ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:21 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح أثر عائشة: (إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا حصين بن نافع المازني حدثني الحسن عن سعد بن هشام: أنه دخل على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال: قلت: إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله عز وجل يقول: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الرعد:38]، فلا تتبتل].أورد النسائي هذا الأثر عن عائشة رضي الله عنها بعد أن سألها سعد بن هشام عن التبتل فنهته عن ذلك عن التبتل، وأوردت الآية: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الرعد:38]، يعني هذه سنة المرسلين وهذه طريقة المرسلين عليهم الصلاة والسلام وأن الله جعل لهم أزواجاً وذرية -نسل من هؤلاء الأزواج- فطريقة المرسلين هي الزواج وليس ترك الزواج والانقطاع عن الزواج، والآية تدل على أن هذه طريقة المرسلين وأن هذا منهج المرسلين عليهم الصلاة والسلام، أن الله جعل لهم أزواجاً ذرية فليسوا منقطعين عن الزواج ولهم نسل، فهذا الأثر موقوف عليها وهي استدلت بالآية وأشارت إلى أن هذه طريقة المرسلين، لكن الأحاديث التي مرت، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه النهي عن التبتل، يعني ثبوت ذلك بالأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل ...)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي].صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي سعيد مولى بني هاشم].
هو عبد الرحمن بن عبد الله، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في فضائل الأنصار، والنسائي، وابن ماجه.
[عن حصين بن نافع المازني].
لا بأس به، أخرج حديثه النسائي وحده، ولا بأس به تعادل صدوق.
[عن الحسن عن سعد بن هشام عن أم المؤمنين عائشة].
وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

شرح حديث: (... وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصوم فلا أفطر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثوا فيما بينهم فيما يتعلق بالعبادة والانقطاع لها، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ونحن بحاجة إلى أن نكثر من العبادة، وتذاكروا فيما بينهم على أن يأخذوا بالأسباب التي ينقطعون بها للعبادة، فمنهم من قال: إنه لا يتزوج النساء؛ حتى لا يشتغل بالزوجات والأولاد وإنما ينقطع للعبادة، ومنهم من قال: إنه لا يأكل اللحم، أي: يترك التنعم بالمآكل والمشارب، وبعضهم قال: إنه يقوم الليل فلا ينام يعني يواصل قيام الليل فلا ينام.
[(لا أنام على فراش)]، معناه أنه يقضي ليله يصلي فلا ينام على فراش، يعني أنه لا ينام انقطاعاً لقيام الليل أو اشتغالاً بقيام الليل.
[(وبعضهم قال: أصوم فلا أفطر)]، يعني أنه يواصل الصيام أبداً، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فخطب الناس، قام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله حتى تعم الفائدة وحتى تؤخذ عنه هذه السنة وحتى يعلم الناس جميعاً بهذا الهدي من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا دليل على أنه بين يدي الخطب وبين يدي الكلمات النافعة والمفيدة، أن يبدأ بحمد الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يفعلون ذلك.
ثم إنه أشار إلى ما بلغه ولكن لم يسم الأشخاص، وقال: (ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا)، وهذا من هديه عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يسمي الأشخاص عندما يتحدث عن أمر يريد أن ينبه عليه، يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، فالذي يعلم من نفسه أنه يحصل منه هذا الشيء يعلم أنه هو المقصود أو موافق لمن هو مقصود، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه عن أشخاص سموا والرسول لم يسمهم، ولكن قال: (ما بال أشخاصٍ يفعلون كذا وكذا)، وهذه الطريقة فيها إعلان الفائدة وذكر الأمر الذي لا يجوز وأنه قد وقع من بعض الناس دون تسميته ودون تعيينه، فالذي حصل منه ذلك يتنبه إلى أنه قد حصل منه خطأ، والذي ما حصل منه ذلك يعرف أن هذا خطأ وأن هذا لا يجوز وأنه لا يجوز له أن يقدم عليه.
ثم أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه أخشى الناس لله وأتقاهم له عليه الصلاة والسلام ومع ذلك فإنه لم ينقطع للعبادة، ولم يترك هذه الأمور التي أباحها الله عز وجل وشرعها، فقال: (أما إني أصوم وأفطر) يعني لا أصوم أبداً كما أراد هؤلاء، (وأصلي وأنام) يعني لا أقوم الليل كله، (وأتزوج النساء)، فلا أترك، فهذه النعمة وهذه المصلحة وهذه المنفعة وهذا الذي في هذه الجملة مطابق لما جاء في الآية التي استدلت بها عائشة أن الرسل قبله لهم أزواج وذرية وهو كذلك عليه الصلاة والسلام له أزواج وله ذرية فهذا طريق المرسلين وهذه سبيل المرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام ممن أكثر من الزواج وأحل الله عز وجل له من الزوجات ما لم يحل لغيره؛ للأسباب وللحكم التي مرت الإشارة إلى بعضها فيما مضى من الأبواب.
قوله: [(وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)]، السنة هي الطريقة والمنهج، يعني طريقته وهديه وما جاء به من الشرع، وهي أعم من أن تكون واجبة أو مندوبة، وأما إطلاق السنة على المندوب فهذا اصطلاح الفقهاء فيطلقون السنة على المندوب والمستحب، والسنة هي دون الواجب، فيقولون في حدها: يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فهذا غير ما جاء في هذا الحديث، والذي جاء في الأحاديث أن السنة تطلق على كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد تأتي ويراد بها كل شيء ومنه هذا الحديث: (من رغب عن سنتي فليس مني)؛ لأن هذا يشمل ما جاء في الكتاب وما جاء في السنة، كل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو داخل تحت السنة بالمعنى الأعم، (ومن رغب عن سنتي) يعني طريقتي ومنهجي، (فليس مني)، وتكون السنة كما قلت: في اصطلاح الفقهاء يراد بها ما دون الواجب وهو المستحب الذي لا يعاقب فاعله؛ لأنه لم يترك أمراً واجباً، وتأتي السنة ويراد بها الحديث فهي شقيقة القرآن أو قرينة القرآن، ومنه قول الفقهاء وقول المحدثين عند مسألة من المسائل: دل عليها الكتاب والسنة والإجماع فالمراد بالسنة الحديث، فتأتي السنة يراد بها ما هو إطلاق عام يشمل الكتاب والسنة، ومنه: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وتأتي يراد بها ما يقابل البدع ويقال: أهل السنة يعني في مقابل أهل البدعة، ومن ذلك الكتب الكثيرة التي ألفها العلماء المحدثون أو بعض علماء الحديث فيما يتعلق بالسنن التي فيها مجانبة للبدع ومخالفة للبدع، فيأتون مثلاً بكتب باسم السنة، يقصدون بذلك ما يتعلق بالعقيدة، وهذا أخص من الذي قبله، فالكتب باسم السنة مثل السنة لـابن أبي عاصم، السنة للطبراني، السنة للإمام أحمد، السنة لـعبد الله ابن الإمام أحمد، السنة للالكائي كتب كثيرة باسم السنة والمقصود بها ما يتعلق بالعقيدة، وأبو داود في كتابه السنن أتى باسم كتاب السنة، وأتى فيه بأحاديث تتعلق بالعقيدة، فهي تطلق في مقابلة البدعة، وفي مقابل ما يعتقد وفقاً للدليل، وهو مخالف للبدعة أو للبدع.
ولكن الحديث هنا (من رغب عن سنتي) هو بالمعنى الأعم الذي يشمل ما جاء به من الحق والهدى كتاباً أو سنة، وإذا كانت الرغبة عن السنة إعراضاً عنها وترجيحاً لغيرها عليها وأن غيرها أولى منها فهذا كفر؛ لأن هذا فيه تقديم للشيء أو للأشياء على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكون يعتقد أن هذا الفعل الذي هو مخالف للسنة أولى من الأخذ بالسنة، فهذا فيه إعراض ورد لسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إذا لم يكن رداً ولم يكن إعراضاً ولم يكن تفضيلاً لغيرها عليها، وإنما حصل عن طريق تساهل وتهاون مع معرفة أن هذا خطأ فالأمر في ذلك أخف.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وقد مر ذكره.
[عن عفان].
هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن سلمة].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ثابت بن أسلم البناني].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.


معونة الله الناكح الذي يريد العفاف

شرح حديث: (ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم... والناكح الذي يريد العفاف ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف. أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عز وجل عونهم المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي معونة الله عز وجل للناكح الذي يريد العفاف، أي قصده التعفف، والتحصن، وغض البصر، وحفظ الفرج، الله تعالى يعينه ويرزقه على فعله الذي قصده وهو مقصد حسن، وقد أورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء)، وهو العبد الذي يكاتب سيده على مقدار من المال يأتي به منجماً ثم يذهب يكتسب ليجمع له هذا المبلغ ويسلمه إياه على حسب النجوم أو الأقساط، ثم إذا أدى آخر قسط فإنه يحصل على الحرية بذلك، فالمكاتب الذي يريد الأداء الله تعالى يعينه، والناكح الذي يريد العفاف الله تعالى يعينه والمجاهد في سبيل الله، ومحل الشاهد منه الناكح الذي يريد العفاف، وقد جاء في القرآن ما يدل على ما دل عليه الحديث، وهو قول الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النور:32]، (إن يكونوا فقراء يغنهم الله) فقد يكون هذا الزواج مع قلة ذات اليد سبباً في تحصيل الرزق وفي تحصيل الغنى من الله عز وجل، فإن ما جاء في هذه الآية يماثل ويطابق ما جاء في هذا الحديث فيما يتعلق بالنسبة للناكح الذي يريد العفاف.

تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم ... والناكح الذي يريد العفاف ...)

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد].
هو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة، وقد مر ذكره.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:22 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب النكاح

(426)


- (باب نكاح الأبكار) إلى (باب الحسب)




الزواج سنة الأنبياء، وفطرة البشر الأسوياء، فيستحب لكل من أراده تقديم نكاح الأبكار لبركتهن وحداثتهن، كما يستحب أيضاً التماثل والتقارب في السن بين الرجل والمرأة؛ لأنه أدعى للألفة والمودة بينهما.
نكاح الأبكار

شرح حديث جابر في نكاح الأبكار

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نكاح الأبكار.أخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن عمرو عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (تزوجت، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أتزوجت يا جابر ؟ قلت: نعم. قال: بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً. قال: فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)].
يقول النسائي رحمه الله: نكاح الأبكار، المقصود من هذه الترجمة بيان أنه ينبغي للإنسان إذا تمكن أن ينكح بكراً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد من تزوج الثيب أن يتزوج بكراً، قد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه [(أن النبي عليه الصلاة والسلام سأله: هل تزوجت؟ فقال: نعم. قال: بكراً أم ثيباً؟ فقال: بل ثيباً، قال: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك )].
أي هلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد جابراً رضي الله عنه إلى أنه كان الأولى له أن يتزوج بكراً؛ لأن البكر التمتع بها يختلف عن غيرها، ثم أيضاً البكر قلبها صافٍ ولم تتعلق بأحد وخالية الذهن، بخلاف الثيب، فإنها قد يكون قلبها تعلق بالزوج السابق، وهذا ليس موجوداً في البكر.
وفي هذا دليل على نكاح الكبير الصغيرة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد جابراً أن يتزوج صغيرة بكراً، وقوله: [(هلا بكراً)]، أي هلا تزوجت بكراً، وهذا مما حذف فيه الفعل؛ والفاعل لأن بكراً مفعول حذف فعله وفاعله؛ لأن الفعل والفاعل تزوجت بكراً، وقد فهم من السياق والمعنى واضحٌ لا لبس فيه وحيثما علم فهو جائز؛ لأنه هنا قد علم الفعل والفاعل من سياق الكلام، ويشبه هذا ما مر بنا قريباً حيث حذفت كان واسمها (التمس ولو خاتماً من حديد)، يعني ولو كان الملتمس خاتماً من حديد، فحذفت كان وحذف اسمها معها، وبقي خبرها؛ لأن السياق فيه ما يدل عليه، فهذا من هذا القبيل (فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك). وجابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه إنما اختار الثيب؛ لأنه كان له أخوات وأراد أن يستفيد منها لرعاية أخواته، وللاستفادة منها في هذه الحالة وهذه المصلحة آثر مصلحة أخواته على مصلحته، واستفادة أخواته على استفادته هو رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في نكاح الأبكار

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قريةٌ من قرى بلخ، وهو ثقةٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد].
هو ابن زيد البصري، وهو ثقةٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه قتيبة فالمراد به: حماد بن زيد.
[عن عمرو].
هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي ؛ لأن النسائي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، الذي هو قتيبة، وحماد بن زيد، وعمرو بن دينار، وجابر بن عبد الله الأنصاري، فهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي ؛ وليس عنده ثلاثيات بل أعلى ما عنده الرباعيات، وأنزل ما عنده العشاريات التي يكون فيها عشرة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر بنا أحاديثٌ قال عنها: إن هذا أطول إسناد، وهو حديثٌ في فضل ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))[الأخلاص:1]، فيه بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام عشرة أشخاص، وأطول إسنادٍ عنده العشاري وأعلى إسنادٍ عنده هو الرباعي، وهذا الذي معنا من أعلى الأسانيد عنده.
فأصحاب الكتب الستة، ثلاثةٌ منهم أعلى ما يكون عندهم الثلاثيات، وثلاثةٌ منهم أعلى ما يكون عندهم الرباعيات، فالذين عندهم الثلاثيات البخاري، والترمذي، وابن ماجه، فـالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثية، بين البخاري فيها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، صحابي، وتابعي، وتابع تابعي، والترمذي عنده حديثٌ واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية ولكنها كلها بإسنادٍ واحد، وذلك الإسناد إسناد ضعيف، أما الباقون وهم مسلم، وأبو داود، والنسائي فهؤلاء أعلى ما يكون عندهم الرباعيات، وهذا الذي معنا هو من أمثلة الأسانيد العالية عند الإمام النسائي رحمة الله عليه.
وأما الإمام أحمد ففي مسنده أكثر من ثلاثمائة حديث كلها ثلاثية وقد جمعها السفاريني وشرحها في كتابٍ مطبوع.

حديث جابر في نكاح الأبكار من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن قزعة حدثنا سفيان وهو ابن حبيب عن ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا جابر هل أصبت امرأةً بعدي؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: أبكراً أم أيماً؟ قلت: أيماً قال: فهلا بكراً تلاعبك)].أورد النسائي حديث جابر من طريقٍ أخرى، وهو مثل الذي قبله.

تراجم رجال إسناد جابر في نكاح الأبكار من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا الحسن بن قزعة].وهو صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[عن سفيان].
هو ابن حبيب، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء]
هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
وقد مر ذكره.


تزوج المرأة مثلها في السن

شرح حديث بريدة بن الحصيب في تزوج المرأة مثلها في السن


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تزوج المرأة مثلها في السن. أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها صغيرة، فخطبها علي فزوجها منه)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي تزوج المرأة مثلها في السن، يعني من يكون مثلها في السن أو يكون مقارباً لها، والترجمة السابقة التي في حديث جابر فيها الدلالة على تزوج الكبير الصغيرة؛ لأن جابراً كان كبيراً وأرشده إلى أن يتزوج بكراً، وقال له: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)، ثم عقب هذه الترجمة بهذه الترجمة وهي تزوج المرأة مثلها في السن، يعني الرجل الذي يكون مثلها في السن، أو مقارباً لها في السن، وأورد فيه حديث بريدة بن حصيب رضي الله عنه [(أن أبا بكر وعمر خطبا فاطمة رضي الله تعالى عنها، فقال عليه الصلاة والسلام: إنها صغيرة، فخطبها علي فزوجه؟)].
قوله: [(فخطبها علي فزوجها منه)].
ومحل الشاهد منه كون علي لما خطبها زوجها منه وأنه ليس بكبير فزوجها منه عليه الصلاة والسلام وهذا محل الشاهد للترجمة، وفي الحديث: [(أن أبا بكر، وعمر خطباها وقال: إنها صغيرة)] فيحتمل أن يكون قد مضى على خطبتهما وقت وأنها كانت صغيرة، ويحتمل أنها لم يمض عليها وقت ولكنه رغب أن يكون لها من يكون مقارباً لها في السن، وقد تزوجها ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي نشأ في حجره ومعه صلى الله عليه وسلم، فكان في زواجه منها ما يدل على الترجمة التي عقدها.
وخطبة أبي بكر، وعمر لـفاطمة رضي الله تعالى عنها دليل على الحرص من هؤلاء الصحبة الكرام على مصاهرة الرسول صلى الله عليه وسلم والقرب منه، وأن يكون لهم نصيبٌ من نسله وذريته صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي حصل أن الخلفاء الراشدين الأربعة كلهم أصهارٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فـأبو بكر، وعمر تزوج منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعثمان، وعلي تزوجا من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـعثمان تزوج اثنتين رقية، ثم أم كلثوم بعد وفاتها، ولهذا يقال له: ذو النورين ؛ لتزوجه ابنتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي تزوج فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، فهؤلاء الخلفاء الراشدون الهادون المهديون كلهم لهم قرابة ولهم صلة وثيقة برسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث المصاهرة.

تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب في تزوج المرأة مثلها في السن

قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].هو الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن الفضل بن موسى].
هو الفضل بن موسى المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسين بن واقد].
هو الحسين بن واقد المروزي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عبد الله بن بريدة].
هو عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي وهو مروزيٌ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد كل رجاله مروزيون ينسبون إلى مروز إلا بريدة بن الحصيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


تزوج المولى العربية

شرح حديث فاطمة بنت قيس في تزوج المولى العربية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تزوج المولى العربية. أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: (أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق وهو غلامٌ شابٌ في إمارة مروان ابنة سعيد بن زيد وأمها بنت قيس ألبتة، فأرسلت إليها خالتها فاطمة بنت قيس رضي الله عنها تأمرها بالانتقال من بيت عبد الله بن عمرو، وسمع بذلك مروان فأرسل إلى ابنة سعيد فأمرها أن ترجع إلى مسكنها، وسألها ما حملها على الانتقال من قبل أن تعتد في مسكنها حتى تنقضي عدتها؟ فأرسلت إليه تخبره أن خالتها أمرتها بذلك، فزعمت فاطمة بنت قيس أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص فلما أمّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب على اليمن خرج معه وأرسل إليها بتطليقة هي بقية طلاقها، وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقتها، فأرسلت إلى الحارث وعياش تسألهما الذي أمر لها به زوجها، فقالا: والله ما لها عندنا نفقة إلا أن تكون حاملاً وما لها أن تكون في مسكننا إلا بإذننا، فزعمت أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فصدقهما، قالت فاطمة: فأين انتقل يا رسول الله؟! قال: انتقلي عند ابن أم مكتوم الأعمى الذي سماه الله عز وجل في كتابه، قالت فاطمة: فاعتددت عنده، وكان رجلاً قد ذهب بصره فكنت أضع ثيابي عنده، حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد، فأنكر ذلك عليها مروان وقال: لم أسمع هذا الحديث من أحدٍ قبلك وسآخذ بالقضية التي وجدنا الناس عليها)، مختصر].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تزوج المولى العربية، يعني: أن ذلك سائغ، وجاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الكفاءة في الدين، والله تعالى يقول: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/21.jpgإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/22.jpg[الحجرات:13]، فهذا هو المعتبر، أن الكفاءة إنما تكون في الدين، ولا تكون في أمورٍ أخرى، وقد جاء عن كثير من الفقهاء اعتبار التكافؤ من حيث الأنساب والقبائل، والنسائي رحمه الله أورد الترجمة لبيان أن تزوج المولى بالعربية سائغ؛ لأن المعتبر هو التقوى، والمعتبر هو الكفاءة في الدين، هذا هو المعتبر والمعول عليه في ذلك، وقد أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها الذي فيه:
[(أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق وهو غلامٌ شابٌ في إمارة مروان ابنة سعيد بن زيد -وأمها بنت قيس- ألبتة، فأرسلت إليها خالتها فاطمة بنت قيس تأمرها بالانتقال من بيت عبد الله بن عمرو، وسمع بذلك مروان، فأرسل إلى ابنة سعيد فأمرها أن ترجع إلى مسكنها، وسألها: ما حملها على الانتقال من قبل أن تعتد في مسكنها حتى تنقضي عدتها؟ فأرسلت إليه تخبره: أن خالتها أمرتها بذلك، فزعمت فاطمة بنت قيس أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص، فلما أمّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب على اليمن، خرج معه وأرسل إليها بتطليقةٍ هي بقية طلاقها، وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقتها، فأرسلت زعمت إلى الحارث وعياش تسألهما الذي أمر لها به زوجها، فقالا: والله مالها عندنا نفقة إلا أن تكون حاملاً، ومالها أن تكون في مسكننا إلا بإذننا، فزعمت أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فصدقهما، قالت فاطمة: فأين أنتقل يا رسول الله؟ قال: انتقلي عند ابن أم مكتوم الأعمى الذي سماه الله عز وجل في كتابه، قالت فاطمة: فاعتددت عنده، وكان رجلاً قد ذهب بصره، فكنت أضع ثيابي عنده، حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد، فأنكر ذلك عليها مروان، وقال: لم أسمع هذا الحديث من أحدٍ قبلك، وسآخذ بالقضية التي وجدنا الناس عليها)].
هذا الحديث بطوله أورده النسائي من أجل هذه الجملة التي جاءت في آخره، وأنها بقيت عنده حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وهو مولى، وهي عربية، فهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، وأما الحديث فهو يشتمل على أمور متعددة.
قوله: [(أن عبد الله بن عمرو بن عثمان طلق وهو غلامٌ شابٌ في إمارة مروان ابنة سعيد بن زيد -وأمها بنت قيس- البتة)].
نعم طلقها طلاقاً بائناً، وأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس أن تخرج من بيته، ولم يعلم بذلك مروان، وكان أميراً على المدينة، فسألها: لماذا خرجت؟ فقالت: إن خالتها أشارت عليها بذلك، فقال: ارجعي.
قوله: [(وسمع بذلك مروان فأرسل إلى ابنة سعيد، فأمرها أن ترجع إلى مسكنها، وسألها: ما حملها على الانتقال من قبل أن تعتد في مسكنها حتى تنقضي عدتها؟ فأرسلت إليه تخبره: أن خالتها أمرتها بذلك، فزعمت فاطمة بنت قيس أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص)].
المقصود من ذلك أن خالتها أشارت أو ذكرت لها أن تخرج؛ لأنها بائن ليس لها نفقة ولا سكنى، فأرادت منها أن تنتقل عن مسكنه، والعلماء اختلفوا في هذه المسألة، وحديث فاطمة بنت قيس يدل على أنه لا سكنى ولا نفقة، ومروان بن الحكم الذي رأى الناس عليه أنه يكون لها السكنى، وقد جاء أن مروان رجع عن هذا الذي كان يقول به إلى ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس الذي ذكره النسائي هنا.
قوله: [(فزعمت فاطمة بنت قيس أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص)].
يعني: أرادت فاطمة أن تبين الدليل الذي تستند إليه في كونها طلبت من ابنة أختها أن تخرج من بيت زوجها الذي طلقها البتة، وأخبرت بأنها كانت عند أبي عمرو بن حفص، وأنه ذهب مع علي لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فطلقها تطليقةً هي بقية طلاقها، معناه: طلقها قبل ذلك اثنتين، وبقيت الثالثة التي تبين بها، وتكون بها بائناً، فطلقها هذه الطلقة، وهي بقية ما لها من الطلقات، فأوصى لها بنفقة، ولكن الذين أوصاهما قالوا: إنه لا نفقة لها، وحتى السكنى ليس لها إلا بإذنهما، فذكرت أنها ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقهما، يعني: أقرهما على ما قالا، وصدقهما على أنه ليس لها نفقة ولا سكنى، فقالت: أين أنتقل؟ قال: انتقلي إلى ابن أم مكتوم، فإنه أعمى، وقد وصفه الله عز وجل بهذا الوصف في قوله: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/21.jpgعَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/22.jpg[عبس:1-2]، هذا هو مقصودها الذي سماه الله عز وجل في كتابه، يعني: سماه أعمى.
قوله: [(قالت فاطمة: فاعتددت عنده، وكان رجلاً قد ذهب بصره، فكنت أضع ثيابي عنده، حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..)].
معناه: كانت عنده، وكانت تضع ثيابها عنده، معناه: أنها لا تحتجب منه؛ لأنه أعمى لا يبصر، وهذا إذا كان العمى محققاً، وليس فيه شيءٍ من الإبصار مطلقاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)، فإذا كان البصر غير موجود أصلاً، ولا يمكن معه الرؤية، فإنه يمكن عدم الاحتجاب من الأعمى الذي ليس عنده شيءٍ من النور، وليس عنده شيءٌ من الإبصار مطلقاً، أما إذا كان عنده شيءٍ ولو كان يسيراً، وأنه يمكن أن يرى ولو في بعض الأحيان، فهذا لا يجوز، ويجب الاحتجاب منه؛ فالاستئذان جعل من أجل البصر، فيستأذن الإنسان حتى لا يطلع على العورات، يعني: من حيث المشاهدة والمعاينة، فقولها: [(فكنت أضع ثيابي عنده)]، وكان أعمى لا يبصرها، يعني يوضحه قوله: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر).
قوله: [(حتى أنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسامة بن زيد، فأنكر ذلك عليها مروان)].
وهذا محل الشاهد، أنكحها أسامة بن زيد، فأنكر عليها ذلك مروان، يعني: أنكر عليها قضية كونه لا نفقة ولا سكنى، والخروج من مسكن الزوج، وعدم الاعتداد في مسكنه، أنكر مروان عليها ذلك، ولهذا أرشد ابنة أختها أن ترجع إلى بيت زوجها الذي طلقها، وأن تعتد في بيته، وأن لها السكنى، وكان يرى أن لها السكنى، وقد قال بهذا كثيرٌ من أهل العلم، وذكر أن مروان رجع عن قوله هذا إلى ما جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها.
قوله: [(وقال: لم أسمع هذا الحديث من أحدٍ قبلك، وسآخذ بالقضية التي وجدنا الناس عليها)].
ومن المعلوم: أن رواية الحديث من شخص واحد، سواء كان رجلاً أو امرأة، فإنه معتبر وحجة عند العلماء، ولعل مروان خاف أن يكون قد حصل لها وهم أو ما إلى ذلك، ولكنه في الآخر رجع إلى ما جاء عنها من أنه لا سكنى لها ولا نفقة، أي: المطلقة طلاقاً بائناً.

يتبع



ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:22 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس في تزوج المولى العربية

قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].هو كثير بن عبيد الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن محمد بن حرب].
هو محمد بن حرب الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزبيدي].
هو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن فاطمة].
هي فاطمة بنت قيس، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن أبا حذيفة بن عتبة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: (أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس -وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- تبنى سالماً، وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وهو مولىً لامرأةٍ من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس ابنه، فورث من ميراثه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/21.jpgادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/22.jpg[الأحزاب:5]، فمن لم يعلم له أب كان مولىً وأخاً في الدين)، مختصر].أورد النسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: [أن أبا حذيفة تبنى سالماً].
سالم هو مولى لامرأة من الأنصار أنكحه ابنة أخيه، وهي عربية، وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث للترجمة، وهو تزوج المولى العربية؛ لأن العبرة هو المكافئة في الدين.
قوله: [(كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً)].
كانوا من قبل يتبنى الرجل الواحد فينسب إليه، ويرث منه، حتى نزل القرآن فنسخ ذلك ومنع منه، وأمر بأن يدعوا لآبائهم، ولا يدعون لمن تبناهم، وإذا لم يعلم له أب فهو أخٌ في الدين ومولى، ولكن لا يقال له: ابن فلان، وإنما يقال له: مولى آل فلان؛ فالبنوة مقصورة على النسب، والانتساب إنما هو للنسب، وليس من أجل التبني؛ لأن التبني نسخ وانتهى، ولم يبق له اعتبار.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن أبا حذيفة بن عتبة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه ...)


قوله: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد].وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي اليمان].
هو الحكم بن نافع الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعيب].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن عروة بن الزبير].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية التي روت الحديث الكثير عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث عائشة وأم سلمة في زواج المولى بالعربية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن نصر حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال يحيى يعني ابن سعيد: وأخبرني ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير وابن عبد الله بن ربيعة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنهما: (أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس -وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- تبنى سالماً وهو مولىً لامرأةٍ من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة، وأنكح أبو حذيفة بن عتبة سالماً ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وكانت هند بنت الوليد بن عتبة من المهاجرات الأول، وهي يومئذٍ من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل الله عز وجل في زيد بن حارثة: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/21.jpgادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/22.jpg[الأحزاب:5]، رد كل أحد ينتمي من أولئك إلى أبيه، فإن لم يكن يعلم أبوه رد إلى مواليه)].أورد النسائي حديث عائشة، وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما، وهو يدل على ما دل عليه الذي قبله، وهو مثل الذي قبله من جهة زواج المولى بالعربية، وهو مثل الذي قبله من جهة أن سالماً مولى أبي حذيفة زوجه مولاه ابنة أخيه، وهذا هو محل الشاهد، وهو نفس الذي تقدم في الحديث الذي قبل هذا.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة وأم سلمة في زواج المولى بالعربية

قوله: [أخبرنا محمد بن نصر].هو محمد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أيوب بن سليمان بن بلال].
وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن أبي بكر بن أبي أويس].
هو عبد الحميد بن عبد الله، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن سليمان بن بلال].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى يعني ابن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، وابن عبد الله بن ربيعة].
وقد مر ذكر الاثنين، ابن شهاب، وعروة بن الزبير. وابن عبد الله بن ربيعة ذكر الحافظ ابن حجر أنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله وأما أبو عائذ الله فمجهول، وقال عنه: إنه مقبول، وذكر أنه أخرج له مسلم، وأبو داود في المراسيل، والنسائي. كما أخرج له ابن ماجه.
وكونه مقبولاً ما يؤثر؛ لأن العمدة على عروة بن الزبير وهو الثقة الفقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة، وابن عبد الله بن ربيعة إضافة وزيادة، هناك قال يحيى بن سعيد: (وأخبرني الزهري)، كلمة (وأخبرني) يقولون: فيها الإشارة إلى إسنادٍ قبله، حذفه وأتى بالمعطوف عليه الذي هو محل الشاهد، وهذا يأتي في الأسانيد إشارةً إلى أن هناك إسنادٌ قبله لا يتعلق بالموضوع، فحذف وأبقي المعطوف عليه الذي هو الإسناد المعطوف عليه، وجاءت واو العطف حتى يتبين أنها جاءت على وضعها، وعلى لفظ الراوي، وفيها إشارةٌ إلى المعطوف عليه الذي حذف، والذي لا علاقة له في الموضوع، ولكن هذا إبقاء للفظ على ما هو عليه، وإشارةً إلى أن هذا الذي ذكره قد حذف شيءٌ قبله لا تعلق له بالموضوع.
[عن عائشة وأم سلمة].
عائشة، مر ذكرها، وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية، وهي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


الحسب

شرح حديث: (إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحسب. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبو تميلة عن حسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الحسب، والمقصود به الشيء الذي يدفع الناس إلى التقارب وإلى المصاهرة هو المال، فهو الذي يعولون عليه، وهو الذي يحرصون على صاحبه؛ لأنهم حريصون على المال، فيحرصون على من كان عنده المال، والحسب الذي هو الشرف، وعلو الرفعة والمنزلة، إذا وجد معه الإيمان والتقى والصلاح، هذا شيءٍ مطلوب، وأما إذا كان يتعلق بأمورٍ دنيوية، مع غض النظر عن الأمور المعتبرة في الشرع، فإن هذا ليس بشيء، وهذا هو الذي أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: [(إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال)]، فهذا هو المعتبر عند أهل الدنيا، يعني: يميلون إلى من عنده المال، وليس هذا معتبراً في الشرع، بل المعتبر أن المرأة إذا كانت ذات حسب ونسب، وذات سمعةً طيبة مع الإيمان والتقوى، فهذا خيرٌ إلى خير، وشيءٌ طيب إلى شيءٍ طيب، أما إذا كان هذا الحسب يتعلق بمطامع، ويتعلق بدنيا، فإن هذا مذموم، وهذا شأن أهل الدنيا، وأحساب أهل الدنيا إنما هي من هذا القبيل، كما دل عليه هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال)


قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة، وبدون واسطة.
[عن أبي تميلة].
هو يحيى بن واضح، وهو ثقة، أخرج له أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حسين بن واقد].
قد مر ذكره.
[عن ابن بريدة عن أبيه].
هو عبد الله بن بريدة، عن أبيه، وقد مر ذكرهم.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:23 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب النكاح

(427)


- (باب على ما تنكح المرأة) إلى (باب كراهية تزويج الزناة)




المرأة تنكح لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فإذا جمعت مع الدين صفة أخرى فحسن، لكن إذا انفردت صفاتها فأرشد الشرع المسلم إلى تقديم ذات الدين على من سواها، وعليه لا يتزوج المسلم بالزانية من باب أولى.
على ما تنكح المرأة

شرح حديث: (... إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب على ما تنكح المرأة.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله عنه: (أنه تزوج امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أتزوجت يا جابر ؟ قال: قلت: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ قال: قلت: بل ثيباً، قال: فهلا بكراً تلاعبك، قال: قلت: يا رسول الله، كن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال: فذاك إذاً، إن المرأة تنكح على دينها، ومالها، وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك)].
يقول النسائي رحمه الله: على ما تنكح المرأة، يعني المقصود من هذه الترجمة ذكر البواعث التي تبعث الرجل على الزواج بالمرأة أو تحمله على الزواج بالمرأة، هذا هو المقصود منها كما جاء الحديث في ذلك الذي أورده النسائي، وهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي جاء في آخره: (أنها تنكح المرأة لمالها، وجمالها، ولدينها)، وحديث جابر هذا مر ذكر أوله في بعض الروايات المتقدمة في نكاح الأبكار، وأورده هنا من أجل ما جاء في آخره من ذكر الأمور التي تبعث وتحمل الناس على الزواج، وهي الدين والمال والجمال، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل جابراً: (بكراً أم ثيباً؟ أجابه بأنها ثيب، فقال: هلا بكراً تلاعبك؟)، فأخبر رضي الله عنه أن الذي بعثه على اختيار الثيب والعدول عن البكر هو أن له أخوات وخشي أن تدخل بينه وبينهن، وذلك أن البكر تكون صغيرة ولا يكون عندها من العقل والرزانة مثل ما عند الكبيرة، فقد يكون هناك اختلافٌ بينها وبين أخواتها الصغار اللاتي هي قريبةٌ منهن، فيكون هناك شيءٌ من الأمور التي تنفر، ولا تجعل المودة، والوفاق، أو ما يترتب على ذلك من إلحاق ضرراً بأخواته، فمن أجل ذلك اختار كبيرة أرجح منهن عقلاً وترعاهن وتحسن إليهن وتقوم بما يلزم لهن، فالرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك قال: (فذاك إذاً) يعني هذا الذي عملته يعني هو المناسب وهو خيرٌ وهو طيب، وأنه مقصد حسن من أجل أنها تكون كبيرة تحسن إلى أخواته ولا تكون صغيرة تكون مثل أخواته في العقل، فيكون بينها وبين أخواته شيء من الوحشة، وفي الحديث بيان ما كان عليه جابر رضي الله عنه من الإحسان والبر بأخواته، إذ آثر مصلحتهن في اختيار زوجةً ثيب تحسن إليهن على مصلحته، في كونه يختار بكراً يكون الاستمتاع بها أحسن ويكون الوئام والاستفادة منها أكثر من الثيب، لكنه آثر مصلحة أخواته على مصلحته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام بين البواعث التي تبعث على النكاح أو على اختيار النساء فقال: (تنكح المرأة على أربع على مالها، وجمالها، ودينها).
يعني هذه الأمور التي تبعث على الزواج وتبعث على اختيار الزوجة، ولكن المهم في الأمر هو الدين، ولهذا قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، (فاظفر بذات الدين)، يعني احرص عليها؛ لأن الدين هو الذي يحرص على صاحبته من تكون ذات دين، وأما الجمال إذا كان مع غير الدين فهو خطير، وكذلك المال إذا كان مع غير الدين فضرره كبير، لكنه إذا وجد الدين فسواء إن ضاف إليه غيره أو بقي وحده فهو خير وبركة، وهذا هو الذي ينبغي أن يحرص عليه ويفرح به، وقوله: [(تربت يداك)]، هذه كلمة اعتادها العرب أنهم يقولونها ولا يريدون معناها من جهة أن معنى: (تربت يداك) أنك افتقرت، أو لصقت بالتراب من الفقر، فهي كلمة جارية على الألسنة ولا يراد معناها، وهي من جنس الكلمات الأخرى التي هي كثكلتك أمك، وعقرى حلقى، وما إلى ذلك من الكلمات التي تذكر ولا يراد معناها.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك)


قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن خالد].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك].
هو عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


كراهية تزويج العقيم

شرح حديث: (... تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [كراهية تزويج العقيم. أخبرنا عبد الرحمن بن خالد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المستلم بن سعيد عن منصور بن زاذان عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أصبت امرأةً ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فنهاه، فقال: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثرٌ بكم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كراهة تزويج العقيم؛ لأنه يفوت مع الزواج بالعقيم عدم حصول النسل الذي رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال إنه (مكاثرٌ بهم الأمم)، وأورد النسائي فيها حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه: أنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إن امرأةً لا تلد وأنه يريد الزواج منها، ويسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه، ثم عاد إليه فنهاه، ثم عاد إليه فنهاه، وقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم)، أي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى المقصد الذي ينبغي أن يحرص على الزواج من أجله وهو جود النسل الذي يحصل به كثرة الأمة، ويحصل به أيضاً وجود من يحسن إليه عند كبره وعند حاجته إلى غيره، ثم أيضاً ما يحصل له من الأجر والثواب بسببه فيما إذا أحسن إليه في بعد وفاته من الصدقة عنه أو كان يدعو له كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٌ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له)، وهناك فوائد كثيرة وعظيمة تحصل للإنسان وتحصل لهذه الأمة، تحصل في الأمة أنها تكثر، ويحصل للإنسان فوائد في حياته عند حاجته وشيخوخته وكذلك بعد وفاته كما جاء ذلك مبيناً في الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقوله: إنها لا تلد. يمكن أن يكون فهم ذلك من كونها لا تحيض، أو أنها متزوجة من قبل. وأنها لم تلد، والحاصل أنه علم عنها أنها لا تلد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوج بها، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بأنه مكاثر بهذه الأمة الأمم يوم القيامة، لكن لا يعني ذلك أنه يحرم أن تتزوج العقيم فالنساء بحاجة إلى الرجال والرجال بحاجة إلى النساء، لكن عند الاختيار يختار الإنسان من تلد ومن يحصل من ورائها أو بالزواج منها كثرة النسل، ويعرف كثرة النسل عن طريق معرفة أقاربها وقريباتها وأنهن من بيت منجب، فإن هذه من العلامات التي يستدل بها على كثرة الإنجاب.

تراجم رجال إسناد حديث: (... تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم)


قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن خالد].هو عبد الرحمن بن خالد الواسطي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن يزيد بن هارون].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المستلم بن سعيد].
صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن منصور بن زاذان].
ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر في ترجمته من كثرة عبادته، واجتهاده في العبادة، أن قال بعض أهل العلم عنه: لو قيل لـمنصور بن زاذان: إن ملك الموت بالباب لم يكن بإمكانه أن يزيد شيئاً على ما كان يفعله من قبل أن يخبر بهذا الخبر، يعني إشارة إلى كثرة عبادته وملازمته للطاعة وأنه لو حضره الموت أو لو قيل له: إن الموت وصل إليك، لم يكن عنده شيء يزيد فيه على ما كان يفعله، إشارة إلى كثرة عبادته وإلى ملازمته للطاعة رحمة الله عليه.
[معاوية بن قرة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معقل بن يسار].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


تزويج الزانية

شرح حديث عبدالله بن عمرو في نهي النبي مرثداً عن نكاح عناق


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تزويج الزانية. أخبرنا إبراهيم بن محمد التيمي حدثنا يحيى وهو ابن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي -وكان رجلاً شديداً وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة- قال: فدعوت رجلاً لأحمله، وكان بمكة بغي يقال لها: عناق وكانت صديقته، خرجت فرأت سوادي في ظل الحائط فقالت: من هذا؟ مرثد ؟ مرحباً وأهلاً يا مرثد انطلق الليلة فبت عندنا في الرحل، قلت: يا عناق إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم الزنا، قالت: يا أهل الخيام هذا الدلدل هذا الذي يحمل أسراءكم من مكة إلى المدينة، فسلكت الخندمة فطلبني ثمانية فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فطار بولهم علي وأعماهم الله عني، فجئت إلى صاحبي فحملته فلما انتهيت به إلى الأراك فككت عنه كبلة، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً؟ فسكت عني فنزلت: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/29.jpgالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/30.jpg[النور:3]، فدعاني فقرأها علي وقال: لا تنكحها)].
أورد النسائي رحمه الله باب تزويج الزناة، والمقصود من هذه الترجمة أن الزانية لا يتزوج بها وذلك لما هي متلبسةٌ به من الفجور، والوقوع في الفاحشة، والزواج بالزانية يترتب عليه تلويث الفراش واختلاط الأنساب وأن يلحق بالرجل ما ليس منه، فمن يعلم زناها ولم يعلم لها توبة فإنه لا يجوز للإنسان أن يتزوجها، لكن إذا تابت وحسنت توبتها وعرف صلاحها واستقامتها فإن التزويج منها لا بأس به، وإنما المحظور فيما إذا كانت لم يعرف لها توبة أو لم تحصل منها التوبة، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أخبر أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي وكان رجلاً شديداً -يعني قوياً نشيطاً عنده جلد وصبر- وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة ويذهب بهم خفية، وكان في مكة وكان واعد رجلاً ليحمله وجلس في في ضوء القمر في ظل جدار، وكان هناك امرأة بغي يقال لها: عناق ورأت سواده -أي: رأت شخصه- فجاءت إليه، والسواد المقصود به الشخص الذي لا يعرف، وإنما يعرف شخصه ولا تعرف عينه، فلما رأت سواده جاءت إليه وعرفته وكان صديقاً لها -يعني كان يزني بها-، وكان بينه وبينها معرفة، فقالت: مرثد؟ قال: مرثد، قالت: مرحباً وأهلاً اذهب فبت معنا في الرحل -فمعناه تريد أنه يبيت عندها ليزني بها كما اعتادته من قبل-، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الزنا، فلما رأته على هيئةٍ تخالف ما كانت تألف منه من الموافقة على ما تريد منه وامتنع من ذلك، وأخذ بما ذكره من أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء بتحريم الزنا غضبت عليه إذ لم يحقق لها ما تريد، ولم يستجب لها فقامت ونادت في الناس: هذا الدلدل الذي يحمل أسراكم، والدلدل قيل: هو القنفذ الذي يظهر في الليل ويختفي في النهار، فهرب فلحقه ثمانية يبحثون عنه، فصاروا قريبين منه حتى حصل البول من بعضهم فطار عليه ولكن الله تعالى أعماهم عنه فلم يهتدوا إليه، ثم إنه جاء إلى صاحبه الذي كان تواعد معه على أن يحمله وهو أسير مكبل بالحديد فجاء وحمله وسلك طريقاً يقال لها: الخندمة حتى جاء الأراك -يعني شجر- ففك قيده الذي كان قد قيد به أي ذلك الأسير وذهب به إلى المدينة، حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أنكح عناقاً؟ يعني هل أتزوجها، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/29.jpgالزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/30.jpg[النور:3]، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا عليه الآية ونهاه عن نكاحها، وهذا يدل على أن الزانية لا يجوز التزوج بها؛ لما يحصل على التزوج بالزانيات من المفاسد الكثيرة، ومن أعظمها وأشدها وأسوأها اختلاط الأنساب، وأن يضاف إلى الرجل من ليس منه بسبب الفراش وبسبب كونه زوجاً، لكونها تزني قد تحمل من الزاني فيضاف إلى صاحب الفراش، فالرسول صلى الله عليه وسلم دعاه وتلا عليه الآية، ونهاه عن زواجها، وهذا يدل على تحريم ذلك، وهذا فيما إذا لم تتب، أما إذا تابت فإن الله تعالى يتوب على من تاب ويصح الزواج حينئذ.

يتبع



ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:24 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث عبدالله بن عمرو في نهي النبي مرثداً عن نكاح عناق

قوله: [أخبرنا إبراهيم بن محمد التيمي].إبراهيم بن محمد التيمي وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن يحيى وهو ابن سعيد].
يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن الأخنس].
عبيد الله بن الأخنس، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو كذلك صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة، وكذلك أصحاب السنن الأربعة.
[عن جده].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
وهذا الإسناد الذي هو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلف العلماء فيه، وأحسن ما قيل فيه: أنه إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فإنه يكون حديثاً حسناً، فإن حديثه يكون حسناً إذا صح الإسناد إليه، قالوا: والمراد بأبيه عن جده، يعني أن عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده هو عبد الله بن عمرو، ولا يروي عن أبيه محمد الذي هو جد عمرو، وإنما عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو، وليس محمداً؛ لأنه لو كانت الرواية عن محمد لكان مرسلاً؛ لأن محمداً لم يدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرواية هي من شعيب عن عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون الإسناد إذا صح إليه يكون من قبيل الحديث الحسن؛ لأن عمراً صدوق، وشعيباً صدوق.

معنى الآية: (الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)

مداخلة: أحسن الله إليك. ما معنى الآية: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النور:3]؟الشيخ: الآية ذكر في تفسيرها أن الزاني لا يطاوعه على الزنا إلا زانية مثله أو مشركة لا تمانع وترى حل ذلك، وليس عندها دين ووازع يمنعها من ذلك، فقالوا: وأن المقصود بها المطاوعة وأنه لا يحصل منه الوطء وتمكينه من ذلك إلا من مثله أو من مشركة لا تبالي، وكذلك أيضاً من حيث الزواج أن الزاني يرغب بالزانية، ولكن من حيث التزوج المشركة لا يجوز التزوج بها من مسلم مطلقاً، لكن الذي عنده المعصية فهو يرغب في مثله، وكما يقولون: الطيور على أشباهها تقع فالزاني يرغب بالزانية، والذي ذكره ابن كثير وغيره وعزاه إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن معناها أن الذي يتفق بالنسبة للزانية والمشركة هو الرغبة، الزاني لا يطاوعه على زناه إلا مثله من هو عاص أو من كان مشركاً.

شرح حديث ابن عباس في التعامل مع الزوجة التي لا ترد يد لامس


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة وغيره عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير وعبد الكريم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس وهارون لم يرفعه قالا: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن عندي امرأةً هي من أحب الناس إليّ وهي لا تمنع يد لامس، قال: طلقها قال: لا أصبر عنها قال: استمتع بها)، قال أبو عبد الرحمن: هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون بن رئاب أثبت منه، وقد أرسل الحديث، وهارون ثقة، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم].أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن امرأتي لا ترد يد لامس، فقال: طلقها، قال: لا أصبر عنها، قال: استمتع بها)، وأورد النسائي هذا الحديث في باب تزويج الزناة؛ لأن له علاقة به من جهة الاحتمال لا من جهة النص، وقد قالوا في معنى إنها لا ترد يد لامس يعني من يراودها على شيء فإنها توافقه، ومنهم من قال: إن عندها تساهل في الكلام مع الرجال والممازحة معهم فيكون عندها هذه الأمور التي هي محظورة، ولكنها لا تصل إلى حد الفاحشة ولا يحصل منها فعل الفاحشة، وأنه كره منها هذا الشيء، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عنها فقال: [(طلقها)] يعني هذه المرأة التي تكون هكذا مع الرجال أمره بتطليقها، فقال: إنه لا يستطيع الصبر عنها قال: امسكها، فقال العلماء: فلو كانت زانية ما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم للإبقاء على الزانية؛ لأن بقاء الزانية في عصمة الرجل سبب في تلويث فراشه وإضافة نسلٍ إليه ليس منه وهي مفسدة عظيمة ومضرة كبيرة، ولهذا قال بعض أهل العلم: والأولى أن يكون هذا معنى الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده على الإبقاء عليها، ولا يرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبقي على زانية تمكن غيره من نفسها، وتلوثه فراشه، وإنما المقصود من ذلك أمورٌ تحصل منها فيها تساهل وعدم احتشام من الرجال، لكن لا يصل إلى حد الزنا والعياذ بالله، وهذا هو الذي يناسب إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم له إلى أن يستمتع بها وأن يبقي عليها، والعلماء اختلفوا في ثبوت الحديث والنسائي ذكر أنه غير ثابت، وعلى هذا فيكون معناه أنه قد يكون المراد به الزنا، ولكنه غير ثابت فلا يحتج به، ولا عبرة به فلا يدل على أن الزاني أو أن الزانية يتزوجها الإنسان؛ لأن الحديث غير ثابت لكن من أثبت الحديث حمله على ما ذكرت، ومنهم من فسره بتفسيرٍ آخر، وهو لامس يعني مبتغٍ مالاً، قالوا: وهذا لا يستقيم؛ لأن هذا لا يناسب هذا المعنى، بل الذي يناسبه هو ملتمس؛ لأن الذي يطلب المال يلتمس ولا يلمس، ثم أيضاً إعطاء المال وبذل المال -يعني إن كان بغير موافقته-، فيمكنه أن يحفظ ماله عنها وألا يمكنها من ماله ويأخذ احتياطاتٍ أخرى، لكن الموضوع يتعلق بالمس.
والحديث جاء من طرق أخرى غير هذه الطريق التي ضعفها النسائي وقد ذكر ابن كثير في تفسيره طرقاً أخرى من غير هذا الطريق، وهي من رواية عكرمة عن ابن عباس، ولهذا صحح جماعةٌ من أهل العلم هذا الحديث واعتبروه ثابتاً، ولم يضعفوه كما ذكر النسائي، لكن يحمل معناه على ما أشرت إليه مما ذكره بعضهم من أن المقصود من ذلك ما عندها من التساهل وعدم الاحتشام من الرجال وأنها لا تبالي بالكلام مع الرجال والضحك معهم، واللعب معهم، ومغامزتهم وما إلى ذلك، لكن لا يصل إلى حد الفاحشة، ولهذا أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإبقاء عليها.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في التعامل مع الزوجة التي لا ترد يد لامس

قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن يزيد].
هو ابن هارون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن سلمة].
هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[وغيره].
وغيره، يعني معه غيره.
[عن هارون بن رئاب].
هارون بن رئاب، هو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن عبد الله بن عبيد بن عمير].
عبد الله بن عبيد بن عمير، هو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[وعبد الكريم].
عبد الكريم، يعني هذا معطوف على الذي قبله حماد بن سلمة؛ لأنه قال: حدثنا حماد بن سلمة وغيره عن هارون بن رئاب، يعني يصير عن هارون، وعن عبد الكريم، وعبد الكريم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، معناه أن حماد بن زيد يرويه من طريقين من طريق هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس ولا يذكر ابن عباس يعني مرسلاً، ومن طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن ابن عباس مسنداً موصولاً، وعبد الكريم بن أبي المخارق هذا ضعيف، وقد ذكر الحافظ أنه رمز له في البخاري، ومسلم، وأبو داود في المسائل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، لكن البخاري ليس له عنده إلا زيادة في حديثٍ واحد في قيام الليل، ومسلم في المقدمة وقال: إن النسائي روى عنه أحاديث قليلة، ثم ذكر النسائي أن حديث هارون أولى بالصواب؛ لأنه ثقة وهذا ليس بالقوي وهو ضعيف، والثقة أرسل ولم يسند، والذي أسند هو الضعيف الذي هو عبد الكريم بن أبي المخارق، لكن كما ذكرت جاء من طرقٍ أخرى موصولاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها طريق عكرمة عن ابن عباس، وقال الحافظ ابن كثير: إن هذا إسنادٍ جيد.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس، وهارون لم يرفعه، يعني الرفع هنا ليس المراد الاصطلاحي.
لأنه مرسل، يعني لا يذكر ابن عباس، وهذا يذكر ابن عباس.


كراهية تزويج الزناة

شرح حديث: (... فاظفر بذات الدين تربت يداك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية تزويج الزناة. أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تنكح النساء لأربعة: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب كراهية تزويج الزناة، وهذا إذا لم يتوبوا وأما إذا تابوا فإن الله تعالى يتوب على من تاب، ومن تاب من الذنب وصدق في توبته فهو كمن لا ذنب له.
وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: [(تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)]، يعني هذا ليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن ينكحوا النساء لهذه الأربع، وإنما هذا إخبار عن البواعث التي تبعث الناس على اختيار النساء، فمنهم من يختار المرأة لمالها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم من يختارها لجمالها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم من يبحث عن حسبها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم يتزوجها لدينها وهذا هو المهم، سواء وجد وحده أو وجد ومعه غيره، فليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينكح الناس النساء من أجل هذه الأمور وإنما هذا إخبار بالبواعث التي تبعث الناس، ولما كانت هذه بواعث الناس أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الذي يحرص عليه والذي يفرح به ويرغب به وهو ذات الدين، وإذا وجد مع الدين أمور أخرى طيبة فذاك خير إلى خير، لكن إذا كانت الرغبة في غير الدين، فقد تكون تلك الأسباب يترتب عليها مضرة من جهة المال، ومن جهة الجمال، ومن جهة الحسب، لكن إذا وجدت هذه الأشياء مع الدين وكان المقصود هو الدين وغير الدين تابع له فهذا حسن.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فاظفر بذات الدين تربت يداك)


قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[عن يحيى].
هو القطان، وقد مر ذكره.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي سعيد].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو كيسان أبو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وإيراد الحديث النسائي في هذه الترجمة من جهة أنه أرشد إلى الحرص على ذات الدين، والتي تكون زانية هي بخلاف ذات الدين فيكون مرغباً عنها، الذي يبدو أنها للتحريم إذا كان من غير توبة؛ لأنه كما عرفنا يكون فيه تلويث الفراش.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:25 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب النكاح

(428)


- (باب أي النساء خير) إلى (باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه)




المرأة الصالحة هي خير متاع الدنيا، وما من رجل عاقل إلا ويحرص على نكاحها، ويستحب لمن أقدم على النكاح النظر إلى المرأة حال الخطبة، حتى يكون بينهما وئام ومودة، ومن كانت مخطوبة إلى رجل لم يجز لغيره خطبتها إلا إذا ترك الأول.
أي النساء خير

شرح حديث: (قيل لرسول الله: أي النساء خير؟ ..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أي النساء خير؟أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)].
يقول النسائي: [أي النساء خير؟] هذه الترجمة أتى بها على وفق ما جاء في الحديث الذي أدخله تحتها، وهو [(أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: أي النساء خير؟ فأجاب بأنها التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)]، والمراد من ذلك: أن هذه من خيرة النساء.
وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي النساء خير؟ وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين سألوه أرادوا أن يختاروا من تكون خيراً، ومن تكون أفضل من غيرها، والتي يبين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الصفات التي تكون فيها، فقال: [(خير النساء التي إذا نظر إليها سرته)]، يعني: الزوجة التي إذا نظر إليها الإنسان سرته، تسره في منظرها وجمالها، وتسره في حسن تصرفها وأخلاقها الحسنة، وكذلك تمتثل أمره ولا تعص له أمراً، ومن المعلوم: أن هذا في حدود طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(لا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره)]، معناه: لا تعمل شيئاً، أو تأذن لأحد، أو تدخل أحداً في بيتها، أو تعمل شيئاً يسيء إليه وإليها بما يتعلق بنفسها، وكذلك بمالها؛ لأن المال الذي بيدها له وتحافظ عليه، وتصرفه في الطريق التي أراد أن تصرف فيه، وكذلك المال الذي يكون لديها.. مالها الخاص تستشيره في التصرف، وفي الشيء الذي تضعه فيه، ولا تشتغل بمالها دون أن تأخذ رأيه؛ فإن هذا مما يكسب المودة والألفة، ويكون الوئام بين الرجل والمرأة، كونها تستشيره فيما يخصها، وتطيعه فيما يأمر به، وكذلك تسره فيما إذا نظر إليها، لجمالها أو لحسن أخلاقها، أو لهما جميعاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (قيل لرسول الله: أي النساء خير؟ ..)


قوله: [أخبرنا قتيبة]هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
هو ابن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد المقبري].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


المرأة الصالحة

شرح حديث: (... وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المرأة الصالحة. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا حيوة، وذكر آخر أخبرنا شرحبيل بن شريك: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: المرأة الصالحة، والمقصود من ذلك: بيان ما ورد بشأنها وخيرتيها، وهي التي تكون صالحة مستقيمة على طاعة الله، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، من أهل الصلاح والتقى، فيقول عليه الصلاة والسلام: [(الدنيا متاع)]، يعني: هي متاع منته وزائل، ولذة منتهية، ولكن خير المتاع الذي يستمتع به في هذه الحياة الدنيا الزوجة الصالحة، التي تكون معاشرتها حسنة، تطيع أمره، وتسره إذا نظر إليها، ولا يكون في أخلاقها ما تعاب به، بل هي حسنة الأخلاق، حسنة التعامل، تحسن ولا تسيء، وتنفع ولا تضر، لاستقامتها على طاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام.
فبين عليه الصلاة والسلام أن الدنيا متاع، يعني: ليست دار قرار، وليست نهاية، بل هي ممر ومعبر إلى الدار الآخرة، والإنسان يستمتع بها بما أحل الله له، لكن خير هذا المتاع، وأفضل هذا المتاع الزوجة الصالحة، ففيه: دلالة على الحث على اختيار الزوجة الصالحة، التي تحفظ الإنسان في نفسها ومالها، وتسره في أخلاقها وتعاملها.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وابن ماجه.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حيوة].
هو حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قوله: [وذكر آخر]، يعني لم يرد النسائي أن يذكر هذا الآخر، ولم يحذفه ويكتفي بالرواية عن حيوة بن شريح، بل أراد أن يبقي السياق على ما هو عليه، واللفظ على ما هو عليه، ولكنه لا يصرح بالشخص الذي لا يريد الرواية عنه، فاكتفى بقوله: ورجل آخر؛ لأنه لو قال في الإسناد: عن عبد الله بن يزيد عن حيوة عن فلان، كأنه حكى عن عبد الله بن يزيد ذكر حيوة فقط، وكأنه ما قال إلا حيوة، مع أن عبد الله بن يزيد المقرئ ذكر شخصين: أحدهما حيوة، والثاني رجل آخر، وهذا الرجل الآخر الظاهر أنه عبد الله بن لهيعة الذي كان كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد مقروناً مع غيره، لا يذكره وإنما يكتفي بالإشارة إليه بالإبهام، فيقول: ورجل آخر، وهذا من الدقة والاحتياط؛ لأنه لو لم يقل: ورجل آخر؛ لما فهم منه أن عبد الله بن يزيد عندما روى إنما روى عن شخصين، فهو أبقى على ذكر الشخصين، وسمى من أراد تسميته، وأبهم من لم يرد تسميته.
[عن شرحبيل بن شريك].
صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وإلا البخاري، فإنه لم يخرج له في الصحيح، بل أخرج له في الأدب المفرد.
[عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
هو عبد الله بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عبد الله بن عمرو بن العاص].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


المرأة الغيراء

شرح حديث: (يا رسول الله! ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المرأة الغيراء. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله عن أنس رضي الله عنه: (قالوا: يا رسول الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)].
أورد النسائي: المرأة الغيراء، وكأن فيه الإشارة إلى أن الأولى عدم زواجها؛ لما يحصل من غيرتها وكثرة مؤاخذتها من المشاكل التي تترتب على ذلك، فالمرأة الغيراء هي التي فيها غيرة، يعني: التي تغار والتي تحاسب الزوج على كل شيء، ولا سيما إذا كان له زوجة أخرى، فإنها تحاسب على الدقيق والجليل، وتكون دائماً في كلام، ودائماً في خصام، فهذا هو المقصود بالمرأة الغيراء، وأورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: [(ألا تتزوج من الأنصار؟)]؛ لأن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم كلهن من المهاجرات، [(قال: إن فيهم لغيرة شديدة)]، فكأن هذا فيه: إشارة إلى سبب الامتناع من الزواج منهم، وأن في نسائهم هذا الوصف الذي هو الغيرة، وقد جاء في حديث أم سلمة وزواج الرسول صلى الله عليه وسلم منها، وأنها كانت امرأة لها غيرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أدعو الله لك أن يذهب عنك الغيرة)]، فالترجمة مقصود بها: ذكر ما يتعلق بالمرأة الغيراء، والحديث فيه إشارة إلى أن عدم اختيارها هو الأولى.


تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله! ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال: إن فيهم لغيرة شديدة)


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن النضر].
هو ابن شميل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن سلمة].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن إسحاق بن عبد الله].
هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.


إباحة النظر قبل التزويج

شرح حديث أبي هريرة: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار فقال له رسول الله: هل نظرت إليها؟ ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [إباحة النظر قبل التزويج.أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا مروان حدثنا يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل نظرت إليها؟ قال: لا. فأمره أن ينظر إليها)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إباحة النظر قبل التزويج، أي: إباحة النظر إلى المخطوبة قبل التزويج، ومن المعلوم: أن النظر إلى الأجنبية حرام، فلا يجوز النظر إليها، بل الواجب هو غض البصر، والحذر من النظر إلى الأجنبيات؛ لأن العين تزني وزناها النظر، ولكن هذا المحظور وهذا الممنوع الذي منع منه، وهو النظر إلى الأجنبيات، رخص فيه في بعض الأحوال للحاجة إلى ذلك، وهو ما إذا كان الإنسان يريد الزواج من امرأة، فإن له أن ينظر إليها وهي أجنبية قبل أن يعقد عليها، وقبل أن يكون هناك زواج، فينظر إلى ما يظهر منها عند محارمها من وجهها ويديها، ومع الاحتشام، وهذا النظر أبيح وخص من المنع من النظر إلى الأجنبيات للمصلحة وللفائدة؛ لأنه يترتب على ذلك مصلحة الحياة الزوجية واستمرارها، وقد يكون الإنسان بمجرد ما ينظر إليها يجد في نفسه ما يمنعه، أو يجد في نفسه ما يرغبه، فيكون الإقدام والإحجام على بينة، ولكن هذا إنما هو بعد ما يحصل الركون إلى المرأة وإلى الزوج، وأنه رغب فيها، وأنهم أجابوه، وحصلت الخطبة ولم يبق إلا الزواج، فعند ذلك ينظر، أما كونه ينظر إليها وهو لم يتقدم لخطبتها، ولو تقدم قد يرفض، فإن هذا ليس له أن ينظر، وينبغي لمن ينظر أن يكون النظر باختلاس.. بأن ينظر إليها من فرجة أو من باب أو ما إلى ذلك، هذا هو الذي ينبغي، ولو حصل أنه رآها وهي عند محارمها، فنرجو ألا يكون بذلك بأس، لكن الأولى هو عدم هذا، فينظر إليها وهي على حالة محتشمة، يعني: بأن يمكنه أهلها من ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (خطب رجلٌ امرأةً من الأنصار فقال له رسول الله: هل نظرت إليها؟ ...)


قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم].هو الملقب دحيم، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن مروان].
هو ابن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقالوا عنه: إنه كان يدلس تدليس الشيوخ، وتدليس الشيوخ غير تدليس الإسناد، تدليس الإسناد هو: أن يروي الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، هذا تدليس الإسناد، لكن تدليس الشيوخ هو: أن يذكر شيخه بشيء لم يشتهر به، يأتي باسمه واسم أبيه، أو يأتي باسمه وكنيته، أو باسمه واسم جده، ويترك شهرته التي اشتهر بها، هذا يسمى تدليس الشيوخ، ومعنى أنه يذكر شيوخه بلفظ موهم أي: يجعل من يسمعه يبعد عن ذهنه ذاك الشخص المشهور بما اشتهر به؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، فيكون في ذلك وعورة في الوصول إلى معرفته، وقد يقال: إنه لا يعرف، مع أنه معروف، وإنما يذكر بغير ما اشتهر به.
[عن يزيد].
هو ابن كيسان، وهو صدوق، يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي حازم].
هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
قد مر ذكره.

شرح حديث المغيرة بن شعبة: (خطبت امرأة على عهد رسول الله ... قال: فانظر إليها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة حدثنا حفص بن غياث حدثنا عاصم عن بكر بن عبد الله المزني عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: (خطبت امرأةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنظرت إليها؟ قلت: لا، قال: فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)].ثم أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وهو أنه [(خطب امرأةً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)]، يعني: أجدر أن يكون بينكما الوئام والمودة، بأن يكون كل واحد على معرفة بشخص الآخر، وعلى علم بشخص الآخر، لكونه نظر إليها، وهي أيضاً يمكن أن تنظر إليه، نعم الحديث جاء في كون الرجل ينظر إلى المرأة، والمرأة أيضاً، لها أن تنظر إلى الرجل؛ لأنها تحتاج إلى ما يحتاج إليه الرجل، وتريد ما يريده الرجل، فللرجل أن ينظر إلى المرأة، وللمرأة أن تنظر إلى الرجل، وهذا كما عرفنا مما أبيح، وأخرج من النهي عن النظر إلى الأجنبيات.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة بن شعبة: (خطبت امرأة على عهد رسول الله ... قال: فانظر إليها ...)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة].ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن.
[عن حفص بن غياث].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم].
هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكر بن عبد الله المزني].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المغيرة بن شعبة].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


التزويج في شوال

شرح حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [التزويج في شوال.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال، وأدخلت عليه في شوال، وكانت عائشة تحب أن تدخل نساءها في شوال، فأي نسائه كانت أحظى عنده مني؟)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التزويج في شوال، يعني: في شهر شوال.
أورد النسائي تحت ذلك حديث عائشة رضي الله عنها [(أن الرسول تزوجها في شوال، وأدخلت عليه في شوال، وكانت تحب أن تدخل النساء على الأزواج في شوال، وقالت: أي امرأةٍ أحضى عنده مني؟)]، يعني: عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مقصودها من ذلك قيل: إنهم كانوا في الجاهلية يتشاءمون من التزويج في شوال، فأرادت أن تبين أن هذا الكلام باطل، وأن هذه العقيدة باطلة، وأنها هي نفسها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، ودخل عليها في شوال، وهي أحظى نسائه عنده صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، ففيه: بيان إبطال هذه العقيدة الفاسدة، وهذا التشاؤم السيئ من الزواج في شوال، وأن هذا الذي كان في الجاهلية قد حصل في الإسلام، هذا الزواج المبارك زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بـعائشة رضي الله عنها وأرضاها في ذلك الشهر، ففي هذا: بيان أن هذا التشاؤم وهذه الكراهية التي كانت في الجاهلية لا يصلح ولا يجوز أن يلتفت إليها، ولا أن تقع في أذهان أحد من الناس، فيكره الزواج في شوال على العادة الجاهلية، بل جميع الشهور يكون بها الزواج، ولا يتشاءم ولا يكره الزواج في شهر، بل يكون الزواج في جميع أيام السنة، وفي جميع شهور السنة، وهذا الشهر بالذات الذي كان أهل الجاهلية يتشاءمون فيه وهو الذي نوهت بشأنه عائشة، وأخبرت بحصول الزواج، وأنها أحضى أزواجه صلى الله عليه وسلم عنده، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

يتبع


ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:25 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال ..)

قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[عن يحيى].
هو يحيى القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل بن أمية].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عروة].
هو عبد الله بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية التي روت الألوف من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.


الخطبة في النكاح

شرح حديث فاطمة بنت قيس: (خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [الخطبة في النكاح.أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث سمعت أبي حدثنا حسين المعلم حدثني عبد الله بن بريدة حدثني عامر بن شراحيل الشعبي: أنه سمع فاطمة بنت قيس رضي الله عنها -وكانت من المهاجرات الأول- قالت: (خطبني عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في نفرٍ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وخطبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مولاه أسامة بن زيد، وقد كنت حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أحبني فليحب أسامة، فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت: أمري بيدك فأنكحني من شئت، فقال: انطلقي إلى أم شريك -وأم شريك امرأةٌ غنيةٌ من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل، ينزل عليها الضيفان- فقلت: سأفعل، قال: لا تفعلي، فإن أم شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم -وهو رجلٌ من بني فهر- فانتقلت إليه)، مختصر].
أورد النسائي: الخطبة في النكاح. والمقصود منها: التقدم لطلب الزوجة للتزويج، هذا يقال له: الخِطبة بكسر الخاء، وأما الخُطبة بضم الخاء فهي شيء آخر، فخطبة النكاح غير الخطبة في النكاح؛ لأن الخطبة التقدم لطلبها، هذه يقال له: خِطبة بالكسر، وأما الخُطبة -بالضم- فهو الكلام الذي يؤتى به بين يدي العقد: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، فالذي معنا هو بكسر الخاء، وهو التقدم لطلب الزوجة والرغبة في زواجها، التقدم لها أو لوليها بإبداء الرغبة في زواجها.
أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، وقد ذكره وفيه تقديم وتأخير؛ لأنه ذكر في أوله الخطبة وأنها خطبت، وأنها أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرض عليها أن تتزوج بـأسامة بن زيد، وقالت: أمري بيدك فزوجني من شئت، وذكر بعد ذلك شيئاً متأخراً، ولكنه متقدم من حيث الزمان، وهو أنه لما طلقها زوجها، وكان طلاقاً بائناً، وخرجت أو أرادت أن تخرج من مسكن زوجها بعد أن طلقها طلاقاً بائناً، فأخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم في المكان الذي تكون فيه بعد أن طلقت ذلك الطلاق البائن، وهو عند أم شريك، ثم إنه عدل عن ذلك لما يحصل عندها من كثرة الضيفان، وأنه قد يحصل منها شيء يرى منها ما تكره، فأرشدها إلى أن تذهب إلى ابن أم مكتوم، وهو رجل أعمى لا يبصرها لو ظهر منها شيء كما مر في الحديث السابق، وبقيت عند ابن أم مكتوم، ولما فرغت عدتها أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بمن خطبها.
الحاصل: أن فيه ذكر الخطبة، وهو الذي جاء في أول الحديث: خطبني عبد الرحمن بن عوف برجال، يعني: مع رجال من أصحاب الرسول، فخطبها عدة أشخاص، معناه أن فيه الدلالة على الترجمة من حيث حصول الخطبة، والتقدم للمرأة لخطبتها، وإبداء الرغبة في زواجها، والحديث كما أشرت فيه تقديم وتأخير؛ لأن قضية كونه قيل لها: تكون في مكان كذا أو تنتقل إلى كذا، هذا في زمن العدة، وأما الإخبار بأنه خطبني فلان وفلان، فهذا بعد الفراغ من العدة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشدها أو أشار عليها بأن تنكح أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه.

تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ...)


قوله: [أخبرني عبد الرحمن بن محمد بن سلام].لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن عبد الصمد بن عبد الوارث].
صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حسين المعلم].
هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن بريدة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عامر بن شراحيل الشعبي].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن فاطمة بنت قيس].
فاطمة بنت قيس صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.


النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه

شرح حديث ابن عمر: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعض)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعضٍ)].
أورد النسائي النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، والمقصود من هذه الترجمة: هو أن من خطب امرأة وحصل الركون إليه، فإنه لا يجوز أن يتقدم لخطبة تلك المرأة التي خطبها حتى يتبين الأمر، إما زواج، وإما عدول وترك، وهذه الغاية المقصود بها تبين الأمر، فإذا حصل التواطؤ أو التقارب بين الخاطب والمخطوبة أو ولي المخطوبة، فلا يجوز أن يخطب على خطبته حتى يتبين الأمر، إما بأن يتزوج، وبذلك لم يبق هناك مجال لما فكر فيه ذلك الخاطب، أو يترك فيخطبها، ويحصل منه الخطبة وطلب الزواج منها، وهذا هو المقصود من النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه.
وأورد النسائي حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا يخطب أحدكم على خطبة بعضٍ)]، يعني: أنه إذا خطب أحد امرأة، وحصل التقارب والتواعد فيما بينهم، فلا يجوز لأحد علم ذلك أن يتقدم للخطبة؛ لأن هذا يفضي ويؤدي إلى أن يتركوا ما حصل ما بينهم من التواعد ومن التقارب، ولكنه ينتظر إذا كان يرغب في هذه المرأة المخطوبة، فإن تزوجت يبحث عن غيرها، وإن رفض وحصل عدم وفاق، أو هو عدل، أو هم عدلوا ورفضوا وتركوا، فإنه يتقدم للخطبة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (لا يخطب أحدكم على خطبة بعض)


قوله: [أخبرنا قتيبة].مر ذكره.
[عن الليث عن نافع].
الليث مر ذكره، ونافع هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث من الرباعيات التي هي من أعلى ما يكون عند النسائي، وهي: قتيبة عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر.

شرح حديث أبي هريرة: (... لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور وسعيد بن عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال محمد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنائها)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد ذكر النسائي عند ذكر أبي هريرة أن الشيخين اللذين ذكرهما واحد منهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن هذين الشيخين شيخا النسائي، وهما: سعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن منصور، وهذا هو الذي قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي قال: قال رسول الله سعيد بن عبد الرحمن، فـالنسائي أتى به على سياق سعيد بن عبد الرحمن، ثم أشار إلى مخالفة محمد له باللفظ الذي قاله أبو هريرة مضيفاً إياه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فـسعيد بن عبد الرحمن الشيخ الثاني قال في تعبيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، والشيخ الأول هو محمد بن منصور قال في تعبيره عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (لا تناجشوا)، النجش هو: أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، بل يريد أن يرغب الذي يسومها بها، ويكون بذلك تسبب في أن يزاد في القيمة حتى يستفيد البائع، وقال: [(لا تناجشوا)]، يعني: من التفاعل على اعتبار أن هذا الذي حصل منه النجش للشخص، وهو ينتظر منه أن يرد عليه ذلك؛ لأنه إذا أراد أن يشتري سلعة، فيكون هذا الذي زاد من أجله، هو يقابله فيزيد من أجله، فحرم ذلك؛ لأنه فيه إضرار بالمشتري وجلب شيء للبائع، هذا هو النجش، فلا يجوز للإنسان أن يزيد في السلعة إلا إذا أراد شراءها.
قوله: [(ولا يبع حاضرٌ لباد)]، البادي هو: الذي يأتي من البادية، ومعه السمن، والغنم، والأقط، والأشياء التي تجلب، يبيع ويترك البادي هذا يبيع، لكن ما يأتي إنسان من الحاضرة ويقول: لا تبعها، دعها عندي وأنا أبيعها لك، يعني: أعطني إياها وأنا أبيعها، فيحول بينه وبين أن يبيعها على الناس وينتهي، فيختص بها هو ويطلب أن يحوزها، وأن يتولى بيعها من أجل أن يحصل شيئاً يخصه، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادي، لكن لو أن البادي رغب وقال للحاضر: خذ هذه السلعة وأبقها عندك، أنا ما أريد أن أبيعها الآن، لا بأس بذلك.
قوله: [(ولا يبع الرجل على بيع أخيه)]، إذا كان عند إنسان سلعة وباعها على رجل، وحصل اتفاق بينهما قبل أن يحصل التقابض، فعندما يعرف أنه تم الاتفاق فيما بينهم، يأتي شخص آخر عنده سلعة أخرى، فيأتي ويقول للمشتري: لا تشتر هذه السلعة.. اتركها، هذه السلعة التي سيبيعها عليك فلان بكذا، اتركها وأنا أبيع عليك هذه السلعة بأرخص منها.. بأقل ثمن، هذا هو البيع على بيع أخيه، يعني: أن بائعاً آخر يأتي بسلعة، ويعرض على المشتري الذي اتفق مع البائع الأول على شراء السلعة، يعرض عليه أن يترك البيع، وأن يتخلى عن البيع، وهو مثلاً في زمن الخيار فيقول: دعها.. اتركها وأنا أبيعك السلعة في أقل منها سعراً، هذا لا يجوز.
ومثله الشراء على شرائه والذي ما جاء ذكره، مثلاً: عندما يعلم أن مشترياً اشترى من بائع سلعة وتواطأ معه عليها، يأتي آخر يريد السلعة للبائع، فيقول له وهو في زمن الخيار: اترك البيع على هذا الشخص، وأنا أشتريها منك بأكثر ثمن، أنا أزيدك زيادة في الثمن، وهذا الشخص الذي أنت متفق معه على الشراء اتركه، فهذا شراء على الشراء، وهو لا يجوز، والذي في الحديث بيع على بيع، وكل ذلك لا يجوز.
قوله: [(ولا يخطب على خطبة أخيه)]، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، وقد مر ذكر ذلك.
قوله: [(ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنهائها)]، وفي بعض الروايات: (لتكفأ ما في صحفتها)، فالمقصود من ذلك: أن المرأة عندما تخطب، والخاطب عنده زوجة في عصمته، فتقول المخطوبة: طلق زوجتك التي عندك، وأنا أقبل الزواج منك، يعني: أنا لا أتزوجك إلا إذا طلقت زوجتك التي في عصمتك، طلقها وأنا أستجيب لطلبك، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(ولا تسأل المرأة طلاق أختها)]، يعني: من الخاطب الذي جاء يخطبها، لا تسأل طلاق أختها التي هي في عصمته، وهي أخوة في الدين، وليست أخوة في النسب؛ لأن الجمع بين الأختين في النسب كما هو معلوم لا يجوز، وفي هذا إشارة إلى أنه من القبيح، أن تفعل المرأة مع أختها في الدين مثل هذا العمل، قال: [(لتكفأ ما في صحفتها)]؛ لأن المرأة التي هي في عصمة زوج هي بمثابة المرأة التي معها إناء فيه ماء، فتأتي امرأة وتقلبه، فينسكب ما فيه من الماء على الأرض، فتحرم إياه تلك المرأة، فشبه المرأة في عصمة الرجل وكونها تستفيد منه وتستمتع به، وينفق عليها ويسكنها ويؤويها، وعندها بيدها خير منه، وتأتي امرأة مخطوبة فتطلب الطلاق للأولى فيتخلى عنها ويتركها، هي بمثابة التي معها صحفة فيها ماء أو فيها لبن فتقلبها، فينسكب ذلك التي فيها في الأرض فتحرمه، وذلك لا يجوز، بل إذا كان الرجل عنده زوجة، وجاء يخطب امرأة، فلا يحل لها أن ما تقول له: طلق زوجتك، وإنما تقول: أنا لا أرغب في الزواج.. ما توافق، أما أن تقول: طلق وأوافق، فإن هذا لا يجوز.
وهناك مسألة أخرى لها علاقة بهذه المسألة وهي: لو أن إنساناً خطب امرأة وهو ليس عنده زوجة، واشترطت عليه المخطوبة ألا يتزوج عليها، فهذه الصورة غير السابقة؛ فالسابقة فيها شيء باليد حاصل يراد إبطاله، وأما هذه الصورة.. تقول: والله أنا ما أستطيع.. ما أصبر على الجارة والضرة، فأنت إن كان يعجبك أن تتزوج بي ولا تتزوج علي، فأنا موافقة، وإلا ابحث لك عن غيري، فأنا في سعة وأنت في سعة، لكن تلك التي في الصورة السابقة امرأة في عصمة زوج، وإذا طلب زواج أخرى فرق بين الزوجين، وأما هذه الصورة فليس فيه شيء، رجل يريد أن يعدد، وهذه المرأة لا ترغب بالتعديد، بل تريد أن تبقى وحدها، وإن كان هناك جارة فهي أمرها بيدها، ومثل هذا لا بأس منه، ولا مانع يمنع منه؛ لأن هذا الشرط لا يترتب عليه مضرة حاصلة، والمرأة قد لا تتمكن من الصبر على جارة، فهي تريد أن تكون من البداية على بينة من أمرها، وإذا أراد أن يتزوج ووافقت فهذا إليها، وإن لم توافق فيكون أمرها بيدها، لكن فرق بين المسألتين؛ لأن المسألة التي في الحديث التي ورد فيها النهي هي: إتلاف شيء موجود، وإضاعة منفعة حاصلة، وأما هذه المسألة فليس فيها شيء، بل تريد أن تدخل على بينة، وهذا ما ورد فيه شيء يدل على المنع منه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (... لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ...)


قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي].
ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.

حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه: [(لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)]، وقد عرفنا ما يتعلق بذلك.
قوله: [أخبرني هارون بن عبد الله].
هو الملقب الحمال، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن معن].
هو معن بن عيسى المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ثم قال النسائي: [(ح)]، وهذه علامة للتحول من إسناد إلى إسناد، بمعنى: أن النسائي عندما ذكر الإسناد، ومشى فيه إلى أثنائه، أراد أن يبدأ إسناداً آخر يستمر حتى يتلاقى مع الإسناد الأول عند شخص، ثم يستمران في طريق واحد بعد ذلك، فـ (ح) هذه تدل على التحول من إسناد إلى إسناد.
قوله: [(ح) والحارث بن مسكين]، ما قال: وأخبرني الحارث بن مسكين، وقد عرفنا فيما مضى أن للنسائي حالتين مع شيخه الحارث بن مسكين: حالة هي أنه غضب عليه ومنعه من أن يجلس في حلقته وأن يروي عنه، فكان في تلك الحال لا يمتنع، ولكنه يأتي ويجلس وراء الستار ويسمع ويروي، وفي حالة أخرى حصل بينهما انسجام وتراضي، فكان يأذن له، ففي الحالات التي كان مأذوناً له يقول: وأخبرني، والحالات التي ما كان مأذوناً له يقول: والحارث بن مسكين، أو الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع؛ لأنه ما أراد إخباره.
[والحارث بن مسكين].
هو المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن مالك].
وهو ملتقى الطريقين، ومن مالك يتحد الإسناد إلى أعلاه.
[عن محمد بن يحيى بن حبان].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعرج لقب له، ويأتي ذكره باللقب كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم أحياناً فيقال: عبد الرحمن بن هرمز، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باللقب، ومرة بالاسم، من لا يعرف يظن أن الأعرج شخص، وأن عبد الرحمن بن هرمز شخص آخر، ومن يعلم أن هذا لقب لهذا لا يلتبس عليه الأمر.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.

شرح حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ...) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، [(لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)]، يعني: حتى يتبين الأمر، إما أن يتم الزواج، وبذلك انتهى ولا مجال للخطبة، أو يتم الرفض وعند ذلك يكون هناك مجال للخطبة، وهذا كما قلت: فيما إذا حصل تقارب واتفاق، أما إذا لم يحصل اتفاق وتواطؤ، وما حصل تقارب، فإنه لا بأس بالخطبة على الخطبة؛ لأنه ما حصل اتفاق وتقارب حتى ينكح، يعني: يتم الزواج أو يتم الترك.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ...) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرني يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.

حديث أبي هريرة: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا غندر عن هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا قتيبة].
قتيبة قد مر ذكره.
[عن غندر].
يأتي أحياناً ذكره باسمه، وأحياناً ذكره بلقبه كما هنا، فـغندر لقبه، واسمه محمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام].
هو ابن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو ابن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
قد مر ذكره.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:27 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب النكاح

(429)

- (باب خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له) إلى (باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها)




اهتم الإسلام بحقوق الآخرين واحترامها، ومراعاة مشاعرهم، ومن ذلك أنه عند خطبة الرجل لأي امرأة فإنه لا يجوز لأحد أن يخطب هذه المرأة إلا عند إعراض هذا الخاطب الأول عنها، أو إذنه لشخص آخر أن يخطبها، كل ذلك حفظاً لأخوة الإسلام.

خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له


شرح حديث: (... ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له. أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا الحجاج بن محمد قال ابن جريج: سمعت نافعاً يحدث: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب)].
يقول النسائي رحمه الله: خطبة الرجل إذا ترك الخاطب أو أذن له، يريد النسائي بهذه الترجمة: أن النهي الذي ورد في خطبة الرجل على خطبة الرجل يكون مقيداً فيما إذا لم يترك الخاطب، أو لم يأذن الخاطب له بأن يخطب تلك المرأة، فإذا ترك وعدل عن الخطبة فلغيره أن يتقدم لخطبتها، وكذلك إذا أذن وقال لشخص من الناس: اخطبها، فإن هذا له حق الخطبة، أما إذا لم يكن كذلك بأن تقدم للخطبة وركن إليه، فليس لأحد أن يتقدم للخطبة حتى يتبين الأمر بكونه يتزوجها، أو بكونه يتركها، أو بكونه يأذن لشخص من الناس أن يتقدم لخطبتها؛ لأن إذنه لشخص من الناس للتقدم لخطبتها رغبة عنها وعدول عنها.
وقد أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعضٍ)، ومعنى [بيع البعض على بيع البعض]: أن يكون إنسان عنده سلعة باعها على إنسان وتم البيع وهما في مدة خيار.. فيأتي شخص من الناس إلى المشتري في مدة الخيار ويقول له: اترك هذه السلعة، أو اعدل عن شرائها وأنا أبيعك مثلها بأرخص منها، هذا لا يجوز، وهو بيع البعض على بيع البعض.
ومثله الشراء على الشراء، بأن يكون إنسان باع سلعةً على إنسان، وهما في مدة خيار، فيأتي شخص إلى هذا البائع ويقول له: اعدل عن بيعك لهذا الشخص المشتري، وأنا أشتريها منك بأغلى مما بعتها به عليه، هذا شراء على شراء، أي: يحول بين المشتري وبين السلعة بأن يأخذها من البائع بأغلى منها، وهذا لا يجوز أيضاً، وقد جاء الحديث بالنهي عن البيع على البيع، والشراء على الشراء.
قوله: [(ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب)].
أي: حتى يترك الخاطب الأول ويعدل، أو يقول له: اخطبها؛ لأن قوله: اخطبها معناه ترك لها، ورغبة وعدول عنها.
والحاصل أن النهي عن الخطبة على الخطبة فيما إذا لم يحصل الترك، أو لم يحصل الإذن، أما إذا وجد الترك، أو وجد الإذن للخاطب الثاني أن يخطب، فإن الخطبة في هذه الحالة مأذون ومرخص فيها كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله...)


قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن].هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن الحجاج بن محمد].
هو المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فهؤلاء اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة، وأيضاً هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة.

شرح حديث فاطمة بنت قيس: (... ومن خطبك؟ فقلت: معاوية ورجل آخر من قريش...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني حاجب بن سليمان حدثنا حجاج حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري ويزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان: (أنهما سألا فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عن أمرها؟ فقالت: طلقني زوجي ثلاثاً، فكان يرزقني طعاماً فيه شيء، فقلت: والله لئن كانت لي النفقة والسكنى لأطلبنها ولا أقبل هذا، فقال الوكيل: ليس لك سكنى ولا نفقة، قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك سكنى ولا نفقة، فاعتدي عند فلانة، قالت: وكان يأتيها أصحابه، ثم قال: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى، فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت آذنته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ومن خطبك؟ فقلت: معاوية ورجلٌ آخر من قريش، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما معاوية فإنه غلامٌ من غلمان قريش لا شيء له، وأما الآخر فإنه صاحب شرٍ لا خير فيه، ولكن انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، فقال لها ذلك ثلاث مرات، فنكحته)].أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، في قصة طلاقها من زوجها طلاقاً بائناً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تعتد عند أم شريك، وهي امرأة غنية كثيرة الضيفان، ثم عدل عن ذلك وأرشدها إلى أن تعتد عند ابن أم مكتوم ؛ لأنه رجل أعمى لا يبصر، وقال: (إذا حللت -أني إذا انتهيت من العدة- فآذنيني)، يعني: أخبريني وأعلميني بانتهائك، ولما انتهت من عدتها أخبرته بأنها خطبها معاوية ورجل آخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما معاوية فإنه غلامٌ من غلمان قريش لا شيء له)، يعني: لا مال له، وقد جاء في بعض الروايات: (صعلوكٌ لا مال له). قال: (وأما الآخر فصاحب شرٍ لا خير فيه)، والمقصود من ذلك: أن فيه شر على النساء من جهة أنه يضربهن، وليس معنى ذلك أنه خال من الخير مطلقاً، بل المقصود أنه في تعامله مع النساء عنده شر، وأنه لا خير فيه للنساء من حيث التعامل معهن، وأنه ضراب للنساء، وجاء في بعض الأحاديث أنه أبو جهم.
قال: (ولكن انكحي أسامة بن زيد)، فلم يعجبها ذلك، فكرر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم فنكحته، فتزوجها رضي الله تعالى عنها.
والمقصود من الترجمة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطبها لـأسامة بن زيد، وكانت قد خطبت من قبل، وقد عرفنا فيما مضى أن المنع من الخطبة على الخطبة إذا حصل الركون والتقارب؛ لأن هذا فيه إفساد لما قد تم، وهي قد أخبرت بأنه خطبها عدة أشخاص، ولكنها تريد أن تعرف أيهما أولى لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أشار عليها بألا تتزوج واحداً منهما، وبين العلة في ذلك، وأرشدها أو أشار عليها بأن تتزوج أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو مولى، فتوقفت في ذلك أولاً، ثم بعد أن كرر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم المشورة، انقادت واستسلمت لما أشار به عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( معاوية غلامٌ من غلمان قريش لا مال له، وأن هذا صاحب شرٍ لا خير فيه)، فيه بيان: أن من استشير في شخص فعليه أن يبين حاله، ولا يعتبر هذا من الغيبة المحرمة، بل هذا مما استثني من الغيبة التي هي ذكرك أخاك بما يكره، فكون الإنسان يستشار في شخص ليزوج أو ليكون شريكاً، أو ما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس إلى ارتباط بعضهم ببعض، فعليه أن يبين حاله، ولا يعتبر هذا من الغيبة.
وكذلك مما استثني من الغيبة، يتعلق في الرواية والكلام في الرواة، وبيان أحوالهم، وبيان ضعفهم، أيضاً هذا ليس من الغيبة المحرمة؛ لأن هذا من قبيل النصح للمسلمين، ومعرفة ما يثبت من الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما لا يثبت بسبب ضعف حملته ونقلته.

تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (... ومن خطبك؟ فقلت: معاوية ورجل آخر من قريش...)


قوله: [أخبرني حاجب بن سليمان].صدوق يهم، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن حجاج].
هو حجاج بن محمد، وقد مر ذكره.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ويزيد بن عبد الله بن قسيط].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحارث بن عبد الرحمن].
وهذا معطوف على الزهري، يعني يروي عنه ابن أبي ذئب؛ لأن ابن أبي ذئب يرويه من طريقين: من طريق الزهري ويزيد بن عبد الله بن قسيط، ومن طريق خاله الحارث بن عبد الرحمن، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنهما سألا].
والمقصود بهما: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
[سألا فاطمة بنت قيس].
صاحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكرها مراراً في هذا الحديث.


إذا استشارت المرأة رجلاً فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟

شرح حديث فاطمة بنت قيس: (... فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني ...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا استشارت المرأة رجلاً فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، واللفظ لـمحمد عن ابن القاسم عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: (أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائبٌ، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك نفقة، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجلٌ أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوكٌ لا مال له، ولكن انكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة بن زيد فنكحته، فجعل الله عز وجل فيه خيراً، واغتبطت به)].
أورد النسائي هذه الترجمة: إذا استشارت امرأة رجلاً فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟ يريد بذلك أنه يخبرها بما يعلم، وهذا ليس من الغيبة، بل هو من النصيحة والمشورة على المستشير، وقد أورد النسائي حديث فاطمة بنت قيس من طريق أخرى، وهو أنها لما طلقها زوجها البتة وكان غائباً، وكان له وكيل، فأرسل لها طعاماً فلم يعجبها وسخطته، يعني: لم ترض به، فقال: ليس عندنا لك شيء، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما حصل، فقال: (ليس لك عليه نفقة)، وأيضاً لا سكنى، وأمرها بأن تعتد عند أم شريك، ثم عدل عن ذلك فقال: [تلك امرأة يغشاها أصحابي]؛ لأنها كثيرة الضيفان، ولكن اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا يبصر، فلما فرغت وانتهت عدتها أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خطبها معاوية، وأبو جهم، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه)، وفسر عدم وضعه العصا عن عاتقه بأنه كثير الضرب للنساء، وهذا هو الذي يطابق ما جاء في الروايات السابقة: (صاحب شرٍ، لا خير فيه)، وجاء في بعضها: أنه كثير الأسفار، يعني: أنه كثير الغيبة عن المرأة، (وأما معاوية فصعلوكٌ لا مال له)، يعني: فقير لا مال له.
ثم قال: (انكحي أسامة بن زيد )، فكرهت ذلك، فأعاد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتزوجها، واغتبطت به رضي الله تعالى عنها وعنه وعن الصحابة أجمعين.

تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس: (... فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني ...) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[والحارث بن مسكين].
هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن عبد الله بن يزيد].
هو عبد الله بن يزيد المخزومي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس].
أبو سلمة بن عبد الرحمن، وفاطمة بنت قيس، قد مر ذكرهما.


إذا استشار رجل رجلاً في المرأة، هل يخبره بما يعلم؟

شرح حديث: (... ألا نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [إذا استشار رجل رجلاً في المرأة، هل يخبره بما يعلم؟ حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: (جاء رجلٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأةً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)، قال أبو عبد الرحمن: وجدت هذا الحديث في موضع آخر عن يزيد بن كيسان: أن جابر بن عبد الله حدث، والصواب أبو هريرة].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا استشار رجل رجلاً في امرأة هل يخبره بما يعلم؟ يعني عكس التي قبلها أو مثل التي قبلها، إلا أن ذاك رجل استشير في رجل، وهنا رجل استشير في امرأة، وأورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني تزوجت امرأةً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ألا نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئاً).
الذي يبدو أنه أراد أن يتزوجها، ولهذا جاء يستشير، وأما إذا تزوجها وانتهى الأمر ودخل عليها، فما يبقى هناك مجال للمشورة، ويوضح هذا الحديث الذي بعده: أنه أراد أن يتزوج امرأة، فقوله: (تزوجت امرأة)، يعني: أردت أن أتزوجها، وليس المقصود أنه تزوجها؛ لأنه إذا تزوج بالفعل، فليس هناك فائدة فيما إذا تم؛ لأن هذا يؤدي إلى الفرقة، وإلى عدم الانسجام بين الرجل والمرأة، ولكنه قبل أن يتم شيء، هذا هو الذي يكون فيه مجال، فقال: (ألا نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئاً)، وهذا المقصود من الترجمة، (فإن في أعين الأنصار شيئاً)، يعني: الكلام في الوصف، وقيل: إن المقصود بذلك صغر العيون، وقيل: إنه عدم جمال، والصغر كذلك هو من هذا القبيل، لكن شيء أعم من الصغر، لكن القضية هي قضية غالبة، والمراد بها هو صغر العيون.

يتبع



ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:27 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (... ألا نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن علي بن هاشم].
هو علي بن هاشم بن البريد، وهو: بفتح الموحدة وبعد الراء تحتانية ساكنة، وهو: صدوق يتشيع، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن يزيد بن كيسان].
صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي حازم].
هو أبو حازم سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
قال في آخره: [قال أبو عبد الرحمن: وجدت هذا الحديث في موضع آخر عن يزيد بن كيسان: أن جابر بن عبد الله حدث..]
يعني: معنى هذا أن النسائي يرى أن الصواب هو ما تقدم من رواية يزيد بن كيسان عن أبي هريرة، وليس رواية يزيد بن كيسان عن جابر.

شرح حديث: (... انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأةً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو يوضح الطريقة السابقة، وأن المراد: من أراد أن يتزوج امرأة، وهذا هو المجال الذي يكون فيه نظر واختيار، ورغبة أو عدول، أما إذا حصل الزواج فإنه لا مجال لشيء من ذلك، وهو يوضح الرواية السابقة من قوله (تزوج).. أي: أراد أن يتزوج.

تراجم رجال إسناد حديث: (... انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، ثقة، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
[عن سفيان].
هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.


عرض الرجل ابنته على من يرضى

شرح حديث: (... فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحك حفصة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عرض الرجل ابنته على من يرضى. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما قال: (تأيمت حفصة بنت عمر رضي الله عنها من خنيس -يعني ابن حذافة، - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن شهد بدراً، فتوفي بالمدينة، فلقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: سأنظر في ذلك، فلبثت ليالي فلقيته فقال: ما أريد أن أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فلم يرجع إلي شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان رضي الله عنه، فلبثت ليالي فخطبها إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً، قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعن حين عرضت عليّ أن أرجع إليك شيئاً، إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تركها نكحتها)].
أورد النسائي ترجمة: عرض الرجل ابنته على من يرضى، يعني: كونه يعرض ابنته على شخص يرضاه ليتزوجها؛ رغبةً في مصاهرته وكونه يتزوج ابنته، أورد النسائي في ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما تأيمت ابنته حفصة من زوجها خنيس بن حذافة رضي الله تعالى عنه، وجاء إلى عثمان رضي الله عنه فعرضها عليه وقال: [إن شئت أنكحتك حفصة]، وعثمان رضي الله عنه كان يعلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكرها، فقال: سأنظر، ثم لقيه بعد ذلك فقال: إنني لا أريد الزواج في يومي هذا، أي: في الوقت الحاضر ما أرغب في أن أتزوج، ثم جاء إلى أبي بكر فعرضها عليه، فسكت ولم يجبه شيئاً، فكان في نفسه شيء من كونه لم يرد عليه جواباً، وجواب عثمان كان أنسب عنده من فعل أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن عثمان قال: سأنظر، ثم قال: لا أريد الزواج في وقتي هذا، وأما أبو بكر فسكت ولم يجب، ثم بعد ذلك خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه، ثم جاء أبو بكر معتذراً عما حصل له من عدم الجواب فيما مضى، وقال: لعلك وجدت في نفسك علي شيئاً إذ لم أرد عليك؟ قال: نعم، قال: إنه ما منعني إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لتزوجتها.
محل الشاهد من هذا أن عمر رضي الله عنه عرضها على أبي بكر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، وهو يدل على الترجمة، وأن الشخص الذي يرغب فيه ويفرح في مصاهرته، إذا عرض الإنسان ابنته عليه، فإن ذلك لا بأس به، وقد دل عليه هذا الدليل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت أنكحك حفصة...)


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه المروزي الحنظلي، ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو ابن راشد البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن ابن عمر].
وقد مر ذكره.
[عن عمر].
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


عرض المرأة نفسها على من ترضى

شرح حديث: (جاءت امرأةٌ إلى رسول الله فعرضت عليه نفسها...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عرض المرأة نفسها على من ترضى.أخبرنا محمد بن المثنى حدثني مرحوم بن عبد العزيز العطار أبو عبد الصمد سمعت ثابتاً البناني يقول: (كنت عند أنس بن مالك رضي الله عنه وعنده ابنةٌ له، فقال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعرضت عليه نفسها، فقالت: يا رسول الله! ألك في حاجة؟)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: عرض المرأة نفسها على من ترضى، فهذه الترجمة تقابل الترجمة السابقة، فهناك عرض الرجل ابنته على من يرضى، وهنا عرض المرأة نفسها على من ترضى، فهناك يعرضها وليها، وهذه فيها عرض المرأة نفسها على من ترضاه.
أورد النسائي فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعرضت نفسها عليه وقالت: ألك بي حاجة؟) يعني: تريد الزواج.

تراجم رجال إسناد حديث: (جاءت امرأةٌ إلى رسول الله فعرضت عليه نفسها...)


قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو محمد بن المثنى أبو موسى الملقب الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[عن مرحوم بن عبد العزيز العطار].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد من رباعيات النسائي ؛ لأن فيه محمد بن المثنى، عن مرحوم بن عبد العزيز، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي.

شرح حديث: (أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا مرحوم حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن امرأةً عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فضحكت ابنة أنس، فقالت: ما كان أقل حياءها! فقال أنس: هي خيرٌ منك عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: أن امرأةً عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (أن امرأةً عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فضحكت ابنة أنس، فقالت: ما كان أقل حياءها!).
يعني ابنة أنس وهي تسمع أباها عندما حدث بالحديث ضحكت وقالت: ما كان أقل حياءها، تعني هذه المرأة التي جاءت تعرض نفسها على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال أنس: (هي خيرٌ منك، إنما عرضت نفسها على رسول الله عليه الصلاة والسلام)، وهذا فخر وشرف عظيم، وهو خير الأزواج عليه الصلاة والسلام، وإنما طمعت في خير الناس وفي أفضل الناس، وكونها تطلب هذا الشرف فإنما يدل على فضلها وعلى خيريتها، وعلى إرادتها أن تكون عند خير الناس عليه الصلاة والسلام، فما كان هناك مجال لأن يتنقص منها أو تعاب، بل إنها أرادت شرفاً، وأرادت فضلاً، فهي خير منك حيث كان قصدها ذلك، وأقدمت على ذلك؛ لأنها تريد الخير، وأنت ضحكت من تصرفها وعبتيها على هذا التصرف، وهي ليست معيبة؛ لأنها أرادت خيراً لنفسها أن تكون من أمهات المؤمنين، وأن تكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديث فيه عرض المرأة نفسها على من ترضى.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ...) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. وهو ومحمد بن المثنى الذي في الإسناد السابق متماثلان في أمور كثيرة، اتفقا في سنة الولادة، وسنة الوفاة، وفي كثير من الشيوخ والتلاميذ، ولهذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب: وكانا كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، ولدا في سنة وماتا في سنة، وكل منهما من أهل البصرة، وهما متفقان في الشيوخ، وفي التلاميذ، ولهذا قال: وكانا كفرسي رهان، وكانت وفاتهما سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فهما من صغار شيوخ البخاري.
[عن مرحوم عن ثابت عن أنس].
وبقية الإسناد كالذي قبله.


صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها


شرح حديث: (... يا زينب أبشري! أرسلني إليك رسول الله يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى استأمر ربي ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها. أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: أنه قال: (لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لـزيد: اذكرها علي، قال زيد: فانطلقت فقلت: يا زينب! أبشري، أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أستأمر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بغير أمرٍ)].
أورد النسائي صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها، المقصود من هذا: أن الزواج من الأمور التي يستخار الله عز وجل فيها، وصلاة الاستخارة مشروعة في مثل هذا الأمر، وفي الأعمال التي يحتاج إليها الإنسان والتي لا يعرف نتائجها، هل تكون طيبة أو غير طيبة؟ فيستخير الله عز وجل، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا بيان الاستخارة ودعاء الاستخارة.
وقد أورد النسائي حديث أنس: أن زينب رضي الله تعالى عنها لما طلقها زوجها زيد رضي الله تعالى عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم بعدما فرغت من العدة. قال له: (اذهب فاذكرها)، معناه: أن يخطبها زيد له صلى الله عليه وسلم، فذهب وقال: أبشري.. يذكرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أستأمر ربي)، يعني معناه: تستخيره، فقامت إلى مصلاها وصلت، وأنزل الله عز وجل القرآن: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/33.jpgفَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/34.jpg[الأحزاب:37]، فقام ودخل عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام بهذا التزويج من الله عز وجل لها، وهذه الاستخارة ليست في كونها تتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا تتزوجه، وهل مناسب أن تتزوجه أو ما تتزوجه؟ وإنما قال بعض أهل العلم: إن هذا يرجع إلى ترددها، هل تقوم بواجبها نحوه؟ وهل تتمكن من أن تقوم بما يجب له عليها؟ فهذا هو مجال الاستخارة، لا من أجل أنه هل تستجيب للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتزوجها أو لا تستجيب؟ فإن الظفر بالرسول صلى الله عليه وسلم وكون المرأة تكون في عصمته، هذا شرف لا يماثله شرف في حق النساء؛ لأنهن يكن بذلك من أمهات المؤمنين، ولهن الفضل الذي لهن رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، ولكن هذه الاستخارة إنما هي في ترددها في كونها تستطيع أن تقوم بما يجب عليها له صلى الله عليه وسلم أو لا، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وفيه: بيان نزول القرآن في ذلك، وسمي زيد رضي الله تعالى عنه باسمه في القرآن، فقال: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/33.jpgفَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/34.jpg[الأحزاب:37].

تراجم رجال إسناد حديث: (... يا زينب أبشري! أرسلني إليك رسول الله يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى استأمر ربي ...)


قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن المغيرة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت عن أنس].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث: (كانت زينب بنت جحش تفخر على نساء الرسول...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن يحيى الصوفي حدثنا أبو نعيم حدثنا عيسى بن طهمان أبو بكر سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تقول: إن الله عز وجل أنكحني من السماء، وفيها نزلت آية الحجاب)].أورد النسائي حديث أنس رضي الله تعالى عنه: أن زينب رضي الله عنها، كانت تفخر على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وتقول: (إن الله عز وجل أنكحني من السماء)، وفي بعض الروايات: (زوجكن أهاليكن، وأنا زوجني الله من فوق سبع سموات)، والمقصود بقولها: (من السماء)، أي: من العلو؛ لأن الله تعالى في العلو فوق السموات مستو على العرش، وليس المقصود بالسماء المبنية، فإن الله تعالى فوق العرش، وهو في السماء العلو؛ لأن كل ما على وارتفع يقال له: سماء، وقول الله عز وجل: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/33.jpgأَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/34.jpg[الملك:16]، أي: في العلو، وليس المقصود بذلك السماء المبنية التي هي سبع سموات خلقها الله كما خلق الأرض، فالله عز وجل ليس حالاً في المخلوقات، والمخلوقات ليست حالة به سبحانه وتعالى، بل هو مستو على عرشه فوق خلقه، والسماء يطلق على العلو، كل ما علا فهو سماء، يعني ما فوق العرش يقال له: سماء؛ لأنه علو، فتقول: (أنكحني الله من السماء)، أي: نزل بذلك القرآن بأن يتزوجني رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان زواجها بهذا القرآن الذي نزل، وبدون ولي وبدون عقد، بل بهذا القرآن الذي نزل؛ لأنه قام ودخل عليها عليه الصلاة والسلام، ولهذا كانت تفتخر على النساء، وهذا من الأدلة التي يستدل بها على العلو لله عز وجل، وعلى صفة العلو، وأن الله تعالى في السماء، أي: في العلو، أي: فوق العرش عال على خلقه، بائن من خلقه، ليس حالاً في المخلوقات، ولا المخلوقات حالةً فيه سبحانه وتعالى.
(وفيها نزلت آية الحجاب)، يعني: وأيضاً في زينب بنت جحش نزلت آية الحجاب.

تراجم رجال إسناد حديث: (كانت زينب بنت جحش تفخر على نساء الرسول...)


قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى الصوفي].هو أحمد بن يحيى بن زكريا الصوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي نعيم].
هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ويأتي بكنيته كما هنا، ويأتي باسمه ونسبه فيقال: الفضل بن دكين، وأبو نعيم متقدم، والنسائي يروي عنه بواسطة كما هنا، وهو من كبار شيوخ البخاري، وقد اشتهر بهذه الكنية شخص آخر متأخر صاحب المؤلفات.. صاحب الحلية وغيرها، وهو: أبو نعيم الأصبهاني، وقد توفي سنة ثلاثين وأربعمائة، وأما هذا متقدم.
[عن عيسى بن طهمان].
صدوق، أخرج له البخاري، والترمذي في الشمائل، والنسائي.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:29 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب النكاح

(430)

- (باب كيف الاستخارة) إلى (باب إنكاح الرجل ابنته الكبيرة)




كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمر كله كما يعلمهم السورة من القرآن، فيعلمهم صفتها والدعاء الذي يذكر فيها، كما يعلمهم الأوقات التي يشرع لهم الإتيان بها فيها.
كيف الاستخارة

شرح حديث جابر في صفة الاستخارة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف الاستخارة.أخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستعينك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر، ولا أقدر، وتعلم، ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري، وآجله فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال: ويسمي حاجته)].
يقول النسائي رحمه الله: كيف الاستخارة، لما ذكر في الترجمة السابقة قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها، وأنه لما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: إنها ليست بصانعة شيئاً حتى تستأمر ربها، فذهبت إلى مصلاها، وصلت صلاة الاستخارة، وقد عرفنا فيما مضى: أن صلاتها واستخارتها لم يكن لترددها في الزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل تتزوج أو لا تتزوج؟ وإنما كان من أجل خوفها من تقصيرها في حقه صلى الله عليه وسلم، رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لما ذكر النسائي استخارة زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، عقبه بهذه الترجمة فقال: كيف الاستخارة، أي ما هي كيفية الاستخارة؟ فأورد حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن)، كان عليه الصلاة والسلام يعلمهم الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن الذي هو كلام الله عز وجل، يعني أنه كان يهتم، ويعتني بتعليمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا فيه دليل على الاهتمام، والعناية بهذا الأمر، وأن الإنسان عندما يريد أن يقدم على أمر من الأمور، فإنه يشرع له، ويستحب أن يستخير الله عز وجل، بأن يصلي صلاة الاستخارة، ثم يدعو بهذا الدعاء الذي جاء في حديث جابر رضي الله عنه هذا، وذلك أن الإنسان لا يعلم ما هو الخير له في الأمور، ولكنه يسأل الله عز وجل، ويطلب منه أن يختار له ما فيه الخيرة، وأن ييسر له الأمر الذي يكون فيه الخير له.
وقوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن)]، المراد بالأمور التي يستخار فيها، من العلماء من قال: الاستخارة في الأمور كلها من العام المراد به الخصوص، يعني لا يراد به أن كل شيء يستخار فيه، فإن الإنسان عندما يتقرب إلى الله عز وجل بعبادة لا يستخير الله عز وجل، هل يتقرب بها أو لا يتقرب بها؟ هل يفعلها أو لا يفعلها؟ وإنما يستخير في الأمور التي هي مباحة، والتي هي مترددة بين هل الإنسان يفعلها أو لا يفعلها، أما ما كان مشروعاً أو كان لازماً، فإن هذا لا يستخير فيه الإنسان، يعني كون الإنسان يريد أن يصلي صلوات، لا يستخير الله في أنه يصلي، كون الإنسان يريد أن يحج، لا يستخير الله في أنه يحج؛ لأن هذه أمور مشروعة، ومطلوبة، والخير في فعل العبادة والتقرب إلى الله عز وجل في العبادة؛ لأن فعل العبادة خير للإنسان، وهو قربة للإنسان يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، قالوا: فهو من العام المراد به الخصوص، أي: أنه ليس باقياً على عمومه، [(كما يعلمنا السورة من القرآن)]، أي: للاهتمام والعناية في ذلك، فيقول في تعليمهم الاستخارة: إذا هم أحدكم بالأمر، يعني: إذا قصد أمراً من الأمور، مثل كونه يريد أن يسافر سفراً لأمر ما، لتجارة أو لغير ذلك من الأمور، أو أراد أن يتزوج، أو أراد أن يدخل في عمل من أمور الدنيا كمشروع من المشاريع الدنيوية، بأن يتجه إلى وجهة من الوجهات يطلب الرزق فيها، ويطلب الربح فيها، فهنا يصلي صلاة الاستخارة، وصلاة الاستخارة هي أن يصليها ركعتين، [(إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة)]، يعني ما تكون الصلاة التي يستخير الله عز وجل فيها صلاة فريضة، قيل: ولا الرواتب، التي هي تابعة للفريضة؛ لأنها متعلقة، وإنما يصلي صلاةً قصده من هذه الصلاة أنه يستخير الله عز وجل في هذه الصلاة، يركع ركعتين من غير الفريضة، يصلي هاتين الركعتين، ثم يدعو بالدعاء، ويكون هذا الدعاء بعد الفراغ من الصلاة، يدعو بهذا الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، واهتم واعتنى به حتى قال الصحابي: (كما يعلمهم السورة من القرآن)، ثم يقول: [(اللهم إني أستخيرك بعلمك)]، يعني: أطلب منك الخير، أو أطلب منك الخيرة، [(بعلمك)]، أي: بما كنت تعلمه مما هو الخير لي؛ لأن الله عز وجل بكل شيء عليم، يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وكل شيء مقدر، جف القلم بما هو كائن، وقد مر بنا قريباً حديث أبي هريرة: (جف القلم بما أنت لاقٍ)، لكن الله عز وجل شرع للناس مع هذا أن يدعوا الله عز وجل، والدعاء عبادة، ولا يقال: إن الله عز وجل إذا كان قد قدر شيئاً للإنسان، فهذا الذي قدره الله عز وجل ما يحتاج إلى أن يفعل أشياء كالدعاء؛ لأن المقدر كائن؛ لأن الله عز وجل يقدر السبب، ويقدر المسبب، يقدر الأسباب، والمسببات، فالمسبب يقدر له سبباً، ويكون السبب مقدرا، والمسبب مقدراً، ويكون من أسباب حصول المقدر الذي هو مقصود، ومطلوب، أن الإنسان يدعو، فيكون الله عز وجل قدر هذا الذي قدره مما يريده الإنسان، وقدر شيئاً يفعل للوصول إليه كالدعاء، وكالأفعال التي يفعلها الإنسان للوصول إلى ما يريد، (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، يعني الإنسان يبذل الأسباب، ويفعل الأسباب للوصول إلى ما يريد، والمقدر كائن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أخبرهم بالقدر، وبأن كل شيء مقدر، قالوا: (أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل قال: لا، اعملوا، فكلٌ ميسرٌ لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، والله عز وجل كتب أن هذا يكون من أهل الجنة، وهذا يكون من أهل النار، وكتب أسباباً توصل إلى الجنة، وتوصل إلى النار، والسبب لا بد وأن يقع إذا كان مقدراً، ويقع المسبب بعده أو معه؛ لأن كل ما هو كائن، وكلما هو واقع، فهو بقضاء الله وقدره، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

شرح دعاء الاستخارة

وقوله: [(اللهم إني أستخيرك بعلمك)]، يعني: أطلب منك الخير لكونك تعلم ما هو الخير، وتعلم عواقب الأمور، ونتائج الأشياء، وما يترتب عليها، فأنت الذي تعلم الغيب والشهادة، (أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك)، في اللفظ الذي معنا: (وأستعينك بقدرتك)، لكن أكثر الروايات وفي البخاري وفي غيره: (وأستقدرك بقدرتك)، يعني: أسألك أن تقدرني، يعني: أطلب منك أن تقدرني على ما تعلم أنه خير لي، تقدرني على فعله، وعلى فعل الأسباب التي توصل إليه، (وأستقدرك بقدرتك)، لكونك القادر على كل شيء، وأنت الخالق لكل شيء، خالق العباد، وخالق أفعال العباد، وكل ما يقع من العباد من حركة أو سكون فهو بعلم الله، وقد كتبت في اللوح المحفوظ، وحصلت بمشيئة الله، وحصلت بخلق الله سبحانه وتعالى؛ لأن كل مقدر لا بد فيه من أربعة أمور: سبق علم الله عز وجل بهذا الذي قدره الله، وكتابة الله عز وجل له في اللوح المحفوظ، ومشيئة الله عز وجل أن يقع، وإيجاده، وخلقه، كل هذه الأمور لا بد منها في كل ما هو مقدر، (وأستقدرك بقدرتك)، أي: أطلب منك أن تقدرني على ما تعلم أنه خير لي، وقيل: إن المقصود من قوله: (وأستقدرتك بقدرتك)، يعني: أطلب منك أن تقدر لي ما هو الخير، والمقصود من ذلك: التيسير، وليس أن يكتب له في اللوح المحفوظ شيئاً هو خير له؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ لا يغير، ولا يبدل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (جف القلم بما أنت لاقٍ)، وقال: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فما كتب في اللوح المحفوظ وقدر لا بد وأن يكون، لكن هذا الذي كتب في اللوح المحفوظ قدر بأن يكون له أسباب توصل إليه، فالأسباب مقدرة، والنتائج مقدرة، الوسائل مقدرة، والغايات مقدرة، والإنسان عنده عقل وإرادة ومشيئة، وقد بين له طريق الخير، وطريق الشر، فإن حصل له التوفيق من الله عز وجل سلك طريق الخير، وإن حصل له خذلان -والعياذ بالله- فإنه حاد عن طريق الخير، وصار إلى طريق الشر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة)، يعني أن الله قدر السعادة، وقدر أسباباً توصل إلى السعادة، والله عز وجل يوفق من شاء وقدر له السعادة، وفعل الأفعال التي توصل إلى السعادة تكون بتوفيق الله عز وجل وتيسيره، وكذلك (أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، من كتب الله أنه شقي فإنه يعمل الأعمال بمشيئته وإرادته التي توصله إلى تلك الغاية السيئة والعياذ بالله.قوله: [(وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم)]، وهذا فيه بيان أن كل خير فهو من الله عز وجل تفضلاً، وامتناناً، وإحساناً إلى عباده، فهو الذي يجود، ويتكرم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم بعمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة وفضل)؛ لأن العمل هو من الله عز وجل بتوفيقه وتيسيره، فهو الذي تفضل بتيسير العمل، وهو الذي تفضل بالنتائج الطيبة التي تترتب على هذا العمل، فالغاية التي هي حسنة هي بفضل من الله، والوسيلة التي توصل إليها هي بفضل الله سبحانه وتعالى وتيسيره، وتوفيقه، إذ يسر لمن شاء من عباده أن يفعل الأسباب التي توصل إلى السعادة، وتوصل إلى النتائج الطيبة، فما من أحد يدخل الجنة بعمله، يعني: أن القضية معاوضة، وأن الله عز وجل كل ما يحصل للناس ولو كان بأعمالهم، فإن أعمالهم هي فضل من الله عز وجل، توفيق الله عز وجل لهم للأعمال الصالحة هو فضل، فالعمل الصالح هو بفضل الله، وتيسيره، والنتائج الطيبة التي تترتب عليه، وهي السعادة ودخول الجنة، والسلامة من النار، هو بفضل الله عز وجل، فكل خير يحصل للناس فهو بفضل الله وإحسانه، وكل شر يحصل للناس فهو بعدله، وبكسب العباد وبمشيئتهم وإرادتهم، ولهذا يحمدون على ما يحصل منهم من أفعال طيبة، ويذمون على ما يحصل منهم من أعمال سيئة، ويستحقون العقاب في الدنيا وفي الآخرة على ما يحصل منهم من أعمال سيئة، ويستحقون الثواب في الدنيا وفي الآخرة على ما يحصل منهم من أعمال حسنة، (وأسألك من فضلك العظيم).
ثم أثنى على الله عز وجل وعظمه بعد أن طلب منه وسأله، وبين أن كل شيء يرجع إلى علمه وإلى تقديره، وإلى قدرته سبحانه وتعالى، قال: (فإنك تعلم ولا أعلم)، يعني: (أستخيرك بعلمك)؛ لأنك تعلم، ولا أعلم، (وأستقدرك بقدرتك)، فإنك تقدر، ولا أقدر، فأنت الذي تعلم السر والعلن، والغيب والشهادة، (وأنت الذي تقدر على كل شيء)، والإنسان لا يعلم إلا ما علمه الله، ولا يقدر إلا على ما أقدره الله عز وجل عليه، والقدر مما اختص الله تعالى بعلمه، فلم يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، والناس لا يعلمون المقدر إلا بأمرين، لا يعلمون الشيء المقدر إلا بأمرين: أحدهما: وقوع الشيء ووجوده، فإذا وقع شيء ووجد، علم أنه مقدر، سواءً كان خيراً أم شراً؛ لأنه لا يقع في الكون إلا ما شاءه الله عز وجل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ما شاء الله لا بد من وجوده، وما لم يشأه فلا سبيل إلى وجوده، فإذا وقع الشيء علمنا أنه مقدر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء)، يعني: إذا فعلت الأسباب واستعنت بالله، وحصل لك شيء خلاف ما تريد، ووقع لك مصيبة أو نكبة، أو غير ذلك مما يلحقك فيه ضرر (فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا)، (فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، يعني هذا الذي وقع قدر الله، وما شاء فعل، المهم أن الإنسان يفعل الأسباب التي توصل إلى الخير، فإن حصلت الغاية التي يريد فذاك فضل من الله، وإن حصل خلافها فلا يلوم، ولا يتذمر، ولا يقول: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، وما يدريك لو أنك فعلت لكان كذا وكذا، هذا علمه عند الله عز وجل، يمكن أن تفعل، ولا يكون؛ لأن الإنسان قد يشاء شيئاً ولا يكون؛ لأن الله ما شاءه، ولا يشاء شيئاً فيكون؛ فما شئت كان، وإن لم أشأ، أي: ما شئت يا الله كان، وإن لم أشأ أنا، وما شئت إن لم تشأ لم يكن، http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[التكوير:29]، (فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب)، ثناء عظيم على الله سبحانه وتعالى، بعد أن سأل ما فيه الخير، فطلب أن يقدره على ما يريد بقدرة الله عز وجل، وسأله من فضله العظيم، وأثنى على الله عز وجل، وبين أن الأمر كله يرجع إليه؛ يرجع إلى علمه، ويرجع إلى قدرته، فقال: (إنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب)، ثم بعد هذا التمهيد، وبعد هذا الثناء على الله عز وجل، وبعد أن سأل هذا السؤال العام، يأتى إلى الشيء الخاص الذي يريده.
ثم يقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، ويسميه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج خير لي، اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر خير لي، اللهم إن كنت تعلم أن هذا المشروع، اللهم إن كنت تعلم أن دخولي في هذه التجارة المعينة، اللهم إن كنت تعلم أن سلوكي هذا المسلك، يعين يسمي حاجته التي يطلب من الله عز وجل الخيرة فيها، (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر)، هذا الأمر لفظ مبهم، والمقصود أنه يسميه؛ لأنه قال في آخره: (ويسمي حاجته)، فبدلاً من أن يقول: هذا الأمر يأتي بالمراد بالأمر، والذي يعنيه بالأمر، فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر الذي هو أمر من الأمور، أو هذا الزواج الذي هو أمر من الأمور، أو دخول في تجارة معينة، أو في وظيفة معينة، فلا يقول الإنسان وهو يدعو: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، وإنما يقول كما قال الرسول في آخر الحديث: (ويسمي حاجته)، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج، هذا السفر، هذه التجارة، هذا كذا، يسميه.
وقوله: [(إن كنت تعلم أنه خيرٌ لي في ديني)]، قدم الدين؛ لأنه الأساس، وهو أهم الأشياء وأعظم الأشياء شأناً وقدراً؛ لأن الإنسان أهم شيء بالنسبة له أن يحصل له الصلاح في دينه؛ لأن صلاحه في دينه يعود نفعه عليه في الدنيا والآخرة، ويستفيد من ذلك في الدنيا والآخرة، (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي)، يعني: في ديني ودنياي؛ لأن المعاش المقصود به الحياة التي يعيش فيها الإنسان، (وعاقبة أمري)، يعني: نهايته، وغايته، وفي بعض الروايات بدلاً عن: (عاقبة أمري) قال: (عاجل أمري وآجله)، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه، خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله.
قوله: [(فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه)]، اقدره لي ليس المقصود أن يقدره له، وأن يجعله في اللوح المحفوظ؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ انتهى، (جف القلم بما أنت لاقٍ)، لا تغيير لما في اللوح المحفوظ، ما قدره الله وكتبه في اللوح المحفوظ، فإنه لا يكون خلافه، http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgمَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الحديد:22]، http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgمَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الحديد:22]، يعني: في اللوح المحفوظ، http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgقُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[التوبة:51]، الذي كتبه الله عز وجل لا بد أن يكون، ولكن المقصود بقوله: (اقدره)، أي: يسره لي، يسر لي السبيل الموصلة إليه، وأقدرني عليه، وأقدرني على فعله وعلى فعل ما يوصل إليه وينتهي إليه.
قوله: [(ويسره لي، ثم بارك لي فيه)]، يعني: بعد ما يحصل له هذا الشيء الطيب، وييسر له هذا الأمر، وهو خير له، يجعل فيه البركة، يعني: بعدما يحصل ويتم يسأل الله عز وجل البركة فيه.
قوله: [(وإن كنت تعلم أن هذا الأمر)]، أي: هذا الزواج أو هذا السفر، (شرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه)، اصرفه عني، يعني: هذا الشر، واصرفني عنه: حل بيني وبينه، واجعلني لا أقدم عليه؛ لأنه لا يقع شيء إلا بخلق الله، وإيجاد الله، وقدرة الله سبحانه وتعالى، (واصرفني عنه)، ثم قال: (واقدر لي الخير)، يعني: إذا سلمتني من هذا الشر، وصرفت عني هذا الشر، لا يكتفي الإنسان عند هذا الحد، وإنما يسأله أن ييسر له ما هو الخير، فيسأله عز وجل أن يجعل بدل هذا الذي صرف عنه، والذي كان أراده، وهو ليس خيراً له أن يقدر له ما هو الخير، (واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، ويسمي حاجته)، ويسمي حاجته هذا يرجع إلى هذا الأمر، فيسمي حاجته فيقول: هذا السفر، هذا الزواج، هذا التجارة، هذا المشروع، هذه الوظيفة، هذا الذي كذا.. إلى آخره، أي عمل من الأعمال التي يستخار الله عز وجل فيها يسميه، ويعينه.
هذا دعاء عظيم مشتمل على طلب وعلى ذكر، وعلى ثناء على الله عز وجل وتعظيم، ونسبة القدرة إليه، والعلم إليه، وأنه علام الغيوب، وأن علمه محيط بكل شيء، وقدرته شاملة لكل شيء، والإنسان يطلب ممن هو عالم بكل شيء وقادر على كل شيء أن ييسر له ما يعلم أنه خير له، وأن يقدره على فعل ما يعلم أنه خير له، وبذلك يحصل ما يريد، وإذا كان هذا الذي يريده، سبق في علم الله أنه شر، وأن به مضرة، فإنه يسأل الله عز وجل أن يصرفه عنه؛ أن يصرف هذا الشر عنه، ويصرفه عن هذا الشر، ويحول بينه وبينه، وأن يعوضه عن هذا الذي أراده مما علم الله أنه شر له، أن ييسر له ما هو الخير، وأن يجعله يرضى بذلك الذي قدره الله عز وجل له من الخير.
وهذا الذي جاء من ذكر الدين والمعاش جاء في قوله عليه الصلاة والسلام، في دعاء عظيم (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً من كل شر)، هذا دعاء عظيم، وهو شامل لخيري الدنيا والآخرة، وشامل للدين والدنيا، (أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً لي من كل شر)، وهو دعاء جاء في حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة الاستخارة

قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي الموال].
هو عبد الرحمن، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن محمد بن المنكدر].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري الذي معنا في الإسناد، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهؤلاء سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم هذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، أربعة أشخاص: قتيبة بن سعيد، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله، وهذا من أعلى ما يكون عند النسائي، وكذلك عند مسلم أعلى ما عنده الرباعيات، وأبو داود أعلى ما عنده الرباعيات، وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، وعند الترمذي حديث واحد ثلاثي، وعند ابن ماجه خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد، وذلك الإسناد ضعيف.

يتبع




الساعة الآن : 07:52 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 243.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 243.34 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.20%)]