الفيزيائي الألماني wiedeman، فأخذ المبادرة، ونقل جزءًا كبيرًا من الكتاب إلى اللغة الألمانية، ونشر ما نقله في مجلات فيزيائية متخصصة، أشاد خلال ذلك بأعمال الخازن في قياس الأوزان النوعية لبعض المعادن والمركبات.

وقد اعتمد الخازن في قياسه هذا على دراسات وكتابات البيروني، وعلى ما أنتجته قريحتُه هو نفسه، وقد خصص Th. Lbel للخازن ترجمةً، وذلك في رسالته التي قدمها لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان:
Die wahe im altertum und mittelalter, erlangern 1908.


ويُعَد كتاب "ميزان الحكمة" الأول من نوعه بين الكتب القديمة العلمية القيمة، بل ولعله الكتابُ الوحيد المعروف الذي يحتوي على بحوث مبتكرة أصيلة جليلة في علم السوائل الساكنة.

ومما لا شك فيه أن طُلاَّبنا - بل الطلاب في مدارس الدنيا كلها - يدرسون أن "توريشيللي" هو أول من بحث في وزن الهواء، وكثافته، والضغط الذي يحدثه، ولا يعلم أحدٌ أن في كتاب "ميزان الحكمة" ما يُثبت أن الخازن سبقه في ذلك؛ إذ تناول في هذا الكتاب مادةَ الهواء ووزنه، وأشار إلى أن للهواء وزنًا وقوة دافعةً كالسوائل، وأن وزن الجسم المغمور في الهواء، ينقص عن وزنه الحقيقي، وأن مقدار ما ينقصه من الوزن، يتبع كثافة الهواء، وأن قاعدة أرشميدس تسري على السوائل، وتسري على الهواء كذلك.

ولا يخفى ما ترتب على هذه البحوث - فيما بعد - فقد كانت أساسًا عوَّل عليها الأوربيون، فاخترعوا البارومتر، ومفرغات الهواء، والمضخات المستعملة لرفع المياه.

ومن الحقائق العلمية التي وردت في كتاب "ميزان الحكمة" حقيقةُ أن الأجسام تتجه في سقوطها إلى الأرض في اتجاه مركزِها.

وقد علل الخازنُ ذلك على أساس الجاذبية، فهو يقول عن سقوط الأجسام: "إن ذلك ناتجٌ عن قوة تجذب هذه الأجسامَ في اتجاه مركز الأرض".

ويذكر قدري حافظ طوقان نقلاً عن المقدمة التي وضعها فؤاد جميعان لمخطوط ميزان الحكمة للخازن، الذي نقله مع شيء من الشرح، ونشره سنه 1947م في كتاب تحت اسم "ميزان الحكمة": "أن الخازن أجاد في بحوث مراكزِ الأثقال، وفي شرح بعض الآلات البسيطة، وكيفية الانتفاع بها، وقد أحاط بدقائق المبادئ التي عليها يقوم اتِّزان الميزان والقبَّان، واستقرار الاتزان - إحاطةً مكَّنتْه من اختراع ميزان من نوع غريب لوزنِ الأجسام في الهواء والماء".

هذا، وقد ذكر البيهقي - كذلك - أن الخازن صنَّف فيما صنف، الزيج المعنون بـ"المعتبر السنجي"، بحَث جميعَ ما فيه من الأوساط (الحركات اليسيرة) والتعديلات (القوانين) في تقويم عطارد، خصوصًا في حال رجوعه.

إننا لم نعرف من كتب الخازن إلا كتاب "ميزان الحكمة"، ولا شك أنه صنَّف غيره؛ لأنه كان منقطعًا للعلم، منصرفًا للاشتغال بفروعه.

فإذا كان العثور على كتاب ميزان الحكمة قد بيَّن حقائقَ ومعالم في مجال الفيزياء كنا نحسبها من مبتكرات الأوربيين، وإذا كان هذا الكتاب بمفرده وما ضم من معارف وعلوم دفَع شيخ مؤرخي العلوم سارطون أن يصرح: "إنه من أجلِّ ما أنتجتْه القريحةُ في القرون الوسطى" - فماذا ترانا نتوقع لو عُثِر على كتب لا تحصى لعلماء مسلمين آخرين، ذكرها ابن النديم والقفطي وابن أبي أصيبعة، التي أفنى العلماءُ أعمارَهم في كتابتِها وتصنيفها؟


أفلا تأخذنا الدهشةُ و يتلبسنا الذهول إذا تبين أن كثيرًا من الأوربيين قد استفاد منها، ونسبها إلى كبلر وغاليلو ونيوتن وغيرهم؟

والعجب كل العجب أن يسلخ مثل فيدمان wiedeman اثنتين وخمسين عامًا من عمره، ينقل من المخطوطات العربية إلى اللغة الألمانية، وينشر ما ينقل في مجلات علمية متخصصة، وهو الفيزيائي المتبحِّر في علمه في وقته، بينما لا يكلِّف أحدٌ نفسَه من المسلمين العاملين في حقول العلوم في نشر أو تحقيق مخطوطة من هذه المخطوطات الوفيرة هنا وهناك، وقد علاها الغبارُ وتغيَّر لون أوراقها، وأتت الأَرَضَةُ على بعضها؛ أتراه - فيدمان - يسلخ في ذلك ثلاثة أخماس عمره لو لم يجد في ذلك علمًا نافعًا، ومصدرًا خصبًا؟


[1] هو السلطان معز الدين أبو الحارث سنجر، الذي حكم ما بين عامي 511هـ - 552هـ (1117م - 1156م).




ابوالوليد المسلم 22-04-2019 09:25 PM

من مشاهير علماء الصيدلة المسلمين .. ابن البيطار
 
من مشاهير علماء الصيدلة المسلمين .. ابن البيطار


د. عبدالله حجازي




من مشاهير علماء الصيدلة المسلمين (1)

ابن البيطار (ت646هـ / 1248م)


عبدالله بن أحمد المالقي، أبو محمد، ضياء الدِّين، المعروف بابن البيطار: إمام النباتيِّين وعلماء الأعشاب، وُلد في مالقة، وتعلَّم الطب، ورحل إلى بلاد الأغارقة (اليونان) وأقصى بلاد الروم؛ باحثًا عن الأعشاب والعارفين بها، حتى كان الحُجَّة في معرفة أنواع النبات وتحقيقه وصفاته وأسمائه وأماكنه، واتصل بالملك الكامل الأيوبي (ت: 635هـ / 1238م)، فجعله رئيسًا على سائر العَشَّابين وأصحاب البسطات في الديار المصرية، ولما توفِّي الملك الكامل بدمشق، توجَّه ابن البيطار إلى القاهرة، فخدَم الملك الصالح نجم الدِّين أيوب ابن الملك الكامل، وكان حفيًّا عنده مُتقدِّمًا في أيامه، توفِّي ابن البيطار بدِمَشق في شهر شعبان سنه ست وأربعين وستمائة فجأةً، ولضياء الدِّين بن البيطار مِن الكتب "كتاب الجامع في الأدوية المفرَدة" المعروف بـ"مفردات ابن البيطار"، وقد استقصى فيه ذكْر الأدوية المفرَدة وأسمائها، وتحريرها وقوتها، ومنافعها ومضارِّها، وإصلاح ضَررها، والمِقدار المستعمَل مِن جرمها أو عُصارتها أو طَبيخها، والبدل منها عند عدمها. ويقول ابن أبي أُصيبعة عنه: "ولم يوجد في الأدوية المفرَدة كِتاب أجل ولا أجود منه"، وصنَّفه للملك الصالح نجم الدِّين أيوب ابن الملك الكامل.

وقد استشهَد المؤلف بأكثر مِن 150 مؤلفًا، وذكَر فضْل كلٍّ منهم في موضوعه، وقد وصَف أكثر مِن 1400 عقار بين نباتيٍّ وحيوانيٍّ ومعدنيٍّ، منها ثلاثمائة عقار جديد، لم يذكرها أحد قبله، فكان ثمرة ناضِجة لعمق الدراسة، ودقَّة الملاحَظة، وسعة الاطلاع، وهكذا فإن الكتاب المرتَّب حسب الأحرُف الأبجديَّة يعدُّ أعظم ما أُلِّف بالعربية عن النبات، ولم تُعرَف أعمال ابن البيطار في العالم الغربيِّ إلا متأخِّرة.

يقول ابن البيطار في مقدِّمة كتابه هذا: إنه "أودع فيه أغراضًا يتميز بها عما سواه، ويفضَّل على غيره بما اشتمل عليه وحواه"، وقد بيَّن منهجه في تأليفه من خلال الأغراض الستة التي جاءت في المقدِّمة، وهي:
الغرض الأول: استيعاب القول في الأدوية المفرَدة والأغذية المستعمَلة على الدوام والاستمرار، عند الاحتياج إليها في ليل كان أو نهار... "استوعبت فيه جميع ما في الخَمس مقالات مِن كتاب الأفضل ديقوريدوس، وكذا فعلتُ أيضًا بجميع ما أورده الفاضل جالينوس في الستِّ مقالات مِن مُفرداته بنصه، ثم ألحقتُ بقَولهما مِن أقوال المحدَثين في الأدوية النباتية والمعدنية والحيوانيَّة مالم يَذكُراه، ووصفتُ فيها عن ثقاة المحدَثين وعلماء النباتيِّين مالم يَصِفاه، وأسندتُ في جميع ذلك الأقوالَ إلى قائلها، وعرفتُ طرُق النقل فيها بذِكر ناقِلها، واختصصتُ بما تمَّ لي به الاستِبداد، وصحَّ لي القول فيه ووضح عِندي عليه الاعتماد".

الغرَض الثاني: صحَّة النقل فيما أذكره عن الأقدمين، وأحرِّره عن المتأخِّرين، فما صحَّ عِندي بالمشاهَدة والنظر، وثبَت لديَّ بالخُبر لا الخَبر، ادَّخرتُه كنزًا سريًّا، وعددتُ نفسي عن الاستعانة بغَيري فيه سوى الله غنيًّا، وما كان مخالفًا في القوى والكيفية، والمشاهَدة الحسية في المنفعة والماهية، للصواب والتحقيق، أو أن ناقله أو قائله عدَلاَ فيه عن سواء الطريق، نبذته ظهريًّا، وهجرته مليًّا، وقلت لناقلِه أو قائله: لقد جئت شيئًا فريًّا، ولم أُحابِ في ذلك قديمًا لسَبقِه، ولا محدَثًا اعتمد غيري على صِدقه.

الغرض الثالث: ترك التَّكرار حسب الإمكان، إلا فيما تمسُّ الحاجة إليه لزيادة معنى وتبيان.

الغرض الرابع: تَقريب مأخذِه بحسب ترتيبه على حروف المعجَم مقفًّى؛ ليَسهل على الطالب ما طلب، مِن غير مشقَّة ولا عَناء ولا تعَب.

الغرض الخامس: التنبيه على كل دواء وقَع فيه وهْم أو غلَط لمتقدِّم أو متأخِّر؛ لاعتماد أكثرهم على الصحُف والنقل، واعتمادي على التجربة والمشاهَدة حسب ما ذكرتُ.

الغرض السادس: في أسماء الأدوية بسائر اللغات المتبايِنة في السمات، مع أني لم أذكر فيه ترجمة دواء إلا وفيه منفعة مذكورة، أو تجربة مشهورة، (وذكرتُ) كثيرًا منها بما يُعرف به في الأماكن التي تَنبت فيها الأدوية المسطورة؛ كالألفاظ البربرية واللاطينية، وهي أعجمية الأندلس؛ إذ كانت مشهورة عندنا، وجارية في معظم كتبنا، وقيدتُ ما يجب تقييده منها بضبط الشكل والنقْط تقييدًا يؤمَن معه من التصحيف، ويسلَم قارئه مِن التبديل والتحريف.

ولابن البيطار مؤلَّفات أخرى منها: كتاب "المُغني في الأدوية المفردة" في العقاقير، تناوَل فيه علاج الأعضاء، عضوًا عضوًا بطريقة مختصَرة؛ كي يَنتفع به الأطباء، وهو كتاب حظي بالشهرة كذلك، وله كتاب "ميزان الطبيب"، وكتاب "الإبانة والإعلام بما في المنهاج مِن الخلل والأوهام"، ومن الكتب التي يذكرها ابن أبي أصيبعة لابن البيطار كتاب "شرح أدوية كتاب ديسقوريدس"، وكتاب "الأفعال الغربية والخواص العجمية"، وقد اجتمع ابن أبي أصيبعة بابن البيطار سنة 633هـ بدمشق، ورأى مِن حسن عشرته، وكمال مروءته، وطيب أعراقه، وجُود أخلاقه، ودرايته وكرم نفسه، ما يَفوق الوصف ويُتعجَّب منه، وقد شاهد ابن أبي أصيبعة مع ابن البيطار كثيرًا مِن النبات في مواضعه في ظاهر دمشق، وقرأ عليه أيضًا تفسيره لأسماء أدوية كتاب ديسقوريدس، فوجَد مِن غزارة عِلم ابن البيطار ودرايته وفهمه شيئًا كثيرًا جدًّا.

ومما يَجدُر في هذا الصدد أن كتاب ابن البيطار "الجامع في الأدوية المفرَدة" ما زال يُترجَم إلى اللغات الأروبية حتى العقد الخامس مِن القرن التاسع عشر الميلادي؛ حيث ظهرت ترجمة كاملة باللغة الألمانية في شتوت غارات عام 1842م، وحريٌّ بأهل الاختِصاص ألا يَزهدوا في تراث المسلمين العِلمي؛ فإن نهضة أوروبا - ومن ثم العالم بأسره - قامت على هذا التراث، وأبسط ما يُقال بخصوص علم الصيدلة ما ذكرته الموسوعة البريطانية: "والحق أن كثيرًا من أسماء الأدوية وكثيرًا من تركيباتها المعروفة حتى يومنا هذا، وفي الحقيقة المبنى العام للصيدلة الحديثة - فيما عدا التعديلات الكيماوية الحديثة بطبيعة الحال - قد بدأه العرب".

فما أحوجَ هذا التراثَ إلى ذوي الاختِصاص يطَّلعون عليه، ويَدرسونه ويَنشُرونه؛ ففيه - على أقل تقدير - شَحذ لِهمم الأجيال القادمة بأن يتطلَّعوا إلى الأخذ بهذه الأمة إلى الصدارة كما كان الأسلاف، وفيه كذلك رفع الروح المعنوية عند طلَبة العِلم، فليس الإبداع والاختِراع في مجال العلوم الكونية والطبِّ والصيدلة مقصورًا على طلبة العِلم في الغرب والشرق، بل هو ملْك لمن يأخذ بالأسباب ويَبحث في الأعماق.

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 18 - 20].

المصدر: لمحات في تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين


ابوالوليد المسلم 25-04-2019 01:01 AM

من مشاهير علماء المسلمين ..
 
من مشاهير علماء الصيدلة المسلمين .. ابن الصوري


د. عبدالله حجازي




من مشاهير علماء الصيدلة المسلمين (2)


ابن الصُّوري(ت639هـ / 1241م)


رشيد الدِّين بن أبي الفضل بن علي الصُّوري:
عالِم بالنبات والطبِّ، مولده في صُور (بساحل لبنان) وإليها نسبته، درَس الطبَّ في الشام وساحَ في مصر، وأقام مدةً في القدْس، كان أوحدَ زمانه في مَعرِفة الأدوية المفرَدة وماهيَّتها، واختِلاف أسمائها وصفاتها، وتحقيق خواصِّها وتأثيراتها، اطَّلع ابن الصُّوري على كثير مِن خواصِّ الأدوية المفرَدة؛ حتى تميَّز على كثير مِن أربابها، وأربى على سائر مَن حاوَلها واشتغَل بها، وكان ابن الصُّوري ذا مروءة لا مَزيد عليها، مرَّ المَلِك العادل بالقدْس فاستصحَب ابن الصُّوري معه مِن القدس إلى مصر، فبقي في خدمته، ثم خدم ابنه المَلِك المعظَّم، فالناصِر ابن المعظَّم، فأجراه على جامكيَّته، ورأى له سابق خدمتِه، وفوَّض إليه رياسة الطبِّ، وبقي معه في الخدمة إلى أن توجَّه الملك الناصر إلى الكرَك، فأقام ابن الصُّوري بدمشق، فتوفِّي فيها يوم الأحد أول شهر رجب سنة 639هـ (1241م)، حرَّر ابن الصُّوري أدوية الترياق الكبير جميعَها على ما ينبغي، فظهَر نفعه، وعظمتْ فائدته.

ولرشيد الصُّوري مِن الكتُب:
"كتاب الأدوية المفرَدة"، وهذا الكتاب بدأ بعمله في أيام الملك المعظَّم، وجعله باسمه، واستقصى فيه ذكر الأدوية المفرَدة، وذكر أيضًا أدويةً اطَّلع على معرفتها ومنافعها ولم يَذكرها المتقدِّمون، وكان يَستصحِب مصوِّرًا، معه الأصباغ على اختِلاف أنواعها، فكان يتوجَّه رشيد الدِّين بن الصُّوري إلى المواضع التي بها النبات؛ مثل جبل لبنان وغيره مِن المواضع التي قد اختصَّ كلٌّ منها بشيء مِن النبات، فيُشاهد النبات ويُحقِّقه، ويُريه للمصوِّر فيَعتبِر لونه ومِقدار ورقه وأغصانه وأصوله، ويصوِّر بحسبها، ويَجتهد في محاكاتها، ثم إنه سلك أيضًا في تصوير النبات مسلكًا مفيدًا، وذلك أنه كان يُري النبات للمصوِّر في إبان نباته وطراوته فيُصوِّره، ثم يُريه إياه أيضًا وقت كماله وظهور بَزره فيُصوِّره كذلك، ثم يُريه إياه أيضًا في وقت ذَواه ويبْسه فيُصوِّره، فيكون الدواء الواحد يُشاهِده الناظر إليه في الكتاب، وهو على أنحاء ما يُمكن أن يراه في الأرض، فيكون تحقيقه له أتم، وله أبيَن.

المصدر: لمحات في تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين



ابوالوليد المسلم 26-04-2019 07:27 PM

من مشاهير علماء المسلمين ..
 
من مشاهير علماء الصيدلة المسلمين .. داود الأنطاكي


د. عبدالله حجازي




من مشاهير علماء الصيدلة (3)

داود الأنطاكي (ت: 1008هـ / 1599م)



داود بن عُمر الأنطاكي:
عالِم بالطب والصيدلة والأدب، ولد في أنطاكية في بداية القرن العاشِر الهِجري، مكفوف البصر، حفظ القرآن صغيرًا، وقرأ المنطق والرياضيات وشيئًا مِن الطبيعيات، ودرس اللغة اليونانية فأحكمَها، كان الأنطاكي - رغم أنه ضرير - مُحبًّا للسفر، دَؤوبًا عليه، ترَك أنطاكية شابًّا، لقَّبوه بالحكيم الماهر الفريد، والطبيب الحاذِق الوحيد، أبقراط زمانه، والعالِم الكامل، عُني بقراءة كتب الأقدَمين، واختصَّ بدراسة الطب العِلاجي، وتحضير الأدوية والوصفات، وقد انتهت إليه رياسة الأطباء في زمانه.

كان الأنطاكيُّ قويَّ البَديهة، كثير الإسهاب، يُسأل عن شيء فيُجيب عليه بكرَّاسة أو كراستَين، وكان لداود رأيٌ بخصوص الدواء على جانب عظيم مِن الأهمية، فهو يَرى أن زمان ومكان قطْع الدواء لهما دور كبير جدًّا في فعل الدواء، ومِقدار العنصر أو الجَوهر الفعَّال فيه، كما أشار إلى أثر البيئة على فعْل الجَوهر وآثاره، هذا ويعرض داود في تذكرته عدة قواعد أساسية في صناعة الدواء وطريقة العِلاج، ويُورِد وصَفات عامَّة، وعشرات مِن الأكحال والأدهان والسفوف والتراكيب المختلفة، وكان في ذلك أستاذًا، لا يُجحَد فضله فيه، هاجَر إلى القاهِرة، فأقام مدةً اشتهر بها، ورحل إلى مكة فأقام سنَة توفِّي في آخِرها.

مِن تصانيفه: "تذكرة أولي الألباب والجامع للعجَب العُجاب" في الطبِّ والحِكمة، ثلاثة مجلدات، يُعرَف بـ"تذكرة داود"، وقد اشتهر به، ألَّفه على حروف المعجم، على نحو كتاب ابن البيطار، وجعله مِن مقدِّمة وأربعة أبواب وخاتمة، بحث في مقدمته تصنيف العلوم وحال الطبِّ فيها، وبحث في الباب الأول كليات العلوم ومداخلَها، وفي الثاني تجهيز الأدوية، وفي الثالث مفرَدات الأدوية ومركباتها، وفي الرابع الأمراض وعلاجاتها.

وقد أورَد في تذكرته أدوية حيوانيَّة ونباتية ومعدنية كثيرة، بلغت نحو 1700 دواء، وقد لوحِظ أن بعض الأدوية التي ذكَرها تُجافي العِلم، بل والذوق العام، وله كتاب "النزهة المُبهِجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزِجة"، وكتاب "نُزهة الأذهان في إصلاح الأبدان"، وله كذلك "ألفية في الطبِّ"، و"كفاية المُحتاج في عِلم العلاج"، وله كتُب أخرى في الأدب والفقه والمَنطِق وعِلم الكلام.

مِن أقواله:
"عارٌ على مَن وُهب النُّطق والتمييز أن يَطلُب رتبةً دون الرُّتبة القُصوى"، وقوله: "كفى بالعِلم شرفًا أن كُلاًّ يدَّعيه، وبالجهل ضعةً أن الكل يتبرَّأ منه، والإنسان إنسان بالقوة إذا لم يَعلم، فإذا عَلِم كان إنسانًا بالفِعل"، ومِن أقواله عن الطب: "إنه كان مِن علوم الملوك، يُتوارَث منهم، ولم يَخرج منهم؛ خوفًا على مرتبته، وقد عوتب أبقراط في بذلِه للأغراب، فقال: رأيتُ حاجة الناس إليه عامَّةً، والنظام متوقِّف عليه، وخشيتُ انقِراض آل أسفيموس، ففعلتُ ما فعلتُ"، ثمَّ يُضيف داود: "ولعَمري، لقد وقَع لنا مثل هذا، فإني حين دخلتُ مصر، ورأيتُ الفقيه الذي هو مرجع الأمور الدينيَّة، يَمشي إلى أوضَع يَهوديٍّ للتطبيب، فعزمتُ على أن أجعله كسائر العلوم، يُدرَس ليستفيد به المسلمون، فكان ذلك وبالي ونكَد نفسي، وعدم راحتي، مِن سفهاء لازَموني قليلاً، ثم تعاطَوا الطبَّ، فضرُّوا الناس في أموالهم وأبدانهم، وأنكروا الانتفاع بي".

المصدر: لمحات في تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين

القلب الحزين 13-06-2019 02:23 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
عمل جميل وممتع
نرجو ان نقراء في هذه الصفحه كل جديد عن جبابرة علماء المسلمين
القداماء والمعاصرين

يثببت الموضوع لفتره

بارك الله فيك اخي الكريم

وكل احتـــــــــــــــــرامي لشخصكم الفذ

ابوالوليد المسلم 13-06-2019 03:07 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
جزاكم الله خيرا على التثبيت أخى الفاضل
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال


ابوالوليد المسلم 13-06-2019 04:13 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
من مشاهير علماء المسلمين في الفلك



د. عبدالله حجازي



الصوفي الرازي (ت 376هـ/ 986م):



عبدالرحمن بن عمر بن محمد بن سهل الصوفي الرازي، أبو الحسين، من أهل الرَّي، عاصَر عضد الدولة الذي أدرك فضلَه، وأولاه برعاية عظيمة، وكان يقول عنه: (إنه معلِّمه في الكواكب الثابتة وأماكنها)، ويقول القفطي عنه: (إنه الفاضلُ الكامل النَّبيه النبيل).
نبغ الصوفي بالفَلك، وأدت الدراسة الحديثة في تاريخ علم الفلك إلى اعتبار منزلةِ الصوفي تقع ما بين بطليموس وأرغلندر Argelander (ت 1292هـ/ 1875م)، إلى اعتبار الصوفي ثالث ثلاثة من العظماء الذين كتبوا في الكواكب الثابتة، وكان H.C.F.C.Schjellerup ممن أبرز منزلةَ الصوفي الرفيعة.
من آثاره كتاب:
"الكواكب الثابتة" الذي بناه على كتاب "المجسطي" لبطليموس، ولم يكتفِ الصوفيُّ بمتابعته، بل رصد النجوم كلها، نجمًا نجمًا، وعيَّن أماكنَها وأقدارها بدقةٍ تثير الإعجاب، ولقد اعترف له بدقةِ وصفِه لنجوم السماء، مما ساعد على فهم التطورات التي تطرأ على النجوم.
ويُعَد كتابه هذا أحدَ الكتب الرئيسية الثلاثة التي اشتهرت في علم الفَلك عند المسلمين، أما الكتابان الآخران، فأحدهما لابن يونس المصري (398هـ/ 1007م)، والآخر لأولغ بك (ت 841هـ/ 1437م).
يمتاز كتاب "الكواكب الثابتة" برسومه الملونة للأبراج، وبقية الصور السماوية، وقد مثَّلها على هيئة الأناسي والحيوانات، وذكر أسماءها العربية، التي لا يزال بعضُها مستعملاً حتى الوقت الحاضر، مثل: الدُّب الأكبر، والدب الأصغر، والحوت، والعقرب.

ابن الهيثم (ت 432هـ/ 1041م):
الحسن (أو محمد، كما ورد في الأعلام) بن الحسن بن الهيثم.
من أجلاَّء الرياضيين والفَلكيين والفيزيائيين[1] المسلمين، وباعُه في علم الهيئة عظيمٌ؛ فإن ربع مصنفاته يبحث في الفَلك وما يتعلق به.
وقد خرَج الفيزيائي الألماني (Schramm) من خلال دراسته لبعض مؤلفات ابن الهيثم في علم الهيئة - برأي مفاده - كما ينقل عنه سزكين - أن الميزة البارزة في هذه المؤلفات أنها تربط الفيزياءَ الأرسطاطاليسية بالرياضيات التطبيقية في علم الهيئة التقليدي والضوء، أو بعبارة أخرى: فقد حاول ابن الهيثم بشكل رئيسي أن يوحِّد الفلسفةَ الطبيعية الأرسطاطاليسية ونظرية الكواكب البطليموسية.
ويُعَد مُؤلَّف ابن الهيثم "مقالة في هيئة العالم"، المؤَلَّفَ الفَلكي الرئيسي؛ إذ كان له أهميته وفعله فيما بعد في التطور الذي حظي به علمُ الهيئة العربي والغربي على السواء.
يكفي أن يُسْتَشهد بدراسة هارتنر Hartner التي توصَّل من خلالها إلى أن نظرية novae planetum التي تنسب إلى بويرباخ Peurbach النمساوي (ت 866هـ/ 1461م)، والتي كان لها أثرٌ بالغ في رجيومونتان Regiomontan تلميذ بويرباخ، وعلى كوبرنيكوس - ما هي إلا نسخة أخرى لنظرية ابن الهيثم.
هذا، ويرى كول Kohl أن ما ذكره ابن الهيثم في "مقالة في ضوء القمر" يُعَد أول محاولة لدراسةٍ فيزيائية فَلكية مسهبة، بل ويستنتج كول من خلال دراسته لهذه المقالة وما تضمنته - أن ابن الهيثم يعد الباحثَ الطبيعي الحقيقي، وأنه مؤسس البحث الطبيعي الحديث، وأن روجر بايكون (ت 692هـ/ 1292م) نقل طريقتَه إلى بلاد الغرب بشكل آخر إلى حدٍّ ما؛ ولهذا فإن الشهرةَ التي اكتسبها روجر بايكون على أنه مؤسس الطريقة الاستقرائية، اكتسبها بغير وجه حق.
ومن الجدير بالذكر بهذا الصدد أنه أطلق على ابن الهيثم لقب "بطليموس الثاني"؛ لإبداعِه في علم الهيئة وعنايته به، فقد ألَّف في هذا الموضوع - كما يذكر ابن أبي أصيبعة - أربعًا وعشرين مقالة، لم يصِلْ منها سوى سبع عشْرة مقالة، تحدَّثَ فيها عن أبعاد الأجرام السماوية وأحجامها، وكيفية رؤيتها، وعن الرصد النجومي، وعن ارتفاع القطب... نذكر منها: "مقالة في علم الهيئة"، و"مقالة في كيفية الرصد"، و"مقالة في ضوء القمر"، و"جواب عن سؤال السائل عن المجرة: هل هي في الهواء أو في جسم السماء؟"، و"مقالة في حل شكوك حركة الالتفات"، و"مقالة في صورة الكسوف"، و"مقالة في حركة القمر"، و"مقالة في سمت القبلة".
أبو الريحان البيروني (ت 440هـ/ 1048م):
محمد بن أحمد، أبو الريحان، البَيْرُوني الخوارزمي، من أهل خوارزم، وينسب إلى بيرون، وهي مدينة في السِّند.
كان مشتغلاً بالعلوم الحكمية، فاضلاً في علم الهيئة والنجوم، وكان يتلمس الحقيقة، بعيدًا عن التعصب المضلل أو الوهم، اتَّخذ لنفسه منهجًا يقوم على الملاحظة الدقيقة والتجرِبة.
أجاد البيروني عدة لغات: العربية والفارسية والسنسكريتية واليونانية والسريانية، فكانت له خيرَ عون في دراساته العلمية؛ فاطَّلع على مراجع تلك الثقافات المختلفة دون أن يعتمد على ما تُرجم منها.
وقد كان البيروني محبًّا للغة العربية، ويفضِّلها على غيرها من اللغات، فكتب بها كلَّ مؤلَّفاته تقريبًا، وبذلك رفع من شأنها، وحبب الناس فيها، ودافَعَ عنها ضد كل تيار فارسي أو أعجمي.
هذا، وقد أُطلق على البيروني لقب الأستاذ، وكان له منزلة رفيعة عند ملوك عصره.
من أهم كتبه الفلكية: "كتاب القانون المسعودي" في الهيئة والنجوم والجغرافية، ألَّفه للسلطان مسعود بن محمود بن سُبُكْتِكِين.
والكتاب ضخمٌ يشتمل على إحدى عشْرة مقالة تتوزع على مائة واثنين وأربعين بابًا، تغطي جميع الأرصاد والنَّظرياتِ الفلكية في ذلك الوقت، إلى جانب ما توصل إليه علماءُ الحضارات السابقة والعلماء المعاصرون للبيروني.
وكان منهج البيروني في تصنيفه أن يتحقَّق بنفسه إذا ما استشكل عليه أمرٌ من الأمور، أو إن وجد تضاربًا بين نتائج العلماء الآخرين؛ وذلك إما بإعادة الأرصاد، أو أن يقوم بالحسابات بنفسه مرة أو مرات، ومع كل هذا فكان لا يستأثر بالفضل كله، من ذلك مثلاً أنه وجد تضاربًا واضحًا في قياس محيط الأرض بين قياسات علماء اليونان وعلماء الهند والعلماء المسلمين إبان عهد المأمون، فأراد أن يحذو حذو علماء المسلمين وأن يُعيدَ القياس بنفسه، وكان له ذلك؛ كما ورد في "كتاب المسعودي" إذ قال: "وجدتُ في الهند جبلاً مشرفًا على صحراء مستوية الوجه، ناب استواؤها عن ملامسة سطح البحر، فقستُ على ذروته ملتقى السماء والأرض - أعني دائرة الأفق - فوجدتُه منحطًّا في الآلة عن خط المشرق والمغرب، أنقص قليلاً من ثلث وربع جزء، فأخذته أربعًا وثلاثين دقيقة، واستخرجت عمود الجبل بأخذ ارتفاع ذروته في موضعين، هما مع أصل العمود على خط مستقيم"، ومن ذلك استنتج نصف قطر الأرض، وكانت نتيجتُه قريبةً من نتيجة العلماء المسلمين، فلم يتمسَّكْ بنتيجته، ولم يركبْ مركب الغرور، بل اعترف بالفضل لهم، حيث قال: "فقد قارب ذلك وجود القوم، بل لاصقه، وسكن القلبُ إلى ما ذكروه فاستعملناه؛ إذ كانت آلاتهم أدقَّ، وتعبُهم في تحصيله أشدَّ وأشقَّ".
ومقدمة كتابه هذا تذكِّرنا بمقدمات كتبِ مَن سبقه من العلماء المسلمين الصالحين؛ فقد ورد فيها: "... وإنما فعلتُ ما هو واجب على كل إنسان أن يعمله في صناعته مِن تقبُّل اجتهادِ مَن تقدمه بالمنَّة، وتصحيح خلل إن عثر عليه بلا حشمة، وخاصة فيما يمتنع إدراك صميم الحقيقة فيه من مقادير الحركات، وتخليد ما يلوح له فيها؛ تذكرة لمن تأخر عنه بالزمان وأتى بعده، وقرَنت بكل عمل في كل باب من علله، وذكر ما توليت من عمله، ما يبعد به المتأمل عن تقليدي فيه، ويفتتح له باب الاستصواب لِما أصبتُ فيه، أو الإصلاح لِما زللت عنه، أو سهوت في حسابه".
ومن أهم بحوث البيروني الفلكية، ما كتبه عن حركة أوج الشمس، وهو أبعدُ المواقع السنوية بين الشمس والأرض؛ فقد كان الرأي السائد في الأوساط الفلكية رأي بطليموس الذي يفيد أن موقع أوج الشمس ثابتٌ في الفضاء، أما البيروني فقد حلل أقوال بطليموس وأرصاد من جاء بعده، ثم قام بأرصاده الخاصة مستخدمًا وسائل رياضية عالية، مما جعله يثبت قطعًا أن الأوج متحرك: "وقد اتضح من جميع ما تقدم، أن أوج الشمس متحرِّكٌ، وأن الأمر فيه بخلاف ما ظهَرَ لبطليموس".
وللبيروني كتب أخرى تعالج موضوعاتٍ فلكيةً غير القانون، نذكر منها: "تمهيد المستقر، لتحقيق معنى الممر"، و"تحديد نهايات الأماكن، لتصحيح مسافات المساكن"، و"رسالة في تصوير الكواكب والبلدان في أي دائرة أردنا"، و"استيعاب الوجوه الممكنة في صنعة الإسطرلاب"، و"الآثار الباقية، من القرون الخالية" وغيرها.

[1] انظر ترجمته بالتفصيل في بحث الفيزياء.







ابوالوليد المسلم 14-06-2019 12:57 PM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
من مشاهير علماء المسلمين في الجغرافية
د. عبدالله حجازي






الهَمداني (ت 334 هـ / 945م):



الحسنُ بنُ أحمدَ بنِ يعقوبَ بن الحائك الهَمدانيُّ، من بني هَمدان، أبو محمَّدٍ: مؤرِّخ، عالِمٌ بالأنساب، عارف بالفَلَك والفلسفة والأدب، من أهلِ اليمن، يقول عنه القفطيُّ: "إنَّ هذا الرجلَ أفضلُ مَن ظهر ببلاد اليمن".
تلقَّى أكثرَ معارفه عن رواةٍ وعلماءَ وأناسٍ من أهل قُطْرِه، وما عدا ذلك فهو يشير إليه، وكان يتلقَّى معلوماتِه عَمَّن يتوسَّم فيه المعرفةَ من أهلها، أكثَرَ النقلَ عن بطليموس، بل لخَّص كتابَه في مقدمة "صفة جزيرة العرب".
له عددٌ من الكتب، أهمُّها كتاب "صفة جزيرة العرب"، تناول فيه نظريةَ الفصولِ، وقال رأيًا مخالفًا لبطليموس عن لونِ جِلد سكان المناطق الاستوائية.
اعتمد الهَمدانيُّ في تقريراته وأوصافه الجغرافية على ملاحظاتِه الشخصية وآرائه المستقلَّة، مع اعتبار آراءِ السابقين، ونقدِها بموضوعية.
والكتاب كتابٌ جغرافي وصفيٌّ يتضمن دراسةً موضوعية عن خصائص الأرض ومظاهرِ الطبيعة، وعن الناس وفُرَص الحياة في الحضَر وفي البادية.
يتضمَّن الكتابُ - كذلك - دراسةً عن موارد الثورة الحيوانية والمعدِنية، وتتجلَّى في الكتاب رحلاتُ المؤلِّف الميدانية في أنحاء الجزيرة لإعداده، كما يجسِّد الكتابُ مدى حسن استخدام البيانات التي صوَّرت الواقع الجغرافيَّ تصويرًا مقبولاً في ذلك الوقت المبكر.
وللهَمداني كتاباتٌ جغرافية في كتبه الأخرى كالإكليل، الذي يقول عنه القفطي: "وهو كتابٌ عظيمُ الفائدة، يشتمل على عشَرة فنون، وفي أثناء هذا الكتاب جُمَلٌ حِسانٌ من حساب القراناتِ وأوقاتها، ونُبَذٌ من علم الطبيعة وأصول أحكام النجوم، وآراء الأوائل في قِدَمِ العالَم وحدوثه واختلافهم في أدواره، وتناسُل الناس ومقادير أعمارهم، وغير ذلك".
وله كتاب "سرائر الحكمة" يُعرِّف فيه بجُمَل علم هيئةِ الأفلاك، ومقادير حركات الكواكب، ويبيِّنُ علم أحكام النجوم واستفتاء ضروبه.
وله كتاب "الجوهرتين العتيقتين" في الكيمياء والفيزياء، وهو من أجود مؤلَّفات الهَمداني وأنفعِها، ويُعتبر فردًا في موضوعه الذي يتعلَّق بالذَّهب والفضة من حيث تعدينُهما، وكل ما يتَّصلُ بها، وقد تُرجم إلى الألمانية.
هذا، وقد ارتفع للهَمداني صِيتٌ عظيم؛ فقد صحِب أهلَ زمانه من العلماء وراسلهم وكاتبهم، وكان يختلف بين صنعاء وبغداد.
استطاع الهَمداني أن يمتحَ من كلِّ علمٍ من علوم عصره بالدِّلاء والملاء، رغم أنه عاش في بقعةٍ توشك أن تكونَ في ذلك العهدِ منعزلةً عن العالَمِ.
ابن ماجد (ت بعد 904هـ / 1498م):



شهابُ الدِّين أحمد بن ماجد بن محمَّد السَّعدي، النجدي، من أهل نجد، المعلم، الملقَّب بأسدِ البحر، ابن أبي الركائب، وقد يُقال له: "السائح ماجد".
من كبار ربابنةِ العرب في البحر الأحمر، وخليج البربر، والمحيط الهنديِّ، وخليج بنجالية، وبحر الصين، ومن علماءِ فنِّ المِلاحة، وتاريخه عند العرب.
وقد كان ابنُ ماجد الرُبَّانَ الذي سيَّر الأسطولَ البرتغالي بقيادة فاسكودي غاما "Vasco de gama" في رحلته من مالندي "Melinde" على ساحل إفريقيةَ الشرقية شمال مدغشقر إلى "كلكتا" في الهند، وذلك في أوائل شهر ذي القعدة من عام 904هـ الموافق 15 آذار 1498م، فهو أحرى بلقبِ مكتشِفِ طريق الهند.
تقول المراجعُ البرتغالية: إن ابنَ ماجد كان يعتمد على خريطةٍ بحرية دقيقة، وعلى كثيرٍ من عُدَدِ البحر والملاحة، ويقول عنه برتن "Burton" (ت 1308هـ / 1890م): "ربما كان ابنُ ماجد هذا هو الذي ذاع اسمُه في القرن الماضي على طول الساحل الإفريقي، بوصفِه مخترعَ البوصلة".
ويستشهد برتن بما كان يفعلُه بَحَّارة عَدَن على مرأى منه سنة 1271هـ / 1854م؛ إذ كانوا إذا أرادوا السفرَ قرؤوا الفاتحةَ للشيخ ماجد "مخترع الإبرة المغناطيسية".
ولد ابنُ ماجد بنَجْد، وصَنَّف "الفوائد في أصول علم البحر والقواعد"، وهو في قسمين: نظري، ويتناول نشأةَ المِلاحة والأمورَ التي يجب على الرُّبَّانِ معرفتُها، ومنازل القمر والجهات التي تهبُّ منها الريحُ، وصلة هذه الجهات بالبوصلة وتقسيماتها وبطلوعِ عددٍ من الكواكب والنجوم وبمغيبِها.
أما القسم الآخر، فعمليٌّ، ويتناول وصفَ الشواطئِ والجُزُر، وما عليها من العلامات التي تساعد الربابنة على الاهتداء في المِلاحة، والاقتراب بالسُّفنِ من مراسيها.
ولابن ماجدٍ أرجوزةٌ سماها "حاوية الاختصار في أصولِ علم البحار" و"الأُرجوانية السبعية"، والقصيدة المسماة بـ"الهدية"، و"أرجوزة بَرِّ العرب في خليج فارس" في دار الكتب، و"المراسي على ساحل الهند الغربية" ورسائل أخرى.

ابوالوليد المسلم 15-06-2019 09:09 PM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
المجريطي.. حجة عصره في الكيمياء




د. راغب السرجاني







أحد علماء الكيمياء والرياضيات والفلك في الأندلس والمغرب العربي، ورغم إلمامه بالكثير من العلوم -مثله مثل الكثير من علماء المسلمين في ذلك الوقت- إلا أنه ذاع صيته في مجال الكيمياء؛ لأنه حاول تخليصها مما أحاط بها من خرافات.

نسبه ومولده وحياته العلمية:

هو أبو القاسم مسلمة بن أحمد بن قاسم بن عبد الله المجريطي، وُلِدَ في عام 338هـ/ 950م، ولُقِّبَ بالمجريطي لأنه ولد في مجريط (مدريد حاليًا)، ولكنه انتقل إلى قرطبة وتوفي بها سنة 398هـ/ 1007م. وكان دائم الترحال طلبًا للعلم، يناقش كبار العلماء، ويداولهم في آخر ما توصل إليه من بحوث، فسافر إلى بلاد المشرق، واتصل بعلماء العرب هناك.

رجع إلى قرطبة وأنشأ مدرسة كانت بمنزلة (معهد علمي)، يضمُّ العلوم النظرية والتطبيقية على غرار الجامعات التكنولوجية الحديثة، تتلمذ فيها صفوة من علماء الرياضيات، والفلك، والطب، والفلسفة، والكيمياء، والحيوان، من أمثال أبو القاسم الغرناطي الذي اشتهر بكتاب العمل بالأسطرلاب، وأبو بكر الكرماني الذي اشتهر بالجراحة والهندسة، وغيرهما الكثير[1].


ثناء العلماء عليه:

لقد نال المجريطي ثناء كثير من علماء المسلمين؛ لما قَدَّمه من جهود عظيمة في هذا المجال، فيقول عنه القفطي: "كان إمام الرياضيين بالأندلس، وأعلم من كان قبله بعلم الأفلاك وحركات النجوم، وكانت له عناية بأرصاد الكواكب، وله كتاب حسن في ثمار العدد... وكتاب اختصر في تعديل الكواكب من زيج البتاني... وزاد فيه جداول حسنة على أنه اتبعه على خطئه فيه، ولم يُنَبِّه على مواضع الغلط منه، وتوفي (مسلمة) قبل الفتنة بالأندلس في سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة وقد أُنجب له تلاميذ جِلَّة"[2]. وقال عنه ابن خلدون: "مسلمة المجريطي شيخ الأندلس في علوم الكيمياء في القرن الثالث"[3].

ويظهر من شهادة القفطي وابن خلدون مدى المكانة التي وصل إليها المجريطي، وإمامته لمدرسة علمية تخرَّج فيها علماء أضاءوا الدنيا بعلمهم؛ حيث وصفه القفطي بأنه إمام الرياضيين بالأندلس، أما ابن خلدون فوصفه بأنه شيخ الأندلس في علوم الكيمياء.


منهجه العلمي:

تميز المجريطي بدقته وقوة ملاحظته، واعتماده على الاستقراء والاستنباط في التفكير، وقد حرَّر علم الكيمياء من الخرافات والسحر والطلاسم، التي كانت مسيطرة عليه آنذاك، وحاول أن يبرز هذا العلم على أنه علم شريف، بل هو أحسن ما يصبو إليه طالب علم، ومن كلماته الخالدة في هذا الصدد:
لا يمكن لطالبٍ أن يَدَّعي علمه بالكيمياء إن لم يكن ملمًّا بها.
وطالبُ الكيمياء يجب أن تتوافر فيه شروط معينة، لا ينجح بدونها: إذ يلزمه أن يتثقف أولاً في الرياضة بقراءة إقليدس، وفي الفلك بقراءة المجسطي لبطليموس، وفي العلوم الطبيعية بقراءة أرسطو وديمقريطس أو أبولونيس، وفي المنطق بقراءة ترجمة الكندي لأرسطو، ثم ينتقل إلى كتب ابن حيان والرازي.
وبعد أن يكون قد اكتسب المبادئ الأساسية للعلوم الطبيعية، يجب عليه أن يقوم بإجراء التجارب، ويلاحظ المواد الكيميائية وتفاعلاتها.
ولما كان سلوك الطبيعة واحدًا لا يتغير؛ لأن الشيء الواحد لا يعمل فيها إلا بطريقة مُعَيَّنَة، وجب على طالب العلم تتبُّع خطواتها، مثله في ذلك مثل الطبيب يُشَخِّصُ الداء ويصف الدواء[4].

لقد وضع المجريطي شروطًا لكل من يرغب في الاشتغال بالكيمياء؛ وربما ما دفعه إلى ذلك رغبته في تحرير الكيمياء مما لحقها من الخرافات، وخاصة أن الاعتقاد السائد في ذلك الوقت عن المشتغلين بالكيمياء أنهم يبحثون عن الثروة والمال، وذلك بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، ومحاولة الحصول على إكسير الحياة.

إنجازات المجريطي:

عُرِفَ المجريطي في أوربا بأنه أول من عَلَّقَ على الخريطة الفلكية لبطليموس، ورسائل إخوان الصفا، والجداول الفلكية لمحمد بن موسى الخوارزمي، وكانت له شهرة عظيمة في الرياضيات، إضافةً إلى ما ناله من احترام وتقدير لمجهوداته الرائعة في الكيمياء[5].

وقد بدأ المجريطي يدعو إلى دراسة الكيمياء دراسة علمية تعتمد على التجربة والاستقراء، وهو يذكر أن الرياضيات ضرورية لطالب علم الكيمياء؛ فقد كان ينصح طلابه بأن يتأَنَّوْا في دراسة النظريات الأساسية، ويُدَرِّبُوا أنفسهم على إجراء التجارب المخبرية[6].

مؤلفات المجريطي:

لقد عكف أبو القاسم على التصنيف، فألف في فروع المعرفة المختلفة؛ مثل: الفلك، والرياضيات، والكيمياء، والحيوان. وأهم هذه الكتب في الكيمياء: (رتبة الحكيم)، و(غاية الحكيم).

ويُعتبر كتاب (رتبة الحكيم) للمجريطي من أشهر كتبه وأبقاها، وهو يتناول تطور الكيمياء عند علماء العرب في المائة والخمسين سنة التي مضت بعد ابن حيان، وعلى الأخص من الناحية العلمية، وفيما جمعه الكيميائيون من معلومات، ويعدُّه مؤرخو العلوم من أهم المصادر التي يمكن الاستفادة منها في بحوث تاريخ الكيمياء.

و(رتبة الحكيم) لا يختلف في مبادئه ونظرياته عن كتب ابن حيان والرازي، ومؤلِّفه يقدِّر هذيْن العالِمين كل التقدير، ويحيط جابرًا على الأخص بهالة من المديح والثناء والإعجاب.

وفي الكتاب تبنَّى المجريطي نظرية جابر القائلة: إن المعادن تتكون من اتحاد الزئبق بالكبريت، تلك النظرية التي سيطرت على تفكير معظم علماء العرب من الكيمياء، كما اتفق مع جابر في أن المعادن تختلف، ولكن هذا الاختلاف راجع إلى نسبة الطبائع الأربع، التي هي أساس لكل الموجودات. كما وافقه أيضًا في أنه بالإمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى نفيسة بواسطة الإكسير، فهو يردد: "الكيمياء دواء شريف وجوهر لطيف، ينقل الجواهر من أدناها إلى أعلاها"[7].

وقد اهتم المجريطي في كتابه اهتمامًا خاصًّا بتجارب الاحتراق، والتفاعلات الناتجة عنه، والتغيرات التي تتمُّ عن أوزانها؛ تلكم التجارب التي كانت أساسًا لكافة النظريات الكيميائية الخاصة بأوزان المواد وتغييرها بالاحتراق.

تجربة تاريخية:

وقد قام المجريطي بتجربة تاريخية ذكرها في كتابة رتبة الحكيم، قائلاً: أخذتُ الزئبق الرجاج الخالي من الشوائب، ووضعته في قارورة زجاجية على شكل بيضة، وأدخلتها في وعاء يشبه أواني الطهي، أشعلت تحته نارًا هادئة بعد أن غَطَّيْتُه، وتركته يسخن أربعين يومًا وليلة، مع مراعاة ألاَّ تزيد الحرارة على الحدِّ الذي أستطيع معه أن أضع يدي على الوعاء الخارجي، وبعد ذلك لاحظت أن الزئبق الذي كان وزنه في الأصل ربع رطل، صار جميعه مسحوقًا أحمر ناعم الملمس، وأن وزنه لم يتغيَّر في هذه التجربة. يجب أن يزيد وزن الزئبق نتيجة لتفاعله مع الأكسجين: زئبق + أكسجين = أوكسيد الزئبق الأحمر. ولكن يظهر أن قسمًا من الزئبق قد تبخَّر... وكان نقص الوزن الناتج من ذلك معادلاً للزيادة الناشئة عن اتحاد باقي الزئبق بالهواء[8].

إنها حقًّا تجربة لها أثرها الخالد في تاريخ الكيمياء، وقد اتخذها كلٌّ من بريستلي (عالم له نظريات في اكتشاف الأوكسجين)، ولافوازييه (أول من صاغ قانون حفظ المادة وتعرَّف على الأوكسجين) بعد نحو قرون سبعة أساسًا لبحوثهما.

ولو استطاع المجريطي ضبط هذه التجربة وأدرك ذلك، لكانت من أروع التجارب الكيميائية، ومع ذلك فقد وضع بها أسس الاتحاد الكيميائي؛ مثل القاعدة الكيميائية المعروفة بقانون المادة، الذي يقول: إن مجموع كل المواد الداخلة في أي تفاعل كيميائي، مساوٍ لمجموع كتل المواد الناتجة عن التفاعل. وبعد نحو سبعمائة عام طوَّر كلٌّ من بريستلي ولافوازييه هذه القاعدة، التي أدَّت دورًا مهمًّا في التاريخ العلمي، وتُعَدُّ من أسس الكيمياء الحديثة.

أما عن كتابه (غاية الحكيم) فهو كتاب لا يستغني عنه باحث في تاريخ الحضارة الإسلامية خلال القرون الوسطى، فهو لا يحتوي تاريخ الكيمياء فقط، وإنما يشمل أيضًا كثيرًا من الاستنتاجات العلمية، التي توصَّلت لها الأمم السابقة للأمة الإسلامية في كل من الفلك، والرياضيات، وعلم الحيل، والتاريخ الطبيعي[9].

ومن مؤلفات المجريطي أيضًا:
كتاب الأحجار.
كتاب شرح المجسطي لبطليموس.
كتاب مفخرة الأحجار الكريمة.
كتاب روضة الحدائق ورياض الخلائق.
كتاب تمام العدد في الحساب (كتاب المعاملات).
كتاب اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني.
رسالة في الأسطرلاب.
كتاب في التاريخ.
كتاب في الطبيعيات وتأثير النشأة والبيئة في الكائنات الحية.
الرسالة الجامعة.
كتاب الإيضاح في علم السحر[10].


علوم أخرى غير الكيمياء:

لم يكن المجريطي كيميائيًّا فحسب، بل كان ملمًّا بالكثير من العلوم، ومن تلك العلوم علم الحيوان؛ حيث كان من العلماء الذين أولَوْا عناية كبيرة لهذا الحقل، فقد أورد فصلاً في تكوين الحيوان، فقال: "الحيوانات التامة الخلقة العظيمة الصورة لها الحواس الخمس، لكنها كُوِّنت في بدء الخلق ذكرًا أو أنثى من الطين، كما اتحدت بها القوة السارية فيها فبرزت قابلة للتعلُّم، عارفة بمواضع منافعها ومضارِّها، ومآكلها ومشاربها، وجميع مآربها، وتناسلها، ونتاجها، وجُعِلَ من طبعها، ورُكِّبَ في جِبِلَّتِهَا الحنوُّ على أولادها، ومعرفة ذكرانها وإناثها، وذلك بالعناية الربانية والحكمة الإلهية".

ثم أورد فصلاً في فضل الحيوانات بعضها على بعض، فقال:
"الحيوانات فيها التفاضل، موجود كوجوده في بني آدم، وفيها رؤساء وقادة في كل جنس من أجناسها، وهي أمم متفرقة ذوات لغات مختلفة". ثم قال: "إن الخلقة الحيوانية محفوظة النظام، مستقيمة الأقسام، متقنة التأليف، صحيحة التركيب، موضوع كل جنس منها في موضعه اللائق به، متحد بكل شخص من النفس الحيوانية بحسب قوته"[11].

شهادة علماء الغرب:

يقول سارتون: "إن أبا القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي نال شهرة عظيمة بتحريره لزيج الخوارزمي، وإضافاته البنّاءة له، وصرف تاريخه الفارسي إلى التاريخ الهجري، ووضع أوساط الكواكب لأول تاريخ الهجرة وزيادته فيه لجداول جديدة".

أما ديفيد يوجين سمث فيقول: "إن أبا القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي الذي توفي (عام 398هـ/ 1007م) كان مغرمًا بالأعداد المتحابة، ومشهورًا في تفوقه على غيره من علماء العرب والمسلمين في الأندلس بعلمي الفلك والهندسة"[12].

لقد كان المجريطي بما قَدَّمَهُ لعلم الكيمياء من أشهر العلماء الذين اشتغلوا بهذا العلم، خاصة أنه حاول تخليصه مما يحيطه من خرافات، وكانت تجاربه الأساس الذي اعتمد عليه من جاء بعده، سواء من المسلمين أو من الأوربيين.

ـــــــــــ

[1] د. صبري الدمرداش: قطوف من سير العلماء، تقديم د. عبد الحافظ حلمي 3/79، 80.
[2] القفطي: إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص214.
[3] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/513.
[4] د. صبري الدمرداش: قطوف من سير العلماء 3/80، 81.
[5] د. رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام 4/40، 41.
[6] المصدر السابق 4/42.
[7] د. صبري الدمرداش: قطوف من سير العلماء 3/81، 82.
[8] د. علي عبد الله الدفاع: العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية ص391.
[9] د. صبري الدمرداش: قطوف من سير العلماء 3/83.
[10] د. رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام 4/43.
[11] د. علي عبد الله الدفاع: العلوم البحتة في الحضارة العربية والإسلامية ص392.
[12] المصدر السابق ص389.










ابوالوليد المسلم 17-06-2019 10:33 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 

علماء المسلمين واكتشاف قانون الجاذبية


د. راغب السرجاني


متابعة لإنجازات المسلمين السابقة وجهودهم في اكتشاف أهمِّ قوانين الفيزياء، وهي قوانين الحركة الثلاثة، وتنويهًا باكتشافاتهم الباهرة في الفيزياء، والتي ما فتئت تُنسب لغيرهم ممن أتوا بعدهم بقرون وقرون.
كان هناك أيضًا "قانون الجاذبية"، والذي تكمن أهميته في أنه يربط الأجرام السماويَّة ويحفظ تماسكها وانتظامها في مداراتها، وباكتشافه استطاع العلماء تفسير سقوط الأجسام نحو الأرض، وفَهْم المزيد عن حركة الكواكب حول الشمس في مدارات دائريَّة تقريبًا، وذلك بفرض أن التجاذب بين الشمس وكواكبها هو السبب في تلك الحركة الدورانيَّة.
علماء المسلمين واكتشاف قانون الجاذبية
المشهور عند عموم الناس أيضًا في الشرق والغرب، ويدرسه طلاب المدارس والجامعات أن مكتشف هذا القانون هو إسحاق نيوتن، وذلك عندما سقطت عليه يومًا تفاحة من شجرة كان يجلس تحتها، وحينها أخذ يفكر في سبب سقوطها حتى توصَّل إلى قانون الجاذبية هذا ووضع صياغته، والذي يُثبت فيه أن كل جسم مادِّي يجذب غيره من الأجسام المادِّيَّة، بقوَّة تزيد أو تنقص حسب الكتلة والمسافة بينهما!
لكن هل هذه هي الحقيقة؟ إن طبيعة العلم التراكميَّة لَتُؤَكِّد أنه ما كان يمكن لنيوتن أن يتوصَّل إلى صياغة قانونه الشهير هذا -كما كان الحال مع قوانين الحركة الثلاثة- لولا أنه وقف على أكتاف سابقيه من جهابذة العلماء، وعلى مرِّ العصور، ولعلَّ في سرد الدكتور أحمد فؤاد باشا للقصَّة من أولها ما يُظهِر هذه الحقيقة المهمَّة.
يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا بعد أن أشار إلى محاولةِ الفيلسوف اليوناني أرسطو النظريةِ لتفسير السقوط الحرِّ للأجسام: "وقد اهتدى علماء المسلمين -بفضل دينهم الحنيف- إلى المنهج العلمي السليم في تحصيل العلوم والمعارف، فلم يقبلوا تمامًا البراهين الفلسفيَّة للآراء التي يمكن اختبار صحَّتها تجريبيًّا، وفطنوا إلى أن التفسير العلمي لظواهر الكون يكتسب دقَّته من مدى تعبيره عن الحقيقة العلميَّة الكامنة وراء سلوك هذه الظواهر، وقدَّموا لأول مرَّة في تاريخ العلم أساسًا مقبولاً لتفسير السقوط الحرِّ للأجسام تحت تأثير الجاذبيَّة الأرضيَّة"[1].
وقد بدأ الهمداني[2] هذه الثورة العلميَّة بقوله في كتابه (الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء) في سياق حديثه عن الأرض وما يرتبط بها من مياه وهواء: "فمن كان تحتها[3] فهو في الثابت في قامته كمن فوقها، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليه، فهي بمنزلة حجر المغناطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل جانب..."[4].
وبهذا التوضيح يكون الهمداني قد أرسى أول حقيقة جزئيَّة في فيزياء ظاهرة الجاذبيَّة، وهي ما يُعرف -كما يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا- بـ (طاقة الموضع) أو (طاقة الكمون) الناتجة أصلاً عن ارتفاع الأجسام عن الأرض، وإن لم يقل في النصِّ صراحة أن الأجسام تجذب بعضها البعض، وهو المعنى الأساسي الشامل لقانون الجذب العام لنيوتن.
https://www.alukah.net/UserFiles/neouten.jpg
ويأتي بعده أبو الريحان البيروني ويؤكِّد ما سبق إليه الهمداني من أن الأرض تجذب ما فوقها نحو مركزها وذلك في كتابه (القانون المسعودي)، كما ذَكَر الخازني في كتابه (ميزان الحكمة) أن الجسم هو الذي يتحرَّك بقوَّة ذاتية أبدًا إلى مركز الأرض فقط، وكذلك فطن الرازي إلى تعميم فكرة الجاذبيَّة على جميع الأجسام الموجودة في الكون، ثم نجح هبة الله بن ملكا البغدادي في تصحيح الخطأ الجسيم الذي وقع فيه أرسطو، عندما قال بسقوط الأجسام الثقيلة أسرع من الأجسام الخفيفة، وسبق جاليليو في إثبات الحقيقة العلميَّة المهمَّة التي تقضي بأن سرعة الجسم الساقط سقوطًا حُرًّا تحت تأثير الجاذبيَّة الأرضية لا تتوقَّف إطلاقًا على كتلته، وذلك عندما تخلو الحركة من أي معوقات خارجيَّة، ويعبِّر عن هذه الحقيقة بكلماته في كتابه (المعتبر في الحكمة) فيقول: "... وأيضًا لو تحرَّكت الأجسام في الخلاء لتساوت حركة الثقيل والخفيف، والكبير والصغير، والمخروط المتحرِّك على رأسه الحاد، والمخروط المتحرك على قاعدته الواسعة في السرعة والبطء؛ لأنها إنما تختلف في الملاء بهذه الأشياء بسهولة خرقها لما تخرقه من المقاوم المخروق كالماء والهواء وغيرهما"[5].
ومن ناحية أخرى، أضاف البغدادي حقائق جديدة عن ظاهرة الجاذبيَّة من خلال دراسته لحركة المقذوفات، من حيث إن حركتها إلى أعلى عند القذف تعاكس فعل الجاذبيَّة الأرضيَّة، أو أن القوَّة القسرية التي قُذِف بها الجسم إلى أعلى تعمل في تضادٍّ مع قوَّة الجاذبيَّة الأرضيَّة، فهو يقول: "... فكذلك الحجر المقذوف فيه ميل مقاوم للميل القاذف؛ إلا أنه مقهور بقوة القاذف؛ ولأن القوة القاسرة عرضية فيه، فهي تضعف لمقاومة هذه القوة والميل الطبيعي ولمقاومة المخروق... فيكون الميل القاسر في أوَّله على غاية القهر للميل الطبيعي، ولا يزال يضعف ويُبطِئ الحركة ضعفًا بعد ضعف وبطئًا بعد بطء حتى يعجز عن مقاومة الميل الطبيعي، فيغلب الميل الطبيعي فيحرك إلى جهته".

https://www.alukah.net/UserFiles/gazebia_1.JPG

يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا معلِّقًا: وهنا تجدر الإشارة إلى أن البغدادي لا يستخدم مفهوم (الميل) كقوة خفيَّة أو (وحشيَّة) طبيعيَّة في اتجاه الحنين إلى حضن الأمِّ كوكب الأرض، مثلما قال أرسطو، ولكنه عنى به القوة الماديَّة التي تتحكم علميًّا في حركة المقذوف صعودًا ضدَّ الجاذبيَّة وهبوطًا في اتجاهها، والسؤال الذي طرحه البغدادي فيما يتعلَّق بهذه القضية العلميَّة هو: هل يتوقف الحجر المقذوف عند أعلى نقطة يصل إليها حين يبدأ في الارتداد إلى سطح الأرض؟ ويجيب هو نفسه بالنصِّ الواضح الصريح: "مَنْ تَوَهَّم أن بين حركة الحجر علوًّا المستكرِهة بالتحليق وبين انحطاطه وقفةً فقد أخطأ، وإنما تضعف القوَّة المستكرِهة له وتقوى قوى ثقله، فتصغر الحركة، وتخفى حركته على الطرف، فيتوهَّم أنه ساكن".
ويتابع الدكتور أحمد فؤاد باشا فيقول: "وتحدَّث الخازن عن التسارع (أو العجلة) في سقوط الأجسام نحو الأرض، وضمن كتابه (ميزان الحكمة) ما يدلُّ على معرفته بالعَلاقة الصحيحة بين السرعة التي يسقط بها الجسم نحو سطح الأرض والبُعد الذي يقطعه والزمن الذي يستغرقه، وهي العَلاقة التي تنصُّ عليها المعادلات الرياضية المنسوبة لجاليليو في القرن السابع عشر الميلادي.
وهكذا يتَّضح أن علماء الحضارة الإسلاميَّة قد نجحوا في التوصُّل إلى حقائق جزئيَّة على طريق استكمال التصوُّر الإنساني لظاهرة الجاذبيَّة، بعيدًا عن الآراء الفلسفيَّة القديمة، واستنادًا إلى ما أثبتوه من أن مناهج البحث في المعرفة تعتمد على طبيعة موضوعاتها، ولولا هذه الثورة الهائلة التي أحدثوها في منهجيَّة التفكير والبحث العلمي السليم لظلَّت خرافات القدماء قائمة حتى وقتنا هذا، ولما وجد إسحاق نيوتن مَنْ يقف على أكتافهم من عمالقة العلماء لكي يصنع مجده وشهرته"[6].
وإذا كان من قول أو تعليق فإنما هو إعادة النظر في تاريخ قوانين الحركة، وأيضًا قانون الجاذبيَّة، وردّ الحقِّ إلى أصحابه.


[1] أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي الإسلامي.. شيء من الماضي أم زاد للآتي؟ ص90.
[2] الهمداني: هو أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (280- 334هـ/893- 945م)، مؤرخ، عالم بالفلك والفلسفة والأدب، شاعر مكثر، من أهل اليمن، ولد ونشأ بصنعاء. انظر: السيوطي: بغية الوعاة 1/498، والزركلي: الأعلام 2/179.
[3] أي تحت الأرض عند الأسفل.
[4] الحسن بن أحمد الهمداني: الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء، تحقيق ودراسة د. أحمد فؤاد باشا، نقلاً عن أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي الإسلامي.. شيء من الماضي أم زاد للآتي؟ ص90.
[5] انظر: أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي الإسلامي.. شيء من الماضي أم زاد للآتي؟ ص91.
[6] المصدر السابق ص92.


ابوالوليد المسلم 18-06-2019 02:30 PM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
علوم الحضارة الإسلامية ودورها الإنساني
http://alwaeialshababy.com/ar/images/300311121112.jpg
د. علي عفيفي

الحضارة (Civilization) في اللغة تعني الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية، ولهذا فقد تعددت تعريفات الحضارة وتنوعت تبعًا لذلك دلالاتها بتنوع تعريفاتها، فرأى بعض الباحثين أنها مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي من عمران وعلوم وفنون وما إلى ذلك، وهذا يعني أن الحضارة حسب هذا التعريف تختص بالجانب المادي فقط. وعرفها آخرون بأنها المظاهر الفكرية التي تسود أي مجتمع، وهذا يعني أن الحضارة مرادفة للثقافة ومقتصرة على الجانب الفكري أو المعنوي فقط.
وعلى هذا يمكننا أن نعرف الحضارة الإسلامية (The Islamic Civilization) بأنها: ما قدمه المجتمع الإسلامي (social Islamic) للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية، وما يخدم المجتمع الإنساني من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق، وانتشار الخير والفضائل الجماعية، ويدخل في هذا أنواع التقدم الاجتماعي الشامل للنظم الإدارية، والحقوقية، والمادية، والأخلاق والتقاليد، والقيم، والعادات، وسائر طرق معاملة الناس بعضهم بعضًا في علاقاتهم المختلفة، وكل أنواع العلوم والثقافات.
فتعاليم الدين الإسلامي عالمية لأنها تُعد الإنسان لمستقبل خالد، فالاعتقاد بإله واحد، يقود إلى إذابة كل مبدأ عرقي، أو شعور قومي، من أجل ذلك كانت رسالة الحضارة الإسلامية يشترك في تحقيقها العملي وبنائها التطبيقي كل من استجاب لها من كل عرق ولون ولغة. ولهذا جدير بكل مسلم أن يفخر بتاج المجد الذي صنعه بناة الحضارة الصادقون من المسلمين في كل بلد من بلاد الإسلام، في سالف العصور الإسلامية التي استجابت للإسلام، وأحسنت تطبيق تعاليمه، فإذا كانت الحضارة الإسلامية عالمية وإنسانية فإن مقتضى ذلك أن تكون صالحة للتطبيق في كل البيئات الإنسانية، وأن تكون كذلك صالحة على مر الأزمان باعتبارها رسالة السماء الخاتمة لكل الرسالات.
ولما كانت رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية، وكان الرسول "صلى الله عليه وسلم" خاتم الرسل، فمن الضروري أن تكون الحضارة القائمة على هذه الرسالة حضارة متطورة، تستطيع أن تسع كل تطورات الحياة الإنسانية؛ وتحقق ما يخدم المجتمع الإنساني (Social Humanities) ، بحيث تواجه ما يجدّ في حياة البشر من تطورات في شتى المجالات، ولا تقف جامدة أمام متغيرات الحياة البشرية في واقعها الفردي والاجتماعي، ولذلك أقامت أساس تشريعاتها، وقوانينها، وآدابها على أصلين ثابتين هما: الكتاب والسنة، فنرى المبادئ والأصول الكلية جميعها تعود إليهما.
لقد اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية، ولكنهم لم يكتفوا بنقلها، بل توسعوا فيها، وأضافوا إليها إضافات هامة؛ تعتبر أساس البحث العلمي الحديث، وقد قويت عندهم الملاحظة، وحب التجربة، فأضاف الأطباء المسلمون إلى ما ترجموه وورثوه عن اليونان وغيرهم، فألفوا وابتكروا منجزات جديدة من أهمها: اعتمادهم المشاهدة والتجربة، وتجريبهم المنهج التجريبي، والتشخيص، والنظر إلى تاريخ المريض الطبي، وانتباههم للعدوى، والأمراض المعدية، وبراعتهم في علم الجراحة والتشريح، واكتشافهم الدورة الدموية الصغرى.
ولهذا فقد اتفق الباحثون المنصفون على أن الحضارة الإسلامية كانت لها آثار بالغة في الحضارة الغربية، تتمثل في: تأثير مبادئ الحضارة الإسلامية تأثيرًا كبيرًا في حركات الإصلاح الدينية التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع الميلادي حتى عصر النهضة الحديثة، فالإسلام الذي أعلن وحدانية الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وتنزيهه عن التجسيم والتشبيه والتعطيل، كما أعلن استقلال الإنسان في عبادته وصلته مع الله وفهمه لشرائعه دون وساطة مخلوق أيًا كانت منزلته، كان عاملاً كبيرًا في تفتيح أذهان شعوب أوروبا إلى هذه المبادئ السامية والتأثر بها مع فتوحات الإسلام في الشرق والغرب، إذ قام في القرن السابع الميلادي في الأوروبيين من ينكر عبادة الصور، ثم قام بعدهم من ينكر الوساطة بين الله وعباده، ويدعو إلى الاستقلال في فهم الكتب المقدسة بعيدًا عن سلطان رجال الدين ومراقبتهم، ويؤكد كثير من الباحثين أن «لوثر» في حركته الإصلاحية كان متأثرًا بما قرأه عن العلماء المسلمين من آراء في العقيدة والوحي، وقد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء المسلمين التي ترجمت إلى اللاتينية.
ولم يقتصر أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية (European Civilization) على العقيدة والدين والعلوم التطبيقية واللغة، بل تعداه ليشمل مجال التشريع، حيث كان لاتصال الطلاب الأوروبيين بالمدارس والجامعات الإسلامية في الأندلس وغيرها أثر كبير في نقل مجموعة من الأفكار الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم، ففي عهد نابليون في مصر ترجم أشهر كتب الفقه المالكي إلى اللغة الفرنسية، ومن أوائل هذه الكتب «كتاب الخليل» الذي كان نواة للقانون المدني الفرنسي، وقد جاء متشابهًا إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي.
في الفترة الذهبية من تاريخ الإسلام، أنشئت المدارس والجامعات في مختلف البلاد الإسلامية شرقًا وغربًا، وكثرت المكتبات وامتلأت بالمؤلفات في شتى العلوم من طب ورياضيات وكيمياء وجغرافيا وفلك، اجتذبت هذه المدارس والجامعات والمكتبات الباحثين الأوروبيين عن المعرفة، وكانوا شديدي الإعجاب والشغف بكل ما يدرسون ويقرأون من هذه العلوم في جو من الحرية لا يعرفون له مثيلاً في بلادهم، ففي الوقت الذي كان علماء المسلمين يتحدثون في حلقاتهم العلمية ومؤلفاتهم عن دوران الأرض وكرويتها وحركات الأفلاك والأجرام السماوية، كانت عقول الأوروبيين تمتلئ بالخرافات والأوهام عن هذه الحقائق كلها، ومن ثم ابتدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية، وغدت كتب علماء المسلمين تدرس في الجامعات الأوروبية.
وكذلك تأثر الأوروبيون وخاصة شعراء الأسبان بالأدب العربي تأثرًا كبيرًا، فقد دخل أدب الفروسية والحماسة والمجاز والتخيلات الراقية إلى الآداب الأوروبية عن طريق الأدب العربي في الأندلس على الخصوص.
من هنا يتبين أن الحضارة الإسلامية تمثل حلقة مهمة في سلسلة الحضارة الإنسانية (Civilization Humanities) التي لا يمكن بناؤها بعيدًا عن أسس ومبادئ تلك الحضارة المجيدة، فقد أسهمت في وضع أساس الحضارات الحديثة (Modern civilization) بنصيب موفور، وأن فضلها عليها واضح غير منكور، وفي الحق، إن الحضارة الإسلامية قد أحدثت ثورة علمية عَمَّ خيرها العالم الإنساني كله، وقد اعترف بذلك كثير من المفكرين المنصفين الأوروبيين.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي يقدمها الدكتور خالد حربي ليتناول علوم الحضارة الإسلامية ودورها في الحضارة الإنسانية، من خلال محاولة الإجابة على مجموعة من التساؤلات التي طرحها في مقدمته وتتمثل في:
هل شهد المجتمع العلمي الإسلامي اهتمامًا بالعلوم إبان ازدهار حضارته؟ وما طبيعة هذه العلوم؟ وكيف تعامل العلماء مع تلك العلوم التي انتقل معظمها من الأمم الأخرى؟ وهل ابتكروا علومًا جديدة لم يكن لها وجود لدى أسلافهم؟ وهل قدم العلماء العرب والمسلمون إضافات أصلية في العلوم التي بحثوا فيها عملت على تطورها وتقدمها وأثرت في الحضارة اللاحقة وفي بقية الإنسانية عمومًا؟ أسئلة منهجية وجوهرية يحاول المؤلف الإجابة عليها من خلال عشرة فصول تناولت علوم الرياضيات، والفلك، والجغرافيا، والكيمياء، والطب، والطب النفسي، والميكانيكا، والهيدروليات، والتكنولوجيا، والبصريات، وعلم الطفيليات والأحياء المجهرية.
ففي الفصل الأول الخاص بالخوارزمي كمدرسة رياضياتية أفادت الإنسانية بين الدكتور حربي كيف بدأ تكوين الخوارزمي العلمي، ومدى أثر هذا التكوين في إنجازاته العلمية، ثم وقف بصورة موجزة على التطور العلمي والتاريخي للرياضيات حتى عصر الخوارزمي، وذلك بغرض معرفة أبعاد الإنجاز الذي تم على يديه باعتباره أهم علماء الرياضيات في القرن الثالث الهجري، وقاد ذلك إلى التعرف على أبعاد إنجازات علماء المسلمين خلال عصر الخوارزمي، لكي نقف على مدى تأثر هؤلاء العلماء بالخوارزمي، واتضح أن تأثير الخوارزمي لم يمتد إلى علماء الرياضيات المسلمين في العصور اللاحقة فقط، بل امتد إلى العالم الغربي إلى الدرجة التي جعلت العلماء الأوروبيين يعترفون بأن الخوارزمي هو المسؤول بصورة أساسية عن تأسيس علم الجبر، وجاءت معرفة الغرب لكتاب الجبر والمقابلة عن طريق الترجمات اللاتينية التي وضعت له، فلقد ترجمه جيرارد الكريموني، وروبرت الشستري في القرن الثاني عشر الميلادي، ليصبح أساس لدراسات كبار علماء الرياضيات الغربيين.
ثم خصص الفصل الثاني للرياضيات بعد الخوارزمي حيث تحدث عن ستة علماء رياضيات أتوا من بعده وهم أبوكامل، ثابت بن قرة، الكوهي، أبوالوفاء البوزجاني، عمر الخيام، الكاشي، وبينت الدراسة كيف أن الحضارة الإنسانية لم تتوقف على الإفادة من الحضارة الإسلامية في الرياضيات على الخوارزمي فحسب، بل اعتبر علماء الغرب ثابت بن قرة أعظم هندسي على الإطلاق، ثم كيف استخرج أبي سهل الكوهي حلولاً للفروض التي عجز أرشميدس عن إثباتها، وكيف اعترف علماء الغرب بأن أبا الوفاء البوزجاني هو أول من وضع النسبية المثلثية، وأوجد طريقة لحساب جداول الجيب، ليؤسس ويضع بذلك الأركان التي قام عليها علم حساب المثلثات الحديث، ثم كيف توصل عمر الخيام لحلول معادلات الدرجة الثالثة ليعد في نظر علماء الغرب أول من أبدع فكرة التصنيف، ثم اتفاقهم على أن غياث الدين الكاشي هو الذي ابتكر الكسر العشري، كما وضع قانونًا خاصًا بتحديد قياس أحد أضلاع المثلث انطلاقًا من قياس ضلعيه الآخرين، وقياس الزاوية المقابلة له، وقانون خاص بمجموع الأعداد الطبيعية أو المتسلسلة العددية المرفوعة إلى القوة الرابعة، وهو قانون لا يمكن التوصل إليه إلا من شخصية تمتلك مميزات عقلية وعلمية خاصة.
وفي الفصل الثالث الذي خصصه المؤلف لعلم الفلك تناول أهم أعلام الفلك الإسلامي وأثرهم في الحضارة الإنسانية، ومنهم: الفزاري، وأبو معشر البلخي، الفرغاني، إبراهيم بن سنان، البتاني، نصير الدين الطوسي، فبين كيف أفادت الإنسانية منهم ومن علمهم، فأوضح كيف أفاد الطوسي الإنسانية باهتمامه بالهندسة اللاإقليديسية الفوقية، تلك التي تلعب دورًا حاليًا في تفسير النظرية النسبية، كما أنه برهن بكل جدارة على المصادرة الخامسة من مصادرات إقليدس، وبذلك يكون الطوسي قد وضع أساس الهندسة اللاإقليديسية الحديثة، والتي تقترن بأسماء علماء غربيين.
وأوضحت الدراسة كيف اهتم المسلمون بالفلك كعلم ينظر في حركات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيزة، ويستدل من تلك الحركات على أشكال وأوضاع الأفلاك التي لزمت عنها هذه الحركات المحسوبة بطرق هندسية، وبنى علماء الفلك المراصد الفلكية، ووضعوا آلات الرصد، التي كانت تصنع بمدينة حران في العصر العباسي، ثم انتشرت صناعتها في جميع أنحاء الخلافة العباسية منذ زمن المأمون، وعكف علماء الفلك في المراصد على الدراسة والرصد والتأليف، فجاءوا بآراء ونظريات أصلية عبرت بحق عن روح الإسلام وحضارته، وأفادت منها الإنسانية جمعاء.
وجاء الفصل الرابع ليوضح أثر علماء الجغرافيا الإسلاميين في نهوض علم الجغرافيا فبين كيف أدت الفتوح الإسلامية إلى زيادة اهتمام الخلفاء بعلم الجغرافيا لمعرفة حدود خلافتهم ومدنها وقراها، والطرق المؤدية إليها، وذلك لتسهيل الاتصال والبريد بين عاصمة الخلافة المركزية وبقية أرجائها، وساعد على ذلك أيضًا انتشار ظاهرة الرحلة في طلب العلم، فضلاً عن كثرة الرحلات التجارية نتيجة للتطور الاقتصادي، كل ذلك أدى إلى التوسع في البحوث الجغرافية فنشط التأليف الجغرافي المعتمد على الدراسات الميدانية، فبرز عدد من الجغرافيين العرب أثروا في الحضارة الإنسانية، منهم: اليعقوبي، ابن خردذابة، الإصطرخي، ابن حوقل، المقدسي، البكري، الإدريسي، ابن جبير، ياقوت الحموي، القزويني، أبوالفداء، ابن بطوطة.
فقد أفاد الغرب من كتاب اليعقوبي «البلدان»، ومن كتاب «المسالك والممالك»، لابن خردذابة، والذي عد أول مصنف عربي في الجغرافيا الوصفية، ولهذا فقد أثر في الجغرافيين اللاحقين على ابن خردذابة، وامتد هذا التأثير حتى العصر الحديث، أما كتاب «المسالك والممالك»، للإصطرخي، فقد امتاز بخرائطه التي أفرد منها لكل إقليم خريطة على حده، وجاء كتاب «المسالك والممالك» لابن حوقل، ليعد من المؤلفات الجغرافية العربية التي أفادت منها الإنسانية جمعاء، وكشفت الدراسة النقاب عن أن أول معجم جغرافي عربي مرتب بحسب حروف الهجاء هو معجم «ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع»، للبكري، والكتاب فريد لا يمكن مقارنته بشيء آخر، ويمثل مرجعًا أساسيًا لمن يبحث في الجغرافيا، وامتاز كتاب الإدريسي «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» بشموله لجميع أقاليم العالم، وبما احتواه من خرائط كثيرة ودقيقة موضحة للأماكن التي يتحدث عنها، ليستخرج منه أحد العلماء الغربيين خريطة جامعة للعالم كما رسمه الإدريسي.
وفي الفصل الخامس تحدث المؤلف عن جابر بن حيان كمدرسة كيميائية أفادت الإنسانية، فتناول نشأته وأثرها على توجهه العلمي، وأوضح كيف أن الفكر اليوناني، ومدرسة الإسكندرية والثقافة الإسلامية كانت بمثابة البنية المعرفية التي انطلق منها، لكنه انتهى إلى نتائج علمية جديدة مبتكرة، فأسهم في بناء المنهج التجريبي في مقابل المنهج التأملي العقلي الذي برع فيه اليونانيون، ثم أوضح بنية مدرسته التعليمية، والمبادئ والقواعد التي رأى أنها تحكم علاقة أعضاء المدرسة وتشكل البنية الأساسية التي تقوم عليها، ثم تناول منهجه البحثي وإنجازاته ومؤلفاته العلمية وأوضح أثرها في الإنسانية، فبين أثرها في الكيميائيين اللاحقين له سواء على المستوى العربي أو الغربي، وخاصة عملياته الكيميائية كالتبخير والتقطير والترشيح والتكليس والإذابة والتبلور والتصعيد، فكان أول من استحضر حامض الكبريتيك بتقطيره من الشبة، واستخرج حامض النيتريك، وأول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استخرج نترات الفضة، وثاني أكسيد الزئبق، واستحضر كربونات الصوديوم، وكربونات الرصاص القاعدي، والزرنيخ، والكحل (كبريتيد الأنتيمون)، وغيرها من الإنجازات التي جعلت جابر بن حيان صاحب مدرسة كيميائية مميزة لها إنجازاتها العلمية الهامة التي كانت بمثابة الأسس التي عملت على تطور الكيمياء العربية فيما بعد عصر جابر، وساعدت على تأسيس وقيام علم الكيمياء الحديث، كدور للحضارة الإسلامية كحلقة من حلقات الحضارة الإنسانية في مجال علم الكيمياء.
ثم خُصص الفصل السابع لعلم الطب بعد الرازي حيث تحدث عن ستة أطباء أتوا من بعده وهم ابن الجزار، علي بن العباس، الزهراوي، ابن سينا، بنُو زهر، ابن النفيس، وبينت الدراسة كيف أن الحضارة الإنسانية لم تتوقف على الإفادة من الحضارة الإسلامية في الطب على الرازي فحسب، بل أثر علماء المسلمين اللاحقين على الرازي في الحضارة الغربية الحديثة، فكتاب «زاد المسافر» لابن الجزار ترجم إلى اللغات الأوروبية واستفاد منه الأطباء الغربيون، واشتهر كتاب «كامل الصناعة» لعلي بن العباس في اللاتينية بالكتاب الملكي، حتى ظهور كتاب «القانون» لابن سينا، وأوضحت الدراسة أن كتاب الزهراوي «التصريف لمن عجز عن التأليف» الموسوعة في عمليات ربط الشرايين، واستئصال حصى المثانة، وتفتيتها، والتهاب المفاصل، وشق القصبة الهوائية.
وبينت الدراسة أن كتاب «القانون في الطب» لابن سينا يعد من أهم موسوعات الطب العربي الإسلامي، وقد أفادت منه الحضارة الإنسانية في عمومها، ويدلنا على ذلك ترجماته الكثيرة، فقد ترجم في القرن الخامس عشر الميلادي أكثر من ستة عشر مرة، وعشرين مرة في القرن السادس عشر، وأفادت الحضارة الغربية الحديثة من إنجازات بني زُهر، كما قدم ابن النفيس اكتشافه للدورة الدموية الصغرى للعالم أجمع، ولم يتم الكشف عن هذا الاكتشاف إلا في بداية القرن العشرين.
أما الفصل الثامن، الذي جاء بعنوان «إبداع الطب النفسي العربي الإسلامي وأثره في الإنسانية»، فأوضح دور كل من: الرازي، وجبرائيل بن بختشيوع، وابن سينا، أوحد الزمان البلدي البغدادي، سكرة الحلبي، رشيد الدين أبوحليفة، في الإسهام في الطب النفسي، فتصدوا لمعالجة الأمراض النفسية وقدموا لها ما ساعد على شفائها، فكان الرازي أول طبيب فكر في معالجة المرضى الذين لا أمل في شفائهم، فعالج الأمراض التي اعتبرها سابقوه مستحيلة البرء، كالصرع والمنخوليا، كما عالج جبرائيل بن بختشيوع الفصام التشنجي، أو الفصام التصلبي، الذي يتميز سلوك صاحبه بالتيبس النفسي والجسمي، وكان ابن سينا أول من ربط وظائف الإحساسات والخيال والذاكرة بشروطها الفسيولوجية، وبهذا لم يسبقه أحد في إلقاء الضوء الساطع على علم النفس التجريبي، وعالج مرض الوعي بالذات، كما عالج الطبيب أوحد الزمان مرض الهلاوس، واستخدم الطبيب سكرة الحلبي نظرية العلاج المعقود على المريض، إلى غير ذلك من الأمراض النفسية التي اكتشفها وعالجها الأطباء العرب الإسلاميون، كان لها أكبر الأثر في قيام وتطور علم النفس الحديث.
وعند الحديث في الفصل التاسع عن علوم الميكانيكا والهيدروليات والتكنولوجيا والبصريات، تناول بنوموسى بن شاكر كجماعة علمية أفادت الإنسانية، وكنموذج للأسر العلمية التي شهدها تاريخ العالم العربي، فبين كيف استطاع الأخوة الثلاثة أبناء موسى بن شاكر أن يكونوا جماعة علمية متآزرة نبغت في كافة هذه العلوم، فوقف في سياق البحث على أهم الأعمال العلمية النظرية والتطبيقية التي قومتها الجماعة، فقدموا منظومة علمية ومعرفية هامة شغلت مكانًا رئيسيًا في تاريخ العلم بعامة، وتاريخ التكنولوجيا بخاصة، فأرانا كيف قدمت جماعة بني موسى من خلال مؤلفاتها إسهامات جليلة في العلوم التي بحثوا فيها، ومنها: نظرية ارتفاع المياه، واختراع الساعة النحاسية الدقيقة، وقياس محيط الأرض، وتأسيس علم طبقات الجو، إلى غير ذلك من الابتكارات والاختراعات التي ضمنوها كتبهم، فأسهموا في تطور العلوم التي ألفوا فيها.
ثم أوضحت الدراسة دور علماء آخرون مثل: الحسن بن الهيثم، والبيروني، والخازن، وبديع الزمان الجزري، وكمال الدين الفارسي، فبينت أن أعظم مآثر الحسن بن الهيثم تأثيرًا في العالم نظريته في الإبصار، ثم أوضحت كيف اعترف علماء الغرب بأن البيروني أول من فكر في علم الجاذبية، وليس نيوتن، وانتهت الدراسة إلى أن أبا الفتح عبدالرحمن الخازن بحث في كتابه «ميزان الحكمة» ظاهرة الضغط الجوي قبل توريتشلي بخمسمائة عام، فكان كتابه الركيزة الأساسية في قيام العلم الطبيعي الحديث، وكذلك فعل الجزري فجمع بين العلم والعمل، ولهذا حق لعلماء الغرب أن يصفوه بأعظم المهندسين في التاريخ، وفي كتابه «تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر» درس كمال الدين الفارسي كيفية انعكاس الضوء والإبصار، ومظاهر الخداع البصري، وطور نظرية قوس قزح، فسبق ببحوثه ابن الهيثم وغيره من علماء الغرب والمسلمين، كما سبق بحوث ديكارت ونيوتن بقرون طويلة.
وفي الفصل العاشر والأخير زعم المؤلف أنه يؤصل لعلم جديد من العلوم الإبداعية المهملة في الحضارة الإسلامية، ألا وهو علم الطفيليات والأحياء المجهرية، مقدمًا من المبررات ما يعزز دعوته بأن أبا بكر الرازي يعد أول عالم في العالم يتطرق لبحث ودراسة واكتشاف مرض الجدري والحصبة، والذي يدخل في صميم علم الأحياء المجهرية الحديث، وفي القانون في الطب لابن سينا ولأول مرة في تاريخ الطب يكتشف ويعترف ويصف ابن سينا مرض الجمرة الخبيثة، والطفيل المسبب لها، وما ينتج عنها من حمى أطلق عليها الحمى الفارسية، والعجيب أن المصطلح المعبر عن الجمرة الخبيثة يعبر حرفيًا عن الاسم الذي أطلقه ابن سينا على هذه الجمرة وهو «الجمرة الفحمية»، كما قدم ابن سينا وصفًا لمرض السل ولأول مرة في تاريخ الطب في كتابه القانون، كذلك عد ابن زهر أول من اكتشف جرثومة الجرب وسماها «صؤابة» وهو اكتشاف مثير يأخذ به علم الطفيليات والأحياء المجهرية إلى اليوم.
خلاصة القول: إن العمل العلمي الذي قدم في هذا الكتاب يدل بصورة قوية على أن الحضارة الإسلامية تشغل مكانًا مرموقًا بين حضارات العالم المختلفة، وذلك بفضل ما قدمته للإنسانية من علوم أفادت منها، وكانت بمثابة الأساس القوي المتين الذي قامت عليه الحضارة الغربية الحديثة، وفي النهاية قدم المؤلف توصية للباحثين لكشف أسرار معظم هذه المؤلفات التي مازالت مخطوطة، فهي تستحق أن ننفض عنها غبار السنين بالدراسة والاستيعاب والفهم والتحقيق، لعلنا نكشف عما تحتويه من كنوز مازالت فاعلة حتى اليوم، وتلك هي النتيجة النهائية التي نبهت لها الدراسة، التي تستحق القراءة والتعمق لما قدمته من نتائج جديدة على المكتبة العربية.

ابوالوليد المسلم 21-06-2019 09:45 PM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
آبو نصر الفارابي Al-Farabi





ابن ابي اصيبعة









تاريخ الطبHistory of Medicine
هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان، مدينته فاراب، وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان، وكان أبوه قائد جيش، وهو فارسي المنتسب. وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى الشام وأقام به إلى حين وفاته. وكان رحمه الله فيلسوفاً كاملاً وإماماً فاضلاً قد اتقن العلوم الحكمية، وبرع في العلوم الرياضية، زكي النفس، قوي الذكاء، متجنباً عن الدنيا، مقتنعاً منها بما يقوم بأوده، يسير سيرة الفلاسفة المتقدمين. وكانت له قوة في صناعة الطب، وعلم بالأمور الكلية منها. ولم يباشر أعمالها، ولا حاول جزئياتها.

وحدثني سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي الآمدي ان الفارابي كان في أول أمره ناطوراً في بستان بدمشق وهو على ذلك دائم الاشتغال بالحكمة والنظر فيها، والتطلع إلى آراء المتقدمين وشرح معانيها. وكان ضعيف الحال حتى أنه كان في الليل يسهر للمطالعة والتصنيف، ويستضيئ بالقنديل الذي للحارس. وبقي كذلك مدة. ثم أنه عظم شأنه وظهر فضله،واشتهرت تصانيفه وكثرت تلاميذه، وصار أوحد زمانه وعلاّمة وقته. واجتمع به الأمير سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي وأكرمه اكراماً كثيراً، وعظمت منزلته عنده وكان له مؤثراً.

ونقلت من خط بعض المشايخ أن أبا نصر الفارابي سافر إلى مصر سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة، ورجع إلى دمشق، وتوفي بها في رجب سنة تسع وثلاثين وثلثمائة عند سيف الدولة علي بن حمدان في خلافة الراضي، وصلى عليه سيف الدولة في خمسة عشر رجلاً من خاصته. ويذكر أنه لم يكن يتناول من سيف الدولة من جملة ما ينعم به عليه سوى أربعة دراهم فضة في اليوم يخرجها فيها يحتاجه من ضروري عيشه. ولم يكن معتنياً بهيئة ولا منزل ولا مكسب. ويذكر أنه كان يتغذى بماء قلوب الحملان مع الخمر الريحاني فقط. ويذكر أنه كان في أول أمره قاضياً فلما شعربالمعارف نبذ ذلك، وأقبل بكليته على تعلمها، ولم يسكن إلى نحو من أمور الدنيا البتة. ويذكر أنه كان يخرج إلى الحراس بالليل من منزله يستضيء بمصابيحهم فيما يقرؤه. وكان في علم صناعة الموسيقى وعملها قد وصل إلى غاياتها وأتقنها إتقاناً لا مزيد عليه. وذكر أنه صنع آلة غريبة يستمع منها ألحاناً بديعة يحرك بها الانفعالات. ويذكر أن سبب قراءته الحكمة أن رجلاً أودع عنده جملة من كتب ارسطوطاليس، فاتفق ان نظر فيها فوافقت منه قبولاً وتحرك إلى قراءتها ولم يزل إلى أن أتقن فهمها وصار فيلسوفاً بالحقيقة.
ونقلت من كلام لأبي نصر الفارابي في معنى اسم الفلسفة قال: اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل في العربية، وهو على مذهب لسانهم فيلسوفاً ومعناه ايثار الحكمة. وهو في لسانهم مركب من فيلا ومن سوفيا، ففيلا الايثار وسوفيا الحكمة. والفيلسوف مشتق من الفلسفة، وهو على مذهب لسانهم فيلسوفوس. فإن هذا التغيير هو تغيير كثير من الاشتقاقات عندهم، ومعناه المؤثر للحكمة. والمؤثر للحكمة عندهم هو الذي يجعل الوكد من حياته وغرضه من عمره الحكمة. وحكى أبو نصر الفارابي في ظهور الفلسفة ما هذا نصه قال: ان أمر الفلسفة اشتهر في أيام ملوك اليونانيين، وبعد وفاة ارسطوطاليس بالاسكندرية إلى آخر أيام المرأة.

وأنه لما توفي بقي التعليم بحاله فيها إلى أن ملك ثلاثة عشر ملكاً، وتوالى في مدة ملكهم من معلمي الفلسفة اثنا عشر معلماً أحدهم المعروف باندرونيقوس. و كان آخر هؤلاء الملوك المرأة فغلبها اوغسطس الملك من أهل رومية، وقتلها واستحوذ على الملكِ. فلما استقر له نظر في خزائن الكتب وصنعها، فوجد فيها نسخاً لكتب ارسطوطاليس قد نسخت في أيامه وأيام ثاوفرسطس، ووجد المعلمين والفلاسفة قد عملوا كتباً في المعاني التي عمل فيها ارسطو. فأمر أن تنسخ تلك الكتب التي كانت نسخت في أيام ارسطو وتلاميذه، وأن يكون التعليم منها، وأن ينصرف عن الباقي. وحكم أندرونيقوس في تدبير ذلك، وأمره أن ينسخ نسخاً يحملها معه إلى رومية ونسخاً يبقيها في موضع التعليم بالاسكندرية؛ وأمره أن يستخلف معلماً يقوم مقامه بالاسكندرية ويسير معه إلى رومية. فصار التعليم في موضعين وجرى الأمر على ذلك إلى أن جاءت النصرانية فبطل التعليم من رومية، وبقي بالاسكندرية إلى أن نظر ملك النصرانية في ذلك، واجتمعت الاساقفة وتشاوروا فيما يترك من هذا التعليم وما يبطل. فرأوا أن يعلم من كتب المنطق إلى آخر الأشكال الوجودية، ولا يعلم ما بعده، لأنهم رأوا أن في ذلك ضرراً على النصرانية، وأن فيما أطلقوا تعليمه ما يستعان به على نصرة دينهم فبقي الظاهر من التعليم هذا المقدار، وما ينظر فيه الباقي مستوراً إلى أن كان الاسلام بعده بمدة طويلة فانتقل التعليم من الاسكندرية إلى انطاكية، وبقي بها زمناً طويلاً إلى أن بقي معلم واحد فتعلم منه رجلان وخرجا ومعهما الكتب، فكان أحدهما من أهل حران والآخر من أهلمرو فتعلم منه رجلان أحدهما ابراهيم المروزي والآخر يوحنا بن حيلان. وتعلم من الحراني اسرائيل الاسقف وقويري وسار إلى بغداد فتشاغل ابراهيم بالدين، وأخذ قويري في التعليم وأما يوحنا بن حيلان فإنه تشاغل أيضاً بدينه وانحدر ابراهيم المروزي إلى بغداد فأقام بها. وتعلم من المروزي متى ابن يونان، وكان الذي يتعلم في ذلك الوقت إلى آخر الأشكال الوجودية.

وقال أبو نصر الفارابي عن نفسه أنه تعلم من يوحنا بن حيلان إلى آخر كتاب البرهان. وكان يسمى ما بعد الاشكال الوجودية الذي لا يقرأ إلى أن قرئ ذلك، وصار الرسم بعد ذلك حيث صار الأمر إلى معلمي المسلمين أن يقرأ من الأشكال الوجودية إلى حيث قدر الانسان أن يقرأ. فقال أبو نصر أنه قرأ إلى آخر كتاب البرهان.

وحدثني عمي رشيد الدين أبو الحسن علي بن خليفة رحمه الله: إن الفارابي توفي عند سيف الدولة بن حمدان في رجب سنة تسع وثلاثين وثلثمائة، وكان أخذ الصناعة عن يوحنا بن حيلان ببغداد في أيام المقتدر، وكان في زمانه أبو المبشر متى بن يونان وكان أسن من أبي نصر، وأبو نصر أحد ذهنا وأعذب كلاماً. وتعلم أبو المبشر متى من ابراهيم المروزي وتوفي أبو المبشر في خلافة الراضي فيما بين سنة ثلاث وعشرين إلى سنة تسع وعشرين وثلثمائة. وكان يوحنا بن حيلان وابراهيم المروزي قد تعلما من رجل من أهل مرو.

وقال الشيخ أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني، في تعاليقه أن يحيى بن عدي أخبره أن متى قرأ ايساغوجي على انسان نصراني وقرأ قاطيغورياس بارمينياس على انسان يسمى روبيل، وقرأ كتاب القياس على أبي يحيى المروزي. (وقال) القاضي صاعد بن أحمد بن صاعد في كتاب التعريف بطبقات الأمم: أن الفارابي أخذ صناعة المنطق عن يوحنا بن حيلان المتوفي بمدينة السلام في أيام المقتدر فبذ جميع أهل الاسلام فيها، وأربى عليهم في التحقيق بها. فشرح غامضها، وكشف سرها، وقرب تناولها، وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة، لطيفة الاشارة، منبهة على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعاليم. وأوضح القول فيها عن مواد المنطق الخمس، وأفاد وجود الانتفاع بها، وعرف طرق استعمالها، وكيف تصرف صورة القياس في كل مادة منها. فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية، والنهاية الفاضلة.

ثم له بعد هذا كتاب شريف في احصاء العلوم والتعريف بأغراضها لم يسبق إليه، ولا ذهب أحد مذهبه فيه. لا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به، وتقديم النظر فيه. وله كتاب في أغراض فلسفة افلاطون، وارسطوطاليس يشهد له بالبراعة في صناعة الفلسفة والتحقق بفنون الحكمة، وهو أكبر عون على تعلم طريق النظر، وتعرف وجه الطلب اطلع فيه على اسرار العلوم وثمارها علماً علماً، وبين كيف التدرج من بعضها إلى بعض شيئاً شيئاً. ثم بدأ بفلسفة افلاطون فعرف بغرضه منها، وسمى تآليفه فيها. ثم اتبع ذلك بفلسفة ارسطوطاليس فقدم له مقدمة جليلة، عرف فيها بتدرجه إلى الفلسفة.

ثم بدا بوصف اغراضه في تآليفه المنطقية والطبيعية كتاباً كتاباً، حتى انتهى به القول في النسخة الواصلة إلينا إلى أول العلم الالهي والاستدلال بالعلم الطبيعي عليه. ولا اعلم كتاباً اجدى على طالب الفلسفة منه فإنه يعرف بالمعاني المشتركة لجميع العلوم والمعاني المختصة بعلم علم منها. ولاسبيل إلى فهم معاني قاطيغورياس وكيف هي الأوائل الموضوعة لجميع العلوم إلا منه. ثم له بعد هذا في العلم الالهي وفي العلم المدني كتابان لانظير لهما، أحدهما المعروف بالسياسة المدنية، والآخر المعروف بالسيرة الفاضلة عرف فيهما بجمل عظيمة من العلم الالهي على مذهب ارسطوطاليس في مبادئ الستة الروحانية، وكيف يؤخذ عنها الجواهر الجسمانية على ما هي عليه من النظام واتصال الحكمة. وعرف فيهما بمراتب الانسان وقواه النفسانية وفرق بن الوحي والفلسفة، ووصف أصناف المدن الفاضلة وغير الفاضلة، واحتياج المدينة إلى السيرة الملكية والنواميس النبوية.

أقول: وفي التاريخ ان الفارابي كان يجتمع بأبي بكر بن السراج فيقرأ عليه صناعة النحو وابن السراج يقرأ عليه صناعة المنطق. وكان الفارابي أيضاً يشعر. وسئل أبو نصر: من اعلم أنت أم ارسطو؟ فقال: لو ادركته لكنت اكبر تلاميذه. ويذكر عنه أنه قال: قرأت السماع لارسطو أربعين مرة، وأرى أني محتاج إلى معاودته. وهذا دعاء لأبي نصر الفارابي قال: اللهم إني أسألك يا واجب الوجود، ويا علة العلل، قديماً ولم يزل، ان تعصمني من الزلل، وأن تجعل لي من الأمل ما ترضاه لي من عمل. اللهم امنحني ما اجتمع من المناقب، وارزقني في اموري حسن العواقب. نجح مقاصدي والمطالب، يا اله المشارق والمغارب. رب الجوار الكنس السبع التي انبجت عن الكون انبجاس الأبهر، هنّ الفواعل عن مشيئته التي عمت فضائلها جميع الجوهر. أصبحت أرجو الخير منك وأمتري زحلاً ونفس عطارد والمشتري. اللهم البسني حلل البهاء، وكرامات الأنبياء، وسعادة الأغنياء، وعلوم الحكماء، وخشوع الاتقياء. اللهم انقذني من عالم الشقاء والفناء واجعلني من اخوان الصفاء، وأصحاب الوفاء، وسكان السماء، مع الصديقين والشهداء. أنت الله الاله الذي لا إله إلا أنت، علة الأشياء، ونور الأرض والسماء. امنحني فيضاً من العقل الفعال، يا ذا الجلال والافضال، هذب نفسي بانوار الحكمة، وأوزعني شكر ما أوليتني من نعمة، أرني الحق حقاً وألهمني اتباعه، والباطل باطلاً واحرمني اعتقاده واستماعه، هذبنفسي من طينة الهيولي انك أنت العلة الأولى.
يـا علـة الأشياء جمعاً والـذي كانـت بـه عـن فيضه المتفجـر
رب السمـوات الطباق ومركـز فـي وسطهن مـن الثرى والأبحـر
إنـي دعوتـك مستجيراً مذنبـاً فـاغفـر خطيـة مذنـب مقصـر
هذب يفيض منك رب الكل مـن كـدر الطبيعة والعناصر عنصـري

(الكامل)

اللهم، رب الأشخاص العلوية، والأجرام الفلكية، والأرواح السماوية، غلبت على عبدك الشهوة البشرية، وحب الشهوات والدنيا الدنية. فاجعل عصمتك مجني من التخليط، وتقواك حصني من التفريط، إنك بكل شيء محيط. اللهم انقذني من أسر الطبائع الأربع، وأنقلني إلى جنانك الأوسع وجوارك الأرفع. اللهم، ارجع الكفاية سبباً لقطع مذموم العلائق التي بيني وبين الأجسام الترابية، والهموم الكونية واجعل الكمة سببا لاتحاد نفسي بالعوالم الالهية، والأرواح السماوية. اللهم طهر بروح القدس الشريفة نفسي وأثـِر بالحكمة البالغة عقلي وحسي، واجعل الملائكة بدلا من عالم الطبيعة أنسي. اللهم، ألهمني الهدى، وثبت ايماني بالتقوى، وبغض إلى نفسي حب الدنيا. اللهم، قوِّ ذاتي على قهر الشهوات الفانية، وألحق نفسي بمنازل النفوس الباقية، واجعلها من جملة الجواهر الشريفة الغالية، في جنات عالية.

سبحانك اللهم سابق الموجودات التي تنطق بألسنة الحال والمقال، إنك المعظي كل شيء منها ما هو مستحقه بالحكمة، وجاعل الوجود لها بالقياس إلى عدمها نعمة ورحمة. فالذوات منها والأعراض مستحقة بآلائك، شاكرة فضائل نعمائك، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم. سبحانك اللهم تعاليت، إنك الله الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.


اللهم، جد لها بالعصمة، وتعطف عليها بالرحمة التي هي بك أليق، وبالكرم الفائض الذي هو منك أجد وأخلق؛ وامتن عليها بالتوبة العائدة بها إلىعالمها السماوي؛ وعجل لها بالأوبة إلى مقامها القدسي؛ واطلع على ظلمائها شمساً من العقل الفعال؛ وامط عنها ظلمات الجهل والضلال، واجعل ما في قواها بالقوة كامناً بالفعل؛ واخرجها من ظلمات الجهل إلى نور الحكمة وضياء العقل. الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور. اللهم، أر نفسي صور الغيوب الصالحة في منامها، وبدلها من الأضغاث برؤيا الخيرات والبشرى الصادقة في أحلامها؛ وطهرها من الأوساخ التي تأثرت بها عن محسوساتها وأوهامها؛ وأمط عنها كدر الطبيعة؛ وأنزلها في عالم النفوس المنزلة الرفيعة. الله الذي هداني وكفاني وآواني.

ومن شعر أبي نصر الفارابي قال:

لمـا رأيـت الزمـان نكسـا وليـس فـي الصحبة انتفـاع
كـل رئيـس بـه مــلال وكـل رأس بــه صــداع
لزمت بيتي وصنت عرضـاً بـه مـن العـزة اقتنــاع
أشـرب ممـا اقتنيت راحـا لهـا علـى راحتـي شعـاع
لـي مـن قواريرها ندامـى ومـن قراقيـرهـا سمـاع
واجتنـي مـن حديـث قـوم قـد أقفـرت منهـم البقـاع

(البسيط)

وقال أيضاً:

أخـي خل حـَيـَّز ذي باطـل وكـن للحقـائـق فـي حيــز
فمـا الـدار دار خـلـود لنـا ولا المرء في الأرض بالمعجـز
وهـل نحن إلا خطوط وقعـن علـى كـرة وقـع مستـوفـز
ينـافـس هـذا لـهـذا علـى أقـل مـن الكـلـم المـوجـز
محيـط السمـوات أولـى بنـا فكـم ذا التـزاحم فـي المركـز

(المتقارب)
ولأبي نصر الفارابي من الكتب: شرح كتاب المجسطي لبطليموس. شرح كتاب البرهان لارسطوطاليس، شرح كتاب الخطابة لارسطوطاليس، شرح المقالة الثانية والثامنة من كتاب الجدل لارسطوطاليس. شرح كتاب المغالطة لارسطوطاليس. شرح كتاب القياس لارسطوطاليس، وهو الشرح الكبير. شرح كتاب باريمينياس لارسطوطاليس على جهة التعليق. شرح كتاب المقولات لارسطوطاليس على جهة التعليق. كتاب المختصر الكبير في المنطق. كتاب المختصر اصغير في المنطق على طريقة المتكلمين. كتاب المختصر الاوسط في القياس. كتاب التوطئة في المنطق. شرح كتاب ايساغوجي لفرفوريوس. املاء في معاني ايساغوجي. كتاب القياس الصغير، ووجد كتابه هذا مترجماً بخطه. احصاء القضايا والقياسات التي تستعمل على العموم في جميع الصنائع القياسية. كتاب شروط القياس. كتاب البرهان. كتاب الجدل. كتاب المواضع المنتزعة من المقالة الثامنة في الجدل. كتاب المواضع المغلطة. كتاب اكتساب المقدمات وهي المسماة بالمواضع وهو التحليل. كلام في المقدمات المختلطة من وجودي وضروري. كلام في الخلاء صدق لكتاب الخطابة. شرح كتاب السماع الطبيعي لارسطوطاليس على جهة التعليق. شرح كتاب السماء والعالم لارسطوطاليس على جهة التعليق. شرح كتاب الآثار العلوية لارسطوطاليس على جهة التعليق. شرح مقالة الاسكندر الافروديس في النفس على جهة التعليق. شرح صدركتاب الأخلاق لارسطوطاليس. كتاب في النواميس. كتاب احصاء العلوم وترتيبها. كتاب الفلسفتين لفلاطن وارسطوطاليس مخروم الآخر. كتاب المدينة الفاضلة والمدينة الجاهلة والمدينة الفاسقة والمدينة المبدلة والمدينة الضالة، ابتدأ بتأليف هذا الكتاب ببغداد، وحمله إلى الشام في آخر سنة ثلاثين وثلثمائة، وتممه بدمشق في سنة احدى وثلاثين وثلثمائة، وحرره ثم نظر في النسخة بعد التحرير فأثبت فيها الأبواب. ثم سأله بعض الناس أن يجعل له فصولا تدل على قسمة معانيه فعمل الفصول بمصر في سنة سبع وثلاثين، وهي ستة فصول. كتاب مبادي آراء المدينة الفاضلة. كتاب الألفاظ والحروف. كتاب الموسيقى الكبير، ألفه للوزير أبي جعفر بن القاسم الكرخي. كتاب في احصاء الايقاع.

كلام له في النقلة مضافاً إلى الإيقاع. كلام في الموسيقى. مختصر فصول فلسفية منتزعة من كتب الفلاسفة. كتاب المبادئ الانسانية. كتاب الرد على الرازي في العلم الالهي. كتاب الرد على جالينوس فيما تأويله من كلام ارسطوطاليس على غير معناه. كتاب الرد على ابن الراوندي في العلمالالهي. كتاب الواحد والوحدة. كلام له في الحيز والمقدار. كتاب في العقل صغير. كتاب في العقل الكبير. كلام له في معنى اسم الفلسفة. كتاب الموجودات المتغيرة الموجود بالكلام الطبيعي. كتاب شرائط البرهان. كلام له شرح المستعلق من مصادرة المقالة الأولى والخامسة والاقليدس. كلامفي اتفاق آراء أبقراط وأفلاطن. رسالة في التنبيه على أسباب السعادة. كلام في الجزء وما لا يتجزأ.

كلام في اسم الفلسفة وسبب ظهورها وأسماء المبرزين فيها وعلى من قرأ منهم. كلام في الجن. كلام في الجوهر. كتاب في الفحص المدني. كتاب السياسات المدنية ويعرف بمبادئ الموجودات. كلام في الملة والفقه مدني، كلام جمعه من أقاويل النبي صلى الله عليه وسلم يشير فيه إلى صناعة المنطق. كتاب في الخطابة كبير، عشرون مجلداً. رسالة في قواد الجيوش. كلام في المعايش والحروب. كتاب في التأثيرات العلوية. مقالة في الجهة التي يصح عليها القول بأحكام النجوم. كتاب في الفصول المنتزعة للاجتماعات. كتاب في الحيل والنواميس. كلام له في الرؤيا. كتاب في صناعة الكتابة. شرح كتاب البرهان لارسطوطاليس على طريق التعليق، املاء على ابراهيم بن عدي تلميذ له بحلب. كلام له في العلم الالهي. شرح المواضع المستغلقة من كتاب قاطيغورياس لارسطوطاليس ويعرف بتعليقات الحواشي. كلام في أعضاء الحيوان. كتاب مختصر جميع الكتب المنطقية. كتاب المدخل إلى المنطق.

كتاب التوسط بين ارسطوطاليس وجالينوس. كتاب غرض المقولات. كلام له في الشعر والقوافي. شرح كتاب العبارة لارسطوطاليس على جهة التعليق. تعاليق على كتاب القياس. كتاب في القوة المتناهية وغير المتناهية. تعليق في النجوم. كتاب في الأشياء التي يحتاج أن تعلم قبل الفلسفة. فصول له بما جمعه من كلام القدماء. كتاب في أغراض ارسطوطاليس في كل واحد من كتبه. كتاب المقاييس. مختصر كتاب الهدى. كتاب في اللغات. كتاب في الاجتماعات المدنية. كلام في أن حركة الفلك دائمة. كلام فيما يصلح أن يذم المؤدب. كلام في المعاليق والجون وغير ذلك. كلام في لوازم الفلسفة. مقالة في وجوب صناعة الكيمياء والرد على مبطليها. مقالة في أغراض ارسطوطاليس في كل مقالة من كتابه الموسوم بالحروف، وهوتحقيق غرضه في كتاب ما بعد الطبيعة. كتاب في الدعاوي المنسوبة إلى ارسطوطاليس في الفلسفة مجردة عن بياناتها وحججها. تعاليق في الحكمة. كلام أملاه على سائل سأله عن معنى ذات ومعنى جوهر ومعنى طبيعة. كتاب جوامع السياسة مختصر. كتاب بايريمنياس لارسطوطاليس. كتاب المدخل إلى الهندسة الوهمية، مختصراً.كتاب عيون المسائل على رأي ارسطوطاليس، وهي مائة وستون مسألة. جوابات لمسائل سئل عنها وهي ثلاث وعشرون مسألة. كتاب أصناف الأشياء البسيطة التي تنقسم إليه القضايا في جميع الصنائع القياسية. جوامع كتاب النواميس فلاطن.كلام من املائه وقد سئل عما قال ارسطوطاليس في الحار. تعليقات انالوطيقا الأولى لارسطوطاليس، كتاب شرائط اليقين. رسالة في ما هية النفس. كتاب السماع الطبيعي.

عن طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة.








ابوالوليد المسلم 25-06-2019 04:35 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
إسهامات علماء المسلمين في الطب


د. راغب السرجاني



المقصود بعلوم الحياة أو العلوم الكونية:
يُطْلَق على علوم الحياة تسميات أخرى مثل: العلوم الكونية، العلوم التقنية، العلوم التطبيقية، العلوم التجريبية.. وقد آثرتُ تسميتها بعلوم الحياة وذلك في مقابل علوم الشرع؛ لأني أرى أن بها تنصلح الحياة على الأرض، وهي تعني: العلوم النافعة التي يهتدي إليها الناس بعقولهم وتجارِبهم ومشاهداتهم، ويستطيعون من خلالها عمران الأرض وإصلاحها وتسخير إمكانياتها، واستكشاف الكون والبيئة، وهي مثل علوم الطب والهندسة والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا، وعلوم الأرض والنبات والحيوان، وغير ذلك من العلوم التي تشمل الماديات المبثوثة في الكون، والتي يحتاج إليها البشر في إصلاح حياتهم.

ولقد بلغت مكانة علوم الحياة في ظلِّ الإسلام مبلغًا عظيمًا، حتى أصبح المسلمون فيها سادة، وقد ملكوا ناصيتها كما ملكوا ناصية العالم، فغدت جامعاتهم مفتوحة للطلبة الأوربيين الذين نزحوا من بلادهم لطلب تلك العلوم، وطفق ملوك أوربا وأمراؤها يَفِدُون إلى بلاد المسلمين ليعالَجوا فيها، وهو ما دعا العلاّمة الفرنسي جوستاف لوبون يتمنى لو أن المسلمين استولوا على فرنسا؛ لتغدو باريس مثل قرطبة في إسبانيا المسلمة[1]"[2].

وقال أيضًا تعبيرًا عن عظمة الحضارة العلميَّة في الإسلام: "إن أوربا مدينة للعرب (المسلمين) بحضارتها.

وفي هذه المقالات نتناول جوانب من إسهامات المسلمين في علوم الحياة، ونبرز عظمة هذه الإسهامات، ومكانة ذاك التغيير الذي أثّر -ولا يزال- في مسيرة الإنسانيَّة.

تطوير العلوم المتداولة:
لا شكَّ أنه كانت هناك علوم كثيرة متداولة قبل المسلمين، ساهمت فيها الحضارات السابقة بآثار طيِّبة، وهو ما اتَّكأ عليه المسلمون -ولهم الفخر في إعلان ذلك والتصريح به- عند بدء نهضتهم وقيام حضارتهم، غير أنهم -وهذا هو المعيار والأساس- لم يقتصروا على مجرَّد النقل عن غيرهم ممن سبقوهم، وإنما توسَّعوا وأضافوا إضافات باهرة من ابتكاراتهم واكتشافاتهم، واستطاعوا أن يسطروا في تلك العلوم التي كانت متداولة قبلهم تاريخًا ناصعًا مشرِّفًا، وهو ما نتبيَّنه ونتلمَّسه من خلال علم الطب.

تطور الطب على يد علماء المسلمين:
يُعدُّ علم الطب من أوسع مجالات العلوم الحياتية التي كان لعلماء المسلمين فيها إسهامات بارزة على مدار عصور حضارتهم الزاهرة، وكانت تلك الإسهامات على نحو غير مسبوق شمولاً وتميُّزًا وتصحيحًا للمسار؛ حتى ليُخيَّل للمطَّلع على هذه الإسهامات الخالدة كأن لم يكن طبٌّ قبل حضارة المسلمين!!

ولم يقتصر الإبداع على علاج الأمراض فحسب، بل تعدَّاه إلى تأسيس منهج تجريبي أصيل انعكست آثاره الراقية والرائعة على كافَّة جوانب الممارسة الطبيَّة وقايةً وعلاجًا، أو مرافق وأدوات، أو أبعادًا إنسانية وأخلاقية تحكم الأداء الطبي.

وإن روعة الإسهامات الإسلامية في الطبِّ لتتجلَّى في تخريج هذا الحشد من العبقريات الطِّبِّيَّة النادرة، التي كان لها -بَعْدَ الله - الفضل الكبير في تحويل مسار الطبِّ إلى اتجاه آخر، تابعت المسير على نهجه أجيالُ الأطباء إلى يوم الناس هذا.

وإن بدايات تلك الصنعة تكمن في أن الإنسان منذ وُجِدَ على ظهر الأرض وهو يهتدي -بإلهام ربِّه- إلى أنواع من التطبيب تتَّفِق مع مستواه العقلي وتطوُّره الإنساني، وكان ذلك النوع من الطبِّ يُعرف بالطبِّ (البدائي) انسجامًا مع المستوى الحضاري للإنسان، ولذلك نجد ابن خلدون يذكر أن: "... للبادية من أهل العمران طبًّا يبنونه في أغلب الأمر على تجربة قاصرة، ويتداولونه متوارثًا عن مشايخ الحيِّ، وربما صحَّ منه شيء، ولكنه ليس على قانون طبيعي"[3].

ولما جاء الإسلام كان للعرب في الجاهلية مثل هذا الطب، فحثَّ رسول الله على التداوي فقال - كما روى أسامة بن شريك: "تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاِّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الـْهَرَمُ"[4]. وعُرف عن رسول الله التداوي بالعسل والتمر والأعشاب الطبيعية، وغيرها مما عُرف بـ "الطب النبوي"".

غير أن علماء المسلمين لم يَقِفُوا عند حدود ذلك الطبِّ النبوي، بل أدركوا منذ وقت مبكر أن العلوم الدنيوية -والطبّ أحدها- تحتاج إلى دوام البحث والنظر، والوقوف على ما عند الأمم الأخرى منها؛ وذلك تطبيقًا لهدي الإسلام الدافع دومًا للاستزادة من كل ما هو نافع، والبحث عن الحكمة أنَّى وُجدت.. فنرى أطباء المسلمين يأخذون في التَّعَرُّفِ على الطبِّ اليوناني من خلال البلاد الإسلامية المفتوحة، كما أن الخلفاء بدءوا يستقدمون الأطباء الروم، الذين سرعان ما أخذ عنهم الأطباء المسلمون، ونشطوا في ترجمة كل ما وقع تحت أيديهم من مؤلَّفات طبية، ولعلَّ هذا يُعْتَبَرُ من أعظم أحداث العصر الأموي.

عباقرة علماء المسلمين في الطب


أبو بكر الرازي
وقد تميَّز علماء الطبِّ المسلمين بأنهم أوَّل مَنْ عَرَفَ التخصُّص؛ فكان منهم: أطباء العيون، ويسمَّون (الكحَّالين)، ومنهم الجراحون، والفاصدون (الحجَّامون)، ومنهم المختصُّون في أمراض النساء، وهكذا. وكان من عمالقة هذا العصر المبهرين أَبو بكر الرازي، والذي يُعْتَبَرُ من أعظم علماء الطبِّ في التاريخ قاطبةً، وله من الإنجازات ما يعجز هذا الكتاب عن ضمِّه!

وما كادت عجلة الأيام تدور في العصر العباسي حتى أجاد المسلمون في كل فرع من فروع الطبِّ، وصحَّحوا ما كان من أخطاء العلماء السابقين تجاه نظريات بعينها، ولم يَقِفُوا عند حَدِّ النقل والترجمة فقط، وإنما واصلوا البحث وصوَّبوا أخطاء السابقين.

علي بن عيسى الكحال
فقد تطوَّر طبُّ العيون (الكحالة) عند المسلمين، ولم يُطاوِلهم فيه أحدٌ؛ فلا اليونان من قَبْلِهِمْ، ولا اللاتين المعاصرون لهم، ولا الذين أَتَوْا من بعدهم بقرون بلغوا فيه شَأْوَهم؛ فقد كانت مؤلَّفاتهم فيه الحُجَّة الأُولَى خلال قرون طِوَال، ولا عجب أن كثيرين من المؤلِّفين كادوا يَعْتَبِرُون طبَّ العيون طبًّا عربيًّا، ويُقَرِّر المؤرِّخون أن علي بن عيسى الكحال[5] كان أعظم طبيب عيون في القرون الوسطى برُمَّتِهَا، ومؤلَّفه (التذكرة) أعظم مؤلَّفَاته[6].

أبو القاسم الزهراوي
وإذا طوينا تلك الصفحة المشرقة للرازي وابن عيسى الكحال فإننا نجد أنفسنا أمام عملاق آخر يُعْتَبَرُ من أعظم الجرَّاحين في التاريخ، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، وهو أبو القاسم الزهراوي (ت 403هـ) الذي تمكّن -كما أشرنا قبل ذلك- من اختراع أُولَى أدوات الجراحة كالمشرط والمقصِّ الجراحي، كما وَضَع الأُسُسَ والقوانين للجراحة، والتي من أهمِّها ربط الأوعية لمنع نزفها، واخترع خيوط الجراحة، وتمكَّن من إيقاف النزف بالتخثير.

وقد كان الزهراوي هو الواضع الأوَّل لعلم (المناظير الجراحية) وذلك باختراعه واستخدامه للمحاقن والمبازل الجراحية، والتي عليها يقوم هذا العلم، وقام بالفعل بتفتيت حصوة المثانة بما يشبه المنظار في الوقت الحاضر، إلى جانب أنه أوَّل مخترع ومستخدم لمنظار المهبل، ويُعْتَبَرُ كتابه (التصريف لمن عجز عن التأليف)، والذي قام بترجمته إلى اللاتينية العالم الإيطالي جيراردو[7] تحت اسم (ALTASRIF)، موسوعة طبية متكاملة لمؤسسي علم الجراحة بأوربا، وهذا باعترافهم، ولقد حلَّ الجزء الذي تكلَّم فيه الزهراوي عن الجراحة محلَّ كتابات القدماء، وظلَّ العمدةَ في فنِّ الجراحة حتى القرن السادس عشر (أي لما يزيد على خمسة قرون من زمانه)، ويشتمل على صور توضيحية للعديد من آلات الجراحة (أكثر من مائتي آلة جراحية!) كان لها أكبر الأثر فيمن أتى مِنْ بعده من الجرَّاحين الغربيين، وكانت بالغة الأهمية على الأخصِّ بالنسبة لأولئك الذين أصلحوا فنَّ الجراحة في أوربا في القرن السادس عشر؛ يقول عالم وظائف الأعضاء الكبير هالر: "إن جميع الجراحين الأوربيين الذين ظهروا بعد القرن الرابع عشر قد نهلوا واستقوا من هذا المبحث"[8].

ابن سينا
وقد برزت شخصيات إسلامية أخرى لامعة في ميدان علم الطب من أمثال ابن سينا (ت 428هـ) الذي استطاع أن يُقَدِّم للإنسانية أعظم الخدمات بما توصَّل إليه من اكتشافات، وما يسَّره الله له من فتوحات طبية جليلة؛ فقد كان أوَّل من اكتشف العديد من الأمراض التي ما زالت منتشرة حتى الآن، فهو الذي اكتشف لأوَّل مَرَّة طُفَيْل (الإنكلستوما)، وسمَّاها الدودة المستديرة، وهو بذلك قد سبق العالِم الإيطالي (دوبيني) بنحو 900 سنة، كما أنه أوَّل من وصف الالتهاب السحائي، وأوَّل من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ، والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفًا بذلك ما استقرَّ عليه أساطين الطبِّ اليوناني القديم، فضلاً عن أنه أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي[9]، كما كشف ابن سينا -لأوَّل مَرَّة أيضًا- طُرُقَ العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجُدَرِيِّ والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحيَّة الدقيقة في الماء والجوِّ، وقال: "إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدًّا لا تُرى بالعين المجرَّدة، وهي التي تسبِّب بعض الأمراض"[10]. وهو ما أكَّدَهُ (فان ليوتهوك) في القرن الثامن عشر والعلماء المتأخِّرون من بعده بعد اختراع المجهر.

ولهذا فإن ابن سينا يُعَدُّ أوَّل من أرسى (علم الطفيليات) الذي يحتلُّ مرتبة عالية في الطبِّ الحديث؛ فقد وَصَفَ لأوَّل مَرَّة (التهاب السحايا الأولي) وفرَّقه عن (التهاب السحايا الثانوي) -وهو الالتهاب السحائي- وغيره من الأمراض المماثلة، كما تحدَّث عن طريقة استئصال (اللوزتين)، وتناول في آرائه الطبية أنواعًا من السرطانات كسرطان الكبد، والثدي، وأورام العقد الليمفاوية، وغيرها[11].

وكان ابن سينا جرَّاحًا بارعًا؛ فقد قام بعمليات جراحية دقيقة للغاية، مثل استئصال الأورام السرطانية في مراحلها الأولى[12]، وشقّ الحنجرة والقصبة الهوائية، واستئصال الخرَّاج من الغشاء البلوري بالرئة، كما عالج البواسير بطريقة الربط، ووصف -بدقَّة- حالات النواسير البولية، إلى جانب أنه توصَّل إلى طريقة مُبْتَكَرَة لعلاج الناسور الشرجي لا تزال تُسْتَخْدَم حتى الآن! وتعرَّض لحصاة الكُلَى وشرح كيفية استخراجها والمحاذير التي يجب مراعاتها، كما ذَكَرَ حالات استعمال القسطرة، وكذلك الحالات التي يُحذر استعمالها فيها[13].

كما كان له باعٌ كبير في مجال الأمراض التناسلية؛ فوصف بدقَّة بعض أمراض النساء؛ مثل: الانسداد المهبلي، والإسقاط، والأورام الليفية، وتحدث عن الأمراض التي يمكن أن تصيب النفساء؛ مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يُسَبِّبُه من أورام وحُمِّيَّات حادَّة، وأشار إلى أن تَعَفُّنِ الرحم قد ينشأ من عُسْرِ الولادة، أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفًا من قبل، كما تعرَّض أيضًا للذكورة والأنوثة في الجنين، وعَزَاهَا إلى الرجل دون المرأة، وهو الأمر الذي أَكَّدَه مؤخَّرًا العلم الحديث[14].

وإلى جانب كل ما سبق كان ابن سينا على دراية واسعة بطبِّ الأسنان، وكان واضحًا دقيقًا في تحديده للغاية والهدف من مداواة نخور الأسنان حين قال: "الغرض من علاج التآكل منع الزيادة على ما تآكل؛ وذلك بتنقية الجوهر الفاسد منه، وتحليل المادَّة المؤدية إلى ذلك". ونلاحظ أن المبدأ الأساسي لمداواة الأسنان هو المحافظة عليها، وذلك بإعداد الحفرة إعدادًا فنيًّا ملائمًا، مع رفع الأجزاء النخرة منها، ثم يعمد إلى مَلْئِهَا بالمادَّة الحاشية المناسبة؛ لتعويض الضياع المادِّيِّ الذي تعرَّضَتْ له السِّنُّ؛ ممَّا يُعِيدُهَا بالتالي إلى أداء وظيفتها من جديد[15].

ولم تكن تلك حالات استثنائية للعبقرية الإسلامية في مجال الطبِّ، فقد حفل سجلُّ الأمجاد الحضارية الإسلامية بالعشرات، بل المئات من الروَّاد الذين تتلمذتْ عليهم البشرية قرونًا طويلة.

المصدر: موقع قصة الإسلام

[1] جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر ص13، 317.

[2] السابق ص566.

[3] ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر 1/650.

[4] أبو داود: كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى (3855)، والترمذي (2038)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه (3436)، وأحمد (18477)، والحاكم (8206)، وقال: حديث صحيح. ووافقه الذهبي، والبخاري في الأدب المفرد (291)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع (2930).

[5] علي بن عيسى الكَحّال: هو علي بن عيسى بن علي الكَحّال، (ت 430هـ/1039م). طبيب حاذق في أمراض العين ومداواتها. وكانوا يسمونها "صناعة الكحل"، اشتهر بكتابه "تذكرة الكحالين". انظر: ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء 2/263، والزركلي: الأعلام 4/318.

[6] ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 2/263.

[7] جيراردو دا كريمونا Gerardo da Cremona (1114 - 1187م): مستشرق إيطالي، مولده ووفاته في (كريمونا) من مدن إيطاليا الشمالية، أقام زمنًا في طليطلة (بالأندلس)، فترجم عن العربية إلى اللاتينية أكثر من سبعين كتابًا في مختلف العلوم.

[8] جوستاف لوبون: حضارة العرب ص591.

[9] عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية ص132، 133.

[10] علي بن عبد الله الدفاع: رواد علم الطب في الحضارة الإسلامية ص298.

[11] عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية ص133، وانظر: فوزي طوقان: العلوم عند العرب ص17.

[12] انظر: محمود الحاج قاسم: الطب عند العرب والمسلمين ص148.

[13] انظر: ابن سينا: القانون 3/165.

[14] المصدر السابق 2/586.

[15] انظر: ابن سينا: القانون 1/192.








ابوالوليد المسلم 29-06-2019 10:34 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
فضل بعض علماء الطب المسلمين في تطوير العلوم الطبية (1)

د. حذيفة أحمد الخراط







سارَع المُسلمون الأوائل إلى طلب العلم، والارتِقاء بالفكْر والثقافة، لمّا نزَل أمر السماء الأول، حاثًّا لهم ومُشجِّعًا على القراءة والاستِزادة مِن علوم الدِّين والدنيا؛ إذ كان أول ما نزَل مِن القرآن: ﴿ اقْرَأْ ﴾ [العلق: 1]، اللفظة الكريمة التي فَهِم المسلم فِقهَها ومَعناها، فحَرَص على تطبيقِها، وتحقيق ما شابَهَها مِن روايات السنَّة الكريمة، التي أَفردتْ لفضْل العِلم والتعلُّم الكثير مِن الآثار والروايات.
لا يَخفى على أحد، ما في تعلُّم العلوم الطبيَّة، مِن أهمية عظيمة، تَبرُز في مُستوى الفرد والمجتمع، وقد غدا مِن المسلَّم به ما يتحقَّق عن ذلك مِن نفْعٍ عَظيم، ومَصالِحَ جليَّة، يقع على رأسها حفْظ الصحَّة والبدن، وهو أحد أهم مَقاصِد الشريعة وغاياتها، كما أن سلامة البدن، وخلوَّه مِن السقم والعلَّة، عامل هامٌّ يَقوى به المسلم على طاعة ربه، وأداء حقوقه، وما خُلق لأجله مِن عبادة الله وتوحيده.
واحتاجَت البشرية منذ بداياتها القديمة - وما تزال - إلى وجود الطبيب الصادق الحاذق؛ يُشخِّص المرَض، ويُقدِّم ما وهِب مِن عِلْم وحِكمَة في سبيل علاجه، والارتِقاء بصحَّة صاحبِه مِن جديد.
وقد كَثُر حديث علماء السلف حول تعلُّم العلوم الطبية؛ إيمانًا منهم بأهميته، وما يُقدِّمه للأمة مِن منافع ورعاية، ومِن ذلك قول ابن الأخوة: "الطبُّ عِلم نظريٌّ عمليٌّ، أباحَت الشريعة تعلُّمه؛ لما فيه مِن حفْظ الصحَّة، ودفْع العِلَل والأمراض عن هذه البنية الشريفة".
وزاد بعض الأئمة على ذلك، فعدُّوا تعلُّم العلوم العقلية؛ كالطب، فرضَ كفاية على المجتمع المسلم، وذلك كأبي حامد الغزالي والإمام النوويِّ وغيرِهما.
ومِن أروع ما قيل في هذا الباب، قول الشافعيِّ، مُشجِّعًا على دراسة علم الطبِّ، فقال: "لا أعلم عِلمًا بعد الحَلال والحرام أنبلَ مِن الطبِّ"، وقد حقَّق الشافعيُّ مقولته، فكان ذا إلمام كبير بهذا العِلم النبيل، حتى رُوي عن أحد أطباء زمانه أنه قال عن الشافعي: "كان مع عظمته في عِلم الشريعة، وبراعته في العربية، بصيرًا بالطبِّ".
ونرى مِن جانب آخَر، أن مِن علماء المسلمين، مَن تفرَّغ لدِراسة علوم الطبِّ والجراحَة، وصبَّ جُلَّ اهتمامه في تعلُّم هذا العِلم النافع، وامتلأتْ سماء البلاد الإسلامية بنجوم مضيئة مِن هؤلاء العلماء، في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعيش في ظلام العصور الوسطى الحالك، وحمَل العلماء المسلمون حينَها راية العِلم، وأمسَكوا بزمام الحضارة، وقادوها بثبات نحو الأمام، وقدَّموا إلى تاريخ العلوم، ما شَهد بعظمته البعيد قبل القريب.
نجد - إن نشَطْنا بالبحث - قائمةً طويلةً ممَّن نبَغ مِن علماء المسلمين في مجال العلوم الطبيَّة، وفيها نجد أسماء لامِعة؛ كالرازي، والزهراوي، وابن النفيس، ومهذَّب الدِّين البغدادي، وابن باجة، وابن الخطيب، وابن رشْد، وابن السماح، والإدريسي، وثابت بن قرَّة، وكثير غيرهم.
وهنا سنُقدِّم لمحَةً سريعةً عن إسهامات بعض مِن هؤلاء العلماء، تُغطِّي جانبًا يسيرًا من الحقيقة الكبيرة التي يَعرفها الجميع، وهي تشجيع حضارة الإسلام الخالدة على تلقي العلوم والثقافة والفنون، بأشكالها المُختلِفة، وانعِكاس ذلك بالنفع على أفراد المجتمع المسلم.
الرازي
هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازيُّ، الذي وُلد بالرَّيِّ، على الراجِح في سنة 854 للميلاد، ونشأ هناك، وسافَر طالبًا للعِلم إلى بغداد، وفيها ظهَر نُبوغ الفتى في علوم مُختلِفة، كان على رأسها الطبُّ، واشتُهر به شُهرةً عظيمةً، وتولَّى لاحِقًا إدارة أكبر البيمارستانات في ذلك العصر؛ كالبيمارستان العَضُديِّ، وبيمارستان الرَّيِّ، والبيمارستان المُقتَدِريِّ، وتوفي ببغداد سنة 925 للميلاد.
للرازي مؤلَّفاته الكثيرة، ومنهم مِن عدَّها فزادتْ على المائتَين، بين كتاب ورسالة، ومِن أشهر ما كتَب:
كتاب الحاوي في عِلم التداوي، الذي تُرجِم إلى اللاتينيَّة وطُبع في خمسة وعشرين مُجلَّدًا، ومنها كتاب المَنصوري في التشريح، والجامع الكبير، ومنافع الأغذيَة ودفْع مَضارِّها، والحَصى في الكُلى والمثانة، وكتاب في الفصْد والحِجامة، ومِن رسائله: رسالة في الجُدَريِّ، ورسالة في الحَصبَة.
وقد اشتُهر عن الرازيِّ صبْرُه الشديد ودأبه على الكتابة، ومما ورَد عنه قوله:
"وبلغ مِن صبري واجتهادي، أنِّي كتبتُ بمثل خطِّ التعاويذ في عام واحدٍ أكثرَ مِن عِشرين ألف ورقة، وبقيتُ في عمل كتاب "الجامع الكبير" خمس عشرة سنَة، أعمله بالليل والنهار، حتى ضَعُف بصَري، وحدَث عليَّ فسْخ في عضَلِ يَدي، يَمنعاني في وقتي هذا عن القراءة والكتابة، وأنا على حالي لا أَدعُها بمِقدار جهدي، وأستعين دائمًا بمَن يَقرأ ويَكتب لي".
كان الرازي - رحمه الله - أول طبيب يُميِّز بين أنواع النزيف الذي يُصيب جِسم الإنسان؛ حيث فرَّق بين النزْف الشِّرياني والوَريديِّ، وقد أثبتَ عِلم التشريح صحَّة أقوال الرازي، فأوعيَة الجِسم الدمويَّة تتنوَّع بين شرايين تَحمل الدم مِن القلب باتِّجاه أعضاء الجسم المُختلِفة، وأَورِدة تَحمِل الدم بالاتجاه المعاكس (أي: مِن أعضاء الجسم باتِّجاه القلب)، ونَزيف كلٍّ منهما - والاستِنتاج هنا للرازي - يَختلِف عن الآخَر، مِن ناحية قوة الدَّفْق وغَزارته، ولون الدم، وتوقيت الحُدوث.
ووصَف الرازي كذلك، وسائلَ الإسعافات الأولية التي يُمكِن بها السيطرة على نزيف الشِّريان، وهذا مما يُساعِد في إنقاذ حياة المُصاب؛ لأن النُّزوف الشِّريانيَّة قد تَكون مُميتة في الحالات الشديدة.
ومِن جهود أبي بكر الرازي الطبيَّة الأخرى:
كلامه في جراحَة العِظام، وتصنيفه للكسور، وأنواع الجبائر المُختلِفة، التي تُستخدَم لتجبير تلك الكسور، ومِن ذلك أيضًا استِخدام الأنابيب المُختلِفة، التي يتمُّ وصْلُها بين تجاويف الجسْم الداخلية، والبيئة الخارجية المحيطة بجسم الإنسان، وذلك حتى يتسنَّى تصريف ما يتجمَّع مِن قَيح أو إفرازات مُؤذيَة مِن داخل الجسم نحو الخارِج، وقد أجاد الرازيُّ في وصف تلك الأنابيب، وأبان موادَّ صُنعِها ومقاساتها المُختلفة.
ويُجمع المؤرِّخون على أن الرازيَّ كان أول مَن استعمَل الخيُوط الجراحيَّة، التي تمَّ تصنيعها مِن أمعاء الحيوانات؛ إذ لاحَظ ما يَجمع هذا النسيج مِن خصائص المُرونة والقوة والمتانَة، ففكَّر في تصميم خيوطٍ يَستعين بها الطبيب الجراح في خدمة الأهداف الجراحيَّة المختلفة؛ مثل خياطة الجُروح المفتوحة وغيرها، وتُعرَف هذه الخيوط حاليًّا باسم خيوط أمعاء القطَّة Catgut sutures، ولها مَقاسات مُختلفة، وذلك بناءً على ما يُراد خياطتُه من أنسجة مجروحة.
وقد كان الرازي مِن رواد البحث التجريبي، وكثيرًا ما كان يَستخدم حيوانات التجارب؛ لمعرفة تأثير الدواء في أجسادِها قبل أن يلجأ إلى وصفِه إلى أحد مرضاه، واستخدم لذلك الغرض القرود؛ لما لاحَظَه مِن إصابتِها بالعديد مِن الأمراض التي تُشبه في أعراضها ما يَظهر في جسم الإنسان في كثير مِن الحالات.
واشتُهر عن الرازي اهتمامه بالحالة النفسيَّة للمريض، والرفع مِن شأنها، وإزالة مَخاوِف المريض، عبر استخدام أساليب نفسيَّة، تُحقِّق هدف الإسراع في العلاج؛ كزرع الثِّقة بالنفس والطَّمأنة، وفي ذلك يقول:" يَنبغي للطبيب أن يوهِم المريض بالصحَّة، ويُرجِّيه بها، وإن كان غير واثِق بذلك، فمزاج الجسم تابِع لأخلاق النفس".
لم تقف اهتِمامات الرازي عند العلوم الطبية فحسب، بل تعدَّى ذلك إلى علوم أخرى، صبَّ فيها جانبًا مِن اهتماماته، وظهَر فيها نُبوغ العالِم، وبَراعة المُكتشِف، ومِن ذلك: اهتمامه بعِلم الكيمياء، وقد ألَّف فيه الكثير مِن المصنَّفات والرسائل، كما أن له الكثير مِن الإسهامات في علوم المنطق، والطبيعيات، والجغرافيا، والفلسفة.






ابوالوليد المسلم 09-07-2019 09:45 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
فضل بعض علماء الطب المسلمين في تطوير العلوم الطبية (2)

د. حذيفة أحمد الخراط





خلف بن عباس الزهراوي:
وُلد أبو القاسم في الأندلس سنة 936 م، ولهذا العالِم الكبيرِ الكثيرُ مِن الإسهامات الطبية والجراحيَّة، التي تركَتْ بصماتها واضِحة حتى عَهْدِنا الحاضِر، والزهراوي هذا علَمٌ كبير مِن أعلام عِلم الجِراحة، وهو واضِع كتاب "التصريف لمَن عجَز عن التأليف"، الذي قال عنه ابن محمد المقري التِّلمِساني: "وكتاب التصريف لأبي القاسم الزَّهراويِّ، وقد أدرَكْناه وشاهَدْناه، ولئن قُلنا: إنه لم يؤلَّف في الطبِّ أجمَع منه، ولا أحسن للقول والعمل في الطبائع، لنَصدُقنَّ".

وقد وقَع كتاب التصريف في ثلاثين مَقالة، بحَثتْ كل واحدة منها في فنٍّ مِن فنون الطبِّ، وخُصِّص الأخيرة منها لفنِّ الجراحة، أو فنِّ صناعة اليد كما كان يُطلق عليها في ذلك الوقت.

برَع الزهراوي في فنِّ الجراحة، حتى أصبَحتْ مؤلفاته الجراحية المَرجِعَ الأول لأطباء ذلك العصر عدةَ مئات مِن السنين، ورفَعتْ ابتكاراتُه الجراحية مِن شأن هذا الاختِصاص، في وقت كانت فيه أوروبا تخضَع لقرارات الكنيسة التي تُحرِّم تدريس علوم الجراحَة في مدارِس الطب.

وكان مِن ضمْن اهتِمامات الزَّهراويِّ أيضًا، دراسة عِلم التشريح، الذي عدَّه أساسًا لفهْم عِلم الجِراحة، ومِفتاحًا لإتقانه، فقال في ذلك: "مَن لا يَبرع في التشريح، لا بدَّ أن يقَع في خطأ قد يُودي بحياة المريض"، وقد أكَّد عِلم الجراحة الحديثُ صحَّةَ هذه المقولة؛ إذ يترتَّب على الجرَّاح معرفة سَير مشرطه في الجسم بصورة دقيقة، ويتمُّ ذلك بفهم تشريحيٍّ عميق؛ حتى لا يُصاب أثناء الجِراحة عضو أو نسيجٌ ما؛ كأوعية الدم أو الأعصاب مثلاً، مما قد يترتَّب عليه الضرر الكبير.

ومن إسهامات الزهراوي في عِلم الجراحة، ما يُذكر بأنه أول مَن قام بعملية لإيقاف النَّزف الدمويِّ عبر ربط الشِّريان النازف، وبالتالي منْع تدفُّق الدم خلاله، وما تزال هذه العملية إحدى دعائم وقف النزيف حتى أيامِنا هذه.

وكان مِن جُلِّ اهتِمام الزهراوي، ابتكارُه للآلات الجراحيَّة، وبراعته في وَصفِها، وإجادته في رسمها وذِكْرها في تصانيفه، وقد أوضَح طريقة استِعمالها وتطبيقها، وامتلأ كتابه "التصريف" بالكثير مِن الرسوم الإيضاحية التي أُعدَّتْ بعناية فائقة، وصار هذا الكتاب مرجعًا رائدًا، أفاد منه الأطباء والجراحون، وتُرجم إلى لغات عديدة؛ كاللاتينية، والعِبرية، وكان أول كتاب يَصِف خطوات العملية الجراحية، ويَدعمها بالرسوم الإيضاحيَّة.

وهَوِيَ الزهراويُّ اقتِناء تلك الأدوات، التي كان يُفيد منها أثناء جراحاته، حتى قيل: إنها ضمَّتْ مجموعةً كبيرةً ربَتْ على مائتي أداة جراحيَّة لها استخداماتها المتعدِّدة والمختلفة.

اعتبر الزهراوي بحقٍّ أولَ من فرَّق بين الجراحة وغيرها من المواضيع الطبية، فقد أفرد للجراحة مقالاً خاصًّا، بعد أن كان هذا العِلم مُتناثرًا، ويَندرِج تحت أبواب العلوم الطبية الأُخرى، وقد اعتَرف بهذا الفضل للزَّهراويِّ الكثيرُ مِن الجراحين الغربيِّين، ومِن ذلك ما قاله أحدُهم: "إن جميع الجرَّاحين الأوروبيِّين الذين ظهَروا بعد القرن الرابع عشر، قد نهَلوا واستقَوا مِن مبحث الزهراوي"، ويقول آخر: "لا شكَّ في أن الزهراويَّ أعظم طبيب في الجِراحة العربيَّة، وقد اعتمده واستند إلى بحوثه جميع مؤلِّفي الجراحة في القرون الوسطى".

وكان مما تكلَّم عنه الزهراوي بعضٌ مِن جوانب جراحَة العيون، ومِن ذلك وصفه لعلاج الناسور الدمعي Fistula بالكيِّ وسكْب الرصاص المُذاب، وقرَّر استخدام الجراحَة في حال فشَل تلك الطريقتَين، ومِن جهوده الأخرى في نفس الاتجاه ما كان مِن وصفه لطريقة جراحيَّة تعتمِد على إحداث فتحة بين كيس الدمع وغشاء الأنف عبر عظْم الأنف، وهي طريقَة ابتكَرها عالِمُنا هذا، واستَخدم لها عددًا مِن آلات الجراحَة الجديدة.

أما في مجال جراحَة الأذن والأنف والحنجَرة، فقد تكلَّم الزهراويُّ في استِئصال الزوائد اللحميَّة في الأنف، وأنواع العمليات الجراحية التي تُحقِّق هذا الهدف، والمُضاعَفات التي تواجِه الجرَّاح أثناء العملية وبعدَها، كما أنه تكلَّم بإسهاب في عملية استِئصال اللوزتَين Tonsillectomy، وشقِّ الحنجَرة واستِئصال أَورامها.

يقول أحد أطباء الغرْب: "إن الزهراويَّ أول مَن نبَّه إلى الاحتياطات التي يجب اتخاذها لمنْع أخطاء العمليات الجراحية، وقد ذكَرها عند الحديث عن كل عملية جراحيَّة".

وفي مجال صحَّة الفم والأسنان وجراحة الفكَّين، تحدَّث الزهراويُّ عن قَلعِ الأضراس، وشرَح كيفيَّة قَلعِ الأسنان، وأسباب كُسور الفكِّ أثناء القلع، وطرُقَ استخراج جذور الأضراس، وطُرُق تنظيف الأسنان، وعلاج كسور الفكَّين والأضراس النابِتة في غير مكانها.

كما برَع الزهراويُّ في تقويم الأسنان، واستعمَل لذلك خُيوطًا مِن الذهب والفضَّة، وهو أول مَن كتب عن علاج عاهات الفم الخِلقيَّة، وتشوُّهات الأقواس السنيَّة، وعلاج القِطع اللحميَّة الزائدة في اللثة، وكان أول مَن قطَع الرباط تحت اللسان الذي يُعيق الكلام، وقطَع ورمَ اللهاة.

وتتجلى عبقريَّة الزهراويُّ في عِلم المسالك البولية، وابتكَر في ذلك عمليات جديدة، لم تزل تُستخدم حتى الآن مِن قِبَل جراحي المسالك البولية، فهو أول مَن ابتكَر القَسطرَة البوليَّة واستعملها لتصريف البَول، أو لغسْل المثانة، أو لإدخال بعض العلاجات الموضعيَّة بداخِلها، وأبدع في وصْف عمليات استِئصال حصيات المثانة جراحيًّا أو تفتيتها بآلاتٍ خاصَّة رسَمها في موسوعته، كما وصَف عمليات استِخراج حصيات مجرَى البَول عِند الذُّكور، والشُّقوق الجراحيَّة الخاصة باستِئصال حصيات المثانة والإحليل عند النساء.

واهتمَّ الزهراويُّ أيضًا في طبِّ التوليد وأمراض النساء، فوصَف طُرُق التوليد، وما قد يُصيب الحامل مِن مشكلات تُعيق سَير الولادة الطبيعيَّة، وشرَح طرُق تدبير الولادات العَسيرة، وكيفيَّة إخراج المشيمة المُلتصِقة، وتحدَّث عن الحَمل الذي قد ينشأ خارج الرحم، وطرُق علاج الإجهاض، وابتكَر آلة خاصةً لاستِخراج الجنين الميِّت مِن رحم الأم، وكان أول مَن ابتكَر بعض الآلات الخاصة بالجراحات النسائيَّة التي لا تَزال تُستخدَم إلى يومِنا هذا.

وللزهراويِّ أيضًا بصماتُه الواضِحة في الجراحة العامة؛ ومِن ذلك براعته في جراحَة الفتْق، وتطرُّقه إلى ذكْر المُضاعَفات التي يُتوقَّع حُدوثها أثناء العملية، ومِن ذلك أيضًا علاجه للأورام عن طريق الشقِّ، وجراحة الورم الذي يَعرض في الحلقوم، وهو ما يُعرف الآن بالغدة الدرَقيَّة، ويَكفي الزهراويَّ فخرًا أن يكون أول مَن تجرَّأ فحاول ونجح في استِئصال هذه الغدَّة، ولم يَجرُؤ أطباء أوروبا على عمل ذلك إلا بعدها بتسعة قرون، واعتمدوا في عملياتهم على مُلاحَظات الزهراويِّ التي سجَّلها في مُصنَّفاته.

وكان الزهراويُّ دائم التطرُّق إلى ذكر طُرق تخدير المريض التي استعملها في عملياته قبْل الشروع بالجراحَة، واستخدم لذلك الإسفنجة المُخدِّرة، التي تَحوي بعض النباتات؛ كنبتَة الزوان وست الحسن والحشيشة، وذكَر كذلك طُرق تعقيم ما يَستخدمه مِن الأدوات الجراحية، وتطهير الجروح، والضمادات، بطُرق تُقرُّها مبادئ الطبِّ الحديث.

يُمدُّنا الأسلوب الأدبي الذي تَسلكه كِتابات الزهراويِّ، ومناهِجه المتَّبعة في التعليم والعلاج، باستِقاء بعض الأخبار عن شخصيَّة هذا العالِم الفذَّة؛ إذ يبدو لنا ذا مُيول إنسانيَّة واضِحة، وهذا ليس نتيجة مهنتِه الطبية فحسب، بل هو نِتاج شخصية مُتوازِنة فريدة، فلم يكن الزهراويُّ مثلاً يَرعى مرضاه فقط، بل وطلابه وجميع مَن قصَده أيضًا، وكان يَستمتِع بتقديم عِلمه لتلاميذه ومُناقَشتهم بالمَسائل الطبيعيَّة، وهو الذي كان يَدعوهم في كتابه بأبنائه الذين علَّمهم الزهراوي أن يَحترموا مَرضاهم بغضِّ النظر عن مكانتِهم الاجتماعيَّة، وأن يُطوِّروا علاقة جيِّدة بين الطبيب والمريض.

كما علَّم الزهراويُّ هؤلاء التلاميذَ أيضًا أهميةَ تشخيص كل مُشكلة طبيَّة باعتِبارها حالة فريدة، آخِذين بعين الاعتِبار كل العوامل التي ربما تَكون ذات صلة بها، وفي المقابل أوصاهم بألا يَحفظوا الكتاب عن ظهْر قلبٍ، وألا يُطبِّقوا العلاجات الواردة فيه قبل أن يَنظُروا في أوجُه اختِلاف كل حالة عن المِثال الوارد عنها، ومما يَصِف طبيعتَه الشخصيَّة ونزاهتَه الواضِحة: إصرارُه على المعايير الأخلاقيَّة، ومُعارضته لأي علاج غير مُنصِف مدفوع بأسباب شخصيَّة؛ مثل: المكاسب المادية.


ونَختِم حديثنا عن الزهراويِّ، بقول الدكتور عزِّ الدين فرَّاج، في كتابه "فضْل عُلماء المسلمين على الحَضارة الأوروبية": "فما وصَلتْ إليه الجراحَة الآن، ما هو إلا جهْد قرون مِن الزمان، وآلاف مِن الباحِثين، رسم لهم الزهراويُّ الطريق، فساروا عليه".






ابوالوليد المسلم 12-07-2019 02:42 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
فضل بعض علماء الطب المسلمين في تطوير العلوم الطبية (3)

د. حذيفة أحمد الخراط



(ابن النفيس)




هو أبو الحسن علاء الدِّين بن أبي الحزْم، المعروف بابن النفيس القُرشيِّ، الطبيب العربيُّ المسلم والفيلسوف الفقيه اللُّغويُّ، الذي ولد بدمشق عام 1210 للميلاد، وتوفي بالقاهرة سنة 1288 للميلاد.

نشأ ابن النفيس في دِمشق، ودرَس الطب على يد مُهذَّب الدِّين بن الدَّخْوَار، وهو أشهَر أطباء عَصرِه في ذلك الوقت، ومارَس في دِمَشق الطبَّ ببَراعة ونجاح، ثم حضَر إلى القاهِرة زمَن الملك الكامل الأيوبي، وكانت القاهِرة في ذلك الوقت مركزَ العلوم، ومَقصد الفُنون، فمارَس الطبَّ هناك، واشتُهر بها طبيبًا حاذِقًا، وصَلتْ سُمعته إلى أرجاء الدولة الإسلامية.

اختار السلطان بيبَرس ابنَ النَّفيس طبيبًا خاصًّا لبلاطه، فأصبح عميدًا للبيمارستان المَنصوريِّ، وعميدَ أطباء مِصر لاحِقًا، واستمر يُزاول مُداواة المرضى في دارِه الخاصَّة التي وقَفها بما فيها على البيمارستان المنصوريِّ.

اشتُهر عن ابن النفيس جمُّ الذكاء، وسَعة المعرِفة، والتضلُّع في مُختلِف العلوم، والاستِقامة في كلِّ الشؤون، بما في ذلك الحِكمة في مُزاوَلة مهنة الطب، وقد كان باحثًا مِن الطراز المُمتاز؛ إذ ألَّف في علوم الطبِّ كما ألَّف في علوم أخرى؛ مثل: المنطِق، والفلسَفة، واللغة، والبيان، والحَديث، وأصول الفِقه.

ومما امتاز به ابن النَّفيس استِقلالُ الفِكر، واعتماد المنهج التجريبيِّ في إثبات الحقائق العلميَّة؛ مِن رصد، ومُشاهَدة، ومُقارَنة، وملاحَظة، وإجراء تجارِب، وكان لا يتردَّد في نقد أخطاء كبار الأطباء السابِقين؛ كجالينوس، وابن سينا، وغيرهم.

اعتمدتْ طريقة ابن النفيس في العلاج على تنظيم الغذاء أكثرَ مِن استِخدام الدواء، وخضَعتْ أبحاثُه لمنهج علميٍّ واضِح؛ فقد درَس أعمال مَن سبَقه من العلماء والأطباء، قبل أن يَحكُم على غير السليم منها، ويَعتمد الجيِّد لِبناء نظريات جَديدة، واهتمَّ بالعوامل المؤثِّرة في جسم الإنسان أكثر مِن اهتمامه بالطبِّ العلاجيِّ، وبكلمات أخرى نرى أن ابن النفيس مِن أوائل مَن اعتمد على الحِكمة المعروفة: (الوقاية خير مِن العلاج).

حَفظ ابن النفيس كتاب "القانون" لابن سينا عن ظهْر قلب، وكان يُلقي المحاضَرات عن جالينوس وابن سينا دون سابِق تَحضير، وممّا قاله عن كتُبه التي ألّفها: "لو لم أكنْ واثِقًا من أن كتُبي ستَعيش بعدي عشرة آلاف سنَة، لما كَتبتُها".

كسَر عالِمُنا الجَليل طوقَ التقيُّد بالطُّرق الموروثة عن السابِقين، ودَعا في ذلك إلى التحرُّر مِن هيمنة الأفكار التي ظهَر فسادُها، في الوقت الذي كان غيره لا يَجرؤ على انتِقادها أو مُخالفتها، إلا أنه مع ذلك اشتُهر بالإنصاف والأمانة العلميَّة وعدم تنكُّره لفضْل العلماء الآخَرين، ومما قال عن مخالفته لابن سينا مثلاً: "خالَفْناه في أشياء يَسيرة، ظنَّنا أنها مِن أغاليط النساخ".

تتبَّع ابن النفيس مَسار الدم في أوعية الجِسم الدمويَّة، واستطاع بذلك وصفَ الدَّورة الدموية في جِسم الإنسان، فكان بذلك المُكتشِفَ الأول لها قبْل أن يدَّعي اكتِشافها مَن جاء بعده مِن الأطباء الذين خانوا الأمانة العلميَّة، ونسَبوا أقوال ابن النفيس واكتِشافاته إلى أَنفسِهم زورًا منهم وبهتانًا.

وقد أثبتَ ابن النفيس أن عملية تنقيَة الدم تتمُّ في الرئتَين، واهتدى إلى أن اتِّجاه الدم ثابِت، وأنه يمرُّ مِن التجويف القلبيِّ الأيمن إلى الرِّئة؛ حيث يُخالط الهواء، ويتَّجه مِن الرئة إلى التجويف الأيسر للقلب، ومِن هناك يتمُّ ضخُّه إلى أنحاء الجِسم المُختلِفة.

ومما تطرَّق إلى ذِكْره عالِمُنا هذا، تشريحُ الرِّئة والشُّعَيرات الدموية الدقيقَة، والحُويصِلات الرِّئوية، كما أنه درَس وظائف الرئتَين والأوعية الدموية التي تتَّصل بينها وبين القلب والرئتَين، وخالَف بذلك فهمَ ابن سينا وأرسطو مِن قَبلِه.

لعلَّ أهمَّ مؤلَّفات ابن النفيس موسوعتُه المَعروفة بكتاب "الشامِل"، وهي أضخَم موسوعة علمية طبيَّة، تُكتَب في التاريخ الإنساني، وقد وُضعتْ مُسوَّدتها في ثلاثمائة جزء، إلا أن المنيَّة عاجَلتْ عالِمَنا، فلم يَتمَّ منها سوى تبييض ثمانين جزءًا، وتُمثِّل هذه الموسوعة الصيغة النهائية والمُكتمِلة للطبِّ والصيدلة في الحَضارة الإسلامية بعد خمسة قرون مِن الجهود العلميَّة المتواصِلة.

ومِن مؤلفاته أيضًا:
كتاب "شرح القانون"، وهو عِدَّة أسفار، شرَح خِلالها كتاب ابن سينا، وكتاب "موجَز القانون"، وهو اختِصار لقانون ابن سينا، كما أنَّه شرَح كتاب أبقراط، في كتاب أسماه: "شَرح تَقدِمة المعارف".

سبَق ابن النفيس أطباءَ العُيون، حينما قرَّر أن عَين الإنسان آلة ناقِلة للإبصار، وليستْ باصِرة بحدِّ ذاتها، وأشار إلى أن العَين تَنقل دلالات الجِسم المُبصَر ومَعانيه إلى المخِّ، وجاء العِلم الحديث، مؤكِّدًا صحَّة افتراضات ابن النفيس، وتمَّ اكتِشاف العصَب البَصريِّ الذي يَنقل الصورة، ويَربط العَين بأجزاء مُتخصِّصة في الدِّماغ، تقوم بتفسير المرئيات.

عاش ابن النفيس طوال حياته مُطيعًا لربه، أمينًا لدِينه، لا يَشغله غير العِلم والتعبُّد، حتى جاءه مرض الموت الذي عانَى منه ستَّة أيام، نصَحه فيها بعض أصحابه مِن الأطباء أن يَتناول شيئًا مِن الخَمر؛ لتسكين ما به مِن آلام مُبرحة، فأبى أن يَتناول شيئًا منه، وقال كلمته المعروفة: "لا ألقى الله - تعالى - وفي بطني شيء مِن الخمر".


وتوفِّي - رحمه الله - بمدينة القاهرة التي أقام بها مُعظم حياته عن عُمرٍ قارَب الثمانين عامًا، وترك وصيَّة وهَب فيها داره ومكتبتَه إلى البيمارستان الناصِريِّ، الذي قضى فيه معظم حياته طبيبًا، سجَّل له التاريخ بمداد مِن نور أعظم الصفحات المُضيئات.







ابوالوليد المسلم 25-07-2019 03:22 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
فضل بعض علماء الطب المسلمين في تطوير العلوم الطبية (4)

د. حذيفة أحمد الخراط


(مهذب الدين البغدادي)












هو أبو الحسَن عليُّ بن أحمد، المعروف بمهذَّب الدِّين البَغداديِّ، الذي وُلد في بغداد في سنَة 1117 للميلاد، ودرَس بها الطبَّ والحديث، وقد اشتُهر بالذكاء الشديد، وعدَّه الذهبي واحدًا مِن أذكياء ذلك الزمان وأنبَغِ أهله.



زاول مهذَّب الدِّين البغدادي مِهنَة الطبِّ في بغداد والمَوصل، وعُيِّن طبيبًا في بلاط الشاه أرمان، وقضى بقية عُمرِه في تدريس الطبِّ والحَديث، إلى أن مات في سنة 1213 للميلاد.



وَرث عن البغدادي نبوغَه في الطبِّ ابنُه شمس الدِّين البغدادي، الذي ذاع صيته فبلَغ إمبراطور الرومان الشرقي، فدعاه وبالَغ في إكرامه.



ولمُهذَّب الدِّين البغدادي موسوعةٌ علمية كبيرة تُعرف بـ"المختار في الطب"، وقد نشَرتْها في أربعة مجلَّدات دائرةُ المعارف العُثمانية في عام 1943 م، في حيدر أباد، وأعيدتْ طباعته ثانيةً عام 1996 م مِن قِبَل معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في فرانكفورت، وتُرجمتْ أجزاء منه إلى الفرنسية والألمانية والإنكليزية.



ناقَش كتاب "المختار في الطب" هذا، العديدَ مِن الموضوعات الهامة المتعلِّقة بعلوم الطب المُختلفة؛ ومِن ذلك ما كُتب في شأن الاهتمام بتعليم طالب الطبِّ، وضرورة إشراف أُستاذه المباشِر عليه أثناء فترة التدريب في البيمارستان.



ومما كَتَب عنه البغداديُّ في هذا الكتاب، أهميةُ الوقاية مِن حدوث الأمراض، وركَّز على الحِكمة التي تقول بأن "الوقاية خير مِن العلاج"، واعتمد في ذلك على أحاديث سُنن الفِطرة التي وردتْ في السنَّة المطهَّرة، والتي حثَّتْ على الاهتمام بالنظافة الشخصيَّة، والغذاء المتوازِن، ونَظافة البيئة.



ومما ركَّز عليه البغدادي في كتابه أيضًا، العنايةُ بالطفل الرضيع والأمِّ الحامل، وخصَّص فصلاً كاملاً للكلام حول معالَجة أمراض الأطفال، وتلاه بمُتابَعة عملية النموِّ، مرورًا بمرحلة الطفولة والشباب والكُهولة، وأخيرًا الشيخوخة والهَرَم، وما يَعتري كلَّ مرحلة منها مِن أمراض، وما تحتاجه مِن رعاية وتعهُّد.



تكلَّم البغدادي بإسهاب عن عِلم التشريح، وعدَّه واحدًا مِن أساسات العلوم الطبية التي لا غِنى عنها للطبيب الفاحِص، وقد خصَّص فصلاً كاملاً، للكلام حول التشريح العام لجِسم الإنسان، وفصلاً لاحقًا في تشريح كل جهاز في الجسم على حِدَة، وقد زوَّد فصل التشريح في كتاب "المختار في الطب" بالعديد مِن الرسوم الإيضاحيَّة، التي ساعَدتْ في فهم هذا العِلم المُعقَّد، وتمَّ اعتماد تلك الرسوم في المؤلَّفات التي تلتْ كتاب البغدادي ذلك.



وللبغدادي في مجال جراحة الجهاز البَولي، الكثيرُ مِن المشاركات العلمية التي لم يَسبقه إليها أحد، ومِن ذلك إحكام وصْف المثانة البَولية بصورة تشريحيَّة دقيقة، كما أنه وَصَف عملية التبوُّل الطبيعيَّة، ورسم ذلك كلَّه في بعض المُخطَّطات والرسوم الإيضاحيَّة.



كما أجاد البغدادي في وصْف ما يعتري الجهازَ البَولي مِن عِلل وأمراض، وما يُصاحب ذلك مِن أعراض مرضية، وعلامات تُساعد في وضع التشخيص النهائي، كما أنه ميَّز بَين الحصى التي تتكوَّن في الكلى، وتلك التي تتكوَّن في المثانة البَولية.



ومما تكلَّم عنه هذا العالِمُ الجليل كذلك، وسائلُ التفريق بين ألمِ الأمعاء وألم الكلى، ومِن المعروف أن آلام البطن الحادَّة تَتشابه في صورتها، أيًّا كان مصدرها مِن أعضاء جوفية، وتحتاج معرفة مَصدر الألم إلى دِراية وبُعْد نظر.



وقد وضَع البغداديُّ في مجال حصى الكُلى والمسالك البولية، بعضَ الخُطط العلاجيَّة والوقائيَّة، وقدَّم بعض الوصفات الدوائية التي لاحَظ إفادة المريض منها، ووصَف سبعين دواءً وثلاثة عشر مزيجًا مركَّبًا لعلاج تلك الحصى، واعتمد في ذلك على العديد مِن نباتات ذلك الزمان وأعشابه.



كما شجَّع البغدادي على أكل اللحوم البيضاء؛ كالسمك، والدجاج، والتخفيف مِن تناول اللحوم الحمراء والحَليب ومُشتقاته مِن قِبَل المرضى المؤهَّلين للإصابة بحصى الجهاز البَولي، وقد جاء العِلم الحديث مؤيدًا لتلك النظرية، ومُثبِتًا لصحَّة الكثير مِن هذه الاقتراحات.



ومما وصَفه البغداديُّ مِن عمليات جراحيَّة تختصُّ بجراحَة المسالك البوليَّة، طريقةُ إخراج الحصاة الضخْمة مِن المثانة، وقال بصعوبة إخراجها عَبر الجرْح أو الشقِّ الجِراحي المحدَث؛ وذلك لكِبَر حَجمِها، ونصَح حينها بتكسيرها باستِخدام كلاليب خاصة تعمل على تفتيت تلك الحَصاة إلى حصيات صغيرة، يَسهل بالتالي استِخراجُها.



ووصَف عالِمنا هذا أيضًا، جهازَ قسطرة البول بدقَّة مُتناهيَة، وفضَّل استخدام معدن الفضَّة على الرصاص في صناعتِها، وركَّز على مواصَفاتها الفنية التي يجب توافُرها في كل قسطرة، وتوجد بعض تلك الخصائص والمواصَفات في الأدوات الجراحيَّة الحديثة التي يتمُّ تصنيعها في وقتنا الراهن.



بقي تأثير مذهب البغدادي العِلمي واضِحًا في الأجيال العديدة مِن الأطباء الذين ظهَروا بعده، كما ترَكتْ مدرستُه بصماتها واضِحة في ما تلاها مِن المدارس الطبيَّة، وقد ساهَم كتابه "المختار" في تطوير المبادئ الطبيَّة وأُسُس الطبِّ السريريِّ وعِلم الصيدلة، وبقي واحدًا مِن أهم المراجع العلمية التي تمَّ اعتمادُها قرونًا عديدة لاحِقة.



وأخيرًا، فإنّ ما ذكَرْنا مِن علماء الطب المسلمين وجهودهم العلمية التي ترَكتْ بصماتها الواضِحات في سماء دائرة العلوم، ما هو إلا غَيض مِن فيض، فهناك كثير كَثير غيرهم ممَّن ذكَرهم التاريخ، وكَتب أسماءهم على صفحاته بأحرُفٍ مِن نور وذهبٍ، وحُقَّ للمسلمين أن يُفاخِروا بهم غيرهم مِن الأمم.





وما أعظم أن تُبعث في الأمة الإسلامية ثانيةً روحٌ جديدة مِن الصحوَة، وعُلوِّ الهمة، والنشاط البحثيِّ، تُعيدنا إلى ما كنّا عليه مِن مجد سابق تليد، حين سُدْنا العالَم قرونًا طويلةً!





ابوالوليد المسلم 07-08-2019 05:00 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
أبو القاسم الزهراوي



د. عبد العزيز اللبدي







أبوالقاسم الزهراوي
كان الخليفة عبد الرحمن الثالث الخليفة الأموي في الأندلس قد أتم بناء مدينة الزهراء شمالي قرطبة وذلك على اسم زوجته الزهراء وذلك عام 325 / 936 ونقل إليها عاصمته وبلاطهوحكومته. في ذلك العام خلف بن عباس على الأغلب في قرطبة ولكنه عاش في الزهراء وإليها نسب ويرجع أنه(1) لقي حتفه فيها في عام 404هـ/ 1013م أيام الفتنة الكبيرة حيث دمرت المدينةأيضاً.
وخدم في هذه المدينة الخلفاء المستنصر والمؤيد وخدم معه في نفس الفترة أحمد وعمر ابن يونس بن أحمد الحراثي و.. بن موسى الأسيوتي ومحمد بن عبدون الحبلي العذري الذي ألفكتابا في الكسير(2) وكذلك ابن جلجل الذي له مؤلفات(3) ومن المحتمل أن يكون الزهراوي قد درس عليه أيضاً وكان معاصراً لأبو عبدالله الندرومي وأبو بكر بن القاضي أبي الحسنالزهراوي(4) في أشبيليه وقد يكون درس علي أبو جعفر أحمد بن سابق الذي جذم الناصر وتوفي في دولة المستنصر(5).
ويذكر د. كمال السامرائي من الأطباء الذين خدموا في بلاط الخليفة المستنصر: أبو بكر حامد بن سمحون وأبو عبدالله البكري(6) ويظهر أنه كان سابقاً لزمانه فإن كل ما ترجم له ابن أبيأصيبعة أنه" "كان طبيباً فاضلاً خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة حين العلاج وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب وأفضلها كتابه الكبير المعروف بالزهراوي ولخلف بن عباس الزهراوي منالكتب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف وهو أكبر تصانيفه وأشهرها، وهو كتاب تام في معناه"(7) مع أنه ابن أبي أصيبعة ولد بعد مئتي سنة من وفاة الزهراوي حوالي 600هـ غير أننا نجد الكثير من الاقتباسات والاستشهاد به في كتاب "العمدة في الجراحة" لابن القف المتوفي عام 630هـ وذكره في التراجم أبو عبدالله الحميدي المتوفي عام 488هـ في خبرة المقتبس وأبو محمد عليابن أحمد ابن حزم وأثنى عليه وقال: "ولئن قلنا أنه لم يؤلف في الطب أجمع منه للقول والعمل في الطبائع والخبر لتصديقهم ومات بالأندلس بعد الأربعمائة"(8).
وقد ترجم الكتاب إلى اللاتينية في طليلطه من قبل جيراد الكريموني (Liber Gerarend of Cremone) (AL – SAHARAVIDE Cirugie في القرن الثاني عشر وأعيد طبعالترجمة في البندقية عام 1497 وطبعات عديدة في القرن السادس عشر(9) كما ترجمت إلى اللغة التركية في القرن الخامس من قبل شرف الدين بن علي الحاج الياس مع تطوير للآلات.
وفي عام 1778 أخرج جون شاننغ John Channing طبقة أكسفورد وفي فرنسا خرجت طبعة فرنسية عام 1861 عن لوسيان لكرك بعنوان Le Chirurgie dalbucasis وأصدرلوكنو Lucenow عام 1908 طبقة عربية مصدرة مع أشكال توضيحية(9).
وطبعة انكليزية مع الأصل العربي ورسم الآلات عن طريق سبنك ولويس ومعهد ولكم في لندن عام 1973 وهي التي اعتمدنا عليها في هذا الكتاب Spinke and Lewis لقد حظى كتابالتصريف باهتمام عالمي وكان الكتاب الأساسي للجراحة في أوروبا لخمسة قرون خلت وقد اقتبس الأوروبيون الكثير من الأشياء وطورها. ونستعرض أهم الإضافات التي اقتبسها الأوروبيون(10).
دراسة التهاب المفاصل وسل الصلب ونسبت هذه الأمراض من بعد للإنكليزي بوت وسميت سؤبوت.
طريقة فلخر Felcher الألماني المولد من اختراع الزهراوي… أو برفع الوالدة عند الوضع تسهيلاُ للولادة.
إمبرواز باريه A.Pare في منع كثر من الدم من الأوعية الدموية الكبرى.
طريقة معالجة الكسور المفتوحة بترك طاقة في الحبس.
ولا يقف فضل الزهراوي على هذه الأمور فقد كتب السامرائي(11). "فكان أول من وصف الناعور (الهيموفيلي)".
وأول من ربط الأوعية الدموية بخيوط الحرير وخاط الجروح بشعر ذيل الخيل وأول من أشار إلى حالة الحبل خارج الرحم وإلى المشيمة الميتة في الحبل وأول من أشار إلى سلس البولبسبب البواسير المهبلية المثانية وأول من شق حبب المياه أثناء المخاض لتعجيل الولادة (48 Lewis) (spink وأول من اكتشف ملقط التوليد قبل جمركية بعدة قرون. وأول من تحايل على فحص الحوض عند البكور عن طريق المقعدة وأول من وصف ضربات القلب الضائعة. أول من صور الآلة الجراحية المستعملة فقد وصف حوالي مئتي آلة.
كتابالتصريف
ولقد استعرض الزهراوي في كتابه التصريف لمن عجز عن التأليف جميع الأمراض في المقالين الأولين ثم الأدوية والمعاجين والترياقات وتوسع في رصف الأدوية حيث كان له اهتماماشديد بها ومنحها كثير من المقالات من الثالثة إلى التاسع والعشرين. وكرس المقالة الثلاثين للجراحة فسماها "في العمل باليد من الكي والشق والبط والجبر والخلع" وركز في مقدمة المقالة…على التشريح "والسبب الذي لا يوجد صانع محس بيده في زماننا هذا لأن صناعة الطب طويلة وينبغي لصاحبها أن يرتاض قبل ذلك في علم التشريح"(12) وعلى "وقد نبهت في كل مكان يأتيمن هذا الكتاب العمل الذي فيه الغرر والخوف فينبغي لكم أن تحذروه وترفضوه مثلاً يجد الجاهل السبل إلى القول والطعن فخذوا لأنفسكم بالحزم والياطة ومرضاكم بالزمن والتثبت واستعملالطريف الأفضل المؤدي إلى السلامة"(13).
الباب الأول – في الكي، ويركز الزهراوي مرة أخرى على التمرن "ألا أنه لا ينبغي أن يتصور على ذلك الأمر الأمن قد ارتاض ودرب في باب الكي دربه شديدة ووقف على اختلافمزاجات الناس وحال الأمراض في أنفسها وأسبابها وأعراضها ومدة زمانها"(14).
وقد صمم الزهراوي عدة أشكال من المكاوي ورسمها في كتابه حسب أعراض العلاج والتدرج ونلخص هنا الاستعمالات التي ما زالت قائمة للكي.
الكي كوسيلة للتعقيم.
كوسيلة لعلاج الناصور.
في وقف النزيف.
وقد كان الكي يستعمل في كثير من المجالات وما زال يستعجل في الطب الشعبي كثير وقد خف استعماله كثيراً في الطب الحديث وقد خصص له الزهراوي ستة وخمسون فصلاً.
الباب الثاني – في الشق والبط والفصد والجراحات ونحوها. ويضيف هنا أيضاً الآلات التي يستعملها في كل عملية ويبدأ في وصف الأدوات التي يعالجها من الرأس إلى القدين في سبعةوتسعين فصلاً يتحدث فيها في أربعة فصول عن الأسنان وتثبيتها بالفضة والذهب وقلعها وكسر الفك وعلاجه وعن علاج الأورام بالجراحة والسرطان. "وذكرت الأوائل أنه متى كان السرطانفي موضع يمكن استئصاله كالسرطان الذي في الثدي أو في الفخد ونحوها من الأعضاء المتمكنة لإخراج عجلته ولا سيما إذا كان مبتدئاً صغيراً وأما متى قدم وكان عظيماً فلا ينبغي أن تغريهفإني ما استطعت أن أبرئ منه أحداً ولا رأيت قبلي غيري وصل إلى ذلك.
ثم يتحدث عن أمراض الأطفال الخلقية، كالأطفال الذين يولدون ومواضع البول غير مثقوبة والمقعدة غير المثقوبة ويتحدث عن الطهور.
ثم يتحدث عن حقن المثانة بالزراقات وفي إخراج الحصاة من المثانة وعن إخراجها عند النساء "ثم تسخن عليها عند قبالة نصب الفرج عند أصل الخد" وهو أول من فعل ذلك.
ثم عن الأدرة المائية واللحمية والمعائية والريحية التي مع دالية وبين علاجها الجراحي وعلاج الفتق الأربي.
ثم يتحدث عن أمراض النساء والولادة ويصور الآلات التي يحتاج إليها في إخراج الجنين وهو مخترع الملقط لإخراج رأس الجنين ويتحدث عن أمراض المقعدة والبواسيروالنواصير وعلاجها الجراحي ويتحدث في الفصل الرابع والثمانون عن الجراحات فيقول


"فأقول أن الجراحات تختلف بحسب الشيء الذي يكون من الجراحة، وبحسب الموضع الذي يقع عليه الجرح فالأشياء التي تكون بها الجراحات كثيرة كضربة حجر أو قطع سيف أو سكين أوطعن رمح أو عود أو سهم وغير ذلك من أشياء كثيرة، وأما الجراحات بحسب المواضع من الجسم كالجرح الذي يقع على الرأس أو العنق أو الصدر أو البطن أو الكبد ونحوها من الأعضاء،وأني واصف علاج بعض الجراحات لتجعلها قياساً وقانوناً على سائر الجراحات، وأني أبتدئ بجراحات الرأس البسيطة خاصة لأن المركبة سيأتي ذكرها في أول الباب الثالث من هذا الكتاب"(16).
ثم يعرف العلاج العام لينتقل لشرح جراح البطن وخروج المعاء وخياطتها وأنواع الخياطة والمضاعفات المختلفة ويصف الخياطة مصران الحيوان "وقد يمكن أن يخاط المعاء أيضاًبالخيط الرقيق الذي يسل من مصران الحيوان اللاصق به"(17).
ولعله أول من استعمل خيوط ال Cat Gut. ويتكلم عن بتر الأطراف والدوالي ولعله أول من استعمل سل العروق بالطريقة الحديثة "وأما سله فيكون على هذه الصفة تمكن ساق العليل أنكان فيه شعر كثير ثم تدخله الحمام وتنطل ساقه بالماء الحار حتى تحمر وتدر العروق أو يرتاض رياضة مغرية إن لم يحضره حمام حتى يسخن العضو، ثم تشق الجلد قبالة العرق شقاً بالطول أمافي أخره عند الركبة أو في أسفله عند الكعب ثم تفتح الجلد بالصنانير وتسلخ الجلد من كل جهة حتى يظهر للحس، وهو عند ظهوره تراه أحمر قانئاً، فإذا خلص من الجلد تراه أيضاً كأنه الوتر ثمتدخل تحته مروداً، حتى إذا ارتفع وخرج عن الجلد علقه بصنارة عمياء ملساء، ثم شق شقاً آخر بقرب ذلك الشق بقدر ثلاث أصابع ثم أسلخ الجلد من على العرق حتى يطهر، ثم أرفق بالمروركما نقلت وعلقه بصنارة أخرى كما فعلت أولاً ثم شق شقاً آخر أو شقوق كثيرة إن احتجت إلى ذلك ثم سله واقطعه في آخر الشق عند الكعب ثم اجذبه وسله حتى يخرج من الشق الثاني"(18) ثم يتحدث عن إخراج السهام وعن الفصد والحجامة وتعليق العلق.
الباب الثالث – في الجبر ويقدمه بخبرته أيضاً "وإنما استفدت من ما استفدت لطول قرائتي لكتب الأوائل وحرصي على فهمها حتى استخرجت علم ذلك فيها، ثم لزمت التجربةوالدربة طول عمري، وقد رسمت لكم من ذلك في هذا الباب جميع ما أحاطه به
علمي ومضت عليه تجربتي بعد أن قربته لكم وخلصت من شعب التطويل واختصرته غاية الاختصار وبينته غاية البيان وصدرت لكم فيه صوراً كثيرة من الآلات التي تستعمل فيه إذ هو منزيادة البيان كما فعلت في البابين المتقدمين"(19).
يتحدث في الباب الأول عن الكسور بشكل عام عن التشخيص والعلاج. أما الباب الثاني فيتحدث عن كسور الرأس ويصف التربنة "أما كيفية الثقب حول العظم المكسور فهو أن تجعلالمثقب على العظم وتديره بأصابعك حتى تعلم أن العظم قد نفذ ثم تنقل المثقب إلى موضع آخر وتجعل بعد ما بين كل ثقب قدر غلظ المرور أو نحوه، ثم تقطع بالمقاطع ما بين كل ثقبين وتفعل ذلكبغاية ما تستطيع عليه من الرفق كما قلنا حتى تقلع العظم إما بيدك أو بشيء آخر من بعض الآلات التي أعددتها لذلك مثل الخفق والكلاليب اللطاف، وينبغي أن تحذر كل الحذر أن يمس المثقب أوالمقطع شيء من الصفاق".
ويتابع وصفه مركزاً على العناية الفائقة إن لا ترجح أو تصيب الصفاق أو الدماغ وعلى إزالة كل العظام والخشونة الناتجة عن العمل.
ويتحدث عن التشخيص والعلاج بالشد والربط والجبائر وعن الكسور مفصلة من الرأس إلى القدمين وعن المدة التي يحتاجها كل كسر على حدة.
وبعد، فإنه من السهل الآن في نهاية القرن العشرين أن ترى بساطة وبدائية الوسائل التي كان الزهراوي يشخص ويعالج بها ولكننا لا بد من النظر إلى الزهراوي كابن عصره واعتبارهأنه:-
- قد أضاف وصف أمراض جديدة لم تكن معروفة.
- أضاف علاجاً جديداً لم يكن معروفاً أيضاً وإذا كانت الجراحة معروفة كصناعة اليد، فإن الزهراوي أولاها اهتماماً جديداً وحاول في ضمن ظروفه أن يعالج بواسطتها ما رآه ممكناًوضرورياً.
- أضاف آلات جديدة ورسمها وبينها لتلاميذه وهو وإن كان لم يلاق الاهتمام المناسب من معاصريه فإن ما بدأه قد استمر قرون كثيرة حتى وصل إلى المستوى الحديث
من الجراحة العصرية ولا بد في هذه المرحلة أن نتذكر أوائل الجراحين الذين وضعوا الأسس في مرحلة صعبة للغاية.
ولكن الزهراوي قرأ كتب الأطباء الذين سبقوه فهو يذكر جالينوس وأبوقراط وباول الأجيني من الإسكندرية ولعل الأخير هو الأكثر تأثيراً في أبو القاسم.



المصادر :






مراجع الفصل التاسع عشر

سامي حمارنة تاريخ تراث العلوم الطبية عند العرب والمسلمين ص 335 الأردن – جامعة اليرموك 1 1986.

ابن أبي أصيبعة – نفس المصدر السابق – ص 2 487.

ابن أبي أصيبعة – نفس المصدر السابق – ص 3 493.

ابن أبي أصيبعة – نفس المصدر السابق – ص 4 536.

ابن أبي أصيبعة – نفس المصدر السابق – ص 5 537.

د. كمال السامرائي مختصر تاريخ الطب العربي ج2 ص168 الجمهورية العراقية وزارة الأعلام 6 1985.

ابن أبي أصيبعة نفس المصدر ص 7 501.

سامي حمارنة – نفس المصدر السابق ص 8 335

د. أحمد عبد الحي Ahmad Abdulhai + Syed Wasim Ahmad India Islamic Medicin 1981.9

زيغريد هونكه شمي الله على الغرب ص 195 دار النهضة العربية10 .

السامرائي نفس المصدر ص 11 170.

الزهراوي 12 – ALBUCASIS – نفس المصدر السابق – ص 3.

الزهراوي13 – ALBUCASIS – نفس المصدر السابق – ص 7.

الزهراوي14 – ALBUCASIS – نفس المصدر السابق – ص 9.

الزهراوي15 – ALBUCASIS – نفس المصدر السابق – ص 421.

الزهراوي16 – ALBUCASIS – نفس المصدر السابق – ص 527.

الزهراوي17 – ALBUCASIS – نفس المصدر السابق – ص 551.

الزهراوي18 – ALBUCASIS – نفس المصدر السابق – ص 597.

الزهراوي19 – ALBUCASIS – نفس المصدر السابق – ص 677.




ابوالوليد المسلم 19-09-2019 05:22 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
تاريخ علم الصيدلة عند المسلمين

د. عبدالله حجازي



يعرِّف طاش كبرى علم الصيدلة بـ: "أنه علم باحثٌ عن التمييز بين النباتات المشتبِهة في الشكل، ومعرفة منابتِها بأنها صِينية أو هندية أو رومية، ومعرفة زمانها بأنها صَيفية أو خَرِيفية، ومعرفة جيِّدها من رديئِها، ومعرفة خواصها، إلى غير ذلك".
أما البيروني، فيذكر أن علمَ الصيدلة إنها هو "معرفةُ العقاقير المفردة؛ بأجناسها وأنواعها وصُوَرها المختارة لها، وخلط المركبات من الأدوية؛ بكُنْهِ نسخها المدونة، أو بحسب ما يريدُ المريد المؤتمن الصالح".
وما من شك أن التعريفينِ مستوحَيَان أصلاً من الواقع الذي كان عليه علمُ الصيدلة من ديار الإسلام؛ إذ لم يكن لعلم الصيدلة وجودٌ في بلاد العرب قبل الإسلام، ولكن إلمام يسير ببعض الأعشاب وأثرِها في معالجة بعض الأمراض، توارثها جيل عن جيل.
وعلى الرغم من اهتمام المسلمين بعلم الصيدلة، فقد كان هذا العلم - في أول أمره - مرتبطًا بالنَّبات وبالطب؛ إذ كان الطبيب يقوم بفحص المرضى وتشخيص أمراضهم، ومن ثم كان يقوم بنفسه بتحضير الأدويةِ الخاصة لعلاجهم من الأعشاب والنباتات، وقد استمر الحال كذلك، رغم اتساع معرفة المسلمين بكثير من الأدوية، ولا سيما بعد أن فُتحت فارس، ووصل المسلمون إلى الهند؛ استمر إلى مطلع العصر العباسي، حيث كثرت العقاقير، وتشعَّبت طرق تركيبها وطالت؛ فاشتدت الحاجة إلى من يتفرغ لها ويفتِّش عن الأعشاب الطبيعية في كل مكان، وزاد في هذه الحاجة أنَفةُ بعض الأطباء عند تناولِ ثمن الدواء من المريض؛ لِما في ذلك من حِطَّة؛ وبذا استقلت للطبِّ قواعدُه ودروسه ومدارسه ودكاكينه، ومن ثم أُنشئت المدارسُ لتعليم الصيدلة في بغداد والبصرة ودمشق، ثم القاهرة، وفي قرطبة وطليطلة (في الأندلس).
وغدا علمُ الصيدلة - على أيدي المسلمين، وهم المؤسِّسون الحقيقيون للصيدلة - في هذه المدارس مهنةً علميَّة تختص بتحضير الأدوية؛ "من أصل" نباتي وحيواني ومعدني.
وصنِّفت الكتبُ في خصائص الأدوية وصفاتها، وكيفية الحصول عليها، وطرق الحفاظ عليها، كما سيتبين بعد قليل.
وفي الوقت نفسه بدأ اهتمام المسلمين بعلم النبات، وذلك في أوائل الحُكم العباسي، غير أنه اهتمامٌ انصبَّ - في بدايته - على الأغراض اللغوية؛ إذ كان أهلُ اللغة والحريصون على تدوينها يبحثون عن أسماء النباتات التي تشغل حيزًا كبيرًا من اللغة، فكانوا يذهبون إلى البادية يتلقونها من أهلها الذين لَمَّا تفسد لغتُهم بعد، يختلطون بأهلها ليقفوا على أصولها وجذورها.
ثم ما لبث هذا الاهتمامُ أن تنوَّع؛ فانصرف بعضُهم يبحث في النبات وما فيه من أدوية وعقاقير، وهكذا جدَّ جدُّ بعضهم في ترجمة ما وصل إليه من كتبٍ في هذا المجال، وبخاصة كتب الهنود، الذين امتازوا بمعرفة الحشائش، وبرعوا في استخراج خواصها، واشتهروا بمعرفه آثارها في الأبدان، كما أنهم ترجموا كتبًا تعود إلى اليونانين، ولا سيما من كان منهم بجامعة الإسكندرية من أمثال ديوسقوريدس، وجالينوس.
تعود لفظة "صَيْدلاني" أو "صَيْدَناني" إلى كلمة "جندناني وجندي"، أو بالأحرى إلى كلمة "جندل" بالهندية، التي تقابل ما يعرف بـ: "صندل"، والصندل هو نبات طيب الريح، أو خشب معروفٌ طيِّب الرِّيح، وفي القاموس: "الصَّندل: خشب معروفٌ، أجوده: الأحمر والأبيض، محلِّل للأورام، نافع للخَفَقانِ والصداع، ولضعف المعدة الحارة، والحميات"، ومنها الصيدلة: المكان الذي يباع فيه الدواءُ والعطر.
ربما كان أبو قريش عيسى الصيدلاني - طبيب المهدي العباسي (ت169هـ/ 785م) - أول من لقِّب بالصيدلاني والصيدليُّ أو الصيدلاني يعني في عرف البيروني:
"هو المحترف بجمع الأدوية على إحدى صورها، واختيار الأجود من أنواعها مفردة ومركبة، على أفضل التراكيب التي خلَّدها مبرزو أهل الطب".
وقد كانت الصيدلة تُعرَف في تلك العصور - قبل أن تختص بالأدوية والغذاء - بصناعة العطر والشراب، وربما كان كتاب ديوسقوريدس: "الحشائش"، الذي ترجمه ابن باصيل إلى العربية لأول مرة، وتَمَّمَ حسداس بن شبروات وابن جلجل ما فات ابن باصيل - وربما ربما كان أهم مصدر اتخذه المسلمون مرجعًا لهم في الأدوية.
ومما أثر أن كتاب ديوسقوريدس كان من جملة الهدايا التي بعثها مَلِك الروم إلى عبدالرحمن الناصر سنة 340هـ/951م، وأن الراهب نيقولا - الذي كان من ضمن وفد البعثة - ساعد في تحديد أنواع النباتات التي وردت أسماؤها في الكتاب، فضلاً عن ذلك فقد كان ما ترجم من كتب عن الهندية في العقاقير وأسمائها والمعالجات، والحيات وسمومها، وأمراض النساء وعلاجها - كان ذلك من المصادر المهمة بالنسبة للمشتغلين بعلم الأدوية والأعشاب؛ فلقد كان لكثير من الهنود معرفةٌ جيدة بالعقاقير، حتى قلَّ أن يكون صيدلانيًّا بالعراق إلا وعنده غلامٌ سندي لتحضير الأدوية، وتركيب العلاجات، وبذلك دخلت في اللغة العربية ألفاظ هندية كثيرة في مفردات الأدوية، مثل: زنجبيل وكافور وأبينوس وفُلفل وإهليلج وغيرها.
هذا، وقد خضعت مهنة الصيدلة وعلمها إلى تطور مذهل، إبان الحكم الإسلامي، ساهم فيه كثيرٌ من العلماء، وممن ساهم في هذا التطور وفي المعالجة الدوائية سابور بن سهل (ت 255هـ/869م) من مستشفى جندي سابور الذي ألف الأقراباذين الكبير، المؤلَّف من سبعة عشر فصلاً، وقد بقي مستعمَلاً حتى ظهر كتاب ابن التلميذ في الأقراباذين (انظر بعده).
وقد عدت العقاقير أصول الأدوية المفردة؛ نباتيةً كانت أو حيوانية أو معدنية، كما عدت الأقراباذين "grabdin=antidotarium" الأدوية المركبة، أو "تركيب الأدوية، وهي ما ترادف اللفظَ "دستور"، أو ما يسمى باليوناني فارماكوبيا "pharmacopoeia".
أما أمين الدولة ابن التلميذ (ت560هـ/1165م) رئيس أطباء (ساعور) البيمارستان العضدي ببغداد إلى حين وفاته؛ فقد ألف في الأقراباذين كتابًا كبيرًا سماه "كتاب الأقراباذين الكبير"، بقِي الكتاب المعتمد في التدريس في البلدان الإسلامية عدة قرون، وقد اشتمل الكتابُ على عدد من الأدوية المركبة المحتاج إليها في صناعة الطب؛ كالأقراص والحبوب والسفوفات والمعاجين واللعوقات والأشربة... إلخ.
وألَّف كتابًا أصغر سماه: "كتاب الأقراباذين الصغير البيمارستاني"، وضعه لاستعمال المستشفيات؛ إذ كان من عادة الصيادلة أن يرجعوا في إعداد أدويتهم وتحضيرها إلى الكتب المعتمدة في الأدوية.
المصدر: لمحات في تاريخ العلوم الكونية عند المسلمين



ابوالوليد المسلم 21-10-2019 09:15 PM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي





طاقم الطبي




مولده ومنشؤه بالري، وسافر إلى بغداد وأقام بها مدة. وكان قدومه إلى بغداد وله من العمر نيف وثلاثون سنة، وكان من صغره مشتهياً للعلوم العقلية مشتغلاً بها وبعلم الأدب، ويقول الشعر. وأما صناعة الطب فإنما تعلمها وقد كبر، وكان المعلم له في ذلك علي بن ربن الطبري. وقال أبو سعيد زاهد العلماء في كتابه في البيمارستانات: سبب تعلم أبي بكر محمد بن زكريا الرازي صناعة الطب أنه عند دخوله مدينة السلام بغداد، دخل إلى البيمارستان العضدي ليشاهده، فاتفق له أن ظفر برجل شيخ صيدلاني البيمارستان، فسأله عن الأدوية ومن كان المظهر لها في البدء؟ فأجابه بأن قال: إن أول ما عرف منها كان حي العالم وكان سببه أفلولن سليلة اسقليبيوس، وذلك ان افلولن كان به ورم حار في ذراعه مؤلم ألماً شديداً، فلما أشفي منه ارتاحت نفسه إلى الخروج إلى شاطئ نهر، فأمر غلمانه فحملوه إلى شاطئ نهر كان عليه هذا النبات، وأنه وضعه عليه تبرداً به فخف ألمه بذلك، فاستطال وضع يده عليه وأصبح من غد فعل مثل ذلك فبرأ. فلما رأى الناس سرعة برئه وعلموا أنه انما كان بهذا الدواء سموه حياة العالم، وتداولته الألسن وخففته فسمي حي العالم. فلما سمع الرازي ذلك أعجب به. ودخل تارة أخرى إلى هذا البيمارستان، فرأى صبياً مولوداً بوجهين، ورأس واحد، فسأل الأطباء عن سبب ذلك فأخبر به فأعجبه ما سمع. ولم يزل يسأل عن شيء شيء ويقال له وهو يعلق بقلبه، حتى تصدى لتعلم الصناعة، وكان منه جالينوس العرب، هذه حكاية أبي سعيد.

وقال بعضهم أن الرازي كان في جملة من اجتمع على بناء هذا البيمارستان العضدي، وان عضد الدولة استشاره في الموضع الذي يجب أن يبنى فيه المارستان، وان الرازي أمر بعض الغلمان ان يعلق في كل ناحية من جانبي بغداد شقة لحم، ثم اعتبر التي لم يتغير ولم يسهك فيها اللحم بسرعة، فأشار بأن يبنى في تلك الناحية وهو الموضع الذي بني فيه البيمارستان.
وحدثني كمال الدين أبو القاسم بن أبي تراب البغدادي الكابت ان عضد الدولة لما بنى البيمارستان العضدي المنسوب إليه، قصد أن يكون فيه جماعة من أفاضل الأطباء وأعيانهم، فأمر أن يحضروا له ذكر الأطباء المشهورين حينئذ ببغداد وأعمالها، فكانوا متوافرين على المائة، فاختار منهم نحو خمسين بحسب ما علم من جودة احوالهم وتمهرهم في صناعة الطب، فكان الرازي منهم. ثم انه اقتصر من هؤلاء أيضاً على عشرة، فكان الرازي منهم. في اختار من العشرة ثلاثة فكان الرازي أحدهم. ثم أنه ميز فيما بينهم فبان له أن الرازي أفضلهم، فجعله ساعور البيمارستان العضدي.
أقول والذي صح عندي أن الرازي كان اقدم زماناً من عضد الدولة بن بويه، وانما كان تردده إلى البيمارستان من قبل أن يجدده عضد الدولة. وللرازي كتاب في صفات البيمارستان وفي كل ما كان يجده من أحوال المرضى الذين كانوا يعالجون فيه.

وقال عبيد الله بن جبرائيل أنه لما عمر عضد الدولة البيمارستان الجديد الذي على طرف الجسر من الجانب الغربي من بغداد، كانت الأطباء الذين جمعهم فيه من كل موضع، وأمر الراتب منه أربعة وعشرون طبيباً، وكان من جملتهم أبو الحسن علي بن ابراهيم بن بكس، وكان دأبه أن يدرس فيه الطب لأنه كان محجوباً، وكان منهم أبو الحسن بن كشكرايا المعروف بتلميذ سنان؛ وأبو يعقوب الاهوازي وأبو عيسى بقية والقس الرومي وبنو حسنون، وجماعة طبائعيون. قال عبيد الله: وكان والدي جبرئيل قد اصعد مع عضد الدولة من شيراز ورتب في جملة الطبائعيين في البيمارستان، وفي جملة الأطباء الخواص. قال: وكان في البيمارستان مع هؤلاء من الكحالين الفضلاء أبو نصر بن الدحلي، ومن الجرائحيين أبو الخير وأبو الحسن بن تفاح وجماعته، ومن المجبرين المشار إليهم أبو الصلت. وقال سليمان بن حسان: أن الرازي كان متولياً لتدبير مارستان الري زماناً قبل مزاولته في البيمارستان العضدي وقال: ان الرازي كان في ابتداء نظره يضرب العود، ثم أنه أكب على النظر في الطب والفلسفة، فبرع فيهما براعة المتقدمين. وقال القاضي صاعد في كتاب "التعريف بطبقات الأمم": ان الرازي لم يوغل في العلم الالهي، ولا فهم غرضه الأقصى، فاضطرب لذلك رأيه وتقلد آراء سخيفة، وانتحل مذاهب خبيثة، وذم أقواماً لم يفهم عنهم ولا اهتدى لسبيلهم. وقال محمد بن اسحق النديم المعروف بأبي الفرج بن أبي يعقوب في كتاب الفهرست: ان الرازي كان ينتقل في البلدان، وبينه وبين المنصور بن اسماعيل صداقة. وألف له كتاب المنصوري. قال وأخبرني محمد بن الحسن الوراق قال: قال لي رجل من أهل الري شيخ كبير سألته عن الرازي فقال: كان شيخاً كبير الرأس مسفطه، وكان يجلس في مجلسه ودونه التلاميذ، ودونهم تلاميذهم ودونهم تلاميذ أخر، فكان يجيء الرجل فيصف من يجد لأول من يلقاه، فإن كان عندهم علم والا تعداهم إلى غيرهم، فإن أصابوا ولا تكلم الرازي في ذلك. وكان كريماً متفضلاً، باراً بالناس، حسن الرأفة بالفقراء والأعلاء، حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة ويمرضهم ولم يكن يفارق المدارج والنسخ. ما دخلت عليه قط إلا رأيته ينسخ اما يسود أو يبيض، وكان في بصره رطوبة لكثرة أكله الباقلاء، وعمي في آخر عمره، وكان يقول أنه قرأ الفلسفة على البلخي. قال محمد بن اسحق النديم: وكان البلخي من أهل بلخ يطوف البلاد ويجول الأرض، حسن المعرفة بالفلسفة والعلوم القديمة. وقد يقال أن الرازي ادعى كتبه في ذلك، ورأيت بخطه شيئاً كثيراً في علوم كثيرة مسودات ودساتير لم يخرج منها إلى الناس كتاب تام، وقيل أن بخراسان كتبه موجودة. قال: وكان في زمان الرازي رجل يعرف بشهيد بن الحسين ويكنى أبا الحسن يجري مجرى فلسفته في العلم، ولكن لهذا الرجل كتب مصنفة، وبينه وبين الرازي مناظرات، ولكل واحد منهما نقوض على صاحبه.

أقول: وكان الرازي ذكياً فطناً رؤوفاً بالمرضى، مجتهداً في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه، مواظبالإ للنظر في غوامض صناعة الطب والكشف عن حقائقها وأسرارها، وكذلك في غيرها من العلوم بحيث أنه لم يكن له دأب ولا عناية في جل أوقاته الا في الاجتهاد والتطلع فيما قد دونه الافاضل من العلماء في كتبهم، حتى وجدته يقول في بعض كتبه أنه كان لي صديق نبيل يسامرني على قراءة كتب بقراط وجالينوس. وللرازي أخبار كثيرة وفوائد متفرقة فيما حصل له من التمهر في صناعة الطب، وفيما تفرد به في مداواة المرضى، وفي الاستدلال على احواله من تقدمة المعرفة، وفيما خبره من الصفات والأدوية التي لم يصل إلى علمها كثير من الأطباء. وله في ذلك حكايات كثيرة وقعت له ق تضمنها كثير من ، وقد ذكر من ذلك جملاً في باب مفرد من كتابه الحاوي، وفي كتابه في سر الطب.
ومما حكي عنه من بدائع وصفه وجودة استدلاله، قال القاضي أبو علي المحسن بن علي بن أبي جهم التنوخي في كتاب "الفرج بعد الشدة": حدثني محمد بن علي بن الخلال البصري أبو الحسين أحد أمناء القضاة، قال: حدثني بعض أهل الطب الثـقاة، أن غلاماً من بغداد قدم الري وهو ينفث الدم، وكان لحقه ذلك في طريقه؛ فاستدعى أبا بكر الرازي، الطبيب المشهور الحذق، صاحب الكتب المصنفة، فأراه ما ينفث ووصف ما يجد. فأخذ الرازي محسته ورأى قارورته، واستوصف حاله منذ بدأ ذلك به، فلم يقم له دليل على سل ولا قرحة؛ ولم يعرف العلة؛ فاستنظر الرجل ليتفكر في الأمر، فقامت على العليل القيامة، وقال: هذا يأس لي من الحياة لحذق المتطبب وجهله بالعلة. فازداد ما به وولد الفكر للرازي ان أعاد عليه فسأله عن المياه التي شربها في طريقه فأخبره أنه قد شرب من مستنقعات وصهاريج، فقام في نفس أبي بكر محمد بن زكريا الرازي المتطبب الرأي بحدة الخاطر وجودة الذكاء، ان علقة كانت في الماء فحصلت في معدته، وان ذلك النفث للدم من فعلها. فقال له اذا كان في غد جيئتك فعالجتك ولم انصرف أو تبرأ، ولكن بشرط تأمر غلمانك ان يطيعوني فيك بما آمرهم به. فقال: نعم. وانصرف الرازي فتقدم فجمع له ملء مركنين كبيرين من طحلب اخضر فاحضرهما من غذ معه واراه اياهما وقال له ابلع جميع ما في هذين المركنين. فبلع الرجل شيئاً يسيراً ثم وقف فقال: ابلغ. فقال: لا أستطيع، فقال للغلمان: خذوه فانيموه على قفاه. ففعلوا به ذلك وطرحوه على قفاه وفتحوا فاه، وأقبل الرازي يدس الطحلب في حلقه ويكبسه كبساً شديداً ويطالبه ببلعه شاء ام أبى، ويتهدده بالضرب إلى ان بلـَّعه كارهاً أحد المركنين بأسره، والرجل يستغيث فلا ينفعه مع الرازي شيء، إلى أن قال: الساعة اقذف. فزاد الرازي فيما يكسبه في حلقه، فذرعه القيء فقذف. وتأمل الرازي قذفه فاذا فيه علقة، واذا هي لما وصل اليها الطحلب قرمت اليه بالطبع وتركت موضعها. والتفت على الطحلب؛ فلما قذف الرجل خرجت مع الطحلب، ونهض الرجل معافى.

قال القاضي التنوخي: وحدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الرازي المعروف بابن حمدون قال: حدثني أبو بكر أحمد بن علي الرازي الفقيه قال: سمعت ابا بكر بن قارن الرازي الطبيب وكان محذقاً في الطب، قال: أبو بكر بن حمدون، وقد رأيت هذا الرجل، وكان يحسن علوماً كثيرة منها الحديث ويرويه ويكتبه الناس عنه ويهونه، ولم أسمع هذا منه، قال القاضي التنوخي، ولم يتفق لي، مع كثرة ملاقاة أبي بكر الرازي، ان اسمع هذا الخبر منه، قال ابن قارون الرازي، وكان تلميذاً لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب في الطب: سمعت ابا بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب بعد رجوعه من عند أمير خراسان، لما استدعاه فعالجه من علة صعبة قال: اجتزت في طريقي بنيسابور بيقام، وهي النصف من طريق نيسابور الى الري، فاستقبلني رئيسها فانزلني داره وخدمني اتم خدمة، وسألني ان اقف على ابن له به استسقاء، فادخلني إلى دار قد أفردها له، فشاهدت العليل فلم أطمع في برئه فعللت القول بمشهد من العليل، فلما انفردت انا بابيه سألأني ان أصدقه فصدقته وآيسته من حياة ابنه، وقلت له مكنه من شهواته فانه لا يعيش، وخرجت من خراسان وعدت منها بعد اثني عشر شهراً فاجتزت به، فاستقبلني الرجل بعد عودتي، فلما بقيته استحييت منه غاية الحياة ولم أشكك في وفاة ابنه، وإني كنت نعيته اليه وخشيت من تثقله بي، فأنزلني داره فلم أجد عنده ما يدل على ذلك. وكرهت مسألته عن ابنه لئلا أجدد عليه حزناً. فقال لي يوماً: تعرف هذا الفتى؟ وأومأ إلى شاب حسن الوجه والصحة، كثير الدم والقوة، قائم مع الغلمان يخدمنا. فقلت: لا! فقال هذا ولدي الذي أيستني منه عند مضيك إلى خراسان، فتحيرت وقلت: عرِّفني سبب برئه؟ فقال لي: انه بعد قيامك من عند فطن انك آيستني منه فقال لي: لست أشك ان هذا الرجل وهو أوحد في الطب في عصره هذا قد آيسك مني، والذي أسألك ان تمنع هؤلاء الغلمان، يعني غلماني الذين كنت اخدمه اياهم، فانهم اترابي، واذا رأيتهم معافين. وقد علمت أني ميت تجدد على قلبي حمى تعجل لي الموت، فأرحني من هذا بان لا أراهم، وأفرد لخدمتي فلانة دايتي. ففعلت ما سأل، وكان يحمل إلى الداية في كل يوم ما تأكله، وإليه بما يطلب على غير حمية.
فلما كان بعد أيام حمل إلى الداية مضيرة لتأكل، فتركتها بحيث يقع عليها نظر ولدي، ومضت في شغل لها، فذكرت انها لما عادت وجدت ابني قد أكل أكثر مما كان في الغضارة، وبقي في الغضارة شيء يسير مغير اللون، قالت العجوز: فقلت له: ما هذا؟ فقال: لا تقربي الغضارة، وجذبها إليه، وقال: رأيت أفعى عظيماً وقد خرج من موضع ودب إليها فأكل منها، ثم قذف فصار لونها كما ترين، فقلت أنا ميت ولا أود أن يلحقني ألم شديد، ومتى أظفر بمثل هذا، وأكلت من الغضارة ما استطعت لأموت عاجلاً وأستريح. فلما لم استطع زيادة أكل رجعت إلى موضعي وجئت أنت. قالت ورأيت المضيرة على يده وفمه فصحت. فقال: لا تعملي شيئاً أو تدفني الغضارة بما فيها لئلا يأكلها انسان فموت، أو حيوان فيلسع انساناً فيقتله∴ ففعلت ما قال. وخرجت إلي، فلما عرتني ذلك ذهب على أمري ودخلت إلى ابني فوجدته نائماً، فقلت لا توقظوه حتى ننظر ما يكون من امره، فانتبه آخر النهار وقد عرق عرقاً شديداً وهو يطلب المستحم، فأنهض إليه فاندفع بطنه، وقام من ليلته ومن غد أكثر من مائة مجلس، فازداد يأسنا منه، وقل الطعام بعد أن استمر أياماً، وطلب فراريج فأكل، فتزايدت قوته إلى أن صار كما ترى. فعجبت من ذلك وذكرت أن الأوائل قالت: ان المستسقي اذا أكل من لحم حية عتيقة مزمنة لها مئون سنين برأ، ولو قلت لك أن هذا علاجه لظننت أني أدافعك ومن أن نعلم كم سنوحيه اذا وجدناها فسكت عنك.
أقول: وللرازي أمثال هذا من الحكايات أشياء كثيرة جداً مما جرى له وقد ذكرت من ذلك جملة وافرة في كتاب "حكايات الأطباء في علاجات الأدواء". وكان أكثر مقام الرازي ببلاد العجم، وذلك لكونها موطنه وموطن أهله وأخيه، وخدم بصناعة الطب الاكابر من ملوك العجم وصنف هنالك كتباً كثيرة في الطب وغيره، وصنف كتابه المنصوري للمنصور بن اسماعيل بن خاقان صاحب خراسان وما وراء النهر، وكذلك صنف كتابه الذي سماه الملوكي لعلي ابن صاحب طبرستان. وكان الرازي أيضاً مشتغلاً بالعلوم الحكمية فائقاً فيها. وله في ذلك تصانيف كثيرة يستدل بها على جودة معرفته وارتفاع منزلته. وكان في أول أمره قد عنى بعلم السمياء والكيمياء وما يتعلق بهذا الفن، وله تصانيف أيضاً في ذلك. ونقلت من خط بلمظفر بن معرف قال: كان الرازي يقول أنا لا اسمي فيلسوفاً إلا من كان قد علم صنعة الكمياء، لأنه قد استغنى عن التكسب من أوساخ الناس، وتنزه عما في أيديهم ولم يحتج إليهم.
وحدثني بعض الأطباء ان الرازي كان قد باع لقوم من الروم سبائك ذهب وساروا بها إلى بلادهم، ثم أنهم بعد ذلك بسنين عدة وجدوها وقد تغير لونها بعض التغير، وتبين لهم زيفها فجاءوا بها إليه؛ وألزم بردها. وقال غيره أن الوزير كان أضافه الرازي فأكل عنده أطعمة لذيذة لا يمكن أن يأكل بأطيب منها، ثم أن الوزير تحيل بعد ذلك حتى اشترى احدى الجواري التي تطبخ الأطعمة عند الرازي ظناً منه أن تطبخ مثل ذلك الطعام، فلما صنعت له أطعمة لم يجدها كما وجدها عند الرازي. فلما سألها عن ذلك، ذكرت له أن الطبيخ واحد، بل أننا كنا نجد القدور التي عند الرازي جميعاً ذهباً وفضة. فسبق إلى وهمه حينئذ ان جودة الأطعمة إنما هي من ذلك، وأن الرازي قد حصلت له معرفة الكيمياء. فاستحضر الوزير الرازي وسأله أن يعرفه ما قد حصل له من معرفة الكيمياء. فلما لم يذكر له الرازي شيئاً من ذلك، وانكر معرفته خنقه سراً بوتر.

وقيل أن الرازي كان في أول أمره صيرفياً. ومما يحقق ذلك أنني وجدت نسخة من المنصوري قديمة قد سقط آخرها، واحترق أكثرها من عتقها، وهي مترجمة بذلك الخط هلى هذا المثال: كناش المنصوري، تأليف محمد بن زكريا الرازي الصيرفي. وأخبرني من هي عنده انها خط الرازي. وكان الرازي معاصراً لاسحق بن حنين ومن كان معه في ذلك الوقت، وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه فقيل له: لو قدحت؟ فقال: لا قد نظرت من الدنيا قد مللت. فلم يسمح بعينيه للقدح. وقال أبو الخير الحسن بن سوار بن بابا، وكان قريب العهد منه: إن الرازي توفي سنة نيف وتسعين ومائتين أو ثلثمائة وكسر، قال: والشك مني.

يتبع

ابوالوليد المسلم 21-10-2019 09:17 PM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
أبو بكر محمد بن زكريا الرازي





طاقم الطبي




ونقلت من خط بملظفر بن معرف أن الرازي توفي في سنة عشرين وثلثمائة. وقال عبيد الله بن جبرئيل: كان أبو بكر محمد بن زكريا الرازي له المنزلة الجليلة بالري وسائر بلاد الجبل. قال: وعاش إلى أن لحقه ابن العميد استاذ الصاحب بن عباد، وهو كان سبب اظهار كتابه المعروف بالحاوي، لأنه كان حصل بالري بعد وفاته فطلبه من اخت أبي بكر، وبذل لها دنانير كثيرة حتى أظهرت له مسودات الكتاب. فجمع تلاميذه الأطباء الذي كانوا بالري حتى رتبوا الكتاب، وخرج على ما هو عليه من الاضطراب.
ومن كلام أبي بكر محمد بن زكريا الرازي قال:
الحقيقة في الطب غاية لا تدرك، والعلاج بما تنصه الكتب دون أعمال الماهر الحكيم برأيه خطر.
وقال: الاستكثار من قراءة كتب الحكماء، والإشراف على أسرارهم، نافع لكل حكيم عظيم الخطر.
وقال: العمر يقصر عن الوقوف على فعل كل نبات في الأرض، فعليك الأشهر، مما اجمع عليه، ودع الشاذ؛ واقتصر على ما جربت.
وقال: من لم يعن بالأمور الطبيعية، والعلوم الفلسفية، والقوانين المنطقية، وعدل إلى اللذات الدنيائية، فاتهمه في علمه؛ لا سيما في صناعة الطب.
وقال: متى اجتمع جالينوس وارسطوطاليس على معنى فذلك هو الصواب؛ ومتى اختلفا صعب على العقول ادراك صوابه جداً.
وقال: الأمراض الحارة اقتل من الباردة لسرعة حركة النار. وقال: الناقهون من المرض اذا اشتهوا من الطعام ما يضرهم فيجب للطبيب ان يحتال في تدبير ذلك الطعام وصرفه إلى كيفية موافقة، ولا يمنعهم ما يشتهون بتة.
وقال: ينبغي للطبيب أن يوهم المريض أبداً الصحة ويرجيه بها، وان كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لإخلاق النـَّفْس.
وقال: الأطباء الأميون والمقلدون، والأحداث الذين لا تجربة لهم، ومن قلت عنايته وكثرت شهواته، قتالون.
وقال: ينبغي للطبيب أن لا يدع مساءلة المريض عن كل ما يمكن أن تتولد عنه علته من داخل ومن خارج، ثم يقضي بالأقوى.
وقال: ينبغي للمريض أن يقتصر على واحد ممن يوثق به من الأطباء، فخطؤه في جنب صوابه يسير جداً.
وقال: من تطبب عند كثيرين من الأطباء يوشك أن يقع في خطأ كل واحد منهم.
وقال: متى كان اقتصار الطبيب على التجارب دون القياس وقراءة الكتب خذل.
وقال: لا ينبغي أن يوثق بالحسن العناية في الطب حتى يبلغ الأشد ويجرب.
وقال: ينبغي أن تكون حالة الطبيب معتدلة، لا مقبلاً على الدنيا كلية ولا معرضاً عن الآخرة كلية، فيكون بين الرغبة والرهبة.
وقال: بانتقال الكواكب الثابتة في الطول والعرض تنتقل الأخلاق والمزاجات.
وقال: باختلاف عروض البلدان تختلف المزاجات والاخلاق والعادات وطباع الأدوية والأغذية، حتى يكون ما في الدرجة الثانية من الأدوية في الرابعة، وما في الرابعة في الثانية.
وقال: ان استطاع الحكيم أن يعالج بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السعادة.
وقال: ما اجتمع الأطباء عليه، وشهد عليه القياس، وعضدته التجربة، فليكن أمامك، وبالضد.
ومن شعر أبي بكر محمد بن زكريا الرازي قال:
لعمري، ما أدري، وقد آذن البلـى
بعالج ترحال؛ إلى أين ترحالـي؟
وأين محل الروح بعـد خروجـه
من الهيكل المنحل والجسد البالي؟
(الطويل)
لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي من الكتب: كتاب الحاوي، وهو أجل كتبه واعظمها في صناعة الطب. وذلك أنه جمع فيه كل ما وجده متفرقاً في ذكر الأمراض ومداواتها من سائر الكتب الطبية للمتقدمين، ومن أتى بعدهم إلى زمانه. ونسب كل شيء نقله فيه إلى قائله، هذا مع أن الرازي توفي ولم يفسح له في الأجل أن يحرر هذا الكتاب. كتاب البرهان، مقالتان، الأولى سبعة عشر فصلاً، والثانية اثنا عشر فصلاً. كتاب الطب الروحاني، ويعرف أيضاً بطب النفوس؛ غرضه فيه اصلاح أخلاق النفس، وهو عشرون فصلاً. كتاب في أن للانسان خالقاً متقناً حكيماً، وفيه دلائل من التشريح ومنافع الأعضاء تدل على أن خلـْق الانسان لا يمكن أن يقع بالاتفاق، كتاب سمع الكيان عرضه فيه أن يكون مدخلاً إلى العلم الطبيعي ومسهلاً للمتعلم لحقو المعاني المتفرقة في الكتب الطبيعية. كتاب ايساغوجي وهو المدخل إلى المنطق. جمل معاني قاطيغورياس. جمل معاني باريمينياس جمل معاني انالوطيقا الأولى إلى تمام القياسات الحملية. كتاب هيئة العالم غرضه أن يبين أن الأرض كرية وأنها في وسط الفلك، وهو ذو قطبين يدور عليهما، وان الشمس أعظم من الأرض والقمر أصغر ومنها وما يتبع ذلك من هذا المعنى. كتاب فيمن استعمل تفضيل الهندسة من الموسومين بالهندسة، ويوضح فيه مقدارها ومنفعتها ويرد على من رفعها فوق قدرها. مقالة في السبب في قتل ريح السموم لأكثر الحيوان. كتاب في جرى بينه وبين سيسن المناني يربه خطأ موضوعاته وفساد ناموسه، في سبع مباحث. كتاب في اللذة غرضه فيه أن يبين أنها داخلة تحت الراحة. مقالة في العلة التي لها صار الخريف ممرضاً والربيع بالضد، على أن الشمس في هذين الزمانين في مدار واحد، صنفها لبعض الكتاب كتاب في الفرق بين الرؤيا المنذرة، وبين سائر ضروب الرؤيا. كتاب الشكوك والمناقضات التي في كتب جالينوس. كتاب في كيفية الابصار يبين فيه أن الابصار ليس يكون بشعاع يخرج من العين، وينعض فيه اشكالاً من كتاب اقليدس في المناظر. كتاب في الرد على الناشئ في مسائله العشر التي رام بها نقض الطب. كتاب في علل المفاصل والنقرس وعرق النسا، وهو اثنان وعشرون فصلاً. كتاب آخر صغير في وجع المفاصل.
الاثنا عشر كتاباً في الصنعة: الأول كتاب المدخل التعليمي؛ الثاني كتاب المدخل البرهاني؛ الثالث كتاب الاثبات؛ الرابع كتاب التدبير؛ الخامس كتاب الحجر؛ السادس كتاب الأكبر عشرة أبواب؛ السابع كتاب شرف الصناعة وفضلها؛ الثامن كتاب الترتيب؛ التاسع كتاب التدابير؛ العاشر كتاب الشواهد ونكت الرموز؛ الحادي عشر كتاب المحبة؛ الثاني عشر كتاب الحيل. كتاب الأحجار يبين فيه الإيضاح عن الشيء الذي يكون في هذا العمل. كتاب الأسرار. كتاب سر الأسرار. كتاب التبويب. كتاب رسالة الخاصة. كتاب الحجر الأصفر. كتاب رسائل الملوك. كتاب الرد على الكندي في ادخاله صناعة الكيمياء في الممتنع. كتاب في أن الحمية المفرطة والمبادرة إلى الأدوية والتقليل من الأغذية لا يحفظ الصحة، بل يجلب الأمراض. مقالة في أن جهال الأطباء يشددون على المرضى في منعهم من شهواتهم وإن لم يكن الانسان كثير مرض جهلاً وجزافا. كتاب سيرة الحكماء. مقالة في أن الطين المتنقل به فيه منافع ألفها لأبي حازم القاضي. مقالة في الجدري والحسبة، أربعة عشر باباً. مقالة في الحصى في الكلي والمثانة. كتاب إلى من لا يحضره طبيب، وغرضه ايضاح الأمراض، وتوسع في القول، ويذكر فيه علة علة، وأنه يمكن أن يعالج بالأدوية الموجودة، ويعرف أيضاً بكتاب طب الفقراء. كتاب الأدوية الموجودة بكل مكان يذكر فيه أدوية لا يحتاج الطبيب الحاذق معها إلى غيرها، اذا ضم إليها ما يوجد في المطابخ والبيوت. كتاب في الرد على الجاحظ في نقض صناعة الطب. كتاب في تناقض قول الجاحظ في كتابه في فضيلة الكلام وما غلط فيه على الفلاسفة. كتاب التقسيم والتشجير يذكر فيه تقاسيم الأمراض وأسبابها وعلاجها بالشرح والبيان، على سبيل تقسيم وتشجير. كتاب الطب الملوكي في العلل وعلاج الأمراض كلها بالأغذية، ودس الأدوية في الأغذية حيث لا بد منها، وما لا يكرهه العليل.
كتاب في الفالج. كتاب في اللقوة. كتاب في هيئة العين. كتاب في هيئة الكبد، كتاب في هيئة الانثيين. كتاب في هيئة القلب. كتاب في هيئة الصماخ. كتاب في هيئة المفاصل أقراباذين. كتاب في الانتقاد والتحرير على المعتزلة. كتاب في الخيار المر. كتاب في كيفية الاغتذاء، وهو جوامع ذكر الأدوية المعدنية. كتاب في أثقال الأدوية المركبة. كتاب في خواص الأشياء. كتاب كبير في الهيولي، كتاب في سبب وقوف الأرض وسط الفلك على استدارة. كتاب في نقض الطب الروحاني على ابن اليمان. كتاب في أن العالم لا يمكن أن يكون إلا على ما نشاهده. كتاب في الحركة وأنها ليست مرئية بل معلومة. مقالة في أن للجسم تحريكاً من ذاته وأن الحركة مبدأ طبيعي. قصيدة في المنطقيات. قصيدة في العلم الإلهي. قصيد في العظة اليونانية. كتاب الكرى ومقادير مختصرة.
كتاب في ايضاح العلة التي بها تدفع الهوام بالتغذي ومرة بالتدبير. كتاب في الجبر وكيف يسكن ألمه، وما علاقة الحر فيه والبرد. مقالة في الأسباب المميلة لقلوب أكثر الناس عن أفاضل الأطباء إلى اخسائهم.مقالة فيما ينبغي أن يقدم من الأغذية والفواكه وما يؤخر منها. مقالة في الرد على أحمد بن الطيب السرخسي فيما رد به على جالينوس في أمر الطعم المر. كتاب في الرد على المسمعي المتكلم في رده على أصحاب الهيولي. كتاب في المدة، وهي الزمان، وفي الخلاء والملأ، وهما المكان. مقالة أبان فيها خطأ جرير الطيبب في انكاره مشورته على الأمير أحمد بن اسماعيل، في تناول التوت الشامي على أثر البطيخ في حاله، وايضاح عذره فيها. كتاب في نقض كتاب انابو إلى فرفوريوس في شرح مذاهب ارسطوطاليس في العلم الالهي. كتاب في العلم الالهي. كتاب في الهيولي المطلقة والجزئية. كتاب إلى أبي القاسم البلخي والزيادة على جوابه وجواب هذا الجواب. كتاب في العلم الالهي على رأي افلاطون. كتاب في الرد على أبي القاسم البلخي فيما ناقض به في المقالة الثانية من كتابه في العلم الالهي. كتاب في محنة الذهب والفضة والميزان الطبيعي. كتاب في الثبوت في الحكمة. كتاب في عذر من اشتغل بالشطرنج. كتاب في حكمة النرد. كتاب في حيل النمس. كتاب في أن للعالم خالقاً حكيماً. كتاب في الباه يبين فيه الأمزاج ومنافع الباه ومضاره. كتاب الزيادة التي زادها في الباه.
كتاب المنصوري ألفه للأمير منصور بن اسحق بن اسماعيل بن أحمد صاحب خراسان وتحرى فيه الاختصار والايجاز، مع جمعه لجمل وجوامع ونكتب وعيون من صناعة الطب علمها وعملها، وهو عشر مقالات: المقالة الأولى في المدخل إلى الطب وفي شكل الأعضاء وخلقها؛ المقالة الثانية في تعرّف مزاج الأبدان وهيئتها، والاخلاط الغالبة عليها، واستدلالات وجيزة جامعة من الفراسة؛ المقالة الثالثة في قوى الأغذية والأدوية؛ المقالة الرابعة في حفظ الصحة؛ المقالة الخامسة في الزينة؛ المقالة السادسة في تدبير المسافرين؛ المقالة السابعة جمل وجوامع في صناعة الجبر والجراحات والقروح؛ المقالة الثامنة في السموم والهوام، المقالة التاسعة في الأمراض الحادثة من القرن إلى القدم؛ المقالة العاشرة في الحميات وما يتبع ذلك مما يحتاج إلى معرفته في تحديد علاجها. مقالة أضافها إلى كتاب المنصوري وهي في الأمور الطبيعية. كتاب الجامع ويسمى حاصر صناعة الطب، وغرضه في هذا الكتاب جمع ما وقع إليه وأدركه من كتاب طب قديم أو محدث إلى موضع واحد في كل باب، وهو ينقسم اثني عشر قسماً: القسم الأول في حفظ الصحة وعلاج الأمراض والوثي والجبر والعلاجات؛ القسم الثاني في قوى الأغذية والأدوية وما يحتاج إليه من التدبير في الطب؛ القسم الثالث في الأدوية المركبة فيه ذكر ما يحتاج إليه منها على سبيل الاقراباذين؛ القسم الرابع فيما يحتاج إليه من الطب في سحق الأدوية واحراقها وتصعيداتها وغسلها واستخراج قواها وحفظها، ومقدار بقاء كل دواء منها وما أشبه ذلك؛ القسم الخامس في صيدلية الطب، فيه صفة الأدوية وألوانها وطعومها وروائحها ومعادنها وجيدها ورديها، ونحو ذلك من علل الصيدلة؛ القسم السادس في الأبدال، يذكر فيه ما ينوب عن كل دواء أو غذاء اذا لم يوجد؛ القسم السابع في تفسير الأسماء والأوزان والمكاييل التي للعقاقير، وتسمية الاعضاء والأدواء باليونانية والسريانية والفارسية والهندية والعربية على سبيل الكتب المسماة بشقشماهي؛ القسم الثامن في التشريح ومنافع الأعضاء؛ القسم التاسع في الأسباب الطبيعية من صناعة الطب، غرضه فيه أن يبين أسباب العلل بالأمر الطبيعي؛ القسم العاشر في المدخل إلى صناعة الطب وهو مقالتان: الأولى منهما في الأشياء الطبيعية، والثانية في أوائل الطب؛ القسم الحادي عشر جمل علاجات وصفات وغير ذلك. القسم الثاني عشر فيما استدرجه من كتب جالينوس ولم يذكرها حنين ولا هي في فهرست جالينوس. أقول هذا التقسيم المذكور ههنا ليس هو لكتابه المعروف بالحاوي ولا هو تقسيم مرضي، ويمكن أن هذه كانت مسودات كتاب وجدت للرازي بعد موته وهي مجموعة على هذا الترتيب فحسبت أنها كتاب واحد، وإلى غايتي هذه ما رأيت نسخة لهذا الكتاب ولا وجدت من أخبر أنه رآه.
كتاب الفاخر في الطب. أقول وإنما أثبت هذا الكتاب في جملة كتبه لكونه قد نسب إليه، واشتهر أنه له، وبالجملة فإنه كتاب جيد قد استوعب فيه مؤلفه ذكر الأمراض ومداواتها واختيار معالجتها على أتم ما يكون وأفضله، وجمهور ما فيه منقول من كتاب التقسيم والتشجير للرازي، ومن كناش ابن مرابيون وكل ما فيه من كلام الرازي، فأوله قال محمد. ولأمين الدولة بن التلميذ حاشية على هذا الكتاب وأنه للرازي، قال: "الذي كثيراً ما يذكره الرازي في كتاب الفاخر، قال محمد هو المعروف بأحسن طبيب المقتدر كان طبيباً ببغداد ماهراً في علم الطب وكان بيته بيت الطب. وكان له ثلاث اخوة أحدهم كحال حاذق يعرف بسليمان، وآخر طبيب لي في رتبته يعرف بهرون، والثالث صيدلاني كبير الصيت ببغداد في الحرفة. وله كناش عجيب في تجاريبه لكنه قليل الوجود إلا ببغداد المحروسة، كتاب في العلة التي صار لها متى انقطع من البدن شيء حتى يتبرأ منه أنه لا يلتصق به، وإن كان صغيراً، ويلصق به من الجراحات العظيمة القدر غير المتبرئة مما هو أعظم من ذلك كثيراً. رسالة في الماء المبرد على الثلج، والمبرد من غير أن يطرح فيه الثلج، والذي يغلي ثم يبرد في الجليد والثلج. كتاب في العلة التي لها صار السمك الطري معطشاً. رسالة في أنه لا يوجد شراب غير مسكر يفي بجميع أفعال الشراب المسكر المحمود في البدن. كتاب في علامات اقبال الدولة. كتاب في فضل العين على سائر الحواس. رسالة في أن غروب الشمس وسائر الكواكب عنا وطلوعها علينا ليس من أجل حركة الأرض بل من حركة الفلك. كتاب في المنطق، يذكر فيه جميع ما يحتاج إليه منه بألفاظ متكلمي الاسلام. كتاب في فسخ ظن من يتوهم أن الكواكب ليست في نهاية الاستدارة وغير ذلك. كتاب في أنه لا يتصور لمن لا دربة لها بالبرهان أن الأرض كرية وأن الناس حولها.

رسالة يبحث فيها عن الأرض الطبيعية، طين هي أم حجر، داخل سمع الكيان. كتاب يوضح فيه أن التركيب نوعان وغير ذلك. مقالة في العادة وأنها تكون طبيعية. مقالة في المنفعة في أطراف الأجفان دائماً. مقالة في العلة التي من أجلها تضيق النواظر في النور وتتسع في الظلمة. مقالة في العلة التي لها تزعم الجهال أن الثلج يعطش. مقالة في العلة التي لها يحرق الثلج ويقرح. كتاب أطعمة المرضى. مقالة فيما استدركه من الفصل في الكلام في القائلين بحدوث الأجسام، وعلى القائلين بقدمها كتاب فيت أن العلل اليسيرة بعضها أعسر تعرفاً وعلاجاً وغير ذلك. كتاب العلة التي لها تذم العوام الأطباء الحذاق. رسالة في العلل المشكلة وعذر الطبيب وغير ذلك. رسالة في العلل القاتلة لعظمها، والقاتلة لظهورها بغتة مما لا يقدر الطبيب على صلاحها، وعذره في ذلك. كتاب في أن الطبيب الحاذق ليس هو من قدر على إبراء جميع العلل، فإن ذلك ليس في الوسع ولا في صناعة أبقراط؛ وأنه قد يستحق أن يشكر الطبيب ويمدح، وأن تعظم صناعة الطب وتشرف، وإن هو لم يقد رعلى ذلك، بعد أن يكون متقدماً لأهل بلده وعصره. رسالة في أن الصانع المتعرف بصناعته معدوم في جل الصناعات لا في الطب خاصة، والعلة التي من أجلها صار ينجح جهال الأطباء والعوام والنساء في المدن في علاج بعض الأمراض أكثر من العلماء، وعذر الطبيب في ذلك. كتاب الممتحن في الطب على سبيل كناش. كتاب في أن النفس ليست بجسم. كتاب في الكواكب السبعة في الحكمة. رسالة إلى الحسن بن اسحق بن محارس القمي. كتاب في النفس المغترة. كتاب في النفس الكبيرة. مقالة في العلة التي من أجلها يعرض الزكام لأبي زيد البلخي في فصل الربيع عند شمه الورد. رسالة في محنة الطبيب وكيف ينبغي أن يكون حاله في نفسه وبدنه وسيرته وأدبه. رسالة في مقدار ما يمكن أن يستدرك من أحكام النجوم على رأي الفلاسفة الطبيعيين، ومن لم يقل منهم أن الكواكب أحياء وما يمكن أن تستدرك من أحكام النجوم على رأي الفلاسفة الطبيعيين، ومن لم يقل منهم أن الكواكب أحياء وما يمكن أن تستدرك على رأي من قال أنها أحياء. كتاب في العلة التي لها صار يحدث النوم في رؤوس بعض الناس شبيها بالزكام. كتاب في الشكوك التي على برقلس. كتاب في تفسير كتاب افلوطرخس لكتاب طيماوس. رسالة في علة خلق السباع والهوام. كتاب في اتمام ما ناقض به القائلين بالهيولي. كتاب في أن المناقضة التي بين أهل الدهر وأهل التوحيد في سبب احداث العالم، إنما جاز من نقصان السمة في أسباب الفعل، بعضه على التمادية وبعضه على القائلين بقدم العالم. كتاب في نقضه على علي بن شهيد البلخي فيما ناقضه به في أمر اللذة. كتاب في الرياضة. كتاب في النقض على الكيال في الأمامة. كتاب في أنه لا يجوز أن يكون سكون وافتراق. كتاب في اتمام كتاب افلوطرخس. كتاب في نقض كتاب التدبير. اختصار كتاب حلية البرء لجالينوس. اختصار كتاب النبض الكبير لجالينوس. تلخيص كتاب العلل والأعراض لجالينوس. تلخيص كتاب الأعضاء الآلمة لجالينوس. كتاب الانتقاد على أهل الاعتزال. كتاب في نقض كتاب البلخي لكتاب العلم الالهي والرد عليه. كتاب في أنه يجوز أن يكون سكون واجتماع، ولا يجوز أن يكون حركة واجتماع لم يزل.
رسالة في أن قطر المربع لا يشارك الضلع من غير هندسة. كتاب في الاشفاق على أهل التحصيل من المتكلمين بالفلسفة، وغرضه يبين مذهب الفلاسفة في العلم الالهي لمعنى القارئ بذلك عن المتحرك إليهم. كتاب في السيرة الفاضلة وسيرة أهل المدينة الفاضلة. كتاب في وجوب الدعاء والدعاوى. كتاب الحاصل وغرضه فيه ما يحمل من العلم الالهي من طريق الأخذ بالحرص وطريق البرهان. رسالة لطيفة في العلم الالهي. كتاب منافع الأغذية ودفع مضارها، وهو مقالتان يذكر في الأولى منهما ما يدفع به ضرر الأطعمة في كل وقت ومزاج وحال، وفي الثانية قولان استعمال الأغذية ودفع التخم ومضارها، ألفه للأمير أبي العباس أحمد بن علي. كتاب إلى علي بن شهيد البلخي في تثبيت المعاد، غرضه فيه النقد على من أبطل المعاد، ويثبت أن معاداً. كتاب علة جذب حجر المغنطيس للحديد وفيه كلام كثير الخلاء. كتاب كبير في النفس. كتاب صغير في النفس. كتاب ميزان العقل. كتاب في الشراب المسكر وهو مقالتان. مقالة في السكنجبين ومنافعه ومضاره. كتاب في القولنج. مقالة في القولنج الحار وهو المعروف بكتاب القولنج الصغير. كتاب في تفسير كتاب جالينوس لفصول ابقراط. كتاب في الأبنة وعلاجها وتبيينها. كتاب في نقض كتاب الوجود لمنصور بن طلحة. كتاب فيما يرومه من اظهار ما يدعي من عيوب الأولياء. أقول وهذا الكتاب إن كان قد ألف، والله أعلم، فربما أن بعض الأشرار المعادين للرازي قد ألفه ونسبه إليه، ليسيء من يرى ذلك الكتاب أو يسمع به الظن بالرازي، وإلا فالرازي أجل من أن يحاول هذا الأمر، وأن يصنف في هذا المعنى، وحتى أن بعض من يذم الرازي بل يكفره كعلي بن رضوان المصري وغيره يسمون ذلك الكتاب كتاب الرازي في مخاريق الأنبياء. كتاب في آثار الامام الفاضل المعصوم. كتاب في استفراغ المحمومين قبل النضج. كتاب الامام والمأموم المحقين. كتاب خواص التلاميذ. كتاب شروط النظر. كتاب الآراء الطبيعية. كتاب خطأ غرض الطبيب. أشعار في العلم الالهي. صفة مداد معجون لا نظير له. نقل كتاب الآس لجابر إلى الشعر. رسالة في التركيب. رسالة في كيفية النحو. رسالة في العطش وازدياد الحرارة لذلك. كتاب في جمل الموسيقى. كتاب في الأوهام والحركات النفسانية. كتاب في العمل بالحديد والجبر. كتاب فيما يعتقده رأياً. كتاب فيما أغفلته الفلاسفة. كتاب السر في الحكمة. كتاب منافع الأعضاء. كتاب الكافي في الطب. كتاب في المتنقل. كتاب الاقراباذين المختصر. كتاب في البرء يوضح فيه أن التركيب نوعان أما تركيب أجسام مختلفة، وأما تركيب الأجسام المتشابهة الأجزاء، وأنه ليس واحد على الحقيقة الأخرى. كتاب إلى أبي القاسم بن دلف في الحكمة. كتاب إلى الداعي الاطروش في الحكمة. كتاب سر الأسرار في الحكمة. كتاب سر الطبيب. كتاب في شرف الفصد عند الاستفراغات الامتلائية رداءة وكمية وفضله على سائر الاستفراغات والابانة على أن الفصد لا يمنعه عند الاحتياج إليه شيء البتة، ألفه للأمير أبي علي أحمد بن اسماعيل بن احمد. كتاب المرشد ويسمى كتاب الفصول. رسالة في أن العلل المستكملة التي لا يقدر الاعلاء أن يعبروا عنها ويحتاج الطبيب إلى لزوم العليل وإلى استعمال بعض التجربة لاستخراجها والوقوف عليها وتحير الطبيب. كتاب مختصر في اللبن. كلام جرى بينه وبين المسعودي في حدوث العالم. كتاب المدخل إلى الطب. مقالة في المذاقات. مقالة في البهق والبرص. كتاب زينة الكتاب. كتاب برء ساعة، ألفه للوزير أبي القاسم ابن عبد الله. مقالة في البواسير والشقاق في المقعدة. كلام في الفروق بين الأمراض. مقالة في الحرقة الكائنة في الاحليل والمثانة. كتاب طب الفقراء. رسالة إلى الوزير أبي الحسن علي ابن عيسى بن داؤد بن الجراح القنائي في الاعلال الحادثة على ظاهر الجسد. رسالة إلى تلميذه يوسف بن يعقوب في أدوية العين وعلاجها ومداواتها، وتركيب الأدوية لما يحتاج إليه من ذلك. كتاب صيدلة الطب. كتاب في جواهر الأجسام. كتاب في سيرته. مقالة في الزكام والنزلة وامتلاء الرأس، ومنع النزلة إلى الصدر، والربح التي تسد المنخرين ومنع التنفيس بهما. مقالة في ابدال الأدوية المستعملة في الطب والعلاج وقوانينها وجهة استعمالها. كتاب صفة البيمارستان. مقالة في الأغذية مختصر مقالة فيما سئل عنه في أنه صار من قل جماعة من الانسان طال عمره، ألفها للأمير أبي العباس أحمد بن علي. مقالة في العلة التي لها اذا أكلت الحيوانات سخنت أبدانها ما خلا الإنسان فإنه يجد عند أكله فتوراً. مقالة في الكيفيات، رسالة في الحمام ومنافعه ومضاره. كتاب في الدواء المسهل والمقيء. مقالة في علاج العين بالحديد.
المصادر :
عن عيون الأنباء في طبقات الأطباء


ابوالوليد المسلم 27-11-2019 09:04 PM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
دور العرب في الرياضيات




اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي



لقد نبغ العرب في الرياضيات؛ فكان (الخوارزمي) أولَ مَن جعل الحساب علمًا قابلًا للتطبيق العملي، وهو الذي علَّم أوروبا طريقة الأعداد الجديدة، وكتابتها من اليمين إلى اليسار - كما يكتب العرب لغتهم - وأهمية استخدام الصفر، وخاصة في تبسيطه لعمليات الجمع والطرح.
و(الخوارزمي) هو صاحب الفضل الأكبر على علم الجبر، الذي خلق منه العرب علمًا مستقلًّا بفضل مؤلفات ودراسات أبو كامل، والبيروني، وابن سينا، والكراديسي وغيرهم - تلك المؤلفات التي نقل عنها كلٌّ من: (ليوناردو فون بيزا) ما خطَّه عن المعادلات التربيعية والتكعيبية، وكذلك (الجراف فون إيبرشتين) الألماني زعيم طائفة الدومنيكان - نقل عنها رسائلَه التي علَّمت أوروبا حساب العرب وجبرهم.
وفي عام 1845 أثبت الفرنسي (رينان) أن علم اللُّوغريتمات ينتسب إلى اسم العالم العربي: الخوارزمي.
كذلك نهَض العرب بحساب المثلَّثات، فكان الفلكي (القباني) أول من استبدل الأقواس بالأوتار، واستخدام تعبير: جيب/تمام الجيب الذي لم يعرفه الإغريق من قبل، وكان الفلكي (جابر) الذي برَع في علم المثلَّثات الكُروية، واستنبط من القوانين ما ساعد على حلِّ المثلث، والتقدم في علم الفلك.

••••
إن علماء الغرب يعترِفون بأن أوروبا قد بَنَتْ صرحها العلمي "على المجهودات العربية؛ فعن الفلكيين العرب أخذت أوروبا الحساب المعروف باسم الطريقة الستينية، وهو النظام القائم على اتخاذ الوحدة ستين قسمًا...، والعرب فقط هم الذين استكملوا الحساب الستيني، وبذلك أصبح حساب الفلكيين.
والعرب أيضًا هم الذين سبقوا أوروبا بنحو سبعمائة عام قبل إنجلترا وألمانيا، إلى إيجاد الحساب الخلافي (التفاضلي)، وصاحبَا الفضل في إيجاده: الطبيب الفيلسوف ابن سينا (890 - 1038)، واللاهوتي الغزالي (1053 - 1111)...، لقد أضاف ابن سينا - عن طريق بحوثه العلمية التي لم يسبقه إليها أحد - الكثير من النظريات الطبيعية، كذلك عالج اللانهائي ... في الطبيعة والرياضيات، ولا شك أن أوروبا لم تنتبه إلى مثل هذه النظريات الخاصة باللا نهائي... إلا في القرن السابع عشر الميلادي، بفضل أمثال: نيوتن، وليبنيتز...
فالعرب بأعدادِهم وآلاتهم، وحساباتهم وجبرهم، ونظرياتهم حول المثلَّثات الكروية، وعلوم البصريات، وغيرها - نهضوا بأوروبا، ودفعوها إلى الحركة العلمية دفعًا، ومن ثم استقلَّت، واكتشفت واخترعت، وتسلَّمت زعامة العلوم الطبيعية"[1].

[1] المرجع 6، ص 119 - 121.


ابوالوليد المسلم 31-01-2020 02:57 PM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
عاصم بن محمد بهجة البيطار علم من أعلام الشام



أ. أيمن بن أحمد ذوالغنى




الحمد لله المتفرِّد بالبقاء، القاضي على خَلقه بالهُلْك والفناء، والصَّلاة والسَّلام على خَير الأنبياء، وسيِّد الأصفياء، نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه الخُلَصاء.



لعَمرُكَ ما الرَّزِيَّةُ فَقْدُ مالٍ ولا شاةٌ تَموتُ ولا بَعيرُ
ولكنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ قَرْمٍ يَمُوتُ بِمَوتِهِ بَشَرٌ كَثيرُ





في يوم الجمعة 17 من جُمادى الأولى 1426هـ الموافق لـ 24 من حَزِيران 2005م قضى الله قضاءه الحقَّ بوفاة أستاذنا الكبير العالم اللغَويِّ المربِّي عاصِم بن محمَّد بَهْجَة البَيْطار عن 78 سنةً حافلةً بالبذل والعطاء في ميادين العلم والتَّربية.


ومع رحيل الأستاذ عاصم يكونُ قد هوى للعلم نجمٌ، وانطفأ للمعرفة سِراج، مصداقَ قول النبِّي الأمين صلى الله عليه وسلم : ((إن الله لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزاعًا يَنتَزِعُهُ من صُدور الناس، ولكنْ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبْضِ العُلَماء، حتَّى إذا لم يَتْرُك عالماً اتَّخذَ الناسُ رؤوسًا جُهَّالاً..))[1]، ومن هنا كان موتُ العلماء مصيبةً لا تَعْدِلُها مصيبة، وفاجِعَةً لا تُدانيها فاجِعَة، فبموتهم يضيعُ علمٌ غزير، وتَخْبو أنوار نُصْح وهداية، وينزلُ الناس درجة.



ولقد كان الأستاذُ في مَسيرته العلميَّة والعمليَّة منارةَ رشادٍ وقدوةَ صلاحٍ، في علوِّ الهمَّة ونَزاهَة السِّيرة، وأخذ النفس بالجِدِّ، مع خَفْض الجَناح لطلاَّبه، وبذل الوُكْد في رعايتهم وحسن تعهُّدهم.




مضى الأستاذُ إلى بارئه سبحانه مُخَلِّفًا بصمةً واضحةً متميِّزة في سِجِلِّ العاملين المحسنين، الذين يُعطونَ أكثرَ مما يأخذون، ويَعيشونَ للآخرين أكثرَ مما يعيشون لأنفُسهم، يَجدونَ سعادتهم في البذل والعطاء، وهم لايَرَونَ لأنفسهم فضلاً ولامَزِيَّة، ولايَرجونَ من الناس جزاءً ولا شُكورًا.



أجل.. مات الأستاذُ ورحل عن دُنيانا الفانية، ولكنَّ أثرَهُ باقٍ خالد، فكلُّ كلمة مُضيئة حبَّرَتها يراعَتُه، أو نطَقَ بها مِقْوَلُه، ستبقى حيَّةً ثابتةً ما بقيَ على وجه الأرضِ قارئٌ أو سامع، وستبقى تعمَلُ عملَها في نفوس من علَّم وربَّى ورَعى، وسيَحمِلُها خَلَفٌ عن سَلَف علمًا وعمَلاً وكِفاحًا ورسالةَ حياة.





موتُ النقيِّ حياةٌ لا نَفادَ لها قَد ماتَ قَومٌ وهُم في الناسِ أحياءُ







ولعلَّ أهمَّ ما ميَّز أستاذنا - رحمه الله - وبوَّأه المنزلةَ السامية التي ارتَقاها وحازَها : جمعُه بين النبوغ العلميِّ الأصيل، والكِفايَة التعليميَّة والتربويَّة العالية، مع حُسن الخُلُق ولين الجانب، والغَيرة الصادقة على العلم والفضيلة.




أما نبوغُهُ العلميُّ وأخلاقُه العاليةُ فقد اكتسبهما بفطرته الغَضَّة، كما يكتسبُ المولودُ لسانَ أبيه وأمِّه، ولا غَرْوَ فهو الناشئُ في بيت علم ودين وصِيانَة، لأُسرةٍ مغربيَّة الأصل هاجرت من الجزائر قديمًا وألقت عَصا تَرحالها في حيِّ المَيْدان بدمشقَ الشام، وآثرت سُكناها على بِقاع الأرض كافَّةً.



في هذه الأُسرة الشريفَة وُلِدَ الطفلُ عاصم سنة (1927م) ليجدَ الرعايةَ والعناية تَحوطانه من كلِّ جانب، وتفَتَّحت عيناهُ أولَ ما تفتَّحت على بيت أبيه وقد غَدا دارَةَ علم وفقه وفَتوى، يؤُمُّه العلماءُ والكبراء والطلاَّبُ ينهَلون من معارف أبيه العلاَّمَة.. نعم، فقد كان أبوهُ الشيخ محمد بهجة البَيْطار (ت 1396هـ = 1976م) عَلَمًا من أعلام الشام، ودُرَّةً نفيسةً من دُرَرِها، وأحدَ رجالات النهضَة العلميَّة السلفيَّة فيها، وهو التلميذُ الأكبرُ للشيخ السلفيِّ المجدِّد المحدث جمال الدين القاسِمي (ت 1332هـ = 1914م)، وتَلْمَذَ كذلك لجدِّه لأمِّه العالم المؤرِّخ عبد الرزَّاق البَيْطار (ت 1335هـ = 1916م) صاحب كتاب ((حِلْيَة البَشَر في تاريخ القَرْن الثالثَ عشَر))[2]، ودَرَسَ أيضًا على الشيخ بدر الدين الحَسَني الملقَّب بالمحدِّث الأكبر! (ت 1354هـ = 1935م).

وكانت دعوةُ الشيخ بهجة قائمةً على العمل بالكتاب والسنَّة، ونبذ التقليد والعَصَبيَّة والجُمود، وتَحرير العقل من إسار التصوُّف وخُرافات أصحاب الطُّرُق، والتزام العقيدة السلفيَّة الصافية شِرعةً ومنهجَ حياة. وقد لقيَ في تلك السبيل مشقَّةً وعَنَتًا من مشايخ عصره الجامِدين المتعَصِّبين، ولكنه واجَهَ ذلك كلَّه بصبر جميل، وسعة صَدر، وقوَّة حُجَّة.




نَعِمَ الأستاذُ عاصم برعاية والده وإرشاده، وتَشَيَّمَ سيرتَه وطريقَتَه، وطلب العلمَ عليه، وتخرَّج به في علوم شتَّى، واكتسبَ منه قبل العلم والمعرفة الخُلُقَ الرضِيَّ، والتواضعَ الجمَّ، ولطفَ المَعْشَر، وعفَّة اللسان.

وقد وجد في نفسه مَيلاً شديدًا إلى علوم العربيَّة (نحوها وصَرفها وبلاغَتها وعَروضها) ورغبةً فيها، فشَمَّر عن ساعد الجِدِّ، وكَدَّ في تحصيلها، ورَوَّى نفسَه من علومها وفُنونها وآدابها، حتى قطع شوطًا بعيدًا في مِضْمارها فاق به كثيًرا من أصحابه وعَصْريِّيه.




ومما صَقَلَ موهبتَه الأدبيَّة، وأغنى ثقافتَه اللغويَّة، وأثرى معرفتَه العلميَّة : ما كان يسمَعُه بأُذُنَيه ويَعيه بقلبه؛ من أحاديث العلم والفكر والثقافة، تَدورُ في مجالس أبيه العامرة بكلِّ شاذَّة وفاذَّة، من نوادر الفوائد وشَوارد الفرائد، مما تُشَدُّ إليه الرِّحال، ويُدفَع في طلبه الجَمُّ من المال. ولقد كان لأبيه العلاَّمةِ ندوةٌ علميَّة ثقافيَّة تنعَقِدُ كلَّ يوم جمعة في داره، تمتدُّ من بعد صلاة الجمعة إلى وقت صلاة العصر، وكان يَغشاها أساطينُ العلم والثقافَة، ونوابغُ البيان والبلاغَة، وحسبُكَ أن تعلمَ أعضاءها لتُدركَ قيمتَها وأيَّ مجالس كانت، إنهم : أديبُ الفقهاء وفقيهُ الأدباء العالم القاضي الشيخ علي الطنطاوي (ت 1420هـ = 1999م)، وعديلُه أستاذ أساتيذ العربيَّة في الشام الشيخ سعيد الأفغاني (ت 1417هـ = 1997م)، والعالمُ المحقِّق الأديب المُتَبَحِّر عز الدين علم الدين التنوخي (ت 1386هـ = 1966م)، وشاعرُ دمشقَ وغِرِّيدُها المِفَنُّ أنور العطار (ت 1392هـ = 1972)، رحمة الله عليهم جميعًا، كانوا يحضُرون خُطبةَ الجمعة في جامع كريم الدين (المعروف بالدقَّاق) بحيِّ المَيْدان، حيثُ يخطُب الشيخ بهجة، وما إن يَفرُغوا من الصلاة حتى يَلجُوا روضَتَهم الغَنَّاءَ العطرةَ الأثيرَة، يَغْذُون أجسادَهم بطعام الغَداء، وأرواحَهم بأحاديث العلم والفكر والأدب، وقد تركَت تلك المجالسُ في نفس أستاذنا أطيبَ الأثر، وأفادَ منها ما لم يُفِدْه في الجامعة ولا في مَعاهد العلم.




ولقد شَرُفتُ بمجاورة الأستاذ عاصم في حيِّ الورود بمدينة الرياض، في آخر سنةٍ من سِنيْ إقامته فيها، وكنتُ كثيرًا ما ألقاهُ بعد صلاة الجمعة في جامع عليِّ بن أبي طالب بحيِّنا، فيتكرَّم عليَّ بجَلسة قصيرة يُؤنِسُني فيها بإيراد أطرافٍ من ذكرياته المشرقَة، ومن تلك الذِّكريات أخبارٌ وقصصٌ عن ندوة أبيه يقصُّها عليَّ ويُنبِئُني نبأها، وعَيناهُ تَرَقْرَقان حَنينًا إلى تلك الأيام الخَوالي، وإلى أولئكَ النفَر الكريم من الرجال العِظام الأعلام، الذين قلَّ أن يَجودَ بأمثالهم الزمان.



ومن حديث تلك المجالس: أن الشيخَ بهجة وأهلَ ندوته تعاهَدوا ذات يومٍ على ألا يتكلَّموا إلا شِعرًا، ولا يُسمَح لأحدٍ أن يَنْبِسَ بكُلَيمة في غير شِعر، وحقًّا مضَت الجلسةُ كلُّها يناقشون فيها مسائلَ من العلم، ويتجاذبون أطرافَ الحوار بالشِّعر والشِّعر فقط، لم يقصِّر أحدٌ منهم أو يُفَرِّط. ومن تلك الذكريات: بعضُ ما كان يدور في رحلات أبيه وأصحاب أبيه، ومن ذلك أنَّهم مَضَوا مرةً في رحلة إلى تُركيَّا، وركبوا ثَمَّ سفينةً في بحر أوبُحَيرة، وكان الشيخُ عز الدين التنوخي قاعدًا على حافَةِ السفينة في مُقَدَّمَتها، فأقبل عليه الأستاذُ عاصم وبرفقته خِدْنُ شبابه وزميلُ دراسته الجامعيَّة - الذي غَدا اليومَ عالمًا كبيرًا وأديبًا مَرْموقًا - د. عبدالكريم الأشتر، وسأل الأشترُ الشيخَ عن رأيه بصديقه بهجة البيطار، فأجابَ على البديهَة عفوَ الخاطر: (الشيخُ بهجَةُ بهجَةُ الأشْياخِ) وسكت هُنَيهَةً ثم أكمل: (وإذا تُؤاخي فمثلَ بهجةَ آخِ).




وأما كفايَتُه التعليميَّةُ والتربويَّةُ فأثرٌ أيضًا من آثار نُصح أبيه وثمرةٌ من ثَمَرات رعايته، أخبرني أنه لمَّا حصَّل إجازةَ اللغة العربيَّة وآدابها من قسم اللغة العربيَّة بجامعة دمشقَ سنة (1952م) مع دبلوم التربية وأهليَّة التعليم الثانويِّ= عزمَ على أن يخوضَ لُجَجَ التعليم؛ لما كان يجدُه في نفسه من قُدرَة عليه، ومحبَّة لهذه المهنة الشَّريفة؛ التي هي عملُ الأنبياء والدُّعاة والمصلحين، وليُسْلَكَ فيمن قال عنهم شَوقي أميرُ الشعراء :





أرأيتَ أشرفَ أو أجَلَّ منَ الَّذي يَبني ويُنشِئُ أنفُسًا وعُقُولا؟







وهنا يُقبل عليه أبوه المربِّي القُدوة يسأله : ها قد تخرَّجتَ يا ولدي، وأنت مُقْدمٌ على التدريس والتعليم، فهل أعدَدتَّ للأمر عُدَّتَه ؟ ويُجيب الابنُ : بفضل الله تعالى لم آلُ في تحصيل العربيَّة ومُلازمة أهلها، وصَرف الجُهْد والطاقة في التمكُّن منها والإحاطَة بعُلومها، وتثقيف نفسي وإعدادها للاضْطِلاع بهذه المسؤولية الجَسيمة والعِبْء الثقيل. ويُسْفِرُ وجهُ الشيخ الحكيم عن ابتسامة رضًا، ويقول : أحسنتَ يا بنيَّ، أحسنتَ، فكلُّ ما ذكَرتَهُ مهمٌّ ومطلوب، وهو من أدوات التعليم التي لا غِنى لكَ عنها، ولكنَّ قبلَ ذلك كلِّه لا بدَّ من أمر مُهمٍّ يجب أن تضَعَه في حُسبانك، وأن توليَه قَدْرًا كبيرًا من عنايتك واهتمامِك، هو أن تَكسِبَ قلوبَ طلاَّبك، وأن تَحملَهُم على محبَّتك واحترامك، فإذا ما نَجحتَ في هذا الأمر، أدَّيتَ رسالتَكَ على الوجه الأكمَل الأتَمِّ؛ لأن طلاَّبَك إذا ما أحبُّوكَ أحبُّوا مادَّتَك واعتَنَوا بما تُقدِّم لهم من علم ونُصح وفائدة، وانتَفَعوا بها.



ومنذ تلك اللحظة أخذَ الأستاذُ عاصم على نفسه عهدًا أن يبذُل وُسعَه في التزام وصيَّة أبيه الذهبيَّة، وأن يأخذَ نفسه أخذًا غيرَ رفيق في تمثُّلها والحفاظ عليها، وحقًّا لقد نجح في ذلك النجاحَ كلَّه، فكان نعمَ المعلِّمُ المربِّي؛ لا يتعالى على طلاَّبه ولا يترَفَّع، بل يَحنو عليهم ويتَواضَع.




وزادَ من نجاح الأستاذ وتألُّقه في أداء رسالته : ما أُوتِيَه من قُدرَة وبراعة متميِّزة على إفهام الطلاَّب، والأخذ بأيديهم برِفْق ومحبَّة، والمضيِّ بهم رُوَيدًا رُوَيدًا في رحاب العربيَّة، يُدنيهم منها، ويُحبِّبُها إليهم، ويَبذُر في نفوسهم بذورَ تذوُّقها وتفَهُّمها، وكان في ذلك حاذقًا ماهرًا ألمعيًّا، يُعينه عليه أيضًا ما رُزقَه من صفاء ذِهْن، ورُوح دُعابَة، وحُضور بَديهَة، فكان يرطِّبُ جفافَ مادَّة النحو ببعض المُلَح والطَّرائف التي تُنَشِّطُ الطلابَ وتجتذبُهم اجتذاباً، وهذا ما جعلَ الأستاذَ قِبْلَةً لطلاَّب العربيَّة، يأنَسُون بدروسه وتتَشَوَّفُ إليها أبصارُهُم؛ لما يلقَون فيها من علم وفائدَة ومتعة. وقد تخرَّج عليه في الجامعة - ومن قبلُ في المدارس الثانويَّة - أجيالٌ وأجيال، ما زالت تعرفُ له الفضلَ السَّابغَ، وتذكُرُه بالخير، وتشكُرُ له أياديه البِيْض، وإن جلَّ أساتذتنا الأفاضل الذين تلقَّينا على أيديهم العلمَ وتخرَّجنا بهم في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق = كانوا من طلاَّبه وتلامذته ومحبِّيه، فهو أستاذُ أساتيذنا، وشيخُ مشايخنا رحمه الله تعالى رحمة واسعة.




وكان الأستاذُ يحرِصُ كلَّ الحِرْص على أن يتولَّى تدريسَ النحو لطلاَّب السنة الأولى، وكان يصرُّ على ذلك إصرارًا في كلِّ مكان يعملُ فيه؛ لأنه كان ذا رسالة ساميَة، همُّه الأولُ والأخير تأسيسُ الطلاَّب التأسيسَ العلميَّ المتين، وإعدادُهم الإعدادَ الجيِّدَ المكين، لمتابعة طريق الطَّلَب والتحصيل على الوَجْه المرضِيِّ.




وممن شهدَ له بالمَكِنَة العلميَّة وحُسن أُسلوب التعليم : شيخُه وصَفيُّ أبيه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، بقوله: الأستاذُ عاصمٌ من أعلم مدرِّسي النحو اليومَ، وأحسنهم طَريقة[3]، وعدَّه أحدَ تلامذة الأستاذ سعيد الأفغاني النجَباء الذين حفظَ الله بهم العربيَّةَ في الشام، إلى جَنْب الأساتذة الكبار: أحمد راتب النفَّاخ، ود.مازن المبارَك، والشيخ عبدالرحمن الباني، ود. عبدالرحمن رأفت الباشا[4].




ولا يفوتُني الإشارةُ إلى أثر العلاَّمة الشيخ سعيد الأفغاني في شخصيَّة أستاذنا العلميَّة والتربويَّة، وهو الأثرُ الأبلغُ بعد أثر أبيه فيه، وقد أبانَ عن شيءٍ من ذلك في كلمة الوَفاء التي دبَّجَها لمجلَّة التراث العربيِّ الصادرة عن اتحاد الكتَّاب العرب بسورية[5]، والتي جعلَ عنوانَها : (الأستاذ المعلِّم المربِّي سعيد الأفغاني وحديثُ الذِّكريات)، يقول فيها: ((وإني لأعترفُ بأن أستاذَنا الأفغانيَّ كان له أثرٌ بعيدٌ جدًّا في تكوين فِكرنا النحويِّ، وأن أكثرَ ما نعرفُه من أصول تدريس النحو والصَّرف يعودُ إلى هذه السَّنة الجامعيَّة الأولى التي كان الأستاذُ الأفغانيُّ الرُّبَّانَ الماهرَ لسفينتها، والقائدَ الحكيمَ لمسيرتها... وكان لأستاذنا الكبيرِ فضلٌ كبيرٌ في إعدادنا لنكونَ مدرِّسين، وإنَّ ما أصابَهُ بعضُنا من نجاحٍ مَرموق في أداء رسالته يعودُ في كثيرٍ من جَوانبه إلى العلاَّمة الأفغانيِّ)).




امتدَّ عطاءُ الأستاذ عاصم امتدادًا واسعًا في الزمان والمكان، فقد تولَّى التدريسَ والعملَ داخل بلده وخارجَه، ولم تُقْعِدهُ الشيخوخَةُ أو تفُتَّ في ساعده، بل ظلَّ متصلَ العطاء مُتدَفِّقَهُ حتى وافَته منيَّتُه رحمه الله؛ ليمتدَّ عطاؤه زُهاء 60 سنة.

وكان بَدء عطائه في وقتٍ مبكِّر جدًّا وهو ما يزالُ في طَراءة الصِّبا ورَيْعان الشَّبيبة، حينما اصطَحَبه أبوه معَهُ إلى بلاد الحجاز نحوَ سنة 1944م؛ تلبيةً لدعوَة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله إلى إنشاء دار التَّوحيد في مدينة الطَّائف؛ لتكونَ مدرسةً داخليَّةً لأبناء نجد، وقد اعتمدَ الشيخُ بهجة في هذا العمل على همَّة ولده النابه الطُّلَعَة، وكلَّفَه التعليمَ فيها، فكان الابنُ يعمل إلى جَنب أبيه، ولولا ثقةُ الشيخ بولده لما كلَّفه بما كلَّفه، وفي نحو سنة 1946م استأذنَ أباه في العودَة إلى دمشقَ لمواصلَة دراسته الثانويَّة وتقديم اختبارات السنة الأخيرَة منها فأَذِنَ له.




بعد تخرُّجه في جامعة دمشق عُهدَ إليه التدريسُ في ثانويَّة المَيدان الكواكِبيِّ بحيِّ المَيدان، ولبثَ فيها سبعَ سنين من (1952 - 1959م)، ثم أُعيرَ إلى دولة قَطَر مُفَتِّشًا للغة العربيَّة فيها، عامًا دراسيًّا واحدًا، وفي سنة 1963م انتقَلَ إلى الرِّياض مدرِّسًا لمادَّتَي النحو والصرف بكليَّة اللغة العربيَّة (الكلِّيَّات والمعاهد)، التي غَدَت فيما بعدُ جامعةَ الإمام محمَّد بن سُعود الإسلاميَّة، واستمَرَّ فيها إلى سنة 1968 م، ثم عاد إلى دمشقَ وتولَّى تدريسَ النحو والصرف في قسم اللغة العربيَّة من كليَّة الآداب بجامعتها من سنة (1970 – 1986م)، وبعد نحو عشرينَ عامًا من مُغادَرته الرِّياض قَفَلَ إليها مدرِّسًا في كليَّة الآداب بجامعة الملك سُعود من سنة (1989 - 1994م)، ثم انتقلَ إلى مركز الملك فَيصل مشرفًا لغويًّا ومستشارًا ثقافيًّا، وبقيَ في عمَله هذا نحو 8 سنوات من (1994 - 2002م)، حين آثرَ عدم تجديد العَقْد، والعودةَ إلى مَدْرَج صِباهُ دمشقَ، ليُخْلِدَ إلى شيءٍ من الراحَة، وليرفَعَ عن كاهله عِبْءَ خمسٍ وسبعينَ سنةً قضاها في عمل دائب، وعَزيمة ماضِيَة.




وقد أحسنت دمشقُ استقباله، وأنزلَهُ أهلُها المنزلةَ اللائقةَ به وبأمثاله من العُلَماء، فكان أن ندَبَهُ الشيخ د.محمَّد حسام الدِّين فُرْفُور رئيسُ قسم التخصُّص بمعهد الفتح الإسلاميِّ إلى توَلِّي تدريس النحو لطلاَّب السنة الأولى وطلاَّب الدراسات العليا في القسم؛ لتتجَدَّد ذكرياتُ شبابه مع رُفَقاء الأمس وزُمَلاء الطَّلَب والتدريس من قبل: الأستاذ محمَّد علي حَمْد الله، ود. عبد الحفيظ السَّطْلي، ود. مازن المبارك.




وتقديرًا لمكانته الرَّفيعة السامية، ولسيرته الزكيَّة العطِرَة، اختارَه أعضاءُ مَجْمَع اللغة العربيَّة بدمشقَ عضوًا عاملاً فيه، بتاريخ 25 من ربيع الآخر 1424هـ = 25 / 6 / 2003م، فانضَمَّ إلى مَجْمَع الخالدين، وكان نعمَ العونُ والنصيرُ لزُمَلائه المجمعيِّين، ليتوِّجَ مسيرةَ عطائه الطويلة بتاج الفَخار الذي تُوِّجَه من قبلُ أبوه العلاَّمة، فقد كان الشيخُ بهجة عضوًا عاملاً في مجمع دمشقَ، وعضوًا مراسلاً في مجمع بغداد[6].

لم يَصْرف الأستاذُ همَّه إلى تصنيف الكتب وتحقيقها؛ إذ كان همُّه مُتَّجهًا إلى التربية والتعليم، وتأليف الرِّجال وإعداد العلماء، فلم يَترُك سوى عدَدٍ يَسيرٍ من الكتُب هي :




- (النحو والصرف): وهو أجلُّ كتبه وأشهَرُها، ألَّفه لطلاَّب السنة الأولى في قسم اللغة العربية بكلية الآداب، وكلية الشريعة، منذ أكثرَ من ربع قرن، وقد انتفعَ به - وما يزال - أجيالٌ وأجيال، وأفادوا منه، وقبل سُنَيَّات حين تولَّى أستاذُنا د.نبيل أبو عمشة رئاسةَ قسم اللغة العربيَّة بجامعة صَنعاء في اليمَن قرَّرَه على الطلاَّب ثَمَّ؛ لإعجابه به وإدراكه قيمتَه ونفاسَةَ مادَّته، وقرَّرَه كذلك أستاذُنا د.محمد أحمد الدَّالي على طلاَّبه بجامعة الكويت.

- (من شواهد النحو والصرف فوائدُ وتعليقاتٌ): وهو كتاب تطبيقيٌّ أوردَ فيه شواهدَ كتابه السابق، مُبيِّنًا في كلِّ نصٍّ من نُصوصها موضعَ الشاهد ووَجْهَ الاستشهاد، مع التفسير والإعراب.

- (أضواء على شرح ابن عَقيل) 3 أجزاء: بمشاركة الأستاذَين: عبد الفتَّاح الغُنْدور، وحسَن عبده الريِّس، وقد استقلَّ كلٌّ منهم بجُزء من الكتاب، وهو مقَرَّر على طلاَّب المرحلة الثانويَّة في المعاهِد الدينيَّة في الرياض منذ عام 1968م.

- (فهارس شرح المفصَّل لابن يعيش النحوي [ت 643هـ]).

- (التسهيل) بمشاركة د. عبد الكريم الأَشْتَر، و(الدليل) بمشاركة الأديب خَليل هِنْداوي، ود.مازن المبارك، و(المنهج الجديد): وهي كتبٌ مدرسيَّةٌ لطلاَّب المرحلة الثانويَّة.



وله في التحقيق :

- (موعظَة المؤمنين من إحياء عُلوم الدِّين): للعلاَّمة الشيخ محمَّد جمال الدين القاسميِّ (ت 1332هـ = 1914م).

- (الفَضلُ المبين على عِقْد الجَوهَر الثمين في شرح الأربعين (العجلونية)): للجمال القاسميِّ أيضًا.

- (أسرارُ العربيَّة): لأبي البركات الأَنْباري (ت 577هـ)، أعاد تحقيقه، بعد أن كان حقَّقه قديمًا أبوه الشيخ بهجة.

ولا يسعُني في الختام إلا أن أدعوَ المولى سبحانه وتعالى وأضرَعَ إليه بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى أن يرحمَ أستاذنا الكبيرَ وفقيدَنا الغاليَ، وأن يتوَلاَّه برحمته وكرَمه وفضله، وأن يُنزلَه منازلَ الأبرار من النبيِّين والصدِّيقين والشُّهَداء، وحَسُنَ أولئك رفيقًا.

ـــــــــــــــــــــ

[1] متفق عليه من حديث ابن عَمرو.

[2] ملاحظة: ذكر الأخُ الأستاذ خليل الصمادي في مقالته عن الأُستاذ عاصم، المنشورة في موقع رابطة أدباء الشام على شبكة المعلومات (الإنترنت): أن الشيخَ عبد الرزَّاق البيطار جدُّ الأستاذ عاصم لأمِّه، وهو خطأٌ، صوابُه: أنه جدُّ أبيه الشيخ بهجة لأمِّه.

[3] رجال من التاريخ ص 418.

[4] ذكريات الطنطاوي 5 / 266.

[5] العدد 92، ذوالقَعدة 1424هـ.

[6] ملاحظة : توهَّم الدكتور شوقي المعَرِّي في كلمة له عن الأستاذ عاصم، نشرَها في شبكة المعلومات (الإنترنت)، أن الشيخَ بهجة كان رئيسًا لمجمع اللغة العربية بدمشق، وهذا خطأٌ؛ إذ توالى على رئاسة المجمع منذ افتتاحه سنة 1919 م حتَّى اليوم خمسةٌ من العلماء الأجلاَّء ليس فيهم المذكور، وهم: محمَّد كُرْد عَلي، وخَليل مَرْدَم بك، والأمير مصطفى الشِّهابي، ود. حُسني سَبَح، ود.شاكر الفَحَّام وهو الرئيس الحالي.







ابوالوليد المسلم 02-02-2020 06:51 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
الفيزيائي الإسلامي ابن الهيثم


سيد أحمد الشاعر


كان ابنُ الهيثم أستاذَ أوربا في الفيزياء والضوئيات والطبيعة لقرون، وفي جملة الأساتذة المسلمين العظام، الذين أضاءوا الطريق أمام الإنسانية قاطبة، لبلوغ الخير والرشاد.

واسمه محمد بن الحسن، أو الحسن بن الحسن، على خلاف، أما ابنُ أبي أصيبعة -المولود بدمشق والمتوفى بصرخد سنة 668 هـ- فقال في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء) بأن اسم (ابن الهيثم) محمد بن الحسن بن الهيثم، وبهذه الرواية أخذ خير الدين الزركلي في قاموس أعلامه، ولكن القفطي يقول في كتابه (إخبار العلماء بأخبار الحكماء): إن اسمه ابن الهيثم، وذهب إلى التسمية ذاتها صاحب كشف الظنون في صفحة 138، من الجزء الأول، ولهذا حين أورد (كارل بروكلمان) ترجمته تردد في تسميته فلم يقطع بها، وكذلك المستشرق (سوتير) -حسب ما نقلت دائرة المعارف الإسلامية ص 298- تردد بين أن يكون ابن الهيثم هو الحسن بن الحسن أو الحسن بن الحسين.

وأيًّا كان اسمه، فهو ابن الهيثم الكبير، والعالم الجليل. ولد في أواخر القرن الهجري الرابع، ونشأ فقيرًا يشتغل بنسخ الكتب وببيعها، ثم علا في العلم وبرع، وأكبر حادثة في حياته هي استدعاء الحاكم بأمر الله العبيدي بمصر له، أو ذهابه هو بنفسه إلى مصر، ليعمل عملا في النيل. وذلك أن ابن الهيثم قال وهو في الشام: (لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في حالتي زيادته ونقصه)، فسارت هذه الكلمة حتى بلغت الحاكم بأمر الله بمصر، فاستدعى ابن الهيثم في النيل حتى بلغ الموضع المعروف بالجنادل، قبلي أسوان، فعاين ماء النيل واختبره من جانبيه وعجز عن الإتيان بشيء في هندسته، هذه رواية الموسوعة الفرنسية في ص 813.

وروايات أخرى تقول (إن ابن الهيثم قال: تأملت في آثار قدماء المصريين من أهرام وغيرها فعلمت أن من بنى هذه الأوابد لم يكن ليعجز عن إقامة هندسة للمياه في أسوان، لو وجد ذلك ممكنًا، أي أن ابن الهيثم رأى استحالة عمل هندسة في النيل (وما راءٍ كمن سمعا)، والقول على التوهم غير القول بعد المعاينة، فلذلك عاد من النيل عاجزًا، ولكنه خاف من إعلان عجزه للحاكم، وكان غشومًا ظلومًا، فأظهر ابن الهيثم الجنون، لينجو من بطش الحاكم، فضبط الحاكم ما عنده من مال ومتاع، وأقام له من يخدمه، وترك في منزله، فلم يزل كذلك إلى أن مات الحاكم. فأظهر ابن الهيثم العقل، وخرج من داره، فاستوطن قبة على باب الجامع الأزهر، وأعيد إليه ماله فانقطع إلى التصنيف والإفادة إلى أن توفي.

وقد ذكر الزركلي لابن الهيثم سبعين مؤلفًا، عدد منها كتاب المناظر، ورسالة الشكوك على بطليموس، وكتاب (الإظلال)، وكتاب تهذيب المجسطي، وكتاب (تربيع الدائرة)، ورسالة (الأخلاق)، وقد قال البيهقي في هذا الكتاب: (ما سبقه به أحد)، ولابن الهيثم كتاب مساحة الجسم المتكافئ، وكتاب الأشكال الهلالية، وكتاب المرايا المحرقة، وكتاب (تفسير المقالة العاشرة لأبي جعفر الخازن) وكتاب (ارتفاعات الكواكب).

ولكن ابن أبي أصيبعة ذكر له في كتابه (عيون الأنباء) الآنف الذكر مائتي كتاب ورسالة في الرياضيات والفلك والطبيعيات والفلسفة والطب.

وعبارة المستشرق (سوتير) في إطرائه: (كان علمًا من أعلام العرب في الرياضيات والطبيعيات، وكانت له إلى ذلك مشاركة في الطب، وفي علوم الأوائل الأخرى، وخاصة في فلسفة أرسطو).


لقد كان ابن الهيثم عظيم الأثر في حضارة الأوربيين العلمية، واسمه عندهم (الهازن) ، وهذا الاسم كما يقول (الزركلي): اقرب إلى (الخازن) منه إلى (ابن الهيثم).

ولكن الذي يقصده الغربيون من (الهازن) هو ابن الهيثم من غير شك، ولعل السبب في أن سموه كذلك أن أول ما شاع عندهم من كتب ابن الهيثم، هي رسالة (تفسير المقالة العاشرة لأبي جعفر الخازن) من شرح ابن الهيثم، فلعله التبس عليهم اسم المؤلف باسم الشارح، فخلطوا، فكانت تسمية ابن الهيثم عندهم (الهازن).

وقد بالغوا في ترجمة كتبه إلى لغاتهم، فكتابه (المناظر) نشر بالألمانية عام 1572م في مدينة (بال) مع رسالة له في الشفق. وقد نقل هذه الرسالة إلى اللاتينية (جيرار دي كومونا)، وكان لكتاب المناظر هذا أثر بالغ في معرفة الغربيين لهذا العلم في العصور الوسطي من (روجير باكون) إلى (كبلر) أي خلال ثلاثة قرون ونصف القرن، إذ إن (روجير باكون) العالم الإنكليزي، ولد سنة 1214م، (وكبلر) مولود بألمانيا 1571م، وكان عالما فلكيا.

وقد نشر (فيدمان) الألماني كتاب ابن الهيثم (كيفيات الإظلال) باللغة الألمانية عام 1907م واشترك مع (هيبرج) في نشر كتاب (المرايا المحرقة بالقطوع) في مجلة المكتبة الرياضية بالمجموعة الثالثة في المجلد العاشر سنة 1910م صفحة 201 وكذلك قام (فيدمان) نفسه بنقل كتاب (في المرايا المحرقة بالدوائر) بالمجموعة نفسها من صفحة 293 إلى 307، ثم قام (سوتير) بترجمة كتابه (في مساحة الجسم المتكافئ) بالمجلد الثاني عشر سنة 1912 مع شروح عليه.

وقد ذكرت المعجمية الفرنسية أن ابن الهيثم له مؤلفات عدة في الرياضيات والفلك والفلسفة والعلوم الطبيعية وأغلبها ضاع، وبقي منها رسالة في المنحنيات الهندسية، مما يجعلنا نثق بأنه كان على اطلاع تام على كتاب (بديهيات أقليدس)، وإلى ابن الهيثم وحده يرجع فضل اكتشاف البرهان بالعدد (9) على صحة العمليات الرياضية.

إن الغربيين اطلعوا في كتاب ابن الهيثم (المناظر) لأول مرة، على وصف دقيق للعين، وعلى أن النظر يأتي من نور الأشياء المرئية لا من نور العين كما كان يظن اليونان، وعرفوا كيف عالج ابن الهيثم -ولأول مرة أيضًا- قضية الانعكاس، والغرفة المظلمة التي كانت هي فاتحة الباب لاختراع آلة التصوير الشمسي.

وقد اعترف بفضل ابن الهيثم مع ما ذكرنا العالم (سارتون) الذي قال: (إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطي، ومن علماء البصريات القلائل في العالم كله، وقال فرنسيس باكون 1561- 1627م في كتابه (قيمة تقدم العلوم) الذي ألفه سنة 1605م: (إن الكندي وابن الهيثم دعامتا علم البصريات).

وقد توفي ابن الهيثم عام 430هـ - 1039م في القاهرة، عند أكثر المؤرخين، إلا البيهقي في كتابه (تاريخ حكماء الإسلام) فقد قال: إن ابن الهيثم لما خاف على نفسه من الحاكم بأمر الله هرب إلى سورية، ولم يذكر وفاته، ولا عودته إلى مصر.

ذلك كان نجمًا في سماء الحضارة الإسلامية، أنار الطريق أمام أوربا، فيمن أنارها من علماء المسلمين، وكان نعم العالم في نعم المناخ يومئذ، مناخ الحرية العلمية والسمو الفكري والخصوبة الحضارية التي زرعها الإسلام حيث دخل وانتشر، فلولا الحضارة الأم ما خرج الأبناء البررة، النشطون إلى كل خير وعلم وصلاح.





ابوالوليد المسلم 05-02-2020 04:11 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
من أعلام الحضارة الإسلامية في العلوم والرياضيات



عز الدين الجلدكي


أحمد الدمرداش




هو عز الدين علي بن أيدامير بن علي الجلدكي، كيمائي عربي، عاش بين القاهرة ودمشق عام 1339 - 1342م في عهد الوحدة الثقافية والاقتصادية والعسكرية بين سوريا ومصر، أيام سلطنة الناصر محمد بن قلاوون التي استمرت قوية الدعائم من عام 1293 إلى عام 1340 ميلادية.



ولم يُعرَف تاريخ وفاته، وقيل: عام 1342 - 1343، أو: عام 1360 - 1361م، غير أنه من المؤكد أنه توفي في القاهرة في رجب عام 762 هجرية، ويعتبر آخر الكيميائيين العرب ذوي الشهرة المرموقة، ثم أخذ علم الكيمياء يبدو مترهلاً في العالم الإسلامي؛ ذلك لأن الخمائر التي تكاثرت على يد الكيميائيين العرب منذ عصر جابر بن حيان، أخذت تتوالد ثم تنتشِر في البلاد الأوربية، في حين أنها عجزت عن النمو في الشرق الإسلامي في عهد المماليك الجراكسة الذين تولوا السلطان بعد وفاة الناصر محمد بن قلاوون، الذي كان يَعطف على العلماء، بل كان بهم حفيًّا.



ويبدو عز الدين الجلاكسي رمزًا للوحدة الثقافية والعِلمية بين سوريا ومصر؛ فهو كان يحاضر في سهولة ويسر أحيانًا في القاهرة وأحيانًا في دمشق، ويقف الناصر محمد بن قلاوون على قمة الوحدة الشاملة قرابة أربعين عامًا، امتد مجالها إلى جزء كبير من شمال إفريقيا؛ طرابلس وتونس وبرقة منذ عام 1318م، كما امتد جنوبًا إلى بلاد النوبة منذ عام 1317، فتوطدت الركائز الإسلامية في هذه البلاد تبعًا لذلك.



واستطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية المتألقة تحت راية الوحدة الشاملة أن تغزو بلاد أرمينيا، وتحتلَّ مدينة سيس عام 736 هجرية، وتوثَّقت العلاقات والمعاملات بين المنطقة العربية والهند، أوشاجُها طرق المواصلات بين ثغور الهند وثغور مصر والشام، وأهمها طريقان:

أ- أحدهما طريق البرح من القلزم إلى ظور والقصير وعيذاب وعدن، ومنها إلى سواحل السند.



ب- وثانيهما من حلب إلى بغداد والبصرة وعبادان وهرمز، ومنها إلى السند والهند والصين، وهذا الطريق أصابته غزوات المغول في القرن الثالث عشر، فزادت بذلك أهمية الطريق الأول.



وبانتصار القوات المسلحة المصرية على المغول والتتر في موقعة مرج الصفر عام 1302م، توحَّدت سوريا ومصر تحت راية الإسلام في شتى المجالات.



مؤلفات الجلدكي:

يتَّضح من مؤلفات الجلدكي أنه كان يَشتغل بالتدريس، وتفسير مؤلفات علماء مدرسة الإسكندرية القديمة، بالإضافة إلى مخطوطات مَن سبقه من الكيميائيين العرب؛ أمثال: جابر بن حيان، والمجريطي، ومحمد بن أميل التميمي الكيميائي العربي الذي عاش في نهاية القرن التاسع حتى بداية القرن العاشر الميلادي، وتحتوي دار الكتب المصرية على الكثير من مخطوطاته التي نُجملها ذكرًا وشرحًا في الآتي.

1- البدر المنير في أسرار الإكسير.



2- بغية الخبير في قانون طلب الإكسير (كتبه في دمشق عام 1339 - 1340م).



3- البرهان في أسرار علم الميزان.

هو مخطوط كبير يَشتمِل على أربعة أجزاء، ويبحث في شرح علم الموازين الذي سبق أن وضعه جابر بن حيان، وهو عِلم يربط بين طبائع المعادن كالحرارة، واليبوسة، والرطوبة، والبرودة، وبين صفاتها التي تتغيَّر إذا ما تغيَّرت موازينُها.



ويقول عن الزئبق ما يلي:

"إنه سيد الأحجار الموصوفة؛ لأنه أصلها ومبدؤها، وله الفضل عليها كفضل الماء على سائر الأجسام، وقد كوَّنه الله تعالى في بطون أعماق الأرض مثل النطفة في قرار الرحم، فهو أصل لتكوين الأجساد كلها، إلا أن يكون كل جسد منه، إنما يكون تكوينه بحسب ما يَغلب عليه من الأعراض التي تحلُّ به، فيتغير مزاجه بحسبها في كمياتها وكيفياتها، والأعراض لها أوزان في الكم المُدرَك في الكيف، واعلم أن لسان حال الأجساد في أصل تكوينها؛ يقول: إنها ما تكوَّنت إلا لتصير ذهبًا؛ لأنه غايتها، فلا عرضت الأعراض في أصلها الذي هو الزئبق، بعد أن تم جرمه، أقعدت به عن الذهب، فصار للجسد شبه من الطبيعة الغالبة في ذلك التكوين على قدر الزمان والمكان، فللزئبق الفضلُ على جميع الأحجار؛ لأنه أصلها وسببها، وهو رُوحها".



هذا ما يقوله الجلدكي عن الزئبق، أما جابر بن حيان فيذكره في كتابه الإيضاح كما يلي:

"ويقول أيضًا: إن الأجساد كلها في الجوهر زئبق، انعقد بكبريت المعدن المرتفع إليه في بخار الأرض، وإنما اختلفت لاختلاف أعراضها، واختلاف أعراضها لاختلاف كباريتها، واختلاف كباريتها لاختلاف قُربها ومواضعها من حرارة الشمس الواصلة إليها عند ترددها في دورها، فكان ألطف تلك الكباريت وأصفاها وأعدلها الكبريت الذهبي؛ فلذلك انعقد به الزئبق عقدًا محكمًا مُعتدلاً، ولاعتداله قاوم النار وثبَت فيها، فلم تقدر على إحراقه كقدرتها على إحراق سائر الأجساد".



ومن هنا يتَّضح أن هناك ديمومة للأجساد؛ فالزئبق يتطور إلى ذهب إذا ما اتَّحد مع نوع من الكباريت يختلف عن الكبريت الذي نعرفه الآن، بل هو ينبع من بخار الأرض ويرتبط قربًا من الشمس.



أما عصرنا الإلكتروني الحاضر فيقول بأن الشمس تَصدر منها إشعاعات غير مرئية، منها: الأشعة الكونية، ومنها النيوترونات، ومنها الإشعاعات المؤينة، فإذا صادف النيوترون عنصر الزئبق حدث التحول العنصري للزئبق إلى ذهب طبقًا للمعادلة الإلكترونية التالية:

196 1 197 197

زئبق + نيوترون = زئبق = ذهب + بوزيترون

80 صفر 80 79



إن العلم العربي يختلف عن العلم الأوروبي الحديث في أنه ينصبُّ على المعاني الكلية، في حين أن العلم الحديث يبحث دائمًا عن العلاقات المطَّردة بين المقادير المتفاوتة، كذلك فهو يسجل لحظات متتابعة كما تسجِّل الصور السينمائية لقطات متجزئة، وهذا هو منبع التفاوت مطلقًا.



4– "الدر المكنون في شرح قصيدة ذي النون" الكيمائي المتصوف الذي كان معتكفًا في أبي تيج بصعيد مصر، التي مطلعها:



عجب عجب عجب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بطة سوداء ولها ذنب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





ألَّف هذا الكتاب في القاهرة عام 1342م لشرح الرمزية في قصيدة ذي النون، وما كان يقصده من هذه الرمزية في علم السيمياء.



5- الجوهر المنظوم والدر المنثور في شرح ديوان الشذور.



6- غاية السرور في شرح ديوان شذور الذهب في الإكسير.



7- "الاختصاص ودرة الغواص في أسرار الخواص" يبحث هذا الكتاب في خواص الحيوانات والأحجار.



8- كشف الستور (شذور الذهب).



9- المصباح في أسرار علم المِفتاح.



تبحث المقدمة في علم الكيمياء عند الكيميائيين العرب الذين سبَقوه على الترتيب، وهم: خالد بن يزيد - جابر بن حيان - محمد بن أميل التميمي - مسلمة بن أحمد المجريطي - الحسين بن علي الطغرائي - علي بن موسى بن عرفة، أبو القاسم العراقي محمد بن أحمد السبعاوي - أبو بكر الرازي الطبيب المشهور.



10- "حمس الماء الورقي"، وهو تفسير كتاب "الماء الورقي والأرض النجمية"؛ لمحمد بن أميل التميمي، وللكتاب عنوان آخر هو: "لوامع الأفكار المضية في شرح مخمس الماء الورقي والأرض النجمية".



11- نتائج الفِكَر في الفحص عن أحوال الحجَر.



12- نهاية الطلب في شرح المكتسب في زراعة الذهب.

ويستقي الجلدكي معلوماته في هذا الكتاب عن الذهب من مصنف أبي القاسم محمد بن أحمد السيماوي العراقي "العلم المكتسب في زراعة الذهب"، ذلك المصنَّف الذي أُعجِب به الكيميائي الإنجليزي الشهير هولميارد فترجمه إلى اللغة الإنجليزية بباريس عام 1923م.



والجديد الذي أضافه الجلدكي في كتابه هذا أنه أثبت أن المواد لا تتفاعل أو تتَّحد إلا بأوزان ثابتة، مما يُعتبَر إرهاصًا بقانون النِّسَب الثابتة، الذي يُنسب للكميائي الفرنسي "بروست" 1755 - 1826م.



13- شرح قصيدة أبي الإصبع، وهذا الكتاب يعتبَر تفسيرًا للشِّعر الكيمائي الذي ابتدعه العالم العربي عبدالعزيز بن تمام العراقي الذي عاش قريبًا من ديار بكر على نهر دجلة في القرن العاشر الميلادي، ويُسمَّى هذا المصنَّف أحيانًا: "كشف الأسرار للأفهام".



14- شرح الشمس الأكبر لباليناس.



15- التقريب في الأسرار الكيميائية، أو التقريب في أسرار التركيب.



16- أنوار الدرر في إيضاح الحجر.

الباب الأول: في معرفة ماهية الحجر الذي عنه يتكون إكسير الفلاسفة.

الباب الثاني: في وحدة الحجر وتمييزها عن باقي الوحدات.

الباب الثالث: في كيفية الحجر وما يختص به من أصناف الكيف.

الباب الرابع: في أوزان الحجر وما يُطلَق عليه من الأوزان في اصطلاح القوم.

الباب الخامس: في نار الحجر وأنواعها.

الباب السادس: في تكليس الحجر وعلى أي قانون تتصعَّد أجزاؤه.

الباب السابع: في تقطير الحجر.

الباب الثامن: في تصعيد الحجر وانفصال لطيفِه عن كثيفِه وما يَنبغي له.

الباب التاسع: في تطهير أجزاء الحجر حتى يتخلص من أوساخه وأدناسه.

الباب العاشر: في تركيب الإكسير وبدء الكون وتماسِّه.



أحدث تحقيق لمؤلفاته:

أولاً: قام الدكتور "مانوشهر تسليمي" بتقديم رسالة الدكتوراه لجامعة لندن عام 1954م، عن كتاب الجلدكي "نهاية الطلب في شرح المكتسب في زراعة الذهب"، ذلك الكتاب الذي استقى الجلدكي ينابيعه من كتاب أبي القاسم العراقي، وعنوانه: "المكتسب في زراعة الذهب".



ويقول الدكتور تسليمي:

إن ابن سينا قد انتحل الكثير من أفكاره العلمية من "الفارابي"، كما يقول: إن الجلدكي قد قضى سبعة عشر عامًا في رحلات متمدِّدة ليجمع مؤلفات من سبقوه من الكيمائيين العرب في كافة أنحاء الوطن العربي، ونحن نؤيده في ذلك؛ إذ لم يسبِقْه أحدٌ في معرفة مدرسة أبي تيج الكيميائية التي كان يتزعَّمها المتصوف الكيميائي الطبيب "ذو النون المصري"، وقديمًا اشتهرت أبو تيج بمناخها العِلمي والصناعي.



ويقول الدكتور تسليمي أيضًا: إن الجلدكي قد أثرى علم الكيمياء القديم؛ إذ جمع أكثرَ من اثنين وأربعين مؤلَّفًا لجابر بن حيان وتفهَّمَها وناقشها.



ويقول "الدومييلي في كتابه: "العلم عند العرب": إن الكتب المنسوبة في القرون الوسطى إلى جابر، والمكتوبة باللغة اللاتينية قد نقلت عن المعلومات الشائعة حينذاك، والتي تتصل بكتب الرازي.



غير أن الدكتور تسليمي يؤكد في رسالته أن هناك الكثير المأخوذ من مؤلفات جابر التي عدَّدها الجلدكي في كتابه: "نهاية الطلب"، وهي نفس المعلومات الغزيرة التي كان كيميائيو العصور الوسطى بأوروبا يتناقلونها عن الفيلسوف الأسطوري "جيبر"، والتي يقول "الدومييلي": إنها تتَّصل بكتب الرازي.



ومن مؤلفات الجلدكي يتَّضح أنه لم يكن باحثًا تجريبيًّا مُبتكِرًا، بل كان ناقلاً لعلوم مَن سبقه، شارحًا لها كما يشرح الفقيه مذاهب غيره، واصفًا لتجارِبِ غيره وصفًا كيفيًّا لا غير.



وفي تصوري أن الجلدكي يُعتبر موسوعيًّا من الناحية الكيمائية، وأنه أراد الحفاظ عليها حتى لا تندثر مع الزمن، على غرار ما عمله المعاصرون الموسوعيُّون له في العصر المملوكي، وأهم تلك الموسوعات هي:

1- نهاية الأرب، وصاحبها هو: أحمد بن عبدالوهاب بن محمد بن عبدالدائم المعروف بشهاب الدين النويري الذي ولد عام 677 هـ بقرية (نويرة) من أعمال بني سويف.



2- مسالك الأبصار؛ لابن فضل الله العمري.



3- لسان العرب؛ لابن منظور.



4- صبح الأعشى؛ للقلقشندي، الذي ولد في قرية قلقشندة إلى الجنوب من مركز طوخ.



ثانيًا: قام صاحب المقال بكتابة بحث عن الجلدكي نشر في رسالة العلم، وهي المجلة التي يصدرها خريجو كليات العلوم، عدد ديسمبر عام 1959، وفيه يوضِّح الرمزية في شروحه الوصفية، مثل: في مخطوطه "كتاب البرهان في علم الميزان" (ص: 68) عن استخلاص الذهب، وهو مخطوط بدار الكتب المصرية؛ حيث يقول الجلدكي بلفظه:

"ابن الشمس الذي هو الذهب، إذا خالطه الوسخ الزحلي (أي الرصاص) مع الأنثى التي هي بنت القمر الذي هو الفضة، فلا شك في ذهاب رونق الذهب، وصار بذلك خراجًا عن ملكه، ورتبيته، ومكانته، فلا بد مِن إعانته بأمه التي هي النار العنصرية، وببعض خدمه معها الذين هم أشكالها في الحرارة واليُبس، مثل رأس الكلب الذي هو العظم المحرق، ومثل الرماد المحرق من أتون الحمام المشمس بالقصرمل، والكير، والنفخ بالنار والفحم والحطب، إلى أن يحترق الرصاص (زحل) مع ما يناسبه من الأوساخ، فيبرز الذهب، ويتخلَّص هذا الوجه، ويعود له ملكه ورونقه وقوته فافهم.



وأما الوجه الثاني فإن الذهب لا يخلص من الفضة بالروباص، وإنما يحتاج إلى أن يسبك ويخردق في الماء، ثم يجعل في زنجفرته زجاج، ثم يُلقى عليه غمرة من الماء الحلال المستخرَج من البارود والشب وغيره، وهذه الأشياء هم الخدم والعبيد للأمِّ، التي هي النار العنصرية، فيعبر هذا الماء بشدة على حلِّ الفضَّة، وقوة على إخراجها من جسم الذهب، فيبرز الذهب خالصًا نقيًّا لا شايبة فيه، وقد عاد إلى قوته وبهائه وملكه وسلطانه، فافهم".



وشرح ذلك أن التكليس يحوِّل الرصاص إلى ليتارج - أي: أكسيد الرصاص الأصفر - ثم الاختزال بالعظم المحروق يخرج الرصاص ودرجة انصهاره أقل مِن درجة انصهار الذهب، فبذلك يُمكن فصل الرصاص عن الذهب.



وفي الحالة الثانية من الماء الحلال، وهو حمض النيتريك الذي تكوَّن من البارود والشب وغيره، يذيب الفضة ولا يذيب الذهب، فبذلك يمكن فصل الفضة عن الذهب بهذه الطريقة، ثم يتخلص منها ليبرز الذهب نقيًّا.



بقيَت ملحوظة هنا على جانب كبير من الأهمية، يذكرها الجلدكي في (ص: 61) في الفصل الخامس من المبصرات حيث يقول:

وحقيقة حصول الضوء من المضيء إلى المستضيء دفعة من غير حركة، لاستحالة استقلال العرض بالانتقال، ومعنى ذلك أن الضوء ينتقل في غير زمان، وهذا كلام أرسطو، ثم كلام ديكارت فيما بعد، مع أن ابن الهيثم قد أثبت انتقال الضوء في زمان، مما يدل على أن الجلدكي لم يقرأ كتاب المناظر لابن الهيثم؛ لأنه لم يذكره بتاتًا، وذلك ناتج من تعصُّب المذهب السُّني وعداوته العنيفة للمذهب الفاطمي الشيعي؛ إذ بعد انتقال مصر من المعسكر الفاطمي إلى المعسكر الأيوبي السُّنِّي أُحرقت كتب الفاطميين وفلاسفتهم وعلمائهم، ومن بينهم ابن الهيثم، الذي عدوه من أنصار المعسكر الفاطمي، وهو بريء من ذلك.



ثالثًا: يَذكر الدكتور عزة مريدن عميد كلية الطب بجامعة دمشق، الذي كان عضوًا بالمجلس الأعلى للعلوم في عهد الوحدة الأولى مع سوريا، نقول: يذكر في محاضراته عام 1961م في أسبوع العلم الثاني بدمشق في 25 إبريل أن الجلدكي كان يعرف كُنْهَ الذرة، بل التركيب الإلكتروني لها؛ لذلك يُشبِّهها بالمجموعة الشمسية، وهو يستند في ذلك إلى شعر الجلدكي التالي:



فشتان بين اثنين هذا مكوكب https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يدور وهذا مركز للمراكزِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأنهما عند الحكيم لواحِدٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لأنهما من واحد متمايزِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فهذا على هذا يدور، وهذه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لها مركز رأس بقدرة راكزِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وبينهما ضدان عالٍ وسافلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بقاؤهما فردَين ليس بجائزِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وبينهما جسم مشفٌّ كأنه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من اللطف فيما بينها غير حاجزِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فأعجِبْ بها من أربعٍ حال بعضها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلى بعضها عن نسبة في الفرائزِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





هذه نظرة عاجلة من تاريخ حياة عالم جليل موسوعي في عصر الوحدة الشاملة بين سوريا ومصر وليبيا في العصر المملوكي، أَولى لجامعتنا العربية أن تُحيي ذِكراه وتجمع مؤلفاته محققة؛ لأنها تمثل حِقبة هامة في تاريخ العلم والفكر الإسلامي.






ابوالوليد المسلم 09-02-2020 04:20 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
نجوم في فضاء العلوم




لطيفة أسير






وأنت تطالعُ تراجم العلماء الأعلام من سلف الأمة الصالح، تلمحُ ذاك التجانس المثير للفخر والإعجاب في تحصيلهم للعلوم بشتَّى مشاربها، وذاك النَّهم الشديد الذي كان يستوطن نفوسًا أبيَّة، لم يخنقها حبل التخصص، ولا حجبَها عن زيارة رياض الفكر والأدب للنَّهل من طيب رياحينِه ما ارتاحتْ له نفوسُهم، وتناغمتْ معه ألبابُهم، بل إنك تكادُ تتميز غيظًا وأنت تُبصر ذاك البَوْن الشاسع بين تحصيلهم الذي بلغ المدى، وتحصيلنا الذي ما جاوز حدَّ أنوفنا.

وإليكم ابن النفيس، ذاك العالم الموسوعي، والطبيب العربي المسلم، الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى، وخلَّف أبحاثًا عظيمة في الطب، ما زال الاعتماد عليها ليومنا هذا، هذا العالم الجليل لم ينحصر همُّه في الطب فحسب، بل نَهَل من شتَّى العلوم الدنيوية والشرعية، فكان له باعٌ في البحث والـتأليف، فأنجب في الطب الموسوعة الطبية الشهيرة "الشامل في الصناعة الطبية"، وفي اللغة "طريق الفصاحة"، وفي المنطق "شرح الهداية لابن سينا"، وفي السيرة النبوية "الرسالة الكاملية"، كما كانت له مصنفات في علم الحديث، والفقه وأصوله، وفي علم الكلام، والفلك والحساب، وها هو الخوارزمي عالم الرياضيات الشهير، يبدع - أيضًا - خارج مجال تخصصه، حيث كانت له إسهامات في علم الفلك والجغرافيا، والعلامة أبو الفرج ابن الجوزي ترك إرثًا علميًّا نفيسًا في علوم شتى، سواء في التفسير أو الحديث أو التاريخ أو اللغة أو الطب أو الفقه، وغيرها من العلوم، وجاء الخبر اليقين أن ابن رشد كان فيلسوفًا وطبيبًا وفلكيًّا وفيزيائيًّا، كما كان فقيهًا متمكنًا، وكتابه "بداية المجتهد، ونهاية المقتصد" خير دليل على ذلك، وورد الأثر عن الإمام الطبري أنه كان محدثًا وفقيهًا ومؤرخًا، قال عنه الإمام الذهبي: "كان ثقة حافظًا صادقًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه والإجماع والاختلاف، علاَّمة في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات واللغة، وغير ذلك".

أليس مدعاةً للفخر هذا الثراء الفكري الذي دأب عليه سلفنا؟ ألاَ يبعث هذا في نفوسنا جملة من الاستفسارات عن سرِّ هذا التفوق الممزوج بهذا التنوع الجميل؟ ألا تُيَمِّمُ غيرتُنا بوجهها شطر هذا الجانب المشرق من سلفنا، فتقتفي أثره، وتُحيي رميم أمتنا؟

إن هذا التنوع البهيج في التحصيل العلمي والإبداع الفكري، يجعلك تؤمن أن العلوم كلها كانت أسرة واحدة، تحنو على طلابها، وتفتح ذراعيها لكل ابنٍ بارٍّ شاء أن يروي ظمأه الفكري، ويسقي عطشه الروحي، وما أن تقهقرت الأمة حتى تمزقت عروة هذه الأسرة، وتباعد أبناؤها، وهامَ كلٌّ منهم في واديه، دون أن يُلقي بالاً للآخر، بل بِتْنا نشعر أن العلوم صار يناصب بعضها بعضًا العداء، ويكفي أن تلقي نظرة على مناهجنا التعليمية، وعلى مستوى مُدرِّسينا وطلابنا؛ لتقف على ذاك الشَّرخ العميق بين العلوم.

وعودًا على بدءٍ أحبُّ أن أنوِّه بأمرٍ جميل أثارني في سير هؤلاء الأعلام، وهو تركيزهم على تعلم العلوم الدينية، رغم ميولهم العلمية أو الأدبية، بل إنهم لم يكتفوا بالارتشاف منها بضع رشفات، وانبروا يؤلفون في هذه العلوم، ويبدعون فيها ما أفادهم وأفاد أجيالاً بعدهم، بخلافنا نحن، فطالب العلوم البحتة لا علاقة له بالعلوم الشرعية، بل مما يندى له الجبين أن تجد عالمًا مسلمًا أو أستاذًا جامعيًّا في علوم دنيوية لا يكاد يميز سنن الوضوء من فرائضه، ويستفسر في أمور هي من المُسلَّمات والبديهيات الفقهية، وأضحى خوض غِمار العلوم الدينية حكرًا على أهل التخصص الذين حرَّموا على أنفسهم كذلك الدنو من العلوم الدينية واللغوية.

حواجز عقيمة بين العلوم شيدناها بجهلنا وتقاعسنا، فصار طالب العلم يبرح مقاعد الدراسة وقد فقه جزئية من جزئيات العلم، وغابت عنه كلياته، وصار - مثلاً - تدريس القيم والأخلاق مسؤولية مدرس التربية الإسلامية، وتدريس قواعد اللغة وضوابطها من اختصاص أستاذ اللغة العربية، وسائر المواد باتت تدرس باللهجات العامية، دون مراعاة لأيِّ تكامل يفترض أن يكون بين مواد التدريس.

ولعلَّ أهم سبب جعل علماء السلف يبزُغ نجمهم ولا يأفل رغم مرور كل هذه القرون، تعاملُهم الراقي مع العلم الذي امتزج فيه الجانب العقدي بالروحي والوجداني؛ إذ لم تكن نيتهم في التحصيل العلمي والمعرفي الظفر بمنصب دنيوي، بل سَمَتْ نيَّاتهم، فجعلوا طلب العلم ركيزة من ركائز الحياة التي تقوم عليها أمةٌ، هم مسؤولون أمام الله عن رقيها وصلاحها، وغدا طلب العلم فريضة يواظبون على أدائها، ولا يبغون عنها حِوَلاً:
يا طالب العلم لا تبغي به بدلاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فقد ظفرت ورَبِّ اللوح والقلمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

العلم أشرف مطلوب، وطالبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لله أفضلُ من يمشي على قدمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


بل إن طلب العلم كان بالنسبة لهم عبادة وقربة من القربات التي يتعبَّدون الله بها، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: "ما تُقرَّب إلى الله بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم".

وقال الإمام الماوردي: "العلم أشرف ما رَغِب فيه الرَّاغب، وأفضلُ ما طلب وجَدَّ فيه الطالب، وأنفعُ ما كسبَهُ واقتناهُ الكاسب؛ لأن شرفه يُثْمر على صاحبه، وفضله ينمي عند طالبه".

ولهذا سَمَت همتهم، فلم يرضوا من غنيمة العلم بالإياب، واقتحموا بكل شغف علومًا شتى، فكانت إبداعاتهم تتسم بالشمولية والموضوعية، ورسخت في الذاكرة العلمية للإنسانية.

ولأنه عبادة؛ فقد كان إخلاص النية في تحصيله ديدنهم، فما ابتغوا به غير وجه الله تعالى، وإن التبستْ نيتهم في بدء تحصيله، فإنهم سرعان ما يعدلون بوصلة قلوبهم صَوْب مَن أغدق عليهم نعمة الفَهْم والفقه، حتى قال مجاهد: "طلبْنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نيَّة، ثم رزقنا الله النية بعد"، وبعضهم قال: "طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبَى العلم أن يكون إلا لله".

وهذا الفهم الثاقب لماهية العلم وكُنْهِ التعامل معه ينسجم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم))، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا، لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة))؛ يعني: ريحها؛ رواه أحمد، وأبو داود، واللفظ له، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار))؛ رواه الترمذي، وحسنه الألباني، لكن هذا لا يمنع - كما قال العلماء - أن يبتغي المرء من تحصيله للعلوم الدنيوية وظيفة أو مالاً أو مكانة، لكنه إذا أخلص لله تعالى أُثيب بقدر إخلاصه.

وقال الحافظ الذهبي -في كتابه (سير أعلام النبلاء) ج18، ص192 -:
"فَمَنْ طلَبَ العِلمَ لِلعَمل، كَسَرَهُ العلمُ، وبَكَى على نفسه، ومَن طلب العلم للمدارس والإفتاء، والفخر والرياء، تَحَامَقَ، واخْتَالَ، وازْدَرَى بالناس، وأهلَكَهُ العُجْبُ، ومَقَتَتْهُ الأنفُسُ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]؛ أي: دسَّسَها بالفجور والمعصية"؛ ا.هـ.


فالإخلاص طوق النجاة الذي لاذ به سلفنا الصالح؛ ولهذا بارك الله في سعيهم، فأينعت أشجار علمهم، وأثمرت ثمارًا انتفعت بها أجيال عديدة على مدى أزمنة مديدة، أما نحن فغاية همنا من التحصيل العلمي الظفر بشهادة تُسعفنا في الحصول على وظيفة تعيننا على نوائب الحياة، ثم ننسى بعدها كل علاقة بالدراسة، ونُطلِّق الكتب طلاقًا بائنًا، إلا من رحم ربي.

كما لا يجب أن نغفل طبيعة التنشئة والتربية التي نما بين أحضانها هؤلاء العلماء، والتي كان لها دور مهم جدًّا في بلورة فكرهم، حيث كانت التربية الدينية اللبنة الأساس التي تشيد دعائم الأسرة المسلمة، فكان الطفل ينشأ بدءًا على حفظ كتاب الله، ثم يُعرِّج على كتب الحديث والفقه، ومِن ثَمَّ يطلق العنان للبحث في المجال الذي يستهويه، فينشأ مستقيمًا في علمه وعمله دون عوج ولا أمْتٍ، نافعًا لنفسه ولمجتمعه ولدينه.

ليتنا ننشر سير هؤلاء الأعلام بين النشءِ، ليت إعلامنا الفاسد يصبح أداة مُصلحة تعرض لتراجمهم، وتحمِّس للاقتداء بهم، بدل الترويج للسفهاء وأراذل القوم، الذين أفسدوا الأفكار والأذواق والقيم والمبادئ، ليت تعليمنا يغير سياساته العرجاء، ويستقيم على أصوله؛ لينجب طلابًا يكونون مفخرة للأمَّة، لا عالة عليها، ليتنا نعي هذا الكلام الجميل للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد: "فإن الهمم لتخمد، وإن الرياح لتسكن، وإن النفوس ليعتريها الملل، وينتابها الفتور، وإن سيَر العظماء لمِن أعظم ما يذكي الأُوَار، ويبعث الهمم، ويرتقي بالعقول، ويوحي بالاقتداء، وكم من الناس من أقبل على الجِد، وتداعى إلى العمل، وانبعث إلى معالي الأمور، وترقى في مدارج الكمالات، بسبب حكاية قرأها، أو حادثة رُوِيَت له"؛ مقدمة كتابه "تراجم لتسعة من الأعلام" - ( ص 1).



ابوالوليد المسلم 09-02-2020 04:37 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 

لاكري حسن جلبي..

قصة الإسلام



يعد العالِم العثماني حسن جلبي الملقب بـ “لاگري” أو “لاگاري” واضع اللبنة الأولى لعلم الصواريخ الصاعدة للفضاء، وهو أول عثماني وبشري في التاريخ استقل صاروخًا ليصعد به إلى السماء.
ففي أثناء الاحتفالات بمناسبة ولادة الأميرة “قايا” بنت السلطان “مراد الرابع” أظهر مهارته الرائعة من خلال طيرانه على ظهر صاروخ، وذلك بحسب ما سجله الرحالة العثماني الشهير “أوليا جلبي” في كتابه الضخم “سياحة نامة”، إذا قام “حسن جلبي” بحشو البارود بوزن 50 أوقية تقريبًا بداخل صاروخ بطول سبع أذرع، ثم ركب هذا الصاروخ وقام أحد مساعديه بإشعال فتيل الصاروخ، حيث نجح بالطيران به إلى أعلى لمسافة معينة، وعندما انتهى بارود الصاروخ، قام بنشر أجنحة كان قد هيأها من قبل حيث نزل على البحر قرب ساحل القصر السلطاني.
وقد كافأه السلطان مراد وأنعم عليه وسجله ضمن صنف “السباهي” في الجيش الإنكشاري. ثم سافر بعد ذلك حسن إلى القرم واستقر بها إلى أن توفي هناك.
يصور “أوليا جلبي” هذه الحادثة في كتابه كما يلي:
“في مساء ولادة بنت السلطان مراد الرابع الأميرة ‘قايا’، أقيمت أفراح ذبح أضحية العقيقة، وكان “حسن لاگري” قد اخترع قذيفة ذات سبعة أذرع تحتوي على خمسين أوقية من معجون البارود، وقام من داخل قصر السلطان في سراي بورنو وأمام السلطان بركوب هذه القذيفة، ثم أشعل معاونوه فتيلة القذيفة، وقبيل طيرانه نحو السماء، خاطب السلطان قائلاً له: يا مولاي! أستودعك الله، أنا ذاهب للتحدث مع عيسى عليه السلام.
ثم انطلق إلى السماء، ثم أشعل القذائف الأخرى التي كانت معه فنشر الأنوار في السماء، وبعد نفاد البارود بدأت القذيفة بالتوجه نحو الأرض، وهنا نشر أجنحة النسر التي كانت معه، ونزل على البحر قرب قصر سنان باشا، ثم أتى إلى حضرة السلطان وقال له مازحًا: مولاي! إنَّ عيسى عليه السلام يسلم عليك، وقد أنعم السلطان عليه بكيس من الذهب كما سجله سباهيا براتب قدره 70 أقجة.
والجدير بالذكر تسجيل شهادة العالِم النرويگي Mauritz Roffavik مدير متحف النرويج للطيران في حديث له مع جريدة Weekly World News بتاريخ 15 ديسمبر 1998 والذي قال فيه بأن أول محاولة لرجل للصعود للفضاء لم يكن ذو جنسية روسية أو أمريكية، بل كان رجلًا تركيًا. والذي استقل صاروخ وطار عن سطح الأرض مسافة 900 قدم -أي ما يزيد عن 275 متر تقريبا-. وقد أضاف العالِم النرويجي بأن الصاروخ تكون من جزأين، الجزء الأسفل هو قاعد تم فيها تركيب 6 صواريخ صغيرة كي ينطلق الصاروخ إلى السماء، أما الجزء الثاني فهو الجزء الذي يُدفع إلى الأعلى بواسطة الصواريخ الستة السابقة.


ابوالوليد المسلم 11-02-2020 04:41 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
أبو عبيد البكري أكبر جغرافي الأندلس
موقع قصة الإسلام


في شهر شعبان لعام 1369هـ / 1949م أطلقت وكالة الفضاء الأميركية ناسا اسمه على فوهة من فوهات القمر؛ اعترافاً وتقديراً لما قدمه من إسهامات علمية وحضارية متميزة في حقل الجغرافيا.
إنه أبو عبيد البكري الأندلسي، واحد من أعلام الثقافة الأندلسية، وأول جغرافي الأندلس والمغرب، وأكبرهم إنجازاً وإسهاماً.
اسمه ونشأته:
هو أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن أيوب بن عمرو البكري، نسبه عربي يرجع إلى قبيلة بكر بن وائل أكبر قبائل ربيعة في شبه جزيرة العرب.
ولد أبو عبيد البكري في ولبة قرب حاضرة الأندلس إشبيلية، ولا نعلم تاريخا لميلاده، حيث يذهب البعض إلى أنه ولد 432هـ/ 1040م، ولكن الأقرب للصواب أنه ولد بين عام 400هـ/ 1010م وعام 410هـ/ 1020م [1].
نشأ أبو عبيد البكري في بيت إمارة وسيادة، حيث السراوة والشرف والرياسة، وأرباب النعم؛ استمدوا الشرف من صريح أنسابهم في بلاد الأندلس، كما استمدوه من ماضيهم الحربي في فتح الجزيرة، وشغل المناصب العالية في الدولة، فتحدثنا كتب التراجم أن جده أيوب بن عمرو تولى خطة الرد (أي رد المظالم) بقرطبة زمن الدولة الأموية، والقضاء ببلده لَبْلَةُ، والقضاء كان من المناصب التي يحتكرها علية الناس وسرواتهم في الأندلس.
وكان لهم تأثير كبير في بلاط قرطبة وإشبيلية، حيث كانوا من أنصار المنصور بن أبي عامر ثم ببني عباد في إشبيلية.
فلما انتثر عقد دولة الأمويين، تغلب ملوك الطوائف على ما بأيديهم من البلاد، واستقل البكريون بأَوْنَبَة (وَلْبَة) وشَلْطِيش وما بينهما من البلاد في كورة لبلة، على ساحل البحر المحيط، غربي إشبيلية، وقعدوا منها مقعد أكابر الأمراء، من الخروج عن الطاعة، والاستبداد عن الجماعة.
ودامت إمرة البكريين في تلك الناحية نحو أربعين سنة حوالي (سنة 402هـ/1011م إلى سنة 443هـ/1051م)، انتهت تغلب المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية سنة 443هـ على ما جاوره من البلاد والإمارات الصغيرة، وكان آخر البكريين حكما بأونبة أبو مصعب عبد العزيز، والد أبى عبيد صاحب الترجمة، فخرج هو وآله منها.
أبو عبيد البكري في قرطبة:
انتقل أبو عبيد البكري مع أسرته مدة قصيرة إشبيلية، ولما شعر بتغير موقف المعتضد بن عباد انتقل إلى قرطبة، وكان ذلك في الثلاثينيات من عمره، ولا نعلم كم بقي أبو عبيد في قرطبة وهل تركها في حياة والده أم بعد وفاته؟!، والذي لا شك فيه هو أنه بقي بما فيه الكفاية كي يواصل ثقافته الأدبية والعلمية.
أبو عبيد البكري في المرية:
ثم انتقل أبو عبيد البكري من بعد إلى المرية بدعوة من أميرها محمد بن معن الصمادحي، ولا شك أن سبب هذه الدعوة كانت شهرة الرجل بصفته أديبا، واستقبله حاكم المرية بترحاب وجعله من خلانه واصطفاه لصحبته، وآثر مجالسته والأنس به، ووسع راتبه.
ولذلك كان يلقب بالوزير، جرى بذلك قلم ابن بسام في الذخيرة، بل لقبه الضبي في البغية بذي الوزارتين، ويرى مصطفى السقا في تحقيقه لمعجم البكري أنه لقب بالوزير لأنه وزر لأبيه، أو لمصاحبته الملوك، وإن لم يكن وزيراً على الحقيقة، على ما جرى به العرف الأندلسي، والناس كانوا ولا يزالون يتوسعون في الألقاب بلا حساب، على أن أبا عبيد لم تكن منزلته في نفوس أهل عصره أقل محادة من منزلة الوزراء [2].
الحياة العلمية لأبي عبيد البكري:
في قرطبة توسعت الثقافة الأدبية والعلمية لأبي عبيد البكري، حيث درس على كبار علمائها ومؤرخيها، فقد تابع دروس المؤرخ الكبير أبي مروان ابن حيان، وأبي بكر المُصْحفي، وأجاز له ابن عبد البر، حتى صار رأسا في التاريخ واللغة والأدب، وحدث عنه: محمد بن معمر المالقي، ومحمد بن عبد العزيز بن اللخمي، وطائفة.
ولا يمكن أن نعرف أي تآليفه ألَّف مدة مقامه الأول في قرطبة؛ لأن تواريخ تآليفه غير معروفة، ولكن الكثير من القرائن تبين أنه لم يكن عديم الشغل، وأن الكثير من تآليفه قد تكون ظهرت في تلك الفترة.
وفي ألمرية تحددت الوجهة الجغرافية لدراسات أبي عبيد البكري، حيث تابع فيها دروس أبي العباس أحمد بن عمر العذري (393هـ - 476هـ وقيل 478هـ)، ولا يستبعد أنه قد أثر العذري في الاتجاه الذي ستتخذه دراسة تلميذه البكري، فلقد كان العذري جغرافيا وقد يكون جلب أبا عبيدة نحو هذه الوجهة.
فهل من الجرأة أن يُفترض أن تأليفه لكتبه الجغرافية: معجم ما استعجم وكتاب المسالك والممالك يرجع إلى هذه الفترة؟!، ويتأكد هذا الافتراض أكثر إذا ما علمنا انه انتهى من تأليف الكتاب الثاني حوالي سنة 460هـ/ 1058م، اعتماداً على الكثير من الملاحظات المتناثرة التي وردت فيه [3].
كتاب المسالك والممالك:
يعتبر أبو عبيد البكري ألمع جغرافيي الأندلس، واتسم عمله بالموضوعية والانسيابية والمنهج العلمي الصارم، ومما لا شك فيه أن كتاب المسالك والممالك كانت له المساهمة الكبرى في شهرة البكري، فقد جمع البكري في كتابه المسالك والممالك بين الجغرافيا والتاريخ، من المسالك ووصف البلدان والشعوب والمدن وتمتزج بالملح والأساطير والاستطرادات التاريخية ويبقى انتباه القارئ دائم اليقظة.
وزاد البكري على ما جاء في مؤلفات كتبها مؤرخون سابقون له، كما تطرق إلى التراث الشعبي الموروث لعدد من الشعوب في أرجاء العالم المعروف آنذاك، وأبرز العادات والتقاليد الغريبة، لكنه في نفس الوقت رفض أي شيء يتنافى مع العقل والمنطق في كتاباته.
قدم البكري في كتابه هذا أول وصف مفصل لإمبراطورية غانا الإسلامية في غرب أفريقيا، ويعتبر من أهم المصادر التاريخية لتلك الحقبة في جنوب غرب أفريقيا وشمال غرب أفريقيا حيث دولة المرابطين، ونظراً لاستقائه الكثير من المعلومات من التجار والمسافرين، فقد قدم وصفاً دقيقاً لطرق التجارة في الصحراء الكبرى بأفريقيا، والتي تضاهي بأهميتها طريق الحرير التاريخي بين الصين وأوروبا.
ذكر البكري بالتفصيل بداية دخول بلدات غرب أفريقيا في الإسلام أواخر القرن العاشر الميلادي، مثل غاو التي تقع اليوم في مالي، وعدد من البلدات والمدن المتناثرة على ضفتي نهر النيجر.
إن لكتاب المسالك خصائص مميزة تجعل المعلومات الجغرافية دائمة الامتزاج بالمعلومات ذات الصبغة التاريخية، ويُسجل للبكري أنه استطاع تقديم مصادر جغرافية وتاريخية دقيقة ومهمة بدون أن يغادر بلاده الأندلس.
كتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع:
أما كتابه الخالد الآخر فهو "معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع" وهو جهد توثيقي حاول الكاتب فيه توثيق أسماء الأماكن والبلدان بعد أن لاحظ تعدد التسميات نتيجة تنوع لهجات بني البشر، فأراد أن يكون هناك مصدر تاريخي موثوق يستطيع الباحثون الرجوع إليه للتوصل إلى الأسماء والألفاظ الصحيحة للأماكن.
واعتمد البكري في تأليف معجمه الجغرافي والتاريخي على مصدرين:
الأول: مصادر تاريخية مثل كتاب "صفة جزيرة العرب" للحسن بن أحمد الهمداني.
والمصدر الثاني هو الرواة من المسافرين والتجار، حيث كان البكري يلتقيهم باستمرار لمعرفة أسماء البلدان والبلدات التي مرُّوا بها وأحوال الشعوب فيها.
وأبو عبيد البكري يضبط الكلمات بالعبارة لا بالحركات، وهذه إحدى مزاياه، ولولا ذلك لاختل المعجم، وضاعت قيمته، ومن مزاياه أنه أول معجم كتب بالترتيب الألفبائي، ومن أهم مزاياه الضبط الدقيق للأسماء فإنه لهذا الغرض أُلِّف، وقد أبان هو عن ذلك في مقدمته، إذ رأى كثيراً من أسماء البلدان التي ترد في الأحاديث والأشعار والسير والتواريخ، قد دب إليها التصحيف والتحريف، وكان هذا التحريف داء قديما، لم يسلم من آفته حتى أئمة الرّواة وكبار العلماء، كالأصمعي من علماء اللغة، ويزيد بن هارون من المحدّثين، فراعه ذلك، وأوحى إليه بتأليف كتابه.
لكن مما يعاب به أنه جعل ترتيب الكلمات في كل باب على ترتيب الحرفين الأول والثاني الأصليين من الكلمة، دون نظر إلى ترتيب ما بعدهما من الحروف، وعلى الرغم من هذا تلقى العلماء المسلمون قديماً وحديثا معجم البكري بالقبول ووثَّقوا صاحبه، ورفعوه مكاناً عليًّا، فوق اللغويين وأصحاب المعاجم.
واعتمدوا عليه في تحقيق المشكلات، خصوصاً علماء المغاربة والأندلسيين، من المحدِّثين والأخباريين، ومن أشهرهم: القاضي عياض (ت: 544هـ) في مشارق الأنوار، والسهيلي (ت: 581هـ) في الروض الأنف، وأكثر من انتفع به من أصحاب المعاجم العربية وجعلوه أصلاً لهم: الفيروزابادي (ت: 817هـ) صاحب القاموس، والزبيدي (ت: 1205هـ) صاحب تاج العروس، وشيخه محمد بن الطيب الفاسي (ت: 1170هـ) صاحب الحاشية على القاموس، وكثير غير هؤلاء.
فالمعجم يعتبر جهداً متميزاً وفريداً يعتبر إلى اليوم مرجعاً للدارسين في مجالات التاريخ والجغرافيا وعلم الإنسان [4].
مؤلفات أبي عبيد البكري:
لم يتخصص أبو عبيد البكري في أي فرع من فروع المعرفة الإنسانية شأنه في ذلك شأن جل العلماء المسلمين في وقته، لقد كان تكوين الرجل المثقف في تلك الفترة يشتمل دائماً على دعامة متينة من العلوم الدينية، فقه، علوم قرآنية، علم كلام، ثم يأتي الأدب واللغة والفلسفة ومواد أخرى حسب الإمكانيات والأذواق الشخصية، فلا غرابة إذن أن نجد ضمن تآليف البكري مصنفات تبحث في مواضيع مختلفة.
فالبكري لغوي وأديب قبل كل شيء رغم أنه اشتهر بصفته جغرافيًّا في المشرق والمغرب، ويكفي للتفطن إلى ذلك أن يستعرض القارئ عناوين الكتب التي تنسب إليه، فالأدب له دور كبير في أكبر آثاره الجغرافية.
1- في اللغة والأدب:
كتاب الإحصاء لطبقات الشعراء -كتاب اشتقاق الأسماء- التنبيه على أغلاط أبي علي في أماليه -شفاء عليل العربية- كتاب صلة المفصول في شرح أبيات الغريب المصنف (لأبي عبيد القاسم بن سلام) - فصل المقال في شرح كتاب الأمثال (لابن سلام أيضاً) اللآلي في شرح أمالي القالي.
2- الكتب الجغرافية:
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - كتاب المسالك والممالك، وقد طبع منه البارون دي سلين قطعة باسم "كتاب المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب"، بالجزائر سنة 1857م.
3- موضوعات مختلفة:
أعلام نبوة نبينا محمد عليه السلام -التدريب والتهذيب في دروب أحوال الحروب- كتاب النبات أو أعيان النبات والشجريات الأندلسية.
وكان البكرىّ معنياً بكتبه، يكتبها بالخط الجيد، ويجلدها التجليد النفيس، وكان الملوك والرؤساء يتنافسون في اقتنائها، ويتهادونها في حياته [5].
من أخلاقه وثناء العلماء عليه:
يقول ابن بشكوال (ت: 578هـ): "كان أبو عبيد البكري من أهل اللغة والآداب الواسعة والمعرفة بمعاني الأشعار والغريب والأنساب والأخبار متقناً لما قيده، ضابطاً لما كتبه، جميل الكتب متهيماً بها، كان يمسكها في سبابي الشرب وغيرها إكراماً لها وصيانة".
وحلَّاه الفتح ابن خاقان (ت: 535هـ) في قلائد العقيان، بقوله: "عالم الأوان ومصنَّفه، ومقرط البيان ومشنَّفه، بتواليف كأنها الخرائد، وتصانيف أبهى من القلائد، حلى بها من الزمان عاطلا، وأرسل بها غمام الإحسان هاطلاً، ووضعها فى فنون مختلفة وأنواع، وأقطعها ما شاء من إتقان وإبداع.
وأما الآدب فهو كان منتهاه، ومحل سهاه، وقطب مداره، وفلك تمامه وإبداره، وكان كل ملك من ملوك الأندلس يتهاداه، تهادىّ المقل للكرى، والآذان للبشرى".
ومن قول ابن بسام الشنترينى (ت: 542هـ) في الذخيرة يصفه: "ومنهم الوزير أبو عبيد البكري، وكان بأفقنا آخر علماء الجزيرة بالزمان، وأولهم بالبراعة والإحسان، أبرعهم في العلوم طلقاً، وأنصعهم في المنظور والمنثور أنقاً، كأن العرب استخلفته على لسانها، والأيام ولته زمام حدثانها، ولولا تأخر ولادته، لأنسى ذكر كنيه المتقدم الأوان: ذرب لسان، وبراعة إتقان".
وقال ياقوت الحموي (ت: 626هـ): "وكان مقدماً من مشيخة أولي البيوتات وأرباب النعم بالأندلس...، وكان ملوك الأندلس تتهادى مصنفاته تهادي المقل للكرى، والآذان للقرى" [6].
وفاة أبي عبيد البكري:
تعمقت العلاقة كثيراً بين أبي عبيد البكري ومحمد بن معن صاحب ألمرية، فقد ذهب البكري سنة 478هـ/ 1085- 1086م إلى اشبيلية موفداً من قبل محمد بن معن لدى المعتمد بن عباد، عندما ذهب إلى المغرب الأقصى يستنجد بعون المرابطين ضد التهديد النصراني.
ثم استقر به الحال سنة (483هـ/1090- 1091م) في قرطبة التي أصبحت عاصمة الأندلس بعد دخول المرابطين لها، والراجح أنه قضى بها بقية حياته، وبها توفي في شوال 487هـ/ 1094م، ودفن بمقبرة أم سلمة [7].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سعد غراب: مقدمة تحقيقه لكتاب المسالك والممالك للبكري، الناشر: دار الغرب الإسلامي 1992م.
[2] ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 4/ 1534. الصفدي: الوافي بالوفيات، 17/ 156. مصطفى السقا: مقدمة تحقيقه لكتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد البكري، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1403هـ، المقدمة، ص1 – 19.
[3] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، عني بنشره وصححه وراجع أصله: السيد عزت العطار الحسيني، الناشر: مكتبة الخانجي، الطبعة: الثانية، 1374 هـ - 1955م، 1/ 277.
ياقوت الحموي: معجم البلدان، 2/ 460. 5/ 119.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء، 19/ 35. الصفدي: الوافي بالوفيات، 17/ 156.
- سعد غراب: مقدمة تحقيقه لكتاب المسالك والممالك للبكري،1/ 10 - 11.
[4] مصطفى السقا: مقدمة تحقيقه لكتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد البكري، المقدمة، ص1 – 19.
- أحمد الجنابي: أبو عبيد البكري، ضمن سلسلة بالهجري – شبكة الجزيرة نت.
[5] الصفدي: الوافي بالوفيات، 17/ 156. الذهبي: سير أعلام النبلاء، 19/ 35 – 36. الزركلي: الأعلام، 4/ 98. مصطفى السقا: مقدمة تحقيقه لمعجم ما استعجم للبكري.

[6] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، 1/ 277 – 278. ابن بسام: الذخيرة ي محاسن أهل الجزيرة، 3/ 232. ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 4/ 1534 - 1535.
[7] ابن بشكوال: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، 1/ 278. ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 4/ 1536. سعد غراب: مقدمة تحقيقه لكتاب المسالك والممالك للبكري، 1/ 11.




ابوالوليد المسلم 12-02-2020 03:43 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
عالم الجيولوجيا: أحمد بن محمد السرخسي

(286هـ / 899م)

أحمد جدوع رضا الهيتي

أحمد بن محمد بن مروان السرخسي، المعروف بابن الفرائقي وابن الطيب، عالم الجيولوجيا الرياضي الطبيب الفلكي، عاش في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي.

وقد فُقدت معظم كتب السرخسي في كافة العلوم، ولم يبقَ إلا القليلُ منها.


وقد اهتم السرخسيُّ بعلوم الأرض خاصة، فكانت معظمُ كتبه مؤلَّفةً فيها.

ومن أهم الظواهر الطبيعية التي اهتم بها السرخسي:
المناخ وأثره على السكان والحياة، وكذلك تكلم عن الجبال.
ومن أهم مؤلفات السرخسي في علم الأرض:

أحداث الجو، منفعة الجبال، الضباب، المسالك والممالك، وبرد أيام العجوز.






ابوالوليد المسلم 12-02-2020 03:47 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
عباقرة الحضارة الإسلامية
كنعان كوج أوغلو




أشرقت شمس الإسلام وسطع نوره على وجه الأرض، وبدأ يطلق أسس ومبادئ رسالته العظيمة السمحة التي ترفع الإنسان وتجعله يتعالى في درجات الكمال أو يبلغ درجة العُلا في سلّم التطور. لقد حث الإسلام على العلم والمعرفة؛ لما لهما من شرف المكانة وعظيم المنـزلة، ورغّب فيهما وشجّع على سلوك سبيلهما. وبفضل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي بعثت في النفوس الرغبة في نيل العلم، تأسست مدنيَّة إسلامية خلال عامي (800-1500م) متطورة في جميع الميادين. فراح باحثون وعلماء غربيون يتدفقون إلى المراكز العلمية في العالم الإسلامي؛ لكي ينهلوا العلوم من أصحابها.

وما لبث أن قاموا بترجمة مؤلفات علماء مسلمين؛ مما جعلهم يشتهرون في العالم الغربي كمكتشفين ومخترعين. وذلك لعدم حياد الغرب، ثم لقيام بعض الفئات في البلاد الإسلامية بستر هذه الحقائق وإخفائها. فقد نسب الكثير من مكتشفات علماء الإسلام ومخترعاتهم إلى علماء الغرب، وأُشيع بأن "الإسلام يمنع التقدم" كحرب نفسيَّة ضد المسلمين. وكما سنبيِّن، فإن الفضل في العديد من المكتشفات والمخترعات يعود إلى علماء المسلمين.

الطائرة والطيران:
من المعروف أن إخوان "رايت" استطاعا عام 1903م تحقيق حلم الإنسان في الطيران. بينما حدثت التجربة الأولى في الطيران -في الحقيقة- في الأندلس في عام 880م، من قبل العالم الأندلسي المسلم "عباس بن فرناس" الذي صنع آلة تشبه طائرة دون محرك، حيث أضاف إليها ريش الطير وغطاها بقماش. ويشير بعض المؤرخين الغربيين من أمثال البروفيسور الدكتور "فيليب حتي" والدكتور "سيجرد هونكه" إلى تجربة الطيران هذه، ويعدون تلك الآلة أول آلة طيران.

النظم الآلية البخارية:
تشير العديد من المصادر إلى أن أول منظومة آلية بخارية اخترعت من قبل المهندس الإرلندي "جيمس واط" (1736-1819م). بينما نرى أن "الجزري" رسم قبل 600 سنة في كتاب له، ما يشبه جهازًا بخاريًّا آليًّا (أوتوماتيكيًّا)، حيث استعمل الجزري في رسمه هذا -ولأول مرة- الصمام الذي يعد عنصرًا لا يستغنى عنه في أي وسيلة نقل يستخدم المحرك ويستعمل البخار أو البترول.

الغواصة الأولى:
من الشائع أن فكرة صنع وسيلة نقل تسير تحت الماء، تعود إلى "ليوناردو دافنشي" (1412-1519م). وفي سنة 1620م حاول العالم الفيزيائي الهولندي "درابل"، وكذلك حاول العالم الفيزيائي الفرنسي عام 1653م في تحقيق هذا الأمل، إلا أنهما فشلا. ومن المعروف أن أول غواصة تم صنعها من قبل العالم الأمريكي "ديفيد بوشْنَل" عام 1776م. والواقع أن "إبراهيم أفندي" قام عام 1719م، بصنع أول غواصة مصنوعة من الفولاذ تستطيع حمل الإنسان. واشترك هذا العالم بغواصته هذه في الأفراح التي أقيمت آنذاك بمناسبة ختان أحد الأمراء في إسطنبول.

كروية الأرض ودورانها حول الشمس:
قام العالم المسلم "البيروني" (973-1048م) الذي قرأ الكائنات في ضوء الآيات القرآنية، بتقديم حساباته العلمية إلى عالم العلم حول كروية الأرض ودورانها حول الشمس قبل "كوبرنيكوس" بخمسمائة عام. ولكن شبابنا لا يعرف هذا؛ لأن كوبرنيكوس قُدِّم إليهم على أنه هو المكتشف الأول في هذا الموضوع.

الدورة الدموية:
الشائع في أيامنا الحالية أن "ميشيل سيرفيتوس" هو الذي اكتشف الدورة الدموية في القرن السادس عشر. بينما كان الطبيب المسلم "ابن النفيس" (1208-1288م) قد رسم في كتابه منظومة الأوعية الدموية وأقسام القلب وحجراته بالتفصيل، وسرد وقدم المعلومات حول الدورة الدموية الصغرى والدورة الدموية الكبرى كلاًّ على حدة.

عملية التخدير الأولى:
قيل: إن "جونكن" قام عام 1850م بأول عملية تخدير. ولكن الحقيقة أن عملية التخدير قد اكتُشفت وطبّقت من قبل العالم المسلم "ابن قرّة" (835-902م). ولهذا العالم الذي ولد في بغداد بحوث عديدة ومهمة في الطب، وعلم الفلك، وعلم الميكانيكا.

الذرة:
الشائع حاليًا أن البحوث المتعلقة بالذرة بدأت من قبل العالم البريطاني "جون دالتون" (1766-1844م)، وأن فكرة إمكانية تجزئة نواة اليورانيوم طُرحت من قبل العالم الفيزيائي الألماني "أوتوهان" (1779-1868م). ولكن الحقيقة هي أن العالم المسلم "جابر بن حيان" (721-815م) الذي كان رئيس جامعة "حران" التي كانت تُعدُّ من أكبر المراكز العلمية، سجَّل في كتاب له معلومات لا تزال تدهش رجال العلم الحاليين. فقد قال: "إن أصغر جزء من المادة وهو الجزء الذي لا يتجزأ (الذرة) يحتوي على طاقة كثيفة. وليس من الصحيح أنه لا يتجزأ مثلما ادعى علماء اليونان القدامى، بل يمكن أن يتجزأ، وأن هذه الطاقة التي تنطلق من عملية التجزُّؤ هذه، يمكن أن تقلب مدينة بغداد عاليها سافلها. وهذه علامة من علامات قدرة الله تعالى".

مرض السل وعلاجه:
حتى خمسين سنة الماضية لم يكن يعرف علاج مرض السل الذي أودى بحياة العديد من الناس. والشائع أن العالم الألماني "روبرت كوخ" (1834-1910م) هو الذي اكتشف جرثومة السل وطرق علاج هذا المرض. ونظرًا لهذا الاكتشاف المهم فقد نال هذا العالم جائزة نوبل في الطب عام 1905م. ولكن الحقيقة أن العالم العثماني "عباس وسيم بن عبد الرحمن" (ت 1761م) كانت له بحوث مهمة حول الجرثومة التي تسبب هذا المرض، وحول طرق انتقاله، وطرق علاجه. وأثارت بحوثه هذه اهتمامًا كبيرًا في أوربا. وكان العلماء الأجانب يزورونه من حينٍ لآخر.

عملية إزالة عتمة عدسة العين (Cataract):
الشائع أن "بلانكت" هو أول من قام بعملية لإزالة عتمة عدسة العين في عام 1846م. ويشير القرآن الكريم إلى قصة يعقوب عندما ابيضت عيناه حزنًا على يوسف . وأن عينيه رجعتا طبيعية بعد أن ألقوا على وجهه قميص يوسف . وانطلاقًا من هذه القصة خطر على بال العالم المسلم "أبي القاسم عمار بن علي الموصلي" (950-1010م) الذي عاش في العراق وفي مصر، إمكانية إجراء عملية للعين وعلاجها من هذا المرض. فكتابه "كتاب المُنتخب" الذي خصصه لأمراض العين، أصبح أفضل مرجع في طب العيون في الغرب حتى القرن الثامن عشر. فإلى جانب الطرق العديدة في معالجة أمراض العيون، فقد قام بعملية لإزالة عتمة عدسة العين باستعمال أنبوب مجوف.

وكما جاء أعلاه، فإنَّ المسلمين ساهموا في إثراء العلوم التي تعد ميراثًا للإنسانية، ولا سيما في المدة المحصورة بين القرن الثامن والقرن السادس عشر.

وقد أشار الكثير من المختصين بتاريخ العلوم من المنصفين في الغرب أمثال "جركو ساتون" وبشكل مفصل، إلى إسهام هؤلاء العلماء المسلمين في مجال العلم، حيث يذكرون في كتبهم بأن "ثابت بن قرة" هو إقليدس المسلمين، وأن الخوارزمي سبق في علم الجبر إقليدس بألف عام. ويقولون عن جابر بن حيان بأنه مؤسس علم الكيمياء الحديث، وأن ابن الهيثم مؤسس علم البصريات ومؤسس علم الفيزياء التجريبـي، أما ابن سينا فهو عندهم أستاذ الأطباء، و"الجزري" هو مؤسس الهندسة الحديثة ومؤسس السيطرة الآلية.

أما "أولوغ بك" فهو عندهم عالم الفلك في القرن الخامس عشر، والمعمار العثماني "سنان" فيعدونه رئيس المهندسين والمعماريين، و"بيري رئيس" أعظم بحار في العالم. ويقولون عن الرازي بأنه العالم الكيميائي الذي درّس الغرب. كما استعملوا أوصافًا جميلة أخرى حول العلماء الآخرين. وفي عام 1950م قرر اتحاد هيئة علماء الفلك إطلاق أسماء العلماء الذين ساهموا في إغناء العلم على فوهات براكين القمر. فكان من بين هؤلاء العلماء؛ ثابت بن قرّة، أبو الوفا، أولوغ بك، علي كوشجو، جابر بن حيان، ابن الهيثم، البيروني، ابن سينا، ناصر الدين الطوسي، البطّاني، الفرغني، البيتروجي، الزرقاوي، والصوفي.

لقد أوردنا أعلاه بعض المكتشفات والمخترعات لبعض العلماء المسلمين قبل مئات الأعوام. ولا يُذكر هؤلاء العلماء ومكتشفاتهم في أغلب الكتب والمؤلفات، بل تُقدَّم على أنها مكتشفات علماء الغرب. وعندما نرى اليوم بعض شبابنا يحصلون على نجاحات كبيرة في المباريات العلمية العالمية، نزداد إيمانًا بأنه عندما تُقدم لهم الإمكانات، فإنهم سيساهمون في التطور كأجدادهم الأجلاء.

ابوالوليد المسلم 12-02-2020 03:49 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
عالم الجيولوجيا: أبو محمد الحسن الهمداني اليماني

(ت 334هـ / 945م)


أحمد جدوع رضا الهيتي

أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني.

عاش القرن التاسع الميلادي.

تحدث في كتابه "الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء" - أي: الذهب والفضة - عن كروية الأرض والجاذبية، وتفاعل المادة وتحوُّلها عبر الزمن، وعن الكون والوجود وعلاقته بالإنسان، بل وتفاعُل بعضها مع بعض وتكميل إحداهما الأخرى.

كما تحدث عن حركة الأرض وتكونها، وما يدور حولها من أفلاك وكواكب، وعما في باطنها من ديناميكيَّة وحركة، وتفاعل وانصهار، وتبخُّر للمواد ينتج عنها بالضرورة البراكين والجبال على سطح الأرض، وأنَّه إذا لم يُتمكَّن من خروج هذه المواد تتحوَّل إلى معادنَ هامة من ذهب وفضة وأحجار كريمة.

ابوالوليد المسلم 12-02-2020 04:00 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
من أعلام الجيولوجيا في العراق

محمد بن زكريا القزويني

(605 - 682هـ / 1208 - 1283م)

أحمد جدوع رضا الهيتي


عاش في القرن الثالث عشر الميلادي.

وتوفي سنة 682هـ.

كتَب عن الزلازل والينابيع والمياه الجوفية.


أما كتابه "عجائب المخلوقات، وغرائب الموجودات"، فيَشمل - ضمن محتوياته العديدةِ - دراسةً للحيوان والنبات ونظرية التطور.

ودراساته في هذه المواضيع دراساتُ عالمٍ أكثر منها دراسات أديب، وجمَع فيها كثيرًا من المعلومات، خاصة الطبِّية.

وجعل القزوينيُّ أبدان الحيوانات المائية إما صدَفيَّة صلبة، أو فلوسية، أو ما شاكلَهما في الغِطاء.



ابوالوليد المسلم 18-02-2020 05:14 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
الجيولوجي الدكتور رشدي سعيد


أحمد جدوع رضا الهيتي



من أبرز رجال علم الجيولوجيا العرب، ويُعتبَرُ الأبَ الروحيَّ لعلم الجيولوجيا بمصر، ولُقِّب بـ (أبي الجيولوجيا المصرية)، أحد أبرز خبراء الرَّيِّ، وأحد العارفين بأسرار نهر النيل، وكان أولَ مصريٍّ يحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد الأمريكية قبل أكثر من 60 عامًا، ومشروعه الأساسي الذي كرَّس له سنوات عمره هو "نهضة مصر والارتقاء بالإنسان المصري".

تولَّى منصبَ أستاذ بجامعة القاهرة، ثم تولَّى إدارة مؤسسة "التعدين والأبحاث الجيولوجية"، وساهم في الاكتشافات التعدينية التي مكَّنت مصر من التغلُّب على ما فقدته بعد احتلال سيناء، وقد كرَّمه الرئيس عبدالناصر، ثم حصل على جائزة الريادة لعام 2003 من الجمعية الأمريكية؛ تقديرًا لأعماله العلمية في مجال جيولوجيا مصر والشرق الأوسط.

التحق بكلية العلوم عام 1937، وتخرج فيها عام 1941 بمرتبة الشرف الأولى، ومن ثَمَّ عُيِّن معيدًا بالكلية، بدأ عمله بالتدريس داخل الكلية بعد عودته من بعثته العلمية بالمعهد العالي الاتحادي السويسري في زيورخ بسويسرا، وبمقابلته لعميد كلية العلوم في ذلك الوقت وافق على نقله إلى جامعة هارفارد الأمريكية؛ ليحصل على درجة الدكتوراه من هناك؛ كأول مصري يحصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد، وهي واحدة من أعظم الجامعات في العالم.

بدأ تميُّزُه العملي عندما اتصل رئيس شركة القصير للفوسفات بالدكتور علي مصطفى مشرفة - عميدِ كلية العلوم آنذاك - لترشيح جيولوجيٍّ متخصص لرئاسة الشركة، وقد قام باختيار الدكتور رشدي سعيد، ليبدأ حياته العملية، ويعيد تنظيم إدارة الشركة ليتضاعف دخلها عدة مرات، وفي سنة 1968 رأس مؤسسة "التعدين والأبحاث الجيولوجية" في الفترة من (1968 - 1977م)، ويُعدُّ أبرزَ مَن تولَّى إدارة المؤسسة، التي تولى بِناءها من الصفر، وحوَّلها لمؤسسة تستخدم أحدث الطرق العلمية في البحث والكشف عن ثروات مصر المعدنية، بعد أن كانت من مخلفات شركات القطاع الخاص عند تأميمها، فكان له دور كبير في تنمية هذه المؤسسة، إلى جانب دوره في الاكتشافات التعدينية، التي مكَّنت مصر من التغلب على ما فقدته بعد احتلال سيناء عام 1967، وطوَّر هيئة المساحة الجيولوجية لتصبح مركزًا علميًّا، وأضاف إلى مهامها دراسةَ وبناءَ المشروعات التعدينية.

واختار الدكتور رشدي سعيد تخصصًا نادرًا، وهو جيولوجيا مصر، وأصدر مجموعة من المراجع العلمية المتخصصة نالت إعجاب علماء العالم، وأصبح مُعترَفًا بها على المستويين: المحلي، والعالمي؛ وبذلك انتقل الدكتور رشدي سعيد من الجامعة إلى المجتمع، ومن العلم إلى الثقافة، حين استطاع أن يقتحم الموضوعات المسكوت عنها؛ مثل: نظام الحكم، وعَلاقة الحكومة بمؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب دوره في الاكتشافات التعدينية، التي مكَّنت مصر من التغلب على ما فقدته بعد احتلال سيناء.

وأُتيحت له فرصة العمل السياسي في فترة الستينيَّات والسبعينيَّات كعضو في مجلس الشعب وفي الاتحاد البرلماني الدولي.. ولم يجد أمامه طريقًا إلا تقديمَ استقالته، بعد أن تغيَّرت اهتمامات مصر، واضطر للهجرة خارج الوطن، وبَيْعِ مكتبتِه العلمية؛ ليستطيع الحياة في الولايات المتحدة، ولا يزال مشروع الدكتور رشدي الذي كرَّس له سنوات عمره - وهو "الارتقاء بالإنسان المصري" - مستمرًّا، ليس فقط من خلال أبحاثه ودراساته العلمية فحسب، بل أيضًا من خلال عالم الثقافة والتنوير، ونشر المنهج العقلاني الإنساني المتحرِّر من آفة التعصُّب والعنصرية، وهي السِّمات الأساسية في تكوين شخصيته، التي يدعو إليها بين كل المصريين.

وله إصدارات كثيرة، منها:
كتاب المنخريات في شمال البحر الأحمر Foraminifera of the northern Red Sea، كتاب جيولوجيا مصر The geology of Egypt، كتاب المسح الجيولوجي في مصر The geological survey of Egypt,، كتاب مذكرات تفسيرية مرافقة لخريطة مصر الجيولوجية Explanatory notes to accompany the geological map of Egypt، كتاب المنطقة الجيولوجية تحت سطح أرض القاهرة Subsurface geology of Cairo area، كتاب التقييم الجيولوجي لنهر النيل The geological evolution of the Nile River، كتاب نهر النيل The Nile river، كتاب الحقيقة والوهم في الواقع المصري، كتاب رحلة عمر، كتاب العلم والسياسة في مصر، له عددٌ كبير من المقالات حول التَّعْدِينِ والرَّيِّ والزراعة في مصر والمنطقة بوجه عام.

مذكرات الدكتور "رشدي السعيد" تحت عنوان رحلة عمر، اختار الجيولوجي الدكتور رشدي سعيد بلوغَه الثمانين عامًا مناسبةً لكتابة مذكراته، التي جاءت تحت عنوان: "رحلة عمر"، واتخذت لنفسها عنوانًا فرعيًّا هو: "ثروات مصر بين عبد الناصر والسادات"، ويَعرِضُ الدكتور رشدي سعيد أحد أهم جوانب مشاكل البحث العلمي في مصر، وهو: عدم القدرة على إقامة عَلاقات علمية متكافئة مع الأجانب، والجهل بأولويات البلاد، والخضوع للإغراءات، والاكتفاء بالشكلية عند إقامة مثل هذا النوع من العَلاقات بين غير الأنداد.

له العديد من الإسهامات، منها: اختار هذا العالم الفريدُ تخصصًا نادرًا، وهو "جيولوجيا مصر"، وأصدر كتابًا بهذا الاسم نال به إعجاب علماء العالم، وأصبح مرجعًا يُعترَفُ به على المستوى المحلي والعالمي، ساهم في الاكتشافات التعدينية التي مكنت مصر من التغلب على ما فقدته بعد احتلال سيناء.

تولَّى العديد من المناصب، كرَّمه الرئيس المصري في عام 1962؛ حيث سلَّمه "وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى"، حصل على جائزة الريادة لعام 2003 من الجمعية الأمريكية لجيولوجيا البترول؛ وذلك تقديرًا لأعماله العلمية في مجال جيولوجيا مصر والشرق الأوسط، التي وصفها بأنها فتحتْ آفاقًا جديدة لتطبيق هذا العلم في مجال البحث عن البترول في المنطقة.

شغَل منصب أستاذ بجامعة القاهرة في الفترة من 1950 حتى 1968، وتولَّى إدارة مؤسسة التعدين والأبحاث الجيولوجية في الفترة من 1968 - 1977، وأتيحت له فرصة العمل السياسي في فترة الستينيَّات والسبعينيَّات كعضو في مجلس الشعب وفي الاتحاد البرلماني الدولي.




ابوالوليد المسلم 20-02-2020 04:12 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
ترجمة الدكتور الجيولوجي إبراهيم الراوي


أحمد جدوع رضا الهيتي



من علماء الجيولوجيا في العراق

الدكتور إبراهيم الراوي



الدكتور إبراهيم الراوي:
حصل على شهادة البكالوريوس في الجيولوجيا من كلية العلوم جامعة بغداد.

ومِن ثَمَّ ابتُعث إلى المملكة المتحدة لإكمال دراسته العليا؛ حيث نال شهادة الدكتوراه من إحدى جامعات إنكلترا.

تدرج في العمل الوظيفي كجيولوجي في دائرة المسح الجيولوجي.

ومِن ثَمَّ انتقَل إلى وزارة الري؛ حيث تبوأ منصب رئيس مؤسسة المياه الجوفية.

بالإضافة إلى عمله خبيرًا في منظَّمة الفاو الدولية fao التابعة للأمم المتحدة.

ساهم في كتابة العديد من البحوث والتقارير، وأشرف على العديد من المشاريع خلال مسيرته العملية.




ابوالوليد المسلم 21-02-2020 04:44 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
ترجمة الدكتور الجيولوجي إبراهيم رشيد


أحمد جدوع رضا الهيتي




من علماء الجيولوجيا في العراق


الدكتور إبراهيم رشيد




حصل على شهادة البكالوريوس من قسم الجيولوجيا جامعة بغداد عام 1970، ومِن ثَمَّ ابتُعث إلى المملكة المتحدة لإكمال دراسته العليا؛ حيث حصل على شهادة الماجستير في اختصاص الجيولوجيا التطبيقية وهندسة المناجم والتعدين من جامعة Strathyclade - Glasgow - سكوتلاند عام 1974، وابتُعث مرة أخرى إلى المملكة المتحدة، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة St.Andrews في تخصُّص الجيوفيزياء عام 1989.



تدرج في العمل الوظيفي وتبوَّأ العديد من المناصب الإدارية المختلفة في الشركات الحكومية وفي وزارة النفط العراقية؛ منها: رئيس جيولوجيين أقدم في قسم المكامن النفطية - وزارة النفط، المدير العام ورئيس مجلس الإدارة لشركة الاستكشافات النفطية - وزارة النفط، مدير عام ورئيس مجلس الإدارة لشركة تعبئة الغاز - وزارة النفط، مدير عام شركة الحفر العراقية - وزارة النفط، مستشار في وزارة النفط العراقية، وشغل أيضًا منصب المدير العام لشركة Arab well logging التي تعود إلى منظمة الأوابك OAPEC، والتي تتَّخذ من العراق مقرًّا لها؛ حيث كانت تجهِّز الخدمات في مجال النفط وجس الآبار الكهربائي إلى شركات النفط العراقية، ومنذ سنة 2003 إلى سنة 2014 يعمل VP Exploration في مؤسسة ثاني الإماراتية للبترول، التي هي عبارة عن شركة نفطية تقوم بعمليات استكشاف النفط والغاز في مناطق غرب وشمال إفريقيا، غانا، ساحل العاج، تونس، مصر؛ حيث تولى مسؤولية تقدير وتقييم البلوكات المستكشفة في مناطق الشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا، قاد ووجه العديد من فرق حفر الآبار الاختبارية، وآبار اللباب الصخرية، وتطوير الكتل Blocks المكتشفة، وأجرى خلال عمله ثلاث عشرة دراسة لجميع البيانات الجيولوجية والمكمنية للشركة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى إجراء دراسة المكامن من أجل حساب كمية النفط في الموقع OIIP باستخدام برنامج: Crystal Ball, MonteCarlo، عمل شراكة مع شركة PERTAMINA النفطية الماليزية، وشركة SNPC الصينية، وشركة الحكومة المحلية، وتطوير العديد من الحقول النفطية الرئيسية في السودان، وزيادة الإنتاج النفطي إلى 300 ألف برميل يوميًّا؛ حيث إن له مساهمات في تطوير حقول السودان النفطية مع شركة ثاني الإماراتية وشركائها، شارك وأدار العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل المحلية والعالمية، نشر العديد من البحوث العلمية بمجال التعدين والمكامن النفطية والجيولوجيا التطبيقية بشكل عام، الآن يعمل كمستشار وخبير نفطي في مستشارية IAR للشركات العاملة في العراق والشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا.



ابوالوليد المسلم 21-02-2020 04:45 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
ترجمة الجيولوجي العراقي أحمد حافظ أحمد


أحمد جدوع رضا الهيتي






حصَل على شهادة البكالوريوس في الجيولوجيا من كلية العلوم جامعة بغداد سنة 1978.



بدأ مشواره الجيولوجي في شركة نفط الشمال؛ حيث عمل في استكشاف وتطوير معظم الآبار في شمالي العراق للفترة (1980 - 1997)، ثُمَّ انتقل إلى دائرة تطوير الحقول والمكامن النفطية - وزارة النفط؛ حيث عمل في الدراسات التي تتعلق بالمكامن النفطية الشمالية والجنوبية إلى عام 2007.



ثُمَّ عمل في دائرة العقود والتراخيص النفطية - وزارة النفط لمدة عامين، بعد ذلك عمل وكيل مدير قسم الدراسات الاقتصادية في دائرة تطوير الحقول والمكامن النفطية - وزارة النفط، ومنذ 2010 وإلى الآن يعمل كجيولوجي في قسم الحفر لنفس الدائرة.



حضر العديد من المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية في كوريا واليابان وروسيا وسوريا وماليزيا والأردن وتركيا، حاصل على عضوية نقابة الجيولوجيين العراقيين.



عضو في اللجنة التقنية مع شركة Exxon Mobile سنة 2006 النفطية، عضو في اللجنة التقنية مع شركة CNPC الصينية سنة 2008 للحفر الأفقي في حقل صفية النفطي، عضو اللجنة التقنية مع شركة ONGC سنة 2008 في حقل بدرة النفطي.



ابوالوليد المسلم 21-02-2020 04:46 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 
ترجمة الجيولوجي العراقي الأستاذ الدكتور أحمد شهاب البناء
أحمد جدوع رضا الهيتي









حصَل على شهادة البكالوريوس في الجيولوجيا من كلية العلوم / جامعة بغداد عام 1977.



وحصل على شهادة الماجستير في تخصُّص الجيوفيزياء الزلزالية عام 1979.



ونال شهادة الدكتوراه عام 1996 من الجامعة نفسها في التخصُّص نفسه.



عمل فترة قصيرة كتدريسي في قسم الجيولوجيا جامعة صلاح الدين، وعمل كجيوفيزيائي منذ العام 1983 وإلى 1989 في الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين.



انتقل منذ العام 1989 للعمل الأكاديمي؛ حيث عمل تدريسيًّا في كلية العلوم / جامعة بغداد.



شغل منصب رئيس قسم الجيولوجيا في جامعة بغداد، شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية.




نشر العديد من البحوث العلمية في مجال الجيوفيزياء الزلزالية والجذبية والكهربائية في العديد من المجلات العلمية الرصينة العراقية والعالمية، وركز في بحوثه أيضًا على النشاط الزلزالي في مناطق مختلفة من العراق، أشرف على العديد من طلبة الماجستير والدكتوراه، وشارك وترأس العديد من لجان مناقشة طلبة الماجستير والدكتوراه في مختلف الجامعات العراقية.



عضوٌ في عدد من النقابات والهيئات واللجان العلمية، الآن هو أستاذ الجيوفيزياء في قسم الجيولوجيا - جامعة بغداد.






ابوالوليد المسلم 25-02-2020 03:47 AM

رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
 

الإصطخري عالم يسبق عصره




قصة الإسلام



لعل من الصعوبة بمكان أن نختار عالمًا واحدًا من علماء الجغرافيا المسلمين لنتوقف أمام سيرته وإنجازاته توقفًا خاصًّا؛ ذلك أن عبقريات المسلمين في ذلك المجال كثيرة عددًا، غزيرة إنتاجًا، وواسعة سبقًا وريادةً..ومن ثَمَّ سنكتفي هنا بالتوقف أمام أحد أبرز عباقرة الجغرافيا المسلمين، وهو "أبو إسحاق الإصطخري".
وقد ولد الرحالةُ عالِمُ الأرضِ والجغرافيا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الإصطخري (الذي يُعْرَفُ في بعض الأحيان باسم الكرخي) بمدينة إصطخر، وهي مدينة برسيبوليس القديمة في بلاد فارس.
وعاش في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وإن كنا لا نعرف الكثير عن نشأته الأولى؛ فالموسوعات أو كتب تاريخ العلوم لم تحدد عام ميلاده، وكذلك لم تذكر شيئًا عن سيرة حياته.. إلا أنه كان رحالة زار الكثير من أقطار العالم الإسلامي؛ فقد زار أكثر أقطار آسيا حتى بلغ سواحل المحيط الهندي، ودخل الهند وتوفي بها بعد عام (340هـ/ 951م)[1].
وعن منهجه العلمي الذي اتبعه في كتابه "المسالك والممالك"، الذي يُعَدُّ من أشهر مؤلفاته، فإن "الإصطخري" يستعرض ذلك فيقول: "فإني ذكرت في كتابي هذا أقاليم الأرض على الممالك، وقصدت منها بلاد الإسلام، وتفصيل مدنها، وتقسيم ما يعود بالأعمال المجموعة إليها.. ولم أقصد الأقاليم السبعة التي عليها قسمة الأرض، بل جعلت كل قطعة أفردتها مفردة مصورة، ثم ذكرت ما يحيط به من الأماكن، وما في أصقاعه من المدن والبقاع المشهورة والبحار والأنهار، وما يحتاج إلى معرفة من جوامع ما يشتمل عليه ذكر الإقليم؛ لأن الغرض من كتابي هذا تصوير هذه الأقاليم التي لم يذكرها أحد علمته...".
وقد نهج "أبو إسحاق الإصطخري" منهجًا علميًّا يدل على قدرته الفائقة في تصوُّر شكل الأرض؛ فلم يتجاهل الناحية الفلكلورية أو الاقتصادية أو الإثنوغرافية!! (الإثنوغرافيا هو علم في وصف السلالات البشرية وعادات وأخلاق الشعوب)..
والحق أن هذه الطريقة التي سار عليها "الإصطخري" هي ذات الطريقة التي ينتهجها العلماء المعاصرون في مثل هذا النوع من الدراسات؛ وهو ألا تقتصر الدراسات الجغرافية على الجوانب الطبيعية فقط، دون التفات إلى الأبعاد الاقتصادية والثقافية والسلالية وغيرها مما يخص البشر الذين يحيون في هذه البقعة من الأرض.
كما يُحسَب للإصطخري أنه ركَّز على المدلول الجغرافي والسياسي والإداري، وتجنب النظريات التقليدية التي تنُصُّ على تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم، وأخذ كل إقليم بذاته كوحدة جغرافية مستقلة.
لقد فهم "الإصطخري" منهج علماء المسلمين في مجال علم الجغرافيا فهمًا جيدًا مُحكمًا، وطبَّقه في مؤلفاته بدقة واستنباط ذكي؛ وبهذا عَرَفَ أصول المنهج العلمي التجريبي القائم على القياس والاستقراء، والمستند إلى المشاهدة والتجربة والتمثيل.
وإضافةً إلى كل هذا فقد اشتهر أبو إسحاق الإصطخري بالإنصاف لمن سبقوه من علماء الجغرافيا، كما اتَّصف بالصدق والأمانة العلمية وتقوى الله، وهي صفات - كما ترى - نحن في أَمَسِّ الحاجة إليها في ميادين العلوم التجريبية وغيرها، وهي الصفات التي - كما رأينا من قبل كثيرًا - كانت تميِّز البحث العلمي في عصور الحضارة الإسلامية.. ولم تكن ثمار تلك الصفات مقصورة على الأمة الإسلامية، بل أفادت منها الإنسانية جمعاء.
مؤلفات الإصطخري
أما عن مؤلَّفات "الإصطخري" فإنه لم يكن صاحب مؤلفات كثيرة، وكل ما وصلنا من أعماله كتابان، هما: (صور الأقاليم)، والثاني (المسالك والممالك). ولعل تأثُّر "الإصطخري" واضح بعالم الجغرافيا السابق عليه "ابن خرداذبة" الذي ألَّف كتابًا بنفس العنوان (المسالك والممالك).
كذلك اعتمد على كتاب "البلخي" (تقويم البلدان)؛ فماثل "الإصطخري" كتاب البلخي في مخططه، ولكن بتوسع ومراجعة وتصحيح لكثير مما جاء فيه، وهذان المؤلفان للإصطخري يعدان من المراجع الأمهات في علم الجغرافيا بالأخص.
وقد كان اعتماده الأكبر في تصنيف مؤلَّفَيْهِ السابقَيْن على رحلاته العديدة في طلب العلم في شتى الآفاق الإسلامية؛ فجاء وصف تلك البلدان بإطناب، إضافة إلى تزيينه كتابه الأول (صور الأقاليم) بالخرائط والأشكال التوضيحية[2].
أما مؤلَّفُه الأشهر (المسالك والممالك) فقد ظل في معظم مكتبات العالم كمخطوط حتى جاءت سنة (1287هـ - 1870م) وطبعه المستشرق (دي خويه) في ليدن بهولندا، وقد أُعِيدَ طبعه بالصور سنة (1346هـ - 1927م)، وقام بتحقيقه محمد جابر عبد العال الحسيني سنة (1381هـ - 1961م) ونشرته وزارة الثقافة المصرية بالقاهرة آنذاك؛ ولعل ذلك كان السبب في انتشار الكتاب وتداوله من قِبَل القراء في جميع أنحاء المعمورة، ومنه عُرفت مكانة الإصطخري في ميدان علم الجغرافيا الإقليمية[3].
إنجازات الإصطخري
والحقيقة أن إنجازات الإصطخري في علم الجغرافيا كانت أكبر بكثير من أن ينظر إليها على أساس مؤلفاته.. فالإصطخري يُعَدُّ من أوائل العلماء الذين جمعوا بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا السكانية في كتبهم، وإذا كان قد اقتصر في مؤلفيه على وصف العالم الإسلامي، فقد قسَّمَهُ إلى عشرين إقليمًا، وكان يتحدث عن الإقليم لا بوصفه نطاقًا يضم عددًا من درجات خطوط العرض، ولكن بوصفه منطقة جغرافية واسعة، لها خصائصها الطبيعية والسكانية والثقافية والاقتصادية التي تُميِّزها.
وقد تحدث في البداية عن الرُّبع المعمور من الأرض وأبعاده.. ثم تحدَّث عن البحار.. ثم بدأ بوصف جزيرة العرب والخليج العربي مع المحيط الهندي.. ثم السند والهند وأنهار سجستان.. ثم المغرب مع الأندلس وصقلية.. ومصر مع بلاد الشام وبحر الروم والجزيرة.. وإيران الجنوبية والوسطي والشمالية مع أرمينيا وأذربيجان وبحر الخزر (قزوين).. ومدن برطس في تخوم البحر المذكور وأعمالها وكورها وجبالها وأنهارها وعمائرها.. ثم يختم بحثه أخيرًا بوصف بلاد ما وراء النهر (التركستان).
ويذكر "الإصطخري" عن كل قطر معلومات تتعلق بالحدود والمدن والمسافات وطرق الموأصلاًت، ويذكر تفاصيل متفرقة عن المحاصيل والتجارة والصناعة، وعن أجناس السكان، ولكن معظم التفاصيل تتعلق بالأقطار التي زارها[4].
وقد أولى "الإصطخري" عناية خاصة لموضوع المد والجزر؛ فله نظريات جزئية في هذا المضمار؛ مما يدل على طول باعه في علم الأنواء، والمعروف بين العلماء في الماضي أن علم الأنواء جزء لا يتجزأ من علم الجغرافيا.
ولا ننسى في حديثنا عن إنجازات "الإصطخري" أنه حاول بكل ما يملك أن يصحح الأخطاء الجغرافية التي وقع فيها علماء الجغرافيا السابقون له، واتخذ من الخرائط التي زخرت بها مؤلفاته وسيلة لشرح وإبراز الأفكار الجغرافية التصحيحية.. ومن أبرز تلك الخرائط (خريطة بحر قزوين) التي شهد المستشرقون بدقتها، كما ركز على طريقة المقارنة بين المدن[5].
إلى غير ذلك من الإنجازات المبدعة التي تحملك على الاعتقاد بأنك أمام سيرةٍ وإنجازات لعالِمٍ من القرن العشرين الميلادي (الخامس عشر الهجري)، إلا أنه كان يعيش بين علماء القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي)!!.
وقد عرف قدره المقدسي (ت 380هـ/ 990م) حين أُتيح له أن يرى بعض كتبه؛ فأكثر النقل عنه في (أخبار السند)، وقال يثني عليه: ".. ورأيت ببخارى مترجَمًا لإبراهيم بن محمد الفارسي (يعني الإصطخري)"، ثم يُعلِّق عليه بقوله: "..وهو كتاب قد أجاد أشكاله.."[6].
كما يُذكَر أن "أبا إسحاق الإصطخري" ساح العالم الإسلامي؛ لذا استفاد من رحلاته في تصنيف كتابه (المسالك والممالك) الذي يكتسب أهمية بالغة؛ إذ يعتبر رائدًا للكتب الإقليمية التي أُلِّفَتْ بعده في منهجه ومعلوماته وتبويبه[7].
فرحم الله عالمنا العظيم الإصطخري، ونسأل الله أن يهبنا أمثاله من العلماء الذين غيروا بجهودهم وعقولهم حركة التاريخ ومسيرة البشرية.
-------------------------------
[1] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص199.
[2] على بن عبد الله الدفاع: رواد علم الجغرافية في الحضارة العربية والإسلامية ص104، 105.
[3] محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص277،276.
[4] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص199.
[5] على بن عبد الله الدفاع: رواد علم الجغرافية في الحضارة العربية والإسلامية ص104.
[6] عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص199.
[7] على بن عبد الله الدفاع: رواد علم الجغرافية في الحضارة العربية والإسلامية ص103.




الساعة الآن : 08:10 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 371.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 369.30 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (0.48%)]