ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273185)

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:28 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(227)
الحلقة (241)
صــ 388إلى صــ 395


2637 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ قال : حدثنا أبي ، عن قتادة عن الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا - في الرجل يوصي لغير ذي [ ص: 388 ] قرابته وله قرابة ممن لا يرثه قال : كانوا يجعلون ثلثي الثلث لذوي القرابة ، وثلث الثلث لمن أوصى له به .

2638 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حميد عن الحسن أنه كان يقول : إذا أوصى الرجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث ، وثلثا الثلث لقرابته .

2639 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : من أوصى لقوم وسماهم ، وترك ذوي قرابته محتاجين ، انتزعت منهم وردت إلى ذوي قرابته .

وقال آخرون : بل هي آية قد كان الحكم بها واجبا وعمل به برهة ، ثم نسخ الله منها بآية المواريث الوصية لوالدي الموصي وأقربائه الذين يرثونه ، وأقر فرض الوصية لمن كان منهم لا يرثه .

ذكر من قال ذلك :

2640 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة في قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فجعلت الوصية للوالدين والأقربين ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك ، فجعل لهما نصيب مفروض ، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون ، وجعل للوالدين نصيب معلوم ، ولا تجوز وصية لوارث .

2641 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " إذ ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخ الوالدان منها ، وترك الأقربون ممن لا يرث .

2642 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، عن عكرمة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين [ ص: 389 ] والأقربين " قال : نسخ من يرث ، ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون .

2643 - حدثنا يحيى بن نصر قال : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا سفيان عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : كانت الوصية قبل الميراث للوالدين والأقربين ، فلما نزل الميراث ، نسخ الميراث من يرث ، وبقي من لا يرث . فمن أوصى لذي قرابته لم تجز وصيته .

2644 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إسماعيل المكي عن الحسن في قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخ الوالدين وأثبت الأقربين الذين يحرمون فلا يرثون .

2645 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة عن الحسن في هذه الآية : " الوصية للوالدين والأقربين " قال : للوالدين منسوخة ، والوصية للقرابة وإن كانوا أغنياء .

2646 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم ، إلا وصية إن كانت للأقربين [ ص: 390 ] فأنزل الله بعد هذا : ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) [ سورة النساء : 11 ] ، فبين الله سبحانه ميراث الوالدين ، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت .

2647 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فنسخ من الوصية الوالدين ، وأثبت الوصية للأقربين الذين لا يرثون .

2648 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف " قال : كان هذا من قبل أن تنزل " سورة النساء " ، فلما نزلت آية الميراث نسخ شأن الوالدين ، فألحقهما بأهل الميراث ، وصارت الوصية لأهل القرابة الذين لا يرثون .

2649 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا عطاء بن أبي ميمونة قال : سألت مسلم بن يسار والعلاء بن زياد عن قول الله تبارك وتعالى : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، قالا في القرابة .

2650 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن إياس بن معاوية قال : في القرابة .

وقال آخرون : بل نسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض والمواريث ، فلا وصية تجب لأحد على أحد قريب ولا بعيد .

ذكر من قال ذلك :

2651 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : [ ص: 391 ] " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " الآية ، قال : فنسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض .

2652 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس عن ابن سيرين عن ابن عباس : أنه قام فخطب الناس هاهنا ، فقرأ عليهم " سورة البقرة " ليبين لهم منها ، فأتى على هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخت هذه .

2653 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، نسخت الفرائض التي للوالدين والأقربين الوصية .

2654 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن جهضم ، عن عبد الله بن بدر قال : سمعت ابن عمر يقول في قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسختها آية الميراث . قال ابن بشار : قال عبد الرحمن : فسألت جهضما عنه فلم يحفظه .

2655 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث .

2656 - حدثني أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت أبي قال : زعم قتادة عن شريح في هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : كان الرجل يوصي بماله كله ، حتى نزلت آية الميراث .

2657 - حدثنا أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت أبي قال : زعم قتادة : أنه نسخت آيتا المواريث في " سورة النساء " الآية في " سورة البقرة " في شأن الوصية .

2658 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى [ ص: 392 ] عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : كان الميراث للولد ، والوصية للوالدين والأقربين ، وهي منسوخة .

2659 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كان الميراث للولد ، والوصية للوالدين والأقربين ، وهي منسوخة ، نسختها آية في " سورة النساء " : ( يوصيكم الله في أولادكم ) [ سورة النساء : 11 ]

2660 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، أما الوالدان والأقربون ، فيوم نزلت هذه الآية كان الناس ليس لهم ميراث معلوم ، إنما يوصي الرجل لوالده ولأهله فيقسم بينهم ، حتى نسختها " النساء " ، فقال : ( يوصيكم الله في أولادكم ) .

2661 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا أيوب ، عن نافع : أن ابن عمر لم يوص ، وقال : أما مالي ، فالله أعلم ما كنت أصنع فيه في الحياة ، وأما رباعي فما أحب أن يشرك ولدي فيها أحد .

2662 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق قال : قال عروة - يعني ابن ثابت - لربيع بن خثيم : أوص لي بمصحفك . قال : فنظر إلى أبيه فقال : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [ سورة الأنفال : 75 ] .

2663 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا يزيد ، عن سفيان عن الحسن بن عبد الله عن إبراهيم قال : ذكرنا له أن زيدا وطلحة كانا يشددان في الوصية ، فقال : ما كان عليهما أن يفعلا مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوص ، وأوصىأبو بكر ، أي ذلك فعلت فحسن . [ ص: 393 ]

2664 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الحسن بن عبد الله ، عن إبراهيم قال : ذكر عنده طلحة وزيد فذكر مثله .

وأما " الخير " الذي إذا تركه تارك وجب عليه الوصية فيه لوالديه وأقربيه الذين لا يرثون ، فهو : المال ، كما : -

2665 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا " ، يعني مالا .

2666 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إن ترك خيرا " ، مالا .

2667 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن أبي نجيح عن مجاهد : " إن ترك خيرا " ، كان يقول : الخير في القرآن كله : المال ( لحب الخير لشديد ) [ سورة العاديات : 8 ] ، الخير : المال - ( إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ) [ سورة ص : 32 ] ، المال - ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) [ سورة النور : 33 ] ، المال و ( إن ترك خيرا الوصية ) ، المال .

2668 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إن ترك خيرا الوصية " ، أي : مالا .

2669 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 394 ] أسباط عن السدي إن ترك خيرا الوصية " ، أما " خيرا " ، فالمال .

2670 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " إن ترك خيرا " قال : إن ترك مالا .

2671 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج عن عكرمة ، عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا " قال : الخير المال .

2672 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى عن الضحاك في قوله : " إن ترك خيرا الوصية " قال : المال . ألا ترى أنه يقول : قال شعيب لقومه : ( إني أراكم بخير ) [ سورة هود : 84 ] يعني الغنى .

2673 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا محمد بن عمرو اليافعي ، عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح تلا " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا " ، قال عطاء : الخير فيما يرى المال .

ثم اختلفوا في مبلغ المال الذي إذا تركه الرجل كان ممن لزمه حكم هذه الآية .

فقال بعضهم : ذلك ألف درهم .

ذكر من قال ذلك :

2674 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى عن قتادة في هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية " قال : الخير ألف فما فوقه .

2675 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن عروة : أن علي بن أبي طالب دخل على ابن عم له يعوده ، فقال : إني أريد أن أوصي . فقال علي : لا توص ، فإنك لم تترك خيرا فتوصي .

قال : وكان ترك من السبعمائة إلى التسعمائة . [ ص: 395 ]

2676 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عثمان بن الحكم الحزامي وابن أبي الزناد عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن علي بن أبي طالب : أنه دخل على رجل مريض ، فذكر له الوصية ، فقال : لا توص ، إنما قال الله : " إن ترك خيرا " ، وأنت لم تترك خيرا . قال ابن أبي الزناد فيه : فدع مالك لبنيك .

2677 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن عبد الله بن عيينة - أو : عتبة ، الشك مني - : أن رجلا أراد أن يوصي وله ولد كثير ، وترك أربعمائة دينار ، فقالت عائشة : ما أرى فيه فضلا .

2678 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : دخل علي على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم ، أو ستمائة درهم ، فقال : ألا أوصي؟ فقال : لا! إنما قال الله : " إن ترك خيرا " ، وليس لك كثير مال .

وقال بعضهم : ذلك ما بين الخمسمائة درهم إلى الألف .

ذكر من قال ذلك :

2679 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة عن أبان بن إبراهيم النخعي في قوله : " إن ترك خيرا " قال : ألف درهم إلى خمسمائة .

وقال بعضهم : الوصية واجبة من قليل المال وكثيره .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:28 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(228)
الحلقة (242)
صــ 396إلى صــ 403



ذكر من قال ذلك : [ ص: 396 ]

2680 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : جعل الله الوصية حقا ، مما قل منه أو كثر .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية " ما قال الزهري . لأن قليل المال وكثيره يقع عليه " خير " ، ولم يحد الله ذلك بحد ، ولا خص منه شيئا فيجوز أن يحال ظاهر إلى باطن . فكل من حضرته منيته وعنده مال قل ذلك أو كثر ، فواجب عليه أن يوصي منه لمن لا يرثه من آبائه وأمهاته وأقربائه الذين لا يرثونه بمعروف ، كما قال الله جل ذكره وأمر به .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : فمن غير ما أوصى به الموصي - من وصيته بالمعروف لوالديه أو أقربيه الذين لا يرثونه - بعد ما سمع الوصية ، فإنما إثم التبديل على من بدل وصيته .

فإن قال لنا قائل : وعلام عادت " الهاء " التي في قوله : " فمن بدله " ؟

قيل : على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر . وذلك هو أمر الميت ، وإيصاؤه إلى من أوصى إليه ، بما أوصى به ، لمن أوصى له .

ومعنى الكلام : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين " ، فأوصوا لهم ، فمن بدل ما أوصيتم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم ، فإنما إثم ما فعل من ذلك عليه دونكم . [ ص: 397 ]

وإنما قلنا إن " الهاء " في قوله : " فمن بدله " عائدة على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر؛ لأن قوله : "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية " من قول الله ، وأن تبديل المبدل إنما يكون لوصية الموصي . فأما أمر الله بالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدله ، فيجوز أن تكون " الهاء " في قوله : " فمن بدله " عائدة على " الوصية " .

وأما " الهاء " في قوله : " بعد ما سمعه " ، فعائدة على " الهاء " الأولى في قوله : " فمن بدله " .

وأما " الهاء " التي في قوله : " فإنما إثمه " ، فإنها مكني " التبديل " ، كأنه قال : فإنما إثم ما بدل من ذلك على الذين يبدلونه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2681 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن بدله بعدما سمعه " قال : الوصية .

2682 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2683 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، وقد وقع أجر الموصي على الله وبرئ من إثمه ، وإن كان أوصى في ضرار لم تجز وصيته ، كما قال الله : ( غير مضار ) [ سورة النساء : 12 ]

2684 - حدثنا الحسين بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه " ، قال : من بدل الوصية بعد ما سمعها ، فإثم ما بدل عليه . [ ص: 398 ]

2685 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا : عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، فمن بدل الوصية التي أوصى بها ، وكانت بمعروف ، فإنما إثمها على من بدلها . إنه قد ظلم .

2686 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن قتادة : أن عطاء بن أبي رباح قال في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، قال : يمضى كما قال .

2687 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن الحسن : " فمن بدله بعدما سمعه " ، قال : من بدل وصية بعد ما سمعها .

2688 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم عن الحسن في هذه الآية : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، قال : هذا في الوصية ، من بدلها من بعد ما سمعها ، فإنما إثمه على من بدله .

2689 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عطاء وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهم قالوا : تمضى الوصية لمن أوصى له به إلى هاهنا انتهى حديث ابن المثنى وزاد ابن بشار في حديثه قال قتادة : وقال عبد الله بن معمر : أعجب إلي لو أوصى لذوي قرابته ، وما يعجبني أن أنزعه ممن أوصى له به . قال قتادة : وأعجبه إلي لمن أوصى له به ، قال الله عز وجل : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " .
[ ص: 399 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله سميع عليم ( 181 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : " إن الله سميع " لوصيتكم التي أمرتكم أن توصوا بها لآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم حين توصون بها ، أتعدلون فيها على ما أذنت لكم من فعل ذلك بالمعروف ، أم تحيفون فتميلون عن الحق وتجورون عن القصد؟ " عليم " بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق ، والعدل ، أم الجور والحيف .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ( 182 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية .

فقال بعضهم : تأويلها : فمن حضر مريضا وهو يوصي عند إشرافه على الموت ، فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له ، أو أن يعمد جورا فيها فيأمر بما ليس له الأمر به ، فلا حرج على من حضره فسمع ذلك منه أن يصلح بينه وبين ورثته؛ بأن يأمره بالعدل في وصيته ، وأن ينهاهم عن منعه مما أذن الله له فيه وأباحه له .

ذكر من قال ذلك :

2690 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : هذا حين يحضر الرجل وهو يموت ، فإذا [ ص: 400 ] أسرف أمروه بالعدل ، وإذا قصر قالوا : افعل كذا ، أعط فلانا كذا .

2691 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : هذا حين يحضر الرجل وهو في الموت ، فإذا أشرف على الجور أمروه بالعدل ، وإذا قصر عن حق قالوا : افعل كذا ، أعط فلانا كذا .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن خاف - من أولياء ميت ، أو والي أمر المسلمين - من موص جنفا في وصيته التي أوصى بها الميت ، فأصلح بين ورثته وبين الموصى لهم بما أوصى لهم به ، فرد الوصية إلى العدل والحق ، فلا حرج ولا إثم .

ذكر من قال ذلك :

2692 - حدثني المثنى ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " فمن خاف من موص جنفا " - يعني : إثما - يقول : إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها ، فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب .

2693 - حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : هو الرجل يوصي [ ص: 401 ] فيحيف في وصيته ، فيردها الولي إلى الحق والعدل .

2694 - حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد عن قتادة قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، وكان قتادة يقول : من أوصى بجور أو حيف في وصيته فردها ولي المتوفى أو إمام من أئمة المسلمين ، إلى كتاب الله وإلى العدل ، فذاك له .

2695 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، فمن أوصى بوصية بجور ، فرده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم عليه - قال عبد الرحمن في حديثه : " فأصلح بينهم " ، يقول : رده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم عليه .

2696 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبيه عن إبراهيم : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم " ، قال : رده إلى الحق .

2697 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن سعيد بن مسروق ، عن إبراهيم قال : سألته عن رجل أوصى بأكثر من الثلث؟ قال : ارددها . ثم قرأ فمن خاف من موص جنفا أو إثما " .

2698 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال : حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : رده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم على الوصي .

وقال بعضهم : بل معنى ذلك : فمن خاف من موص جنفا أو إثما في عطيته [ ص: 402 ] عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض ، فلا إثم على من أصلح بينهم يعني : بين الورثة .

ذكر من قال ذلك :

2699 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الرجل يحيف أو يأثم عند موته ، فيعطي ورثته بعضهم دون بعض ، يقول الله : فلا إثم على المصلح بينهم . فقلت لعطاء : أله أن يعطي وارثه عند الموت ، إنما هي وصية ، ولا وصية لوارث؟ قال : ذلك فيما يقسم بينهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : فمن خاف من موص جنفا أو إثما في وصيته لمن لا يرثه ، بما يرجع نفعه على من يرثه ، فأصلح بين ورثته ، فلا إثم عليه .

ذكر من قال ذلك :

2700 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان يقول : جنفه وإثمه ، أن يوصي الرجل لبني ابنه ليكون المال لأبيهم ، وتوصي المرأة لزوج ابنتها ليكون المال لابنتها; وذو الوارث الكثير والمال قليل ، فيوصي بثلث ماله كله ، فيصلح بينهم الموصى إليه أو الأمير . قلت : أفي حياته أم بعد موته؟ قال : ما سمعنا أحدا يقول إلا بعد موته ، وإنه ليوعظ عند ذلك .

2701 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم " ، قال : هو الرجل يوصي لولد ابنته .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن خاف من موص لآبائه وأقربائه جنفا على بعضهم لبعض ، فأصلح بين الآباء والأقرباء ، فلا إثم عليه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 403 ]

2702 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " . أما " جنفا " : فخطأ في وصيته ، وأما " إثما " : فعمدا يعمد في وصيته الظلم . فإن هذا أعظم لأجره أن لا ينفذها ، ولكن يصلح بينهم على ما يرى أنه الحق ، ينقص بعضا ويزيد بعضا . قال : ونزلت هذه الآية في الوالدين والأقربين .

2703 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : " الجنف " أن يحيف لبعضهم على بعض في الوصية ، " والإثم " أن يكون قد أثم في أبويه بعضهم على بعض ، " فأصلح بينهم " الموصى إليه بين الوالدين والأقربين - الابن والبنون هم " الأقربون " - فلا إثم عليه . فهذا الموصى الذي أوصى إليه بذلك ، وجعل إليه ، فرأى هذا قد أجنف لهذا على هذا ، فأصلح بينهم فلا إثم عليه ، فعجز الموصي أن يوصي كما أمره الله تعالى ، وعجز الموصى إليه أن يصلح ، فانتزع الله تعالى ذكره ذلك منهم ، ففرض الفرائض .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:29 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(229)
الحلقة (243)
صــ 404إلى صــ 411



قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل الآية أن يكون تأويلها : فمن خاف من موص جنفا أو إثما وهو أن يميل إلى غير الحق خطأ منه ، أو يتعمد إثما في وصيته ، بأن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه بأكثر مما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله ، وغير ما أذن الله له به مما جاوز الثلث أو بالثلث كله ، وفي المال قلة ، وفي الورثة كثرة فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يوصى لهم ، وبين ورثة الميت ، وبين الميت ، بأن يأمر الميت في ذلك بالمعروف ويعرفه ما أباح الله له في ذلك وأذن له فيه من الوصية في ماله ، وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ، وذلك هو " الإصلاح " الذي [ ص: 404 ] قال الله تعالى ذكره : " فأصلح بينهم فلا إثم عليه " . وكذلك لمن كان في المال فضل وكثرة وفي الورثة قلة ، فأراد أن يقتصر في وصيته لوالديه وأقربيه عن ثلثه ، فأصلح من حضره بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الذين يريد أن يوصى لهم ، بأن يأمر المريض أن يزيد في وصيته لهم ، ويبلغ بها ما رخص الله فيه من الثلث . فذلك أيضا هو من الإصلاح بينهم بالمعروف .

وإنما اخترنا هذا القول ، لأن الله تعالى ذكره قال : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، يعني بذلك : فمن خاف من موص أن يجنف أو يأثم . فخوف الجنف والإثم من الموصي ، إنما هو كائن قبل وقوع الجنف والإثم ، فأما بعد وجوده منه ، فلا وجه للخوف منه بأن يجنف أو يأثم ، بل تلك حال من قد جنف أو أثم ، ولو كان ذلك معناه لقيل : فمن تبين من موص جنفا أو إثما - أو أيقن أو علم - ولم يقل : فمن خاف منه جنفا .

فإن أشكل ما قلنا من ذلك على بعض الناس فقال : فما وجه الإصلاح حينئذ ، والإصلاح إنما يكون بين المختلفين في الشيء؟

قيل : إن ذلك وإن كان من معاني الإصلاح ، فمن الإصلاح الإصلاح بين الفريقين ، فيما كان مخوفا حدوث الاختلاف بينهم فيه ، بما يؤمن معه حدوث الاختلاف . لأن " الإصلاح " ، إنما هو الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين ، فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين - قبل وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه .

فإن قال قائل : فكيف قيل : " فأصلح بينهم " ، ولم يجر للورثة ولا للمختلفين ، أو المخوف اختلافهم ذكر؟ [ ص: 405 ]

قيل : بل قد جرى ذكر الذين أمر تعالى ذكره بالوصية لهم ، وهم والدا الموصي وأقربوه ، والذين أمروا بالوصية في قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف " ، ثم قال تعالى ذكره : " فمن خاف من موص " - لمن أمرته بالوصية له - " جنفا أو إثما فأصلح بينهم " - وبين من أمرته بالوصية له - " فلا إثم عليه " . والإصلاح بينه وبينهم ، هو إصلاح بينهم وبين ورثة الموصي .

قال أبو جعفر : وقد قرئ قوله : " فمن خاف من موص " بالتخفيف في " الصاد " والتسكين في " الواو " - وبتحريك " الواو " وتشديد " الصاد " .

فمن قرأ ذلك بتخفيف " الصاد " وتسكين " الواو " ، فإنما قرأه بلغة من قال : " أوصيت فلانا بكذا " .

ومن قرأ بتحريك " الواو " وتشديد " الصاد " ، قرأه بلغة من يقول : " وصيت فلانا بكذا " . وهما لغتان للعرب مشهورتان : " وصيتك ، وأوصيتك "

وأما " الجنف " ، فهو الجور والعدول عن الحق في كلام العرب ، ومنه قول الشاعر :


هم المولى وإن جنفوا علينا وإنا من لقائهم لزور


يقال منه : "جنف الرجل على صاحبه يجنف" - إذا مال عليه وجار - "جنفا" . [ ص: 406 ]

فمعنى الكلام من خاف من موص جنفا له بموضع الوصية ، وميلا عن الصواب فيها ، وجورا عن القصد أو إثما بتعمده ذلك على علم منه بخطأ ما يأتي من ذلك ، فأصلح بينهم ، فلا إثم عليه .

وبمثل الذي قلنا في معنى " الجنف " " والإثم " ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2704 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس في قوله : " فمن خاف من موص جنفا " ، يعني بالجنف : الخطأ .

2705 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن عبد الملك عن عطاء : " فمن خاف من موص جنفا " ، قال : ميلا .

2706 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .

2707 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن الحارث ويزيد بن هارون قالا حدثنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .

2708 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .

2709 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا [ أبو أحمد ] الزبيري قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن عطاء مثله .

2710 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، أما " جنفا " فخطأ في وصيته ، وأما " إثما " : فعمدا ، يعمد في وصيته الظلم .

2711 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى [ ص: 407 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : خطأ أو عمدا .

2712 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر عن أبي جعفر عن الربيع : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .

2713 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس مثله .

2714 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان عن أبيه عن إبراهيم : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الجنف : الخطأ ، والإثم العمد .

2715 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية : " فمن خاف من موص جنفا " ، قال : خطأ " أو إثما " متعمدا .

2716 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فمن خاف من موص جنفا ، قال : ميلا .

2717 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " جنفا " حيفا " والإثم " ميله لبعض على بعض . وكله يصير إلى واحد ، كما يكون " عفوا غفورا " و" غفورا رحيما " .

2718 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن [ ص: 408 ] جريج قال : قال ابن عباس : الجنف " الخطأ ، والإثم : العمد .

2719 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .

وأما قوله : " إن الله غفور رحيم " ، فإنه يعني : والله غفور للموصي فيما كان حدث به نفسه من الجنف والإثم ، إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته ، فتجاوز له عما كان حدث به نفسه من الجور ، إذ لم يمض ذلك فيغفل أن يؤاخذه به " رحيم " بالمصلح بين الموصي وبين من أراد أن يحيف عليه لغيره ، أو يأثم فيه له .
[ ص: 409 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 183 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بهما وأقروا .

ويعني بقوله : " كتب عليكم الصيام " ، فرض عليكم الصيام .

و" الصيام " مصدر ، من قول القائل : " صمت عن كذا وكذا " - يعني : كففت عنه - " أصوم عنه صوما وصياما " . ومعنى " الصيام " ، الكف عما أمر الله بالكف عنه . ومن ذلك قيل : " صامت الخيل " ، إذا كفت عن السير ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :


خيل صيام ، وخيل غير صائمة تحت العجاج ، وأخرى تعلك اللجما


ومنه قول الله تعالى ذكره : ( إني نذرت للرحمن صوما ) [ سورة مريم : 26 ] يعني : صمتا عن الكلام .

وقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، يعني فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم . [ ص: 410 ]

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا .

فقال بعضهم : الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا ، أنه كمثل الذي كان عليهم ، هم النصارى . وقالوا : التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه ، هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه .

ذكر من قال ذلك :

2720 - حدثت عن يحيى بن زياد عن محمد بن أبان [ القرشي ] ، عن أبي أمية الطنافسي عن الشعبي أنه قال : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه ، فيقال : من شعبان ، ويقال : من رمضان . وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل . وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يوما . ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم ، فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما . ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين . فذلك قوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، [ ص: 411 ]

وقال آخرون : بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة . وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم . ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول : أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، النصارى .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:30 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(230)
الحلقة (244)
صــ 412إلى صــ 419




ذكر من قال ذلك :

2721 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أما الذين من قبلنا : فالنصارى ، كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان . فاشتد على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف . فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا! فجعلوا صيامهم خمسين . فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى ، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر . [ ص: 412 ]

2722 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة .

وقال آخرون : الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .

ذكر من قال ذلك :

2723 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .

وقال بعضهم : بل ذلك كان على الناس كلهم .

ذكر من قال ذلك :

2724 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب شهر رمضان على الناس ، كما كتب على الذين من قبلهم . قال : وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر .

2725 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، رمضان ، كتبه الله على من كان قبلهم .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى الآية :

يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب ، " أياما معدودات " ، وهي شهر رمضان كله . لأن من بعد إبراهيم [ ص: 413 ] صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع إبراهيم ، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما ، وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة ، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء .

وأما التشبيه ، فإنما وقع على الوقت . وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان ، مثل الذي فرض علينا سواء .

وأما تأويل قوله : " لعلكم تتقون " ، فإنه يعني به : لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه . يقول : فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين ، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم .

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل :

ذكر من قال ذلك :

2726 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : " لعلكم تتقون " ، يقول : فتتقون من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا - يعني : مثل الذي اتقى النصارى قبلكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( أياما معدودات )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره ، كتب عليكم أيها الذين آمنوا - الصيام أياما معدودات .

ونصب " أياما " بمضمر من الفعل ، كأنه قيل : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، أن تصوموا أياما معدودات ، كما يقال : " أعجبني الضرب زيدا " . [ ص: 414 ]

وقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " من الصيام ، كأنه قيل : كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم : أن تصوموا أياما معدودات .

ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله جل وعز بقوله : " أياما معدودات " .

فقال بعضهم : " الأيام المعدودات " ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر . قال : وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان .

ذكر من قال ذلك :

2727 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال : كان عليهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ولم يسم الشهر أياما معدودات . قال : وكان هذا صيام الناس قبل ، ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان .

2728 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ، وكان ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان . فهذا الصوم الأول ، من العتمة .

2729 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة . عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان ، فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " حتى بلغ : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " . [ ص: 415 ]

2730 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : قد كتب الله تعالى ذكره على الناس ، قبل أن ينزل رمضان ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر .

وقال آخرون : بل الأيام الثلاثة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان ، كان تطوعا صومهن ، وإنما عنى الله جل وعز بقوله : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم . . . أياما معدودات ، أيام شهر رمضان ، لا الأيام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان .

ذكر من قال ذلك :

2731 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : حدثنا أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا لا فريضة . قال : ثم نزل صيام رمضان - قال أبو موسى : قوله : " قال عمرو بن مرة : حدثنا أصحابنا " [ ص: 415 ] يريد ابن أبي ليلى ، كأن ابن أبي ليلى القائل : " حدثنا أصحابنا " .

2732 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عمرو بن مرة قال : سمعت ابن أبي ليلى ، فذكر نحوه . [ ص: 417 ]

قال أبو جعفر : وقد ذكرنا قول من قال : عنى بقوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، شهر رمضان .

وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال : عنى الله جل ثناؤه بقوله : " ( أياما معدودات ) ، أيام شهر رمضان . وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان ، ثم نسخ بصوم شهر رمضان ، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية ، أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات ، بإبانته ، عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " . فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه - ثم نسخ ذلك - سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة ، إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر .

وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا ، فتأويل الآية : كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياما معدودات هي شهر رمضان . وجائز أيضا أن يكون معناه : " كتب عليكم الصيام " ، كتب عليكم شهر رمضان .

وأما " المعدودات " : فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها . ويعني بقوله : " معدودات " ، محصيات .
[ ص: 418 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فمن كان منكم مريضا " ، من كان منكم مريضا ، ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر ، " فعدة من أيام أخر " ، يقول : فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره ، " من أيام أخر " ، يعني : من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره .

والرفع في قوله : " فعدة من أيام أخر " ، نظير الرفع في قوله : " فاتباع بالمعروف " . وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته .

وأما قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فإن قراءة كافة المسلمين : " وعلى الذين يطيقونه " ، وعلى ذلك خطوط مصاحفهم . وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها ، لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن .

وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه : " وعلى الذين يطوقونه " .

ثم اختلف قراء ذلك : " وعلى الذين يطيقونه " في معناه .

فقال بعضهم : كان ذلك في أول ما فرض الصوم ، وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء ، وإن شاء أفطره وافتدى ، فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا ، حتى نسخ ذلك .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 419 ]

2733 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان ، فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " حتى بلغ " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا . ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم ، فأنزل الله عز وجل : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر " إلى آخر الآية .

2734 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال حدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة . قال : ثم نزل صيام رمضان . قال : وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام . قال : وكان يشتد عليهم الصوم . قال : فكان من لم يصم أطعم مسكينا ، ثم نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فكانت الرخصة للمريض والمسافر ، وأمرنا بالصيام . قال محمد بن المثنى قوله : " قال عمرو : حدثنا أصحابنا " ، يريد ابن أبي ليلى . كأن ابن أبي ليلى القائل : " حدثنا أصحابنا " .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:30 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(231)
الحلقة (245)
صــ 420إلى صــ 427




2735 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عمرو بن مرة قال : سمعت ابن أبي ليلى فذكر نحوه . [ ص: 420 ]

2736 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم عن علقمة في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : كان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا ، فنسخها : " شهر رمضان " إلى قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

2737 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم بنحوه - وزاد فيه ، قال : فنسختها هذه الآية ، وصارت الآية الأولى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم ، يتصدق مكان كل يوم على مسكين نصف صاع .

2738 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان من شاء منهم أن يصوم صام ، ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه . ثم قال : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، ثم استثنى من ذلك فقال : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .

2739 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن إدريس قال : سألت الأعمش عن قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فحدثنا عن إبراهيم عن علقمة . قال : نسختها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

2740 - حدثنا عمر بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : نسخت هذه الآية - يعني : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " - التي بعدها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان [ ص: 421 ] مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .

2741 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

2742 - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عاصم عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، كان الرجل يفطر فيتصدق عن كل يوم على مسكين طعاما ، ثم نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر .

2743 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عاصم [ ص: 422 ] عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية للناس عامة : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين ، ثم نزلت هذه الآية : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، قال : فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر .

2744 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى قال : دخلت على عطاء وهو يأكل في شهر رمضان ، فقال : إني شيخ كبير ، إن الصوم نزل ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ، حتى نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فوجب الصوم على كل أحد ، إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبير مثلي يفتدي .

2745 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : قال الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال ابن شهاب : كتب الله الصيام علينا ، فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر ، ولم يكن عليه غير ذلك . فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام ، فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية ، وكان من كان على سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر . قال : وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام ، والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام .

2746 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قال : جعل الله في الصوم الأول فدية طعام مسكين ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر ، كان ذلك رخصة له . فأنزل الله في الصوم الآخر : " فعدة من أيام أخر " ، ولم يذكر الله في الصوم الآخر فدية طعام مسكين ، فنسخت الفدية ، وثبت في الصوم الآخر : [ ص: 423 ] " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، وهو الإفطار في السفر ، وجعله عدة من أيام أخر .

2747 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : أخبرني عمي عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث قال : بكير بن عبد الله ، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع ، عن سلمة بن الأكوع أنه قال : كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ، ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين ، حتى أنزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

2748 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول عن الشعبي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " [ ص: 424 ] قال : كانت للناس كلهم : فلما نزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، أمروا بالصوم والقضاء ، فقال : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .

2749 - حدثنا هناد قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش عن إبراهيم في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها الآية التي بعدها : وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون .

2750 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن محمد بن سليمان ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها الآية التي تليها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

2751 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله : " كتب عليكم الصيام " الآية ، فرض الصوم من العتمة إلى مثلها من القابلة ، فإذا صلى الرجل العتمة حرم عليه الطعام والجماع إلى مثلها من القابلة . ثم نزل الصوم الآخر بإحلال الطعام والجماع بالليل كله ، وهو قوله : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) إلى قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ، وأحل الجماع أيضا فقال : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) ، وكان في الصوم الأول الفدية ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك ، ولم يذكر الله تعالى ذكره في الصوم الآخر الفدية ، وقال : " فعدة من أيام أخر " ، فنسخ هذا الصوم الآخر الفدية .

وقال آخرون : بل كان قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، حكما خاصا للشيخ الكبير والعجوز الذين يطيقان الصوم ، كان مرخصا لهما [ ص: 425 ] أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا ، ثم نسخ ذلك بقوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم ، فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله .

ذكر من قال ذلك .

2752 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم ، رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، إذا كانا لا يطيقان الصوم ، وللحبلى والمرضع إذا خافتا .

2753 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عروة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " وعلى الذين يطيقونه " ، قال : الشيخ الكبير ، والعجوز الكبيرة ثم ذكر مثل حديث بشر عن يزيد . [ ص: 426 ]

2754 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة عن عكرمة قال : كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " . قال : فكانت لهم الرخصة ، ثم نسخت بهذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم ، وبقيت للحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما .

2755 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى قال : سمعت قتادة يقول في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : كان فيها رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا ويفطرا ، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال : " شهر رمضان " إلى قوله : " فعدة من أيام أخر " ، فنسختها هذه الآية . فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا ، وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها ، وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها .

2756 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان ، فأحل الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك ، وعليهما الفدية لكل يوم يفطرانه طعام مسكين ، فأنزل الله بعد ذلك : [ ص: 427 ] " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، إلى قوله : " فعدة من أيام أخر " .

وقال آخرون ممن قرأ ذلك : " وعلى الذين يطيقونه " ، لم ينسخ ذلك ولا شيء منه ، وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة ، وقالوا : إنما تأويل ذلك : وعلى الذين يطيقونه - في حال شبابهم وحداثتهم ، وفي حال صحتهم وقوتهم - إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم ، فدية طعام مسكين لا أن القوم كان رخص لهم في الإفطار - وهم على الصوم قادرون - إذا افتدوا .

ذكر من قال ذلك :

2757 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : أما الذين يطيقونه ، فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ، ثم يعرض له الوجع أو العطش أو المرض الطويل ، أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم ، فإن أولئك عليهم مكان كل يوم إطعام مسكين ، فإن أطعم مسكينا فهو خير له ، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:31 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(232)
الحلقة (246)
صــ 428إلى صــ 435



2758 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن عزرة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إذا خافت الحامل على نفسها ، والمرضع على ولدها في رمضان ، قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ، ولا يقضيان صوما . [ ص: 428 ]

2759 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، . . . ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه رأى أم ولد له حاملا أو مرضعا ، فقال : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه ، عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ، ولا قضاء عليك .

2760 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد ، عن نافع ، عن علي بن ثابت ، عن نافع عن ابن عمر مثل قول ابن عباس في الحامل والمرضع . [ ص: 429 ]

2761 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن ابن عباس قال : لأم ولد له حبلى أو مرضع : أنت بمنزلة الذين لا يطيقونه ، عليك الفداء ولا صوم عليك . هذا إذا خافت على نفسها .

2762 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، هو الشيخ الكبير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب ، فكبر وهو لا يستطيع صومه ، فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطره ، حين يفطر وحين يتسحر .

2763 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن منصور عن مجاهد ، عن ابن عباس نحوه - غير أنه لم يقل : حين يفطر وحين يتسحر .

2764 - حدثنا هناد قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه قال في قول الله تعالى ذكره : " فدية طعام مسكين " ، قال : هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه ، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام . فعلى كل واحد منهما طعام مسكين : مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان .

وقرأ ذلك آخرون : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " ، وقالوا : إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم ، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه ، فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا . وقالوا : الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت ، لم تنسخ ، وأنكروا قول من قال : إنها منسوخة .

ذكر من قال ذلك :

2765 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا ابن جريج [ ص: 430 ] عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : " يطوقونه " .

2766 - حدثنا هناد قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عصام ، عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " ، قال : فكان يقول : هي للناس اليوم قائمة .

2767 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : "وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين" ، قال : وكان يقول : هي للناس اليوم قائمة .

2768 - حدثنا هناد قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : "وعلى الذين يطوقونه " ، ويقول : هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه .

2769 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : " وعلى الذين يطوقونه " ، - وكذلك كان يقرؤها - : إنها ليست منسوخة ، كلف الشيخ الكبير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .

2770 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير أنه قرأ : " وعلى الذين يطوقونه " .

2771 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة قال : " الذين يطيقونه " يصومونه ، ولكن الذين " يطوقونه " ، يعجزون عنه .

2772 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني محمد بن عباد بن جعفر ، عن أبي عمرو مولى عائشة أن عائشة كانت تقرأ : " يطوقونه " .

2773 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء أنه كان يقرؤها " يطوقونه " . قال ابن جريج : وكان مجاهد يقرؤها كذلك . [ ص: 431 ]

2774 - حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا خالد عن عكرمة : " وعلى الذين يطيقونه " قال : قال ابن عباس : هو الشيخ الكبير .

2775 - حدثنا إسماعيل بن موسى السدي قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " وعلى الذين يطوقونه " قال : يتجشمونه يتكلفونه .

2776 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكينا .

2777 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس في قول الله : " وعلى الذين يطيقونه " ، قال : يكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد . قال : فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام ، أو مريض يعلم أنه لا يشفى .

2778 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء عن ابن عباس قال : " الذين يطيقونه " ، يتكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد ، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم ، أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى - هذا عن مجاهد .

2779 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن [ ص: 432 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه كان يقول : ليست بمنسوخة .

2780 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، يقول : من لم يطق الصوم إلا على جهد ، فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ، والحامل والمرضع والشيخ الكبير والذي به سقم دائم .

2781 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبيدة ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : هو الشيخ الكبير ، والمرء الذي كان يصوم في شبابه فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموت ، فهو يطعم كل يوم مسكينا - قال هناد : قال عبيدة : قيل لمنصور : الذي يطعم كل يوم نصف صاع؟ قال : نعم .

2782 - حدثنا هناد قال : حدثنا مروان بن معاوية عن عثمان بن الأسود قال : سألت مجاهدا عن امرأة لي وافق تاسعها شهر رمضان ، ووافق حرا شديدا ، فأمرني أن تفطر وتطعم . قال : وقال مجاهد : وتلك الرخصة أيضا في المسافر والمريض ، فإن الله يقول : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " .

2783 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطرون في رمضان ، ويطعمون عن كل يوم مسكينا ، ثم قرأ : " [ ص: 433 ] وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " .

2784 - حدثنا علي بن سعيد الكندي قال : حدثنا حفص عن حجاج ، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .

2785 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء عن ابن عباس قال : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه ، الشيخ والشيخة .

2786 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن أبي إسحاق عن الحارث ، عن علي قال : هو الشيخ والشيخة .

2787 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة أنه كان يقرؤها : " وعلى الذين يطيقونه " فأفطروا .

2788 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم عمن حدثه عن ابن عباس قال : هي مثبتة للكبير والمرضع والحامل ، وعلى الذين يطيقون الصيام .

2789 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ؟ قال : بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين . قلت : الكبير الذي لا [ ص: 434 ] يستطيع الصوم ، أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد؟ قال : بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء ، فأما من استطاع بجهد فليصمه ، ولا عذر له في تركه .

2790 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن أبي يزيد : " وعلى الذين يطيقونه " الآية ، كأنه يعني الشيخ الكبير - قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : نزلت في الكبير الذي لا يستطيع صيام رمضان ، فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين . قلت له : كم طعامه؟ قال : لا أدري ، غير أنه قال : طعام يوم .

2791 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى عن الضحاك في قوله : " فدية طعام مسكين قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ، يفطر ويطعم كل يوم مسكينا .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، منسوخ بقول الله تعالى ذكره : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

لأن " الهاء " التي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ، من ذكر " الصيام " ومعناه : وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان ، فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين - كان معلوما أن الآية منسوخة .

هذا ، مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الأكوع : من أنهم كانوا - بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه [ ص: 435 ] وسقوط الفدية عنهم ، وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم; وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فألزموا فرض صومه ، وبطل الخيار والفدية .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:31 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(233)
الحلقة (247)
صــ 436إلى صــ 443



فإن قال قائل : وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام على أن من أطاق صومه ، وهو بالصفة التي وصفت ، فغير جائز له إلا صومه وقد علمت قول من قال : الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما ، لهما الإفطار ، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما ، مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :

2792 - حدثنا به هناد بن السري قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى ، فقال : " تعال أحدثك ، إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة " ؟ [ ص: 436 ]

قيل : إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع ، وإنما ادعينا في الرجال الذين [ ص: 437 ] وصفنا صفتهم . فأما الحامل والمرضع ، فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به ، لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال ، لقيل : وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين ، لأن ذلك كلام العرب ، إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال . فلما قيل : " وعلى الذين يطيقونه " ، كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء ، أو الرجال والنساء . فلما صح بإجماع الجميع - على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان ، فغير مرخص له في الإفطار والافتداء ، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية ، وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا : من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن : " وعلى اللواتي يطقنه " ، والتنزيل بغير ذلك .

وأما الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إن كان صحيحا ، فإنما معناه : أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه ، حتى تطيقا فتقضيا ، كما وضع عن المسافر في سفره ، حتى يقيم فيقضيه - لا أنهما أمرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء ، ولو كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم " ، دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله : " وعلى الذين يطيقونه [ ص: 438 ] فدية طعام مسكين " ، لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء ، وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع . وذلك قول ، إن قاله قائل ، خلاف لظاهر كتاب الله ، ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام .

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ، وعلى الذين يطيقون الطعام . وذلك لتأويل أهل العلم مخالف .

وأما قراءة من قرأ ذلك : " وعلى الذين يطوقونه " فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف ، وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلا ظاهرا قاطعا للعذر . لأن ما جاءت به الحجة من الدين ، هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله . ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله ، بالآراء والظنون والأقوال الشاذة .

وأما معنى " الفدية " فإنه : الجزاء ، من قولك : " فديت هذا بهذا " ، أي جزيته به ، وأعطيته بدلا منه .

ومعنى الكلام : وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين ، لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه .

وأما قوله : " فدية طعام مسكين " ، فإن القرأة مختلفة في قراءته . فبعض يقرأ بإضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، وخفض " الطعام " - وذلك قراءة عظم قراء أهل المدينة - بمعنى : وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين . [ ص: 439 ] فلما جعل مكان " أن يفديه " " الفدية " أضيف إلى " الطعام " ، كما يقال " لزمني غرامة درهم لك " ، بمعنى : لزمني أن أغرم لك درهما .

وآخرون يقرأونه بتنوين " الفدية " ، ورفع " الطعام " ، بمعنى الإبانة في " الطعام " عن معنى " الفدية " الواجبة على من أفطر في صومه الواجب ، كما يقال : " لزمني غرامة ، درهم لك " ، فتبين " بالدرهم " عن معنى " الغرامة " ما هي؟ وما حدها؟ وذلك قراءة عظم قراء أهل العراق .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بين الصواب قراءة من قرأ " فدية طعام " بإضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، لأن " الفدية " اسم للفعل ، وهي غير " الطعام " المفدي به الصوم .

وذلك أن " الفدية " مصدر من قول القائل : " فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية " ، كما يقال : " جلست جلسة ، ومشيت مشية " . " والفدية " فعل ، و" الطعام " غيرها . فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن أصح القراءتين إضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، وواضح خطأ قول من قال : إن ترك إضافة " الفدية " إلى الطعام ، أصح في المعنى ، من أجل أن " الطعام " عنده هو " الفدية " . فيقال لقائل ذلك : قد علمنا أن " الفدية " مقتضية مفديا ، ومفديا به ، وفدية . فإن كان " الطعام " هو " الفدية " " والصوم " هو المفدي به ، فأين اسم فعل المفتدي الذي هو " فدية " إن هذا القول خطأ بين غير مشكل .

وأما " الطعام " فإنه مضاف إلى " المسكين " . والقرأة في قراءة ذلك مختلفون .

فقرأه بعضهم بتوحيد " المسكين " ، بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام [ ص: 440 ] مسكين واحد لكل يوم أفطره ، كما : -

2793 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي قال : حدثنا حسين الجعفي عن أبي عمرو أنه قرأ : " فدية " - رفع منون - " طعام " - رفع بغير تنوين - " مسكين " ، وقال : عن كل يوم مسكين . وعلى ذلك عظم قراء أهل العراق .

وقرأه آخرون بجمع " المساكين " ، " فدية طعام مساكين " بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر ، إذا أفطر الشهر كله ، كما : -

2794 - حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي ، عن يعقوب ، عن بشار ، عن عمرو ، عن الحسن : " طعام مساكين " ، عن الشهر كله .

قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ : " طعام مسكين " على الواحد ، بمعنى : وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين . لأن في إبانة حكم المفطر يوما واحدا ، وصولا إلى معرفة حكم المفطر جميع الشهر - وليس في إبانة حكم المفطر جميع الشهر ، وصول إلى إبانة حكم المفطر يوما واحدا ، وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر - ، وأن كل " واحد " يترجم عن " الجميع " ، وأن " الجميع " لا يترجم به عن " الواحد " . فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد .

واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا .

فقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح .

وقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم ، مدا من قمح ومن سائر أقواتهم . [ ص: 441 ]

وقال بعضهم : كان ذلك نصف صاع من قمح ، أو صاعا من تمر أو زبيب .

وقال بعضهم : ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره .

وقال بعضهم : كان ذلك سحورا وعشاء ، يكون للمسكين إفطارا .

وقد ذكرنا بعض هذه المقالات فيما مضى قبل ، فكرهنا إعادة ذكرها .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن تطوع خيرا فهو خير له )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما : -

2795 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس : " فمن تطوع خيرا " ، فزاد طعام مسكين آخر ، " فهو خير له وأن تصوموا خير لكم " .

2796 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس مثله .

2797 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن سفيان ، عن خصيف عن مجاهد في قوله : " فمن تطوع خيرا " ، قال : من أطعم المسكين صاعا .

2798 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، قال : إطعام مساكين عن كل يوم ، فهو خير له .

2799 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن حنظلة ، عن طاوس : " فمن تطوع خيرا " ، قال : طعام مسكين .

2800 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن [ ص: 442 ] حنظلة ، عن طاوس نحوه .

2801 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ليث عن طاوس : " فمن تطوع خيرا " ، قال : طعام مسكين .

2802 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن ليث عن طاوس مثله .

2803 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عمرو بن هارون قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء أنه قرأ : " فمن تطوع " - بالتاء خفيفة [ الطاء ] - " خيرا " ، قال : زاد على مسكين .

2804 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، فإن أطعم مسكينين فهو خير له .

2805 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، قال : من أطعم مسكينا آخر .

وقال آخرون : معنى ذلك ، فمن تطوع خيرا فصام مع الفدية .

ذكر من قال ذلك :

2806 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، يريد أن من صام مع الفدية فهو خير له .

وقال آخرون : معنى ذلك : فمن تطوع خيرا فزاد المسكين على قدر طعامه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:32 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(234)
الحلقة (248)
صــ 444إلى صــ 451



ذكر من قال ذلك : [ ص: 443 ]

2807 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال : مجاهد : " فمن تطوع خيرا " ، فزاد طعاما ، " فهو خير له " .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره عمم بقوله : " فمن تطوع خيرا " ، فلم يخصص بعض معاني الخير دون بعض . فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوع الخير ، وزيادة مسكين على جزاء الفدية من تطوع الخير . وجائز أن يكون تعالى ذكره عنى بقوله : " فمن تطوع خيرا " ، أي هذه المعاني تطوع به المفتدي من صومه ، فهو خير له . لأن كل ذلك من تطوع الخير ، ونوافل الفضل .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ( 184 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وأن تصوموا " ، ما كتب عليكم من شهر رمضان ، " فهو خير لكم " من أن تفطروه وتفتدوا ، كما : -

2808 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وأن تصوموا خير لكم " ، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له .

2809 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس عن ابن شهاب : " وأن تصوموا خير لكم " ، أي : إن الصيام خير لكم من الفدية .

2810 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى [ ص: 444 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وأن تصوموا خير لكم " . . . .

وأما قوله : " إن كنتم تعلمون " ، فإنه يعني : إن كنتم تعلمون خير الأمرين لكم أيها الذين آمنوا ، من الإفطار والفدية ، أو الصوم على ما أمركم الله به .
القول في تأويل قوله تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )

قال أبو جعفر : " والشهر " ، فيما قيل ، أصله من " الشهرة " . يقال منه : " قد شهر فلان سيفه " - إذا أخرجه من غمده فاعترض به من أراد ضربه - " يشهره شهرا " . وكذلك " شهر الشهر " ، إذا طلع هلاله " وأشهرنا نحن " ، إذا دخلنا في الشهر .

وأما " رمضان " ، فإن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمى بذلك لشدة الحر الذي كان يكون فيه ، حتى ترمض فيه الفصال ، كما يقال للشهر الذي يحج فيه " ذو الحجة " ، والذي يرتبع فيه " ربيع الأول ، وربيع الآخر" .

وأما مجاهد فإنه كان يكره أن يقال : " رمضان " ، ويقول : لعله اسم من أسماء الله .

2811 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن [ ص: 445 ] مجاهد : أنه كره أن يقال : " رمضان " ، ويقول : لعله اسم من أسماء الله لكن نقول كما قال الله : " شهر رمضان " .

وقد بينت فيما مضى أن " شهر " مرفوع على قوله : " أياما معدودات " ، هن شهر رمضان . وجائز أن يكون رفعه بمعنى : ذلك شهر رمضان ، وبمعنى : كتب عليكم شهر رمضان .

وقد قرأه بعض القراء " شهر رمضان " نصبا ، بمعنى : كتب عليكم الصيام أن تصوموا شهر رمضان . وقرأه بعضهم نصبا بمعنى : أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتم تعلمون وقد يجوز أيضا نصبه على وجه الأمر بصومه ، كأنه قيل : شهر رمضان فصوموه . وجائز نصبه على الوقت ، كأنه قيل : كتب عليكم الصيام في شهر رمضان .

وأما قوله : " الذي أنزل فيه القرآن " ، فإنه ذكر أنه نزل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، في ليلة القدر من شهر رمضان . ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه ، كما : -

2812 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن حسان بن أبي الأشرس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان ، فجعل في بيت العزة - قال أبو كريب : حدثنا أبو بكر ، وقال ذلك السدي .

2813 - حدثني عيس بن عثمان قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن حسان عن سعيد بن جبير قال : نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهر رمضان ، فجعل في سماء الدنيا . [ ص: 446 ]

2814 - حدثنا أحمد بن منصور قال : حدثنا عبد الله بن رجاء قال : حدثنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن أبي المليح عن واثلة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان .

2815 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " . أما " أنزل فيه القرآن " ، فإن ابن عباس قال : شهر رمضان ، والليلة المباركة ليلة القدر ، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة ، وهي في رمضان ، نزل القرآن جملة واحدة من الزبر إلى البيت المعمور ، وهو " مواقع النجوم " في السماء الدنيا حيث وقع القرآن ، ثم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الأمر والنهي وفي الحروب رسلا رسلا .

2816 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه ، فهو قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) [ سورة القدر : 1 ] . [ ص: 447 ]

2817 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود عن عكرمة ، عن ابن عباس فذكر نحوه - وزاد فيه : فكان من أوله وآخره عشرون سنة .

2818 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان ، إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه ، حتى جمعه .

2819 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء جملة واحدة ، ثم فرق في السنين بعد . قال : وتلا ابن عباس هذه الآية : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) [ سورة الواقعة : 75 ] ، قال : نزل مفرقا .

2820 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن داود عن الشعبي قال : بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا .

2821 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، قرأه ابن جريج في قوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، قال : قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر ، فكان لا ينزل منه إلا بأمر . قال ابن جريج : كان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شيء ينزل من القرآن في تلك السنة . فنزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا ، فلا ينزل جبريل من ذلك على محمد إلا ما أمره به ربه . ومثل ذلك ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) و ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [ سورة الدخان : 3 ] . [ ص: 448 ]

2822 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل عن السدي ، عن محمد بن أبي المجالد ، عن مقسم عن ابن عباس قال له رجل : إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) وقوله ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، وقد أنزل الله في شوال وذي القعدة وغيره! قال : إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام .

وأما قوله : " هدى للناس " ، فإنه يعني رشادا للناس إلى سبيل الحق وقصد المنهج .

وأما قوله : " وبينات " ، فإنه يعني : وواضحات " من الهدى " - يعني : من البيان الدال على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه .

وقوله : " والفرقان " يعني : والفصل بين الحق والباطل ، كما : -

2823 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " وبينات من الهدى والفرقان " ، فبينات من الحلال والحرام .
[ ص: 449 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " شهود الشهر " .

فقال بعضهم : هو مقام المقيم في داره . قالوا : فمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فعليه صوم الشهر كله ، غاب بعد فسافر ، أو أقام فلم يبرح .

ذكر من قال ذلك :

2824 - حدثني محمد بن حميد ومحمد بن عيسى الدامغاني قالا حدثنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، قال : هو إهلاله بالدار . يريد : إذا هل وهو مقيم .

2825 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عمن حدثه عن ابن عباس أنه قال . في قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم ، أقام أو سافر . وإن شهده وهو في سفر ، فإن شاء صام وإن شاء أفطر .

2826 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد عن عبيدة - في الرجل يدركه رمضان ثم يسافر - قال : إذا شهدت أوله فصم آخره ، ألا تراه يقول : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ؟

2827 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام القردوسي عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة : عن رجل أدرك رمضان وهو مقيم؟ قال : من صام أول الشهر فليصم آخره ، ألا تراه يقول : فمن شهد منكم الشهر فليصمه "؟ . [ ص: 450 ]

2828 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : أما " من شهد منكم الشهر فليصمه " ، فمن دخل عليه رمضان وهو مقيم في أهله فليصمه ، وإن خرج فيه فليصمه ، فإنه دخل عليه وهو في أهله .

2829 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا قتادة ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني عن علي - فيما يحسب حماد - قال : من أدرك رمضان وهو مقيم لم يخرج ، فقد لزمه الصوم ، لأن الله يقول : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

2830 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة السلماني عن قول الله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، قال : من كان مقيما فليصمه ، ومن أدركه ثم سافر فيه فليصمه .

2831 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين عن عبيدة ، قال : من شهد أول رمضان فليصم آخره .

2832 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن عليا كان يقول : إذا أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر ، فعليه الصوم .

2833 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن عبيدة الضبي عن إبراهيم قال : كان يقول : إذا أدركك رمضان فلا تسافر فيه ، فإن صمت فيه يوما أو اثنين ثم سافرت ، فلا تفطر ، صمه .

2834 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري . قال : كنا عند عبيدة فقرأ هذه الآية : [ ص: 451 ] " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، قال : من صام شيئا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج . قال : وكان ابن عباس يقول : إن شاء صام وإن شاء أفطر .

2835 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب - وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية - قالا جميعا ، حدثنا أيوب ، عن أبي يزيد ، عن أم ذرة قالت : أتيت عائشة في رمضان ، قالت : من أين جئت؟ قلت : من عند أخي حنين . قالت : ما شأنه؟ قالت : ودعته يريد يرتحل . قالت : فأقرئيه السلام ومريه فليقم ، فلو أدركني رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:33 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(235)
الحلقة (249)
صــ 452إلى صــ 459



2836 - حدثنا هناد قال : حدثنا إسحاق بن عيسى ، عن أفلح ، عن عبد الرحمن ، قال : جاء إبراهيم بن طلحة إلى عائشة يسلم عليها ، قالت : وأين تريد؟ قال : أردت العمرة . قالت : فجلست حتى إذا دخل عليك الشهر خرجت فيه! قال : قد خرج ثقلي! قالت : اجلس ، حتى إذا أفطرت فاخرج - يعني شهر رمضان . [ ص: 452 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : فمن شهد منكم الشهر فليصم ما شهد منه .

ذكر من قال ذلك :

2837 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق : أن أبا ميسرة خرج في رمضان ، حتى إذا بلغ القنطرة دعا ماء فشرب .

2838 - حدثنا هناد قال : حدثنا جرير عن مغيرة قال : خرج أبو ميسرة في رمضان مسافرا ، فمر بالفرات وهو صائم ، فأخذ منه كفا فشربه وأفطر .

2839 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق عن مرثد : أن أبا ميسرة سافر في رمضان ، فأفطر عند باب الجسر - هكذا قال هناد عن مرثد ، وإنما هو أبو مرثد .

2840 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مرثد : أنه خرج مع أبي ميسرة في رمضان ، فلما انتهى إلى الجسر أفطر . [ ص: 453 ]

2841 - حدثنا هناد وأبو هشام قالا حدثنا وكيع ، عن المسعودي ، عن الحسن بن سعد ، عن أبيه قال : كنت مع علي في ضيعة له على ثلاث من المدينة ، فخرجنا نريد المدينة في شهر رمضان ، وعلي راكب وأنا ماش ، قال : فصام - قال هناد : وأفطرت - قال أبو هشام : وأمرني فأفطرت .

2842 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم عن عبد الرحمن بن عتبة ، عن الحسن بن سعد ، عن أبيه قال : كنت مع علي بن أبي طالب وهو جاء من أرض له ، فصام ، وأمرني فأفطرت ، فدخل المدينة ليلا وكان راكبا وأنا ماش .

2843 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع - و حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن مهدي - قالا جميعا ، حدثنا سفيان ، عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي : أنه سافر في شهر رمضان فأفطر عند باب الجسر .

2844 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : قال لي سفيان : أحب إلي أن تتمه .

2845 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة قال : سألت الحكم وحمادا وأردت أن أسافر في رمضان فقالا لي : اخرج . وقال حماد قال إبراهيم : أما إذا كان العشر ، فأحب إلي أن يقيم .

2846 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا حماد ، عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا من أدركه الصوم وهو مقيم رمضان ثم سافر ، قالا إن شاء أفطر . [ ص: 454 ]

وقال آخرون : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، يعني : فمن شهده عاقلا بالغا مكلفا فليصمه .

وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه ، كانوا يقولون : من دخل عليه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بالغ فعليه صومه ، فإن جن بعد دخوله عليه وهو بالصفة التي وصفنا ، ثم أفاق بعد انقضائه ، لزمه قضاء ما كان فيه من أيام الشهر مغلوبا على عقله ، لأنه كان ممن شهده وهو ممن عليه فرض .

قالوا : وكذلك لو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون ، إلا أنه ممن لو كان صحيح العقل كان عليه صومه ، فلن ينقضي الشهر حتى صح وبرأ ، أو أفاق قبل انقضاء الشهر بيوم أو أكثر من ذلك ، فإن عليه قضاء صوم الشهر كله ، سوى اليوم الذي صامه بعد إفاقته ، لأنه ممن قد شهد الشهر .

قالوا : ولو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون ، فلم يفق حتى انقضى الشهر كله ، ثم أفاق لم يلزمه قضاء شيء منه ، لأنه لم يكن ممن شهده مكلفا صومه .

قال أبو جعفر : وهذا تأويل لا معنى له ، لأن الجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم ، من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر ، فقد يجب أن يكون ذلك سبيل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم . وقد أجمع الجميع على أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو برسام ، ثم أفاق بعد انقضاء الشهر ، أن عليه قضاء الشهر كله . ولم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به على الأمة . وإذ كان إجماعا ، فالواجب أن يكون سبيل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم سبيل المغمى عليه . وإذ كان ذلك كذلك ، كان معلوما أن تأويل الآية غير الذي تأولها قائلو هذه المقالة : من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفا صومه . وإذا بطل ذلك ، فتأويل المتأول الذي زعم أن معناه : فمن شهد أوله مقيما حاضرا [ ص: 455 ] فعليه صوم جميعه ، أبطل وأفسد ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج عام الفتح من المدينة في شهر رمضان بعد ما صام بعضه ، وأفطر وأمر أصحابه بالإفطار .

2847 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو الأحوص عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة إلى مكة ، حتى إذا أتى عسفان نزل به ، فدعا بإناء فوضعه على يده ليراه الناس ، ثم شربه .

2848 - حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه

2849 - حدثنا هناد ، حدثنا عبيدة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .

2850 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره عام الفتح لعشر مضين من رمضان ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه ، حتى إذا أتى الكديد - ما بين عسفان وأمج - أفطر .

2851 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا عبدة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال خرج رسول الله [ ص: 456 ] صلى الله عليه وسلم لعشر - أو لعشرين - مضت من رمضان عام الفتح ، فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر .

2852 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سالم بن نوح قال : حدثنا عمر بن عامر ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان ، فمنا الصائم ومنا المفطر ، فلم يعب المفطر على الصائم ، ولا الصائم على المفطر .

فإذ كانا فاسدين هذان التأويلان ، بما عليه دللنا من فسادهما - فبين أن الصحيح من التأويل هو الثالث ، وهو قول من قال : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، جميع ما شهد منه مقيما ، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر .
[ ص: 457 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ومن كان مريضا أو على سفر في الشهر فأفطر ، فعليه صيام عدة الأيام التي أفطرها ، من أيام أخر غير أيام شهر رمضان .

ثم اختلف أهل العلم في المرض الذي أباح الله معه الإفطار وأوجب معه عدة من أيام أخر .

فقال بعضهم : هو المرض الذي لا يطيق صاحبه معه القيام لصلاته .

ذكر من قال ذلك :

2853 - حدثنا معاذ بن شعبة البصري قال : حدثنا شريك ، عن مغيرة ، عن إبراهيم وإسماعيل بن مسلم عن الحسن أنه قال : إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائما أفطر .

2854 - حدثني يعقوب قال حدثنا هشيم ، عن مغيرة - أو عبيدة - عن إبراهيم في المريض إذا لم يستطع الصلاة قائما فليفطر . يعني : في رمضان .

2855 - حدثنا هناد قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن إسماعيل قال : سألت الحسن : متى يفطر الصائم؟ قال : إذا جهده الصوم . قال : إذا لم [ ص: 458 ] يستطع أن يصلي الفرائض كما أمر .

وقال بعضهم : وهو كل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بالصوم الزيادة في علته زيادة غير محتملة . وذلك هو قول محمد بن إدريس الشافعي ، حدثنا بذلك عنه الربيع .

وقال آخرون : وهو [ كل ] مرض يسمى مرضا .

ذكر من قال ذلك :

2856 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا الحسن بن خالد الربعي قال : حدثنا طريف بن شهاب العطاردي : أنه دخل على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل ، فلم يسأله . فلما فرغ قال : إنه وجعت إصبعي هذه .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن " المرض " الذي أذن [ ص: 459 ] الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان ، من كان الصوم جاهده جهدا غير محتمل ، فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر . وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر ، فإن لم يكن مأذونا له في الإفطار فقد كلف عسرا ، ومنع يسرا . وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " . وأما من كان الصوم غير جاهده ، فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم ، فعليه أداء فرضه .

وأما قوله : " فعدة من أيام أخر " ، فإن معناها : أياما معدودة سوى هذه الأيام .

وأما "الأخر" ، فإنها جمع "أخرى" كجمعهم "الكبرى" على "الكبر" و" القربى " على " القرب " .

فإن قال قائل : أوليست " الأخر " من صفة الأيام؟

قيل : بلى .

فإن قال : أوليس واحد " الأيام " " يوم " وهو مذكر؟

قيل : بلى .

فإن قال : فكيف يكون واحد " الأخر " " أخرى " ، وهي صفة ل " اليوم " ، ولم يكن " آخر " ؟

قيل : إن واحد " الأيام " وإن كان إذا نعت بواحد " الأخر " فهو " آخر " ، فإن " الأيام " في الجمع تصير إلى التأنيث ، فتصير نعوتها وصفاتها كهيئة صفات المؤنث ، كما يقال : " مضت الأيام جمع " ، ولا يقال : أجمعون ، ولا أيام آخرون .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:33 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(236)
الحلقة (250)
صــ 460إلى صــ 467



فإن قال لنا قائل : فإن الله تعالى قال : " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " [ ص: 460 ] ، ومعنى ذلك عندك : فعليه عدة من أيام أخر ، كما قد وصفت فيما مضى . فإن كان ذلك تأويله ، فما قولك فيمنكان مريضا أو على سفر فصام الشهر ، وهو ممن له الإفطار ، أيجزيه ذلك من صيام عدة من أيام أخر ، أو غير مجزيه ذلك ، وفرض صوم عدة من أيام أخر ثابت عليه بهيئته ، وإن صام الشهر كله؟ وهل لمن كان مريضا أو على سفر صيام شهر رمضان ، أم ذلك محظور عليه ، وغير جائز له صومه ، والواجب عليه الإفطار فيه ، حتى يقيم هذا ويبرأ هذا؟

قيل : قد اختلف أهل العلم في كل ذلك ، ونحن ذاكرون اختلافهم في ذلك ، ومخبرون بأولاه بالصواب إن شاء الله .

فقال بعضهم : الإفطار في المرض عزمة من الله واجبة ، وليس بترخيص .

ذكر من قال ذلك :

2857 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي - وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية - جميعا ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس وقال : الإفطار في السفر عزمة .

2858 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : أخبرنا شعبة ، عن يعلى ، عن يوسف بن الحكم قال : سألت ابن عمر - أو : سئل - عن الصوم في السفر فقال : أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك ، ألم تغضب؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم . [ ص: 461 ]

2859 - حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا المحاربي عن عبد الملك بن حميد قال : قال أبو جعفر : كان أبي لا يصوم في السفر ، وينهى عنه .

2860 - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد عن الضحاك : أنه كره الصوم في السفر .

وقال أهل هذه المقالة : من صام في السفر فعليه القضاء إذا قام .

ذكر من قال ذلك :

2861 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه ، عن رجل : أن عمر أمر الذي صام في السفر أن يعيد . .

2862 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن سعيد [ ص: 462 ] بن عمرو بن دينار ، عن رجل من بني تميم عن أبيه قال : أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيد صومه .

2863 - حدثني ابن حميد الحمصي قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم عن عطاء عن المحرر بن أبي هريرة قال : كنت مع أبي في سفر في رمضان ، فكنت أصوم ويفطر . فقال لي أبي : أما إنك إذا أقمت قضيت .

2864 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا سليمان بن داود قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم مولى قريبة ، قال : سمعت عروة يأمر رجلا صام في السفر أن يقضي .

2865 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا شعبة عن عاصم مولى قريبة : أن رجلا صام في السفر ، فأمره عروة أن يقضي .

2866 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن صبيح قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه كلثوم : أن قوما قدموا على عمر بن الخطاب وقد صاموا رمضان في سفر ، فقال لهم : والله لكأنكم كنتم تصومون! فقالوا : والله يا أمير المؤمنين [ ص: 463 ] لقد صمنا! قال : فأطقتموه! قالوا : نعم . قال : فاقضوه ، فاقضوه .

وعلة من قال هذه المقالة : أن الله تعالى ذكره فرض بقوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " صوم شهر رمضان على من شهده مقيما غير مسافر ، وجعل على من كان مريضا أو مسافرا صوم عدة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " . قالوا : فكما غير جائز للمقيم إفطار أيام شهر رمضان وصوم عدة أيام أخر مكانها - لأن الذي فرضه الله عليه بشهوده الشهر صوم الشهر دون غيره - فكذلك غير جائز لمن لم يشهده من المسافرين مقيما ، صومه . لأن الذي فرضه الله عليه عدة من أيام أخر . واعتلوا أيضا من الخبر بما : -

2867 - حدثنا به محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، عن أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر . "

2868 - حدثني محمد بن عبيد الله بن سعيد قال : حدثنا يزيد بن عياض [ ص: 464 ] عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر .

وقال آخرون : إباحة الإفطار في السفر رخصة من الله تعالى ذكره ، رخصها لعباده ، والفرض الصوم . فمن صام فرضه أدى ، ومن أفطر فبرخصة الله له أفطر . قالوا : وإن صام في سفر فلا قضاء عليه إذا أقام .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 465 ]

2869 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب قال : حدثنا عروة وسالم : أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أمير على المدينة فتذاكروا الصوم في السفر ، قال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السفر . وقال عروة : وكانت عائشة تصوم . فقال سالم : إنما أخذت عن ابن عمر . وقال عروة : إنما أخذت عن عائشة . حتى ارتفعت أصواتهما . فقال عمر بن عبد العزيز : اللهم عفوا ! إذا كان يسرا فصوموا ، وإذا كان عسرا فأفطروا .

2870 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن أيوب قال : حدثني رجل قال : ذكر الصوم في السفر عند عمر بن عبد العزيز ثم ذكر نحو حديث ابن بشار .

2871 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق - وحدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس حدثنا ابن إسحاق - عن الزهري عن سالم بن عبد الله قال : خرج عمر بن الخطاب في بعض أسفاره في ليال بقيت من رمضان ، فقال : إن الشهر قد تشعشع - قال أبو كريب في حديثه : أو : تسعسع ، ولم يشك يعقوب - فلو صمنا! فصام وصام الناس معه . ثم أقبل مرة قافلا حتى إذا كان بالروحاء أهل هلال شهر رمضان ، فقال : إن الله قد [ ص: 466 ] قضى السفر ، فلو صمنا ولم نثلم شهرنا! قال : فصام وصام الناس معه . .

2872 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثني أبي - وحدثنا محمد بن بشار قال : أخبرنا عبيد الله قال : أخبرنا بشير بن سلمان - عن خيثمة قال : سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر ، قال : قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى . قلت : فأين هذه الآية : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر "؟ قال : نزلت ونحن يومئذ نرتحل جياعا وننزل على غير شبع ، وإنا اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع .

2873 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن بشير بن سلمان عن خيثمة عن أنس نحوه .

2874 - حدثنا هناد وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية عن عاصم [ ص: 467 ] عن أنس : أنه سئل عن الصوم في السفر فقال : من أفطر فبرخصة الله ، ومن صام فالصوم أفضل .

2875 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة عن أشعث بن عبد الملك عن محمد بن عثمان بن أبي العاص قال : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:34 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(237)
الحلقة (251)
صــ 468إلى صــ 475



2876 - حدثني المثني قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو الفيض قال : كان علي علينا أميرا بالشام فنهانا عن الصوم في السفر ، فسألت أبا قرصافة - رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني ليث قال عبد الصمد : سمعت رجلا من قومه يقول : إنه واثلة بن الأسقع - قال : لو صمت في السفر ما قضيت . . [ ص: 468 ]

2877 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن بسطام بن مسلم عن عطاء قال : إن صمتم أجزأ عنكم ، وإن أفطرتم فرخصة .

2878 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن كهمس قال : سألت سالم بن عبد الله عن الصوم في السفر ، فقال : إن صمتم أجزأ عنكم ، وإن أفطرتم فرخصة .

2879 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم عن طلحة بن عمرو عن عطاء قال : من صام فحق أداه ، ومن أفطر فرخصة أخذ بها .

2880 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير قال : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .

2881 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال : هو تعليم ، وليس بعزم - يعني قول الله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، إن شاء صام وإن شاء لم يصم .

2882 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو أسامة عن هشام عن الحسن : في الرجل يسافر في رمضان ، قال : إن شاء صام وإن شاء أفطر .

2883 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان بن حبيب قال : حدثنا العوام بن حوشب قال : قلت لمجاهد : الصوم في السفر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فيه ويفطر . قال : قلت : فأيهما أحب إليك؟ قال : إنما هي رخصة ، وأن تصوم رمضان أحب إلي .

2884 - حدثنا ابن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة [ ص: 469 ] عن حماد عن سعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد أنهم قالوا : الصوم في السفر ، إن شاء صام وإن شاء أفطر ، والصوم أحب إليهم .

2885 - حدثنا ابن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : قال لي مجاهد في الصوم في السفر - يعني صوم رمضان - : والله ما منهما إلا حلال ، الصوم والإفطار ، وما أراد الله بالإفطار إلا التيسير لعباده .

2886 - حدثنا ابن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم قال : صحبت أبا الأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل إلى مكة وكانوا يصومون رمضان وغيره في السفر .

2887 - حدثنا علي بن حسن الأزدي قال : حدثنا معافى بن عمران عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .

2888 - حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال : حدثنا يعقوب قال : حدثنا صالح بن محمد بن صالح عن أبيه قال : قلت للقاسم بن محمد : إنا نسافر في الشتاء في رمضان ، فإن صمت فيه كان أهون علي من أن أقضيه في الحر! فقال : قال الله : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ما كان أيسر عليك فافعل . [ ص: 470 ]

قال أبو جعفر : وهذا القول عندنا أولى بالصواب ، لإجماع الجميع على أن مريضا لو صام شهر رمضان - وهو ممن له الإفطار لمرضه - أن صومه ذلك مجزئ عنه ، ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر ، فكان معلوما بذلك أن حكم المسافر حكمه في أن لا قضاء عليه إن صامه في سفره . لأن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر ، مثل الذي جعل من ذلك للمريض وأمر به من القضاء . ثم في دلالة الآية كفاية مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها . وذلك قول الله تعالى ذكره : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ، ولا عسر أعظم من أن يلزم من صامه في سفره عدة من أيام أخر ، وقد تكلف أداء فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأداه .

فإن ظن ذو غباوة أن الذي صامه لم يكن فرضه الواجب ، فإن في قول الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، ما ينبئ أن المكتوب صومه من الشهور على كل مؤمن ، هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقيما ، لعموم أمر الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " " شهر رمضان " وأن قوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " معناه : ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر برخصة الله ، فعليه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التي أفطر في سفره أو مرضه ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله - إذ سئل عن الصوم في السفر : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر* " - الكفاية الكافية عن الاستدلال على صحة ما قلنا في ذلك بغيره .

2889 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم ووكيع وعبدة عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة : أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر - وكان يسرد الصوم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن [ ص: 471 ] شئت فصم وإن شئت فأفطر . .

2890 - حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسماعيل الهباري قالا حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه . . [ ص: 472 ]

2891 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال : أخبرنا حيوة بن شريح قال : أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أبي مراوح عن حمزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا رسول الله ، إني أسرد الصوم ، فأصوم في السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي رخصة من الله لعباده ، فمن فعلها فحسن جميل ، ومن تركها فلا جناح عليه . فكان حمزة يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر . وكان عروة بن الزبير يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر ، حتى إن كان ليمرض فلا يفطر . وكان أبو مراوح يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر . .

ففي هذا ، مع نظائره من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب ، الدلالة الدالة على صحة ما قلنا : من أن الإفطار رخصة لا عزم ، والبيان الواضح على صحة ما قلنا في تأويل قوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " . [ ص: 473 ]

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : إن الأخبار بما قلت وإن كانت متظاهرة ، فقد تظاهرت أيضا بقوله : " ليس من البر الصيام في السفر " ؟

قيل : إن ذلك إذا كان الصيام في مثل الحال التي جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك لمن قال له .

2892 - حدثنا الحسين بن يزيد السبيعي قال : حدثنا ابن إدريس عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في سفره قد ظلل عليه ، وعليه جماعة ، فقال : " من هذا؟ قالوا : صائم . قال : ليس من البر الصوم في السفر .

قال أبو جعفر : أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط ، وبين ابن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن شعبة . .

2892 م - حدثنا ابن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي عن جابر بن عبد الله قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه ، فقالوا : هذا رجل صائم! فقال رسول الله صلى الله [ ص: 474 ] عليه وسلم : ليس من البر أن تصوموا في السفر . .

فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ، ذلك ، فليس من البر صومه . لأن الله تعالى ذكره قد حرم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها ، وله إلى نجاتها سبيل . وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الأعمال ، لا بما نهى عنه .

وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل عليه ، إن كان قبل ذلك . وغير جائز عليه أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إن كان قيل ذلك؛ لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله صلى [ ص: 475 ] الله عليه وسلم واهية الأسانيد ، لا يجوز الاحتجاج بها في الدين .

فإن قال قائل : وكيف عطف على " المريض " ، وهو اسم بقوله : " أو على سفر " و" على " صفة لا اسم . . .

قيل : جاز أن ينسق ب " على " على " المريض " ، لأنها في معنى الفعل . وتأويل ذلك : أو مسافرا ، كما قال تعالى ذكره : ( دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) [ يونس : 12 ] ، فعطف ب " القاعد ، والقائم " على " اللام " التي في " لجنبه " ، لأن معناها الفعل ، كأنه قال : دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما .
القول في تأويل قوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : يريد الله بكم ، أيها المؤمنون - بترخيصه لكم في حال مرضكم وسفركم في الإفطار ، وقضاء عدة أيام أخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد برئكم من مرضكم - التخفيف عليكم ، والتسهيل عليكم ، لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه الأحوال " ولا يريد بكم العسر " ، يقول : ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم ، فيكلفكم صوم الشهر في هذه الأحوال ، مع علمه شدة ذلك عليكم ، وثقل حمله عليكم لو حملكم صومه ، كما : -

2893 - حدثني المثني قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، قال : اليسر : الإفطار في السفر ، والعسر : الصيام في السفر .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:34 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(238)
الحلقة (252)
صــ 476إلى صــ 483


2894 - حدثنا محمد بن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا [ ص: 476 ] شعبة عن أبي حمزة قال : سألت ابن عباس عن الصوم في السفر ، فقال : يسر وعسر . فخذ بيسر الله .

2895 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد بن نصر . قال : أخبرنا ابن المبارك عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " يريد الله بكم اليسر " - قال : هو الإفطار في السفر ، وجعل عدة من أيام أخر - " ولا يريد بكم العسر " .

2896 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم .

2897 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن طاوس عن ابن عباس قال : لا تعب على من صام ولا على من أفطر - يعني في السفر في رمضان - " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " .

2898 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضيل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك بن مزاحم في قوله : " يريد الله بكم اليسر " - الإفطار في السفر - " ولا يريد بكم العسر " ، الصيام في السفر .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولتكملوا العدة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولتكملوا العدة " ، عدة ما أفطرتم ، من أيام أخر ، أوجبت عليكم قضاء عدة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم ، أو إقامتكم من سفركم ، كما : [ ص: 477 ]

2899 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن جويبر عن الضحاك في قوله : " ولتكملوا العدة " ، قال : عدة ما أفطر المريض والمسافر .

2900 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولتكملوا العدة " قال : إكمال العدة : أن يصوم ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض [ إلى ] أن يتمه ، فإذا أتمه فقد أكمل العدة . .

فإن قال قائل : ما الذي عليه بهذه " الواو " التي في قوله : " ولتكملوا العدة " عطفت؟ .

قيل : اختلف أهل العربية في ذلك .

فقال بعضهم : هي عاطفة على ما قبلها ، كأنه قيل : ويريد لتكملوا العدة ولتكبروا الله .

وقال بعض نحويي الكوفة : وهذه " اللام " التي في قوله : " ولتكملوا " لام " كي " لو ألقيت كان صوابا . قال : والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعل بعدها ، ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها" الواو" ، ألا ترى أنك تقول : " جئتك لتحسن إلي " ، ولا تقول : " جئتك ولتحسن إلي " ، فإذا قلته فأنت تريد : ولتحسن جئتك . قال : وهذا في القرآن كثير ، منه قوله : ( ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ) [ سورة الأنعام : 113 ] ، وقوله : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) [ سورة الأنعام : 75 ] ، ولو لم تكن فيه " الواو " كان شرطا على قولك : أريناه ملكوت السموات والأرض [ ص: 478 ] ليكون . فإذا كانت " الواو " فيها فلها فعل " مضمر " بعدها ، و" ليكون من الموقنين " ، أريناه . .

قال أبو جعفر : وهذا القول أولى بالصواب في العربية . لأن قوله : " ولتكملوا العدة " ، ليس قبله " لام " بمعنى " اللام " التي في قوله : " ولتكملوا العدة " فتعطف بقوله : " ولتكملوا العدة " عليها - وإن دخول " الواو " معها ، يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها ، إذ كانت " الواو " لو حذفت كانت شرطا لما قبلها من الفعل .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولتكبروا الله على ما هداكم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : ولتعظموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به ، من الهداية التي خذل عنها غيركم من أهل الملل الذين كتب عليهم من صوم شهر رمضان مثل الذي كتب عليكم فيه ، فضلوا عنه بإضلال الله إياهم ، وخصكم بكرامته فهداكم له ، ووفقكم لأداء ما كتب الله عليكم من صومه ، وتشكروه على ذلك بالعبادة له .

والذكر الذي حضهم الله على تعظيمه به ، " التكبير " يوم الفطر ، فيما تأوله جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2901 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن داود بن قيس قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : " ولتكبروا الله على ما هداكم " [ ص: 479 ] ، قال : إذا رأى الهلال ، فالتكبير من حين يرى الهلال حتى ينصرف الإمام ، في الطريق والمسجد ، إلا أنه إذا حضر الإمام كف فلا يكبر إلا بتكبيره .

2902 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول : " ولتكبروا الله على ما هداكم " ، قال : بلغنا أنه التكبير يوم الفطر .

2903 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان ابن عباس يقول : حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم ، لأن الله تعالى ذكره يقول : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم " . قال ابن زيد : ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلى كبروا ، فإذا جلسوا كبروا ، فإذا جاء الإمام صمتوا ، فإذا كبر الإمام كبروا ، ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبيره ، حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد . قال يونس : قال ابن وهب : قال عبد الرحمن بن زيد : والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلى .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولعلكم تشكرون ( 185 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق ، وتيسير ما لو شاء عسر عليكم .

و" لعل " في هذا الموضع بمعنى " كي " ولذلك عطف به على قوله : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " .
[ ص: 480 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ( 186 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : بذلك وإذا سألك يا محمد عبادي عني : أين أنا؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم ، وأجيب دعوة الداعي منهم .

وقد اختلف فيما أنزلت فيه هذه الآية .

فقال بعضهم : نزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله : " وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب " الآية .

2904 - حدثنا بذلك ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عبدة السجستاني عن الصلب بن حكيم عن أبيه ، عن جده . . . [ ص: 481 ]

2905 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال : سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم : أين ربنا؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " الآية . [ ص: 482 ]

وقال آخرون : بل نزلت جوابا لمسألة قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : أي ساعة يدعون الله فيها؟

ذكر من قال ذلك :

2906 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال : لما نزلت : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ سورة غافر : 60 ] قالوا : في أي ساعة؟ قال : فنزلت : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " إلى قوله : " لعلهم يرشدون " .

2907 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء في قوله : " أجيب دعوة الداع إذا دعان " قالوا : لو علمنا أي ساعة ندعو! فنزلت : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " الآية .

2908 - حدثني القاسم . قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : زعم عطاء بن أبي رباح أنه بلغه : لما نزلت : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) ، قال الناس : لو نعلم أي ساعة ندعو! فنزلت : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " .

2909 - حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " ، قال : ليس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له ، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله ، وإن لم يكن له رزقا في الدنيا ذخره له إلى يوم القيامة ، ودفع عنه به مكروها .

2910 - حدثني المثني قال : حدثنا الليث بن سعد عن ابن صالح عمن حدثه : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما أعطى أحد الدعاء [ ص: 483 ] ومنع الإجابة ، لأن الله يقول : ( ادعوني أستجب لكم ) .

ومعنى متأولي هذا التأويل : وإذا سألك عبادي عني : أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في كل وقت ، أجيب دعوة الداع إذا دعان .

وقال آخرون : بل نزلت جوابا لقول قوم قالوا - إذ قال الله لهم : ( ادعوني أستجب لكم ) - : إلى أين ندعوه!

ذكر من قال ذلك :

2911 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال مجاهد : ( ادعوني أستجب لكم ) ، قالوا : إلى أين؟ فنزلت : ( فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [ سورة البقرة : 115 ] .

وقال آخرون : بل نزلت جوابا لقوم قالوا : كيف ندعو؟

ذكر من قال ذلك :

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:35 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(239)
الحلقة (253)
صــ 484إلى صــ 481



2912 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أنه لما أنزل الله " ادعوني أستجب لكم " ، قال رجال : كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنزل الله : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " إلى قوله : " يرشدون " .

وأما قوله : " فليستجيبوا لي " ، فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة . يقال منه : " استجبت له ، واستجبته " ، بمعنى أجبته ، كما قال كعب بن سعد الغنوي :


وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
[ ص: 484 ]

يريد : فلم يجبه .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد وجماعة غيره .

2913 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني الحجاج عن ابن جريج قال : قال مجاهد قوله : " فليستجيبوا لي " ، قال : فليطيعوا لي ، قال : " الاستجابة " ، الطاعة .

2914 - حدثني المثني قال : حدثنا حبان بن موسى قال : سألت عبد الله بن المبارك عن قوله : " فليستجيبوا لي " ، قال : طاعة الله .

وقال بعضهم : معنى " فليستجيبوا لي " : فليدعوني

ذكر من قال ذلك :

2915 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني منصور بن هارون عن أبي رجاء الخراساني قال " فليستجيبوا لي " ، فليدعوني .

وأما قوله : " وليؤمنوا بي " فإنه يعني : وليصدقوا . أي : وليؤمنوا بي ، إذا هم استجابوا لي بالطاعة ، أني لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب عليها ، وإجزالي الكرامة لهم عليها .

وأما الذي تأول قوله : " فليستجيبوا لي " ، أنه بمعنى : فليدعوني ، فإنه كان يتأول قوله : " وليؤمنوا بي " ، وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم .

ذكر من قال ذلك :

2916 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني منصور بن هارون عن أبي رجاء الخراساني : " وليؤمنوا بي " ، يقول : أني أستجيب لهم .

وأما قوله : " لعلهم يرشدون " فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة ، وليؤمنوا بي [ ص: 485 ] فيصدقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم ، وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا ، كما : -

2917 - حدثني به المثني قال : حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال : حدثنا أبو جعفر عن الربيع في قوله : " لعلهم يرشدون " ، يقول : لعلهم يهتدون .

فإن قال لنا قائل : وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره ؟ فأنت ترى كثيرا من البشر يدعون الله فلا يجاب لهم دعاء ، وقد قال : " أجيب دعوة الداع إذا دعان " ؟

قيل : إن لذلك وجهين من المعنى :

أحدهما : أن يكون معنيا " بالدعوة " ، العمل بما ندب الله إليه وأمر به . فيكون تأويل الكلام؛ وإذا سألك عبادي عني فإنى قريب ممن أطاعني وعمل بما أمرته به ، أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني . فيكون معنى " الدعاء " : مسألة العبد ربه وما وعد أولياءه على طاعتهم بعملهم بطاعته ، ومعنى " الإجابة " من الله التي ضمنها له ، الوفاء له بما وعد العاملين له بما أمرهم به ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " إن الدعاء هو العبادة " .

2918 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جويبر عن الأعمش عن ذر عن يسيع الحضرمي عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الدعاء هو العبادة . ثم قرأ : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ سورة غافر : 60 ] . [ ص: 486 ] فأخبر صلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته ، بالعمل له والطاعة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ذكر أن الحسن كان يقول :

2919 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني منصور بن هارون عن عبد الله بن المبارك عن الربيع بن أنس عن الحسن أنه قال فيها : ( ادعوني أستجب لكم ) ، قال : اعملوا وأبشروا ، فإنه حق على الله أن يستجيب [ ص: 487 ] للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .

والوجه الآخر : أن يكون معناه : أجيب دعوة الداع إذا دعان إن شئت . فيكون ذلك ، وإن كان عاما مخرجه في التلاوة ، خاصا معناه .
القول في تأويل قوله تعالى ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أحل لكم " ، أطلق لكم وأبيح .

ويعني بقوله : " ليلة الصيام " ، في ليلة الصيام .

فأما " الرفث " فإنه كناية عن الجماع في هذا الموضع ، يقال : " هو الرفث والرفوث " . .

وقد روي أنها في قراءة عبد الله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفوث إلى نسائكم " .

وبمثل الذي قلنا في تأويل " الرفث " قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2920 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال : حدثنا أيوب بن سويد عن سفيان عن عاصم عن بكر عن عبد الله المزني عن ابن عباس قال : الرفث ، الجماع ، ولكن الله كريم يكني . [ ص: 488 ]

2921 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عاصم عن بكر عن ابن عباس مثله .

2922 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الرفث؛ النكاح .

2923 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : الرفث : غشيان النساء .

2924 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " قال : الجماع .

2925 - حدثني المثني قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

2926 - حدثني المثني قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قال : الرفث : هو النكاح .

2927 - حدثني المثني قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الكبير البصري قال : حدثنا الضحاك بن عثمان قال : سألت سالم بن عبد الله عن قوله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ، قال : هو الجماع .

2928 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ، يقول : الجماع .

" والرفث " في غير هذا الموضع ، الإفحاش في المنطق ، كما قال العجاج :

عن اللغا ورفث التكلم
[ ص: 489 ] القول في تأويل قوله تعالى ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : نساؤكم لباس لكم وأنتم لباس لهن .

فإن قال قائل : وكيف يكون نساؤنا لباسا لنا ، ونحن لهن لباسا و" اللباس " إنما هو ما لبس؟

قيل : لذلك وجهان من المعاني :

أحدهما : أن يكون كل واحد منهما جعل لصاحبه لباسا ، لتجردهما عند النوم ، واجتماعهما في ثوب واحد ، وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبه [ ص: 490 ] بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه ، فقيل لكل واحد منهما : هو " لباس " لصاحبه ، كما قال نابغة بني جعدة :

إذا ما الضجيع ثنى عطفها تداعت ، فكانت عليه لباسا

ويروى : " تثنت " فكنى عن اجتماعهما متجردين في فراش واحد ب " اللباس " ، كما يكنى ب " الثياب " عن جسد الإنسان ، كما قالت ليلى وهي تصف إبلا ركبها قوم :

رموها بأثواب خفاف ، فلا ترى
لها شبها إلا النعام المنفرا

يعني : رموها بأنفسهم فركبوها . وكما قال الهذلي تبرأ من دم القتيل ووتره
وقد علقت دم القتيل إزارها [ ص: 491 ]

يعني ب "إزارها" ، نفسها . وبذلك كان الربيع يقول :

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:36 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(240)
الحلقة (254)
صــ 484إلى صــ 499




2929 - حدثني المثني قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعيد قال : حدثنا أبو جعفر عن الربيع : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، يقول : هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن . .

والوجه الآخر : أن يكون جعل كل واحد منهما لصاحبه " لباسا " ، لأنه سكن له ، كما قال جل ثناؤه : ( جعل لكم الليل لباسا ) [ سورة الفرقان : 47 ] ، يعني بذلك سكنا تسكنون فيه . وكذلك زوجة الرجل سكنه يسكن إليها ، كما قال تعالى ذكره : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) [ سورة الأعراف : 189 ] [ ص: 492 ] فيكون كل واحد منهما " لباسا " لصاحبه ، بمعنى سكونه إليه . وبذلك كان مجاهد وغيره يقولون في ذلك .

وقد يقال لما ستر الشيء وواراه عن أبصار الناظرين إليه : " هو لباسه ، وغشاؤه " ، فجائز أن يكون قيل : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، بمعنى : أن كل واحد منكم ستر لصاحبه - فيما يكون بينكم من الجماع - عن أبصار سائر الناس .

وكان مجاهد وغيره يقولون في ذلك بما : -

2930 - حدثنا به المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، يقول : سكن لهن .

2931 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، قال قتادة : هن سكن لكم ، وأنتم سكن لهن .

2932 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " هن لباس لكم " يقول : سكن لكم " وأنتم لباس لهن " ، يقول : سكن لهن .

2933 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال عبد الرحمن بن زيد في قوله : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، قال : المواقعة .

2934 - حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إبراهيم عن يزيد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قوله : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " قال : هن سكن لكم وأنتم سكن لهن .
[ ص: 493 ] القول في تأويل قوله تعالى ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم )

قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وما هذه الخيانة التي كان القوم يختانونها أنفسهم ، التي تاب الله منها عليهم فعفا عنهم؟

قيل : كانت خيانتهم أنفسهم التي ذكرها الله في شيئين ، أحدهما : جماع النساء ، والآخر : المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حراما ذلك عليهم ، كما : -

2935 - حدثنا محمد بن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : حدثنا ابن أبي ليلى : أن الرجل كان إذا أفطر فنام لم يأتها ، وإذا نام لم يطعم ، حتى جاء عمر بن الخطاب يريد امرأته ، فقالت امرأته : قد كنت نمت! فظن أنها تعتل فوقع بها . قال : وجاء رجل من الأنصار فأراد أن يطعم ، فقالوا : نسخن لك شيئا؟ . . . . . . قال : ثم نزلت هذه الآية : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " الآية . [ ص: 494 ]

2936 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر ، فلما دخل رمضان كانوا يصومون ، فإذا لم يأكل الرجل عند فطره حتى ينام ، لم يأكل إلى مثلها ، وإن نام أو نامت امرأته لم يكن له أن يأتيها إلى مثلها . فجاء شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك فقال لأهله : أطعموني . فقالت : حتى أجعل لك شيئا سخنا! قال : فغلبته عينه فنام . ثم جاء عمر فقالت له امرأته : إني قد نمت! فلم يعذرها ، وظن أنها تعتل ، فواقعها . فبات هذا وهذا يتقلبان ليلتهما ظهرا وبطنا ، فأنزل الله في ذلك : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " ، وقال : " فالآن باشروهن " ، فعفا الله عن ذلك ، وكانت سنة .

2937 - حدثنا أبو كريب قال حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال : كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب وإتيان النساء . فكان رجل من الأنصار يدعى أبا صرمة يعمل في أرض له ، قال : فلما كان عند فطره نام ، فأصبح صائما قد جهد . فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما لي أرى بك جهدا! فأخبره بما كان من أمره . واختان رجل نفسه في شأن النساء ، فأنزل الله " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ، إلى آخر الآية . . [ ص: 495 ]

2938 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء - نحو حديث ابن أبي ليلى الذي حدث به عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى - قال : كانوا إذا صاموا ونام أحدهم ، لم يأكل شيئا حتى يكون من الغد . فجاء رجل من الأنصار وقد عمل في أرض له وقد أعيا وكل ، فغلبته عينه فنام ، وأصبح من الغد مجهودا ، فنزلت هذه الآية : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " . .

2939 - حدثني المثني قال : حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر ، لم يأكل إلى مثلها ، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما ، وكان توجه ذلك اليوم فعمل في أرضه ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندكم طعام؟ قالت : لا ولكن أنطلق فأطلب لك . فغلبته عينه فنام ، وجاءت امرأته قالت : قد نمت! فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فيه هذه الآية : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " إلى " من الخيط الأسود " ففرحوا بها فرحا شديدا . [ ص: 496 ]

2940 - حدثني المثني قال حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ، وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة . ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن " يعني انكحوهن " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " .

2941 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن لهيعة قال : حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة : أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام ، حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد . فرجع عمر بن [ ص: 497 ] الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده ، فوجد امرأته قد نامت ، فأرادها فقالت : إني قد نمت! فقال : ما نمت! ثم وقع بها . وصنع كعب بن مالك مثل ذلك . فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله تعالى ذكره : " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن " . . . . الآية .

2942 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا ثابت : أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان ، فاشتد ذلك عليه ، فأنزل الله : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) .

2943 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : [ ص: 498 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " إلى : " وعفا عنكم " . كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه ، حتى إذا أمسى طعم من الطعام فيما بينه وبين العتمة ، حتى إذا صليت حرم عليه الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة . وإن عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله لبعض حاجته ، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيت من الملامة . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة ، فإنها زينت لي فواقعت أهلي! هل تجد لي من رخصة يا رسول الله؟ قال : لم تكن حقيقا بذلك يا عمر ! فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن ، وأمر الله رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة فقال : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " إلى " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم " يعني بذلك : الذي فعل عمر بن الخطاب فأنزل الله عفوه . فقال : " فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن " إلى : " من الخيط الأسود " فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح . [ ص: 499 ]

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:36 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(241)
الحلقة (255)
صــ 500إلى صــ 507





2944 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " قال : كان الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصيام بالنهار ، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء ، فإذا رقد حرم ذلك كله عليه إلى مثلها من القابلة . وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك ، فعفا الله عنهم ، وأحل [ ذلك ] لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كله . [ ص: 500 ]

2945 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم في رمضان ، فإذا أمسى - ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو وزاد فيه : وكان منهم رجال يختانون أنفسهم ، وكان عمر بن الخطاب ممن اختان نفسه ، فعفا الله عنهم ، وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله ، وفي الليل كله .

2946 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرني إسماعيل بن شروس عن عكرمة مولى ابن عباس : أن رجلا - قد سماه [ فنسيته ] - من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار ، جاء ليلة وهو صائم ، فقالت له امرأته : لا تنم حتى نصنع لك طعاما! فنام ، فجاءت فقالت : نمت والله! فقال : لا والله! قالت : بلى والله! فلم يأكل تلك الليلة ، وأصبح صائما فغشي عليه ، فأنزلت الرخصة فيه . [ ص: 501 ]

2947 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم " وكان بدء الصيام أمروا بثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتين غدوة ، وركعتين عشية ، فأحل الله لهم في صيامهم - في ثلاثة أيام ، وفي أول ما افترض عليهم في رمضان - إذا أفطروا ، وكان الطعام والشراب وغشيان النساء لهم حلالا ما لم يرقدوا ، فإذا رقدوا حرم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة . وكانت خيانة القوم أنهم كانوا يصيبون أو ينالون من الطعام والشراب وغشيان النساء بعد الرقاد ، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم ، ثم أحل الله لهم [ بعد ] ذلك الطعام والشراب وغشيان النساء إلى طلوع الفجر .

2948 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " قال : كان الناس قبل هذه الآية إذا رقد أحدهم من الليل رقدة ، لم يحل له طعام ولا شراب ولا أن يأتي امرأته إلى الليلة المقبلة ، فوقع بذلك بعض المسلمين ، فمنهم من أكل بعد هجعته أو شرب ، ومنهم من وقع على امرأته ، فرخص الله ذلك لهم .

2949 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي قال : كتب على النصارى رمضان ، وكتب عليهم أن لا [ ص: 502 ] يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان ، فكتب على المؤمنين كما كتب عليهم ، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجر فأتى أهله بتمر فقال لامرأته : استبدلي بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينة ، لعلي أن آكله ، فإن التمر قد أحرق جوفي! فانطلقت فاستبدلت له ، ثم صنعت فأبطأت عليه فنام ، فأيقظته ، فكره أن يعصي الله ورسوله ، وأبى أن يأكل ، وأصبح صائما; فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشي ، فقال : ما لك يا أبا قيس ! أمسيت طليحا؟ فقص عليه القصة .

وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية له - في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم - فلما سمع عمر كلام أبي قيس ، رهب أن ينزل في أبي قيس شيء ، فتذكر هو ، فقام فاعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني أعوذ بالله إني وقعت على جاريتي ، ولم أملك نفسي البارحة! فلما تكلم عمر تكلم أولئك الناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما كنت جديرا بذلك يا ابن الخطاب! فنسخ ذلك عنهم ، فقال : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم " ، - يقول : إنكم تقعون عليهن خيانة - " فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم " - يقول : جامعوهن ، ورجع إلى أبي قيس فقال - : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
" .

2950 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " قال : [ ص: 503 ] كانوا في رمضان لا يمسون النساء ولا يطعمون ولا يشربون بعد أن يناموا حتى الليل من القابلة ، فإن مسوهن قبل أن يناموا لم يروا بذلك بأسا . فأصاب رجل من الأنصار امرأته بعد أن نام ، فقال : قد اختنت نفسي! فنزل القرآن ، فأحل لهم النساء والطعام والشراب حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . قال : وقال مجاهد : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم منهم في رمضان ، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء ، فإذا رقد حرم عليه ذلك كله حتى كمثلها من القابلة : وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك ، فعفا عنهم وأحل لهم بعد الرقاد وقبله في الليل ، فقال : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " . . . الآية .

2951 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " مثل قول مجاهد - وزاد فيه : أن عمر بن الخطاب قال لامرأته : لا ترقدي حتى أرجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرقدت قبل أن يرجع ، فقال لها : ما أنت براقدة! ثم أصابها ، حتى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فنزلت هذه الآية . قال عكرمة : نزلت : " وكلوا واشربوا " الآية في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج أكل بعد الرقاد .

2952 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان أن صرمة بن أنس أتى أهله ذات ليلة وهو شيخ كبير ، وهو صائم فلم يهيئوا له طعاما ، فوضع رأسه فأغفى ، وجاءته امرأته بطعامه فقالت له : كل . فقال : إني قد نمت! قالت : إنك لم تنم! فأصبح جائعا مجهودا ، فأنزل الله : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " . [ ص: 504 ]

فأما " المباشرة " في كلام العرب ، فإنه ملاقاة بشرة ببشرة ، و" بشرة " الرجل : جلدته الظاهرة .

وإنما كنى الله بقوله : " فالآن باشروهن " عن الجماع . يقول : فالآن إذ أحللت لكم الرفث إلى نسائكم ، فجامعوهن في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر ، وهو تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر .

وبالذي قلنا في " المباشرة " قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2953 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان وحدثنا عبد الحميد بن سنان قال : حدثنا إسحاق عن سفيان وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أيوب بن سويد عن سفيان ، عن عاصم عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس قال : المباشرة الجماع ، ولكن الله كريم يكني .

2954 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عاصم عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس نحوه .

2955 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " فالآن باشروهن " انكحوهن .

2956 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قال : المباشرة النكاح .

2957 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : " فالآن باشروهن " قال : الجماع . [ ص: 505 ] وكل شيء في القرآن من ذكر " المباشرة " فهو الجماع نفسه ، وقالها عبد الله بن كثير مثل قول عطاء : في الطعام والشراب والنساء .

2958 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا شعبة وحدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : المباشرة الجماع ، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء .

2959 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال أبو بشر أخبرنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله .

2960 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فالآن باشروهن " يقول : جامعوهن .

2961 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : المباشرة الجماع .

2962 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء مثله .

2963 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال : حدثني عبدة بن أبي لبابة قال : سمعت مجاهدا يقول : المباشرة ، في كتاب الله ، الجماع .

2964 - حدثنا ابن البرقي حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : قال الأوزاعي : حدثنا من سمع مجاهدا يقول : المباشرة في كتاب الله ، الجماع . [ ص: 506 ]

واختلفوا في تأويل قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " فقال بعضهم : الولد .

ذكر من قال ذلك :

2965 - حدثني عبدة بن عبد الله الصفار البصري قال : حدثنا إسماعيل بن زياد الكاتب عن شعبة عن الحكم عن مجاهد : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

2966 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا سهل بن يوسف و أبو داود ، عن شعبة قال : سمعت الحكم : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

2967 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة قال : حدثنا عبيد الله عن عكرمة قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

2968 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا مؤمل حدثنا أبو مودود بحر بن موسى قال : سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في هذه الآية : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

2969 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وابتغوا ما كتب الله لكم " فهو الولد .

2970 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثنا أبي قال : حدثني عمي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه عن ابن عباس : " وابتغوا ما كتب الله لكم " يعني : الولد .

2971 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثني [ ص: 507 ] عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد ، فإن لم تلد هذه فهذه .

2972 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه .

2973 - حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عمن سمع الحسن في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : هو الولد .

2974 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : ما كتب لكم من الولد .

2975 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الجماع .

2976 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سلمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

وقال بعضهم : معنى ذلك ليلة القدر .

ذكر من قال ذلك :

2977 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : ليلة القدر . قال أبو هشام : هكذا قرأها معاذ .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:37 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(242)
الحلقة (256)
صــ 508إلى صــ 515



2978 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال : حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن [ ص: 508 ] عباس في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : ليلة القدر .

وقال آخرون : بل معناه : ما أحله الله لكم ورخصه لكم .

ذكر من قال ذلك :

2979 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " وابتغوا ما كتب الله لكم " يقول : ما أحله الله لكم .

2980 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : قال قتادة في ذلك : ابتغوا الرخصة التي كتبت لكم .

وقرأ ذلك بعضهم : ( واتبعوا ما كتب الله لكم )

ذكر من قال ذلك :

2981 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح قال : قلت لابن عباس : كيف تقرأ هذه الآية : " وابتغوا " أو " اتبعوا " ؟ قال : أيتهما شئت! قال : عليك بالقراءة الأولى .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره قال : " وابتغوا " - بمعنى : اطلبوا - " ما كتب الله لكم " يعني " الذي قضى الله تعالى لكم .

وإنما يريد الله تعالى ذكره : اطلبوا الذي كتبت لكم في اللوح المحفوظ أنه يباح فيطلق لكم ، وطلب الولد إن طلبه الرجل بجماعه المرأة ، مما كتب الله له [ ص: 509 ] في اللوح المحفوظ ، وكذلك إن طلب ليلة القدر ، فهو مما كتب الله له ، وكذلك إن طلب ما أحل الله وأباحه ، فهو مما كتبه له في اللوح المحفوظ .

وقد يدخل في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " جميع معاني الخير المطلوبة ، غير أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال : معناه وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد ، لأنه عقيب قوله : " فالآن باشروهن " بمعنى : جامعوهن ، فلأن يكون قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " بمعنى : وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الولد والنسل ، أشبه بالآية من غيره من التأويلات التي ليس على صحتها دلالة من ظاهر التنزيل ، ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " .

فقال بعضهم : يعني بقوله : " الخيط الأبيض " ، ضوء النهار ، وبقوله : " الخيط الأسود " سواد الليل .

فتأويله على قول قائلي هذه المقالة : وكلوا بالليل في شهر صومكم ، واشربوا ، وباشروا نساءكم مبتغين ما كتب الله لكم من الولد ، من أول الليل إلى أن يقع لكم ضوء النهار بطلوع الفجر من ظلمة الليل وسواده . [ ص: 510 ]

ذكر من قال ذلك :

2982 - حدثني الحسن بن عرفة قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا أشعث عن الحسن في قول الله تعالى ذكره : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " قال : الليل من النهار .

2983 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " قال : حتى يتبين لكم النهار من الليل ، " ثم أتموا الصيام إلى الليل " .

2984 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " فهما علمان وحدان بينان فلا يمنعكم أذان مؤذن مراء ، أو قليل العقل من سحوركم ، فإنهم يؤذنون بهجيع من الليل طويل . وقد يرى بياض ما على السحر يقال له : " الصبح الكاذب " كانت تسميه العرب ، فلا يمنعكم ذلك من سحوركم ، فإن الصبح لا خفاء به : طريقة معترضة في الأفق ، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الصبح ، فإذا رأيتم ذلك فأمسكوا .

2985 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " يعني الليل من النهار ، فأحل لكم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لكم الصبح ، فإذا تبين الصبح حرم عليهم [ ص: 511 ] المجامعة والأكل والشرب حتى يتموا الصيام إلى الليل . فأمر بصوم النهار إلى الليل ، وأمر بالإفطار بالليل .

2986 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش وقيل له : أرأيت قول الله تعالى : " الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " ؟ قال : إنك لعريض القفا ، قال : هذا ذهاب الليل ومجيء النهار . قيل له : الشعبي عن عدي بن حاتم؟ قال : نعم ، حدثنا حصين .

وعلة من قال هذه المقالة ، وتأول الآية هذا التأويل ما : [ ص: 512 ]

2987 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا حفص بن غياث عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله ، قول الله : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " ؟ قال : هو بياض النهار وسواد الليل . .

2988 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن نمير وعبد الرحيم بن سليمان عن مجالد بن سعيد عن عامر عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني الإسلام ، ونعت لي الصلوات؛ كيف أصلي كل صلاة لوقتها ، ثم قال : إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثم أتم الصيام إلى الليل . ولم أدر ما هو ، ففعلت خيطين من أبيض وأسود ، فنظرت فيهما عند الفجر ، فرأيتهما سواء . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظت ، غير " الخيط الأبيض من الخيط الأسود " ! قال : وما منعك يا ابن حاتم؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت . قلت : فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئي نواجذه ، ثم قال : ألم أقل لك " من الفجر " ؟ إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل .

2989 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مالك بن إسماعيل قال : حدثنا داود وابن علية جميعا ، عن مطرف عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما " الخيط الأبيض من الخيط الأسود " أهما [ ص: 513 ] خيطان أبيض وأسود؟ فقال : وإنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين . ثم قال : لا ولكنه سواد الليل وبياض النهار . .

2990 - حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا أبو غسان قال : حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد قال : نزلت هذه الآية : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود " فلم ينزل " من الفجر " قال : فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له . فأنزل الله بعد ذلك : " من الفجر " فعلموا إنما يعني بذلك الليل والنهار .

وقال متأولو قول الله تعالى ذكره : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " أنه بياض النهار وسواد الليل - : صفة ذلك البياض أن يكون [ ص: 514 ] منتشرا مستفيضا في السماء يملأ بياضه وضوءه الطرق ، فأما الضوء الساطع في السماء ، فإن ذلك غير الذي عناه الله بقوله : " الخيط الأبيض من الخيط الأسود " .

ذكر من قال ذلك :

2991 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا معتمر بن سليمان قال : سمعت عمران بن حدير عن أبي مجلز : الضوء الساطع في السماء ليس بالصبح ، ولكن ذاك " الصبح الكاذب " ، إنما الصبح إذا انفضح الأفق .

2992 - حدثني سلم بن جنادة السوائي قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال : لم يكونوا يعدون الفجر فجركم هذا ، كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق .

2993 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام عن الأعمش عن مسلم : ما كانوا يرون إلا أن الفجر الذي يستفيض في السماء .

2994 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا ابن جريج قال : أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول : هما فجران ، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا ، ولكن الفجر الذي يستبين على رءوس الجبال هو الذي يحرم الشراب .

2995 - حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي قال : حدثنا أبو أسامة عن محمد بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] : الفجر فجران ، فالذي كأنه ذنب السرحان لا يحرم شيئا ، وأما [ ص: 515 ] المستطير الذي يأخذ الأفق ، فإنه يحل الصلاة ويحرم الصوم . .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:38 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(243)
الحلقة (257)
صــ 516إلى صــ 523




2996 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وإسماعيل بن صبيح وأبو أسامة عن أبي هلال عن سوادة بن حنظلة عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطير في الأفق " . [ ص: 516 ]

2997 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معاوية بن هشام الأسدي قال : حدثنا شعبة عن سوادة قال : سمعت سمرة بن جندب يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه وهو يقول : " لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر وينفجر " . [ ص: 517 ]

وقال آخرون : الخيط الأبيض : هو ضوء الشمس ، والخيط الأسود : هو سواد الليل .

ذكر من قال ذلك :

2998 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبيدة بن حميد عن الأعمش [ ص: 518 ] عن إبراهيم التيمي قال : سافر أبي مع حذيفة قال : فسار حتى إذا خشينا أن يفجأنا الفجر قال : هل منكم من أحد آكل أو شارب؟ قال : قلت له : أما من يريد الصوم فلا . قال : بلى! قال : ثم سار حتى إذا استبطأنا الصلاة نزل فتسحر .

2999 - حدثنا هناد وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه ، قال : خرجت مع حذيفة إلى المدائن في رمضان ، فلما طلع الفجر ، قال : هل منكم من أحد آكل أو شارب؟ قلنا : أما رجل يريد أن يصوم فلا . قال : لكني! قال : ثم سرنا حتى استبطأنا الصلاة ، قال : هل منكم أحد يريد أن يتسحر؟ قال : قلنا أما من يريد الصوم فلا . قال : لكني! ثم نزل فتسحر ، ثم صلى .

3000 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر قال : ربما شربت بعد قول المؤذن - يعني في رمضان - : " قد قامت الصلاة " . قال : وما رأيت أحدا كان أفعل له من الأعمش وذلك لما سمع ، قال : حدثنا إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا مع حذيفة نسير ليلا فقال : هل منكم متسحر الساعة؟ قال : ثم [ ص: 519 ] سار ، ثم قال حذيفة : هل منكم متسحر الساعة؟ قال : ثم سار حتى استبطأنا الصلاة ، قال : فنزل فتسحر .

3001 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال : حدثنا مصعب بن المقدام قال : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا أبو إسحاق عن هبيرة عن علي : أنه لما صلى الفجر قال : هذا حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . [ ص: 520 ]

3002 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن الصلت قال : حدثنا إسحاق بن حذيفة العطار عن أبيه عن البراء قال : تسحرت في شهر رمضان ، ثم خرجت فأتيت ابن مسعود فقال : اشرب . فقلت : إني قد تسحرت! فقال : اشرب! فشربنا ، ثم خرجنا والناس في الصلاة .

3003 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو معاوية عن الشيباني عن جبلة بن سحيم عن عامر بن مطر قال : أتيت عبد الله بن مسعود في داره ، فأخرج فضلا من سحوره ، فأكلنا معه ، ثم أقيمت الصلاة فخرجنا فصلينا .

3004 - حدثنا خلاد بن أسلم قال : حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي [ ص: 521 ] إسحاق عن عبد الله بن معقل عن سالم مولى أبي حذيفة قال : كنت أنا وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد في رمضان ، فأتيت ذات ليلة فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأومأ بيده : أن كف ، ثم أتيته مرة أخرى ، فقلت له : ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ فأومأ بيده : أن كف . ثم أتيته مرة أخرى ، فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ فنظر إلى الفجر ثم أومأ بيده : أن كف . ثم أتيته فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ قال : هات غداءك! قال : فأتيته به فأكل ، ثم صلى ركعتين ، ثم قام إلى الصلاة . [ ص: 522 ]

3005 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال : الوتر بالليل والسحور بالنهار .

وقد روي عن إبراهيم غير ذلك :

3006 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن حماد عن إبراهيم قال : السحور بليل ، والوتر بليل .

3007 - حدثنا حكام عن ابن أبي جعفر عن المغيرة عن إبراهيم قال : السحور والوتر ما بين التثويب والإقامة .

3008 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة [ ص: 523 ] عن شبيب بن غرقدة عن عروة عن حبان قال : تسحرنا مع علي ، ثم خرجنا وقد أقيمت الصلاة ، فصلينا .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:38 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(244)
الحلقة (258)
صــ 524إلى صــ 531



3009 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن [ ص: 524 ] شبيب عن حبان بن الحارث قال : مررت بعلي وهو في دار أبي موسى وهو يتسحر ، فلما انتهيت إلى المسجد أقيمت الصلاة .

3010 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : صلى علي بن أبي طالب الفجر ، ثم قال : هذا حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر .

وعلة من قال هذا القول : أن القول إنما هو النهار دون الليل . قالوا : وأول النهار طلوع الشمس ، كما أن آخره غروبها . قالوا : ولو كان أوله طلوع الفجر ، لوجب أن يكون آخره غروب الشفق . قالوا : وفي إجماع الحجة على أن آخر النهار غروب الشمس دليل واضح على أن أوله طلوعها . قالوا : وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تسحر بعد طلوع الفجر أوضح دليل على صحة قولنا .

ذكر الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك :

3011 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر عن عاصم عن زر عن حذيفة قال : قلت : تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ، قال : لو أشاء لأقول هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع . [ ص: 525 ]

3012 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر قال : ما كذب عاصم على زر ولا زر على حذيفة قال : قلت له : يا أبا عبد الله تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع .

3013 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن عاصم عن زر عن حذيفة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتسحر وأنا أرى مواقع النبل . قال : قلت أبعد الصبح؟ قال : هو الصبح ، إلا أنه لم تطلع الشمس .

3014 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثنا عمرو بن قيس وخلاد الصفار عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال : أصبحت ذات يوم فغدوت إلى المسجد ، فقلت : لو مررت على باب حذيفة ! ففتح لي فدخلت ، فإذا هو يسخن له طعام ، فقال : اجلس حتى تطعم . فقلت : إني أريد الصوم . فقرب طعامه فأكل وأكلت معه ، ثم قام إلى لقحة في الدار ، فأخذ يحلب من جانب وأحلب أنا من جانب ، فناولني ، فقلت : ألا ترى الصبح؟ فقال : اشرب! فشربت ، ثم جئت إلى باب المسجد فأقيمت الصلاة ، فقلت له : أخبرني بآخر [ ص: 526 ] سحور تسحرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس .

3015 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه " . [ ص: 527 ]

3016 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا حماد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله - وزاد فيه : وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر .

3017 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين وحدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت أبي قال : أخبرنا الحسين بن واقد قالا جميعا ، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر قال : أشربها يا رسول الله؟ قال : نعم! ، فشربها . [ ص: 528 ]

3018 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا يونس عن أبيه ، عن عبد الله قال : قال بلال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أوذنه بالصلاة وهو يريد الصوم ، فدعا بإناء فشرب ، ثم ناولني فشربت ، ثم خرج إلى الصلاة .

3019 - حدثني محمد بن أحمد الطوسي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن معقل عن بلال قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أوذنه بصلاة الفجر وهو يريد الصيام ، فدعا بإناء فشرب ، ثم ناولني فشربت ، ثم خرجنا إلى الصلاة . [ ص: 529 ]

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية ، التأويل الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الخيط الأبيض " بياض النهار ، " والخيط الأسود " سواد الليل . وهو المعروف في كلام العرب ، قال أبو دؤاد الإيادي :

فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا

وأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرب أو تسحر ، ثم خرج إلى الصلاة ، فإنه غير دافع صحة ما قلنا في ذلك; لأنه غير مستنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم شرب قبل الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة ، إذ كانت الصلاة - صلاة الفجر - هي على عهده كانت تصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبين طلوعه ويؤذن لها قبل طلوعه .

وأما الخبر الذي روي عن حذيفة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسحر وأنا أرى مواقع النبل " ، فإنه قد استثبت فيه فقيل له : أبعد الصبح؟ فلم يجب [ ص: 530 ] في ذلك بأنه كان بعد الصبح ، ولكنه قال : " هو الصبح " . وذلك من قوله يحتمل أن يكون معناه : هو الصبح لقربه منه ، وإن لم يكن هو بعينه ، كما تقول العرب : " هذا فلان " شبها ، وهي تشير إلى غير الذي سمته ، فتقول : " هو هو " تشبيها منها له به ، فكذلك قول حذيفة : " هو الصبح " ، معناه : هو الصبح شبها به وقربا منه .

وقال ابن زيد في معنى " الخيط الأبيض والأسود " ما :

3020 - حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " قال : " الخيط الأبيض " الذي يكون من تحت الليل ، يكشف الليل - " والأسود " ما فوقه .

وأما قوله : " من الفجر " فإنه تعالى ذكره يعني : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود الذي هو من الفجر . وليس ذلك هو جميع الفجر ، ولكنه إذا تبين لكم أيها المؤمنون من الفجر ذلك الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل الذي فوقه سواد الليل ، فمن حينئذ فصوموا ، ثم أتموا صيامكم من ذلك إلى الليل .

وبمثل ما قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول .

3021 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " من الفجر " قال : ذلك الخيط الأبيض هو من الفجر نسبة إليه ، وليس الفجر كله ، فإذا جاء هذا الخيط ، وهو أوله ، فقد حلت الصلاة وحرم الطعام والشراب على الصائم .

قال أبو جعفر : وفي قوله تعالى ذكره : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " أوضح [ ص: 531 ] الدلالة على خطأ قول من قال : حلال الأكل والشرب لمن أراد الصوم إلى طلوع الشمس; لأن الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر ، وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدا لمن لزمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الأكل والشرب والمباشرة .

فمن زعم أن له أن يتجاوز ذلك الحد ، قيل له : أرأيت إن أجاز له آخر ذلك ضحوة أو نصف النهار؟

فإن قال : إن قائل ذلك مخالف للأمة .

قيل له : وأنت لما دل عليه كتاب الله ونقل الأمة مخالف ، فما الفرق بينك وبينه من أصل أو قياس؟

فإن قال : الفرق بيني وبينه أن الله أمر بصوم النهار دون الليل ، والنهار من طلوع الشمس .

قيل له : كذلك يقول مخالفوك ، والنهار عندهم أوله طلوع الفجر ، وذلك هو ضوء الشمس وابتداء طلوعها دون أن يتتام طلوعها ، كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها .

ويقال لقائلي ذلك إن كان " النهار " عندكم كما وصفتم ، هو ارتفاع الشمس ، وتكامل طلوعها وذهاب جميع سدفة الليل وغبس سواده - فكذلك عندكم " الليل " : هو تتام غروب الشمس ، وذهاب ضيائها ، وتكامل سواد الليل وظلامه؟

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:38 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(245)
الحلقة (259)
صــ 532إلى صــ 539




فإن قالوا : ذلك كذلك!

قيل لهم : فقد يجب أن يكون الصوم إلى مغيب الشفق وذهاب ضوء الشمس وبياضها من أفق السماء! [ ص: 532 ]

فإن قالوا : ذلك كذلك! أوجبوا الصوم إلى مغيب الشفق الذي هو بياض . وذلك قول إن قالوه مدفوع بنقل الحجة التي لا يجوز فيما نقلته مجمعة عليه الخطأ والسهو [ وكفى بذلك شاهدا ] على تخطئته .

وإن قالوا : " بل أول الليل " ابتداء سدفته وظلامه ومغيب عين الشمس عنا .

قيل لهم : وكذلك " أول النهار " : طلوع أول ضياء الشمس ، ومغيب أوائل سدفة الليل .

ثم يعكس عليه القول في ذلك ، ويسأل الفرق بين ذلك ، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله .

وأما " الفجر " فإنه مصدر من قول القائل : " تفجر الماء يتفجر فجرا " ، إذا انبعث وجرى ، فقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلع الشمس " فجر " ، لانبعاث ضوئه عليهم ، وتورده عليهم بطرقهم ومحاجهم ، وتفجر الماء المتفجر من منبعه .

وأما قوله : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " فإنه تعالى ذكره حد الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل - كما حد الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار وأول إدبار آخر الليل ، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل ، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم وعلى أن المواصل مجوع نفسه في غير طاعة ربه . كما : - [ ص: 533 ]

3022 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ووكيع وعبدة ، عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عاصم بن عمر عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس ، فقد أفطر الصائم . .

3023 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا أبو إسحاق الشيباني وحدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو عبيدة وأبو معاوية عن الشيباني وحدثنا ابن المثنى قال حدثنا أبو معاوية وحدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس عن الشيباني قالوا جميعا في حديثهم عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير وهو صائم ، فلما غربت الشمس قال لرجل : انزل فاجدح لي . قالوا : لو أمسيت يا رسول الله! فقال : انزل فاجدح . فقال الرجل : يا رسول الله لو أمسيت! قال : انزل فاجدح لي . قال : يا رسول الله إن علينا نهارا! فقال له الثالثة ، فنزل فجدح له . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقبل الليل من هاهنا - وضرب بيده نحو المشرق - فقد أفطر الصائم . [ ص: 534 ]

3024 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود عن رفيع قال : فرض الله الصيام إلى الليل ، فإذا جاء الليل فأنت مفطر إن شئت فكل ، وإن شئت فلا تأكل .

3025 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود عن أبي العالية : أنه سئل عن الوصال في الصوم فقال : افترض الله على هذه الأمة صوم النهار ، فإذا جاء الليل فإن شاء أكل ، وإن شاء لم يأكل .

3026 - حدثني يعقوب قال : حدثني ابن علية عن داود بن أبي هند قال : قال أبو العالية في الوصال في الصوم ، قال : قال الله : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " فإذا جاء الليل فهو مفطر ، فإن شاء أكل ، وإن شاء لم يأكل .

3027 - حدثني المثنى قال : حدثنا ابن دكين عن مسعر عن قتادة قال : قالت عائشة : أتموا الصيام إلى الليل - يعني : أنها كرهت الوصال . [ ص: 535 ]

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما وجه وصال من واصل؟ فقد علمت بما :

3028 - حدثكم به أبو السائب قال : حدثنا حفص عن هشام بن عروة قال : كان عبد الله بن الزبير يواصل سبعة أيام ، فلما كبر جعلها خمسا ، فلما كبر جدا جعلها ثلاثا .

3029 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا حفص عن عبد الملك قال : كان ابن أبي يعمر يفطر كل شهر مرة .

3030 - حدثنا ابن أبي بكر المقدمي قال : حدثنا الفروي قال : سمعت مالكا يقول : كان عامر بن عبد الله بن الزبير يواصل ليلة ست عشرة وليلة سبع عشرة من رمضان لا يفطر بينهما ، فلقيته فقلت له : يا أبا الحارث ماذا تجده يقويك في وصالك؟ قال : السمن أشربه أجده يبل عروقي ، فأما الماء فإنه يخرج من جسدي .

وما أشبه ذلك ممن فعل ذلك ، ممن يطول بذكرهم الكتاب؟

قيل : وجه من فعل ذلك إن شاء الله تعالى على طلب الخموصة لنفسه والقوة لا على طلب البر لله بفعله . وفعلهم ذلك نظير ما كان عمر بن الخطاب يأمرهم به بقوله :

" اخشوشنوا وتمعددوا ، وانزوا على الخيل نزوا ، واقطعوا الركب وامشوا حفاة " . [ ص: 536 ]

يأمرهم في ذلك بالتخشن في عيشهم ، لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خفض العيش ويميلوا إلى الدعة فيجبنوا ويحتموا عن أعدائهم .

وقد رغب - لمن واصل - عن الوصال كثير من أهل الفضل :

3032 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان عن أبي إسحاق : أن ابن أبي نعم كان يواصل من الأيام حتى لا يستطيع أن يقوم ، فقال عمرو بن ميمون : لو أدرك هذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجموه .

ثم في الأخبار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الوصال التي يطول بإحصائها الكتاب تركنا ذكر أكثرها استغناء بذكر بعضها ، إذ كان في ذكر ما ذكرنا مكتفى عن الاستشهاد على كراهة الوصال بغيره .

3033 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال : أخبرني نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ، قالوا : إنك تواصل يا رسول الله! قال : إني لست كأحد منكم ، إني أبيت أطعم وأسقى .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذن بالوصال من السحر إلى السحر .

3034 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال : حدثنا [ ص: 537 ] شعيب عن الليث عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر . قالوا : يا رسول الله ، إنك تواصل! قال : إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعم يطعمني ، وساق يسقيني .

3035 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو إسرائيل [ ص: 538 ] العبسي عن أبي بكر بن حفص عن أم ولد حاطب بن أبي بلتعة : أنها مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر ، فدعاها إلى الطعام فقالت : إني صائمة ، قال : وكيف تصومين؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين أنت من وصال آل محمد صلى الله عليه وسلم من السحر إلى السحر . .

فتأويل الآية إذا : ثم أتموا الكف عما أمركم الله بالكف عنه ، من حين يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى الليل ، ثم حل لكم ذلك بعده إلى مثل ذلك الوقت . كما :

3036 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " قال : من هذه الحدود الأربعة ، فقرأ : " أحل لكم [ ص: 539 ] ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " فقرأ حتى بلغ : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره - بقوله : " ولا تباشروهن " لا تجامعوا نساءكم .

وبقوله : " وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : في حال عكوفكم في المساجد ، وتلك حال حبسهم أنفسهم على عبادة الله في مساجدهم .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:39 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(246)
الحلقة (260)
صــ 540إلى صــ 547



" والعكوف " أصله المقام ، وحبس النفس على الشيء كما قال الطرماح بن حكيم :


فبات بنات الليل حولي عكفا عكوف البواكي بينهن صريع
[ ص: 540 ]

يعني بقوله : " عكفا " ، مقيمة ، وكما قال الفرزدق :

ترى حولهن المعتفين كأنهم على صنم في الجاهلية عكف


وقد اختلف أهل التأويل في معنى " المباشرة " التي عنى الله بقوله : " ولا تباشروهن " . فقال بعضهم : معنى ذلك الجماع دون غيره من معاني " المباشرة " .

ذكر من قال ذلك :

3037 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " - في رمضان أو في غير رمضان ، فحرم الله أن ينكح النساء ليلا ونهارا حتى يقضي اعتكافه .

3038 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن جريج قال : قال لي عطاء : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : الجماع . [ ص: 541 ]

3039 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الضحاك قال : كانوا يجامعون وهم معتكفون ، حتى نزلت : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " .

3040 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الضحاك في قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء ، فقال الله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في مسجد ولا غيره .

3041 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن جويبر عن الضحاك نحوه .

3042 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال : كان أناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون فيها فنهاهم الله عن ذلك .

3043 - وحدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف ولقي امرأته باشرها إن شاء ، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك ، وأخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه .

3044 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : من اعتكف فإنه يصوم ، لا يحل له النساء ما دام معتكفا .

3045 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : الجوار ، فإذا خرج أحدكم من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء . [ ص: 542 ]

3046 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كان ابن عباس يقول : من خرج من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء .

3047 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " ، قال : كان الناس إذا اعتكفوا يخرج الرجل فيباشر أهله ثم يرجع إلى المسجد ، فنهاهم الله عن ذلك .

3048 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ، ثم اغتسل ، ثم رجع إلى اعتكافه ، فنهوا عن ذلك قال ابن جريج : قال مجاهد : نهوا عن جماع النساء في المساجد ، حيث كانت الأنصار تجامع ، فقال : " لا تباشروهن وأنتم عاكفون " قال : " عاكفون " الجوار قال ابن جريج : فقلت لعطاء : الجماع المباشرة؟ قال : الجماع نفسه! فقلت له : فالقبلة في المسجد والمسة؟ فقال : أما ما حرم فالجماع ، وأنا أكره كل شيء من ذلك في المسجد .

3049 - حدثت عن حسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك : " ولا تباشروهن " يعني الجماع .

وقال آخرون : معنى ذلك على جميع معاني " المباشرة " من لمس وقبلة وجماع .

ذكر من قال ذلك :

3050 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال مالك بن أنس : لا يمس المعتكف امرأته ، ولا يباشرها ، ولا يتلذذ منها بشيء ، قبلة ولا غيرها . [ ص: 543 ]

3051 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : المباشرة الجماع وغير الجماع ، كله محرم عليه ، قال : " المباشرة " بغير جماع ، إلصاق الجلد بالجلد .

قال أبو جعفر : وعلة من قال هذا القول : أن الله تعالى ذكره عم بالنهي عن المباشرة ، ولم يخصص منها شيئا دون شيء . فذلك على ما عمه ، حتى تأتي حجة يجب التسليم لها بأنه عنى به مباشرة دون مباشرة .

وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : الجماع ، أو ما قام مقام الجماع ، مما أوجب غسلا إيجابه . وذلك أنه لا قول في ذلك إلا أحد قولين :

إما جعل حكم الآية عاما ، أو جعل حكمها في خاص من معاني المباشرة . وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن نساءه كن يرجلنه وهو معتكف ، فلما صح ذلك عنه ، علم أن الذي عنى به من معاني المباشرة البعض دون الجميع .

3052 - حدثنا علي بن شعيب قال : حدثنا معن بن عيسى القزاز قال : أخبرنا مالك . عن الزهري عن عروة وعن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله . [ ص: 544 ]

3053 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة : أن عائشة قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ، وكان يدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله .

3054 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وهو مجاور في المسجد وأنا في حجرتي وأنا حائض ، فأغسله وأرجله .

3055 - حدثنا سفيان قال : حدثنا ابن فضيل ويعلى بن عبيد عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 545 ] يعتكف فيخرج إلي رأسه من المسجد وهو عاكف ، فأغسله وأنا حائض .

3056 - حدثني محمد بن معمر قال : حدثنا حماد بن مسعدة قال : حدثنا مالك بن أنس عن الزهري وهشام بن عروة جميعا ، عن عروة عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه فأرجله وهو معتكف .

فإذ كان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا من غسل عائشة [ ص: 546 ] رأسه وهو معتكف ، فمعلوم أن المراد بقوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " غير جميع ما لزمه اسم " المباشرة " وأنه معني به البعض من معاني المباشرة دون الجميع . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان مجمعا على أن الجماع مما عني به ، كان واجبا تحريم الجماع على المعتكف وما أشبهه ، وذلك كل ما قام في الالتذاذ مقامه من المباشرة .
القول في تأويل قوله تعالى ( تلك حدود الله فلا تقربوها )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : هذه الأشياء التي بينتها : من الأكل والشرب والجماع في شهر رمضان نهارا في غير عذر ، وجماع النساء في الاعتكاف في المساجد ، يقول : هذه الأشياء حددتها لكم ، وأمرتكم أن تجتنبوها في الأوقات التي أمرتكم أن تجتنبوها ، وحرمتها فيها عليكم ، فلا تقربوها ، وابعدوا منها أن تركبوها ، فتستحقوا بها من العقوبة ما يستحقه من تعدى حدودي ، وخالف أمري وركب معاصي .

وكان بعض أهل التأويل يقول : " حدود الله " : شروطه . وذلك معنى قريب من المعنى الذي قلنا ، غير أن الذي قلنا في ذلك أشبه بتأويل الكلمة .

وذلك أن " حد " كل شيء : ما حصره من المعاني وميز بينه وبين غيره ، فقوله : " تلك حدود الله " من ذلك ، يعني به المحارم التي ميزها من الحلال المطلق فحددها بنعوتها وصفاتها ، وعرفها عباده . ذكر من قال إن ذلك بمعنى الشروط : [ ص: 547 ]

3057 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي قال : أما " حدود الله " فشروطه .

وقال بعضهم : " حدود الله " معاصيه .

ذكر من قال ذلك :

3058 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك : " تلك حدود الله " يقول : معصية الله - يعني المباشرة في الاعتكاف .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 10:45 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(246)
الحلقة (261)
صــ 548إلى صــ 555






القول في تأويل قوله تعالى ( كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ( 187 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : كما بينت لكم أيها الناس واجب فرائضي عليكم من الصوم ، وعرفتكم حدوده وأوقاته ، وما عليكم منه في الحضر ، وما لكم فيه في السفر والمرض ، وما اللازم لكم تجنبه في حال اعتكافكم في مساجدكم ، فأوضحت جميع ذلك لكم - فكذلك أبين أحكامي ، وحلالي وحرامي ، وحدودي ، وأمري ونهيي ، في كتابي وتنزيلي ، وعلى لسان رسولي صلى الله عليه وسلم للناس .

ويعني بقوله : " لعلهم يتقون " يقول : أبين ذلك لهم ليتقوا محارمي ومعاصي ، ويتجنبوا سخطي وغضبي ، بتركهم ركوب ما أبين لهم في آياتي أني قد حرمته عليهم ، وأمرتهم بهجره وتركه .
[ ص: 548 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( 188 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل . فجعل تعالى ذكره بذلك آكل مال أخيه بالباطل ، كالآكل مال نفسه بالباطل .

ونظير ذلك قوله تعالى : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) [ سورة الحجرات : 11 ] وقوله : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) [ سورة النساء : 29 ] بمعنى : لا يلمز بعضكم بعضا ، ولا يقتل بعضكم بعضا لأن الله تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوة ، فقاتل أخيه كقاتل نفسه ، ولامزه كلامز نفسه ، وكذلك تفعل العرب تكني عن نفسها بأخواتها ، وعن أخواتها بأنفسها ، فتقول : "أخي وأخوك أينا أبطش" . يعني : أنا وأنت نصطرع ، فننظر أينا أشد - فيكني المتكلم عن نفسه بأخيه ، لأن أخا الرجل عندها كنفسه ، ومن ذلك قول الشاعر :

أخي وأخوك ببطن النسير ليس به من معد عريب [ ص: 549 ]

فتأويل الكلام : ولا يأكل بعضكم أموال بعض فيما بينكم بالباطل .

" وأكله بالباطل " : أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه .

وأما قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " فإنه يعني : وتخاصموا بها - يعني : بأموالكم - إلى الحكام " لتأكلوا فريقا " طائفة من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون . [ ص: 550 ]

ويعني بقوله : " بالإثم " بالحرام الذي قد حرمه الله عليكم " وأنتم تعلمون " ، أي : وأنتم تتعمدون أكل ذلك بالإثم ، على قصد منكم إلى ما حرم الله عليكم منه ، ومعرفة بأن فعلكم ذلك معصية لله وإثم . . . كما :

3059 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " فهذا في الرجل يكون عليه مال ، وليس عليه فيه بينة ، فيجحد المال ، فيخاصمهم فيه إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه ، وهو يعلم أنه آثم آكل حراما .

3060 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " وتدلوا بها إلى الحكام " قال : لا تخاصم وأنت ظالم .

3061 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3062 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " وكان يقال : من مشى مع خصمه وهو له ظالم ، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق . واعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ولا يحق لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود ، والقاضي بشر يخطئ ويصيب . واعلموا أنه من قد قضي له بالباطل ، فإن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة ، فيقضي على المبطل للمحق ، بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا . [ ص: 552 ]

3063 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " قال : لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم ، فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك .

3064 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون " أما " الباطل " يقول : يظلم الرجل منكم صاحبه ، ثم يخاصمه ليقطع ماله وهو يعلم أنه ظالم ، فذلك قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " .

3065 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني خالد الواسطي عن داود بن أبي هند عن عكرمة قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " قال : هو الرجل يشتري السلعة فيردها ويرد معها دراهم .

3066 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " يقول : يكون أجدل منه وأعرف بالحجة ، فيخاصمه في ماله بالباطل ليأكل ماله بالباطل . وقرأ : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) [ سورة النساء : 29 ] قال : هذا القمار الذي كان يعمل به أهل الجاهلية .

وأصل " الإدلاء " : إرسال الرجل الدلو في سبب متعلقا به في البئر . فقيل للمحتج لدعواه : " أدلى بحجة كيت وكيت " إذا كانت حجته التي يحتج بها سببا [ ص: 552 ] له ، هو به متعلق في خصومته ، كتعلق المستقي من بئر بدلو قد أرسلها فيها بسببها الذي الدلو به متعلقة ، يقال فيهما جميعا - أعني من الاحتجاج ، ومن إرسال الدلو في البئر بسبب : " أدلى فلان بحجته ، فهو يدلي بها إدلاء وأدلى دلوه في البئر ، فهو يدليها إدلاء " .

فأما قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " فإن فيه وجهين من الإعراب :

أحدهما : أن يكون قوله : " وتدلوا " جزما عطفا على قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " أي : ولا تدلوا بها إلى الحكام ، وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة أبي بتكرير حرف النهي : " ولا تدلوا بها إلى الحكام " .

والآخر منهما : النصب على الصرف ، فيكون معناه حينئذ : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأنتم تدلون بها إلى الحكام ، كما قال الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم

يعني : لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله .

وهو أن يكون في موضع جزم - على ما ذكر في قراءة أبي - أحسن منه أن يكون نصبا . [ ص: 553 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج )

قال أبو جعفر : ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن زيادة الأهلة ونقصانها واختلاف أحوالها ، فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية ، جوابا لهم فيما سألوا عنه .

ذكر الأخبار بذلك :

3067 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " ، قال قتادة : سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك : لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون : " هي مواقيت للناس " ، فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ، ولمناسكهم وحجهم ، ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء ، والله أعلم بما يصلح خلقه .

3068 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال : ذكر لنا أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله تعالى : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم ولحجهم ومناسكهم وعدة نسائهم وحل ديونهم .

3069 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 554 ] معمر عن قتادة في قوله : " مواقيت للناس والحج " قال : هي مواقيت للناس في حجهم وصومهم وفطرهم ونسكهم .

3070 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال الناس : لم خلقت الأهلة؟ فنزلت : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " ، لصومهم وإفطارهم وحجهم ومناسكهم - قال : قال ابن عباس : ووقت حجهم ، وعدة نسائهم ، وحل دينهم .

3071 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " فهي مواقيت الطلاق والحيض والحج .

3072 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " ، يعني : حل دينهم ، ووقت حجهم ، وعدة نسائهم .

3073 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال : سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة ، فنزلت هذه الآية : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " يعلمون بها حل دينهم ، وعدة نسائهم ، ووقت حجهم .

3074 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد عن شريك عن جابر عن عبد الله بن يحيى عن علي : أنه سئل عن قوله : " مواقيت للناس " ، قال : هي مواقيت الشهر : هكذا وهكذا وهكذا - وقبض إبهامه - فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين . [ ص: 555 ]

قال أبو جعفر : فتأويل الآية - إذا كان الأمر على ما ذكرنا عمن ذكرنا عنه قوله في ذلك - : يسألونك يا محمد عن الأهلة ومحاقها وسرارها وتمامها واستوائها ، وتغير أحوالها بزيادة ونقصان ومحاق واستسرار ، وما المعنى الذي خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدا على حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان؟ - فقل يا محمد : خالف بين ذلك ربكم لتصييره الأهلة التي سألتم عن أمرها ، ومخالفة ما بينها وبين غيرها ، فيما خالف بينها وبينه مواقيت لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم ، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقها واستسرارها وإهلالكم إياها أوقات حل ديونكم ، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه ، وتصرم عدة نسائكم ، ووقت صومكم وإفطاركم ، فجعلها مواقيت للناس .

وأما قوله " والحج " ، فإنه يعني : وللحج ، يقول : وجعلها أيضا ميقاتا لحجكم ، تعرفون بها وقت مناسككم وحجكم .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 10:48 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(248)
الحلقة (262)
صــ 556إلى صــ 563







القول في تأويل قوله تعالى ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون ( 189 ) )

قال أبو جعفر : قيل : نزلت هذه الآية في قوم كانوا لا يدخلون - إذا أحرموا - بيوتهم من قبل أبوابها . [ ص: 556 ]

ذكر من قال ذلك :

3075 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : كانت الأنصار إذا حجوا ورجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها . قال : فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه ، فقيل له في ذلك ، فنزلت هذه الآية : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " .

3076 - حدثني سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : كانوا في الجاهلية إذا أحرموا ، أتوا البيوت من ظهورها ، ولم يأتوا من أبوابها ، فنزلت : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " . . الآية .

3077 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت داود عن قيس بن حبتر : أن ناسا كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطا من بابه ، ولا دارا من بابها أو بيتا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دارا ، وكان رجل من الأنصار يقال له : " رفاعة بن تابوت " فجاء فتسور الحائط ، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما خرج من باب الدار - أو قال : من باب البيت - خرج معه رفاعة ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حملك على ذلك؟ قال : يا رسول الله ، رأيتك خرجت منه ، فخرجت منه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رجل أحمس! فقال : إن تكن رجلا أحمس ، فإن ديننا واحد! فأنزل الله تعالى ذكره : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها " .

3078 - [ ص: 557 ] حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " يقول : ليس البر بأن تأتوا البيوت من كوات في ظهور البيوت وأبواب في جنوبها تجعلها أهل الجاهلية . فنهوا أن يدخلوا منها ، وأمروا أن يدخلوا من أبوابها .

3079 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3080 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم [ ص: 558 ] قال : كان ناس من أهل الحجاز إذا أحرموا لم يدخلوا من أبواب بيوتهم ودخلوا من ظهورها ، فنزلت : " ولكن البر من اتقى " الآية .

3081 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد في قوله : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها " قال : كان المشركون إذا أحرم الرجل منهم نقب كوة في ظهر بيته فجعل سلما ، فجعل يدخل منها . قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ومعه رجل من المشركين ، قال : فأتى الباب ليدخل ، فدخل منه . قال : فانطلق الرجل ليدخل من الكوة . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما شأنك؟ فقال : إني أحمس! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا أحمس .

3082 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك ، وكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة فتبدو له الحاجة بعد ما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السماء ، فيفتح الجدار من ورائه ، ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته . فتخرج إليه من بيته ، حتى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل زمن الحديبية بالعمرة ، فدخل حجرة ، فدخل رجل على أثره ، من الأنصار من بني سلمة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إني أحمس! قال الزهري : وكانت الحمس لا يبالون ذلك . فقال الأنصاري : وأنا أحمس! يقول : وأنا على دينك ، فأنزل الله تعالى ذكره : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " .

3084 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " وليس البر بأن تأتوا البيوت " الآية كلها . قال قتادة : كان هذا الحي من الأنصار في الجاهلية ، إذا أهل أحدهم بحج أو عمرة لا يدخل دارا من بابها ، إلا أن يتسور حائطا تسورا ، وأسلموا وهم كذلك . فأنزل الله تعالى ذكره [ ص: 559 ] في ذلك ما تسمعون ، ونهاهم عن صنيعهم ذلك ، وأخبرهم أنه ليس من البر صنيعهم ذلك ، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها .

3085 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي قوله : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " فإن ناسا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها ، فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم . فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل ، قال : يا رسول الله ، إني أحمس! - يقول : إني محرم - وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون " الحمس " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا أيضا أحمس! فادخل . فدخل الرجل ، فأنزل الله تعالى ذكره : " وأتوا البيوت من أبوابها " .

3086 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها " وأن رجالا من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوه شيئا أحرم فأمن ، فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتخذ نقبا من ظهر بيته . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان بها رجل محرم كذلك - وأن أهل المدينة كانوا يسمون البستان " الحش " - وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بستانا ، فدخله من بابه ، ودخل معه ذلك المحرم ، فناداه رجل من ورائه : يا فلان ، إنك محرم وقد دخلت! فقال : أنا أحمس! فقال : يا رسول الله ، إن كنت محرما فأنا محرم ، وإن كنت أحمس فأنا أحمس! فأنزل الله تعالى ذكره : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " ، إلى آخر الآية ، فأحل الله للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها .

3087 - حدثت عن عمار بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر [ ص: 560 ] عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها " قال : كان أهل المدينة وغيرهم إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها ، وذلك أن يتسوروها ، فكان إذا أحرم أحدهم لا يدخل البيت إلا أن يتسوره من قبل ظهره . وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم بيتا لبعض الأنصار ، فدخل رجل على أثره ممن قد أحرم ، فأنكروا ذلك عليه ، وقالوا : هذا رجل فاجر! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لم دخلت من الباب وقد أحرمت؟ فقال : رأيتك يا رسول الله دخلت فدخلت على أثرك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني أحمس! - وقريش يومئذ تدعى الحمس - فلما أن قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال الأنصاري : إن ديني دينك! فأنزل الله تعالى ذكره : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " الآية .

3088 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : قلت لعطاء قوله : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها " قال : كان أهل الجاهلية يأتون البيوت من ظهورها ويرونه برا ، فقال : " البر " ، ثم نعت " البر " وأمر بأن يأتوا البيوت من أبوابها قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن كثير : أنه سمع مجاهدا يقول : كانت هذه الآية في الأنصار يأتون البيوت من ظهورها ، يتبررون بذلك .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : وليس البر أيها الناس بأن تأتوا البيوت في حال إحرامكم من ظهورها ، ولكن البر من اتقى الله فخافه وتجنب محارمه ، وأطاعه بأداء فرائضه التي أمره بها ، فأما إتيان البيوت من ظهورها فلا بر لله فيه ، فأتوها من حيث شئتم من أبوابها وغير أبوابها ، ما لم تعتقدوا تحريم إتيانها من أبوابها في حال من الأحوال ، فإن ذلك غير جائز لكم اعتقاده ، لأنه مما لم أحرمه عليكم .
[ ص: 561 ] القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا الله لعلكم تفلحون )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : واتقوا الله أيها الناس ، فاحذروه وارهبوه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه ، واجتناب ما نهاكم عنه ، لتفلحوا فتنجحوا في طلباتكم لديه ، وتدركوا به البقاء في جناته والخلود في نعيمه . وقد بينا معنى " الفلاح " فيما مضى قبل بما يدل عليه .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ( 190 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية .

فقال بعضهم : هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك . وقالوا : أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين ، والكف عمن كف عنهم ، ثم نسخت ب " براءة " .

ذكر من قال ذلك :

3089 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر عن أبي جعفر عن الربيع في قوله : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " قال : هذه أول آية نزلت في القتال [ ص: 562 ] بالمدينة فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من يقاتله ، ويكف عمن كف عنه ، حتى نزلت " براءة " - ولم يذكر عبد الرحمن : " المدينة " .

3090 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " إلى آخر الآية ، قال : قد نسخ هذا! وقرأ قول الله : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] ، وهذه الناسخة ، وقرأ : ( براءة من الله ورسوله ) حتى بلغ : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) إلى : ( إن الله غفور رحيم ) [ سورة التوبة : 1 - 5 ] .

وقال آخرون : بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار ، لم ينسخ . وإنما الاعتداء الذي نهاهم الله عنه ، هو نهيه عن قتل النساء والذراري . قالوا : والنهي عن قتلهم ثابت حكمه اليوم . قالوا : فلا شيء نسخ من حكم هذه الآية .

ذكر من قال ذلك :

3091 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن صدقة الدمشقي عن يحيى بن يحيى الغساني قال : كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ، قال : فكتب إلي : " إن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم " .

3092 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، أمروا بقتال الكفار .

3093 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله . [ ص: 563 ]

3094 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " يقول : لا تقتلوا النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده ، فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم .

3095 - حدثني ابن البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة : " إني وجدت آية في كتاب الله : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " أي : لا تقاتل من لا يقاتلك ، يعني : النساء والصبيان والرهبان " .

قال أبو جعفر : وأولى هذين القولين بالصواب ، القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز . لأن دعوى المدعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة ، بغير دلالة على صحة دعواه ، تحكم . والتحكم لا يعجز عنه أحد .

وقد دللنا على معنى " النسخ " ، والمعنى الذي من قبله يثبت صحة النسخ ، بما قد أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 10:52 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(249)
الحلقة (263)
صــ 564إلى صــ 571



فتأويل الآية - إذا كان الأمر على ما وصفنا - : وقاتلوا أيها المؤمنون في سبيل الله ، وسبيله : طريقه الذي أوضحه ، ودينه الذي شرعه لعباده يقول لهم تعالى ذكره : قاتلوا في طاعتي وعلى ما شرعت لكم من ديني ، وادعوا إليه من ولى عنه واستكبر بالأيدي والألسن ، حتى ينيبوا إلى طاعتي ، أو يعطوكم الجزية صغارا إن كانوا أهل كتاب . وأمرهم تعالى ذكره بقتال من كان منه قتال من مقاتلة أهل الكفر دون من لم يكن منه قتال من نسائهم وذراريهم ، فإنهم أموال وخول لهم إذا غلب المقاتلون منهم فقهروا ، فذلك معنى قوله : " قاتلوا في سبيل الله الذين [ ص: 564 ] يقاتلونكم " لأنه أباح الكف عمن كف ، فلم يقاتل من مشركي أهل الأوثان والكافين عن قتال المسلمين من كفار أهل الكتاب على إعطاء الجزية صغارا .

فمعنى قوله : " ولا تعتدوا " : لا تقتلوا وليدا ولا امرأة ، ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابين والمجوس " إن الله لا يحب المعتدين " الذين يجاوزون حدوده ، فيستحلون ما حرمه الله عليهم من قتل هؤلاء الذين حرم قتلهم من نساء المشركين وذراريهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : واقتلوا أيها المؤمنون الذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مقاتلهم وأمكنكم قتلهم ، وذلك هو معنى قوله : " حيث ثقفتموهم " .

ومعنى " الثقفة " بالأمر الحذق به والبصر ، يقال : " إنه لثقف لقف " ، إذا كان جيد الحذر في القتال ، بصيرا بمواقع القتل . وأما " التثقيف " فمعنى غير هذا ، وهو التقويم .

فمعنى : " واقتلوهم حيث ثقفتموهم " ، اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم ، وأبصرتم مقاتلهم . [ ص: 565 ]

وأما قوله : " وأخرجوهم من حيث أخرجوكم " فإنه يعنى بذلك المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكة فقال لهم تعالى ذكره : أخرجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم - وقد أخرجوكم من دياركم - من مساكنهم وديارهم كما أخرجوكم منها .

القول في تأويل قوله تعالى ( والفتنة أشد من القتل )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " والفتنة أشد من القتل " ، والشرك بالله أشد من القتل .

وقد بينت فيما مضى أن أصل " الفتنة " الابتلاء والاختبار

فتأويل الكلام : وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركا بالله من بعد إسلامه ، أشد عليه وأضر من أن يقتل مقيما على دينه متمسكا عليه ، محقا فيه . كما :

3096 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " والفتنة أشد من القتل " قال : ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من القتل .

3097 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3098 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " والفتنة أشد من القتل " يقول : الشرك أشد من القتل . [ ص: 566 ]

3099 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة مثله .

3100 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع : " والفتنة أشد من القتل " يقول : الشرك أشد من القتل .

3101 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك : " والفتنة أشد من القتل " قال : الشرك .

3102 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد في قوله : " والفتنة أشد من القتل " قال : الفتنة الشرك .

3103 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك : " والفتنة أشد من القتل " قال : الشرك أشد من القتل .

3104 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله جل ذكره : " والفتنة أشد من القتل " قال : فتنة الكفر .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ( 191 ) )

قال أبو جعفر : والقرأة مختلفة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قراء المدينة ومكة : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " بمعنى : ولا تبتدئوا - أيها المؤمنون - [ ص: 567 ] المشركين بالقتال عند المسجد الحرام حتى يبدأوكم به ، فإن بدأوكم به هناك عند المسجد الحرام في الحرم ، فاقتلوهم ، فإن الله جعل ثواب الكافرين على كفرهم وأعمالهم السيئة ، القتل في الدنيا ، والخزي الطويل في الآخرة ، كما :

3105 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " كانوا لا يقاتلون فيه حتى يبدأوا بالقتال ، ثم نسخ بعد ذلك فقال : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " حتى لا يكون شرك " ويكون الدين لله " أن يقال : لا إله إلا الله ، عليها قاتل نبي الله ، وإليها دعا .

3106 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام عن قتادة : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يقاتلهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدأوا فيه بقتال ، ثم نسخ الله ذلك بقوله : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ سورة التوبة : 5 ] فأمر الله نبيه إذا انقضى الأجل أن يقاتلهم في الحل والحرم وعند البيت ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

3107 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " فكانوا لا يقاتلونهم فيه ، ثم نسخ ذلك بعد فقال : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " .

وقال بعضهم : هذه آية محكمة غير منسوخة .

ذكر من قال ذلك :

3108 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فإن قاتلوكم " في الحرم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين [ ص: 568 ] لا تقاتل أحدا فيه ، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك .

وقرأ ذلك عظم قراء الكوفيين : " ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم " بمعنى : ولا تبدأوهم بقتل حتى يبدأوكم به .

ذكر من قال ذلك :

3109 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي حماد عن حمزة الزيات قال : قلت للأعمش : أرأيت قراءتك : " ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم " ، إذا قتلوهم كيف يقتلونهم؟ قال : إن العرب إذا قتل منهم رجل قالوا : " قتلنا " ، وإذا ضرب منهم رجل قالوا : " ضربنا" .

قال أبو جعفر : وأولى هاتين القراءتين بالصواب ، قراءة من قرأ : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم حتى يقتلوا منهم قتيلا بعد ما أذن له ولهم بقتالهم ، فتكون القراءة بالإذن بقتلهم بعد أن يقتلوا منهم ، أولى من القراءة بما اخترنا . وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنه قد كان تعالى ذكره أذن لهم بقتالهم إذا كان ابتداء القتال من المشركين قبل أن يقتلوا منهم قتيلا وبعد أن يقتلوا منهم قتيلا .

وقد نسخ الله تعالى ذكره هذه الآية بقوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " [ ص: 569 ] وقوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ سورة التوبة : 5 ] ونحو ذلك من الآيات .

وقد ذكرنا بعض قول من قال هي منسوخة ، وسنذكر قول من حضرنا ذكره ممن لم يذكر .

3110 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " قال : نسخها قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .

3111 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه " قال : حتى يبدأوكم ، كان هذا قد حرم فأحل الله ذلك له ، فلم يزل ثابتا حتى أمره الله بقتالهم بعد .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ( 192 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : فإن انتهى الكافرون الذين يقاتلونكم عن قتالكم وكفرهم بالله ، فتركوا ذلك وتابوا " فإن الله غفور " لذنوب من آمن منهم وتاب من شركه ، وأناب إلى الله من معاصيه التي سلفت منه وأيامه التي مضت " رحيم " به في آخرته بفضله عليه ، وإعطائه ما يعطي أهل طاعته من الثواب بإنابته إلى محبته من معصيته . كما :

3112 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فإن انتهوا " فإن تابوا " فإن الله غفور رحيم " .
[ ص: 570 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة يعني : حتى لا يكون شرك بالله ، وحتى لا يعبد دونه أحد ، وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد ، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان ، كما قال قتادة فيما :

3113 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال : حتى لا يكون شرك .

3114 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال : حتى لا يكون شرك .

3115 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال : الشرك " ويكون الدين لله " .

3116 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3117 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال : أما الفتنة فالشرك .

3118 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " ، يقول : قاتلوا حتى لا يكون شرك . [ ص: 571 ]

3119 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " أي شرك .

3120 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " قال : حتى لا يكون كفر ، وقرأ ( تقاتلونهم أو يسلمون ) [ سورة الفتح : 16 ] .

3121 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " يقول : شرك .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 10:55 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(250)
الحلقة (264)
صــ 572إلى صــ 579




وأما " الدين " ، الذي ذكره الله في هذا الموضع فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه ، من ذلك قول الأعشى :

هو دان الرباب ، إذ كرهوا الدي ن ، دراكا بغزوة وصيال

يعني بقوله : " إذ كرهوا الدين " ، إذ كرهوا الطاعة وأبوها . [ ص: 572 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

3122 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " ويكون الدين لله " يقول : حتى لا يعبد إلا الله ، وذلك " لا إله إلا الله " ، عليه قاتل النبي صلى الله عليه وسلم وإليه دعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " .

3123 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " ويكون الدين لله " أن يقال : " لا إله إلا الله " . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " . ثم ذكر مثل حديث الربيع .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( 193 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فإن انتهوا " فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم ، ودخلوا في ملتكم ، وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه ، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان ، فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم وجهادهم ، فإنه لا ينبغي أن يعتدى إلا على الظالمين - وهم المشركون بالله ، والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم . [ ص: 573 ]

فإن قال قائل : وهل يجوز الاعتداء على الظالم فيقال : " فلا عدوان إلا على الظالمين " ؟ .

قيل : إن المعنى في ذلك على غير الوجه الذي إليه ذهبت ، وإنما ذلك على وجه المجازاة ، لما كان من المشركين من الاعتداء ، يقول : افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم ، كما يقال : " إن تعاطيت مني ظلما تعاطيته منك " ، والثاني ليس بظلم ، كما قال عمرو بن شأس الأسدي :

جزينا ذوي العدوان بالأمس قرضهم قصاصا ، سواء حذوك النعل بالنعل

وإنما كان ذلك نظير قوله : ( الله يستهزئ بهم ) [ سورة البقرة : 15 ] و ( فيسخرون منهم سخر الله منهم ) [ سورة التوبة : 79 ] وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما مضى قبل .

وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

3124 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " فلا عدوان إلا على الظالمين " والظالم الذي أبى أن يقول : " لا إله إلا الله " .

3125 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع . " فلا عدوان إلا على الظالمين " قال : هم المشركون .

3126 - حدثني المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عثمان بن غياث قال : سمعت عكرمة في هذه الآية : " فلا عدوان إلا على الظالمين " [ ص: 574 ] قال : هم من أبى أن يقول : " لا إله إلا الله " .

وقال آخرون : معنى قوله : " فلا عدوان إلا على الظالمين " فلا تقاتل إلا من قاتل .

ذكر من قال ذلك :

3127 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " يقول : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم .

3128 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3129 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي قال : " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " فإن الله لا يحب العدوان على الظالمين ولا على غيرهم ، ولكن يقول : اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم .

قال أبو جعفر : فكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله : " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " لا يجوز أن يقول : " فإن انتهوا " إلا وقد علم أنهم لا ينتهون إلا بعضهم ، فكأنه قال : فإن انتهى بعضهم ، فلا عدوان إلا على الظالمين منهم ، فأضمر كما قال : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) [ سورة البقرة : 196 ] يريد : فعليه ما استيسر من الهدي ، وكما يقول : " إلى من تقصد أقصد " يعني : إليه .

وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك ويتأوله : فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم لمن انتهى ، ولا عدوان إلا على الظالمين الذين لا ينتهون .
[ ص: 575 ] القول في تأويل قوله تعالى ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " الشهر الحرام بالشهر الحرام " ذا القعدة ، وهو الشهر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فيه عمرة الحديبية فصده مشركو أهل مكة عن البيت ودخول مكة سنة ست من هجرته ، وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين في تلك السنة ، على أن يعود من العام المقبل ، فيدخل مكة ويقيم ثلاثا ، فلما كان العام المقبل ، وذلك سنة سبع من هجرته ، خرج معتمرا وأصحابه في ذي القعدة - وهو الشهر الذي كان المشركون صدوه عن البيت فيه في سنة ست - وأخلى له أهل مكة البلد حتى دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى حاجته منها ، وأتم عمرته ، وأقام بها ثلاثا ، ثم خرج منها منصرفا إلى المدينة فقال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمسلمين معه " الشهر الحرام " يعني ذا القعدة ، الذي أوصلكم الله فيه إلى حرمه وبيته ، على كراهة مشركي قريش ذلك ، حتى قضيتم منه وطركم " بالشهر الحرام " ، الذي صدكم مشركو قريش العام الماضي قبله فيه حتى انصرفتم عن كره منكم عن الحرم ، فلم تدخلوه ، ولم تصلوا إلى بيت الله ، فأقصكم الله أيها المؤمنون من المشركين بإدخالكم الحرم في الشهر الحرام على كره منهم لذلك ، بما كان منهم إليكم في الشهر الحرام من الصد والمنع من الوصول إلى البيت . كما :

3130 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يوسف - يعني : ابن خالد السمتي - قال : حدثنا نافع بن مالك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : " والحرمات قصاص " قال : هم المشركون ، حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم [ ص: 576 ] في ذي القعدة ، فرجعه الله في ذي القعدة فأدخله البيت الحرام فاقتص له منهم .

3131 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " قال : فخرت قريش بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام ، فأدخله الله مكة في العام المقبل من ذي القعدة ، فقضى عمرته ، وأقصه بما حيل بينه وبينها يوم الحديبية .

3132 - حدثني المثنى قال : حدثني أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3133 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فاعتمروا في ذي القعدة ومعهم الهدي ، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون ، فصالحهم نبي الله صلى الله عليه وسلم على أن يرجع من عامه ذلك ، حتى يرجع من العام المقبل فيكون بمكة ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بسلاح راكب ويخرج ، ولا يخرج بأحد من أهل مكة فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا . حتى إذا كان من العام المقبل ، أقبل نبي الله وأصحابه حتى دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة ، فأقاموا بها ثلاث ليال ، فكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فأقصه الله منهم ، فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة ، فقال الله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " . [ ص: 577 ]

3134 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة وعن عثمان عن مقسم في قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " قال كان هذا في سفر الحديبية صد المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت في الشهر الحرام ، فقاضوا المشركين يومئذ قضية : أن لكم أن تعتمروا في العام المقبل - في هذا الشهر الذي صدوهم فيه ، فجعل الله تعالى ذكره لهم شهرا حراما يعتمرون فيه ، مكان شهرهم الذي صدوا ، فلذلك قال : " والحرمات قصاص " .

3135 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " قال : لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من مهاجره ، صده المشركون وأبوا أن يتركوه ، ثم إنهم صالحوه في صلحهم على أن يخلوا له مكة من عام قابل ثلاثة أيام ، يخرجون ويتركونه فيها ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر من السنة السابعة ، فخلوا له مكة ثلاثة أيام ، فنكح في عمرته تلك ميمونة بنت الحارث الهلالية .

3136 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك في قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " ، أحصروا النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عن البيت الحرام فأدخله الله البيت الحرام العام المقبل ، واقتص له منهم ، فقال : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " .

3137 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر [ ص: 578 ] عن أبيه ، عن الربيع قال : أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة ومعهم الهدي ، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون ، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع ذلك العام حتى يرجع العام المقبل ، فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة . فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا . حتى إذا كانوا من العام المقبل ، أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة ، وأقاموا بها ثلاثة أيام ، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فقاص الله له منهم ، وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة . قال الله جل ثناؤه : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " .

3138 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " والحرمات قصاص " فهم المشركون ، كانوا حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عن البيت ، ففخروا عليه بذلك ، فرجعه الله في ذي القعدة ، فأدخله الله البيت الحرام واقتص له منهم .

3139 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام " حتى فرغ من الآية ، قال : هذا كله قد نسخ ، أمره أن يجاهد المشركين . وقرأ : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] وقرأ : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) [ سورة التوبة : 123 ] العرب ، فلما فرغ منهم ، قال الله جل ثناؤه : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ) حتى بلغ قوله : ( وهم صاغرون ) [ سورة التوبة : 29 ] قال : وهم الروم . قال : فوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3140 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال : حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية : " الشهر الحرام بالشهر الحرام [ ص: 579 ] والحرمات قصاص " قال : أمركم الله بالقصاص ، [ ويأخذ ] منكم العدوان .

3141 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء وسألته عن قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " قال : نزلت في الحديبية منعوا في الشهر الحرام ، فنزلت : " الشهر الحرام بالشهر الحرام " : عمرة في شهر حرام ، بعمرة في شهر حرام .

قال أبو جعفر : وإنما سمى الله جل ثناؤه ذا القعدة " الشهر الحرام " ، لأن العرب في الجاهلية كانت تحرم فيه القتال والقتل ، وتضع فيه السلاح ، ولا يقتل فيه أحد أحدا ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه أو ابنه . وإنما كانوا سموه " ذا القعدة " لقعودهم فيه عن المغازي والحروب ، فسماه الله بالاسم الذي كانت العرب تسميه به .

وأما " الحرمات " فإنها جمع " حرمة " ، " كالظلمات " جمع " ظلمة " ، " والحجرات " جمع " حجرة " . وإنما قال جل ثناؤه : " والحرمات قصاص " فجمع ، لأنه أراد : الشهر الحرام ، والبلد الحرام وحرمة الإحرام .

فقال جل ثناؤه لنبيه محمد والمؤمنين معه : دخولكم الحرم ، بإحرامكم هذا ، في شهركم هذا الحرام قصاص مما منعتم من مثله عامكم الماضي ، وذلك هو " الحرمات " التي جعلها الله قصاصا .

وقد بينا أن " القصاص " هو المجازاة من جهة الفعل أو القول أو البدن ، وهو في هذا الموضع من جهة الفعل .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 10:58 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(251)
الحلقة (265)
صــ 580إلى صــ 587




[ ص: 580 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيما نزل فيه قوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " .

فقال بعضهم بما :

3142 - حدثني به المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ، وليس لهم سلطان يقهر المشركين ، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى ، فأمر الله المسلمين؛ من يجازي منهم أن يجازي بمثل ما أتي إليه أو يصبر أو يعفو فهو أمثل فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ، وأن لا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن قاتلكم أيها المؤمنون من المشركين ، فقاتلوهم كما قاتلوكم . وقالوا : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وبعد عمرة القضية .

ذكر من قال ذلك :

3143 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال مجاهد : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم .

قال أبو جعفر : وأشبه التأويلين بما دل عليه ظاهر الآية ، الذي حكي عن [ ص: 581 ] مجاهد لأن الآيات قبلها إنما هي أمر من الله للمؤمنين بجهاد عدوهم على صفة ، وذلك قوله : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " والآيات بعدها ، وقوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه " إنما هو في سياق الآيات التي فيها الأمر بالقتال والجهاد ، والله جل ثناؤه إنما فرض القتال على المؤمنين بعد الهجرة .

فمعلوم بذلك أن قوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " مدني لا مكي ، إذ كان فرض قتال المشركين لم يكن وجب على المؤمنين بمكة وأن قوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " نظير قوله : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " وأن معناه : فمن اعتدى عليكم في الحرم فقاتلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إياكم ، لأني قد جعلت الحرمات قصاصا ، فمن استحل منكم أيها المؤمنون من المشركين حرمة في حرمي ، فاستحلوا منه مثله فيه .

وهذه الآية منسوخة بإذن الله لنبيه بقتال أهل الحرم ابتداء في الحرم وقوله : ( وقاتلوا المشركين كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] . . . .

. . . على نحو ما ذكرنا ، من أنه بمعنى : المجازاة وإتباع لفظ لفظا ، وإن [ ص: 582 ] اختلف معنياهما ، كما قال : ( ومكروا ومكر الله ) [ سورة آل عمران : 54 ] وقد قال : ( فيسخرون منهم سخر الله منهم ) [ سورة التوبة : 79 ] وما أشبه ذلك مما أتبع لفظ لفظا واختلف المعنيان .

والآخر : أن يكون بمعنى " العدو " الذي هو شد ووثوب . من قول القائل : " عدا الأسد على فريسته " . فيكون معنى الكلام : فمن عدا عليكم - أي فمن شد عليكم ووثب - بظلم ، فاعدوا عليه - أي فشدوا عليه وثبوا نحوه - قصاصا لما فعل عليكم لا ظلما . ثم تدخل " التاء " " في عدا " ، فتقال : " افتعل " مكان " فعل " ، كما يقال : " اقترب هذا الأمر " بمعنى " قرب " ، و" اجتلب كذلك " بمعنى " جلب " وما أشبه ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ( 194 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : واتقوا الله أيها المؤمنون في حرماته وحدوده أن تعتدوا فيها ، فتتجاوزوا فيها ما بينه وحده لكم ، واعلموا أن الله يحب المتقين ، الذين يتقونه بأداء فرائضه وتجنب محارمه .

[ ص: 583 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ( 195 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية ، ومن عنى بقوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " .

فقال بعضهم : عنى بذلك : " وأنفقوا في سبيل الله " - وسبيل الله " طريقه الذي أمر أن يسلك فيه إلى عدوه من المشركين لجهادهم وحربهم " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " - يقول : ولا تتركوا النفقة في سبيل الله ، فإن الله يعوضكم منها أجرا ويرزقكم عاجلا .

ذكر من قال ذلك :

3144 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة والحسن بن عرفة قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سفيان عن حذيفة : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : يعني في ترك النفقة .

3145 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا شعبة وحدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة وحدثني محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر الرازي عن الأعمش وحدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن عاصم جميعا ، عن شقيق عن حذيفة قال : هو ترك النفقة في سبيل الله . [ ص: 584 ]

3146 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن منصور عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس أنه قال في هذه الآية : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : تنفق في سبيل الله ، وإن لم يكن لك إلا مشقص - أو : سهم - شعبة الذي يشك في ذلك .

3147 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن منصور عن أبي صالح الذي كان يحدث عنه الكلبي عن ابن عباس قال : إن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص أنفقته .

3148 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا يحيى عن سفيان عن منصور عن أبي صالح عن ابن عباس : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : في النفقة .

3149 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام عن عمرو بن أبي قيس عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ، قال : ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله ، ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله .

3150 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن عكرمة قال : نزلت في النفقات في سبيل الله ، يعني قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " .

3151 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : كان القوم في سبيل الله ، فيتزود الرجل ، فكان أفضل زادا من الآخر . أنفق البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء ، أحب أن [ ص: 585 ] يواسي صاحبه ، فأنزل الله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " .

3152 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا آدم قال : حدثنا شيبان عن منصور بن المعتمر عن أبي صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : لا يقولن أحدكم إني لا أجد شيئا ، إن لم يجد إلا مشقصا فليتجهز به في سبيل الله .

3153 - حدثنا ابن عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت داود - يعني : ابن أبي هند - عن عامر : أن الأنصار كان احتبس عليهم بعض الرزق ، وكانوا قد أنفقوا نفقات ، قال : فساء ظنهم وأمسكوا . قال : فأنزل الله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : وكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم .

3154 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : تمنعكم نفقة في حق خيفة العيلة .

3155 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : وكان قتادة يحدث أن الحسن حدثه - : أنهم كانوا يسافرون ويغزون ولا ينفقون من أموالهم أو قال : ولا ينفقون في ذلك فأمرهم الله أن ينفقوا في مغازيهم في سبيل الله . [ ص: 586 ]

3156 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " يقول : لا تمسكوا بأيديكم عن النفقة في سبيل الله .

3157 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وأنفقوا في سبيل الله " أنفق في سبيل الله ولو عقالا " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " - تقول : ليس عندي شيء .

3158 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو غسان قال : حدثنا زهير قال : حدثنا خصيف عن عكرمة في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : لما أمر الله بالنفقة ، فكانوا - أو بعضهم - يقولون : ننفق فيذهب مالنا ولا يبقى لنا شيء! قال : فقال : أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، قال : أنفقوا وأنا أرزقكم .

3159 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن قال : نزلت في النفقة .

3160 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : أخبرنا ابن همام الأهوازي قال : أخبرنا يونس عن الحسن في " التهلكة " قال : أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله ، وأخبرهم أن ترك النفقة في سبيل الله التهلكة .

3161 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : سألت عطاء عن قوله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : يقول : أنفقوا في سبيل الله ما قل وكثر - قال : وقال لي عبد الله بن كثير : نزلت في النفقة في سبيل الله .

3162 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن أبي [ ص: 587 ] صالح عن ابن عباس قال : لا يقولن الرجل لا أجد شيئا! قد هلكت! فليتجهز ولو بمشقص .

3163 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " يقول : أنفقوا ما كان من قليل أو كثير . ولا تستسلموا ولا تنفقوا شيئا فتهلكوا .

3164 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك قال : " التهلكة " : أن يمسك الرجل نفسه وماله عن النفقة في الجهاد في سبيل الله .

3165 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد عن يونس عن الحسن في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ، فتدعوا النفقة في سبيل الله .

وقال آخرون ممن وجهوا تأويل ذلك إلى أنه معنية به النفقة : معنى ذلك : وأنفقوا في سبيل الله ، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، فتخرجوا في سبيل الله بغير نفقة ولا قوة .

ذكر من قال ذلك :

3166 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : إذا لم يكن عندك ما تنفق ، فلا تخرج بنفسك بغير نفقة ولا قوة : فتلقي بيديك إلى التهلكة .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 11:02 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(252)
الحلقة (266)
صــ 588إلى صــ 595








وقال آخرون : بل معناه : أنفقوا في سبيل الله ، ولا تلقوا بأيديكم - فيما أصبتم من الآثام - إلى التهلكة ، فتيأسوا من رحمة الله ، ولكن ارجوا رحمته واعملوا الخيرات . [ ص: 588 ]

ذكر من قال ذلك :

3167 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : هو الرجل يصيب الذنوب فيلقي بيده إلى التهلكة ، يقول : لا توبة لي .

3168 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال : سأله رجل : أحمل على المشركين وحدي فيقتلوني ، أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ فقال : لا إنما التهلكة في النفقة . بعث الله رسوله ، فقال : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) [ سورة النساء : 84 ] .

3169 - حدثنا الحسن بن عرفة وابن وكيع قالا حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب في قول الله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : هو الرجل يذنب الذنب فيقول : لا يغفر الله له .

3170 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء وسأله رجل فقال : يا أبا عمارة أرأيت قول الله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ، أهو الرجل يتقدم فيقاتل حتى يقتل؟ قال : لا ولكنه الرجل يعمل بالمعاصي ، ثم يلقي بيده ولا يتوب .

3171 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء وسأله رجل فقال : الرجل يحمل على كتيبة وحده فيقاتل ، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ فقال : لا ولكن التهلكة أن يذنب الذنب فيلقي بيده ، فيقول : لا تقبل لي توبة .

3172 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام عن الجراح عن أبي إسحاق قال : قلت للبراء بن عازب : يا أبا عمارة الرجل يلقى ألفا من العدو فيحمل عليهم ، وإنما هو وحده ، أيكون ممن قال : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ؟ [ ص: 589 ] فقال : لا ليقاتل حتى يقتل! قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) .

3173 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا هشام وحدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن هشام عن محمد قال : وسألت عبيدة عن قول الله : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " الآية . فقال عبيدة : كان الرجل يذنب الذنب - قال : حسبته قال : العظيم - فيلقي بيده فيستهلك زاد يعقوب في حديثه : فنهوا عن ذلك ، فقيل : " أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " .

3174 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا هشام عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة السلماني عن ذلك ، فقال : هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم ، ويلقي بيده إلى التهلكة ، ويقول : لا توبة له! يعني قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " .

3175 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب عن محمد عن عبيدة في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : كان الرجل يصيب الذنب فيلقي بيده .

3176 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : القنوط .

3177 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم عن يونس وهشام عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال : هو الرجل يذنب الذنب فيستسلم ، يقول : لا توبة لي! فيلقي بيده .

3178 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : حدثني أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة أنه قال : هي في الرجل يصيب الذنب العظيم فيلقي بيده ، ويرى أنه قد هلك . [ ص: 590 ]

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأنفقوا في سبيل الله ، ولا تتركوا الجهاد في سبيله .

ذكر من قال ذلك :

3179 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال : غزونا المدينة يريد القسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد . قال : فصففنا صفين لم أر صفين قط أعرض ولا أطول منهما والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة قال : فحمل رجل منا على العدو ، فقال الناس : مه! لا إله إلا الله ، يلقي بيده إلى التهلكة! قال أبو أيوب الأنصاري : إنما تتأولون هذه الآية هكذا ، أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة ، أو يبلي من نفسه! إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار ! إنا لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام ، قلنا بيننا معشر الأنصار خفيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قد كنا تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه ، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها! فأنزل الله الخبر من السماء : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " الآية ، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة : أن نقيم في أموالنا ونصلحها ، وندع الجهاد . قال أبو عمران : فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية .

3180 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي وعبد الله بن أبي زياد قالا حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد قال : أخبرني حيوة وابن لهيعة قالا حدثنا يزيد بن أبي حبيب قال : حدثني أسلم أبو عمران مولى تجيب قال : كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله [ ص: 591 ] عليه وسلم ، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم قال : وصففنا صفا عظيما من المسلمين ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، ثم خرج إلينا مقبلا فصاح الناس وقالوا : سبحان الله! ألقى بيده إلى التهلكة! فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل! وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار ! إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصريه ، قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سرا من رسول الله : إن أموالنا قد ضاعت ، فلو أنا أقمنا فيها ، فأصلحنا ما ضاع منها! فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به ، فقال : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " بالإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال ونصلحها ، فأمرنا بالغزو . فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله . [ ص: 592 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر بالإنفاق في سبيله بقوله : " وأنفقوا في سبيل الله " - وسبيله : طريقه الذي شرعه لعباده وأوضحه لهم . ومعنى ذلك : وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعته لكم ، بجهاد عدوكم الناصبين لكم الحرب على الكفر بي ، ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، فقال : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " .

وذلك مثل ، والعرب تقول للمستسلم للأمر : " أعطى فلان بيديه " ، وكذلك [ ص: 593 ] يقال للممكن من نفسه مما أريد به : " أعطى بيديه " .

فمعنى قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ، ولا تستسلموا للهلكة ، فتعطوها أزمتكم فتهلكوا .

والتارك النفقة في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه ، مستسلم للهلكة بتركه أداء فرض الله عليه في ماله . وذلك أن الله جل ثناؤه جعل أحد سهام الصدقات المفروضات الثمانية " في سبيله " ، فقال : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) إلى قوله : ( وفي سبيل الله وابن السبيل ) [ سورة التوبة : 60 ] فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما لزمه ، كان للهلكة مستسلما ، وبيديه للتهلكة ملقيا .

وكذلك الآيس من رحمة الله لذنب سلف منه ، ملق بيديه إلى التهلكة ، لأن الله قد نهى عن ذلك فقال : ( : 87 ] .

وكذلك التارك غزو المشركين وجهادهم ، في حال وجوب ذلك عليه ، في حال حاجة المسلمين إليه ، مضيع فرضا ، ملق بيده إلى التهلكة .

فإذ كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ولم يكن الله عز وجل خص منها شيئا دون شيء ، فالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا ، والاستسلام للهلكة - وهي العذاب - بترك ما لزمنا من فرائضه ، فغير جائز لأحد منا الدخول في شيء يكرهه الله منا ، مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه .

غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن الأغلب من تأويل الآية : وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله ، ولا تتركوا النفقة فيها ، فتهلكوا باستحقاقكم - بترككم ذلك - عذابي . كما :

3181 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية عن [ ص: 594 ] علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : التهلكة عذاب الله .

قال أبو جعفر : فيكون ذلك إعلاما منه لهم - بعد أمره إياهم بالنفقة - ما لمن ترك النفقة المفروضة عليه في سبيله ، من العقوبة في المعاد .

فإن قال قائل : فما وجه إدخال الباء في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم " ، وقد علمت أن المعروف من كلام العرب : " ألقيت إلى فلان درهما " ، دون " ألقيت إلى فلان بدرهم " ؟

قيل : قد قيل إنها زيدت نحو زيادة القائل : " الباء " في قوله : " جذبت بالثوب ، وجذبت الثوب " " وتعلقت به وتعلقته " ، و ( تنبت بالدهن ) [ سورة المؤمنون : 20 ] وإنما هو : تنبت الدهن .

وقال آخرون : " الباء " في قوله : " ولا تلقوا بأيديكم " أصل للكنية لأن كل فعل واقع كني عنه فهو مضطر إليها نحو قولك في رجل " كلمته " فأردت الكناية عن فعله ، فإذا أردت ذلك قلت : " فعلت به " قالوا : فلما كان " الباء " هي الأصل ، جاز إدخال " الباء " وإخراجها في كل " فعل " سبيله سبيل كنيته .

وأما " التهلكة " فإنها " التفعلة " من " الهلاك " .
[ ص: 595 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وأحسنوا " أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي ، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من معاصي ، ومن الإنفاق في سبيلي ، وعود القوي منكم على الضعيف ذي الخلة فإني أحب المحسنين في ذلك كما :

3182 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن رجل من الصحابة في قوله : " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " قال : أداء الفرائض .

وقال بعضهم : معناه : أحسنوا الظن بالله .

ذكر من قال ذلك :

3183 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة : " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " : قال : أحسنوا الظن بالله ، يبركم .

وقال آخرون : أحسنوا بالعود على المحتاج .

ذكر من قال ذلك :

3184 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "
وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " عودوا على من ليس في يده شيء .

إنتهى الجزء الثالث

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 11:06 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(253)
الحلقة (267)
صــ 7إلى صــ 14





بسم الله الرحمن الرحيم



القول في تأويل قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

فقال بعضهم : معنى ذلك أتموا الحج بمناسكه وسننه ، وأتموا العمرة بحدودها وسننها .

ذكر من قال ذلك :

3185 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : هو في قراءة عبد الله : "وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" قال : لا تجاوزوا بالعمرة البيت قال إبراهيم : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : كذلك قال ابن عباس .

3186 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه قرأ : " وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" .

3187 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة أنه قرأ : " وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" .

3188 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وأتموا الحج والعمرة لله " ، يقول : من أحرم بحج أو بعمرة فليس له أن يحل حتى يتمها تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل من إحرامه كله ، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، فقد حل . [ ص: 8 ]

3189 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : ما أمروا فيهما .

3190 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : قال إبراهيم عن علقمة بن قيس قال : " الحج" : مناسك الحج ، و" العمرة" : لا يجاوز بها البيت .

3191 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : قال تقضى مناسك الحج عرفة والمزدلفة ومواطنها ، والعمرة للبيت أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحل .

وقال آخرون : تمامهما أن تحرم بهما مفردين من دويرة أهلك .

ذكر من قال ذلك :

3193 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي أنه قال : جاء رجل إلى علي فقال له في هذه الآية : " وأتموا الحج والعمرة لله " أن تحرم من دويرة أهلك .

3194 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، قال : جاء رجل إلى علي رضوان الله عليه ، فقال : أرأيت قول الله عز وجل : " وأتموا الحج والعمرة لله " ؟ قال : أن تحرم من دويرة أهلك .

3195 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محمد بن سوقة ، عن سعيد بن جبير ، قال : من تمام العمرة أن تحرم من دويرة أهلك . [ ص: 9 ]

3196 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ثور بن يزيد ، عن سليمان بن موسى ، عن طاوس ، قال : تمامهما إفرادهما مؤتنفتين من أهلك .

3197 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سفيان ، عن ثور ، عن سليمان بن موسى ، عن طاوس : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : تفردهما مؤقتتين من أهلك ، فذلك تمامهما .

وقال آخرون : تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج ، وتمام الحج أن يؤتى بمناسكه كلها ، حتى لا يلزم عامله دم بسبب قران ولا متعة .

ذكر من قال ذلك :

3198 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : وتمام العمرة ما كان في غير أشهر الحج .

ومن كان في أشهر الحج ، ثم أقام حتى يحج ، فهي متعة . عليه فيها الهدي إن وجد ، وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .

3199 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " قال : ما كان في غير أشهر الحج فهي عمرة تامة ، وما كان في أشهر الحج فهي متعة وعليه الهدي .

3200 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن ابن عون ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة . قال : فقيل له : [ ص: 10 ] العمرة في المحرم؟ قال : كانوا يرونها تامة .

وقال آخرون : إتمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد غيرهما .

ذكر من قال ذلك :

3201 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني رجل ، عن سفيان ، قال هو يعني : تمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة ، وتهل من الميقات . ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة ، حتى إذا كنت قريبا من مكة قلت : لو حججت أو اعتمرت . وذلك يجزئ ، ولكن التمام أن تخرج له لا تخرج لغيره .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أتموا الحج والعمرة لله إذا دخلتم فيهما .

ذكر من قال ذلك :

3202 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ليست العمرة واجبة على أحد من الناس . قال : فقلت له : قول الله تعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " ؟ قال : ليس من الخلق أحد ينبغي له إذا دخل في أمر إلا أن يتمه ، فإذا دخل فيها لم ينبغ له أن يهل يوما أو يومين ثم يرجع ، كما لو صام يوما لم ينبغ له أن يفطر في نصف النهار .

وكان الشعبي يقرأ ذلك رفعا .

3203 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال : حدثني سعيد بن أبي بردة أن الشعبي وأبا بردة تذاكرا العمرة ، قال : فقال الشعبي : تطوع ، " وأتموا الحج والعمرة لله" . وقال أبو بردة : هي واجبة" وأتموا الحج والعمرة لله" .

3204 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن [ ص: 11 ] عون ، عن الشعبي أنه كان يقرأ : " وأتموا الحج والعمرة لله" .

وقد روي عن الشعبي خلاف هذا القول ، وإن كان المشهور عنه من القول هو هذا . وذلك ما : -

3205 - حدثني به المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن الشعبي ، قال : العمرة واجبة .

فقراءة من قال : العمرة واجبة - نصبها ، بمعنى أقيموا فرض الحج والعمرة ، كما : -

3206 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق ، يقول : سمعت مسروقا يقول : أمرتم في كتاب الله بأربع : بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، والعمرة . قال : ثم تلا هذه الآية : ( ولله على الناس حج البيت ) [ سورة آل عمران : 97 ] "وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت" .

3207 - حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا يروي عن الحسن ، عن مسروق ، قال : أمرنا بإقامة أربعة : الصلاة والزكاة ، والعمرة والحج ، فنزلت العمرة من الحج منزلة الزكاة من الصلاة .

3208 - حدثنا ابن بشار ، قال : أنبأنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قال علي بن حسين وسعيد بن جبير ، وسئلا أواجبة العمرة على الناس؟ فكلاهما قال : ما نعلمها إلا واجبة ، كما قال الله : " وأتموا الحج والعمرة لله " .

3209 - حدثنا سوار بن عبد الله ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، قال : سأل رجل سعيد بن جبير عن العمرة فريضة هي أم تطوع؟ قال : فريضة . قال : فإن الشعبي يقول : هي تطوع . قال : كذب [ ص: 12 ] الشعبي ، وقرأ : " وأتموا الحج والعمرة لله "

3210 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة عمن سمع عطاء يقول في قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " ، قال : هما واجبان : الحج ، والعمرة .

قال أبو جعفر : فتأويل هؤلاء في قوله تبارك وتعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " أنهما فرضان واجبان أمر الله تبارك وتعالى بإقامتهما ، كما أمر بإقامة الصلاة ، وأنهما فريضتان ، وأوجب العمرة وجوب الحج . وهم عدد كثير من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من الخالفين ، كرهنا تطويل الكتاب بذكرهم وذكر الروايات عنهم .

وقالوا : معنى قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله" وأقيموا الحج والعمرة .

ذكر بعض من قال ذلك :

3211 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله " يقول : أقيموا الحج والعمرة .

3212 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ثوير ، عن أبيه ، عن علي : " وأقيموا الحج والعمرة للبيت" ثم هي واجبة مثل الحج . [ ص: 13 ]

3213 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، قال : حدثنا ثوير ، عن أبيه ، عن عبد الله : "وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" ثم قال عبد الله : والله لولا التحرج ، وأني لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها شيئا ، لقلت إن العمرة واجبة مثل الحج .

قال أبو جعفر : وكأنهم عنوا بقوله : " أقيموا الحج والعمرة" : ائتوا بهما ، بحدودهما وأحكامهما ، على ما فرض عليكم .

وقال آخرون ممن قرأ قراءة هؤلاء بنصب "العمرة" : العمرة تطوع ورأوا أنه لا دلالة على وجوبها في نصبهم "العمرة" في القراءة ، إذ كان من الأعمال ما قد يلزم العبد عمله وإتمامه بدخوله فيه ، ولم يكن ابتداء الدخول فيه فرضا عليه . وذلك كالحج التطوع ، لا خلاف بين الجميع فيه أنه إذا أحرم به أن عليه المضي فيه وإتمامه ، ولم يكن فرضا عليه ابتداء الدخول فيه . وقالوا : فكذلك العمرة غير فرض واجب الدخول فيها ابتداء ، غير أن على من دخل فيها وأوجبها على نفسه إتمامها بعد الدخول فيها . قالوا : فليس في أمر الله بإتمام الحج والعمرة دلالة على وجوب فرضها . قالوا : وإنما أوجبنا فرض الحج بقوله عز وجل : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) [ سورة آل عمران : 97 ] .

وممن قال ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 14 ]

3214 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت سعيد بن أبي عروبة ، عن أبي معشر عن إبراهيم ، قال : قال عبد الله : الحج فريضة ، والعمرة تطوع .

3215 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي عروبة ، عن أبي معشر ، عن النخعي ، عن ابن مسعود مثله .

3216 - وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن عثمة ، قال : حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، قال : العمرة ليست بواجبة .

3217 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك ، قال : سألت إبراهيم عن العمرة فقال : سنة حسنة .

3218 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3219 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3220 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3221 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عبد الله بن عون ، عن الشعبي ، قال : العمرة تطوع .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 11:10 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(254)
الحلقة (268)
صــ 15إلى صــ 22






قال أبو جعفر : فأما الذين قرءوا ذلك برفع"العمرة" ، فإنهم قالوا : لا وجه لنصبها ، فالعمرة إنما هي زيارة البيت ، ولا يكون مستحقا اسم معتمر إلا وهو له زائر . قالوا : وإذا كان لا يستحق اسم معتمر إلا بزيارته وهو متى بلغه فطاف به وبالصفا والمروة ، فلا عمل يبقى بعده يؤمر بإتمامه بعد ذلك ، كما يؤمر بإتمامه الحاج بعد بلوغه والطواف به وبالصفا والمروة بإتيان عرفة والمزدلفة والوقوف بالمواضع التي أمر بالوقوف بها ، وعمل سائر أعمال الحج الذي هو من تمامه بعد إتيان البيت [ ص: 15 ] لم يكن لقول القائل للمعتمر : " أتم عمرتك" وجه مفهوم . وإذا لم يكن له وجه مفهوم . فالصواب من القراءة في"العمرة" الرفع على أنه من أعمال البر لله ، فتكون مرفوعة بخبرها الذي بعدها ، وهو قوله : " لله" .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ بنصب" العمرة" على العطف بها على" الحج" ، بمعنى الأمر بإتمامهما له .

ولا معنى لاعتلال من اعتل في رفعها بأن" العمرة" زيارة البيت ، فإن المعتمر متى بلغه ، فلا عمل بقي عليه يؤمر بإتمامه . وذلك أنه إذا بلغ البيت فقد انقضت زيارته وبقي عليه تمام العمل الذي أمره الله به في اعتماره ، وزيارته البيت ، وذلك هو الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، وتجنب ما أمر الله بتجنبه إلى إتمامه ذلك ، وذلك عمل - وإن كان مما لزمه بإيجاب الزيارة على نفسه - غير الزيارة . هذا ، مع إجماع الحجة على قراءة "العمرة" بالنصب ، ومخالفة جميع قرأة الأمصار قراءة من قرأ ذلك رفعا ، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على خطأ من قرأ ذلك رفعا .

وأما أولى القولين اللذين ذكرنا بالصواب في تأويل قوله : " والعمرة لله" على قراءة من قرأ ذلك نصبا فقول عبد الله بن مسعود ، ومن قال بقوله من أن معنى ذلك : وأتموا الحج والعمرة لله إلى البيت بعد إيجابكم إياهما لا أن ذلك أمر من الله عز وجل - بابتداء عملهما والدخول فيهما وأداء عملهما بتمامه - بهذه الآية .

وذلك أن الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا : من أن يكون أمرا من الله عز وجل بإقامتهما ابتداء وإيجابا منه على العباد فرضهما ، وأن يكون أمرا منه بإتمامهما بعد [ ص: 16 ] الدخول فيهما ، وبعد إيجاب موجبهما على نفسه ، فإذ كانت الآية محتملة للمعنيين اللذين وصفنا ، فلا حجة فيها لأحد الفريقين على الآخر ، إلا وللآخر عليه فيها مثلها . وإذ كان كذلك ولم يكن بإيجاب فرض العمرة خبر عن الحجة للعذر قاطعا ، وكانت الأمة في وجوبها متنازعة - لم يكن لقول قائل : " هي فرض" بغير برهان دال على صحة قوله - معنى ، إذ كانت الفروض لا تلزم العباد إلا بدلالة على لزومها إياهم واضحة .

فإن ظن ظان أنها واجبة وجوب الحج ، وأن تأويل من تأول قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله" بمعنى : أقيموا حدودهما وفروضهما أولى من تأويلنا ، بما : -

3222 - حدثني به حاتم بن بكير الضبي ، قال : حدثنا أشهل بن حاتم الأرطبائي ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد بن جحادة ، عن رجل ، عن زميل له ، عن أبيه - وكان أبوه يكنى أبا المنتفق - قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ، فدنوت منه ، حتى اختلفت عنق راحلتي وعنق راحلته ، فقلت : يا رسول الله أنبئني بعمل ينجيني من عذاب الله ويدخلني جنته ! قال : " اعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وأقم الصلاة المكتوبة ، وأد الزكاة المفروضة ، وحج واعتمر قال أشهل : وأظنه قال : "وصم رمضان ، وانظر ماذا تحب من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم ، وما تكره من الناس أن يأتوه إليك فذرهم منه" .

وما : - [ ص: 17 ]

3223 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ومحمد بن أبي عدي ، عن شعبة ، عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبي رزين العقيلي رجل من بني عامر قال : قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن ، وقد أدركه [ ص: 18 ] الإسلام ، أفأحج عنه؟ قال : "حج عن أبيك واعتمر" .

وما : -

3224 - حدثني به يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم لكم .

وما أشبه ذلك من الأخبار ، فإن هذه أخبار لا يثبت بمثلها في الدين حجة لوهي أسانيدها ، وأنها - مع وهي أسانيدها - لها في الأخبار أشكال تنبئ عن أن العمرة تطوع لا فرض واجب . وهو ما : - [ ص: 19 ]

3225 - حدثنا به محمد بن حميد ، ومحمد بن عيسى الدامغاني ، قالا حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن العمرة أواجبة هي؟ فقال : "لا وأن تعتمروا خير لكم" .

3226 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير و حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا شريك ، عن معاوية بن إسحاق ، عن أبي صالح الحنفي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحج جهاد ، والعمرة تطوع . [ ص: 20 ]

قال أبو جعفر : وقد زعم بعض أهل الغباء أنه قد صح عنده أن العمرة واجبة ، بأنه لم يجد تطوعا ، إلا وله إمام من المكتوبة . فلما صح أن العمرة تطوع وجب أن يكون لها فرض ، لأن الفرض إمام التطوع في جميع الأعمال .

فيقال لقائل ذلك : فقد جعل الاعتكاف تطوعا ، فما الفرض منه الذي هو إمام متطوعه؟

ثم يسأل عن الاعتكاف أواجب هو أم غير واجب؟

فإن قال : " واجب" ، خرج من قول جميع الأمة .

وإن قال : تطوع .

قيل : فما الذي أوجب أن يكون الاعتكاف تطوعا والعمرة فرضا ، من الوجه الذي يجب التسليم له؟

فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .

وبما استشهدنا من الأدلة ، فإن أولى القراءتين بالصواب في" العمرة" قراءة من قرأها نصبا - وأن أولى التأويلين في قوله : " وأتموا الحج والعمرة لله" ، تأويل ابن عباس الذي ذكرنا عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه من أنه أمر من الله بإتمام أعمالهما بعد الدخول فيهما وإيجابهما على ما أمر به من حدودهما وسننهما - وأن أولى القولين في" العمرة" بالصواب قول من قال : " هي تطوع لا فرض" - وأن معنى الآية : وأتموا أيها المؤمنون الحج والعمرة لله بعد دخولكم فيهما وإيجابكموهما على أنفسكم ، على ما أمركم الله من حدودهما .

وإنما أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية على نبيه عليه الصلاة والسلام في عمرة الحديبية التي صد فيها عن البيت ، معرفه والمؤمنين فيها ما عليهم في إحرامهم إن خلي بينهم وبين البيت ومبينا لهم فيها ما المخرج لهم من إحرامهم إن أحرموا ، فصدوا عن البيت . [ ص: 21 ]

ولذكر اللازم لهم من الأعمال في عمرتهم التي اعتمروها عام الحديبية ، وما يلزمهم فيها بعد ذلك في عمرتهم وحجهم ، افتتح بقوله : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " .

وقد دللنا فيما مضى على معنى" الحج والعمرة" بشواهد ، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في " الإحصار" الذي جعل الله على من ابتلي به في حجه وعمرته ما استيسر من الهدي .

فقال بعضهم : هو كل مانع أو حابس منع المحرم وحبسه عن العمل الذي فرضه الله عليه في إحرامه ووصوله إلى البيت الحرام .

ذكر من قال ذلك :

3227 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنه كان يقول : "الحصر" الحبس كله . يقول : أيما رجل اعترض له في حجته أو عمرته فإنه يبعث بهديه من حيث يحبس . قال : وقال مجاهد في قوله : " فإن أحصرتم " فإن أحصرتم : يمرض إنسان أو يكسر ، أو يحبسه أمر فغلبه كائنا ما كان ، فليرسل بما استيسر من الهدي ، ولا يحلق رأسه ، ولا يحل ، حتى يوم النحر . [ ص: 22 ]

3228 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3229 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : الإحصار كل شيء يحبسه .

3230 - وحدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن سعيد ، عن قتادة أنه قال : في المحصر : هو الخوف والمرض والحابس . إذا أصابه ذلك بعث بهديه ، فإذا بلغ الهدي محله حل .

3231 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " قال : هذا رجل أصابه خوف أو مرض أو حابس حبسه عن البيت يبعث بهديه ، فإذا بلغ محله صار حلالا .

3232 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : كل شيء حبس المحرم فهو إحصار .

3233 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إبراهيم قال أبو جعفر : أحسبه عن شريك ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن إبراهيم : " فإن أحصرتم " قال : مرض أو كسر أو خوف .

3234 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " ، يقول : من أحرم بحج أو بعمرة ، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه ، فعليه قضاؤها .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 11:13 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(255)
الحلقة (269)
صــ 23إلى صــ 30




قال أبو جعفر : وعلة من قال بهذه المقالة : أن " الإحصار" معناه في كلام العرب : منع العلة من المرض وأشباهه ، غير القهر والغلبة من قاهر أو غالب ، إلا غلبة علة من مرض أو لدغ أو جراحة ، أو ذهاب نفقة ، أو كسر راحلة . فأما [ ص: 23 ] منع العدو ، وحبس حابس في سجن ، وغلبة غالب حائل بين المحرم والوصول إلى البيت من سلطان ، أو إنسان قاهر مانع ، فإن ذلك إنما تسميه العرب " حصرا" لا" إحصارا" .

قالوا : ومما يدل على ذلك قول الله جل ثناؤه : ( وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) [ الإسراء : 8 ] يعني به : حاصرا ، أي حابسا .

قالوا : ولو كان حبس القاهر الغالب من غير العلل التي وصفنا ، يسمى" إحصارا" لوجب أن يقال : " قد أحصر العدو" .

قالوا : وفي اجتماع لغات العرب على" حوصر العدو ، والعدو محاصر" ، دون" أحصر العدو ، وهم محصرون" ، و" أحصر الرجل" بالعلة من المرض والخوف - أكبر الدلالة على أن الله جل ثناؤه إنما عنى بقوله : " فإن أحصرتم " بمرض أو خوف أو علة مانعة .

قالوا : وإنما جعلنا حبس العدو ومنعه المحرم من الوصول إلى البيت بمعنى" حصر المرض" قياسا على ما جعل الله جل ثناؤه من ذلك للمريض الذي منعه المرض من الوصول إلى البيت ، لا بدلالة ظاهر قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" إذ كان حبس العدو والسلطان والقاهر علة مانعة ، نظيرة العلة المانعة من المرض والكسر .

وقال آخرون : معنى قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " فإن حبسكم عدو عن الوصول إلى البيت ، أو حابس قاهر من بني آدم . قالوا : فأما العلل العارضة في الأبدان كالمرض والجراح وما أشبهها ، فإن ذلك غير داخل في قوله : " فإن أحصرتم " .

ذكر من قال ذلك :

3235 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء ، عن ابن عباس أنه قال : " الحصر" : [ ص: 24 ] حصر العدو ، فيبعث الرجل بهديته ، فإن كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو ، فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة ، فإنه يبعث بها ويحرم قال محمد بن عمرو ، قال أبو عاصم : لا ندري قال : يحرم ، أو يحل من يوم يواعد فيه صاحب الهدي إذا اشترى . فإذا أمن فعليه أن يحج أو يعتمر . فإذا أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي ، فإنه يحل حيث يحبس ، فإن كان معه هدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بعث به ، فليس عليه أن يحج قابلا ولا يعتمر إلا أن يشاء .

3236 - حدثت عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لا حصر إلا من حبس عدو .

3237 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء ، عن ابن عباس مثل حديث محمد بن عمرو ، عن أبي عاصم إلا أنه قال : فإنه يبعث بها ويحرم من يوم واعد فيه صاحب الهدية إذا اشترى . ثم ذكر سائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو ، عن أبي عاصم .

وقال مالك بن أنس : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل وأصحابه بالحديبية ، فنحروا الهدي ، وحلقوا رؤوسهم ، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت ، وقبل أن يصل إليه الهدي . ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ، ولا ممن كان معه ، أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء . [ ص: 25 ]

3238 - حدثني بذلك يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب عنه قال : وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت؟ فقال : يحل من كل شيء ، وينحر هديه ، ويحلق رأسه حيث يحبس ، وليس عليه قضاء ، إلا أن يكون لم يحج قط ، فعليه أن يحج حجة الإسلام .

قال : والأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو بمرض أو ما أشبهه ، أن يتداوى بما لا بد منه ، ويفتدي ، ثم يجعلها عمرة ، ويحج عاما قابلا ويهدي .

قال أبو جعفر : وعلة من قال هذه المقالة - أعني : من قال قول مالك - أن هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت ، فأمر الله نبيه ومن معه بنحر هداياهم والإحلال .

قالوا : فإنما أنزل الله هذه الآية في حصر العدو ، فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الذي نزلت فيه .

قالوا : وأما المريض ، فإنه إذا لم يطق لمرضه السير حتى فاتته عرفة ، فإنما هو رجل فاته الحج ، عليه الخروج من إحرامه بما يخرج به من فاته الحج - وليس من معنى" المحصر" الذي نزلت هذه الآية في شأنه .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في قوله : " فإن أحصرتم " ، تأويل من تأوله بمعنى : فإن أحصركم خوف عدو أو مرض أو علة عن الوصول إلى البيت أي : صيركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم ، فتحبسونها عن النفوذ لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحج والعمرة . فلذا قيل : " أحصرتم " ، لما أسقط ذكر الخوف والمرض . يقال منه : " أحصرني خوفي من فلان عن لقائك ، [ ص: 26 ] ومرضي عن فلان" ، يراد به : جعلني أحبس نفسي عن ذلك . فأما إذا كان الحابس الرجل والإنسان ، قيل : " حصرني فلان عن لقائك" بمعنى حبسني عنه .

فلو كان معنى الآية ما ظنه المتأول من قوله : " فإن أحصرتم " فإن حبسكم حابس من العدو عن الوصول إلى البيت - لوجب أن يكون : فإن حصرتم .

ومما يبين صحة ما قلناه من أن تأويل الآية مراد بها إحصار غير العدو وأنه إنما يراد بها الخوف من العدو ، قوله : " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " .

و" الأمن" إنما يكون بزوال الخوف . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الإحصار الذي عنى الله في هذه الآية ، هو الخوف الذي يكون بزواله الأمن .

وإذ كان ذلك كذلك ، لم يكن حبس الحابس الذي ليس مع حبسه خوف على النفس من حبسه داخلا في حكم الآية بظاهرها المتلو ، وإن كان قد يلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس من أجل أن حبس من لا خوف على النفس من حبسه ، كالسلطان غير المخوفة عقوبته ، والوالد ، وزوج المرأة ، إن كان منهم أو من بعضهم حبس ، ومنع عن الشخوص لعمل الحج ، أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الإحرام ، غير داخل في ظاهر قوله : " فإن أحصرتم" ، لما وصفنا من أن معناه : فإن أحصركم خوف عدو - بدلالة قوله : " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " وقد بين الخبر الذي ذكرنا آنفا عن ابن عباس أنه قال : الحصر : حصر العدو .

وإذ كان ذلك أولى التأويلين بالآية لما وصفنا ، وكان ذلك منعا من الوصول إلى البيت ، فكل مانع عرض للمحرم فصده عن الوصول إلى البيت ، فهو له نظير في الحكم .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل العلم في تأويل قوله : " فما استيسر من الهدي " . [ ص: 27 ]

فقال بعضهم : هو شاة .

ذكر من قال ذلك :

3239 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد ، قال : أخبرنا إسحاق الأزرق ، عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : " ما استيسر من الهدي" شاة .

3240 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن وحدثنا عبد الحميد ، قال : أخبرنا إسحاق قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : " فما استيسر من الهدي " ، شاة .

3241 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد عن ابن عباس ، مثله .

3242 - حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن مالك ، قال : تمتعت فسألت ابن عباس فقال : " ما استيسر من الهدي" قال : قلت : شاة؟ قال : شاة .

3243 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن مالك ، قال : سألت ابن عباس عن" ما استيسر من الهدي" ، قال : من الأزواج الثمانية : من الإبل والبقر والمعز والضأن .

3244 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا هشيم ، قال الزهري أخبرنا - وسئل عن قول الله جل ثناؤه : " فما استيسر من الهدي " - قال : كان ابن عباس يقول : من الغنم .

3245 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " ما استيسر من الهدي" ، من الأزواج الثمانية . [ ص: 28 ]

3246 - حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا خالد ، قال : قيل للأشعث : ما قول الحسن : " فما استيسر من الهدي" ؟ قال : شاة .

3247 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة . ( فما استيسر من الهدي ) قال : أعلاه بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة .

3248 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله إلا أنه كان يقال : أعلاه بدنة ، وذكر سائر الحديث مثله .

3249 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن زرارة ، عن ابن عباس ، قال : " فما استيسر من الهدي " ، شاة .

3250 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي جمرة ، عن ابن عباس ، مثله .

3251 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن ابن جريج ، عن عطاء : " فما استيسر من الهدي" شاة .

3252 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا محمد بن نفيع ، عن عطاء ، مثله .

3253 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : المحصر يبعث بهدي ، شاة فما فوقها .

3254 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : إذا أهل الرجل بالحج فأحصر ، بعث بما استيسر من الهدي : شاة . قال : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : كذلك قال ابن عباس .

3255 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية [ ص: 29 ] بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ما استيسر من الهدي" ، شاة فما فوقها .

3256 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني عن شعبة قال : حدثنا أبو جمرة ، عن ابن عباس ، قال : " ما استيسر من الهدي" ، جزور أو بقرة أو شاة ، أو شرك في دم .

3257 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إن ابن عباس كان يرى أن الشاة" ما استيسر من الهدي" .

3258 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : " ما استيسر من الهدي" ، شاة .

3259 - حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : " ما استيسر من الهدي" ، شاة .

3260 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سهل بن يوسف قال : حدثنا حميد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : قال ابن عباس : الهدي : شاة ، فقيل له : أيكون دون بقرة؟ قال : فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله ما تدرون به أن الهدي شاة . ما في الظبي؟ قالوا : شاة ، قال : ( هديا بالغ الكعبة ) [ المائدة : 95 ] .

3261 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، قال : شاة .

3262 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن دلهم بن صالح ، قال : سألت أبا جعفر ، عن قوله : " ما استيسر من الهدي" ، فقال : شاة .

3263 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالك [ ص: 30 ] بن أنس حدثه عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن علي بن أبي طالب كان يقول : " ما استيسر من الهدي" ، شاة .

3264 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا مطرف بن عبد الله ، قال : حدثنا مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه ، مثله .

3265 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول : " ما استيسر من الهدي" ، شاة .

3266 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال مالك : وذلك أحب إلي .

3267 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : " فما استيسر من الهدي " ، قال : عليه - يعني المحصر - هدي . إن كان موسرا فمن الإبل ، وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم .

3268 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس ، قال : " ما استيسر من الهدي" ، شاة ، وما عظمت شعائر الله ، فهو أفضل .

3269 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا أشهب ، قال : أخبرنا ابن لهيعة : أن عطاء بن أبي رباح حدثه : أن" ما استيسر من الهدي" ، شاة .

وقال آخرون : " ما استيسر من الهدي" : من الإبل والبقر ، سن دون سن .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 25-08-2022 11:16 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(256)
الحلقة (270)
صــ 31إلى صــ 38





ذكر من قال ذلك :

3270 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، قال : سمعت [ ص: 31 ] عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " ما استيسر من الهدي" : البقرة دون البقرة ، والبعير دون البعير .

3271 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي مجلز ، قال : سأل رجل ابن عمر : " ما استيسر من الهدي" ؟ قال : أترضى شاة؟ كأنه لا يرضاه .

3272 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب ، عن القاسم بن محمد ونافع ، عن ابن عمر قال : " ما استيسر من الهدي" ، ناقة أو بقرة ، فقيل له : " ما استيسر من الهدي"؟ قال : الناقة دون الناقة ، والبقرة دون البقرة .

3273 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عمر أنه قال : " فما استيسر من الهدي " ، قال : جزور ، أو بقرة .

3274 - حدثنا أبو كريب ويعقوب ، قالا حدثنا هشيم ، قال الزهري أخبرنا - وسئل عن قول الله : " فما استيسر من الهدي " - قال : قال ابن عمر : من الإبل والبقر .

3275 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر في قوله جل ثناؤه : " فما استيسر من الهدي " قال : الناقة دون الناقة ، والبقرة دون البقرة .

3276 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن القاسم ، عن ابن عمر في قوله : " فما استيسر من الهدي " ، قال : الإبل والبقر .

3277 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : كان عبد الله بن عمر وعائشة يقولان : " ما استيسر من الهدي" : من الإبل والبقر . [ ص: 32 ]

3278 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا الوليد بن أبي هشام ، عن زياد بن جبير ، عن أخيه عبد الله أو عبيد الله بن جبير ، قال : سألت ابن عمر عن المتعة في الهدي؟ فقال : ناقة ، قلت : ما تقول في الشاة؟ قال : أكلكم شاة؟ أكلكم شاة؟

3279 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد وطاوس قالا" ما استيسر من الهدي" ، بقرة .

3280 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة : " فما استيسر من الهدي " ، قال في قول ابن عمر : بقرة فما فوقها .

3281 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني أبو معشر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " ما استيسر من الهدي" ، قال : بدنة أو بقرة ، فأما شاة فإنما هي نسك .

3282 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : البدنة دون البدنة ، والبقرة دون البقرة ، وإنما الشاة نسك ، قال : تكون البقرة بأربعين وبخمسين .

3283 - حدثنا الربيع ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني أسامة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، كان يقول : " ما استيسر من الهدي" ، بقرة .

3284 - وحدثنا الربيع ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني أسامة بن زيد أن سعيدا حدثه ، قال : رأيت ابن عمر وأهل اليمن يأتونه فيسألونه عن" ما استيسر من الهدي" [ ص: 33 ] ويقولون : الشاة ! الشاة ! قال : فيرد عليهم : " الشاة ! الشاة ! يحضهم - إلا أن الجزور دون الجزور ، والبقرة دون البقرة ، ولكن ما" استيسر من الهدي" بقرة .

قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب قول من قال : " ما استيسر من الهدي" شاة . لأن الله جل ثناؤه إنما أوجب ما استيسر من الهدي ، وذلك على كل ما تيسر للمهدي أن يهديه كائنا ما كان ذلك الذي يهدي . إلا أن يكون الله جل ثناؤه خص من ذلك شيئا ، فيكون ما خص من ذلك خارجا من جملة ما احتمله ظاهر التنزيل ، ويكون سائر الأشياء غيره مجزئا إذا أهداه المهدي بعد أن يستحق اسم" هدي" .

فإن قال قائل : فإن الذين أبوا أن تكون الشاة مما استيسر من الهدي ، بأنه لا يستحق اسم" هدي" كما أنه لو أهدى دجاجة أو بيضة لم يكن مهديا هديا مجزئا .

قيل : لو كان في المهدي الدجاجة والبيضة من الاختلاف ، نحو الذي في المهدي الشاة ، لكان سبيلهما واحدة : في أن كل واحد منهما قد أدى ما عليه بظاهر التنزيل إذا لم يكن أحد الهديين مخرجه من أن يكون مؤديا - بإهدائه ما أهدى من ذلك - مما أوجبه الله عليه في إحصاره . ولكن لما أخرج المهدي ما دون الجذع من الضأن ، والثني من المعز والإبل والبقر فصاعدا من الأسنان - من أن يكون مهديا ما أوجبه الله عليه في إحصاره أو متعته - بالحجة القاطعة العذر ، نقلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم وراثة ، كان ذلك خارجا من أن يكون مرادا بقوله : " فما استيسر من الهدي" وإن كان مما استيسر لنا من الهدايا . [ ص: 34 ]

ولما اختلف في الجذع من الضأن والثني من المعز ، كان مجزئا ذلك عن مهديه لظاهر التنزيل ، لأنه مما استيسر من الهدي .

فإن قال قائل : فما محل" ما" التي في قوله جل وعز : " فما استيسر من الهدي"؟ قيل : رفع .

فإن قال : بماذا؟

قيل : بمتروك . وذلك" فعليه" لأن تأويل الكلام : وأتموا الحج والعمرة أيها المؤمنون لله ، فإن حبسكم عن إتمام ذلك حابس من مرض أو كسر أو خوف عدو فعليكم - لإحلالكم ، إن أردتم الإحلال من إحرامكم - ما استيسر من الهدي .

وإنما اخترنا الرفع في ذلك ؛ لأن أكثر القرآن جاء برفع نظائره ، وذلك كقوله : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام ) وكقوله : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) وما أشبه ذلك مما يطول بإحصائه الكتاب ، تركنا ذكره استغناء بما ذكرنا عنه .

ولو قيل موضع" ما" نصب ، بمعنى : فإن أحصرتم فأهدوا ما استيسر من الهدي ، لكان غير مخطئ قائله .

وأما" الهدي" ، فإنه جمع ، واحدها"هدية" ، على تقدير" جدية السرج" والجمع" الجدي" مخفف .

3285 - حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، عن يونس ، قال : كان أبو عمرو بن العلاء يقول : لا أعلم في الكلام حرفا يشبهه . [ ص: 35 ]

وبتخفيف" الياء" وتسكين" الدال" من" الهدي" قرأه القرأة في كل مصر ، إلا ما ذكر عن الأعرج ، فإن : -

3286 - أبا هشام الرفاعي ، حدثنا ، قال : حدثنا يعقوب ، عن بشار ، عن أسد ، عن الأعرج أنه قرأ : ( هديا بالغ الكعبة ) [ سورة المائدة : 95 ] بكسر" الدال" مثقلا وقرأ : "حتى يبلغ الهدي محله" ، بكسر" الدال" مثقلة . واختلف في ذلك عن عاصم ، فروي عنه موافقة الأعرج ومخالفته إلى قراءة سائر القرأة .

و" الهدي" عندي إنما سمي" هديا" لأنه تقرب به إلى الله جل وعز مهديه ، بمنزلة الهدية يهديها الرجل إلى غيره متقربا بها إليه ، يقال منه : " أهديت الهدي إلى بيت الله ، فأنا أهديه إهداء" . كما يقال في الهدية يهديها الرجل إلى غيره : " أهديت إلى فلان هدية وأنا أهديها . " ، ويقال للبدنة" هدية" ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى ، يذكر رجلا أسر ، يشبهه في حرمته بالبدنة التي تهدى :


فلم أر معشرا أسروا هديا ولم أر جار بيت يستباء

[ ص: 36 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإن أحصرتم ، فأردتم الإحلال من إحرامكم ، فعليكم ما استيسر من الهدي . ولا تحلوا من إحرامكم إذا أحصرتم حتى يبلغ الهدي الذي أوجبته عليكم لإحلالكم من إحرامكم الذي أحصرتم فيه ، قبل تمامه وانقضاء مشاعره ومناسكه محله . وذلك أن حلق الرأس إحلال من الإحرام الذي كان المحرم قد أوجبه على نفسه . فنهاه الله عن الإحلال من إحرامه بحلاقه ، حتى يبلغ الهدي - الذي أباح الله جل ثناؤه له الإحلال بإهدائه - محله .

ثم اختلف أهل العلم في" محل" الهدي الذي عناه الله جل اسمه ، الذي متى بلغه كان للمحصر الإحلال من إحرامه الذي أحصر فيه .

فقال بعضهم : محل هدي المحصر الذي يحل به ويجوز له ببلوغه إياه حلق رأسه إذا كان إحصاره من خوف عدو منعه ذبحه ، إن كان مما يذبح ، أو نحره إن كان مما ينحر ، في الحل ذبح أو نحر أو في الحرم [ حيث حبس ] [ ص: 37 ]

وإن كان من غير خوف عدو فلا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة . وهذا قول من قال : الإحصار إحصار العدو دون غيره .

ذكر من قال ذلك :

3287 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية ، فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم ، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت ، وقبل أن يصل إليه الهدي . ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه ، أن يقضوا شيئا ، ولا أن يعودوا لشيء .

3288 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن نافع : أن عبد الله بن عمر خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة ، فقال : إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأهل بعمرة من أجل أن النبي كان أهل بعمرة عام الحديبية . ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال : ما أمرهما إلا واحد . قال : فالتفت إلى أصحابه فقال : ما أمرهما إلا واحد ، أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة . قال : ثم طاف طوافا واحدا ، ورأى أن ذلك مجز عنه وأهدى .

قال يونس : قال ابن وهب : قال مالك : وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو كما أحصر نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت .

قال : وسئل مالك عمن أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت ، فقال : يحل من كل شيء ، وينحر هديه ، ويحلق رأسه حيث حبس ، وليس عليه قضاء ، إلا أن يكون لم يحج قط ، فعليه أن يحج حجة الإسلام . [ ص: 38 ]

3289 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا مالك ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار : أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي ، وصرع في الحج ببعض الطريق ، أن يتداوى بما لا بد منه ، ويفتدي ، ثم يجعلها عمرة ، ويحج عاما قابلا ويهدي .

قال يونس : قال ابن وهب : قال مالك : وذلك الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو .

قال : وقال مالك : وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض ، أو خطأ في العدد ، أو خفي عليه الهلال ، فهو محصر ، عليه ما على المحصر - يعني من المقام على إحرامه - حتى يطوف أو يسعى ، ثم الحج من قابل والهدي .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:26 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(257)
الحلقة (271)
صــ 39إلى صــ 46







3290 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : أخبرني أيوب بن موسى أن داود بن أبي عاصم أخبره أنه حج مرة فاشتكى ، فرجع إلى الطائف ولم يطف بين الصفا والمروة . فكتب إلى عطاء بن أبي رباح يسأله عن ذلك ، وأن عطاء كتب إليه : أن أهرق دما

وعلة من قال بقول مالك : في أن محل الهدي في الإحصار بالعدو نحره حيث حبس صاحبه ، ما : -

3291 - حدثنا به أبو كريب ومحمد بن عمارة الأسدي ، قالا حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا موسى بن عبيدة ، قال : أخبرني أبو مرة مولى أم هانئ ، عن ابن عمر ، قال : لما كان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية ، [ ص: 39 ] عرض له المشركون فردوا وجهه ، قال : فنحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي حيث حبسوه - وهي الحديبية - وحلق ، وتأسى به أناس فحلقوا حين رأوه حلق ، وتربص آخرون فقالوا : لعلنا نطوف بالبيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله المحلقين! قيل : والمقصرين ! قال : رحم الله المحلقين ! قيل : والمقصرين ! قال : "والمقصرين" .

3292 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرنا معمر عن الزهري ، عن عروة ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، قالا لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم القضية بينه وبين مشركي قريش - وذلك بالحديبية ، عام الحديبية - قال لأصحابه : "قوموا فانحروا واحلقوا . قال : فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قال ذلك ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد ، قام فدخل على أم سلمة ، فذكر ذلك لها ، فقالت أم سلمة : يا نبي الله اخرج ، ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حلاقك فتحلق . فقام فخرج ، فلم يكلم منهم أحدا حتى فعل ذلك . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما . [ ص: 40 ]

قالوا : فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه حين صده المشركون عن البيت بالحديبية ، وحل هو وأصحابه . قالوا : والحديبية ليست من الحرم . قالوا : ففي مثل ذلك دليل واضح على أن معنى قوله : " حتى يبلغ الهدي محله " ، حتى يبلغ بالذبح أو النحر محل أكله ، والانتفاع به في محل ذبحه ونحره .

3293 - كما روي عن نبي الله عليه الصلاة والسلام في نظيره إذ أتي بلحم - أتته بريرة - من صدقة كان تصدق به عليها ، فقال : قربوه فقد بلغ محله .

يعني : فقد بلغ محل طيبه وحلاله له بالهدية إليه بعد أن كان صدقة على بريرة . [ ص: 41 ]

وقال بعضهم : محل هدي المحصر الحرم لا محل له غيره .

ذكر من قال ذلك :

3294 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد : أن عمرو بن سعيد النخعي أهل بعمرة ، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها ، فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس ، فإذا هم بابن مسعود ، فذكروا ذلك له ، فقال : ليبعث بهدي ، واجعلوا بينكم يوم أمارة ، فإذا ذبح الهدي فليحل ، وعليه قضاء عمرته .

3295 - حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا إسحاق ، عن شريك ، عن سليمان بن مهران ، عن عمارة بن عمير وإبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال : خرجنا مهلين بعمرة فينا الأسود بن يزيد ، حتى نزلنا ذات الشقوق ، فلدغ صاحب لنا ، فشق ذلك عليه مشقة شديدة ، فلم ندر كيف نصنع به ، فخرج بعضنا إلى الطريق ، فإذا نحن بركب فيه عبد الله بن مسعود ، فقلنا له : يا أبا عبد الرحمن رجل منا لدغ ، فكيف نصنع به؟ قال : يبعث معكم بثمن هدي ، فتجعلون بينكم وبينه يوما أمارة ، فإذا نحر الهدي فليحل ، وعليه عمرة في قابل .

3296 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن [ ص: 42 ] الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : بينا نحن بذات الشقوق فلبى رجل منا بعمرة فلدغ ، فمر علينا عبد الله فسألناه ، فقال : اجعلوا بينكم وبينه يوم أمار ، فيبعث بثمن الهدي ، فإذا نحر حل وعليه العمرة .

3297 - حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، قال : سمعت إبراهيم النخعي يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : أهل رجل منا بعمرة ، فلدغ ، فطلع ركب فيهم عبد الله بن مسعود ، فسألوه ، فقال : يبعث بهدي ، واجعلوا بينكم وبينه يوما أمارا ، فإذا كان ذلك اليوم فليحل وقال عمارة بن عمير : فكان حسبك به عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله وعليه العمرة من قابل .

3298 - حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : خرجنا عمارا ، فلما كنا بذات الشقوق لدغ صاحب لنا ، فاعترضنا للطريق نسأل عما نصنع به ، فإذا عبد الله بن مسعود في ركب ، فقلنا له : لدغ صاحب لنا ؟ فقال : اجعلوا بينكم وبين صاحبكم يوما ، وليرسل بالهدي ، فإذا نحر الهدي فليحلل ، ثم عليه العمرة .

3299 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن الحجاج ، قال : حدثني عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، عن ابن مسعود : أن عمرو بن سعيد النخعي [ ص: 43 ] أهل بعمرة ، فلما بلغ ذات الشقوق لدغ بها ، فخرج أصحابه إلى الطريق يتشوفون الناس ، فإذا هم بابن مسعود ، فذكروا ذلك له فقال : ليبعث بهدي ، واجعلوا بينكم وبينه يوم أمار ، فإذا ذبح الهدي فليحل ، وعليه قضاء عمرته .

3300 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" ، يقول : من أحرم بحج أو عمرة ، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه ، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي ، شاة فما فوقها يذبح عنه . فإن كانت حجة الإسلام ، فعليه قضاؤها ، وإن كانت حجة بعد حجة الفريضة أو عمرة فلا قضاء عليه .

ثم قال : " ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله " فإن كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر ، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هديه إذا أتى البيت .

3301 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" ، فهو الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كان يحبس عن البيت ، فيهدي إلى البيت ، ويمكث على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله . فإذا بلغ الهدي محله حلق رأسه ، فأتم الله له حجه . والإحصار أيضا أن يحال بينه وبين الحج ، فعليه هدي : إن كان موسرا من الإبل ، وإلا فمن البقر ، وإلا فمن الغنم ، ويجعل حجه عمرة ، ويبعث بهديه إلى البيت . فإذا نحر الهدي فقد حل ، وعليه الحج من قابل .

3302 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، حدثنا بشر بن السري ، [ ص: 44 ] عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، قال : سئل علي رضي الله عنه عن قول الله عز وجل : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " فإذا أحصر الحاج بعث بالهدي ، فإذا نحر عنه حل ، ولا يحل حتى ينحر هديه .

3303 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، قال : سمعت عطاء يقول : من حبس في عمرته ، فبعث بهدية فاعترض لها فإنه يتصدق بشيء أو يصوم ، ومن اعترض لهديته ، وهو حاج ، فإن محل الهدي والإحرام يوم النحر ، وليس عليه شيء .

3304 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، مثله .

3305 - حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله " ، الرجل يحرم ثم يخرج فيحصر ، إما بلدغ أو مرض فلا يطيق السير ، وإما تنكسر راحلته ، فإنه يقيم ، ثم يبعث بهدي ، شاة فما فوقها . فإن هو صح فسار فأدرك فليس عليه هدي ، وإن فاته الحج فإنها تكون عمرة ، وعليه من قابل حجة . وإن هو رجع لم يزل محرما حتى ينحر عنه يوم النحر .

فإن هو بلغه أن صاحبه لم ينحر عنه عاد محرما وبعث بهدي آخر ، فواعد صاحبه يوم ينحر عنه بمكة ، فتنحر عنه بمكة ، ويحل ، وعليه من قابل حجة وعمرة - ومن الناس من يقول : عمرتان . وإن كان أحرم بعمرة ثم رجع وبعث بهديه ، فعليه من قابل عمرتان . وأناس يقولون : لا بل ثلاث عمر ، نحوا مما صنعوا في الحج حين صنعوا ، عليه حجة وعمرتان .

3306 - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد ، قال : أخبرنا إسحاق الأزرق ، عن أبي بشر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء ، عن ابن عباس ، قال : إذا أحصر الرجل بعث بهديه إذا كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدو . [ ص: 45 ]

فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكة ، فإنه يبعث بها مكانه ، ويواعد صاحب الهدي . فإذا أمن فعليه أن يحج ويعتمر . فإن أصابه مرض يحبسه وليس معه هدي ، فإنه يحل حيث يحبس . وإن كان معه هدي ، فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله إذا بعث به ، وليس عليه أن يحج قابلا ولا يعتمر ، إلا أن يشاء .

وقال أبو جعفر : وعلة من قال هذه المقالة أن محل الهدايا والبدن الحرم أن الله عز وجل ذكر البدن والهدايا فقال : ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ) [ الحج : 32 - 33 ] فجعل محلها الحرم ، ولا محل للهدي دونه .

قالوا : وأما ما ادعاه المحتجون بنحر النبي صلى الله عليه وسلم هداياه بالحديبية حين صد عن البيت ، فليس ذلك بالقول المجتمع عليه ، وذلك أن :

3307 - الفضل بن سهل حدثني ، قال : حدثنا مخول بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن مجزأة بن زاهر الأسلمي ، عن أبيه ، عن ناجية بن جندب الأسلمي ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين صد عن الهدي ، فقلت : يا رسول الله ابعث معي بالهدي فلننحره بالحرم ! قال : كيف تصنع به؟ قلت : آخذ به أودية فلا يقدرون عليه! فانطلقت به حتى نحرته بالحرم . [ ص: 46 ]

قالوا : فقد بين هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هداياه في الحرم ، فلا حجة لمحتج بنحره بالحديبية في غير الحرم .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:28 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(258)
الحلقة (272)
صــ 47إلى صــ 54






وقال آخرون : معنى هذه الآية وتأويلها على غير هذين الوجهين اللذين وصفنا من قول الفريقين اللذين ذكرنا اختلافهم على ما ذكرنا . وقالوا : إنما معنى ذلك : فإن أحصرتم أيها المؤمنون عن حجكم - فمنعتم من المضي لإحرامه لعائق مرض أو خوف عدو - وأداء اللازم لكم وحجكم ، حتى فاتكم الوقوف بعرفة ، فإن عليكم ما استيسر من الهدي ، لما فاتكم من حجكم ، مع قضاء الحج الذي فاتكم . فقال أهل هذه المقالة : ليس للمحصر في الحج - بالمرض والعلل غيره - الإحلال إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة إن فاته الحج . قالوا : فأما إن أطاق شهود المشاهد ، فإنه غير محصر . قالوا : وأما العمرة فلا إحصار فيها ، لأن وقتها موجود أبدا . قالوا : والمعتمر لا يحل إلا بعمل آخر ما يلزمه في إحرامه . [ ص: 47 ]

قالوا : ولم يدخل المعتمر في هذه الآية ، وإنما عني بها الحاج .

ثم اختلف أهل هذه المقالة . فقال بعضهم : لا إحصار اليوم بعدو ، كما لا إحصار بمرض يجوز لمن فاته أن يحل من إحرامه قبل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة .

ذكر من قال ذلك :

3308 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن طاوس ، قال : قال ابن عباس : لا إحصار اليوم .

3309 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني عبد الرحمن بن القاسم أن عائشة قالت : لا أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت .

3310 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لا حصر إلا من حبسه عدو ، فيحل بعمرة ، وليس عليه حج ولا عمرة .

وقال آخرون منهم : حصار العدو ثابت اليوم وبعد اليوم ، على نحو ما ذكرنا من أقوالهم الثلاثة التي حكينا عنهم .

ذكر من قال ذلك وقال : معنى الآية : فإن أحصرتم عن الحج حتى فاتكم ، فعليكم ما استيسر من الهدي لفوته إياكم :

3311 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، قال : كان عبد الله بن عمر ينكر الاشتراط في الحج ، ويقول : أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة ، ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما [ ص: 48 ] قابلا ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا .

3312 - حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : المحصر لا يحل من شيء حتى يبلغ البيت ، ويقيم على إحرامه كما هو ، إلا أن تصيبه جراحة - أو جرح - فيتداوى بما يصلحه ويفتدي . فإذا وصل إلى البيت ، فإن كانت عمرة قضاها ، وإن كانت حجة فسخها بعمرة ، وعليه الحج من قابل والهدي ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .

3313 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله ، قال : أخبرني نافع : أن ابن عمر مر على ابن حزابة وهو بالسقيا ، فرأى به كسرا ، فاستفتاه ، فأمره أن يقف كما هو لا يحل من شيء حتى يأتي البيت إلا أن يصيبه أذى فيتداوى وعليه ما استيسر من الهدي . وكان أهل بالحج .

3314 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر ، قال : من أحصر بعد أن يهل بحج ، فحبسه خوف أو مرض أو خلأ له ظهر يحمله ، أو شيء من الأمور كلها ، فإنه يتعالج لحبسه ذلك بكل شيء لا بد له منه ، غير أنه لا يحل من النساء والطيب ، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها صيام أو صدقة أو نسك . فإن فاته الحج وهو بمحبسه ذلك ، أو فاته أن يقف في مواقف عرفة قبل الفجر من ليلة المزدلفة ، فقد فاته الحج ، وصارت حجته عمرة : يقدم مكة فيطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن كان معه هدي نحره بمكة قريبا من [ ص: 49 ] المسجد الحرام ، ثم حلق رأسه ، أو قصر ، ثم حل من النساء والطيب وغير ذلك . ثم عليه أن يحج قابلا ويهدي ما تيسر من الهدي .

3315 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر أنه قال : المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة . وإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى .

فهذا ما روي عن ابن عمر في الإحصار بالمرض وما أشبهه ، وأما في المحصر بالعدو فإنه كان يقول فيه بنحو القول الذي ذكرناه قبل عن مالك بن أنس أنه كان يقوله .

3316 - حدثني تميم بن المنتصر ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، قال : أخبرنا عبيد الله ، عن نافع : أن ابن عمر أراد الحج حين نزل الحجاج بابن الزبير فكلمه ابناه سالم وعبيد الله ، فقالا لا يضرك أن لا تحج العام ، إنا نخاف أن يكون بين الناس قتال فيحال بينك وبين البيت ! قال : إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حال كفار قريش بينه وبين البيت فحلق ورجع .

وأما ما ذكرناه عنهم في العمرة من قولهم : " إنه لا إحصار فيها ولا حصر" ، فإنه : -

3317 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثني هشيم ، عن أبي بشر ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير أنه أهل بعمرة فأحصر ، قال : فكتب إلى ابن عباس وابن عمر ، فكتبا إليه أن يبعث بالهدي ، ثم يقيم حتى يحل من عمرته . قال : فأقام ستة أشهر أو سبعة أشهر . [ ص: 50 ]

3318 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا يعقوب ، عن أبي العلاء بن الشخير ، قال : خرجت معتمرا فصرعت عن بعيري ، فكسرت رجلي ، فأرسلنا إلى ابن عباس وابن عمر نسألهما ، فقالا إن العمرة ليس لها وقت كوقت الحج ، لا تحل حتى تطوف بالبيت . قال : فأقمت بالدثينة أو قريبا منه سبعة أشهر أو ثمانية أشهر .

3319 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني مالك ، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال : خرجت إلى مكة ، حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي ، فأرسلت إلى مكة إلى عبد الله بن عباس ، وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس ، فلم يرخص لي أحد أن أحل ، فأقمت على ذلك إلى سبعة أشهر ، حتى أحللت بعمرة .

3320 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن شهاب في رجل أصابه كسر وهو معتمر ، قال : يمكث على إحرامه حتى يأتي البيت ويطوف به وبالصفا والمروة ، ويحلق أو يقصر ، وليس عليه شيء .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل هذه الآية قول من [ ص: 51 ] قال : إن الله عز وجل عنى بقوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله " كل محصر في إحرام ، بعمرة كان إحرام المحصر أو بحج . وجعل محل هديه الموضع الذي أحصر فيه ، وجعل له الإحلال من إحرامه ببلوغ هديه محله - . وتأول ب "المحل" المنحر أو المذبح ، وذلك حين حل نحره أو ذبحه ، في حرم كان أو في حل ، وألزمه قضاء ما حل منه من إحرامه قبل إتمامه إذا وجد إليه سبيلا وذلك لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صد عام الحديبية عن البيت وهو محرم وأصحابه بعمرة ، فنحر هو وأصحابه بأمره الهدي ، وحلوا من إحرامهم قبل وصولهم إلى البيت ، ثم قضوا إحرامهم الذي حلوا منه في العام الذي بعده . ولم يدع أحد من أهل العلم بالسير ولا غيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من أصحابه أقام على إحرامه انتظارا للوصول إلى البيت والإحلال بالطواف به وبالسعي بين الصفا والمروة ، ولا تحفى وصول هديه إلى الحرم .

فأولى الأفعال أن يقتدى به ، فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لم يأت بحظره خبر ، ولم تقم بالمنع منه حجة . فإذ كان ذلك كذلك ، وكان أهل العلم مختلفين فيما اخترنا من القول في ذلك فمن متأول معنى الآية تأويلنا ، ومن مخالف ذلك ، ثم كان ثابتا بما قلنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النقل كان الذي نقل عنه أولى الأمور بتأويل الآية ، إذ كانت هذه الآية لا يتدافع أهل العلم أنها يومئذ نزلت وفي حكم صد المشركين إياه عن البيت أوحيت . [ ص: 52 ]

وقد روي بنحو الذي قلنا في ذلك خبر .

3321 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثني الحجاج بن أبي عثمان ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، أن عكرمة مولى ابن عباس حدثه ، قال : حدثني الحجاج بن عمرو الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" قال : فحدثت ابن عباس وأبا هريرة بذلك ، فقالا صدق .

3322 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا مروان ، قال : حدثنا حجاج الصواف وحدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن الحجاج بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، وعن ابن عباس وأبي هريرة .

ومعنى هذا الخبر الأمر بقضاء الحجة التي حل منها ، نظير فعل النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في قضائهم عمرتهم التي حلوا منها عام الحديبية من القابل في عام عمرة القضية . [ ص: 53 ]

ويقال لمن زعم أن الذي حصره عدو ، إذا حل من إحرامه التطوع فلا قضاء عليه ، وأن المحصر بالعلل عليه القضاء : ما العلة التي أوجبت على أحدهما القضاء ، وأسقطت عن الآخر ، وكلاهما قد حل من إحرام كان عليه إتمامه لولا العلة العائقة ؟

فإن قال : لأن الآية إنما نزلت في الذي حصره العدو ، فلا يجوز لنا نقل حكمها إلى غير ما نزلت فيه

قيل له : قد دافعك عن ذلك جماعة من أهل العلم ، غير أنا نسلم لك ما قلت في ذلك ، فهلا كان حكم المنع بالمرض والإحصار له حكم المنع بالعدو ، إذ هما متفقان في المنع من الوصول إلى البيت وإتمام عمل إحرامهما ، وإن اختلفت أسباب منعهما ، فكان أحدهما ممنوعا بعلة في بدنه ، والآخر بمنع مانع؟ ثم يسأل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس ، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .

وأما الذين قالوا : لا إحصار في العمرة ، فإنه يقال لهم : قد علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صد عن البيت ، وهو محرم بالعمرة ، فحل من إحرامه؟ فما برهانكم على عدم الإحصار فيها؟ أورأيتم إن قال قائل : لا إحصار في حج ، وإنما فيه فوت ، وعلى الفائت الحج المقام على إحرامه حتى يطوف بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة ، لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سن في الإحصار في الحج سنة؟ فقد قال ذلك جماعة من أئمة الدين . فأما العمرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سن فيها ما سن ، وأنزل الله تبارك وتعالى في حكمها ما بين من الإحلال والقضاء الذي فعله صلى الله عليه وسلم ، ففيها الإحصار دون الحج هل بينها وبينه فرق؟ ثم يعكس عليه القول في ذلك ، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .
[ ص: 54 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ، ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، إلا أن يضطر إلى حلقه منكم مضطر ، إما لمرض ، وإما لأذى برأسه ، من هوام أو غيرها ، فيحلق هنالك للضرورة النازلة به ، وإن لم يبلغ الهدي محله ، فيلزمه بحلاق رأسه وهو كذلك ، فدية من صيام ، أو صدقة ، أو نسك .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

3323 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : ما" أذى من رأسه" ؟ قال : القمل وغيره ، والصدع ، وما كان في رأسه .

وقال آخرون : لا يحلق إن أراد أن يفتدي الحج بالنسك ، أو الإطعام ، إلا بعد التكفير . وإن أراد أن يفتدي بالصوم ، حلق ثم صام .

ذكر من قال ذلك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:31 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(259)
الحلقة (273)
صــ 55إلى صــ 62








3324 - حدثنا عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن أشعث ، عن الحسن ، قال : إذا كان بالمحرم أذى من رأسه فإنه يحلق حين يبعث بالشاة ، أو يطعم المساكين ، [ ص: 55 ] وإن كان صوم حلق ثم صام بعد ذلك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكر من قال ذلك :

3325 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : إذا أهل الرجل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي ، شاة فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله ، فحلق رأسه ، أو مس طيبا أو تداوى ، كان عليه فدية من صيام ، أو صدقة ، أو نسك . قال إبراهيم : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : كذلك قال ابن عباس .

3326 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " ، قال : من أحصر بمرض أو كسر فليرسل بما استيسر من الهدي ، ولا يحلق رأسه ، ولا يحل حتى يوم النحر . فمن كان مريضا ، أو اكتحل ، أو ادهن ، أو تداوى ، أو كان به أذى من رأسه ، فحلق ، ففدية من صيام ، أو صدقة ، أو نسك . [ ص: 56 ]

3327 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

3328 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " هذا إذا كان قد بعث بهديه ، ثم احتاج إلى حلق رأسه من مرض ، وإلى طيب ، وإلى ثوب يلبسه ، قميص أو غير ذلك : فعليه الفدية .

3329 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، قال : حدثني الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : من أحصر عن الحج فأصابه في حبسه ذلك مرض أو أذى برأسه ، فحلق رأسه في محبسه ذلك ، فعليه فدية من صيام ، أو صدقة ، أو نسك .

3330 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر قال : من أحصر بعد أن يهل بحج ، فحبسه مرض أو خوف ، فإنه يتعالج في حبسه ذلك بكل شيء لا بد له منه ، غير أنه لا يحل له النساء والطيب ، ويفتدي بالفدية التي أمر الله بها : صيام ، أو صدقة ، أو نسك .

3331 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثني بشر بن السري ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، قال : سئل علي رضي الله عنه عن قول الله جل ثناؤه : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " قال : هذا قبل أن ينحر الهدي ، إن أصابه شيء فعليه الكفارة .

وقال آخرون : معنى ذلك : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ، [ ص: 57 ] فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك قبل الحلاق إذا أراد حلاقه .

ذكر من قال ذلك :

3332 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " فمن اشتد مرضه ، أو آذاه رأسه وهو محرم ، فعليه صيام ، أو إطعام ، أو نسك . ولا يحلق رأسه حتى يقدم فديته قبل ذلك .

وعلة من قال هذه المقالة ما : -

3333 - حدثنا به المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يعقوب ، قال : سألت عطاء ، عن قوله : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " فقال : إن كعب بن عجرة مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وبرأسه من الصئبان والقمل كثير ، فقال له النبي عليه السلام : "هل عندك شاة"؟ فقال كعب : ما أجدها! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت فأطعم ستة مساكين ، وإن شئت فصم ثلاثة أيام ، ثم احلق رأسك . [ ص: 58 ]

قال أبو جعفر : فأما " المرض" الذي أبيح معه العلاج بالطيب وحلق الرأس ، فكل مرض كان صلاحه بحلقه كالبرسام الذي يكون من صلاح صاحبه حلق رأسه ، وما أشبه ذلك ، والجراحات التي تكون بجسد الإنسان التي يحتاج معها إلى العلاج بالدواء الذي فيه الطيب ونحو ذلك من القروح والعلل العارضة للأبدان .

وأما" الأذى" الذي يكون إذا كان برأس الإنسان خاصة له حلقه ، فنحو الصداع والشقيقة ، وما أشبه ذلك ، وأن يكثر صئبان الرأس ، وكل ما كان للرأس مؤذيا مما في حلقه صلاحه ودفع المضرة الحالة به ، فيكون ذلك بعموم قول الله جل وعز : " أو به أذى من رأسه" .

وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية نزلت عليه بسبب كعب بن عجرة ، إذ شكا كثرة أذى برأسه من صئبانه ، وذلك عام الحديبية .

ذكر الأخبار التي رويت في ذلك :

3334 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة قالا حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا داود ، عن الشعبي ، عن كعب بن عجرة ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ولي وفرة فيها هوام ما بين أصل كل شعرة إلى فرعها قمل وصئبان ، فقال : "إن هذا لأذى" ! قلت : أجل يا رسول الله ، شديد ! قال : أمعك دم ؟ قلت : لا ! قال : فإن شئت [ ص: 59 ] فصم ثلاثة أيام ، وإن شئت فتصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين ، على كل مسكين نصف صاع .

3335 - حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي ، قال : حدثنا خالد الطحان ، عن داود ، عن عامر ، عن كعب بن عجرة ، عن النبي بنحوه .

3336 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أسد بن عمرو ، عن أشعث ، عن عامر ، عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة ، قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ولي وفرة من شعر ، قد قملت وأكلني الصئبان . فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "احلق !" ففعلت ، فقال : "هل لك هدي؟" فقلت : ما أجد! فقال : إنه ما استيسر من الهدي ، فقلت : ما أجد! فقال : "صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع .

قال : ففي نزلت هذه الآية : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " ، إلى آخر الآية [ ص: 60 ]

قال أبو جعفر : وهذا الخبر ينبئ عن أن الصحيح من القول أن الفدية إنما تجب على الحالق بعد الحلق ، وفساد قول من قال : يفتدي ثم يحلق; لأن كعبا يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالفدية ، بعد ما أمره بالحلق فحلق .

3337 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، عن كعب بن عجرة أنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام ، أو فرق من طعام بين ستة مساكين .

3338 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، قال : قعدت إلى كعب وهو في المسجد ، فسألته عن هذه الآية : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " فقال كعب : نزلت في كان بي أذى من رأسي ، فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : "ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى ، أتجد شاة؟" فقلت : لا . فنزلت هذه الآية : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال : فنزلت في خاصة ، وهي لكم عامة . [ ص: 61 ]

3339 - حدثني تميم ، قال : أخبرنا إسحاق الأزرق ، عن شريك ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، قال : سمعت عبد الله بن معقل المزني ، يقول : سمعت كعب بن عجرة يقول : حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقمل رأسي ولحيتي وشاربي وحاجبي ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلي فقال : ما كنت أرى هذا أصابك" ، ثم قال : ادعوا لي حلاقا ! فدعوه ، فحلقني . ثم قال : أعندك شيء تنسكه عنك؟ قال : قلت لا . قال : "فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع من طعام . قال كعب : فنزلت هذه الآية في خاصة : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " ثم كانت للناس عامة .

3340 - حدثني نصر بن علي الجهضمي ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثني أيوب ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت قدر ، والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : أتؤذيك هوام رأسك؟ قال : قلت نعم! قال : احلقه وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو اذبح شاة . [ ص: 62 ]

3341 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال : والقمل يتناثر علي - أو قال : على حاجبي . وقال أيضا : أو انسك نسيكة . قال أيوب : لا أدري بأيتهن بدأ .

3342 - حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا عبد الله بن عون ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب ، قال : في أنزلت هذه الآية ، قال : فقال لي : ادنه . فدنوت ، فقال : "أيؤذيك هوامك؟ قال : أظنه قال نعم! قال : فأمرني بصيام ، أو صدقة ، أو نسك ، ما تيسر .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:35 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(260)
الحلقة (274)
صــ 63إلى صــ 70






3343 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن صالح أبي الخليل عن مجاهد ، عن كعب بن عجرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى عليه زمن الحديبية وهو يوقد تحت قدر له وهوام رأسه تتناثر على وجهه ، فقال : أتؤذيك هوامك؟ قال : نعم! قال : احلق رأسك ، وعليك فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، تذبح ذبيحة ، أو تصوم ثلاثة أيام ، أو تطعم ستة مساكين . [ ص: 63 ]

3344 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على كعب بن عجرة زمن الحديبية ، ثم ذكر نحوه .

3345 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، قال : وأخبرني سيف ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بالحديبية ، ورأسي يتهافت قملا فقال : أيؤذيك هوامك؟ قال قلت : نعم ! قال : فاحلق . قال : ففي نزلت هذه الآية : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" .

3346 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح وأيوب السختياني ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، وأنا أوقد تحت قدر ، والقمل يتهافت علي ، فقال : أتؤذيك هوامك؟ قال : قلت : نعم ! قال : فاحلق ، وانسك نسيكة ، أو صم ثلاثة أيام ، أو أطعم فرقا بين ستة مساكين قال أيوب : انسك نسيكة ، وقال ابن أبي نجيح : اذبح شاة

قال سفيان : والفرق ثلاثة آصع . [ ص: 64 ]

3347 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وقمله يسقط على وجهه ، فقال : أيؤذيك هوامك؟ قال : نعم ! فأمره أن يحلق وهو بالحديبية لم يتبين لهم أنهم يحلون بها ، وهم على طمع أن يدخلوا مكة ، فأنزل الله الفدية ، فأمره رسول الله أن يطعم فرقا بين ستة مساكين ، أو يهدي شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام .

3348 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، ونحن محرمون ، وقد حصرنا المشركون . قال : وكانت لي وفرة ، فجعلت الهوام تساقط على وجهي ، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : "أيؤذيك هوام رأسك؟" قال : قلت نعم ! قال ونزلت هذه الآية : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " . [ ص: 65 ]

3349 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن مجاهد ، عن كعب بن عجرة ، قال : لفي نزلت ، وإياي عنى بها : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية ، وهو عند الشجرة ، وأنا محرم : أيؤذيك هوامه؟ قلت : نعم! - أو كلمة لا أحفظها عنى بها ذاك - فأنزل الله جل وعز : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " ، والنسك : شاة .

3350 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن مجاهد ، قال : قال كعب بن عجرة ، والذي نفسي بيده ، لفي نزلت هذه الآية ، وإياي عنى بها ، ثم ذكر نحوه ، قال : وأمره أن يحلق رأسه .

3351 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة : أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فآذاه القمل في رأسه ، فأمره رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يحلق رأسه وقال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان ، أو انسك بشاة ، أي ذلك فعلت أجزأك" . [ ص: 66 ]

3352 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس حدثه عن حميد بن قيس ، عن مجاهد ، [ عن ابن أبي ليلى ] ، عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : لعله آذاك هوامك؟ - يعني القمل - قال : فقلت : نعم يا رسول الله . فقال رسول الله : احلق رأسك ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك بشاة .

3353 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالك بن أنس حدثه ، عن عطاء بن عبد الله الخراساني أنه قال : أخبرني شيخ بسوق البرم بالكوفة ، عن كعب بن عجرة أنه قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي ، قد امتلأ رأسي ولحيتي قملا فأخذ بجبهتي ، ثم قال : احلق هذا ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ! وقد كان رسول الله صلى الله [ ص: 67 ] عليه وسلم علم أنه ليس عندي ما أنسك به .

3354 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن نافع ، قال : حدثني أسامة بن زيد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن كعب بن عجرة ، قال كعب : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آذاني القمل أن أحلق رأسي ، ثم أصوم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين; وقد علم أنه ليس عندي ما أنسك به .

3355 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا روح ، عن أسامة بن زيد ، عن محمد بن كعب ، قال : سمعت كعب بن عجرة يقول : أمرني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن أحلق وأفتدي بشاة .

3356 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن الزبير بن عدي ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : لقيت كعب بن عجرة في هذه السوق ، فسألته عن حلق رأسه؟ فقال : أحرمت فآذاني القمل . فبلغ ذلك [ ص: 68 ] النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاني وأنا أطبخ قدرا لأصحابي ، فحك بأصبعه رأسي فانتثر منه القمل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : احلقه ، وأطعم ستة مساكين .

3357 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية عام حبسوا بها ، وقمل رأس رجل من أصحابه يقال له كعب بن عجرة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أتؤذيك هذه الهوام؟ قال : نعم . قال : فاحلق واجزز ، ثم صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين مدين مدين . قال : قلت أسمى النبي صلى الله عليه وسلم مدين مدين؟ قال : نعم ، كذلك بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك لكعب ، ولم يسم النسك ، قال : وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر كعبا بذلك بالحديبية قبل أن يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحلق والنحر ، لا يدري عطاء كم بين الحلق والنحر .

3358 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : حدثني الليث ، عن ابن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن فضالة بن محمد الأنصاري ، أنه أخبره عمن لا يتهم من قومه : أن كعب بن عجرة أصابه أذى في رأسه ، فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام . [ ص: 69 ]

3359 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو الأسود ، قال : أخبرنا ابن لهيعة ، عن مخرمة ، عن أبيه ، قال : سمعت عمرو بن شعيب يقول : سمعت شعيبا يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة : أيؤذيك دواب رأسك؟ قال : نعم ، قال : فاحلقه وافتد إما بصوم ثلاثة أيام ، وإما أن تطعم ستة مساكين ، أو نسك شاة" ففعل . [ ص: 70 ]

قال أبو جعفر : وقد بينا قبل معنى" الفدية" ، وأنها بمعنى الجزاء والبدل .

قال أبو جعفر : واختلف أهل العلم في مبلغ الصيام والطعام اللذين أوجبهما الله على من حلق شعره من المحرمين في حال مرضه أو من أذى برأسه .

فقال بعضهم : الواجب عليه من الصيام ثلاثة أيام ، ومن الطعام ثلاثة آصع بين ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع . واعتلوا بالأخبار التي ذكرناها قبل .

ذكر من قال ذلك :

3360 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قال : الصيام : ثلاثة أيام ، والطعام : إطعام ستة مساكين ، والنسك : شاة .

3361 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، مثله .

3362 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، مثله .

3363 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ومجاهد أنهما قالا في قوله : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قالا الصيام ثلاثة أيام ، والطعام : إطعام ستة مساكين ، والنسك : شاة فصاعدا .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:38 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(261)
الحلقة (275)
صــ 71إلى صــ 78






3364 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أشعث ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن معقل ، عن كعب بن عجرة أنه قال في قوله : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " قال : الصيام ثلاثة أيام ، والطعام : إطعام ستة مساكين ، والنسك : شاة فصاعدا إلا أنه قال في إطعام المساكين : ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين . [ ص: 71 ]

3365 - حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " إن صنع واحدا فعليه فدية ، وإن صنع اثنين فعليه فديتان ، وهو مخير أن يصنع أي الثلاثة شاء . أما الصيام فثلاثة أيام . وأما الصدقة فستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، وأما النسك فشاة فما فوقها . نزلت هذه الآية في كعب بن عجرة الأنصاري كان أحصر فقمل رأسه ، فحلقه .

3366 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فمن كان مريضا أو اكتحل ، أو ادهن ، أو تداوى ، أو كان به أذى من رأسه من قمل فحلق ، ففدية من صيام ثلاثة أيام ، أو صدقة فرق بين ستة مساكين ، أو نسك ، والنسك : شاة .

3367 - حدثت عن عمار بن الحسن ، عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله " قال : فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله فحلق ، ففدية من صيام أو صدقة ، أو نسك . قال : فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة : إطعام ستة مساكين ، بين كل مسكينين صاع . والنسك : شاة .

3368 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عبد الكريم ، عن سعيد بن جبير ، قال : يصوم صاحب الفدية مكان كل مدين يوما ، قال : مدا لطعامه ، ومدا لإدامه .

3369 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة بإسناده مثله .

3370 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا بشر بن السري ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، قال : سئل علي رضي الله عنه عن قول الله : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " قال : الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة : ثلاثة آصع على ستة مساكين ، والنسك : شاة . [ ص: 72 ]

3371 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن حرب بن قيس مولى يحيى بن أبي طلحة أنه سمع محمد بن كعب ، وهو يذكر الرجل الذي نزل فيه : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه " ، قال : فأفتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما الصيام : فثلاثة أيام ، وأما المساكين فستة ، وأما النسك فشاة .

3372 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : إذا أهل الرجل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي ، شاة . فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله - حلق رأسه ، أو مس طيبا ، أو تداوى - كان عليه فدية من صيام ، أو صدقة ، أو نسك . والصيام : ثلاثة أيام ، والصدقة : ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والنسك : شاة .

3373 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ومجاهد قوله : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" قالا الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة : ثلاثة آصع على ستة مساكين ، والنسك : شاة .

وقال آخرون : الواجب عليه إذا حلق رأسه من أذى ، أو تطيب لعلة من مرض ، أو فعل ما لم يكن له فعله في حال صحته وهو محرم - من الصوم : صيام عشرة أيام ، ومن الصدقة : إطعام عشرة مساكين .

ذكر من قال ذلك :

3374 - حدثنا ابن أبي عمران ، قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن أشعث ، عن الحسن في قوله : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " قال : إذا كان بالمحرم أذى من رأسه ، حلق وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء . فالصيام : [ ص: 73 ] عشرة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين ، كل مسكين مكوكين ، مكوكا من تمر ، ومكوكا من بر ، والنسك : شاة .

3375 - حدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي ، قال : حدثنا بشر بن عمرو ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن وعكرمة : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " قال : إطعام عشرة مساكين .

وقاس قائلو هذا القول كل صيام وجب على محرم ، أو صدقة جزاء من نقص دخل في إحرامه ، أو فعل ما لم يكن له فعله بدلا من دم ، على ما أوجب الله على المتمتع من الصوم إذا لم يجد الهدي . وقالوا : جعل الله على المتمتع صيام عشرة أيام مكان الهدي إذا لم يجده . قالوا : فكل صوم وجب مكان دم ، فمثله .

قالوا : فإذا لم يصم وأراد الإطعام فإن الله جل وعز أقام إطعام مسكين مكان صوم يوم لمن عجز عن الصوم في رمضان . قالوا : فكل من جعل الإطعام له مكان صوم لزمه فهو نظيره . فلذلك أوجبوا إطعام عشرة مساكين في فدية الحلق .

وقال آخرون : بل الواجب على الحالق النسك شاة إن كانت عنده . فإن [ ص: 74 ] لم تكن عنده قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما ، فتصدق به ، وإلا صام لكل نصف صاع يوما .

ذكر من قال ذلك :

3376 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال : ذكر الأعمش ، قال : سأل إبراهيم سعيد بن جبير عن هذه الآية : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " ، فأجابه بقوله : يحكم عليه إطعام ، فإن كان عنده اشترى شاة ، فإن لم تكن قومت الشاة دراهم فجعل مكانه طعاما فتصدق ، وإلا صام لكل نصف صاع يوما . فقال إبراهيم : كذلك سمعت علقمة يذكر . قال : لما قام قال لي سعيد بن جبير : هذا ما أظرفه ! قال : قلت : هذا إبراهيم ! قال : ما أظرفه ! كان يجالسنا . قال : فذكرت ذلك لإبراهيم ، قال : فلما قلت : "يجالسنا" ، انتفض منها .

3377 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : يحكم على الرجل في الصيد ، فإن لم يجد جزاءه قوم طعاما ، فإن لم يكن طعام صام مكان كل مدين يوما ، وكذلك الفدية .

وقال آخرون : بل هو مخير بين الخلال الثلاث ، يفتدي بأيها شاء .

ذكر من قال ذلك :

3378 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سيف بن سليمان ، عن مجاهد ، قال : كل شيء في القرآن"أو أو" فهو بالخيار ، مثل الجراب فيه الخيط الأبيض والأسود ، فأيهما خرج أخذته .

3379 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : كل شيء في القرآن"أو أو" فصاحبه بالخيار ، يأخذ الأولى فالأولى . [ ص: 75 ]

3380 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد ، قال : كل ما كان في القرآن : "كذا ، فمن لم يجد فكذا" ، فالأول فالأول . وكل ما كان في القرآن"أو كذا أو كذا" ، فهو فيه بالخيار .

3381 - حدثني نصير بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا المحاربي عن يحيى بن أبي أنيسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد - وسئل عن قوله : " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك" فقال مجاهد : إذا قال الله تبارك وتعالى لشيء" أو أو" ، فإن شئت فخذ بالأول ، وإن شئت فخذ بالآخر .

3382 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قال لي عطاء وعمرو بن دينار - في قوله : " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " - قالا له أيتهن شاء .

3383 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : كل شيء في القرآن"أو أو" ، فلصاحبه أن يختار أيه شاء .

قال ابن جريج : قال لي عمرو بن دينار : كل شيء في القرآن" أو أو" ، فلصاحبه أن يأخذ بما شاء .

3384 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا ليث عن عطاء ومجاهد أنهما قالا ما كان في القرآن"أو كذا أو كذا" ، فصاحبه بالخيار ، أي ذلك شاء فعل .

3385 - حدثنا علي بن سهل ، قال : حدثنا يزيد ، عن سفيان ، عن ليث ومجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كل شيء في القرآن"أو أو" فهو مخير فيه ، فإن كان "فمن فمن" ، فالأول فالأول .

3386 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، قال : كل شيء في القرآن"أو أو" ، فليتخير أي الكفارات [ ص: 76 ] شاء ، فإذا كان : "فمن لم يجد" ، فالأول فالأول .

3387 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان عارم ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : قال : حدثت عن عطاء ، قال : كل شيء في القرآن"أو أو" فهو خيار .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتظاهرت به عنه الرواية أنه أمر كعب بن عجرة بحلق رأسه من الأذى الذي كان برأسه ، ويفتدي إن شاء بنسك شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام فرق من طعام بين ستة مساكين كل مسكين نصف صاع .

وللمفتدي الخيار بين أي ذلك شاء ، لأن الله لم يحصره على واحدة منهن بعينها ، فلا يجوز له أن يعدوها إلى غيرها ، بل جعل إليه فعل أي الثلاث شاء .

ومن أبى ما قلنا من ذلك قيل له : ما قلت في المكفر عن يمينه أمخير - إذا كان موسرا - في أن يكفر بأي الكفارات الثلاث شاء؟ فإن قال : "لا" ، خرج من قول جميع الأمة ، وإن قال : "بلى" ، سئل الفرق بينه وبين المفتدي من حلق رأسه وهو محرم من أذى به . ثم لن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .

على أن ما قلنا في ذلك إجماع من الحجة ، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره .

وأما الزاعمون أن كفارة الحلق قبل الحلق ، فإنه يقال لهم : أخبرونا عن الكفارة للمتمتع : قبل التمتع أو بعده؟ فإن زعموا أنها قبله قيل لهم : وكذلك الكفارة عن اليمين قبل اليمين . فإن زعموا أن ذلك كذلك ، خرجوا من قول الأمة . وإن قالوا : ذلك غير جائز .

قيل : وما الوجه الذي من قبله وجب أن تكون كفارة [ ص: 77 ] الحلق قبل الحلق ، وهدي المتعة قبل التمتع ، ولم يجب أن تكون كفارة اليمين قبل اليمين؟ وهل بينكم وبين من عكس عليكم الأمر في ذلك - فأوجب كفارة اليمين قبل اليمين وأبطل أن تكون كفارة الحلق كفارة له إلا بعد الحلق - فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .

فإن اعتل في كفارة اليمين قبل اليمين أنها غير مجزئة قبل الحلف بإجماع الأمة . قيل له : فرد الأخرى قياسا عليها ، إذ كان فيها اختلاف .

وأما القائلون إن الواجب على الحالق رأسه من أذى : من الصيام عشرة أيام ، ومن الإطعام عشرة مساكين ، فمخالفون نص الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فيقال لهم : أرأيتم من أصاب صيدا فاختار الإطعام أو الصيام ، أتسوون بين جميع ذلك بقتله الصيد صغيره وكبيره من الإطعام والصيام ، أم تفرقون بين ذلك على قدر افتراق المقتول من الصيد في الصغر والكبر؟ فإن زعموا أنهم يسوون بين جميع ذلك سووا بين ما يجب على من قتل بقرة وحشية ، وبين ما يجب على من قتل ولد ظبية - من الإطعام والصيام . وذلك قول إن قالوه لقول الأمة مخالف .

وإن قالوا : بل نخالف بين ذلك ، فنوجب ذلك عليه على قدر قيمة المصاب من الطعام والصيام .

قيل : فكيف رددتم الواجب على الحالق رأسه من أذى من الكفارة على الواجب على المتمتع من الصوم ، وقد علمتم أن المتمتع غير مخير بين الصيام والإطعام والهدي ، ولا هو متلف شيئا وجبت عليه منه الكفارة ، وإنما هو تارك عملا من الأعمال ، وتركتم رد الواجب عليه وهو متلف بحلق رأسه ما كان ممنوعا من إتلافه ، ومخير بين الكفارات الثلاث ، نظير مصيب الصيد ، الذي هو بإصابته إياه له متلف ، [ ص: 78 ] ومخير في تكفيره بين الكفارات الثلاث؟ وهل بينكم وبين من خالفكم في ذلك وجعل الحالق قياسا لمصيب الصيد ، وجمع بين حكميهما لاتفاقهما في المعاني التي وصفنا ، وخالف بين حكمه وحكم المتمتع في ذلك ، لاختلاف أمرهما فيما وصفنا فرق من أصل أو نظير؟

فلن يقولوا في ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله ، مع أن اتفاق الحجة على تخطئة قائل هذا القول في قوله هذا كفاية عن الاستشهاد على فساده بغيره ، فكيف وهو مع ذلك خلاف ما جاءت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقياس عليه بالفساد شاهد؟

واختلف أهل العلم في الموضع الذي أمر الله أن ينسك نسك الحلق ويطعم فديته .

فقال بعضهم : النسك والإطعام بمكة لا يجزئ بغيرها من البلدان .

ذكر من قال ذلك :

3388 - حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن هشام ، عن الحسن ، قال : ما كان من دم أو صدقة فبمكة ، وما سوى ذلك حيث شاء .

3389 - حدثني يحيى بن طلحة ، حدثنا فضيل ، عن ليث ، عن طاوس ، قال : كل شيء من الحج فبمكة ، إلا الصوم .

3390 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : سألت عطاء عن النسك ، قال : النسك بمكة لا بد .

3391 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، قال : الصدقة والنسك في الفدية بمكة ، والصيام حيث شئت .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:41 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(262)
الحلقة (276)
صــ 79إلى صــ 86






3392 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا ليث ، عن طاوس [ ص: 79 ] أنه كان يقول : ما كان من دم أو إطعام فبمكة ، وما كان من صيام فحيث شاء .

3393 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا شبل ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : النسك بمكة أو بمنى .

3394 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : النسك بمكة أو بمنى ، والطعام بمكة .

وقال آخرون : النسك في الحلق والإطعام والصوم حيث شاء المفتدي .

ذكر من قال ذلك :

3395 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن يعقوب بن خالد ، قال : أخبرني أبو أسماء مولى ابن جعفر ، قال : حج عثمان ومعه علي والحسين بن علي رضوان الله عليهم ، فارتحل عثمان قال أبو أسماء : وكنت مع ابن جعفر قال : فإذا نحن برجل نائم وناقته عند رأسه ، قال : فقلنا له : أيها النائم ! فاستيقظ ، فإذا الحسين بن علي . قال : فحمله ابن جعفر حتى أتى به السقيا . قال : فأرسل إلى علي ، فجاء ومعه أسماء بنت عميس . قال : فمرضناه نحوا من عشرين ليلة . قال : فقال علي للحسين : ما الذي تجد؟ قال : فأومأ إلى رأسه . قال : فأمر به علي فحلق رأسه ، ثم دعا ببدنة فنحرها . [ ص: 80 ]

3396 - حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن يعقوب بن خالد بن عبد الله بن المسيب المخزومي أخبره أنه سمع أبا أسماء مولى عبد الله بن جعفر ، يحدث : أنه خرج مع عبد الله بن جعفر يريد مكة مع عثمان ، حتى إذا كنا بين السقيا والعرج اشتكى الحسين بن علي ، فأصبح في مقيله الذي قال فيه بالأمس . قال أبو أسماء : فصحبته أنا وعبد الله بن جعفر ، فإذا راحلة حسين قائمة وحسين مضطجع ، فقال عبد الله بن جعفر : إن هذه لراحلة حسين . فلما دنا منه قال له : أيها النائم ! وهو يظن أنه نائم; فلما دنا منه وجده يشتكي ، فحمله إلى السقيا ، ثم كتب إلى علي فقدم إليه إلى السقيا فمرضه قريبا من أربعين ليلة . ثم إن عليا قيل له : هذا حسين يشير إلى رأسه ، فدعا علي بجزور فنحرها ، ثم حلق رأسه .

3397 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني يحيى بن سعيد ، قال : أقبل حسين بن علي مع عثمان حراما - حسبت أنه اشتكى بالسقيا فذكر ذلك لعلي : فجاء هو وأسماء بنت عميس ، فمرضوه عشرين ليلة ، فأشار حسين إلى رأسه ، فحلقه ونحر عنه جزورا . قلت : فرجع به؟ قال : لا أدري .

قال أبو جعفر : وهذا الخبر يحتمل أن يكون ما ذكر فيه من نحر علي عن الحسين الناقة قبل حلقه رأسه ، ثم حلقه رأسه بعد النحر - إن كان على ما رواه مجاهد عن يزيد ، كان على وجه الإحلال من الحسين من إحرامه للإحصار عن [ ص: 81 ] الحج بالمرض الذي أصابه - وإن كان على ما رواه يعقوب ، عن هشيم : من نحر علي عنه الناقة بعد حلقه رأسه : أن يكون على وجه الافتداء من الحلق ، وأن يكون كان يرى أن نسك الفدية يجزئ نحره دون مكة والحرم .

3398 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الفدية حيث شئت .

3399 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن الحكم ، عن إبراهيم - في الفدية ، في الصدقة والصوم والدم - : حيث شاء .

3400 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبيدة ، عن إبراهيم أنه كان يقول ، فذكر مثله .

وقال آخرون : ما كان من دم نسك فبمكة ، وما كان من إطعام وصيام فحيث شاء المفتدي .

ذكر من قال ذلك :

3401 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، وعبد الملك ، وغيرهما ، عن عطاء أنه كان يقول : ما كان من دم فبمكة ، وما كان من طعام وصيام فحيث شاء .

قال أبو جعفر : وعلة من قال : " الدم والإطعام بمكة " ، القياس على هدي جزاء الصيد . وذلك أن الله شرط في هديه بلوغ الكعبة ، فقال : ( يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة ) [ المائدة : 95 ] . قالوا : فكل هدي وجب من جزاء أو فدية في إحرام ، فسبيله سبيل جزاء الصيد في وجوب بلوغه الكعبة . قالوا : وإذا كان ذلك حكم الهدي كان حكم الصدقة مثله ، لأنها واجبة [ ص: 82 ] لمن وجب عليه الهدي ، وذلك أن الإطعام فدية وجزاء كالدم ، فحكمهما واحد .

وأما علة من زعم أن للمفتدي أن ينسك حيث شاء ويتصدق ويصوم أن الله لم يشترط على الحالق رأسه من أذى هديا ، وإنما أوجب عليه نسكا أو إطعاما أو صياما ، وحيثما نسك أو أطعم أو صام فهو ناسك ومطعم وصائم ، وإذا دخل في عداد من يستحق ذلك الاسم كان مؤديا ما كلفه الله . لأن الله لو أراد من إلزام الحالق رأسه في نسكه بلوغ الكعبة ، لشرط ذلك عليه ، كما شرط في جزاء الصيد ، وفي ترك اشتراط ذلك عليه ، دليل واضح ، أنه حيث نسك أو أطعم أجزأ .

وأما علة من قال : " النسك بمكة ، والصيام والإطعام حيث شاء " ، فالنسك دم كدم الهدي ، فسبيله سبيل هدي قاتل الصيد .

وأما الإطعام فلم يشترط الله فيه أن يصرف إلى أهل مسكنة مكان ، كما شرط في هدي الجزاء بلوغ الكعبة . فليس لأحد أن يدعي أن ذلك لأهل مكان دون مكان ، إذ لم يكن الله شرط ذلك لأهل مكان بعينه; كما ليس لأحد أن يدعي أن ما جعله الله من الهدي لساكني الحرم لغيرهم ، إذ كان الله قد خص أن ذلك لمن به من أهل المسكنة .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، أن الله أوجب على حالق رأسه من أذى من المحرمين ، فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، ولم يشترط أن ذلك عليه بمكان دون مكان ، بل أبهم ذلك وأطلقه ، ففي أي مكان نسك أو أطعم أو صام ، فيجزي عن المفتدي . وذلك لقيام الحجة على أن الله إذ حرم أمهات نسائنا فلم يحصرهن على أنهن أمهات النساء المدخول بهن لم يجب أن يكن مردودات الأحكام على الربائب المحصورات على أن المحرمة منهن المدخول بأمها .

فكذلك كل مبهمة في القرآن غير جائز رد حكمها على المفسرة قياسا . [ ص: 83 ]

ولكن الواجب أن يحكم لكل واحدة منهما بما احتمله ظاهر التنزيل ، إلا أن يأتي في بعض ذلك خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، بإحالة حكم ظاهره إلى باطنه ، فيجب التسليم حينئذ لحكم الرسول ، إذ كان هو المبين عن مراد الله .

وأجمعوا على أن الصيام مجزئ عن الحالق رأسه من أذى حيث صام من البلاد .

واختلفوا فيما يجب أن يفعل بنسك الفدية من الحلق ، وهل يجوز للمفتدي الأكل منه أم لا؟

فقال بعضهم ليس للمفتدي أن يأكل منه ، ولكن عليه أن يتصدق بجميعه .

ذكر من قال ذلك :

3402 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الملك ، عن عطاء ، قال : ثلاث لا يؤكل منهن : جزاء الصيد ، وجزاء النسك ، ونذر المساكين .

3403 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام وهارون ، عن عنبسة ، عن سالم ، عن عطاء قال : لا تأكل من فدية ولا من جزاء ، ولا من نذر ، وكل من المتعة ، ومن الهدي والتطوع .

3404 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام وهارون ، عن عنبسة ، عن سالم ، عن مجاهد ، قال : جزاء الصيد والفدية والنذر لا يأكل منها صاحبها ، ويأكل من التطوع والتمتع .

3405 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن الحجاج ، عن عطاء ، قال : لا تأكل من جزاء ، ولا من فدية ، وتصدق به .

3406 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : لا يأكل من بدنته الذي يصيب أهله حراما والكفارات كذلك . [ ص: 84 ]

3407 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا عبد الملك والحجاج وغيرهما ، عن عطاء أنه كان يقول : لا يؤكل من جزاء الصيد ، ولا من النذر ، ولا من الفدية ، ويؤكل مما سوى ذلك .

3408 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم قالوا : لا يؤكل من الفدية وقال مرة : من هدي الكفارة ، ولا من جزاء الصيد .

وقال بعضهم : له أن يأكل منه .

ذكر من قال ذلك :

3409 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر قال : لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر ، ويؤكل مما سوى ذلك .

3410 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلى ، قال : من الفدية وجزاء الصيد والنذر .

3411 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، قال : الشاة بين ستة مساكين يأكل منه إن شاء ، ويتصدق على ستة مساكين .

3412 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرني عبد الملك ، قال : حدثني من سمع الحسن ، يقول : كل من ذلك كله - يعني من جزاء الصيد والنذر والفدية .

3413 - حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا الأشعث عن الحسن : أنه كان لا يرى بأسا بالأكل من جزاء الصيد ونذر المساكين . [ ص: 85 ]

قال أبو جعفر : وعلة من حظر على المفتدي الأكل من فدية حلاقه وفدية ما لزمته منه الفدية ، أن الله أوجب على الحالق والمتطيب ومن كان بمثل حالهم ، فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فلن يخلو ذلك الذي أوجبه عليه من الإطعام والنسك من أحد أمرين : إما أن يكون أوجبه عليه لنفسه أو لغيره أو له ولغيره .

فإن كان أوجبه لغيره فغير جائز له أن يأكل منه ، لأن ما لزمه لغيره فلا يجزيه فيه إلا الخروج منه إلى من وجب له .

أو يكون له وحده ، وما وجب له فليس عليه ؛ لأنه غير مفهوم في لغة أن يقال : " وجب على فلان لنفسه دينار أو درهم أو شاة" ، وإنما يجب له على غيره ، فأما على نفسه فغير مفهوم وجوبه .

أو يكون وجب عليه له ولغيره ، فنصيبه الذي وجب له من ذلك ، غير جائز أن يكون عليه ، لما وصفنا .

وإذا كان ذلك كذلك كان الواجب عليه ما هو لغيره وما هو لغيره بعض النسك ، وإذا كان ذلك كذلك فإنما وجب عليه بعض النسك لا النسك كله .

قالوا : وفي إلزام الله إياه النسك تاما ما يبين عن فساد هذا القول .

وعلة من قال : " له أن يأكل من ذلك" ، أن الله أوجب على المفتدي نسكا ، والنسك في معاني الأضاحي ، وذلك هو ذبح ما يجزي في الأضاحي من الأزواج الثمانية . قالوا : ولم يأمر الله بدفعه إلى المساكين . قالوا : فإذا ذبح فقد نسك ، وفعل ما أمره الله ، وله حينئذ الأكل منه ، والصدقة منه بما شاء ، وإطعام ما أحب منه من أحب ، كما له ذلك في أضحيته .

قال أبو جعفر : والذي نقول به في ذلك : أن الله أوجب على المفتدي نسكا إن اختار التكفير بالنسك ، ولن يخلو الواجب عليه في ذلك من أن يكون ذبحه [ ص: 86 ] دون غيره ، أو ذبحه والتصدق به . فإن كان الواجب عليه في ذلك ذبحه ، فالواجب أن يكون إذا ذبح نسكا فقد أدى ما عليه ، وإن أكل جميعه ولم يطعم مسكينا منه شيئا ، وذلك ما لا نعلم أحدا من أهل العلم قاله ، أو يكون الواجب عليه ذبحه والصدقة به . فإن كان ذلك عليه ، فغير جائز له أكل ما عليه أن يتصدق به ، كما لو لزمته زكاة في ماله ، لم يكن له أن يأكل منها ، بل كان عليه أن يعطيها أهلها الذين جعلها الله لهم . ففي إجماعهم - على أن ما ألزمه الله من ذلك فإنما ألزمه لغيره - دلالة واضحة على حكم ما اختلفوا فيه من غيره .

ومعنى" النسك " ، الذبح لله ، في لغة العرب ، يقال : " نسك فلان لله نسيكة" بمعنى : ذبح لله ذبيحة " ينسكها نسكا" ، كما : -

3414 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : النسك : أن يذبح شاة .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإذا أمنتم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم : معناه : فإذا برأتم من مرضكم الذي أحصركم عن حجكم أو عمرتكم .

ذكر من قال ذلك :

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:44 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(263)
الحلقة (277)
صــ 87إلى صــ 94






3415 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة : " فإذا أمنتم " فإذا برأتم . [ ص: 87 ]

3416 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه في قوله : " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " يقول : فإذا أمنت حين تحصر : إذا أمنت من كسرك ، ومن وجعك ، فعليك أن تأتي البيت ، فيكون لك متعة ، فلا تحل حتى تأتي البيت .

وقال آخرون : معنى ذلك : فإذا أمنتم من خوفكم .

ذكر من قال ذلك :

3417 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فإذا أمنتم " لتعلموا أن القوم كانوا خائفين يومئذ .

3418 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فإذا أمنتم " قال : إذا أمن من خوفه ، و برئ من مرضه .

قال أبو جعفر : وهذا القول أشبه بتأويل الآية . لأن "الأمن" هو خلاف "الخوف" ، لا خلاف" المرض" ، إلا أن يكون مرضا مخوفا منه الهلاك ، فيقال : فإذا أمنتم الهلاك من خوف المرض وشدته ، وذلك معنى بعيد .

وإنما قلنا : إن معناه : الخوف من العدو ؛ لأن هذه الآيات نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الحديبية وأصحابه من العدو خائفون ، فعرفهم الله بها ما عليهم إذا أحصرهم خوف عدوهم عن الحج ، وما الذي عليهم إذا هم أمنوا من ذلك ، فزال عنهم خوفهم .
[ ص: 88 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فإن أحصرتم أيها المؤمنون ، فما استيسر من الهدي ، فإذا أمنتم فزال عنكم خوفكم من عدوكم أو هلاككم من مرضكم فتمتعتم بعمرتكم إلى حجكم ، فعليكم ما استيسر من الهدي .

ثم اختلف أهل التأويل في صفة" التمتع" الذي عنى الله بهذه الآية .

فقال بعضهم : هو أن يحصره خوف العدو ، وهو محرم بالحج ، أو مرض ، أو عائق من العلل ، حتى يفوته الحج ، فيقدم مكة ، فيخرج من إحرامه بعمل عمرة ، ثم يحل فيستمتع بإحلاله من إحرامه ذلك إلى السنة المستقبلة ، ثم يحج ويهدي ، فيكون متمتعا بالإحلال من لدن يحل من إحرامه الأول إلى إحرامه الثاني من القابل .

ذكر من قال ذلك :

3419 - حدثنا عمران بن موسى البصري ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : حدثنا إسحاق بن سويد ، قال : سمعت ابن الزبير وهو يخطب ، وهو يقول : يا أيها الناس ، والله ما التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ، إنما التمتع أن يهل الرجل بالحج فيحصره عدو أو مرض أو كسر أو يحبسه أمر حتى تذهب أيام الحج فيقدم فيجعلها عمرة ، فيتمتع بحله إلى العام القابل ثم يحج ويهدي هديا ، فهذا التمتع بالعمرة إلى الحج .

3420 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء قال : كان ابن الزبير يقول : المتعة لمن أحصر ، قال : وقال ابن عباس : هي لمن أحصر ومن خليت سبيله . [ ص: 89 ]

3421 - حدثني ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا نافع بن يزيد ، قال : أخبرني ابن جريج قال : قال عطاء : كان ابن الزبير يقول : إنما المتعة للمحصر وليست لمن خلي سبيله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فإن أحصرتم في حجكم فما استيسر من الهدي ، فإذا أمنتم وقد حللتم من إحرامكم ، ولم تقضوا عمرة تخرجون بها من إحرامكم بحجكم ولكن حللتم حين أحصرتم بالهدي وأخرتم العمرة إلى السنة القابلة فاعتمرتم في أشهر الحج ، ثم حللتم ، فاستمتعتم بإحلالكم إلى حجكم فعليكم ما استيسر من الهدي .

ذكر من قال ذلك :

3422 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن علقمة : " فإن أحصرتم " ، قال : إذا أهل الرجل بالحج فأحصر ، قال : يبعث بما استيسر من الهدي ، شاة . قال : فإن عجل قبل أن يبلغ الهدي محله وحلق رأسه ، أو مس طيبا ، أو تداوى ، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك " فإذا أمنتم " ، فإذا برئ فمضى من وجهه ذلك حتى أتى البيت ، حل من حجه بعمرة وكان عليه الحج من قابل . وإن هو رجع ولم يتم إلى البيت من وجهه ذلك ، فإن عليه حجة وعمرة ودما لتأخيره العمرة . فإن هو رجع متمتعا في أشهر الحج ، فإن عليه ما استيسر من الهدي ، شاة . فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع . قال إبراهيم : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : كذلك قال ابن عباس في ذلك كله .

3423 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " ، قال : هذا رجل أصابه خوف [ ص: 90 ] أو مرض أو حابس حبسه حتى يبعث بهديه ، فإذا بلغت محلها صار حلالا فإن أمن أو برئ ووصل إلى البيت فهي له عمرة ، وأحل وعليه الحج عاما قابلا . وإن هو لم يصل إلى البيت حتى يرجع إلى أهله ، فعليه عمرة وحجة وهدي . قال قتادة : [ وهي ] والمتعة التي لا يتعاجم الناس فيها أن أصلها كان هكذا .

3424 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " إلى : " تلك عشرة كاملة " ، قال : هذا المحصر إذا أمن ، فعليه المتعة في الحج وهدي المتمتع ، فإن لم يجد فالصيام ، فإن عجل العمرة قبل أشهر الحج ، فعليه فيها هدي .

3425 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا بشر بن السري ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي : " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " فإن أخر العمرة حتى يجمعها مع الحج ، فعليه الهدي .

وقال آخرون : عنى بذلك المحصر وغير المحصر .

ذكر من قال ذلك :

3426 - حدثني ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا نافع بن يزيد ، قال : أخبرني ابن جريج قال : أخبرني عطاء أن ابن عباس كان يقول : [ ص: 91 ] المتعة لمن أحصر ، ولمن خلي سبيله . وكان ابن عباس يقول : أصابت هذه الآية المحصر ومن خليت سبيله .

وقال آخرون : معنى ذلك : فمن فسخ حجه بعمرة ، فجعله عمرة ، واستمتع بعمرته إلى حجه ، فعليه ما استيسر من الهدي .

ذكر من قال ذلك :

3427 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي " ، أما المتعة فالرجل يحرم بحجة ، ثم يهدمها بعمرة . وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين حاجا ، حتى إذا أتوا مكة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحب منكم أن يحل فليحل ، قالوا : فما لك يا رسول الله ! قال : أنا معي هدي .

وقال آخرون : بل ذلك : الرجل يقدم معتمرا من أفق من الآفاق في أشهر الحج ، فإذا قضى عمرته أقام حلالا بمكة حتى ينشئ منها الحج ، فيحج من عامه ذلك ، فيكون مستمتعا بإحلاله إلى إحرامه بالحج .

ذكر من قال ذلك :

3428 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " ، من يوم الفطر إلى يوم عرفة ، فعليه ما استيسر من الهدي .

3429 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3430 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب عن نافع ، قال : قدم ابن عمر مرة في شوال ، فأقمنا حتى حججنا ، فقال : إنكم قد [ ص: 92 ] استمتعتم إلى حجكم بعمرة ، فمن وجد منكم أن يهدي فليهد ، ومن لا فليصم ثلاثة أيام ، وسبعة إذا رجع إلى أهله .

3431 - حدثنا ابن بشار ، وعبد الحميد بن بيان قال ابن بشار : حدثنا ، وقال عبد الحميد : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن نافع ، أنه أخبره أنه خرج مع ابن عمر معتمرين في شوال ، فأدركهما الحج وهما بمكة ، فقال ابن عمر : من اعتمر معنا في شوال ثم حج ، فهو متمتع عليه ما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .

3432 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن عطاء في رجل اعتمر في غير أشهر الحج ، فساق هديا تطوعا ، فقدم مكة في أشهر الحج ، قال : إن لم يكن يريد الحج ، فلينحر هديه ، ثم ليرجع إن شاء ، فإن هو نحر الهدي وحل ، ثم بدا له أن يقيم حتى يحج ، فلينحر هديا آخر لتمتعه ، فإن لم يجد فليصم .

3433 - حدثنا ابن حميد ، حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ابن أبي ليلى ، مثل ذلك .

3434 - حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب بأنه كان يقول : من اعتمر في شوال أو في ذي القعدة ثم أقام بمكة حتى يحج ، فهو متمتع ، عليه ما على المتمتع .

3435 - حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن حجاج ، عن عطاء مثل ذلك .

3436 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي " يقول : من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ، فما استيسر من الهدي .

3437 - حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا نافع ، قال : [ ص: 93 ] أخبرني ابن جريج ، قال : كان عطاء يقول : المتعة لخلق الله أجمعين ، الرجل ، والمرأة ، والحر ، والعبد ، هي لكل إنسان اعتمر في أشهر الحج ثم أقام ولم يبرح حتى يحج ، ساق هديا مقلدا أو لم يسق إنما سميت " المتعة" ، من أجل أنه اعتمر في شهور الحج ، فتمتع بعمرة إلى الحج ، ولم تسم "المتعة" من أجل أنه يحل بتمتع النساء .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : عنى بها : فإن أحصرتم أيها المؤمنون في حجكم فما استيسر من الهدي ، فإذا أمنتم فمن تمتع ممن حل من إحرامه بالحج - بسبب الإحصار ، بعمرة اعتمرها لفوته الحج في السنة القابلة في أشهر الحج - إلى قضاء الحجة التي فاتته حين أحصر عنها ثم دخل في عمرته فاستمتع بإحلاله من عمرته إلى أن يحج فعليه ما استيسر من الهدي ، وإن كان قد يكون متمتعا من أنشأ عمرة في أشهر الحج وقضاها ثم حل من عمرته وأقام حلالا حتى يحج من عامه غير أن الذي هو أولى بالذي ذكره الله في قوله : " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج" هو ما وصفنا ، من أجل أن الله جل وعز أخبر عما على المحصر عن الحج والعمرة من الأحكام في إحصاره . فكان مما أخبر تعالى ذكره : أنه عليه - إذا أمن من إحصاره فتمتع بالعمرة إلى الحج - ما استيسر من الهدي ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام . وكان معلوما بذلك أنه معني به اللازم له - عند أمنه من إحصاره - من العمل بسبب الإحلال الذي كان منه في حجه الذي أحصر فيه ، دون المتمتع الذي لم يتقدم عمرته ولا حجه إحصار مرض ولا خوف .
[ ص: 94 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فما استيسر من الهدي ، فهديه جزاء لاستمتاعه بإحلاله من إحرامه الذي حل منه حين عاد لقضاء حجته التي أحصر فيها ، وعمرته التي كانت لزمته بفوت حجته ، فإن لم يجد هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج في حجه ، وسبعة إذا رجع إلى أهله .

ثم اختلف أهل التأويل في الثلاثة أيام التي أوجب الله عليه صومهن في الحج : أي في أيام الحج هن .

فقال بعضهم : هن ثلاثة أيام من أيام حجه ، أي أيام شاء ، بعد أن لا يتجاوز بآخرهن يوم عرفة .

ذكر من قال ذلك :

3438 - حدثني الحسين بن محمد الذارع ، قال : حدثنا حميد بن الأسود ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه عن علي رضي الله عنه : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " ، قال : قبل التروية يوما ، ويوم التروية ، ويوم عرفة .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:48 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(264)
الحلقة (278)
صــ 95إلى صــ 102





3439 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر ، عن ابن أبي حبيبة ، عن داود بن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة . [ ص: 95 ]

3440 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر في قوله : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " ، قال : يوم قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وإذا فاته صامها أيام منى .

3441 - حدثنا الحسين بن محمد الذارع ، قال : حدثنا حميد بن الأسود ، عن هشام بن عروة ، عن عروة ، قال : المتمتع يصوم قبل التروية يوما ، ويوم التروية ، ويوم عرفة .

3442 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج " ، قال : آخرهن يوم عرفة .

3443 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، قال : سألت الحكم عن صوم ثلاثة أيام في الحج ، قال : يصوم قبل التروية يوما ، ويوم التروية ، ويوم عرفة .

3444 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم : " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " أنه قال : آخرها يوم عرفة .

3445 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قال في المتمتع إذا لم يجد الهدي : صام يوما قبل يوم التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة .

3446 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، وهارون عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، قال : يصوم المتمتع الثلاثة الأيام لمتعته في العشر [ ص: 96 ] إلى يوم عرفة .

قال : وسمعت مجاهدا وطاوسا يقولان : إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه .

3447 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام وهارون عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : صوم ثلاثة أيام للمتمتع ، إذا لم يجد ما يهدي ، يصوم في العشر إلى يوم عرفة متى صام أجزأه ، فإن صام الرجل في شوال أو ذي القعدة أجزأه .

3448 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، قال : حدثني يعقوب بن عطاء ، أن عطاء بن أبي رباح ، كان يقول : من استطاع أن يصومهن فيما بين أول يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة فليصم .

3449 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن في قوله : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " قال : آخرها يوم عرفة .

3450 - حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن داود وحدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود عن عامر في هذه الآية : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " ، قال : قبل يوم التروية يوما ، ويوم التروية ، ويوم عرفة .

3451 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج " آخرهن يوم عرفة من ذي الحجة .

3452 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3453 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج " قال : كان يقال عرفة وما قبلها يومين من العشر . [ ص: 97 ]

3454 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج " ، قال : فآخرها يوم عرفة .

3455 - حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " قال : آخرها يوم عرفة .

3456 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا فطر ، عن عطاء : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " قال : آخرها يوم عرفة .

3457 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " قال : عرفة وما قبلها من العشر .

3458 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد وإبراهيم ، قالا" صيام ثلاثة أيام في الحج" ، في العشر ، آخرهن عرفة .

3459 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن يزيد بن خمير ، قال : سألت طاوسا عن صيام ثلاثة أيام في الحج ، قال : آخرهن يوم عرفة .

3460 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " إلى : " وسبعة إذا رجعتم " ، وهذا على المتمتع بالعمرة إذا لم يجد هديا ، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة ، فإن كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه وسبعة إذا رجع إلى أهله .

3461 - حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " قال : آخرها يوم عرفة . [ ص: 98 ]

وقال آخرون : بل آخرهن انقضاء يوم منى .

ذكر من قال ذلك :

3462 - حدثني علي بن سهل ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عليا كان يقول : من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج صامهن أيام التشريق .

3463 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب ، قال : حدثني عمي عبد الله بن وهب ، قال : حدثني يونس عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، قال : قالت عائشة : يصوم المتمتع الذي يفوته الصيام أيام منى .

3464 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، عن نافع ، قال : قال ابن عمر : من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج ، فليصم أيام التشريق فإنهن من الحج .

3465 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمر بن محمد أن نافعا حدثه : أن عبد الله بن عمر قال : من اعتمر في أشهر الحج فلم يكن معه هدي ولم يصم الثلاثة الأيام قبل أيام التشريق ، فليصم أيام منى .

3466 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت عبد الله بن عيسى بن أبي ليلى يحدث عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة وعن سالم ، عن عبد الله بن عمر أنهما قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصوم إلا لمن يجد هديا .

3467 - حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا هشام ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : إذا لم يصم الثلاثة الأيام قبل النحر صام أيام التشريق ، فإنها من أيام الحج .

وذكر هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قال :

3468 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد عن هشام [ ص: 99 ] بن عروة ، عن أبيه في هذه الآية : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " قال : هي أيام التشريق .

3469 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن وبرة ، عن ابن عمر قال : يصوم يوما قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة . قال : وقال عبيد بن عمير : يصوم أيام التشريق .

قال أبو جعفر : وعلة من قال : " آخر الثلاثة الأيام التي أوجب الله صومهن في الحج على من لم يجد الهدي من المتمتعين - يوم عرفة " ، أن الله جل ثناؤه أوجب صومهن في الحج بقوله : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " . قالوا : وإذا انقضى يوم عرفة ، فقد انقضى الحج ، لأن يوم النحر يوم إحلال من الإحرام . قالوا : وقد أجمع الجميع أنه غير جائز له صوم يوم النحر . قالوا : فإن يكن إجماعهم على أن ذلك له غير جائز ، من أجل أنه ليس من أيام الحج ، فأيام التشريق بعده أحرى أن لا تكون من أيام الحج ، لأن أيام الحج متى انقضت من سنة ، فلن تعود إلى سنة أخرى بعدها . أو يكون إجماعهم على أن ذلك له غير جائز ، من أجل أنه يوم عيد ، فأيام التشريق التي بعده في معناه ؛ لأنها أيام عيد ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن صومهن ، كما نهى عن صوم يوم النحر .

قالوا : وإذا كان يفوت صومهن بمضي يوم عرفة ، لم يكن إلى صيامهن في الحج سبيل; لأن الله شرط صومهن في الحج ، فلم يجز عنه إلا الهدي الذي فرضه الله عليه لمتعته .

وعلة من قال : " آخر الأيام الثلاثة التي ذكرها الله في كتابه انقضاء آخر أيام منى " ، أن الله أوجب على المتمتع ما استيسر من الهدي ، ثم الصيام إن لم يجد إلى الهدي سبيلا . قالوا : وإنما يجب عليه نحر هدي المتعة يوم النحر ، ولو كان له واجدا قبل ذلك . قالوا : فإذا كان ذلك كذلك فإنما رخص له في الصوم يوم يلزمه نحر الهدي فلا يجد إليه سبيلا . قالوا : والوقت الذي يلزمه [ ص: 100 ] فيه نحر الهدي يوم النحر والأيام التي بعده من أيام النحر ، فأما قبل ذلك فلم يمكن نحره . قالوا : فإذا كان النحر لم يكن له لازما قبل ذلك ، وإنما لزمه يوم النحر ، فإنما لزمه الصوم يوم النحر ، وذلك حين عدم الهدي فلم يجده ، فوجب عليه الصوم . قالوا : وإذا كان ذلك كذلك ، فالصوم إنما يلزمه أوله في اليوم الذي يلي يوم النحر . وذلك أن النحر إنما كان لزمه من بعد طلوع الفجر . ومن ذلك الوقت إذا لم يجده ، يكون له الصوم . قالوا : وإذا طلع فجر يوم لم يلزمه صومه قبل ذلك ، إذا كان الصوم لا يكون في بعض نهار يوم في واجب ، علم أن الواجب عليه الصوم من اليوم الذي يليه إلى انقضاء الأيام الثلاثة بعد يوم النحر من أيام التشريق .

قالوا : ولا معنى لقول القائل : إن أيام منى ليست من أيام الحج; لأنهن ينسك فيهن بالرمي والعكوف على عمل الحج ، كما ينسك غير ذلك من أعمال الحج في الأيام قبلها . قالوا : هذا مع شهادة الخبر الذي : -

3470 - حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا يحيى بن سلام أن شعبة حدثه عن ابن أبي ليلى ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، قال : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاتته أيام العشر ، أن يصوم أيام التشريق مكانها . [ ص: 101 ]

لصحة ما قلنا في ذلك من القول وخطأ قول من خالف قولنا فيه .

3471 - حدثني يعقوب ، قال : حدثني هشيم ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بن قيس ، فنادى في أيام التشريق ، فقال : إن هذه أيام أكل وشرب وذكر لله ، إلا من كان عليه صوم من هدي .

واختلف أهل العلم في أول الوقت الذي يجب على المتمتع الابتداء في صوم الأيام الثلاثة التي قال الله عز وجل : " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج " ، والوقت الذي يجوز له فيه صومهن ، وإن لم يكن واجبا عليه فيه صومهن .

فقال بعضهم : له أن يصومهن من أول أشهر الحج .

ذكر من قال ذلك :

3472 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام وهارون ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وطاوس : أنهما كانا يقولان : إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه . قال : وقال مجاهد : إذا لم يجد المتمتع ما يهدي ، فإنه يصوم في العشر إلى يوم عرفة ، متى ما صام أجزأه . فإن صام الرجل في شوال أو ذي القعدة أجزأه . [ ص: 102 ]

3473 - حدثني أحمد بن المغيرة ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : من صام يوما في شوال ويوما في ذي القعدة ويوما في ذي الحجة ، أجزأه عنه من صوم التمتع .

3474 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : إن شاء صام أول يوم من شوال .

3475 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد في قول الله جل وعز : " فصيام ثلاثة أيام في الحج " ، قال : إن شاء صامها في العشر ، وإن شاء في ذي القعدة ، وإن شاء في شوال .

وقال آخرون : يصومهن في عشر ذي الحجة دون غيرها .

ذكر من قال ذلك :

3476 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام وهارون ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء : يصوم الثلاثة الأيام للمتعة في العشر إلى يوم عرفة .

3477 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، قال : حدثني يعقوب أن عطاء بن أبي رباح كان يقول : من استطاع أن يصومهن فيما بين أول يوم من ذي الحجة إلى يوم عرفة ، فليصم .

3478 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : ولا بأس أن يصوم المتمتع في العشر وهو حلال .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:52 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(265)
الحلقة (279)
صــ 103إلى صــ 110







3479 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن الحجاج ، عن أبي جعفر ، قال : لا يصام إلا في العشر . [ ص: 103 ]

3480 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا الربيع ، عن عطاء أنه كان يقول في صيام ثلاثة أيام في الحج ، قال : في تسع من ذي الحجة أيها شئت ، فمن صام قبل ذلك في شوال وفي ذي القعدة ، فهو بمنزلة من لم يصم .

وقال آخرون : له أن يصومهن قبل الإحرام بالحج .

ذكر من قال ذلك :

3481 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة ، قال : إذا خشي أن لا يدرك الصوم بمكة صام بالطريق يوما أو يومين .

3482 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : لا بأس أن تصوم الثلاثة الأيام في المتعة وأنت حلال .

وقال آخرون : لا يجوز أن يصومهن إلا بعد ما يحرم بالحج .

ذكر من قال ذلك :

3483 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : لا يصومهن إلا وهو حرام .

3484 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر ، عن ابن أبي حبيبة ، عن داود بن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة .

3485 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : لا يجزيه صوم ثلاثة أيام وهو [ ص: 104 ] متمتع إلا أن يحرم . وقال مجاهد : يجزيه إذا صام في ذي القعدة .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن للمتمتع أن يصوم الأيام الثلاثة التي أوجب الله عليه صومهن لمتعته إذا لم يجد ما استيسر من الهدي ، من أول إحرامه بالحج بعد قضاء عمرته واستمتاعه بالإحلال إلى حجه ، إلى انقضاء آخر عمل حجه وذلك بعد انقضاء أيام منى سوى يوم النحر ، فإنه غير جائز له صومه ابتدأ صومهن قبله ، أو ترك صومهن فأخره حتى انقضاء يوم عرفة .

وإنما قلنا : له صوم أيام التشريق ، لما ذكرنا من العلة لقائل ذلك قبل ، فإن صامهن قبل إحرامه بالحج فإنه غير مجزئ صومه ذلك من الواجب عليه من الصوم الذي فرضه الله عليه لمتعته . وذلك أن الله جل وعز إنما أوجب الصوم على من لم يجد هديا ممن استمتع بعمرته إلى حجه ، فالمعتمر قبل إحلاله من عمرته وقبل دخوله في حجه غير مستحق اسم" متمتع" بعمرته إلى حجه . وإنما يقال له قبل إحرامه" معتمر" ، حتى يدخل بعد إحلاله في الحج قبل شخوصه عن مكة . فإذا دخل في الحج محرما به - بعد قضاء عمرته في أشهر الحج ، ومقامه بمكة بعد قضاء عمرته حلالا حتى حج من عامه - سمي "متمتعا" . فإذا استحق اسم "متمتع" لزمه الهدي ، وحينئذ يكون له الصوم بعدمه الهدي إن عدمه فلم يجده .

فأما إن صامه قبل دخوله في الحج - وإن كان من نيته الحج - فإنما هو رجل صام صوما ينوي به قضاء عما عسى أن يلزمه أو لا يلزمه ، فسبيله سبيل رجل معسر صام ثلاثة أيام ينوي بصومهن كفارة يمين ، ليمين يريد أن يحلف بها ويحنث فيها ، وذلك ما لا خلاف بين الجميع أنه غير مجزئ من كفارة إن حلف بها بعد الصوم فحنث . [ ص: 105 ]

فإن ظن ظان أن صوم المعتمر - بعد إحلاله من عمرته ، أو قبله ، وقبل دخوله في الحج - مجزئ عنه من الصوم الذي أوجبه الله عليه إن تمتع بعمرته إلى الحج ، نظير ما أجزأ الحالف بيمين إذا كفر عنها قبل حنثه فيها بعد حلفه بها فقد ظن خطأ ؛ لأن الله جل ثناؤه جعل لليمين تحليلا هو غير تكفير ، فالفاعل فيها قبل الحنث فيها ما يفعله المكفر بعد حنثه فيها ، محلل غير مكفر . والمتمتع إذا صام قبل تمتعه صائم تكفيرا لما يظن أنه يلزمه ولما يلزمه ، وهو كالمكفر عن قتل صيد يريد قتله وهو محرم قبل قتله ، وعن تطيب قبل تطيبه .

ومن أبى ما قلنا في ذلك ممن زعم أن للمعتمر الصوم قبل إحرامه بالحج ، قيل له : ما قلت فيمن كفر من المحرمين عن الواجب على من ترك رمي الجمرات أيام منى يوم عرفة ، وهو ينوي ترك الجمرات ، ثم أقام بمنى أيام منى حتى انقضت تاركا رمي الجمرات ، هل يجزيه تكفيره ذلك عن الواجب عليه في ترك ما ترك من ذلك؟

فإن زعم أن ذلك يجزيه ، سئل عن مثل ذلك في جميع مناسك الحج التي أوجب الله في تضييعه على المحرم ، أو في فعله ، كفارة ، فإن سوى بين جميع ذلك قاد قوله ،

وسئل عن نظير ذلك في العازم على أن يجامع في شهر رمضان ، وهو مقيم صحيح ، إذا كفر قبل دخول الشهر ، ودخل الشهر ففعل ما كان عازما عليه هل تجزيه كفارته التي كفر عن الواجب من وطئه ذلك ، وكذلك يسأل عمن أراد أن يظاهر من امرأته ، فإن قاد قوله في ذلك ، خرج من قول جميع الأمة . [ ص: 106 ]

وإن أبى شيئا من ذلك ، سئل الفرق بينه وبين الصائم لمتعته قبل تمتعه وقبل إحرامه بالحج ، ثم عكس عليه القول في ذلك ، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .
القول في تأويل قوله تعالى ( وسبعة إذا رجعتم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : فمن لم يجد ما استيسر من الهدي ، فعليه صيام ثلاثة أيام في حجه وصيام سبعة أيام إذا رجع إلى أهله ومصره .

فإن قال لنا قائل : أوما يجب عليه صوم السبعة الأيام بعد الأيام الثلاثة التي يصومهن في الحج إلا بعد رجوعه إلى مصره وأهله؟

قيل : بل قد أوجب الله عليه صوم الأيام العشرة بعدم ما استيسر من الهدي لمتعته ، ولكن الله تعالى ذكره رأفة منه بعباده رخص لمن أوجب ذلك عليه ، كما رخص للمسافر والمريض في شهر رمضان الإفطار وقضاء عدة ما أفطر من الأيام من أيام أخر . ولو تحمل المتمتع فصام الأيام السبعة في سفره قبل رجوعه إلى وطنه ، أو صامهن بمكة ، كان مؤديا ما عليه من فرض الصوم في ذلك ، وكان بمنزلة الصائم شهر رمضان في سفره أو مرضه ، مختارا للعسر على اليسر .

وبالذي قلنا في ذلك قالت علماء الأمة .

ذكر من قال ذلك :

3486 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " وسبعة إذا رجعتم " ، قال : هي رخصة إن شاء صامها في الطريق .

3487 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 107 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وسبعة إذا رجعتم " ، قال : هي رخصة إن شاء صامها في الطريق ، وإن شاء صامها بعد ما يرجع إلى أهله .

3488 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ، نحوه .

3489 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور : " وسبعة إذا رجعتم " ، قال : إن شاء صامها في الطريق ، وإنما هي رخصة .

3490 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : إن شئت صم السبعة في الطريق ، وإن شئت إذا رجعت إلى أهلك .

3491 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن فطر ، عن عطاء ، قال : يصوم السبعة إذا رجع إلى أهله أحب إلي .

3492 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : " وسبعة إذا رجعتم " ، قال : إن شئت في الطريق ، وإن شئت بعد ما تقدم إلى أهلك .

فإن قال : وما برهانك على أن معنى قوله : " وسبعة إذا رجعتم" إذا رجعتم إلى أهليكم وأمصاركم دون أن يكون معناه : إذا رجعتم من منى إلى مكة؟

قيل : إجماع جميع أهل العلم على أن معناه ما قلنا دون غيره .

ذكر بعض من قال ذلك :

3493 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : " وسبعة إذا رجعتم " ، قال : إذا رجعت إلى أهلك . [ ص: 108 ]

3495 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وسبعة إذا رجعتم " إذا رجعتم إلى أمصاركم .

3496 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

3497 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : " وسبعة إذا رجعتم " قال : إلى أهلك .
القول في تأويل قوله تعالى ( تلك عشرة كاملة )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " كاملة" .

فقال بعضهم : معنى ذلك : فصيام الثلاثة الأيام في الحج والسبعة الأيام بعد ما يرجع إلى أهله عشرة كاملة من الهدي .

ذكر من قال ذلك :

3498 - حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " تلك عشرة كاملة " ، قال : كاملة من الهدي .

3499 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم ، عن عباد ، عن الحسن ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : كملت لكم أجر من أقام على إحرامه ، ولم يحل ولم يتمتع تمتعكم بالعمرة إلى الحج .

وقال آخرون : معنى ذلك الأمر ، وإن كان مخرجه مخرج الخبر ، وإنما عنى بقوله : " تلك عشرة كاملة" تلك عشرة أيام فأكملوا صومها لا تقصروا عنها ؛ لأنه فرض عليكم صومها . [ ص: 109 ]

وقال آخرون : بل قوله : " كاملة" ، توكيد للكلام ، كما يقول القائل : " سمعته بأذني ، ورأيته بعيني" ، وكما قال : ( فخر عليهم السقف من فوقهم ) [ النحل : 26 ] ولا يكون" الخر" إلا من فوق ، فأما من موضع آخر ، فإنما يجوز على سعة الكلام .

وقال آخرون : إنما قال : " تلك عشرة كاملة" ، وقد ذكر"سبعة" و"ثلاثة" ؛ لأنه إنما أخبر أنها مجزئة ، وليس يخبر عن عدتها ، وقالوا : ألا ترى أن قوله : "كاملة" إنما هو وافية؟ .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي [ بالصواب ] قول من قال : معنى ذلك تلك عشرة كاملة عليكم فرضنا إكمالها . وذلك أنه جل ثناؤه قال : فمن لم يجد الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ، ثم قال : تلك عشرة أيام عليكم إكمال صومها لمتعتكم بالعمرة إلى الحج . فأخرج ذلك مخرج الخبر ، ومعناه الأمر بها .
القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " ذلك" ، أي التمتع بالعمرة إلى الحج ، لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، كما : -

3500 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، يعني المتعة أنها لأهل الآفاق ، ولا تصلح لأهل مكة . [ ص: 110 ]

3501 - حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أن هذا لأهل الأمصار ليكون عليهم أيسر من أن يحج أحدهم مرة ويعتمر أخرى ، فتجمع حجته وعمرته في سنة واحدة .

ثم اختلف أهل التأويل في من عنى بقوله : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، بعد إجماع جميعهم على أن أهل الحرم معنيون به ، وأنه لا متعة لهم .

فقال بعضهم : عنى بذلك أهل الحرم خاصة دون غيرهم .

ذكر من قال ذلك :

3502 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : قال ابن عباس ومجاهد : أهل الحرم .

3503 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، قال : أهل الحرم .

3504 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، قال : بلغنا عن ابن عباس في قوله : " حاضري المسجد الحرام " ، قال : هم أهل الحرم ، والجماعة عليه .

3505 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، قال قتادة : ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول : يا أهل مكة ، إنه لا متعة لكم ، أحلت لأهل الآفاق وحرمت عليكم ، إنما يقطع أحدكم واديا أو قال : يجعل بينه وبين الحرم واديا ثم يهل بعمرة .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif

ابوالوليد المسلم 09-09-2022 11:55 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(266)
الحلقة (280)
صــ 111إلى صــ 118






3506 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا الليث ، قال : حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري : أن أهل مكة كانوا يغزون ويتجرون ، فيقدمون [ ص: 111 ] في أشهر الحج ثم يحجون ، ولا يكون عليهم الهدي ولا الصيام ، أرخص لهم في ذلك ، لقول الله عز وجل : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " .

3507 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : أهل الحرم .

3508 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : المتعة للناس ، إلا لأهل مكة ممن لم يكن أهله من الحرم ، وذلك قول الله عز وجل : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، قال : وبلغني عن ابن عباس مثل قول طاوس . بالكلام

وقال آخرون : عنى بذلك أهل الحرم ومن كان منزله دون المواقيت إلى مكة .

ذكر من قال ذلك :

3509 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن مكحول : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، قال : من كان دون المواقيت .

3510 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك بإسناده مثله إلا أنه قال : ما كان دون المواقيت إلى مكة .

3511 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن عطاء ، قال : من كان أهله من دون المواقيت ، فهو كأهل مكة لا يتمتع . [ ص: 112 ]

وقال بعضهم : بل عنى بذلك أهل الحرم ، ومن قرب منزله منه .

ذكر من قال ذلك :

3512 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثني أبي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، قال : عرفة ، ومر ، وعرنة ، وضجنان ، والرجيع ، ونخلتان .

3513 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري والمثنى قالا حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، قال : عرفة ومر ، وعرنة ، وضجنان ، والرجيع .

3514 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري في هذه الآية قال : اليوم واليومين .

3515 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، قال : سمعت الزهري يقول : من كان أهله على يوم أو نحوه تمتع .

3516 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء : أنه جعل أهل عرفة من أهل مكة في قوله : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " .

3517 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " ، قال : أهل مكة وفج وذي طوى ، وما يلي ذلك فهو من مكة .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا قول من قال : إن حاضري المسجد الحرام من هو حوله ممن بينه وبينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصلوات . لأن "حاضر الشيء" ، في كلام العرب ، هو الشاهد له بنفسه . وإذا كان ذلك كذلك وكان لا يستحق أن يسمى"غائبا" ، إلا من كان مسافرا [ ص: 113 ] شاخصا عن وطنه ، وكان المسافر لا يكون مسافرا إلا بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر في مثله الصلاة ، وكان من لم يكن كذلك لا يستحق اسم"غائب" عن وطنه ومنزله كان كذلك من لم يكن من المسجد الحرام على ما تقصر إليه الصلاة ، غير مستحق أن يقال : هو من غير حاضريه إذ كان الغائب عنه هو من وصفنا صفته .

وإنما لم تكن المتعة لمن كان من حاضري المسجد الحرام ، من أجل أن "التمتع" إنما هو الاستمتاع بالإحلال من الإحرام بالعمرة إلى الحج ، مرتفقا في ترك العود إلى المنزل والوطن بالمقام بالحرم حتى ينشئ منه الإحرام بالحج . وكان المعتمر متى قضى عمرته في أشهر الحج ، ثم انصرف إلى وطنه ، أو شخص عن الحرم إلى ما تقصر فيه الصلاة ، ثم حج من عامه ذلك ، بطل أن يكون مستمتعا ؛ لأنه لم يستمتع بالمرفق الذي جعل للمستمتع ، من ترك العود إلى الميقات ، والرجوع إلى الوطن بالمقام في الحرم . وكان المكي من حاضري المسجد الحرام لا يرتفق بذلك ، من أجل أنه متى قضى عمرته أقام في وطنه بالحرم ، فهو غير مرتفق بشيء مما يرتفق به من لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام فيكون متمتعا بالإحلال من عمرته إلى حجه .
[ ص: 114 ] القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ( 196 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل اسمه : " واتقوا الله " ، بطاعته فيما ألزمكم من فرائضه وحدوده ، واحذروا أن تعتدوا في ذلك وتتجاوزوا فيما بين لكم من مناسككم ، فتستحلوا ما حرم فيها عليكم . " واعلموا " : تيقنوا أنه تعالى ذكره شديد عقابه لمن عاقبه على ما انتهك من محارمه وركب من معاصيه .
القول في تأويل قوله تعالى ( الحج أشهر معلومات )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : وقت الحج أشهر معلومات .

"والأشهر" مرفوعات ب "الحج" ، وإن كان له وقتا ، لا صفة ونعتا ، إذ لم تكن محصورات بتعريف ، بإضافة إلى معرفة أو معهود ، فصار الرفع فيهن كالرفع في قول العرب في نظير ذلك من المحل : " المسلمون جانب ، والكفار جانب" ، برفع الجانب الذي لم يكن محصورا على حد معروف . ولو قيل : "جانب أرضهم ، أو بلادهم" ، لكان النصب هو الكلام .

ثم اختلف أهل التأويل في قوله : " الحج أشهر معلومات " . [ ص: 115 ]

فقال بعضهم : يعني ب "الأشهر المعلومات" : شوالا وذا القعدة ، وعشرا من ذي الحجة .

ذكر من قال ذلك :

3518 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قوله : " الحج أشهر معلومات " قال : شوال ، وذو القعدة ، وعشر ذي الحجة .

3519 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان وشريك ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .

3520 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري عن خصيف ، عن مقسم عن ابن عباس ، مثله .

3521 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر السلمي ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ، عن داود بن حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : أشهر الحج شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة .

3523 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " الحج أشهر معلومات " ، وهن : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ، جعلهن الله سبحانه للحج ، وسائر الشهور للعمرة ، فلا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج ، والعمرة يحرم بها في كل شهر .

3524 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : " الحج أشهر معلومات " ، قال : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة .

3525 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن وأبو عامر قالا [ ص: 116 ] حدثنا سفيان وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن المغيرة ، عن إبراهيم مثله .

3526 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم والشعبي مثله .

3527 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان وإسرائيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .

3528 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، مثله .

3529 - حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، مثله .

3530 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

3531 - حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني هشيم ، قال : أخبرنا الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس وأخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم والشعبي وأخبرنا يونس ، عن الحسن وأخبرنا جويبر ، عن الضحاك وأخبرنا حجاج ، عن عطاء ومجاهد ، مثله .

3532 - حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا حماد ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : شوال ، وذو القعدة ، وعشر ذي الحجة في" الحج أشهر معلومات " .

3533 - حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا ورقاء ، [ ص: 117 ] عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : " الحج أشهر معلومات " قال : شوال ، وذو القعدة ، وعشر ذي الحجة .

3534 - حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا حسين بن عقيل ، عن الضحاك ، قال : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة .

3535 - حدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا حسين بن عقيل الخراساني ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول ، فذكر مثله .

وقال آخرون : بل يعني بذلك شوالا وذا القعدة ، وذا الحجة كله .

ذكر من قال ذلك :

3536 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قلت لنافع : أكان عبد الله يسمي أشهر الحج؟ قال : نعم ، شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة .

3537 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : قلت لنافع : أسمعت ابن عمر يسمي أشهر الحج؟ قال : نعم ، كان يسمي شوالا وذا القعدة ، وذا الحجة .

3538 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة .

3539 - حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : " الحج أشهر معلومات " ، قال عطاء : فهي شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة .

3540 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

3541 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 118 ] قوله : " الحج أشهر معلومات " أشهر الحج : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة وربما قال : وعشر ذي الحجة .

3542 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " الحج أشهر معلومات " قال : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة .

3543 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، مثله .

3544 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أشهر الحج : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وما وجه قائلي هذه المقالة ، وقد علمت أن عمل الحج لا يعمل بعد تقضي أيام منى؟

قيل : إن معنى ذلك غير الذي توهمته ، وإنما عنوا بقيلهم : الحج ثلاثة أشهر كوامل ، أنهن أشهر الحج لا أشهر العمرة ، وأن شهور العمرة سواهن من شهور السنة . ومما يدل على أن ذلك معناهم في قيلهم ذلك ما : -

3545 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع ، قال : قال ابن عمر : أن تفصلوا بين أشهر الحج والعمرة فتجعلوا العمرة في غير أشهر الحج ، أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


الساعة الآن : 03:32 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 934.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 932.60 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.19%)]