ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:04 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في الرخصة في التخلف عن السرية

قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان].هو أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن عفير].
هو سعيد بن كثير بن عفير المصري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود في القدر، والنسائي.
[عن الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسافر].
هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي.
[عن ابن شهاب].
وقد مر ذكره.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع.
[وسعيد].
هو سعيد بن المسيب، وقد مر ذكره.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.


فضل المجاهدين على القاعدين

شرح حديث زيد بن ثابت في فضل المجاهدين على القاعدين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل المجاهدين على القاعدين.أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا بشر يعني ابن المفضل أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت مروان بن الحكم جالساً فجئت حتى جلست إليه، فحدثنا أن زيد بن ثابت رضي الله عنه حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنزل عليه: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )[النساء:95]، فجاء ابن أم مكتوم وهو يملها علي، فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت؟ فأنزل الله عز وجل وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى ظننت أن سترض فخذي ثم سري عنه (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ )[النساء:95])، قال أبو عبد الرحمن: عبد الرحمن بن إسحاق هذا ليس به بأس، وعبد الرحمن بن إسحاق يروي عنه علي بن مسهر وأبو معاوية وعبد الواحد بن زياد عن النعمان بن سعد ليس بثقة].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي فضل المجاهدين على القاعدين من المؤمنين، وأنهم لا يستوون، وأورد النسائي حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه الذي فيه أن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه لقي مروان بن الحكم جالساً فجاء وجلس معه وحدثه عن زيد بن ثابت: أن النبي عليه الصلاة والسلام نزل عليه (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُو نَ )[النساء:95]، قبل أن تنزل (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ )[النساء:95]، هذه الجملة، فكان يمليها على زيد بن ثابت الذي يكتب الوحي له صلى الله عليه وسلم، فجاء عمرو بن أم مكتوم، وهو مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لو أستطيع الجهاد لجاهدت، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال زيد: وكانت فخذه على فخذي فثقلت، حتى خشيت أن ترض فخذه بفخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من ثقلها، فسري عليه، وقد أنزل عليه (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ )[النساء:95]، هذا القيد الذي قيد به هذه الجملة من الآية فصارت (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )[النساء:95]، هي قبل ذلك نزلت بدون (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ )[النساء:95]، ثم نزلت هذه الجملة بعد ذلك بعدما قال عمرو بن أم مكتوم هذا الكلام للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام يلقى شدة عندما ينزل عليه القرآن، فيجد شدة عندما يوحى إليه، حتى أنه جاء في بعض الأحاديث أنه في اليوم الشاتي الشديد البرودة يتصبب عرقاً صلى الله عليه وسلم لما يلقى من الشدة، وزيد بن ثابت رضي الله عنه يصف ما حصل له من شدة في هذا الحديث، مع أن الذي أوحي إليه في هذا الحديث هو شيء قليل، وهذه الجملة (غير أولي الضرر)، يسمونها في أصول الفقه المخصص المتصل الذي هو الاستثناء، وقد جاء هذا المخصص المتصل بعد وقت، أي ليس الاستثناء متصلاً بالكلام الذي أنزل من قبل، ومن المعلوم أن الاستثناء في الكلام -هي مسألة أخرى غير مسألة التخصيص- ينفع إذا كان متصلاً أما إذا كان غير متصل فإنه لا يعتبر، مثل الاستثناء في اليمين -كون الإنسان يحلف- ما يمكنه أن يستثني بعد مدة، فلا بد أن يستثني في الحال أو إذا ذكر، لكن بعدما يمضي ساعة أو ساعتين مثل يقول: والله، ثم بعد ساعة يقول: إن شاء الله، أو بعد يوم أو بعد يومين ما ينفع هذا الاستثناء، لكن فيما يتعلق بتخصيص المتصل كما جاء في هذا الحديث، هذا اللفظ العام جاء ما يقيده -وهو متصل غير منفصل- بنزول هذه الجملة من الآية وهي قول الله عز وجل: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/88.jpgغَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/89.jpg[النساء:95]، وفيه كما قلت: بيان ما يلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من الشدة عندما يوحى إليه، ولو كان في الشيء القليل الذي يوحى به إليه عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا الذي يحكيه زيد بن ثابت كان لإنزال هذا المقطع من الآية أو هذه الجملة من الآية التي فيها تقييد لما أطلق في أولها، والذي أنزل من قبل أن يقول له ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه ما قال.
ومن المعلوم أن المقصود بالذين حصلت المفاضلة بينهم وأن المجاهدين خير منهم هم المؤمنون الذين لا يتمكنون من القتال، وأما الذين يتمكنون من القتال ويتأخرون وقد احتيج إليهم فلا مقارنة ولا موازنة بينهم وبين غيرهم، وكذلك المنافقون الذين يتخلفون، هؤلاء هم في الدرك الأسفل من النار وليسوا من المؤمنين، وإن كانوا يعتبرون من المؤمنين ومن المسلمين في الظاهر، ولكنهم في الباطن ليسوا منهم؛ لأنهم كفار.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت في فضل المجاهدين على القاعدين


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع].ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن بشر يعني ابن المفضل].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن إسحاق].
صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن سهل بن سعد].
هو سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن مروان بن الحكم].
وهو الخليفة ونقل الحافظ عنه في التقريب عن بعض أهل العلم أنه قال: لا يتهم في الحديث، وقد خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن زيد بن ثابت].
رضي الله تعالى عنه كاتب وحي الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ثم النسائي بعد ذلك أشار إلى عبد الرحمن بن إسحاق الذي في الإسناد، وأنه لا بأس به، وذكر شخصاً آخر يقال له: عبد الرحمن بن إسحاق، ذكر بعض تلاميذه وشيخاً من شيوخه، وقال: ذاك ليس بثقة، وهذا أراد به التمييز بين الشخصين المشتبهين، متفقين في الاسم واسم الأب، الذي هو المؤتلف والمختلف، فبين أن هذا الذي في الإسناد صدوق وأنه لا بأس به وهي بمعنى صدوق ومعناها حجة، وأن ذاك ليس بثقة.

شرح حديث زيد بن ثابت في فضل المجاهدين على القاعدين من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب، قال: حدثني سهل بن سعد، قال: (رأيت مروان جالساً في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أملى عليه: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/88.jpgلا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/89.jpg[النساء:95].. https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/88.jpgوَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/89.jpg[النساء:95]، قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي، فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان رجلاً أعمى، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وفخذه على فخذي حتى همت ترض فخذي ثم سري عنه، فأنزل الله عز وجل: https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/88.jpgغَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ https://majles.alukah.net/imgcache/2022/05/89.jpg[النساء:95])].أورد النسائي حديث زيد بن ثابت من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت في فضل المجاهدين على القاعدين من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله].هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن صالح].
هو صالح بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب عن سهل بن سعد عن مروان عن زيد بن ثابت].
وقد مر ذكر الأربعة.

شرح حديث البراء بن عازب في فضل المجاهدين على القاعدين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا نصر بن علي حدثنا معتمر عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر كلمة معناها، قال: ائتوني بالكتف واللوح فكتب http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النساء:95]، وعمرو بن أم مكتوم خلفه فقال: هل لي رخصة؟ فنزلت: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgغَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النساء:95])].أورد النسائي حديث البراء بن عازب، وهو بمعنى حديث زيد بن ثابت؛ وأن الآية لما نزلت بدون غير أولي الضرر، قال ابن أم مكتوم ما قال، وأنزل الله عز وجل هذا القيد الذي قيد به هذا الإطلاق، وهو http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgغَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النساء:95]، فهو مثل الذي قبله ويبين سبب نزول هذه الجملة.

تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في فضل المجاهدين على القاعدين


قوله: [أخبرنا نصر بن علي].هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معتمر].
هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو كذلك أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
هو البراء بن عازب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث البراء بن عازب في فضل المجاهدين على القاعدين من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أنه قال: (لما نزلت http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النساء:95]، جاء ابن أم مكتوم وكان أعمى فقال: يا رسول الله فكيف في وأنا أعمى؟ قال: فما برح حتى نزلت http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgغَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النساء:95])].أورد النسائي حديث: البراء بن عازب من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد].
محمد بن عبيد هو المحاربي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن أبي بكر بن عياش].
ثقة عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا مسلم فأخرج له في المقدمة.
ولا يعني إخراج مسلم في المقدمة لشخص أنه لا يكون حجة، ولعل هذا هو الذي اتفق له، وإلا فإن عبد الله بن الزبير المكي الذي هو شيخ البخاري، والذي روى عنه أول حديث في صحيح البخاري ما خرج له مسلم إلا في المقدمة، أي ما خرج له في الصحيح، فقضية عدم الإخراج للشخص في كتاب دون كتاب لا يعني النيل منه أو الحط من شأنه إذا كان ثقة.
[عن أبي إسحاق عن البراء].
وقد مر ذكرهما.


الرخصة في التخلف لمن له والدان


شرح حديث: (... ففيهما فجاهد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في التخلف لمن له والدان.أخبرنا محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد عن سفيان وشعبة قالا: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب الرخصة في التخلف عن الجهاد لمن له والدان، وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه: [(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)]، والمقصود من هذا الجهاد الذي يكون فرض كفاية، هذا هو الذي يتخلف عنه من أجل الوالدين أو يحتاج إلى إذن الوالدين، أما فرض العين فهذا لا يتخلف عنه أحد، إذا هاجم العدو الناس في بلدهم على الجميع أن يدافعوا وأن يردوه، وكذلك إذا استنفر الإمام على الجميع النفير، ولكن حيث يكون فرض كفاية فإنه يرخص في التخلف لمن يكون له والدان.


تراجم رجال إسناد حديث: (... ففيهما فجاهد)


قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].محمد بن المثنى هو الملقب الزمن العنزي أبو موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد القطان].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أيضاً ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فـسفيان وشعبة هذان ممن وصفوا بأنهم من أمراء المؤمنين في الحديث.
[و شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث.
[عن حبيب بن أبي ثابت].
ثقة، كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العباس].
هو السائب بن فروخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وهو أكبر ولد أبيه، وقد ذكر في ترجمته وفي ترجمة أبيه؛ أنه ولد وعمر أبيه ثلاثة عشر سنة، عبد الله بن عمرو ولد وعمر عمرو بن العاص ثلاث عشرة سنة.


الرخصة في التخلف لمن له والدة

شرح حديث معاوية بن جاهمة في الرخصة في التخلف عن الجهاد لمن له والدة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في التخلف لمن له والدة.أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني محمد بن طلحة وهو ابن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه طلحة عن معاوية بن جاهمة السلمي: (أن جاهمة رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة في التخلف لمن له والدة، وأورد فيه حديث: معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله تعالى عنه، الذي فيه: أن أباه جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه.
قوله: [(أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك)].
أي: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد والغزو، فقال عليه الصلاة والسلام: [(فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها)]، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى التخلف من أجل ملازمتها، والبقاء معها، وأرشده إلى أن الجنة تحت رجليها، يعني: كونه يخدمها، ويقوم بما يلزم لها، فإن ذلك يوصله إلى الجنة، وينتهي به إلى الجنة.

تراجم رجال إسناد حديث معاوية بن جاهمة في الرخصة في التخلف عن الجهاد لمن له والدة


قوله: [أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق].عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن طلحة، وهو ابن عبد الله بن عبد الرحمن ].
هو محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[عن أبيه].
هو طلحة بن عبد الله بن أبي بكر، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود في القدر، والنسائي، وابن ماجه.
[عن معاوية بن جاهمة السلمي].
صحابي، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.


فضل من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله


شرح حديث أبي سعيد الخدري في فضل من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله.أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا بقية عن الزبيدي عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: من جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، قال: ثم من يا رسول الله، قال: ثم مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره)].
أورد النسائي هذه الترجمة: فضل من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله. أورد فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: [(أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ قال: من جاهد بنفسه وماله في سبيل الله)]، فقول هذا الرجل: (أي الناس أفضل؟) يدل على فضل الصحابة، وعلى حرصهم على الخير، وسؤالهم عن أفضل الأعمال، وأفضل الرجال؛ ليصيروا إلى ذلك، وليعملوا تلك الأعمال، وليبادروا إلى تلك الأعمال التي فيها التنافس، وفيها التميز، وهذه الأسئلة التي تحصل من الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، وعن أفضل الأعمال تدل على فضلهم، ونبلهم، وحرصهم على معرفة درجات الخير ودرجات الأعمال وتفاوتها، حتى يأخذوا بالأفضل فالأفضل رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر السائل أن من جاهد بنفسه وماله في سبيل الله فهذا هو خير الناس وأفضل الناس، يعني: بذل النفس والنفيس الذي هو المال في سبيل الله، وهداية الخلق، وإخراجهم من الظلمات إلى النور. ثم قال: [(ثم من يا رسول الله، قال: ثم مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره)]، يعني: أنه معتزل للناس في شعب من الشعاب، أي: في واد من الأودية، في فلاة من الأرض يعبد الله ويتقيه، ويسلم الناس من شره، وقد جاء في الحديث: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، المسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده، فهو يكون في عزلة، وقد اختلف: أيهما أولى العزلة أو الخلطة؟ وأحسن ما يقال: أن الخلطة إذا كان يترتب عليها مصلحة وفائدة فهي أولى من العزلة؛ لأن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، ويترتب على خلطته بهم الخير الكثير فهو أولى من العزلة، وإذا خشي الإنسان على نفسه، وعلى دينه ولم يحصل منه فائدة، فعند ذلك تكون العزلة خير.

تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في فضل من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله


قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن الزبيدي].
هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن عطاء بن يزيد].
هو عطاء بن يزيد الليثي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان، مشهور بكنيته، ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:05 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجهاد

(416)

- (باب فضل غدوة في سبيل الله) إلى (باب ما يعدل الجهاد في سبيل الله)




من فضائل الجهاد أن غدوة أو روحة فيه خير من الدنيا وما فيها، وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الغزاة وفود إلى الله كالحجاج والمعتمرين، ولا يعدل الجهاد شيء إلا أن يبقى الإنسان صائماً وقائماً ليله ونهاره، وهذا لا يستطيعه أحد، ولذلك تكفل الله تعالى لمن جاهد في سبيله حق الجهاد بأن يدخله جنته ويعظم له الأجر.

فضل غدوة في سبيل الله عز وجل


شرح حديث: (الغدوة والروحة في سبيل الله عز وجل أفضل من الدنيا وما فيها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل غدوة في سبيل الله عز وجل.أخبرنا عبدة بن عبد الله حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الغدوة والروحة في سبيل الله عز وجل أفضل من الدنيا وما فيها)].
يقول النسائي رحمه الله: فضل غدوة في سبيل الله، الغدوة هي: الذهاب في الغداة، والروحة هي: الذهاب في الرواح. وقد أورد النسائي حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(الغدوة والروحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها)]، فالغدوة الذهاب في الغداة، والروحة الذهاب في الرواح، فالغدوة خير من الدنيا وما فيها، والروحة خير من الدنيا وما فيها.
وقوله: [(خير من الدنيا وما فيها)]، المراد منه: أن الدنيا بما فيها لا تعادل تلك الغدوة في سبيل الله، التي يحصل الثواب عليها من الله عز وجل، فإن ما يحصله من الثواب على هذه الغدوة خير من الدنيا وما فيها، وهذا يدلنا على عظم شأن الجهاد في سبيل الله، وأن الشيء القليل فيه لا تعدله الدنيا بما فيها من كل المتع والملذات، فإنها ليست بشيء أمام ذلك الخير الذي يجزي به الله عز وجل من جاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث: (الغدوة والروحة في سبيل الله عز وجل أفضل من الدنيا وما فيها)

قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الله].هو عبدة بن عبد الله الصفار، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن حسين بن علي].
هو حسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زائدة].
هو زائدة بن قدامة الثقفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حازم].
هو سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن سعد].
هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


فضل الروحة في سبيل الله عز وجل

شرح حديث: (غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الروحة في سبيل الله عز وجل.أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل بن شريك المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي أنه سمع أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (غدوة في سبيل الله أو روحة، خير مما طلعت عليه الشمس وغربت)].
أورد النسائي: فضل روحة في سبيل الله، وأورد فيه حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(غدوة، أو روحة في سبيل الله، خير مما طلعت عليه الشمس وغربت)]، وهو مثل الذي قبله، والذي طلعت عليه الشمس وغربت هي الدنيا؛ لأن الشمس تطلع على الدنيا وتغرب عليها، فالغدوة أو الروحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب، أي: خير من الدنيا بما فيها، فالحديثان بمعنى واحد إلا أنه عبر بأحدهما عن الدنيا وما فيها، وعبر في الآخر: بما طلعت عليه الشمس وغربت، والمعنى واحد؛ لأن الذي طلعت عليه الشمس وغربت هو الدنيا.

تراجم رجال إسناد حديث: (غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وابن ماجه.
[حدثنا أبي].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد بن أبي أيوب].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[حدثني شرحبيل بن شريك المعافري].
صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
هو عبد الله بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أنه سمع أبا أيوب].
هو أبو أيوب الأنصاري، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الأنصار، وهو الذي نزل النبي صلى الله عليه وسلم في داره ضيفاً عليه أول ما قدم المدينة حتى بنى بيوته صلى الله عليه وسلم وارتحل إليها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي هريرة: (ثلاثة كلهم حق على الله عز وجل عونه: المجاهد في سبيل الله ...)


قال رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد عن أبيه حدثنا عبد الله بن المبارك عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ثلاثة كلهم حق على الله عز وجل عونه: المجاهد في سبيل الله، والناكح الذي يريد العفاف، والمكاتب الذي يريد الأداء)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(ثلاثة كلهم حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح الذي يريد العفاف، والمكاتب الذي يريد الأداء)]، هؤلاء الثلاثة حق على الله عونهم. والمقصود من ذلك: المجاهد في سبيل الله، لكن ليس بواضح الدلالة على الترجمة من جهة فضل الروحة في سبيل الله؛ لأنه ليس فيه نص، لكنه جميع أحوال الجهاد، وجميع التنقلات التي تكون في الصباح أو في المساء، كلها خير من الدنيا وما فيها، لكن التنصيص في الحديث على فضل الغدوة أو فضل الروحة التي ذكر الحديث تحتها ليس واضح الدلالة، لكنه دال على فضل الجهاد، وأن من يجاهد في سبيل الله عز وجل فالله تعالى يعينه. وكذلك الناكح يريد العفاف، وهو إعفاف نفسه، وإبعادها عن التفكير في الفاحشة. وأيضاً المكاتب الذي يريد الأداء، وهو المملوك الذي يتفق مع سيده على أن يحضر له مبلغاً من المال في فترات معينة، ويشتغل حتى يتوفر له ذلك المبلغ، فيعطيه لسيده، فيشتري نفسه بذلك، فالمكاتب الذي يريد الأداء فإن الله تعالى يعينه.
قوله: [(حق على الله)].
يعني: أن الله تعالى وعد بهذا الوعد الذي يتحقق ويثبت ولا يتأخر، وهو واجب أوجبه الله على نفسه لم يوجبه عليه أحد، لكنه أوجب على نفسه أنه يعين هؤلاء.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (ثلاثة كلهم حق على الله عز وجل عونه: المجاهد في سبيل الله ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد عن أبيه].مر ذكرهما.
[حدثنا عبد الله بن المبارك المروزي].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عجلان].
محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد المقبري].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.


الغزاة وفد الله تعالى

شرح حديث: (وفد الله عز وجل ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الغزاة وفد الله تعالى.أخبرنا عيسى بن إبراهيم حدثنا ابن وهب عن مخرمة عن أبيه، قال: سمعت سهيل بن أبي صالح سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وفد الله عز وجل ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر)].
أورد النسائي هذه الترجمة: الغزاة وفد الله، أي: أنهم موصوفون بأنهم وفد الله، وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وفد الله ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر)، الغازي، يعني: في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، هؤلاء وفد الله، وقد ذكر الجهاد، ومعه الحج والعمرة، وقد جاء في الحديث ذكر الحج بأنه جهاد، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟، قال: لا، ولكن أفضل الجهاد حج مبرور)، فذكر وبين: أن الحج هو من الجهاد، وهو جهاد للنفس. إذاً: الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، هذه الأنواع الثلاثة وصف أهلها بأنهم وفد الله.


تراجم رجال إسناد حديث: (وفد الله عز وجل ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر)


قوله: [حدثنا عيسى بن إبراهيم].هو عيسى بن إبراهيم بن مثرود المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مخرمة].
هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن أبيه].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت سهيل بن أبي صالح].
صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبي].
هو ذكوان السمان، اسمه: ذكوان، ولقبه: السمان، ويلقب: الزيات أيضاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.


ما تكفل الله عز وجل لمن يجاهد في سبيله

شرح حديث: (تكفل الله عز وجل لمن جاهد في سبيله... بأن يدخله الجنة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما تكفل الله عز وجل لمن يجاهد في سبيله.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تكفل الله عز وجل لمن جاهد في سبيله؛ لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته؛ بأن يدخله الجنة، أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه، مع ما نال من أجر أو غنيمة)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: ما تكفل الله عز وجل لمن يجاهد في سبيله، أي: من الأجر الدنيوي والأخروي، أورد النسائي فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: [(تكفل الله لمن جاهد في سبيله)]، ثم قال: [(لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته)]، المقصود من ذلك: الإخلاص، يعني: الباعث له على الجهاد وعلى الخروج للجهاد هو: الإخلاص لله عز وجل، ولهذا قال:
لا يخرجه إلا جهاد في سبيله، أي: في سبيل الله عز وجل، هذا هو الذي يدفعه، وهو الذي يخرجه من مسكنه ليقاتل الأعداء، ويقاتل الكفار، الذي دفعه إلى ذلك هو: الإخلاص لله عز وجل، وتصديق كلمته، وما أمر الله تعالى به من الجهاد، وما أخبر عليه من الثواب، فهو مصدق بوعد الله، ومنفذ لأمر الله، ومخلص لله سبحانه وتعالى في قصده وعمله.

وليس كل خروج يكون جهاداً في سبيل الله؛ بل الخروج الذي هو جهاد في سبيل الله هو الخروج لقتال الأعداء، ولا يخرجه إلا هذا الغرض، وهذه المهمة، وهي: الإخلاص لله، والحرص على إعلاء كلمة الله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، هذا هو الذي يخرجه، لا يخرج ليوصف بأنه شجاع، أو أنه حمية، أو عنده قوة، أو ما إلى ذلك من الأسباب، ولهذا جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
وقوله: [(لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلمته؛ بأن يدخله الجنة، أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه، مع ما نال من أجر أو غنيمة)].
يعني: تكفل الله عز وجل له بشيئين: بأن يدخله الجنة، إن قتل واستشهد، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر إذا كان لم يحصل غنيمة، أو بأجر مع غنيمة إذا حصل غنيمة، يعني: أجراً وثواباً من الله عز وجل، وغنيمة عاجلة، وهي ما اكتسب وحصل عليه المسلمون من الكفار، فإن هذه غنيمة، والغزاة لهم أربعة أخماس الغنائم، توزع عليهم، وما يحصله من ذلك هذا من الثواب المعجل، وهذا من الأجر المعجل الذي يحصل عليه صاحبه في الدنيا قبل الآخرة.


تراجم رجال إسناد حديث: (تكفل الله عز وجل لمن جاهد في سبيله... بأن يدخله الجنة...)


قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[و الحارث بن مسكين].
هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان المدني، وكنيته: أبو عبد الرحمن، ولقبه: أبو الزناد، وهو لقب على صفة الكنية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعرج وعبد الرحمن بن هرمز اسم ونسب، وأبو الزناد لقب، وعبد الله بن ذكوان اسم ونسب، ومعرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه، وذكر مرة أخرى بلقبه؛ فإن من لا يعرف يظن أنهما شخصان، مع أنه شخص واحد؛ ذكر مرة باسمه، وذكر مرة بلقبه.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.

يتبع

ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:06 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 


شرح حديث: (انتدب الله عز وجل لمن يخرج في سبيله... أنه ضامن حتى أدخله الجنة ...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد عن عطاء بن ميناء مولى ابن أبي ذباب سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (انتدب الله عز وجل لمن يخرج في سبيله، لا يخرجه إلا الإيمان بي، والجهاد في سبيلي، أنه ضامن حتى أدخله الجنة بأيهما كان، إما بقتل، أو وفاة، أو أرده إلى مسكنه الذي خرج منه، نال ما نال من أجر أو غنيمة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أنه قال: انتدب، وهو بمعنى: (تكفل) التي مرت في الحديث السابق، وهو مثلما قبله من حيث المعنى: أنه يخرج وقصده الجهاد في سبيل الله وهو الباعث له، وأنه إما أن يقتل أو يتوفى في سبيل الله، فيحصل الشهادة في سبيل الله ويحصل الجنة، أو يرجع إلى منزله الذي خرج منه بما نال من أجر إن لم يحصل غنيمة، أو من أجر مع غنيمة إذا كان الغزاة حصلوا غنائم.


تراجم رجال إسناد حديث: (انتدب الله عز وجل لمن يخرج في سبيله... أنه ضامن حتى أدخله الجنة ...) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
هو سعيد المقبري، وقد مر ذكره.
[عن عطاء بن ميناء].
صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[سمع أبا هريرة].
وقد مر ذكره.


شرح حديث: (وتوكل الله للمجاهد في سبيل الله بأن يتوفاه فيدخله الجنة...) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار حدثنا أبي عن شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيل الله- كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرجعه سالماً بما نال من أجر أو غنيمة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم إلا أن فيه: (توكل الله)، وهو بمعنى: (تكفل)، وبمعنى (انتدب) التي مرت في الطريقين السابقين، وفيه: [(مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم)]، أي: الذي لا يفتر عن الصيام، ولا يفتر عن القيام، والذي يعمل ليلاً نهاراً، يكون صائماً نهاره، وقائماً ليله، ومستمراً في القيام وفي الصيام، فالمجاهد مثله في الأجر؛ لأنه منذ خروجه إلى رجوعه وهو في سبيل الله، لكن هذا المثل، وهذا الأجر، إنما يحصله من يكون قصده الإخلاص في جهاده، ولهذا قال: [(والله أعلم بمن يجاهد في سبيله)]، يعني: ليس كل من يخرج للجهاد يقال له: مجاهد، الله تعالى أعلم بمن يخرج للجهاد، ومن في قلبه الإخلاص، ومن في قلبه الصدق، هذا هو المقصود من هذه الجملة الاعتراضية التي توسطت بين المبتدأ والخبر: مثل المجاهد كمثل، ووجود تبيان لمن هو المجاهد حقاً الذي يستحق الثواب والأجر من الله عز وجل، فهو الذي علم أن الله عز وجل منه أنه مخلص في قصده، وأنه يريد إعلاء كلمة الله، وأن كلمة الله هي العليا؛ لأن ممن يخرج للجهاد يخرج حمية، ويخرج شجاعة، ويخرج رياء، وما إلى ذلك من الأسباب التي هي غير محمودة، والمحمود منها من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو الذي في سبيل الله، كما جاء ذلك مبيناً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى الأشعري الذي أشرت إليه آنفاً.


تراجم رجال إسناد حديث: (وتوكل الله للمجاهد في سبيل الله بأن يتوفاه فيدخله الجنة...) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا أبي].
ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن شعيب].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني سعيد بن المسيب].
هو سعيد بن المسيب المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبا هريرة].
وقد مر ذكره.


ثواب السرية التي تخفق

شرح حديث: (ما من غازية تغزو في سبيل الله... فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ثواب السرية التي تخفق.أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا حيوة وذكر آخر قالا: حدثنا أبو هانئ الخولاني: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ثواب السرية التي تخفق، أي: التي لا يحصل لها انتصار وحصول غنائم، فثوابها أنها تحصل الأجر كاملاً عند الله عز وجل في الدار الآخرة، وأورد النسائي في ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: [(ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم)]. معناه: أنهم حصلوا شيئاً من أجرهم في الدنيا تعجلوه ويبقى لهم أجر في الآخرة، وإذا لم يصيبوا غنائم فإنهم يدركون أجرهم كاملاً، بمعنى: أنهم يحصلونه في الدار الآخرة كاملاً لم ينقص منه شيء، وعلى هذا فحصول الغنائم التي تحصل للناس هي من الأجر المعجل، وهي من الثواب المعجل، ويحصل من حصل الغنيمة نصيبه من الأجر، ويحصل الباقي من ذلك في الدار الآخرة، فإذا لم يحصل شيئاً من الغنيمة، فإنه يحصل الأجر كاملاً في الدار الآخرة؛ لأنه لم يتعجل منه شيئاً، ولم يحصل له ثواب عاجل على هذا العمل الذي عمله من الجهاد في سبيل الله.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما من غازية تغزو في سبيل الله... فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي].مر ذكرهما.
[حدثنا حيوة وذكر آخر].
هو ابن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي هانئ الخولاني].
اسمه حميد بن هانئ، وهو لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
وقد مر ذكره.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير.

شرح حديث: (أيما عبد من عبادي خرج مجاهداً في سبيل الله... وإن قبضته غفرت له ورحمته)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا حجاج حدثنا حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل أنه قال: (أيما عبد من عبادي خرج مجاهداً في سبيل الله ابتغاء مرضاتي، ضمنت له أن أرجعه إن أرجعته بما أصاب من أجر أو غنيمة، وإن قبضته غفرت له ورحمته)].ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو مثلما تقدم في الأحاديث السابقة، وهو حديث قدسي، قال الله عز وجل: [(أيما عبد من عبادي خرج مجاهداً في سبيل الله ابتغاء مرضاتي، ضمنت له أن أرجعه إن أرجعته بما أصاب)].
قوله: [(ابتغاء مرضاتي)]، هو مثلما تقدم من ذكر الإطلاق، يعني: أنه يدفعه إلى ذلك ابتغاء مرضاة الله عز وجل، مخلصاً لله عز وجل، يرجو مرضاة الله سبحانه وتعالى؛ فإنه إن أرجعه وسلم، ولم يقتل ولم يهلك في تلك السفرة، فإنه يرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، [(وإن قبضته غفرت له ورحمته)].

تراجم رجال إسناد حديث: (أيما عبد من عبادي خرج مجاهداً في سبيل الله... وإن قبضته غفرت له ورحمته)


قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
في تحفة الأشراف قال: حجاج الأعور، وحجاج الأعور هو: حجاج بن محمد المصيصي.
[حدثنا حماد بن سلمة].
هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن يونس].
هو يونس بن عبيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنها، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


مثل المجاهد في سبيل الله عز وجل

شرح حديث: (مثل المجاهد في سبيل الله... كمثل الصائم القائم...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [مثل المجاهد في سبيل الله عز وجل.أخبرنا هناد بن السري عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم، القائم، الخاشع، الراكع، الساجد)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مثل المجاهد في سبيل الله، أي: المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للمجاهد في سبيل الله، وأورد فيه حديث أبي هريرة: [(مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم، القائم، الخاشع، الراكع، الساجد)]، يعني: أنه ملازم الصلاة، وملازم الصيام، فهذا مثل المجاهد في سبيل الله، معناه: أن هذا العمل الذي يعمل عملاً دائماً لا يفتر، مثله مثل المجاهد في سبيل الله عز وجل، وذاك يحصل أجراً على دأبه، وعلى عمله، وهذا يحصل أجراً على جهاده في سبيل الله، من حين يخرج إلى أن يرجع وهو على أجر وغنيمة من الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (مثل المجاهد في سبيل الله... كمثل الصائم القائم...)


قوله: [أخبرنا هناد بن السري].ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك، وقد مر ذكره.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة].
وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.


ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل

شرح حديث: (... دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لا أجده...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا محمد بن جحادة حدثني أبو حصين أن ذكوان حدثه أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثه، قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لا أجده، هل تستطيع إذا خرج المجاهد تدخل مسجداً، فتقوم لا تفتر، وتصوم لا تفطر؟ قال: من يستطيع ذلك؟)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل، أي: الذي يعدله، والمقصود من ذلك: أن الجهاد لا يعدله شيء، وأورد فيه حديث أبي هريرة: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: لا أجده)، أي: ليس هناك عمل يعدل الجهاد، ثم أرشده إلى عمل، هو مثل المجاهد في سبيل الله، كما مر في الأحاديث السابقة، وهو كون الإنسان يصوم ويصلي ولا يفتر، وهذا لا يطاق، ولا يفعله أحد، فهذا هو الذي يعدل الجهاد، ولكن لا يفعله أحد، إذاً: فلا يعدل الجهاد شيء.


تراجم رجال إسناد حديث: (... دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لا أجده...)


قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[حدثنا عفان].
هو ابن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وفي النسخة حماد، ولكن في إحدى النسخ عفان، وهي الصواب، وكان ذكر عفان في الأصل هو الذي ينبغي.
[حدثنا همام].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن جحادة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبي حصين].
هو عثمان بن عاصم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن ذكوان].
هو أبو صالح السمان الذي مر ذكره، يأتي ذكره أحياناً باسمه، وأحياناً بكنيته، فاسمه: ذكوان، وكنيته: أبو صالح.
[أن أبا هريرة].
وقد مر ذكره.


شرح حديث: (أي العمل خير؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله عز وجل)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر أخبرني عروة عن أبي مراوح عن أبي ذر رضي الله عنه: (أنه سأل نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل خير؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله عز وجل)].أورد النسائي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: [(أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل خير؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله)]. أورده تحت هذه الترجمة وهي: ما يعدل الجهاد، أي: أنه لا يعدله شيء، ولكن ليس فيه التنصيص على ذكر عدل الجهاد، لكن يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب به عندما سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، فذكر بعد الإيمان الجهاد في سبيل الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (أي العمل خير؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله عز وجل)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن شعيب].
هو شعيب بن الليث بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن الليث].
هو الليث بن سعد، وقد مر ذكره.
[عن عبيد الله بن أبي جعفر].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[عن أبي مراوح].
هو أبو مراوح الغفاري أو الليثي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
[عن أبي ذر].
هو جندب بن جنادة رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد ...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال حج مبرور)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الأعمال؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور، وقد أورد الجهاد في سبيل الله بعد الإيمان بالله ورسوله، وهو مثل الحديث الذي قبله في حديث أبي هريرة: (إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله)، فإنه ذكر بعد الإيمان بالله الجهاد في سبيل الله، فهذا الحديث مثل ذلك الحديث، حيث ذكر الإيمان بالله عز وجل ويليه الجهاد، ثم يلي الجهاد حج مبرور الذي هو جهاد النفس، كما جاء مبيناً في حديث عائشة أن أفضل الجهاد حج مبرور، وهو الذي يأتي به الإنسان مطابقاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي ليس فيه إثم، وعلامته: أن يكون الإنسان بعد الحج خيراً منه قبل الحج، فيمكن أن يعرف الإنسان من نفسه إذا رأى حاله تبدلت من حسن إلى أحسن، ومن سيئ إلى حسن، فهذه علامة كون حجه مبروراً.

تراجم رجال إسناد حديث: (أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد ...) من طريق أخرى


قوله [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:07 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجهاد

(417)

- (باب درجة المجاهد في سبيل الله) إلى (باب من قاتل ليقال: فلان جريء)


يرفع المجاهد في سبيل الله في الجنة مائة درجة، بين كل درجتين ما بين السماء والأرض، وأجره يتجاوز أجر المسلم المهاجر الذي لم يجاهد، ويدعى المجاهد أيضاً لدخول الجنة من باب الجهاد؛ وما ذاك إلا لعظمة منزلة الجهاد عند الله، وينبغي أن يعلم أن المجاهد الذي يستحق كل هذا الأجر العظيم هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
درجة المجاهد في سبيل الله عز وجل


شرح حديث: (وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [درجة المجاهد في سبيل الله عز وجل.قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع: عن ابن وهب حدثني أبو هانئ عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا أبا سعيد! من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وجبت له الجنة، قال: فعجب لها أبو سعيد ، قال: أعدها علي يا رسول الله! ففعل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، قال: وما هي يا رسول الله! قال: الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله)].
يقول النسائي رحمه الله: درجة المجاهد في سبيل الله، أي: المنزلة التي يكون فيها في الجنة، وهي: أنه يكون في أعلى درجات الجنة، أو في درجة من أعلى درجات الجنة، والمقصود بالترجمة ذكر الدرجة، وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: [(يا أبا سعيد! من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وجبت له الجنة، قال: فعجب لها أبو سعيد، قال: أعدها علي يا رسول الله! -أي: طلب منه أن يعيد الكلام- ففعل عليه الصلاة والسلام)]، ثم ذكر بعد ذلك الدرجات التي جعلها الله عز وجل في الجنة للمجاهد في سبيله.
وقوله في أول هذا الحديث: [(من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وجبت له الجنة)]، يدل على فضل من كان كذلك، وهو: من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وهذه الجمل الثلاث التي هي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه، هي التي بنى عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتابه الأصول الثلاثة وأدلتها، وهذا الكتيب الصغير النفيس الذي هو قليل المبنى، ولكنه واسع المعنى، فهو لا يستغني عنه الخاص والعام، وجاء ذكر هذه الأمور الثلاثة في أحاديث أخرى، منها: حديث العباس بن عبد المطلب في صحيح مسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً)، وكذلك أيضاً جاء ذكرها في الأذان، يقول الإنسان: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، ثم قال: [(وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة)].
(وأخرى) أي: وخصلة أخرى وراء تلك الخصلة التي تقدمت يرفع بها المسلم مائة درجة في الجنة.
قوله: [(ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله)].
وهذا يدلنا على فضل الجهاد في سبيل الله، وأن الله تعالى يرفع صاحبه في الجنة في تلك الدرجات العالية، وأنه يكون له فيها هذه الدرجات التي كل درجتين بينهما كما بين السماء والأرض.


تراجم رجال إسناد حديث: (وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة...)


قوله: [قال الحارث بن مسكين].هو شيخ النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي ، وهذه العبارة التي يقول: قال الحارث بن مسكين وفي بعض الأسانيد يقول: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، فالفرق بين هذه التعبيرات: أن النسائي رحمه الله له مع الحارث بن مسكين حالتان:
إحداهما: أنه كان قد رضي عنه، وصار بينهما وئام، وكان يسمح له، ويأتي ويحضر مجلسه، ويسمع الأحاديث التي تقرأ عليه، فيرويها ويقول فيها: أخبرنا الحارث بن مسكين ؛ لأنه أراد تحديثه، وأراد إخباره، فهو يحضر، ويسمع، ويتحمل، ويؤدي بقوله: أخبرنا الحارث بن مسكين .
وله حالة أخرى معه، وهي: أنه غضب عليه، ولم يسمح له أن يحضر مجلسه، فكان يحضر من وراء الستار، ويسمع القراءة عليه، فيرويها ولا يقول: أخبرنا، وإنما يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع؛ لأنه لم يرد إخباره، ولم يرد تحديثه، ولم يرد أن يأخذ عنه، فكان يعبر بهذه العبارة التي هي: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وهذه الطريقة -التي هي التحمل من غير أن يريد المحدث قصد تحديثه- سائغة عند المحدثين.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبي هانئ].
هو حميد بن هانئ المصري ، وهو لا بأس به، أي بمعنى: صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
هو عبد الله بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي سعيد].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة رضي الله تعالى عنهم، وعن الصحابة أجمعين.


شرح حديث: (إن للجنة مائة درجة ... أعدها الله للمجاهدين في سبيله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع حدثنا زيد بن واقد حدثني بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، ومات لا يشرك بالله شيئاً، كان حقاً على الله عز وجل أن يغفر له؛ هاجر أو مات في مولده، فقلنا: يا رسول الله، ألا نخبر بها الناس فيستبشروا بها؟ فقال: إن للجنة مائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ولولا أن أشق على المؤمنين، ولا أجد ما أحملهم عليه، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا بعدي، ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل ثم أحياً ثم أقتل)].أورد النسائي حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من أقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يشرك بالله شيئاً، كان حقاً على الله أن يغفر له؛ هاجر أو مات في مولده)]، أي: سواء كان هاجر من المكان الذي هو يقطن فيه وينزل فيه، أو لم يهاجر، ولكنه مات في مولده، معنى هذا: أن من فعل ذلك فإنه يحصل له هذا الأجر، ومن المعلوم أن الهجرة التي تجب هي الهجرة التي لا يستطيع الإنسان مع عدمها القيام بأمور دينه، وأما إذا كان يستطيع القيام بأمور دينه، أو أنه دخل في الإسلام ولكنه بقي ولم يهاجر ليجاهد مع الناس وليكون مع الناس فإن له هذا الأجر، ولهذا كان في أول الإسلام من يدخل في الإسلام يهاجر، وفيهم من يبقى ولا يهاجر، ولكلٍ أحكام جاءت في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فالمقصود من ذلك: أن من حصلت منه هذه الأشياء هاجر أو لم يهاجر، ولكنه بقي في مولده وفي بلده يعبد الله عز وجل، ويؤدي ما وجب عليه، فإن الله تعالى يغفر له.
قوله: [(قالوا: أفلا نخبر بها الناس فيستبشروا؟)]، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى ما أعده الله عز وجل للمجاهد في سبيل الله عز وجل من رفعة الدرجات، وعلو المنازل، وأن الأمر لا ينبغي أن يكون الإنسان يقتصر على أن يغفر له، بل عليه أن يعمل على رفعة الدرجات، وعلى تحصيل ما به علو المنازل عند الله عز وجل، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى هذه الحالة الأخرى التي يكون بها تحصيل علو المنازل ورفعة الدرجات، فالإنسان يسعى جاهداً إلى أن يغفر له، وأن يحصل أعلى المنازل، وأن يكون في أعلى الدرجات، وفي ذلك يكون التنافس، وفي ذلك يكون التسابق، فيحرص الإنسان على أن تغفر له ذنوبه، وأن يتجاوز عن سيئاته، ويحرص على تحصيل الدرجات العالية والمنازل الرفيعة عند الله عز وجل.
قوله: [(قلنا: يا رسول الله! ألا نخبر بها الناس فيستبشروا بها؟ فقال: إن للجنة مائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله)].
وهذا مثل الحديث المتقدم: (أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيل الله)، وهو يدلنا على فضل الجهاد في سبيل الله، وأن الأمر لا يقتصر على فعل الأعمال التي تكفر بها السيئات، بل على الإنسان مع ذلك أن يسعى في تحصيل أعلى الدرجات، وأعلى المنازل عند الله عز وجل؛ وذلك بالجهاد في سبيل الله عز وجل، وغير ذلك من الأعمال التي فيها مشقة على النفس، ولكن ثوابها عظيم عند الله عز وجل، ودرجات فاعلها عالية عند الله سبحانه وتعالى.
قوله: [(ولولا أن أشق على المؤمنين، ولا أجد ما أحملهم عليه، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا بعدي، ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل ثم أحيا ثم أقتل)].
وبعدما بين رسول الله عليه الصلاة والسلام أن في الجنة مائة درجة، وكل درجة بينها وبين الدرجة الأخرى ما بين السماء والأرض، ثم أضاف إلى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام بيان حرصه على الجهاد، وألا يتخلف عن سرية، وألا يتخلف عن غزوة، بل يكون في كل حالة من الحالات مجاهداً في سبيل الله، ولكن الذي يمنعه من ذلك ما جعل الله فيه من الشفقة والرحمة لأمته عليه الصلاة والسلام؛ حيث يشق على المسلمين أن يذهبوا معه وهو لا يجد ما يحملهم عليه، فمن أجل ذلك كان يتخلف عليه الصلاة والسلام رفقاً بالمؤمنين، ودفعاً للمشقة عليهم، وهذا من كمال مما وصفه الله عز وجل به من الرأفة والرحمة لأمته، كما قال الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[التوبة:128]، فهذا من رأفته ورحمته للمؤمنين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ثم أضاف إلى ذلك ما بين فضل الجهاد في سبيل الله من جهة أن فضله عظيم، وأن الاستشهاد في سبيل الله شأنه عظيم، قال: فوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل، وإن كان من المعلوم أنه إذا قتل الإنسان أو إذا مات الإنسان فإنه لا يعود، وهذه سنة الله عز وجل في خلقه في هذه الحياة الدنيا، وأن من مات انتهى ولا يعود، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين عظم شأن الجهاد، وأنه يقاتل فيقتل، ويحصل تلك المنزلة التي هي في الجنة لمن يقاتل ويقتل، ثم قال: ثم أحيا فأقتل، وفي بعض الروايات تكرار ذلك أكثر مما جاء في هذا الحديث كما سبق أن مر بنا، فهذا يدل على عظم شأن الجهاد في سبيل الله، وفضل الاستشهاد في سبيل الله عز وجل.


تراجم رجال إسناد حديث: (إن للجنة مائة درجة ... أعدها الله للمجاهدين في سبيله...)


قوله: [أخبرنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال].صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع].
صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه .
[حدثنا زيد بن واقد].
ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
[حدثني بسر بن عبيد الله].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إدريس الخولاني].
اسمه: عائذ الله ، وهو ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وروى عن كبار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الدرداء ].
هو عويمر بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


ما لمن أسلم وهاجر وجاهد

شرح حديث: (وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما لمن أسلم وهاجر وجاهد.قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع: عن ابن وهب أخبرني أبو هانئ عن عمرو بن مالك الجنبي أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أنا زعيم -والزعيم الحميل- لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة، من فعل ذلك فلم يدع للخير مطلباً، ولا من الشر مهرباً، يموت حيث شاء أن يموت)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: ما لمن أسلم وهاجر وجاهد، يعني: من الثواب والجزاء عند الله عز وجل، وقد أورد النسائي حديث فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه، الذي فيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: [(أنا زعيم، -والزعيم الحميل- لمن آمن بي وأسلم وهاجر؛ ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة)].
فالزعيم الحميل، هذه جملة اعتراضية أريد بها تفسير الزعيم، وهي من بعض الرواة، والحميل الذي يحتمل، فهو حميل بمعنى حامل يحمل، وهو الذي يكفل ويلتزم بالشيء، الزعيم الذي يلتزم بالشيء، أو يتكفل به، أو يتحمله، كلها بمعنى واحد، وقد جاء في القرآن: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[يوسف:72]، يعني: أنا متكلف بهذا الحمل بأنه يصل إلى من يأتي بالصواع، فهنا أتى بهذه الجملة، وهي من بعض الرواة تفسيراً لكلمة الزعيم، وأنه الحميل، أي: الذي يتحمل ذلك الشيء الذي بعث به: [(أنا زعيم -والزعيم الحميل- لمن آمن بي وأسلم )].
يعني: آمن بقلبه وأسلم بجوارحه، أي: أتى بما هو مطلوب منه ظاهراً وباطناً، أي: فيما يتعلق بقلبه، وفيما يتعلق بجوارحه.
قوله: [(لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت..)].
أي: جمع بين هذه الأمور الثلاثة: كونه آمن، وأسلم، وهاجر، ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وربض الجنة، يعني: طرفها، هذا هو معنى ربض الجنة، وفسر بأنه: قريب منها خارجها، لكن الأوضح والأظهر أنه في داخلها، ولكنه في طرفها، فهذا هو الثواب والجزاء لمن آمن بالله عز وجل، وأسلم ظاهراً، وجمع بين أعمال القلب والجوارح، وهاجر، أي انتقل إلى بلاد الإسلام، أو انتقل من مكان إلى مكان يتمكن فيه من إظهار دينه، ومن نصرة الدين والجهاد مع المسلمين.
قوله: [(وأنا زعيم لمن آمن بي، وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة)].
ثم ذكر لما ذكر ما للذي هاجر مع إيمانه وإسلامه، ذكر ما للذي يجاهد في سبيل الله مع إيمانه وإسلامه، فقال: [(وأنا زعيم لمن آمن بي، وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى غرف الجنة)]، وهذا يدل على فضل الجهاد في سبيل الله، وأن صاحبه يحصل أعلى الدرجات، ولهذا كان للذي يجاهد أكثر من الذي هاجر؛ وذلك أن ذاك له بيت في ربض الجنة ووسطها، وهذا له في ربضها ووسطها وأعلى غرفها.
قوله: [(من فعل ذلك فلم يدع للخير مطلباً، ولا من الشر مهرباً، يموت حيث شاء أن يموت)].
من فعل ذلك فقد ظفر بأسباب الخير، فلم يدع للخير مطلباً إلا وجد الخير أمامه؛ لأنه سلك ذلك المسلك الذي به السلامة وبه العظمة، وبه الفوز بتحصيل المطالب، والسلامة من المكاره والشرور، فلم يدع للخير مطلباً إلا ودخله، وقصده، وظفر به.
قوله: [(ولا من الشر مهرباً)]، إلا وقد اعتصم، وسلم من الشرور.
قوله: [(يموت حيث شاء أن يموت)].
أي: هذا جزاؤه، وهذا ثوابه عند الله عز وجل.


تراجم رجال إسناد حديث: (وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة...)


قوله: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب أخبرني أبي هانئ].وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
[عن عمرو بن مالك الجنبي ].
وقد مر بنا، وهو أبو علي التجيبي.
وقد ذكره تحت ترجمة: (ثواب عين سهرت في سبيل الله) فقال:
[أخبرنا عصمة بن الفضل حدثنا زيد بن حباب عن عبد الرحمن بن شريح سمعت محمد بن شمير الرعيني سمعت أبا علي التجيبي أنه سمع أبا ريحانة والجنبي ، وهو عمرو بن مالك ].
وهنا ذكره الجنبي ، وهناك ذكره التجيبي ، والجنبي نسبة، والتجيبي نسبة، لكن الذي ذكره في تحفة الأشراف هو الجنبي وما ذكر التجيبي ، فلا أدري هل هو منسوب هذه النسبة أو هذه النسبة جميعاً، أو أن التجيبي ليست بصحيحة؛ لأن المزي في تحفة الأشراف عند ذكره للحديث ذاك ذكره الجنبي ، وما ذكره التجيبي ، وهنا ذكره الجنبي ، يعني: في هذا الموضع ذكر اسمه ونسبته، وهناك ذكر كنيته ونسبته.
أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[أنه سمع فضالة بن عبيد].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

شرح حديث: (...ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيل عبد الله بن عقيل حدثنا موسى بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد؟ فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)].ثم ذكر النسائي حديث سبرة بن أبي فاكه رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه)]، أطرق: جمع طريق، ثم فصل ذلك وبين عدداً من الطرق التي يقعد الشيطان فيها للإنسان، ويسول له ليصرفه عن تلك الطريق التي أراد أن يسلكها، فقال: [(فقعد له في طريق الإسلام)]، لما أراد أن يسلم ويخرج من الكفر إلى الإسلام، قعد له في طريق الإسلام، وقال: [(تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟)]، يعني: دينك، ودين آبائك، وأجدادك، وتترك ملة الآباء والأجداد؟ [(فعصاه فأسلم)]، فلم يحصل الشيطان مراده من هذا الرجل الذي سول له وأراد أن يغويه، فعصاه ودخل في الإسلام، ولما لم يظفر بمراده منه في هذه الطريق، وأن يصرفه عن الإسلام، جلس له في طريق أخرى.
وقال: [(ثم قعد له بطريق الهجرة)]، وقال: [(تهاجر بلدك وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول)]، يعني: أنك إذا سافرت من بلدك الذي عشت فيه، وتعرف أهله ويعرفونك، فتنتقل إلى بلد تكون غريباً فيه، ليس عندك معارف، فتكون مثل الفرس الذي في الطول، والطول: هو القيد الذي يقيد به الفرس ليرعى في روضة أو في مكان، ويكون له مسافة بحيث يروح ويذهب مسافة هذا الطول، يأكل من هنا ومن هنا، ولكنه لا يستطيع أن ينفلت لأنه قد ربط، فالطول هو الحبل الذي يجعل في يد الفرس، وطرفه في العود، أو الحديد الذي مثبت في الأرض، فهو يذهب في حدود هذه الدائرة، ولكنه لا يستطيع الانفلات، فهو يقول: تكون مثل الفرس في الطول، يعني: نطاقه ضيق، ما عنده الانطلاق، وما عنده التمكن من أنه يذهب كما يريد ويعرف ويتصل بمن يريد؛ لأنه يكون غريباً إذا هاجر وترك بلده، ومعارفه، وأهله، فلم يستجب للشيطان، وترك الهجرة، بل عصاه وهاجر، فيئس منه.
قوله: [(ثم قعد له بطريق الجهاد)].
قوله: [(تجاهد؟ فهو جهد النفس والمال)]، الجهاد فيه جهد النفس، فيه المشقة، وفيه ذهاب المال، ثم إذا ذهبت وقتلت تزوجت المرأة بعدك، واقتسم الورثة مالك، فهو يريد منه أن يترك الجهاد حتى يبقي على أهله وماله، وعلى راحته، وعلى عدم التعب والمشقة، يريد أن يثنيه عن الجهاد في سبيل الله.
قوله: [(فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة)].
قوله: [(فمن فعل ذلك)]، أي: هذه الأمور التي مضت [(كان على الله حقاً أن يدخله الجنة)].
قوله: [(ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل)]، وقد جاهد في سبيله: [(أن يدخله الجنة)].
قوله: [(وإن غرق)]، أي: وهو في سفره للجهاد في سبيل الله، فإنه يكون من أهل الجنة، ويحصل الثواب بهذا الموت الذي حصل، وإن لم يكن في القتل والمعركة؛ لأن ذلك في سبيل الله، فهو إذا غرق في هذا السبيل -في سبيل الله عز وجل- ومات بسبب ذلك، فإن مآله إلى الجنة، وليس الأمر مقصوراً على القتل في سبيل الله إذا كان الإنسان خرج للجهاد في سبيل الله، وكذلك من وقصته دابته ومات كان أيضاً حقاً على الله أن يدخله الجنة، أي: إنه وإن لم يكن موته بسبب القتل، ولكن بسبب كونه سقط من دابته ووقصته ومات، فإنه يكون في الجنة؛ لأن من جاهد في سبيل الله عز وجل ومات، سواء كان في المعركة أو في غير المعركة، فإنه على أجر عظيم، وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى.
الحاصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من جاهد في سبيله ومات فإنه يحصل الجنة، سواء كان قتل واستشهد، أو أنه مات بسبب الغرق، أو مات بسبب السقوط من الدابة ووقصها إياه ومات بسبب ذلك، في جميع هذه الأحوال يكون في الجنة، ومما يوضح هذا قصة الصحابية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها، وكان يقيل عندها، وكان نائماً ورأى في منامه، وقام يضحك، فسألته، فقال: إن جماعة يجاهدون في سبيل الله يغزون في البحر، وأنهم يكونون كذا وكذا، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، وكانت ذهبت مع زوجها، ولما جاءوا في الطريق سقطت من الدابة وماتت، فنالت هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها ماتت وهي في سفرها في سبيل الله عز وجل، والمرأة هي: أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها.

يتبع


ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:07 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (...ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة...)

قوله: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب].هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي .
[عن أبي النضر هاشم بن القاسم].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عقيل عبد الله بن عقيل].
صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن موسى بن المسيب].
صدوق، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، والنسائي، وابن ماجه .
[عن سالم بن أبي الجعد].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سبرة بن أبي فاكه].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه النسائي ، وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث، لم يخرج له أصحاب الكتب الستة إلا هذا الحديث الواحد عند النسائي .


فضل من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل


شرح حديث: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله! هذا خير...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: فضل من أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل.أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم حدثنا عمي حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن حميد بن عبد الرحمن أخبره: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا نبي الله! ما على الذي يدعى من تلك الأبواب كلها من ضرورة؟ هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: فضل من أنفق زوجين في سبيل الله، والمقصود بالزوجين: الشيئين من كل شيء، معناه: أنه شيء مكرر، وهذا فيه الإشارة إلى تكرر الإنفاق، وتكرر الإحسان، وعدم الاقتصار على شيء واحد من نوع من الأنواع.
وقد أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة: يا عبد الله! هذا خير)]، يعني: عملك هذا خير، وما فعلته هو خير، وأنت على خير.
قوله: [(فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة)]، يعني: باباً في الجنة يقال له: باب الصلاة، [(ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان)]، فكل الذي جاء في الحديث من أسماء الأبواب، في تماثل أسماء الأعمال إلا في الصيام، فإنه ليس الباب مطابقاً للعمل، ولكنه باسم الريان الذي يشعر بالري المقابل للعطش؛ لأن من عطش نفسه في الصيام فالله تعالى يثيبه بأن يدخله من باب يدل على الري الذي هو ضد العطش.
قوله: [(فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا نبي الله! ما على الذي يدعى من تلك الأبواب كلها من ضرورة؟)]، يعني: كون الإنسان يدعى من أي باب من هذه الأبواب هو على خير، والإنسان يدخل الجنة، وهذا خير من الله عز وجل، لكن [(هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم)]، معناه: أن هناك من يدعى من باب، وهناك من يدعى من جميع الأبواب، وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه يرجو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون منهم؛ وذلك أنه عامل لتلك الأمور التي جاءت في هذا الحديث، فهو من أهل الصلاة، ومن أهل الصدقة، ومن أهل الجهاد، ومن أهل الصيام، وقد جاء في بعض الأحاديث: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه: من منكم أصبح صائماً؟ من منكم كذا؟ من منكم عاد مريضاً؟ فكان أبو بكر رضي الله عنه يجيب بأنه فعل هذه الأشياء كلها)]، وهذه الأعمال الخيرية التي سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلها أبو بكر في ذلك اليوم؛ لأنه عندما سئل: من منكم فعل كذا؟ من منكم فعل في هذا اليوم، أخبر بأنه فعل ذلك، ولهذا جاء في هذا الحديث قال: [(وأرجو أن تكون منهم)]؛ لأنه من أهل هذه الأعمال كلها؛ ولأنه من السابقين إلى الخيرات، بل هو أسبق سابق إلى الخيرات، وخير سابق إلى الخيرات بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، ورضي الله تعالى عن أبي بكر وعن الصحابة أجمعين.

تراجم رجال إسناد حديث: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله! هذا خير...)


قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عمي].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
هو إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح].
هو صالح بن كيسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن حميد بن عبد الرحمن].
هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.


من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا

شرح حديث: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة أن عمرو بن مرة أخبرهم قال: سمعت أبا وائل حدثنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: الرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل)].
أورد النسائي رحمه الله باب: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، يعني: فهو في سبيل الله، وأورد فيه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: [(أنه جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟)]، الرسول صلى الله عليه وسلم وقد آتاه الله جوامع الكلم، أتى بكلمة جامعة فيها حصر ما يكون في سبيل الله وغيره ليس كذلك؛ لأنه سئل عن عدة أشياء أيها تكون في سبيل الله، فكان الجواب: أن أتى بشيء فيه حصر لما هو في سبيل الله، وما سواه فإنه لا يكون كذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: [(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله عز وجل)]، يعني: من قاتل لإظهار دينه، ولإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، فهذا هو الذي في سبيل الله، وغيره ليس كذلك، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، وكمال بيانه وفصاحته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وقوله: [(الرجل يقاتل ليذكر)]، يعني: يكون له سمعة وله صيت، [(ويقاتل ليغنم)]؛ من أجل يحصل الدنيا والغنيمة، [(ويقاتل ليرى مكانه)]، يعني: لتعرف منزلته، ويشاهد ويعاين عمله، وأنه شجاع وما إلى ذلك.. (فأي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام:[(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)]، وعلى هذا فالجهاد في سبيل الله الذي وعد أهله ما وعدوا من الأجر هو لمن كان على هذا الوصف الذي بينه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: [(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله)].


تراجم رجال إسناد حديث: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)


قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عمرو بن مرة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبا وائل].
هو شقيق بن سلمة الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته ومشهور باسمه، يأتي ذكره بالكنية أحياناً كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مخضرم.
[حدثنا أبي موسى الأشعري].
هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


من قاتل ليقال: فلان جريء


شرح حديث: (...قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: فلان جريء...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [من قاتل ليقال: فلان جريء.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج حدثنا يونس بن يوسف عن سليمان بن يسار قال: (تفرق الناس عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقال له قائل من أهل الشام: أيها الشيخ! حدثني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أول الناس يقضى لهم يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: فلان جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب - قال أبو عبد الرحمن : ولم أفهم تحب كما أردتُ - أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكن ليقال: إنه جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه فألقي في النار)].
قوله: [(كما أردت أن ينفق فيها)]، والنسائي يقول: لم أفهمها كما أردتُ، معناه أنه ما ضبطها، يعني: إما تحب، أو ترغب، أو تريد فهو ما ضبط الكلمة، كما أردت أن أحفظ، أو أتقن، ما ضبطت كلمة أحبُ.
وقد أورد النسائي هذه الترجمة وهي: من قاتل ليقال: فلان جريء، يعني: ليقال: شجاع ونشيط، فأورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يقول سليمان بن يسار الراوي عن أبي هريرة : تفرق الناس عن أبي هريرة ، أي: تفرقوا من مجلسه وكان جالساً للتحديث، فالناس تفرقوا، ولما تفرقوا سأله شخص من أهل الشام، فقال: أيها الشيخ! حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال نعم، أي: يحدثه، ثم ذكر أول ما يقضى بين الناس ثلاثة:
قوله: [(رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها)].
(رجل استشهد)، أي: على حسب الظاهر، وهذا ليس بشهيد في الحقيقة، ولكنه على حسب ما يظهر للناس أنه قتل في سبيل الله، وأنه من أهل الشهادة، فهو على حسب ما يظهر لهم، وعلى حسب ما يتبين لهم أنه قتل في سبيل الله، وهم لا يعلمون ما في قلبه، ولا يعلمون نيته، والله تعالى هو المطلع على النيات، وقد سبق أن مر في بعض الأحاديث: (والله أعلم ممن يجاهد في سبيله)، أي: أعلم ممن يكون مخلصاً، ومن يريد بجهاده وجه الله والدار الآخرة، ومن يريد الرياء والسمعة والذكر، وما إلى ذلك من الصفات التي يرغب بها كثير من الناس.
قوله: [(فأتي به فعرفه)]، قوله: استشهدتُ، يعني: على حسب ما يظهر للناس، وليس على حسب الواقع عند الله عز وجل، فأتي به، فعرفه نعمه التي أنعم الله تعالى بها عليه، فعرفها، قال: ما فعلت فيها؟ قال [(قاتلت فيك حتى استشهدت)]، أي: أنني بذلت جهدي، وبذلت مالي حتى استشهدت، [(فقال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: فلان جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)]؛ لأنه فقد شرط الإخلاص، وشرط إرادة إعلاء كلمة الله عز وجل، وإنما أراد بفعله هذا -وهو الجهاد في سبيل الله- أن يوصف بالشجاعة، وأن يوصف بالجرأة والقوة، وأن يذكر، وأن يمدح، وأن يثنى عليه، وهذا ينافي الإخلاص؛ لأن محبة ثناء الناس ومدحهم تنافي الإخلاص، فالإنسان يريد بعمله وجه الله عز وجل، ولكنه لو ذكره الناس بعد ذلك وفرح فإن ذلك لا يضره؛ لأنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما قيل له: الرجل يفعل الفعل يريد به وجه الله فيمدحه الناس فيفرح بذلك، قال: تلك عاجل بشرى المؤمن)، وإنما المحذور أن يكون الباعث له على العمل هو ملاحظة الناس، وقصد الناس، ومدح الناس، وثناء الناس، وابن القيم رحمه الله له كلمة جيدة فيما يتعلق بالإخلاص، ذكرها في كتاب الفوائد، وأنا ذكرتها في كتاب الفوائد المنتقاة في فتح الباري وكتب أخرى، يقول: لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة مدح الناس وثنائهم، كما لا يجتمع الضب والنون، والماء والنار، فإنهما لا يجتمعان؛ فالضب لا يعيش إلا في البر، والنون -الذي هو: الحوت- لا يعيش إلا في البحر، فالضب إذا ذهب إلى البحر هلك، والحوت إذا خرج إلى البر هلك، فلا يجتمعان، ثم ذكر: إذا حدثتك نفسك بالإخلاص، فاقصد إلى الطمع واذبحه بسكين اليأس، واقصد إلى المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا بالآخرة، فإن قلت: وما الذي يسهل لي الإخلاص؟ قال: يسهل لك أن تعلم أنه ليس هناك أحد مدحه يزين، وذمه يشين إلا الله عز وجل، هذا هو الذي إذا مدح فمدحه هو النافع وهو الزين، وذمه إذا حصل فهو الشين، كلمة جميلة ذكرها ابن القيم في كتابه (الفوائد)، وأيضاً أنا نقلتها في كتاب الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى، تحت ترجمة: كلمات ذات عبر وعظات.
قوله: [(ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)].
وهذا هو الصنف الثاني من الأصناف الثلاثة، وهو الرجل الذي تعلم العلم، وقرأ القرآن، ولكن قصده من ذلك أن يشار إليه بالبنان، وأن يقال: هذا عالم، وهذا قارئ، وما كان يريد بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة، فأتي به فعرفه نعمه وعرفها، وقال: ماذا فعلت؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن وعلمته وأقرأته، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت ليقال: قارئ، فقد قيل، يعني: وقد حصل لك ما تريد، والشيء الذي أردته قد حصل لك، وأنك قد ذكرت، ولكنك ما أخلصت لله عز وجل في عملك فلم ينفعك ذلك، فأمر به فسحب فألقي في النار.
ثم ذكر الصنف الثالث: [(الذي أعطاه الله من أنواع المال ما أعطاه، وبعد ذلك أتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: ما صنعت؟ قال: ما تركت من طريق تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها، فقال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد، ثم أمر به، فسحب فألقي في النار)].
والحاصل: أن الإخلاص هو الذي ينفع في الأعمال، وقد سبق أن ذكرت مراراً: أن العمل المقبول عند الله لا بد فيه من شرطين: أن يكون لله خالصاً، وأن يكون لسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام موافقاً ومطابقاً، فإذا فقد شرط الإخلاص، فوجود العمل كعدم وجوده، وكذلك لو وجد العمل والإنسان مخلص فيه، ولكنه مبني على بدعة ولم يبن على سنة، فهو مردود على صاحبه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد).

تراجم رجال إسناد حديث: (...قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: فلان جريء...)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود في القدر، والترمذي، وابن ماجه .
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث ، وقد مر ذكره.
[حدثنا ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس بن يوسف].
ثقة، أخرج له مسلم والنسائي وابن ماجه .
[عن سليمان بن يسار].
ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.


ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:08 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجهاد

(418)

- (باب من غزا في سبيل الله ولم ينو من غزاته إلا عقالاً) إلى (باب من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله)



العمل لا يكون مقبولاً عند الله إلا إذا كان خالصاً لوجهه، مطابقاً لسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والمجاهد إذا أخلص عمله لله كافأه الله بالأجور العظيمة، فمن قاتل في سبيل الله زمناً يسيراً وجبت له الجنة، ومن رمى بسهم في سبيل الله، سواء بلغ العدو فأصابه، أو لم يبلغه ولم يصبه، كان له كعتق رقبة، ومن جرح في سبيل الله جاء جرحه يوم القيامة يسيل دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.
من غزا في سبيل الله ولم ينو من غزاته إلا عقالاً

شرح حديث: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [من غزا في سبيل الله ولم ينو من غزاته إلا عقالاً.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى)].
يقول النسائي رحمه الله: من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً، أي: فله ما نوى، والمقصود من هذه الترجمة: أن من كان يريد بجهاده الدنيا، فإنه قد يحصل الشيء الذي نواه، وقد لا يحصله، ولكنه لا يحصل الأجر، والثواب الذي أعده الله عز وجل للمجاهدين؛ لأن من جاهد للغنيمة، ومن قاتل من أجل أن يحصل دنيا، فليس عنده الإخلاص، وليس عنده ابتغاء وجه الله عز وجل في الجهاد، وإنما أراد بجهاده ابتغاء الدنيا، فقد يحصل هذا الذي نواه وقد لا يحصله، ولكنه لا يحصل الأجر؛ لأنه ما نواه وما قصده، والله عز وجل إنما يثيب من جاهد ابتغاء وجه الله عز وجل وإعلاء كلمته، كما قال عليه الصلاة والسلام، في حديث أبي موسى: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العلياء، فهو في سبيل الله)، أي: وغيره فإنه ليس في سبيل الله، وإنما هو بحسب نية صاحبه، إن كان يريد غنيمة، أو يريد ذكراً، أو يريد رياء وسمعة، ولكن الذي يحصل الثواب والأجر عند الله عز وجل من قاتل الكفار ابتغاء وجه الله، وإعلاء كلمة الله عز وجل.
وقد أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى)، من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا أن يحصل شيئاً من الدنيا، ولو كان قليلاً الذي هو العقال: وهو الحبل الذي يربط به البعير، وتشد به يد البعير، هذا هو العقال، وقد جاء في حديث في قصة أبي بكر رضي الله عنه ومناظرة عمر له: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، لقاتلتهم على منعه، وفي بعض الروايات: لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها، فالعقال هو: الحبل الذي يربط به البعير، والمقصود به: أنه إذا كان يريد غنيمة ولو كانت قليلة، مادام أن قصده الدنيا فإنه لا يحصل أجر المجاهدين، ولكن له ما نوى وهو هذه الدنيا، ولو كان هذا الذي يريده قليلاً منها.
ويوضح هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فكذلك من قاتل من أجل أن يحصل الدنيا، فإن له نيته وقصده الذي نواه، وقد يحصل هذا الأجر الدنيوي، وقد لا يحصله، فيكون إن حصل أجراً، وحصل غنيمةً، فقد حصل ما يريد، وما نواه، وإن لم يحصل، فإنه اجتهد وتعب، ولكنه ما حصل مراده الدنيوي، ولم يرد الأخروي، فلم يحصل لا الدنيوي ولا الأخروي.

تراجم رجال إسناد حديث: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة].
هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن جبلة بن عطية].
ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[عن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت].
مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن جده].
هو عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث: (من غزا وهو لا يريد إلا عقالاً، فله ما نوى) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من غزا وهو لا يريد إلا عقالاً، فله ما نوى)].ثم أورد حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].
هو الحمال البغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا يزيد بن هارون].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت].
وقد مر ذكر هؤلاء.


من غزا يلتمس الأجر والذكر

شرح حديث: (أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [من غزا يلتمس الأجر والذكر.أخبرنا عيسى بن هلال الحمصي حدثنا محمد بن حمير حدثنا معاوية بن سلام عن عكرمة بن عمار عن شداد أبي عمار عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات؛ يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه)].
أورد النسائي: من غزا يلتمس الأجر والذكر، يعني: يريد الثواب من الله عز وجل، ويريد أن يذكر، وأن يثنى عليه، وأورد النسائي في هذه الترجمة حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه: [أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عن رجل غزا يلتمس الأجر والذكر، فقال عليه الصلاة والسلام: لا شيء له]؛ لأنه لم يخلص جهاده لله، وإنما أراد من جهاده الأجر، وأراد أن يذكر؛ وأن يثنى عليه، وأن يشار إليه بالبنان، وأن يقال: إنه شجاع، أو جريء أو ما إلى ذلك من الأوصاف التي يرغب بها بعض الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: [لا شيء له]؛ لأنه ما أخلص قصده لله، وما أخلص عمله لله.
والعمل الذي يكون مقبولاً عند الله: هو الذي يكون خالصاً لوجه، ومطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن العمل خالصاً لوجه سبحانه وتعالى، فإنه لا يستفيد منه صاحبه شيئاً، فأعادها عليه مراراً، وكلها يجيبه بما أجاب به عليه الصلاة والسلام، ثم قال: [إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وابتغي به وجهه]، ابتغي به الدار الآخرة، وابتغي به رضا الله سبحانه وتعالى، فهذا هو الذي ينفع صاحبه.
أما إذا كان المقصود أن يذكر، فهذا ليس في سبيل الله، فقد مر في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن رجل يقاتل شجاعة، يقاتل ليذكر، ويقاتل للغنيمة، ويقاتل ليرى مكانه: أي ذلك في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله)، وتلك الأمور الأخرى ليست في سبيل الله، لا كون الإنسان يريد الذكر، وهو أن يذكر، ويثنى عليه، ولا كونه يريد الغنيمة، وهي الحظ العاجل، ولا كونه يريد أن يرى مكانه، أي: بأن تعرف منزلته ويعرف قدره، ويشار إليه بالبنان، قال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله)، وهنا قال في آخر الحديث: [(إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وابتغي به وجهه)].

تراجم رجال إسناد حديث: (أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ...)

قوله: [أخبرنا عيسى بن هلال الحمصي].صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[حدثنا محمد بن حمير].
هو محمد بن حمير الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا معاوية بن سلام].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة بن عمار].
صدوق يغلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شداد أبي عمار].
هو شداد بن عبد الله أبي عمار، وهو ثقة، يرسل، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي أمامة].
هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة


شرح حديث: (من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة.أخبرنا يوسف بن سعيد سمعت حجاجاً أخبرنا ابن جريج حدثنا سليمان بن موسى حدثنا مالك بن يخامر: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه حدثهم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: (من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة، وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقاً، ثم مات أو قتل، فله أجر شهيد، ومن جرح جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت؛ لونها كالزعفران، وريحها كالمسك، ومن جرح جرحاً في سبيل الله، فعليه طابع الشهداء)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، أي: زمناً قليلاً، أي: ولو كان زمناً قليلاً، يسيراً، وفواق الناقة فسر بأنه ما بين الحلبتين، يعني: كونها تحلب، ثم تترك حتى يعود اللبن، أو حتى يحصل اللبن في الضرع مرةً أخرى، وفسر بما هو أقل من ذلك، وأنه ما بين الحلبة والحلبة، التي هي كونه يجر الثدي، ثم يتركه، ثم يعود إليه مرةً أخرى، فيكون ما بين جره، ثم جره المرة التي تليها، وهو زمن يسير جداً، فإن من جاهد في سبيل الله عز وجل ولو كان زمناً يسيراً جداً، الذي هو فواق الناقة، وجبت له الجنة.
ثم أورد حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقاً، ثم مات أو قتل، فله أجر شهيد).
أي: من عند نفسه من قلبه، صادقاً، وأكد بقوله: [من عند نفسه، فمات أو قتل، فله أجر شهيد]، سواء حصل القتل في سبيل الله، أو أنه مات بدون قتل في سبيل الله، فله أجر الشهيد.
قوله: [(ومن جرح جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت؛ لونها كالزعفران وريحها كالمسك)].
والمقصود من هذا: أنه إذا جرح في سبيل الله، أو حصل له نكبة، بأن حصل له جرح في سبيل الله من غير الأعداء، فإنه يأتي يوم القيامة بهذا الوصف الذي بينه رسول الله عليه الصلاة والسلام، اللون لون الزعفران، والريح ريح المسك.
قوله: [(ومن جرح جرحاً في سبيل الله، فعليه طابع الشهداء)].
أي: الخاتم الذي يختم به، معناه: عليه العلامة التي تدل على الشهادة، والجرح إذا حصل للإنسان، ثم استمر معه، ثم مات، فإنه يكون بذلك شهيداً، ولو لم يمت في الحال ولو ما كان إلا بعد مدة طويلة، ولهذا قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه، سيد الأوس لما طعن، أو لما جرح يوم الخندق، وكان في خيمة في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فكاد أن يبرأ، ثم سأل الله عز وجل الشهادة، فانفجر الجرح ومات، فصار شهيداً بذلك رضي الله تعالى عنه وأرضاه؛ لأن هذا الجرح حصل في سبيل الله، ولكنه اندمل، ثم انفتح ومات بسبب ذلك، فيكون له أجر الشهادة، وهنا يقول: [فله طابع الشهداء]، أي: هذه علامة الشهادة.

تراجم رجال إسناد حديث: (من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة...)


قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[سمعت حجاجاً].
هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وبالمناسبة سبق أن مر في حديث مضى عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن حجاج عن حماد بن سلمة، وذكرت في ذاك الوقت أن حجاجاً هذا هو ابن محمد الأعور المصيصي هذا الذي معنا في الإسناد، وكنت قلت: إن هذا في تحفة الأشراف نص عليه أنه الأعور، لكن الأمر ليس كذلك، إنما الذي نص على ذكر الأعور في ترجمة إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في تهذيب التهذيب، فإنه ذكر في شيوخه حجاج بن محمد الأعور ولم يذكر غيره، فأنا فهمت من هذا أنه هو، لكن عند الرجوع إلى ترجمة حجاج بن محمد الأعور في تهذيب التهذيب ليس فيه أنه روى عنه إبراهيم الجوزجاني، ولا روى عن حماد بن سلمة، لكن كونه روى عنه إبراهيم الجوزجاني موجود في تهذيب التهذيب، بل لم يذكر من شيوخه ممن يسمى حجاجاً إلا حجاج الأعور، لكن في تهذيب التهذيب في ترجمة حجاج بن منهال البصري روى عنه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وهو روى عن حماد بن سلمة، وكذلك عن حماد بن زيد، فعلى هذا الشخص الذي سبق أن مر في الإسناد السابق هو: حجاج بن منهال، روى عنه أصحاب الكتب الستة، وليس حجاج بن محمد الأعور الذي روى عنه أصحاب الكتب الستة، فيصحح الخطأ هناك.
[أخبرنا ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سليمان بن موسى].
صدوق في حديثه بعض لين، أخرج حديثه مسلم في المقدمة، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا مالك بن يخامر].
له صحبة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن.
[أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه حدثهم].
حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل

شرح حديث عمرو بن عبسة: (...ومن رمى بسهم في سبيل الله تعالى بلغ العدو أو لم يبلغ كان له رقبة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل.أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا بقية، عن صفوان حدثني سليم بن عامر عن شرحبيل بن السمط أنه قال لـعمرو بن عبسة رضي الله عنه: يا عمرو، حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من شاب شيبةً في سبيل الله تعالى كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهم في سبيل الله تعالى، بلغ العدو أو لم يبلغ، كان له كعتق رقبة، ومن أعتق رقبةً مؤمنةً، كانت له فداءه من النار عضواً بعضو)].
أورد النسائي الترجمة وهي: ثواب من رمى بسهم في سبيل الله، أي: بيان هذا الثواب، وأورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه أن شرحبيل بن السمط قال: [حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمرو رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من شاب شيبة في سبيل الله، كانت له نوراً يوم القيامة)].
وفسر ذلك: بأنه عمل في الجهاد في سبيل لله، فحصل له الشيب، أو حصل له شيء من الشيب، وهو في هذا العمل الجليل الذي هو الجهاد في سبيل الله، وفسر بما هو أعم من ذلك، لكن الأقرب، والمتبادر أن المقصود به: الجهاد في سبيل الله، وأنه عندما ينصب، ويتعب، ويكثر الجهاد، ويحصل له الشيب في هذا السبيل الذي هو سبيل الله عز وجل، فإنه يكون له نوراً يوم القيامة.
قوله: [(ومن رمى بسهم في سبيل الله تعالى، بلغ العدو أو لم يبلغ، كان له كعتق رقبة)].
يعني: هذا السهم بلغ العدو فأصابه، أو لم يبلغه ولم يصبه، كان له كعتق رقبة؛ لأنه عمل هذا العمل الذي هو في سبيل الله، وسواء أصاب العدو، أو لم يصب العدو، كان كعتق رقبة؛ لأن هذا العمل القليل، وهذا العمل اليسير في سبيل الله عز وجل الذي هو إرسال سهم واحد يكون كعتق رقبة.
قوله: [(ومن أعتق رقبةً مؤمنةً كانت له فداءه من النار عضواً بعضو)].
يعني: أنه إذا أعتق عبداً، فإن الله عز وجل يعتق من النار أعضاء ذلك المعتق عضواً بعضو، يعني: كل عضو من أعضاء العتيق يعتق الله به عضواً من أعضاء المعتق، ويكون ذلك فكاكاً من النار، وفداءً له من النار، وقد جاء في بعض الأحاديث (أن من أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار، وأن من أعتق عبداً كان فكاكه من النار)، وهنا ذكر إعتاق العبد، وأنه يكون فكاكه من النار، وهو من المواضع التي يفرق فيها بين الذكور والإناث.
وقد ذكر ابن القيم: أن النساء على النصف من الرجال في خمسة أمور، منها العتق: (أن من أعتق عبداً كان فكاكه من النار، ومن أعتق جارتين كانتا فكاكه من النار)، فجعل الجاريتين فيهما الفكاك، والعبد فيه الفكاك، فالمرأة على النصف من الذكر، وكذلك في الميراث، وكذلك في الشهادة، وفي العقيقة؛ الغلام يعق عنه شاتين، والجارية يعق عنها بشاة، والخامس في الدية، فإن المرأة على النصف من الرجل، فهذه خمسة أمور النساء فيها على النصف من الرجال، في العتق، والميراث، والعقيقة، والشهادة، والدية.


تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة: (...ومن رمى بسهم في سبيل الله تعالى بلغ العدو أو لم يبلغ كان له رقبة...)


قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير].هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن صفوان].
هو صفوان بن عمرو، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثني سليم بن عامر].
ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شرحبيل بن السمط].
صحابي، له وفادة، أي: له صحبة، وقال في تحفة الأشراف: له صحبة، والوفادة يعني: أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقيه، فيكون صحابياً، هذا هو المقصود بالوفادة، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عمرو بن عبسة].
رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.


شرح حديث عمرو بن عبسة: (من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة ...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا هشام حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من بلغ بسهم في سبيل الله، فهو له درجة في الجنة، فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً، قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عدل محرر)].أورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه، وهو أبو نجيح، وهي كنيته ذكره في الأول باسمه، وذكره في هذه الطريق بكنيته، وهو شخص واحد.
ومعرفة الكنى نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدتها: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما يأتي في الإسناد، مثلاً: عمرو بن عبسة، ويأتي في الإسناد الثاني: أبو نجيح السلمي، فمن لا يعرف يظن هذا شخص وهذا شخص، لكن الواقع أنه شخص واحد ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته، ويوافق عمرو بن عبسة في هذه الكنية: العرباض بن سارية رضي الله عنه، فكنيته أبو نجيح كـعمرو بن عبسة.
وأورد النسائي حديث عمرو بن عبسة أبي نجيح رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من بلغ بسهم في سبيل الله، فهو له درجة في الجنة)].
أي: من أرسله إلى العدو، فله درجة في الجنة، وهذا ثوابه وهذا أجره.
قوله: [(فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً)]. أي: ويكون له بذلك ست عشرة درجة؛ لأن من بلغ سهماً إلى العدو، كان له به درجة في الجنة، فـعمرو بلغ ستة عشر سهماً، أي: فيكون له بذلك ست عشرة درجة في الجنة.
قوله: [(وسمعته يقول: من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عدل محرر)].
أي: عتق رقبة، وهنا قال: [عدل محرر]، وهناك قال: [عتق رقبة]، وهما بمعنى واحد.

يتبع



ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:09 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة: (من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة ...) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم بن أبي الجعد].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن معدان بن أبي طلحة].
ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن.
[عن أبي نجيح].
هو أبو نجيح عمرو بن عبسة، وقد مر ذكره.

شرح حديث كعب بن مرة: (...ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط قال لـكعب بن مرة: (يا كعب، حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحذر، قال: سمعته يقول: من شاب شيبة في الإسلام في سبيل الله، كانت له نوراً يوم القيامة، قال له: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واحذر، قال: سمعته يقول: ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة، قال ابن النحام: يا رسول الله، وما الدرجة؟ قال: أما انها ليست بعتبة أمك، ولكن ما بين الدرجتين مائة عام)].أورد النسائي حديث كعب بن مرة رضي الله عنه، وفيه: أن شرحبيل بن السمط سأل كعب بن مرة أن يحدثه حديثاً عن رسول الله ويحذر، أي: يحذر من السهو، أو الزيادة، أو النقصان، أي: يأتي به على وجهه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [(من شاب شيبة في الإسلام في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة)].
وهذا مثلما جاء في حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه المتقدم.
قوله: [(ثم قال له: حدثنا واحذر، قال: سمعته يقول: ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة)].
وهذا أيضاً مثلما جاء في حديث عمرو بن عبسة الذي قال: (فبلغت ستة عشر سهماً)، أي: فيكون له ست عشرة درجة، [ثم قال ابن النحام: وما الدرجة؟ قال: أما إنها ليست كعتبة أمك، إنما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض]، أي: أن الدرجة في الجنة المسافة فيها بعيدة، وليست كالدرجات التي تكون فيما يشاهده الناس، وهي عتبة الباب، أو الدرج الذي يكون عند الباب، وهي مسافة قصيرة، فقال: [إنها ليست كعتبة أمك]، أي: ليست كعتبة داركم، و[إنما بين العتبتين كما بين السماء والأرض].
قوله: [(ولكن ما بين الدرجتين مائة عام)].
يعني: مسيرة مائة عام.


تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مرة: (...ارموا، من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة...)


قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].هو محمد بن العلاء أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو معاوية].
هو محمد بن خازم الضرير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط].
وقد مر ذكرهما.
[عن كعب بن مرة].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
[قال: ابن النحام].
وهو صحابي ولكن ليس من رواة الحديث، والحديث عن كعب بن مرة، وهو يحكي عن الذي حصل، وابن النحام سأل عن الدرجة، والرسول أجاب بالذي أجاب، وما أدري في تسميته.
ولكن هناك واحد جزار يقال له: ابن النحام.

شرح حديث عمرو بن عبسة: (من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أخطأ أو أصاب كان له كعدل رقبة...) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت خالداً يعني ابن زيد أبا عبد الرحمن الشامي يحدث عن شرحبيل بن السمط عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: [يا عمرو بن عبسة، حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، ليس فيه نسيان ولا تنقص. قوله: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أخطأ أو أصاب، كان له كعدل رقبة، ومن أعتق رقبة مسلمة، كان فداء كل عضو منه عضواً منه من نار جهنم، ومن شاب شيبة في سبيل الله، كانت له نوراً يوم القيامة)].
وهذا حديث عمرو بن عبسة مثلما تقدم من الطرق التي اشتملت على حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وقوله: [ليس فيه نسيان ولا تنقص] والمقصود بالنقص: أن لا يكون فيه سهو، ولا يكون فيه زيادة ولا نقص.

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة: (من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أخطأ أو أصاب كان له كعدل رقبة...) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر].محمد بن عبد الأعلى، قد مر ذكره، والمعتمر هو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت خالداً يعني: ابن زيد أبا عبد الرحمن الشامي].
لا بأس به، وهو بمعنى صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[يحدث عن شرحبيل بن السمط عن عمرو بن عبسة].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث: (إن الله عز وجل يدخل ثلاثة نفر الجنة بالسهم الواحد ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد عن الوليد عن ابن جابر عن أبي سلام الأسود عن خالد بن يزيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل يدخل ثلاثة نفر الجنة بالسهم الواحد: صانعه يحتسب في صنعه الخير، والرامي به، ومنبله)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: [(إن الله يدخل ثلاثة نفر الجنة بالسهم الواحد: صانعه يحتسب في صنعه الخير، والرامي به، ومنبله)]، أي: الذي صنع السهم، وهو مسلم يحتسب الخير بصنعه إياه، أي: ليجاهد به في سبيل الله؛ فعله لهذا الغرض، وكذلك الذي يرمي به ويباشر الرمي، وكذلك منبله، وفسر بأنه هو الذي يكون معه يعطيه ويناوله، أو الذي مكنه من ذلك بشرائه وتزويده به، يعني: بكونه اشتراه من ماله، وأعطاه إياه كل هذا يصلح أن يكون منبله، سواء كان يناوله، أو يشتريه ويعطيه إياه، يشتريه بماله ويعطيه من يجاهد به في سبيل الله.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل يدخل ثلاثة نفر الجنة بالسهم الواحد ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد].وقد مر ذكره.
[عن الوليد].
هو الوليد بن مسلم، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جابر].
هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلام الأسود].
هو ممطور الحبشي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن خالد بن يزيد].
هو خالد بن يزيد الجهني، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن عقبة بن عامر].
هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث ذكره الألباني في الضعيفة في سنن النسائي، ولعل السبب في ذلك هو خالد بن يزيد الجهني الذي يروي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه.


من كلم في سبيل الله عز وجل


شرح حديث: (لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من كلم في سبيل الله عز وجل.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً؛ اللون لون دم والريح ريح المسك)].
أورد النسائي الترجمة وهي: من كلم في سبيل الله، أي: ما هو ثوابه، والكلم: هو الجرح، ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [(لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون دم والريح ريح المسك)].
[لا يكلم]، يعني: لا يجرح أحد في سبيل الله، ثم قال: [والله أعلم بمن يكلم في سبيله]، يعني: الله أعلم بمن يكون مجاهداً حقاً إذا كلم يكون له هذا الثواب، وإذا جرح يكون له هذا الثواب؛ لأن هذا مشروط بالإخلاص؛ لأن هذا الثواب الذي يحصل عليه من يُكلَم في سبيل الله، أن يكون مخلصاً في قصده لله عز وجل، يريد بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة، لا يريد رياءً ولا سمعةً، ولا يريد غنيمةً، ولا يريد شيئاً من تلك الأمور، وإنما يريد بذلك إعلاء كلمة الله، وحصول الثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى في الدار الآخرة: [والله أعلم من يكلم في سبيله]، هذه مثل: والله أعلم من يجاهد في سبيله، يعني: أن هذا الثواب إنما يكون لمن أخلص لله عز وجل في قصده ونيته [إلا جاء يوم القيامة يثعب جرحه]، يعني: يسيل ويصب [اللون لون الدم، والريح ريح المسك].


تراجم رجال إسناد حديث: (لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً...)


قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان لقبه: أبو الزناد وكنيته: أبو عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.


شرح حديث: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمى...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمي، لونه لون دم، وريحه ريح المسك)].وهذا الحديث مثل الذي قبله، وقوله: [(زملوهم)]: يعني: غطوهم، وادفنوهم بثيابهم.
قوله: [(فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمي، لونه لون دم، وريحه ريح المسك)].
يعني: ليس جرح يجرح في سبيل الله، إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمي، لونه لون دم، وريحه ريح المسك، هو مثل الحديث الذي مر قبل هذا.

تراجم رجال إسناد حديث: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمى...) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن ثعلبة].
صحابي له رؤية، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود، والنسائي. قال الحافظ: له رؤية ولم يثبت له سماع، ومن المعلوم الذين لهم رؤية فقط أنهم من حيث الصحبة صحابة، ولكن من حيث الرواية هم من كبار التابعين، ولكن الحديث مثل الذي قبله؛ لأنه بمعنى الذي قبله من جهة أن صاحب الكلم وهو الجرح، يأتي جرحه يوم القيامة يدمى، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فهو بمعنى حديث أبي هريرة المتقدم قبل هذا.


ما يقول من يطعنه العدو

شرح حديث: (... لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يقول من يطعنه العدو.أخبرنا عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب وذكر آخر قبله، عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (لما كان يوم أحد وولى الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في ناحية في أثنى عشر رجلاً من الأنصار، وفيهم طلحة بن عبيد الله، فأدركهم المشركون، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كما أنت، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، قال: كما أنت، فقال رجل من الأنصار: أنا، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقول ذلك، ويخرج إليهم رجل من الأنصار فيقاتل قتال من قبله، حتى يقتل، حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلحة بن عبيد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، فقاتل طلحة قتال الأحد عشر، حتى ضربت يده فقطعت أصابعه، فقال: حس، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون، ثم رد الله المشركين)].
أورد النسائي ما يقول من يطعنه العدو، يعني: أنه يقول: بسم الله، هذا هو المقصود من الترجمة؛ لأنه أورد الحديث، وفيه: [أنه لو قال: بسم الله، لرفعته الملائكة] عندما طعن، فالمقصود: أنه يقول: بسم الله.
أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان يوم أحد، وكان معه جماعة اثني عشر، وفيهم طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه، وأكثرهم من الأنصار، أو غالبهم من الأنصار [والرسول صلى الله عليه وسلم قال: من للقوم؟ فقال طلحة رضي الله عنه: أنا، فقال: كما أنت]، يعني: ابق كما أنت، فقال واحد من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: أنت، فتقدم وقاتل حتى قتل، ثم كل مرة يقول: من للقوم، حتى انتهى الإحدى عشر من الصحابة الذين كانوا معه، وبقي رسول الله عليه الصلاة والسلام وطلحة، [ثم قال: من للقوم؟ فقال: أنا، فقاتل حتى قطعت أصابعه، وقال عند ذلك: حس]، وهي كلمة تقال عند الوجع، وعند التألم، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال له: [لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون]، ماذا بعد ذلك؟ انصرف المشركون..
قوله: [(ثم رد الله المشركين)].
والمقصود من الحديث هو قوله: [(لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون)]، وهذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، يمكن أن يكون ذلك خاصاً بـطلحة بن عبيد الله، ولا يلزم أن يكون كل من يجاهد في سبيل الله فيصاب، ثم يقول: بسم الله، فالملائكة ترفعه، والناس ينظرون، وإنما هذا حصل لـطلحة، وقد يحصل لغيره، لكنه لا يلزم أن يكون كل من يكلم في سبيل الله، ويقول هذه الكلمة، أن الملائكة ترفعه، والناس ينظرون.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ...)


قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد].هو عمرو بن سواد المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
وهو مصري، مكتوب البصري في نسخة أبي الأشبال، والتصحيف بين البصري والمصري يكثر، وهو المصري، وفي تهذيب التهذيب: المصري، ويروي عن ابن وهب، وهو مصري، فنسبته مصري وليس بصري.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يحيى بن أيوب].
صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وذكر آخر قبله].
يعني: مذكور معه، وهو قبله في الذكر، يعني: ليس بعده وإنما قبله، ولكن النسائي حذفه، ولم يذكره.
[عن عمارة بن غزية].
لا بأس به، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله

شرح حديث: (...يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال: مات جاهداً مجاهداً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله.أخبرنا عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن، وعبد الله ابنا كعب بن مالك: أن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في ذلك، وشكوا فيه: رجل مات بسلاحه، قال سلمة: فقفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر، فقلت: يا رسول الله، أتأذن لي أن أرتجز بك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اعلم ما تقول، قلت: والله لولا الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صدقت، فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، والمشركون قد بغوا علينا، فلما قضيت رجزي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قال هذا؟ قلت: أخي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يرحمه الله، فقلت: يا رسول الله، والله إن ناساً ليهابون الصلاة عليه، يقولون رجل مات بسلاحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مات جاهداً مجاهداً)، قال ابن شهاب: ثم سألت: ابنا لـسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال: (حين قلت: إن ناسا ليهابون الصلاة عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذبوا، مات جاهداً مجاهداً، فله أجره مرتين، وأشار بأصبعيه)].
أورد النسائي الترجمة، وهي: باب: من قاتل في سبيل الله فارتد عليه سيفه فقتله، أي: فإنه لا يكون قاتلاً لنفسه؛ لأن ارتداد سيفه عليه، وكونه حصل له قتل بذلك، لا يعتبر قاتلاً لنفسه، ولا يعتبر غير مجاهد، بل هو مجاهد، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إنه جاهد مجاهد)]، وقد أورد النسائي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه: أن عمه عامر، وجاء في الحديث أنه أخوه، لكن في الحقيقة عمه، ولعل الأخوة، يعني: أخوة إسلام أو تجوز، وإلا فإنه عمه كما ثبت ذلك، واسمه عامر، وهو الذي كان يرتجز بهذا الرجز الذي أنشده سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، [(لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتد عليه سيفه فقتله)].
فشكوا فيه وتكلموا فيه، وقالوا: ارتد عليه سيفه، فقتله، يعني: فكأنه قاتل لنفسه، ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: [ائذن لي -يعني: سلمة - أن أرتجز، فأذن له، وأتى بهذا الرجز، ولما فرغ قال: من قال هذا؟ قال: أخي، قال: يرحمه الله]، فلما قال يرحمه، قال: [(إن ناساً ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه)].
والمقصود: أنهم يهابون الصلاة عليه، أي: الدعاء عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم، دعا له، حيث قال: [يرحمه الله]، فهو عندما قال: يرحمه الله، قال: [إن الناس يهابون الصلاة عليه]، والمراد بالصلاة: الدعاء، يعني: أنهم شكوا فيه، وأنه قتله سلاحه، أو قتل بسلاحه، فيكون كأنه قاتل لنفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم، بين أنه جاهد مجاهداً، وأنه ليس قاتلاً لنفسه، وأنه لا يشك فيه، بل هو كما قال عليه الصلاة والسلام الصلاة والسلام: [(جاهداً مجاهداً)]، جاهداً يعني: جاهداً مجتهداً في الجهاد في سبيل الله، مجاهد للأعداء ومقاتل للإعداء.
[قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لـسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال: (حين قلت: إن ناساً ليهابون الصلاة عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كذبوا، مات جاهداً مجاهداً، فله أجره مرتين، وأشار بأصبعيه)].
ثم ذكر هذه الطريق الأخرى من ابن شهاب وسؤاله أحد أبناء سلمة بن الأكوع، وأنه قال مثلما قال ذاك، وفيه زيادة.

تراجم رجال إسناد حديث: (...يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال: مات جاهداً مجاهداً)


قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد أخبرنا ابن وهب].وقد مر ذكرهما.
[أخبرنا يونس].
هو ابن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وقد مر ذكره.
[أخبرني عبد الرحمن وعبد الله ابنا كعب بن مالك].
عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأخوه: عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[أن سلمة بن الأكوع].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:10 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجهاد

(419)

- (باب تمني القتل في سبيل الله) إلى (باب مسألة الشهادة)




طلب الشهادة في سبيل الله دأب الصالحين، ونيلها أمنية المتقين؛ لعظيم شأنها، ورفعة درجتها عند الله، ورغم ما للشهادة من النعيم وتكفير السيئات إلا أنها لا تسقط الديون؛ فحقوق الناس مبنية على المشاحة، فينبغي للمسلم في مسألة الدين أن يُحجم ولا يُقدم إلا للضرورة.

تمني القتل في سبيل الله تعالى


شرح حديث: (... لوددت أني قتلت في سبيل الله ثم أحييت ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تمني القتل في سبيل الله تعالى.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان عن يحيى يعني ابن سعيد الأنصاري حدثني ذكوان أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لولا أن أشق على أمتي لم أتخلف عن سرية، ولكن لا يجدون حمولة، ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، ولوددت أني قتلت في سبيل الله، ثم أحييت، ثم قتلت، ثم أحييت، ثم قتلت، ثلاثاً)].
يقول النسائي رحمه الله: تمني القتل في سبيل الله. أي: ما جاء في تمني القتل في سبيل الله عز وجل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمناه، وورد في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية، ولا أجد حمولة أحملهم)]، يعني: لا يجد من الرواحل، والدواب ما يحمل هؤلاء الذين لا يستطيعون الذهاب معه للجهاد في سبيل الله، ولا يستطيعون.
قوله: [(ويشق عليهم أن يتخلفوا عني)].
يعني: لو ذهب عليه الصلاة والسلام، وهم باقون، وهم لا يجدون ما يركبون، وهو لا يجد ما يحملهم، ويشق عليهم أن يتخلفوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لما تخلف عن سرية، أي: أنه يكون مع كل سرية، ولكنه كان يترك ذلك رفقاً بأمته وشفقة عليها، ولكونه عليه الصلاة والسلام لا يجد ما يحملهم عليه، وهم لا يجدون ما يتمكنون به من السفر، ويشق عليهم أن يتخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من شفقته بأمته، ورأفته بها، ورحمته بها عليه الصلاة والسلام، وقد وصفه الله عز وجل بأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، كما قال عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[التوبة:128].
ثم قال عليه الصلاة والسلام: [(ولوددت أني قتلت في سبيل الله، ثم أحييت، ثم قتلت، ثم أحييت، ثم قتلت ثلاثاً)]؛ وذلك لعظيم أجر الشهادة، وعظيم ثواب الشهادة عند الله عز وجل، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يتمنى أن يقتل ويحيا، ثم يقتل، ثم يحيا، وإن كان الله عز وجل قدر أن من مات فإنه لا يعود؛ ولكن هذا لبيان عظيم شأن الشهادة، وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم، على ذلك، وبيان عظيم شأن ذلك عند الله عز وجل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمنى أن يقتل، ثم يحيا، ثم يقتل، ثم يحيا، ثم يقتل؛ وذلك لعظيم شأن الشهادة، ورفعة درجتها عند الله عز وجل، وهذا من كمال بيانه عليه الصلاة والسلام، وإلا فإنه عليه الصلاة والسلام على أي حالة كانت هو أعلى الناس درجة، وهو خير الناس، وأفضل الناس، وسيد الناس، وهو أعلى الناس درجة عند الله عز وجل، سواء حصل له هذا الذي تمناه، أو لم يحصل له عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا لبيان عظيم شأن الشهادة في سبيل الله عز وجل، وأن شأنها عظيم، حتى تفهم ذلك أمته، وحتى تحرص على نيلها إذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لوددت أني قتلت في سبيل الله ثم أحييت ...)

قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي .
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: يعني ابن سعيد القطان، هذه التي قالها من دون عبيد الله بن سعيد، أي: النسائي، أو من دون النسائي؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: يعني، وإنما ينسب شيخه كما يريد، يمكن أن يأتي بنفسه، ويطيل في نسبه وأوصافه، ولا يحتاج إلى أن يقول: يعني، وإنما الذي يحتاج أن يقول: يعني من دون التلميذ، إذا اقتصر التلميذ على لفظ معين، فمن دونه يأتي بما يوضح ويبين، فيأتي بكلمة يعني.
[حدثني ذكوان].
هو ذكوان أبو صالح، وقد ذكر باسمه وكنيته، وهو أبو صالح السمان، ويقال: الزيات، اسمه ذكوان وكنيته: أبو صالح ولقبه: السمان، ويقال أيضاً: الزيات؛ لأنه كان يجلب السمن، والزيت، ويبيعها، فوصف بهذا الوصف الذي هو السمان نسبة إلى بيع السمن، والزيات نسبة إلى بيع الزيت، والنسب تأتي على هذه الصيغة التي هي على لفظ المبالغة، وإن لم يكن فيه مبالغة، أي: منسوب إلى كذا، وتأتي بالياء المضافة في آخر الكلمة، كأن يقال: البصري وغير ذلك، ويأتي بهذا الوصف الذي هو الزيات والسمان، أي: المنسوب إلى بيع الزيت، أو إلى بيع السمن، وذكوان أبو صالح السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً عنه.

حديث: (... لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل.. ثم أحيا ثم أقتل) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد حدثنا أبي عن شعيب عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم بأن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه؛ ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل)].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (... لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل.. ثم أحيا ثم أقتل) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد].هو الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[حدثنا أبي].
هو عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن شعيب].
هو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني سعيد بن المسيب].
وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.

شرح حديث: (ولأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن ابن أبي عميرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من الناس، من نفس مسلمة يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم، وأن لها الدنيا وما فيها غير الشهيد)، قال ابن أبي عميرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولأن أقتل في سبيل الله، أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)].أورد النسائي حديث ابن أبي عميرة رضي الله تعالى عنه، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: [(ما من الناس، من نفس تقبض، وتحب أن ترجع إلى الدنيا)]، أي: أنها تحصل خيراً عند الله عز وجل في الآخرة، فهي لا تود أن ترجع إلى الدنيا، ولو أعطيت الدنيا، إلا من قتل في سبيل الله، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا ليقتل، وليجاهد، ثم يقتل؛ وذلك لما يرى من عظم أجر الشهادة، فهو يريد أن يزداد رفعة بذلك، فهو يتمنى أن يرجع إلى الدنيا؛ لا ليحصل ما فيها، بل ما عند الله خير، وأبقى، ولكن يريد أن يحصل درجات في الجنة، وعلو درجات في الجنة بسبب تكرار الشهادة، وتكرر الشهادة لو كان ذلك ممكناً؛ وذلك لا يكون، ولكن هذا من بيان النبي صلى الله عليه وسلم، لعظيم شأن الشهادة، وعظم أجرها عند الله عز وجل، وأنه ما من إنسان يقبض ويجد خيراً في الآخرة يود أن يرجع إلى الدنيا، ولو أعطي الدنيا بما فيها، إلا الشهيد فإنه يود أن يرجع لا ليحصل الدنيا، ولكن ليحصل قتلاً في سبيل الله مرة أخرى؛ لما في ذلك من علو الدرجة، وعلو المنزلة عند الله عز وجل لمن يكون كذلك.
وفي آخره يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [(ولأن أقتل في سبيل الله، أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)].
أي: أنه يملكهم عبيداً، ويعتقهم في سبيل الله عز وجل؛ ذلك خير له من هذا، أي: خير له من أن يرجع إلى الدنيا، وله هذا القدر من المماليك الذين يملكهم، ويعتقهم، والمراد بأهل الوبر: أهل البوادي، وأهل المدر: أهل الحاضرة؛ لأن المدر هو اللبن، وهو البنيان، أي: إشارة إلى البنيان، والوبر إشارة إلى بيوت الشعر التي تتخذ من وبر الإبل، ويتخذونها بيوتاً يحملونها، ويستفيدون منها، فكنى عن البادية بأهل الوبر، وكنى عن الحاضرة بأهل المدر، أي: أنه لو كان له هذا المقدار، وهذا العدد الكبير، فإنه لا يريد أن يرجع إلى الدنيا، وأن يكون له هذا المقدار.
قوله: [(ولأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)].
يعني: معنى ذلك أن قتله في سبيل الله خير له من هذا المقدار الذي هو أهل الوبر، والمدر، يملكهم، ويعتقهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ولأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر)


قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].وقد مر ذكره.
[حدثنا بقية].
هو ابن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن بحير بن سعد].
ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وفي الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن خالد بن معدان].
ثقة، يرسل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جبير بن نفير].
ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ابن أبي عميرة].
هو عبد الله بن أبي عميرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه الترمذي، والنسائي.


ثواب من قتل في سبيل الله عز وجل


شرح حديث جابر: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله أين أنا؟ قال: في الجنة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من قتل في سبيل الله عز وجل.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو سمعت جابراً رضي الله عنه، يقول: (قال رجل يوم أحد: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، فأين أنا؟ قال: في الجنة، فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قتل)].
أورد النسائي : ثواب من قتل في سبيل الله، أي: أنه يكون في الجنة، وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أين أنا؟ قال: في الجنة، وكان بيده تمرات فألقاهن -يعني: ولم يأكلهن- وقاتل حتى قتل)، رضي الله تعالى عنه.
وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، من الحرص على الجهاد في سبيل الله، وعلى نيل الشهادة، وعلى زهدهم في الدنيا وإقبالهم على الآخرة، فإنه كان بيده تمرات، ومع ذلك لم يأكلها، وقاتل في سبيل الله حتى قتل.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله أين أنا؟ قال: في الجنة...)


قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز المكي، وأخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو].
هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت جابراً].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي هي الرباعيات، وأنزل ما عنده العشاريات، وقد سبق أن مر بنا حديث في فضل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الإخلاص:1]، وهو مشتمل على عشرة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وأنزلها عنده العشاريات.


من قتل في سبيل الله تعالى وعليه دين


شرح حديث أبي هريرة: (أرأيت إن قاتلت في سبيل الله صابراً محتسباً... أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم إلا الدين...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [من قتل في سبيل الله تعالى وعليه دين.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يخطب على المنبر، فقال: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم، ثم سكت ساعةً، قال: أين السائل آنفاً؟ فقال الرجل: هاأنا ذا، قال: ما قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم، إلا الدين، سارني به جبريل آنفاً)].
أورد النسائي : من قتل في سبيل الله وعليه دين، يعني: هل يكفر ذلك عنه، أو أن الدين باقٍ عليه؟ فالمقصود بالدين هو المظالم التي تكون للناس، يعني: من مال، أو غير مال؛ لأن هذا كله يقال له: دين، وحقوق الناس مبنية على المشاحة، ومن المعلوم أن من كان له حقوق على الناس، فإنه يحرص على أن يحصلها في الدار الآخرة؛ لأنه اليوم الذي لا ينفع فيه إلا الأعمال الصالحة، وليس فيه إلا الحسنات والسيئات، ولهذا إذا تجاوز أهل الجنة النار، فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص من بعضهم لبعض، أي: أن ذلك يكون بأخذٍ من الحسنات تضاف إلى آخرين، وهم سلموا من العذاب؛ لأنهم تجاوزوا النار، ولكن الفرق بينهم هو إنما هو بالدرجات، فإذا كان لأحدٍ على أحدٍ شيء، فإنه يؤخذ من الذي له إلى الذي عليه، فيكون ذلك رفعةً في درجة ذلك الذي حصل هذه الحسنات من غيره، ويحصل نقص على من حصل منه، أو عليه حقوق لغيره، ثم أخذ ذلك الغير مقابلها حسنات.
وعلى هذا فإن هذا الذي يكون لأهل الجنة، والذين يتجاوزوا النار للاقتصاص، إنما هو فيما يتعلق بالحسنات، ويترتب على ذلك رفعة الدرجات، وعلو الدرجات.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب فجاءه رجل وقال: [(أرأيت يا رسول الله، إن قاتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، أيكفر ذلك سيئاتي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم، ثم إنه مكث ساعةً، ثم قال: أين السائل آنفاً؟ قال: هاأنا ذا يا رسول الله، فقال: ماذا قلت؟ فأعاد إليه السؤال، فقال: نعم إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)]، يعني: الجواب الذي قاله له من قبل فيه استثناء، وهذا الاستثناء ساره به جبريل، يعني: أسر به إليه جبريل، وأن الدين باقٍ لصاحبه، ويكون الاقتصاص بين الناس إنما هو بالحسنات، وإلا فإنه لا يؤثر ذلك عليه، إذا كان نال الشهادة في سبيل الله عز وجل، وكان من أهل الجنة، فإن كون عليه دين لا يكون سبباً في دخوله النار؛ لأنه يتجاوز النار، ولكن يكون هذا الحساب، وهذا الاقتصاص من بعضهم لبعض؛ إنما هو بعلو الدرجات، ورفعة الدرجات، فيترتب على ذلك علو الدرجات ورفعة الدرجات.
وهذا الحديث يدل على خطورة الدين، وأن المسلم عليه أن يحرص على أن لا يبتلى به، وأن يبتعد عنه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن لا يقدم عليه إلا لضرورة لابد منها، وأما التساهل في ذلك، وكون الإنسان يقدم عليه لأمور ليست بضرورية، فإنه يعرض نفسه لخطر عظيم.
وقوله: [(إلا الدين سارني به جبريل)]، يدل على أن ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث إنما هو من عند الله، وأنه وحي من الله عز وجل، وأنه ليس من تلقاء نفسه عليه الصلاة والسلام، كما قال عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[النجم:3-4]، وهنا قال: [(سارني به جبريل آنفاً)]، يعني: أن كلمة (الدين) استثنيت بوحي جاء به جبريل إليه وساره به، فهذا يدل على أن السنة هي من الله، وأنها وحي من الله، وأنها مثل القرآن، إلا أن القرآن وحي متلو متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فمتعبد بالعمل بها، فهي مثل القرآن في العمل، والله تعالى يقول: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الحشر:7]، فالحديث يدل على أن السنة إنما هي وحي من الله، ولهذا قال: [(سارني به جبريل آنفاً)]، يعني: هذا الاستثناء جاء به جبريل واستثناه له من الإطلاق الأول، الذي أوحي إليه به أولاً.
وقد سبق أن مر بنا الحديث الطويل في الزكاة، في قصة الأنصبة، وفيه قال: [(هذه فريضة الصدقة التي فرضها الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم)]، وقد ذكر تفاصيلها، ولكن في أولها: [فرضها الله على رسوله]، يعني: أنها وحي من الله، وأن هذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو من الله سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أرأيت إن قاتلت في سبيل الله صابراً محتسباً... أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم إلا الدين...)


قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب: بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عاصم].
هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو عاصم هو من شيوخ البخاري، ولم يدركه النسائي، وعلى هذا فإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخ النسائي من يكنى بأبي عاصم فالمراد به: النبيل الضحاك بن مخلد، وإذا جاء في طبقة شيوخه أبو عاصم فهو: خشيش بن أصرم النسائي الذي يأتي ذكره مراراً، من شيوخ النسائي أبو عاصم.
[حدثنا محمد بن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، حديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد المقبري].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.
يتبع


ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:10 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
حديث أبي قتادة الأنصاري: (... أيكفر الله عني خطاياي؟ ... قال: نعم إلا الدين ...) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، فلما ولى الرجل ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو أمر به فنودي له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف قلت؟ فأعاد عليه قوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، إلا الدين، كذلك قال لي جبريل عليه السلام)].أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي هريرة المتقدم، يعني: السؤال، والجواب، والاستثناء، مثله تماماً.
قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه . ومحمد بن سلمة شخصان في طبقة شيوخ النسائي، وفي طبقة شيوخ شيوخه، فالذي من طبقة شيوخه هو: محمد بن سلمة المرادي المصري، والذي من طبقة شيوخ شيوخه هو: محمد بن سلمة الباهلي، فهذا من طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء في طبقة شيوخ النسائي محمد بن سلمة فالمراد به: المصري المرادي، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه محمد بن سلمة فالمراد به: الباهلي.
[و الحارث بن مسكين].
هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي .
[حدثني مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو الأنصاري، وقد مر ذكره.
[عن سعيد بن أبي سعيد].
هو المقبري، وقد مر ذكره.
[عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو الحارث بن ربعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته أبو قتادة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي قتادة الأنصاري: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أيكفر الله عني خطاياي؟..) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه قام فيهم فذكر لهم: أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله، أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلا الدين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك)].أورد النسائي حديث أبي قتادة رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه بيان سبب سؤال هذا السائل للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهم فضل الجهاد، والإيمان بالله عز وجل، فعند ذلك سأل هذا الرجل هذا السؤال؛ لأنه قاله بعدما سمع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، في فضل الجهاد في سبيل الله، فسأل كونه يقاتل في سبيل الله، فيقتل، فأجابه عليه الصلاة والسلام بأنه إذا صار صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فإن ذلك يكفر سيئاته، إلا الدين، كما قال ذلك جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة الأنصاري: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أيكفر الله عني خطاياي؟..) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث بن سعد المصري].
ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه].
سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، وقد مر ذكرهم.

حديث أبي قتادة الأنصاري (... أيكفر الله عني خطاياي؟ ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان عن عمرو أنه سمع محمد بن قيس عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه، أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن ضربت بسيفي في سبيل الله صابراً، محتسباً، مقبلاً غير مدبر حتى أقتل، أيكفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم، فلما أدبر دعاه، فقال: هذا جبريل يقول: إلا أن يكون عليك دين)].أورد النسائي حديث أبي قتادة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء].
لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي .
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار].
وقد مر ذكره.
[أنه سمع محمد بن قيس].
هو محمد بن قيس المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
[عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه].
وقد مر ذكرهما.


ما يتمنى في سبيل الله عز وجل


شرح حديث: (... إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يتمنى في سبيل الله عز وجل.أخبرنا هارون بن محمد بن بكار حدثنا محمد بن عيسى وهو ابن القاسم بن سميع حدثنا زيد بن واقد عن كثير بن مرة: أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير، تحب أن ترجع إليكم، ولها الدنيا إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يتمنى في سبيل الله عز وجل، وهو الشهادة، وتكرار الشهادة.
أورد النسائي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: [(ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم، ولها الدنيا إلا القتيل)].
يعني: لا أحد من الناس يموت، ويجد خيراً عند الله عز وجل، يحب أن يرجع إلى الدنيا، إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا لا من أجل الدنيا، والرغبة فيها، بل من أجل أن يجاهد مرةً أخرى، ثم يقتل؛ وذلك لعظم شأن الشهادة، وعظم أجرها عند الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى)


قوله: [قال: أخبرنا هارون بن محمد بن بكار].صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
[حدثنا محمد بن عيسى وهو ابن القاسم بن سميع].
صدوق يخطئ، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن كثير بن مرة].
ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
[أن عبادة بن الصامت حدثهم].
صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.


ما يتمنى أهل الجنة


شرح حديث: (... فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يتمنى أهل الجنة.أخبرنا أبو بكر بن نافع حدثنا بهز حدثنا حماد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات؛ لما يرى من فضل الشهادة)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يتمنى أهل الجنة، وقد أورد النسائي فيه حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، خير منزل، فيقول: سل وتمن)].
يعني: يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقال له: كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، خير منزل، فيقال: تمنى، فيتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات؛ لما يرى من عظيم أجر الشهادة، وثواب الشهادة. وهو مثلما تقدم من الأحاديث في معناها.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات...)


قوله: [أخبرنا أبو بكر بن نافع].هو محمد بن أحمد، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي .
[حدثنا بهز].
هو بهز بن أسد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك، رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


ما يجد الشهيد من الألم


شرح حديث: (الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يجد الشهيد من الألم.أخبرنا عمران بن يزيد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الشهيد لا يجد مس القتل، إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يجد الشهيد من الألم، أي: صفته وبيان وصفه، ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها)].
يعني: أنه شيء يسير يحصل له كالقرصة التي تحصل للإنسان، ثم بعد ذلك لا يحس بها، ومعنى هذا: أن القتيل يحصل له هذا القتل الذي به تنتهي حياته، ولا يجد من الألم إلا مثلما يجد من قرص قرصة، وانتهت تلك القرصة، فلا يحس بشيء بعد ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يقرصها)


قوله: [أخبرنا عمران بن يزيد].هو عمران بن خالد بن يزيد، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا حاتم بن إسماعيل].
صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عجلان].
وقد مر ذكره.
[عن القعقاع بن حكيم].
ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي صالح].
هو ذكوان السمان، وقد مر ذكره.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.


مسألة الشهادة


شرح حديث: (من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [مسألة الشهادة.أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن شريح: أن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف حدثه عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)].
ثم أورد النسائي : مسألة الشهادة، يعني: كون الإنسان يسأل الشهادة، ويطلب الشهادة، ويرجو الشهادة من الله عز وجل، أورد فيه حديث سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)]، يعني: أنه سأل الله عز وجل وطلب منه أن يرزقه الشهادة راغباً في ذلك محتسباً، فإن الله تعالى يبلغه منازل الشهداء، وإن مات على فراشه.

تراجم رجال إسناد حديث: (من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء...)

قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عبد الرحمن بن شريح].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف].
ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو أبو أمامة، وله صحبة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جده].
هو سهل بن حنيف صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن بن شريح عن عبد الله بن ثعلبة الحضرمي: أنه سمع ابن حجيرة يخبر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد: المقتول في سبيل الله شهيد، والغرِق في سبيل الله شهيد، والمبطون في سبيل الله شهيد، والمطعون في سبيل الله شهيد، والنفساء في سبيل الله شهيد)].أورد النسائي حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد، من قتل في سبيل الله شهيد)]، وهذا شهيد المعركة، [(ومن غرق في سبيل الله شهيد)].
قوله: [(والمبطون في سبيل الله شهيد)].
أي: الذي أصابه البطن، وداء البطن شهيد.
قوله: [(والمطعون شهيد )]، أي: الذي أصابه الطاعون، الذي أصيب بمرض الطاعون.
قوله: [(والنفساء في سبيل الله شهيد)]، يعني: هذا الحديث فيه ذكر خمسة وصفوا بأنهم شهداء، وفيه وصف كل واحد منهم بأنه في سبيل الله والأول أمره واضح، في سبيل الله الذي قتل، وأما الباقون، فيمكن أن يكون المراد بذلك في سبيل الله، وأنه إذا حصل ذلك لهم ولو لم يحصل قتل، فإنهم يكونون شهداء، كما مر بأن الذي يموت في سبيل الله، ويحصل ذلك الأجر، وإن لم يحصل له القتل، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكرها مطلقة بدون تقييد في سبيل الله، والمقصود: أن هؤلاء وإن لم يكونوا في سبيل الله، وإن لم يجاهدوا في سبيل الله، وإنما ماتوا على فرشهم، فلهم أجر الشهداء؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ذكر ذلك مطلقاً بدون تقييد بأن يكون في سبيل الله، ولا شك أن من حصل له ذلك في سبيل الله، فهو شهيد، وله أجر الشهادة، ولكن أيضاً من لم يكن ذلك وهو سائر للجهاد، ومات بهذه الأسباب فهو شهيد، أي: له أجر الشهادة.
وقد عقد النووي في كتاب رياض الصالحين ترجمة أورد فيها أحاديث، قال في هذه الترجمة: باب: ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون ويصلى عليهم، يعني: أنهم شهداء في ثواب الآخرة، وليسوا شهداء معركة، ولكنهم ملحقون بالشهداء في الثواب، ولكن ليسوا كالشهداء الذين لا يغسلون، ولا يصلى عليهم، بل هؤلاء يغسلون ويصلى عليهم، ولكنهم ألحقوا بالشهداء، ونسبت إليهم الشهادة، وحصلت لهم الشهادة، أي: من حيث الأجر، والثواب، لا من حيث أنهم حصل لهم ما حصل لمن قتل في سبيل الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد ...)


قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن بن شريح].وقد مر ذكرهم.
[عن عبد الله بن ثعلبة الحضرمي].
مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[أنه سمع ابن حجيرة].
هو عبد الرحمن بن حجيرة، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[يخبر عن عقبة بن عامر].
هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا بحير عن خالد عن ابن أبي بلال عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول الشهداء: إخواننا قتلوا كما قتلنا، ويقول المتوفون على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا، فيقول ربنا: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبه جراحهم جراح المقتولين، فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم)].أورد النسائي حديث أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: [(يختصم المتوفون على فرشهم إلى ربهم في الذين ماتوا في الطاعون، فيقول الشهداء: إنهم مثلنا قتلوا كما قتلنا)] يعني: أنهم أصابهم الطاعون الذي به هلكوا، وماتوا، كما حصل لهم القتل، أي: أنه يشبه هذا الذي جرى لهم ما جرى للشهداء، [(وقال المتوفون على فرشهم: هم إخواننا ماتوا كما متنا على فرشنا)]، والمقصود من ذلك: أنهم يريدون أن يلحقوا بهم، كما أن أولئك شهداء، فهم يريدون أن يكونوا مثلهم في الأجر والثواب، يعني: هذا هو المقصود من كون المتوفين على فرشهم، يقولون: إنهم مثلنا، أي: فنحن نرجو أن تعطينا ما أعطيتهم، وأن تثيبنا ما أثبتهم؛ لأنهم ماتوا على فرشهم، ونحن مثلهم متنا على فرشنا، فيقال: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح الشهداء فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم، يعني: أنهم مثل الشهداء.

تراجم رجال إسناد حديث: (يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم ...)

قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا بحير عن خالد عن ابن أبي بلال].وقد مر ذكرهم.
[عن ابن أبي بلال].
هو عبد الله بن أبي بلال، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي .
[عن العرباض بن سارية].
هو أبو نجيح، حديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

ابوالوليد المسلم 25-07-2022 10:11 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجهاد

(420)

- (باب اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة) إلى (باب غزوة الهند)




من الأشياء المسلم بها عند المسلمين أن الإسلام يجب ما قبله، فالقاتل والمقتول في الجنة يجتمعان إذا أسلم القاتل وقاتل فقتل. والمرابطة في سبيل الله يوم واحد تعدل أجر صيام شهر وقيامه، والجهاد في البحر له من الأجر العظيم ما لا يحصى.

اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة


شرح حديث: (إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه... ثم يدخلان الجنة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة أخرى: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، ثم يدخلان الجنة)].
يقول النسائي رحمه الله: اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة، المقصود من هذه الترجمة: بيان ما اشتمل عليه الحديث الذي سيق تحتها من جهة أن قاتلاً ومقتولاً في سبيل الله عز وجل اجتمعا في الجنة، القاتل الذي هو كافر قتل مسلماً يجاهد في سبيل الله، فكان ذلك المقتول في سبيل الله شهيداً، ويكون من أهل الجنة، ثم إن هذا الكافر القاتل من الله عليه بالإسلام، وقاتل حتى استشهد في سبيل الله، فاجتمع القاتل والمقتول في الجنة.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يعجب الله من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، ثم يدخلان الجنة)، والحديث جاء بلفظ العجب، وجاء بلفظ الضحك، وهما صفتان لله عز وجل ثابتتان؛ العجب ثابت في السنة، والضحك ثابت في السنة كما في هذا الحديث، والعجب أيضاً ثابت في القرآن على إحدى القراءتين، أو على إحدى القراءات الثابتة في قول الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgبل عجبتُ ويسخرونhttp://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg، على قراءة أن المتكلم بذلك هو الله عز وجل، وهي من آيات الصفات، أما على قراءة: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgبَلْ عَجِبْتَ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الصافات:12]، يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي ليست من آيات الصفات، وعلى هذا، فالعجب والضحك صفتان من صفات الله عز وجل ثابتتان لله عز وجل، وهما على ما يليق بكماله وجلاله دون مشابهة لخلقه على حد قول الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الشورى:11]، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في جميع الصفات؛ يثبتون لله عز وجل كل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، بل على ما يليق بكمال الله وجلاله، على حد قول الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الشورى:11]، فإن هذه الآية الكريمة هي عمدة أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات مع التنزيه؛ لأن قول الله عز وجل في آخر الآية: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgوَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الشورى:11]، فيه الإثبات للسمع والبصر، وقوله: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الشورى:11]، التنزيه لله عز وجل من أن يكون سمعه وبصره كأسماع المخلوقين وأبصارهم؛ بل سمعه وبصره كما يليق به من غير مشابهة لخلقه.
وأهل السنة والجماعة في باب الصفات وسط بين المعطلة والمشبهة، فالمشبهة أثبتوا وشبهوا، والمعطلة عطلوا ونزهوا، وأهل السنة والجماعة أثبتوا ونزهوا، فالمشبهة عندهم حق وهو الإثبات إذ لم يعطلوا، ولكن عندهم باطل وهو التشبيه، والمعطلة عندهم نفي وعندهم تنزيه، وأهل السنة والجماعة تركوا النفي وتركوا التشبيه، وصاروا إلى الإثبات مع التنزيه؛ فيثبتون لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله على وجه يليق بكماله وجلاله، مع تنزيهه عن مشابهة المخلوقين، بل صفاته كما يليق به سبحانه وتعالى، فهم وسط بين المشبهة والمعطلة، المشبهة أثبتوا وشبهوا، وأهل السنة أثبتوا ولم يشبهوا، والمعطلة نفوا ونزهوا، وأهل السنة أثبتوا ونزهوا، فلم ينفوا ولم يعطلوا، بل هم مثبتة منزهة، ومثبتة غير معطلة ومشبهة، بل هم منزهة لله عز وجل عن مشابهته لخلقه سبحانه وتعالى، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في صفات الله عز وجل على سبيل العموم، أي: بالنسبة لجميع الصفات، كلها من باب واحد، وكلها على طريقة واحدة، كل ما ثبت في الكتاب والسنة يثبت على ما يليق بالله عز وجل من غير تشبيه ومن غير تعطيل، بل على حد قول الله عز وجل: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[الشورى:11].

تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه... ثم يدخلان الجنة)


قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو الزناد لقب، وكنيته: أبو عبد الرحمن، واسمه: عبد الله بن ذكوان.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، مشهور بلقبه: الأعرج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم.


تفسير ذلك


شرح حديث: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر... ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفسير ذلك.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة؛ يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: تفسير ذلك، يعني: تفسير كون القاتل والمقتول في سبيل الله عز وجل يجتمعان في الجنة، تفسير ذلك هو كما قال: يقاتل المسلم في سبيل الله، فيقتل، ثم الكافر الذي قتله يتوب الله عز وجل عليه فيسلم، ثم يجاهد في سبيل الله عز وجل فيستشهد، فيلتقي القاتل والمقتول في الجنة.

تراجم رجال إسناد حديث: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر... ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[و الحارث بن مسكين].
هو مصري ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[حدثني مالك].
وهو إمام دار الهجرة، المحدث، المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.


فضل الرباط


شرح حديث: (من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [فضل الرباط.قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن شريح عن عبد الكريم بن الحارث عن أبي عبيدة بن عقبة عن شرحبيل بن السمط عن سلمان الخير رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً أجري له مثل ذلك من الأجر، وأجري عليه الرزق، وأمن من الفتان)].
أورد النسائي فضل الرباط، أي: الرباط في سبيل الله، والرباط: هو المكث في الثغور التي فيها الحراسة لبلاد المسلمين من الكفار حتى لا يهجموا عليها، وحتى يكونوا على علم بما يحصل من تحركات الأعداء، فهم مرابطون ماكثون مقيمون في المكان يحرسون المسلمين من أن يهجم عليهم أعداؤهم، أو يتعرفون إلى ما يحصل من الأعداء حتى يخبروا المسلمين بذلك، فيستعدوا ويتهيأوا لصدهم عن المسلمين، فهذا هو الرباط.
وقد أورد النسائي حديث سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان كأجر صيام شهر وقيامه)]، وهذا يدل على فضل المرابطة في سبيل الله، وأن يوماً وليلة مرابطتها في سبيل الله تعدل صيام شهر وقيامه، وهذا فضل عظيم وثواب جزيل؛ فهو يدل على سعة الثواب، وعلى كثرة الثواب لمن رابط في سبيل الله عز وجل.
قوله: [(ومن مات مرابطاً أجري له مثل ذلك من الأجر)].
يعني: أنه كل يوم وليلة يحصل له أجر كأجر صيام شهر وقيامه، وهذا من فضل الله عز وجل وكرمه، وأنه إذا مات وهو في هذا العمل الجليل الذي هو المرابطة في سبيل الله عز وجل فإن الله تعالى يجري له ذلك الثواب الذي هو كون كل يوم وليلة يحصل له أجر يعدل صيام شهر وقيامه.
قوله: [(وأجري عليه الرزق)].
يعني: أنه يرزق بعد موته، كما قال الله عز وجل عن الشهداء: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgبَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[آل عمران:169]، يعني: ويجري لهم الرزق والعطاء الذي يعطيهم الله عز وجل وينعمهم به، فهو ينعم، ويجري الرزق الذي هو تنعيمه، وكونه ينعم في نعيم الجنة، هذا هو رزقه، كما قال الله عز وجل في حق الشهداء: http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/21.jpgبَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ http://imgcache.alukah.net/imgcache/2014/08/22.jpg[آل عمران:169].
قوله: [(وأمن من الفتان)]، والفتان: هو الشيطان الذي يأتي بأسباب الفتن؛ فهو يؤمن من الفتان الذي يوقعه في الفتن ويوصله إليها، فيكون سالماً من ذلك، وقيل: أنه الفُتان بالضم، وأن المراد بذلك: فتنة منكر ونكير التي تحصل للناس في قبورهم، فإنهم يأمنون من ذلك، بمعنى: أنهم يسلمون، وأنه لا يضرهم ما يحصل منهم من الفتنة والاختبار للناس؛ لأن هذا مات مرابطاً في سبيل الله، وله هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل، وله السلامة من الفتان أو الفُتان.

تراجم رجال إسناد حديث: (من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه)


قوله: [قال الحارث بن مسكين].مر ذكره، وهذه العبارة التي هي: [قال الحارث بن مسكين] سبق أن ذكرت، ومعناها: أن النسائي له مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة قد رضي وأذن له في حضور مجلسه وتلقي الحديث عنه، فهو في هذه الحال يقول: أخبرنا الحارث بن مسكين، وحالة كان يمنعه من أن يحضر درسه، وأن يتلقى عنه الحديث لوحشة حصلت بينه وبينه، فكان يحضر من وراء الستار، ويسمع ويروي بهذا اللفظ، ولا يقول: أخبرنا؛ لأنه لم يقصد إخباره، ولم يقصد تحديثه، فكان يقول العبارة المطابقة للواقع التي يعزو فيها الشيء إليه، وليس فيها ذكر التحديث والإخبار.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عبد الرحمن بن شريح].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم بن الحارث].
ثقة، أخرج له مسلم والنسائي.
[عن أبي عبيدة بن عقبة].
هو أبو عبيدة بن عقبة بن نافع، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم والنسائي.
[عن شرحبيل بن السمط].
له صحبة، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سلمان الخير].
هو سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث: (من رابط في سبيل الله يوماً وليلة كانت له كصيام شهر وقيامه...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني أيوب بن موسى عن مكحول عن شرحبيل بن السمط عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من رابط في سبيل الله يوماً وليلة كانت له كصيام شهر وقيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأمن الفتان، وأجري عليه رزقه)].أورد النسائي حديث سلمان من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة.
قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].
هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا عبد الله بن يوسف].
هو عبد الله بن يوسف التنيسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب بن موسى].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مكحول].
هو مكحول الشامي، وهو ثقة يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شرحبيل بن السمط عن سلمان].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث عن زهرة بن معبد حدثني أبو صالح مولى عثمان سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)].أورد النسائي حديث عثمان رضي الله عنه المتعلق بفضل الرباط، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [(رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل)]، يعني: من الأعمال، فإن رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم في عمل آخر.

يتبع



الساعة الآن : 02:28 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 283.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 283.27 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.18%)]