رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح أثر عائشة: (إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا حصين بن نافع المازني حدثني الحسن عن سعد بن هشام: أنه دخل على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال: قلت: إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله عز وجل يقول: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الرعد:38]، فلا تتبتل].أورد النسائي هذا الأثر عن عائشة رضي الله عنها بعد أن سألها سعد بن هشام عن التبتل فنهته عن ذلك عن التبتل، وأوردت الآية: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الرعد:38]، يعني هذه سنة المرسلين وهذه طريقة المرسلين عليهم الصلاة والسلام وأن الله جعل لهم أزواجاً وذرية -نسل من هؤلاء الأزواج- فطريقة المرسلين هي الزواج وليس ترك الزواج والانقطاع عن الزواج، والآية تدل على أن هذه طريقة المرسلين وأن هذا منهج المرسلين عليهم الصلاة والسلام، أن الله جعل لهم أزواجاً ذرية فليسوا منقطعين عن الزواج ولهم نسل، فهذا الأثر موقوف عليها وهي استدلت بالآية وأشارت إلى أن هذه طريقة المرسلين، لكن الأحاديث التي مرت، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه النهي عن التبتل، يعني ثبوت ذلك بالأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل ...) قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده. [عن أبي سعيد مولى بني هاشم]. هو عبد الرحمن بن عبد الله، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في فضائل الأنصار، والنسائي، وابن ماجه. [عن حصين بن نافع المازني]. لا بأس به، أخرج حديثه النسائي وحده، ولا بأس به تعادل صدوق. [عن الحسن عن سعد بن هشام عن أم المؤمنين عائشة]. وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة. شرح حديث: (... وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصوم فلا أفطر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثوا فيما بينهم فيما يتعلق بالعبادة والانقطاع لها، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ونحن بحاجة إلى أن نكثر من العبادة، وتذاكروا فيما بينهم على أن يأخذوا بالأسباب التي ينقطعون بها للعبادة، فمنهم من قال: إنه لا يتزوج النساء؛ حتى لا يشتغل بالزوجات والأولاد وإنما ينقطع للعبادة، ومنهم من قال: إنه لا يأكل اللحم، أي: يترك التنعم بالمآكل والمشارب، وبعضهم قال: إنه يقوم الليل فلا ينام يعني يواصل قيام الليل فلا ينام. [(لا أنام على فراش)]، معناه أنه يقضي ليله يصلي فلا ينام على فراش، يعني أنه لا ينام انقطاعاً لقيام الليل أو اشتغالاً بقيام الليل. [(وبعضهم قال: أصوم فلا أفطر)]، يعني أنه يواصل الصيام أبداً، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فخطب الناس، قام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله حتى تعم الفائدة وحتى تؤخذ عنه هذه السنة وحتى يعلم الناس جميعاً بهذا الهدي من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا دليل على أنه بين يدي الخطب وبين يدي الكلمات النافعة والمفيدة، أن يبدأ بحمد الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفعلون ذلك. ثم إنه أشار إلى ما بلغه ولكن لم يسم الأشخاص، وقال: (ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا)، وهذا من هديه عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يسمي الأشخاص عندما يتحدث عن أمر يريد أن ينبه عليه، يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، فالذي يعلم من نفسه أنه يحصل منه هذا الشيء يعلم أنه هو المقصود أو موافق لمن هو مقصود، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه عن أشخاص سموا والرسول لم يسمهم، ولكن قال: (ما بال أشخاصٍ يفعلون كذا وكذا)، وهذه الطريقة فيها إعلان الفائدة وذكر الأمر الذي لا يجوز وأنه قد وقع من بعض الناس دون تسميته ودون تعيينه، فالذي حصل منه ذلك يتنبه إلى أنه قد حصل منه خطأ، والذي ما حصل منه ذلك يعرف أن هذا خطأ وأن هذا لا يجوز وأنه لا يجوز له أن يقدم عليه. ثم أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه أخشى الناس لله وأتقاهم له عليه الصلاة والسلام ومع ذلك فإنه لم ينقطع للعبادة، ولم يترك هذه الأمور التي أباحها الله عز وجل وشرعها، فقال: (أما إني أصوم وأفطر) يعني لا أصوم أبداً كما أراد هؤلاء، (وأصلي وأنام) يعني لا أقوم الليل كله، (وأتزوج النساء)، فلا أترك، فهذه النعمة وهذه المصلحة وهذه المنفعة وهذا الذي في هذه الجملة مطابق لما جاء في الآية التي استدلت بها عائشة أن الرسل قبله لهم أزواج وذرية وهو كذلك عليه الصلاة والسلام له أزواج وله ذرية فهذا طريق المرسلين وهذه سبيل المرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام ممن أكثر من الزواج وأحل الله عز وجل له من الزوجات ما لم يحل لغيره؛ للأسباب وللحكم التي مرت الإشارة إلى بعضها فيما مضى من الأبواب. قوله: [(وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)]، السنة هي الطريقة والمنهج، يعني طريقته وهديه وما جاء به من الشرع، وهي أعم من أن تكون واجبة أو مندوبة، وأما إطلاق السنة على المندوب فهذا اصطلاح الفقهاء فيطلقون السنة على المندوب والمستحب، والسنة هي دون الواجب، فيقولون في حدها: يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فهذا غير ما جاء في هذا الحديث، والذي جاء في الأحاديث أن السنة تطلق على كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد تأتي ويراد بها كل شيء ومنه هذا الحديث: (من رغب عن سنتي فليس مني)؛ لأن هذا يشمل ما جاء في الكتاب وما جاء في السنة، كل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو داخل تحت السنة بالمعنى الأعم، (ومن رغب عن سنتي) يعني طريقتي ومنهجي، (فليس مني)، وتكون السنة كما قلت: في اصطلاح الفقهاء يراد بها ما دون الواجب وهو المستحب الذي لا يعاقب فاعله؛ لأنه لم يترك أمراً واجباً، وتأتي السنة ويراد بها الحديث فهي شقيقة القرآن أو قرينة القرآن، ومنه قول الفقهاء وقول المحدثين عند مسألة من المسائل: دل عليها الكتاب والسنة والإجماع فالمراد بالسنة الحديث، فتأتي السنة يراد بها ما هو إطلاق عام يشمل الكتاب والسنة، ومنه: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وتأتي يراد بها ما يقابل البدع ويقال: أهل السنة يعني في مقابل أهل البدعة، ومن ذلك الكتب الكثيرة التي ألفها العلماء المحدثون أو بعض علماء الحديث فيما يتعلق بالسنن التي فيها مجانبة للبدع ومخالفة للبدع، فيأتون مثلاً بكتب باسم السنة، يقصدون بذلك ما يتعلق بالعقيدة، وهذا أخص من الذي قبله، فالكتب باسم السنة مثل السنة لـابن أبي عاصم، السنة للطبراني، السنة للإمام أحمد، السنة لـعبد الله ابن الإمام أحمد، السنة للالكائي كتب كثيرة باسم السنة والمقصود بها ما يتعلق بالعقيدة، وأبو داود في كتابه السنن أتى باسم كتاب السنة، وأتى فيه بأحاديث تتعلق بالعقيدة، فهي تطلق في مقابلة البدعة، وفي مقابل ما يعتقد وفقاً للدليل، وهو مخالف للبدعة أو للبدع. ولكن الحديث هنا (من رغب عن سنتي) هو بالمعنى الأعم الذي يشمل ما جاء به من الحق والهدى كتاباً أو سنة، وإذا كانت الرغبة عن السنة إعراضاً عنها وترجيحاً لغيرها عليها وأن غيرها أولى منها فهذا كفر؛ لأن هذا فيه تقديم للشيء أو للأشياء على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكون يعتقد أن هذا الفعل الذي هو مخالف للسنة أولى من الأخذ بالسنة، فهذا فيه إعراض ورد لسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إذا لم يكن رداً ولم يكن إعراضاً ولم يكن تفضيلاً لغيرها عليها، وإنما حصل عن طريق تساهل وتهاون مع معرفة أن هذا خطأ فالأمر في ذلك أخف. تراجم رجال إسناد حديث: (... وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وقد مر ذكره. [عن عفان]. هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن حماد بن سلمة]. ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن ثابت بن أسلم البناني]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. معونة الله الناكح الذي يريد العفاف شرح حديث: (ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم... والناكح الذي يريد العفاف ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف. أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عز وجل عونهم المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي معونة الله عز وجل للناكح الذي يريد العفاف، أي قصده التعفف، والتحصن، وغض البصر، وحفظ الفرج، الله تعالى يعينه ويرزقه على فعله الذي قصده وهو مقصد حسن، وقد أورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء)، وهو العبد الذي يكاتب سيده على مقدار من المال يأتي به منجماً ثم يذهب يكتسب ليجمع له هذا المبلغ ويسلمه إياه على حسب النجوم أو الأقساط، ثم إذا أدى آخر قسط فإنه يحصل على الحرية بذلك، فالمكاتب الذي يريد الأداء الله تعالى يعينه، والناكح الذي يريد العفاف الله تعالى يعينه والمجاهد في سبيل الله، ومحل الشاهد منه الناكح الذي يريد العفاف، وقد جاء في القرآن ما يدل على ما دل عليه الحديث، وهو قول الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النور:32]، (إن يكونوا فقراء يغنهم الله) فقد يكون هذا الزواج مع قلة ذات اليد سبباً في تحصيل الرزق وفي تحصيل الغنى من الله عز وجل، فإن ما جاء في هذه الآية يماثل ويطابق ما جاء في هذا الحديث فيما يتعلق بالنسبة للناكح الذي يريد العفاف. تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم ... والناكح الذي يريد العفاف ...) قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الليث]. هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن عجلان]. هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن سعيد]. هو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة]. أبو هريرة، وقد مر ذكره. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
|