ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273185)

ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:29 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (731)
صــ 471 إلى صــ 480





هو كقوله "حال" ، حتى تركه لا يعقل. (1)
15899 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله، عن حميد، عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: إذا حال بينك وبين قلبك، كيف تعمل.
15900 - قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين قلب الكافر، وأن يعمل خيرًا.
* * *
وقال آخرون: معناه: يحول بين المرء وقلبه، أن يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه.
* ذكر من قال ذلك:
15901- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أنه قريب من قلبه، لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسره.
* ذكر من قال ذلك:
15902- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة في قوله: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: هي كقوله: (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، [سورة ق: 16] .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال: إن ذلك
(1)
في المطبوعة: "قال: هي يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل" ، غير ما في المخطوطة كل التغيير، لأنه لم يفهمه، وهذا من أسوأ التصرف وأقبحه وأبعده من الأمانة. وإنما أراد أن "يحول" مضارعًا، بمعنى "حال" ماضيًا، ولذلك قال "حتى تركه لا يعقل" . فانظر أي فساد أدخله الناشر بلا ورع! .

خبرٌ من الله عز وجل أنه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يُدرك به شيئًا من إيمان أو كفر، أو أن يَعِي به شيئًا، أو أن يفهم، إلا بإذنه ومشيئته. وذلك أن "الحول بين الشيء والشيء" ، إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، (1) لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبَه إدراكَه سبيلٌ.
وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك قول من قال: "يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان" ، وقول من قال: "يحول بينه وبين عقله" ، وقول من قال: "يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه" ، لأن الله عز وجل إذا حال بين عبد وقلبه، لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما مُنِع إدراكه به على ما بيَّنتُ.
غير أنه ينبغي أن يقال: إن الله عم بقوله: (ولعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، الخبرَ عن أنه يحول بين العبد وقلبه، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئًا دون شيء، والكلام محتمل كل هذه المعاني، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له.
* * *
وأما قوله: (وأنه إليه تحشرون) ، فإن معناه: واعلموا، أيها المؤمنون، أيضًا، مع العلم بأن الله يحول بين المرء وقلبه: أنّ الله الذي يقدر على قلوبكم، وهو أملك بها منكم، إليه مصيركم ومرجعكم في القيامة، (2) فيوفّيكم جزاء أعمالكم، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، فاتقوه وراقبوه فيما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه، وأن لا تستجيبوا لرسوله إذا دعاكم لما يحييكم، فيوجب ذلك سَخَطَه، وتستحقوا به أليم عذابه حين تحشرون إليه.
* * *
(1)
انظر تفسير "المرء" فيما سلف 2: 446 \ 9: 430.

(2)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص 23، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: "اتقوا" ، أيها المؤمنون= "فتنة" ، يقول: اختبارًا من الله يختبركم، وبلاء يبتليكم (1) = "لا تصيبن" ، هذه الفتنة التي حذرتكموها (2) "الذين ظلموا" ، وهم الذين فعلوا ما ليس لهم فعله، إما إجْرام أصابوها، وذنوب بينهم وبين الله ركبوها. يحذرهم جل ثناؤه أن يركبوا له معصية، أو يأتوا مأثمًا يستحقون بذلك منه عقوبة. (3)
* * *
وقيل: إن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين عُنوا بها.
* ذكر من قال ذلك:
15903- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن إبراهيم قال، حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن الحسن في قوله: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال: نزلت في علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، رحمة الله عليهم.
15904- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال قتادة: قال الزبير بن العوام: لقد نزلت وما نرى أحدًا منا يقع بها. ثم خُلِّفْنا في إصابتنا خاصة. (4)
(1)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف ص: 151، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإصابة" فيما سلف 2: 96، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الخصوص" فيما سلف 2: 471 \ 6: 517.

(4)
في المطبوعة: "ثم خصتنا في إصابتنا خاصة" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو فيها غير منقوط، وظننت أن صواب نقطها ما أثبت. يعني: أنهم بقوا بعد الذين مضوا، فإذا هي في إصابتهم خاصة.

15905 - حدثني المثنى قال، حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة قال، حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن: أن الزبير بن العوام قال: نزلت هذه الآية: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، وما نظننا أهلها، ونحن عُنِينا بها. (1)
15906 -. . . . قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن الصلت بن دينار، عن ابن صبهان قال: سمعت الزبير بن العوام يقول: قرأت هذه الآية زمانًا، وما أرانا من أهلها، فإذا نحن المعنيون بها: (واتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) . (2)
15907- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصه) ، قال: هذه نزلت في أهل بدر خاصة، وأصابتهم يوم الجمل، فاقتتلوا.
15908- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن السدي: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) ، قال: أصحاب الجمل.
15909- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منعم خاصة) ، قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقرُّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمَّهم الله بالعذاب.
(1)
الأثر: 15905 - "زيد بن عوف القطعي" ، "أبو ربيعة" . ولقبه "فهد" ، متكلم فيه، ضعيف، مضى برقم: 5623، 14215، 14218.

(2)
الأثر: 15906 - "الصلت بن دينار الأزدي" "أبو شعيب" ، "المجنون" . متروك لا يحتج بحديثه. مترجم في التهذيب. والكبير 2 / 2 / 305، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 437. وميزان الاعتدال 1: 468.

وابن صهبان "هو" عقبة بن صهبان الحداني الأزدي "تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 113/ 312، ولم أجدهم ذكروا له رواية عن الزبير بن العوام، ولكنه روى عن عثمان، وعياض بن حمار، وعبد الله بن مغفل، وأبي بكرة الثقفي وعائشة."
15910-. . . . قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال: هى أيضًا لكم.
15911- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (واتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منعم خاصة) ، قال: "الفتنة" ، الضلالة.
15912- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المسعودي، عن القاسم قال: قال عبد الله: ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، إن الله يقول: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [سورة الأنفال: 28] ، فليستعذ بالله من مُضِلات الفتن. (1)
15913- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال الزبير: لقد خُوِّفنا بها= يعني قوله: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) .
* * *
واختلف أهل العربية في تأويل ذلك.
فقال بعض نحويي البصرة: (اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا) ، قوله: "لا تصيبن" ، ليس بجواب، ولكنه نهي بعد أمر، ولو كان جوابًا ما دخلت "النون" .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة قوله: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا) ، أمرهم ثم نهاهم. وفيه طرَفٌ من الجزاء، (2) وإن كان نهيًا. قال: ومثله قوله:
(1)
الأثر: 15912 - انظر الأثر التالي رقم: 15934، ونصه: "فمن استعاذ منكم، فليستعذ ..." ، وكأنه الصواب.

(2)
في المطبوعة: "ومنكم ظرف من الجزاء" ، فجاء الناشر بكلام غث لا معنى له وفي المخطوطة: "ومنه طرف" ، وصواب قراءته ما أثبت، مطابقًا لما في معاني القرآن للفراء.

(يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ) ، [سورة النمل: 18] ، أمرهم ثم نهاهم، وفيه تأويل الجزاء. (1)
وكأن معنى الكلام عنده: اتقوا فتنة، إن لم تتقوها أصابتكم.
* * *
وأما قوله: (واعلموا أن الله شديد العقاب) ، فإنه تحذير من الله، ووعيد لمن واقع الفتنة التي حذره إياها بقوله: (واتقوا فتنة) ، يقول: اعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم شديد عقابه لمن افتُتن بظلم نفسه، وخالف أمره، فأثم به. (2)
* * *
(1)
هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 407.

(2)
انظر تفسير "شديد العقاب" فيما سلف من فهارس اللغة (شدد) ، (عقب) .

القول في تأويل قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) }
قال أبو جعفر: وهذا تذكيرٌ من الله عز وجل أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناصحة. يقول: أطيعوا الله ورسوله، أيها المؤمنون، واستجيبوا له إذا دعاكم لما يحييكم، ولا تخالفوا أمرَه وإن أمركم بما فيه عليكم المشقة والشدة، فإن الله يهوِّنه عليكم بطاعتكم إياه، ويعجِّل لكم منه ما تحبون، كما فعل بكم إذ آمنتم به واتبعتموه وأنتم قليلٌ يستضعفكم الكفار فيفتنونكم عن دينكم، (1) وينالونكم بالمكروه في أنفسكم وأعراضكم، (2) تخافون منهم أن يتخطفوكم فيقتلوكم ويصطلموا
(1)
انظر تفسير "القليل" فيما سلف 1: 329 \ 8: 439، 577 \ 9: 331.

(2)
انظر تفسير "المستضعف" فيما سلف 12: 542 \ 13: 76، 131.

جميعكم (1) = (فآواكم) ، يقول: فجعل لكم مأوى تأوون إليه منهم (2) = (وأيدكم بنصره) ، يقول: وقواكم بنصره عليهم حتى قتلتم منهم من قتلتم ببدر (3) = (ورزقكم من الطيبات) ، يقول: وأطعمكم غنيمتهم حلالا طيبًا (4) = (لعلكم تشكرون) ، يقول: لكي تشكروه على ما رزقكم وأنعم به عليكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم. (5)
* * *
واختلف أهل التأويل في "الناس" الذين عنوا بقوله: (أن يتخطفكم الناس) .
فقال بعضهم: كفار قريش.
* ذكر من قال ذلك.
15914- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس) ، قال: يعني بمكة، مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من قريش وحلفائها ومواليها قبل الهجرة.
15915- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي= أو قتادة أو كلاهما (6) = (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون) أنها نزلت في يوم بدر، كانوا يومئذ يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم الله وأيدهم بنصره.
(1)
انظر تفسير "الخطف" فيما سلف 1: 357.

(2)
وانظر تفسير "المأوى" فيما سلف ص: 441، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "أيد" فيما سلف 2: 319، 320 \ 5: 379 \ 6: 242 \ 11: 213، 214.

(4)
انظر تفسير "الرزق" فيما سلف من فهارس اللغة (رزق) .

= و "الطيبات" فيما سلف منها (طيب) .
(5)
في المطبوعة: "لكي تشكروا" ، وفي المخطوطة: "لكي تشكرون" ، ورجحت ما أثبت.

(6)
هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "أو كلاهما" ، وهو جائز.

15916- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.
* * *
وقال آخرون: بل عُني به غيرُ قريش.
* ذكر من قال ذلك.
15917- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرني أبي قال، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله عز وجل: (تخافون أن يتخطفكم الناس) ، قال: فارس.
15918-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد: أنه سمع وهب بن منبه يقول، وقرأ: (واذكروا إن أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس) ، و "الناس" إذ ذاك، فارس والروم.
15919-. . . . قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض) ، قال: كان هذا الحي من العرب أذلَّ الناس ذلا وأشقاهُ عيشًا، وأجوعَه بطونًا، (1) وأعراه جلودًا، وأبينَه ضلالا [مكعومين، على رأس حجر، بين الأسدين فارس والروم، ولا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه] . (2) من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات منهم رُدِّي في النار، يوكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشرَّ منهم منزلا (3) حتى جاء الله بالإسلام،
(1)
في المطبوعة: "بطونًا" وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
هذه الجملة بين القوسين لا بد منها، فإن الترجمة أن فارس والروم هما المعنيان بهذا. وقد أثبتها من رواية الطبري قبل، كما سيأتي في التخريج. وإغفال ذكرها في الخبر، يوقع في اللبس والغموض.

(3)
قوله: "أشر منهم منزلا" لم ترد في الخبر الماضي، وكان مكانها: "والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كانوا أصغر حظًا، وأدق فيها شأنًا، منهم" .

فمكن به في البلاد، ووسَّع به في الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس. فبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم منعمٌ يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله تبارك وتعالى. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: "عُني بذلك مشركو قريش" ، لأن المسلمين لم يكونوا يخافون على أنفسهم قبل الهجرة من غيرهم، لأنهم كانوا أدنى الكفار منهم إليهم، وأشدَّهم عليهم يومئذ، مع كثرة عددهم، وقلة عدد المسلمين.
* * *
وأما قوله: (فآواكم) ، فإنه يعني: آواكم المدينة،
وكذلك قوله: (وأيدكم بنصره) ، بالأنصار.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15920- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فآواكم) ، قال: إلى الأنصار بالمدينة= (وأيدكم بنصره) ، وهؤلاء أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم، أيدهم بنصره يوم بدر.
15921- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: (فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات) ، يعني بالمدينة.
(1)
الأثر: 15919 - مضى هذا الخبر بإسناده مطولا فيما سلف رقم: 7591، ومنه اجتلبت الزيادة والتصحيح.

القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله= (لا تخونوا الله) ، وخيانتهم الله ورسوله، كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الإيمانَ في الظاهر والنصيحةَ، وهو يستسرُّ الكفر والغش لهم في الباطن، يدلُّون المشركين على عورتهم، ويخبرونهم بما خفى عنهم من خبرهم. (1)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية، وفي السبب الذي نزلت فيه.
فقال بعضهم: نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرِّ المسلمين.
* ذكر من قال ذلك.
15922- حدثنا القاسم بن بشر بن معروف قال، حدثنا شبابة بن سوار قال، حدثنا محمد بن المُحْرِم قال، لقيت عطاء بن أبي رباح فحدثني قال، حدثني جابر بن عبد الله: أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا! "قال: فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان:" إن محمدًا يريدكم، فخذوا حذركم "! فأنزل الله عز وحل: (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) . (2) "
(1)
انظر تفسير "الخيانة" فيما سلف 9: 190.

(2)
الأثر: 15922 - "القاسم بن بشر بن معروف" ، شيخ الطبري، مضى برقم 10509، 10531.

و "شبابة بن سوار الفزاري" ، ثقة، مضى مرارًا: 37، 6701، 10051، وغيرها.
و "محمد المحرم" ، هو: "محمد بن عمر المحرم" ، وقد ترجم صاحب لسان الميزان لثلاثة: "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير المكي" (ج 5: 216) ، و "محمد بن عمر المحرم" ج (5: 320،) و "محمد المحرم" (ج 5: 439) ، وقال هم واحد، وأن "محمد بن عمر" صوابه: "محمد ابن عمير" منسوبًا إلى جده. و "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي" ، مضى برقم: 7484.
وترجم البخاري في الكبير 1 \ 1 \ 142 "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي المكي" ، عن عطاء، وليس بذاك الثقة. ولم يذكر أنه "محمد المحرم" .
ثم ترجم أيضًا في الكبير 1 \ 1 \ 248 "محمد المحرم" ، عن عطاء والحسن، منكر الحديث. فكأنهما عنده رجلان.
وترجم ابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 300 "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي" ، وضعفه، ولم يذكر أنه "محمد المحرم" .
ثم ترجم "محمد بن عمر المحرم" ، روى عن عطاء، روى عنه شبابة، وقال: "ضعيف الحديث، واهي الحديث" ، ولم يذكر أنه الذي قبله.
وترجم الذهبي في ميزان الاعتدال 3: 77 "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي" ، ويقال له: "محمد المحرم" .
ثم ترجم في الميزان 3: 113 "محمد بن عمر المحرم" عن عطاء، وعنه شبابة، وضعفه، ولم يذكر أنه الذي قبله.
وترجم عبد الغني بن سعيد في والمؤتلف والمختلف: 117، "محمد بن عبيد بن عمير المحرم" ، عن: "عطاء بن أبي رباح" .
والظاهر أن الذي قاله الحافظ في لسان الميزان، من أن هؤلاء جميعًا واحد، هو الصواب إن شاء الله، من أنهم جميعًا رجل واحد.
وكان في المطبوعة: "محمد بن المحرم" ، غير ما كان في المخطوطة بزيادة "بن" بينهما.
وهذا خبر ضعيف جدًا، لضعف "محمد المحرم" ، وهو متروك الحديث. وقد ذكر الخبر ابن كثير في تفسيره 4: 43، 44، ثم قال: "هذا الحديث غريب جدًا، وفي سنده وسياقه نظر" .


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:32 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (732)
صــ 481 إلى صــ 490





وقال آخرون: بل نزلت في أبي لبابة، في الذي كان من أمره وأمر بنى قريظة. (1)
* ذكر من قال ذلك.
15923 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو سفيان، عن معمر، عن الزهري، قوله: "لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" ، قال: نزلت في أبي لبابة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلى حلقه: إنه الذَّبح= قال الزهري: فقال، أبو لبابة: لا والله، لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموتَ
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "في أبي لبابة، الذي كان من أمره" ، والسياق يقتضي زيادة "في" كما أثبتها.

أو يتوب الله عليَّ! فمكث سبعة أيام لا يذوق طعامًا ولا شرابًا حتى خر مغشيًّا عليه، ثم تاب الله عليه. فقيل له: يا أبا لبابة، قد تِيبَ عليك! قال: والله لا أحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يَحُلّني. فجاءه فحله بيده. ثم قال أبو لبابة: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت بها الذنب، وأن أنخلع من مالي! قال: "يجزيك الثلث أن تصدَّق به. (1) "
15924 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله بن أبي قتادة يقول: نزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" في أبي لبابة. (2)
* * *
وقال آخرون: بل نزلت في شأن عثمان رحمة الله عليه.
* ذكر من قال ذلك.
15925 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي (3) قال، حدثنا محمد بن عبيد الله بن عون الثقفي، عن المغيرة بن شعبة قال: نزلت هذه الآية في قتل عثمان رحمة الله عليه: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول" الآية.
* * *
(1)
الأثر: 15923 - خبر أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، حين فعل ذلك يوم بنى قريظة، وعرف أنه خان الله ورسوله، في سيرة ابن هشام 3: 247، 248، وفي غيره. ثم إنه لما عرف ذلك ارتبط في سارية المسجد، وقال: "لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت" .

ورواه الواحدي في أسباب النزول: 175، وروى بعضه مالك في الموطأ: 481.
(2)
الأثر: 15924 - "عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري" . تابعي ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب.

(3)
الأثر: 15925 - "يونس بن الحارث الطائفي الثقفي" ، ضعيف، إلا أنه لا يتهم بالكذب، وقال ابن معين: "كنا نضعفه ضعفًا شديدًا" . وقال أحمد: "أحاديثه مضطربة" .

مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 409، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 237، وضعفه.
و "محمد بن عبيد الله بن سعيد" ، "أبو عون الثقفي" ثقة، مضى برقم: 7595، 13965، 15659.
وكان في المطبوعة: "محمد بن عبد الله بن عون الثقفي" ، ومثله في المخطوطة. إلا أنه قد يقرأ "محمد بن عبيد الله" ، والصواب ما أثبت، لأن يونس بن الحارث الطائفي، يروي عن أبي عون الثقفي، و "أبو عون" اسم جده "سعيد" لا "عون" .
و "أبو عون الثقفي" ، لا أظنه روى عن المغيرة بن شعبة، فالمغيرة مات سنة خمسين، ويقال قبلها. والمذكور في ترجمته أنه يروي عن "عفان بن المغيرة بن شعبة" ، فهذا إسناد منقطع على الأرجح عندي.
وقوله: "نزلت في قتل عثمان" ، يعني أن حكمها يشمل فعل عثمان رضي الله عنه، فإنه قتل خيانة لله ولرسوله، وخيانة للأمانة، إذ نقض القتلة بيعة له في أعناقهم، رحم الله عثمان وغفر له.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله نهى المؤمنين عن خيانته وخيانة رسوله، وخيانة أمانته= وجائز أن تكون نزلت في أبي لبابة= وجائز أن تكون نزلت في غيره، ولا خبر عندنا بأيِّ ذلك كان يجب التسليم له بصحته.
فمعنى الآية وتأويلها ما قدمنا ذكره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15926 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول" قال: نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنع المنافقون.
15927 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط. عن السدي: "لا تخونوا الله والرسول" الآية، قال: كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين.
* * *
واختلفوا في تأويل قوله: "وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" .
فقال بعضهم: لا تخونوا الله والرسول، فإن ذلك خيانة لأمانتكم وهلاك لها.
* ذكر من قال ذلك.
15928 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" ، فإنهم إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم.
15929 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" ، أي لا تظهروا لله من الحق ما يرضى به منكم، ثم تخالفوه في السرِّ إلى غيره، فإن ذلك هلاك لأماناتكم، وخيانة لأنفسكم. (1)
* * *
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل قوله: "وتخونوا أماناتكم" ، في موضع نصب على الصرف (2)
كما قال الشاعر: (3)
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ (4)
ويروى: "وتأتي مثله" . (5)
* * *
وقال آخرون: معناه: لا تخونوا الله والرسول، ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
* ذكر من قال ذلك.
15930 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية،
(1)
الأثر: 15929 - سيرة ابن هشام 2: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15873.

(2)
في المطبوعة: "على الظرف" ، وفي المخطوطة: "على الطرف" ، والصواب ما أثبت. وانظر معنى "الصرف" فيما سلف من فهارس المصطلحات.

وانظر معاني القرآن للفراء 1: 408.
(3)
هو المتوكل الليثي، وينسب لغيره.

(4)
سلف البيت، وتخريجه 1: 569 \ 3: 552.

(5)
يعني على غير النصب.

عن علي، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" ، يقول: "لا تخونوا" : يعني لا تنقصُوها.
* * *
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويلُ: لا تخونوا الله والرسول، ولا تخونوا أماناتكم.
واختلف أهل التأويل في معنى: الأمانة، التي ذكرها الله في قوله: "وتخونوا أماناتكم" .
فقال بعضهم: هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله.
* ذكر من قال ذلك.
15931- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وتخونوا أماناتكم" ، و "الأمانة" : الأعمال التي أمِن الله عليها العباد= يعني: الفريضة. يقول: "لا تخونوا" ، يعني: لا تنقصوها.
15932 - حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله" ، يقول: بترك فرائضه= "والرسول" ، يقول: بترك سننه، وارتكاب معصيته= قال: وقال مرة أخرى: "لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" ، والأمانة: الأعمال، ثم ذكر نحو حديث المثنى.
* * *
وقال آخرون: معنى "الأمانات" ، ههنا، الدِّين.
* ذكر من قال ذلك.
15933 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وتخونوا أماناتكم" دينكم= "وأنتم تعلمون" ، قال: قد فعل ذلك
المنافقون، وهم يعلمون أنهم كفار، يظهرون الإيمان. وقرأ: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [سورة النساء: 142] . قال: هؤلاء المنافقون، أمنهم الله ورسوله على دينه، فخانوا، أظهروا الإيمان وأسرُّوا الكفر.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذن: يا أيها الذين آمنوا، لا تنقصوا الله حقوقه عليكم من فرائضه، ولا رسوله من واجب طاعته عليكم، ولكن أطيعوهما فيما أمراكم به ونهياكم عنه، لا تنقصوهما= "وتخونوا أماناتكم" ، وتنقصوا أديانكم، وواجب أعمالكم، ولازمَها لكم= "وأنتم تعلمون" ، أنها لازمة عليكم، وواجبة بالحجج التي قد ثبتت لله عليكم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين: واعلموا، أيها المؤمنون، أنما أموالكم التي خوَّلكموها الله، وأولادكم التي وهبها الله لكم، اختبارٌ وبلاء، أعطاكموها ليختبركم بها ويبتليكم، لينظر كيف أنتم عاملون من أداء حق الله عليكم فيها، والانتهاء إلى أمره ونهيه فيها. (1) = "وأن الله عنده أجر عظيم" ، يقول: واعلموا أن الله عنده خيرٌ وثواب عظيم، على طاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم، في أمولكم وأولادكم التي اختبركم بها في الدنيا. وأطيعوا الله فيما كلفكم فيها، تنالوا به الجزيل من ثوابه في معادكم. (2)
15934 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا المسعودي،
(1)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف ص: 486، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) .

عن القاسم، عن عبد الرحمن، عن ابن مسعود، في قوله: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ، قال: ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مُضِلات الفتن. (1)
15935 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ، قال: "فتنة" ، الاختبار، اختبارُهم. وقرأ: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [سورة الأنبياء: 35] .
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، إن تتقوا الله بطاعته وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، وترك خيانته وخيانة رسوله وخيانة أماناتكم= يجعل لكم فرقانًا "، يقول: يجعل لكم فصلا وفرْقا بين حقكم وباطل من يبغيكم السوء من أعدائكم المشركين، بنصره إياكم عليهم، وإعطائكم الظفر بهم = (2) " ويكفر عنكم سيئاتكم "، يقول: ويمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بينكم وبينه = (3) " ويغفر لكم "، يقول: ويغطيها فيسترها عليكم، فلا يؤاخذكم بها= (4) " والله ذو الفضل العظيم "، يقول: والله الذي يفعل ذلك بكم، له"
(1)
الأثر: 15934 - انظر الأثر السالف رقم: 15912، والتعليق عليه.

(2)
انظر تفسير "الفرقان" فيما سلف 1: 98، 99 \ 3: 448 \ 6: 162، 163.

(3)
انظر تفسير "التكفير" فيما سلف من فهارس اللغة (كفر) .

= وتفسير "السيئات" فيما سلف من فهارس (سوأ) .
(4)
انظر تفسير "المغفرة" فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) .

الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله. وإنّ فعله جزاءٌ منه لعبده على طاعته إياه، لأنه الموفق عبده لطاعته التي اكتسبها، حتى استحقّ من ربه الجزاء الذي وعدَه عليها. (1)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في العبارة عن تأويل قوله: "يجعل لكم فرقانا" .
فقال بعضهم: مخرجًا.
* * *
وقال بعضهم: نجاة.
* * *
وقال بعضهم: فصلا.
* * *
= وكل ذلك متقارب المعنى، وإن اختلف العبارات عنها، وقد بينت صحة ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
ذكر من قال: معناه: المخرج.
15936 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" قال: مخرجًا.
15937- قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" ، قال: مخرجًا.
15938- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام عن عنبسة، عن جابر، عن مجاهد: "فرقانا" ، مخرجًا.
15939- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد "فرقانا" ، قال: مخرجًا في الدنيا والآخرة.
(1)
انظر تفسير "الفضل" ، فيما سلف فهارس اللغة (فصل) .

(2)
يعني ما سلف 1: 98، 99.

15940- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
15941- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانئ بن سعيد، عن حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فرقانًا" ، قال: "الفرقان" المخرج.
15942 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "فرقانا" ، يقول: مخرجًا.
15943- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد: "فرقانا" ، مخرجًا.
15944- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال، حدثنا زائدة، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
15945 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: "فرقانا" ، قال: مخرجًا.
15946- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، سمعت عبيدا يقول، سمعت الضحاك يقول: "فرقانًا" ، مخرجًا.
15947- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
15948 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد، عن زهير، عن جابر، عن عكرمة، قال: "الفرقان" ، المخرج.
* * *
* ذكر من قال: معناه النجاة.
15949 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن جابر، عن عكرمة: "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" ، قال: نجاة.
15950 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل،
عن رجل، عن عكرمة ومجاهد، في قوله: "يجعل لكم فرقانًا" ، قال عكرمة: المخرج= وقال مجاهد: النجاة.
15951- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يجعل لكم فرقانًا" ، قال: نجاة.
15952 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "يجعل لكم فرقانًا" ، يقول: يجعل لكم نجاة.
15953 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "يجعل لكم فرقانًا" ، أي: نجاة.
* * *
* ذكر من قال فصلا.
15954 - "يا أيها الذين آمنوا إذ تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" ، قال: فرقان يفرق في قلوبهم بين الحق والباطل، حتى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان. (1)
15955 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" ، أي: فصلا بين الحق والباطل، ليظهر به حقكم، ويخفي به باطل من خالفكم. (2)
(1)
الأثر: 15954 - إسناد هذا الخبر ساقط في المخطوطة، جعل مكانه بياضًا نحوًا من سطر ونصف، فجاء ناشر المطبوعة ووصل الكلام دون أن يشير إلى ذلك البياض. وظاهر أنه خبر قائم برأسه، كما وضعته.

(2)
الأثر: 15955 - سيرة ابن هشام 2: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15929. وكان في المطبوعة: "يظهر" بغير لام، وهي في المخطوطة تقرأ هكذا وهكذا، وأثبت نص ما في السيرة، باللام في أولها.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:36 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (733)
صــ 491 إلى صــ 500








و "الفرقان" في كلام العرب، مصدرٌ من قولهم: "فرقت بين الشيء والشيء أفرُق بينهما فَرْقًا وفُرْقانًا. (1) "
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مذكِّرَه نعمه عليه: واذكر، يا محمد، إذ يمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك. (2)
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ليثبتوك" .
فقال بعضهم: معناه ليقيِّدوك.
* ذكر من قال ذلك:
15956- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" ، يعني: ليوثقوك.
15957 - قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ليثبتوك" ، ليوثِقوك.
15958 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" ، الآية، يقول: ليشدُّوك
(1)
انظر ما سلف 1: 98، 99 \ 3: 448 \ 6: 162، 163.

(2)
انظر تفسير "المكر" فيما سلف 12: 95، 97، 579 \ 13: 33

وَثاقًا. وأرادوا بذلك نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بمكة.
15959 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ومقسم قالا قالوا: "أوثقوه بالوثاق" .
15960 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ليثبتوك" ، قال: الإثبات، هو الحبس والوَثَاق.
* * *
وقال آخرون: بل معناه الحبس.
* ذكر من قال ذلك.
15961 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، سألت عطاء عن قوله: "ليثبتوك" ، قال: يسجنوك= وقالها عبد الله بن كثير.
15962 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قالوا: "اسجنوه" .
* * *
وقال آخرون: بل معناه: ليسحروك.
* ذكر من قال ذلك.
15963 - حدثني محمد بن إسماعيل البصري المعروف بالوساوسي قال، حدثنا عبد المجيد بن أبي روّاد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن المطلب بن أبي وَداعة: أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأتمر به قومك؟ قال: يريدون أن يسحروني ويقتلوني ويخرجوني! فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: ربي! قال: نعم الرب ربك، فاستوص به خيرًا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أستوصي به! بل هو يستوصي بي خيرًا "! فنزلت:" وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك "، الآية. (1) "
(1)
الأثر: 15963 - "محمد بن إسماعيل البصري" ، المعروف ب "الوساوسي" شيخ الطبري، لم أجد النص على أنه "الوساوسي" ، والذي يروى عنه أبو جعفر في تاريخه، في مواضع "محمد بن إسماعيل الضراري" ، وهو "محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الرازي" ، صدوق. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 190، وذكر في التهذيب أن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري، روى عنه، ولم يذكر أنه يعرف بالوساوسي.

وترجم ابن أبي حاتم لأخيه: "أحمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الرازي" ، 1 \ 1 \ 41، فوجدت في لباب الأنساب 2: 273: "الوساوسي، عرف بها" أحمد بن إسماعيل الوساوسي البصري "، فدل هذا على ترجيح أن يكون" محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار " يقال له "الوساوسي" أيضًا."
و "عبد المجيد بن أبي رواد" ، هو "عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي" ، روى عن ابن جريح وغيره. وثقه أحمد وابن معين. وغيرهما. وضعفه أبو حاتم وابن سعد. ومنهم من قال هو ثبت في حديثه عن ابن جريج، ومنهم من قال: روى عن ابن جريج أحاديث لا يتابع عليها. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 64.
"وعبيد بن عمير بن قتادة الليثي" ثقة، مضى برقم: 9180، 9181، 9189، 15621.
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عبيد بن عمير بن المطلب بن أبي وداعة" ، وهو خطأ لا شك فيه.
و "المطلب بن أبي وداعة السهمي القرشي" ، له صحبة - مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 7، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 385، ولم يذكر لعبيد بن عمير رواية عنه.
وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 4: 46، 47، وقال: "وذكر أبي طالب في هذا، غريب جدًا، بل منكر لأن هذه الآية مدنية. ثم إن هذه القصة، واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل، إنما كانت ليلة الهجرة سواء. وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين، لما تمكنوا منه واجترأوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه" .
فلو صح ما قاله ابن كثير، كان هذا الخبر من الأخبار التي دعتهم إلى أن يقولوا في "عبد المجيد ابن أبي رواد" أنه روى عن ابن جريج أحاديث لا يتابع عليها. ومع ذلك فإن حجاجًا قد روى عنه مثل رواية عبد المجيد. انظر التعليق على الأثر التالي، فإني اذهب مذهبًا غير مذهب ابن كثير في الخبر. وانظر أيضًا رقم: 15976، فإن ابن جريج سيقول: إن هذه الآية مكية، لا مدنية.
15964 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه، قال له أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: نعم! قال: فأخبره، قال: من أخبرك؟ قال: ربي! قال: نعم الرب ربك، استوص به خيرًا! قال: "أنا أستوصي به، أو هو يستوصي بي؟ (1) "
(1)
الأثر: 15964 - انظر التعليق على الأثر السالف. سلف ما قاله ابن كثير في نقد هذا الخبر. والذي دفعه أن يقول ما قال، من انه كان ليلة الهجرة، ما رواه ابن جرير في الأثر الذي يليه، والذي ترجم له بقوله: "وكأن معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه، كما حدثني ..." وساق خبر ائتمارهم به ليلة الهجرة.

ولكن جائز أن يكون الخبران الأولان، في شأن آخر، وليلة أخرى، بل أكاد أقطع أن الخبر الذي رواه ابن جريج، لا علاقة له بأمر الهجرة، وأن ابن كثير تابع للطبري فيما ظنه ظنًا وذلك أن ابن إسحاق وغيره، رووا أن أشراف قريش اجتمعوا يوما في الحجر، فذكروا رسول الله، وزعموا أنهم صبروا منه على أمر عظيم. فبينا هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت، فغمزوه ببعض القول. فعرف الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم. فلما مر بهم الثانية، غمزوه بمثلها، ثم مر الثالثة، ففعلوا فعلتهم، فوقف ثم قال: "أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح" . فاستكانوا ورفأوه بأحسن القول رهبة ورغبة. فلما كان الغد، اجتمعوا في الحجر فقال بعضهم لبعض: "ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه" . فبينا هم كذلك، طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه رجل واحد، وأحاطوا به يقولون: "أنت الذي تقول كذا وكذا؟" ، لما كان من عيب آلهتهم، فيقول: "نعم، أنا الذي أقول ذلك" ، فأخذ بعضهم بمجمع ردائه، فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول: "أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله" ! (سيرة ابن هشام 1: 309، 310) ، وانظر الخبر التالي رقم: 15974، والتعليق عليه.
وكان هذا قبل الهجرة بزمان طويل، في حياة أبي طالب. فكأن هذا الخبر، هو الذي قال عبيد بن عمير في روايته عن المطلب بن أبي وداعة أنه ائتمار قومه به. فإذا صح ذلك، لم يكن لما قال ابن كثير وجه، ولصح هذا الخبر لصحة إسناده.
وكأنّ معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه، كما:-
15965 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس= قال وحدثني الكلبي، عن زاذان مولى أم هانئ، عن ابن عباس: أن نفرًا من قريش من أشراف كل قبيلة، اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، (1) فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال شيخ من نجد، سمعت أنكم اجتمعتم، فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم مني رأيٌ ونصحٌ. (2) قالوا: أجل، ادخل! فدخل معهم، فقال: انظروا إلى شأن هذا الرجل، (3) والله
(1)
في المخطوطة: "في صورة جليل" ، وفوق "جليل" حرف (ط) دليلا على الخطأ، والصواب ما في المطبوعة، مطابقًا لما في سيرة ابن هشام.

(2)
"لن يعدمكم" ، أي: لا يعدوكم ويخطئكم مني رأي ونصح.

(3)
في المطبوعة: "في شأن" ، وأثبت ما في المخطوطة.

ليوشكن أن يُواثبكم في أموركم بأمره. (1) قال: فقال قائل: احبسوه في وَثاق، ثم تربصوا به ريبَ المنون، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء، زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم! قال: فصرخ عدوُّ الله الشيخ النجدي فقال: والله، ما هذا لكم برأي! (2) والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم! قالوا: فانظروا في غير هذا. قال: فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم، وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذَ القلوب ما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم، ثم استعرَض العرب، لتجتمعن عليكم، ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم! قالوا: صدق والله! فانظروا رأيًا غير هذا! قال: فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، ما أرى غيره! قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلامًا وَسيطا شابًّا نَهْدًا، (3) ثم يعطى كل غلام منهم سيفًا صارمًا، ثم يضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل، (4) واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي: هذا والله الرأي، القولُ ما قال الفتى، لا أرى غيره! قال: فتفرقوا على ذلك وهم مُجْمعون له، قال: فأتى جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه تلك الليلة، وأذِن الله له عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة "الأنفال" ، يذكره نعمه عليه، وبلاءه عنده: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ، وأنزل في قولهم: "تربصوا به ريبَ المنون" حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء ": أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، [سورة الطور: 30] . وكان يسمى ذلك اليوم:" يوم الزحمة "للذي اجتمعوا عليه من الرأي. (5) "
15966 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى (6) قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ومقسم، في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" قالا تشاوروا فيه ليلة وهم بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبع فأوثقوه بالوثاق. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل اخرجوه. فلما أصبحوا رأوا عليًّا رحمة الله عليه، فردَّ الله مكرهم.
15967 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عيد الرزاق قال، أخبرني أبي، عن عكرمة قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار، أمر عليَّ بن أبي طالب، فنام في مضجعه، فبات المشركون يحرسونه، فإذا رأوه نائمًا حسبوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم فتركوه. فلما أصبحوا ثاروا إليه وهم يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هم بعليّ، فقالوا: أين صاحبك؟ قال:
(1)
في المطبوعة: "أن يواتيكم في أموركم" ، وهو لا معنى له، وأثبت ما في المخطوطة، وهي غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت.

(2)
في المطبوعة: "رأي" بغير باء، والصواب من المخطوطة.

(3)
"الوسيط" : حسيبًا في قومه، من أكرمهم حسبًا ونسبًا ومجدًا. وكان في المطبوعة "وسطا ً" ، والصواب ما في المخطوطة. و "غلام نهد" : كريم، ينهض إلى معالي الأمور. واصل "النهد" : المرتفع.

(4)
"العقل" ، الدية.

(5)
الأثر: 15965 - سيرة ابن هشام 2: 124 - 128، وإسناد هناك "قال ابن إسحاق، فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما" ، ثم ساق الخبر بغير هذا اللفظ.

ومما اعترض به على هذا الخبر أن آية "سورة الطور" ، آية مكية، نزلت قبل الهجرة بزمان، وسياق ابن إسحاق للآية بعد الخبر، يوهم أنها نزلت ليلة الهجرة، أو بعد الهجرة، وهذا لا يكاد يصح.
(6)
سقط من المطبوعة: "محمد" وكتب "بن عبد الأعلى" ، وهي ثابتة في المخطوطة.

لا أدري! قال: فركبوا الصعب والذَّلول في طلبه. (1)
15968 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال، أخبرني عثمان الجزريّ: أن مقسمًا مولى ابن عباس أخبره، عن ابن عباس في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" ، قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق= يريدون النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك، فبات على رحمه الله على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، (2) وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليًّا رحمة الله عليه، ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري! فاقتصُّوا أثره، فلما بلغوا الجبل ومرُّوا بالغار، رأوا على بابه نسج العنكبوت، قالوا: لو دخل ههنا لم يكن نَسْجٌ على بابه! فمكث فيه ثلاثا. (3)
(1)
"الصعب" من الإبل، هو الذي لم يركب قط، لأنه لا ينقاد لراكبه، ونقيضه "الذلول" ، وهو السهل المنقاد. مثل لركوب كل مركب في طلب ما يريده المرء، سهل المركب أو صعب.

(2)
في المخطوطة، سقط من الناسخ "الليلة" ، وزادتها المطبوعة.

(3)
الأثر: 15968 - "عثمان الجزري" ، يقال له: "عثمان المشاهد" . روى عن مقسم، روى عنه معمر، والنعمان بن راشد. قال أبو حاتم: "لا أعلم روى عنه غير معمر، والنعمان" . وسئل عنه أحمد فقال: "روى أحاديث مناكير، زعموا أنه ذهب كتابه" . مترجم في ابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 174.

وكان في المطبوعة: "عثمان الجريري" ، والمخطوطة، كما أثبتها، غير أنه غير منقوط.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده برقم: 3251، وقال أخي: "في إسناده نظر، من أجل عثمان الجزري، كالإسناد 2562" ، وقد استظهر هناك أن "عثمان الجزري" هو "عثمان بن ساج" ، ولكن ما قاله ابن أبي حاتم، يرجح أن "عثمان الجزري" ، غير "عثمان بن ساج" .
وقد وجدت بعد في مجمع الزوائد 7: 27، هذا الخبر، بنحوه ثم قال: "رواه أحمد والطبراني، وفيه" عثمان بن عمرو الجزري "، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح" .
ولا أزال أشك في أن "عثمان الجزري" ، غير "عثمان بن عمرو بن ساج"
15969 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ، قال: اجتمعت مشيخة قريش يتشاورون في النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلمت الأنصار، وفَرِقوا أن يتعالى أمره إذا وجد ملجأ لجأ إليه. (1) فجاء إبليس في صورة رجل من أهل نجد، فدخل معهم في دار الندوة، فلما أنكروه قالوا: من أنت؟ فوالله ما كل قومنا أعلمناهم مجلسنا هذا! قال: أنا رجل من أهل نجد، أسمع من حديثكم وأشير عليكم! فاستحيَوْا، فخلَّوا عنه. فقال بعضهم: خذوا محمدًا إذا اضطجع على فراشه، (2) فاجعلوه في بيت نتربص به ريبَ المنون = و "الريب" ، هو الموت، و "المنون" ، هو الدهر = قال إبليس: بئسما قلت! تجعلونه في بيت، فيأتي أصحابه فيخرجونه، فيكون بينكم قتال! قالوا: صدق الشيخ! قال: أخرجوه من قريتكم! قال إبليس: بئسما قلت! تخرجونه من قريتكم، وقد أفسد سفهاءكم، فيأتي قرية أخرى فيفسد سفهاءهم، فيأتيكم بالخيل والرجال! قالوا: صدق الشيخ! قال أبو جهل= وكان أولاهم بطاعة إبليس=: بل نعمد إلى كل بطن من بطون قريش، فنخرج منهم رجلا فنعطيهم السلاح، فيشدُّون على محمد جميعًا فيضربونه ضربة رجل واحد، فلا يستطيع بنو عبد المطلب أن يقتلوا قريشًا، فليس لهم إلا الدية! قال إبليس: صدق، وهذا الفتى هو أجودكم رأيًا! فقاموا على ذلك. وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فنام على الفراش، وجعلوا عليه العيون. فلما كان في بعض الليل، انطلق هو وأبو بكر إلى الغار، ونام علي بن أبي طالب على الفراش، فذلك حين يقول الله: "ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك" = و "الإثبات" ،: هو الحبس والوثاق= وهو قوله: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ
(1)
"فرقوا" ، خافوا وفزعوا.

(2)
في المطبوعة: "إذا اصطبح على فراشه" ، لا أدري من أين جاء بها! .

مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا [سورة الإسراء: 76] ، يقول: يهلكهم.
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لقيه عمر فقال له: ما فعل القوم؟ وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وكذلك كان يُصنع بالأمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخِّروا بالقتال" .
15970 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ليثبتوك أو يقتلوك" ، قال: كفار قريش، أرادوا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.
15971 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
15972- حدثني ابن وكيع قال: حدثنا هانئ بن سعيد، عن حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه; إلا أنه قال: فعلوا ذلك بمحمد.
15973 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك" ، الآية، هو النبي صلى الله عليه وسلم، مكروا به وهو بمكة.
15974 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" ، إلى آخر الآية، قال: اجتمعوا فتشاوروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقتلوا هذا الرجل. فقال بعضهم: لا يقتله رجل إلا قُتل به! قالوا: خذوه فاسجنوه، واجعلوا عليه حديدًا. قالوا: فلا يدعكم أهل بيته! قالوا: أخرجوه. قالوا: إذًا يستغوي الناس عليكم. (1)
(1)
"يستغوي الناس" ، أي: يدعوهم إلى التجمع. يقال: "تغاووا عليه حتى قتلوه" ، إذا تجمعوا وتعاونوا في الشر. والأجود عندي: "يستعوى" (بالعين المهملة) . يقال: "استعوى فلان جماعة" ، إذا نعق بهم على الفتنة. ويقال: "تعاوى بنو فلان على فلان" و "تغاووا" (بالغين المعجمة) ، إذا تجمعوا عليه. و "استعوى القوم" ، استغاث بهم. وأصله من "العواء" ، عواء الكلب، فتجاوبه كلاب الحي.

قال: وإبليس معهم في صورة رجل من أهل نجد، واجتمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البيت ويستلم، أن يجتمعوا عليه فيغمُّوه ويقتلوه، (1) فإنه لا يدري أهله من قتله، فيرضون بالعقل، فنقتله ونستريح ونعقِله! فلما أن جاء يطوف بالبيت، اجتمعوا عليه فغمُّوه، فأتى أبو بكر فقيل له ذاك، فأتى فلم يجد مدخلا. فلما أن لم يجد مدخلا قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ، [سورة غافر: 28] . قال: ثم فرَّجها الله عنه. فلما أن حطّ الليل، (2) أتاه جبريل عليه السلام فقال، من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وفلان. فقال: لا نحن أعلم بهم منك، (3) يا محمد، هو ناموس ليل! (4) قال: وأخِذ أولئك من مضاجعهم وهم نيام، فأتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقدِّم أحدهم إلى جبريل، فكحَله ثم أرسله، فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كُفِيتَه يا نبي الله!
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "فيعموه" بالعين المهملة، ولها وجه ضعيف عندي، وصوابها بالغين المعجمة. يقال: "غم الشيء يغمه" ، إذا علاه وغطاه وستره حتى لا فرجة فيه، ومنه قول النمر بن تولب، يصف اجتماع المقاتلة العرب في الحرب: زَبَنَتْكَ أَرْكَانُ العَدُوِّ فأَصْبَحتْ ... أَجَأ وَحَيَّة مِنْ قَرَارِ ديارها

وَكأَنَّهَا دَقَرَى، تَخَايَلَ نَبْتُها ... أُنُفٌ يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحَارِهَا
ومنه قيل للغمة "غمة" ، وقيل: "سحاب أغم" ، لا فرجة فيه. وانظر بعد ذلك صفة اجتماعهم عليه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وأن أبا بكر لم يجد مدخلا، وقوله أيضًا: "ثم فرجها الله عنه" . فكل هذا يدل على صواب قراءتها كما أثبتها. وهذه الصفحة من المخطوطة، يكاد أكثرها يكون غير منقوط.
(2)
في المطبوعة: "فلما أن كان الليل" ، غير ما في المخطوطة، وكان فيها "فلما أن حبط" وصواب قراءتها إن شاء الله ما أثبت. و "حط الليل" ، نزل وأطبق.

(3)
في المخطوطة: "فقال: فلان وفلان وفلان، فقال لا. فقال جبريل عليه السلام: نحن أعلم بهم منك ..." ، أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء، والذي في المطبوعة اجتهاد من الناشر، تركه على حاله.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "هو ناموس ليل" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

و "الناموس" دويبة أغبر، كهنة الذرة، تلكع الناس وتلسعهم. وقولهم: "هم ناموس ليل" ، يعني حقارتهم وقلة شأنهم.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:39 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (734)
صــ 501 إلى صــ 510





ثم قدِّم آخر، فنقر فوق رأسه. بعصًا نقرة ثم أرسله، فقال: ما صورته يا جبريل؟ فقال: كُفِيته يا نبي الله! ثم أتي بآخر فنقر في ركبته، فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كفيته! ثم أتي بآخر فسقاه مَذْقة، (1) فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كفيته يا نبي الله! وأتي بالخامس، (2) فلما غدا من بيته، مرّ بنبّال فتعلق مِشْقَص بردائه، (3) فالتوى، فقطع الأكحل من رجله. (4) وأما الذي كحلت عيناه، فأصبح وقد عمي. وأما الذي سقي مَذْقةً، فأصبح وقد استسقى بطنه. وأما الذي نقر فوق رأسه، فأخذته النقبة = و "النقبة" ، قرحة عظيمة (5)
= أخذته في رأسه. وأما الذي طعن في ركبته، فأصبح وقد أقعد. فذلك قول الله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" .
15975 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ، أي: فمكرت لهم بكيدي المتين، حتى خلّصك منهم. (6)
(1)
"المذقة" ، الطائفة من اللبن الممزوج بالماء.

(2)
لم يذكر ما فعل جبريل عليه السلام بالخامس، وإن كان ذكر ما آل إليه أمره، فأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء.

(3)
في المطبوعة "مر" حذف الفاء، وهو صواب، فأثبتها من المخطوطة. و "المشقص" ، نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض.

(4)
"الأكحل" ، عرق الحياة، ويقال له: "نهر البدن" ، وهو عرق في اليد ووسط الذراع، وفي كل عضو منه شعبة، لها اسم على حدة، إذا قطع لم يرقأ الدم.

(5)
في المطبوعة: "النقدة" ، في الموضعين. وأما المخطوطة، فالأولى، يوشك أن يكتبها "النقبة" إلا أنه يزيد في رأس الباء، ثم كتب بعد "النقدة" ولم أجد في القروح ما يقال له: "نقدة" .

و "النقبة" (بضم فسكون) أول بدء الجرب، ترى الرقعة مثل الكف بجنب البعير أو وركه أو بمشفرة، ثم تتمشى فيه تشريه كله، أي تملؤه كله. فلعل هذه هي المرادة هنا.
(6)
الأثر: 15975 - سيرة ابن هشام 1: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15955.

وكان في المطبوعة والمخطوطة: "فمكرت لهم" ، وأثبت ما في سيرة ابن هشام، وهي أجود.
15976 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا" ، قال: هذه مكية= قال: ابن جريج، قال مجاهد: هذه مكية. (1)
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: واذكر، يا محمد، نعمتي عندك، بمكري بمن حاول المكرَ بك من مشركي قومك، بإثباتك أو قتلك أو إخراجك من وطنك، حتى استنقذتك منهم وأهلكتهم، فامض لأمري في حرب من حاربك من المشركين، وتولى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القيم، ولا يَرْعَبَنَّك كثرة عددهم، فإن ربّك خيرُ الماكرين بمن كفر به، وعبد غيره، وخالف أمره ونهيه.
* * *
وقد بينا معنى "المكر" فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (31) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا آياتِ كتاب الله الواضحةَ لمن شرح الله صدره لفهمه (3) =، قالوا جهلا منهم، وعنادًا للحق، وهم يعلمون أنهم كاذبون في قيلهم= "لو نشاء لقلنا مثل هذا" ،
(1)
الأثر: 15976 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 15964. كأنه يعني أن هذه الآية، معنى بها أمر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. والقطع بأن هذه الآية أو اللواتي تليها آيات نزلت بمكة، أمر صعب، لا يكاد المرء يطمئن إلى صوابه، والاعتراض على ذلك له وجوه كثيرة لا محل لذكرها هنا.

(2)
انظر تفسير "المكر" فيما سلف 12: 95، 97، 579 \ 13: 33، 491.

(3)
انظر تفسير "التلاوة" فيما سلف ص: 385، تعليق: 1، والمراجع هناك.

الذي تُلِي علينا= "إن هذا إلا أساطير الأولين" ، يعني: أنهم يقولون: ما هذا القرآن الذي يتلى عليهم إلا أساطير الأولين.
و "الأساطير" جمع "أسطر" ، وهو جمع الجمع، لأن واحد "الأسطر" "سطر" ، ثم يجمع "السطر" ، "أسطر" و "سطور" ، ثم يجمع "الأسطر" "أساطير" و "أساطر" . (1)
وقد كان بعضُ أهل العربية يقول: واحد "الأساطير" ، "أسطورة" .
* * *
وإنما عنى المشركون بقولهم: "إن هذا إلا أساطير الآولين" ، إنْ هذا القرآن الذي تتلوه علينا، يا محمد، إلا ما سطَّره الأولون وكتبوه من أخبار الأمم! كأنهم أضافوه إلى أنه أخذ عن بني آدم، وأنه لم يوحِه الله إليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15977 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: "وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا" ، قال: كان النضر بن الحارث يختلف تاجرًا إلى فارس، فيمرّ بالعِباد وهم يقرأون الإنجيل ويركعون ويسجدون. (2) فجاء مكة، فوجد محمدًا صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه وهو يركع ويسجد، فقال النضر: "قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا!" ، للذي سَمِع من العباد. فنزلت: "وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد"
(1)
انظر تفسير "الأساطير" فيما سلف 11: 308 - 310.

(2)
"العباد" ، قوم من قبائل شتى من بطون العرب، اجتمعوا على النصرانية قبل الإسلام، فأنفوا أن يسموا بالعبيد، فقالوا: "نحن العباد" ، ونزلوا بالحيرة. فنسب إلى "العباد" ، ومنهم عدى بن يزيد العبادي الشاعر.

سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا "، قال: فقص ربُّنا ما كانوا قالوا بمكة، وقص قولهم: إذ قالوا:" اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك "، الآية."
15978 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان النضر بن الحارث بن علقمة، أخو بني عبد الدار، يختلف إلى الحيرة، فيسمع سَجْع أهلها وكلامهم. فلما قدم مكة، سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن، فقال: "قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إنْ هذا إلا أساطير الأولين" ، يقول: أساجيع أهل الحيرة. (1)
15979 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قتل النبيُّ من يوم بدر صبرًا: عقبةَ بن أبي معيط، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث. وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله، قال المقداد: يا رسول الله، أسيري! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول! فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال المقداد: أسيري! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واللهم اغْنِ المقداد من فضلك! "فقال المقداد: هذا الذي أردت! وفيه نزلت هذه الآية:" وإذا تتلى عليهم آياتنا "، الآية."
15980- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرًا: المطعم بن عديّ، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط. قال: فلما أمر بقتل النضر، قال المقداد بن الأسود: أسيري، يا رسول الله! قال: إنه كان يقول في كتاب الله وفي رسوله ما كان يقول! قال: فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغْن المقداد من فضلك! وكان المقداد أسر النضر. (2) "
(1)
"الأساجيع" جمع "أسجوعة" ، ما سجع به الكاهن وغيره. وانظر ما سلف رقم: 13157.

(2)
الأثر: 15980 - هكذا جاء في رواية هذا الخبر "المطعم بن عدي" ، مكان "طعيمة بن عدى" ، وكأنه ليس خطأ من الناسخ، لأن ابن كثير في تفسيره 4: 51، قال: "وهكذا رواه هشيم، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير أنه قال: المطعم بن عدي، بدل طعيمة. وهو غلط، لأن المطعم بن عدي لم يكن حيًا يوم بدر، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لو كان المطعم بن عدي حيًا، ثم سألني في هؤلاء النتنى، لوهبتهم له! يعني الأسارى، لأنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رجع من الطائف" . وانظر التعليق على رقم: 15981.

القول في تأويل قوله: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكر، يا محمد، أيضًا ما حلّ بمن قال: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" ، إذ مكرت بهم، فأتيتهم بعذاب أليم= (1) وكان ذلك العذاب، قتلُهم بالسيف يوم بدر.
* * *
وهذه الآية أيضًا ذكر أنها نزلت في النضر بن الحارث.
* ذكر من قال ذلك.
15981 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" ، قال: نزلت في النضر بن الحارث. (2)
15982 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "مكرت لهم" ، وليست بشيء.

(2)
الأثر: 15981 - "أبو بشر" ، هو "جعفر بن إياس" ، "جعفر بن أبي وحشية" ، مضى مرارًا كثيرة. وكان في تعليق ابن كثير، الذي نقلته في التعليق على الخبر السالف "جعفر بن أبي دحية" ، وهو خطأ محض.

عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "إن كان هذا هو الحق من عندك" ، قال: قول النضر بن الحارث= (1) أو: ابن الحارث بن كَلَدة.
15983- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" ، قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة، من بني عبد الدار.
15984-قال، أخبرنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "إن كان هذا هو الحق من عندك" ، قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة.
15985 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء قال: قال رجل من بني عبد الدار، يقال له النضر بن كلدة: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" ، فقال الله: (( وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ )) [سورة ص: 16] ، وقال: (( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) [سورة الأنعام: 94] ، وقال: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) [سورة المعارج: 1-2] . قال عطاء: لقد نزل فيه بضعَ عشرة آية من كتاب الله.
15986 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: فقال= يعني النضر بن الحارث =: اللهم إن كان ما يقول محمد هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو
(1)
الأثر: 15982 - في المطبوعة: "النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة" .

والصواب ما في المخطوطة، لأن الاختلاف في نسبة هكذا: "النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار" أو: "النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار" انظر سيرة ابن هشام 2: 320، 321. وقد غير ما في المخطوطة بلا حرج ولا ورع.
ائتنا بعذاب أليم! قال الله: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) .
15987 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد في قوله: "إن كان هذا هو الحق من عندك" الآية، قال: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) .
15988 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" ، الآية قال: قال ذلك سُفَّهُ هذه الأمة وجهلتها، (1) فعاد الله بعائدته ورحمته على سَفَهة هذه الأمة وجهلتها. (2)
15989 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم ذكر غِرَّة قريش واستفتاحهم على أنفسهم، إذ قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" ، أي: ما جاء به محمد= "فأمطر علينا حجارة من السماء" ، كما أمطرتها على قوم لوط = "أو ائتنا بعذاب أليم" ، أي: ببعض ما عذبت به الأمم قبلنا. (3)
* * *
واختلف أهل العربية في وجه دخول "هو" في الكلام.
فقال بعض البصريين: نصب "الحق" ، لأن "هو" والله أعلم، حُوِّلت
(1)
في المطبوعة: "سفهة هذه الأمة" ، غير ما في المخطوطة، طرح الصواب المحض يقال: "سفيه" ، والجمع "سفهاء" "وسفاه" (بكسر السين) و "سفه" ، بضم السين وتشديد الفاء المفتوحة. والذي في كتب اللغة أن "سفاه" و "سفه" ، و "سفائه" جمع "سفيهة" . وسيأتي في المخطوطة بعد قليل "سفهه" ، وكأنها جائزة أيضًا.

(2)
هكذا في المخطوطة أيضًا "سفهة" ، فتركتها على حالها. انظر التعليق السالف. وكأنه إتباع لقوله "جهلة" ، وهذا من خصائص العربية.

(3)
الأثر: 15989 - سيرة ابن هشام 2: 325، وهو تبع الأثر السالف رقم: 15975.

وكان في المطبوعة: "ثم ذكر غيرة قريش" ، وهو لا معنى له، صوابه من المخطوطة وابن هشام. يعني: اغترارهم بأمرهم، وغفلتهم عن الحق.
زائدة في الكلام صلةَ توكيدٍ، كزيادة "ما" ، ولا تزاد إلا في كل فعل لا يستغني عن خبر، وليس هو بصفة، ل "هذا" ، لأنك لو قلت: "رأيت هذا هو" ، لم يكن كلامًا. ولا تكون هذه المضمرة من صفة الظاهرة، ولكنها تكون من صفة المضمرة، نحو قوله: (( وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ )) [سورة الزخرف: 76] و (( خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )) [سورة المزمل: 20] .
لأنك تقول: "وجدته هو وإياي" ، فتكون "هو" صفة. (1)
وقد تكون في هذا المعنى أيضا غير صفة، ولكنها تكون زائدة، كما كان في الأول. وقد تجري في جميع هذا مجرى الاسم، فيرفع ما بعدها، إن كان بعدها ظاهرًا أو مضمرًا في لغة بني تميم، يقولون في قوله: "إن كان هذا هو الحق من عندك" ، "ولكن كانوا هم الظالمون" ، (2) و "تجدوه عند الله هو خيرٌ وأعظم أجرًا" (3) كما تقول: "كانوا آباؤهم الظالمون" ، جعلوا هذا المضمر نحو "هو" و "هما" و "أنت" زائدًا في هذا المكان، ولم تجعل مواضع الصفة، لأنه فصْلٌ أراد أن يبين به أنه ليس ما بعده صفةً لما قبله، ولم يحتج إلى هذا في الموضع الذي لا يكون له خبر.
* * *
وكان بعض الكوفيين يقول: لم تدخل "هو" التي هى عماد في الكلام، (4) إلا لمعنى صحيح. وقال: كأنه قال: "زيد قائم" ، فقلت أنت: "بل عمرو هو القائم" ف "هو" لمعهود الاسم، و "الألف واللام" لمعهود الفعل، (5) [ "والألف واللام" ] التي هي صلة في الكلام، (6) مخالفة لمعنى "هو" ، لأن دخولها وخروجها واحد
(1)
"الصفة" ، هو "ضمير الفصل" ، وانظر التعليق التالي رقم: 4.

(2)
في المطبوعة: "هم الظالمين" ، خالف المخطوطة وأساء.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "هو خيرًا" ، ولا شاهد فيه، وصوابه ما أثبت.

(4)
"العماد" ، اصطلاح الكوفيين، والبصريون يقولون: "ضمير الفصل" ، ويقال له أيضًا: "دعامة" و "صفة" . انظر ما سلف 2: 312، تعليق 2، ثم ص 313، 374 \ ثم 7: 429، تعليق: 2.

(5)
"الفعل" ، يعني الخبر.

(6)
ما بين القوسين، مكانه بياض في المخطوطة، ولكن ناشر المطبوعة ضم الكلام بعضه إلى بعض. وأثبت ما بين القوسين استظهارًا، وكأنه الصواب إن شاء الله. وقوله: "صلة" ، أي: زيادة، انظر تفسير ذلك فيما سلف 1: 190، 405، 406، 548 \ 4: 282 \ 5: 460، 462 \ 7: 340، 341.

في الكلام. وليست كذلك "هو" . وأما التي تدخل صلة في الكلام، فتوكيدٌ شبيه بقولهم: "وجدته نفسَه" ، تقول ذلك، وليست بصفة "كالظريف" و "العاقل" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) }
(1)
انظر مبحث ضمير "العماد" في معاني القرآن للفراء 1: 50 - 52، 104، 248، 249، 409، 410.

وما سلف من التفسير 2: 312، 313 \ 7: 429، 430، وغيرها في فهارس مباحث العربية والنحو وغيرهما.
القول في تأويل قوله: {وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: تأويله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، أي: وأنت مقيم بين أظهرهم. قال: وأنزلت هذه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة. قال: ثم خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فاستغفر من بها من المسلمين، فأنزل بعد خروجه عليه، حين استغفر أولئك بها: "وما كان الله معذِّبهم وهم يستغفرون" . قال: ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم، فعذّب الكفار.
* ذكر من قال ذلك.
15990 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله عليه:
"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأنزل الله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" . قال: فكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون= يعني بمكة= فلما خرجوا أنزل الله عليه: "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياء" . قال: فأذن الله له في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
15991 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك، في قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يعني: من بها من المسلمين= "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، يعني مكة، وفيهم الكفار. (1)
15992- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قول الله: "وما كان الله ليعذبهم" ، يعني: أهل مكة= "وما كان الله معذبهم" ، وفيهم المؤمنون، يستغفرون، يُغفر لمن فيهم من المسلمين.
15993- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل الرازي، وأبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: بقية من بقي من المسلمين منهم. فلما خرجوا قال: "وما لهم ألا يعذبهم الله" . (2)
15994 - قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، قال: أهل مكة.
(1)
في المطبوعة: "وفيها الكفار" ، أما المخطوطة فتقرأ: "بغير مكة، وفيهم الكفار" ، ولعل ما في المطبوعة أولى بالإثبات.

(2)
الأثر: 15993 - "إسحاق بن إسماعيل الرازي" هو: "حبويه، أبو يزيد" سلف مرارًا، آخرها رقم: 15311.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:42 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (735)
صــ 511 إلى صــ 520





15995 -وأخبرنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: المؤمنون من أهل مكة= "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" ، قال: المشركون من أهل مكة.
15996-قال: حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" قال: المؤمنون يستغفرون بين ظهرانَيْهم.
15997 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يقول: الذين آمنوا معك يستغفرون بمكة، حتى أخرجك والذين آمنوا معك.
15998 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال: ابن عباس: لم يعذب قريةً حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا معه، ويلحقه بحيث أُمِر= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يعني المؤمنين. ثم أعاد إلى المشركين فقال: "وما لهم ألا يعذبهم الله" .
15999- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، قال: يعني أهل مكة."
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت فيهم، يا محمد، حتى أخرجك من بينهم= "وما كان الله معذبهم" ، وهؤلاء المشركون، يقولون: "يا رب غفرانك!" ، وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول. قالوا: وقوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، في الآخرة.
* ذكر من قال ذلك.
16000 - حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عكرمة، عن أبي زميل، عن ابن عباس: إن المشركين كانوا يطوفون
بالبيت يقولون: "لبيك، لبَّيك، لا شريك لك" ، (1) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قَدْ!" (2) فيقولون: "إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك" ، (3) ويقولون: "غفرانك، غفرانك!" ، فأنزل الله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" . فقال ابن عباس: كان فيهم أمانان: نبيّ الله، والاستغفار. قال: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار= "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون" ، قال: فهذا عذاب الآخرة. قال: وذاك عذاب الدنيا. (4)
16001 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن يزيد بن رومان، ومحمد بن قيس قالا قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا" الآية. فلما أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا: "غفرانك اللهم!" ، فأنزل الله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" إلى قوله: "لا يعلمون" .
16002 - حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كانوا يقولون = يعني المشركين =: والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر، ولا يعذِّب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها! وذلك من قولهم، ورسولُ لله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، يذكر له جَهالتهم وغِرَّتهم واستفتاحهم على أنفسهم، إذ قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" ، كما أمطرتها على قوم لوط. وقال حين نَعى
(1)
في المطبوعة: "لبيك، لا شريك لك لبيك" ، غير ما في المخطوطة.

(2)
"قد، قد" ، أي حسبكم، لا تزيدوا. يقال: "قدك" ، أي حسبك، يراد بها الردع والزجر.

(3)
في المطبوعة، زاد زيادة بلا طائل، كتب: "فيقولون: لا شريك لك، إلا شريك هو لك" .

(4)
الأثر: 16000 - "أبو زميل" هو: "سماك بن الوليد الحنفي اليمامي" ، مضى برقم: 13832، 15734.

عليهم سوء أعمالهم: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، أي: لقولهم: [ "إنا نستغفر ومحمد بين أظهرنا" = "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، وإن كنت بين أظهرهم] ، وإن كانوا يستغفرون كما يقولون (1) = "وهم يصدون عن المسجد الحرام" ، أي: من آمن بالله وعبده، أي: أنت ومن تبعك. (2)
16003 - حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال، حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى قال: إنه كان قبلُ أمانان، قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" قال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة. (3)
16004 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يونس
(1)
كانت هذه الجملة هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "أي بقولهم، وإن كانوا يستغفرون كما قال وهم يصدون ..." ، أسقط من الكلام ما لا بد منه وحرف. فأثبت الصواب بين الأقواس، وفي سائر العبارة، من سيرة ابن هشام.

(2)
الأثر: 16003 - سيرة بن هشام 2: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15989.

(3)
الأثر: 16004 - "الحسن بن الصباح البزار" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 4442، 9857.

وهذا الإسناد قد سقط منه رواة كثيرون، وكان في المخطوطة "بردة" فجعلها الناشر "أبو بردة" ، وأصاب وهو لا يدري.
وهذا الخبر روى مثله مرفوعًا الترمذي في سننه في تفسير هذه السورة، وهذا إسناده: "حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا ابن نمير، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عباد بن يوسف، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال، قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: أنزل الله علي أمانين لأمتي:" وما كان ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة."
ثم قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وإسماعيل بن إبراهيم يضعف في الحديث" .
أما خبر الطبري، فلا شك أنه خبر موقوف على أبي موسى الأشعري.
وكان في المطبوعة: "إنه كان فيكم أمانان" ، غير ما في المخطوطة، وصواب قراءته ما أثبت.
بن أبي إسحاق، عن عامر أبي الخطاب الثوري قال: سمعت أبا العلاء يقول: كان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمَنَتَان: فذهبت إحداهما وبقيت الأخرى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، الآية. (1)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يا محمد، وما كان الله معذب المشركين وهم يستغفرون أي: لو استغفروا. (2) قالوا: ولم يكونوا يستغفرون، فقال جل ثناؤه إذ لم يكونوا يستغفرون: "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" .
* ذكر من قال ذلك.
16005 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: إن القوم لم يكونوا يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون ما عُذِّبوا. وكان بعض أهل العلم يقول: هما أمانان أنزلهما الله: فأما أحدهما فمضى، نبيُّ الله. وأما الآخر فأبقاه الله رحمة بين أظهركم، الاستغفارُ والتوبةُ.
16006 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال الله لرسوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يقول: ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون، ولو استغفروا وأقرُّوا بالذنوب لكانوا مؤمنين، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون؟ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن محمد وعن المسجد الحرام؟
16007 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال يقول: لو استغفروا لم أعذبهم.
(1)
الأثر: 16005 - "عامر، أبي الخطاب الثوري" ، لم أجد له ذكر، وأخشى أن يكون في اسمه تحريف.

(2)
في المخطوطة والمطبوعة: "أن لو استغفروا" ، وكأن الصواب ما أثبت.

وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله ليعذبهم وهم يُسلمون. قالوا: و "استغفارهم" ، كان في هذا الموضع، إسلامَهم.
* ذكر من قال ذلك.
16008 - حدثنا سوّار بن عبد الله قال، حدثنا عبد الملك بن الصباح قال، حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، في قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: سألوا العذاب، فقال: لم يكن ليعذبهم وأنت فيهم، ولم يكن ليعذبهم وهم يدخلون في الإسلام.
16009 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "وأنت فيهم" ، قال: بين أظهرهم= وقوله: "وهم يستغفرون" ، قال: يُسلمون.
16010- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، بين أظهرهم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: وهم يسلمون (1) = "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون" ، قريش، "عن المسجد الحرام" . (2)
16011- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا محمد بن عبيد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، قال: بين أظهرهم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: دخولهم في الإسلام.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام.
(1)
في المخطوطة: "وهم مسلمون" ، والصواب ما في المطبوعة.

(2)
(2) كان في المطبوعة: سياق الآية بلا فصل، وهو قوله: "قريش" ، التي أثبتها من المخطوطة. وكان في المخطوطة: "وهم مسلمون يعذبهم الله" ، بياض بين الكلامين وفي الهامش حرف (ط) دلالة على الخطأ.

* ذكر من قال ذلك.
16012 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يقول: ما كان الله سبحانه يعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم. ثم قال: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يقول: ومنهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان، وهو الاستغفار. ثم قال: "ومالهم ألا يعذبهم الله" ، فعذبهم يوم بدر بالسيف.
* * *
وقال آخرون: بل معناه: وما كان الله معذبهم وهم يصلُّون.
* ذكر من قال ذلك.
16013 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يعني: يصلُّون، يعني بهذا أهل مكة.
16014 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد في قول الله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: يصلون.
16015 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يعني: أهل مكة. يقول: لم أكن لأعذبكم وفيكم محمد. ثم قال: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يعني: يؤمنون ويصلون.
16016 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: وهم يصلون.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب المشركين وهم يستغفرون.
قالوا: ثم نسخ ذلك بقوله: "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" .
* ذكر من قال ذلك.
16017 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في "الأنفال" : "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، فنسختها الآية التي تليها: "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، إلى قوله: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، فقوتلوا بمكة، وأصابهم فيها الجوع والحَصْر.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب، قولُ من قال: تأويله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يا محمد، وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم، لأنّي لا أهلك قرية وفيها نبيها= وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرُّون عليه، فهم للعذاب مستحقون= كما يقال:" ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إليّ"، يراد بذلك: لا أحسن إليك، إذا أسأت إليّ، ولو أسأت إليّ لم أحسن إليك، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إليّ. وكذلك ذلك= ثم قيل: "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" ، بمعنى: وما شأنهم، وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به، (1) وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام؟"
وإنما قلنا: "هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب" ، لأن القوم = أعني مشركي مكة = كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: "اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" فقال الله لنبيه: "ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم، وما كنت لأعذبهم لو استغفروا،"
(1)
انظر تفسير "مالك" فيما سلف 5: 301، 302 \ 9: 7.

وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم، وهم يصدون عن المسجد الحرام؟ ". فأعلمه جل ثناؤه أن الذي استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، (1) وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذابَ في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون. بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر، الدليلُ الواضحُ على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجَّه قوله:" وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، إلى أنه عُنى به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم، وعما الله فاعل بهم. ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضَّى، وعلى ذلك [كُنِي] به عنهم، (2) وأن لا خلاف في تأويله من أهله موجودٌ."
وكذلك أيضًا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" ، الآية، لأن قوله جل ثناؤه: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" خبرٌ، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي.
* * *
(1)
في المطبوعة: "أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم" ، وفي المخطوطة كما أثبته إلا أنه كتب مكان "حائق" "حاق" ، وهو سهو.

(2)
في المطبوعة: "وعلى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف في تأويله" ، وفي المخطوطة، كما أثبته، إلا أنه سقط منه [كني] كما أثبته بين القوسين. وإن كنت أظن في الكلام سقطًا.

هذا وقد ذكر أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 154، هذا الرأي، ثم قال: "جعل الضميرين مختلفين، وهو قول حسن، وإن كان محمد بن جرير قد أنكره، لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر، فيكنى عنهم. وهذا غلط، لأنه قد تقدم ذكر المؤمنين في غير موضع من السورة."
فإن قيل: لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع.
فالجواب: أن في المعنى دليلا على ذكرهم في هذا الموضع. وذلك أن من قال من الكفار: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" ، إنما قال ذلك مستهزئًا ومتعنتًا. ولو قصد الحق لقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له = ولكنه كفر وأنكر أن يكون الله يبعث رسولا بوحي من الله، أي: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأهلك الجماعة من الكفار والمسلمين. فهذا معنى ذكر المسلمين، فيكون المعنى: كيف يهلك الله المسلمين؟ فهذا المعنى: "ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" يعني المؤمنين = "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، يعني الكافرين "."
واختلف أهل العربية في وجه دخول "أن" في قوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله" .
فقال بعض نحويي البصرة: هي زائدة ههنا، وقد عملت كما عملت "لا" وهي زائدة، وجاء في الشعر: (1)
لَوْ لَمْ تَكنْ غَطَفَانُ لا ذُنُوبَ لَهَا إلَيَّ، لامَ ذَوُو أحْسَابِهَا عُمَرَا (2)
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية وقال: لم تدخل "أن" إلا لمعنى صحيح، لأن معنى: "وما لهم" ، ما يمنعهم من أن يعذبوا. قال: فدخلت "أن" لهذا المعنى، وأخرج ب "لا" ، ليعلم أنه بمعنى الجحد، لأن المنع جحد. قال: و "لا" في البيت صحيح معناها، لأن الجحد إذا وقع عليه جحد صار خبرًا. (3)
وقال: ألا ترى إلى قولك: "ما زيد ليس قائما" ، فقد أوجبت القيام؟ قال: وكذلك "لا" في هذا البيت. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين إلا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام، ولم يكونوا أولياء الله= "إن أولياؤه" ، (5) يقول: ما
(1)
هو الفرزدق.

(2)
سلف البيت وتخريجه 5: 302، 303، وروايته هناك: "إذن للام ذود أحسابها" ، وقد فسرته هناك، وزعمت أن "الذنوب" بفتح الذال بمعنى: الحظ والنصيب عن الشرف والحسب والمروءة.

أمَّا رواية البيت كما جاءت هنا، وفي الديوان، توجب أن تكون "الذنوب" جمع "ذنب" .فهذا فرق ما بين الروايتين والمعنيين.
(3)
يعني بقوله: "خبرًا" ، أي: إثباتًا.

(4)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 163 - 166، وما سلف من التفسير 5: 300 - 305.

(5)
انظر تفسير "ولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

أولياء الله= "إلا المتقون" ، يعني: الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. (1)
= "ولكن أكثرهم لا يعلمون" يقول: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن أولياء الله المتقون، بل يحسبون أنهم أولياء الله.
* * *
وبنحو ما قلنا قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16018 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون" ، هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16019 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: "إن أولياؤه إلا المتقون" ، مَن كانوا، وحيث كانوا.
16020- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16021 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون" ، الذين يحرمون حرمته، (2) ويقيمون الصلاة عنده، أي: أنت= يعني النبي صلى الله عليه وسلم= ومن آمن بك= يقول: "ولكن أكثرهم لا يعلمون" . (3)
* * *
(1)
وتفسير "التقوى" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة مكان: "يحرمون حرمنه" ، "يخرجون منه" ، وهذا من عجائب التحريف من طريق الاختصار!! ، والصواب من سيرة ابن هشام.

(3)
الأثر: 16021 - سيرة ابن هشام 2: 325، 326، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16003.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:41 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (736)
صــ 521 إلى صــ 530





القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين إلا يعذبهم الله، وهم يصدون عن المسجد الحرام الذي يصلون لله فيه ويعبدونه، ولم يكونوا لله أولياء، بل أولياؤه الذين يصدونهم عن المسجد الحرام، وهم لا يصلون في المسجد الحرام= "وما كان صلاتهم عند البيت" ، يعني: بيت الله العتيق= "إلا مُكاء" ، وهو الصفير.
يقال منه: "مكا يمكو مَكوًا ومُكاءً" وقد قيل: إن "المكو" : أن يجمع الرجل يديه، ثم يدخلهما في فيه، ثم يصيح. ويقال منه: "مَكت است الدابة مُكاء" ، إذا نفخت بالريح. ويقال: "إنه لا يمكو إلا استٌ مكشوفة" ، ولذلك قيل للاست "المَكْوة" ، سميت بذلك، (1) ومن ذلك قول عنترة:
وَحَلِيلِ غَانِيَةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلا تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الأعْلَمِ (2)
وقول الطِّرِمَّاح:
(1)
وتمام سياقه أن يقول: "سميت بذلك لصفيرها" .

(2)
من معلقته المشهورة الغالية. سيرة بن هشام 2: 326، والمعاني الكبير: 981، واللسان (مكا) وبعد البيت. سَبَقَتْ يَدَايَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... وَرَشَاشِ نَافِذَةٍ كَلَونِ العَنْدَمِ

"الحليل" ، الزوج، و "الغانية" : البارعة الحسن والجمال، استغنت بجمالها عن التجمل. "مجدلا" ، صريعًا على الجدالة، وهي الأرض. و "الفريصة" ، لحمة عند نغض الكتف، في وسط الجنب، عند منبض القلب، وهما فريصتان، وهي التي ترعد عند الفزع، فيقال للفزع: "أرعدت فرائصه" ، وإصابة الفريصة مقتل. و "الأعلم" ، الجمل المشقوق الشفة العليا. خرج إليه هذا القتيل، مدلا بقوته وشبابه، يحفزه أن ينال إعجاب صاحبته الغانية الجميلة به إذا قتل عنترة، فلم يكد حتى عاجله بالطعنة التي وصف ما وصف من اتساعها كشدق البعير الأعلم.
فَنَحَا لأُِولاَها بِطَعْنَةِ مُحْفَظٍ تَمْكُو جَوَانِبُهَا مِنَ الإنْهَارِ (1)
بمعنى: تصوِّت.
وأما "التصدية" ، فإنها التصفيق، يقال منه: "صدَّى يصدِّي تصديةً" ، و "صفَّق" ، و "صفّح" ، بمعنى واحد.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16022 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبى، عن موسى بن قيس، عن حجر بن عنبس: "إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، التصفير= و "التصدية" ، التصفيق. (2)
16023 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، "المكاء" ، التصفير= و "التصدية" ، التصفيق.
16024 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
(1)
ديوانه 149، والمعاني الكبير: 983، وهو بيت من قصيدة مدح بها خالد بن عبد الله القسري، ولكن هذا البيت، مفرد وحده لا صلة له بما قبله، وهي قصيدة ناقصة بلا شك. وشرحه ابن قتيبة فقال: "نحا" انحرف، و "المحفظ" ، المغضب. و "تمكو" ، تصفر، وذلك عند سيلانها. و "الإنهار" ، سعة الطعنة، ومنه قول قيس بن الخطيم، يصف طعنة: طَعَنْتُ ابنَ عَبْدِ الْقَيْسِ طَعْنَةَ ثَائِرٍ ... لَهَا نَفَذٌ لَوْلا الشُّعَاعُ أَضَاءَهَا ... مَلَكْتُ بها كَفِّى فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا

(2)
الأثر: 16022 - "موسى بن قيس الحضرمي" ، "عصفور الجنة" ، مضى برقم: 16022.

و "حجر بن عنبس الحضرمي" ، "أبو العنبس" ، ويقال: "أبو السكن" ، قال ابن معين: "شيخ كوفي ثقة مشهور" ، تابعي، وكان شرب الدم في الجاهلية، شهد مع علي الجمل وصفين مترجم في التهذيب، والكبير 12 \ 68، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 266.
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، يقول: كانت صلاة المشركين عند البيت "مكاء" = يعني الصفير= و "تصدية" ، يقول: التصفيق.
16025 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا فضيل، عن عطية: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: التصفيق والصفير.
16026- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن قرة بن خالد، عن عطية، عن ابن عمر قال: "المكاء" ، التصفيق، و "التصدية" ، الصفير. قال: وأمال ابن عمر خدّه إلى جانب.
16027 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا وكيع، عن قرة بن خالد، عن عطية، عن ابن عمر: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" و "التصدية" ، الصفير والتصفيق.
16028- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، سمعت محمد بن الحسين يحدث، عن قرة بن خالد، عن عطية العوفي، عن ابن عمر قال: "المكاء" ، الصفير، و "التصدية" : التصفيق.
16029 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن عطية، عن ابن عمر في قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال، "المكاء" الصفير، و "التصدية" ، التصفيق= وقال قرة: وحكى لنا عطية فعل ابن عمر، فصفر، وأمال خده، وصفق بيديه.
16030 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول في قول الله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" قال بكر: فجمع لي جعفر كفيه، ثم نفخ فيهما صفيرًا، كما قال له أبو سلمة.
16031 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "المكاء" ، الصفير، و "التصدية" ، التصفيق.
16032- ... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عمر: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: تصفير وتصفيق. (1)
16033- ... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمر، مثله.
16034- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حبويه أبو يزيد، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفّرون ويصفقون، فأنزل الله: (( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ )) [سورة الأعراف: 32] ، فأمروا بالثياب.
16035 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به، يصفرون به ويصفقون، فنزلت: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" .
16036 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "إلا مكاء" ، قال: كانوا ينفخون في أيديهم، و "التصدية" ، التصفيق.
(1)
الأثر: 16032 - "سلمة بن سابور" ، روى عن عطية العوفي، وعبد الوارث مولى. روى عنه أبو نعيم، والفضل بن موسى، وغيرهما. ضعفه ابن معين، وثقه ابن حبان وقال: "كان يحيى القطان يتكلم فيه، ومن المحال أن يلحق بسلمة ما جنت يدا عطية" . أما البخاري فاقتصر على قوله: "كان يحيى يتكلم في عطية" ، كأنه لا يريد استضعافه. مترجم في لسان الميزان 3: 68، والكبير 2 \ 2 \ 84، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 163، وضعفه، وميزان الاعتدال 1: 406، واقتصر فقال: "جرحوه" .

16037- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، إدخال أصابعهم في أفواههم، و "التصدية" التصفيق، يخلِطون بذلك على محمد صلى الله عليه وسلم صلاتَه.
16038 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله= إلا أنه لم يقل: "صلاته" .
16039- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: "المكاء" ، إدخال أصابعهم في أفواههم، و "التصدية" ، التصفيق. قال نفرٌ من بني عبد الدار، كانوا يخلطون بذلك كله على محمد صلاتَه.
16040 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا طلحة بن عمرو، عن سعيد بن جبير: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: من بين الأصابع= قال أحمد: سقط عليَّ حرف، وما أراه إلا الخَذْف (1) = والنفخ والصفير منها، وأراني سعيد بن جبير حيث كانوا يَمْكون من ناحية أبي قُبَيس. (2)
16041- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن سليمان قال، أخبرنا طلحة بن عمرو، عن سعيد بن جبير في قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، كانوا يشبِّكون بين أصابعهم ويصفرون بها، فذلك "المكاء" . قال: وأراني سعيد بن جبير المكان الذي كانوا يمكون فيه نحو أبي قُبَيس.
16042- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب
(1)
"الخذف" رميك بحصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "الخذف" وقال: "إنه يفقأ عينًا، ولا ينكي العدو، ولا يحرز صيدًا" .

(2)
"أبو قبيس" ، اسم الجبل المشرف على بطن مكة.

قال، حدثنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في قوله: "مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" النفخ= وأشار بكفه قِبَل فيه= و "التصدية" ، التصفيق.
16043 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: "المكاء" ، الصفير، و "التصدية" ، التصفيق.
16044 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
16045 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: كنا نُحَدَّث أن "المكاء" ، التصفيق بالأيدي، و "التصدية" ، صياح كانوا يعارضون به القرآن.
16046 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، التصفير، و "التصدية" ، التصفيق.
16047 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، و "المكاء" ، الصفير، على نحو طير أبيض يقال له "المكَّاء" ، يكون بأرض الحجاز، (1) و "التصدية" ، التصفيق.
16048 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، صفير كان أهل الجاهلية يُعلنون به. قال: وقال في "المكاء" ، أيضًا: صفير في أيديهم ولعب.
* * *
(1)
"المكاء" (بضم الميم وتشديد الكاف) ، وجمعه "مكاكي" طائر نحو القنبرة، إلا أن في جناحيه بلقًا. سمى بذلك، لأنه يجمع يديه، ثم يصفر فيهما صفيرًا حسنًا.

وقد قيل في "التصدية" : إنها "الصد عن بيت الله الحرام" . وذلك قول لا وجه له، لأن "التصدية" ، مصدر من قول القائل: "صدّيت تصدية" . وأما "الصدّ" فلا يقال منه: "صدَّيت" ، إنما يقال منه "صدَدْت" ، فإن شدَّدت منها الدال على معنى تكرير الفعل قيل: "صدَّدْتَ تصديدًا" . (1) إلا أن يكون صاحب هذا القول وجَّه "التصدية" إلى أنه من "صَدَّدت" ، ثم قلبت إحدى داليه ياء، كما يقال: "تظنَّيْتُ" من "ظننت" ، وكما قال الراجز: (2)
تَقَضِّيَ البَازِي إذَا البَازِي كَسَرْ (3)
يعني: تقضُّض البازي، فقلب إحدى ضاديه ياء، فيكون ذلك وجهًا يوجَّه إليه.
* ذكر من قال ما ذكرنا في تأويل "التصدية" .
16049 - حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا طلحة بن عمرو، عن سعيد بن جبير: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، صدهم عن بيت الله الحرام.
16050 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن سليمان قال، أخبرنا طلحة بن عمرو، عن سعيد بن جبير: "وتصدية" قال: "التصدية" ، صدّهم الناس عن البيت الحرام.
16051 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وتصدية" ، قال: التصديد، عن سبيل الله، (4) وصدّهم عن الصلاة وعن دين الله.
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "صددت تصدية" ، وهو خطأ ظاهر، صوابه ما أثبت.

(2)
هو العجاج.

(3)
سلف البيت وتخريجه وشرحه 2: 157، وسيأتي في التفسير 30: 135 (بولاق) .

(4)
في المطبوعة: "التصدية" ، وفي المخطوطة توشك أن تقرأ هكذا وهكذا، ورأيت الأرجح أن تكون "التصديد" ، فأثبتها.

16052 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: ما كان صلاتهم التي يزعمون أنها يُدْرَأ بها عنهم= "إلا مكاء وتصدية" ، وذلك ما لا يرضى الله ولا يحبّ، ولا ما افترض عليهم، ولا ما أمرهم به. (1)
* * *
وأما قوله: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، فإنه يعني العذابَ الذي وعدهم به بالسيف يوم بدر. يقول للمشركين الذين قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" الآية، حين أتاهم بما استعجلوه من العذاب= "ذوقوا" ، أي اطعموا، وليس بذوق بفم، ولكنه ذوق بالحسِّ، ووجود طعم ألمه بالقلوب. (2) يقول لهم: فذوقوا العذابَ بما كنتم تجحدون أن الله معذبكم به على جحودكم توحيدَ ربكم، ورسالةَ نبيكم صلى الله عليه وسلم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16053 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، أي: ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل. (3)
16054 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، قال: هؤلاء أهل بدر، يوم عذبهم الله.
16055 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، يعني أهل بدر، عذبهم الله يوم بدر بالقتل والأسر.
* * *
(1)
الأثر: 16052 - سيرة ابن هشام 2: 326، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16021

(2)
انظر تفسير "الذوق" فيما سلف ص 434، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 16053 - سيرة ابن هشام 2: 326، وهو تابع الأثر السالف رقم: 1605.

القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم، (1) فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقوَّوا بها على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، ليصدّوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله، (2) فسينفقون أموالهم في ذلك، ثم تكون نفقتهم تلك عليهم= "حسرة" ، يقول: تصير ندامة عليهم، (3) لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله، لأن الله مُعْلي كلمته، وجاعل كلمة الكفر السفلى، ثم يغلبهم المؤمنون، ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنم، فيعذبون فيها، (4) فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك! أما الحيّ، فحُرِب ماله وذهبَ باطلا في غير دَرَك نفع، ورجع مغلوبًا مقهورًا محروبًا مسلوبًا. (5) وأما الهالك، فقتل وسُلب، وعُجِّل به إلى نار الله يخلُد فيها، نعوذ بالله من غضبه.
وكان الذي تولَّى النفقةَ التي ذكرها الله في هذه الآية فيما ذُكر، أبا سفيان.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الإنفاق" فيما سلف من فهارس اللغة (نفق) .

(2)
انظر تفسير "الصد" فيما سلف 12: 559 تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الحسرة" فيما سلف 3: 295 \ 7: 335 \ 11: 325.

(4)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص: 472 تعليق: 2، والمراجع هناك.

(5)
في المطبوعة: "محزونًا مسلوبًا" ، والسياق يتقضى ما أثبت.

"محروب" ، مسلوب المال.
16056- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير في قوله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم" الآية، "والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" ، قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب. استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة، (1) فقاتل بهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهم الذين يقول فيهم كعب بن مالك:
وَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنَ البَحْرِ وَسْطَه أَحَابِيشُ، مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ (2)
ثَلاثَةُ آلافٍ، ونَحْنُ نَصِيَّةٌ ثَلاثُ مِئِينَ إن كَثُرْنَ، فَأرْبَعُ (3)
16057- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن أبزى: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، قال: نزلت في أبي سفيان، استأجر يوم أحد ألفين ليقاتل بهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، سوى من استجاش من العرب. (4)
(1)
"الأحابيش" ، هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وعضل، والديش، من بني الهون بن خزيمة، والمطلق، والحيا، من خزاعة. وسميت "الأحابش" ، لاجتماعها وانضمامها محالفة قريش، في قتال بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. (انظر المحبر: 246، 267) و (نسب قريش: 9) .

(2)
سيرة ابن هشام 3: 141، طبقات فحول الشعراء: 183، نسب قريش: 9 وغيرها.

ويعني بقوله: "فجئنا إلى موج" ، جيش الكفار يوم أحد، يموج موجه. وكان عدة المشركين بأحد ثلاثة آلاف. و "الحاسر" ، الذي لا درع له، ولا بيضة على رأسه. و "المقنع" ، الدارع الذي ليس لبس سلاحه، ووضع البيضة على رأسه.
(3)
"نصية" ، أي: خيار أشراف، أهل جلد وقتال. يقال: "انتصى الشيء" ، اختار ناصيته، أي أكرم ما فيه. وكان في المطبوعة: "ونحن نظنه" ، وهو خطأ صرف، وهي في المخطوطة، كما كتبتها غير منقوطة.

وهكذا جاء الرواية في المخطوطة: "إن كثرن فأربع" ، كأنه يعني أنهم كانوا ثلاثمئة، فإن كثروا فأربعمئة. وهو لا يصح، لأن عدة المسلمين يوم أحد كانت سبعمئة. فصواب الرواية ما أنشده ابن إسحاق وابن سلام.
"إنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ"
(4)
"استجاش" ، طلب منه الجيش وجمعه على عدوه.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:45 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (737)
صــ 531 إلى صــ 540





16058-قال، أخبرنا أبي عن خطاب بن عثمان العصفري، عن الحكم بن عتيبة: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، قال: نزلت في أبي سفيان. أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية من ذهب، وكانت الأوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالا. (1)
16059 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، الآية، قال: لما قدم أبو سفيان بالعير إلى مكة أشَّبَ الناس ودعاهم إلى القتال، (2) حتى غزا نبيَّ الله من العام المقبل. وكانت بدر في رمضان يوم الجمعة صبيحة سابع عشرة من شهر رمضان. وكانت أحد في شوال يوم السبت لإحدى عشرة خلت منه في العام الرابع.
16060 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال الله فيما كان المشركون، ومنهم أبو سفيان، يستأجرون الرجال يقاتلون محمدًا بهم: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم= "فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة" ، يقول: ندامة يوم القيامة وويلٌ (3) = "ثم يغلبون" .
16061 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ينفقون أموالهم ليصدوا"
(1)
الأثر: 16058 - "خطاب بن عثمان العصفري" ، لم أجد له ترجمة في غير ابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 286، وقال: "خطاب العصفري" روى عن الشعبي، روى عنه وكيع، ومحمد بن ربيعة، وأبو نعيم. سمعت أبي يقول ذلك.

وسألته عنه فقال: "شيخ" . ولم يذكر أن اسم أبيه "عثمان" .
(2)
في المطبوعة: "أنشد الناس" ، وهو لا معنى له. وفي المخطوطة: "أنسب" ، غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. و "التأشيب" ، التحريش بين القوم، و "التأشيب" ، التجميع، يقال: "تأشب به أصحابه" ، أي: اجتمعوا إليه وطافوا به. أراد أنه جمعهم وحرضهم على القتال.

(3)
في المطبوعة: "وويلا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب أيضًا.

عن سبيل الله "، الآية حتى قوله:" أولئك هم الخاسرون "، قال: في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد."
16062- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16063 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، (1) [وغيرهم من علمائنا، كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد. وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من الحديث عن يوم أحد، قالوا: أو من قاله منهم: لما أصيب] يوم بدر من كفار قريش من أصحاب القليب، (2) ورجع فَلُّهم إلى مكة، (3) ورجع أبو سفيان بعِيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، (4) وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية، في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كان له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدًا قد وَتَرَكم وقتل خيارَكم، (5) فأعينونا
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "الحصين بن عبد الرحمن وعمرو بن سعد بن معاذ" ، وهو خطأ، فقد مضى مرارًا مثله. وصوابه من سيرة ابن هشام.

(2)
هذه الزيادة بين القوسين من سيرة ابن هشام، وإنما فعلت ذلك، لأن المطبوعة خالفت المخطوطة لخطأ فيها، فكتب في لمطبوعة: "قالوا: أما أصابت المسلمين يوم بدر ..." ، وكان في المخطوطة: "قالوا: لما أصيبت قريش، أو من قاله منهم، يوم بدر" ، وهو غير مستقيم، فرجح قوله: "أو من قال منهم" ، أن الناسخ قد عجل في نقل بقية الإسناد، وخلط الكلام فاضطرب. فلذلك أثبته بنصه من السيرة.

(3)
"الفل" (بفتح الفاء) : المنهزمون، الراجعون من جيش قد هزم.

(4)
في المطبوعة: "عبد الله بن ربيعة" ، خطأ محض.

(5)
"وتر القوم" ، أدرك فيهم مكروهًا بقتل أو غيره. و "الموتور" الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.

بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأرًا بمن أصيب منا! ففعلوا. قال: ففيهم، كما ذكر عن ابن عباس، (1) أنزل الله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم" إلى قوله: "والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" . (2)
16064 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، إلى قوله: "يحشرون" ، يعني النفرَ الذين مشوا إلى أبي سفيان، وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة، فسألوهم أن يُقَوُّوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، (3) ففعلوا. (4)
16065 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن عطاء بن دينار في قول الله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم" ، الآية، نزلت في أبي سفيان بن حرب. (5)
* * *
وقال بعضهم: عني بذلك المشركون من أهل بدر.
* ذكر من قال ذلك:
16066 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" الآية، قال: هم أهل بدر.
* * *
(1)
الذي في سيرة ابن هشام: "قال ابن إسحاق، ففيهم، كما ذكر لي بعض أهل العلم" ، ولم يسند الكلام إلى ابن عباس.

(2)
الأثر: 16063 - سيرة ابن هشام 3: 64.

(3)
في المطبوعة: "أن يعينوهم" ، وفي سيرة ابن هشام: "يقووهم بها" ، بزيادة.

(4)
الأثر: 16064 سيرة ابن هشام 2: 327، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16053.

(5)
الأثر: 16065 - "سعيد بن أبي أيوب مقلاص المصري" ، مضى مرارًا آخرها رقم: 13178. وكان في المخطوطة: "سعيد بن أيوب" ، وصححه ناشر المطبوعة.

و "عطاء بن دينار الهذلي المصري" ، مضى أيضًا برقم: 160، 13178، بمثل هذا الإسناد.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ما قلنا، وهو أن يقال: إن الله أخبرَ عن الذين كفروا به من مشركي قريش، أنهم ينفقون أموالهم ليصدُّوا عن سبيل الله. لم يخبرنا بأيّ أولئك عَنى، غير أنه عم بالخبر "الذين كفروا" . وجائز أن يكون عَنَى المنفقين أموالهم لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد= وجائز أن يكون عنى المنفقين منهم ذلك ببدر= وجائز أن يكون عنى الفريقين. وإذا كان ذلك كذلك، فالصواب في ذلك أن يعمّ كما عم جل ثناؤه الذين كفروا من قريش.
* * *
القول في تأويل قوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم، وينفقون أموالهم للصدّ عن سبيل الله، إلى جهنم، ليفرق بينهم= وهم أهل الخبث، كما قال وسماهم "الخبيث" = وبين المؤمنين بالله وبرسوله، وهم "الطيبون" ، كما سماهم جل ثناؤه. فميَّز جل ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به وبرسوله جناته، وأنزل أهل الكفر نارَه. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16067 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية،
(1)
انظر تفسير "الخبيث" فيما سلف ص: 165، تعليق: 3، 4، والمراجع هناك.

= وتفسير "الطيب" فيما سلف من فهارس اللغة (طيب) .
عن علي، عن ابن عباس قوله: "ليميز الله الخبيث من الطيب" فميَّز أهل السعادة من أهل الشقاوة.
16068 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم ذكر المشركين، وما يصنع بهم يوم القيامة، فقال: "ليميز الله الخبيث من الطيب" ، يقول: يميز المؤمن من الكاف، فيجعل الخبيث بعضه على بعض.
* * *
ويعني جل ثناؤه بقوله: "فيجعل الخبيث بعضه على بعض" ، فيحمل الكفار بعضهم فوق بعض = "فيركمه جميعا" ، يقول: فيجعلهم ركامًا، وهو أن يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا، كما قال جل ثناؤه في صفة السحاب: (( ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا )) [سورة النور: 43] ، أي مجتمعًا كثيفًا، وكما:-
16069 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "فيركمه جميعًا" ، قال: فيجمعه جميعًا بعضه على بعض.
* * *
وقوله: "فيجعله في جهنم" يقول: فيجعل الخبيث جميعًا في جهنم= فوحَّد الخبر عنهم لتوحيد قوله: "ليميز الله الخبيث" ، ثم قال: "أولئك هم الخاسرون" ، فجمع، ولم يقل: "ذلك هو الخاسر" ، فردَّه إلى أول الخبر.
ويعني ب "أولئك" ، الذين كفروا، وتأويله: هؤلاء الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله "هم الخاسرون" ، ويعني بقوله: "الخاسرون" الذين غُبنت صفقتهم، وخسرت تجارتهم. (1) وذلك أنهم شَرَوْا بأموالهم عذابَ الله في الآخرة، وتعجَّلوا بإنفاقهم إياها فيما أنفقوا من قتال نبيّ الله والمؤمنين به، الخزيَ والذلَّ.
* * *
(1)
انظر تفسير "خسر" فيما سلف 12: 579، تعليق: 2،المراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ (38) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، "للذين كفروا" ، من مشركي قومك= "إن ينتهوا" ، عما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله ورسوله، وقتالك وقتال المؤمنين، فينيبوا إلى الإيمان (1) = يغفر الله لهم ما قد خلا ومضى من ذنوبهم قبل إيمانهم وإنابتهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله بإيمانهم وتوبتهم (2) = "وإن يعودوا" ، يقول: وإن يعد هؤلاء المشركون لقتالك بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم بدر= فقد مضت سنتي في الأولين منهم ببدر، ومن غيرهم من القرون الخالية، (3) إذ طغوا وكذبوا رسلي ولم يقبلوا نصحهم، من إحلال عاجل النِّقَم بهم، فأحلّ بهؤلاء إن عادوا لحربك وقتالك، مثل الذي أحللت بهم. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16070- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "فقد مضت سنة الأولين" ، في قريش يوم بدر، وغيرها من الأمم قبل ذلك.
16071 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
(1)
انظر تفسير "الانتهاء" فيما سلف: 455، تعليق: 1 والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "سلف" فيما سلف 6: 14 \ 8: 138، 150 \ 11: 48.

(3)
انظر تفسير "سنة" فيما سلف 7: 228 \ 8: 209.

(4)
في المطبوعة: "اللذين أحلت بهم" ، وفي المخطوطة سيئة الكتابة، صوابها ما أثبت.

16072 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16073 - حدثني ابن وكيع قال، (1) حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فقد مضت سنة الأولين" ، قال: في قريش وغيرها من الأمم قبل ذلك.
16074 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال في قوله: "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا" لحربك= "فقد مضت سنة الأولين" ، أي: من قُتل منهم يوم بدر. (2)
16075 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإن يعودوا" ، لقتالك= "فقد مضت سنة الأولين" ، من أهل بدر.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: وإن يعد هؤلاء لحربك، فقد رأيتم سنتي فيمن قاتلكم منهم يوم بدر، وأنا عائد بمثلها فيمن حاربكم منهم، فقاتلوهم حتى لا يكون شرك، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض= وهو "الفتنة" (3) = "ويكون الدين"
(1)
في المطبوعة: "حدثنا المثنى قال، حدثنا ابن وكيع ..." ، وهو خطأ ظاهر، وصوابه من المخطوطة.

(2)
الأثر: 16074 - سيرة ابن هشام 2: 327، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16064.

(3)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف: 486، تعليق: 1، والمراجع هناك.

كله لله "، يقول: حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصةً دون غيره. (1) "
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16076 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، يعني: حتى لا يكون شرك.
16077 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن يونس، عن الحسن في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: "الفتنة" ، الشرك.
16078 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، يقول: قاتلوهم حتى لا يكون شرك= "ويكون الدين كله لله" ، حتى يقال: "لا إله إلا الله" ، عليها قاتل نبي الله صلى الله عليه وسلم، وإليها دَعا.
16079 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: حتى لا يكون شرك.
16080 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: حتى لا يكون بلاء.
(1)
وتفسير "الدين" فيما سلف 1: 155، 156 \ 6:273 - 275، وغيرها في فهارس اللغة (دين) .

16081 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" ، أي: لا يفتن مؤمن عن دينه، ويكون التوحيد لله خالصًا ليس فيه شرك، ويُخلع ما دونه من الأنداد. (1)
16082 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: حتى لا يكون كفر= "ويكون الدين كله لله" ، لا يكون مع دينكم كفر.
16083 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان كتبَ إليه يسأله عن أشياء، فكتب إليه عروة: "سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنك كتبت إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وسأخبرك به، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، أن الله أعطاه النبوة، فنعم النبيُّ! ونعم السيد! ونعم العشيرة! فجزاه الله خيرًا، وعرّفنا وجهه في الجنة، وأحيانَا على ملته، وأماتنا عليها، وبعثنا عليها. وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي أنزل عليه، لم يَبْعُدوا منه أوّلَ ما دعاهم إليه، (2) وكادوا"
(1)
الأثر: 16081 - هذا نص ابن هشام في سيرته، من روايته عن ابن إسحاق، فأنا أكاد أقطع أن هذا الخبر ملفق من خبرين:

أولهما هذا الإسناد الأول، سقط نص خبره.
والآخر إسناد أبي جعفر إلى ابن إسحاق، وهو هذا، حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله:.. "، ثم هذا السياق الذي هنا، وهو نص ما في ابن هشام."
انظر سيرة ابن هشام 2: 327، وهو تابع الأثر السالف رقم: 12074.
(2)
في المطبوعة: "لم ينفروا منه" غير ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ.

يسمعون له، (1) حتى ذكر طواغيتهم. وقدم ناس من الطائف من قريش، لهم أموال، أنكر ذلك ناسٌ، واشتدّوا عليه، (2) وكرهوا ما قال، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس فتركوه، (3) إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل. فمكث بذلك ما قدّر الله أن يمكث، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنةً شديدة الزلزال (4) ، فافتتن من افتتن، وعصم الله من شاء منهم. فلما فُعِل ذلك بالمسلمين، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة. وكان بالحبشة ملك صالح يقال له "النجاشي" ، لا يُظلم أحد بأرضه، (5) وكان يُثْنَى عليه مع ذلك [صلاح] ، (6) وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش، يَتْجَرون فيها، ومساكن لتِجَارهم (7) يجدون فيها رَفاغًا من الرزق وأمنًا ومَتْجَرًا حسنًا، (8) فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليها عامتهم لما قُهِروا بمكة، وخاف عليهم الفتن. (9) ومكث هو فلم يبرح. فمكث ذلك سنوات يشتدُّون على من أسلم منهم. (10) ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم ومَنَعتهم. (11) فلما رأوا ذلك، استرخوْا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه. (12) وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل أرض الحبشة، مخافتَها، وفرارًا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال. فلما استُرْخي عنهم، ودخل في الإسلام من دخل منهم، تُحُدِّث باسترخائهم عنهم. (13) فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قد استُرْخِيَ عمن كان منهم بمكة، وأنهم لا يفتنون. فرجعوا إلى مكة، وكادوا يأمنون بها، (14) وجعلوا يزدادون، ويكثرون. وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير، وفشا بالمدينة الإسلام، وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. فلما رأت ذلك قريش ذلك، تذامرَتْ على أن يفتنوهم ويشتدّوا عليهم، (15) فأخذوهم، وحرصوا على أن يفتنوهم، فأصابهم جَهْدٌ شديد. وكانت الفتنة الآخرة. فكانت ثنتين: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة، حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وأذن لهم في الخروج إليها= وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. ثم إنه جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيبًا، (16) رؤوس الذين أسلموا، فوافوه بالحج، فبايعوه بالعقبة، وأعطوه عهودهم على أنّا منك وأنت منا، (17) وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا، فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا. فاشتدت عليهم قريش عند ذلك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة، وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وخرج هو، وهي التي أنزل الله فيها: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" . (18)
16084 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير: أنه كتب إلى الوليد: "أما بعد، فإنك كتبتَ إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وعندي،"
(1)
في المطبوعة: "وكانوا يسمعون" ، غير ما في المخطوطة، وهو مطابق للتاريخ.

(2)
في المطبوعة: "أنكر ذلك عليه ناس" ، زاد "عليه" ، وفي التاريخ: "أنكروا ذلك عليه" ، ليس فيه "ناس" .

(3)
في المطبوعة: "فانعطف عنه" ، غير ما في المخطوطة عبثًا، وهو مطابق لما في التاريخ و "انصفق عنه الناس" ، رجعوا وانصرفوا. و "انصفقوا عليه" : أطبقوا واجتمعوا، أصله من "الصفقة" ، وهو الاجتماع على الشيء. وإنما غير المعنى استعمال الحرف، في الأول "عنه" ، وفي الأخرى "عليه" . وهذا من محاسن العربية.

(4)
في المخطوطة: "شدودة الزلزال" ، وهو سهو من الناسخ.

(5)
في المخطوطة: "لا يظلم بأرضه" ، وصححها لناشر وتصحيحه مطابق لما في التاريخ.

(6)
الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري.

(7)
قوله: "ومساكن لتجارهم" ، ليست في التاريخ، وفي المطبوعة: "لتجارتهم" ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، وابن كثير.

(8)
في المطبوعة: "رتاعًا من الرزق" ، خالف المخطوطة، لأنها غير منقوطة، وهي مطابقة لما في التاريخ. و "الرفاغ" مصدر "رفغ" (بفتح فضم) ، وهو قياس العربية، والذي في المعاجم "رفاغة" . يقال: "إنه لفي رفاغة من العيش" ، و "رفاغية" (على وزن: ثمانية) : سعة من العيش وطيب وخصب. و "عيش رافغ" .

(9)
في المطبوعة والمخطوطة: "وخافوا عليهم الفتن" ، والجيد ما أثبته من التاريخ.

(10)
في التاريخ: "فمكث بذلك سنوات" ، وهي أجود.

(11)
إلى هذا الموضع، انتهي ما رواه أبو جعفر في تاريخه 2: 220، 221، إلا أنه لم يذكر في ختام الجملة "ومنعتهم" .

وقوله: "ومنعتهم" (بفتحات) ، جمع "مانع" ، مثل "كافر" و "كفرة" ، وهم الذين يمنعون من يرديهم بسوء.
وانظر تخريج الخبر في آخر هذا الأثر.
(12)
"الاسترخاء" ، السعة والسهولة. "استرخوا عنهم" ، أرخوا عنهم شدة العذاب والفتنة.

(13)
في المطبوعة: "تحدث بهذا الاسترخاء عنهم" ، وفي المخطوطة هكذا: "تحددوا استرخائهم عنهم" ، وأثبت الصواب من تفسير ابن كثير.

(14)
من أول قوله: "فلما رأوا ذلك استرخوا ..." ، إلى هذا الموضع، لم يذكره أبو جعفر في تاريخه، ثم يروي ما بعده، كما سأبينه بعد في التعليق.

(15)
في المطبوعة والمخطوطة: "توامرت على أن يفتنوهم" ، وأثبت ما في التاريخ. أما ابن كثير في تفسيره فنقل: "توامروا على أن يفتنوهم" . وفي المطبوعة وحدها: "ويشدوا عليهم" ، وأثبت ما في التاريخ وابن كثير.

و "تذامر القوم" ، حرض بعضهم بعضًا وحثه على قتال أو غيره. و "ذمر حزبه تذميرًا" ، شجعه وحثه، مع لوم واستبطاء.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:49 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (738)
صــ 541 إلى صــ 550





(16)
في المطبوعة: "سبعون نفسًا" ، وفي المخطوطة؛ "سبعين نفسًا" ، غير منقوطة، والصواب ما أثبته من تاريخ الطبري، وتفسير ابن كثير.

(17)
في المطبوعة والمخطوطة: "وأعطوه على أنا منك.." ، سقط من الكلام "عهودهم" ، أثبتها من التاريخ، وفي تفسير ابن كثير "وأعطوه عهودهم ومواثيقهم" .

(18)
الأثر: 16083 - "أبان العطار" ، هو "أبان بن يزيد العطار" ، وقد سلف شرح هذا الإسناد: 15719، 15821، وغيرهما إسناد صحيح.

وكتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان قد رواه أبو جعفر مفرقًا في تفسيره، وفي تاريخه، فما رواه في تفسيره آنفًا رقم: 15719، 15821 أما في تاريخه، فقد رواه مفرقًا في مواضع، هذه هي 2: 220، 221، 240، 241، 245، 267 - 269 \ ثم 3: 117، 125، 132، وعسى أن أستطيع أن ألم شتات هذا الكتاب من التفسير والتاريخ، حتى أخرج منه كتاب عروة إلى عبد الملك كاملا، فهو من أوائل الكتب التي كتبت عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الخبر نفسه، مفرق في موضعين من التاريخ 2: 220، 221 كما أشرت إليه في ص: 443 تعليق: 1 \ ثم 2: 240، 241.
ونقله ابن كثير عن هذا الموضع من التفسير في تفسيره 4: 61، 62.
ثم انظر التعليق على الأثر التالي.
بحمد الله، من ذلك علم بكل ما كتبتَ تسألني عنه، وسأخبرك إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم ذكر نحوه. (1)
16085- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس، عن الأعمش، عن مجاهد: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: "يَسَاف" و "نائلة" ، صنمان كانا يعبدان. (2)
* * *
وأما قوله: "فإن انتهوا" ، فإن معناه: فإن انتهوا عن الفتنة، وهي الشرك بالله، وصارُوا إلى الدين الحق معكم (3) = "فإن الله بما يعملون بصير" ، يقول: فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون من ترك الكفر والدخول في دين الإسلام، (4) لأنه يبصركم ويبصر أعمالكم، (5) والأشياء كلها متجلية له، لا تغيب عنه، ولا
(1)
الأثر: 16084 - "عبد الرحمن بن أبي الزناد" ، هو "عبد الرحمن بن عبد الله ابن ذكوان" ، مضى برقم: 1695، 9225، وقال أخي السيد أحمد أنه ثقة، تكلم فيه بعض الأئمة. ثم قال: وقد وثقه الترمذي وصحح عدة من أحاديثه، بل قال في السنن 3: 59: "هو ثقة حافظ" .

وممن ضعف "عبد الرحمن بن أبي الزناد" ابن معين قال: "ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث،ليس بشيء" . وقال أحمد: "مضطرب الحديث" ، وقال ابن المديني "كان عند أصحابنا ضعيفًا" ، وقال ابن المديني: "ما حدث به بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون" . وقال ابن سعد: "كان كثير الحديث، وكان يضعف لروايته عن أبيه" .
وأبوه "عبد الله بن ذكوان" ، أبو الزناد، ثقة، روى له الجماعة.
وقد روى "عبد الرحمن بن أبي الزناد" ، أن الذي كتب إليه عروة، هو "الوليد بن عبد الملك ابن مروان" ، والإسناد السالف أصح واوثق، أنه كتب إلى "عبد الملك بن مروان" ، فأنا أخشى أن يكون هذا الخبر مما اضطربت فيه رواية "ابن أبي الزناد" ، عن أبيه.
(2)
"إساف" (بكسر اللف وفتحها) و "يساف" (بكسر الياء وفتحها) ، واحد. وقد مضى ذلك في الخبر: 10433، والتعليق عليه 9: 208، تعليق: 1.

وكان في المخطوطة هنا: "ساف ونافلة" ، وهو خطأ محض.
(3)
انظر تفسير "الانتهاء" فيما سلف ص: 536، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "بصير" فيما سلف من فهارس اللغة (بصر) .

(5)
في المطبوعة: "يبصركم" ، والصواب من المخطوطة.

يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
* * *
وقد قال بعضهم: معنى ذلك، فإن انتهوا عن القتال.
* * *
قال أبو جعفر: والذي قلنا في ذلك أولى بالصواب، لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال، فإنه كان فرضًا على المؤمنين قتالهم حتى يسلموا.
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن أدبر هؤلاء المشركون عما دعوتموهم إليه، أيها المؤمنون من الإيمان بالله ورسوله، وترك قتالكم على كفرهم، فأبوا إلا الإصرار على الكفر وقتالكم، فقاتلوهم، وأيقنوا أنّ الله معينكم عليهم وناصركم (1) = "نعم المولى" ، هو لكم، يقول: نعم المعين لكم ولأوليائه (2) = "ونعم النصير" ، وهو الناصر. (3)
* * *
16086 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "وإن تولوا" ، عن أمرك إلى ما هم عليه من كفرهم، فإن الله هو مولاكم الذي أعزكم
(1)
انظر تفسير "التولي" فيما سلف (9: 141) تعليق: ... ، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "المولى" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

(3)
انظر تفسير "النصير" فيما سلف 10: 481، تعليق: 5، والمراجع هناك.

ونصركم عليهم يوم بدر، في كثرة عددهم وقلة عددكم= "نعم المولى ونعم النصير" . (1)
* * *
(1)
الأثر: 18086 - سيرة ابن هشام 2: 327، مع اختلاف يسير في سياقه، وهو تابع الأثريين السالفين: 16074، 16081، وانظر التعليق على هذا الأثر الأخير، وما استظهرته هناك.

القول في تأويل قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}
قال أبو جعفر: وهذا تعليم من الله عز وجل المؤمنين قَسْمَ غنائمهم إذا غنموها.
يقول تعالى ذكره: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ما غنمتم من غنيمة.
* * *
واختلف أهل العلم في معنى "الغنيمة" و "الفيء" .
فقال بعضهم: فيهما معنيان، كل واحد منهما غير صاحبه.
* ذكر من قال ذلك:
16087 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح قال: سألت عطاء بن السائب عن هذه الآية: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، وهذه الآية: (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ )) [سورة الحشر: 7] ، قال قلت: ما "الفيء" ، وما "الغنيمة" ؟ قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم، وأخذوهم عنوةً، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو "غنيمة" ، وأما الأرض فهو في سوادنا هذا "فيء" . (1)
* * *
وقال آخرون: "الغنيمة" ، ما أخذ عنوة، و "الفيء" ، ما كان عن صلح.
* ذكر من قال ذلك:
16088 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان الثوري قال:
(1)
في المطبوعة: "فهي في سوادنا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مستقيم.

"الغنيمة" ، ما أصاب المسلمون عنوة بقتال، فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها. و "الفيء" ، ما صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس، هو لمن سمَّى الله.
* * *
وقال آخرون: "الغنيمة" و "الفيء" ، بمعنى واحد. وقالوا: هذه الآية التي في "الأنفال" ، ناسخة قوله: (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ )) الآية، [سورة الحشر: 7] .
* ذكر من قال ذلك:
16089 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) ، قال: كان الفيء في هؤلاء، ثم نسخ ذلك في "سورة الأنفال" ، فقال: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" ، فنسخت هذه ما كان قبلها في "سورة الأنفال" ، (1) وجعل الخمس لمن كان له الفيء في "سورة الحشر" ، وسائر ذلك لمن قاتل عليه. (2)
* * *
وقد بينا فيما مضى "الغنيمة" ، وأنها المال يوصل إليه من مال من خوّل الله مالَه أهلَ دينه، بغلبة عليه وقهرٍ بقتال. (3)
* * *
فأما "الفيء" ، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك، وهو
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "ما كان قبلها في سورة الحشر" ، وسيأتي على الصواب كما أثبته في تفسير "سورة الحشر" 28: 25 (بولاق) ، ويعني بذلك أنها نسخت قوله في أول سورة الأنفال: "يسألونك عن الأنفال" .

(2)
الأثر: 16089 - سيأتي هذا الخبر مطولا في تفسير "سورة الحشر" 28: 25، 26 (بولاق) .

(3)
انظر تفسير "الغنيمة" فيما سلف في تفسير "النفل" ص: 361 - 385.

ما ردّه عليهم منها بصلح، من غير إيجاف خيل ولا ركاب. وقد يجوز أن يسمى ما ردّته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم "فيئًا" ، لأن "الفيء" ، إنما هو مصدر من قول القائل: "فاء الشيء يفيء فيئًا" ، إذا رجع= و "أفاءه الله" ، إذا ردّه. (1)
غير أن الذي ردّ حكم الله فيه من الفيء بحكمه في "سورة الحشر" ، (2) إنما هو ما وصفت صفته من الفيء، دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب، لعلل قد بينتها في كتاب: (كتاب لطيف القول، في أحكام شرائع الدين) ، وسنبينه أيضًا في تفسير "سورة الحشر" ، إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى. (3)
* * *
وأما قول من قال: الآية التي في "سورة الأنفال" ، ناسخةٌ الآيةَ التي في "سورة الحشر" ، فلا معنى له، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي حكم الأخرى. وقد بينا معنى "النسخ" ، وهو نفي حكم قد ثبت بحكمٍ خلافه، في غير موضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (4)
* * *
وأما قوله: "من شيء" ، فإنه مرادٌ به: كل ما وقع عليه اسم "شيء" ، مما خوّله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين، مما وقع فيه القَسْم، حتى الخيط والمِخْيط، (5) كما:-
16090 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا
(1)
انظر تفسير "فاء" فيما سلف 4: 465، 466.

(2)
في المطبوعة: "... الذي ورد حكم الله فيه من الفيء يحكيه في سورة الحشر" ، غير ما في المخطوطة، فأفسد الكلام إفسادًا تامًا.

(3)
انظر ما سيأتي 28: 24 - 27 (بولاق) .

(4)
انظر مقالته في "النسخ" في فهارس النحو والعربية وغيرهما، وفي مواضع فيها مراجع ذلك كله في كتابه هذا.

(5)
"المخيط" ، الإبرة، وهو ما خيط به.

سفيان، عن ليث، عن مجاهد قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" ، قال: المخيط من "الشيء" .
16091- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد بمثله.
16092- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم الفضل قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم قوله: "فأن لله خمسه" ، مفتاحُ كلامٍ، (1) ولله الدنيا والآخرة وما فيهما، وإنما معنى الكلام: فإن للرسول خمسه.
* ذكر من قال ذلك:
16093 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن عن قول الله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" ، قال: هذا مفتاح كلامٍ، لله الدنيا والآخرة.
16094- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمد عن قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، قال: هذا مفتاح كلامٍ، لله الدنيا والآخرة. (2)
(1)
يعني أنه افتتاح بذكر الله تعالى ذكره، وانظر ما سلف 6: 272، تعليق: 5.

(2)
الأثران: 16093، 16094 - "الحسن بن محمد" ، هو "الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب" ، وهو "الحسن بن محمد بن الحنيفة" ، وهو الذي يروي عنه "قيس بن مسلم" ، لا يعني "الحسن البصري" .

وهذا الخبر رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: 14، 326، 330، رقم: 39، 836، 846 وسيأتي مطولا برقم: 16121.
16095- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا، خمَّس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة. ثم قرأ: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" . قال: وقوله: "فأن لله خمسه" ، مفتاح كلام، لله ما في السموات وما في الأرض، فجعل الله سهم الله وسهم الرسول واحدًا. (1)
16096- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: "فأن لله خمسه" ، قال: لله كل شيء.
16097 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، قال: لله كل شيء، وخُمس لله ورسوله، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم.
16098 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل
(1)
الأثر: 16095 - "أحمد بن يونس" ، هو "أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي" ، مضى برقم: 2144، 2362، 5080.

و "أبو شهاب" ، هو "عبد ربه بن نافع الكناني" ، الحناط، ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 42.
و "ورقاء" ، هو "ورقاء بن عمرو اليشكري" ، مضى برقم: 6534.
و "نهشل" ، هو "نهشل بن سعيد بن وردان النيسابوري" ، ليس بثقة، وقال أبو حاتم: "ليس بقوي، متروك الحديث، ضعيف الحديث" ، وقال ابن حبان: "يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب" .
وقال البخاري: "أحاديثه مناكير، قال إسحاق بن إبراهيم: ككان نهشل كذابًا" . مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 115، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 496، وميزان الاعتدال 3: 243.
وانظر الخبر رقم: 16120.
وكان في المطبوعة: "فجعل سهم الله" ، غير ما في المخطوطة وحذف، فأثبت ما في المخطوطة.
عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله والرسول.
16099 - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا أبان، عن الحسن قال: أوصى أبو بكر رحمه الله بالخمس من ماله، وقال: ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه.
16100 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" ، قال: خمس الله وخمس رسوله واحد. كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويضع فيه ما شاء. (1)
16101- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، قال: كل شيء لله، الخمس للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن لبيت الله خمسه وللرسول.
* ذكر من قال ذلك:
16102 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع بن الجراح، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤتَى بالغنيمة، فيقسمها على خمسة، تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة، وهو سهم الله. ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم، فيكون سهم
(1)
في المطبوعة: "ويصنع فيه" ، وأثبت ما في المخطوطة. وقد قرأت في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام، في خبر آخر: "يحمل منه ويعطي، ويضعه حيث شاء، ويصنع به ما شاء" ص 14، 326، رقم: 40، 837.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:52 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (739)
صــ 551 إلى صــ 560





للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
16103- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، إلى آخر الآية، قال: فكان يُجَاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم، فيجعل أربعة بين الناس، ويأخذ سهمًا، ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم، فما قَبَضَ عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سُمِّي لله، ويقول: "لا تجعلوا لله نصيبًا، فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم: سهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. (1) "
* * *
وقال آخرون: ما سُمِّي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فإنما هو مرادٌ به قرابته، وليس لله ولا لرسوله منه شيء.
* ذكر من قال ذلك:
16104 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، فأربعة منها لمن قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة: فربع لله والرسول ولذي القربى = يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم = فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا. والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل. (2)
* * *
(1)
الأثران: 16102، 16013 - رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال، من طريق حجاج، عن أبي جعفر الرازي، بمثل لفظ الأول. كتاب الأموال: 14، 325، رقم 400، 835.

(2)
الأثر: 16104 - رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، بهذا الإسناد نفسه، وبلفظه، في كتاب الأموال ص: 13، 325، رقم: 37، 834، وفي آخره تفسير "ابن السبيل" ، قال: "وهو الضعيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين" .

وانظر ما سيأتي رقم: 16124، 16129.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: قوله: "فأن لله خمسه" ، "افتتاح كلام" ، وذلك لإجماع الحجة على أنّ الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم، ولو كان لله فيه سهم، كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسومًا على ستة أسهم. وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأما على أكثر من ذلك، فما لا نعلم قائلا قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية. وفي إجماع من ذكرت، الدلالةُ الواضحةُ على صحة ما اخترنا.
* * *
فأما من قال: "سهم الرسول لذوي القربى" ، فقد أوجب للرسول سهمًا، وإن كان صلى الله عليه وسلم صرفه إلى ذوي قرابته، فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم، وقد:-
16105 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، الآية، قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة جعلت أخماسًا، فكان خمس لله ولرسوله، ويقسم المسلمون ما بقي. وكان الخمس الذي جُعل لله ولرسوله، لرسوله ولذوي القربى واليتامى وللمساكين وابن السبيل (1) فكان هذا الخمس خمسة أخماس: خمس لله ورسوله، وخمس لذوي القربى. وخمس لليتامى، وخمس للمساكين. وخمس لابن السبيل.
(1)
في المخطوطة خطأ، أسقط "لرسوله" الثانية، والكلام يقتضيها كما في المطبوعة، وعلى هامش المخطوطة حرف "أ" عليها ثلاث نقط، دلالة على موضع السقط.

16106 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت يحيى بن الجزار عن سهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هو خُمْس الخمس. (1)
16107- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، وجرير عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله.
16108 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله.
16109 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فأن لله خمسه" ، قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله والرسول، خمسه يضعه حيث رأى، وخمسه لذوي القربى، وخمسه لليتامى، وخمسة للمساكين، ولابن السبيل خمسه.
* * *
وأما قوله: "ولذي القربى" ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم.
فقال بعضهم: هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.
* ذكر من قال ذلك:
16110 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد قال: كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحلّ لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
16111- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهلُ
(1)
الأثر: 16106 - "موسى بن أبي عائشة المخزومي" ، روى له الجماعة، مضى برقم: 11408.

و "يحيى بن الجزار العرفي" ، ثقة، مضى برقم: 5425.
وكان في المخطوطة: "يحيى الجزار" ، والصواب ما في المطبوعة، ولكنه يأتي في الذي يليه في المخطوطة على الصواب.
ورواه أبو عبيد في الأموال ص: 13، رقم: 34، 35، وص: 324، رقم: 831، 832.
بيته لا يأكلون الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
16112 - حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد قال: قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء، فجعل لهم الخمس مكانَ الصدقة.
16113 - حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا إسماعيل بن أبان قال، حدثنا الصباح بن يحيى المزني، عن السدي، عن أبي الديلم قال، قال علي بن الحسين، رحمة الله عليه، لرجل من أهل الشأم: أما قرأت في "الأنفال" : "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" الآية؟ قال: نعم! قال: فإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم! (1)
16114 - حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد قال: هؤلاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة.
16115 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: أن نَجْدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى، فكتب إليه كتابًا: "نزعم أنا نحن هم، فأبى ذلك علينا قومنا" . (2)
(1)
الأثر: 16113 - "إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي" ، ثقة، صدوق في الرواية، قال البزار: "إنما كان عيبه شدة تشيعه، لا أنه غير عليه في السماع" ، وإما "إسماعيل بن أبان الغنوي" ، فهو كذاب، ومضى إسماعيل الوراق برقم: 14550.

وأمَّا "صباح بن يحيى المزني" ، فهو شيعي أيضُا، متروك، بل متهم، هكذا قال الحافظ ابن حجر والذهبي. وذكره البخاري، فقال: "فيه نظر" ، وقال أبو حاتم: "شيخ" . مترجم في لسان الميزان 3: 160، والكبير 2 \ 2 \ 315، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 442، وميزان الاعتدال 1: 462.
وأمَّا "أبو الديلم" ، فلم أعرف من يكون، وهكذا أثبته من المخطوطة، وهو في لمطبوعة: "عن ابن الديلمي" ، يعني "عبد الله بن فيروز الديلمي" ، التابعي الثقة، ولا أظن أنه يروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وهذا إسناد هالك كما ترى.
(2)
الأثر: 16115 - "نجدة ابن عويمر الحروري" ، من رؤوس الخوارج.

وكتاب ابن عباس إلى نجدة، رواه أبو عبيدة في كتاب الأموال من طرق ص: 332 - 335، رقم: 850 - 852، وانظر ما سيأتي رقم: 16117.
16116- ... قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فأن لله خمسه" ، قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله، وللرسول، خمسه يضعه حيث رأى، وخمسٌ لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، ولابن السبيل خمسه.
* * *
وقال آخرون: بل هم قريش كلها.
* ذكر من قال ذلك:
16117 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرني عبد الله بن نافع، عن أبي معشر، عن سعيد المقبري قال: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى قال: فكتب إليه ابن عباس: "قد كنا نقول: إنّا هم، فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى" . (1)
* * *
وقال آخرون: سهم ذي القربى كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صار من بعده لوليّ الأمر من بعده.
* ذكر من قال ذلك:
16118- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال: كان طُعْمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا، (2) فلما توفي جُعل لوليّ الأمر من بعده.
* * *
وقال آخرون: بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصةً.
(1)
الأثر: 11617 - انظر التعليق السالف، من طريق أبي معشر، رواه أبو عبيد رقم: 850، مطولا، بنحوه.

(2)
"الطعمة" (بضم الطاء) : الرزق والمأكلة، يعني به الفيء.

وممن قال ذلك الشافعي، وكانت علته في ذلك ما:
16119 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: لما قَسَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان بن عفان رحمة الله عليه، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء إخوتك بنو هاشم، لا ننكر فضلهم، لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخواننا بني المطلب، أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد! ثم شبَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إحداهما بالأخرى. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: "سهم ذي القربى، كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب" ، لأنّ حليف القوم منهم، ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين= أعني سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسهم ذي القربى= بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال بعضهم: يُصرفان في معونة الإسلام وأهله.
* ذكر من قال ذلك:
16120 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: جُعل
(1)
الأثر: 16119 - رواه الشافعي في الأم من طرق، منها طريق محمد بن إسحاق، انظر الأم: 4: 71، ورواه أبو داود في سننه 3: 201، رقم: 2980، وأبو عبيد القاسم ابن سلام في الأموال: 331، رقم: 842.

سهم الله وسهم الرسول واحدًا، ولذي القربى، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح. وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، لا يُعْطَى غيرَهم. (1)
16121- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن عن قول الله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى" ، قال: هذا مفتاح كلامٍ، لله الدنيا والآخرة. ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال قائلون: سهم النبي صلى الله عليه وسلم، لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم = وقال قائلون: سهم القرابة لقرابة الخليفة= واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل الله، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
16122 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمد، فذكر نحوه. (2)
16123 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن عبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكُرَاع والسلاح. (3) فقلت لإبراهيم: ما كان علي رضي الله عنه يقول فيه؟ قال: كان عليٌّ أشدَّهم فيه.
16124 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين" الآية، قال ابن عباس: فكانت
(1)
الأثر: 16120 - هذا مطول الأثر السالف ومختصره رقم: 16095، وقد شرحت إسناده هناك.

(2)
الأثران: 16121، 16122 - "الحسن بن محمد بن الحنفية" ، وقد سلف شرح إسناد هذا الخبر، كما سلف مختصرًا برقم: 16093، 16094.

(3)
"الكراع" (بضم الكاف) . اسم يجمع الخيل والسلاح.

الغنيمة تقسم على خمسة أخماس: أربعة بين من قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة: لله وللرسول ولذي القربى= يعني: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم = فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا. فلما قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ردّ أبو بكر رضي الله عنه نصيبَ القرابة في المسلمين، فجعل يحمل به في سبيل الله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقا. (1)
16125- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال: كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تُوُفي، حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله، صدقةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
* * *
وقال آخرون: سهم ذوي القربى من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ولي أمر المسلمين.
* ذكر من قال ذلك:
16126 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عمرو بن ثابت، عن عمران بن ظبيان، عن حُكَيم بن سعد، عن علي رضي الله عنه قال: يعطى كل إنسان نصيبه من الخمس، ويلي الإمام سهم الله ورسوله. (3)
(1)
الأثر: 16124 - مضى قبل صدره برقم: 16104، ومضى تخريجه هناك، وانظر أيضًا من تمامه رقم: 16129.

(2)
الأثر: 16125 - انظر ما سلف رقم: 16118، وما سيأتي 16127.

(3)
الأثر: 16126 - "عمران بن ظبيان الحنفي" ، فيه نظر، كان يميل إلى التشيع، وضعفه العقيلي، وابن عدي، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 300، مضى برقم: 12100.

و "حكيم بن سعد الحنفي" ، "أبو تحيى" ، محله الصدق. مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 1 \ 87، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 286.
و "حكيم" ، بضم الحاء، مصغرًا. و "تحيي" بكسر التاء.
16127 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذوي القربى فقال: كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا، فلما توفي جعل لولي الأمر من بعده. (1)
* * *
وقال آخرون: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس، والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم: على اليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وذلك قول جماعة من أهل العراق.
وقال آخرون: الخمس كله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
16128 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الغفار قال، حدثنا المنهال بن عمرو قال: سألت عبد الله بن محمد بن علي، وعلي بن الحسين عن الخمس فقالا هو لنا. فقلت لعلي: إن الله يقول: "واليتامى والمساكين وابن السبيل" ، فقالا يتامانَا ومساكيننا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردودٌ في الخمس، والخمس مقسوم على أربعة أسهم، على ما روي عن ابن عباس: للقرابة سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم، لأن الله أوجبَ الخمس لأقوام موصوفين بصفات، كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين. وقد أجمعوا أنّ حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم. فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه، إلى غير أهل السهمان الأخَر.
* * *
(1)
الأثر: 16127 - مضى بلفظه، برقم: 16118، وانظر ما سلف: 16125.

وأما "اليتامى" ، فهم أطفال المسلمين الذين قد هلك آباؤهم. (1)
و "المساكين" ، هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين. (2)
و "ابن السبيل" ، المجتاز سفرًا قد انقُطِع به، (3) كما:-
16129 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: الخمس الرابع لابن السبيل، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيقنوا أيها المؤمنون، أنما غنمتم من شيء فمقسوم القسم الذي بينته، وصدِّقوا به إن كنتم أقررتم بوحدانية الله وبما أنزل الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم يوم فَرَق بين الحق والباطل ببدر، (5) فأبان فَلَج المؤمنين وظهورَهم على عدوهم، وذلك "يوم التقى الجمعان" ، جمعُ المؤمنين وجمعُ المشركين، والله على إهلاك أهل الكفر وإذلالهم بأيدي المؤمنين، وعلى غير ذلك مما يشاء = "قدير" ، لا يمتنع عليه شيء أراده. (6)
* * *
(1)
انظر تفسير "اليتامى" فيما سلف 7: 541، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "المساكين" فيما سلف 10: 544، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "ابن السبيل" فيما سلف 8: 346، 347، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وقوله: "انقطع به" بالبناء للمجهول، وهو إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت، أو عطبت راحلته، أو فنى زاده.
(4)
الأثر: 16129 - انظر ما سلف رقم: 16104، 16124، والتعليق عليهما.

(5)
انظر تفسير "الفرقان" فيما سلف ص: 487، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(6)
انظر تفسير "قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر) .



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:56 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (740)
صــ 561 إلى صــ 570





وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16130 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "يوم الفرقان" ، يعني: ب "الفرقان" ، يوم بدر، فرَق الله فيه بين الحق والباطل.
16131 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. (1)
16132 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير= وإسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير= يزيد أحدهما على صاحبه= في قوله: "يوم الفرقان" ، يوم فرق الله بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، وهو أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رأسَ المشركين عُتبةُ بن ربيعة، فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا والمشركون ما بين الألف والتسعمئة. فهزم الله يومئذ المشركين، وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر منهم مثل ذلك.
16132م - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن مقسم: "يوم الفرقان" ، قال: يوم بدر، فرق الله بين الحق والباطل.
16133- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم في قوله: "يوم الفرقان" ، قال: يوم
(1)
الأثر: 16131 - انظر هذا الخبر بنصه فيما سلف رقم: 125.

بدر، فرق الله بين الحق والباطل. (1)
16134 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يوم الفرقان يوم التقى الجمعان" يوم بدر، و "بدر" ، بين المدينة ومكة.
16135 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثني يحيى بن يعقوب أبو طالب، عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عبد الله بن حبيب قال: قال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت ليلة "الفرقان يوم التقى الجمعان" ، لسبع عشرة من شهر رمضان. (2)
16136 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "يوم التقى الجمعان" ، قال ابن جريج، قال ابن كثير: يوم بدر.
16137 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان" ، أي: يوم فرقت بين الحق والباطل بقدرتي، (3) يوم التقى الجمعان منكم ومنهم. (4)
(1)
(1) الأثر: 16133 "عثمان الجزري" ، مضى برقم: 15968، وأنه غير "عثمان ابن عمرو بن ساج" . وأحاديثه مناكير.

(2)
الأثر: 16135 - "يحيى بن يعقوب بن مدرك الأنصاري" ، أبو طالب القاص، مترجم في الكبير 4 \ 2 \ 312، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 198، ولسان الميزان 6: 282، وميزان الاعتدال 3: 306، قال البخاري: "منكر الحديث" ، وقال أبو حاتم: "محله الصدق، لم يرو شيئا منكرًا، وهو ثقة في الحديث، أدخله البخاري في كتاب الضعفاء" ، قال ابن أبي حاتم: "فسمعت أبي يقول: يحول من هناك" .

و "أبو عون" ، "محمد بن عبيد الله الثقفي" ، مضى مرارًا آخرها رقم: 15925، وكان في المطبوعة: "عن ابن عون، عن محمد بن عبد الله الثقفي" ، فأفسد الإسناد كل الإفساد، وكان في المخطوطة: "عن ابن عون، محمد بن عبيد الله الثقفي" ، وهو خطأ هين، صوابه ما أثبت.
(3)
في المطبوعة: "أي: يوم فرق بين الحق والباطل ببدر، أي: يوم التقى الجمعان" ، لعب بما في المخطوطة لعبًا، فأساء وجانب الأمانة. ولم يكن في المخطوطة من خطأ إلا أنه كتب "فرق" مكان "فرقت" . والذي أثبته نص المخطوطة، وسيرة ابن هشام.

(4)
الأثر: 16137 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16086.

16138 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" ، وذاكم يوم بدر، يوم فرق الله بين الحق والباطل.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيقنوا، أيها المؤمنون، واعلموا أن قسم الغنيمة على ما بيَّنه لكم ربكم، إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبده يوم بدر، إذ فرق بين الحق والباطل من نصر رسوله= "إذ أنتم" ، حينئذ، "بالعدوة الدنيا" ، يقول: بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة (1) = "وهم بالعدوة القصوى" ، يقول: وعدوكم من المشركين نزولٌ بشَفير الوادي الأقصى إلى مكة= "والركب أسفل منكم" ، يقول: والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16139 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا" ، قال: شفير الوادي الأدنى، وهم بشفير الوادي الأقصى= "والركب أسفل منكم" ، قال: أبو سفيان وأصحابه، أسفلَ منهم.
(1)
"شفير الوادي" : ناحية من أعلاه، وهو حده وحرفه.

16140- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" ، وهما شفير الوادي. كان نبيُّ الله بأعلى الوادي، والمشركون أسفلَه = "والركب أسفل منكم" ، يعني: أبا سفيان، [انحدر بالعير على حوزته] ، (1) حتى قدم بها مكة.
16141 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" ، من الوادي إلى مكة= "والركب أسفل منكم" ، أي: عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها، عن غير ميعاد منكم ولا منهم. (2)
16142 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "والركب أسفل منكم" ، قال: أبو سفيان وأصحابه، مقبلون من الشأم تجارًا، لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر محمد صلى الله عليه وسلم بكفار قريش، ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه، حتى التقى على ماء بدر من يسقي لهم كلهم. (3) فاقتتلوا، (4) فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأسروهم.
16143- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
16144- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
(1)
هكذا كتب هذه الجملة بين القوسين ناشر المطبوعة، ولا أدري ما هو. والذي في المخطوطة: "انخدم بالعير على حورمة" هكذا، ولم أستطع أن أجد لقراءتها وجهًا اطمئن غليه، ولم أجد الخبر في مكان آخر.

(2)
الأثر: 16141 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16137.

(3)
(3) في المطبوعة: "حتى التقيا" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
"فاقتتلوا" ، مكررة في المخطوطة مرتين، وأنا في ريب من هذه الجملة كلها.

16145 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ذكر منازل القوم والعير فقال: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" ، والركب: هو أبو سفيان (1) = "أسفل منكم" ، على شاطئ البحر.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "إذ أنتم بالعدوة" .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدنيين والكوفيين: (بِالعُدْوَةِ) ، بضم العين.
* * *
وقرأه بعض المكيين والبصريين: (بِالعِدْوَةِ) ، بكسر العين.
* * *
قال أبو جعفر: وهما لغتان مشهورتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، يُنْشَد بيت الراعي:
وَعَيْنَانِ حُمْرٌ مَآقِيهِمَا كَمَا نَظَرَ العِدْوَةَ الجُؤْذَرُ (2)
بكسر العين من "العدوة" ، وكذلك ينشد بيت أوس بن حجر:
وَفَارِس لَوْ تَحُلُّ الخَيْلُ عِدْوَتَهُ وَلَّوْا سِرَاعًا، وَمَا هَمُّوا بِإقْبَالِ (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا}
قال أبو جعفر: يعنى تعالى ذكره: ولو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه، أنتم أيها المؤمنون وعدوكم من المشركين، عن ميعاد منكم ومنهم، = "لاختلفتم في الميعاد" ، لكثرة عدد عدوكم، وقلة عددكم، ولكن الله جمعكم
(1)
في المطبوعة: "أبو سفيان وعيره" ، زاد ما ليس في المخطوطة.

(2)
لم أجد البيت في مكان آخر، وللراعي أبيات كثيرة مفرقة على هذا الوزن، كأنه منها.

(3)
من قصيدته في رثاء فضالة بن كلدة الأسدي، والبيت في منتهى الطلب، وليس في ديوانه، يقول قبله: أمْ مَلِعَادِيَةٍ تردِي مُلَمْلَمَةٍ ... كأنَّهَا عَارِضٌ في هَضْبِ أوْعالِ

لَهَا لَمَّا رأوك عَلَى نَهْدٍ مَرَاكِلُهُ ... يَسْعَى بِبزِّ كَمِيٍّ غَيْرِ مِعْزَالِ
وَفَارِسٍ لا يَحُلُّ القَوْمُ عُدْوَتَهُ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذه أجود من روايته "لو تحل" ، فالنفي هنا حق الكلام.
على غير ميعاد بينكم وبينهم (1) = "ليقضي الله أمرًا كان مفعولا" ، وذلك القضاء من الله، (2) كان نصره أولياءه من المؤمنين بالله ورسوله، وهلاك أعدائه وأعدائهم ببدر بالقتل والأسر، كما:-
16146 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد" ، ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم، ما لقيتموهم= "ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولا" ، أي: ليقضي الله ما أراد بقدرته، من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، عن غير مَلأ منكم، (3) ففعل ما أراد من ذلك بلطفه. (4)
16147 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:،أخبرني يونس بن شهاب قال، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يقول في غزوة بدر: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عِيَر قريش،
(1)
انظر تفسير "الميعاد" فيما سلف 6: 222

(2)
انظر تفسير "القضاء" فيما سلف 11: 267، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "عن غير بلاء" ، وفي سيرة ابن هشام، في أصل المطبوعة مثله، وهو كلام فاسد جدًا. وفي مخطوطة الطبري، ومخطوطات ابن هشام ومطبوعة أوربا،: "عن غير ملأ" ، كما أثبتها.

يقال: "ما كان هذا الأمر عن ملأ منا" ، أي: عن تشاور واجتماع. وفي حديث عمر حين طعن: "أكان هذا عن ملأ منكم؟" ، أي: عن مشاورة من أشرافكم وجماعتكم.
ثم غير ناشر المطبوعة الكلمة التي بعدها، كتب "فعل" ، مكان "ففعل" . وكل هذا عبث وذهاب ورع.
(4)
الأثر: 16146 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16141.

حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. (1)
16148 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: أقبل أبو سفيان في الركب من الشام، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء، ولا هؤلاء بهؤلاء، حتى التقت السُّقَاة. قال: ونَهَدَ الناسُ بعضهم لبعض. (2)
* * *
(1)
الأثر: 16147 - "" عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري "، ثقة، روى عن أبيه. وروى عنه الزهري. كان أعلم قومه وأوعاهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 249."

و "عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري" ، ثقة، كان قائد أبيه حين عمى، روى عن أبيه. روى. روى عنه ابنه عبد الرحمن، وروى عنه الزهري. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 142.
وكان في المخطوطة: "إنما يخرج رسول الله" ، وهو جيد عربي. ولكنه في المراجع "إنما خرج" ، فأثبته كما في المطبوعة.
وهذا الخبر جزء من خبر كعب بن مالك، الطويل في امر غزوة تبوك، وما كان من تخلفه حتى تاب الله عليه.
ورواه أحمد في مسنده 3: 456، 457، 459 \ 6: 387.
ورواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 86) .
ورواه مسلم في صحيحه من هذه الطريق 17: 87.
(2)
الأثر: 16148 - "ابن عون" ، هو "عبد الله بن عون المزني" ، مضى مرارًا.

و "عمير بن إسحاق القرشي" ، لم يرو عنه غير ابن عون، متكلم فيه. مضى برقم: 7776.
وكان في المطبوعة: "عمر بن إسحاق" ، لم يحسن قراءة المخطوطة.
وقوله: "نهد الناس بعضهم لبعض" ، نهضوا إلى القتال. يقال: "نهد القوم إلى عدوهم، ولعدوهم" ، أي: صمدوا له وشرعوا في قتاله. و "نهدوا يسألونه" ، أي: شرعوا ونهضوا.
وكأن ناشر المطبوعة لم يفهمها أو لم يحسن قراءتها، فكتب مكان "نهد" : "نظر الناس ..." ، وهذا من طول عبثه بهذا النص الجليل، حتى ألف العبث واستمر عليه واستمرأه.
القول في تأويل قوله: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولكن الله جمعهم هنالك، ليقضي أمرًا كان مفعولا= "ليهلك من هلك عن بينة" .
* * *
وهذه اللام في قوله: "ليهلك" مكررة على "اللام" في قوله: "ليقضي" ، كأنه قال: ولكن ليهلك من هلك عن بينة، جَمَعكم.
* * *
ويعني بقوله: "ليهلك من هلك عن بينة" ، ليموت من مات من خلقه، (1) عن حجة لله قد أثبتت له وقطعت عذره، وعبرة قد عاينها ورآها (2) = "ويحيا من حي عن بينة" ، يقول: وليعيش من عاش منهم عن حجة لله قد أُثبتت له وظهرت لعينه فعلمها، جمعنا بينكم وبين عدوكم هنالك.
* * *
وقال ابن إسحاق في ذلك بما:-
16149 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "ليهلك من هلك عن بينة" ، [أي ليكفر من كفر بعد الحجة] ، (3) لما رأى من الآية والعبرة، (4) ويؤمن من آمن على مثل ذلك. (5)
* * *
(1)
انظر تفسير "هلك" فيما سلف ص: 149، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "بينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(3)
هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، أضفتها من سيرة ابن هشام.

(4)
في المطبوعة: "من الآيات والعبر" ، وفي المخطوطة: "من الآيات والعبرة" ، وأثبت الصواب من سيرة ابن هشام.

(5)
الأثر: 16149 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16146.

وأما قوله: "وإن الله لسميع عليم" ، فإن معناه: "وإن الله" ، أيها المؤمنون، = "لسميع" ، لقولكم وقول غيركم، حين يُري الله نبيه في منامه ويريكم، عدوكم في أعينكم قليلا وهم كثير، ويراكم عدوكم في أعينهم قليلا= "عليم" ، بما تضمره نفوسكم، وتنطوي عليه قلوبكم، حينئذ وفي كل حال. (1)
يقول جل ثناؤه لهم ولعباده: فاتقوا ربكم، (2) أيها الناس، في منطقكم: أن تنطقوا بغير حق، وفي قلوبكم: أن تعتقدوا فيها غيرَ الرُّشد، فإن الله لا يخفى عليه خافية من ظاهر أو باطن.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن الله، يا محمد، سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم "في منامك قليلا" ، يقول: يريكهم في نومك قليلا فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم= ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا، لفشل أصحابك، فجبنوا وخاموا، (3) ولم يقدروا على حرب القوم، (4) ولتنازعوا في ذلك، (5) ولكن الله
(1)
انظر تفسير "سميع" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "واتقوا" بالواو، و "والفاء" ، هنا حق الكلام.

(3)
في المطبوعة: "فجبنوا وخافوا" ، غير ما في المخطوطة. يقال: "خام في القتال" ، إذا جبن، فنكل ونكص وتراجع.

(4)
انظر تفسير "فشل" فيما سلف 7: 168، 289.

(5)
انظر تفسير "التنازع" فيما سلف 7: 289 \ 8: 504.

سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تُجنُّه الصدور، (1) لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب. (2)
* * *
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا" ، أي: في عينك التي تنام بها= فصيّر "المنام" ، هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم الله في عينك قليلا. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16150 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا" ، قال: أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم.
16151- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
16152-....وقال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16153 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا" ، الآية، فكان أول ما أراه من ذلك نعمةً من نعمه عليهم، شجعهم بها على عدوهم، وكفَّ بها ما تُخُوِّف عليهم من
(1)
في المطبوعة: "بما تخفيه الصدور" ، غير ما في المخطوطة بلا طائل، وهما بمعنى.

(2)
انظر تفسير "ذات الصدور" فيما سلف 7: 155، 325 \ 10: 94.

(3)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 247.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif





الساعة الآن : 05:33 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 362.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 362.19 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.14%)]