ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:11 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 

تراجم رجال إسناد حديث: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)


قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث].وقد مر ذكرهم.
[عن زهرة بن معبد].
ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثني أبي صالح مولى عثمان].
مقبول، أخرج حديثه الترمذي والنسائي.
[سمعت عثمان بن عفان].
هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، ذو النورين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث: (يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا ابن المبارك حدثنا أبو معن حدثنا زهرة بن معبد عن أبي صالح مولى عثمان قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه)].أورد النسائي حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة.
قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].
هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي معن].
هو محمد بن معن، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن زهرة بن معبد عن أبي صالح مولى عثمان قال عثمان].
وقد مر ذكرهم.


فضل الجهاد في البحر


شرح حديث: (...غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر، ملوك على الأسرة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الجهاد في البحر.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام بنت ملحان تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فأطعمته، وجلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوك على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، شك إسحاق، فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نام، وقال الحارث: فنام ثم استيقظ فضحك، فقلت له: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، ملوك على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، كما قال في الأول، فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبت البحر في زمان معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: فضل الغزو في البحر، يعني: كون الجهاد في سبيل الله يكون بركوب البحر، والانتقال إلى البلدان التي يراد جهاد أهلها، وركوب البحر للوصول إلى ذلك، هذا هو المقصود من الترجمة. وقد أورد النسائي حديث أنس رضي الله تعالى عنه، [(أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذهب إلى قباء، ويمر على أم حرام ويقيل عندها، فتطعمه من الطعام وتفلي رأسه، وقد نام عندها، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ قال: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون ثبج هذا البحر غزاة في سبيل الله، هم ملوك على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نام مرة أخرى، فاستيقظ وهو يضحك، وسألته فأخبرها بأنه رأى مثل الذي رأى في الرؤيا السابقة، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، ثم إنها في زمن معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه سافرت مع زوجها عبادة بن الصامت، وكان ذهب للجهاد في سبيل الله وركب البحر، ولما رجعوا، وخرجوا من البحر، جاءوا إلى البر، وركبت على دابة، فسقطت منها فماتت رضي الله تعالى عنها)].
والمقصود من الحديث هو أن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن هؤلاء الغزاة الذين يغزون في سبيل الله، والذين رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيا مرتين، وأنهم يركبون ثبج هذا البحر، أي: وسطه أو معظمه، معناه: أنهم يتعمقون في البحر، ويذهبون إلى الجهات التي يريدون فتحها وإدخال أهلها في الإسلام، وأنهم بهذا الوصف الذي هو أهل شرف وعزة، وأنهم ملوك على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة، وفيه فضيلة هذه المرأة وهي: أم حرام، وهي أنها طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يجعلها منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت وحصل لها الموت في سبيل الله بعد أن خرجت من البحر عائدين، وركبت على دابة، فسقطت منها، وماتت رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وما جاء في الحديث من دخول النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وكونه يجلس معها وتفليه، هذا الذي ورد في الحديث أحسن ما قيل فيه: أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جاء عنه عليه الصلاة والسلام ما يدل على امتناع الخلوة، وعدم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وكذلك كون المرأة تمس الرجل وهي أجنبية منه، هذا الذي حصل في الحديث من قيامها بهذه المهمة، وكونه يقيل عندها، وكونها تفليه وتفتش رأسه، فتخرج ما فيه من القمل وتقتله، قيل: إن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يحل في حق أمته، ومن العلماء من قال: إن فيه محرمية من جهة أن أخوال الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وهي أنصارية، لكن الأمر الواضح الذي هو الأقرب والأظهر، والأمر الذي هو بين أن يقال: إن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وليست الأمة مثله في ذلك؛ لأنه جاء ما يدل على منعها من ذلك فيما يتعلق بتحريم الخلوة، وفيما يتعلق بمس المرأة للرجل الأجنبي.

تراجم رجال إسناد حديث: (...غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر، ملوك على الأسرة...)


قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].وقد مر ذكرهم.
[عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
[عن أم حرام بنت ملحان].
هي خالة أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وعنها وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

شرح حديث: (رأيت قوماً من أمتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرة...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنهما أنها قالت: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال عندنا، فاستيقظ وهو يضحك، فقلت: يا رسول الله! بأبي وأمي ما أضحكك؟ قال: رأيت قوماً من أمتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرة، قلت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: فإنك منهم، ثم نام، ثم استيقظ وهو يضحك، فسألته فقال: يعني مثل مقالته، قلت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فتزوجها عبادة بن الصامت، فركب البحر وركبت معه، فلما خرجت قدمت لها بغلة فركبتها فصرعتها، فاندقت عنقها)].ثم أورد النسائي حديث أم حرام بنت ملحان، وهو من مسندها، قالت: [(أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال عندنا)].
يعني: نام في القيلولة، (قال) من القيلولة، وليس من القول؛ لأن قال تأتي من القيلولة وتأتي من القول، وهنا بمعنى القيلولة: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال عندنا)، أي: أنه نام في القيلولة عندنا، وهذا من جنس ما جاء في الحديث: (مثل الدنيا كراكب قال في ظل دوحة)، يعني: نام في القيلولة تحت ظل شجرة ثم قام وتركها، فهذا هو مثل الدنيا.
قوله: [(قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما الذي أضحكك؟)].
يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، وليس قسم بالأب والأم، وإنما هو تفدية، أنت مفدي بأبي وأمي يا رسول الله! ما الذي أضحكك؟ فأخبرها عليه الصلاة والسلام بالقوم الذين عرضوا عليه يركبون البحر غزاة في سبيل الله، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم نام مرة أخرى، واستيقظ وهو يضحك، فأخبرته، وأخبرها كالخبر الذي قاله أولاً، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، يعني: مع الجماعة الأولى الذين رآهم في النومة الأولى، فذهبت مع زوجها عبادة بن الصامت، ولما خرجت من البحر عائدين قدمت لها بغلة تركبها فركبتها، فسقطت منها واندقت عنقها وماتت رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فالحديث مثل الذي قبله، إلا أن هذا من مسند أم حرام خالة أنس، والأول من مسند أنس.
وقوله: [(كالملوك على الأسرة)].
يعني: ملوكاً على الأسرة، معناه أنهم عندهم شرف وعندهم عزة وعلو ورفعة، فهم ملوك على الأسرة أو كالملوك على الأسرة، يعني: شك الراوي، هل قال ملوك أو قال: كالملوك.

تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت قوماً من أمتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرة...) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن يحيى بن حبان].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك عن أم حرام].
وقد مر ذكرهما.


غزوة الهند


شرح حديث: (وعدنا رسول الله غزوة الهند...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [غزوة الهند.أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن سيار، ح وأخبرنا هشيم عن سيار عن جبر بن عبيدة، وقال عبيد الله: عن جبير عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (وعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة الهند، فإن أدركتها أنفق فيها نفسي ومالي، فإن أقتل كنت من أفضل الشهداء، وإن أرجع فأنا أبو هريرة المحرر)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: غزوة الهند، يعني: ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من كون المسلمين يغزون الهند، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: [(وعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة الهند، فإن أدركتها أنفق فيها نفسي ومالي)]، يعني: أنه يخرج بنفسه وماله.
قوله: [(فإن أقتل كنت من أفضل الشهداء وإن أرجع فأنا أبو هريرة المحرر)].
يعني: المحرر من الذنوب، والذي تخلص من الذنوب، يعني أنه إن قتل فهو من أفضل الشهداء، وإن عاد فإنه يرجع سالماً وخالياً من الذنوب، هذا هو معنى هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث: (وعدنا رسول الله غزوة الهند...)


قوله: [أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم].ثقة، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
[حدثنا زكريا بن عدي].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا عبيد الله بن عمرو].
هو عبيد الله بن عمرو الرقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أبي أنيسة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن سيار أبو الحكم].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وأخبرنا هشيم].
(ح) هذه تدل على التحول من إسناد إلى إسناد، وهذا الإسناد الثاني لا يرجع إلى النسائي، بل هو تحول من إسناد إلى إسناد، ولكن في أثنائه وليس من أوله؛ لأن هشيم بن بشير الواسطي من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، يعني: متقدم ولم يدركه، فالتحويل هو للتحول إلى إسناد من أثنائه، وليس من أوله. وهشيم هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سيار].
وقد مر ذكره.
[عن جبير].
هو جبير بن عبيدة، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[وقال عبيد الله: عن جبير].
وقال: عبيد الله، يعني: وفي السياق الذي تقدم أنه جبر بن عبيدة، وهذا بإسناد هشيم، وقال: عبيد الله، أي: ابن عمرو الذي هو في الإسناد الأول، والذي روى عنه زكريا بن عدي، قال: قال جبير بن عبيدة، ويقصد بذلك جبر بن عبيدة الذي تقدم في إسناد هشيم؛ لأنه في إسناد هشيم: جبر بن عبيدة، وفي إسناد عبيد الله بن عمرو الرقي الذي هو الأول: جبير بن عبيدة؛ لأنه باسمه واسم أبيه، يعني: إما يقال: جبر بن عبيدة، أو جبير بن عبيدة.
[عن أبي هريرة].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد مر ذكره.

حديث: (وعدنا رسول الله غزوة الهند...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد أخبرنا هشيم حدثنا سيار أبو الحكم عن جبر بن عبيدة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (وعدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزوة الهند، فإن أدركتها أنفق فيها نفسي ومالي، وإن قتلت كنت أفضل الشهداء، وإن رجعت، فأنا أبو هريرة المحرر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
قوله: [حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].
هو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا يزيد].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا هشيم حدثنا سيار عن جبر بن عبيدة عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.

شرح حديث: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزو الهند...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم حدثنا أسد بن موسى حدثنا بقية حدثني أبو بكر الزبيدي عن أخيه محمد بن الوليد عن لقمان بن عامر عن عبد الأعلى بن عدي البهراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع ابن مريم عليهما السلام)].أورد النسائي حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار)، أي: أنجاهما من النار وخلصهما من النار: (عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع ابن مريم عليهما السلام)، والمقصود من ذلك هو الجملة الأولى التي هي قوله: (عصابة تغزو الهند)؛ لأن هذا هو محل الشاهد لغزوة الهند، والجماعة التي تغزو الهند، والجماعة التي ستكون مع عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام عندما ينزل في آخر الزمان من السماء، ويقتل الدجال، ويحصل ما يحصل على يديه، فهاتان العصابتان أحرزهما الله عز وجل من النار، أي: خلصهما من النار، ونجاهما من النار.
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم].
ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[حدثنا أسد بن موسى].
المشهور بـأسد السنة، وهو صدوق يغرب، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، فحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثني أبو بكر الزبيدي].
هو أخو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو مجهول الحال، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أخيه محمد بن الوليد].
هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن لقمان بن عامر].
صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.
[عن عبد الأعلى بن عدي البهراني].
ثقة، أخرج له أبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
[عن ثوبان].
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
وهذا الحديث الأخير في إسناده أبو بكر الزبيدي أخو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو مجهول الحال، لكن الحديث جاء من طريق أخرى فيها شخص آخر ثقة قرن بأبي بكر الزبيدي هذا، وقد صححه الألباني، وذكره في الأحاديث الصحيحة برقم: (1934)، وجاء في بعض الطرق أنه قرن به شخص ثقة، فإذاً: المعول على الثقة، وليس على هذا المجهول الحال.
أما الحديث الذي قبله فقد ضعفه الألباني، ولعله بسبب جبر بن عبيدة، أو جبير بن عبيدة.


ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:15 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجهاد

(421)


- (باب غزو الترك والحبشة) إلى (باب فضل النفقة في سبيل الله)



أخبر الرسول الكريم أن أموراً غيبية ستقع في المستقبل منها: قتال الترك والحبشة، وحث الناس على النفقة في سبيل الله، وخصوصاً لتجهيز الغزاة؛ لحصولهم على الأجور العظيمة والمنازل الرفيعة.

غزوة الترك والحبشة


شرح حديث: (... دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [غزوة الترك والحبشة.أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا ضمرة عن أبي زرعة السيباني عن أبي سكينة رجل من المحررين، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورضي الله عنه، قال: (لما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحفر الخندق، عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ المعول، ووضع رداءه ناحية الخندق، وقال: تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فندر ثلث الحجر، وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برقة، ثم ضرب الثانية، وقال:
تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فندر الثلث الآخر، فبرقت برقة، فرآها سلمان، ثم ضرب الثالثة وقال: تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فندر الثلث الباقي، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ رداءه وجلس، قال سلمان: يا رسول الله، رأيتك حين ضربت ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا سلمان، رأيت ذلك؟ فقال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال: فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها، ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني، قال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، ثم ضربت الضربة الثانية فرفعت لي مدائن قيصر، وما حولها حتى رأيتها بعيني، قالوا: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا، ويغنمنا ديارهم، ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، ثم ضربت الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة، وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك: دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)].

يقول النسائي رحمه الله: غزو الترك والحبشة، المراد بهذه الترجمة: الإشارة إلى ما ورد من الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بغزو الترك والحبشة، وهما جنسان من الناس، أورد النسائي في هذه الترجمة حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام لما حفروا الخندق، عرضت لهم صخرة كبيرة ما استطاعوا تكسيرها وزحزحتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل وأخذ المعول، وهو: الآلة التي يكسر بها، ويحفر بها، فضرب ضربةً، فحصل بريق ولمعان، وانكسرت قطعة منها تأتي مقدار ثلثها، ثم ضرب ضربةً ثانيةً، وحصل مثل الأولى بريق ولمعان، وانكسر ثلث، ثم بعد ذلك ضرب ضربةً، وحصل بريق ولمعان، وانكسر باقيها.
عند ذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ رداءه، وكان قد وضعه قبل أن ينزل لكسرها، فسأله سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، عن الذي حصل من هذا البريق واللمعان؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: عند المرة الأولى عرضت عليه مدائن كسرى وما حولها، وسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسول: أن يدعو الله عز وجل بأن يغنمهم إياها، وأن يفتحها عليهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وضرب الضربة الثانية، وحصل بريق ولمعان فعرضت له مدائن قيصر وما حولها، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يمكنهم منها، وأن يفتحها عليهم ويغنمهم الغنائم، ويمكنهم من أخذ الكنوز، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المرة الثانية عرضت له بلاد الحبشة، وما حولها من القرى، ولم يحصل مثلما حصل في المرتين السابقتين، من الدعاء بأن يفتحها الله عز وجل عليهم، وأن يغنمهم إياها.
عند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا الترك ما تركوكم)]، وقيل: إن ما جاء في هذا الحديث أنه منسوخ، وأن هذا كان في أول الأمر في حال ضعف المسلمين، وأنه بعد ذلك في حال قوتهم نسخ ذلك، وتكون البلاد كلها، والمشركون كلهم أمر المسلمون بقتالهم، حيث قال الله عز وجل: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/96.jpgوَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/97.jpg[التوبة:36]، قالوا: فهذا ناسخ بما جاء في هذا الحديث، وأن هذا كان في أول الأمر، وأنه في حال ضعف المسلمين، وأنه في حال قوتهم يتغير الوضع، وأنهم يقاتلون من أمكنهم قتاله.
وقد حصل بالنسبة لبلاد كسرى، وقيصر أن فتحها الله عز وجل للمسلمين، وغنموا منها ما غنموا، وكنوز كسرى وقيصر أنفقت في سبيل الله، وذلك في زمن الفاروق، حيث قضي على الدولتين العظميين في ذلك الزمان؛ دولة فارس، والروم، وأتي بالذهب، والكنوز التي لكسرى، وقيصر، وأنفقت في سبيل الله على يد الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وذلك في زمن خلافته رضي الله عنه، فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم استجابه الله عز وجل، بل قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الإخبار بأن كنوز قيصر، وكسرى ستنفق في سبيل الله، وقد تحقق ذلك، ووقع ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من إنفاق الكنوز التي لكسرى وقيصر، وأنها أنفقت في سبيل الله، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا من دلائل نبوته حيث يخبر بالأمر المستقبل، ثم يقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما بالنسبة للترك والحبشة: فلم يحصل مثلما حصل لهم من الدعاء عليهم: بأن يغنم الله عز وجل المسلمين الغنائم منهم، وبعض أهل العلم قال: إن هذا منسوخ، وبعضهم قال: إنه غير منسوخ، وأن السبب في ذلك أن بلاد الحبشة بينها، وبين بلاد العرب البحر، والمسافة بعيدة، وفيه كلفة ومشقة، وبالنسبة للترك بلادهم باردة، وهي تختلف عن بلاد العرب التي هي بلاد حارة، فيكون في ذلك مشقة بالغة، وضرر كبير على المسلمين، ومن العلماء كما قلت: من قال: إن هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حق الترك والحبشة إنما كان هذا في أول الأمر، وأنه في حال ضعف المسلمين، وأنه في حال قوتهم يكون الأمر بالعكس، وأن المسلمين مأمورون بمقاتلة الكفار جميعاً، كما أنهم يقاتلون المسلمين جميعاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (... دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم)


قوله: [أخبرنا عيسى بن يونس].صدوق ربما أخطأ، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
[حدثنا ضمرة].
هو ضمرة بن ربيعة، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي زرعة السيباني].
اسمه يحيى بن أبي عمرو، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن أبي سكينة].
هو رجل من المحررين، يعني: ممن أعتقوا وحصلت لهم الحرية بعد الرق، وهو مختلف في صحبته، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
[عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهالة فيهم لا تضر ولا تؤثر، والمجهول فيهم في حكم المعلوم، وهذا فيهم خاصة، أما غيرهم فيحتاج الأمر إلى معرفته، ومعرفة حاله من الثقة والضعف، وما يتعلق بذلك، وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم وحدهم الذين لا يحتاجون إلى مثل ذلك، وهذه من خصائصهم رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فإن العلماء يكتفون بأن يذكر الشخص أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كافٍ في تعديله، وفي معرفته وفي الاحتجاج بما جاء فيه؛ لأن المجهول فيهم، أي: في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حكم المعلوم.
وقد ذكر الخطيب البغدادي أنه قال: ما من رجل من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى معرفة حاله، ما عدى أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لا يحتاج فيهم ما يحتاج في غيرهم، فالمجهول فيهم في حكم المعلوم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؛ لأنهم لا يحتاجون إلى تزكية بعد تعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

شرح حديث: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا يعقوب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك؛ قوماً وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [(لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك؛ قوماً وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر)]، وهذا يستدل به على أن الترك يقاتلون، وأنه لا تقوم الساعة حتى يحصل قتالهم من المسلمين، وفي الحديث بيان أوصافهم، وأن وجوههم كالمجان المطرقة، والمجن هو: الترس الذي يتقى به سهام الأعداء، والمطرقة أو المطرقة هي: التي يجعل طبقات من الحديد، يعني: طبقةً فوق طبقةٍ، مثلما يقال في النعال: طبقةً فوق طبقة، ويوصل بعضها ببعض، فقيل: إن وجه الشبه من جهة الشدة والقوة، وقيل: الاستدارة، يعني: وجه الشبهة.
وقوله: [يلبسون الشعر]، أي: أنهم يتخذون هذا اللباس الذي هو الصوف، الذي هو يتخذ من الشعر؛ وذلك لأن بلادهم باردة، فهم بحاجة إلى مثل هذا اللباس للتدفئة، [ويمشون في الشعر]، أي: أن نعالهم أيضاً تكون من الشعر.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك ...)


قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يعقوب].
هو يعقوب بن عبد الرحمن القاري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن سهيل].
هو سهيل بن أبي صالح، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو أبو صالح السمان ذكوان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً رضي الله تعالى عنه.


الاستنصار بالضعيف


شرح حديث: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاستنصار بالضعيف.أخبرنا محمد بن إدريس حدثنا عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه: (أنه ظن أن له فضلاً على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم)].
أورد النسائي الاستنصار بالضعيف، أي: طلب النصر من الله عز وجل بالضعفاء؛ وذلك لصلاحهم، وصلاتهم، وإخلاصهم، وأن الله عز وجل ينصر بسببهم، أي: بسبب الضعفاء المسلمين، ولهذا جاء الحديث في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، [أنه رأى أن له فضلاً على من دونه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)]، أي: بكونهم مخلصين لله عز وجل، وكونهم يدعون الله عز وجل، وكونهم يصلون فيستجيب الله عز وجل دعاءهم، وينصر المسلمين بسببهم، وهذا من أسباب النصر، وأسباب النصر كثيرة، وهذا منها.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها)


قوله: [أخبرنا محمد بن إدريس].هو أبو حاتم الرازي، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي وابن ماجه في التفسير.
[حدثنا عمر بن حفص بن غياث].
ثقة ربما وهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن أبيه].
هو حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر].
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة بن مصرف].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن مصعب بن سعد].
هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (ابغوني الضعيف، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن عثمان حدثنا عمر بن عبد الواحد حدثنا ابن جابر حدثني زيد بن أرطاة الفزاري عن جبير بن نفير الحضرمي: أنه سمع أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ابغوني الضعيف، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)].أورد النسائي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ابغوني الضعيف)]، أي: اطلبوا لي الضعيف، [(فإنكم إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم)]، يعني: أن هذا من أسباب الرزق، ومن أسباب النصر، والله عز وجل يرزق العامة بسبب البعض، كما أنه يرزق الناس المطر بسبب الحيوانات، وأن الله عز وجل ينزل المطر لها، فتستفيد، ويستفيد غيرها، فكذلك الضعفاء ينصر الله عز وجل بسببهم، ويرزق بسببهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ابغوني الضعيف، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)


قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان].هو يحيى بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أحرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا عمر بن عبد الواحد].
ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا ابن جابر].
هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني زيد بن أرطأة].
ثقة، أخرج حديثه: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن جبير بن نفير].
هو جبير بن نفير الحضرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أنه سمع أبا الدرداء].
هو أبو الدرداء عويمر بن زيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

يتبع




ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:15 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
فضل من جهز غازياً


شرح حديث: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل من جهز غازياً.أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من جهز غازياً في سبيل الله، فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير، فقد غزا)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: فضل من جهز غازياً، جهزه أي: هيأ له ما يحتاج إليه من المركوب، والمتاع الذي يحتاج إليه مع المركوب في السفر.
وقد أورد النسائي حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من جهز غازياً في سبيل الله،فقد غزا)]، أي: أنه جهزه بالمال، فهذا جاهد وغزا بنفسه، وذاك جعله يغزو بالمال، وهو المركوب، وما يحتاج إليه، [(فقد غزا)]، أي: أنه يعتبر بمنزلة الغازي، وبمثابة الغازي؛ لأنه مكن الغازي من الغزو، وبدون ذلك لا يتمكن الغازي من الغزو، ولهذا اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم من جهز الغازي، بأنه قد غزا، وكذلك من خلفه بأهله في خير، فقد غزا، أي: الغازي إذا خُلف، أو خلفه أحد في أهله، بأن رعى شئونهم، وحافظ عليهم، وأعانهم فيما يحتاجون إليه، وقام مقام الغازي في سبيل الله في مصالح أهله وعائلتهم، وما إلى ذلك مما يحتاجون إليه، فإن هذا أيضاً بمثابة من غزا، وهو يدل على تفضيل مجهز الغازي، وكذلك من خلف الغازي في أهله بخير، فكل منهم وصف بأنه غازي، أي: أنه يحصل الأجر والثواب الذي يحصله الغازي في سبيل الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا...)


قوله: [أخبرنا سليمان بن داود].هو أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[و الحارث بن مسكين].
مصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي أيضاً.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو بن الحارث].
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن الأشج].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن بسر بن سعيد].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن خالد].
هو زيد بن خالد الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث: (من جهز غازياً فقد غزا ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حرب بن شداد عن يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا)].أورد النسائي حديث زيد بن خالد الجهني من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
هو الملقب الزمن أبو موسى العنزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن].
هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حرب بن شداد].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن يحيى].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد].
وقد مر ذكرهم.

شرح حديث: (... من يجهز هؤلاء غفر الله له ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن إدريس سمعت حصين بن عبد الرحمن يحدث عن عمرو بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال: (خرجنا حجاجاً فقدمنا المدينة، ونحن نريد الحج، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا، إذ أتانا آتٍ فقال: إن الناس قد اجتمعوا في المسجد وفزعوا، فانطلقنا، فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد، وفيهم علي، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فإنا لكذلك إذ جاء عثمان رضي الله عنه عليه ملاءة صفراء، قد قنع بها رأسه، فقال: أهاهنا طلحة؟ أهاهنا الزبير؟ أهاهنا سعد ؟ قالوا: نعم، قال: فإني أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان، غفر الله له، فابتعته بعشرين ألفاً، أو بخمسة وعشرين ألفاً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: اجعله في مسجدنا، وأجره لك؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ابتاع بئر رومة، غفر الله له، فابتعتها بكذا وكذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ابتعتها بكذا وكذا، قال: اجعلها سقايةً للمسلمين، وأجرها لك؟ قالوا: اللهم نعم، قال:
أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم، فقال: من يجهز هؤلاء، غفر الله له -يعني: جيش العسرة- فجهزتهم حتى لم يفقدوا عقالاً ولا خطاماً؟ فقالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)].
ثم أورد النسائي حديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في قصة ما حصل له من الإيذاء، والكلام فيه والقدح فيه، وما أدى إليه الأمر في آخر الأمر من الخروج عليه، وقتله في داره رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد أورد النسائي حديث الأحنف بن قيس أنه قال: خرجنا حجاجاً، فلما وصلنا المدينة أتانا آتٍ وقال: إن الناس في المسجد وأنهم أصابهم فزع، فذهبوا، ووجدوا الناس مجتمعين، وبينهم طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، فجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه وسأل عن طلحة، والزبير، وسعد، فسألهم بالله عز وجل عن أمور حصلت فيه، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها فضله، وفيها الدلالة على فضله، ومناقبه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومنها شراؤه المربد، الذي هو مكان يجفف فيه التمر، وإضافته إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك شراؤه بئر رومة، وتسبيلها لسقيا المسلمين، وكذلك تجهيزه لجيش العسرة، وهو جيش غزوة تبوك، وفي كل منها يكون عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي يقوم بهذه المهمة، التي هي شراء القطعة من الأرض، وكذلك شراء البئر، وكذلك تجهيز جيش العسرة.
ومحل الشاهد من إيراد الحديث هو: الجملة الأخيرة التي هي: تجهيز جيش العسرة، وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قام بذلك، وهذه الأمور الثلاثة التي جاءت في هذا الحديث، وإن كان الذي في الإسناد رجل مقبول، وهو: عمرو بن جاوان، إلا أن لها شواهد من حيث شراء بئر رومة، فهذا ثابت، وكذلك تجهيز جيش العسرة ثبت ذلك، وقد جهز ذلك الجيش بثلاثمائة بعير عليها أحلاسها وأقتابها، وفي هذا الحديث يقول: إنه لم يفقد منها عقال ولا خطام، أي: أنها كاملة التجهيز، حتى العقال الذي يعقل به البعير، وحتى الخطام الذي يقاد به البعير، هذه الإبل الكثيرة التي جهز فيها جيش العسرة، وهي تبلغ ثلاثمائة بعير لم يفقد فيها خطام ولا عقال، دال على فضله ونبله.
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الله تعالى يغفر لمن يقوم بهذه المهمة، فكلهم شهدوا، وأيدوا ما قال، وفيه: أن الذين خرجوا عليه وآذوه، آذوا ولياً من أولياء الله، ورجلاً من خيار عباد الله، بل هو خير ممن مشى على الأرض بعد أبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما، ومع ذلك لقي ما لقي من الأذى، وهو هذا الرجل العظيم، الرجل الذي بهذه المنزلة، ومع ذلك لم يسلم من أذى الأشرار، وأذى السفهاء والأغمار الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

تراجم رجال إسناد حديث: (... من يجهز هؤلاء غفر الله له ...)


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا عبد الله بن إدريس].
هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[سمعت حصين بن عبد الرحمن].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[يحدث عن عمرو بن جاوان].
مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن الأحنف بن قيس].
ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان].
هو عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثالث الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.


فضل النفقة في سبيل الله تعالى


شرح حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل نودي في الجنة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل النفقة في سبيل الله تعالى.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل، نودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل النفقة في سبيل الله، وقد أورد تحتها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل نودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير)].
قوله: [(من أنفق زوجين)]، أي: شيئين من أي صنف من الأصناف، والمقصود به تكرار الإنفاق، وأنه لا يكون الإنفاق بشيء واحد، وإنما مع ذلك تكرار الإنفاق، ولهذا قال: [زوجين]، أي: شيئين من أي شيء، يعني: بعيرين، أو شيء من الأشياء، يخرج وينفق منه شيئين، أي: أكثر من واحد، [نودي: يا عبد الله هذا خير]، أي: هذا الذي فعلته هو خير، ويدعى من الباب الذي يناسب إنفاقه، وبذله في سبيل الله، قال: [(فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان)].
وكل باب من الأبواب المذكورة الأربعة فهو مطابق لاسم العمل إلا الصيام، فإن الباب باسم الريان، وليس باسم الصيام، والسبب في ذلك: أن الريان يشعر بالري، والصائم قد عطش نفسه في سبيل الله، فهو يدخل من باب يسمى بهذا الاسم، فيفيد أن من دخله لا يظمأ أبداً، وأنه يحصل الري التام؛ لأنه عطش نفسه لله، فيحصل الري في الجنة جزاءً وفاقاً، [(قال أبو بكر رضي الله عنه: هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة؟)]، أي: ليس كما جاء في بعض الروايات: (ليس عليه ضرورة أن يدعى من أي باب)؛ لأن من دعي من أي باب، فذلك خير، وذلك كافٍ، لكن [(هل يدعى أحد من الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم)]؛ وذلك لأنه يكون من أهل هذه الأعمال، فيستحق أن يدعى من هذه الأبواب كلها، وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه هو خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، وأفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين، وهو الذي حصلت منه الأعمال الجليلة في مختلف الأعمال رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو السباق إلى الخيرات، والذي لا يماثله أحد، ولا يدانيه أحد، وأراد عمر رضي الله عنه في يوم من الأيام أن يسبق أبا بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فأتى بنصف ماله، وأبو بكر أتى بماله كله، فلم يتمكن عمر من أن يسبق أبا بكر رضي الله عنه في ذلك اليوم الذي رغب أن سبقه، وذلك بأنه أتى بنصف ماله، فأتى أبو بكر بجميع ماله.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل نودي في الجنة...)


قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن الحارث بن مسكين].
مر ذكره.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[حدثني مالك بن أنس].
وقد مر ذكره.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد بن عبد الرحمن].
هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.

شرح حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن الأوزاعي حدثني يحيى عن محمد بن إبراهيم أخبرنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة من أبواب الجنة: يا فلان هلم فادخل، فقال أبو بكر: يا رسول الله ذاك الذي لا توى عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لأرجو أن تكون منهم)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة من أبواب الجنة)]، أي: من أبواب الجنة كلها. فقال أبو بكر رضي الله عنه: [(ذاك الذي لا توى عليه)]، أي: لا نقص عليه؛ لأنه حصل الخير العظيم، والخير الكثير، من كونه يدعى من هذه الأبواب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر: [(إني لأرجو أن تكون منهم)]، أي: من الذين يدعون من جميع الأبواب.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة ...) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فقيه الشام، ومحدثها، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو سلمة عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث أبي ذر: (ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل عن يونس عن الحسن عن صعصعة بن معاوية قال: (لقيت أبا ذر رضي الله عنه قال: قلت: حدثني، قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله، إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن كانت إبلاً فبعيرين، وإن كانت بقراً فبقرتين)].أورد النسائي حديث أبي ذر رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، وفيه: بيان الزوجين، [(ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن كانت إبلاً فبعيرين، وإن كانت بقراً فبقرتين)]، وهذا هو معنى الزوجين، وأنه ينفق زوجين في سبيل الله عز وجل، أي: من كل شيء اثنين، فالمقصود من ذلك التكرار، وعدم الاقتصار على شيء واحد، وإنما يكرر ويكون أكثر من ذلك، أي: أكثر من الواحد.

تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر: (ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة...)


قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا بشر بن المفضل].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو يونس بن عبيد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن صعصعة بن معاوية].
له صحبة وقيل: مخضرم، وقيل: ثقة مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي، وابن ماجه.
[عن أبي ذر].
هو أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: جندب بن جنادة وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر حدثنا أبو النضر حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن الركين الفزاري عن أبيه عن يسير بن عميلة عن خريم بن فاتك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أنفق نفقة في سبيل الله، كتبت له بسبعمائة ضعف)].أورد النسائي حديث خريم بن فاتك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف)]، أي: أن الله عز وجل يضاعفها أضعافاً مضاعفةً إلى هذا الحد الذي هو سبعمائة ضعف.

تراجم رجال إسناد حديث: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف)


قوله: [أخبرنا أبو بكر بن أبي النضر].هو أبو بكر بن النضر بن أبي النضر، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا أبي النضر].
هو هاشم بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبيد الله الأشجعي].
هو عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[عن سفيان الثوري].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الركين الفزاري].
هو الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو الربيع بن عميلة بالفتح وقيل: عُميلة بضم العين، لكن ضبط المصنف عَميلة بفتح أوله، في ترجمة حفيدة ركين بن الربيع بن عُميلة، وفي ترجمة ابنه نسير بن عُميلة فليحرر.
ولا لبس، فإذا كان ضبطه وقال: بالفتح نص عليها، فيكون تضارب مع كلمة مصغر؛ لأن عُميلة هو المصغر.
ففيه تضارب بين عَميلة وعُميلة، بين قوله: مصغراً وبين قوله: بفتح المهملة. وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن نسير بن عميلة].
قال في التقريب: يسير بن عَمِيلة بفتح المهملة، وكسر الميم الفزاري، ويقال له: أسير أيضاً، ثقة من الثالثة.
ويسير بن عميلة أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن خريم بن فاتك].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:16 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجهاد

(422)


- (باب فضل الصدقة في سبيل الله) إلى (باب من خان غازياً في أهله)



الصدقة في الجهاد لها فضائل جمَّة، منها أن الله يضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وتندرج تحت نوع من أنواع الجهاد وهو الجهاد بالمال، وهذا لعظم الجهاد، ولذا كان نساء المجاهدين حرام كحرمة الأمهات، وذلك في الاحترام والتوقير وليس في المحرمية، فإذا أخلف المجاهد رجلاً على أهله فلم يقم بالأمانة التي كلف بها، جاء يوم القيامة ليأخذ المجاهد من حسناته ما شاء.

فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل


شرح حديث: (... ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقةٍ مخطومة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل.أخبرنا بشر بن خالد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سليمان سمعت أبا عمرو الشيباني عن أبي مسعود رضي الله عنه: (أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة)].
يقول النسائي رحمه الله: فضل الصدقة في سبيل الله، أورد النسائي تحت هذه الترجمة عدة أحاديث، أولها: حديث أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنه: [أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في الجهاد في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة)]. المقصود من هذا: أن قوله: [تصدق بناقة مخطومة]، أي: أنه جعلها في سبيل الله عز وجل، وأنها كاملة التجهيز حتى خطامها معها، معناه: أنه تصدق بالناقة، وما يلزم لها من رحل حتى الخطام التي تقاد بها موجود معها، أي: أنها كاملة التجهيز في الجهاد في سبيل الله.
المقصود من قوله: [أنه يأتي بسبعمائة ناقة مخطومة]، أن الله تعالى يضاعف له الثواب على هذه الناقة الواحدة، حتى يكون ذلك بسبعمائة ضعف، أي: أن الله عز وجل يضاعف هذه المضاعفة، وهذا مثل الحديث الذي مر قبل هذا في آخر الباب الذي قبله، قوله: [(من أنفق نفقة في سبيل الله، كتبت له بسبعمائة ضعف)].
أي: أن الله تعالى ضاعفها هذه المضاعفة العظيمة، التي هي سبعمائة ضعف، ويأتي للحساب وعنده هذه الحسنات، وهذا الثواب العظيم الذي ضوعف سبعمائة ضعف.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقةٍ مخطومة)


قوله: [أخبرنا بشر بن خالد].ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا محمد بن جعفر].
الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان].
هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبا عمرو الشيباني].
اسمه: سعد بن إياس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مسعود].
هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مشهور بكنيته: أبو مسعود، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن بحير عن خالد عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، كان نومه ونبهه أجراً كله، وأما من غزا رياءً وسمعةً، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لا يرجع بالكفاف)].أورد النسائي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغزو غزوان)، يعني: صنفان، الغزو في سبيل الله صنفان.
قوله: [(فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد)].
يعني: خمسة أشياء.
قوله: [(كان نومه ونبهه أجراً كله)].
يعني: جميع حركاته، وجميع أحواله أنها تكون له أجراً، يعني: حيث يكون نائماً، وحيث يكون مستيقظاً، كل ذلك يكتب له في سبيل الله عز وجل إذا ابتغى وجه الله عز وجل، بأن كان مخلصاً في قصده وجهاده في سبيل الله؛ يريد بذلك أن تكون كلمة الله هي العليا، كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري: (لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو سبيل الله )، فأن يكون مخلصاً لله عز وجل في قصده ونيته، وأن يكون منفقاً للكريمة، أي: النفيسة، وهي مثلما جاء في حديث معاذ الذي في وصية النبي صلى الله عليه وسلم له لما بعثه إلى اليمن، قال: (فإن أجابوك لذلك -أي: للصلاة-، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم)، أي: احذر أن تأخذ الكريمة النفيسة العزيزة على أهلها، التي يحرصون عليها، لا تأخذها، وإنما يأخذ المصدق من الوسط، ولا يأخذ الكريم النفيس الغالي، ولا يأخذ الهزيل الرديء، وإنما يكون من أوساط المال.
قوله: [(ياسر الشريك)].
يعني: أنه عامل الشريك والصاحب، معاملةً طيبةً، بيسر وسهولة، تكون معاملته معاملةً طيبةً، معاملةً حسنةً، يخالق بأخلاق حسنة، ويعامل معاملةً حسنةً.
قوله: [(وأطاع الإمام)].
يعني: أنه امتثل أمر الإمام حيث يأمره بطاعة، حيث لا يأمره بمعصية، وإنما يأمره بطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يسمع، ويطيع.
قوله: [(واجتنب الفساد)]، أي: اجتنب الأمور المحرمة، والأمور التي لا تسوغ، فإنه إذا كان كذلك، غزوه على هذه الصفات، فإن نومه ونبهه يكون أجراً كله.
وقد ضبط السندي (نبهه): ضبطها بالضم، والسيوطي في أبي داود بالفتح، والسيوطي في حاشية النسائي ضبطها بالكسر.
قوله: [(وأما من غزا رياءً وسمعةً)].
يعني: يقابل ابتغاء وجه الله عز وجل؛ لأن الذي مر، أنه غزا يبتغي وجه الله، فهذا يقابله رياءً وسمعةً، ما يريد وجه الله، وإنما يريد مراعاة الناس، وأن يذكره الناس، وأن يشيدوا به، فيكون السماع عنه حسناً، هذا قصده، وهذا نيته، [وعصى الإمام]، مقابل: أطاع الإمام فيما مضى، [وأفسد في الأرض]، مقابل: واجتنب الفساد فيما مضى، [فإنه لا يرجع بالكفاف]، يعني: أنه لا يرجع بشيء، وإنما يرجع كما كان، على الحالة التي كان عليها قبل، يرجع ولم يحصل على طائل.

تراجم رجال إسناد حديث: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله...)


قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن بحير].
هو بحير بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وفي خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن.
والأصل أنه لا يكرر الكتب الأخرى التي خارج الصحيح، وإنما يذكر أشهرها، وأشهرها الأدب المفرد؛ لأنه أشهر من خلق أفعال العباد، فالأدب المفرد كبير، وخلق أفعال العباد صغير، وغالباً ما يذكر إلا أشهرها.
[عن خالد].
هو خالد بن معدان، وهو ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بحرية].
هو عبد الله بن قيس، أظنه ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه].
هو أبو عبد الرحمن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


حرمة نساء المجاهدين


شرح حديث: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [حرمة نساء المجاهدين.أخبرنا حسين بن حريث ومحمود بن غيلان واللفظ لـحسين، قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل يخلف في امرأة رجلاً من المجاهدين، فيخونه فيها إلا وقف له يوم القيامة، فأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟!)].
أورد النسائي حرمة نساء المجاهدين، أي: عظم شأنهن، ووجوب احترامهن، وإكرامهن، والقيام بشئونهن على القاعدين.
وقد أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم)]، وهذا فيه بيان عظم شأن التحريم، وأنه تشبيه بالأمهات، فالمقصود من ذلك: في الاحترام والتوقير، وليس في المحرمية؛ لأن الأمهات حرمتهن مؤبدة، واحترامهن دائماً وأبداً لا ينقطع ولا ينتهي، وأما المجاهدون ففي حال غيبتهم يكون من يخلفهم في مدة غيبته، يكون على عناية، وعلى اهتمام، وحرص على رعاية شئونهن، والذب عنهن، وتحصيل الخير لهن، ودفع الضرر عنهن.
وتشبيهه بالأمهات بيان عظم شأن هذا الأمر، ولكن الأمر يختلف عن الأمهات؛ لأن الأمهات هذه الحرمة دائمة، ومستمرة، ومؤبدة، وأما بالنسبة لنساء المجاهدين فإنها مؤقتة، أي: في حال غيبة أزواجهن عنهن، فيقومون برعاية مصالحهن، ولا يخونونه فيهن بأن يقصروا، وأن يأخذوا شيئاً من المال الذي جعل لهن للإنفاق لهن، أو ما إلى ذلك من الأمور التي فيها إخلال وإضرار بهن.
قوله: [(وما من رجل يخلف في امرأة رجل من المجاهدين، فيخونه فيها)].
يعني: لا يقوم بالأمانة في هذه الولاية، وهذه النيابة، [(إلا وقف له يوم القيامة فأخذ من عمله ما شاء)]، معناه: أنه ارتكب جرماً كبيراً؛ لأنه خان الذي أنابه، ولم يقم بالأمانة التي كلف فيها، وشأن المجاهدين عظيم، ويوقف له، فيأخذ من حسنته ما شاء.
قال عليه الصلاة والسلام: [(فما ظنكم؟!)]، وقد جاء تفسيرها في حديث رواية أخرى ستأتي: (هل يترك من حسنته شيء)، مادام أنه مكن من أن يأخذ من حسنته ما شاء، معناه: هل يبقي له شيء، وقد مكن من أن يأخذ من حسنته ما شاء؟! وقد مر في الحديث عظم شأن من يخلف الغازي في أهله، وأنه يكون بمثابة من غزا، حيث جاء في بعض الأحاديث المتقدمة: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير، فقد غزا) [من خلفه بخير]، يعني: أنه قام بخلافته إياه بالأمانة، والعناية، والحرص على رعاية المصالح، وإذا كان الإنسان بخلافه، فإنه يمكن ذلك المجاهد من أن يأخذ من حسنات ذلك الذي خلفه وخانه في خلافته، وولايته، يأخذ من حسنته ما شاء.

تراجم رجال إسناد حديث: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ...)


قوله: [أخبرنا حسين بن حريث].هو حسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[و محمود بن غيلان].
هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة بن مرثد].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن بريدة].
هو سليمان بن بريدة المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو بريدة بن الحصيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


من خان غازياً في أهله


شرح حديث: (... وإذا خلفه في أهله فخانه قيل له يوم القيامة: هذا خانك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [من خان غازياً في أهله.أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وإذا خلفه في أهله، فخانه قيل له يوم القيامة: هذا خانك في أهلك، فخذ من حسناته ما شئت، فما ظنكم؟)].
أورد النسائي حديث بريدة من طريق من أخرى، وهو مثل الطريق السابقة، وأورده تحت ترجمة: (من خان غازياً في أهله)، أي: ماذا عليه؟ وقد بين ذلك في الحديث؛ بأنه يقال له: خذ من حسناته ما شئت، وعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (فما ظنكم؟)، أي: هل يبقي من حسناته شيء.

يتبع



ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:16 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (... وإذا خلفه في أهله فخانه قيل له يوم القيامة: هذا خانك في أهلك فخذ من حسناته ما شئت...) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا حرمي بن عمارة].
صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه].
وقد مر ذكر الأربعة.

شرح حديث: (... يا فلان! هذا فلان فخذ من حسناته ما شئت...) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان حدثنا قعنب كوفي، عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين في الحرمة كأمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فيقال: يا فلان، هذا فلان فخذ من حسناته ما شئت، ثم التفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه فقال: ما ظنكم، ترون يدع له من حسناته شيئاً)].أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم، إلا أن فيه في آخره بيان ما أجمل في الروايات السابقة في قوله: [(فما ظنكم؟)]، حيث بينها بقوله: [(ترون يترك من حسناته شيئاً؟)] إذا قيل له: خذ ما شئت، أو خذ من حسناته ما شئت.

تراجم رجال إسناد حديث: (... يا فلان! هذا فلان فخذ من حسناته ما شئت...) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المخرمي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قعنب].
هو قعنب التميمي الكوفي، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه].
وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

شرح حديث: (جاهدوا بأيديكم، وألسنتكم، وأموالكم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (جاهدوا بأيديكم، وألسنتكم، وأموالكم)].أورد النسائي حديث أنس هذا وما بعده من الأحاديث إلى آخر الباب، وهي لا علاقة لها بالباب الذي هو: من خان غازياً في أهله، وهي ليست موجودة في السنن الكبرى في هذا المكان، بل ذكر النسائي الأحاديث الثلاثة في الباب، وانتهى كتاب الجهاد عند الحديث الذي مضى، وليس في كتاب الجهاد في السنن الكبرى بعد الحديث المتقدم هذه الأحاديث التي أولها: حديث أنس في قوله صلى الله عليه وسلم: [(جاهدوا بأيديكم، وألسنتكم، وأموالكم)]، وقد سبق أن مر الحديث بهذا اللفظ إلا أن فيه: (جاهدوا المشركين بأيديكم، وأموالكم، وألسنتكم)، ومن المعلوم: أن المقصود هو جهاد المشركين، كما أنه هنا غير موجود مفعول المجاهدة، إلا أنهم مشركون، كما جاء ذلك مبيناً في الرواية السابقة.
والحديث اشتمل على أنواع الجهاد الثلاثة، التي سبق أن أشرت إليها، وذكرت أنها أربعة، ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، ذكر هذه الثلاثة، وذكر الجهاد بالنية والقصد، وهو الذي جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم حبسهم العذر)، أي: أنهم مجاهدون بنياتهم وقصدهم، والحديث الذي معنا مشتمل على أنواع الجهاد الثلاثة، التي هو: الجهاد باليدين الذي هو النفس، والجهاد بالأموال، والجهاد بالألسنة، أي: في بيان محاسن الإسلام، والحجج على أعداء الإسلام، وكذلك ذمهم بالشعر وغير الشعر، فإن ذلك كله داخل تحت الجهاد بالألسنة.

تراجم رجال إسناد حديث: (جاهدوا بأيديكم، وألسنتكم، وأموالكم)


قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة].
هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك، رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة، ستة رجال وامرأة واحدة.

شرح حديث: (أمر بقتل الحيات، وقال: من خاف ثأرهن فليس منا)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو محمد موسى بن محمد هو الشامي حدثنا ميمون بن الأصبغ حدثنا يزيد بن هارون حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله رضي الله عنه: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات، وقال: من خاف ثأرهن، فليس منا)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الحيات، وقال: من خاف ثأرهن فليس منا)، يعني: من خاف من قتلهن، وثأرهن، أي: الانتقام، بأن ينتقمن منه، (فليس منا)، معناه: تحريض على القتل للحيات، وقد جاء في بعض الأحاديث (النهي عن قتل الحيات)، أي: حيات البيوت، (وعوامر البيوت)، أي: ساكناتها (إلا بعد إيذانهن ثلاثاً)، وقد مرت بعض الأحاديث في ذلك، فيمكن أن الأمر كان أولاً، ثم حصل النهي، ويمكن أن يكون الأمر محمولاً على حال، ويكون النهي محمولاً على حال، وهو أن يكون إيذانهن وتحذيرهن ثلاثاً، وعند ذلك يقتلهن، يعني: إذا لم يخرجن، ويمكن أن يحمل أيضاً على الأمر بالقتل مطلقاً على ما كان في غير البيوت؛ لأن النهي عن البيوت كان مقيداً بتحذيرهن، وإيذانهن، وأما في غير البيوت فإن الأمر على بابه وعلى أصله، وقد جاء في الأحاديث المتقدمة في الحج: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم)، خمس فواسق ومنهن الحية.
والحديث ما يظهر حتى علاقته بالجهاد، يعني: ذكره يتعلق بقتل الحيات، ومن خاف ثأرهن، فليس منا، فهو ما يظهر علاقته في الجهاد، اللهم إلا أن يكون له سبب، وأنه كان في جهاد وما إلى ذلك، لا أدري.

تراجم رجال إسناد حديث: (أمر بقتل الحيات، وقال: من خاف ثأرهن فليس منا)


قوله: [أخبرنا أبو محمد موسى بن محمد].مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا ميمون بن الأصبغ].
هو أيضاً مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا يزيد بن هارون].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك].
هو: شريك بن عبد الله القاضي النخعي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن القاسم بن عبد الرحمن].
هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الإسناد فيه مقبولان، وفيه شريك القاضي الذي يخطئ كثيراً، لكن فيما يتعلق بالأمر بقتل الحيات، فقد جاء في ذلك أحاديث منها ما أشرت إليه، وأما ما يتعلق بقوله: [(ومن خاف ثأرهن فليس منا)]، فلا أدري هل جاء في أحاديث أخرى؟ فـالألباني ذكر الحديث من جملة ما هو صحيح ثابت.

شرح حديث: (...وما تعدون الشهادة إلا من قتل في سبيل الله؟!...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا جعفر بن عون عن أبي عميس عن عبد الله بن عبد الله بن جبر عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاد جبراً رضي الله عنه، فلما دخل سمع النساء يبكين، ويقلن: كنا نحسب وفاتك قتلاً في سبيل الله، فقال: وما تعدون الشهادة إلا من قتل في سبيل الله؟! إن شهداءكم إذاً لقليل، القتل في سبيل الله شهادة، والبطن شهادة، والحرق شهادة، والغرق شهادة، والمغموم -يعني: الهدم- شهادة، والمجنوب شهادة، والمرأة تموت بجمع شهيدة، قال رجل: أتبكين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد؟ قال: دعهن، فإذا وجب، فلا تبكين عليه باكية)].أورد النسائي حديث عبد الله بن جبر: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد جبراً )]، الذي هو: جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري رضي الله عنه.
قوله: [(فلما دخل سمع النساء يبكين، ويقلن: كنا نحسب وفاتك قتلاً في سبيل الله)].
أي: فلما دخل وهو لم يمت، وإنما على قيد الحياة، وكن يبكين يخشين أن يكون موته ليس في الجهاد، وكونهن يحسبن أنه يموت في الجهاد؛ لعل ذلك لكثرة جهاده، وأنهن يتمنين أن يكون شهيداً، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال، [(فقال: وما تعدون الشهادة إلا من قتل في سبيل الله؟ إن شهداءكم إذاً لقليل)]، إذا كان الشهادة لا تكون إلا في القتل في سبيل الله، إذاً: الشهداء قليلون، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافاً عدة، أنهم في حكم الشهداء، والمقصود: أنهم في حكمهم في ثواب الآخرة، بخلاف أحوال الدنيا فإنها تجري عليهم أحكام أمثالهم ممن يموت في غير المعركة، بأنهم يغسلون، ويصلى عليهم، وأما شهداء المعركة فهم الذين يدفنون في ثيابهم، ولا يغسلون، ولا يصلى عليهم، وجاء في بعض الأحاديث: أنه يصلى عليهم، لكن كونهم لا يغسلون ويدفنون في ثيابهم، هذا حكم يختص بالمجاهدين في سبيل الذين يقتلون في المعركة ويموتون في المعركة، فإنهم يدفنون في ثيابهم.
قوله: [(القتل في سبيل الله شهادة)].
وهذا هو الأصل الذي جاءت الأحاديث الكثيرة في وصف أهله بأنهم شهداء، ثم ذكر أصنافاً أخرى ملحقة به من حيث الثواب لا من حيث الأحكام في الدنيا؛ من حيث التجهيز، وما إلى ذلك، فإن شهيد المعركة يختلف عن غيره.
قوله: [(والبطن شهادة)].
أي: المبطون الذي أصيب بوجع البطن، وهو الاستسقاء، أو الإسهال الذي مات بسبب ذلك، فإنه يكون شهادة.
قوله: [(والحرق شهادة)].
أي الحريق الذي مات محترقاً بالنار أيضاً شهادة.
قوله: [(والغرق شهادة)].
الذي يغرق في الماء، ويموت في الماء، فإنه يكون شهيداً.
قوله: [(والمغموم -يعني: الهدم- شهادة)].
يعني: الذي مات في هدم، أيضاً شهيد.
قوله: [(والمجنوب شهادة)].
والمجنوب: وهو الذي أصيب بذات الجنب، مرض يقال له: ذات الجنب، أيضاً شهادة.
قوله: [(والمرأة تموت بجمع شهيدة)].
وقيل في تفسيرها: إنها هي التي تموت وولدها في بطنها، أي: أنها مجموع معها غيرها، وقيل: إنها البكر التي تموت بكراً لم تتزوج.
قوله: [(قال: رجل أتبكين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد؟ قال: دعهن، فإذا وجب فلا تبكين عليه باكية)]
يعني: أن هذا البكاء الذي يكون على قيد الحياة، ليس بكاء على مصيبة؛ لأن المصيبة ما وجدت، وقد يحصل الشفاء، ويعيش، وتموت هذه الباكية قبل ذلك، ولكن المحذور هو إذا حلت المصيبة، ووجدت المصيبة، ثم وجد البكاء، والصياح، فإن هذا هو الذي يكون محذوراً، ثم الأولى أن يبتعد عن ذلك، وأن يجتنب، وأن لا يوجد الصياح، وأما البكاء الذي هو دمع العين، فسواء كان قبل الوفاة، أو بعد الوفاة، فإن ذلك ثابت، ولا بأس به، والنبي صلى الله عليه وسلم بكى عندما مات ابنه إبراهيم، ولما قيل له في ذلك قال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون).
قوله: [(فإذا وجب، فلا تبكين عليه باكية)].
المقصود من ذلك: الصياح، وأما حصول دمع العين، فهذا لا بأس به، ولا مانع منه، ولا محذور فيه، وقد فعل ذلك رسول الله، وقد حصل ذلك من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (...وما تعدون الشهادة إلا من قتل في سبيل الله؟!...)


قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا جعفر بن عون].
صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عميس].
هو عتبة بن عبد الله بن عتبة المسعودي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عبد الله بن جبر].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[عن جبر].
هو جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وهو صحابي، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
وهنا الحكاية أي: الحديث كأنه من مسند عبد الله بن جبر ويحكي عن أبيه، لكن في سنن ابن ماجه عن أبيه عن جده، فيكون من مسند جبر، وعلى هذا فهو متصل، فعبد الله بن عبد الله يروي عن أبيه عبد الله، وعبد الله الذي هو ابن جبر يروي عن جبر، وهو على سياق هذا الإسناد الذي معنا كأنه مرسل؛ لأنه يحكي شيئاً حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لم يدركه، لكن الموجود في سنن ابن ماجه: أنه يرويه عن أبيه عن جده, وقد مر الحديث من طريق أخرى عن الإمام مالك في كتاب الجنائز، وهو بغير هذا السياق: عبد الله بن عبد الله بن جبر يروي عن جده لأمه عتيك بن حارثة، وعتيك بن حارثة يروي عن جبر بن عتيك الذي معنا في هذا الإسناد.

شرح حديث: (... دعهن يبكين ما دام بينهن فإذا وجب فلا تبكين باكية) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن يحيى حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا داود يعني: الطائي عن عبد الملك بن عمير عن جبر رضي الله عنه: (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ميت، فبكى النساء، فقال جبر: أتبكين ما دام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً؟ قال: دعهن يبكين ما دام بينهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية)].وهذا الحديث فيه: أن جبراً ليس هو الذي حصلت عيادته كما جاء في الرواية السابقة، وإنما كان مصاحباً للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يعود شخصاً آخر، وقد مر في الحديث الذي في كتاب الجنائز: أنه يعود عبد الله بن ثابت، أي: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودان عبد الله بن ثابت، وقد سمي في الرواية السابقة في كتاب الجنائز، وقال: يعود ميت هنا، وهو لم يمت؛ لأنه قال: دعهن، فإذا وجبت فلا تبكين باكية، معناه: أنه ليس بميت، ولكن أطلق عليه أنه ميت؛ لأنه في الاحتضار، وقد يطلق على من يكون كذلك أنه ميت، وقد جاء إطلاقه في الحديث الثابت، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، فالمقصود أنه لم يمت، ولكنه قريب من الموت، فوصف بذلك لقربه منه، ولأن التلقين إنما يكون في الحياة، ولهذا قال في آخر الحديث: (فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، أي: يلقن وهو حي.
إذاً: قوله: يعود ميتاً، يعني: محتضراً، أو شخصاً في الاحتضار ولم يمت بعد.
وأيضاً مثله الحديث الآخر على فرض صحته، وهو: (اقرءوا على موتاكم ياسين)، والحديث ضعيف لم يثبت، ولو كان ثابتاً، فإنه يفسر بالمحتضر الذي يقرأ عليه وهو حي، ولا يقرأ عليه بعد الموت، فلو كان ثابتاً، فإنه يحمل على أن المقصود بالأموات المحتضرون؛ لأن قراءة القرآن، وسماعهم القرآن ينفعهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (... دعهن يبكين ما دام بينهن فإذا وجب فلا تبكين باكية) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى].هو أحمد بن يحيى بن زكريا، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[حدثنا إسحاق بن منصور].
هو إسحاق بن منصور السلولي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والنسائي يروي عن إسحاق بن منصور، يعني: يروي عن شخصين: أحدهما من شيوخه، والثاني من شيوخ شيوخه، فإذا جاء إسحاق بن منصور في طبقة شيوخه فالمراد به: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج، وهو ثقة، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه كما هنا، فالمراد به: السلولي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا داود يعني: الطائي].
هو داود بن نصير الطائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن عبد الملك بن عمير].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جبر].
هو جبر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وقد مر ذكره، وحديثه أخرجه النسائي وابن ماجه.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:18 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب النكاح

(423)

- باب ذكر أمر الرسول في النكاح وأزواجه وما أباح الله لنبيه وحظره على خلقه



العدل صفة بارزة في النبي صلى الله عليه وسلم، وتبرز واضحة وجلية في قسمته لنسائه، فكان يقسم لكل واحدة منهن ليلة واحدة ينام عندها ويأكل عندها.

كتاب النكاح ذكر أمر رسول الله وأزواجه، وما أباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وحظره على خلقه زيادة في كرامته وتنبيهاً لفضيلته


شرح حديث: (إن رسول الله كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمان وواحدة لم يكن يقسم لها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب النكاح. ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه، وما أباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وحظره على خلقه زيادة في كرامته وتنبيهاً لفضيلته.أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا جعفر بن عون أخبرنا ابن جريج عن عطاء أنه قال: (حضرنا مع ابن عباس رضي الله عنهما، جنازة ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسرف، فقال ابن عباس: هذه ميمونة إذا رفعتم جنازتها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمانٍ وواحدة لم يكن يقسم لها)].
يقول النسائي رحمه الله: كتاب النكاح، النكاح في اللغة قيل: هو الضم والتداخل، وفي الشرع: يطلق على العقد وعلى الوطء، فيطلق عليهما جميعاً، فيأتي في نصوص الكتاب والسنة النكاح يراد به العقد ويراد به الوطء، فهو حقيقة في الاثنين يطلق على هذا ويطلق على هذا، لكن إطلاقه على العقد أكثر من إطلاقه على الوطء، ويقولون: إذا قيل: نكح رجل ابنة فلان أي عقد عليها وتزوجها، وإذا قيل: نكح زوجته فالمراد به الوطء، فيأتي في الكتاب والسنة ذكر النكاح يراد به العقد ويراد به الوطء، ومن الأمثلة الواضحة لإطلاق النكاح على العقد قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن َّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا )[الأحزاب:49]، فإنه قال هنا (نكحتم) ثم قال: (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) يعني أطلق على العقد دون الوطء، وإن لم يكن معه وطء، ومن أمثلة إطلاقه على الوطء قوله سبحانه وتعالى: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/1.jpgفَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/2.jpg[البقرة:230]؛ لأن هذا النكاح يراد به الوطء؛ لأن السنة قد جاءت ببيان أن المراد به الوطء كما جاء في حديث الصحابي أو (المرأة التي جاءت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتذكر كونها عند زوجٍ أول وأنه طلقها وبت طلاقها، وتزوجت من رجلٍ آخر وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب، وقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن ترجعي إلى فلان؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)، فبين عليه الصلاة والسلام أن المراد بالنكاح هنا الوطء وليس العقد، وأنه لا يكفي مجرد العقد بما يتعلق بتحليلها أو بحلها للزوج الأول الذي طلقها ثلاثاً.
والنسائي رحمه الله، أورد أول الأبواب باب يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وما خصه الله عز وجل به وما أكرمه الله عز وجل به، وفيه إظهار لفضيلته، فقال: باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه وما أباح الله له وحظره على غيره من الخلق تكريماً له وبياناً لفضيلته صلى الله عليه وسلم.
وقول النسائي رحمه الله في الترجمة: باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح، ليس المقصود الأمر الذي هو الحث والترغيب، وواحد الأوامر بل هو واحد الأمور؛ لأن الأمر يجمع على أمور ويجمع على أوامر، وهنا من قبيل ما يجمع على أمور بمعنى الشأن، يعني شأن الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح وما يتعلق به، وليس المقصود الأمر الذي هو واحد الأوامر بمعنى حث وترغيب على النكاح؛ لأن هذا سيأتي له باب يخصه وهو الترغيب في النكاح، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، هذا أمر من أحد الأوامر وهو قوله: (فليتزوج)، لكن الأمر في قوله: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه صلى الله عليه وسلم وما خصه الله تعالى به وحظره على غيره، هذا واحد الأمور وليس واحد الأوامر، ويأتي كثيراً في الكتاب والسنة ذكر الأمر يراد به واحد الأوامر، مثل قوله: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/1.jpgأَفَعَصَيْتَ أَمْرِي https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/2.jpg[طه:93]، يعني ما أمر به، وكذلك يأتي بمعنى واحد الأمور مثل الدعاء الذي فيه: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/1.jpgيَسِّرْ لِي أَمْرِي https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/2.jpg[طه:26]، يعني شأني.
فهنا قول النسائي: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح -يعني شأنه الذي هو واحد الأمور- وأزواجه، يعني وكونه انفرد عن غيره من الأمة بأن تزوج بعدد لا يحل لأحد في أمته أن يتزوج بمثل هذا العدد، فلا يجوز لأحد في هذه الأمة أن يزيد على الأربع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج إحدى عشرة امرأة مات منهن اثنتان في حياته عليه الصلاة والسلام، وهما خديجة أول زوجاته وزينب بنت خزيمة، والتسع الباقيات توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء الإحدى عشرة امرأة أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، فقد قال الله عز وجل: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/1.jpgوَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/2.jpg[الأحزاب:6]، فهن أمهات المؤمنين، أمومة دينية تتطلب الاحترام والتوقير والإكرام وليست هذه الأمومة من قبيل ما يتعلق بالنسب من جهة التحريم وما إلى ذلك، وإنما هي من جهة الحرمة والاحترام، وليس من جهة التحريم، وأنهن بمثابة الأمهات اللاتي ولدن، فالأمومة دينية، https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/1.jpgوَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/2.jpg[الأحزاب:6]، وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، اللاتي تزوج بهن، وهن أمهات المؤمنين، إحدى عشرة، توفي في حياته اثنتان، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع رضي الله تعالى عن الجميع وهذه مرتبات على حسب زواج النبي صلى الله عليه وسلم بهن: سودة، ثم عائشة، ثم حفصة، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة بنت أبي سفيان، ثم جويرية بنت الحارث، ثم صفية بنت حيي، ثم ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي آخرهن.
وما أباح الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وحظره على خلقه إلا تكريماً له وإبانة لفضيلته صلى الله عليه وسلم، أي أن الوصول إلى هذا العدد الذي هو إحدى عشرة، وكونه جمع بين تسع توفي عنهن، هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم تكريماً له وإبانة لفضيلته صلى الله عليه وسلم، وكون النبي عليه الصلاة والسلام، تزوج بهذا العدد، لذلك حكم منها وهو من أهمها: يعني مصاهرة عدد كبير من القبائل؛ ليكون بذلك المودة والعون على النصرة في الدين، وكذلك أيضاً لكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله وهناك أمور لا يطلع عليها إلا الزوجات، فشرع له هذا العدد حتى يحصل منهن تلقي سنته المتعلقة بالبيوت والتي تكون بين الرجل أهل بيته، فيكون في ذلك اطلاع أو وقوف على شيء لا يقف عليه سواهن، فأباح الله عز وجل لنبيه هذا العدد أو هذا التعدد الذي لم يبحه لغيره من أمته لهذه الحكم ولغيرها، وأورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أن عطاء بن أبي رباح قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بنت الحارث الهلالية إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهي آخر زوجاته اللاتي تزوج بهن، أي آخرهن زواجاً؛ لأنه لم يتزوج ميمونة، أحدا فحضروا جنازتها بسرف -وهو موضع قريب من مكة- ولما أرادوا أن يرفعوها قال: إذا رفعتموها [(فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها)]، يعني يريد بذلك الرفق بها وأنها محترمة في حياتها وبعد وفاتها، فإنه أرشدهم إلى أن يرفقوا بها، فلا ينزعوها بقوة وبشدة ولا يحركوها تحريكاً شديداً يحصل به اضطراب الجسد بسبب هذا التحريك وهذه الزعزعة، ومقصوده من ذلك هو الإشارة إلى الرفق والتوقير والتعظيم والاحترام لها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع، وكان يقسم لهن إلا واحدة لم يكن يقسم لها، والمقصود من ذلك: أن ميمونة واحدة من التسع، يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع وهي من جملتهن، وهي من أمهات المؤمنين لها حق الاحترام والتوقير والتعظيم رضي الله تعالى عنها وأرضاها، (فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان معه تسع نسوة)، ومن بينهن كما هو معلوم هذه المرأة التي هي ميمونة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهذا هو المقصود يعني من ذكر الحديث؛ لأنها من جملة هؤلاء التسع اللاتي كن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لها حق التوقير والتعظيم والاحترام، وهذا هو مقتضى الأمومة الدينية الذي يتطلب توقيراً واحتراماً وتعظيماً ومحبة وترضياً وثناءً عليهن بما يليق بهن رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وقد حرم الله نكاحهن من بعده عليه الصلاة والسلام.
قوله: [(فكان يقسم لثمانٍ وواحدةٌ لم يكن يقسم لها)].
يعني من هؤلاء التسع وهن من عدا سودة بنت زمعة؛ لأنه جاء في الحديث الذي بعد هذا أنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة، فكان يقسم لـعائشة نوبتها ونوبة سودة، وكل واحدة من الباقيات يعطيها نوبتها رضي الله تعالى عنهن أجمعين، فـسودة رضي الله عنها تنازلت وجعلت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فكان يقسم لثمان من التسع، والتي لا يحصل لها قسم هي سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج أكثر من أربع، وأن هذا من خصائصه، وهو مباح له تكريماً له، وإبانة لفضيلته، ولا يجوز لأحد من أمته أن يزيد على أربع، وهذا من الحكم في كونه تزوج الأربع الذي أشار إليه كون تكريماً له، وإبانة لفضيلته، لكن أيضاً مع ذلك ما ذكره أهل العلم مما أشرت إليه آنفاً، وهو كونه يصاهر عدداً كبيراً من القبائل، فيكون في هذه المصاهرة مصلحة في الدعوة، وفي تبليغ الرسالة، وفي تأييده ونصرته صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً فيه تكريم لهؤلاء الذين صاهرهم، ثم أيضاً ما يترتب على ذلك من تلقي السنن، ومعرفة الأشياء التي لا يطلع عليها إلا ربات البيوت، فيبلغن هذه السنن عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان معه تسع نسوة فكان يقسم لثمان وواحدة لم يكن يقسم لها)

قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف].هو الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن جعفر بن عون].
صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام الذين اشتهروا بهذا اللقب، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذين هم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

شرح حديث: (توفي الرسول وعنده تسع نسوة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا سفيان حدثني عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده تسع نسوة يصيبهن إلا سودة فإنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو في معنى ما تقدم من كون النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بهؤلاء التسع، والمقصود أنه توفي عنهن كما في كلام ابن عباس رضي الله عنه، وإلا فالزواج بإحدى عشرة، ولكن اللاتي توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يصيبهن إلا واحدة وهي سودة بنت زمعة التي وهبت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ورضي الله تعالى عن أزواجه وعن الصحابة أجمعين. فكان يقسم لهؤلاء إلا سودة، فهذا الحديث فيه بيان المرأة التي ذكرت في الحديث الأول مبهمة، والتي كان لا يقسم لها فبين هذا الحديث أنها سودة بنت زمعة، والسبب في ذلك أنها وهبت يومها وليلتها لـعائشة رضي الله تعالى عنها.
وفي الحديث دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه لكل واحدة يوم وليلة، وهذا هديه صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أرفق؛ لأن اللقاء يكون متقاربا، بخلاف ما لو يكون عند المرأة عدد من الأيام، ثم يأتي إلى الثانية عدد من الأيام فإنه يطول الالتقاء بينهم، فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه التيسير والتسهيل، وهو أنه كان يقسم لكل واحدة اليوم والليلة معاً ثم يذهب إلى الثانية.

يتبع


ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:18 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (توفي الرسول وعنده تسع نسوة ...)

قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].هو الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن ابن أبي مريم].
هو سعيد بن الحكم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار].
هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
قد مر ذكره.
[عن ابن عباس].
قد مر ذكره.


شرح حديث: (كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد وهو ابن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنساً رضي الله عنه حدثهم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذٍ تسع نسوة)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذٍ تسع نسوة)، يعني معناه: أنه يطوف في الليلة الواحدة على تسع نسوة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد عرفنا فيما مضى أنه كان يقسم لهن، وأن كل واحدة لها يوم وليلة، وهذا الحديث فيه أنه كان يطوف عليهن في الليلة وهن تسع، فكيف يوفق بين هذا وما تقدم من أنه كان يقسم لهن وأنه يكون لواحدة يوم وليلة وهنا فيه أنه يطوف عليهن في الليلة الواحدة وهن تسع رضي الله تعالى عنهن، وأجيب عن ذلك بأجوبة قيل: إنه كان برضاهن وأنه برضا صاحبة النوبة أنه يطوف على نسائه في ليلتها، وقيل غير ذلك من التعليلات، لكن هذا أقربها، وقيل: إنه كان يفعل ذلك؛ لأن القسم ليس واجباً عليه وإنما هو كان يقسم تفضلاً منه وإحساناً إليهن جميعاً، ومن العلماء من قال: إنه لم يكن واجباً عليه ومنهم من قال: كان واجباً عليه، فيكون هذا القسم امتثالاً لما هو واجب عليه، والفريق الثاني يقول: إنه ليس واجبا ولكنه مع ذلك كان يقسم إحساناً إليهن وإدخالاً للسرور عليهن جميعاً، وإن كان ذلك غير واجب عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة)

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن يزيد وهو ابن زريع].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو ابن زريع هذه أتى بها النسائي أو من دون النسائي؛ لأن مثل هذه الجملة يؤتى بها لتوضيح الشخص؛ لأن تلميذه ما زاد على كلمة: يزيد، لكن من دون التلميذ أضاف كلمة: ابن زريع، وأتى قبلها بهو حتى يعلم بأنها ليست من التلميذ، ولكنها جاءت ممن دونه من أجل الإيضاح والبيان لهذا الذي أهمل فلم ينسب فذكر النسبة؛ لأنه لو أتى بها بدون هو لظن أن هذا لفظ التلميذ، وأن التلميذ نسب شيخه في هذا الإسناد، لكن أتي بكلمة هو حتى يتبين أنها ليست من التلميذ وأن التلميذ اقتصر على الاسم فقط، وأن من دون التلميذ زاد هذه النسبة وأتى بهذا اللفظ حتى يعلم بأنها ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ وهذا فيه الدقة والاحتياط في النقل.
[عن سعيد].
هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة يدلس، وهو من أثبت الناس في قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقول: أو تهب الحرة نفسها؟ فأنزل الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgتُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:51]، قلت: والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك)]. أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أنها قالت: (كنت أغار على اللاتي يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم)، تغار عليهن يعني تكره منهن مثل هذا الصنيع، وتعيب عليهن في ذلك وتقول: أو تهب الحرة نفسها؟ يعني تريد بذلك عيب هذا العمل وأنه ما كان ينبغي لهن ذلك، وهي تريد الحظوة به صلى الله عليه وسلم وألا تكثر مشاركة غيرها له صلى الله عليه وسلم، فكانت تعيب على من تأتي تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن الواهبات معذورات في ذلك وحق لهن أن يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن يردن أن يحصلن شرفاً عظيماً في أن يكن من أزواجه وأن يكن من أمهات المؤمنين، فالمرأة إذا وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم أو رغبت بأن يتزوجها رسول الله وعرضت نفسها على رسول الله فهي تريد الخير وتريد القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد أن تكون من أمهات المؤمنين فهي معذورة إذا فعلت ذلك، وهذا الذي تطلبه شرف عظيم لها، لكن عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت تغار وتعيب ذلك عليهن وتقول: أو تهب الحرة نفسها؟ يعني معناه أن هذا شيء لا ينبغي، وأن هذا شيء معيب، لكن كونها تهب نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم هذا شيء عظيم وشرف كبير إذا حظيت به المرأة فقد حظيت بالخير الكثير والنفع العظيم والقرب من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان بعض النساء يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgتُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:51]، قالت عائشة رضي الله عنها: (ما أرى الله يسارع إلا في هواك)، يعني الشيء الذي يعجبك وترتضيه الله تعالى يعجل لك الشيء الذي فيه تحقيق رغبتك، هذا هو معنى كلام عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفي هذا دليل على أن الآية وهي قوله: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgتُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:51] يراد بها الواهبات، يعني اللاتي يهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم له أن يأخذ منهن من يريد وأن يترك من يريد، وله أن يترك ما يريد، http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgتُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:51]، أي من الواهبات أنفسهن لك، http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:51]، يعني إذا شئت أن تؤوي إليك أحداً من الواهبات وتتزوجها فلك ذلك، وإن شئت أن ترجي وتؤخر فلك ذلك، فكانت عائشة رضي الله عنها تعيب على من تهب نفسها، ولما أنزل الله عز وجل هذه الآية التي فيها أنه يأخذ من يشاء من الواهبات ويترك من يشاء من الواهبات، قالت هذه المقالة وهي أن الله تعالى أكرمه بأن يؤوي من يشاء إليه فيتزوجها ويرجي من يشاء منهن فلا يتزوجها، وقيل: إن المقصود بالضمير في (منهن) أنه يرجع إلى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يقسم لمن شاء منهن ويترك من شاء، وأن القسم ليس واجباً عليه، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم تفضلاً منه وإحساناً منه إلى زوجاته، ومن العلماء من قال: إنه لا مانع أن تشمل الآية الأمرين: تشمل ما يتعلق بالواهبات وأن الرسول له أن يأخذ منهن ما يشاء ويترك ما يشاء كما دل عليه حديث عائشة هذا، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بزوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأن له أن يرجي منهن من يشاء، ويؤوي منهن من يشاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن للنبي ...)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[عن أبي أسامة].
هو أبو أسامة حماد بن أسامة، وافقت كنيته اسم أبيه، فكنيته أبو أسامة وأبوه أسامة، ومن أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه لئلا يظن التصحيف فيما لو جاء حماد أبو أسامة وهو مشهور بـحماد بن أسامة، فإن كل ذلك صحيح، إذا جاء حماد بن أسامة فهو صحيح وإن جاء حماد أبو أسامة فهو صحيح، ومن كان يعرف أنه حماد بن أسامة، ولا يعرف أنه أبو أسامة، لقال: أبو مصحفة من ابن لكن من يعرف الحقيقة لا يظن هذا الظن؛ وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة المعروفين بهذا اللقب في عصر التابعين، وهم عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهؤلاء ستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، ذات الفضائل الكثيرة والمناقب الجمة، وهي التي رميت بالإفك وأنزل الله عز وجل براءتها في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابيات رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة رجال وامرأة واحدة وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.


شرح حديث: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله، فرى في رأيك، فقام رجل فقال: زوجنيها، فقال: اذهب فاطلب ولو خاتماً من حديد، فذهب فلم يجد شيئاً ولا خاتماً من حديد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمعك من سور القرآن شيء؟ قال: نعم، قال: فزوجه بما معه من سور القرآن)].أورد النسائي حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه في قصة إحدى الواهبات اللاتي وهبن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، والنسائي رحمه الله لما ذكر الحديث الذي قبله وفيه ذكر الواهبات وأن عائشة كانت تغار وتعيب عليهن هبتهن أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم، عقب بذلك بهذا الحديث الذي فيه ذكر خبر واحدة من الواهبات اللاتي وهبن أنفسهن للرسول عليه الصلاة والسلام، وسهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أنا في القوم، يعني في القوم الذين في مجلسه صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة وقالت: إني وهبت نفسي لك يا رسول فرى في رأيك، يعني الذي تراه فيَّ افعله، وهي قد بذلت نفسها ووهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم تريد أن تكون زوجة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لتحصل الشرف، والمنقبة، والفضل العظيم الذي حظيت به واختصت به أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، والحديث هنا مختصر فالرسول صلى الله عليه وسلم صوب فيها النظر وخفضه ثم سكت فتكلم رجل من القوم وقال: (زوجنيها يا رسول الله)، فسأله هل عنده شيء يدفعه مهراً لها؟ فقال: لا، ثم قال له: (التمس ولو خاتماً من حديد) يعني ابحث عن شيء ولو كان قليلاً حتى ولو كان خاتماً من حديد، فذهب وجاء ولم يجد حتى الخاتم من حديد، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله: (هل عندك شيء من سور القرآن؟ فأخبره بأن عنده سور كذا وكذا فزوجه إياها بما معه من القرآن)، أي على أنه يعلمها هذه السور ويكون هذا العمل هو مهرها؛ لأنه تكلف هذا العمل الذي هو تعليمها ويكون بذلك مهرها، والمقصود من ذلك أن المهر مطلوب وأنه لا بد منه، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إليه ولو كان شيئاً يسيراً وأنه إذا لم يوجد فيمكن أن ينتقل إلى شيء يقوم مقامه من عمل يقوم به فيه مصلحة للزوجة تعود منفعته عليها وعلى أهلها، فهنا سأله عن شيء من القرآن معه، فأخبره بأن عنده سور كذا وكذا، فكان مهرها أن يعلمها شيئاً من القرآن الذي عنده.
والمقصود من هذا الحديث: ذكر هبة النساء أنفسهن للرسول صلى الله عليه وسلم وأنه يأخذ من شاء منهن ويترك، وهذه ممن تركها ولم يحقق رغبتها، ثم حصلت هذه المحاورة بينه وبين ذلك الرجل من الصحابة حتى انتهى الأمر إلى تزويجه إياها بأن يمهرها تعليمها شيئاً من القرآن، وليس المقصود من ذلك أنه زوجها إياه بدون مهر تكريماً له لأن عنده شيء من القرآن، فإن كونه يحمل شيئاً من القرآن هذا شيء يعود إليه وشيء نفعه له، ولكن المقصود النفع الذي يتعدى إليها والمصلحة التي ترجع إليها وهي كونها تعلم ويحبس نفسه شيئاً من الوقت لتعليمها، ولكونها تكون على علم بشيء من القرآن لم تكن تعلمه، فهو يدل على أن المهر لا بد منه ولو كان بالشيء اليسير، ويدل على أنه إذا لم يوجد المال فإنه يمكن الانتقال إلى شيء يقوم مقام المال من تحصيل منافع وأعمال يقوم بها الزوج للزوجة يكون بذلك العمل الذي عمله وهو تدريسه إياها وتعليمه إياها شيئاً من القرآن مهراً لها.


تراجم رجال إسناد حديث: (أنا في القوم إذ قالت امرأة: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله ...)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي وابن ماجه.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وقد مر ذكره.
[عن أبي حازم].
هو أبو حازم سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن سعد].
هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو العباس ويقال: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا هو وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما فإن كلاً منهما يكنى بأبي العباس، وحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:18 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب النكاح

(424)

- باب ما افترض الله عز وجل على رسوله وحرمه على خلقه ليزيده قربة إليه - باب الحث على النكاح


خص الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام بأمور وأحكام في أمور الزواج، من ذلك تخيير نسائه بين البقاء معه والدار الآخرة، وبين الدنيا وزينتها، وأبيح له من النساء ما شاء حتى نزل عليه تحريم الزيادة، وهذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام.

ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربةً إليه



شرح حديث عائشة في تخيير أمهات المؤمنين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربة إليه.أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد النيسابوري حدثنا محمد بن موسى بن أعين حدثنا أبي عن معمر عن الزهري حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه، قالت عائشة: فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، قالت: وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/11.jpgيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/12.jpg[الأحزاب:28]، فقلت: في هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة)].
يقول النسائي: ما افترض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله بذلك قربة عند الله عز وجل، ذكر الافتراض في الترجمة غير واضح من حيث أن ما ذكر مفروض عليه، وأنه واجب عليه؛ لأن الذي ذكر تحت هذه الترجمة هو: كونه أحل الله له من النساء ما شاء، وأنه لم يمت حتى أحل له من النساء ما شاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والافتراض غير واضح في ذلك، ثم تخيير المرأة بين البقاء عند زوجها وبين فراقه ليس من خصائصه عليه الصلاة والسلام، بل يجوز للإنسان أن يخير امرأته بين أن تبقى معه، وبين أن يفارقها، ولكن الذي اختص به عليه الصلاة والسلام هو ما أنزل الله عز وجل عليه من القرآن في تخيير نسائه، وكونه خيرهن بين أن يبقين بعصمته مع عدم السعة في الرزق، وأن يفارقهن إذا كن يردن الدنيا وزينتها، فاخترن البقاء معه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو إذا أُريد من هذه الناحية أنه اختص بهذا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فله وجه، وإلا فإن الأحاديث التي وردت في الباب ليست من قبيل الافتراض، وإنما هي من قبيل الإباحة له صلى الله عليه وسلم، وأنه يجوز له أن يتزوج من النساء ما شاء، ولم يكن ذلك مفترضاً عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها في التخيير، وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه قول الله عز وجل: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/11.jpgيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحًا جَمِيلًا https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/12.jpg[الأحزاب:28]، فبدأ بـعائشة رضي الله عنها وأرضاها وخيرها، ثم خير نساءه بعدها، والكل اختار الله عز وجل ورسوله والدار الآخرة، وهو دال على فضلهن جميعاً، ونبلهن جميعاً، حيث آثرن البقاء مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان العيش قليلاً، وليس هناك سعة في المآكل والمشارب، لكنهن آثرن الله عز وجل والدار الآخرة، وصبرن في الدنيا على ما يحصل لهن من قلة ذات اليد، والله تعالى يثيبهن على ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن.
وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، لما خيرها الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ بها، قبل أن يذكر لها التخيير مهد لذلك بتمهيد وقال: [(إني ذاكرٌ لك أمراً، فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك)]، يعني: تستشيريهما، وتحصل منك طلب مشورتهما، ولعل النبي عليه الصلاة والسلام مهد بهذا التمهيد لكونها شابة، وصغيرة، وقد يكون عندها شيء من التطلع إلى الدنيا وزينتها، فأراد أن تأخذ برأي الأكابر، وقد قالت رضي الله عنها وأرضاها: وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه، فعندما خيرها قالت: [إنها تختار الله عز وجل ورسوله والدار الآخرة]، أي: الجانب الثاني من التخيير؛ لأن الله تعالى قال: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/11.jpgيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنّ َ سَرَاحًا جَمِيلًا https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/12.jpg[الأحزاب:28]، فهذا تخيير، وهذا أحد الشيئين المخير فيهما، فاختارت الشيء الثاني: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/11.jpgوَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/12.jpg[الأحزاب:29]، فهي قالت: أريد الله، ورسوله، والدار الآخرة، يعني: كما جاء في القرآن، فكان التخيير بين شيئين: الدنيا وزينتها مع فراقه عليه الصلاة والسلام، والله عز وجل والدار الآخرة مع البقاء في عصمته عليه الصلاة والسلام، فاختارت الله، ورسوله، والدار الآخرة، وهذا يدل على فضلها، ونبلها، ورجاحة عقلها مع صغر سنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعمرها ثماني عشرة سنة، وكان التخيير قبل ذلك وسنها صغير، ولكن لفضلها، ونبلها، ورجاحة عقلها اختارت الرسول صلى الله عليه وسلم، والبقاء في عصمته، والصبر على ما يحصل من قلة ذات اليد؛ رجاء ما عند الله عز وجل والدار الآخرة، ثم ما يترتب على البقاء في عصمته من تلقي السنن، ومعرفة الأحكام الشرعية لا سيما المتعلقة بالبيوت، والتي لا يطلع عليها إلا الأزواج، وخاصة الأمور التي تجري بين الرجل وأهله مما لا يعرفه إلا النساء، ولا يطلع عليه إلا النساء، فكانت رضي الله تعالى عنها وأرضاها من أوعية السنة، وكانت حافظة للسنن، وروت الحديث الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مثلما روت، كثرة، وسعة، وشمولاً رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فاختارت الله عز وجل، ورسوله، والدار الآخرة، وكذلك غيرها من زوجات الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنهن أجمعين.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تخيير أمهات المؤمنين

قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد النيسابوري].هو المشهور بـالذهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا محمد بن موسى بن أعين].
صدوق، أخرج له البخاري، والنسائي.
[حدثنا أبي].
هو موسى بن أعين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، ذات الفضائل الكثيرة، والمناقب الجمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وقد كان الذين عرفوا بالكثرة من أصحابه سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم لدلالتهم الأمة

ومن المعلوم: أن من روى عن النبي عليه الصلاة والسلام سنناً وحفظها عنه، وأداها إلى من بعده، فإن له مثل أجور كل من عمل بهذه السنن إلى يوم القيامة؛ لأنه كان سبباً في وصول هذا الخير إليهم، وفي معرفة هذا الحق والهدى، ولهذا فإن الله عز وجل بعث رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، فدلهم على كل خير، وحذرهم من كل شر، وله عليه الصلاة والسلام أجور أعماله، وله مثل أجور أمته كلها من أولها إلى آخرها؛ لأنه هو الذي دل على هذا الهدى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من دل على هدى فله مثل أجر فاعله)، فإذا أراد الإنسان أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بسببه درجات ورفعة في الدرجات، فعليه أن يتابع الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعمل بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم الله عز وجل يثيبه على عمله، ويثيب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما أثابه؛ لأنه هو الذي دل على هذا الهدى، وعلى هذا الخير، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، وأوفر الناس حظاً ونصيباً بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، الذين تلقوا السنن عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وكانوا الواسطة بين الناس وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يعرف الناس الحق والهدى إلا عن طريق الصحابة، وكل حق وهدى إنما وصل إلى الناس عن طريقهم، فالقرآن ما عرف إلا عن طريق الصحابة، والسنن والأحاديث ما عرفت إلا عن طريق الصحابة، فكل صحابي روى حديثاً أو أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أي إنسان عمل بهذه السنن التي رواها ذلك الراوي من الصحابة، فإن الله تعالى يثيب ذلك الصحابي مثل أجور كل من عمل بهذه السنن التي تلقاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشرها وأعطاها لغيره، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها، هي الصحابية الوحيدة التي روت الآلاف من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلها أجور أعمالها، ولها مثل أجور كل من عمل بالسنن والأحاديث التي وردت عنها، ومن طريقها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهذا يدل على فضل الصحابة رضي الله عنهم، وتميزهم على غيرهم.

شرح حديث: (قد خير رسول الله نساءه أو كان طلاقاً؟)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سليمان سمعت أبا الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قد خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه أو كان طلاقاً؟)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام خير نساءه)]، وهو يتعلق بالحديث الذي قبله، من حيث التخيير ودليل التخيير، لكن هذا الحديث يدل على أن هذا التخيير الذي حصل لهن، واخترن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه لم يكن طلاقاً؛ وإنما يكون طلاقاً لو اختارت المرأة نفسها، لكن بعض أهل العلم قال: إنها إذا خيرها بين البقاء وعدم البقاء فاختارت نفسها، فإنها تكون بائناً، وإذا اختارت زوجها، فإنها تكون طلقة رجعية، وهذا ليس بصحيح، بل الأمر كما جاء في هذا الحديث، فإذا اختارت المرأة زوجها فليس بطلاق، إذا قال لها: اختاري أن تبقي أو لا تبقي؟ فقالت: اختار أن أبقى، فالعصمة باقية على ما هي عليه، وما حصل طلاق حتى يحصل مراجعة، وعلى هذا فالنبي عليه الصلاة والسلام خير نساءه فاخترن البقاء معه، فبقين في عصمته وما كان طلاقاً؛ لأن بقاءهن معه يحتاج إلى رجعة لو كان طلاقاً، ولم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم راجعهن بعد أن اخترنه، فدل هذا على أنه ليس هناك طلاق، ولهذا قالت عائشة: (أو كان طلاقاً؟) أي: فلم يكن طلاقاً، حيث اخترنه عليه الصلاة والسلام، وإنما يكون كذلك لو اختارت المرأة نفسها.

يتبع


ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:19 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (قد خير رسول الله ساءه أو كان طلاقاً؟)

قوله: [أخبرنا بشر بن خالد العسكري].ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا غندر].
هو لقب لـمحمد بن جعفر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يأتي بلقبه كما هنا، ويأتي باسمه كثيراً، فيقال: محمد بن جعفر، ويأتي كثيراً غير منسوب إذا كان الراوي عنه محمد بن المثنى أو محمد بن بشار، فهو يروي عن شعبة، ويأتي غير منسوب، فيكون المراد به: غندر هذا، ويأتي ذكره باسمه وذكره بلقبه، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر باسمه مرة، ثم ذكر بلقبه مرة أخرى، فإن من لا يعرف أن هذا لقب لفلان يظن أن غندراً شخص، وأن محمد بن جعفر شخص آخر، لكن من عرف أن محمد بن جعفر يلقب غندر، فسواءً جاء في الإسناد محمد بن جعفر أو جاء غندر، فإن من يعرف ذلك لا يلتبس عليه الأمر، وإنما يلتبس الأمر على من لا يعرف ذلك، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من أرفع صيغ التعديل وأعلاها، كون الشخص يوصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، هذا لقب رفيع، ووصف عال لم يظفر به إلا القليل من المحدثين، منهم: شعبة هذا، وسفيان الثوري، والدارقطني، والبخاري، وإسحاق بن راهويه، وعدد من المحدثين وصفوا بهذا اللقب، فـشعبة بن الحجاج الواسطي لقب بهذا اللقب، وهو دال على علو منزلته، وضبطه، وإتقانه رحمة الله عليه.
[عن سليمان].
هو غير منسوب، وهو سليمان بن مهران الكاهلي، ولقبه: الأعمش، يأتي في بعض الأسانيد الأعمش، وفي بعضها سليمان، وكثيراً ما يكون غير منسوب كما هنا، وهو: الأعمش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويقال فيه ما قيل في غندر الذي ذكر بلقبه، وهنا ذكر الأعمش باسمه.
[سمعت أبا الضحى].
هو مسلم بن صبيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها.

شرح حديث: (خيرنا رسول الله فاخترناه..) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخترناه، فلم يكن طلاقاً)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، [(خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، فلم يكن طلاقاً)]، يعني: لما اخترن الرسول عليه الصلاة والسلام بقين في عصمته، فلم يكن هناك طلاق، والرواية السابقة، (أو كان طلاقاً)، يعني: أنه لم يحصل، وهنا قالت: [(فاخترناه فلم يكن طلاقاً)]، وإنما يكون طلاقاً لو اختارت المرأة نفسها عندما تخير، لكن كونها تختار زوجها، فالأمور باقية على ما هي عليه، ما حصل شيء جديد.

تراجم رجال إسناد حديث: (خيرنا رسول الله فاخترناه..) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، من أئمة الجرح والتعديل، وكذلك عمرو بن علي الفلاس من أئمة الجرح والتعديل، وحديث عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، ثقة فقيه، معروف بالفقه، والحديث، ووصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها كما مر عند ذكر شعبة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل].
هو ابن أبي خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يؤثر عنه في الرافضة قوله: إن الرافضة فاقوا اليهود والنصارى بخصلة، فاليهود لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، والنصارى لو قيل لهم: من خير أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، والرافضة إذا قيل لهم: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد، وهذا الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه، قاله رافضي في قصيدة سيئة مملوءة من الوقاحة، والخبث، والذم، والعيب لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهي قوله في قصيدته:
أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها
هيهات ذاك، يعني: هذا لا يكون، بل أشقاها، أي: أشقى أمة أخرجت للناس، يقصد بذلك أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فهذا الخبث المتناهي، وهذه الوقاحة وهذه الخسة، وهذا الحقد الدفين على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين هم خير القرون، لا يصدر إلا من قلب ممتلئ بالخبث، والخسة، والسوء والعياذ بالله.
[عن مسروق عن عائشة].
وقد مر ذكرهما.


شرح حديث: (ما مات رسول الله حتى أحل له النساء)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حفظناه من عمرو عن عطاء قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (ما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أحل له النساء)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: [(أن النبي عليه الصلاة والسلام ما مات حتى أحل له النساء)]، يعني: أن يتزوج من النساء ما شاء، قالوا: والمقصود بذلك قوله: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgإِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:50]، وقالوا: إنها ناسخة للآية التي بعدها: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:52]، فلم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له من النساء ما شاء، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام: أنه يتزوج ما شاء من النساء من غير قيد بعدد، لكنه عليه الصلاة والسلام لم يزد على التسع اللاتي كن في عصمته رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وهن اللاتي توفي عنهن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن الله قد أباح له ذلك، ولم يحرم عليه، وكان قد منع من ذلك، وقيل له: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:52]، ثم قالوا: فنسختها الآية التي قبلها وهي: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الأحزاب:50]، فلم يبق المنع على ما كان عليه، بل رفع المنع، وأبيح للرسول صلى الله عليه وسلم الزواج كيف شاء، ولكنه عليه الصلاة والسلام بقي على ما كان عنده من النساء التسع اللاتي مات عنهن صلى الله عليه وسلم.


تراجم رجال إسناد حديث: (ما مات رسول الله حتى أحل له النساء)


قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عمرو].
هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالت عائشة].
وقد مر ذكرها.


شرح حديث: (ما توفي رسول الله حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام وهو المغيرة بن سلمة المخزومي حدثنا وهيب حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه قولها: [(ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء)]، يعني: رفع عنه المنع الذي كان قد حصل، وأبيح له أن يتزوج ما شاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من خصائصه التي اختص بها دون غيره من سائر الأمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.


تراجم رجال إسناد حديث: (ما توفي رسول الله حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو المخرمي، وهو بالراء المشددة المكسورة، وقد ذكر هذا الصنعاني في تهذيب الأنساب، وأورده ابن الأثير في اللباب في تهذيب الأنساب، وقال: إنها نسبة إلى محل ببغداد، والمخرمي هذا بغدادي، وينسب إلى بغداد، فيقال: البغدادي، ففي اللباب في تهذيب الأنساب ذكر أن هذه النسبة المخرمي هي بكسر الراء المشددة إلى محلة ببغداد، فهو بغدادي مخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا أبي هشام وهو المغيرة بن سلمة المخزومي].
محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي عندما روى الحديث عن أبي هشام لم يزد على الكنية، فقال: عن أبي هشام، فجاء النسائي أو من دون النسائي وأرادوا أن يوضحوا من هو أبو هشام هذا؟ فذكروا أنه المغيرة بن سلمة المخزومي، فأتوا بكلمة هو، (وهو): المغيرة بن سلمة المخزومي؛ حتى يعرف بأن هذه الزيادة التي بعد (هو) ليست من التلميذ الذي هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وإنما هي من النسائي الذي روى عنه أو ممن دونه ولو قال: عن أبي هشام المغيرة بن سلمة المخزومي؛ لفهم أن هذا كلام التلميذ، لكن لما جاءت (هو) عرف أن هذا ليس من كلام التلميذ، وإنما هو من كلام من دون التلميذ، وهذا يدل على دقة علماء الحديث في التعبير، والإتيان بالألفاظ التي تدل على الاحتياط، والتوقي، والورع، وأن الواحد منهم يوضح ويبين ما فيه لبس، دون أن يغفل أو يخلي المقام مما يوضح أن هذه الزيادة ليست من التلميذ، بل هي ممن دون التلميذ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا وهيب].
هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد بن عمير].
هو عبيد بن عمير الليثي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين وقد مر ذكرها.

ابوالوليد المسلم 07-08-2022 04:20 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب النكاح

(425)

- باب النهي عن التبتل - باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف


حث الشارع الحكيم على تزوج الودود الولود لتكثير هذه الأمة، ونهى في مقابل ذلك عن التبتل ولو كان بقصد التفرغ للعبادة، وبين أن فاعل ذلك مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته، كما نهى من خشي العنت على نفسه من الاختصاء، ووعده الله أن يعينه إذا أراد النكاح للعفاف.
النهي عن التبتل

شرح حديث سعد بن أبي وقاص: (لقد رد رسول الله على عثمان التبتل ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن التبتل.أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (لقد رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان التبتل، ولو أذن له لاختصينا)].
يقول النسائي رحمه الله: باب النهي عن التبتل. لما ذكر النسائي في الترجمة السابقة: الحث على النكاح وأتى بالأحاديث التي فيها الترغيب فيه، أتى بهذه الترجمة التي فيها النهي عن تركه لمن هو قادر عليه وأراد تركه تبتلاً، يعني انقطاعاً للعبادة وإعراضاً عن الزواج، فأورد هذه الترجمة بعد تلك الترجمة؛ لأن الترجمة السابقة فيها ترغيب وهذه الترجمة فيها نهي ومنع من التبتل، والتبتل هو ترك الزواج والإعراض عنه مع القدرة عليه؛ انصرافاً وإقبالاً على العبادة.
وقد أورد النسائي عدة أحاديث في هذه الترجمة، أولها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام رد على عثمان تبتله، أي أنه نهاه، فـعثمان أراد التبتل والرسول صلى الله عليه وسلم رد عليه ذلك الذي أراده ونهاه عنه، وقوله: (ولو أذن له لاختصينا)، يعني لو أذن له في ترك الزواج والانقطاع للعبادة لاختصينا، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: [(اختصينا)] أتينا بالأسباب التي تقطع الشهوة أو التي تقلل الشهوة وتمنع منها ليكون الإنسان منشغل في العبادة، ومن ذلك الصيام الذي يضعف الشهوة ويقللها، وقد عرفنا في الأحاديث السابقة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، أي بمثابة الخصاء؛ لأنه أخذ بهذا السبب الذي يضعف الشهوة فيحتمل أن يكون قوله: (لاختصينا)، يعني أخذنا بالأسباب التي تضعف الشهوة، ويكون من بين ذلك الصيام كما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ويحتمل أن يكون المراد من ذلك حقيقته ويكون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ظنوا أن ذلك سائغ، فبين لهم أنه غير سائغ.
ولا يجوز للإنسان أن يختصي بل هو مرغب في الزواج ومحثوث عليه؛ لتكثير النسل لتكثر هذه الأمة، ومن أسباب هذا الزواج، ومن فوائد الزواج كثرة النسل وكثرة الأمة، والنبي عليه الصلاة والسلام حث على تزوج من تلد فقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة)، فإذاً من مقاصد الشريعة في الزواج مع إحصان الفرج وغض البصر كثرة النسل وكثرة أمة محمد عليه الصلاة والسلام -أمة الإجابة- وعلى هذا فالتبتل -ترك الزواج والانقطاع للعبادة- نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء هنا في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص: (لقد رد رسول الله على عثمان التبتل ...)

قوله: [محمد بن عبيد].هو المحاربي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن عبد الله بن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ينسب إلى جده زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن أبي وقاص].
رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذين عهد عمر رضي الله تعالى إليهم وجعل الأمر شورى بينهم يختارون واحداً منهم لخلافة المسلمين والولاية عليهم، وكان مجاب الدعوة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث عائشة: (أن رسول الله نهى عن التبتل) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن أشعث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التبتل)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو بمعنى حديث سعد فقالت عائشة رضي الله عنها: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبتل).
قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].
هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن خالد].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أشعث].
يحتمل أن يكون أشعث بن عبد الملك الحمراني، ويحتمل أن يكون أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، والحمراني ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن، والحداني صدوق، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، فيحتمل هذا ويحتمل هذا وكل واحد منهما معتبر ومحتج به، إلا أن أشعث بن عبد الملك الحمراني ثقة، وأما أشعث بن جابر الحداني فهو صدوق، وكل منهما أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة؛ لأن خالد بن الحارث روى عن الاثنين وهما يرويان عن الحسن.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن هشام].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أكثر الصحابيات حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حديث سمرة بن جندب: (أن النبي نهى عن التبتل) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن التبتل)، قال أبو عبد الرحمن قتادة أثبت وأحفظ من أشعث وحديث أشعث أشبه بالصواب، والله تعالى أعلم].أورد النسائي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، وهو مثل حديث عائشة المتقدم، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبتل).
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن معاذ بن هشام].
هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
قد مر ذكره.
[عن سمرة بن جندب].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وفي سماع الحسن من سمرة أقوال ثلاثة قيل: إنه لم يسمع منه، وقيل: إنه سمع منه، وقيل: إنه سمع حديث العقيقة، وكما هو معلوم الحديث الذي قبله هو بمعناه وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون كل من الحديثين ثابت، وموضوع الحديثين وهو النهي عن التبتل، فهو ثابت من حديث عائشة ومن حديث سمرة ومن حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم ومن حديث غيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عن الجميع.
[قول أبي عبد الرحمن].
فـأبو عبد الرحمن يقارن بين الإسنادين، فقال: إن حديث أشعث أولى بالصواب، وإن كان قتادة بن دعامة أحفظ وأثبت، ولا أدري الوجه في ذلك لكن من حيث الثبوت الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الطرق المختلفة.

شرح حديث: (إني رجل شاب قد خشيت على نفسي العنت... أفأختصي ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن موسى حدثنا أنس بن عياض حدثنا الأوزاعي عن ابن شهاب عن أبي سلمة: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله إني رجل شاب قد خشيت على نفسي العنت ولا أجد طولاً أتزوج النساء أفأختصي؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى قال ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاقٍ فاختص على ذلك أو دع)، قال أبو عبد الرحمن: الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من الزهري، وهذا حديث صحيح قد رواه يونس عن الزهري].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني رجل أخشى على نفسي العنت)، يعني عنده شدة الشهوة ويخشى على نفسه أن يقع في أمر محرم أو أن يتعرض لأمر لا ينبغي، ولا يجد طولاً حتى يتزوج يعني لا يجد مالاً وقدرةً مالية يتمكن بها من الزواج، فعرض عليه أن يختصي، والمراد أن يعمل بنفسه شيئاً حتى لا يكون له شهوة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه ولم يجبه حتى كرر ذلك ثلاثاً، ثم قال: (يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاقٍ)، يعني ما قدر لك في جميع أحوالك ومنها هذه الحالة التي تذكرها، يعني سبق به القضاء والقدر، وما قدره الله وقضاه فلا بد أن يكون، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة التي تسلك عندما لا يستطيع الإنسان الزواج، وهي الصوم حتى يحصل إضعاف هذه الشهوة وإضعاف هذه القوة في الإنسان ولم يأذن له أن يختصي؛ لأن هذا سبب غير مشروع وفيه إلحاق ضرر بالإنسان، وقد يستغني الإنسان في المستقبل ويكون جنى على نفسه بكونه اختصى وقطع هذا النسل أو قطع هذه القوة التي فيه، لكن له استعمال ما يمكنه استعماله من علاج مؤقت، وأفضل ما يكون الصوم الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من لا يستطيع الزواج، هذا هو الذي ينبغي أن يسلكه المسلم.
ولما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن القضاء والقدر سبق بما هو كائن وبما هو لاق وبما هو حاصل من غنى وفقر وقدرة وضعف وما إلى ذلك، وأن ما قدره الله وقضاه لا بد أن يكون، وأنه لا تسلك الأسباب التي فيها مضرة، وإنما يأخذ بالأسباب التي تنفع ويخلص الإنسان مما يخافه ويحذره مؤقتاً، وإذا يسر الله عز وجل عليه فتكون عنده القدرة البدنية فإذا انضمت إليها القدرة المالية أمكنه أن يتزوج، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (جف القلم بما أنت لاقٍ فاختص على ذلك أو دع)، أي ودع الاختصاء، وليس المقصود منه التخيير له وأنه مخير بين أن يختصي وألا يختصي، بل هذا تهديد وتوبيخ وإنكار؛ لأنه أرشده إلى ما سبق به القضاء والقدر، والإنسان يصبر على ما أصابه، ولا يجوز له أن يفعل مثل هذا الفعل الذي فيه جناية على نفسه وإتلاف لهذه المنفعة وهذه القدرة التي قد يحتاج إليها، فقد يغنيه الله عز وجل في المستقبل فيحصل مالاً يتزوج به فيستفيد من هذه القدرة وهذه المنفعة التي أودعها الله فيه، فهو من جنس قول الله عز وجل في سورة الكهف: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/19.jpgفَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/06/20.jpg[الكهف:29]؛ لأنه ليس تخييراً بين الإيمان والكفر وإنما هذا تهديد وتخويف.

تراجم رجال إسناد حديث: (إني رجل شاب قد خشيت على نفسي العنت ... أفأختصي ...)


قوله: [أخبرنا يحيى بن موسى].هو يحيى بن موسى البلخي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن أنس بن عياض].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام، الفقيه، المحدث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بهذه النسبة الأوزاعي.
[عن ابن شهاب].
قد مر ذكره، وهو الزهري.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
قال أبو عبد الرحمن: الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من الزهري، وهذا حديث صحيح قد رواه يونس عن الزهري.
لما كان الحديث فيه رواية الأوزاعي عن الزهري، قال: إنه لم يسمعه من الزهري، وإن كان سمع من الزهري إلا أنه لم يسمع هذا الحديث، لكنه بعد ذلك استدرك وبين أن الحديث صحيح، وأن كونه لم يسمعه من الزهري لا يؤثر؛ لأنه ثابت من طرق أخرى أو من طريق أخرى، وهي يونس عن الزهري، فيونس بن يزيد الأيلي، ثقة، مكثر من الرواية عن الزهري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
يعني إذا كان الزهري معروفاً بالتدليس أو أنه موصوفاً بالتدليس لكنه معروف بالتدليس النادر، والكلام الآن مع الأوزاعي، فلا أدري عنه من حيث كونه مدلس أو غير مدلس لكن من حيث السماع فـالأوزاعي سمع من الزهري وروى عن الزهري، هذا ثابت، وإنما الكلام في هذا الحديث.

يتبع




الساعة الآن : 09:01 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 236.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 235.80 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.21%)]