ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273185)

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:22 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(267)
الحلقة (281)
صــ 119إلى صــ 126




3546 - حدثني نصر بن علي الجهضمي ، قال : أخبرني أبي ، قال : حدثنا شعبة ، قال : ما لقيني - أيوب أو قال : ما لقيت أيوب - إلا سألني عن حديث قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : قلت لعبد الله : امرأة منا قد حجت ، أو هي تريد أن تحج ، أفتجعل مع حجها عمرة؟ فقال : ما أرى هؤلاء إلا أشهر الحج . قال : فيقول لي أيوب ومن عنده : مثل هذا الحديث حدثك قيس [ ص: 119 ] بن مسلم عن طارق بن شهاب أنه سأل عبد الله ؟ ! .

3547 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن ابن عون ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة . قال : فقيل له : العمرة في المحرم؟ فقال : كانوا يرونها تامة .

3548 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن ابن عون ، قال : سألت القاسم بن محمد عن العمرة في أشهر الحج ، قال : كانوا لا يرونها تامة .

3549 - حدثنا ابن بيان الواسطي ، قال : أخبرنا إسحاق عن عبد الله بن عون ، عن ابن سيرين أنه كان يستحب العمرة في المحرم ، قال : تكون في أشهر الحج ؟ قال : كانوا لا يرونها تامة .

3550 - حدثنا ابن بيان ، قال : حدثنا إسحاق ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، قال : قال ابن عمر للحكم بن الأعرج أو غيره : إن أطعتني انتظرت حتى إذا أهل المحرم خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة .

3551 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي يعقوب ، قال : سمعت ابن عمر يقول : لأن أعتمر في عشر ذي الحجة أحب إلي من أن أعتمر في العشرين .

3552 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : سألت ابن مسعود عن امرأة منا أرادت أن تجمع مع حجها عمرة ، فقال : أسمع الله يقول : " الحج أشهر معلومات " ما أراها إلا أشهر الحج .

3553 - حدثني أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا حزام القطعي ، قال : سمعت محمد بن سيرين يقول : ما أحد من أهل العلم شك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج . [ ص: 120 ]

ونظائر ذلك مما يطول باستيعاب ذكره الكتاب ، مما يدل على أن معنى قيل من قال : وقت الحج ثلاثة أشهر كوامل ، أنهن من غير شهور العمرة ، وأنهن شهور لعمل الحج دون عمل العمرة ، وإن كان عمل الحج إنما يعمل في بعضهن لا في جميعهن .

وأما الذين قالوا : تأويل ذلك : شوال ، وذو القعدة ، وعشر ذي الحجة ، فإنهم قالوا : إنما قصد الله جل ثناؤه بقوله : " الحج أشهر معلومات " إلى تعريف خلقه ميقات حجهم ، لا الخبر عن وقت العمرة . قالوا : فأما العمرة ، فإن السنة كلها وقت لها ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في بعض شهور الحج ، ثم لم يصح عنه بخلاف ذلك خبر . قالوا : فإذا كان ذلك كذلك ، وكان عمل الحج ينقضي وقته بانقضاء العاشر من أيام ذي الحجة ، علم أن معنى قوله : " الحج أشهر معلومات " إنما هو ميقات الحج ، شهران وبعض الثالث .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، قول من قال : إن معنى ذلك : الحج شهران وعشر من الثالث; لأن ذلك من الله خبر عن ميقات الحج ، ولا عمل للحج يعمل بعد انقضاء أيام منى ، فمعلوم أنه لم يعن بذلك جميع الشهر الثالث ، وإذا لم يكن معنيا به جميعه ، صح قول من قال : وعشر ذي الحجة .

فإن قال قائل : فكيف قيل : " الحج أشهر معلومات " وهو شهران وبعض الثالث؟

قيل : إن العرب لا تمتنع خاصة في الأوقات من استعمال مثل ذلك ، فتقول : " له اليوم يومان منذ لم أره" ، وإنما تعني بذلك : يوما وبعض آخر ، وكما قال جل ثناؤه : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) [ البقرة : 203 ] وإنما يتعجل في يوم ونصف . وقد يفعل الفاعل منهم الفعل في الساعة ، ثم يخرجه [ ص: 121 ] عاما على السنة والشهر ، فيقول : " زرته العام ، وأتيته اليوم" ، وهو لا يريد بذلك أن فعله أخذ من أول الوقت الذي ذكره إلى آخره ، ولكنه يعني أنه فعله إذ ذاك ، وفي ذلك الحين ، فكذلك" الحج أشهر" ، والمراد منه : الحج شهران وبعض آخر .

فمعنى الآية إذا : ميقات حجكم أيها الناس شهران وبعض الثالث ، وهو شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن فرض فيهن الحج )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فمن فرض فيهن الحج " ، فمن أوجب الحج على نفسه وألزمها إياه فيهن - يعني : في الأشهر المعلومات التي بينها . وإيجابه إياه على نفسه ، العزم على عمل جميع ما أوجب الله على الحاج عمله ، وترك جميع ما أمره الله بتركه .

وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي يكون به الرجل فارضا الحج ، بعد إجماع جميعهم ، على أن معنى" الفرض" : الإيجاب والإلزام .

فقال بعضهم : فرض الحج الإهلال .

ذكر من قال ذلك :

3554 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا ورقاء ، عن عبد الله المدني بن دينار ، عن ابن عمر قوله : " فمن فرض فيهن الحج " قال : من أهل بحج .

3555 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : [ ص: 122 ] أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن العلاء بن المسيب ، عن عطاء ، قال : التلبية .

3556 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران وحدثنا علي ، قال : حدثنا زيد ، جميعا عن سفيان الثوري : " فمن فرض فيهن الحج " قال : فالفريضة الإحرام ، والإحرام التلبية .

3557 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن إبراهيم - يعني ابن مهاجر - ، عن مجاهد : " فمن فرض فيهن الحج " قال : الفريضة : التلبية .

3558 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر : " فمن فرض فيهن الحج " قال : أهل .

3559 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا شريك ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الفرض التلبية ، ويرجع إن شاء ما لم يحرم .

3560 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن فرض فيهن الحج " قال : الفرض : الإهلال .

3561 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فمن فرض فيهن الحج " قال : التلبية .

3562 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم ، قال : حدثنا أبو عمرو الضرير ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن جبر بن حبيب ، قال : سألت القاسم بن محمد عن : " من فرض فيهن الحج" ، قال : إذا اغتسلت ولبست ثوبك ولبيت ، فقد فرضت الحج . [ ص: 123 ]

وقال آخرون : فرض الحج إحرامه .

ذكر من قال ذلك :

3563 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فمن فرض فيهن الحج " يقول : من أحرم بحج أو عمرة .

3564 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم قالوا جميعا : حدثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : " فمن فرض فيهن الحج " قال : فمن أحرم - واللفظ لحديث ابن بشار .

3565 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك والحسن بن صالح ، عن ليث ، عن عطاء ، قال : الفرض : الإحرام .

3566 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا الحجاج ، عن عطاء وبعض أشياخنا عن الحسن في قوله : " فمن فرض فيهن الحج " قالا فرض الحج الإحرام .

3567 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فمن فرض فيهن الحج " فهذا عند الإحرام .

3568 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا حسين بن عقيل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الفرض الإحرام .

3569 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا [ ص: 124 ] حسين بن عقيل الخراساني ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول ، فذكر مثله .

3570 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، قال : أخبرنا المغيرة ، عن إبراهيم : " فمن فرض فيهن الحج " قال : من أحرم .

قال أبو جعفر : وهذا القول الثاني يحتمل أن يكون بمعنى ما قلنا من أن يكون الإحرام - كان عند قائله - الإيجاب بالعزم ، ويحتمل أن يكون كان عنده بالعزم والتلبية ، كما قال القائلون القول الأول .

وإنما قلنا : إن فرض الحج الإحرام ، لإجماع الجميع على ذلك . وقلنا : إن الإحرام هو إيجاب الرجل ما يلزم المحرم أن يوجبه على نفسه ، على ما وصفنا آنفا ؛ لأنه لا يخلو القول في ذلك من أحد أمور ثلاثة :

إما أن يكون الرجل غير محرم إلا بالتلبية وفعل جميع ما يجب على الموجب الإحرام على نفسه فعله ، فإن يكن ذلك كذلك ، فقد يجب أن لا يكون محرما إلا بالتجرد للإحرام ، وأن يكون من لم يكن له متجردا فغير محرم . وفي إجماع الجميع على أنه قد يكون محرما وإن لم يكن متجردا من ثيابه ، بإيجابه الإحرام ما يدل على أنه قد يكون محرما وإن لم يلب ، إذ كانت التلبية بعض مشاعر الإحرام ، كما التجرد له بعض مشاعره . وفي إجماعهم على أنه قد يكون محرما بترك بعض مشاعر حجه ، ما يدل على أن حكم غيره من مشاعره حكمه .

أو يكون - إذ فسد هذا القول - قد يكون محرما وإن لم يلب ولم يتجرد ولم يعزم العزم الذي وصفنا . وفي إجماع الجميع على أنه لا يكون محرما من لم يعزم على الإحرام ويوجبه على نفسه ، إذا كان من أهل التكليف ، ما ينبئ عن فساد هذا القول .

وإذ فسد هذان الوجهان فبينة صحة الوجه الثالث ، وهو أن الرجل قد يكون [ ص: 125 ] محرما بإيجابه الإحرام بعزمه على سبيل ما بينا ، وإن لم يظهر ذلك بالتجرد والتلبية وصنيع بعض ما عليه عمله من مناسكه . وإذا صح ذلك صح ما قلنا من أن فرض الحج ، هو ما قرن إيجابه بالعزم ، على نحو ما بينا قبل .
القول في تأويل قوله تعالى ( فلا رفث )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى" الرفث" في هذا الموضع ،

فقال بعضهم : هو الإفحاش للمرأة في الكلام ، وذلك بأن يقول : " إذا حللنا فعلت بك كذا وكذا" ، لا يكني عنه ، وما أشبه ذلك .

ذكر من قال ذلك :

3571 - حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ويونس قالا حدثنا سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سألت ابن عباس عن الرفث في قول الله : " فلا رفث ولا فسوق " قال : هو التعريض بذكر الجماع ، وهي"العرابة" من كلام العرب ، وهو أدنى الرفث .

3572 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن روح بن القاسم ، [ ص: 126 ] عن ابن طاوس في قوله : " فلا رفث " قال : الرفث : العرابة والتعريض للنساء بالجماع .

3573 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن عون ، قال : حدثنا زياد بن حصين ، قال : حدثني أبي حصين بن قيس ، قال : أصعدت مع ابن عباس في الحاج ، وكنت له خليلا فلما كان بعدما أحرمنا قال ابن عباس ، فأخذ بذنب بعيره ، فجعل يلويه ، وهو يرتجز ويقول :


وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا


قال : فقلت : أترفث وأنت محرم؟ قال : إنما الرفث ما قيل عند النساء .

3574 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن رجل ، عن أبي العالية الرياحي ، عن ابن عباس أنه كان يحدو وهو محرم ، ويقول :


وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا


قال : قلت : تتكلم بالرفث وأنت محرم؟ قال : إنما الرفث ما قيل عند النساء .

3575 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول : الرفث إتيان النساء ، والتكلم بذلك للرجال والنساء ، إذا ذكروا ذلك بأفواههم .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:25 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(268)
الحلقة (282)
صــ 127إلى صــ 134



3576 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي ، مثله . [ ص: 127 ]

3577 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أيحل للمحرم أن يقول لامرأته : " إذا حللت أصبتك" ؟ قال : لا ، ذاك الرفث . قال : وقال عطاء : الرفث ما دون الجماع .

3578 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش .

3579 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : قول الرجل لامرأته : " إذا حللت أصبتك" ، قال : ذاك الرفث ! .

3580 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن زيادة بن حصين ، عن أبي العالية ، قال : كنت أمشي مع ابن عباس وهو محرم ، وهو يرتجز ويقول :


وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا


قال : قلت : أترفث يا ابن عباس وأنت محرم ؟ قال : إنما الرفث ما روجع به النساء .

3581 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا سفيان ويحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنا ابن الزبير السبائي وعطاء : أنه سمع طاوسا قال : سمعت ابن الزبير يقول : لا يحل للمحرم الإعرابة . فذكرته لابن عباس ، فقال : صدق! قلت لابن عباس : وما الإعراب ؟ قال : التعريض .

3582 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا يحيى ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني الحسن بن مسلم ، عن طاوس أنه كان يقول : لا يحل للمحرم [ ص: 128 ] الإعرابة . قال طاوس : والإعرابة : أن يقول وهو محرم : " إذا حللت أصبتك" .

3583 - حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا فطر ، عن زياد بن حصين ، عن أبي العالية ، قال : لا يكون رفث إلا ما واجهت به النساء .

3584 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن عطاء قال : كانوا يكرهون الإعرابة - يعني التعريض بذكر الجماع - وهو محرم .

3585 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس أنه سمع أباه أنه كان يقول : لا تحل الإعرابة . "والإعرابة " التعريض .

3586 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سألت ابن عباس عن قول الله تعالى : " فلا رفث " قال : الرفث الذي ذكر ههنا ، ليس بالرفث الذي ذكر في : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) [ البقرة : 187 ] ومن" الرفث" ، التعريض بذكر الجماع ، وهي الإعرابة بكلام العرب .

3587 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا أبو معاوية : قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء : أنه كره التعريب للمحرم .

3588 - حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، قال : [ ص: 129 ] أخبرني ابن طاوس أن أباه كان يقول : الرفث : الإعرابة مما وراه من شأن النساء ، والإعرابة : الإيضاح بالجماع .

3589 - حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، قال : حدثنا الحسن بن مسلم أنه سمع طاوسا يقول : لا يحل للمحرم الإعرابة .

3590 - حدثني علي بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " فلا رفث " قال : الرفث : غشيان النساء والقبل والغمز ، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك .

3591 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد قال : كان ابن عمر يقول للحادي : لا تعرض بذكر النساء .

3592 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر وابن جريج ، عن ابن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الرفث في"الصيام " : الجماع ، والرفث في"الحج " الإعرابة . وكان يقول : الدخول والمسيس الجماع .

وقال آخرون : "الرفث" في هذا الموضع : الجماع نفسه .

ذكر من قال ذلك :

3593 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن خصيف ، عن مقسم ، قال : الرفث : الجماع .

3594 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، مثله . [ ص: 130 ]

3595 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : الرفث : إتيان النساء .

3596 - حدثنا عبد الحميد قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، قال : سألت ابن عباس عن الرفث ، فقال : الجماع .

3597 - حدثنا عبد الحميد ، قال : حدثنا إسحاق ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : الرفث : هو الجماع ، ولكن الله كريم يكني عما شاء .

3598 - حدثنا عبد الحميد ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن زياد بن حصين ، عن أبي العالية قال : سمعت ابن عباس يرتجز وهو محرم ، يقول :


خرجن يسرين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا


قال شريك : "ألا إنه لم يكن عن الجماع" - لميسا . فقلت : أليس هذا الرفث؟ قال : لا إنما الرفث : إتيان النساء والمجامعة .

3599 - حدثنا عبد الحميد ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن عون ، عن زياد بن حصين ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس بنحوه - إلا أن عونا صرح به .

3600 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن بكر ، عن ابن عباس ، قال : الرفث الجماع .

3601 - حدثنا عبد الحميد ، قال : حدثنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قوله : " فلا رفث " قال : الرفث إتيان النساء . [ ص: 131 ]

3602 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن في قوله : " فلا رفث " ، قال : الرفث : غشيان النساء .

3603 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عمرو بن دينار : الرفث : الجماع فما دونه من شأن النساء .

3604 - حدثنا عبد الحميد ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار بنحوه .

3605 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء في قوله : " فلا رفث " قال : الرفث الجماع .

3606 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن مجاهد : " فلا رفث " ، قال : الرفث الجماع .

3607 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد ، عن قتادة في قوله : " فلا رفث " قال : كان قتادة يقول : الرفث : غشيان النساء .

3608 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة مثله .

3609 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الرفث : الجماع .

3610 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ، قال : الرفث : الجماع .

3611 - حدثنا أحمد ، حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : الرفث : الجماع .

3612 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، قال : الرفث : المجامعة . [ ص: 132 ]

3613 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فلا رفث " فلا جماع .

3614 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فلا رفث " قال : الرفث : الجماع .

3615 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فلا رفث " قال : جماع النساء .

3616 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " فلا رفث " قال : الرفث : الجماع .

3617 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : الرفث : الجماع .

3618 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : الرفث الجماع .

3619 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يحيى بن بشر ، عن عكرمة قال : الرفث : الجماع .

3620 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة ، قال : الرفث : الجماع .

3621 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن حسين بن عقيل وحدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق قالا أخبرنا حسين بن عقيل ، عن الضحاك ، قال : الرفث : الجماع .

3622 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : [ ص: 133 ] أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، مثله - قال : وأخبرنا عبد الملك ، عن عطاء ، مثله .

3623 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن وأخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قالا مثل ذلك .

3624 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين - وأخبرنا مغيرة ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

3625 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الرفث : النكاح .

3626 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثني ثوير ، قال : سمعت ابن عمر يقول الرفث : الجماع .

3627 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الرفث : غشيان النساء قال معمر : وقال مثل ذلك الزهري عن قتادة .

3628 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الرفث : إتيان النساء ، وقرأ : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) [ البقرة : 187 ]

3629 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : " فلا رفث" قال : الرفث : الجماع .

3630 - حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، مثله .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن الله جل ثناؤه نهى - من فرض الحج في أشهر الحج - عن الرفث ، فقال : " فمن فرض فيهن الحج فلا رفث " . و"الرفث" في كلام العرب : أصله الإفحاش في المنطق على ما قد [ ص: 134 ] بينا فيما مضى ، ثم تستعمله في الكناية عن الجماع . فإذ كان ذلك كذلك ، وكان أهل العلم مختلفين في تأويله ، وفي هذا النهي من الله عن بعض معاني"الرفث" أم عن جميع معانيه؟ - وجب أن يكون على جميع معانيه ، إذ لم يأت خبر بخصوص"الرفث" الذي هو بالمنطق عند النساء من سائر معاني"الرفث" يجب التسليم له ، إذ كان غير جائز نقل حكم ظاهر آية إلى تأويل باطن إلا بحجة ثابتة .

فإن قال قائل : إن حكمها من عموم ظاهرها إلى الباطن من تأويلها ، منقول بإجماع . وذلك أن الجميع لا خلاف بينهم في أن"الرفث" عند غير النساء غير محظور على محرم ، فكان معلوما بذلك أن الآية معني بها بعض"الرفث" دون بعض . وإذا كان ذلك كذلك ، وجب أن لا يحرم من معاني"الرفث" على المحرم شيء إلا ما أجمع على تحريمه عليه ، أو قامت بتحريمه حجة يجب التسليم لها .

قيل : إن ما خص من الآية فأبيح ، خارج من التحريم ، والحظر ثابت لجميع ما لم تخصصه الحجة من معنى"الرفث" بالآية ، كالذي كان عليه حكمه لو لم يخص منه شيء ؛ لأن ما خص من ذلك وأخرج من عمومه إنما لزمنا إخراج حكمه من الحظر بأمر من لا يجوز خلاف أمره ، فكان حكم ما شمله معنى الآية - بعد الذي خص منها - على الحكم الذي كان يلزم العباد فرضه بها لو لم يخصص منها شيء ؛ لأن العلة فيما لم يخصص منها بعد الذي خص منها ، نظير العلة فيه قبل أن يخص منها شيء .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:28 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(269)
الحلقة (283)
صــ 135إلى صــ 142


[ ص: 135 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا فسوق )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى"الفسوق " ، التي نهى الله عنها في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هي المعاصي كلها .

ذكر من قال ذلك :

3631 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال الفسوق : المعاصي .

3632 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء : " ولا فسوق " ، قال : الفسوق المعاصي .

3633 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : الفسوق : المعاصي كلها ، قال الله تعالى : ( وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ) [ البقرة : 282 ]

3634 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا إسحاق ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، مثله .

3635 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن في قوله : " ولا فسوق " ، قال : الفسوق المعاصي .

3636 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا إسحاق ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : الفسوق : المعصية .

3637 - حدثنا عبد الحميد ، قال : حدثنا إسحاق ، عن أبي بشر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الفسوق : المعاصي كلها .

3638 - حدثني يعقوب قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن روح بن القاسم ، [ ص: 136 ] عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " ولا فسوق " ، قال : الفسوق : المعاصي .

3639 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : " ولا فسوق " قال : الفسوق المعاصي كلها .

3640 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، جميعا عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : " ولا فسوق " ، قال : الفسوق المعاصي .

3641 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا فسوق " قال : المعاصي .

3642 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3643 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، قال : الفسوق المعاصي قال : وقال مجاهد مثل قول سعيد .

3644 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : الفسوق المعاصي .

3645 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ولا فسوق " ، قال : الفسوق : عصيان الله .

3646 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " ولا فسوق " قال : الفسوق المعاصي .

3647 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : الفسوق المعاصي .

3648 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري وقتادة وابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . [ ص: 137 ]

3649 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا الحجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : " ولا فسوق " قال : المعاصي قال : وأخبرنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .

3650 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

3651 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة ، مثله .

3652 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يحيى بن بشر ، عن عكرمة قال : الفسوق معصية الله ، لا صغير من معصية الله .

3653 - حدثني علي بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " ولا فسوق " قال : الفسوق : معاصي الله كلها .

3654 - حدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الفسوق : المعاصي . وقال مثل ذلك الزهري وقتادة .

وقال آخرون : بل "الفسوق" في هذا الموضع : ما عصي الله به في الإحرام مما نهى عنه فيه ، من قتل صيد ، وأخذ شعر ، وقلم ظفر ، وما أشبه ذلك مما خص الله به الإحرام ، وأمر بالتجنب منه في خلال الإحرام .

ذكر من قال ذلك :

3655 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس أن [ ص: 138 ] نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول : الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم .

3656 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : الفسوق : ما أصيب من معاصي الله به ، صيد أو غيره .

وقال آخرون : بل"الفسوق" في هذا الموضع : السباب .

ذكر من قال ذلك :

3657 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : الفسوق : السباب .

3658 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الفسوق : السباب .

3659 - حدثني أحمد بن حازم الغفاري ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا ثوير ، قال : سمعت ابن عمر يقول : الفسوق : السباب .

3660 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام عن عمرو ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن مجاهد : " ولا فسوق" ، قال : الفسوق السباب .

3661 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " ولا فسوق" ، قال : أما الفسوق : فهو السباب .

3662 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا خالد ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الفسوق السباب .

3663 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا معلى ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن موسى بن عقبة ، قال : سمعت عطاء بن يسار يحدث نحوه .

3664 - حدثنا القاسم ، قال : حدثني الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : [ ص: 139 ] أخبرنا يونس ، عن الحسن قال : وأخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قالا الفسوق السباب .

3665 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : الفسوق : السباب .

3666 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : " ولا فسوق " قال : الفسوق : السباب .

3667 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور عن إبراهيم ، مثله .

وقال آخرون : "الفسوق" : الذبح للأصنام .

ذكر من قال ذلك :

3668 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في"الفسوق" : الذبح للأنصاب ، وقرأ : ( أو فسقا أهل لغير الله به ) [ الأنعام : 145 ] فقطع ذلك أيضا ، قطع الذبح للأنصاب بالنبي صلى الله عليه وسلم ، حين حج فعلم أمته المناسك .

وقال آخرون : "الفسوق" : التنابز بالألقاب .

ذكر من قال ذلك :

3669 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا حسين بن عقيل ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول ، فذكر مثله .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرنا بتأويل الآية في ذلك ، قول من [ ص: 140 ] قال : معنى قوله : " ولا فسوق " النهي عن معصية الله في إصابة الصيد ، وفعل ما نهى الله المحرم عن فعله في حال إحرامه .

وذلك أن الله جل ثناؤه قال : " فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق " ، يعني بذلك : فلا يرفث ، ولا يفسق ، أي لا يفعل ما نهاه الله عن فعله في حال إحرامه ، ولا يخرج عن طاعة الله في إحرامه . وقد علمنا أن الله جل ثناؤه قد حرم معاصيه على كل أحد ، محرما كان أو غير محرم ، وكذلك حرم التنابز بالألقاب في حال الإحرام وغيرها بقوله : ( ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ) [ الحجرات : 11 ] وحرم على المسلم سباب أخيه في كل حال ، فرض الحج أو لم يفرضه .

فإذ كان ذلك كذلك ، فلا شك أن الذي نهى الله عنه العبد من الفسوق في حال إحرامه وفرضه الحج ، هو ما لم يكن فسوقا في حال إحلاله وقبل إحرامه بحجه ، كما أن"الرفث" الذي نهاه عنه في حال فرضه الحج ، هو الذي كان له مطلقا قبل إحرامه ؛ لأنه لا معنى لأن يقال فيما قد حرم الله على خلقه في كل الأحوال : "لا يفعلن أحدكم في حال الإحرام ما هو حرام عليه فعله في كل حال" . لأن خصوص حال الإحرام به لا وجه له ، وقد عم به جميع الأحوال من الإحلال والإحرام .

فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذي نهي عنه المحرم من "الفسوق" فخص به حال إحرامه ، وقيل له : " إذا فرضت الحج فلا تفعله" ، هو الذي كان له مطلقا قبل حال فرضه الحج ، وذلك هو ما وصفنا وذكرنا أن الله جل ثناؤه خص بالنهي عنه المحرم في حال إحرامه مما نهاه عنه : من الطيب ، واللباس ، والحلق ، وقص الأظفار ، وقتل الصيد ، وسائر ما خص الله بالنهي عنه المحرم في حال إحرامه . [ ص: 141 ]

فتأويل الآية إذا : فمن فرض الحج في أشهر الحج فأحرم فيهن ، فلا يرفث عند النساء فيصرح لهن بجماعهن ، ولا يجامعهن ، ولا يفسق بإتيان ما نهاه الله في حال إحرامه بحجه ، من قتل صيد ، وأخذ شعر ، وقلم ظفر ، وغير ذلك مما حرم الله عليه فعله وهو محرم .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا جدال في الحج )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : النهي عن أن يجادل المحرم أحدا .

ثم اختلف قائلو هذا القول .

فقال بعضهم : نهى عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه .

ذكر من قال ذلك :

3670 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : " ولا جدال في الحج " ، قال : أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

3671 - حدثنا عبد الحميد ، قال : حدثنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، قال : سألت ابن عباس عن "الجدال" ، فقال : أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

3672 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

3673 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن عبد الملك بن سليمان ، عن عطاء ، قال : الجدال : أن يماري الرجل أخاه حتى يغضبه . [ ص: 142 ]

3674 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير : " ولا جدال في الحج " قال : أن تمحن صاحبك حتى تغضبه .

3675 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن شعيب بن خالد ، عن سلمة بن كهيل ، قال : سألت مجاهدا عن قوله : " ولا جدال في الحج " ، قال : أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

3676 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا إسحاق ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار قال : الجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

3677 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، قال : الجدال : المراء .

3678 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الجدال : أن تجادل صاحبك حتى تغضبه .

3679 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، قال : الجدال : أن تصخب [ على ] صاحبك .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:31 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(270)
الحلقة (284)
صــ 143إلى صــ 150





3680 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " ولا جدال في الحج" قال : المراء . [ ص: 143 ]

3681 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق وحدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم قالا حدثنا حسين بن عقيل ، عن الضحاك قال : الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

3682 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا واقد الخلقاني ، عن عطاء ، قال : أما الجدال : فتماري صاحبك حتى تغضبه .

3683 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : الجدال : المراء ، أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

3684 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا المعلى بن أسد ، قال : حدثنا خالد ، عن المغيرة ، عن إبراهيم قال : الجدال المراء .

3685 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا المعلى ، قال : حدثنا عبد العزيز ، عن موسى بن عقبة ، قال : سمعت عطاء بن يسار يحدث نحوه .

3686 - حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن أبي جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم بمثله .

3687 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : الجدال : أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبوا .

3688 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن [ ص: 144 ] يحيى بن بشر ، عن عكرمة : " ولا جدال " الجدال الغضب ، أن تغضب عليك مسلما ، إلا أن تستعتب مملوكا فتعظه من غير أن تغضبه ، ولا إثم عليك إن شاء الله تعالى في ذلك .

3689 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثني أبي ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة ، قال : الجدال : أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو تغضبه .

3690 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري وقتادة قالا الجدال هو الصخب والمراء وأنت محرم .

3691 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : الجدال ما أغضب صاحبك من الجدل .

3692 - حدثني علي ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " ولا جدال في الحج " ، قال : الجدال : المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك ، فنهى الله عن ذلك .

3693 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن خصيف ، عن مقسم عن ابن عباس ، قال : الجدال : أن تماري صاحبك حتى تغضبه .

3694 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : الجدال : المراء .

3695 - حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري وقتادة قالا هو الصخب والمراء وأنت محرم . [ ص: 145 ]

3696 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : " ولا جدال في الحج " ، كانوا يكرهون الجدال .

وقال آخرون منهم : "الجدال" في هذا الموضع ، معناه : السباب .

ذكر من قال ذلك :

3697 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول : الجدال في الحج : السباب والمراء والخصومات .

3698 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : الجدال : السباب والمنازعة .

3699 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الجدال : السباب .

3700 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد وحدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، جميعا عن سعيد ، عن قتادة ، قال : الجدال : السباب .

وقال آخرون منهم : بل عنى بذلك خاصا من الجدال والمراء ، وإنما عنى الاختلاف في من هو أتم حجا من الحجاج .

ذكر من قال ذلك :

3701 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : "الجدال" ، كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء : "حجنا أتم من حجكم!" ، وقال هؤلاء : "حجنا أتم من حجكم!" . [ ص: 146 ]

وقال آخرون منهم : بل ذلك اختلاف كان يكون بينهم في اليوم الذي فيه الحج ، فنهوا عن ذلك .

ذكر من قال ذلك :

3702 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن جبر بن حبيب ، عن القاسم بن محمد أنه قال : الجدال في الحج أن يقول بعضهم : "الحج اليوم!" ، ويقول بعضهم : "الحج غدا ! .

وقال آخرون : بل اختلافهم ذلك في أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم .

ذكر من قال ذلك :

3703 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا جدال في الحج " ، قال : كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون ، كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم . فقطعه الله حين أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بمناسكهم .

وقال آخرون : بل قوله جل ثناؤه : " ولا جدال في الحج " ، خبر من الله تعالى عن استقامة وقت الحج على ميقات واحد لا يتقدمه ولا يتأخره ، وبطول فعل النسيء .

ذكر من قال ذلك :

3704 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن مجاهد في قوله : " ولا جدال في الحج " ، قال : قد استقام الحج ولا جدال فيه . [ ص: 147 ]

3705 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : أخبرنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ولا جدال في الحج " ، قال : لا شهر ينسأ ، ولا شك في الحج ، قد بين . كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون : "صفران" لصفر وشهر ربيع الأول ، ثم يقولون : " شهرا ربيع" لشهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ، ثم يقولون : "جماديان" لجمادى الآخرة ولرجب ، ثم يقولون لشعبان : "رجب" ، ثم يقولون لرمضان : "شعبان" ، ثم يقولون لشوال : "رمضان" ، ويقولون لذي القعدة : "شوال" ، ثم يقولون لذي الحجة : "ذا القعدة" ، ثم يقولون للمحرم : "ذا الحجة" ، فيحجون في المحرم . ثم يأتنفون فيحسبون على ذلك عدة مستقبلة على وجه ما ابتدءوا ، فيقولون : "المحرم وصفر وشهرا ربيع" ، فيحجون في المحرم ليحجوا في كل سنة مرتين ، فيسقطون شهرا آخر ، فيعدون على العدة الأولى ، فيقولون : "صفران ، وشهرا ربيع" نحو عدتهم في أول ما أسقطوا .

3706 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .

3707 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : صاحب النسيء الذي ينسأ لهم أبو ثمامة رجل من بني كنانة .

3708 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا ابن إسحاق ، عن أبي بشر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا جدال في الحج " قال : لا شبهة في الحج ، قد بين الله أمر الحج .

3709 - حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي " ولا جدال في الحج " ، قال : قد استقام أمر الحج فلا تجادلوا فيه .

3710 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن [ ص: 148 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولا جدال في الحج " قال : لا شهر ينسأ ، ولا شك في الحج قد بين .

3711 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن العلاء بن عبد الكريم ، عن مجاهد : " ولا جدال في الحج " ، قال : قد علم وقت الحج ، فلا جدال فيه ولا شك .

3712 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز والعلاء ، عن مجاهد ، قال : هو شهر معلوم لا تنازع فيه .

3713 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سالم ، عن مجاهد : " ولا جدال في الحج " ، قال : لا شك في الحج .

3714 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : " ولا جدال في الحج " قال : المراء بالحج .

3715 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، " ولا جدال في الحج " ، فقد تبين الحج . قال : كانوا يحجون في ذي الحجة عامين ، وفي المحرم عامين ، ثم حجوا في صفر عامين . وكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين ، ثم وافقت حجة أبي بكر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة ، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة ، فذلك حين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " .

3716 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : " ولا جدال في الحج " قال : بين الله أمر الحج ومعالمه فليس فيه كلام .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في قوله : " ولا جدال في الحج" بالصواب ، [ ص: 149 ] قول من قال : معنى ذلك : قد بطل الجدال في الحج ووقته ، واستقام أمره ووقته على وقت واحد ، ومناسك متفقة غير مختلفة ، ولا تنازع فيه ولا مراء . وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن وقت الحج أشهر معلومات ، ثم نفى عن وقته الاختلاف الذي كانت الجاهلية في شركها تختلف فيه .

وإنما اخترنا هذا التأويل في ذلك ، ورأيناه أولى بالصواب مما خالفه ، لما قد قدمنا من البيان آنفا في تأويل قوله : " ولا فسوق " ، أنه غير جائز أن يكون الذي خص بالنهي عنه في تلك الحال [ إلا ما هو ] مطلق مباح في الحال التي يخالفها ، وهي حال الإحلال . وذلك أن حكم ما خص به من ذلك حكم حال الإحرام ، إن كان سواء فيه حال الإحرام وحال الإحلال ، فلا وجه لخصوصه به حالا دون حال ، وقد عم به جميع الأحوال . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله : " ولا جدال في الحج" ، أن تأويله : لا تمار صاحبك حتى تغضبه ، إلا أحد معنيين :

إما أن يكون أراد : لا تماره بباطل حتى تغضبه ، فذلك ما لا وجه له . لأن الله عز وجل ، قد نهى عن المراء بالباطل في كل حال ، محرما كان المماري أو محلا فلا وجه لخصوص حال الإحرام بالنهي عنه ، لاستواء حال الإحرام والإحلال في نهي الله عنه .

أو يكون أراد : لا تماره بالحق ، وذلك أيضا ما لا وجه له ؛ لأن المحرم لو رأى رجلا يروم فاحشة ، كان الواجب عليه مراءه في دفعه عنها ، أو رآه يحاول ظلمه والذهاب منه بحق له قد غصبه عليه ، كان عليه مراؤه فيه وجداله حتى يتخلصه منه . والجدال والمراء لا يكون بين الناس إلا من أحد وجهين : إما من قبل ظلم ، وإما من قبل حق ، فإذا كان من أحد وجهيه غير جائز فعله بحال ، ومن الوجه الآخر غير جائز تركه بحال ، فأي وجوهه التي خص بالنهي عنه حال الإحرام؟ [ ص: 150 ] وكذلك لا وجه لقول من تأول ذلك أنه بمعنى السباب ؛ لأن الله تعالى ذكره قد نهى المؤمنين بعضهم عن سباب بعض على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام في كل حال ، فقال صلى الله عليه وسلم :

3717 - " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر" .

فإذا كان المسلم عن سب المسلم منهيا في كل حال من أحواله ، محرما كان أو غير محرم ، فلا وجه لأن يقال : لا تسبه في حال الإحرام إذا أحرمت وفيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخبر الذي : -

3718 - حدثنا به محمد بن المثنى ، قال : حدثني وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن سيار ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، خرج مثل يوم ولدته أمه " .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:34 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(271)
الحلقة (285)
صــ 151إلى صــ 158







3719 - حدثني علي بن سهل ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا شعبة ، عن سيار ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . [ ص: 151 ]

3720 - حدثنا أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سيار ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل حديث ابن المثنى ، عن وهب بن جرير .

3721 - حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله أيضا .

3722 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني منصور ، قال : سمعت أبا حازم يحدث عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .

3723 - حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا محمد بن عبيد الله ، عن الأعمش ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كما ولدته أمه " .

3724 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وأبو أسامة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ ص: 152 ] وسلم ، فذكر مثله - إلا أنه قال : رجع كما ولدته أمه .

3725 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن شعبة ، عن سيار ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه ، إلا أنه قال : رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمه" .

3726 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف عن أبي حازم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكر نحوه - إلا أنه قال : رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمه .

3727 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن منصور عن هلال بن يساف ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حج هذا البيت - يعني الكعبة - فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه . [ ص: 153 ]

3728 - حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا هشيم بن بشير ، عن سيار ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حج لله فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كهيئة يوم ولدته أمه .

دلالة واضحة على أن قوله : " ولا جدال في الحج " بمعنى النفي عن الحج بأن يكون في وقته جدال ومراء دون النهي عن جدال الناس بينهم فيما يعنيهم من الأمور أو لا يعنيهم .

وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من حج فلم يرفث ولم يفسق ، استحق من الله الكرامة ما وصف أنه استحقه بحجه ، تاركا للرفث والفسوق اللذين نهى الله الحاج عنهما في حجه ، من غير أن يضم إليهما الجدال . فلو كان الجدال الذي ذكره الله في قوله : " ولا جدال في الحج" مما نهاه الله عنه بهذه الآية - على نحو الذي تأول ذلك من تأوله من أنه المراء والخصومات أو السباب وما أشبه ذلك - لما كان صلى الله عليه وسلم ليخص باستحقاق الكرامة التي ذكر أنه يستحقها الحاج [ ص: 154 ] الذي وصف أمره ، باجتناب خلتين مما نهاه الله عنه في حجه دون الثالثة التي هي مقرونة بهما .

ولكن لما كان معنى الثالثة مخالفا معنى صاحبتيها في أنها خبر على المعنى الذي وصفنا ، وأن الأخريين بمعنى النهي الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مجتنبهما في حجه مستوجب ما وصف من إكرام الله إياه مما أخبر أنه مكرمه به - إذ كانتا بمعنى النهي - وكان المنتهي عنهما لله مطيعا بانتهائه عنهما ترك ذكر الثالثة ، إذ لم تكن في معناهما ، وكانت مخالفة سبيلها سبيلهما .

فإذ كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بالقراءة من القراءات المخالفة بين إعراب "الجدال" وإعراب "الرفث والفسوق" ، ليعلم سامع ذلك - إذا كان من أهل الفهم باللغات - أن الذي من أجله خولف بين إعرابيهما اختلاف معنييهما .

وإن كان صوابا قراءة جميع ذلك باتفاق إعرابه على اختلاف معانيه ، إذ كانت العرب قد تتبع بعض الكلام بعضا بإعراب ، مع اختلاف المعاني ، وخاصة في هذا النوع من الكلام .

فأعجب القراءات إلي في ذلك - إذ كان الأمر على ما وصفت - قراءة من قرأ : " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" ، برفع"الرفث والفسوق" وتنوينهما ، وفتح "الجدال" بغير تنوين . وذلك هو قراءة جماعة البصريين ، وكثير من أهل مكة ، منهم عبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء .

وأما قول من قال : معناه : النهي عن اختلاف المختلفين في أتمهم حجا ، [ ص: 155 ] والقائلين : ، معناه النهي عن قول القائل : "غدا الحج" مخالفا به قول الآخر : "اليوم الحج" ، فقول في حكايته الكفاية عن الاستشهاد على وهائه وضعفه ، وذلك أنه قول لا تدرك صحته إلا بخبر مستفيض أوخبر صادق يوجب العلم أن ذلك كان كذلك ، فنزلت الآية بالنهي عنه ، أو أن معنى ذلك في بعض معاني الجدال دون بعض ، ولا خبر بذلك بالصفة التي وصفنا .

وأما دلالتنا على قول ما قلنا من أنه نفي من الله جل وعز عن شهور الحج ، فالاختلاف الذي كانت الجاهلية تختلف فيها بينها قبل كما وصفنا .

وأما دلالتنا على أن الجاهلية كانت تفعل ذلك ، فالخبر المستفيض في أهل الأخبار أن الجاهلية كانت تفعل ذلك ، مع دلالة قول الله تقدس اسمه : ( إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ) [ التوبة : 37 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : افعلوا أيها المؤمنون ما أمرتكم به في حجكم ، من إتمام مناسككم فيه ، وأداء فرضكم الواجب عليكم في إحرامكم ، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من الرفث والفسوق في حجكم ، لتستوجبوا به الثواب [ ص: 156 ] الجزيل ، فإنكم مهما تفعلوا من ذلك وغيره من خير وعمل صالح ابتغاء مرضاتي وطلب ثوابي ، فأنا به عالم ، ولجميعه محص ، حتى أوفيكم أجره ، وأجازيكم عليه ، فإني لا تخفى علي خافية ، ولا ينكتم عني ما أردتم بأعمالكم ؛ لأني مطلع على سرائركم ، وعالم بضمائر نفوسكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )

قال أبو جعفر : ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا يحجون بغير زاد ، وكان بعضهم إذا أحرم رمى بما معه من الزاد واستأنف غيره من الأزودة ، فأمر الله جل ثناؤه من لم يكن يتزود منهم بالتزود لسفره ، ومن كان منهم ذا زاد أن يحتفظ بزاده فلا يرمي به .

ذكر الأخبار التي رويت في ذلك :

3729 - حدثني الحسين بن علي الصدائي ، قال : حدثنا عمرو بن عبد الغفار ، قال : حدثنا محمد بن سوقة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها واستأنفوا زادا آخر ، فأنزل الله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق .

3730 - حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : كانوا يحجون ولا يتزودون ، فنزلت : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " [ ص: 157 ]

3731 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن سوقة ، عن سعيد بن جبير في قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : الكعك والزيت .

3732 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن ابن سوقة ، عن سعيد بن جبير ، قال : هو الكعك والسويق .

3733 - وحدثنا عمرو ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة ، قال : كان أناس يحجون ، ولا يتزودون ، فأنزل الله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .

3734 - حدثنا عمرو ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا عبد الملك بن عطاء ، كوفي لنا

3735 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن عبد الملك ، عن الشعبي في قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " قال : التمر والسويق .

3736 - حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا حنظلة ، قال : سئل سالم عن زاد الحاج ، فقال : الخبز واللحم والتمر . قال عمرو : وسمعت أبا عاصم مرة يقول : حدثنا حنظلة سئل سالم عن زاد الحاج ، فقال الخبز والتمر .

3737 - حدثنا عمرو ، قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن هشيم ، عن المغيرة ، [ ص: 158 ] عن إبراهيم ، قال : كان ناس من الأعراب يحجون بغير زاد ، ويقولون : " نتوكل على الله !" ، فأنزل الله جل ثناؤه : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .

3738 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن عمر بن ذر ، عن مجاهد ، قال : كان الحاج منهم لا يتزود ، فأنزل الله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .

3739 - حدثنا عمرو ، قال : حدثنا يحيى ، عن عمر بن ذر وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا عمر بن ذر عن مجاهد قال : كانوا يسافرون ولا يتزودون ، فنزلت : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " . وقال الحسن بن يحيى في حديثه : كانوا يحجون ولا يتزودون .

3740 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا المحاربي ، عن عمر بن ذر ، عن مجاهد نحوه .

3741 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عمر بن ذر ، قال : سمعت مجاهدا يحدث فذكر نحوه .

3742 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن أبي بشر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج يتوصلون بالناس بغير زاد ، يقولون : " نحن متكلون" . فأنزل الله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .

3743 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " وتزودوا " ، قال : كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج ، يتوصلون بالناس بغير زاد ، فأمروا أن يتزودوا .

3744 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : كان أهل اليمن يتوصلون بالناس ، فأمروا أن يتزودوا ولا يستمتعوا . قال : وخير الزاد التقوى .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:37 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(272)
الحلقة (286)
صــ 159إلى صــ 166





3745 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، [ ص: 159 ] عن مجاهد : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : كانوا لا يتزودون ، فأمروا بالزاد ، وخير الزاد التقوى .

3746 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، فكان الحسن يقول : إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون ، ولا يتزودون ، فأمرهم الله بالنفقة والزاد في سبيل الله ، ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى .

3747 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة في قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : قال قتادة : كان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون - ثم ذكر نحو حديث بشر عن يزيد .

3748 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : كان ناس من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة ، فأمرهم الله أن يتزودوا ، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى .

3749 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة ، يقولون : " نحج بيت الله ولا يطعمنا!" . فقال الله : تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس .

3750 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، فكان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ، فأمرهم الله أن يتزودوا ، وأنبأ أن خير الزاد التقوى .

3751 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن سوقة ، عن سعيد بن جبير : " وتزودوا " قال : السويق والدقيق والكعك .

3752 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محمد [ ص: 160 ] بن سوقة ، عن سعيد بن جبير : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : الخشكانج والسويق .

3753 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن عبد الملك بن عطاء البكائي ، قال : سمعت الشعبي يقول في قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : هو الطعام ، وكان يومئذ الطعام قليلا . قال : قلت : وما الطعام؟ قال : التمر والسويق .

3754 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، وخير زاد الدنيا المنفعة من اللباس والطعام والشراب .

3755 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : كان الناس يتزودون إلى عقبة ، فإذا انتهوا إلى تلك العقبة توكلوا ولم يتزودوا .

3756 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا المحاربي ، قال : قال سفيان في قوله : " وتزودوا " ، قال : أمروا بالسويق والكعك .

3757 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرني أبي أنه سمع عكرمة يقول في قوله : " وتزودوا " ، قال : هو السويق والدقيق .

3758 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في [ ص: 161 ] قوله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " ، قال : كانت قبائل من العرب يحرمون الزاد إذا خرجوا حجاجا وعمارا لأن يتضيفوا الناس ، فقال الله تبارك وتعالى لهم : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .

3759 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : حدثنا سفيان عن عمرو ، عن عكرمة قال : كان الناس يقدمون مكة بغير زاد ، فأنزل الله : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : فمن فرض في أشهر الحج الحج فأحرم فيهن ، فلا يرفثن ولا يفسقن . فإن أمر الحج قد استقام لكم ، وعرفكم ربكم ميقاته وحدوده ، فاتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه من أمر حجكم ومناسككم ، فإنكم مهما تفعلوا من خير أمركم به أو ندبكم إليه ، يعلمه . وتزودوا من أقواتكم ما فيه بلاغكم إلى أداء فرض ربكم عليكم في حجكم ومناسككم ، فإنه لا بر لله جل ثناؤه في ترككم التزود لأنفسكم ومسألتكم الناس ولا في تضييع أقواتكم وإفسادها ، ولكن البر في تقوى ربكم باجتناب ما نهاكم عنه في سفركم لحجكم وفعل ما أمركم به ، فإنه خير التزود ، فمنه تزودوا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن الضحاك بن مزاحم .

3760 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " فإن خير الزاد التقوى " ، قال : والتقوى عمل بطاعة الله .

وقد بينا معنى "التقوى" فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى ( واتقون يا أولي الألباب ( 197 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : واتقون يا أهل العقول والأفهام بأداء فرائضي عليكم التي أوجبتها عليكم في حجكم ومناسككم وغير ذلك من ديني الذي شرعته لكم وخافوا عقابي باجتناب محارمي التي حرمتها عليكم ، تنجوا بذلك مما تخافون من غضبي عليكم وعقابي ، وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتي .

وخص جل ذكره بالخطاب بذلك أولي الألباب ؛ لأنهم هم أهل التمييز بين الحق والباطل ، وأهل الفكر الصحيح والمعرفة بحقائق الأشياء التي بالعقول تدرك وبالألباب تفهم ، ولم يجعل لغيرهم من أهل الجهل في الخطاب بذلك حظا ؛ إذ كانوا أشباحا كالأنعام ، وصورا كالبهائم ، بل هم منها أضل سبيلا .

و"الألباب" : جمع "لب" ، وهو العقل . [ ص: 162 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ذكره : ليس عليكم أيها المؤمنون جناح .

و"الجناح" ، الحرج ، كما : -

3761 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن [ ص: 163 ] علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، وهو لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده .

وقوله : " أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، يعني : أن تلتمسوا فضلا من عند ربكم .

يقال منه : ابتغيت فضلا من الله - ومن فضل الله - أبتغيه ابتغاء" ، إذا طلبته والتمسته ، " وبغيته أبغيه بغيا" ، كما قال عبد بني الحسحاس :


بغاك ، وما تبغيه حتى وجدته كأنك قد واعدته أمس موعدا


يعني طلبك والتمسك .

وقيل : إن معنى" ابتغاء الفضل من الله" ، التماس رزق الله بالتجارة ، وأن هذه الآية نزلت في قوم كانوا لا يرون أن يتجروا إذا أحرموا يلتمسون البر بذلك ، فأعلمهم جل ثناؤه أن لا بر في ذلك ، وأن لهم التماس فضله بالبيع والشراء .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 164 ]

3762 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا المحاربي ، عن عمر بن ذر ، عن مجاهد ، قال : كانوا يحجون ولا يتجرون ، فأنزل الله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، قال : في الموسم .

3763 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عمر بن ذر ، قال : سمعت مجاهدا يحدث قال : كان ناس لا يتجرون أيام الحج ، فنزلت فيهم" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " .

3764 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا أبو ليلى ، عن بريدة في قوله تبارك وتعالى : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، قال : إذا كنتم محرمين ، أن تبيعوا وتشتروا .

3765 - حدثنا طليق بن محمد الواسطي ، قال : أخبرنا أسباط ، قال : أخبرنا الحسن بن عمرو ، عن أبي أمامة التيمي قال : قلت لابن عمر : إنا قوم نكرى ، فهل لنا حج؟ قال : أليس تطوفون بالبيت ، وتأتون المعرف وترمون الجمار ، وتحلقون رءوسكم؟ فقلنا : بلى! قال : جاء رجل إلى النبي : صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه ، فلم يدر ما يقول له ، حتى نزل جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " إلى آخر الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنتم حجاج . [ ص: 165 ]

3766 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة ، قال : كانت تقرأ هذه الآية : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " .

3767 - حدثنا عبد الحميد ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن منصور بن المعتمر في قوله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، قال : هو التجارة في البيع والشراء ، والاشتراء لا بأس به .

3768 - حدثت عن أبي هشام الرفاعي ، قال : حدثنا وكيع ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " .

3769 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن علي بن مسهر ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : كان متجر الناس في الجاهلية عكاظ وذو المجاز ، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك ، حتى أنزل الله جل ثناؤه : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " .

3770 - حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا شبابة بن سوار ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي أميمة ، قال : سمعت ابن عمر - وسئل عن الرجل يحج ومعه تجارة - فقرأ ابن عمر : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " .

3771 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا يزيد بن أبي [ ص: 166 ] زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كانوا لا يتجرون في أيام الحج ، فنزلت : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " .

3772 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه قرأ : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج" .

3773 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي ، عن عطاء قوله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج" ، هكذا قرأها ابن عباس .

3774 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ليث ، عن مجاهد في قوله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، قال : التجارة في الدنيا ، والأجر في الآخرة .

3775 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، قال : التجارة ، أحلت لهم في المواسم . قال : فكانوا لا يبيعون ، أو يبتاعون في الجاهلية بعرفة .

3776 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:40 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(273)
الحلقة (287)
صــ 167إلى صــ 174





3777 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا ضالة ليلة النفر ، وكانوا يسمونها"ليلة الصدر" ، ولا [ ص: 167 ] يطلبون فيها تجارة ولا بيعا ، فأحل الله عز وجل ذلك كله للمؤمنين ، أن يعرجوا على حوائجهم ويبتغوا من فضل ربهم .

3778 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : سمعت ابن الزبير يقرأ : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " .

3779 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : قال ابن عباس : كانت ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام تركوا ذلك حتى نزلت : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " .

3780 - حدثنا أحمد بن حازم والمثنى ، قالا حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن سوقة ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : كان بعض الحاج يسمون"الداج" ، فكانوا ينزلون في الشق الأيسر من منى ، وكان الحاج ينزلون عند مسجد منى ، فكانوا لا يتجرون ، حتى نزلت : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، فحجوا .

3781 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عمر بن ذر ، عن مجاهد قال : كان ناس يحجون ولا يتجرون ، حتى نزلت : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، فرخص لهم في المتجر والركوب والزاد .

3782 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا [ ص: 168 ] أسباط عن السدي ، قوله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، هي التجارة . قال : اتجروا في الموسم .

3783 - حدثنا محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، قال : كان الناس إذا أحرموا لم يتبايعوا حتى يقضوا حجهم ، فأحله الله لهم .

3784 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كانوا يتقون البيوع والتجارة أيام الموسم ، يقولون : " أيام ذكر!" فأنزل الله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، فحجوا .

3785 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج" .

3786 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : لا بأس بالتجارة في الحج ، ثم قرأ : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " .

3787 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قوله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " ، قال : كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا على ضالة ولا ينتظرون لحاجة ، وكانوا يسمونها" ليلة الصدر" ولا يطلبون فيها تجارة . فأحل الله ذلك كله ، أن يعرجوا على حاجتهم ، وأن يطلبوا فضلا من ربهم .

3788 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا مندل ، عن عبد الرحمن بن المهاجر ، عن أبي صالح مولى عمر ، قال : قلت لعمر : يا أمير [ ص: 169 ] المؤمنين ، كنتم تتجرون في الحج؟ قال : وهل كانت معايشهم إلا في الحج .

3789 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن العلاء بن المسيب ، عن رجل من بني تيم الله ، قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنا قوم نكرى فيزعمون أنه ليس لنا حج ! قال : ألستم تحرمون كما يحرمون ، وتطوفون كما يطوفون ، وترمون كما يرمون؟ قال : بلى! قال : فأنت حاج! جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألت عنه ، فنزلت هذه الآية : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " .

3790 - حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يتجروا بتجارة ، ولم يعرجوا على كسير ، ولا على ضالة ، فأحل الله ذلك ، فقال : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " إلى آخر الآية .

3791 - حدثني سعيد بن الربيع الرازي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية ، فكانوا يتجرون فيها . فلما كان الإسلام كأنهم تأثموا منها ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج . [ ص: 170 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( فإذا أفضتم من عرفات )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " فإذا أفضتم" ، فإذا رجعتم من حيث بدأتم .

ولذلك قيل للذي يضرب القداح بين الأيسار : "مفيض" ، لجمعه القداح ثم إفاضته إياها بين الياسرين . ومنه قول بشر بن أبي خازم الأسدي :


فقلت لها ردي إليه جنانه فردت كما رد المنيح مفيض


ثم اختلف أهل العربية في" عرفات " ، والعلة التي من أجلها صرفت وهي [ ص: 171 ] معرفة ، وهل هي اسم لبقعة واحدة أم هي لجماعة بقاع؟

فقال بعض نحويي البصريين : هي اسم كان لجماعة مثل"مسلمات ، ومؤمنات" ، سميت به بقعة واحدة ، فصرف لما سميت به البقعة الواحدة ، إذ كان مصروفا قبل أن تسمى به البقعة ، تركا منهم له على أصله ؛ لأن"التاء" فيه صارت بمنزلة"الياء والواو" في"مسلمين ومسلمون" ، لأنه تذكيره ، وصار التنوين بمنزلة"النون" . فلما سمي به ترك على حاله ، كما يترك" المسلمون" إذا سمي به على حاله . قال : ومن العرب من لا يصرفه إذا سمي به ، ويشبه"التاء" بهاء التأنيث ، وذلك قبيح ضعيف ، واستشهدوا بقول الشاعر :


تنورتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عالي


ومنهم من لا ينون"أدرعات" وكذلك : "عانات" ، وهو مكان .

وقال بعض نحويي الكوفيين : إنما انصرفت" عرفات " ، لأنهن على جماع مؤنث"بالتاء" . قال : وكذلك ما كان من جماع مؤنث"بالتاء" ، ثم سميت به رجلا أو مكانا أو أرضا أو امرأة ، انصرفت . قال : ولا تكاد العرب تسمي شيئا من الجماع إلا جماعا ، ثم تجعله بعد ذلك واحدا . [ ص: 172 ]

وقال آخرون منهم : ليست" عرفات " حكاية ، ولا هي اسم منقول ، ولكن الموضع مسمى هو وجوانبه" بعرفات " ، ثم سميت بها البقعة . اسم للموضع ، ولا ينفرد واحدها . قال : وإنما يجوز هذا في الأماكن والمواضع ، ولا يجوز ذلك في غيرها من الأشياء . قال : ولذلك نصبت العرب "التاء" في ذلك ؛ لأنه موضع . ولو كان محكيا ، لم يكن ذلك فيه جائزا ؛ لأن من سمى رجلا"مسلمات" أو"مسلمين" لم ينقله في الإعراب عما كان عليه في الأصل ، فلذلك خالف : "عانات ، وأذرعات" ، ما سمي به من الأسماء على جهة الحكاية .

قال أبو جعفر : واختلف أهل العلم في المعنى الذي من أجله قيل لعرفات " عرفات " . فقال بعضهم : قيل لها ذلك من أجل أن إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه لما رآها عرفها بنعتها الذي كان لها عنده ، فقال : قد عرفت ، فسميت عرفات بذلك . وهذا القول من قائله يدل على أن عرفات اسم للبقعة ، وإنما سميت بذلك لنفسها وما حولها ، كما يقال : ثوب أخلاق ، وأرض سباسب ، فتجمع بما حولها .

ذكر من قال ذلك :

3792 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي ، قال : لما أذن إبراهيم في الناس بالحج ، فأجابوه بالتلبية ، وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلى عرفات ، ونعتها فخرج ، فلما بلغ الشجرة عند العقبة ، استقبله الشيطان يرده ، فرماه بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، فطار فوقع على الجمرة الثانية ، فصده أيضا ، فرماه وكبر ، فطار فوقع على الجمرة الثالثة ، فرماه وكبر . [ ص: 173 ] فلما رأى أنه لا يطيقه ، ولم يدر إبراهيم أين يذهب ، انطلق حتى أتى ذا المجاز ، فلما نظر إليه فلم يعرفه جاز ، فلذلك سمي : "ذا المجاز" . ثم انطلق حتى وقع بعرفات ، فلما نظر إليها عرف النعت ، قال : "قد عرفت!" فسمي : " عرفات " . فوقف إبراهيم بعرفات ، حتى إذا أمسى ازدلف إلى جمع ، فسميت : " المزدلفة " ، فوقف بجمع .

3793 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن سليمان التيمي ، عن نعيم بن أبي هند ، قال : لما وقف جبريل بإبراهيم عليهما السلام بعرفات ، قال : "عرفت!" ، فسميت عرفات لذلك .

3794 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال ابن المسيب : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بعث الله جبريل إلى إبراهيم فحج به ، فلما أتى عرفة قال : "قد عرفت!" ، وكان قد أتاها مرة قبل ذلك ، ولذلك سميت" عرفة " .

وقال آخرون : بل سميت بذلك بنفسها وببقاع أخر سواها .

ذكر من قال ذلك :

3795 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع بن مسلم القرشي ، عن أبي طهفة ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس قال : إنما سميت عرفات ، لأن جبريل عليه السلام ، كان يقول لإبراهيم : هذا موضع كذا ، هذا موضع كذا ، فيقول : " قد عرفت!" ، فلذلك سميت" عرفات " . [ ص: 174 ]

3796 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء قال : إنما سميت عرفة أن جبريل كان يري إبراهيم عليهما السلام المناسك ، فيقول : " عرفت ، عرفت!" فسمي" عرفات " .

3797 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن زكريا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال ابن عباس : أصل الجبل الذي يلي عرنة وما وراءه موقف ، حتى يأتي الجبل جبل عرفة .

وقال ابن أبي نجيح : عرفات : "النبعة" و"النبيعة" و"ذات النابت" ، وذلك قول الله : " فإذا أفضتم من عرفات " ، وهو الشعب الأوسط .

وقال زكريا : ما سال من الجبل الذي يقف عليه الإمام إلى عرفة ، فهو من عرفة ، وما دبر ذلك الجبل فليس من عرفة .

وهذا القول يدل على أنها سميت بذلك نظير ما يسمى الواحد باسم الجماعة المختلفة الأشخاص .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:43 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(274)
الحلقة (288)
صــ 175إلى صــ 182





قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي أن يقال : هو اسم لواحد سمي بجماع ، فإذا صرف ذهب به مذهب الجماع الذي كان له أصلا . وإذا ترك صرفه ذهب به إلى أنه اسم لبقعة واحدة معروفة ، فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الأمصار والقرى المعارف . [ ص: 175 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإذا أفضتم فكررتم راجعين من عرفة ، إلى حيث بدأتم الشخوص إليها منه ، " فاذكروا الله" ، يعني بذلك : الصلاة ، والدعاء عند المشعر الحرام .

وقد بينا قبل أن"المشاعر" هي المعالم ، من قول القائل : "شعرت بهذا الأمر" ، أي علمت ، ف "المشعر" ، هو المعلم ، سمي بذلك ؛ لأن الصلاة عنده والمقام والمبيت والدعاء ، من معالم الحج وفروضه التي أمر الله بها عباده . وقد : -

3798 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن زكريا ، عن ابن أبي نجيح ، قال : يستحب للحاج أن يصلي في منزله بالمزدلفة إن استطاع ، وذلك أن الله قال : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم " .

فأما"المشعر" : فإنه هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى محسر .

وليس مأزما عرفة من"المشعر" .

وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 176 ]

3799 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : رأى ابن عمر الناس يزدحمون على الجبيل بجمع فقال : أيها الناس إن جمعا كلها مشعر .

3800 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه سئل عن قوله : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ، قال : هو الجبل وما حوله .

3801 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر .

3802 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا الثوري ، عن السدي ، عن سعيد بن جبير ، مثله .

3803 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري وحدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان عن السدي ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألته عن المشعر الحرام فقال : ما بين جبلي المزدلفة .

3804 - حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : " المشعر الحرام " المزدلفة كلها قال معمر : وقاله قتادة .

3805 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، قال : أنبأنا الثوري ، عن السدي ، عن سعيد بن جبير : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ، قال : ما بين جبلي المزدلفة هو المشعر الحرام .

3806 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا أبي ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : سألت عبد الله بن عمر عن المشعر الحرام ، [ ص: 177 ] فقال : إذا انطلقت معي أعلمتكه . قال : فانطلقت معه ، فوقفنا حتى إذا أفاض الإمام سار وسرنا معه ، حتى إذا هبطت أيدي الركاب ، وكنا في أقصى الجبال مما يلي عرفات قال : أين السائل عن المشعر الحرام؟ أخذت فيه ! قلت : ما أخذت فيه؟ قال : كلها مشاعر إلى أقصى الحرم .

3807 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، قال : سألت عبد الله بن عمر ، عن المشعر الحرام قال : إن تلزمني أركه . قال : فلما أفاض الناس من عرفة وهبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال ، قال : أين السائل عن المشعر الحرام؟ قال : قلت : هأنذا ، قال : أخذت فيه! قلت : ما أخذت فيه ! قال : حين هبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال فهو مشعر إلى مكة .

3808 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن عمارة بن زاذان ، عن مكحول الأزدي ، قال : سألت ابن عمر يوم عرفة عن المشعر الحرام؟ فقال : الزمني ! فلما كان من الغد وأتينا المزدلفة ، قال : أين السائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام .

3809 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : المشعر الحرام : المزدلفة كلها .

3810 - حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أين المزدلفة؟ قال : إذا أفضت من مأزمي عرفة ، فذلك إلى محسر . قال : وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ، ولكن مفاضاهما .

قال : قف بينهما إن شئت ، وأحب إلي أن تقف دون قزح . هلم إلينا من أجل طريق الناس ! .

3811 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، [ ص: 178 ] عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : رآهم ابن عمر يزدحمون على قزح ، فقال : علام يزدحم هؤلاء ؟ كل ما ههنا مشعر! .

3812 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : المشعر الحرام المزدلفة كلها .

3813 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3814 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام " وذلك ليلة جمع . قال قتادة : كان ابن عباس يقول : ما بين الجبلين مشعر .

3815 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : المشعر الحرام هو ما بين جبال المزدلفة ويقال : هو قرن قزح .

3816 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " ، وهي المزدلفة ، وهي جمع .

وذكر عن عبد الرحمن بن الأسود ما : -

3817 - حدثنا به هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، قال : لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام .

3818 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : المشعر الحرام : ما بين جبلي مزدلفة .

3819 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا قيس ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألت ابن عمر عن المشعر الحرام فقال : [ ص: 179 ] ما أدري؟ وسألت ابن عباس ، فقال : ما بين الجبلين .

3820 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل : عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الجبيل وما حوله مشاعر .

3821 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ثوير ، قال : وقفت مع مجاهد على الجبيل ، فقال : هذا المشعر الحرام .

3822 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا حسن بن عطية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، الجبيل وما حوله مشاعر .

قال أبو جعفر : وإنما جعلنا أول حد المشعر مما يلي منى ، منقطع وادي محسر مما يلي المزدلفة ، لأن : -

3823 - المثنى حدثني قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرفة كلها موقف إلا عرنة ، وجمع كلها موقف إلا محسرا " .

3824 - حدثني يعقوب ، قال : حدثني هشيم ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن الزبير ، أنه قال : كل مزدلفة موقف إلا وادي محسر .

3825 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن حجاج ، قال : أخبرني من سمع عروة بن الزبير يقول مثل ذلك . [ ص: 180 ]

3826 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن هشام بن عروة ، قال : قال عبد الله بن الزبير في خطبته : تعلمن أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ، تعلمن أن مزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر .

قال أبو جعفر : غير أن ذلك وإن كان كذلك فإني أختار للحاج أن يجعل وقوفه لذكر الله من المشعر الحرام على قزح وما حوله ؛ لأن : -

3827 - أبا كريب حدثنا ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ، عن زيد بن علي ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي قال : لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة ، غدا فوقف على قزح ، وأردف الفضل ، ثم قال : هذا الموقف ، وكل مزدلفة موقف .

3828 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه . [ ص: 181 ]

3829 - حدثنا هناد وأحمد الدولابي ، قالا حدثنا سفيان ، عن ابن المنكدر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن ابن الحويرث ، قال : رأيت أبا بكر واقفا على قزح وهو يقول : أيها الناس أصبحوا ! أيها الناس أصبحوا ! ثم دفع . [ ص: 182 ]

3830 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عبد الله بن عثمان ، عن يوسف بن ماهك ، قال : حججت مع ابن عمر ، فلما أصبح بجمع صلى الصبح ، ثم غدا وغدونا معه حتى وقف مع الإمام على قزح ، ثم دفع الإمام فدفع بدفعته .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:46 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(275)
الحلقة (289)
صــ 183إلى صــ 190





وأما قول عبد الله بن عمر حين صار بالمزدلفة : " هذا كله مشاعر إلى مكة " ، فإن معناه أنها معالم من معالم الحج ينسك في كل بقعة منها بعض مناسك الحج لا أن كل ذلك" المشعر الحرام " الذي يكون الواقف حيث وقف منه إلى بطن مكة قاضيا ما عليه من الوقوف بالمشعر الحرام من جمع . [ ص: 183 ]

وأما قول عبد الرحمن بن الأسود : " لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام " فلأنه يحتمل أن يكون أراد : لم أجد أحدا يخبرني عن حد أوله ومنتهى آخره على حقه وصدقه ؛ لأن حدود ذلك على صحتها حتى لا يكون فيها زيادة ولا نقصان ، لا يحيط بها إلا القليل من أهل المعرفة بها . غير أن ذلك وإن لم يقف على حد أوله ومنتهى آخره وقوفا لا زيادة فيه ولا نقصان إلا من ذكرت ، فموضع الحاجة للوقوف لا خفاء به على أحد من سكان تلك الناحية وكثير من غيرهم . وكذلك سائر مشاعر الحج ، والأماكن التي فرض الله عز وجل على عباده أن ينسكوا عندها كعرفات ومنى والحرم .
القول في تأويل قوله تعالى ( واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ( 198 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : واذكروا الله أيها المؤمنون عند المشعر الحرام بالثناء عليه ، والشكر له على أياديه عندكم ، وليكن ذكركم إياه بالخضوع لأمره ، والطاعة له والشكر على ما أنعم عليكم من التوفيق ، لما وفقكم له من سنن إبراهيم خليله بعد الذي كنتم فيه من الشرك والحيرة والعمى عن طريق الحق وبعد الضلالة كذكره إياكم بالهدى ، حتى استنقذكم من النار به بعد أن كنتم على شفا حفرة منها ، فنجاكم منها . وذلك هو معنى قوله : " كما هداكم" .

وأما قوله : " وإن كنتم من قبله لمن الضالين " ، فإن من أهل العربية من يوجه تأويل" إن" إلى تأويل" ما" ، وتأويل اللام التي في" لمن" إلى" إلا" . [ ص: 184 ]

فتأويل الكلام على هذا المعنى : وما كنتم من قبل هداية الله إياكم لما هداكم له من ملة خليله إبراهيم التي اصطفاها لمن رضي عنه من خلقه إلا من الضالين .

ومنهم من يوجه تأويل"إن" إلى"قد" .

فمعناه على قول قائل هذه المقالة : واذكروا الله أيها المؤمنون كما ذكركم بالهدى ، فهداكم لما رضيه من الأديان والملل ، وقد كنتم من قبل ذلك من الضالين .
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، ومن المعني بالأمر بالإفاضة من حيث أفاض الناس؟ ومن" الناس" الذين أمروا بالإفاضة من موضع إفاضتهم؟

فقال بعضهم : المعني بقوله : " ثم أفيضوا" ، قريش ومن ولدته قريش ، الذين كانوا يسمون في الجاهلية"الحمس" ، أمروا في الإسلام أن يفيضوا من عرفات ، وهي التي أفاض منها سائر الناس غير الحمس . وذلك أن قريشا ومن ولدته قريش ، كانوا يقولون : "لا نخرج من الحرم" . فكانوا لا يشهدون موقف الناس بعرفة معهم ، فأمرهم الله بالوقوف معهم .

ذكر من قال ذلك :

3831 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه . عن عائشة قالت : كانت [ ص: 185 ] قريش ومن كان على دينها - وهم الحمس - يقفون بالمزدلفة يقولون : "نحن قطين الله!" ، وكان من سواهم يقفون بعرفة . فأنزل الله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "

3832 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبان ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة : أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان كتبت إلي في قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار : "إني أحمس" وإني لا أدري أقالها النبي أم لا؟ غير أني سمعتها تحدث عنه . والحمس : ملة قريش - وهم مشركون - ومن ولدت قريش في خزاعة وبني كنانة . كانوا لا يدفعون من عرفة ، إنما كانوا يدفعون من المزدلفة وهو المشعر الحرام ، وكانت بنو عامر حمسا ، وذلك أن قريشا ولدتهم ، ولهم قيل : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، وأن العرب كلها كانت تفيض من عرفة إلا الحمس ، كانوا يدفعون إذا أصبحوا من المزدلفة . [ ص: 186 ]

3833 - حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، قال : حدثنا أبو توبة ، قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن سفيان ، عن حسين بن عبيد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت العرب تقف بعرفة ، وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة ، فأنزل الله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم الموقف إلى موقف العرب بعرفة .

3834 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عبد الملك ، عن عطاء : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " من حيث تفيض جماعة الناس .

3835 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن عبد الله بن طلحة ، عن مجاهد قال : إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى [ ص: 187 ] السماء الدنيا في الملائكة ، فيقول : هلم إلي عبادي ، آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ! فيقول : ما جزاؤهم؟ فيقال : أن تغفر لهم . فذلك قوله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " .

3836 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، قال : عرفة . قال : كانت قريش تقول نحن : " الحمس أهل الحرم ، ولا نخلف الحرم ، ونفيض عن المزدلفة " ، فأمروا أن يبلغوا عرفة .

3837 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، قال قتادة : وكانت قريش وكل حليف لهم وبني أخت لهم ، لا يفيضون من عرفات ، إنما يفيضون من المغمس ، ويقولون : "إنما نحن أهل الله ، فلا نخرج من حرمه" ، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات ، وأخبرهم أن سنة إبراهيم وإسماعيل هكذا : الإفاضة من عرفات .

3838 - حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، قال : كانت العرب تقف بعرفات ، فتعظم قريش أن تقف معهم ، فتقف قريش بالمزدلفة ، فأمرهم الله أن يفيضوا مع الناس من عرفات .

3839 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، قال : كانت قريش وكل ابن أخت وحليف لهم ، لا يفيضون مع الناس من عرفات ، يقفون في الحرم ولا يخرجون منه ، يقولون : "إنما نحن أهل حرم الله فلا نخرج من حرمه"; [ ص: 188 ] فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس; وكانت سنة إبراهيم وإسماعيل الإفاضة من عرفات .

3840 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، قال : كانت قريش - لا أدري قبل الفيل أم بعده - ابتدعت أمر الحمس ، رأيا رأوه بينهم ، قالوا : نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت ، وقاطنو مكة وساكنوها ، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلنا ، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا ، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم ، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم" وقالوا : قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم ، فتركوا الوقوف على عرفة ، والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم ، ويرون لسائر الناس أن يقفوا عليها ، وأن يفيضوا منها ، إلا أنهم قالوا : نحن أهل الحرم ، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ، ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحمس - والحمس : أهل الحرم .

ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل مثل الذي لهم بولادتهم إياهم ، فيحل لهم ما يحل لهم ، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم . وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك . ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن ، حتى قالوا : "لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط ، ولا يسلأوا السمن وهم حرم ، ولا يدخلوا بيتا من شعر ، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حراما" . ثم رفعوا في ذلك فقالوا : "لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل [ ص: 189 ] في الحرم ، إذا جاءوا حجاجا أو عمارا ، ولا يطوفون بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس ، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة" . فحملوا على ذلك العرب فدانت به ، وأخذوا بما شرعوا لهم من ذلك ، فكانوا على ذلك حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله - حين أحكم له دينه وشرع له حجه : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " - يعني قريشا ، و"الناس" العرب - فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات ، والوقوف عليها ، والإفاضة منها . فوضع الله أمر الحمس - وما كانت قريش ابتدعت منه - عن الناس بالإسلام حين بعث الله رسوله .

3841 - حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كانت قريش تقف بقزح ، وكان الناس يقفون بعرفة ، قال : فأنزل الله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " .

وقال آخرون : المخاطبون بقوله : " ثم أفيضوا " ، المسلمون كلهم ، والمعني بقوله : " من حيث أفاض الناس " ، من جمع ، وب " الناس " ، إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام .

ذكر من قال ذلك .

3842 - حدثت عن القاسم بن سلام ، قال : حدثنا هارون بن معاوية الفزاري ، عن أبي بسطام عن الضحاك ، قال : هو إبراهيم . [ ص: 190 ]

قال أبو جعفر : والذي نراه صوابا من تأويل هذه الآية ، أنه عني بهذه الآية قريش ومن كان متحمسا معها من سائر العرب لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله .

وإذ كان ذلك كذلك فتأويل الآية : فمن فرض فيهن الحج ، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ، وما تفعلوا من خير يعلمه الله .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-09-2022 12:48 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(276)
الحلقة (290)
صــ 191إلى صــ 198





وهذا ، إذ كان ما وصفنا تأويله فهو من المقدم الذي معناه التأخير ، والمؤخر الذي معناه التقديم ، على نحو ما تقدم بياننا في مثله ، ولولا إجماع من وصفت إجماعه على أن ذلك تأويله . لقلت : أولى التأويلين بتأويل الآية ما قاله الضحاك من أن الله عنى بقوله : " من حيث أفاض الناس " ، من حيث أفاض إبراهيم . لأن الإفاضة من عرفات لا شك أنها قبل الإفاضة من جمع ، وقبل وجوب الذكر عند المشعر الحرام . وإذ كان ذلك لا شك كذلك ، وكان الله عز وجل إنما أمر بالإفاضة من الموضع الذي أفاض منه الناس ، بعد انقضاء ذكر الإفاضة من عرفات ، وبعد أمره بذكره عند المشعر الحرام ، ثم قال بعد ذلك : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " كان معلوما بذلك أنه لم يأمر بالإفاضة إلا من الموضع الذي لم يفيضوا منه ، دون الموضع الذي قد أفاضوا منه ، وكان الموضع الذي قد [ ص: 191 ] أفاضوا منه فانقضى وقت الإفاضة منه ، لا وجه لأن يقال : "أفض منه" .

فإذ كان لا وجه لذلك ، وكان غير جائز أن يأمر الله جل وعز بأمر لا معنى له ، كانت بينة صحة ما قاله من التأويل في ذلك ، وفساد ما خالفه ، لولا الإجماع الذي وصفناه ، وتظاهر الأخبار بالذي ذكرنا عمن حكينا قوله من أهل التأويل .

فإن قال لنا قائل : وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه : و "الناس" جماعة ، " وإبراهيم " صلى الله عليه وسلم واحد ، والله تعالى ذكره يقول : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ؟

قيل : إن العرب تفعل ذلك كثيرا ، فتدل بذكر الجماعة على الواحد . ومن ذلك قول الله عز وجل : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) [ آل عمران : 173 ] والذي قال ذلك واحد ، وهو فيما تظاهرت به الرواية من أهل السير - نعيم بن مسعود الأشجعي ، ومنه قول الله عز وجل : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ) [ المؤمنون : 51 ] قيل : عني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى .
[ ص: 192 ] القول في تأويل قوله تعالى ( واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ( 199 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإذا أفضتم من عرفات منصرفين إلى منى فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، وادعوه واعبدوه عنده ، كما ذكركم بهدايته فوفقكم لما ارتضى لخليله إبراهيم ، فهداه له من شريعة دينه ، بعد أن كنتم ضلالا عنه .

وفي" ثم" في قوله : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " ، من التأويل وجهان :

أحدهما ما قاله الضحاك من أن معناه : ثم أفيضوا فانصرفوا راجعين إلى منى من حيث أفاض إبراهيم خليلي من المشعر الحرام ، وسلوني المغفرة لذنوبكم ، فإني لها غفور ، وبكم رحيم . كما : -

3843 - حدثني إسماعيل بن سيف العجلي ، قال : حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي ، قال : حدثنا ابن كنانة - ويكنى أبا كنانة - ، عن أبيه ، عن العباس بن مرداس السلمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوت الله يوم عرفة أن يغفر لأمتي ذنوبها ، فأجابني أن قد غفرت ، إلا ذنوبها بينها وبين خلقي . فأعدت الدعاء يومئذ ، فلم أجب بشيء ، فلما كان غداة المزدلفة قلت : يا رب ، إنك قادر أن تعوض هذا المظلوم من ظلامته ، وتغفر لهذا الظالم! فأجابني أن قد غفرت . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، رأيناك تضحك في يوم لم تكن تضحك فيه! قال : "ضحكت من عدو الله إبليس لما سمع بما سمع إذ هو يدعو بالويل والثبور ، ويضع التراب على رأسه " [ ص: 193 ]

3844 - حدثني مسلم بن حاتم الأنصاري ، قال : حدثنا بشار بن بكير الحنفي ، قالا حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة ، فقال : " أيها الناس إن الله تطول عليكم في مقامكم هذا ، فقبل محسنكم ، وأعطى محسنكم ما سأل ، ووهب [ ص: 194 ] مسيئكم لمحسنكم ، إلا التبعات فيما بينكم ، أفيضوا على اسم الله . فلما كان غداة جمع قال : "أيها الناس ، إن الله قد تطول عليكم في مقامكم هذا ، فقبل من محسنكم ، ووهب مسيئكم لمحسنكم ، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله . فقال أصحابه : يا رسول الله ، أفضت بنا بالأمس كئيبا حزينا ، وأفضت بنا اليوم فرحا مسرورا ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني سألت ربي بالأمس شيئا لم يجد لي به ، سألته التبعات فأبى علي ، فلما كان اليوم أتاني جبريل قال : إن ربك يقرئك السلام ويقول : التبعات ضمنت ، عوضها من عندي " .

فقد بين هذان الخبران أن غفران الله التبعات التي بين خلقه فيما بينهم ، إنما هو غداة جمع ، وذلك في الوقت الذي قال جل ثناؤه : " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله " ، لذنوبكم ، فإنه غفور لها حينئذ ، تفضلا منه عليكم ، رحيم بكم . [ ص: 195 ]

والآخر منهما : " ثم أفيضوا " من عرفة إلى المشعر الحرام ، فإذا أفضتم إليه منها فاذكروا الله عنده كما هداكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فإذا قضيتم مناسككم " ، فإذا فرغتم من حجكم فذبحتم نسائككم ، فاذكروا الله

يقال منه : "نسك الرجل ينسك نسكا ونسكا ونسيكة ومنسكا" ، إذا ذبح نسكه ، و"المنسك" اسم مثل "المشرق والمغرب" ، فأما"النسك" في الدين ، فإنه يقال منه : " ما كان الرجل ناسكا ، ولقد نسك ، ونسك نسكا ونسكا ونساكة" ، وذلك إذا تقرأ .

وبمثل الذي قلنا في معنى"المناسك" في هذا الموضع قال مجاهد :

3845 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فإذا قضيتم مناسككم " ، قال : إهراقة الدماء . [ ص: 196 ]

3846 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وأما قوله : " فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " ، فإن أهل التأويل اختلفوا في صفة" ذكر القوم آباءهم" ، الذين أمرهم الله أن يجعلوا ذكرهم إياه كذكرهم آباءهم أو أشد ذكرا .

فقال بعضهم : كان القوم في جاهليتهم بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم يجتمعون فيتفاخرون بمآثر آبائهم ، فأمرهم الله في الإسلام أن يكون ذكرهم بالثناء والشكر والتعظيم لربهم دون غيره ، وأن يلزموا أنفسهم من الإكثار من ذكره ، نظير ما كانوا ألزموا أنفسهم في جاهليتهم من ذكر آبائهم .

ذكر من قال ذلك :

3847 - حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن القاسم بن عثمان ، عن أنس في هذه الآية ، قال : كانوا يذكرون آباءهم في الحج ، فيقول بعضهم : كان أبي يطعم الطعام ، ويقول بعضهم : كان أبي يضرب بالسيف! ويقول بعضهم : كان أبي جز نواصي بني فلان! .

3848 - حدثني محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان . عن عبد العزيز ، عن مجاهد قال : كانوا يقولون : كان آباؤنا ينحرون الجزر ، ويفعلون كذا! فنزلت هذه الآية : " اذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " :

3849 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي وائل : " فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " ، قال : كان أهل الجاهلية يذكرون فعال آبائهم .

3850 - حدثنا أبو كريب ، قال : سمعت أبا بكر بن عياش ، قال : كان [ ص: 197 ] أهل الجاهلية إذا فرغوا من الحج قاموا عند البيت فيذكرون آباءهم وأيامهم : كان أبي يطعم الطعام! وكان أبي يفعل! فذلك قوله : " فاذكروا الله كذكركم آباءكم " قال أبو كريب : قلت ليحيى بن آدم : عمن هو؟ قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي وائل .

3851 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرني حجاج عمن حدثه ، عن مجاهد في قوله : " فاذكروا الله كذكركم آباءكم " ، قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آباءهم ، وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم ، فنزلت هذه الآية .

3852 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد في قوله : " فاذكروا الله كذكركم آباءكم " قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة ، وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم . قال : فنزلت هذه الآية .

3853 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم " ، قال : تفاخرت العرب بينها بفعل آبائها يوم النحر حين فرغوا فأمروا بذكر الله مكان ذلك .

3854 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

3855 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم " قال قتادة : كان أهل الجاهلية إذا قضوا مناسكهم بمنى قعدوا حلقا فذكروا صنيع آبائهم في الجاهلية وفعالهم به ، يخطب خطيبهم ويحدث محدثهم ، فأمر الله عز وجل المسلمين أن يذكروا الله كذكر أهل الجاهلية آباءهم أو أشد ذكرا . [ ص: 198 ]

3856 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتمعوا فافتخروا ، وذكروا آباءهم وأيامها ، فأمروا أن يجعلوا مكان ذلك ذكر الله ، يذكرونه كذكرهم آباءهم ، أو أشد ذكرا .

3857 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة ، فنزلت هذه الآية .

3858 - حدثنا القاسم ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول ذلك يوم النحر ، حين ينحرون . قال : قال" فاذكروا الله كذكركم آباءكم " قال : كانت العرب يوم النحر حين يفرغون يتفاخرون بفعال آبائها ، فأمروا بذكر الله عز وجل مكان ذلك :

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فاذكروا الله كذكر الأبناء والصبيان الآباء .

ذكر من قال ذلك :

3859 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عثمان بن أبي رواد ، عن عطاء أنه قال في هذه الآية : " كذكركم آباءكم " قال : هو قول الصبي : يا أباه! .

3860 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : " فاذكروا الله كذكركم آباءكم " يعني بالذكر ، ذكر الأبناء الآباء .


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 20-10-2022 04:39 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(277)
الحلقة (291)
صــ 199إلى صــ 206



3861 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال لي عطاء : " كذكركم آباءكم " : أبه ! أمه ! . [ ص: 199 ]

3862 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا صالح بن عمر ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، قال : كالصبي ، يلهج بأبيه وأمه .

3863 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " ، يقول : كذكر الأبناء الآباء أو أشد ذكرا .

3864 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " ، يقول : كما يذكر الأبناء الآباء .

3865 - حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " كذكركم آباءكم " يعني ذكر الأبناء الآباء .

وقال آخرون : بل قيل لهم : " فاذكروا الله كذكركم آباءكم " ، لأنهم كانوا إذا قضوا مناسكهم فدعوا ربهم ، لم يذكروا غير آبائهم ، فأمروا من ذكر الله بنظير ذكر آبائهم .

ذكر من قال ذلك :

3866 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " ، قال : كانت العرب إذا قضت مناسكها ، وأقاموا بمنى ، يقوم الرجل فيسأل الله ويقول : "اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة ، كثير المال ، فأعطني مثل ما أعطيت أبي!!" ، ليس يذكر الله ، إنما يذكر آباءه ، ويسأل أن يعطى في الدنيا . [ ص: 200 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في تأويل ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر عباده المؤمنين بذكره بالطاعة له في الخضوع لأمره والعبادة له ، بعد قضاء مناسكهم . وذلك"الذكر" جائز أن يكون هو التكبير الذي أمر به جل ثناؤه بقوله : ( واذكروا الله في أيام معدودات ) [ سورة البقرة : 203 ] الذي أوجبه على من قضى نسكه بعد قضائه نسكه ، فألزمه حينئذ من ذكره ما لم يكن له لازما قبل ذلك ، وحث على المحافظة عليه محافظة الأبناء على ذكر الآباء في الإكثار منه بالاستكانة له والتضرع إليه بالرغبة منهم إليه في حوائجهم كتضرع الولد لوالده ، والصبي لأمه وأبيه ، أو أشد من ذلك ، إذ كان ما كان بهم وبآبائهم من نعمة فمنه ، وهو وليه .

وإنما قلنا : "الذكر" الذي أمر الله جل ثناؤه به الحاج بعد قضاء مناسكه بقوله : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا" : "جائز أن يكون هو التكبير الذي وصفنا" ، من أجل أنه لا ذكر لله أمر العباد به بعد قضاء مناسكهم لم يكن عليهم من فرضه قبل قضائهم مناسكهم ، سوى التكبير الذي خص الله به أيام منى .

فإذ كان ذلك كذلك ، وكان معلوما أنه جل ثناؤه قد أوجب على خلقه بعد قضائهم مناسكهم من ذكره ما لم يكن واجبا عليهم قبل ذلك ، وكان لا شيء من ذكره خص به ذلك الوقت سوى التكبير الذي ذكرناه كانت بينة صحة ما قلنا من تأويل ذلك على ما وصفنا .
[ ص: 201 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ( 200 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإذا قضيتم مناسككم أيها المؤمنون فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ، وارغبوا إليه فيما لديه من خير الدنيا والآخرة بابتهال وتمسكن ، واجعلوا أعمالكم لوجهه خالصا ولطلب مرضاته ، وقولوا : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، ولا تكونوا كمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة ، فكانت أعمالهم للدنيا وزينتها ، فلا يسألون ربهم إلا متاعها ، ولا حظ لهم في ثواب الله ، ولا نصيب لهم في جناته وكريم ما أعد لأوليائه ، كما قال في ذلك أهل التأويل .

3867 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي وائل : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا " ، هب لنا غنما! هب لنا إبلا !" وما له في الآخرة من خلاق " .

3868 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، قال : كانوا في الجاهلية يقولون : " هب لنا إبلا!" ، ثم ذكر مثله .

3869 - حدثنا أبو كريب ، قال : سمعت أبا بكر بن عياش في قوله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق" ، قال : كانوا يعني أهل الجاهلية يقفون - يعني بعد قضاء مناسكهم - فيقولون : " اللهم ارزقنا إبلا! اللهم ارزقنا غنما!" ، فأنزل الله هذه الآية : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " قال أبو كريب : قلت ليحيى بن آدم : عمن هو؟ قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي وائل . [ ص: 202 ]

3870 - حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن القاسم بن عثمان ، عن أنس : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " ، قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون فيقولون : " اللهم اسقنا المطر ، وأعطنا على عدونا الظفر ، وردنا صالحين إلى صالحين ! .

3871 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا " نصرا ورزقا ، ولا يسألون لآخرتهم شيئا .

3872 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3873 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قول الله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " ، فهذا عبد نوى الدنيا ، لها عمل ، ولها نصب .

3874 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " ، قال : كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقامت بمنى لا يذكر الله الرجل منهم ، وإنما يذكر أباه ، ويسأل أن يعطى في الدنيا .

3875 - حدثني يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا " ، قال كانوا أصنافا ثلاثة في تلك المواطن يومئذ : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهل الكفر ، وأهل النفاق . فمن الناس من يقول : " ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " إنما حجوا للدنيا والمسألة ، لا يريدون الآخرة ، ولا يؤمنون بها و منهم من يقول : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة " ، الآية قال : والصنف الثالث : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " الآية . [ ص: 203 ]

وأما معنى"الخلاق" فقد بيناه في غير هذا الموضع ، وذكرنا اختلاف المختلفين في تأويله والصحيح لدينا من معناه بالشواهد من الأدلة وأنه النصيب ، بما فيه كفاية عن إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( 201 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى"الحسنة" التي ذكر الله في هذا الموضع .

فقال بعضهم . يعني بذلك : ومن الناس من يقول : ربنا أعطنا عافية في الدنيا وعافية في الآخرة .

ذكر من قال ذلك :

3876 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة " ، قال : في الدنيا عافية ، وفي الآخرة عافية . قال قتادة : وقال رجل : " اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا" ، فمرض مرضا حتى أضنى على فراشه ، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم شأنه ، فأتاه النبي عليه السلام ، فقيل له : إنه دعا بكذا وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنه لا طاقة لأحد بعقوبة الله ، ولكن قل : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " . فقالها ، فما لبث إلا أياما أو : يسيرا حتى برئ . [ ص: 204 ]

3877 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سعيد بن الحكم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : حدثني حميد ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد صار مثل الفرخ المنتوف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل كنت تدعو الله بشيء؟ - أو تسأل الله شيئا؟ قال : قلت : "اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعاقبني به في الدنيا!" . قال : " سبحان الله! هل يستطيع ذلك أحد أو يطيقه؟ فهلا قلت : " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ " .

وقال آخرون : بل عنى الله عز وجل ب "الحسنة" - في هذا الموضع - في الدنيا ، العلم والعبادة ، وفي الآخرة : الجنة .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 205 ]

3878 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عباد ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن : " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة " ، قال : الحسنة في الدنيا : العلم والعبادة ، وفي الآخرة : الجنة .

3879 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن سفيان بن حسين ، عن الحسن في قوله : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، قال : العبادة في الدنيا ، والجنة في الآخرة .

3880 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار ، قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن هشام ، عن الحسن في قوله : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة " ، قال : الحسنة في الدنيا : الفهم في كتاب الله والعلم .

3881 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول [ في ] هذه الآية : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة " ، قال : الحسنة في الدنيا : العلم والرزق الطيب ، "وفي الآخرة حسنة" الجنة .

وقال آخرون : "الحسنة" في الدنيا : المال ، وفي الآخرة : الجنة .

ذكر من قال ذلك :

3882 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، قال : فهؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون .

3883 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة " ، هؤلاء المؤمنون; أما حسنة الدنيا فالمال ، وأما حسنة الآخرة فالجنة .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر عن قوم من أهل الإيمان به وبرسوله ، ممن حج بيته ، يسألون ربهم [ ص: 206 ] الحسنة في الدنيا ، والحسنة في الآخرة ، وأن يقيهم عذاب النار . وقد تجمع "الحسنة" من الله عز وجل العافية في الجسم والمعاش والرزق وغير ذلك ، والعلم والعبادة .

وأما في الآخرة ، فلا شك أنها الجنة؛ لأن من لم ينلها يومئذ فقد حرم جميع الحسنات ، وفارق جميع معاني العافية .

وإنما قلنا إن ذلك أولى التأويلات بالآية ؛ لأن الله عز وجل لم يخصص بقوله - مخبرا عن قائل ذلك - من معاني"الحسنة" شيئا ، ولا نصب على خصوصه دلالة دالة على أن المراد من ذلك بعض دون بعض ، فالواجب من القول فيه ما قلنا من أنه لا يجوز أن يخص من معاني ذلك شيء ، وأن يحكم له بعمومه على ما عمه الله .

وأما قوله : " وقنا عذاب النار" ، فإنه يعني بذلك : اصرف عنا عذاب النار .

ويقال منه : "وقيته كذا أقيه وقاية ووقاية ووقاء" ، ممدودا ، وربما قالوا : " وقاك الله وقيا" ، إذا دفعت عنه أذى أو مكروها .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 20-10-2022 04:44 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(278)
الحلقة (292)
صــ 207إلى صــ 214



القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ( 202 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "أولئك" الذين يقولون بعد قضاء مناسكهم : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ، رغبة منهم إلى الله جل ثناؤه فيما عنده ، وعلما منهم بأن الخير كله من عنده ، وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء . فأعلم جل ثناؤه أن لهم نصيبا وحظا من حجهم ومناسكهم ، وثوابا جزيلا على عملهم الذي كسبوه ، وباشروا معاناته بأموالهم وأنفسهم ، [ ص: 207 ] خاصا ذلك لهم دون الفريق الآخر ، الذين عانوا ما عانوا من نصب أعمالهم وتعبها ، وتكلفوا ما تكلفوا من أسفارهم ، بغير رغبة منهم فيما عند ربهم من الأجر والثواب ، ولكن رجاء خسيس من عرض الدنيا ، وابتغاء عاجل حطامها . كما : -

3884 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " ، قال : فهذا عبد نوى الدنيا ، لها عمل ولها نصب ، " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا " ، أي حظ من أعمالهم .

3885 - وحدثني يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في : " فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق " ، إنما حجوا للدنيا والمسألة ، لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها ، " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، قال : فهؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون" أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب" ، لهؤلاء الأجر بما عملوا في الدنيا .

وأما قوله : " والله سريع الحساب" ، فإنه يعني جل ثناؤه : أنه محيط بعمل الفريقين كليهما اللذين من مسألة أحدهما : " ربنا آتنا في الدنيا" ، ومن مسألة الآخر : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ، فمحص له بأسرع الحساب ، ثم إنه مجاز كلا الفريقين على عمله .

وإنما وصف جل ثناؤه نفسه بسرعة الحساب ، لأنه جل ذكره يحصي ما يحصي من أعمال عباده بغير عقد أصابع ، ولا فكر ولا روية ، فعل العجزة الضعفة من الخلق ، ولكنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما ، ثم هو مجاز عباده على كل ذلك . فلذلك امتدح [ ص: 208 ] نفسه جل ذكره بسرعة الحساب ، وأخبر خلقه أنه ليس لهم بمثل ، فيحتاج في حسابه إلى عقد كف أو وعي صدر .
القول في تأويل قوله تعالى ( واذكروا الله في أيام معدودات )

قال أبو جعفر : يعني جل ذكره : اذكروا الله بالتوحيد والتعظيم في أيام محصيات ، وهي أيام رمي الجمار . أمر عباده يومئذ بالتكبير أدبار الصلوات ، وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار يرمي بها جمرة من الجمار .

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :

ذكر من قال ذلك :

3886 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : " واذكروا الله في أيام معدودات " ، قال : أيام التشريق .

3887 - حدثني محمد بن نافع البصري ، قال : حدثنا غندر : قال : حدثنا شعبة ، عن هشيم ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

3888 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " واذكروا الله في أيام معدودات " ، يعني بالأيام المعدودات أيام التشريق ، وهي ثلاثة أيام بعد النحر . [ ص: 209 ]

3889 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " واذكروا الله في أيام معدودات " ، يعني أيام التشريق .

3890 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .

3891 - وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مخلد ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس : سمعه يوم الصدر يقول بعد ما صدر يكبر في المسجد ويتأول : " واذكروا الله في أيام معدودات " .

3892 - حدثنا علي بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " واذكروا الله في أيام معدودات " ، يعني أيام التشريق .

3893 - حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عطاء بن أبي رباح في قول الله عز وجل : " واذكروا الله في أيام معدودات " ، قال : هي أيام التشريق .

3894 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثني أبي ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، مثله .

3895 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " واذكروا الله في أيام معدودات " ، قال أيام التشريق بمنى .

3896 - حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد وعطاء قالا هي أيام التشريق .

3897 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 210 ]

3898 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

3899 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : الأيام المعدودات : أيام التشريق .

3900 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، مثله .

3901 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، قال : الأيام المعدودات : الأيام بعد النحر .

3902 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سألت إسماعيل بن أبي خالد عن "الأيام المعدودات" ، قال : أيام التشريق .

3903 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، فقال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " واذكروا الله في أيام معدودات " ، كنا نحدث أنها أيام التشريق .

3904 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " واذكروا الله في أيام معدودات " ، قال : هي أيام التشريق .

3905 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أما الأيام المعدودات" : فهي أيام التشريق .

3906 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

3907 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن مالك ، قال : " الأيام المعدودات" ، ثلاثة أيام بعد يوم النحر .

3908 - حدثت عن حسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن [ ص: 211 ] خالد ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " في أيام معدودات " قال : أيام التشريق الثلاثة .

3910 - حدثني ابن البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت ابن زيد عن " الأيام المعدودات" و"الأيام المعلومات" ، فقال : "الأيام المعدودات" أيام التشريق ، "والأيام المعلومات" ، يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق .

وإنما قلنا : إن"الأيام المعدودات" ، هي أيام منى وأيام رمي الجمار لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول فيها : إنها أيام ذكر الله عز وجل .

ذكر الأخبار التي رويت بذلك :

3911 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم ، قال : حدثنا هشيم ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيام التشريق أيام طعم وذكر " . [ ص: 212 ]

3912 - حدثنا خلاد ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا صالح ، قال : حدثني ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى : "لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل " .

3912 م - وحدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية قالا ، جميعا حدثنا خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي المليح ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله .

3913 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن عائشة ، قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق وقال : هي أيام أكل وشرب وذكر الله .

3914 - حدثني يعقوب ، قال : حدثني هشيم ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عمرو بن دينار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشر بن سحيم ، فنادى في أيام التشريق ، فقال : إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله . [ ص: 213 ]

3915 - حدثني يعقوب . قال : حدثنا هشيم ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بن قيس فنادى في أيام التشريق فقال : "إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله ، إلا من كان عليه صوم من هدي" .

3916 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن حكيم ، عن مسعود بن الحكم الزرقي ، عن أمه قالت : لكأني أنظر إلى علي رضي الله عنه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء حين وقف على شعب الأنصار وهو يقول : "أيها الناس إنها ليست بأيام صيام ، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر " . [ ص: 214 ]

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال في أيام منى : إنها أيام أكل وشرب وذكر الله ، لم يخبر أمته أنها"الأيام المعدودات" التي ذكرها الله في كتابه ، فما تنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم عنى بقوله : "وذكر الله" ، "الأيام المعلومات"؟

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 20-10-2022 04:46 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(279)
الحلقة (293)
صــ 215إلى صــ 222



قيل : غير جائز أن يكون عنى ذلك . لأن الله لم يكن يوجب في"الأيام المعلومات" من ذكره فيها ما أوجب في"الأيام المعدودات" . وإنما وصف"المعلومات" جل ذكره بأنها أيام يذكر فيها اسم الله على بهائم الأنعام ، فقال : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) [ الحج : 28 ] ، فلم يوجب في"الأيام المعلومات" من ذكره كالذي أوجبه في"الأيام المعدودات" من ذكره ، بل أخبر أنها أيام ذكره على بهائم الأنعام . فكان معلوما إذ قال صلى الله عليه وسلم لأيام التشريق : " إنها أيام أكل وشرب وذكر الله " فأخرج قوله : " وذكر الله " مطلقا بغير شرط ، ولا إضافة ، إلى أنه الذكر على بهائم الأنعام أنه عنى بذلك الذكر الذي ذكره الله في كتابه ، فأوجبه على عباده مطلقا بغير شرط ولا إضافة إلى معنى في"الأيام المعدودات" ، وأنه لو كان أراد بذلك صلى الله عليه وسلم [ ص: 215 ] وصف"الأيام المعلومات" به ، لوصل قوله : " وذكر" ، إلى أنه ذكر الله على ما رزقهم من بهائم الأنعام ، كالذي وصف الله به ذلك ، ولكنه أطلق ذلك باسم الذكر من غير وصله بشيء ، كالذي أطلقه تبارك وتعالى باسم الذكر ، فقال : " واذكروا الله في أيام معدودات" فكان ذلك من أوضح الدليل على أنه عنى بذلك ما ذكره الله في كتابه وأوجبه في"الأيام المعدودات" .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

فقال بعضهم : معناه : فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه في نفره وتعجله في النفر ، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره .

ذكر من قال ذلك .

3917 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا هشيم ، عن عطاء ، قال : لا إثم عليه في تعجيله ، ولا إثم عليه في تأخيره .

3918 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، مثله .

3919 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن عكرمة ، مثله .

3920 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 216 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فمن تعجل في يومين " ، يوم النفر ، " فلا إثم عليه" ، لا حرج عليه ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" .

3921 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما : "من تعجل في يومين فلا إثم عليه" ، يقول : من نفر في يومين فلا جناح عليه ، ومن تأخر فنفر في الثالث فلا جناح عليه .

3922 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فمن تعجل في يومين " ، يقول : فمن تعجل في يومين - أي : من أيام التشريق"فلا إثم عليه" ، ومن أدركه الليل بمنى من اليوم الثاني من قبل أن ينفر ، فلا نفر له حتى تزول الشمس من الغد" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، يقول : من تأخر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه .

3923 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال : رخص الله في أن ينفروا في يومين منها إن شاءوا ، ومن تأخر في اليوم الثالث فلا إثم عليه .

3924 - حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال في تعجيله .

3925 - حدثني هناد بن السري ، قال : حدثنا ابن أبى زائدة ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : " لا إثم عليه " لا إثم على من تعجل ، ولا إثم على من تأخر .

3926 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : هذا في التعجيل .

3927 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك وإسرائيل ، عن زيد بن جبير ، قال : سمعت ابن عمر يقول : حل النفر في يومين لمن اتقى . [ ص: 217 ]

3928 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" في تعجله ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره .

3929 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أللمكي أن ينفر في النفر الأول؟ قال : نعم ، قال الله عز وجل : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، فهي للناس أجمعين .

3930 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" ، قال : ليس عليه إثم

3931 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين " بعد يوم النحر ، " فلا إثم عليه " ، يقول : من نفر من منى في يومين بعد النحر فلا إثم عليه ، "ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره ، فلا حرج عليه .

3932 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " في تعجله ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره .

وقال آخرون : بل معناه : فمن تعجل في يومين فهو مغفور له لا إثم عليه ، ومن تأخر كذلك .

ذكر من قال ذلك :

3933 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، [ ص: 218 ] عن ثوير ، عن أبيه ، عن عبد الله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : ليس عليه إثم .

3934 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا سفيان ، عن حماد . عن إبراهيم ، عن عبد الله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، أي غفر له" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : غفر له .

3935 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعر ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، أي غفر له .

3936 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، جميعا عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : قد غفر له .

3937 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قد غفر له .

3938 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال في هذه الآية : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " قال : برئ من الإثم .

3939 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن ابن عمر : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " قال : رجع مغفورا له . [ ص: 219 ]

3940 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : قد غفر له .

3941 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن أبي عبد الله ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال : قد غفر له ، إنهم يتأولونها على غير تأويلها ، إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب فكيف بالحج ! .

3942 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن إبراهيم وعامر : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قالا غفر له .

3943 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : حدثني من أصدقه ، عن ابن مسعود قوله : " فلا إثم عليه " ، قال : خرج من الإثم كله" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : برئ من الإثم كله ، وذلك في الصدر عن الحج قال ابن جريج : وسمعت رجلا يحدث عن عطاء بن أبي رباح ، عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : " فلا إثم عليه" ، قال : غفر له ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : غفر له .

3944 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أسود بن سوادة القطان ، قال : سمعت معاوية بن قرة قال : يخرج من ذنوبه . [ ص: 220 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " ، فيما بينه وبين السنة التي بعدها .

ذكر من قال ذلك :

3945 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة ، قال : سألت مجاهدا عن قول الله عز وجل : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : لمن في الحج ، ليس عليه إثم حتى الحج من عام قابل .

وقال آخرون : بل معناه . فلا إثم عليه إن اتقى الله فيما بقي من عمره .

ذكر من قال ذلك :

3946 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي .

3947 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3948 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، مثله .

3949 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : لمن اتقى بشرط .

3950 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، لا جناح عليه "ومن تأخر" إلى اليوم الثالث فلا جناح عليه لمن اتقى وكان ابن عباس يقول : وددت أني من هؤلاء ، ممن يصيبه اسم التقوى .

3951 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : [ ص: 221 ] قال ابن جريج : هي في مصحف عبد الله : " لمن اتقى الله" .

3952 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، فلا حرج عليه ، يقول : لمن اتقى معاصي الله عز وجل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : " فمن تعجل في يومين" من أيام التشريق" فلا إثم عليه" ، أي فلا حرج عليه في تعجيله النفر ، إن هو اتقى قتل الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث ، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلم ينفر فلا حرج عليه .

ذكر من قال ذلك :

3953 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا محمد بن أبي صالح : " لمن اتقى " أن يصيب شيئا من الصيد حتى يمضي اليوم الثالث .

3954 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، ولا يحل له أن يقتل صيدا حتى تخلو أيام التشريق .

وقال آخرون : بل معناه : "فمن تعجل في يومين" من أيام التشريق فنفر "فلا إثم عليه" ، أي مغفور له - "ومن تأخر" فنفر في اليوم الثالث "فلا إثم عليه" ، أي مغفور له إن اتقى على حجه أن يصيب فيه شيئا نهاه الله عنه .

ذكر من قال ذلك :

3955 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 222 ] قوله : " لمن اتقى " ، قال : يقول لمن اتقى على حجه قال قتادة : ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول : من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه - أو : ما سلف من ذنبه .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال : تأويل ذلك : "فمن تعجل في يومين" من أيام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني "فلا إثم عليه" ، لحط الله ذنوبه ، إن كان قد اتقى الله في حجه ، فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه ، وفعل فيه ما أمره الله بفعله ، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده "ومن تأخر" إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غد النفر الأول ، "فلا إثم عليه" ، لتكفير الله له ما سلف من آثامه وإجرامه ، وإن كان اتقى الله في حجه بأدائه بحدوده .

وإنما قلنا أن ذلك أولى تأويلاته [ بالصحة ] ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ومن حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنه قال صلى الله عليه وسلم : " تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة " .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 20-10-2022 04:49 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(280)
الحلقة (294)
صــ 223إلى صــ 230



3956 - حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن عاصم ، عن شقيق ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة " . [ ص: 223 ]

3957 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، عن عمرو بن قيس ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

3958 - حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : . حدثنا ابن عيينة ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، عن عمر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تابعوا بين الحج والعمرة ، فإن متابعة ما بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير الخبث أو : خبث الحديد " .

3959 - حدثنا إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثنا سعد بن عبد الحميد ، قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قضيت حجك فأنت مثل ما ولدتك أمك . [ ص: 224 ]

وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب ، مما ينبئ عنه أن من حج فقضاه بحدوده على ما أمره الله ، فهو خارج من ذنوبه ، كما قال جل ثناؤه : " فلا إثم عليه لمن اتقى " الله في حجه . فكان في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوضح عن أن معنى قوله جل وعز : " فلا إثم عليه " ، أنه خارج من ذنوبه ، محطوطة عنه آثامه ، مغفورة له أجرامه وأنه لا معنى لقول من تأول قوله : " فلا إثم عليه " ، فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني ، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث ؛ لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترك عمله ، فيرخص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله; أو فيما كان عليه عمله ، فيرخص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه . فأما ما على العامل عمله فلا وجه لوضع الحرج عنه فيه إن هو عمله ، وفرضه عمله ؛ لأنه محال أن يكون المؤدي فرضا عليه حرجا بأدائه ، فيجوز أن يقال : قد وضعنا عنك فيه الحرج .

وإذ كان ذلك كذلك وكان الحاج لا يخلو عند من تأول قوله : " فلا إثم عليه " فلا حرج عليه ، أو فلا جناح عليه ، من أن يكون فرضه النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق ، فوضع عنه الحرج في المقام ، أو أن يكون فرضه المقام ، [ ص: 225 ] إلى اليوم الثالث ، فوضع عنه الحرج في النفر في اليوم الثاني ، فإن يكن فرضه في اليوم الثاني من أيام التشريق المقام إلى اليوم الثالث منها ، فوضع عنه الحرج في نفره في اليوم الثاني منها - وذلك هو التعجل الذي قيل : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " - فلا معنى لقوله على تأويل من تأول ذلك : " فلا إثم عليه " ، فلا جناح عليه ، " ومن تأخر فلا إثم عليه " . لأن المتأخر إلى اليوم الثالث إنما هو متأخر عن أداء فرض عليه ، تارك قبول رخصة النفر ، فلا وجه لأن يقال : "لا حرج عليك في مقامك على أداء الواجب عليك" ، لما وصفنا قبل - أو يكون فرضه في اليوم الثاني النفر ، فرخص له في المقام إلى اليوم الثالث ، فلا معنى أن يقال : " لا حرج عليك في تعجلك النفر الذي هو فرضك وعليك فعله" ، للذي قدمنا من العلة .

وكذلك لا معنى لقول من قال : معناه : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ولا حرج عليه في نفره ذلك ، إن اتقى قتل الصيد إلى انقضاء اليوم الثالث ؛ لأن ذلك لو كان تأويلا مسلما لقائله لكان في قوله : " ومن تأخر فلا إثم عليه " ، ما يبطل دعواه ؛ لأنه لا خلاف بين الأمة في أن الصيد للحاج بعد نفره من منى في اليوم الثالث حلال ، فما الذي من أجله وضع عنه الحرج في قوله : " ومن تأخر فلا إثم عليه " ، إذا هو تأخر إلى اليوم الثالث ثم نفر ؟ هذا ، مع إجماع الحجة على أن المحرم إذا رمى وذبح وحلق وطاف بالبيت ، فقد حل له كل شيء ، وتصريح الرواية المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك ، التي : -

3960 - حدثنا بها هناد بن السري الحنظلي ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن حجاج ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة قالت : سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها متى يحل المحرم ؟ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رميتم وذبحتم وحلقتم ، حل لكم كل شيء إلا النساء [ ص: 226 ] قال : وذكر الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . [ ص: 227 ]

وأما الذي تأول ذلك أنه بمعنى : " لا إثم عليه إلى عام قابل" ، فلا وجه لتحديد ذلك بوقت ، وإسقاطه الإثم عن الحاج سنة مستقبلة ، دون آثامه السالفة ؛ لأن الله جل ثناؤه لم يحصر ذلك على نفي إثم وقت مستقبل بظاهر التنزيل ، ولا على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام ، بل دلالة ظاهر التنزيل تبين عن أن المتعجل في اليومين والمتأخر لا إثم على كل واحد منهما في حاله التي هو بها دون غيرها من الأحوال .

والخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يصرح بأنه بانقضاء حجه على ما أمر به ، خارج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . ففي ذلك من دلالة ظاهر التنزيل ، وصريح قول الرسول صلى الله عليه وسلم دلالة واضحة على فساد قول من قال : معنى قوله : " فلا إثم عليه " ، فلا إثم عليه من وقت انقضاء حجه إلى عام قابل .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : ما الجالب"اللام" في قوله : " لمن اتقى"؟ وما معناها ؟

قيل : الجالب لها معنى قوله : " فلا إثم عليه" ؛ لأن في قوله : " فلا إثم عليه" معنى : حططنا ذنوبه وكفرنا آثامه ، فكان في ذلك معنى : جعلنا تكفير الذنوب لمن اتقى الله في حجه ، فترك ذكر" جعلنا تكفير الذنوب" ، اكتفاء بدلالة قوله : " فلا إثم عليه " .

وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه كأنه إذا ذكر هذه الرخصة فقد أخبر عن أمر ، فقال : " لمن اتقى " أي : هذا لمن اتقى . وأنكر بعضهم ذلك من قوله ، وزعم أن الصفة لا بد لها من شيء تتعلق به ؛ لأنها لا تقوم بنفسها ، ولكنها فيما زعم من صلة" قول" متروك ، فكان معنى الكلام عنده" قلنا" : " ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " ، [ ص: 228 ] وقام قوله : " ومن تأخر فلا إثم عليه " ، مقام"القول" .

وزعم بعض أهل العربية أن موضع طرح الإثم في المتعجل ، فجعل في المتأخر وهو الذي أدى ولم يقصر مثل ما جعل على المقصر ، كما يقال في الكلام : "إن تصدقت سرا فحسن ، وإن أظهرت فحسن" ، وهما مختلفان ، لأن المتصدق علانية إذا لم يقصد الرياء فحسن ، وإن كان الإسرار أحسن .

وليس في وصف حالتي المتصدقين بالحسن وصف إحداهما بالإثم . وقد أخبر الله عز وجل عن النافرين بنفي الإثم عنهما ، ومحال أن ينفي عنهما إلا ما كان في تركه الإثم على ما تأوله قائلو هذه المقالة . وفي إجماع الجميع على أنهما جميعا لو تركا النفر وأقاما بمنى لم يكونا آثمين ، ما يدل على فساد التأويل الذي تأوله من حكينا عنه هذا القول .

وقال أيضا : فيه وجه آخر ، وهو معنى نهي الفريقين عن أن يؤثم أحد الفريقين الآخر ، كأنه أراد بقوله : " فلا إثم عليه " ، لا يقل المتعجل للمتأخر : " أنت آثم" ، ولا المتأخر للمتعجل : "أنت آثم" ، بمعنى : فلا يؤثمن أحدهما الآخر .

وهذا أيضا تأويل لقول جميع أهل التأويل مخالف ، وكفى بذلك شاهدا على خطئه .
القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ( 203 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : واتقوا الله أيها المؤمنون فيما فرض عليكم من فرائضه ، فخافوه في تضييعها والتفريط فيها ، وفيما نهاكم عنه في حجكم ومناسككم أن ترتكبوه أو تأتوه وفيما كلفكم في إحرامكم لحجكم أن تقصروا في [ ص: 229 ] أدائه والقيام به ، "واعلموا أنكم إليه تحشرون" ، فمجازيكم هو بأعمالكم - المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته - وموف كل نفس منكم ما عملت وأنتم لا تظلمون .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام )

قال أبو جعفر : وهذا نعت من الله تبارك وتعالى للمنافقين ، بقوله جل ثناؤه : ومن الناس من يعجبك يا محمد ظاهر قوله وعلانيته ، ويستشهد الله على ما في قلبه ، وهو ألد الخصام ، جدل بالباطل .

ثم اختلف أهل التأويل في من نزلت فيه هذه الآية .

فقال بعضهم . نزلت في الأخنس بن شريق ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزعم أنه يريد الإسلام ، وحلف أنه ما قدم إلا لذلك ، ثم خرج فأفسد أموالا من أموال المسلمين .

ذكر من قال ذلك :

3961 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام " ، قال : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي - وهو حليف لبني زهرة - وأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، فأظهر له الإسلام ، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه ، وقال : إنما جئت أريد الإسلام ، والله يعلم أني صادق! وذلك قوله : " ويشهد الله على ما في قلبه " ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فأحرق الزرع ، [ ص: 230 ] وعقر الحمر ، فأنزل الله عز وجل : " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل " . وأما" ألد الخصام " فأعوج الخصام ، وفيه نزلت : ( ويل لكل همزة لمزة ) [ الهمزة : 1 ] ونزلت فيه : ( ولا تطع كل حلاف مهين ) إلى ( عتل بعد ذلك زنيم ) [ القلم : 10 - 13 ]

وقال آخرون : بل نزل ذلك في قوم من أهل النفاق تكلموا في السرية التي أصيبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجيع .

ذكر من قال ذلك :

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 20-10-2022 04:51 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(281)
الحلقة (295)
صــ 231إلى صــ 238




3962 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن أبى إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما أصيبت هذه السرية أصحاب خبيب بالرجيع بين مكة والمدينة ، فقال رجال من المنافقين : يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا! لا هم قعدوا في بيوتهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قول المنافقين ، وما أصاب أولئك النفر في الشهادة والخير من الله : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " أي : ما يظهر بلسانه من الإسلام " ويشهد الله على ما في قلبه " أي من النفاق - " وهو ألد الخصام " أي : ذو جدال إذا كلمك وراجعك " وإذا تولى " - أي : خرج من عندك" سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " - أي : [ ص: 231 ] لا يحب عمله ولا يرضاه" وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " الذين شروا أنفسهم لله بالجهاد في سبيل الله والقيام بحقه ، حتى هلكوا على ذلك - يعني هذه السرية .

3963 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس - أو : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - قال : لما أصيبت السرية التي كان فيها عاصم ومرثد بالرجيع ، قال رجال من المنافقين : - ثم ذكر نحو حديث أبي كريب .

وقال آخرون : بل عنى بذلك جميع المنافقين ، وعنى بقوله : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه " [ ص: 232 ] اختلاف سريرته وعلانيته .

ذكر من قال ذلك :

3964 - حدثني محمد بن أبي معشر ، قال : أخبرني أبى أبو معشر نجيح ، قال : سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب ، فقال سعيد : إن في بعض الكتب أن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين ، يجترون الدنيا بالدين ، قال الله تبارك وتعالى : أعلي يجترءون ، وبي يغترون!! وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران !! فقال محمد بن كعب : هذا في كتاب الله جل ثناؤه . فقال سعيد : وأين هو من كتاب الله ؟ قال : قول الله عز وجل : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " فقال سعيد : قد عرفت في من أنزلت هذه الآية ! فقال محمد بن كعب : إن الآية تنزل في الرجل ، ثم تكون عامة بعد .

3965 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن القرظي ، عن نوف - وكان يقرأ الكتب - قال : إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل : " قوم يجتالون الدنيا بالدين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس لباس مسوك الضأن ، وقلوبهم قلوب الذئاب ، فعلي يجترءون! وبي يغترون! حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيهم حيران" . قال القرظي : تدبرتها في القرآن فإذا هم المنافقون ، فوجدتها : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام " ، ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ) [ الحج : 11 ]

3966 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة قوله : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه " قال : هو المنافق .

3967 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 233 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن الناس من يعجبك قوله " ، قال : علانيته في الدنيا ، ويشهد الله في الخصومة ، إنما يريد الحق .

3968 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام " ، قال : هذا عبد كان حسن القول سيئ العمل ، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحسن له القول ، " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها " .

3969 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه " ، قال : يقول قولا في قلبه غيره ، والله يعلم ذلك .

وفي قوله : " ويشهد الله على ما في قلبه" ، وجهان من القراءة : فقرأته عامة القرأة : " ويشهد الله على ما في قلبه" ، بمعنى أن المنافق الذي يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ، يستشهد الله على ما في قلبه ، أن قوله موافق اعتقاده ، وأنه مؤمن بالله ورسوله وهو كاذب . كما : -

3970 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " إلى" والله لا يحب الفساد " ، كان رجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : أي رسول الله أشهد أنك جئت بالحق والصدق من عند الله ! قال : حتى يعجب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله . ثم يقول : أما والله يا رسول الله ، إن الله ليعلم ما في قلبي مثل ما نطق به لساني! فذلك قوله : " ويشهد الله على ما في قلبه " . قال : هؤلاء المنافقون ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ) حتى بلغ : ( إن المنافقين لكاذبون ) [ المنافقون : 1 ] بما يشهدون أنك رسول الله . [ ص: 234 ]

وقال السدي : " ويشهد الله على ما في قلبه " ، يقول : الله يعلم أني صادق ، أني أريد الإسلام .

3971 - حدثني بذلك موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، عن أسباط .

وقال مجاهد : ويشهد الله في الخصومة أنما يريد الحق .

3972 - حدثني بذلك محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عنه .

وقرأ ذلك آخرون : ( ويشهد الله على ما في قلبه ) بمعنى : والله يشهد على الذي في قلبه من النفاق ، وأنه مضمر في قلبه غير الذي يبديه بلسانه وعلى كذبه في قلبه . وهي قراءة ابن محيصن ، وعلى ذلك المعنى تأوله ابن عباس . وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فيما مضى في حديث أبي كريب ، عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق الذي ذكرناه آنفا .

والذي نختار في ذلك من قول القرأة قراءة من قرأ : " ويشهد الله على ما في قلبه " ، بمعنى يستشهد الله على ما في قلبه ، لإجماع الحجة من القرأة عليه .
[ ص: 235 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وهو ألد الخصام ( 204 ) )

قال أبو جعفر : "الألد" من الرجال : الشديد الخصومة ، يقال في" فعلت" منه : " قد لددت يا هذا ، ولم تكن ألد ، فأنت تلد لددا ولدادة" . فأما إذا غلب من خاصمه ، فإنما يقال فيه : " لددت يا فلان فلانا فأنت تلده لدا ، ومنه قول الشاعر :


ثم أردي بهم من تردي تلد أقران الخصوم اللد


قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : تأويله : أنه ذو جدال .

ذكر من قال ذلك :

3973 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : " وهو ألد الخصام " ، أي : ذو جدال ، إذا كلمك وراجعك .

3974 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وهو ألد الخصام " ، يقول : شديد القسوة في معصية الله جدل بالباطل ، [ ص: 236 ] وإذا شئت رأيته عالم اللسان جاهل العمل ، يتكلم بالحكمة ، ويعمل بالخطيئة .

3975 - حدثنا الحسن بن يحيى . قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " وهو ألد الخصام " ، قال : جدل بالباطل .

وقال آخرون : معنى ذلك أنه غير مستقيم الخصومة ، ولكنه معوجها .

ذكر من قال ذلك :

3976 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وهو ألد الخصام " ، قال : ظالم لا يستقيم .

3977 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : "الألد الخصام" ، الذي لا يستقيم على خصومة .

3978 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ألد الخصام " ، أعوج الخصام .

قال : أبو جعفر : وكلا هذين القولين متقارب المعنى ؛ لأن الاعوجاج في الخصومة من الجدال واللدد .

وقال آخرون : معنى ذلك : وهو كاذب في قوله .

ذكر من قال ذلك :

3979 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا وكيع ، عن بعض أصحابه ، عن الحسن ، قال : "الألد الخصام" ، الكاذب القول .

وهذا القول يحتمل أن يكون معناه معنى القولين الأولين إن كان أراد به [ ص: 237 ] قائله أنه يخاصم بالباطل من القول والكذب منه جدلا واعوجاجا عن الحق .

وأما"الخصام" فهو مصدر من قول القائل : "خاصمت فلانا خصاما ومخاصمة" .

وهذا خبر من الله تبارك وتعالى عن المنافق الذي أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه يعجبه إذا تكلم قيله ومنطقه ، ويستشهد الله على أنه محق في قيله ذلك ، لشدة خصومته وجداله بالباطل والزور من القول .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " وإذا تولى " ، وإذا أدبر هذا المنافق من عندك يا محمد منصرفا عنك . كما : -

3980 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، قال حدثني محمد بن أبي محمد قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : " وإذا تولى " ، قال : يعني : وإذا خرج من عندك" سعى " .

وقال بعضهم : وإذا غضب .

ذكر من قال ذلك :

3981 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج قال : [ ص: 238 ] قال ابن جريج في قوله : " وإذا تولى " ، قال : إذا غضب .

فمعنى الآية : وإذا خرج هذا المنافق من عندك يا محمد غضبان ، عمل في الأرض بما حرم الله عليه ، وحاول فيها معصية الله ، وقطع الطريق وإفساد السبيل على عباد الله ، كما قد ذكرنا آنفا من فعل الأخنس بن شريق الثقفي ، الذي ذكر السدي أن فيه نزلت هذه الآية ، من إحراقه زرع المسلمين وقتله حمرهم .

و"السعي" في كلام العرب العمل ، يقال منه : "فلان يسعى على أهله" ، يعني به : يعمل فيما يعود عليهم نفعه ، ومنه قول الأعشى :


وسعى لكندة سعي غير مواكل قيس فضر عدوها وبنى لها


يعني بذلك : عمل لهم في المكارم .

وكالذي قلنا في ذلك كان مجاهد يقول .

3982 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله" وإذا تولى سعى " ، قال : عمل .

واختلف أهل التأويل في معنى"الإفساد" الذي أضافه الله عز وجل إلى هذا المنافق .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 20-10-2022 04:54 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(282)
الحلقة (296)
صــ 239إلى صــ 246




فقال بعضهم : تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطريق وإخافته السبيل ، كما قد ذكرنا قبل من فعل الأخنس بن شريق . [ ص: 239 ]

وقال بعضهم : بل معنى ذلك قطع الرحم وسفك دماء المسلمين .

ذكر من قال ذلك :

3983 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : " سعى في الأرض ليفسد فيها " ، قطع الرحم ، وسفك الدماء ، دماء المسلمين ، فإذا قيل : لم تفعل كذا وكذا ؟ قال أتقرب به إلى الله عز وجل .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تبارك وتعالى وصف هذا المنافق بأنه إذا تولى مدبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل في أرض الله بالفساد . وقد يدخل في"الإفساد" جميع المعاصي ، وذلك أن العمل بالمعاصي إفساد في الأرض ، فلم يخصص الله وصفه ببعض معاني"الإفساد" دون بعض . وجائز أن يكون ذلك الإفساد منه كان بمعنى قطع الطريق ، وجائز أن يكون غير ذلك . وأي ذلك كان منه فقد كان إفسادا في الأرض ؛ لأن ذلك منه لله عز وجل معصية . غير أن الأشبه بظاهر التنزيل أن يكون كان يقطع الطريق ويخيف السبيل ؛ لأن الله تعالى ذكره وصفه في سياق الآية بأنه" سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل" ، وذلك بفعل مخيف السبيل ، أشبه منه بفعل قطاع الرحم .
القول في تأويل قوله تعالى ( ويهلك الحرث والنسل )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في وجه"إهلاك" هذا المنافق ، الذي وصفه الله بما وصفه به من صفة"إهلاك الحرث والنسل" . [ ص: 240 ]

فقال بعضهم : كان ذلك منه إحراقا لزرع قوم من المسلمين وعقرا لحمرهم .

3984 - حدثني بذلك موسى بن هارون ، قال : حدثني عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي .

وقال آخرون بما : -

3985 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثام ، قال : حدثنا النضر بن عربي ، عن مجاهد : " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل " الآية . قال : إذا تولى سعى في الأرض بالعدوان والظلم ، فيحبس الله بذلك القطر ، فيهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . قال : ثم قرأ مجاهد : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) [ الروم : 41 ] قال : ثم قال : أما والله ما هو بحركم هذا ، ولكن كل قرية على ماء جار فهو"بحر" .

والذي قاله مجاهد ، وإن كان مذهبا من التأويل تحتمله الآية ، فإن الذي هو أشبه بظاهر التنزيل من التأويل ما ذكرنا عن السدي ، فلذلك اخترناه

وأما"الحرث" فإنه الزرع ، والنسل : العقب والولد .

"وإهلاكه الزرع" إحراقه . وقد يجوز أن يكون كان كما قال مجاهد باحتباس القطر من أجل معصيته ربه وسعيه بالإفساد في الأرض . وقد يحتمل أن يكون كان بقتله القوام به والمتعاهدين له حتى فسد فهلك . وكذلك جائز في معنى : " إهلاكه النسل" : أن يكون كان بقتله أمهاته أو آباءه التي منها يكون النسل ، فيكون في [ ص: 241 ] قتله الآباء والأمهات انقطاع نسلهما . وجائز أن يكون كما قال مجاهد ، غير أن ذلك وإن كان تحتمله الآية ، فالذي هو أولى بظاهرها ما قاله السدي غير أن السدي ذكر أن الذي نزلت فيه هذه الآية إنما نزلت في قتله حمر القوم من المسلمين وإحراقه زرعا لهم . وذلك وإن كان جائزا أن يكون كذلك ، فغير فاسد أن تكون الآية نزلت فيه ، والمراد بها كل من سلك سبيله في قتل كل ما قتل من الحيوان الذي لا يحل قتله بحال ، والذي يحل قتله في بعض الأحوال - إذا قتله بغير حق ، بل ذلك كذلك عندي ؛ لأن الله تبارك وتعالى لم يخصص من ذلك شيئا دون شيء بل عمه .

وبالذي قلنا في عموم ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

3986 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي أنه سأل ابن عباس : " ويهلك الحرث والنسل " ، قال : نسل كل دابة .

3987 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، أنه سأل ابن عباس : قال : قلت أرأيت قوله : " الحرث والنسل "؟ قال : الحرث حرثكم ، والنسل : نسل كل دابة .

3988 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، قال : سألت ابن عباس عن" الحرث والنسل " ، فقال : الحرث : مما تحرثون ، والنسل : نسل كل دابة .

3989 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من تميم ، عن ابن عباس ، مثله . [ ص: 242 ]

3990 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ويهلك الحرث والنسل " ، فنسل كل دابة ، والناس أيضا .

3991 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ويهلك الحرث " ، قال : نبات الأرض ، " والنسل " من كل دابة تمشي من الحيوان من الناس والدواب .

3992 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ويهلك الحرث " ، قال : نبات الأرض ، " والنسل " : نسل كل شيء .

3993 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الحرث النبات ، والنسل : نسل كل دابة .

3994 - حدثني عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ويهلك الحرث " ، قال : " الحرث " الذي يحرثه الناس : نبات الأرض ، " والنسل " نسل كل دابة .

3995 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : " ويهلك الحرث والنسل " ، قال : الحرث : الزرع ، والنسل من الناس والأنعام ، قال : يقتل نسل الناس والأنعام قال : وقال مجاهد : يبتغي في الأرض هلاك الحرث - نبات الأرض - والنسل من كل شيء من الحيوان .

3996 - حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " ويهلك الحرث والنسل " ، قال : الحرث : الأصل ، والنسل : كل دابة والناس منهم . [ ص: 243 ]

3997 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سئل سعيد بن عبد العزيز عن"فساد الحرث والنسل" وما هما : أي حرث ، وأي نسل ؟ قال سعيد : قال مكحول : الحرث : ما تحرثون ، وأما النسل : فنسل كل شيء .

قال أبو جعفر : وقد قرأ بعض القرأة : "ويهلك الحرث والنسل" برفع "يهلك" ، على معنى : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ، ويهلك الحرث والنسل ، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ، والله لا يحب الفساد فيرد "ويهلك" على "ويشهد الله" عطفا به عليه .

وذلك قراءة عندي غير جائزة ، وإن كان لها مخرج في العربية ، لمخالفتها لما عليه الحجة مجمعة من القراءة في ذلك ، قراءة" ويهلك الحرث والنسل" ، وأن ذلك في قراءة أبي بن كعب ومصحفه - فيما ذكر لنا : "ليفسد فيها وليهلك الحرث والنسل" ، وذلك من أدل الدليل على تصحيح قراءة من قرأ ذلك" ويهلك" بالنصب ، عطفا به على : " ليفسد فيها" .
القول في تأويل قوله تعالى ( والله لا يحب الفساد ( 205 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : والله لا يحب المعاصي ، وقطع السبيل ، وإخافة الطريق .

و"الفساد" مصدر من قول القائل : "فسد الشيء يفسد" ، نظير قولهم : [ ص: 244 ] "ذهب يذهب ذهابا" . ومن العرب من يجعل مصدر"فسد""فسودا" ، ومصدر"ذهب يذهب ذهوبا" .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ( 206 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإذا قيل لهذا المنافق الذي نعت نعته لنبيه عليه الصلاة والسلام ، وأخبره أنه يعجبه قوله في الحياة الدنيا : اتق الله وخفه في إفسادك في أرض الله ، وسعيك فيها بما حرم الله عليك من معاصيه ، وإهلاكك حروث المسلمين ونسلهم - استكبر ودخلته عزة وحمية بما حرم الله عليه ، وتمادى في غيه وضلاله . قال الله جل ثناؤه : فكفاه عقوبة من غيه وضلاله ، صلي نار جهنم ، ولبئس المهاد لصاليها .

واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية .

فقال بعضهم : عني بها كل فاسق ومنافق .

ذكر من قال ذلك :

3998 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، قال : حدثنا بسطام بن مسلم ، قال : حدثنا أبو رجاء العطاردي قال : سمعت عليا في هذه الآية : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " إلى : " والله رءوف بالعباد " ، قال علي : "اقتتلا ورب الكعبة" . [ ص: 245 ]

3999 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " إلى قوله : " والله رءوف بالعباد " ، قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى السبحة وفرغ ، دخل مربدا له ، فأرسل إلى فتيان قد قرأوا القرآن ، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة ، قال : فيأتون فيقرأون القرآن ويتدارسونه ، فإذا كانت القائلة انصرف . قال فمروا بهذه الآية : " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " ، " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد " قال ابن زيد : وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه : اقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال : فقال : وأي شيء قلت ؟ قال : لا شيء يا أمير المؤمنين! قال : ماذا قلت ؟ اقتتل الرجلان ؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال : أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم ، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم ، قال هذا : وأنا أشتري نفسي ! فقاتله ، فاقتتل الرجلان! فقال عمر : لله بلادك يا ابن عباس .

وقال آخرون : بل عنى به الأخنس بن شريق ، وقد ذكرنا من قال ذلك فيما مضى . [ ص: 246 ]

وأما قوله : " ولبئس المهاد" ، فإنه يعني : ولبئس الفراش والوطاء جهنم التي أوعد بها جل ثناؤه هذا المنافق ، ووطأها لنفسه بنفاقه وفجوره وتمرده على ربه .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه : ومن الناس من يبيع نفسه بما وعد الله المجاهدين في سبيله وابتاع به أنفسهم بقوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) [ التوبة : 111 ] .

وقد دللنا على أن معنى"شرى" باع ، في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته .

وأما قوله : " ابتغاء مرضاة الله " فإنه يعني أن هذا الشاري يشري إذا اشترى طلب مرضاة الله .

ونصب" ابتغاء " بقوله : " يشري " ، فكأنه قال : ومن الناس من يشري [ نفسه ] من أجل ابتغاء مرضاة الله ، ثم ترك" من أجل" وعمل فيه الفعل .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 20-10-2022 04:57 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(283)
الحلقة (297)
صــ 247إلى صــ 254




وقد زعم بعض أهل العربية أنه نصب ذلك على الفعل ، على" يشري " ، كأنه قال : لابتغاء مرضاة الله ، فلما نزع"اللام" عمل الفعل ، قال : ومثله : ( حذر الموت ) [ البقرة : 19 ] وقال الشاعر وهو حاتم : [ ص: 247 ]


وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن قول اللئيم تكرما


وقال : لما أذهب"اللام" أعمل فيه الفعل .

وقال بعضهم : أيما مصدر وضع موضع الشرط ، وموضع"أن" فتحسن فيها"الباء" و"اللام" ، فتقول : "أتيتك من خوف الشر - ولخوف الشر - وبأن خفت الشر" ، فالصفة غير معلومة ، فحذفت وأقيم المصدر مقامها . قال : ولو كانت الصفة حرفا واحدا بعينه ، لم يجز حذفها ، كما غير جائز لمن قال : "فعلت هذا لك ولفلان" أن يسقط"اللام" .

ثم اختلف أهل التأويل في من نزلت هذه الآية فيه ومن عني بها . فقال بعضهم : نزلت في المهاجرين والأنصار ، وعني بها المجاهدون في سبيل الله .

ذكر من قال ذلك :

4000 - حدثنا الحسين بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " ، قال : المهاجرون والأنصار .

وقال بعضهم : نزلت في رجال من المهاجرين بأعيانهم .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 248 ]

4001 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " ، قال : نزلت في صهيب بن سنان ، وأبي ذر الغفاري جندب بن السكن أخذ أهل أبي ذر أبا ذر ، فانفلت منهم ، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رجع مهاجرا عرضوا له ، وكانوا بمر الظهران ، فانفلت أيضا حتى قدم على النبي عليه الصلاة والسلام . وأما صهيب فأخذه أهله ، فافتدى منهم بماله ، ثم خرج مهاجرا فأدركه قنقذ بن عمير بن جدعان ، فخرج له مما بقي من ماله ، وخلى سبيله .

4002 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبى جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " الآية ، قال : كان رجل من أهل مكة أسلم ، فأراد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويهاجر إلى المدينة ، فمنعوه وحبسوه ، فقال لهم : أعطيكم داري ومالي وما كان لي من شيء! فخلوا عني ، فألحق بهذا الرجل ! فأبوا . ثم إن بعضهم قال لهم : خذوا منه ما كان له من شيء وخلوا عنه ! ففعلوا ، فأعطاهم داره وماله ، ثم خرج; فأنزل الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " ، الآية . فلما دنا من المدينة تلقاه عمر في رجال ، فقال له عمر : ربح البيع! قال : وبيعك فلا يخسر! قال : وما ذاك ؟ قال : أنزل فيك كذا وكذا .

وقال آخرون : بل عني بذلك كل شار نفسه في طاعة الله وجهاد في سبيله ، أو أمر بمعروف .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 249 ]

4003 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا حسين بن الحسن أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو عون ، عن محمد ، قال : حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه ، فقالوا : ألقى بيده !! فقال أبو هريرة : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " .

4004 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن قيس بن أبي حازم ، عن المغيرة ، قال : بعث عمر جيشا فحاصروا أهل حصن ، وتقدم رجل من بجيلة ، فقاتل ، فقتل ، فأكثر الناس فيه يقولون : ألقى بيده إلى التهلكة! قال : فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : كذبوا ، أليس الله عز وجل يقول : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد " ؟

4005 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، قال : حمل هشام بن عامر على الصف حتى شقه ، فقال أبو هريرة : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " .

4006 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا حزم بن أبي حزم ، قال : سمعت الحسن قرأ : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد " ، أتدرون فيم أنزلت ؟ نزلت في أن المسلم لقي الكافر فقال له : "قل لا إله إلا الله" ، فإذا قلتها عصمت دمك [ ص: 250 ] ومالك إلا بحقهما! فأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله! فتقدم فقاتل حتى قتل .

4007 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا زياد بن أبي مسلم ، عن أبي الخليل ، قال : سمع عمر إنسانا قرأ هذه الآية : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله " ، قال : استرجع عمر فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون! قام رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بظاهر هذه الآية من التأويل ، ما روي عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم ، من أن يكون عني بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر .

وذلك أن الله جل ثناؤه وصف صفة فريقين : أحدهما منافق يقول بلسانه خلاف ما في نفسه ، وإذا اقتدر على معصية الله ركبها ، وإذا لم يقتدر رامها ، وإذا نهي أخذته العزة بالإثم بما هو به آثم ، والآخر منهما بائع نفسه ، طالب من الله رضا الله . فكان الظاهر من التأويل أن الفريق الموصوف بأنه شرى نفسه لله وطلب رضاه ، إنما شراها للوثوب بالفريق الفاجر طلب رضا الله . فهذا هو الأغلب الأظهر من تأويل الآية .

وأما ما روي من نزول الآية في أمر صهيب ، فإن ذلك غير مستنكر ، إذ كان غير مدفوع جواز نزول آية من عند الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بسبب من الأسباب ، والمعني بها كل من شمله ظاهرها . [ ص: 251 ]

فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل وصف شاريا نفسه ابتغاء مرضاته ، فكل من باع نفسه في طاعته حتى قتل فيها ، أو استقتل وإن لم يقتل ، فمعني بقوله : " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" - في جهاد عدو المسلمين كان ذلك منه ، أو في أمر بمعروف أو نهي عن منكر .
القول في تأويل قوله تعالى ( والله رءوف بالعباد ( 207 ) )

قد دللنا فيما مضى على معنى"الرأفة" ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وأنها رقة الرحمة

فمعنى ذلك : والله ذو رحمة واسعة بعبده الذي يشري نفسه له في جهاد من حاده في أمره من أهل الشرك والفسوق وبغيره من عباده المؤمنين في عاجلهم وآجل معادهم ، فينجز لهم الثواب على ما أبلوا في طاعته في الدنيا ، ويسكنهم جناته على ما عملوا فيها من مرضاته .
القول في تأويل قوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى السلم في هذا الموضع .

فقال بعضهم : معناه : الإسلام .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 252 ]

4008 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ادخلوا في السلم " ، قال : ادخلوا في الإسلام .

4009 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " ادخلوا في السلم " ، قال : ادخلوا في الإسلام .

4010 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : السلم : الإسلام .

4011 - حدثني موسى بن هارون ، قال : أخبرنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ادخلوا في السلم " ، يقول : في الإسلام .

4012 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد : ادخلوا في الإسلام .

4013 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " ادخلوا في السلم " . قال : السلم : الإسلام .

4014 - حدثت عن الحسين بن فرج ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : " ادخلوا في السلم " : في الإسلام .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ادخلوا في الطاعة .

ذكر من قال ذلك :

4015 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ادخلوا في السلم " ، يقول : ادخلوا في الطاعة .

وقد اختلف القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز : "ادخلوا في السلم" بفتح السين ، وقرأته عامة قرأة الكوفيين بكسر السين . [ ص: 253 ]

فأما الذين فتحوا"السين" من"السلم" ، فإنهم وجهوا تأويلها إلى المسالمة ، بمعنى : ادخلوا في الصلح والمسالمة وترك الحرب وإعطاء الجزية .

وأما الذين قرءوا ذلك بالكسر من"السين" فإنهم مختلفون في تأويله .

فمنهم من يوجهه إلى الإسلام ، بمعنى ادخلوا في الإسلام كافة ، ومنهم من يوجهه إلى الصلح ، بمعنى : ادخلوا في الصلح ، ويستشهد على أن"السين" تكسر ، وهي بمعنى الصلح بقول زهير بن أبي سلمى :


وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من الأمر نسلم


وأولى التأويلات بقوله : " ادخلوا في السلم" ، قول من قال : معناه : ادخلوا في الإسلام كافة .

وأما الذي هو أولى القراءتين بالصواب في قراءة ذلك ، فقراءة من قرأ بكسر "السين" لأن ذلك إذا قرئ كذلك - وإن كان قد يحتمل معنى الصلح - فإن معنى الإسلام ودوام الأمر الصالح عند العرب ، أغلب عليه من الصلح والمسالمة ، وينشد بيت أخي كندة :


دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرينا


[ ص: 254 ] بكسر السين ، بمعنى : دعوتهم للإسلام لما ارتدوا ، وكان ذلك حين ارتدت كندة مع الأشعث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقرأ سائر ما في القرآن من ذكر"السلم" بالفتح سوى هذه التي في سورة البقرة ، فإنه كان يخصها بكسر سينها توجيها منه لمعناها إلى الإسلام دون ما سواها .

وإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل في قوله : " ادخلوا في السلم " وصرفنا معناه إلى الإسلام ، لأن الآية مخاطب بها المؤمنون ، فلن يعدو الخطاب إذ كان خطابا للمؤمنين من أحد أمرين :

إما أن يكون خطابا للمؤمنين بمحمد المصدقين به وبما جاء به ، فإن يكن ذلك كذلك ، فلا معنى أن يقال لهم وهم أهل الإيمان : "ادخلوا في صلح المؤمنين ومسالمتهم" ، لأن المسالمة والمصالحة إنما يؤمر بها من كان حربا بترك الحرب ، فأما الموالي فلا يجوز أن يقال له : "صالح فلانا" ، ولا حرب بينهما ولا عداوة .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 20-10-2022 05:00 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(284)
الحلقة (298)
صــ 255إلى صــ 262






أو يكون خطابا لأهل الإيمان بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصدقين بهم ، وبما جاءوا به من عند الله المنكرين محمدا ونبوته ، فقيل لهم : " ادخلوا في السلم " ، يعني به الإسلام ، لا الصلح ؛ لأن الله عز وجل إنما أمر عباده بالإيمان به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، وإلى الذي دعاهم دون المسالمة والمصالحة . بل نهى نبيه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال عن دعاء أهل الكفر إلى الصلح فقال : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ) [ ص: 255 ] [ محمد : 35 ] وإنما أباح له صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال إذا دعوه إلى الصلح ابتداء المصالحة ، فقال له جل ثناؤه : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) [ الأنفال : 61 ] فأما دعاؤهم إلى الصلح ابتداء ، فغير موجود في القرآن ، فيجوز توجيه قوله : " ادخلوا في السلم " إلى ذلك .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فأي هذين الفريقين دعي إلى الإسلام كافة ؟

قيل : قد اختلف في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : دعي إليه المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به .

وقال آخرون : قيل : دعي إليه المؤمنون بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المكذبون بمحمد .

فإن قال : فما وجه دعاء المؤمن بمحمد وبما جاء به إلى الإسلام ؟

قيل : وجه دعائه إلى ذلك الأمر له بالعمل بجميع شرائعه ، وإقامة جميع أحكامه وحدوده ، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه . وإذا كان ذلك معناه ، كان قوله : " كافة" من صفة"السلم" ، ويكون تأويله : ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم ، ولا تضيعوا شيئا منه يا أهل الإيمان بمحمد وما جاء به .

وبنحو هذا المعنى كان يقول عكرمة في تأويل ذلك .

4016 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : نزلت في ثعلبة ، وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وسعية بن عمرو [ ص: 256 ] وقيس بن زيد - كلهم من يهود - قالوا : يا رسول الله ، يوم السبت يوم كنا نعظمه ، فدعنا فلنسبت فيه! وإن التوراة كتاب الله ، فدعنا فلنقم بها بالليل ! فنزلت : " ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان "

فقد صرح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام ، والعمل بجميع شرائع الإسلام ، والنهي عن تضييع شيء من حدوده .

وقال آخرون : بل الفريق الذي دعي إلى السلم فقيل لهم : "ادخلوا فيه" بهذه الآية هم أهل الكتاب ، أمروا بالدخول في الإسلام .

ذكر من قال ذلك :

4017 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس في قوله : " ادخلوا في السلم كافة " ، يعني أهل الكتاب .

4018 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قول الله عز وجل : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : يعني أهل الكتاب .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها ، وقد يدخل في"الذين آمنوا" المصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به ، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل ، وما جاءوا به ، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده ، والمحافظة على فرائضه التي فرضها ، ونهاهم عن تضييع [ ص: 257 ] شيء من ذلك ، فالآية عامة لكل من شمله اسم"الإيمان" ، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض .

وبمثل التأويل الذي قلنا في ذلك كان مجاهد يقول .

4019 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : ادخلوا في الإسلام كافة ، ادخلوا في الأعمال كافة .
القول في تأويل قوله تعالى ( كافة )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله " كافة " عامة ، ، جميعا كما : -

4020 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " في السلم كافة " قال : جميعا .

4021 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " في السلم كافة " ، قال : جميعا .

4022 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع " في السلم كافة " ، قال : جميعا وعن أبيه ، عن قتادة مثله .

4023 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، عن النضر ، عن مجاهد ، ادخلوا في الإسلام جميعا .

4024 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : " كافة " ، : جميعا . [ ص: 258 ]

4025 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " كافة " ، جميعا وقرأ . ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ التوبة : 36 ] جميعا .

4026 - حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ادخلوا في السلم كافة " ، قال : جميعا .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 208 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه . بذلك : اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلها ، وادخلوا في التصديق به قولا وعملا ودعوا طرائق الشيطان وآثاره أن تتبعوها فإنه لكم عدو مبين لكم عداوته . وطريق الشيطان الذي نهاهم أن يتبعوه هو ما خالف حكم الإسلام وشرائعه ، ومنه تسبيت السبت وسائر سنن أهل الملل التي تخالف ملة الإسلام .

وقد بينت معنى"الخطوات" بالأدلة الشاهدة على صحته فيما مضى ، فكرهت إعادته في هذا المكان .
[ ص: 259 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ( 209 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإن أخطأتم الحق فضللتم عنه ، وخالفتم الإسلام وشرائعه ، من بعد ما جاءتكم حججي وبينات هداي ، واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون فاعلموا أن الله ذو عزة ، لا يمنعه من الانتقام منكم مانع ، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع "حكيم" فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه ، بعد إقامته الحجة عليكم ، وفي غيره من أموره .

وقد قال عدد من أهل التأويل : إن" البينات " هي محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .

وذلك قريب من الذي قلنا في تأويل ذلك ؛ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن ، من حجج الله على الذين خوطبوا بهاتين الآيتين . غير أن الذي قلناه في تأويل ذلك أولى بالحق ؛ لأن الله جل ثناؤه ، قد احتج على من خالف الإسلام من أحبار أهل الكتاب بما عهد إليهم في التوراة والإنجيل ، وتقدم إليهم على ألسن أنبيائهم بالوصاة به ، فذلك وغيره من حجج الله تبارك وتعالى عليهم مع ما لزمهم من الحجج بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن . فلذلك اخترنا ما اخترنا من التأويل في ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله : " فإن زللتم " :

4027 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " فإن زللتم " ، يقول : فإن ضللتم . [ ص: 260 ]

4028 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فإن زللتم " قال : الزلل : الشرك .

ذكر أقوال القائلين في تأويل قوله : " من بعد ما جاءتكم البينات " :

4029 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " من بعد ما جاءتكم البينات " ، يقول : من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم .

4030 - وحدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج : " فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات " ، قال : الإسلام والقرآن .

4031 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فاعلموا أن الله عزيز حكيم " ، يقول : عزيز في نقمته ، حكيم في أمره .
القول في تأويل قوله تعالى ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : هل ينظر المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ؟ .

ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله : " والملائكة" . [ ص: 261 ]

فقرأ بعضهم : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " ، بالرفع ، عطفا ب "الملائكة" على اسم الله تبارك وتعالى ، على معنى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام .

ذكر من قال ذلك :

4032 - حدثني أحمد بن يوسف عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال - في قراءة أبي بن كعب : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام" ، قال : تأتي الملائكة في ظلل من الغمام ، ويأتي الله عز وجل فيما شاء .

4033 - وقد حدثت هذا الحديث عن عمار بن الحسن ، عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " الآية ، وقال أبو جعفر الرازي : وهي في بعض القراءة : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام" ، كقوله : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) [ الفرقان : 25 ]

وقرأ ذلك آخرون : "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" بالخفض عطفا ب "الملائكة" على"الظلل" ، بمعنى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة .

وكذلك اختلفت القرأة في قراءة" ظلل " ، فقرأها بعضهم : " في ظلل " ، وبعضهم : "في ظلال" .

فمن قرأها" في ظلل " ، فإنه وجهها إلى أنها جمع"ظلة" ، و"الظلة" ، تجمع " ظلل وظلال" ، كما تجمع"الخلة" ، "خلل وخلال" ، و"الجلة" ، جلل وجلال" . [ ص: 262 ]

وأما الذي قرأها"في ظلال" ، فإنه جعلها جمع "ظلة" ، كما ذكرنا من جمعهم "الخلة" "خلال" .

وقد يحتمل أن يكون قارئه كذلك ، وجهه إلى أن ذلك جمع "ظل" ؛ لأن "الظلة" و"الظل" قد يجمعان جميعا"ظلالا" .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندي : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، لخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا . فدل بقوله : "طاقات" ، على أنها ظلل لا ظلال ؛ لأن واحد "الظلل" "ظلة" ، وهي الطاق واتباعا لخط المصحف . وكذلك الواجب في كل ما اتفقت معانيه واختلفت في قراءته القرأة ، ولم يكن على إحدى القراءتين دلالة تنفصل بها من الأخرى غير اختلاف خط المصحف ، فالذي ينبغي أن تؤثر قراءته منها ما وافق رسم المصحف .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 20-10-2022 05:02 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(285)
الحلقة (299)
صــ 263إلى صــ 270




وأما الذي هو أولى القراءتين في : " والملائكة" ، فالصواب بالرفع ، عطفا بها على اسم الله تبارك وتعالى ، على معنى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وإلا أن تأتيهم الملائكة ، على ما روي عن أبي بن كعب ؛ لأن الله جل ثناؤه قد أخبر في غير موضع من كتابه أن الملائكة تأتيهم ، فقال جل ثناؤه : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) [ الفجر : 22 ] ، وقال : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) [ الأنعام : 158 ] فإن أشكل على امرئ قول الله جل ثناؤه : ( والملك صفا صفا ) فظن أنه مخالف معناه معنى قوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " ، [ ص: 263 ] إذ كان قوله : " والملائكة " في هذه الآية بلفظ جمع ، وفي الأخرى بلفظ الواحد . فإن ذلك خطأ من الظن ، وذلك أن"الملك" في قوله : ( وجاء ربك والملك ) بمعنى الجميع ، ومعنى " الملائكة " . والعرب تذكر الواحد بمعنى الجميع ، فتقول : "فلان كثير الدرهم والدينار" يراد به : الدراهم والدنانير و"هلك البعير والشاة" ، بمعنى جماعة الإبل والشاء ، فكذلك قوله : " والملك" بمعنى"الملائكة" .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في قوله : " ظلل من الغمام " ، وهل هو من صلة فعل الله جل ثناؤه ، أو من صلة فعل" الملائكة " ، ومن الذي يأتي فيها ؟ فقال بعضهم : هو من صلة فعل الله ، ومعناه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وأن تأتيهم الملائكة .

ذكر من قال ذلك :

4034 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، قال : هو غير السحاب لم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا ، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة .

4035 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، قال : يأتيهم الله وتأتيهم الملائكة عند الموت .

4036 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عكرمة في قوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " ، قال : طاقات من الغمام ، والملائكة حوله قال ابن جريج ، وقال غيره : والملائكة بالموت [ ص: 264 ]

وقول عكرمة هذا ، وإن كان موافقا قول من قال : إن قوله : في ظلل من الغمام " من صلة فعل الرب تبارك وتعالى الذي قد تقدم ذكرناه ، فإنه له مخالف في صفة الملائكة . وذلك أن الواجب من القراءة على تأويل قول عكرمة هذا في" الملائكة " الخفض ؛ لأنه تأول الآية : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وفي الملائكة ؛ لأنه زعم أن الله تعالى يأتي في ظلل من الغمام والملائكة حوله .

هذا إن كان وجه قوله : "والملائكة حوله" ، إلى أنهم حول الغمام ، وجعل"الهاء" في"حوله" من ذكر" الغمام " . وإن كان وجه قوله : "والملائكة حوله" إلى أنهم حول الرب تبارك وتعالى ، وجعل"الهاء" في"حوله" من ذكر الرب عز جل ، فقوله نظير قول الآخرين الذين قد ذكرنا قولهم ، غير مخالفهم في ذلك .

وقال آخرون : بل قوله : " في ظلل من الغمام " من صلة فعل"الملائكة" ، وإنما تأتي الملائكة فيها ، وأما الرب تعالى ذكره فإنه يأتي فيما شاء .

ذكر من قال ذلك :

4037 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " الآية ، قال : ذلك يوم القيامة ، تأتيهم الملائكة في ظلل من الغمام . قال : الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام ، والرب تعالى يجيء فيما شاء .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من وجه قوله : " في ظلل من الغمام " إلى أنه من صلة فعل الرب عز وجل ، وأن معناه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وتأتيهم الملائكة ، لما : -

4038 - حدثنا به محمد بن حميد ، قال : حدثنا إبراهيم بن المختار ، عن ابن جريج ، عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفا ، وذلك [ ص: 265 ] قوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر " .

وأما معنى قوله : " هل ينظرون " ، فإنه ما ينظرون ، وقد بينا ذلك بعلله فيما مضى من كتابنا هذا قبل .

ثم اختلف في صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله " .

فقال بعضهم : لا صفة لذلك غير الذي وصف به نفسه عز وجل من المجيء والإتيان والنزول ، وغير جائز تكلف القول في ذلك لأحد إلا بخبر من الله جل جلاله ، أو من رسول مرسل . فأما القول في صفات الله وأسمائه ، فغير جائز لأحد من جهة الاستخراج إلا بما ذكرنا .

وقال آخرون : إتيانه عز وجل ، نظير ما يعرف من مجيء الجائي من موضع إلى موضع ، وانتقاله من مكان إلى مكان .

وقال آخرون : معنى قوله : " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله " ، يعني به : هل ينظرون إلا أن يأتيهم أمر الله ، كما يقال : "قد خشينا أن يأتينا بنو أمية " ، يراد به : حكمهم . [ ص: 266 ]

وقال آخرون : بل معنى ذلك : هل ينظرون إلا أن يأتيهم ثوابه وحسابه وعذابه ، كما قال عز وجل : ( بل مكر الليل والنهار ) [ سبأ : 33 ] وكما يقال : "قطع الوالي اللص أو ضربه" ، وإنما قطعه أعوانه .

وقد بينا معنى"الغمام" فيما مضى من كتابنا هذا قبل فأغنى ذلك عن تكريره ؛ لأن معناه ههنا هو معناه هنالك .

قال أبو جعفر : فمعنى الكلام إذا : هل ينظر التاركون الدخول في السلم كافة والمتبعون خطوات الشيطان ، إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، فيقضي في أمرهم ما هو قاض .

4939 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المديني ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : توقفون موقفا واحدا يوم القيامة مقدار سبعين عاما ، لا ينظر إليكم ولا يقضي بينكم ، قد حصر عليكم ، فتبكون حتى ينقطع الدمع ، ثم تدمعون دما ، وتبكون حتى يبلغ ذلك منكم الأذقان ، أو يلجمكم فتصيحون ، ثم تقولون : من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا ؟ فيقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم ؟ جبل الله تربته ، وخلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا فيؤتى آدم ، فيطلب ذلك إليه ، فيأبى ، ثم يستقرئون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا أبى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى يأتوني ، فإذا جاءوني خرجت حتى آتي الفحص قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الفحص ؟ قال : قدام العرش فأخر ساجدا ، فلا أزال ساجدا [ ص: 267 ] حتى يبعث الله إلي ملكا ، فيأخذ بعضدي فيرفعني ، ثم يقول الله لي : يا محمد ! فأقول : نعم! وهو أعلم . فيقول : ما شأنك ؟ فأقول : يا رب وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم . فيقول : قد شفعتك ، أنا آتيكم فأقضي بينكم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأنصرف حتى أقف مع الناس ، فبينا نحن وقوف سمعنا حسا من السماء شديدا ، فهالنا ، فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، فقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا! وهو آت . ثم نزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة ، وبمثلي من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، فقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا! وهو آت . ثم نزل أهل السماء الثالثة بمثلي من نزل من الملائكة ، وبمثلي من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، فقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا ! وهو آت ، ثم نزل أهل السموات على عدد ذلك من التضعيف ، حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة ، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون : " سبحان ذي الملك والملكوت! سبحان رب العرش ذي الجبروت! سبحان الحي الذي لا يموت! سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت! سبوح قدوس ، رب الملائكة والروح! قدوس قدوس! سبحان ربنا الأعلى! سبحان ذي السلطان والعظمة! سبحانه أبدا أبدا"! فينزل تبارك وتعالى ، يحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعا ، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والسموات إلى حجزهم ، والعرش على مناكبهم . فوضع الله عز وجل عرشه حيث شاء من الأرض ، ثم ينادي مناد نداء يسمع الخلائق ، فيقول : يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت منذ يوم خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع كلامكم ، وأبصر أعمالكم ، فأنصتوا إلى ، فإنما هو صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه! فيقضي الله عز وجل بين خلقه الجن والإنس والبهائم ، فإنه [ ص: 268 ] ليقتص يومئذ للجماء من ذات القرن " .

قال أبو جعفر : وهذا الخبر يدل على خطأ قول قتادة في تأويله قوله : " والملائكة " أنه يعني به الملائكة تأتيهم عند الموت ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر أنهم يأتونهم بعد قيام الساعة في موقف الحساب ، حين تشقق السماء ، وبمثل ذلك روي الخبر [ ص: 269 ] عن جماعة من الصحابة والتابعين ، كرهنا إطالة الكتاب بذكرهم وذكر ما قالوا في ذلك ، ويوضح أيضا صحة ما اخترنا في قراءة قوله : " والملائكة " بالرفع على معنى : وتأتيهم الملائكة ويبين عن خطأ قراءة من قرأ ذلك بالخفض ؛ لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تأتي أهل القيامة في موقفهم حين تفطر السماء ، قبل أن يأتيهم ربهم ، في ظلل من الغمام . إلا أن يكون قارئ ذلك ذهب إلى أنه عز وجل عنى بقوله ذلك : إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وفي الملائكة الذين يأتون أهل الموقف حين يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، فيكون ذلك وجها من التأويل ، وإن كان بعيدا من قول أهل العلم ، ودلالة الكتاب وآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ( 210 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : وفصل القضاء بالعدل بين الخلق ، على ما ذكرناه قبل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أخذ الحق لكل مظلوم من كل ظالم ، حتى القصاص للجماء من القرناء من البهائم " .

وأما قوله : " وإلى الله ترجع الأمور " ، فإنه يعني : وإلى الله يؤول القضاء بين خلقه يوم القيامة ، والحكم بينهم في أمورهم التي جرت في الدنيا ، من ظلم بعضهم بعضا ، واعتداء المعتدي منهم حدود الله ، وخلاف أمره ، وإحسان المحسن منهم ، وطاعته إياه فيما أمره به - فيفصل بين المتظالمين ، ويجازي أهل الإحسان بالإحسان ، [ ص: 270 ] وأهل الإساءة بما رأى ، ويتفضل على من لم يكن منهم كافرا فيعفو . ولذلك قال جل ثناؤه : " وإلى الله ترجع الأمور " ، وإن كانت أمور الدنيا كلها والآخرة ، من عنده مبدؤها ، وإليه مصيرها ، إذ كان خلقه في الدنيا يتظالمون ، ويلي النظر بينهم أحيانا في الدنيا بعض خلقه ، فيحكم بينهم بعض عبيده ، فيجور بعض ويعدل بعض ، ويصيب واحد ويخطئ واحد ، ويمكن من تنفيذ الحكم على بعض ، ويتعذر ذلك على بعض ، لمنعة جانبه وغلبته بالقوة . فأعلم عباده تعالى ذكره أن مرجع جميع ذلك إليه في موقف القيامة ، فينصف كلا من كل ، ويجازي حق الجزاء كلا حيث لا ظلم ولا ممتنع من نفوذ حكمه عليه ، وحيث يستوي الضعيف والقوي ، والفقير والغني ، ويضمحل الظلم وينزل سلطان العدل .

وإنما أدخل جل وعز" الألف واللام" في"الأمور" ؛ لأنه جل ثناؤه عنى بها جميع الأمور ، ولم يعن بها بعضا دون بعض ، فكان ذلك بمعنى قول القائل : "يعجبني العسل - والبغل أقوى من الحمار" ، فيدخل فيه"الألف واللام" ؛ لأنه لم يقصد به قصد بعض دون بعض ، إنما يراد به العموم والجمع .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 20-10-2022 05:04 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(286)
الحلقة (300)
صــ 271إلى صــ 278




القول في تأويل قوله عز ذكره ( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : سل يا محمد بني إسرائيل الذين لا ينتظرون - بالإنابة إلى طاعتي ، والتوبة إلي بالإقرار بنبوتك وتصديقك فيما جئتهم به من عندي - إلا أن آتيهم في ظلل من الغمام وملائكتي ، فأفصل القضاء بينك وبين من آمن بك وصدقك بما أنزلت إليك من كتبي ، وفرضت [ ص: 271 ] عليك وعليهم من شرائع ديني ، وبينهم كم جئتهم به من قبلك من آية وعلامة ، على ما فرضت عليهم من فرائضي ، فأمرتهم به من طاعتي ، وتابعت عليهم من حججي على أيدي أنبيائي ورسلي من قبلك ، مؤيدة لهم على صدقهم ، بينة أنها من عندي ، واضحة أنها من أدلتي على صدق نذري ورسلي فيما افترضت عليهم من تصديقهم وتصديقك ، فكفروا حججي ، وكذبوا رسلي ، وغيروا نعمي قبلهم ، وبدلوا عهدي ووصيتي إليهم .

وأما"الآية" ، فقد بينت تأويلها فيما مضى من كتابنا بما فيه الكفاية وهي هاهنا . ما : -

4040 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة " ، ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر ، وهم اليهود .

4041 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة " ، يقول : آتاهم الله آيات بينات : عصا موسى ويده ، وأقطعهم البحر ، وأغرق عدوهم وهم ينظرون ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وذلك من آيات الله التي آتاها بني إسرائيل في آيات كثيرة غيرها ، خالفوا معها أمر الله ، فقتلوا أنبياء الله ورسله ، وبدلوا عهده ووصيته إليهم ، قال الله : " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب " .

قال أبو جعفر : وإنما أنبأ الله نبيه بهذه الآيات ، فأمره بالصبر على من كذبه ، واستكبر على ربه ، وأخبره أن ذلك فعل من قبله من أسلاف الأمم قبلهم بأنبيائهم ، [ ص: 272 ] مع مظاهرته عليهم الحجج ، وأن من هو بين أظهرهم من اليهود إنما هم من بقايا من جرت عادتهم [ بذلك ] ، ممن قص عليه قصصهم من بني إسرائيل .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ( 211 ) )

قال أبو جعفر : يعني"بالنعم" جل ثناؤه : الإسلام وما فرض من شرائع دينه .

ويعني بقوله : " ومن يبدل نعمة الله " ومن يغير ما عاهد الله في نعمته التي هي الإسلام ، من العمل والدخول فيه فيكفر به ، فإنه معاقبه بما أوعد على الكفر به من العقوبة ، والله شديد عقابه ، أليم عذابه .

فتأويل الآية إذا يا أيها الذين آمنوا بالتوراة فصدقوا بها ، ادخلوا في الإسلام ، جميعا ودعوا الكفر ، وما دعاكم إليه الشيطان من ضلالته ، وقد جاءتكم البينات من عندي بمحمد ، وما أظهرت على يديه لكم من الحجج والعبر ، فلا تبدلوا عهدي إليكم فيه وفيما جاءكم به من عندي في كتابكم بأنه نبيي ورسولي ، فإنه من يبدل ذلك منكم فيغيره فإنى له معاقب بالأليم من العقوبة .

وبمثل الذي قلنا في قوله : " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته " ، قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 273 ]

4042 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته " ، قال : يكفر بها .

4043 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

4044 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن يبدل نعمة الله " ، قال : يقول : من يبدلها كفرا .

4045 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته " ، يقول : ومن يكفر نعمته من بعد ما جاءته .
القول في تأويل قوله تعالى ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : زين للذين كفروا حب الحياة الدنيا العاجلة اللذات ، فهم يبتغون فيها المكاثرة والمفاخرة ، ويطلبون فيها الرياسات والمباهاة ، ويستكبرون عن اتباعك يا محمد ، والإقرار بما جئت به من عندي ، تعظما منهم على من صدقك واتبعك ، ويسخرون بمن تبعك من أهل ، الإيمان ، والتصديق بك ، في تركهم المكاثرة ، والمفاخرة بالدنيا وزينتها من الرياش والأموال ، [ ص: 274 ] بطلب الرياسات وإقبالهم على طلبهم ما عندي برفض الدنيا وترك زينتها ، والذين عملوا لي وأقبلوا على طاعتي ، ورفضوا لذات الدنيا وشهواتها ، اتباعا لك ، وطلبا لما عندي ، واتقاء منهم بأداء فرائضي ، وتجنب معاصي فوق الذين كفروا يوم القيامة ، بإدخال المتقين الجنة ، وإدخال الذين كفروا النار .

وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة منهم .

ذكر من قال ذلك :

4046 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " زين للذين كفروا الحياة الدنيا " ، قال : الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها " ويسخرون من الذين آمنوا " ، في طلبهم الآخرة - قال ابن جريج : لا أحسبه إلا عن عكرمة ، قال : قالوا : لو كان محمد نبيا كما يقول ، لاتبعه أشرافنا وساداتنا! والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود !

4047 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة " ، قال : " فوقهم " في الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى ( والله يرزق من يشاء بغير حساب ( 212 ) )

قال أبو جعفر : ويعني بذلك : والله يعطي الذين اتقوا يوم القيامة من نعمه وكراماته وجزيل عطاياه ، بغير محاسبة منه لهم على ما من به عليهم من كرامته .

فإن قال لنا قائل : وما في قوله : " يرزق من يشاء بغير حساب " من المدح ؟ قيل : المعنى الذي فيه من المدح ، الخبر عن أنه غير خائف نفاد خزائنه ، [ ص: 275 ] فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها ، إذ كان الحساب من المعطي إنما يكون ليعلم قدر العطاء الذي يخرج من ملكه إلى غيره ، لئلا يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به ، فربنا تبارك وتعالى غير خائف نفاد خزائنه ، ولا انتقاص شيء من ملكه ، بعطائه ما يعطي عباده ، فيحتاج إلى حساب ما يعطي ، وإحصاء ما يبقي . فذلك المعنى الذي في قوله : " والله يرزق من يشاء بغير حساب "
القول في تأويل قوله تعالى ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى"الأمة " : في هذا الموضع ، وفي" الناس " الذين وصفهم الله بأنهم : كانوا أمة واحدة .

فقال بعضهم : هم الذين كانوا بين آدم ونوح ، وهم عشرة قرون ، كلهم كانوا على شريعة من الحق ، فاختلفوا بعد ذلك .

ذكر من قال ذلك :

4048 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام بن منبه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان بين نوح وآدم عشرة قرون ، كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا" . [ ص: 276 ]

4049 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : كانوا على الهدى جميعا فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، فكان أول نبي بعث نوح .

قال أبو جعفر : فتأويل"الأمة" على هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس "الدين" ، كما قال النابغة الذبياني :


حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع؟


يعني ذا الدين .

فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء : كان الناس أمة مجتمعة على ملة واحدة ودين واحد فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .

وأصل"الأمة" ، الجماعة تجتمع على دين واحد ، ثم يكتفى بالخبر عن"الأمة" من الخبر عن"الدين" ، لدلالتها عليه ، كما قال جل ثناؤه : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) [ سورة المائدة : 48 ، سورة النحل : 93 ] ، يراد به أهل دين واحد وملة واحدة . فوجه ابن عباس في تأويله قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، إلى أن الناس كانوا أهل دين واحد حتى اختلفوا .

وقال آخرون : بل تأويل ذلك كان آدم على الحق إماما لذريته ، فبعث الله النبيين في ولده . ووجهوا معنى"الأمة" إلى طاعة الله ، والدعاء إلى توحيده واتباع أمره ، من قول الله عز وجل ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ) [ سورة النحل : 120 ] ، يعني بقوله : " أمة " ، إماما في الخير يقتدى به ، ويتبع عليه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 277 ]

4050 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : آدم .

4051 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

4052 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : آدم ، قال : كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، قال مجاهد : آدم أمة وحده ،

وكأن من قال هذا القول ، استجاز بتسمية الواحد باسم الجماعة لاجتماع أخلاق الخير الذي يكون في الجماعة المفرقة فيمن سماه ب "الأمة" ، كما يقال : "فلان أمة وحده" ، يقوم مقام الأمة .

وقد يجوز أن يكون سماه بذلك ؛ لأنه سبب لاجتماع الأشتات من الناس على ما دعاهم إليه من أخلاق الخير ، فلما كان آدم صلى الله عليه وسلم سببا لاجتماع من اجتمع على دينه من ولده إلى حال اختلافهم سماه بذلك"أمة" .

وقال آخرون : معنى ذلك كان الناس أمة واحدة على دين واحد يوم استخرج ذرية آدم من صلبه ، فعرضهم على آدم .

ذكر من قال ذلك :

4053 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع [ ص: 278 ] قوله : " كان الناس أمة واحدة " - وعن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، قال : كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ، ففطرهم يومئذ على الإسلام ، وأقروا له بالعبودية ، وكانوا أمة واحدة مسلمين كلهم ، ثم اختلفوا من بعد آدم فكان أبي يقرأ : "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" إلى" فيما اختلفوا فيه " . وإن الله إنما بعث الرسل وأنزل الكتب عند الاختلاف .

4054 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : حين أخرجهم من ظهر آدم لم يكونوا أمة واحدة قط غير ذلك اليوم" فبعث الله النبيين " ، قال : هذا حين تفرقت الأمم .

وتأويل الآية على هذا القول نظير تأويل قول من قال يقول ابن عباس : إن الناس كانوا على دين واحد فيما بين آدم ونوح - وقد بينا معناه هنالك; إلا أن الوقت الذي كان فيه الناس أمة واحدة مخالف الوقت الذي وقته ابن عباس .

وقال آخرون بخلاف ذلك كله في ذلك ، وقالوا : إنما معنى قوله : " كان الناس أمة واحدة" ، على دين واحد ، فبعث الله النبيين .

ذكر من قال ذلك :

4055 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، يقول : كان دينا واحدا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-11-2022 03:55 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(287)
الحلقة (301)
صــ 279إلى صــ 286




قال أبو جعفر : وأولى التأويلات في هذه الآية بالصواب أن يقال إن الله عز وجل أخبر عباده أن الناس كانوا أمة واحدة على دين واحد وملة واحدة . كما : - [ ص: 279 ]

4056 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " كان الناس أمة واحدة " ، يقول : دينا واحدا على دين آدم ، فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .

وكان الدين الذي كانوا عليه دين الحق ، كما قال أبي بن كعب ، كما : -

4057 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : هي في قراءة ابن مسعود : "اختلفوا عنه" عن الإسلام .

فاختلفوا في دينهم ، فبعث الله عند اختلافهم في دينهم النبيين مبشرين ومنذرين ، " وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " ، رحمة منه جل ذكره بخلقه واعتذارا منه إليهم .

وقد يجوز أن يكون ذلك الوقت الذي كانوا فيه أمة واحدة من عهد آدم إلى عهد نوح عليهما السلام ، كما روى عكرمة ، عن ابن عباس ، وكما قاله قتادة .

وجائز أن يكون كان ذلك حين عرض على آدم خلقه . وجائز أن يكون كان ذلك في وقت غير ذلك - ولا دلالة من كتاب الله ولا خبر يثبت به الحجة على أي هذه الأوقات كان ذلك . فغير جائز أن نقول فيه إلا ما قال الله عز وجل من أن الناس كانوا أمة واحدة ، فبعث الله فيهم لما اختلفوا الأنبياء والرسل . ولا يضرنا [ ص: 280 ] الجهل بوقت ذلك ، كما لا ينفعنا العلم به ، إذا لم يكن العلم به لله طاعة ،

غير أنه أي ذلك كان ، فإن دليل القرآن واضح على أن الذين أخبر الله عنهم أنهم كانوا أمة واحدة ، إنما كانوا أمة واحدة على الإيمان ودين الحق دون الكفر بالله والشرك به . وذلك أن الله جل وعز قال في السورة التي يذكر فيها" يونس " : ( وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون ) [ يونس : 19 ] . فتوعد جل ذكره على الاختلاف لا على الاجتماع ، ولا على كونهم أمة واحدة ، ولو كان اجتماعهم قبل الاختلاف كان على الكفر ثم كان الاختلاف بعد ذلك ، لم يكن إلا بانتقال بعضهم إلى الإيمان ، ولو كان ذلك كذلك لكان الوعد أولى بحكمته جل ثناؤه في ذلك الحال من الوعيد ؛ لأنها حال إنابة بعضهم إلى طاعته ، ومحال أن يتوعد في حال التوبة والإنابة ، ويترك ذلك في حال اجتماع الجميع على الكفر والشرك .

قال أبو جعفر : وأما قوله : " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " ، فإنه يعني أنه أرسل رسلا يبشرون من أطاع الله بجزيل الثواب ، وكريم المآب ويعني بقوله : " ومنذرين " ، ينذرون من عصى الله فكفر به ، بشدة العقاب ، وسوء الحساب والخلود في النار" وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " ، يعني بذلك : ليحكم الكتاب - وهو التوراة - بين الناس فيما اختلف المختلفون فيه . فأضاف جل ثناؤه"الحكم" إلى"الكتاب" ، وأنه الذي يحكم بين الناس دون النبيين والمرسلين ، إذ كان من حكم من النبيين والمرسلين بحكم ، إنما يحكم بما دلهم عليه الكتاب الذي أنزل الله عز وجل ، فكان الكتاب بدلالته على ما دل وصفه على صحته من الحكم ، حاكما بين الناس ، وإن كان الذي يفصل القضاء بينهم غيره .
[ ص: 281 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وما اختلف فيه " ، وما اختلف في الكتاب الذي أنزله وهو التوراة" إلا الذين أوتوه" ، يعني ، بذلك اليهود من بني إسرائيل ، وهم الذين أوتوا التوراة والعلم بها و"الهاء" في قوله : "أوتوه" عائدة على"الكتاب" الذي أنزله الله" من بعد ما جاءتهم البينات " ، يعني بذلك : من بعد ما جاءتهم حجج الله وأدلته أن الكتاب الذي اختلفوا فيه وفي أحكامه عند الله ، وأنه الحق الذي لا يسعهم الاختلاف فيه ، ولا العمل بخلاف ما فيه .

فأخبر عز ذكره عن اليهود من بني إسرائيل أنهم خالفوا الكتاب التوراة ، واختلفوا فيه على علم منهم ما يأتون متعمدين الخلاف على الله فيما خالفوه فيه من أمره وحكم كتابه .

ثم أخبر جل ذكره أن تعمدهم الخطيئة التي أتوها ، وركوبهم المعصية التي ركبوها من خلافهم أمره ، إنما كان منهم بغيا بينهم .

و"البغي" مصدر من قول القائل : "بغى فلان على فلان بغيا" ، إذا طغى واعتدى عليه فجاوز حده ، ومن ذلك قيل للجرح إذا أمد ، وللبحر إذا كثر ماؤه ففاض ، وللسحاب إذا وقع بأرض فأخصبت : "بغى" كل ذلك بمعنى واحد ، وهي زيادته وتجاوز حده .

فمعنى قوله جل ثناؤه : " وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " ، من ذلك . يقول : لم يكن اختلاف هؤلاء المختلفين من اليهود من بني إسرائيل في كتابي الذي أنزلته مع نبيي عن جهل منهم به ، بل كان [ ص: 282 ] اختلافهم فيه ، وخلاف حكمه ، من بعد ما ثبتت حجته عليهم ، بغيا بينهم ، طلب الرياسة من بعضهم على بعض ، واستذلالا من بعضهم لبعض . كما : -

4058 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : ثم رجع إلى بني إسرائيل في قوله : " وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه " يقول : إلا الذين أوتوا الكتاب والعلم" من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " ، يقول : بغيا على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها وزينتها ، أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس ، فبغى بعضهم على بعض ، وضرب بعضهم رقاب بعض .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل العربية في"من" التي في قوله : " من بعد ما جاءتهم البينات " ما حكمها ومعناها؟ وما المعنى المنتسق في قوله : " وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " ؟

فقال بعضهم : "من" ، ذلك للذين أوتوا الكتاب ، وما بعده صلة له . غير أنه زعم أن معنى الكلام : وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه ، بغيا بينهم ، من بعد ما جاءتهم البينات . وقد أنكر ذلك بعضهم فقال : لا معنى لما قال هذا القائل ، ولا لتقديم"البغي" قبل"من" ، لأن"من" إذا كان الجالب لها"البغي" ، فخطأ أن تتقدمه ؛ لأن"البغي" مصدر ، ولا تتقدم صلة المصدر عليه . وزعم المنكر ذلك أن"الذين" مستثنى ، وأن"من بعد ما جاءتهم البينات" مستثنى باستثناء آخر ، وأن تأويل الكلام : وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه ، ما اختلفوا فيه إلا بغيا ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءتهم البينات فكأنه كرر الكلام توكيدا .

قال أبو جعفر : وهذا القول الثاني أشبه بتأويل الآية ؛ لأن القوم لم يختلفوا إلا من بعد قيام الحجة عليهم ومجيء البينات من عند الله ، وكذلك لم يختلفوا إلا بغيا ، فذلك أشبه بتأويل الآية .
[ ص: 283 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( 213 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " فهدى الله ، فوفق [ الله ] الذين آمنوا وهم أهل الإيمان بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم المصدقين به وبما جاء به أنه من عند الله لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه .

وكان اختلافهم الذي خذلهم الله فيه ، وهدى له الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فوفقهم لإصابته : "الجمعة" ، ضلوا عنها وقد فرضت عليهم كالذي فرض علينا ، فجعلوها"السبت" ، فقال صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون " ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، وهذا اليوم الذي اختلفوا فيه ، فهدانا الله له فلليهود غدا وللنصارى بعد غد" .

4059 - حدثنا بذلك محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عياض بن دينار الليثي ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم . فذكر الحديث .

4060 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي هريرة : " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " [ ص: 284 ] قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فهذا اليوم الذي هدانا الله له والناس لنا فيه تبع ، غدا اليهود ، وبعد غد للنصارى" .

وكان مما اختلفوا فيه أيضا ما قال ابن زيد ، وهو ما : -

4061 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " فهدى الله الذين آمنوا " للإسلام ، واختلفوا في الصلاة ، فمنهم من يصلي إلى المشرق ، ومنهم من يصلي إلى بيت المقدس ، فهدانا للقبلة .

واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم بعض يوم ، وبعضهم بعض ليلة ، وهدانا الله له . واختلفوا في يوم الجمعة ، فأخذت اليهود السبت وأخذت النصارى الأحد ، فهدانا الله له . واختلفوا في إبراهيم ، فقالت اليهود كان يهوديا ، وقالت النصارى كان نصرانيا! فبرأه الله من ذلك ، وجعله حنيفا مسلما ، وما كان من المشركين للذين يدعونه من أهل الشرك . واختلفوا في عيسى ، فجعلته اليهود لفرية ، وجعلته النصارى ربا ، فهدانا الله للحق فيه . فهذا الذي قال جل ثناؤه : " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " .

قال أبو جعفر : فكانت هداية الله جل ثناؤه الذين آمنوا بمحمد ، وبما [ ص: 285 ] جاء به لما اختلف - هؤلاء الأحزاب من بنى إسرائيل الذين أوتوا الكتاب - فيه من الحق بإذنه أن وفقهم لإصابة ما كان عليه من الحق من كان قبل المختلفين الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية ، إذ كانوا أمة واحدة ، وذلك هو دين إبراهيم الحنيف المسلم خليل الرحمن ، فصاروا بذلك أمة وسطا ، كما وصفهم به ربهم ليكونوا شهداء على الناس . كما : -

4062 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه " ، فهداهم الله عند الاختلاف ، أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف : أقاموا على الإخلاص لله وحده ، وعبادته لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف ، واعتزلوا الاختلاف ، فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة ، كانوا شهداء على قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم شعيب ، وآل فرعون ، أن رسلهم قد بلغوهم ، وأنهم كذبوا رسلهم . وهي في قراءة أبي بن كعب : ( وليكونوا شهداء على الناس ) يوم القيامة ( والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) . فكان أبو العالية يقول : في هذه الآية المخرج من الشبهات والضلالات والفتن .

4063 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه " ، يقول : اختلف الكفار فيه ، فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك; وهي في قراءة ابن مسعود : " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا عنه" ، عن الإسلام . [ ص: 286 ]

قال أبو جعفر : وأما قوله : " بإذنه" ، فإنه يعني جل ثناؤه بعلمه بما هداهم له ، وقد بينا معنى"الإذن" إذ كان بمعنى العلم في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ههنا .

وأما قوله : " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ، فإنه يعني به : والله يسدد من يشاء من خلقه ويرشده إلى الطريق القويم على الحق الذي لا اعوجاج فيه ، كما هدى الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه بغيا بينهم ، فسددهم لإصابة الحق والصواب فيه .

قال أبو جعفر : وفي هذه الآية البيان الواضح على صحة ما قاله أهل الحق : من أن كل نعمة على العباد في دينهم أو دنياهم ، فمن الله جل وعز .

فإن قال لنا قائل : وما معنى قوله : " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه " ؟ أهداهم للحق ، أم هداهم للاختلاف ؟ فإن كان هداهم للاختلاف فإنما أضلهم! وإن كان هداهم للحق ، فكيف قيل " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه " ؟

قيل : إن ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه ، وإنما معنى ذلك : فهدى الله الذين آمنوا للحق فيما اختلف فيه من كتاب الله الذين أوتوه ، فكفر بتبديله بعضهم ، وثبت على الحق والصواب فيه بعضهم - وهم أهل التوراة الذين بدلوها - فهدى الله مما للحق بدلوا وحرفوا ، الذين آمنوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 09-11-2022 03:57 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(288)
الحلقة (302)
صــ 287إلى صــ 294




قال أبو جعفر : فإن أشكل ما قلنا على ذي غفلة ، فقال وكيف يجوز أن يكون ذلك كما قلت ، و"من" إنما هي في كتاب الله في"الحق" و"اللام" في قوله : " لما اختلفوا فيه " ، وأنت تحول"اللام" في"الحق" ، و"من" في"الاختلاف" ، في التأويل الذي تتأوله فتجعله مقلوبا ؟ [ ص: 287 ]

قيل : ذلك في كلام العرب موجود مستفيض ، والله تبارك وتعالى إنما خاطبهم بمنطقهم ، فمن ذلك قول الشاعر :


كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرجم


وإنما الرجم فريضة الزنا . وكما قال الآخر :


إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره


وإنما سراج الذي يحلى بالعين ، لا العين بسراج .

وقد قال بعضهم : إن معنى قوله" فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق " ، أن أهل الكتب الأول اختلفوا ، فكفر بعضهم بكتاب بعض ، وهي كلها من عند الله ، فهدى الله أهل الإيمانبمحمد للتصديق بجميعها .

وذلك قول ، غير أن الأول أصح القولين ؛ لأن الله إنما أخبر باختلافهم في كتاب واحد .
القول في تأويل قوله تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ( 214 ) )

قال أبو جعفر : وأما قوله : " أم حسبتم " ، كأنه استفهم ب "أم" في ابتداء لم يتقدمه حرف استفهام ، لسبوق كلام هو به متصل ، ولو لم يكن قبله كلام [ ص: 288 ] يكون به متصلا وكان ابتداء لم يكن إلا بحرف من حروف الاستفهام; لأن قائلا لو كان قال مبتدئا كلاما لآخر : "أم عندك أخوك"؟ لكان قائلا ما لا معنى له . ولكن لو قال : "أنت رجل مدل بقوتك أم عندك أخوك ينصرك ؟" كان مصيبا . وقد بينا بعض هذا المعنى فيما مضى من كتابنا هذا بما فيه الكفاية عن إعادته .

فمعنى الكلام : أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة ، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار ، فتبتلوا بما ابتلوا واختبروا به من" البأساء " - وهو شدة الحاجة والفاقة " والضراء " - وهي العلل والأوصاب - ولم تزلزلوا زلزالهم - يعني : ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهد حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم ، فيقولون : متى الله ناصرنا؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريب ، وأنه معليهم على عدوهم ، ومظهرهم عليه ، فنجز لهم ما وعدهم ، وأعلى كلمتهم ، وأطفأ نار حرب الذين كفروا .

وهذه الآية - فيما يزعم أهل التأويل - نزلت يوم الخندق ، حين لقي المؤمنون ما لقوا من شدة الجهد ، من خوف الأحزاب ، وشدة أذى البرد ، وضيق العيش الذي كانوا فيه يومئذ ، يقول الله جل وعز للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ) إلى قوله : ( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) [ الأحزاب : 9 - 11 ] [ ص: 289 ]

ذكر من قال نزلت هذه الآية يوم الأحزاب :

4064 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا " ، قال : نزل هذا يوم الأحزاب حين قال قائلهم : " ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " [ الأحزاب : 12 ]

4065 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا " ، قال : نزلت في يوم الأحزاب ، أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بلاء وحصر ، فكانوا كما قال الله جل وعز : ( وبلغت القلوب الحناجر )

وأما قوله : " ولما يأتكم" ، فإن عامة أهل العربية يتأولونه بمعنى : ولم يأتكم ، ويزعمون أن"ما" صلة وحشو ، وقد بينت القول في"ما" التي يسميها أهل العربية"صلة" ، ما حكمها؟ في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته .

وأما معنى قوله : " مثل الذين خلوا من قبلكم" ، فإنه يعني : شبه الذين خلوا فمضوا قبلكم .

وقد دللت في غير هذا الموضع على أن"المثل" ، الشبه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 290 ]

4066 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا " . . .

4067 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن عبد الملك بن جريج ، قال قوله : " حتى يقول الرسول والذين آمنوا " ، قال : هو خيرهم وأعلمهم بالله .

وفي قوله : " حتى يقول الرسول " ، وجهان من القراءة : الرفع ، والنصب . ومن رفع فإنه يقول : لما كان يحسن في موضعه"فعل" أبطل عمل"حتى" فيها ؛ لأن"حتى" غير عاملة في"فعل" ، وإنما تعمل في"يفعل" ، وإذا تقدمها"فعل" ، وكان الذي بعدها"يفعل" ، وهو مما قد فعل وفرغ منه ، وكان ما قبلها من الفعل غير متطاول ، فالفصيح من كلام العرب حينئذ الرفع في"يفعل" وإبطال عمل "حتى" عنه ، وذلك نحو قول القائل : " قمت إلى فلان حتى أضربه" ، والرفع هو الكلام الصحيح في"أضربه" ، إذا أراد : قمت إليه حتى ضربته ، إذا كان الضرب قد كان وفرغ منه ، وكان القيام غير متطاول المدة . فأما إذا كان ما قبل "حتى" من الفعل على لفظ "فعل" متطاول المدة ، وما بعدها من الفعل على لفظ غير منقض ، فالصحيح من الكلام نصب"يفعل" ، وإعمال"حتى" ، وذلك نحو قول القائل : "ما زال فلان يطلبك حتى يكلمك وجعل ينظر إليك حتى يثبتك" ، فالصحيح من الكلام - الذي لا يصح غيره - النصب ب "حتى" ، كما قال الشاعر :


مطوت بهم حتى تكل مطيهم وحتى الجياد ما يقدن بأرسان


[ ص: 291 ] فنصب "تكل" ، والفعل الذي بعد"حتى" ماض ، لأن الذي قبلها من"المطو" متطاول .

والصحيح من القراءة - إذ كان ذلك كذلك - : " وزلزلوا حتى يقول الرسول " ، نصب "يقول" ، إذ كانت"الزلزلة" فعلا متطاولا مثل"المطو بالإبل" .

وإنما"الزلزلة" في هذا الموضع : الخوف من العدو ، لا"زلزلة الأرض" ، فلذلك كانت متطاولة وكان النصب في"يقول" وإن كان بمعنى"فعل" أفصح وأصح من الرفع فيه .
القول في تأويل قوله تعالى ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ( 215 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك أصحابك يا محمد ، أي شيء ينفقون من أموالهم فيتصدقون به ؟ ، وعلى من ينفقونه فيما ينفقونه ويتصدقون به ؟ فقل لهم : ما أنفقتم من أموالكم وتصدقتم به ، فأنفقوه وتصدقوا به واجعلوه لآبائكم وأمهاتكم وأقربيكم ، ولليتامى منكم ، والمساكين ، وابن السبيل ، فإنكم ما تأتوا من خير وتصنعوه إليهم فإن الله به عليم ، وهو محصيه لكم حتى يوفيكم أجوركم عليه يوم القيامة ، ويثيبكم على ما أطعتموه بإحسانكم عليه . [ ص: 292 ]

و"الخير" الذي قال جل ثناؤه في قوله : " قل ما أنفقتم من خير " ، هو المال الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من النفقة منه ، فأجابهم الله عنه بما أجابهم به في هذه الآية .

وفي قوله : "ماذا" ، وجهان من الإعراب .

أحدهما : أن يكون"ماذا" بمعنى : أي شيء ؟ فيكون نصبا بقوله : "ينفقون" .

فيكون معنى الكلام حينئذ : يسألونك أي شيء ينفقون؟ ، ولا ينصب ب "يسألونك" . والآخر منهما الرفع . وللرفع في"ذلك" وجهان : أحدهما أن يكون"ذا" الذي مع"ما" بمعنى"الذي" ، فيرفع"ما" ب "ذا" و"ذا" ل "ما" ، و"ينفقون" من صلة"ذا" ، فإن العرب قد تصل"ذا" و"هذا" ، كما قال الشاعر :


عدس! ما لعباد عليك إمارة أمنت وهذا تحملين طليق!


ف "تحملين" من صلة"هذا" .

فيكون تأويل الكلام حينئذ : يسألونك ما الذي ينفقون؟

والآخر من وجهي الرفع أن تكون" ماذا " بمعنى أي شيء ، فيرفع" ماذا " ، [ ص: 293 ] وإن كان قوله : " ينفقون " واقعا عليه ، إذ كان العامل فيه ، وهو" ينفقون " ، لا يصلح تقديمه قبله ، وذلك أن الاستفهام لا يجوز تقديم الفعل فيه قبل حرف الاستفهام ، كما قال الشاعر :


ألا تسألان المرء ماذا يحاول أنحب فيقضى أم ضلال وباطل


وكما قال الآخر :


وقالوا تعرفها المنازل من منى وما كل من يغشى منى أنا عارف


فرفع "كل" ولم ينصبه"بعارف" ، إذ كان معنى قوله : "وما كل من يغشى منى أنا عارف" جحود معرفة من يغشى منى فصار في معنى ما أحد . وهذه الآية [ نزلت ] - فيما ذكر - قبل أن يفرض الله زكاة الأموال .

ذكر من قال ذلك :

4068 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا [ ص: 294 ] أسباط ، عن السدي : " يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " ، قال : يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة ، وإنما هي النفقة ينفقها الرجل على أهله ، والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة .

4069 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم ؟ فنزلت : " يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل " ، فذلك النفقة في التطوع ، والزكاة سوى ذلك كله قال : وقال مجاهد : سألوا فأفتاهم في ذلك : " ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " وما ذكر معهما .

4070 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى ، قال : سمعت ابن أبي نجيح في قول الله : " يسألونك ماذا ينفقون " ، قال : سألوه فأفتاهم في ذلك : " فللوالدين والأقربين " وما ذكر معهما .

4071 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد وسألته عن قوله : " قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " قال : هذا من النوافل ، قال : يقول : هم أحق بفضلك من غيرهم .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 09-11-2022 04:00 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(289)
الحلقة (303)
صــ 295إلى صــ 302



قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله السدي : من أنه لم يكن يوم نزلت هذه الآية زكاة ، وإنما كانت نفقة ينفقها الرجل على أهله ، وصدقة يتصدق بها ، ثم نسختها الزكاة قول ممكن أن يكون كما قال ، وممكن غيره . ولا دلالة في الآية على صحة ما قال ؛ لأنه ممكن أن يكون قوله : " قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " الآية ، حثا من الله جل ثناؤه على الإنفاق على من كانت نفقته غير واجبة من الآباء والأمهات والأقرباء ، ومن سمي معهم في هذه الآية ، وتعريفا من [ ص: 295 ] الله عباده مواضع الفضل التي تصرف فيها النفقات ، كما قال في الآية الأخرى : ( وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) [ سورة البقرة : 177 ] . وهذا القول الذي قلناه في قول ابن جريج الذي حكيناه .

وقد بينا معنى المسكنة ، ومعنى ابن السبيل فيما مضى ، فأغنى ذلك عن إعادته .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( كتب عليكم القتال )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه بقوله : " كتب عليكم القتال " ، فرض عليكم القتال ، يعني قتال المشركين" وهو كره لكم" .

واختلف أهل العلم في الذين عنوا بفرض القتال .

فقال بعضهم : عني بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيرهم .

ذكر من قال ذلك :

4072 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء قلت له : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " ، أواجب الغزو على الناس من أجلها ؟ قال : لا! كتب على أولئك حينئذ .

4073 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا [ ص: 296 ] خالد ، عن حسين بن قيس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " ، قال نسختها ( قالوا سمعنا وأطعنا ) [ سورة البقرة : 285 ]

قال أبو جعفر : وهذا قول لا معنى له ؛ لأن نسخ الأحكام من قبل الله جل وعز ، لا من قبل العباد ، وقوله : " قالوا سمعنا وأطعنا " ، خبر من الله عن عباده المؤمنين وأنهم قالوه لا نسخ منه .

4074 - حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو ، قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، قال : سألت الأوزاعي عن قول الله عز وجل : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " ، أواجب الغزو على الناس كلهم ؟ قال : لا أعلمه ، ولكن لا ينبغي للأئمة والعامة تركه ، فأما الرجل في خاصة نفسه فلا .

وقال آخرون : هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية ، فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين ، كالصلاة على الجنائز وغسلهم الموتى ودفنهم ، وعلى هذا عامة علماء المسلمين .

قال أبو جعفر : وذلك هو الصواب عندنا لإجماع الحجة على ذلك ، ولقول الله عز وجل : ( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى ) [ سورة النساء : 95 ] ، فأخبر جل ثناؤه أن الفضل للمجاهدين ، وأن لهم وللقاعدين الحسنى ، ولو كان القاعدون مضيعين فرضا لكان لهم السوأى لا الحسنى . [ ص: 297 ]

وقال آخرون : هو فرض واجب على المسلمين إلى قيام الساعة .

ذكر من قال ذلك :

4075 - حدثنا حبيش بن مبشر قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن ابن جريج ، عن داود بن أبي عاصم ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : قد أعلم أن الغزو واجب على الناس! فسكت ، وقد أعلم أن لو أنكر ما قلت لبين لي .

وقد بينا فيما مضى معنى قوله : " كتب " بما فيه الكفاية .
القول في تأويل قوله تعالى ( وهو كره لكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وهو ذو كره لكم ، فترك ذكر"ذو" اكتفاء بدلالة قوله : "كره لكم" ، عليه ، كما قال : ( واسأل القرية ) [ سورة يوسف : 83 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك روي عن عطاء في تأويله .

ذكر من قال ذلك :

4076 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : " وهو كره لكم " قال : كره إليكم حينئذ .

"والكره" بالضم : هو ما حمل الرجل نفسه عليه من غير إكراه أحد إياه عليه ، " والكره" بفتح"الكاف" ، هو ما حمله غيره ، فأدخله عليه كرها . وممن حكي عنه هذا القول معاذ بن مسلم . [ ص: 298 ]

4077 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، عن معاذ بن مسلم ، قال : الكره المشقة ، والكره الإجبار .

وقد كان بعض أهل العربية يقول : "الكره والكره" لغتان بمعنى واحد ، مثل : "الغسل والغسل" و"الضعف والضعف" ، و"الرهب والرهب" . وقال بعضهم : "الكره" بضم"الكاف" اسم و"الكره" بفتحها مصدر .
القول في تأويل قوله تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولا تكرهوا القتال ، فإنكم لعلكم أن تكرهوه وهو خير لكم ، ولا تحبوا ترك الجهاد ، فلعلكم أن تحبوه وهو شر لكم ، كما : -

4078 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " ، وذلك لأن المسلمين كانوا يكرهون القتال ، فقال : " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " يقول : إن لكم في القتال الغنيمة والظهور والشهادة ، ولكم في القعود أن لا تظهروا على المشركين ، ولا تستشهدوا ، ولا تصيبوا شيئا .

4079 - حدثني محمد بن إبراهيم السلمي ، قال : حدثني يحيى بن محمد بن مجاهد ، قال : أخبرني عبيد الله بن أبي هاشم الجعفي ، قال : أخبرني عامر بن واثلة قال : قال ابن عباس : كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن عباس ارض عن الله بما قدر ، وإن كان خلاف هواك ، فإنه مثبت في كتاب الله . قلت : يا رسول الله ، فأين؟ وقد قرأت القرآن ! قال : في قوله : " [ ص: 299 ] وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "
القول في تأويل قوله تعالى ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 216 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : والله يعلم ما هو خير لكم ، مما هو شر لكم ، فلا تكرهوا ما كتبت عليكم من جهاد عدوكم ، وقتال من أمرتكم بقتاله ، فإني أعلم أن قتالكم إياهم ، هو خير لكم في عاجلكم ومعادكم ، وترككم قتالهم شر لكم ، وأنتم لا تعلمون من ذلك ما أعلم ، يحضهم جل ذكره بذلك على جهاد أعدائه ، ويرغبهم في قتال من كفر به .
القول في تأويل قوله تعالى ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك يا محمد أصحابك عن الشهر الحرام وذلك رجب عن قتال فيه . [ ص: 300 ]

وخفض "القتال" على معنى تكرير"عن" عليه ، وكذلك كانت قراءة عبد الله بن مسعود فيما ذكر لنا . وقد : -

4080 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " ، قال : يقول : يسألونك عن قتال فيه ، قال : وكذلك كان يقرؤها : "عن قتال فيه" .

قال أبو جعفر : " قل " يا محمد : " قتال فيه " - يعني في الشهر الحرام" كبير " ، أي عظيم عند الله استحلاله وسفك الدماء فيه .

ومعنى قوله : " قتال فيه" ، قل القتال فيه كبير . وإنما قال : "قل قتال فيه كبير" ، لأن العرب كانت لا تقرع فيه الأسنة ، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يهيجه تعظيما له ، وتسميه مضر "الأصم" لسكون أصوات السلاح وقعقعته فيه . وقد : -

4081 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث ، قال : حدثنا الزبير ، عن جابر قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ، أو يغزو حتى إذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ .

وقوله جل ثناؤه : " وصد عن سبيل الله " . ومعنى"الصد" عن الشيء ، المنع منه ، والدفع عنه ، ومنه قيل : " صد فلان بوجهه عن فلان" ، إذا أعرض عنه فمنعه من النظر إليه .

وقوله : " وكفر به " ، يعني : وكفر بالله ، و"الباء" في"به" عائدة على اسم الله الذي في" سبيل الله " . وتأويل الكلام : وصد عن سبيل الله ، وكفر به ، وعن المسجد الحرام ، وإخراج أهل المسجد الحرام - وهم أهله وولاته - أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام .

[ ص: 301 ] ف " الصد عن سبيل الله " مرفوع بقوله : " أكبر عند الله " . وقوله : " وإخراج أهله منه " عطف على " الصد " . ثم ابتدأ الخبر عن الفتنة فقال : " والفتنة أكبر من القتل " ، يعني : الشرك أعظم وأكبر من القتل يعني : من قتل ابن الحضرمي الذي استنكرتم قتله في الشهر الحرام .

قال أبو جعفر : وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله : " والمسجد الحرام " معطوف على " القتال " وأن معناه : يسألونك عن الشهر الحرام ، عن قتال فيه ، وعن المسجد الحرام ، فقال الله جل ثناؤه : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " من القتال‌‌‌‌‌‌ في الشهر الحرام .

وهذا القول ، مع خروجه من أقوال أهل العلم ، قول لا وجه له ؛ لأن القوم لم يكونوا في شك من عظيم ما أتى المشركون إلى المسلمين في إخراجهم إياهم من منازلهم بمكة فيحتاجوا إلى أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخراج المشركين إياهم من منازلهم ، وهل ذلك كان لهم ؟ بل لم يدع ذلك عليهم أحد من المسلمين ، ولا أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

وإذ كان ذلك كذلك ، فلم يكن القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عما ارتابوا بحكمه كارتيابهم في أمر قتل ابن الحضرمي ؛ إذ ادعوا أن قاتله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الشهر الحرام ، فسألوا عن أمره ، لارتيابهم في حكمه . فأما إخراج المشركين أهل الإسلام من المسجد الحرام ، فلم يكن فيهم أحد شاكا أنه كان ظلما منهم لهم فيسألوا عنه .

ولا خلاف بين أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت [ ص: 302 ] على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب قتل ابن الحضرمي وقاتله .

ذكر الرواية عمن قال ذلك :

4082 حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق قال : حدثني الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى ، وبعث معه بثمانية رهط من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد ، وكتب له كتابا ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره ، ولا يستكره من أصحابه أحدا .

وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين؛ من بني عبد شمس أبو حذيفة [ بن عتبة ] بن ربيعة - ومن بني أمية - بن عبد شمس ثم من حلفائهم : عبد الله بن جحش بن رئاب وهو أمير القوم وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة - ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان حليف لهم - ومن بني زهرة بن كلاب : سعد بن أبي وقاص - ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة حليف لهم وواقد بن عبد الله بن مناة بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف لهم - ومن بني الحارث بن فهر : سهيل بن بيضاء .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 09-11-2022 04:04 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(290)
الحلقة (304)
صــ 303إلى صــ 310




فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب ونظر فيه ، فإذا فيه : " إذا نظرت إلى كتابي هذا ، فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف [ ص: 303 ] فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم " . فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال : " سمعا وطاعة " ، ثم قال لأصحابه : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة فأرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر ، وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم ، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ، ومن كره ذلك فليرجع ، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى ومضى معه أصحابه ، فلم يتخلف عنه [ منهم ] أحد ، وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران ، أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا عليه يعتقبانه ، فتخلفا عليه في طلبه ، ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيها منهم عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة فلما رآهم القوم هابوهم ، وقد نزلوا قريبا منهم ، فأشرف لهم عكاشة بن محصن وقد كان حلق رأسه ، فلما رأوه أمنوا وقالوا : عمار ! فلا بأس علينا منهم . وتشاور القوم فيهم ، وذلك في آخر يوم من جمادى ، فقال القوم : والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم ، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في [ ص: 304 ] الشهر الحرام ! فتردد القوم فهابوا الإقدام عليهم ، ثم شجعوا عليهم ، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم ، وأخذ ما معهم . فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت نوفل بن عبد الله فأعجزهم .

وقدم عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة . وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله بن جحش قال لأصحابه : إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمتم الخمس .

وذلك قبل أن يفرض الخمس من الغنائم ، فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير ، وقسم سائرها على أصحابه فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ! فوقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا . فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، سقط في أيدي القوم ، وظنوا أنهم قد هلكوا ، وعنفهم المسلمون فيما صنعوا ، وقالوا لهم : صنعتم ما لم تؤمروا به وقاتلتم في الشهر الحرام ولم تؤمروا بقتال ! وقالت قريش : قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام ، فسفكوا فيه الدم ، وأخذوا فيه الأموال ، وأسروا
[ فيه الرجال ] فقال من يرد ذلك عليهم من المسلمين ممن كان بمكة إنما أصابوا ما أصابوا في جمادى ! وقالت يهود - تتفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم - : عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله ! " عمرو " ، عمرت الحرب ! و" الحضرمي " ، حضرت الحرب ! " وواقد بن عبد الله " ، وقدت الحرب ! فجعل الله عليهم ذلك وبهم .

فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله جل وعز على رسوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " [ ص: 305 ] أي : عن قتال فيه " قل قتال فيه كبير " إلى قوله : " والفتنة أكبر من القتل " ، أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام ، فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به ، وعن المسجد الحرام ، وإخراجكم عنه إذ أنتم أهله وولاته أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم ، " والفتنة أكبر من القتل " ، أي : قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه ، وذلك أكبر عند الله من القتل "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " ، أي : هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين . فلما نزل القرآن بهذا من الأمر ، وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق ، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين .

4083 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية - وكانوا سبعة نفر - وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي وفيهم عمار بن ياسر وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل وسهيل بن بيضاء وعامر بن فهيرة وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب . وكتب مع ابن جحش كتابا وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل [ بطن ] ملل فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب ، فإذا فيه أن سر حتى تنزل بطن نخلة فقال لأصحابه‌‌ : من كان يريد الموت فليمض وليوص ، فإني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص [ ص: 306 ] وعتبة بن غزوان ، أضلا راحلة لهما ، فأتيا بحران يطلبانها ، وسار ابن جحش إلى بطن نخلة فإذا هم بالحكم بن كيسان وعبد الله بن المغيرة والمغيرة بن عثمان وعمرو بن الحضرمي ، فاقتتلوا ، فأسروا الحكم بن كيسان وعبد الله بن المغيرة ، وانفلت المغيرة وقتل عمرو بن الحضرمي؛ قتله واقد بن عبد الله . فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال ، أراد أهل مكة أن يفادوا بالأسيرين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حتى ننظر ما فعل صاحبانا ! فلما رجع سعد وصاحبه فادى بالأسيرين ، ففجر عليه المشركون وقالوا : محمد يزعم أنه يتبع طاعة الله ، وهو أول من استحل الشهر الحرام ، وقتل صاحبنا في رجب ! فقال المسلمون : إنما قتلناه في جمادى ! - وقيل : في أول ليلة من رجب ، وآخر ليلة من جمادى - وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل رجب . فأنزل الله جل وعز يعير أهل مكة : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " لا يحل ، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله ، وصددتم عنه محمدا وأصحابه ، وإخراج أهل المسجد الحرام منه حين أخرجوا محمدا أكبر من القتل عند الله ، والفتنة - هي الشرك - أعظم عند الله من القتل في الشهر الحرام ، فذلك قوله : " وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل " .

4084 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه : أنه حدثه رجل ، عن أبي السوار يحدثه عن جندب بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه بعث رهطا ، فبعث عليهم [ ص: 307 ] أبا عبيدة . فلما أخذ لينطلق ، بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبعث رجلا مكانه يقال له عبد الله بن جحش وكتب له كتابا ، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ كذا وكذا : " ولا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك " . فلما قرأ الكتاب استرجع وقال : سمعا وطاعة لأمر الله ورسوله ! فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب ، فرجع رجلان ومضى بقيتهم . فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا ذلك اليوم : أمن رجب أو من جمادى ؟ فقال المشركون للمسلمين : فعلتم كذا وكذا في الشهر الحرام ! فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث ، فأنزل الله عز وجل : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل " - والفتنة هي الشرك . وقال بعض الذين - أظنه قال - : كانوا في السرية : والله ما قتله إلا واحد ! فقال : إن يكن خيرا فقد وليت ! وإن يكن ذنبا فقد عملت !

4085 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " ، قال : إن رجلا من بني تميم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ، فمر بابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة فرماه بسهم فقتله . وكان بين قريش ومحمد عقد ، فقتله في آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب ، فقالت قريش : في الشهر الحرام ! ولنا عهد ! فأنزل الله جل وعز : " قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به " وصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله " من قتل ابن الحضرمي ، والفتنة كفر بالله ، وعبادة الأوثان أكبر من هذا كله . [ ص: 308 ] 4086 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وعثمان الجزري وعن مقسم مولى ابن عباس قال : لقي واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي في أول ليلة من رجب ، وهو يرى أنه من جمادى ، فقتله ، وهو أول قتيل من المشركين . فعير المشركون المسلمين فقالوا : أتقتلون في الشهر الحرام ! فأنزل الله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام " يقول : وصد عن سبيل الله وكفر بالله " والمسجد الحرام " وصد عن المسجد الحرام " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " ، من قتل عمرو بن الحضرمي " والفتنة " ، يقول : الشرك الذي أنتم فيه أكبر من ذلك أيضا . قال الزهري وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل [ له ] بعد .

4087 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، وذلك أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام ، ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل . فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام [ ص: 309 ] فقال الله جل وعز : " وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله " من القتل فيه وأن محمدا بعث سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف آخر ليلة من جمادى ، وأول ليلة من رجب وأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى ، وكانت أول رجب ولم يشعروا ، فقتله رجل منهم واحد وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك فقال الله جل وعز : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " وغير ذلك أكبر منه ، " صد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه " إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الذي أصاب محمد والشرك بالله أشد .

4088 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن حصين عن أبي مالك : قال لما نزلت : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " إلى قوله : " والفتنة أكبر من القتل " ، استكبروه . فقال : والفتنة الشرك الذي أنتم عليه مقيمون أكبر مما استكبرتم .

4089 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن حصين عن أبي مالك الغفاري قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش في جيش فلقي ناسا من المشركين ببطن نخلة والمسلمون يحسبون أنه آخر يوم من جمادى وهو أول يوم من رجب ، فقتل المسلمون ابن الحضرمي ، فقال المشركون : ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام ، وقد قتلتم في الشهر الحرام ! فأنزل الله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه " إلى قوله " أكبر عند الله " من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي ، و" الفتنة " - التي أنتم عليها مقيمون ، يعني الشرك - " أكبر من القتل " .

4090 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن قتادة قال : [ ص: 310 ] وكان يسميها - يقول : لقي واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي ببطن نخلة فقتله .

4091 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " ، فيمن نزلت ؟ قال : لا أدري قال ابن جريج : وقال عكرمة ومجاهد : في عمرو بن الحضرمي . قال ابن جريج وأخبرنا ابن أبي حسين عن الزهري ذلك أيضا .

4092 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال مجاهد : " قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام " ، - قال : يقول : صد عن المسجد الحرام " وإخراج أهله منه " - فكل هذا أكبر من قتل ابن الحضرمي - " والفتنة أكبر من القتل " - كفر بالله وعبادة الأوثان ، أكبر من هذا كله .

4093 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قتلوا ابن الحضرمي في الشهر الحرام ، فعير المشركون المسلمين بذلك ، فقال الله : قتال في الشهر الحرام كبير ، وأكبر من ذلك صد عن سبيل الله وكفر به ، وإخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 09-11-2022 04:08 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(291)
الحلقة (305)
صــ 311إلى صــ 318




قال أبو جعفر : وهذان الخبران اللذان ذكرناهما عن مجاهد والضحاك ينبئان عن صحة ما قلنا في رفع " الصد " و" الكفر به " ، وأن رافعه " أكبر عند الله " . وهما يؤكدان صحة ما‌ روينا في ذلك عن ابن عباس ويدلان على خطإ من زعم أنه مرفوع على العطف على " الكبير " ، وقول من زعم أن معناه : وكبير صد عن سبيل الله [ ص: 311 ] وزعم أن قوله : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " ، خبر منقطع عما قبله مبتدأ .

4094 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الشعبي في قوله : " والفتنة أكبر من القتل " ، قال : يعني به الكفر .

4095 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " من ذلك . ثم عير المشركين بأعمالهم أعمال السوء فقال : " والفتنة أكبر من القتل " ، أي الشرك بالله أكبر من القتل .

وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك روي عن ابن عباس :

4096 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبى قال : حدثني عمي قال : حدثنى أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قال : لما قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمي في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب ، أرسل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيرونه بذلك ، فقال : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، وغير ذلك أكبر منه : " صد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر " من الذي أصابمحمد صلى الله عليه وسلم .

قال أبو جعفر : وأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في الذي ارتفع به قوله : " وصد عن سبيل الله " .

فقال بعض نحويي الكوفيين : في رفعه وجهان ؛ أحدهما : أن يكون " الصد " مردودا على " الكبير " يريد : قل القتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر [ ص: 312 ] به . وإن شئت جعلت " الصد " " كبيرا " ، يريد به : قل القتال فيه كبير ، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به .

قال أبو جعفر : قال فأخطأ - يعني الفراء - في كلا تأويليه . وذلك أنه إذا رفع " الصد " عطفا به على " كبير " يصير تأويل الكلام : قل القتال في الشهر الحرام كبير وصد عن سبيل الله ، وكفر بالله ، وذلك من التأويل خلاف ما عليه أهل الإسلام جميعا . لأنه لم يدع أحد أن الله تبارك وتعالى جعل القتال في الأشهر الحرم كفرا بالله ، بل ذلك غير جائز أن يتوهم على عاقل يعقل ما يقول أن يقوله . وكيف يجوز أن يقوله ذو فطرة صحيحة ، والله جل ثناؤه يقول في إثر ذلك : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " ؟ ! فلو كان الكلام على ما رآه جائزا في تأويله هذا ، لوجب أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام كان أعظم عند الله من الكفر به ، وذلك أنه يقول في إثره : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " . وفي قيام الحجة بأن لا شيء أعظم عند الله من الكفر به ، ما يبين عن خطإ هذا القول .

وأما إذا رفع " الصد " بمعنى ما زعم أنه الوجه الآخر - وذلك رفعه بمعنى : وكبير صد عن سبيل الله ، ثم قيل : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " - صار المعنى إلى أن إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام أعظم عند الله من الكفر بالله والصد عن سبيله ، وعن المسجد الحرام . ومتأول ذلك كذلك ، داخل من الخطإ في مثل الذي دخل فيه القائل القول الأول : من تصييره بعض خلال الكفر أعظم عند الله [ ص: 313 ] من الكفر بعينه . وذلك مما لا يخيل على أحد خطؤه وفساده .

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول القول الأول في رفع " الصد " ، ويزعم أنه معطوف به على " الكبير " ويجعل قوله : " وإخراج أهله " مرفوعا على الابتداء ، وقد بينا فساد ذلك وخطأ تأويله .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، هل هو منسوخ أم ثابت الحكم ؟

فقال بعضهم : هو منسوخ بقول الله جل وعز : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] ، وبقوله : ( فاقتلوا المشركين ) [ سورة التوبة : 5 ]

ذكر من قال ذلك :

4097 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال عطاء بن ميسرة : أحل القتال في الشهر الحرام في " براءة " قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم‌ وقاتلوا المشركين كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] : يقول : فيهن وفي غيرهن .

4098 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغنا ، يحرم القتال في الشهر الحرام ، ثم أحل بعد . . [ ص: 314 ] وقال آخرون : بل ذلك حكم ثابت لا يحل القتال لأحد في الأشهر الحرم بهذه الآية ، لأن الله جعل القتال فيه كبيرا .

ذكر من قال ذلك :

4099 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسن قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، قلت : ما لهم ! وإذ ذاك لا يحل لهم أن يغزوا أهل الشرك في الشهر الحرام ، ثم غزوهم بعد فيه ؟ فحلف لي عطاء بالله : ما يحل للناس أن يغزوا في الشهر الحرام ، ولا أن يقاتلوا فيه ، وما يستحب . قال : ولا يدعون إلى الإسلام قبل أن يقاتلوا ، ولا إلى الجزية ، تركوا ذلك .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله عطاء بن ميسرة : من أن النهي عن قتال المشركين في الأشهر الحرم منسوخ بقول الله جل ثناؤه : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] .

وإنما قلنا ذلك ناسخ لقوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف وأرسل أبا عامر إلى أوطاس لحرب من بها من المشركين ، في الأشهر الحرم ، وذلك في شوال وبعض ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم . فكان معلوما بذلك أنه لو كان القتال فيهن حراما وفيه معصية ، كان أبعد الناس من فعله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 315 ]

وأخرى ؛ أن جميع أهل العلم بسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتدافع أن بيعة الرضوان على قتالقريش كانت في ذي القعدة ، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما دعا أصحابه إليها يومئذ ، لأنه بلغه أن عثمان بن عفان قتله المشركون إذ أرسله إليهم بما أرسله به من الرسالة ، فبايع صلى الله عليه وسلم على أن يناجز القوم الحرب ويحاربهم ، حتى رجع عثمان بالرسالة ، جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش الصلح ، فكف عن حربهم حينئذ وقتالهم وكان ذلك في ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم .

فإذ كان ذلك كذلك ، فبين صحة ما قلنا في قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، وأنه منسوخ .

فإذا ظن ظان أن النهي عن القتال في الأشهر الحرم كان بعد استحلال النبي صلى الله عليه وسلم إياهن لما وصفنا من حروبه فقد ظن جهلا؛ وذلك أن هذه الآية - أعني قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " - في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه ، وما كان من أمرهم وأمر القتيل الذي قتلوه ، فأنزل الله في أمره هذه الآية في آخر جمادى الآخرة من السنة الثانية من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهجرته إليها ، وكانت وقعة حنين والطائف في شوال من سنة ثمان من مقدمه المدينة وهجرته إليها ، وبينهما من المدة ما لا يخفى على أحد .

القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : ولا يزال مشركو قريش يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن قدروا على ذلك ، كما : - [ ص: 316 ] 4100 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير : " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " ، أي : هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه ، غير تائبين ولا نازعين يعني : على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم حتى يردوهم إلى الكفر ، كما كانوا يفعلون بمن قدروا عليه منهم قبل الهجرة .

4101 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " ، قال : كفار قريش .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 217 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ومن يرتدد منكم عن دينه " ، من يرجع منكم عن دينه ، كما قال جل ثناؤه : ( فارتدا على آثارهما قصصا ) [ سورة الكهف : 64 ] يعني بقوله : " فارتدا " ، رجعا . ومن ذلك قيل : " استرد فلان حقه من فلان " ، إذا استرجعه منه .

وإنما أظهر التضعيف في قوله : " يرتدد " لأن لام الفعل ساكنة بالجزم ، وإذا [ ص: 317 ] سكنت فالقياس ترك التضعيف ، وقد تضعف وتدغم وهي ساكنة ، بناء على التثنية والجمع .

وقوله : " فيمت وهو كافر " ، يقول : من يرجع عن دينه دين الإسلام ، " فيمت وهو كافر " ، فيمت قبل أن يتوب من كفره ، فهم الذين حبطت أعمالهم .

يعني بقوله : " حبطت أعمالهم " ، بطلت وذهبت . وبطولها : ذهاب ثوابها ، وبطول الأجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة .

وقوله : " وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ، يعني : الذين ارتدوا عن دينهم فماتوا على كفرهم هم أهل النار المخلدون فيها .

وإنما جعلهم " أهلها " لأنهم لا يخرجون منها ، فهم سكانها المقيمون فيها ، كما يقال : " هؤلاء أهل محلة كذا " ، يعني : سكانها المقيمون فيها .

ويعني بقوله : " هم فيها خالدون " ، هم فيها لابثون لبثا ، من غير أمد ولا نهاية .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ( 218 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ذكره : إن الذين صدقوا بالله وبرسوله وبما جاء به وبقوله : " والذين هاجروا " الذين هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم [ ص: 318 ] ومجاورتهم في ديارهم ، فتحولوا عنهم ، وعن جوارهم وبلادهم ، إلى غيرها هجرة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لما انتقل عنه إلى ما انتقل إليه . وأصل المهاجرة : " المفاعلة " من هجرة الرجل الرجل للشحناء تكون بينهما ، ثم تستعمل في كل من هجر شيئا لأمر كرهه منه ، وإنما سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " مهاجرين " ، لما وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم كراهة منهم النزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم ، بحيث لا يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم - إلى الموضع الذي يأمنون ذلك .

وأما قوله : " وجاهدوا " فإنه يعني : وقاتلوا وحاربوا .

وأصل " المجاهدة " " المفاعلة " من قول الرجل : " قد جهد فلان فلانا على كذا " - إذا كربه وشق عليه - " يجهده جهدا " . فإذا كان الفعل من اثنين ، كل واحد منهما يكابد من صاحبه شدة ومشقة ، قيل : " فلان يجاهد فلانا " - يعني أن كل واحد منهما يفعل بصاحبه ما يجهده ويشق عليه - " فهو يجاهده مجاهدة وجهادا " .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 09-11-2022 04:10 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(292)
الحلقة (306)
صــ 319إلى صــ 326




وأما " سبيل الله " ، فطريقه ودينه . [ ص: 319 ]

فمعنى قوله إذا : " والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله " ، والذين تحولوا من سلطان أهل الشرك هجرة لهم ، وخوف فتنتهم على أديانهم ، وحاربوهم في دين الله ليدخلوهم فيه وفيما يرضي الله " أولئك يرجون رحمة الله " ، أي : يطمعون أن يرحمهم الله فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم .

" والله غفور " ، أي ساتر ذنوب عباده بعفوه عنها ، متفضل عليهم بالرحمة .

وهذه الآية أيضا ذكر أنها نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه .

ذكر من قال ذلك :

4102 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، أنه حدثه رجل ، عن أبي السوار يحدثه عن جندب بن عبد الله قال : لما كان من أمر عبد الله بن جحش وأصحابه وأمر ابن الحضرمي ما كان ، قال بعض المسلمين : إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم - أظنه قال : وزرا - ، فليس لهم فيه أجر . فأنزل الله : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم " .

4103 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حدثني الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال : أنزل الله عز وجل القرآن بما أنزل من الأمر ، وفرج الله عن المسلمين في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه - يعني : في قتلهم ابن الحضرمي - فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن ، طمعوا في الأجر ، فقالوا : يا رسول الله ، أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم يسألونك عن " . فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء .

4104 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : أثنى الله على أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الثناء فقال : " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمه الله والله غفور رحيم " ، هؤلاء خيار هذه الأمة . ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون ، وأنه من رجا طلب ، ومن خاف هرب .

4105 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع مثله .
القول في تأويل قوله تعالى ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك أصحابك يا محمد عن الخمر وشربها .

و" الخمر " كل شراب خمر العقل فستره وغطى عليه . وهو من قول القائل : " خمرت الإناء " إذا غطيته ، و" خمر الرجل " ، إذا دخل في الخمر . ويقال : " هو في خمار الناس وغمارهم " ، يراد به دخل في عرض الناس . ويقال للضبع : " خامري أم عامر " ، أي استتري . وما خامر العقل من داء وسكر فخالطه وغمره فهو " خمر " . [ ص: 321 ] ومن ذلك أيضا " خمار المرأة " ، وذلك لأنها تستر [ به ] رأسها فتغطيه . ومنه يقال : " هو يمشي لك الخمر " ، أي مستخفيا ، كما قال العجاج :


في لامع العقبان لا يأتي الخمر يوجه الأرض ويستاق الشجر


ويعني بقوله : " لا يأتي الخمر " لا يأتي مستخفيا ولا مسارقة ، ولكن ظاهرا برايات وجيوش . و" العقبان " جمع " عقاب " ، وهي الرايات .

وأما " الميسر " فإنها " المفعل " من قول القائل : " يسر لي هذا الأمر " ، إذا وجب لي " فهو ييسر لي يسرا وميسرا " و" الياسر " الواجب ، بقداح وجب ذلك ، أو فتاحة أو غير ذلك . ثم قيل للمقامر ، " ياسر ويسر " ، كما قال الشاعر :


فبت كأنني يسر غبين يقلب ، بعد ما اختلع ، القداحا


وكما قال النابغة : [ ص: 322 ]


أو ياسر ذهب القداح بوفره أسف تآكله الصديق مخلع


يعني " بالياسر " : المقامر . وقيل للقمار " ميسر " .

وكان مجاهد يقول نحو ما قلنا في ذلك .

4106 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " يسألونك عن الخمر والميسر " قال : القمار ، وإنما سمي " الميسر " لقولهم : " أيسروا واجزروا " ، كقولك : ضع كذا وكذا .

4107 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان عن ليث عن مجاهد قال : كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز .

4108 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص قال : قال عبد الله : إياكم وهذه الكعاب الموسومة التي تزجرون بها زجرا ، فإنهن من الميسر .

4109 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص مثله .

4110 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن نافع قال : حدثنا شعبة عن يزيد بن أبي زياد عن أبي الأحوص عن عبد الله أنه قال : إياكم وهذه الكعاب التي تزجرون بها زجرا ، فإنها من الميسر . [ ص: 323 ]

4111 - حدثني علي بن سعيد الكندي قال : حدثنا علي بن مسهر عن عاصم عن محمد بن سيرين قال : القمار ميسر .

4112 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا سفيان عن عاصم الأحول عن محمد بن سيرين قال : كل شيء له خطر أو : في خطر ، أبو عامر شك ، فهو من الميسر .

4113 - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام قال : حدثنا علي بن مسهر عن عاصم عن محمد بن سيرين قال : كل قمار ميسر ، حتى اللعب بالنرد على القيام والصياح والريشة يجعلها الرجل في رأسه .

4114 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عاصم عن ابن سيرين قال : كل لعب فيه قمار من شرب أو صياح أو قيام ، فهو من الميسر .

4115 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا الأشعث عن الحسن أنه قال : الميسر القمار .

4116 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا المعتمر عن ليث عن طاوس وعطاء قالا كل قمار فهو من الميسر ، حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز .

4117 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام عن عمرو عن عطاء عن سعيد قال : الميسر القمار .

4118 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص عن عبيد الله قال : إياكم وهاتين الكعبتين يزجر بهما زجرا ، فإنهما من الميسر .

4119 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن ابن أبي [ ص: 324 ] عروبة عن قتادة قال : أما قوله : " الميسر " ، فهو القمار كله .

4120 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبيد الله بن عمر : أنه سمع عمر بن عبيد الله يقول للقاسم بن محمد : النرد " ميسر " ، أرأيت الشطرنج ؟ ميسر هو ؟ فقال القاسم : كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر .

4121 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قال : الميسر القمار . كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله ، فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله .

4122 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي قال : الميسر القمار .

4123 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرازق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : الميسر القمار .

4124 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرازق قال : أخبرنا معمر عن الليث عن مجاهد وسعيد بن جبير قالا : الميسر القمار كله ، حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان .

4125 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : سمعت عبيد الله بن سليمان يحدث ، عن الضحاك قوله : " الميسر " ، قال : القمار .

4126 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : الميسر القمار .

4127 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو بدر شجاع [ ص: 325 ] بن الوليد قال : حدثنا موسى بن عقبة عن نافع : أن ابن عمر كان يقول : القمار من الميسر .

4128 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال : الميسر ، قداح العرب وكعاب فارس قال : وقال ابن جريج : وزعم عطاء بن ميسرة : أن الميسر القمار كله .

4129 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز قال قال مكحول : الميسر القمار .

4130 - حدثنا الحسين بن محمد الذارع قال : حدثنا الفضل بن سليمان وشجاع بن الوليد عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : الميسر القمار .

وأما قوله : " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " ، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه : قل يا محمد لهم : " فيهما " ، يعني في الخمر والميسر " إثم كبير " ، فالإثم الكبير الذي فيهما ما ذكر عن السدي فيما : -

4131 - حدثني به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : أما قوله : " فيهما إثم كبير " ، فإثم الخمر أن الرجل يشرب فيسكر فيؤذي الناس . وإثم الميسر أن يقامر الرجل فيمنع الحق ويظلم .

4132 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " قل فيهما إثم كبير " ، قال : هذا أول ما عيبت به الخمر .

4133 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " قل فيهما إثم كبير " ، يعني ما ينقص من الدين عند من يشربها . [ ص: 326 ]

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل " الإثم الكبير " الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه في الخمر والميسر : في " الخمر " ما قاله السدي : زوال عقل شارب الخمر إذا سكر من شربه إياها حتى يعزب عنه معرفة ربه ، وذلك أعظم الآثام . وذلك معنى قول ابن عباس إن شاء الله . وأما في " الميسر " ، فما فيه من الشغل به عن ذكر الله وعن الصلاة ، ووقوع العداوة والبغضاء بين المتياسرين بسببه ، كما وصف ذلك به ربنا جل ثناؤه بقوله : ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ) [ سورة المائدة : 91 ]

وأما قوله : " ومنافع للناس " ، فإن منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها ، وما يصلون إليه بشربها من اللذة ، كما قال الأعشى في صفتها .


لنا من ضحاها خبث نفس وكأبة وذكرى هموم ما تغب أذاتها
وعند العشاء طيب نفس ولذة ومال كثير ، عزة نشواتها

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 09-11-2022 04:13 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(293)
الحلقة (307)
صــ 327إلى صــ 334




وكما قال حسان : [ ص: 327 ]


فنشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ، ما ينهنهنا اللقاء


وأما منافع الميسر ، فما يصيبون فيه من أنصباء الجزور . وذلك أنهم كانوا يياسرون على الجزور ، وإذا أفلج الرجل منهم صاحبه نحره ، ثم اقتسموا أعشارا على عدد القداح ، وفي ذلك يقول أعشى بني ثعلبة :


وجزور أيسار دعوت إلى الندى ونياط مقفرة أخاف ضلالها
[ ص: 328 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

4134 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : المنافع ههنا ما يصيبون من الجزور .

4135 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : أما منافعهما ، فإن منفعة الخمر في لذته وثمنه ، ومنفعة الميسر فيما يصاب من القمار .

4136 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا ابن أبي زائدة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " ، قال : منافعهما قبل أن يحرما .

4137 - حدثنا علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " ومنافع للناس " ، قال : يقول فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها .

واختلف القرأة في قراءة ذلك :

فقرأه عظم أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين : " قل فيهما إثم كبير " بالباء ، بمعنى قل : في شرب هذه ، والقمار هذا كبير من الآثام .

وقرأه آخرون من أهل المصرين البصرة والكوفة : " قل فيهما إثم كثير " ، بمعنى الكثرة من الآثام . وكأنهم رأوا أن " الإثم " بمعنى " الآثام " ، وإن كان في اللفظ واحدا ، فوصفوه بمعناه من الكثرة . [ ص: 329 ]

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه " بالباء " : " قل فيهما إثم كبير " ، لإجماع جميعهم على قوله : " وإثمهما أكبر من نفعهما " ، وقراءته بالباء . وفي ذلك دلالة بينة على أن الذي وصف به الإثم الأول من ذلك ، هو العظم والكبر ، لا الكثرة في العدد . ولو كان الذي وصف به من ذلك الكثرة ، لقيل : وإثمهما أكثر من نفعهما .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإثمهما أكبر من نفعهما )

قال أبو جعفر : يعني بذلك عز ذكره : والإثم بشرب [ الخمر ] هذه والقمار هذا أعظم وأكبر مضرة عليهم من النفع الذي يتناولون بهما . وإنما كان ذلك كذلك ، لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض ، وقاتل بعضهم بعضا ، وإذا ياسروا وقع بينهم فيه بسببه الشر ، فأداهم ذلك إلى ما يأثمون به .

ونزلت هذه الآية في الخمر قبل أن يصرح بتحريمها ، فأضاف الإثم جل ثناؤه إليهما ، وإنما الإثم بأسبابهما ؛ إذ كان عن سببهما يحدث .

وقد قال عدد من أهل التأويل : معنى ذلك : وإثمهما بعد تحريمهما أكبر من نفعهما قبل تحريمهما .

ذكر من قال ذلك :

4138 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس : " وإثمهما أكبر من نفعهما " ، قال : منافعهما قبل التحريم ، وإثمهما بعد ما حرما .

4139 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن " [ ص: 330 ] الربيع : ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " ينزل المنافع قبل التحريم ، والإثم بعد ما حرم .

4140 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرني عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " وإثمهما أكبر من نفعهما " ، يقول : إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم .

4141 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " وإثمهما أكبر من نفعهما " ، يقول : ما يذهب من الدين والإثم فيه أكبر مما يصيبون في فرحها إذا شربوها .

قال أبو جعفر : وإنما اخترنا ما قلنا في ذلك من التأويل لتواتر الأخبار وتظاهرها بأن هذه نزلت قبل تحريم الخمر والميسر فكان معلوما بذلك أن الإثم الذي ذكره الله في هذه الآية فأضافه إليهما ، إنما عنى به الإثم الذي يحدث عن أسبابهما - على ما وصفنا - لا الإثم بعد التحريم .

ذكر الأخبار الدالة على ما قلنا من أن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر :

4142 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا قيس عن سالم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثم كبير ومنافع للناس " فكرهها قوم لقوله : " فيهما إثم كبير " ، وشربها قوم لقوله : " ومنافع للناس " ، حتى نزلت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) [ سورة النساء : 43 ] ، قال : فكانوا يدعونها في حين الصلاة ويشربونها في غير حين الصلاة ، حتى نزلت : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) [ سورة المائدة : 90 ] فقال عمر : ضيعة لك ! اليوم قرنت بالميسر ! [ ص: 331 ]

4143 - حدثني محمد بن معمر قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا محمد بن أبي حميد عن أبي توبة المصري قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : أنزل الله عز وجل في الخمر ثلاثا ، فكان أول ما أنزل : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير " الآية ، فقالوا : يا رسول الله ، ننتفع بها ونشربها كما قال الله جل وعز في كتابه ! ثم نزلت هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) الآية ، قالوا : يا رسول الله ، لا نشربها عند قرب الصلاة . قال : ثم نزلت : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) الآية ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرمت الخمر " . [ ص: 332 ]

4144 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن قالا قال الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) و" يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " ، فنسختها الآية التي في المائدة ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ) ، الآية .

4145 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عوف عن أبي القموص زيد بن علي قال : أنزل الله عز وجل في الخمر ثلاث مرات . فأول ما أنزل قال الله : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " ، قال : فشربها من المسلمين من شاء الله منهم على ذلك ، حتى شرب رجلان فدخلا في الصلاة فجعلا يهجران كلاما لا يدري عوف ما هو ، فأنزل الله عز وجل فيهما : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) ، فشربها من شربها منهم ، وجعلوا يتقونها عند الصلاة ، حتى شربها - فيما زعم أبو القموص رجل ، فجعل ينوح على قتلى بدر :


تحيي بالسلامة أم عمرو وهل لك بعد رهطك من سلام [ ص: 333 ] ذريني أصطبح بكرا ، فإني
رأيت الموت نقب عن هشام وود بنو المغيرة لو فدوه
بألف من رجال أو سوام كأي بالطوي طوي بدر
من الشيزى يكلل بالسنام كأي بالطوي طوي بدر
من الفتيان والحلل الكرام
قال : فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء فزعا يجر رداءه من الفزع ، حتى انتهى إليه ، فلما عاينه الرجل ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان بيده ليضربه ، قال : أعوذ بالله من غضب الله ورسوله ! والله لا أطعمها [ ص: 334 ] أبدا ! فأنزل الله تحريمها : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس ) إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون ) ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : انتهينا ، انتهينا ! !

4146 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا إسحاق الأزرق عن زكريا عن سماك عن الشعبي قال : نزلت في الخمر أربع آيات : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " ، فتركوها ، ثم نزلت : ( تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) [ سورة النحل : 67 ] ، فشربوها ثم نزلت الآيتان في " المائدة " : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ) إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون )

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 09-11-2022 04:19 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(294)
الحلقة (308)
صــ 335إلى صــ 342



4147 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : قال نزلت هذه الآية : " يسألونك عن الخمر والميسر " الآية ، فلم يزالوا بذلك يشربونها ، حتى صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ، فدعا ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم علي بن أبي طالب ، فقرأ : ( قل يا أيها الكافرون ) ، ولم يفهمها . فأنزل الله عز وجل يشدد في الخمر : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) ، فكانت لهم حلالا يشربون من صلاة الفجر حتى يرتفع النهار ، أو ينتصف ، فيقومون إلى صلاة الظهر وهم مصحون ، ثم لا يشربونها حتى يصلوا العتمة - وهي [ ص: 335 ] العشاء - ثم يشربونها حتى ينتصف الليل ، وينامون ، ثم يقومون إلى صلاة الفجر وقد صحوا - فلم يزالوا بذلك يشربونها حتى صنع سعد بن أبي وقاص طعاما ، فدعا ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم رجل من الأنصار ، فشوى لهم رأس بعير ثم دعاهم عليه ، فلما أكلوا وشربوا من الخمر ، سكروا وأخذوا في الحديث . فتكلم سعد بشيء فغضب الأنصاري ، فرفع لحي البعير فكسر أنف سعد ، فأنزل الله نسخ الخمر وتحريمها وقال : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ) إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون )

4148 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة - وعن رجل عن مجاهد - في قوله : " يسألونك عن الخمر والميسر " ، قال : لما نزلت هذه الآية شربها بعض الناس وتركها بعض ، حتى نزل تحريمها في " سورة المائدة " .

4149 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " قل فيهما إثم كبير " ، قال : هذا أول ما عيبت به الخمر .

4150 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " ، فذمهما الله ولم يحرمهما ، لما أراد أن يبلغ بهما من المدة والأجل . ثم أنزل الله في " سورة النساء " أشد منها : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) ، فكانوا يشربونها ، حتى إذا حضرت الصلاة سكتوا عنها ، فكان السكر عليهم [ ص: 336 ] حراما . ثم أنزل الله جل وعز في " سورة المائدة " بعد غزوة الأحزاب : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ) إلى ( لعلكم تفلحون ) فجاء تحريمها في هذه الآية ، قليلها وكثيرها ، ما أسكر منها وما لم يسكر . وليس للعرب يومئذ عيش أعجب إليهم منها .

4151 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله : " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " ، قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ربكم يقدم في تحريم الخمر ، قال : ثم نزلت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن ربكم يقدم في تحريم الخمر . قال : ثم نزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) ، فحرمت الخمر عند ذلك .

4152 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " يسألونك عن الخمر والميسر " الآية كلها ، قال : نسخت ثلاثة ، في " سورة المائدة " ، وبالحد الذي حد النبي صلى الله عليه وسلم ، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم . قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يضربهم بذلك حدا ، ولكنه كان يعمل في ذلك برأيه ، ولم يكن حدا مسمى وهو حد وقرأ : ( إنما الخمر والميسر ) الآية .

[ ص: 337 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو )

قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بذلك : ويسألك يا محمد أصحابك : أي شيء ينفقون من أموالهم فيتصدقون به ؟ فقل لهم يا محمد : أنفقوا منها العفو .

واختلف أهل التأويل في معنى : " العفو " في هذا الموضع .

فقال بعضهم : معناه : الفضل .

ذكر من قال ذلك :

4153 - حدثنا عمرو بن علي الباهلي قال : حدثنا وكيع ح ، وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : العفو ما فضل عن أهلك .

4154 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " قل العفو " ، أي الفضل .

4155 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : هو الفضل .

4156 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك عن عطاء في قوله : " العفو " قال : الفضل .

4157 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي قال : " العفو " ، يقول : الفضل .

4158 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، قال : كان القوم يعملون في كل [ ص: 338 ] يوم بما فيه ، فإن فضل ذلك اليوم فضل عن العيال قدموه ، ولا يتركون عيالهم جوعا ويتصدقون به على الناس .

4159 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا يونس عن الحسن في قوله : " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، قال : هو الفضل ، فضل المال .

وقال آخرون : معنى ذلك : ما كان عفوا لا يبين على من أنفقه أو تصدق به .

ذكر من قال ذلك :

4160 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي عن ابن عباس : " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، يقول : ما لا يتبين في أموالكم .

4161 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن جريج عن طاوس في قول الله جل وعز : " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، قال : اليسير من كل شيء .

وقال آخرون : معنى ذلك : الوسط من النفقة ، ما لم يكن إسرافا ولا إقتارا .

ذكر من قال ذلك :

4162 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا بشر بن المفضل عن عوف عن الحسن في قوله : " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، يقول : لا تجهد مالك حتى ينفد للناس .

4163 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : سألت عطاء عن قوله : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، قال : العفو في النفقة أن لا تجهد مالك حتى ينفد فتسأل الناس . [ ص: 339 ]

4164 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال سألت عطاء عن قوله : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " قال : العفو ما لم يسرفوا ولم يقتروا في الحق قال : وقال مجاهد : العفو صدقة عن ظهر غنى .

4165 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا عوف عن الحسن في قوله : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، قال : هو أن لا تجهد مالك .

وقال آخرون : معنى ذلك : " قل العفو " ، خذ منهم ما أتوك به من شيء قليلا أو كثيرا .

ذكر من قال ذلك :

4166 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس : " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، يقول : ما أتوك به من شيء قليل أو كثير فاقبله منهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : ما طاب من أموالكم .

ذكر من قال ذلك :

4167 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، قال : يقول : الطيب منه ، يقول : أفضل مالك وأطيبه .

4168 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن قتادة قال : كان يقول : العفو الفضل ، يقول : أفضل مالك . [ ص: 340 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : الصدقة المفروضة .

ذكر من قال ذلك :

4169 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن قيس بن سعد أو عيسى عن قيس عن مجاهد - شك أبو عاصم - قول الله جل وعز : " قل العفو " ، قال : الصدقة المفروضة .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى " العفو " : الفضل من مال الرجل عن نفسه وأهله في مئونتهم ما لا بد لهم منه . وذلك هو الفضل الذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإذن في الصدقة ، وصدقته في وجوه البر :

ذكر بعض الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك :

4170 - حدثنا علي بن مسلم قال : حدثنا أبو عاصم عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة قال : قال رجل : يا رسول الله ، عندي دينار ! قال : " أنفقه على نفسك . قال : عندي آخر ! قال : " أنفقه على أهلك . قال : عندي آخر ! قال : أنفقه على ولدك ! قال : عندي آخر ; قال : فأنت أبصر! [ ص: 341 ]

4171 - حدثني محمد بن معمر البحراني قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير : أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه ، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول ، ثم إن وجد فضلا بعد ذلك فليتصدق على غيرهم " .

4172 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ببيضة من ذهب أصابها في بعض المعادن ، فقال : يا رسول الله ، خذ هذه مني صدقة ، فوالله ما أصبحت أملك غيرها ! فأعرض عنه ، فأتاه من ركنه الأيمن فقال له مثل ذلك ، فأعرض عنه . ثم قال له مثل ذلك ، فأعرض عنه . ثم قال له مثل ذلك ، فقال : هاتها ! مغضبا ، فأخذها فحذفه بها حذفة لو أصابه شجه أو عقره ، ثم قال : " يجيء أحدكم بماله كله يتصدق به ، ويجلس يتكفف الناس ! ! إنما الصدقة عن ظهر غنى . [ ص: 342 ]

4173 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن إبراهيم المخرمي قال : سمعت أبا الأحوص يحدث ، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ارضخ من الفضل ، وابدأ بمن تعول ، ولا تلام على كفاف " .

وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول باستقصاء ذكرها الكتاب .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 09-11-2022 04:21 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(295)
الحلقة (309)
صــ 343إلى صــ 350



فإذا كان الذي أذن صلى الله عليه وسلم لأمته الصدقة من أموالهم بالفضل [ ص: 343 ] عن حاجة المتصدق ، فالفضل من ذلك هو " العفو " من مال الرجل ؛ إذ كان " العفو " ، في كلام العرب ، في المال وفي كل شيء : هو الزيادة والكثرة - ومن ذلك قوله جل ثناؤه : " حتى عفوا " بمعنى : زادوا على ما كانوا عليه من العدد وكثروا ، ومنه قول الشاعر :


ولكنا نعض السيف منها بأسوق عافيات الشحم كوم


يعني به : كثيرات الشحوم . ومن ذلك قيل للرجل : " خذ ما عفا لك من فلان " ، يراد به ما فضل فصفا لك عن جهده بما لم يجهده كان بينا أن الذي أذن الله به في قوله : " قل العفو " لعباده من النفقة ، فأذنهم بإنفاقه إذا أرادوا إنفاقه ، هو الذي بين لأمته رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " خير الصدقة ما أنفقت عن غنى " ، وأذنهم به .

فإن قال لنا قائل : وما تنكر أن يكون ذلك " العفو " هو الصدقة المفروضة ؟ [ ص: 344 ] قيل : أنكرنا ذلك لقيام الحجة على أن من حلت في ماله الزكاة المفروضة فهلك جميع ماله إلا قدر الذي لزم ماله لأهل سهمان الصدقة أن عليه أن يسلمه إليهم ، إذا كان هلاك ماله بعد تفريطه في أداء الواجب كان لهم في ماله إليهم . وذلك لا شك أنه جهده - إذا سلمه إليهم - لا عفوه . وفي تسمية الله جل ثناؤه ما علم عباده وجه إنفاقهم من أموالهم " عفوا " ما يبطل أن يكون مستحقا اسم " جهد " في حالة . وإذا كان ذلك كذلك ، فبين فساد قول من زعم أن معنى " العفو " هو ما أخرجه رب المال إلى إمامه فأعطاه ، كائنا ما كان من قليل ماله وكثيره ، وقول من زعم أنه الصدقة المفروضة . وكذلك أيضا لا وجه لقول من يقول إن معناه : " ما لم يتبين في أموالكم " ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له أبو لبابة : " إن من توبتي أن أنخلع إلى الله ورسوله من مالي صدقة " ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يكفيك من ذلك الثلث ! " ، وكذلك روي عن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له نحوا من ذلك . والثلث لا شك أنه بين فقده من مال ذي المال ، ولكنه عندي كما قال جل ثناؤه : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) [ سورة الفرقان : 67 ] ، وكما قال جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) [ ص: 345 ] [ سورة الإسراء : 29 ] ، وذلك هو ما حده صلى الله عليه وسلم فيما دون ذلك على قدر المال واحتماله .

ثم اختلف أهل العلم في هذه الآية : هل هي منسوخة أم ثابتة الحكم على العباد ؟ فقال بعضهم : هي منسوخة ، نسختها الزكاة المفروضة .

ذكر من قال ذلك :

4174 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، قال : كان هذا قبل أن تفرض الصدقة .

4175 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، قال : لم تفرض فيه فريضة معلومة . ثم قال : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ سورة الأعراف : 199 ] ، ثم نزلت الفرائض بعد ذلك مسماة .

4176 - حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي قوله : " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " ، هذه نسختها الزكاة .

وقال آخرون : بل مثبتة الحكم غير منسوخة .

ذكر من قال ذلك :

4177 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن قيس بن سعد أو عيسى عن قيس عن مجاهد - شك أبو عاصم قال - قال : العفو الصدقة المفروضة .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس على ما رواه عنه عطية من أن قوله : " قل العفو " ليس بإيجاب فرض فرض من الله حقا في ماله ، ولكنه إعلام منه ما يرضيه من النفقة مما يسخطه ، جوابا منه لمن سأل نبيه [ ص: 346 ] محمدا صلى الله عليه وسلم عما فيه له رضا . فهو أدب من الله لجميع خلقه على ما أدبهم به في الصدقات غير المفروضات ثابت الحكم ، غير ناسخ لحكم كان قبله بخلافه ، ولا منسوخ بحكم حدث بعده . فلا ينبغي لذي ورع ودين أن يتجاوز في صدقات التطوع وهباته وعطايا النفل وصدقته ، ما أدبهم به نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : " إذا كان عند أحدكم فضل فليبدأ بنفسه ، ثم بأهله ، ثم بولده " ، ثم يسلك حينئذ في الفضل مسالكه التي ترضي الله ويحبها . وذلك هو " القوام " بين الإسراف والإقتار ، الذي ذكره الله عز وجل في كتابه إن شاء الله تعالى .

ويقال لمن زعم أن ذلك منسوخ : ما الدلالة على نسخه وقد أجمع الجميع - لا خلاف بينهم - على أن للرجل أن ينفق من ماله صدقة وهبة ووصية ، الثلث ؟ فما الذي دل على أن ذلك منسوخ ؟

فإن زعم أنه يعني بقوله : " إنه منسوخ " ، أن إخراج العفو من المال غير لازم فرضا ، وأن فرض ذلك ساقط بوجود الزكاة في المال

قيل له : وما الدليل على أن إخراج العفو كان فرضا فأسقطه فرض الزكاة ، ولا دلالة في الآية على أن ذلك كان فرضا ، إذ لم يكن أمر من الله عز ذكره بل فيها الدلالة على أنها جواب ما سأل عنه القوم على وجه التعرف لما فيه لله الرضا من الصدقات ؟

ولا سبيل لمدعي ذلك إلى دلالة توجب صحة ما ادعى .

قال أبو جعفر : وأما القرأة فإنهم اختلفوا في قراءة " العفو " . فقرأته عامة قرأة الحجاز وقرأة الحرمين وعظم قرأة الكوفيين : " قل العفو " نصبا . وقرأه بعض قرأة البصريين : " قل العفو " رفعا .

فمن قرأه نصبا جعل " ماذا " حرفا واحدا ، ونصبه بقوله : " ينفقون " ، على ما قد [ ص: 347 ] بينت قبل - ثم نصب " العفو " على ذلك . فيكون معنى الكلام حينئذ : ويسألونك أي شيء ينفقون ؟

ومن قرأ رفعا جعل " ما " من صلة " ذا " ، ورفعوا " العفو " . فيكون معنى الكلام حينئذ : ما الذي ينفقون ؟ قل : الذي ينفقون العفو .

ولو نصب " العفو " ، ثم جعل " ماذا " حرفين ، بمعنى : يسألونك ماذا ينفقون ؟ قل : ينفقون العفو ورفع الذين جعلوا " ماذا " حرفا واحدا ، بمعنى : ما ينفقون ؟ قل : الذي ينفقون ، خبرا كان صوابا صحيحا في العربية .

وبأي القراءتين قرئ ذلك ، فهو عندي صواب ، لتقارب معنييهما ، مع استفاضة القراءة بكل واحدة منهما . غير أن أعجب القراءتين إلي ، وإن كان الأمر كذلك ، قراءة من قرأه بالنصب ، لأن من قرأ به من القرأة أكثر ، وهو أعرف وأشهر .

القول في تأويل قوله تعالى ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ( 219 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله عز ذكره : " كذلك يبين الله لكم الآيات " ، هكذا يبين أي : ما بينت لكم أعلامي وحججي - وهي " آياته " - في هذه السورة ، وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي ، وبينت لكم حدودي وفرائضي ، ونبهتكم فيها على الأدلة على وحدانيتي ، ثم على حجج رسولي إليكم ، فأرشدتكم إلى ظهور [ ص: 348 ] الهدى ، فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم آياتي وحججي وأوضحها لكم ، لتتفكروا في وعدي ووعيدي ، وثوابي وعقابي ، فتختاروا طاعتي التي تنالون بها ثوابي في الدار الآخرة ، والفوز بنعيم الأبد ، على القليل من اللذات واليسير من الشهوات ، بركوب معصيتي في الدنيا الفانية ، التي من ركبها كان معاده إلي ، ومصيره إلى ما لا قبل له به من عقابي وعذابي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

4178 - حدثنا علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي عن ابن عباس : " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة " ، قال : يعني في زوال الدنيا وفنائها ، وإقبال الآخرة وبقائها .

4179 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة " ، قال يقول : لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ، فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا .

4180 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قوله : " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة " ، قال : أما الدنيا ، فتعلمون أنها دار بلاء ثم فناء ، والآخرة دار جزاء ثم بقاء ، فتتفكرون فتعملون للباقية منهما قال : وسمعت أبا عاصم يذكر نحو هذا أيضا .

4181 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة [ ص: 349 ] قوله : " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة " وأنه من تفكر فيهما عرف فضل إحداهما على الأخرى ، وعرف أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء ، وأن الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء ، فكونوا ممن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم )

اختلف أهل التأويل فيم نزلت هذه الآية .

فقال بعضهم : نزلت [ في الذين عزلوا أموال اليتامى الذين كانوا عندهم ، وكرهوا أن يخالطوهم في مأكل أو في غيره ، وذلك حين نزلت ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) [ سورة الأنعام : 152 ] ، وقوله : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) [ سورة النساء : 10 ] .

ذكر من قال ذلك ] :

4182 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) [ سورة الأنعام : 152 ، والإسراء : 34 ] عزلوا أموال اليتامى ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : " وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم " ، فخالطوهم . [ ص: 350 ]

4183 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، و ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) [ سورة النساء : 10 ] ، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم " ، فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم .

4184 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام عن عمرو عن عطاء عن سعيد قال : لما نزلت : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، قال : كنا نصنع لليتيم طعاما فيفضل منه الشيء ، فيتركونه حتى يفسد ، فأنزل الله : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " .

4185 - حدثنا يحيى بن داود الوسطي قال : حدثنا أبو أسامة عن ابن أبي ليلى عن الحكم قال : سئل عبد الرحمن بن أبي ليلى عن مال اليتيم فقال : لما نزلت : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، اجتنبت مخالطتهم ، واتقوا كل شيء ، حتى اتقوا الماء ، فلما نزلت " وإن تخالطوهم فإخوانكم " ، قال : فخالطوهم .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 09-11-2022 04:24 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(296)
الحلقة (310)
صــ 351إلى صــ 358





4186 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ويسألونك عن اليتامى " الآية كلها ، قال : كان الله أنزل قبل ذلك في [ ص: 351 ] " سورة بني إسرائيل " ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، فكبرت عليهم ، فكانوا لا يخالطونهم في مأكل ولا في غيره ، فاشتد ذلك عليهم ، فأنزل الله الرخصة فقال : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " .

4187 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : لما نزلت : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ، اعتزل الناس اليتامى فلم يخالطوهم في مأكل ولا مشرب ولا مال ، قال : فشق ذلك على الناس ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم " .

4188 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم " الآية ، قال : فذكر لنا - والله أعلم - أنه أنزل في " بني إسرائيل " : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ) فكبرت عليهم ، فكانوا لا يخالطونهم في طعام ولا شراب ولا غير ذلك . فاشتد ذلك عليهم ، فأنزل الله الرخصة فقال : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم " ، يقول : مخالطتهم في ركوب الدابة وشرب اللبن وخدمة الخادم . يقول : الولي الذي يلي أمرهم ، فلا بأس عليه أن يركب الدابة أو يشرب اللبن أو يخدمه الخادم .

وقال آخرون في ذلك بما : -

4189 - حدثني عمرو بن علي قال : حدثنا عمران بن عيينة قال : حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم " الآية ، قال : كان يكون في حجر الرجل اليتيم فيعزل طعامه وشرابه وآنيته ، فشق ذلك على المسلمين ، فأنزل [ ص: 352 ] الله : " وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح " ، فأحل خلطتهم .

4190 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا حفص بن غياث قال : حدثنا أشعث عن الشعبي قال : لما نزلت هذه الآية : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " ، قال : فاجتنب الناس الأيتام ، فجعل الرجل يعزل طعامه من طعامه ، وماله من ماله ، وشرابه من شرابه . قال : فاشتد ذلك على الناس ، فنزلت : " وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح " . قال الشعبي : فمن خالط يتيما فليتوسع عليه ، ومن خالطه ليأكل من ماله فلا يفعل .

4191 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : قوله : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير " ، وذلك أن الله لما أنزل : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " ، كره المسلمون أن يضموا اليتامى ، وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : " قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم " .

4192 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم " ، قال : لما نزلت " سورة النساء " ، عزل الناس طعامهم فلم يخالطوهم . قال : ثم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا يشق علينا أن نعزل طعام اليتامى وهم يأكلون معنا ! فنزلت : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " قال ابن جريج وقال مجاهد : عزلوا طعامهم عن طعامهم وألبانهم عن ألبانهم وأدمهم عن أدمهم ، فشق ذلك عليهم ، فنزلت : " وإن تخالطوهم فإخوانكم [ ص: 353 ] " قال : مخالطة اليتيم في المراعي والأدم قال ابن جريج وقال ابن عباس : الألبان وخدمة الخادم وركوب الدابة قال ابن جريج : وفي المساكن ، قال : والمساكن يومئذ عزيزة .

4193 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال : أخبرنا أبو كدينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت : " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " و" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " ، قال : اجتنب الناس مال اليتيم وطعامه ، حتى كان يفسد ، إن كان لحما أو غيره . فشق ذلك على الناس ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير "

4194 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن قيس بن سعد أو عيسى عن قيس بن سعد شك أبو عاصم - عن مجاهد : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " ، قال : مخالطة اليتيم في الرعي والأدم .

وقال آخرون : بل كان اتقاء مال اليتيم واجتنابه من أخلاق العرب ، فاستفتوا في ذلك لمشقته عليهم ، فأفتوا بما بينه الله في كتابه .

ذكر من قال ذلك :

4195 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح " ، قال : كانت العرب يشددون في اليتيم حتى لا يأكلوا معه في قصعة واحدة ، ولا يركبوا له بعيرا ، ولا يستخدموا له خادما [ ص: 354 ] فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عنه ، فقال : " قل إصلاح لهم خير " ، يصلح له ماله وأمره له خير ، وإن يخالطه فيأكل معه ويطعمه ويركب راحلته ويحمله ويستخدم خادمه ويخدمه ، فهو أجود " والله يعلم المفسد من المصلح " .

4196 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير " إلى " إن الله عزيز حكيم " ، وإن الناس كانوا إذا كان في حجر أحدهم اليتيم جعل طعامه على ناحية ، ولبنه على ناحية ، مخافة الوزر ، وإنه أصاب المؤمنين الجهد ، فلم يكن عندهم ما يجعلون خدما لليتامى ، فقال الله : " قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم " إلى آخر الآية .

4197 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ويسألونك عن اليتامى " كانوا في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم ، فلا يمسون من أموالهم شيئا ، ولا يركبون لهم دابة ، ولا يطعمون لهم طعاما . فأصابهم في الإسلام جهد شديد ، حتى احتاجوا إلى أموال اليتامى ، فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن شأن اليتامى وعن مخالطتهم ، فأنزل الله : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " يعني " بالمخالطة " ركوب الدابة ، وخدمة الخادم ، وشرب اللبن .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : ويسألك يا محمد أصحابك عن مال اليتامى ، وخلطهم أموالهم به في النفقة والمطاعمة والمشاربة والمساكنة والخدمة ، فقل لهم : تفضلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم - من غير مرزئة شيء من أموالهم ، وغير أخذ عوض من أموالهم على إصلاحكم ذلك لهم - خير لكم عند الله وأعظم [ ص: 355 ] لكم أجرا ، لما لكم في ذلك من الأجر والثواب وخير لهم في أموالهم في عاجل دنياهم ، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم " وإن تخالطوهم " فتشاركوهم بأموالكم أموالهم في نفقاتكم ومطاعمكم ومشاربكم ومساكنكم ، فتضموا من أموالهم عوضا من قيامكم بأمورهم وأسبابهم وإصلاح أموالهم ، فهم إخوانكم ، والإخوان يعين بعضهم بعضا ، ويكنف بعضهم بعضا ، فذو المال يعين ذا الفاقة ، وذو القوة في الجسم يعين ذا الضعف . يقول تعالى ذكره : فأنتم أيها المؤمنون وأيتامكم كذلك ، إن خالطتموهم بأموالكم فخلطتم طعامكم بطعامهم ، وشرابكم بشرابهم ، وسائر أموالكم بأموالهم ، فأصبتم من أموالهم فضل مرفق بما كان منكم من قيامكم بأموالهم وولائهم ، ومعاناة أسبابهم ، على النظر منكم لهم نظر الأخ الشفيق لأخيه ، العامل فيما بينه وبينه بما أوجب الله عليه وألزمه فذلك لكم حلال ، لأنكم إخوان بعضكم لبعض ، كما : -

4198 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " ، قال : قد يخالط الرجل أخاه .

4199 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان عن أبي مسكين عن إبراهيم قال : إني لأكره أن يكون مال اليتيم كالعرة .

4200 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم عن عائشة قالت : إنى لأكره أن يكون مال اليتيم عندي عرة ، حتى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي . [ ص: 356 ]

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قال : " فإخوانكم " ، فرفع " الإخوان " ؟ وقال في موضع آخر : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) [ سورة البقرة : 239 ]

قيل : لافتراق معنييهما . وذلك أن أيتام المؤمنين إخوان المؤمنين ، خالطهم المؤمنون بأموالهم أو لم يخالطوهم . فمعنى الكلام : وإن تخالطوهم فهم إخوانكم . و" الإخوان " مرفوعون بالمعنى المتروك ذكره ، وهو " هم " لدلالة الكلام عليه وأنه لم يرد " بالإخوان " الخبر عنهم أنهم كانوا إخوانا من أجل مخالطة ولاتهم إياهم . ولو كان ذلك المراد ، لكانت القراءة نصبا ، وكان معناه حينئذ : وإن تخالطوهم فخالطوا إخوانكم ، ولكنه قرئ رفعا لما وصفت من أنهم إخوان للمؤمنين الذين يلونهم ، خالطوهم أو لم يخالطوهم .

وأما قوله : ( فرجالا أو ركبانا ) ، فنصب ، لأنهما حالان للفعل ، غير دائمين ، ولا يصلح معهما " هو " . وذلك أنك لو أظهرت " هو " معهما لاستحال الكلام . ألا ترى أنه لو قال قائل : " إن خفت من عدوك أن تصلي قائما فهو راجل أو راكب " ، لبطل المعنى المراد بالكلام ؟ وذلك أن تأويل الكلام : فإن خفتم أن تصلوا قياما من عدوكم ، فصلوا رجالا أو ركبانا . ولذلك نصبه إجراء على ما قبله من الكلام ، كما تقول في نحوه من الكلام : " إن لبست ثيابا فالبياض " فتنصبه ، لأنك تريد : إن لبست ثيابا فالبس البياض - ولست تريد الخبر عن أن جميع ما يلبس من الثياب فهو البياض . ولو أردت الخبر عن ذلك لقلت : " إن لبست ثيابا فالبياض " رفعا ، إذا كان مخرج الكلام على وجه الخبر منك عن اللابس ، أن كل ما يلبس من الثياب فبياض . لأنك تريد حينئذ : إن لبست ثيابا فهي بياض . [ ص: 357 ]

فإن قال : فهل يجوز النصب في قوله : " فإخوانكم " .

قيل : جائز في العربية . فأما في القراءة ، فإنما منعناه لإجماع القرأة على رفعه . وأما في العربية ، فإنما أجزناه ، لأنه يحسن معه تكرير ما يحمل في الذي قبله من الفعل فيهما : وإن تخالطوهم ، فإخوانكم تخالطون - فيكون ذلك جائزا في كلام العرب .
القول في تأويل قوله تعالى ( والله يعلم المفسد من المصلح )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : إن ربكم قد أذن لكم في مخالطتكم اليتامى على ما أذن لكم به ، فاتقوا الله في أنفسكم أن تخالطوهم وأنتم تريدون أكل أموالهم بالباطل ، وتجعلون مخالطتكم إياهم ذريعة لكم إلى إفساد أموالهم وأكلها بغير حقها ، فتستوجبوا بذلك منه العقوبة التي لا قبل لكم بها ، فإنه يعلم من خالط منكم يتيمه - فشاركه في مطعمه ومشربه ومسكنه وخدمه ورعاته في حال مخالطته إياه - ما الذي يقصد بمخالطته إياه : إفساد ماله وأكله بالباطل ، أم إصلاحه وتثميره ؟ لأنه لا يخفى عليه منه شيء ، ويعلم أيكم المريد إصلاح ماله ، من المريد إفساده . كما : - [ ص: 358 ]

4201 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره : " والله يعلم المفسد من المصلح " قال : الله يعلم حين تخلط مالك بماله : أتريد أن تصلح ماله ، أو تفسده فتأكله بغير حق ؟

4202 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا حفص بن غياث قال : حدثنا أشعث عن الشعبي : " والله يعلم المفسد من المصلح " ، قال الشعبي : فمن خالط يتيما فليتوسع عليه ، ومن خالطه ليأكل ماله فلا يفعل .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif






ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:16 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(297)
الحلقة (311)
صــ 359إلى صــ 366






القول في تأويل قوله تعالى ( ولو شاء الله لأعنتكم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولو شاء الله لحرم ما أحله لكم من مخالطة أيتامكم بأموالكم أموالهم ، فجهدكم ذلك وشق عليكم ، ولم تقدروا على القيام باللازم لكم من حق الله تعالى والواجب عليكم في ذلك من فرضه ، ولكنه رخص لكم فيه وسهله عليكم رحمة بكم ورأفة .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " لأعنتكم " . فقال بعضهم بما : -

4203 - حدثني به محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن قيس بن سعد - أو عيسى عن قيس بن سعد - عن مجاهد شك أبو عاصم في قول الله تعالى ذكره : " ولو شاء الله لأعنتكم " لحرم عليكم المرعى والأدم . [ ص: 359 ]

قال أبو جعفر : يعني بذلك مجاهد : رعي مواشي والي اليتيم مع مواشي اليتيم ، والأكل من إدامه . لأنه كان يتأول في قوله : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " ، أنه خلطة الولي اليتيم بالرعي والأدم .

4204 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، يقول : لو شاء الله لأحرجكم فضيق عليكم ، ولكنه وسع ويسر فقال : ( ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) [ سورة النساء : 6 ]

4205 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، يقول : لجهدكم ، فلم تقوموا بحق ولم تؤدوا فريضة .

4206 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع نحوه إلا أنه قال : فلم تعملوا بحق .

4207 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، لشدد عليكم .

4208 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، قال : لشق عليكم في الأمر . ذلك العنت .

4209 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قوله : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، قال : ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا .

وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرت عنه ، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها ، فإنها متقاربات المعاني . لأن من حرم عليه شيء فقد ضيق عليه في ذلك [ ص: 360 ] الشيء ، ومن ضيق عليه في شيء فقد أحرج فيه ، ومن أحرج في شيء أو ضيق عليه فيه فقد جهد . وكل ذلك عائد إلى المعنى الذي وصفت من أن معناه : الشدة والمشقة .

ولذلك قيل : " عنت فلان " إذا شق عليه الأمر ، وجهده ، " فهو يعنت عنتا " ، كما قال تعالى ذكره : ( عزيز عليه ما عنتم ) [ سورة التوبة : 128 ] ، يعني ما شق عليكم وآذاكم وجهدكم ، ومنه قوله تعالى ذكره : ( ذلك لمن خشي العنت منكم ) [ سورة النساء : 25 ] . فهذا إذا عنت العانت . فإن صيره غيره كذلك ، قيل : " أعنته فلان في كذا " إذ جهده وألزمه أمرا جهده القيام به " يعنته إعناتا " . فكذلك قوله : " لأعنتكم " معناه : لأوجب لكم العنت بتحريمه عليكم ما يجهدكم ويحرجكم ، مما لا تطيقون القيام باجتنابه وأداء الواجب له عليكم فيه .

وقال آخرون : معنى ذلك : لأوبقكم وأهلككم .

ذكر من قال ذلك :

4210 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا طلق بن غنام عن زائدة عن منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : قرأ علينا : " ولو شاء الله لأعنتكم " ، قال ابن عباس : ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا .

4211 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن آدم عن فضيل - وجرير عن منصور وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن الحكم [ ص: 361 ] عن مقسم عن ابن عباس : " ولو شاء الله لأعنتكم " قال : لجعل ما أصبتم موبقا .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله عزيز حكيم ( 220 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : إن الله " عزيز " في سلطانه ، لا يمنعه مانع مما أحل بكم من عقوبة لو أعنتكم بما يجهدكم القيام به من فرائضه فقصرتم في القيام به ، ولا يقدر دافع أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره مما يفعله بكم وبغيركم من ذلك لو فعله ، ولكنه بفضل رحمته من عليكم بترك تكليفه إياكم ذلك وهو " حكيم " في ذلك لو فعله بكم وفي غيره من أحكامه وتدبيره ، لا يدخل أفعاله خلل ولا نقص ولا وهي ولا عيب ، لأنه فعل ذي الحكمة الذي لا يجهل عواقب الأمور فيدخل تدبيره مذمة عاقبة ، كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم بعواقب الأمور ، لسوء اختيارهم فيها ابتداء .
[ ص: 362 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في هذه الآية : هل نزلت مرادا بها كل مشركة ، أم مرادا بحكمها بعض المشركات دون بعض ؟ وهل نسخ منها بعد وجوب الحكم بها شيء أم لا ؟

فقال بعضهم : نزلت مرادا بها تحريم نكاح كل مشركة على كل مسلم من أي أجناس الشرك كانت ، عابدة وثن كانت ، أو كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو من غيرهم من أصناف الشرك ، ثم نسخ تحريم نكاح أهل الكتاب بقوله : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) إلى ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) [ سورة المائدة : 4 - 5 ]

ذكر من قال ذلك :

4212 - حدثني علي بن واقد قال : حدثني عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) حل لكم ( إذا آتيتموهن أجورهن ) .

4213 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين [ ص: 363 ] بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، فنسخ من ذلك نساء أهل الكتاب ، أحلهن للمسلمين .

4214 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، قال : نساء أهل مكة ومن سواهن من المشركين ، ثم أحل منهن نساء أهل الكتاب .

4215 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله .

4216 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله : " ولا تنكحوا المشركات " إلى قوله : " لعلهم يتذكرون " ، قال : حرم الله المشركات في هذه الآية ، ثم أنزل في " سورة المائدة " ، فاستثنى نساء أهل الكتاب فقال : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ) .

وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية مرادا بحكمها مشركات العرب ، لم ينسخ منها شيء ولم يستثن ، وإنما هي آية عام ظاهرها ، خاص تأويلها .

ذكر من قال ذلك :

4217 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، يعني : مشركات العرب اللاتي ليس فيهن كتاب يقرأنه .

4218 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 364 ] معمر عن قتادة قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، قال : المشركات من ليس من أهل الكتاب ، وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية .

4219 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن قتادة في قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، يعني مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه .

4220 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، قال : مشركات أهل الأوثان .

وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية مرادا بها كل مشركة من أي أصناف الشرك كانت ، غير مخصوص منها مشركة دون مشركة ، وثنية كانت أو مجوسية أو كتابية ، ولا نسخ منها شيء .

ذكر من قال ذلك :

4221 - حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري قال : حدثنا شهر بن حوشب قال : سمعت عبد الله بن عباس يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء ، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات ، وحرم كل ذات دين غير الإسلام وقال الله تعالى ذكره : ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) [ سورة المائدة : 5 ] وقد نكح طلحة بن عبيد الله يهودية ، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية ، فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه غضبا شديدا ، حتى هم بأن يسطو عليهما . فقالا نحن نطلق يا أمير المؤمنين [ ص: 365 ] ولا تغضب ! فقال : لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن ، ولكن أنتزعهن منكم صغرة قماء .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله قتادة : من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها ، لم ينسخ منها شيء وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها . وذلك أن الله تعالى ذكره أحل بقوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) - للمؤمنين من نكاح محصناتهن ، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات .

وقد بينا في غير هذا الموضع من كتابنا هذا ، وفي كتابنا ( كتاب اللطيف من البيان ) : أن كل آيتين أو خبرين كان أحدهما نافيا حكم الآخر في فطرة العقل ، فغير جائز أن يقضى على أحدهما بأنه ناسخ حكم الآخر ، إلا بحجة من خبر قاطع للعذر مجيئه . وذلك غير موجود ، أن قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) ناسخ ما كان قد وجب تحريمه من النساء بقوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " . فإذ لم يكن ذلك موجودا كذلك ، فقول القائل : " هذه ناسخة هذه " ، دعوى لا برهان له عليها ، والمدعي دعوى [ ص: 366 ] لا برهان له عليها متحكم ، والتحكم لا يعجز عنه أحد .

وأما القول الذي روي عن شهر بن حوشب عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه : من تفريقه بين طلحة وحذيفة وامرأتيهما اللتين كانتا كتابيتين ، فقول لا معنى له - لخلافه ما الأمة مجتمعة على تحليله بكتاب الله تعالى ذكره ، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم . وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من القول خلاف ذلك ، بإسناد هو أصح منه ، وهو ما : -

4222 - حدثني به موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا سفيان بن سعيد عن يزيد بن أبي زياد عن زيد بن وهب قال : قال عمر : المسلم يتزوج النصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:19 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(298)
الحلقة (312)
صــ 367إلى صــ 374






وإنما ذكره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم نكاح اليهودية والنصرانية حذارا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك ، فيزهدوا في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني ، فأمرهما بتخليتهما . كما :

4223 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا الصلت بن بهرام عن شقيق قال : تزوج حذيفة يهودية ، فكتب إليه عمر : " خل سبيلها " فكتب إليه : " أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟ " ، فقال : " لا أزعم [ ص: 367 ] أنها حرام ، ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن " .

وقد : -

4224 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : أخبرنا إسحاق الأزرق عن شريك عن أشعث بن سوار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا .

فهذا الخبر - وإن كان في إسناده ما فيه - فالقول به ، لإجماع الجميع على صحة القول به أولى من خبر عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب .

فمعنى الكلام إذا : ولا تنكحوا أيها المؤمنون مشركات غير أهل الكتاب حتى يؤمن فيصدقن بالله ورسوله وما أنزل عليه .
[ ص: 368 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولأمة مؤمنة " بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله ، خير عند الله وأفضل من حرة مشركة كافرة ، وإن شرف نسبها وكرم أصلها . يقول : ولا تبتغوا المناكح في ذوات الشرف من أهل الشرك بالله ، فإن الإماء المسلمات عند الله خير منكحا منهن .

وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل نكح أمة ، فعذل في ذلك ، وعرضت عليه حرة مشركة .

ذكر من قال ذلك :

4225 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم " ، قال : نزلت في عبد الله بن رواحة ، وكانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها . ثم فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبرها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما هي يا عبد الله ؟ قال : يا رسول الله ، هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . فقال : [ ص: 369 ] هذه مؤمنة ! فقال عبد الله : فوالذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها ! ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين فقالوا : تزوج أمة ! ! وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم ، فأنزل الله فيهم : " ولأمة مؤمنة خير من مشركة " و" لعبد مؤمن خير من مشرك " .

4226 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني الحجاج قال : قال ابن جريج في قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، قال : المشركات - لشرفهن - حتى يؤمن .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولو أعجبتكم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وإن أعجبتكم المشركة من غير أهل الكتاب في الجمال والحسب والمال ، فلا تنكحوها ، فإن الأمة المؤمنة خير عند الله منها .

وإنما وضعت " لو " موضع " إن " لتقارب مخرجيهما ، ومعنييهما ، ولذلك تجاب كل واحدة منهما بجواب صاحبتها ، على ما قد بينا فيما مضى قبل .
[ ص: 370 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك ، أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركا كائنا من كان المشرك ، ومن أي أصناف الشرك كان ، فلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم ، فإن ذلك حرام عليكم ، ولأن تزوجوهن من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله ، خير لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ، ولو شرف نسبه وكرم أصله ، وإن أعجبكم حسبه ونسبه .

وكان أبو جعفر محمد بن علي يقول : هذا القول من الله تعالى ذكره دلالة على أن أولياء المرأة أحق بتزويجها من المرأة .

4227 - حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي قال : أخبرنا حفص بن غياث عن شيخ - لم يسمه - قال أبو جعفر : النكاح بولي في كتاب الله ، ثم قرأ : " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " برفع التاء .

4228 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة والزهري في قوله : " ولا تنكحوا المشركين " ، قال : لا يحل لك أن تنكح يهوديا أو نصرانيا ولا مشركا من غير أهل دينك .

4229 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج قال قال ابن جريج : " ولا تنكحوا المشركين " - لشرفهم - " حتى يؤمنوا " .

4230 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري : " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " ، قال : حرم المسلمات على رجالهم - يعني رجال المشركين .
[ ص: 371 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ( 221 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك " ، هؤلاء الذين حرمت عليكم أيها المؤمنون مناكحتهم من رجال أهل الشرك ونسائهم ، يدعونكم إلى النار يعني : يدعونكم إلى العمل بما يدخلكم النار ، وذلك هو العمل الذي هم به عاملون من الكفر بالله ورسوله . يقول : ولا تقبلوا منهم ما يقولون ، ولا تستنصحوهم ، ولا تنكحوهم ولا تنكحوا إليهم ، فإنهم لا يألونكم خبالا ولكن اقبلوا من الله ما أمركم به فاعملوا به ، وانتهوا عما نهاكم عنه ، فإنه يدعوكم إلى الجنة يعني بذلك يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنة ، ويوجب لكم النجاة إن عملتم به من النار ، وإلى ما يمحو خطاياكم أو ذنوبكم ، فيعفو عنها ويسترها عليكم .

وأما قوله : " بإذنه " ، فإنه يعني : أنه يدعوكم إلى ذلك بإعلامه إياكم سبيله وطريقه الذي به الوصول إلى الجنة والمغفرة .

ثم قال تعالى ذكره : " ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون " ، يقول : ويوضح حججه وأدلته في كتابه الذي أنزله على لسان رسوله لعباده ، ليتذكروا فيعتبروا ، ويميزوا بين الأمرين اللذين أحدهما دعاء إلى النار والخلود فيها ، والآخر دعاء إلى الجنة وغفران الذنوب ، فيختاروا خيرهما لهم . ولم يجهل التمييز بين هاتين إلا غبي [ غبين ] الرأي مدخول العقل .
[ ص: 372 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ويسألونك عن المحيض " ، ويسألك يا محمد أصحابك عن الحيض .

وقيل : " المحيض " ، لأن ما كان من الفعل ماضيه بفتح عين الفعل ، وكسرها في الاستقبال ، مثل قول القائل : " ضرب يضرب ، وحبس يحبس ، ونزل ينزل " ، فإن العرب تبني مصدره على " المفعل " والاسم على " المفعل " ، مثل " المضرب ، والمضرب " من " ضربت " ، " ونزلت منزلا ومنزلا " . ومسموع في ذوات الياء والألف والياء ، " المعيش والمعاش " و" المعيب والمعاب " ، كما قال رؤبة في المعيش :


إليك أشكو شدة المعيش ومر أعوام نتفن ريشي


وإنما كان القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لنا - عن الحيض ، لأنهم كانوا قبل بيان الله لهم ما يتبينون من أمره ، لا يساكنون حائضا في بيت ، ولا يؤاكلونهن في إناء ولا يشاربونهن . فعرفهم الله بهذه الآية ، أن الذي عليهم في أيام حيض نسائهم أن يجتنبوا جماعهن فقط ، دون ما عدا ذلك من [ ص: 373 ] مضاجعتهن ومؤاكلتهن ومشاربتهن ، كما : -

4231 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ويسألونك عن المحيض " حتى بلغ : " حتى يطهرن " فكان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت ، ولا تؤاكلهم في إناء ، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك ، فحرم فرجها ما دامت حائضا ، وأحل ما سوى ذلك أن تصبغ لك رأسك ، وتؤاكلك من طعامك ، وأن تضاجعك في فراشك ، إذا كان عليها إزار محتجزة به دونك .

4232 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع مثله .

وقد قيل : إنهم سألوا عن ذلك ، لأنهم كانوا في أيام حيضهن يجتنبون إتيانهن في مخرج الدم ، ويأتونهن في أدبارهن ، فنهاهم الله عن أن يقربوهن في أيام حيضهن حتى يطهرن ، ثم أذن لهم - إذا تطهرن من حيضهن - في إتيانهن من حيث أمرهم باعتزالهن ، وحرم إتيانهن في أدبارهن بكل حال .

ذكر من قال ذلك :

4233 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا خصيف قال : حدثني مجاهد قال كانوا يجتنبون النساء في المحيض ويأتونهن في أدبارهن ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله : " ويسألونك عن المحيض " إلى : " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله " - في الفرج لا تعدوه . [ ص: 374 ]

وقيل : إن السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك كان ثابت بن الدحداح الأنصاري .

4234 - حدثني بذلك موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي .
القول في تأويل قوله تعالى ( قل هو أذى )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : قل لمن سألك من أصحابك يا محمد عن المحيض : " هو أذى " .

" والأذى " هو ما يؤذى به من مكروه فيه . وهو في هذا الموضع يسمى " أذى " لنتن ريحه وقذره ونجاسته ، وهو جامع لمعان شتى من خلال الأذى غير واحدة .

وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك ، على تقارب معاني بعض ما قالوا فيه من بعض .

فقال بعضهم : قوله : " قل هو أذى " ، قل هو قذر .

ذكر من قال ذلك :

4235 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي قوله : " قل هو أذى " ، قال : أما " أذى " فقذر .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:23 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(299)
الحلقة (313)
صــ 375إلى صــ 382





4236 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " قل هو أذى " ، قال : " قل هو أذى " ، قال : قذر . [ ص: 375 ]

وقال آخرون : قل هو دم .

ذكر من قال ذلك :

4237 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى " ، قال : الأذى الدم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فاعتزلوا النساء في المحيض )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فاعتزلوا النساء في المحيض " ، فاعتزلوا جماع النساء ونكاحهن في محيضهن كما : -

4238 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : " فاعتزلوا النساء في المحيض " ، يقول : اعتزلوا نكاح فروجهن .

واختلف أهل العلم في الذي يجب على الرجل اعتزاله من الحائض .

فقال بعضهم : الواجب على الرجل اعتزال جميع بدنها أن يباشره بشيء من بدنه .

ذكر من قال ذلك :

4239 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا حماد بن مسعدة قال : حدثنا عوف عن محمد قال : قلت لعبيدة : ما يحل لي من امرأتي إذا كانت حائضا ؟ قال : الفراش واحد ، واللحاف شتى . [ ص: 376 ]

4240 - حدثني تميم بن المنتصر قال : أخبرنا يزيد قال : حدثنا محمد عن الزهري عن عروة عن ندبة مولاة آل عباس قالت : بعثتني ميمونة ابنة الحارث - أو : حفصة ابنة عمر - إلى امرأة عبد الله بن عباس وكانت بينهما قرابة من قبل النساء ، فوجدت فراشها معتزلا فراشه ، فظننت أن ذلك عن الهجران ، فسألتها عن اعتزال فراشه فراشها ، فقالت : إني طامث ، وإذا طمثت اعتزل فراشي . فرجعت فأخبرت بذلك ميمونة - أو حفصة - فردتني إلى ابن عباس تقول لك أمك : أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فوالله لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مع المرأة من نسائه وإنها لحائض ، وما بينه وبينها إلا ثوب ما يجاوز الركبتين .

4241 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن أيوب وابن عون عن محمد قال : قلت لعبيدة : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قال : الفراش واحد واللحاف شتى ، فإن لم يجد إلا أن يرد عليها من ثوبه رد عليها منه . [ ص: 377 ]

واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره أمر باعتزال النساء في حال حيضهن ، ولم يخصص منهن شيئا دون شيء ، وذلك عام على جميع أجسادهن ، واجب اعتزال كل شيء من أبدانهن في حيضهن .

وقال آخرون : بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن موضع الأذى ، وذلك موضع مخرج الدم .

ذكر من قال ذلك :

4242 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثني عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن قال : حدثنا مروان الأصفر عن مسروق بن الأجدع قال : قلت لعائشة : ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت : كل شيء إلا الجماع . [ ص: 378 ]

4243 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا سعيد بن زريع قال : حدثنا سعيد وحدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا عن عائشة أنها قالت : وأين كان ذو الفراشين وذو اللحافين ؟ !

4244 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن مسروق قال : قلت لعائشة : ما يحرم على الرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قالت : فرجها .

4245 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب عن كتاب أبي قلابة : أن مسروقا ركب إلى عائشة فقال : السلام على النبي وعلى أهل بيته . فقالت عائشة : أبو عائشة ! مرحبا ! فأذنوا له فدخل ، فقال : إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحيي ! فقالت : إنما أنا أمك وأنت ابني ! فقال : ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قالت له : كل شيء إلا فرجها .

4246 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : حدثنا حجاج عن ميمون بن مهران عن عائشة قالت : له ما فوق الإزار . [ ص: 379 ]

4247 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب عن نافع : أن عائشة قالت في مضاجعة الحائض : لا بأس بذلك إذا كان عليها إزار .

4248 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن أيوب عن أبي معشر قال : سألت عائشة : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ فقالت : كل شيء إلا الفرج .

4249 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال : قال ابن عباس : إذا جعلت الحائض على فرجها ثوبا أو ما يكف الأذى ، فلا بأس أن يباشر جلدها زوجها .

4250 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا يزيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه سئل : ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟ قال : ما فوق الإزار .

4251 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هاشم بن القاسم قال : حدثنا الحكم بن فضيل عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال : اتق من الدم مثل موضع النعل . [ ص: 380 ]

4252 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب عن عكرمة عن أم سلمة قالت في مضاجعة الحائض : لا بأس بذلك إذا كان على فرجها خرقة .

4253 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال : للرجل من امرأته كل شيء ما خلا الفرج - يعني وهي حائض .

4254 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن قال : يبيتان في لحاف واحد - يعني : الحائض - إذا كان على الفرج ثوب .

4255 - حدثنا تميم قال : أخبرنا إسحاق عن شريك عن ليث قال : تذاكرنا عند مجاهد الرجل يلاعب امرأته وهي حائض ، قال : اطعن بذكرك حيث شئت فيما بين الفخذين والأليتين والسرة ، ما لم يكن في الدبر أو الحيض .

4256 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال : يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ قال : إذا كفت الأذى .

4257 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثني [ ص: 381 ] عمران بن حدير قال سمعت عكرمة يقول ، كل شيء من الحائض لك حلال غير مجرى الدم .

قال أبو جعفر : وعلة قائل هذه المقالة ، قيام الحجة بالأخبار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يباشر نساءه وهن حيض ، ولو كان الواجب اعتزال جميعهن لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علم أن مراد الله تعالى ذكره بقوله : " فاعتزلوا النساء في المحيض " ، هو اعتزال بعض جسدها دون بعض . وإذا كان ذلك كذلك ، وجب أن يكون ذلك هو الجماع المجمع على تحريمه على الزوج في قبلها ، دون ما كان فيه اختلاف من جماعها في سائر بدنها .

وقال آخرون : بل الذي أمر الله تعالى ذكره باعتزاله منهن في حال حيضهن ، ما بين السرة إلى الركبة ، وما فوق ذلك ودونه منها .

ذكر من قال ذلك :

4258 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن عون عن ابن سيرين عن شريح قال : له ما فوق السرة - وذكر الحائض .

4259 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا يزيد عن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس عن الحائض : ما لزوجها منها؟ فقال : ما فوق الإزار .

4260 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن أيوب وابن عون عن محمد قال : قال شريح : له ما فوق سرتها .

4261 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن واقد [ ص: 382 ] بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال : سئل سعيد بن المسيب : ما للرجل من الحائض؟ قال : ما فوق الإزار .

وعلة من قال هذه المقالة ، صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما : -

4262 - حدثني به ابن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا سليمان الشيباني وحدثني أبو السائب قال : حدثنا حفص قال : حدثنا الشيباني قال حدثنا عبد الله بن شداد بن الهاد قال : سمعت ميمونة تقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض ، أمرها فأتزرت " .

4263 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عن ميمونة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشرها وهي حائض فوق الإزار .

4264 - حدثني سفيان بن وكيع قال : حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا ، أمرها فأتزرت بإزار ثم يباشرها .



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:28 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(300)
الحلقة (314)
صــ 383إلى صــ 390





4265 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا المحاربي عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ، عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتزر ، ثم يباشرها . [ ص: 383 ]

ونظائر ذلك من الأخبار التي يطول باستيعاب ذكر جميعها الكتاب

قالوا : فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فجائز ، وهو مباشرة الحائض ما دون الإزار وفوقه ، وذلك دون الركبة وفوق السرة ، وما عدا ذلك من جسد الحائض فواجب اعتزاله ، لعموم الآية .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه ، لما ذكرنا من العلة لهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تقربوهن حتى يطهرن )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه بعضهم : " حتى يطهرن " بضم " الهاء " وتخفيفها . وقرأه آخرون بتشديد " الهاء " وفتحها .

وأما الذين قرءوه بتخفيف " الهاء " وضمها ، فإنهم وجهوا معناه إلى : ولا تقربوا النساء في حال حيضهن حتى ينقطع عنهن دم الحيض ويطهرن . وقال بهذا التأويل جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

4266 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن مهدي ومؤمل قالا حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ولا تقربوهن حتى يطهرن " ، قال : انقطاع الدم . [ ص: 384 ]

4267 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن سفيان - أو عثمان بن الأسود - : " ولا تقربوهن حتى يطهرن " ، حتى ينقطع الدم عنهن .

4268 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد الله العتكي عن عكرمة في قوله : " ولا تقربوهن حتى يطهرن " ، قال : حتى ينقطع الدم .

وأما الذين قرءوا ذلك بتشديد " الهاء " وفتحها ، فإنهم عنوا به : حتى يغتسلن بالماء . وشددوا " الطاء " لأنهم قالوا : معنى الكلمة : حتى يتطهرن ، أدغمت " التاء " في " الطاء " لتقارب مخرجيهما .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ : ( حتى يطهرن ) بتشديدها وفتحها ، بمعنى : حتى يغتسلن - لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتى تطهر .

وإنما اختلف في " التطهر " الذي عناه الله تعالى ذكره ، فأحل له جماعها .

فقال بعضهم : هو الاغتسال بالماء ، لا يحل لزوجها أن يقربها حتى تغسل جميع بدنها .

وقال بعضهم : هو الوضوء للصلاة .

وقال آخرون : بل هو غسل الفرج ، فإذا غسلت فرجها ، فذلك تطهرها الذي يحل به لزوجها غشيانها . [ ص: 385 ]

فإذا كان إجماع من الجميع أنها لا تحل لزوجها بانقطاع الدم حتى تطهر ، كان بينا أن أولى القراءتين بالصواب أنفاهما للبس عن فهم سامعها . وذلك هو الذي اخترنا ، إذ كان في قراءة قارئها بتخفيف " الهاء " وضمها ، ما لا يؤمن معه اللبس على سامعها من الخطإ في تأويلها ، فيرى أن لزوج الحائض غشيانها بعد انقطاع دم حيضها عنها ، وقبل اغتسالها وتطهرها .

فتأويل الآية إذا : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهن ، ولا تقربوهن حتى يغتسلن فيتطهرن من حيضهن بعد انقطاعه .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فإذا تطهرن فأتوهن " ، فإذا اغتسلن فتطهرن بالماء فجامعوهن .

فإن قال قائل : أففرض جماعهن حينئذ؟

قيل : لا .

فإن قال : فما معنى قوله إذا : " فأتوهن " ؟

قيل : ذلك إباحة ما كان منع قبل ذلك من جماعهن ، وإطلاق لما كان حظر في حال الحيض ، وذلك كقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) [ سورة المائدة : 2 ] ، وقوله : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) [ سورة الجمعة : 10 ] ، وما أشبه ذلك .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " فإذا تطهرن " .

[ ص: 386 ]

فقال بعضهم : معنى ذلك ، فإذا اغتسلن .

ذكر من قال ذلك : 4269 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " فإذا تطهرن " يقول : فإذا طهرت من الدم وتطهرت بالماء .

4270 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثني ابن مهدي ومؤمل قالا حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فإذا تطهرن " ، فإذا اغتسلن .

4271 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد الله العتكي عن عكرمة في قوله : " فإذا تطهرن " ، يقول : اغتسلن .

4272 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن سفيان - أو عثمان بن الأسود : - " فإذا تطهرن " ، إذا اغتسلن .

4273 - حدثنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا عامر عن الحسن : في الحائض ترى الطهر ، قال : لا يغشاها زوجها حتى تغتسل وتحل لها الصلاة .

4275 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم : أنه كره أن يطأها حتى تغتسل - يعني المرأة إذا طهرت .

وقال آخرون : معنى ذلك : فإذا تطهرن للصلاة .

ذكر من قال ذلك :

4276 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا ليث عن طاوس ومجاهد أنهما قالا إذا طهرت المرأة من الدم فشاء زوجها أن يأمرها [ ص: 387 ] بالوضوء قبل أن تغتسل - إذا أدركه الشبق فليصب .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بتأويل الآية ، قول من قال : معنى قوله : " فإذا تطهرن " ، فإذا اغتسلن ، لإجماع الجميع على أنها لا تصير بالوضوء بالماء طاهرا الطهر الذي يحل لها به الصلاة . وإن القول لا يخلو في ذلك من أحد أمرين :

إما أن يكون معناه : فإذا تطهرن من النجاسة فأتوهن .

فإن كان ذلك معناه ، فقد ينبغي أن يكون متى انقطع عنها الدم فجائز لزوجها جماعها ، إذا لم تكن هنالك نجاسة ظاهرة . هذا ، إن كان قوله : " فإذا تطهرن " جائزا استعماله في التطهر من النجاسة ، ولا أعلمه جائزا إلا على استكراه الكلام .

أو يكون معناه : فإذا تطهرن للصلاة . وفي إجماع الجميع من الحجة على أنه غير جائز لزوجها غشيانها بانقطاع دم حيضها ، إذا لم يكن هنالك نجاسة ، دون التطهر بالماء إذا كانت واجدته أدل الدليل على أن معناه : فإذا تطهرن الطهر الذي يجزيهن به الصلاة .

وفي إجماع الجميع من الأمة على أن الصلاة لا تحل لها إلا بالاغتسال ، أوضح الدلالة على صحة ما قلنا : من أن غشيانها حرام إلا بعد الاغتسال ، وأن معنى قوله : " فإذا تطهرن " ، فإذا اغتسلن فصرن طواهر الطهر الذي يجزيهن به الصلاة .
[ ص: 388 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فأتوهن من حيث أمركم الله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " .

فقال بعضهم : معنى ذلك : فأتوا نساءكم إذا تطهرن من الوجه الذي نهيتكم عن إتيانهن منه في حال حيضهن ، وذلك : الفرج الذي أمر الله بترك جماعهن فيه في حال الحيض .

ذكر من قال ذلك :

4277 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق قال : حدثني أبان بن صالح عن مجاهد قال : قال ابن عباس في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن .

4278 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، يقول : في الفرج ، لا تعدوه إلى غيره ، فمن فعل شيئا من ذلك فقد اعتدى .

4279 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : من حيث أمركم أن تعتزلوا .

4280 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا أبو صخر عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير أنه قال : بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس : أتاه رجل فوقف على رأسه فقال : يا أبا العباس - أو : يا أبا الفضل - أن لا تشفيني عن آية المحيض؟ قال : بلى! فقرأ : " ويسألونك عن المحيض " [ ص: 389 ] حتى بلغ آخر الآية ، فقال ابن عباس : من حيث جاء الدم ، من ثم أمرت أن تأتي .

4281 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة عن عثمان عن مجاهد قال : دبر المرأة مثله من الرجل ، ثم قرأ : " ويسألونك عن المحيض " إلى " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن .

4282 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : أمروا أن يأتوهن من حيث نهوا عنه .

4283 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا خصيف قال حدثني مجاهد : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، في الفرج ، ولا تعدوه .

4284 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، يقول : إذا تطهرن فأتوهن من حيث نهي عنه في المحيض .

4285 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن سفيان - أو : عثمان بن الأسود - : " فأتوهن من حيث أمركم الله " باعتزالهن منه .

4286 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، أي : من الوجه الذي يأتي منه المحيض ، طاهرا غير حائض ، ولا تعدوا ذلك إلى غيره . [ ص: 390 ]

4287 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : طواهر من غير جماع ومن غير حيض ، من الوجه الذي يأتي [ منه ] المحيض ، ولا يتعداه إلى غيره قال سعيد : ولا أعلمه إلا عن ابن عباس .

4288 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله " ، من حيث نهيتم عنه في المحيض وعن أبيه ، عن ليث عن مجاهد في قوله : " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله " ، من حيث نهيتم عنه ، واتقوا الأدبار .

4289 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي ، عن يزيد بن الوليد عن إبراهيم في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : في الفرج .

وقال آخرون : معناها : فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله فيه أن تأتوهن منه . وذلك الوجه ، هو الطهر دون الحيض . فكان معنى قائل ذلك في الآية : فأتوهن من قبل طهرهن لا من قبل حيضهن .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:32 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(301)
الحلقة (315)
صــ 391إلى صــ 398






ذكر من قال ذلك :

4290 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال [ ص: 391 ] حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض .

4291 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن منصور عن أبي رزين في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : من قبل الطهر .

4292 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي رزين بمثله .

4293 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام عن عمرو عن منصور عن أبي رزين : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، يقول : ائتوهن من عند الطهر .

4294 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا علي بن هاشم عن الزبرقان عن أبي رزين : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : من قبل الطهر ، ولا تأتوهن من قبل الحيضة .

4295 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد الله العتكي عن عكرمة قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، يقول : إذا اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله . يقول : طواهر غير حيض .

4296 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : يقول : طواهر غير حيض .

4297 - حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 392 ] أسباط عن السدي قوله : " من حيث أمركم الله " ، من الطهر .

4298 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط عن الضحاك : " فأتوهن " ، طهرا غير حيض .

4299 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : ائتوهن طاهرات غير حيض .

4300 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا سلمة بن نبيط عن الضحاك : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : طهرا غير حيض في القبل .

وقال آخرون : بلى معنى ذلك : فأتوا النساء من قبل النكاح ، لا من قبل الفجور .

ذكر من قال ذلك :

4301 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا إسماعيل الأزرق عن أبي عمر الأسدي عن ابن الحنفية : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، قال : من قبل الحلال ، من قبل التزويج .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك عندي قول من قال : معنى ذلك : فأتوهن من قبل طهرهن . وذلك أن كل أمر بمعنى ، فنهي عن خلافه وضده . وكذلك النهي عن الشيء أمر بضده وخلافه . فلو كان معنى قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، فأتوهن من قبل مخرج الدم الذي نهيتكم أن تأتوهن من قبله في حال حيضهن - لوجب أن يكون قوله : " ولا تقربوهن حتى يطهرن " [ ص: 393 ] تأويله : ولا تقربوهن في مخرج الدم ، دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها ، فيكون مطلقا في حال حيضها إتيانهن في أدبارهن .

وفي إجماع الجميع : على أن الله تعالى ذكره لم يطلق في حال الحيض من إتيانهن في أدبارهن شيئا حرمه في حال الطهر ، ولا حرم من ذلك في حال الطهر شيئا أحله في حال الحيض ما يعلم به فساد هذا القول .

وبعد ، فلو كان معنى ذلك على ما تأوله قائلو هذه المقالة ، لوجب أن يكون الكلام : فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله حتى يكون معنى الكلام حينئذ على التأويل الذي تأوله ، ويكون ذلك أمرا بإتيانهن في فروجهن . لأن الكلام المعروف إذا أريد ذلك ، أن يقال : " أتى فلان زوجته من قبل فرجها " - ولا يقال : أتاها من فرجها - إلا أن يكون أتاها من قبل فرجها في مكان غير الفرج .

فإن قال لنا قائل : فإن ذلك وإن كان كذلك ، فليس معنى الكلام : فأتوهن في فروجهن - وإنما معناه : فأتوهن من قبل قبلهن في فروجهن - ، كما يقال : " أتيت هذا الأمر من مأتاه " .

قيل له : إن كان ذلك كذلك ، فلا شك أن مأتى الأمر ووجهه غيره ، وأن ذلك مطلبه . فإن كان ذلك على ما زعمتم ، فقد يجب أن يكون معنى قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " ، غير الذي زعمتم أنه معناه بقولكم : ائتوهن من قبل مخرج الدم ، ومن حيث أمرتم باعتزالهن - ولكن الواجب أن يكون تأويله على ذلك : فأتوهن من قبل وجوههن في أقبالهن ، كما كان قول القائل : " ائت الأمر من مأتاه " ، إنما معناه : اطلبه من مطلبه ، ومطلب الأمر غير الأمر المطلوب . [ ص: 394 ] فكذلك يجب أن يكون مأتى الفرج - الذي أمر الله في قولهم بإتيانه - غير الفرج .

وإذا كان كذلك ، وكان معنى الكلام عندهم : فأتوهن من قبل وجوههن في فروجهن - وجب أن يكون على قولهم محرما إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن . وذلك إن قالوه ، خرج من قاله من قيل أهل الإسلام ، وخالف نص كتاب الله تعالى ذكره ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك أن الله يقول : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إتيانهن في فروجهن من قبل أدبارهن .
فقد تبين إذا ، إذ كان الأمر على ما وصفنا ، فساد تأويل من قال ذلك : فأتوهن في فروجهن حيث نهيتكم عن إتيانهن في حال حيضهن ، وصحة القول الذي قلناه ، وهو أن معناه : فأتوهن في فروجهن من الوجه الذي أذن الله لكم بإتيانهن ، وذلك حال طهرهن وتطهرهن ، دون حال حيضهن .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( 222 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إن الله يحب التوابين " ، المنيبين من الإدبار عن الله وعن طاعته ، إليه وإلى طاعته . وقد بينا معنى " التوبة " قبل .

واختلف في معنى قوله : " ويحب المتطهرين " .

فقال بعضهم : هم المتطهرون بالماء .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 395 ]

4302 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا طلحة عن عطاء قوله : " إن الله يحب التوابين " ، قال : التوابين من الذنوب " ويحب المتطهرين " قال : المتطهرين بالماء للصلاة .

4303 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا طلحة عن عطاء مثله .

4304 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع عن طلحة بن عمرو عن عطاء : " إن الله يحب التوابين " من الذنوب ، لم يصيبوها " ويحب المتطهرين " ، بالماء للصلوات .

وقال آخرون : معنى ذلك : " إن الله يحب التوابين " ، من الذنوب " ويحب المتطهرين " ، من أدبار النساء أن يأتوها .

ذكر من قال ذلك :

4305 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا إبراهيم بن نافع قال : سمعت سليمان مولى أم علي قال سمعت مجاهدا يقول : من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين .

وقال آخرون : معنى ذلك : " ويحب المتطهرين " ، من الذنوب أن يعودوا فيها بعد التوبة منها .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 396 ]

4306 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : " يحب التوابين " ، من الذنوب ، لم يصيبوها " ويحب المتطهرين " ، من الذنوب ، لا يعودون فيها .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : " إن الله يحب التوابين من الذنوب ، ويحب المتطهرين بالماء للصلاة " . لأن ذلك هو الأغلب من ظاهر معانيه .

وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر أمر المحيض ، فنهاهم عن أمور كانوا يفعلونها في جاهليتهم : من تركهم مساكنة الحائض ومؤاكلتها ومشاربتها ، وأشياء غير ذلك مما كان تعالى ذكره يكرهها من عباده . فلما استفتى أصحاب رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، أوحى الله تعالى إليه في ذلك ، فبين لهم ما يكرهه مما يرضاه ويحبه ، وأخبرهم أنه يحب من خلقه من أناب إلى رضاه ومحبته ، تائبا مما يكرهه .

وكان مما بين لهم من ذلك ، أنه قد حرم عليهم إتيان نسائهم وإن طهرن من حيضهن حتى يغتسلن ، ثم قال : ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فأتوهن ، فإن الله يحب المتطهرين يعني بذلك : المتطهرين من الجنابة والأحداث للصلاة ، والمتطهرات بالماء - من الحيض والنفاس والجنابة والأحداث - من النساء .

وإنما قال : " ويحب المتطهرين " - ولم يقل " المتطهرات " - وإنما جرى قبل ذلك ذكر التطهر للنساء ، لأن ذلك بذكر " المتطهرين " يجمع الرجال والنساء . ولو ذكر ذلك بذكر " المتطهرات " ، لم يكن للرجال في ذلك حظ ، وكان للنساء خاصة . فذكر الله تعالى ذكره بالذكر العام جميع عباده المكلفين ، إذ كان قد [ ص: 397 ] تعبد جميعهم بالتطهر بالماء ، وإن اختلفت الأسباب التي توجب التطهر عليهم بالماء في بعض المعاني ، واتفقت في بعض .
القول في تأويل قوله تعالى ( نساؤكم حرث لكم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : نساؤكم مزدرع أولادكم ، فأتوا مزدرعكم كيف شئتم ، وأين شئتم .

وإنما عنى ب " الحرث " المزدرع ، و" الحرث " هو الزرع ، ولكنهن لما كن من أسباب الحرث ، جعلن " حرثا " ، إذ كان مفهوما معنى الكلام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
4307 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال حدثنا ابن المبارك عن يونس عن عكرمة عن ابن عباس : " فأتوا حرثكم " ، قال : منبت الولد .
4308 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " نساؤكم حرث لكم " ، أما " الحرث " ، فهي مزرعة يحرث فيها .
[ ص: 398 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فأتوا حرثكم أنى شئتم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : فانكحوا مزدرع أولادكم من حيث شئتم من وجوه المأتى .

و " الإتيان " في هذا الموضع ، كناية عن اسم الجماع .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : " أنى شئتم " .

فقال بعضهم : معنى " أنى " كيف .

ذكر من قال ذلك :

4309 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية قال : حدثنا شريك عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، قال : يأتيها كيف شاء ، ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض .

4310 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، قال : ائتها أنى شئت ، مقبلة ومدبرة ، ما لم تأتها في الدبر والمحيض .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:35 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(302)
الحلقة (316)
صــ 399إلى صــ 406




4311 - حدثنا علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، يعني بالحرث : الفرج . يقول : تأتيه كيف شئت ، مستقبله ومستدبره وعلى أي ذلك أردت ، بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره ، وهو قوله : " فأتوهن من حيث أمركم الله " . [ ص: 399 ]

4312 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك عن عبد الكريم عن عكرمة : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، قال : يأتيها كيف شاء ، ما لم يعمل عمل قوم لوط .

4313 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا الحسن بن صالح عن ليث عن مجاهد : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، قال : يأتيها كيف شاء ، واتق الدبر والحيض .

4314 - حدثني عبيد الله بن سعد قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي قال : حدثني يزيد : أن ابن كعب كان يقول : إنما قوله : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، يقول : ائتها مضجعة وقائمة ومنحرفة ومقبلة ومدبرة كيف شئت ، إذا كان في قبلها . [ ص: 400 ]

4315 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين عن مرة الهمداني قال : سمعته يحدث أن رجلا من اليهود لقي رجلا من المسلمين فقال له : أيأتي أحدكم أهله باركا؟ قال : نعم . قال : فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فنزلت هذه الآية : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " يقول : كيف شاء ، بعد أن يكون في الفرج .

4316 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، إن شئت قائما أو قاعدا أو على جنب ، إذا كان يأتيها من الوجه الذي يأتي منه المحيض ، ولا يتعدى ذلك إلى غيره .

4317 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، ائت حرثك كيف شئت من قبلها ، ولا تأتيها في دبرها . " أنى شئتم " ، قال : كيف شئتم .

4318 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال : أن عبد الله بن علي حدثه : أنه بلغه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا يوما ورجل من اليهود قريب منهم ، فجعل بعضهم يقول : إني لآتي امرأتي وهي مضطجعة . ويقول الآخر : إني لآتيها وهي قائمة . ويقول الآخر : إني لآتيها على جنبها وباركة . فقال اليهودي : ما أنتم إلا أمثال البهائم ! ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة ! فأنزل الله تعالى ذكره : " نساؤكم حرث لكم " ، فهو القبل .

وقال آخرون : معنى : " أنى شئتم " ، من حيث شئتم ، وأي وجه أحببتم .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 401 ]

4319 - حدثنا سهل بن موسى الرازي قال : حدثنا ابن أبي فديك عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس : أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبرها ، ويقول : إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض ، وينهى عن إتيان المرأة في دبرها ويقول : إنما نزلت هذه الآية : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، يقول : من أي وجه شئتم .

4320 - حدثنا ابن حميد قال حدثنا ابن واضح قال : حدثنا العتكي عن عكرمة : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، قال : ظهرها لبطنها غير معاجزة - يعني الدبر .

4321 - حدثنا عبيد الله بن سعد قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي [ ص: 402 ] عن يزيد [ عن الحارث بن كعب ] ، عن محمد بن كعب قال : إن ابن عباس كان يقول : اسق نباتك من حيث نباته .

4322 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، يقول : من أين شئتم . ذكر لنا - والله أعلم - أن اليهود قالوا : إن العرب يأتون النساء من قبل أعجازهن ، فإذا فعلوا ذلك ، جاء الولد أحول ، فأكذب الله أحدوثتهم فقال : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

4323 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال يقول : ائتوا النساء في [ غير ] أدبارهن على كل نحو قال ابن جريج : سمعت عطاء بن أبي رباح قال : تذاكرنا هذا عند ابن عباس فقال ابن عباس : ائتوهن من حيث شئتم ، مقبلة ومدبرة . فقال رجل : كأن هذا حلال! فأنكر عطاء أن يكون هذا هكذا ، وأنكره كأنه إنما يريد الفرج ، مقبلة ومدبرة في الفرج .

وقال آخرون معنى قوله : " أنى شئتم " ، متى شئتم .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 403 ]

4324 - حدثت عن حسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، يقول : متى شئتم .

4325 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا أبو صخر عن أبي معاوية البجلي - وهو عمار الدهني - عن سعيد بن جبير أنه قال : بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس أتاه رجل فوقف على رأسه فقال : يا أبا العباس - أو : يا أبا الفضل - ألا تشفيني عن آية المحيض؟ فقال : بلى! فقرأ : " ويسألونك عن المحيض " حتى بلغ آخر الآية ، فقال ابن عباس : من حيث جاء الدم ، من ثم أمرت أن تأتي . فقال له الرجل : يا أبا الفضل ، كيف بالآية التي تتبعها : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ؟ فقال : إي! ويحك! وفي الدبر من حرث!! لو كان ما تقول حقا ، لكان المحيض منسوخا! إذا اشتغل من ههنا ، جئت من ههنا! ولكن : أنى شئتم من الليل والنهار .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أين شئتم ، وحيث شئتم .

ذكر من قال ذلك :

4326 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا ابن عون عن [ ص: 404 ] نافع قال كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلم . قال : فقرأت ذات يوم هذه الآية : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، فقال : أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت : لا! قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن .

4326 حدثني يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا ابن عون عن نافع قال : قرأت ذات يوم : " نساؤكم حرث لكم فائتوا حرثكم أنى شئتم " فقال ابن عمر : أتدري فيم نزلت؟ قلت : لا ! قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن ) .

4327 - حدثني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم قال : حدثنا أبو عمر الضرير قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب الكرابيس عن ابن عون عن نافع قال : كنت أمسك على ابن عمر المصحف ، إذ تلا هذه الآية : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، فقال : أن يأتيها في دبرها . [ ص: 405 ]

4328 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال : حدثنا الدراوردي قال : قيل لزيد بن أسلم : إن محمد بن المنكدر ينهى عن إتيان النساء في أدبارهن . فقال زيد : أشهد على محمد لأخبرني أنه يفعله .

4329 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر قال : حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس أنه قيل له : يا أبا عبد الله ، إن الناس يروون عن سالم : " كذب العبد ، أو : العلج ، على أبي " ! فقال مالك : أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني ، عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ما قال نافع . فقيل له : فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار : أنه سأل ابن عمر فقال له : يا أبا عبد الرحمن ، إنا نشتري الجواري فنحمض لهن؟ فقال : وما التحميض؟ قال : الدبر . فقال ابن عمر : أف ! أف ! يفعل ذلك مؤمن ! - أو قال : مسلم ! - فقال مالك : أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع . [ ص: 406 ]

4330 - حدثني محمد بن إسحاق قال : أخبرنا عمرو بن طارق قال : أخبرنا يحيى بن أيوب عن موسى بن أيوب الغافقي قال : قلت لأبي ماجد الزيادي : إن نافعا يحدث عن ابن عمر في دبر المرأة . فقال : كذب نافع ! صحبت ابن عمر ونافع مملوك ، فسمعته يقول : ما نظرت إلى فرج امرأتي منذ كذا وكذا .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:38 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(303)
الحلقة (317)
صــ 407إلى صــ 414




4331 - حدثني أبو قلابة قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثني أبي ، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، قال : في الدبر . [ ص: 407 ]

4332 - حدثني أبو مسلم قال : حدثنا أبو عمر الضرير قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا روح بن القاسم عن قتادة قال : سئل أبو الدرداء عن إتيان النساء في أدبارهن ، فقال : هل يفعل ذلك إلا كافر! قال روح : فشهدت ابن أبي مليكة يسأل عن ذلك فقال : قد أردته من جارية لي البارحة فاعتاص علي ، فاستعنت بدهن أو بشحم . قال : فقلت له ، سبحان الله!! أخبرنا قتادة أن أبا الدرداء قال : هل يفعل ذلك إلا كافر! فقال : لعنك الله ولعن قتادة! فقلت : لا أحدث عنك شيئا أبدا! ثم ندمت بعد ذلك .

قال أبو جعفر واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم بما : -

4333 - حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي أويس الأعشى عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر : أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك ، فأنزل الله : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " . [ ص: 408 ]

4334 - حدثني يونس قال : أخبرني ابن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار : أن رجلا أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكر الناس ذلك وقالوا : أثفرها! فأنزل الله تعالى ذكره : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " الآية .

وقال آخرون : معنى ذلك : ائتوا حرثكم كيف شئتم - إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا .

ذكر من قال ذلك :

4335 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا الحسن بن صالح عن ليث عن عيسى بن سنان عن سعيد بن المسيب : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا .

4336 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع عن يونس عن أبي إسحاق عن زائدة بن عمير عن ابن عباس قال : إن شئت فاعزل ، وإن شئت فلا تعزل .

قال أبو جعفر : وأما الذين قالوا : معنى قوله : " أنى شئتم " ، كيف شئتم مقبلة ومدبرة في الفرج والقبل ، فإنهم قالوا : إن الآية إنما نزلت في استنكار قوم من اليهود استنكروا إتيان النساء في أقبالهن من قبل أدبارهن . قالوا : وفي ذلك دليل على صحة ما قلنا [ ص: 409 ] من أن معنى ذلك على ما قلنا . واعتلوا لقيلهم ذلك بما : -

4337 - حدثني به أبو كريب قال : حدثنا المحاربي قال : حدثنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد قال : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كل آية وأساله عنها ، حتى انتهى إلى هذه الآية : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، فقال ابن عباس : إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات . فلما قدموا المدينة تزوجوا في الأنصار ، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة ، فأنكرن ذلك وقلن : هذا شيء لم نكن نؤتى عليه ! فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " إن شئت فمقبلة ، وإن شئت فمدبرة ، وإن شئت فباركة ، وإنما يعني بذلك موضع الولد للحرث . يقول : ائت الحرث من حيث شئت .

4338 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بإسناده نحوه .

4339 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر قال : سمعت جابرا يقول : إن اليهود كانوا يقولون : إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول . فأنزل الله تعالى ذكره : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " . [ ص: 410 ]

4340 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قالت اليهود : إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها ، وكان بينهما ولد ، كان أحول . فأنزل الله تعالى ذكره : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

4341 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن [ ص: 411 ] عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرحمن بن سابط عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : تزوج رجل امرأة فأراد أن يجبيها ، فأبت عليه ، وقالت : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قالت أم سلمة : فذكرت ذلك لي ، فذكرت أم سلمة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أرسلي إليها . فلما جاءت قرأ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، صماما واحدا ، صماما واحدا .

4342 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن عبد الله بن عثمان عن ابن سابط عن حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر عن أم سلمة قالت : قدم المهاجرون فتزوجوا في الأنصار ، وكانوا يجبون ، وكانت الأنصار لا تفعل ذلك ، فقالت امرأة لزوجها : حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله عن ذلك ! فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستحيت أن تسأله ، فسألت أنا ، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليها : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، " صماما واحدا ، صماما واحدا " .

4343 - حدثني أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن بن سابط عن حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

4344 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرحمن بن سابط عن حفصة ابنة عبد الرحمن عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قوله : [ ص: 412 ] " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، قال : صماما واحدا ، صماما واحدا " .

4345 - حدثني محمد بن معمر البحراني قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال : حدثني وهيب قال : حدثني عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن بن سابط قال : قلت لحفصة إني أريد أن أسألك عن شيء ، وأنا أستحيي منك أن أسألك؟ قالت : سل يا بني عما بدا لك ! قلت : أسألك عن غشيان النساء في أدبارهن؟ قالت : حدثتني أم سلمة قالت : كانت الأنصار لا تجبي ، وكان المهاجرون يجبون ، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار ثم ذكر نحو حديث أبي كريب عن معاوية بن هشام .

4346 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثني وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة عن ابن المنكدر قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : إن اليهود كانوا يقولون : إذا أتى الرجل امرأته باركة جاء الولد أحول . فنزلت " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " .

4347 - حدثني محمد بن أحمد بن عبد الله الطوسي قال : حدثنا الحسن بن موسى قال : حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت!! قال : وما الذي أهلكك؟ قال : حولت رحلي الليلة! قال : فلم يرد [ ص: 413 ] عليه شيئا ، قال : فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، أقبل وأدبر ، واتق الدبر والحيضة " .

4348 - حدثنا زكريا بن يحيى المصري قال : حدثنا أبو صالح الحراني قال : حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب : أن عامر بن يحيى أخبره ، عن حنش الصنعاني عن ابن عباس : أن ناسا من حمير أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أشياء ، فقال رجل منهم : يا رسول الله ، إني رجل أحب النساء ، فكيف ترى في ذلك؟ فأنزل الله تعالى ذكره في " سورة البقرة " بيان ما سألوا عنه ، وأنزل فيما سأل عنه الرجل : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتها مقبلة ومدبرة ، إذا كان ذلك في الفرج " .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال : معنى قوله " أنى شئتم " ، من أي وجه شئتم . وذلك أن " أنى " في كلام العرب كلمة تدل - إذا ابتدئ بها في الكلام - على المسألة عن الوجوه والمذاهب . فكأن القائل [ ص: 414 ] إذا قال لرجل : " أنى لك هذا المال " ؟ يريد : من أي الوجوه لك . ولذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول : " من كذا وكذا " ، كما قال تعالى ذكره مخبرا عن زكريا في مسألته مريم : ( أنى لك هذا قالت هو من عند الله ) [ سورة آل عمران : 37 ] . وهي مقاربة " أين " و" كيف " في المعنى ، ولذلك تداخلت معانيها ، فأشكلت " أنى " على سامعيها ومتأوليها ، حتى تأولها بعضهم بمعنى : " أين " ، وبعضهم بمعنى " كيف " ، وآخرون بمعنى : " متى " - وهي مخالفة جميع ذلك في معناها ، وهن لها مخالفات .

وذلك أن " أين " إنما هي حرف استفهام عن الأماكن والمحال - وإنما يستدل على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها . ألا ترى أن سائلا لو سأل آخر فقال : " أين مالك " ؟ لقال : " بمكان كذا " ، ولو قال له : " أين أخوك " ؟ لكان الجواب أن يقول : " ببلدة كذا أو بموضع كذا " ، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله . فيعلم أن " أين " مسألة عن المحل .

ولو قال قائل لآخر : " كيف أنت " ؟ لقال : " صالح ، أو بخير ، أو في عافية " ، وأخبره عن حاله التي هو فيها ، فيعلم حينئذ أن " كيف " مسألة عن حال المسؤول عن حاله .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:40 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(304)
الحلقة (318)
صــ 415إلى صــ 422





ولو قال له : " أنى يحيي الله هذا الميت؟ " ، لكان الجواب أن يقال : " من وجه كذا ووجه كذا " ، فيصف قولا نظير ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) [ سورة البقرة : 259 ] فعلا حين بعثه من بعد مماته . [ ص: 415 ]

وقد فرقت الشعراء بين ذلك في أشعارها ، فقال الكميت بن زيد :


تذكر من أنى ومن أين شربه؟ يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل
وقال أيضا :


أنى ومن أين - آبك - الطرب؟ من حيث لا صبوة ولا ريب
فيجاء ب " أنى " للمسألة عن الوجه ، وب " أين " للمسألة عن المكان ، فكأنه قال : من أي وجه ، ومن أي موضع راجعك الطرب؟

والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، كيف شئتم - أو تأوله بمعنى : حيث شئتم أو بمعنى : متى شئتم أو بمعنى : أين شئتم أن قائلا لو قال لآخر : " أنى تأتي أهلك؟ " ، لكان الجواب [ ص: 416 ] أن يقول : " من قبلها ، أو : من دبرها " ، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت : ( أنى لك هذا ) أنها قالت : ( هو من عند الله ) .

وإذ كان ذلك هو الجواب ، فمعلوم أن معنى قول الله تعالى ذكره : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، إنما هو : فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتى - وأن ما عدا ذلك من التأويلات فليس للآية بتأويل .

وإذ كان ذلك هو الصحيح ، فبين خطأ قول من زعم أن قوله : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، دليل على إباحة إتيان النساء في الأدبار لأن الدبر لا محترث فيه ، وإنما قال تعالى ذكره : " حرث لكم " ، فأتوا الحرث من أي وجوهه شئتم . وأي محترث في الدبر فيقال : ائته من وجهه؟ وبين بما بينا ، صحة معنى ما روي عن جابر وابن عباس : من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين : " إذا أتى الرجل المرأة من دبرها في قبلها ، جاء الولد أحول " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقدموا لأنفسكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك :

فقال بعضهم : معنى ذلك : قدموا لأنفسكم الخير .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 417 ]

4349 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : أما قوله : " وقدموا لأنفسكم " ، فالخير .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدموا لأنفسكم ذكر الله عند الجماع وإتيان الحرث قبل إتيانه .

ذكر من قال ذلك :

4350 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني محمد بن كثير عن عبد الله بن واقد عن عطاء - قال : أراه عن ابن عباس : - " وقدموا لأنفسكم " ، قال : يقول : " بسم الله " ، التسمية عند الجماع .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل الآية ما روينا عن السدي وهو أن قوله : " وقدموا لأنفسكم " أمر من الله تعالى ذكره عباده بتقديم الخير والصالح من الأعمال ليوم معادهم إلى ربهم ، عدة منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه في موقف الحساب ، فإنه قال تعالى ذكره : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) [ سورة البقرة : 110 \ وسورة المزمل : 20 ] . [ ص: 418 ]

وإنما قلنا : ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الله تعالى ذكره عقب قوله : " وقدموا لأنفسكم " بالأمر باتقائه في ركوب معاصيه . فكان الذي هو أولى بأن يكون قبل التهدد على المعصية - إذ كان التهدد على المعصية عاما - الأمر بالطاعة عاما .

فإن قال لنا قائل : وما وجه الأمر بالطاعة بقوله : " وقدموا لأنفسكم " ، من قوله : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ؟

قيل : إن ذلك لم يقصد به ما توهمته : وإنما عنى به : وقدموا لأنفسكم من الخيرات التي ندبناكم إليها بقولنا : " يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " ، وما بعده من سائر ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجيبوا عنه ، مما ذكره الله تعالى ذكره في هذه الآيات . ثم قال تعالى ذكره : قد بينا لكم ما فيه رشدكم وهدايتكم إلى ما يرضي ربكم عنكم ، فقدموا لأنفسكم الخير الذي أمركم به ، واتخذوا عنده به عهدا ، لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم واتقوه في معاصيه أن تقربوها ، وفي حدوده أن تضيعوها ، واعلموا أنكم لا محالة ملاقوه في معادكم ، فمجاز المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
[ ص: 419 ] القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ( 223 ) )

قال أبو جعفر : وهذا تحذير من الله تعالى ذكره عباده : أن يأتوا شيئا مما نهاهم عنه من معاصيه وتخويف لهم عقابه عند لقائه ، كما قد بينا قبل ، وأمر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبشر من عباده ، بالفوز يوم القيامة وبكرامة الآخرة وبالخلود في الجنة ، من كان منهم محسنا مؤمنا بكتبه ورسله ، وبلقائه ، مصدقا إيمانه قولا بعمله ما أمره به ربه ، وافترض عليه من فرائضه فيما ألزمه من حقوقه ، وبتجنبه ما أمره بتجنبه من معاصيه .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " .

فقال بعضهم : معناه : ولا تجعلوه علة لأيمانكم ، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس قال : " علي يمين بالله أن لا أفعل ذلك " - أو" قد حلفت بالله أن لا أفعله " ، فيعتل في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 420 ]

4351 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ، ثم يعتل بيمينه ، يقول الله : " أن تبروا وتتقوا " هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح ، وإن حلفت كفرت عن يمينك وفعلت الذي هو خير لك .

4352 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مثله إلا أنه قال : وإن حلفت فكفر عن يمينك ، وافعل الذي هو خير .

4353 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن السدي عمن حدثه عن ابن عباس في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدق ، أو أن يكون بينه وبين إنسان مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول : " قد حلفت " . قال : يكفر عن يمينه : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " .

4354 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا " ، يقول : لا تعتلوا بالله ، أن يقول أحدكم إنه تألى أن لا يصل رحما ، ولا يسعى في صلاح ، ولا يتصدق من ماله . مهلا مهلا بارك الله فيكم ، فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان ، فلا تطيعوه ، ولا تنفذوا له أمرا في شيء من نذروكم ولا أيمانكم .

4355 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبر ، فإذا قيل له ، قال : " قد حلفت " . [ ص: 421 ]

4356 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال سألت عطاء عن قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير ، الأمر الحسن ، يقول : " حلفت " ! قال الله : افعل الذي هو خير وكفر عن يمينك ، ولا تجعل الله عرضة .

4357 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية : هو الرجل يحرم ما أحل الله له على نفسه ، فيقول : " قد حلفت! فلا يصلح إلا أن أبر يميني " ، فأمرهم الله أن يكفروا أيمانهم ويأتوا الحلال .

4358 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، أما " عرضة " ، فيعرض بينك وبين الرجل الأمر ، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله . وأما " تبروا " ، فالرجل يحلف لا يبر ذا رحمه فيقول : " قد حلفت! " ، فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه ، وليبره ، ولا يبالي بيمينه . وأما " تصلحوا " ، فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه ، فيحلف أن لا يصلح بينهما ، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه . وهذا قبل أن تنزل الكفارات .

4359 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين ، فلا يمنعه يمينه . [ ص: 422 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم ، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير .

ذكر من قال ذلك :

4360 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، يقول : لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .

4361 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا " .

4362 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف أن لا يبر قرابته ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين . يقول : فليفعل ، وليكفر عن يمينه .

4363 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن إبراهيم النخعي في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : لا تحلف أن لا تتقي الله ، ولا تحلف أن لا تبر ولا تعمل خيرا ، ولا تحلف أن لا تصل ، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس ، ولا تحلف أن تقتل وتقطع .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:42 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(305)
الحلقة (319)
صــ 423إلى صــ 430




4364 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن داود عن سعيد بن جبير ومغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة " [ ص: 423 ] الآية ، قالا هو الرجل يحلف أن لا يبر ، ولا يتقي ، ولا يصلح بين الناس . وأمر أن يتقي الله ، ويصلح بين الناس ، ويكفر عن يمينه .

4365 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، فأمروا بالصلة والمعروف والإصلاح بين الناس . فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله ، وليدع يمينه .

4366 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية ، قال : ذلك في الرجل يحلف أن لا يبر ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس . فأمره الله أن يدع يمينه ، ويصل رحمه ، ويأمر بالمعروف ، ويصلح بين الناس .

4367 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا محمد بن حرب قال : حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قالت : لا تحلفوا بالله وإن بررتم .

4368 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : حدثت أن قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، الآية ، نزلت في أبي بكر ، في شأن مسطح .

4369 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية ، قال : يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر ، ولا يصل رحمه . [ ص: 424 ]

4370 - حدثني المثنى حدثنا سويد أخبرنا ابن المبارك عن هشيم عن المغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين . فلا يمنعه يمينه .

4371 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبى سلمة عن سعيد عن مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يصنع خيرا ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس . نهاهم الله عن ذلك .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية ، تأويل من قال : معنى ذلك : " لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبين الله وبين الناس " .

وذلك أن " العرضة " ، في كلام العرب ، القوة والشدة . يقال منه : " هذا الأمر عرضة لك " يعني بذلك : قوة لك على أسبابك ، ويقال : " فلانة عرضة للنكاح " ، أي قوة ، ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق :

من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول

يعني ب " عرضتها " : قوتها وشدتها . [ ص: 425 ]

فمعنى قوله تعالى ذكره : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " إذا : لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس . ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البر والإصلاح بين الناس ، فليحنث في يمينه ، وليبر ، وليتق الله ، وليصلح بين الناس ، وليكفر عن يمينه .

وترك ذكر " لا " من الكلام ، لدلالة الكلام عليها ، واكتفاء بما ذكر عما ترك ، كما قال امرؤ القيس :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

بمعنى : فقلت : يمين الله لا أبرح ، فحذف " لا " ، اكتفاء بدلالة الكلام عليها .

وأما قوله : " أن تبروا " ، فإنه اختلف في تأويل " البر " الذي عناه الله تعالى ذكره .

فقال بعضهم : هو فعل الخير كله . وقال آخرون : هو البر بذي رحمه ، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى .

وأولى ذلك بالصواب قول من قال : " عني به فعل الخير كله " . وذلك أن أفعال الخير كلها من " البر " ، ولم يخصص الله في قوله : " أن تبروا " معنى دون معنى من معاني " البر " ، فهو على عمومه ، والبر بذوي القرابة أحد معاني " البر " .

وأما قوله : " وتتقوا " ، فإن معناه : أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في [ ص: 426 ] فرائضه وحدوده أن تضيعوها أو تتعدوها . وقد ذكرنا تأويل من تأول ذلك أنه بمعنى " التقوى " قبل .

وقال آخرون في تأويله بما : -

4372 - حدثني به محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس في قوله : " أن تبروا وتتقوا " قال : كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " الآية . قال : ويقال : لا يتق بعضكم بعضا بي ، تحلفون بي وأنتم كاذبون ليصدقكم الناس ، وتصلحون بينهم ، فذلك قوله : " أن تبروا وتتقوا " ، الآية .

وأما قوله : " وتصلحوا بين الناس " ، فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مأثم فيه ، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه .

وأما الذي ذكرنا عن السدي : من أن هذه الآية نزلت قبل نزول كفارات الأيمان ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة . والخبر عما كان ، لا تدرك صحته إلا بخبر صادق ، وإلا كان دعوى لا يتعذر مثلها وخلافها على أحد .

وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في " سوره المائدة " ، واكتفى بذكرها هناك عن إعادتها ههنا ، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجب من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحالف .
[ ص: 427 ] القول في تأويل قوله تعالى ( والله سميع عليم ( 224 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : " والله سميع " لما يقوله الحالف منكم بالله إذا حلف فقال : " والله لا أبر ولا أتقي ولا أصلح بين الناس " ، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم " عليم " بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك ، ألخير تريدون أم غيره؟ لأني علام الغيوب وما تضمره الصدور ، لا تخفى علي خافية ، ولا ينكتم عني أمر علن فظهر ، أو خفي فبطن .

وهذا من الله تعالى ذكره تهدد ووعيد . يقول تعالى ذكره : واتقون أيها الناس أن تظهروا بألسنتكم من القول ، أو بأبدانكم من الفعل ، ما نهيتكم عنه - أو تضمروا في أنفسكم وتعزموا بقلوبكم من الإرادات والنيات بفعل ما زجرتكم عنه ، فتستحقوا بذلك مني العقوبة التي قد عرفتكموها ، فإني مطلع على جميع ما تعلنونه أو تسرونه .
القول في تأويل قوله تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، وفي معنى " اللغو " .

فقال بعضهم في معناه : لا يؤاخذكم الله بما سبقتكم به ألسنتكم من الأيمان على عجلة وسرعة ، فيوجب عليكم به كفارة إذا لم تقصدوا الحلف واليمين . وذلك كقول القائل : " فعلت هذا والله ، أو : أفعله والله ، أو : لا أفعله والله " ، على سبوق المتكلم بذلك لسانه ، بما وصل به كلامه من اليمين . [ ص: 428 ]

ذكر من قال ذلك :

4373 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هي " بلى والله " ، و" لا والله " .

4374 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عن القاسم عن عائشة في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قالت : " لا والله " ، و" بلى والله " .

4375 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة نحوه .

4376 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه ، قال : سألت عائشة عن لغو اليمين ، قالت : هو " لا والله " و" بلى والله " ، ما يتراجع به الناس .

4377 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قول الله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قالت : " لا والله " و" بلى والله " .

4378 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قالت : " لا والله " و" بلى والله " ، يصل بها كلامه .

4379 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام بن سلم عن عبد الملك عن عطاء قال : دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة فقال لها : يا أم المؤمنين [ ص: 429 ] قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ؟ قالت : هو " لا والله " ، و" بلى والله " ، ليس مما عقدتم الأيمان .

4380 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا ابن أبي ليلى عن عطاء قال : أتيت عائشة مع عبيد بن عمير ، فسألها عبيد عن قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، فقالت عائشة : هو قول الرجل : " لا والله " و" بلى والله " ، ما لم يعقد عليه قلبه .

4381 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال : انطلقت مع عبيد بن عمير إلى عائشة وهي مجاورة في ثبير ، فسألها عبيد عن لغو اليمين ، قالت : " لا والله " و" بلى والله " .

4382 - حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال : حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني قال : حدثنا إبراهيم الصائغ عن عطاء في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : قالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو قول الرجل في بيته : " كلا والله " و" بلى والله " .

4383 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 430 ] معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قالت : هم القوم يتدارءون في الأمر ، فيقول هذا : " لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله " ، يتدارءون في الأمر ، لا تعقد عليه قلوبهم .

4384 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : قول الرجل : " لا والله ، وبلى والله " ، يصل به كلامه ، ليس فيه كفارة .

4385 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا المغيرة عن الشعبي قال : هو الرجل يقول : " لا والله ، وبلى والله " ، يصل حديثه .

4386 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا ابن عون قال سألت عامرا عن قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو " لا والله ، وبلى والله " .

4387 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، جميعا عن ابن عون عن الشعبي مثله .

4388 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع قالا : حدثنا ابن علية قال : حدثنا أيوب قال : قال أبو قلابة في : " لا والله ، وبلى والله " ، أرجو أن يكون لغة وقال يعقوب في حديثه : أرجو أن يكون لغوا ، وقال ابن وكيع في حديثه : أرجو أن يكون لغة ، ولم يشك .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 23-11-2022 09:45 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(306)
الحلقة (320)
صــ 431إلى صــ 438



4389 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع وهناد قالوا : حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال : لا والله ، وبلى والله . [ ص: 431 ]

4390 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع عن مالك عن عطاء قال : سمعت عائشة تقول في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قالت : " لا والله ، وبلى والله " .

4391 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن عطاء مثله .

4392 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن عكرمة في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو قول الناس : " لا والله ، وبلى والله " .

4393 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن الشعبي وعكرمة قالا : " لا والله وبلى والله " .

4394 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء قال : دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة فسألها ، فقالت : " لا والله ، وبلى والله " .

4395 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حفص عن ابن أبي ليلى وأشعث عن عطاء عن عائشة : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " قالت : " لا والله ، وبلى والله " .

4396 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي وجرير عن هشام عن أبيه ، عن عائشة قالت : " لا والله ، وبلى والله " .

4397 - حدثنا ابن وكيع وهناد قالا : حدثنا يعلى عن عبد الملك عن عطاء قال : قالت عائشة في قول الله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قالت : هو قولك : " لا والله ، وبلى والله " ، ليس لها عقد الأيمان .

4398 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو الأحوص عن مغيرة عن الشعبي قال : اللغو قول الرجل : " لا والله ، وبلى والله " ، يصل به كلامه ، ما لم يك شيئا يعقد عليه قلبه .

4399 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو أن [ ص: 432 ] سعيد بن أبي هلال حدثه : أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول : سمعت عائشة تقول : لغو اليمين قول الرجل : " لا والله ، وبلى والله " ، فيما لم يعقد عليه قلبه .

4400 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال عمرو وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي عن عطاء عن عائشة بذلك .

4401 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن الحكم عن مجاهد في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : الرجلان يتبايعان ، فيقول أحدهما : " والله لا أبيعك بكذا وكذا " ، ويقول الآخر : " والله لا أشتريه بكذا وكذا " ، فهذا اللغو ، لا يؤاخذ به .

وقال آخرون : بل اللغو في اليمين اليمين التي يحلف بها الحالف وهو يرى أنه كما يحلف عليه ، ثم يتبين غير ذلك ، وأنه بخلاف الذي حلف عليه .

ذكر من قال ذلك :

4402 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرني ابن نافع عن أبي معشر عن محمد بن قيس عن أبي هريرة أنه كان يقول : لغو اليمين ، حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه ، فإذا هو غير ذلك .

4403 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، واللغو : أن يحلف الرجل على الشيء يراه حقا ، وليس بحق .

4404 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، هذا في الرجل يحلف على أمر إضرار أن يفعله فلا يفعله ، فيرى الذي هو خير منه ، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير . ومن اللغو أيضا أن يحلف الرجل على [ ص: 433 ] أمر لا يألو فيه الصدق ، وقد أخطأ في يمينه ، فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم عليه .

4405 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا : حدثنا أبو داود قال : حدثنا هشام عن قتادة عن سليمان بن يسار في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : خطأ غير عمد .

4406 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن في هذه الآية" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو أن تحلف على الشيء ، وأنت يخيل إليك أنه كما حلفت ، وليس كذلك . فلا يؤاخذه الله ولا كفارة ، ولكن المؤاخذة والكفارة فيما حلف عليه على علم .

4407 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا : حدثنا وكيع عن الفضل بن دلهم عن الحسن قال : هو الرجل يحلف على اليمين ، لا يرى إلا أنه كما حلف .

4408 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن الحسن : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على اليمين يرى أنها كذلك ، وليست كذلك .

4409 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على الشيء ، وهو يرى أنه كذلك ، فلا يكون كما قال : فلا كفارة عليه .

4410 - حدثنا هناد وأبو كريب وابن وكيع قالوا ، حدثنا وكيع عن سفيان وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على الشيء لا يرى إلا أنها كما حلف عليه ، وليست كذلك . [ ص: 434 ]

4411 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح في قول الله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : من حلف بالله ولا يعلم إلا أنه صادق فيما حلف .

4412 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، حلف الرجل على الشيء وهو لا يعلم إلا أنه على ما حلف عليه ، فلا يكون كما حلف ، كقوله : " إن هذا البيت لفلان " ، وليس له و" إن هذا الثوب لفلان " ، وليس له .

4413 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو الأحوص عن مغيرة عن إبراهيم في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه فيه صادق .

4414 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه ، فلا يكون كذلك . قال : فلا يؤاخذكم بذلك . قال : وكان يحب أن يكفر .

4415 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا الجعفي عن زائدة عن منصور قال : قال إبراهيم : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : أن يحلف على الشيء وهو يرى أنه صادق وهو كاذب ، فذلك اللغو ، لا يؤاخذ به .

4416 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام عن عمرو عن منصور [ ص: 435 ] عن إبراهيم نحوه إلا أنه قال : إن حلفت على الشيء ، وأنت ترى أنك صادق ، وليس كذلك .

4417 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا حصين عن أبي مالك أنه قال : اللغو ، الرجل يحلف على الأيمان ، وهو يرى أنه كما حلف .

4418 - حدثني إسحاق بن [ إبراهيم بن ] حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف : عن زياد قال : هو الذي يحلف على اليمين يرى أنه فيها صادق .

4419 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال : حدثنا بكير بن أبي السميط عن قتادة في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الخطأ غير العمد ، الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك .

4420 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن منصور ويونس عن الحسن قال : اللغو ، الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك ، فليس عليه فيه كفارة .

4421 - حدثنا هناد وابن وكيع قال هناد : حدثنا وكيع وقال ابن وكيع : حدثني أبي عن عمران بن حدير قال : سمعت زرارة بن أوفى قال : هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنها كما حلف .

4422 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عمر بن بشير قال : سئل عامر عن هذه الآية : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " [ ص: 436 ] قال : اللغو أن يحلف الرجل لا يألو عن الحق ، فيكون غير ذلك . فذلك اللغو الذي لا يؤاخذ به .

4423 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، فاللغو اليمين الخطأ غير العمد ، أن تحلف على الشيء وأنت ترى أنه كما حلفت عليه ، ثم لا يكون كذلك . فهذا لا كفارة عليه ولا مأثم فيه .

4424 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، أما اللغو : فالرجل يحلف على اليمين وهو يرى أنها كذلك ، فلا تكون كذلك . فليس عليه كفارة .

4425 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : اللغو اليمين الخطأ في غير عمد : أن يحلف على الشيء وهو يرى أنه كما حلف عليه . وهذا ما ليس عليه فيه كفارة .

4426 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو الأحوص عن حصين عن أبي مالك قال : أما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها ، فالرجل يحلف على اليمين وهو يرى أنه فيها صادق ، فذلك اللغو .

4427 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين عن أبي مالك مثله إلا أنه قال : الرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه ، فلا يكون كذلك . فليس عليه فيه كفارة ، وهو اللغو .

4428 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني معاوية بن صالح [ ص: 437 ] عن يحيى بن سعيد وعن ابن أبي طلحة - كذا قال ابن أبي جعفر - قالا من قال : " والله لقد فعلت كذا وكذا " وهو يظن أن قد فعله ، ثم تبين له أنه لم يفعله ، فهذا لغو اليمين ، وليس عليه فيه كفارة .

4429 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن رجل عن الحسن في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الخطأ غير العمد ، كقول الرجل : " والله إن هذا لكذا وكذا " ، وهو يرى أنه صادق ، ولا يكون كذلك قال معمر : وقاله قتادة أيضا .

4430 - حدثني ابن البرقي قال : حدثنا عمرو قال : سئل سعيد عن اللغو في اليمين ، قال سعيد وقال مكحول : الخطأ غير العمد ، ولكن الكفارة فيما عقدت قلوبكم .

4431 - حدثني ابن البرقي قال : حدثنا عمرو عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول أنه قال : اللغو الذي لا يؤاخذ الله به ، أن يحلف الرجل على الشيء الذي يظن أنه فيه صادق ، فإذا هو فيه غير ذلك ، فليس عليه فيه كفارة ، وقد عفا الله عنه .

4432 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : إذا حلف على اليمين وهو يرى أنه فيه صادق ، وهو كاذب ، فلا يؤاخذ به ، وإذا حلف على اليمين وهو يعلم أنه كاذب ، فذاك الذي يؤاخذ به .

وقال آخرون : بل اللغو من الأيمان التي يحلف بها صاحبها في حال الغضب [ ص: 438 ] على غير عقد قلب ولا عزم ، ولكن وصلة للكلام .

ذكر من قال ذلك :

4433 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا مالك بن إسماعيل عن خالد عن عطاء عن وسيم [ عن طاوس ] عن ابن عباس قال : لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




الساعة الآن : 10:13 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 954.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 952.67 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.18%)]