ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=202628)

ابوالوليد المسلم 09-05-2022 04:35 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 248 الى صــــــــ
262
الحلقة (198)



كتاب الطلاق
تعريفه
-معناه في اللغة حل القيد، سواء كان حسياً، كقيد الفرس، وقيد الأسير. أو معنوياً، كقيد النكاح، وهو الارتباط الحاصل بين الزوجين، فيقال لغة: طلق الناقة، بتخفيف اللام، طلاقاً إذا حل قيدها وسرحها مثل أطلقها طلاقاً، وكذا يقال: طلقت المرأة بتخفيف اللام، مضمومة ومفتوحة، إذا بانت، فالطلاق مصدر طلق - بفتح اللام. وضمها مخففة - كالفساد، أما التطليق فهو مصدر طلق المشدد، كسلم تسليماً، وكلم تكليماً، وهو يستعمل كالطلاق في حل القيد، سواء كان حسياً، أو معنوياً، ثم إن الطلاق مع كونه مصدر طلق بالتخفيف، فإنه يستعمل اسم مصدر لطلق بالتشديد، فيقال: طلق الرجل امرأته، بالتشديد، طلاقاً فالطلاق اسم المصدر، وهو التطليق.
وإذا علمت ذلك فإنه يتضح لك أن اللغة تستعمل لفظ الطلاق أو التطليق في حل عقدة النكاح كما تستعمله في حل القيد الحسي. فالطلاق كانوا يستعملونه في الجاهلية في الفرقة بين الزوجين. فلما جاء الشرع أقر استعماله في هذا المعنى بخصوصه. مع تفاوت يسير في بعض عبارات الفقهاء. لما يترتب على ذلك من تفاوت في بعض الأحكام. ولهذا عرف في الاصطلاح بأنه إزالة النكاح. أو نقصان حله بلفظ مخصوص. ومعنى إزالة النكاح رفع العقد بحيث لا تحل له الزوجة بعد ذلك. وهذا فيما لو طلقها ثلاثاً. وقوله: أو نقصان حله معناه نقص عن الطلاق الذي يترتب عليه نقص حل الزوجة. وهذا كما إذا طلقها طلقة رجعية فإنها تنقص حلها. فبعد أن كانت تحل له مطلقاً. ويملك ثلاث طلقات. أصبحت لا تحل له بعد طلقتين، ولا يملك إلا طلقتين، وهو معنى قول بعضهم في تعريف الطلاق: إنه رفع قيد النكاح أو بعضه، لأن غرضه رفع بعض القيد بطلقة رجعية، فإن القيد يرتفع كله بثلاث طلقات، فيرتفع بعضه بواحدة.
والحاصل أن الطلاق الرجعي لا يرفع عقدة النكاح (1) . وإنما ينقص عدت الطلقات الذي يترتب عليه نقصان الحل على الوجه الذي عرفته، فلذا يحل للمطلق رجعياً أن يطأ زوجته المطلقة ما دامت في العدة، ويعتبر وطؤه رجعة، فلا يشترط أن يراجعها بلفظ خاص قبل أن يطأها، كما سيأتي في مباحث الرجعة، كما لا يشترط أن ينوي (2) رجعتها بالوطء، فكان من الضروري زيارة قيد في تعريف الطلاق يدخل به الطلاق الرجعي.

أركان الطلاق
-للطلاق أركان أربعة (3) : أحدها الزوج، فلا يقع طلاق الأجنبي الذي لا يملك عقدة النكاح لأنك قد عرفت أن الطلاق رفع عقدة النكاح، فلا تتحقق ماهية الطلاق إلا بعد تحقق العقد، فلو علق الطلاق على زواج الاجنبية، كما لو قال: زينب طالق إن تزوجتها، ثم تزوجها، فإن طلاقه لا يقع (4) لقوله صلى الله وعليه وسلم: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق فيما لا يملك" رواه أحمد. وأبو داود والترمذي وحسنه.
ثانيها: الزوجة، فلا يقع الطلاق على الأجنبية، كما عرفت. ومثلها الموطوءة بملك اليمين، فلو طلق جاريته لا يقع طلاقه لأنها ليست زوجة، ولو قال: هند بنت فلان طالقة قبل أن يتزوجها ثم تزوجها فإن طلاقه الأول يكون ملغى، ويكون مالكاً للطلقات الثلاث، ويلحق بالأجنبية امرأته التي طلقها طلاقاً بائناً ولم يجدد عليها عقداً، فإنه إذا طلقها ثانياً فإن طلاقه لا يعتبر لأنها ليست زوجة له، أما امرأته التي طلقها رجعياً فإنه طلقها وهي في العدة طلاقاً ثانياً فإنه يلحق بالأول، لأن الطلاق الرجعي لم يخرجها عن كونها زوجة له.
ثالثها: صيغة الطلاق، وهي اللفظ الدال على حل عقدة النكاح صريحاً كان، أو كناية.
رابعها: القصد، بأن يقصد النطق بلفظ الطلاق، فإذا أراد أن ينادي امرأته باسمها طاهرة، فقال لها: يا طالقة خطأ لم يعتبر طلاق ديانة، كما ستعرفه في الشروط.

شروط الطلاق
-طلاق المكره - طلاق السكران - الطلاق بالإشارة، والكتابة - طلاق الهازل، والمخطئ - طلاق الغضبان. يشترط للطلاق شروط: بعضها يتعلق بالزوج المطلق، وبعضها يتعلق بالزوجة، وبعضها يتعلق بالصيغة، فيشترط في المطلق أمور:
أحدها: أن يكون عاقلاً، فلا يصح طلاق المجنون، ولو كان جنونه متقطعاً يأتيه مرة، ويزول عنه مرة أخرى، فإذا طلق حال جنونه لا يعتبر ولا يحسب عليه بعد الإفاقة.
والمراد بالجنون من زال عقله بمرض، فيدخل المغنى عليه. والمحموم الذي غيبت عقله الحمى فصار يهذي. ومن زال عقله بسبب صداع شديد أو مرض مخي. أما الذي لم يزل عقله ولكنه يغطي ويستتر بسبب تناول مسكر من خمر. وحشيش. وأفيون. وكوكايين. ونحو ذلك من المخدرات التي تغطي العقل، فإن تناولها الشخص وهو عالم بأنها تزيل العقل ليسكر ويطرب، فذهب عقله وطلق امرأته فإن طلاقه يقع عليه، وإن تناولها وهو يعتقد أنها لا تسكر. أو تناولها لتوقف إزالة مرضه عليها، فغاب عقله وطلق فإن طلاقه لا يقع.
وحاصل ذلك أن كل ما يأثم الإنسان بتناوله من المسكرات، فإنه إذا غاب به وطلق زوجته وهو لا يدري فإن طلاقه يقع عليه زجراً ولأمثاله الذين ينتهكون حرمات الدين، أما الذي لا يأثم بتناوله فإنه لا يحسب عليه لأنه معذور.
ولا فرق في وقوع طلاق السكران المعتدي بسكره بين أن يصل إلى حد يشبه فيه المجنون (5) ، فلا يفرق بين السماء والأرض، ولا بين الرجل والمرأة أو لا، فطلاقه يقع سواء كان في أول سكره، أو في نهايته القصوى، ثانيها: أن يكون بالغاً، فلا يقع طلاق الصغير الذي لم يبلغ، ولم مراهقاً مميزاً (6) ، ولا يحسب عليه طلاقه حال الصغر مطلقاً ولو كبر. ثالثها: أن يكون مختاراً فلا يصح طلاق المكره على تفصيل في المذاهب (7) .
ويشترط في الزوجة أمور:
الأول: أن تكون باقية في عصمته، فإذا بانت منه وطلقها وهي في العدة فلا يقع طلاقه لأنها وإن كانت زوجته باعتبار كونها في العدة، ولكن لما طلقها طلاقاً بائناً لم يكن له عليها ولاية.
الثاني: أن لا تكون موطوءة بملك اليمين، فإذا طلق أمته فلا يقع عليه، كما تقدم.
الثالث: أن تكون زوجته بالعقد الصحيح، فإذا عقد على معتدة. أو عقد على أخت امرأته. أو نحو ذلك من العقود الباطلة التي تقدمت فإنه لا يقع عليه طلاقها لأنها ليست زوجة له.
ويشترط في الصيغة أمران أحدهما: أن تكون لفظاً يدل على الطلاق صريحاً، أو كناية، فلا يقع الطلاق بالأفعال، كما إذا غضب على زوجته فأرسلها إلى دار أبيها، وأرسل لها متاعها ومؤخر صداقها بدون أن يتلفظ بالطلاق، فإن ذلك لا يعتبر طلاقاً، وكذا لا يقع بالنية. بدون لفظ، فلو نوى الطلاق. أو حدث به نفسه (8) فإنه لا يقع.
وهل الإشارة والكناية من الأخرس أو من غيره يقومان مقام اللفظ، أو لا؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب (9) .
ثانيهما أن يكون اللفظ مقصوداً، فإذا أراد أن يقول لامرأته: أنت طاهرة، فسبق لسانه وقال لها: أنت طالق فإن طلاقه لا يقع بينه وبين الله تعالى، أما في القضاء فإنه يعتبر لأنه لا اطلاع للقاضي على ما في نفسه، ويقال لمن وقع منه ذلك: مخطئ.
__________
(1) (الشافعية - قالوا: الطلقة الرجعية ترفع قيد النكاح. كالطلاق البائن. فلا يحل للمطلق أن يطأها أو يتمتع بها قبل أن يراجعها بلفظ يشعر بالرجعة صريحاً كان، أو كناية.

فالصريح كقوله: رددتك إلي، ورجعتك، وارتجعتك، ونحو ذلك، والكناية كقوله: تزوجك وأنكحتك، ونحو ذلك، لأن ذلك صريح في العقد، فيكون كناية في الرجعة، ويسن أن تكون الرجعة أمام الشهود، فإذا تمتع بها قبل الرجعة وهو عالم بأن هذا حرام استحق التعزير، إلا إذا كان كتابياً وكان في دينه أن الرجعة تجوز بالوطء والاستمتاع فإنه يقر على ذلك.
ولهذا عرف الشافعية الطلاق بأن حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه، ثم إن كان المراد بالنكاح العقد كانت الإضافة بيانية، والمعنى حل عقد هو النكاح، أو بعبارة أخرى رفع النكاح، وإن كان المراد بالنكاح الوطء كانت الإضافة حقيقية، ومعناه رفع العقد المبيح للوطء) .
(2) (المالكية - قالوا: إذا وطئها من غير أن ينوي الرجعة فإنه لا يكون رجعة، فالوطء لا يكون رجعة إلا إذا كان بنية، أما الوطء بنية الرجعة فإنه يكون رجعة، وعلى هذا لا يكون الطلاق الرجعي رافعاً للعقد، لأنه لو كان رفعاً للعقد لما حل للزوج وطؤها.
ولهذا عرف المالكية الطلاق بأنه صفة حكمية ترفع حلية تمتع الزوج بزوجته بحيث لو تكررت منه مرتين حرمت عليه قبل التزوج بغيره، وهذا التعريف لا يتنافى مع تعريف الحنفية والحنابلة المذكور في أعلى الصحيفة، فلا خلاف بين المالكية وبينهم إلا في أن الرجعة بالوطء لا تتحقق إلا بالنية عند المالكية دون الحنفية والحنابلة. أما الطلاق الرجعي فلا يرفع عقد النكاح بلا خلاف، والمراد بالصفة في قول المالكية صفة حكمية الخ الحدث القائم بالشخص، وهو مدلول التطليق، لأنه قائم بالفاعل ووصف له ومعنى حكمية غير وجودية. بل صفة اعتبارية. لأن الحدث أمر اعتباري والتطليق هو حل قيد النكاح وهو أمر معنوي محتاج إلى لفظ يدل عليه. فلهذا زاد الحنفية والحنابلة بلفظ مخصوص. ولا ريب أن هذا لا يخالف فيه المالكية. أما قول المالكية. بحيث لو تكررت منه مرتين حرمت عليه الخ. فمعناه أن حلها له لا يرتفع إلا بتطليقها ثلاثاً. وذلك لأن التكرار يستلزم سبق واحدة، وقد صرح بمرتين، وهذا القيد هو كقيد الحنفية والحنابلة - أو نقصان حله - لأن الغرض من القيدين إدخال الطلاق الرجعي فإنه لا يرفع حل النكاح) .
(3) (الحنفية، والحنابلة - قالوا: إن ركن الطلاق أمر واحد، وهو الوصف القائم بالمطلق أعني
التطليق، كما تقدم في التعريف. ولما كان التطليق لا يمكن تحققه إلا بالعبارة الدالة عليه قالوا: إن ركن الطلاق هو الصيغة الدالة على ماهيته، سواء كانت لفظاً صريحاً، أو كناية، أما عدا الأمور الأربعة المذكور أركاناً للطلاق فغير ظاهر. لأن الزوج والزوجة جسمان محسوساً، والطلاق وصف اعتباري، فلا معنى لعدهما أجزاء لماهيته، وأما الصيغة فهي صفة أيضاً للمتكلم بها، ويمكن عدها ركناً للضرورة، لأنها دالة على ماهية الطلاق، وماهية الطلاق - وهي الحدث القائم بالمطلق - وصف حكمي لا يتحقق إلا بلفظ يدل عليه، فلذا قالوا: إن ركن الطلاق هو اللفظ الدال عليه تسامحاً، وأما القصد فهو أمر عارض للشخص أيضاً، ولكنه خارج عن ماهية الطلاق، فثبت أن هذه الأربعة كلها خارجة عن ماهية الطلاق، فلا يصح أن تكون من أركانه، لأن ركن الشيء ما كان داخلاً في ماهيته.
وأجيب بأن المراد بالركن ما تتوقف عليه الماهية لا ما كان داخلاً فيها توسعاً ثم أصبح ذلك حقيقة عرفية عند بعضهم، ألا ترى أنهم عدوا الصيغة ركناً للطلاق مع أنها ليست هي الماهية) .
(4) (المالكية، الحنفية - قالوا: إذا علق طلاق امرأة على زوجها فإن طلاقه يعتبر، ويقع عليه إذا تزوجها، فلو قال: إن تزوجت فاطمة بنت محمد تكون طالقة يقع عليه الطلاق بمجرد العقد، ومثل ذلك ما إذا قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق، وقالوا: إنه لا حجة في الحدث المذكور على نفي هذا، لأن الطلاق معلق على ملك بضع المرأة. فإذا وجد الملك وقع الطلاق، فلم يقع الطلاق في صورة التعليق قبل الملك. ومثل ذلك حديث: "لا طلاق إلا بعد النكاح" رواه الترمذي وصححه. فإن معناه أن الطلاق لا يقع إلا بعد وجود العقد. وهم يقولون ذلك، لأن الطلاق المعلق عندهم لا يقع إلا بعد العقد، وقد يقال: إن المالكية، والحنفية قرروا أن طلاق الأجنبية في غير صورة التعليق ملغى لا قيمة له، إذ لا ولاية للزوج عليه، وهذا يقتضي أن عبارة الزوج قبل العقد ملغاة لا معنى لها بدون فرق بين التعليق وغيره، فقوله: إن تزوجتك فأنت طالقة عبارة فاسدة لا قيمة لها، كقوله: أنت طالق) .
(5) (الحنفية - قالوا: حد السكر عند الإمام هو سرور يزيل العقل، فلا يفرق صاحبه بين السماء والأرض، ومعنى هذا أن السكران الذي يصل إلى حد يشبه المجنون يقع طلاقه، ومن باب أولى ما إذا لم يصل إلى هذا الحد، أما الصاحبان فإنهما يقولان: إن حد السكر سرور يغلب على العقل فيجعل صاحبه يهذي في كلامه بحيث يكون غالب كلامه هذياناً، فلو كان نصف كلامه هذياناً ونصفه مستقيماً
فإنه لا يكون سكران، بل يعامل معاملة الصاحي في كل أحواله، على أن من زاد على هذا الحد بأن اختلط عقله فأصبح لا يفرق بين السماء والأرض، ولا بين الرجل والمرأة، فإن طلاقه يقع أيضاً.
وعلى هذا لا يكون للخلاف في حد السكران فائدة بالنسبة لوقوع الطلاق، لأنه واقع في الحالتين على رأي أبي حنيفة، ورأي صاحبيه.
أما الأول: فلأنه يعتبر الهاذي في كلامه فقط كالصاحي الذي يقع طلاقه، بلا نزاع.
وأما الثاني: فلأن الصاحبين يقولان بوقوع طلاقه إذا وصل للحد الأعلى زجراً له.
نعم، تظهر فائدته بالنسبة لإقامة الحد على السكران، فأبو حنيفة يقول: إن السكران لا يحد إلا إذا وصل إلى حالة لا يفرق معها بين السماء والأرض، وبين الرجل والمرأة، وهو الحد الأعلى للسكران، فإذا نقص عنه كان النقص شبهة تدرأ عنه الحد، والصاحبان يقولان: متى هذى في كلامه استحق الحد، على أن بعض المحققين من الحنفية قال: إن الإمام متفق معهما على أن حد السكر الموجب لإيقاع الطلاق هو الهذيان، فلا خلاف بينهما في ذلك، بل الخلاف مقصور على حد الشرب، فلا يحد إلا إذا وصل إلى هذه الحالة عنده دونهما ولكن التحقيق أن السكر بالمعنى الثاني هو المعتبر في كل الأبواب، سواء كان في باب الإيمان، أو الطهارة أو الحد، وهو المفتى به. والدليل على ذلك قول الإمام علي كرّم الله وجهه: من سكر هذى، ومن هذى فقد افترى، ومن افترى استحق جلد ثمانين، فاعتبر الإمام الهذيان سكراً يوجب الحد، ويعتبر الهذيان كالافتراء، أو القذف الذي يوجب الحد بالجلد ثمانين. ثم السكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون ناشئاً من تناول شيء مباح ليس فيه ما يسكر عادة كاللبن الرائب، وعصير القصب، والفواكه قبل تخمرها، فإن تناول من ذلك شيئاً كثيراً، أثر على مزاجه فأسكره، أو تناوله بعد أن تخمر، وهو لا يدري، فسكر وطلق فإن طلاقه لا يقع اتفاقاً.
القسم الثاني: أن يكون السكر ناشئاً من تناول شيء يسكر كثيره لا قليله، وهي الأشربة المتخذة من الحبوب، والعسل، والفواكه. وهذه فيها خلاف، فالإمام وأبو يوسف يقولان: إن من تناول منها وسكر وطلق لا يقع طلاقه، ومحمد يقول: إنه يقع، وقد تقدم في الجزء الثاني في باب ما يحل شربه أن قول محمد هو الصحيح المفتى به، فكما أن شربها لا يحل، وكذلك إذا شربها وسكر وطلق وقع عليه طلاقه.
والقسم الثالث: أن يسكر من الخمر المتفق على تحريم تناوله وهو المتخذ من العنب، والزبيب والتمر، الخ ما تقدم في الجزء الثاني، فمن شرب من ذلك وطلق، فإن طلاقه يقع باتفاق.
ويلحق بالخمر الحشيش، والأفيون فمن أخذ منهما شيئاً بقصد اللهو والسرور فغاب عقله وطلق وقع عليه الطلاق، أما إذا أخذ شيئاً بقصد التداوي فسكر فطلق فإن طلاقه لا يقع. ومثل ذلك البنج
ونحوه من المخدرات كالمورفين والكوكايين - فإن أشار بها الطبيب للتداوي فإنها تكون في حكم تناول المباح، وإلا كانت محرمة تحريماً باتاً.
وإذا شرب خمراً، أو حشيشاً، أو نبيذاً فأصابه صداع فإنه ينظر إن كان الخمر الذي تناوله شديداً يسكر ويستر العقل ويجعل صاحبه يهذي فإن طلاقه يقع، لأن القدر الذي أخذه كاف وحده في ذهاب العقل، أما إذا كان يسيراً لا يغيب العقل به، فإنه لا يقع الطلاق لأن الطلاق لم يستند إلى ذهاب العقل بالخمر بل إلى ذهابه بالصداع، والصداع مرض طبيعي لا يترتب على غياب العقل به وقوع الطلاق، وإن كان سببه محرماً، ألا ترى أنه إذا شرب حشيشاً وجن جنوناً تاماً فإن طلاقه لا يقع.
المالكية - قالوا: السكر الذي يترتب عليه وقوع الطلاق هو أن يختلط الرجل فيهذي في قوله. كما هو في الصحيح عند الحنفية، فمن سكر ووصل إلى هذا الحد وقع طلاقه، أما السكر الذي لا يفرق به صاحبه بين السماء والأرض ولا يعرف الرجل من المرأة بحيث يكون كالمجنون، فإنه لا يترتب عليه وقوع الطلاق اتفاقاً.
ويشترط في وقوع طلاق السكران أن يتناول شيئاً عالماً بأنه يغيب العقل أو شاكاً فيه، وفي هذه الحالة يكون تناوله حراماً، بلا فرق بين أن يكون خمراً. أو لبناً رائباً. أو غير ذلك أما إذا تحقق أنه غير مسكر أو غلب على ظنه أنه كذلك وشربه فسكر وطلق فإنه طلاقه لا يقع) .
(6) (الحنابلة - قالوا: يقع طلاق المميز الذي يعرف ما الطلاق وما يترتب عليه من تحريم زوجته، ولو كان دون عشر سنين، ويصح أن يوكل غيره بأن يطلق عنه كما يصح للغير أن يوكله في الطلاق) .
(7) (الحنفية - قالوا: طلاق المكره يقع خلافاً للأئمة الثلاثة، فلو أكره شخص آخر على تطليق زوجته بالضرب، أو السجن، أو أخذ المال وقع طلاقه، ثم إن كانت الزوجة مدخولاً بها فلا شيء للزوج، وإلا فإنه يرجع على من أكرهه بنصف المهر، ويشترط أن يكون الإكراه على التلفظ بالطلاق فإذا أكرهه على كتابة الطلاق فكتبه فإنه لا يقه به الطلاق وكذلك إذا أكرهه على الإقرار بالطلاق فأقر فإنه لا يقع، فلو أقر بدون إكراه كاذباً أو هازلاً فإنه لا يقع ديانة بينه وبين ربه، ولكنه يقع قضاء لأن القاضي له الظاهر ولا اطلاع له على ما في قلبه، وهذا بخلاف ما إذا طلقها هازلاً، فإذا كان يمزح مع شخص بطلاق زوجته فإنه يقع قضاء وديانة، والفرق بين الأمرين أنه في الأول أقر بالطلاق كاذباً أو هازلاً، وفي الثاني أنشأ الطلاق هازلاً نعم هو لا يقصد بإنشاء الطلاق ما يترتب على صيغة الطلاق من حل عقدة النكاح لا حقيقة ولا مجازاً، ولكنه قصد إنشاء الطلاق ليمزح به فعومل به.
هذا، والحنفية يقولون: إن هناك أشياء أخرى تصخ مع الإكراه، منها الإيلاء فإذا أكره شخص
آخر على أن يحلف بأن لا يطأ زوجته أربعة أشهر ففعل فإنه يصح، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يقربها بانت منه. وإن لم يكن قد دخل بها رجع بنصف المهر على من أكرهه.
ومنها الظهار، فإذا أكرهه على أن يظاهر من زوجته فإنه يقع وعليه الكفارة الآتي بيانها في باب الظهار.
ومنها الرجعة، فإذا أكره الأب ابنه على رجعة زوجته المطلقة فإنه يصح.
ومنها العفو عن القصاص، فلو وجب لشخص على آخر قصاص في نفس أو عضو دونها فأكره على العفو بالتهديد بالضرب أو الحبس فعفا فإن عفوه يصح ولا ضمان على الجاني، ولا على من أكرهه وهذا بخلاف ما إذا أكرهه على أن يبرئه من مال له عليه فأبرأه فإن البراءة تكون باطلة ويبقى له حقه، ومنها أن يكرهه على نذر أو يمين، فإنه يجب عليه أن يبر بها، وإن لم يفعل أثم، سواء كان المحلوف عليه طاعة أو معصية، ومنها أن تكرهه على الرجوع إلى زوجته في الإيلاء، فلو رجع إليها مكرهاً قبل أربعة أشهر صح رجوعه، ولم تبن منه عند انقضاء أربعة أشهر، ومنها الإكراه على الصلح عن دم القتل عمداً فلو كان لشخص دم عند آخر وهدده بالقتل أو الإيذاء إن لم يصطلح معه على مال كذا ففعل، فإنه يصح، ولا يبقى له حق قبل الجاني ومنها إكراه المرأة على أن تدفع مالاً في نظير أن يطلقها زوجها، فإذا قبلت أن تدفع مالاً مكرهة وطلقها وقع طلاقه، ولا شيء له عليها من المال فالذي يصح في هذه الحالة هو الطلاق، أما إذا أكره الرجل على أن يطلق امرأته في نظير مال يأخذه منها فطلقها فإن طلاقها يصح، ويجب عليها أن تدفع المال الذي حددته له، ومنها الإكراه على الإسلام فإنه يصح ويعتبر المكره مسلماً تجري عليه أحكام الإسلام، ومنها الإكراه على الصدقة فإنها تجب عليه كما يجب عليه النذر.
فهذه الأمور تصح مع الإكراه، وقد عدوا أموراً أخرى يترتب عليها أحكام مع الإكراه عليها منها ما إذا أكره امرأة على أن ترضع طفلاً فإنه يترتب على هذا الرضاع حرمة المصاهرة كما لو أرضعته مختارة، ومنها أن يكرهه على الخلوة بامرأة أو إتيانها، فإنه يترتب على ذلك تقرر الصداق لها جميعه، ومنها أن
يكرهه شخص على إتيان جارية فتحمل منه، فإن الولد يلحق به، وإن كان مكرهاً على وطئها، وسيأتي لذلك مزيد في مباحث الإكراه إن شاء الله.

يتبع

ابوالوليد المسلم 09-05-2022 04:36 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 248 الى صــــــــ
262
الحلقة (199)





المالكية - قالوا: لا يقع الطلاق على المكره، ثم إن الإكراه ينقسم إلى قسمين: إكراه على إيقاع الطلاق بالقول، وإكراه على فعل يلزمه الطلاق، ثم الفعل إما أن يكون متعلقاً بحق الغير. أو لا يكون، فأما الإكراه على إيقاع الطلاق فلا يلزمه به شيء لا قضاء ولا ديانة باتفاق. حتى ولو أكره أن يطلق طلقة واحدة فأوقع أكثر، فإنه لا يلزمه شيء لأن المكره لا يملك نفسه كالمجنون، بشرط أن لا ينوي حل عقدة الزواج باطناً، فإن نوى وقع عليه الطلاق، لأن النية لا يمكن الإكراه عليها، بل بعضهم يرى أنه يشترط أن يوري إن كان يعرف التورية كأن يقصد بالطلاق حل امرأته من القيد بالحبل، أو قيد الحديد، أو ينوي بطالق أنها تألمت بالطلق عند ولادتها، فإن ترك التورية وهو يعلمها، فإنه يقع عليه الطلاق، ولكن الصحيح أن التورية لا تشترط ولو كان عالماً بها، لأن المكره لا يلزم بمثل هذه القيود، وأما إن أكره على فعل يترتب عليه الطلاق ولكن لا يتعلق به حق الغير، كما إذا حلف بالطلاق ألا يدخل داراً فحمله شخص رغماً عنه وأدخله الدار، فإنه لا يلزمه الطلاق على المعتمد، ولكن بشروط خمسة:
الشرط الأول: أن يكون صيغة بر لا صيغة حنث، وصيغة البر هي أن يحلف على أن لا يفعل وصيغة الحنث هي أن يحلف على أن يفعل، والأول كما مثلنا، والثاني كقوله: إن لم أدخل الدار فهي طالق، فإذا منعه أحد من دخول الدار رغم أنفه فإن يمينه يلزمه، وقد تقدم هذا في الأيمان جزء ثان.
الشرط الثاني: أن لا يأمر الحالف غيره بأن يكرهه، فإذا أمر غيره أن يحمله ويدخله الدار لزمته اليمين.
الشرط الثالث: أن يكون عند الحلف غير عالم بأنه سيكره على فعل المحلوف عليه، فإن كان عالماً فإنه يلزمه اليمين، لأن علمه بالإكراه يجعله على بصيرة في أمر اليمين. الشرط الرابع: أن لا يقول في يمينه لا أدخل الدار طوعاً ولا كرهاً، فإن قال ذلك لزمه اليمين. الشرط الخامس: أن لا يفعل بعد زوال الإكراه، فإذا حلف لا يدخل الدار وحمله شخص وأدخله رغم إرادته ثم خرج، ودخل بعد ذلك باختياره لزمه اليمين.
هذا إذا لم تكن يمينه مقيدة بوقت، فلو حلف لا يدخل الدار في شهر كذا، فأكره على دخولها ثم انقضى الشهر ودخلها مختاراً فإنه لا يقع - راجع الجزء الثاني صحيفة 62 و 63 الطبعة الثالثة - فإن فيها ما يرضي القارئ، وأما إن أكره على فعل يتعلق به حق الغير، كما إذا حلف على زوجته بأن لا تخرج فألزمها القاضي بالخروج لتحلف يميناً لزمتها لحق الغير فإن يمينه يلزمه ويقع عليه على المعتمد، مثل ذلك ما إذا كان يملك نصف عبد، فحلف أن لا يبيعه ثم أعتق شريكه نصفه، فإن نصفه الثاني يجب أن يقوم ليكمل به عتق العبد، ويعطي الحالف قيمة نصفه، فإنه يرغم على بيعه في هذه الحالة، وأخذ قيمة النصف ويلزمه الطلاق على المعتمد.

الشافعية - قالوا: طلاق المكره لا يقع بشروط: أحدها أن يهدده بالإيذاء شخص قادر على تنفيذ ما هدده به عاجلاً، كأن كانت عليه ولاية وسلطة، فإذا لم يكن كذلك وطلق على تهديده لزمه الطلاق، فلو قال له: إن لم تطلق أضربك غداً، فطلق لزمه اليمين، لأن الإيذاء لم يكن عاجلاً.
ثانيها: أن يعجز المكره عن دفعه بهرب أو استغاثة بمن يقدر على دفع الإيذاء عنه.
ثالثها: أن يظن المكره أنه إن امتنع عن طلاق يلحقه الإيذاء الذي هدد به. أن لا يكون الإكراه بحق، فإذا أكره على الطلاق بحق فإنه يقع، وذلك كما إذا كان متزوجاً باثنتين ولواحدة منهما حق قسم عنده وطلقها قبل أن تأخذ حقها ثم تزوج أختها وخاصمته في حقها فأكرهه الحاكم على تطليق أختها حتى يوفيها حقها فإن الطلاق يصح، لأنه بحق، ومثل ذلك ما إذا حلف لا يقرب زوجته أربعة أشهر وانقضت من غير أن يعود إليها وامتنع عن الوعد بالعودة فإنه يجبر على الطلاق. وهو إكراه بحق فيقع.
خامساً: أن لا يظهر من المكره نوع اختيار، وذلك كما إذا أكره على أن يطلقها ثلاثاً. أو طلاقاً بائناً فطلقها واحدة. أو اثنتين. أو رجعية، فإن الطلاق يقع، لأن القرينة دلت على أنه مختار في الجملة، فالشرط أن يفعل ما أكره عليه فقط، خلافاً للمالكية.
سادسها: أن لا ينوي الطلاق، إن نواه في قلبه وقع، أما التورية فإنها غير لازمة ولو كان يعرف التورية.
هذا، ويحصل الإكراه بالتخويف بالمحذور في نظر المكره، كالتهديد بالضرب الشديد أو بالحبس أو إتلاف المال، وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم، فالوجيه الذي يهدد بالتشهير به والاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك في حقه إكراهاً، والشتم في حق رجل ذي مروءة إكراه، ومثل ذلك التهديد بقتل الولد، أو الفجور به، أو الزنا بامرأته. إذ لا شك في أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب والشتم، ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه، أو أحد عصبته، وإن علا أو سفل. أو إيذاؤه بجرح، وكذلك التهديد بقتل قريب من ذوي أرحامه. أو جرحه. أو فجور به، فإنه يعتبر إكراهاً.
هذا، والإكراه الشرعي كغيره لا يلزم به الطلاق، فلو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضاً، فإنه لا يحنث، وكذا لو حلف ليقضين زيداً حقه في هذا الشهر فعجز، فإنه لا يحنث، كما ذكرناه مفصلاً في الجزء الثاني.

الحنابلة - قالوا: طلاق المكره لا يقع بشروط: أحدها أن يكون بغير حق، فإذا أكرهه الحاكم على الطلاق بحق فإنه يقع، كما إذا طلق على من آلى من زوجته ولم يرجع إليها بعد أربعة أشهر، ونحو ذلك.
ثانيها: أن يكون الإكراه بما يؤلم، كأن يهدده بما يضره ضرراً كثيراً من قتل، وقطع يد أو رجل. أو ضرب شديد. أو ضرب يسير لذي مروءة. أو حبس طويل، خلافاً للمالكية. أو أخذ مال كثير. أو إخراج من ديار. أو تعذيب لولده. بخلاف باقي أقاربه، فإن التهديد بإيذائهم ليس إكراهاً.
ثالثها: أن يكون المهدد قادراً على فعل ما هدد به.
رابعها: أن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع الإيذاء الذي هدد به، وإلا فلا يكون مكرهاً.
خامسها: أن يكون عاجزاً عن دفعه وعن الهرب منه، ومثل ذلك ما إذا أكرهه بالضرب فعلاً. أو الخنق. أو عصر الساق. أو غط في الماء ولو بدون تهديد ووعيد، فالطلاق لا يلزم في هذه الأحول) .
(8) (المالكية - قالوا: في وقوع الطلاق بالكلام النفسي خلاف، فبعضهم قال: إنه يقع به الطلاق، وبعضهم قال: لا يقع، وهو المعتمد) .
(9) (الحنفية - قالوا: الإشارة بالطلاق لا تقوم مقام اللفظ من السليم الذي يمكنه أن ينطق، فلا يقع الطلاق إلا باللفظ المسموع، بخلاف حديث النفس أو الهمس فإنه لا يعتبر أما الأخرس فلا يخلو إما أن يكون ولد وهو أخرس. أو يكون الخرس قد عرض له، فإن كان الأول وكانت له إشارة مفهومة يعرف بها طلاقه، ونكاحه، وبيعه وشراؤه فإنها تعتبر وإن لم تكن له إشارة مفهومة فلا يعتبر له طلاق. وإذا كان يعرف الكتابة فإن طلاقه بالإشارة لا يصح إذ في إمكانه أن يكتب ما يريد، فكتابة الأخرس كاللفظ من السليم على المعتمد، أما إن كان الخرس طارئاً عليه، فإن كان لا يرجى برؤه
ومضى عليه زمن حتى صارت له أشار مفهومة فإنه يعمل بإشارته، وإلا فتقف تصرفاته حتى يبرأ، هذا إذا لم يعرف الكتابة، وإلا فيعمل بها بلا نزاع.
أما الكتابة فإنها تقوم مقام اللفظ بشرطين: الشرط الأول أن تكون ثابتة بأن يكتب على ورقة، أو لوح، أو حائط بقلم ومداد كتابة يمكن قراءتها وفهمها، فإذا كتب أنت طالق بأصبعه على الماء، أو في الهواء، أو على فراش، أو على لوح بدون مداد فإنها لا تعتبر طلاقاً وكذا إذا كتب كتابة ثابتة بمداد على ورق ونحوه، ولكنها لا تفهم ولا تقرأ، فإنها لا تعتبر طلاقاً حتى ولو نوى بها الطلاق.
الشرط الثاني: أن يكتب صيغة الطلاق في كتاب له عنوان كالمعتاد، كأن يقول: إلى فلانة، أما بعد فأنت طالق. فإذا كتب على هذا الوجه فإن طلاقه يقع بمجرد كتابته، سواء نوى الطلاق أو لم ينو، لأنه قام مقام اللفظ الصريح، فلا يحتاج إلى نية، وإذا كتب لها يقول: إلى فلانة، أما بعد فإذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، فإنها تطلق بمجرد أن يصل إليها الكتاب، سواء قرأته، أو لم تقرأه. ويقال للكتاب المعنون الذي صدر على الوجه الذي بيناه، مرسوم. فإذا لم يكن الكتاب مرسوماً بل كتب في ورقة أنت طالق فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوى الطلاق، لأنه وإن كتب طلاقاً صريحاً، ولكن يحتمل أن يكون قد كتب ليتسلى بكتابته أو ليجود خطه، أو نحو ذلك، فلا بد فيه من نية.
والحاصل أن الكتابة تقوم مقام اللفظ بدون نية إذا كانت ثابتة تقرأ وتفهم في كتاب له عنوان كالمعتاد، فإن لم تكن ثابتة أو كانت لا تقرأ ولا تفهم، فلا يقع بها شيء، ثم إن كانت ثابتة تقرأ وتفهم في كتاب معنون يقع بها الطلاق بدون نية، وإن كانت في كتاب غير معنون لا يقع بها الطلاق إلا بالنية. ومن هذا يتبين أن ما كتبه بعض الموثقين في وثائق الطلاق من قولهم: حضر فلان وطلق امرأته فلانة كذا ثم يوقع عليه الزوج قبل أن ينطق بصيغة الطلاق فإنه لا يقع عليه به طلاق إلا إذا نوى به الطلاق، لأنه ليس في كتاب معنون. وإذا كتب كتاباً معنوناً، وقال لها فيه: أنت طالق وادعى أنه يقصد بالكتابة تجويد الخط ولا ينوي الطلاق، فإنه لا يصدق قضاء، ولكن يصدق ديانة، وإذا أرسل لها الكتاب ووقع في يد أبيها ولم يعطه لها فإن كان أبوها متصرفاً في جميع أمورها فإنه يقع وإلا فلا. وإذا مزقه ودفعه إليها ممزقاً فإن كان يمكن قراءته وفهمه فإنه يقع وإلا فلا.
وكل كتاب لم يكتبه بخطه أو يمله على الغير فإنه لا يقع به الطلاق ما لم يقر بأنه كتابه، فإذا قال لشخص: اكتب طلاق امرأتي وابعث به إليها، فإنه يكون إقراراً بالطلاق، وسواء كتب، أو لم يكتب كان طلاق امرأته واقعاً، وإذا كتب شخص وقرأ عليه الكتاب فأخذه ووقع عليه وأرسله إليها، فإنها
تطلق إذا كان معنوناً ولم ينكر أنه كتابه، فإذا أنكر ولم تقم بينة على أنه كتابه فلا تطلق لا قضاء ولا ديانة، وإذا كتب امرأتي فلانة طالق، وقال: إن شاء الله بدون أن يكتبها فإنها لا تطلق، وبالعكس، فإذا قال: امرأتي طالق وكتب إن شاء الله، فإنها لا تطلق أيضاً.
المالكية - قالوا: الإشارة المفهمة الدالة على الطلاق تقوم مقام اللفظ من الأخرس ومن السليم القادر على النطق على المعتمد، ثم إن حصلت الإشارة من الأخرس تكون كالطلاق الصريح، وإن حصلت من القادر على النطق تكون كالكتابة، وذلك لأن إشارة الأخرس لا يستطيع أن يعبر بما هو أدل منها على مراده، فهي نهاية ما يفصح به عن رأيه، أما القادر على الكلام فإنه يمكنه أن يعبر بالعبارة التي هي أصرح من الإشارة، فتكون الإشارة كالكتابة بالنسبة للصريح فإن لم تقترن بها قرينة يقطع من عاينها أنها دالة على الطلاق وإن لم تفهمها الزوجة لبلادتها فإنها لا تعتبر طلاقاً ولو قصد بها الطلاق لأنها تكون في حكم الفعل لا يقع به الطلاق نعم إذا جرى العرف بأن هذه الإشارة طلاق فإنها تعتبر طلاقاً.
أما كتابة الطلاق فإنها على ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكتب الطلاق وهو ينويه.
الحالة الثانية: أن يكتبه بدون أن تكون له نية، وفي هاتين الحالتين يلزم الطلاق الذي كتبه بمجرد كتابته.
الحالة الثالثة: أن يكتبه على أنه بالخيار بين أن ينفذه. أو لا ينفذه، وفي هذه الحالة يكون الخيار له ما دام في يده، فإن خرج من يده بأن بعثه إليها فإن نوى وقت إخراجه طلاقها أو لم ينو شيئاً فإنه يقع طلاقه، سواء أو صلها أم لم يصلها. لأنه وإن كان وقت كتابته متردداً بين الطلاق وعدمه لكنه وقت خروجه من يده نوى الطلاق أو لم ينو شيئاً فكان في حكم الذي نوى وقت الكتابة، أو لم ينو. أما إذا كان متردداً وقت خروجه أيضاً فإن طلاقه لا يقع إلا إذا وصل إليها وهل له أن يرد الكتاب بعد خروجه من يده، أو لا؟ خلاف، والتحقيق أن له أن يرده.
والحاصل أن الطلاق يقع بمجرد كتابته إذا نوى الطلاق، أو لم ينو شيئاً. سواء خرج الكتاب من تحت يده، أو لم يخرج. وسواء وصل إلى الزوجة أو وليها أو لم يصل، أما إذا كتبه وهو متردد في أمره، بمعنى أنه ينوي أن يكون له الخيار في إنفاذه أو لا، أو يستشير أباه أو غيره فإنه لا يقع عليه الطلاق ما دام الكتاب في يده، فإذا خرج من يده فلا يخلو إما أن ينوي عند خروجه طلاقها، أو لم ينو شيئاً. وفي هاتين الصورتين تطلق وإن لم يصلها الكتاب، أما إذا خرج من تحت يده وهو متردد في الأمر فإنها لا تطلق إذا وصل إليها الكتاب.
هذا، وإذا كتب إليها: إن وصلك كتابي فأنت طالق، فإنها تطلق عند وصول الكتاب إليها باتفاق، فإن وصل إليها وهي حائض طلقت، ويجبر على رجعتها على الوجه المتقدم في الطلاق
البدعي، وهذا بخلاف ما إذا كتب إليها إذا وصلك كتابي فأنت طالق، بإبدال لفظ "إن" بلفظ "إذا" فإن في ذلك خلافاً، فبعضهم يقول: إن تحتمل الشرط وتحتمل الظرفية، فتطلق بمجرد كتابته بخلاف إذا، فإنها لمجرد الشرط فلا تطلق إلا إذا وصل إليها، وبعضهم يقول لا فرق بين "إذا" و "إن" فلا تطلق إلا إذا وصل إليها الكتاب في الحالتين.
الشافعية - قالوا: الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على الكلام بأي وجه وعلى أي حال، كما لا يقع بالنية ولا بالكلام النفسي، بل لا بد من التلفظ به ولا بد من أن يسمع به نفسه في حالة الاعتدال، فلو فرض وتكلم به وكان سمعه ثقيلاً، أو كان بحضرته لغط كثير، فلا بد من أن يرفع به صوته بحيث لو كان معتدل السمع لسمع بهذا الصوت، فلا يقع بتحريك اللسان من غير أن يسمع نفسه، فإذا قالت له المرأة: طلقني، فأشار إليها بأصابعه الثلاثة أو أشار إليها بيده أن اذهبي، أو قطع خيطاً بيده، أو نحو ذلك فإنه لا يعتبر وذلك لأن عدوله عن اللفظ إلى الإشارة يفهم منه أنه غير قاصد الطلاق، فلا يعتبر حتى ولو قصد بها الطلاق، وذلك لأنها لا تقصد للإبهام إلا نادراً، فلا تعتبر إلا في ثلاثة أمور، وإحداها: الإفتاء، فإذا قيل للعالم: أيحل أكل الأرنب؟ فأشار برأسه نعم، فإنها تكون فتوى يصح نقلها عنه، وهكذا.
ثانيها: الإذن بالدخول، فلو استأذنت أن تدخل داراً فأذنك سيدها بإشارته فإنها تصح.
ثالثها: أمان الحربي، فإذا أمنه بإشارته لزم الأمان.
أما إشارة الأخرس فإنها تعتبر في الطلاق وغيره من العقود، سواء كان خرسه عارضاً أو ولد وهو أخرس، إلا إذا اعتقل لسانه وكان يرجى برؤه بعد ثلاثة أيام، فإنه يجب أن ينتظر حتى يبرأ ولا يعمل بإشارته إلا للضرورة، كما إذا كان الحاكم قضى باللعان بينه وبين امرأته وقت خرسه، فإن اللعان يصح بإشارته، بشرط أن تكون مفهومة، ثم إن كانت واضحة بحيث يفهمها كل أحد كانت بمنزلة اللفظ الصريح، وإن كانت دقيقة لا يفهمها إلا النبهاء كانت بمنزلة الكتابة، أما إذا لم يفهمها أحد فإنها لا يعتد بها أصلاً.
هذا، ويعمل بإشارة الأخرس المفهومة ولو كان يعرف الكتابة، وبعضهم يقول: إذا كان يعرف الكتابة فإنه يمكنه أن يدل على غرضه بالكتابة من غير ضرورة للإشارة، ولكن هذا وإن كان حسناً، لكنه يدل على أن إشارته تلغى إذا كان يعرف الكتابة، فلو تعاقد على بيع، أو طلق بالإشارة فإنها تعتبر حتماً، ولكن الأولى أن يعزز غرضه بالكتابة، فمثل الإشارة من الأخرس الذي يعرف الكتابة كالعبارة من القادر الذي يعرفها إذ المفروض في الإشارة أنها مفهومة كاللفظ، وبذلك تعلم أن ما نقله الحنفية عن بعض الشافعية بأن إشارة الأخرس الذي يعرف الكتابة لا تعتبر، غير ظاهر.
هذا، وتهمل إشارة الأخرس المفهومة في ثلاثة مواضع: الأول الصلاة، فإذا كان يصلي وأشار إشارة مفهومة فإن صلاته لا تبطل بها. الثاني: الشهادة، فإذا شهد على شخص بإشارة مفهومة فإنها
لا تقبل. الثالث: الحنث، فإذا أشار بأنه حلف أن لا يتكلم، ثم تكلم بالإشارة فإنه لا يحنث، وبعضهم يقول: إنه يحنث بذلك.
أما كتابة الطلاق، فإنها تقوم مقام اللفظ ويقع بها الطلاق بشروط:
الشرط الأول: أن تقترن بالنية، فإن كتب لزوجته أنت طالق ولم ينو به الطلاق فلا يقع، وذلك لأن الكتابة تعتبر طلاقاً بالكناية، سواء كانت صادرة من قادر على النطق، أو صادرة من أخرس، على أنها إن كانت
صادرة من أخرس فإنه يلزمه أن يكتب مع لفظ الطلاق قوله: إني قصدت الطلاق ليتبين أنه نوى الطلاق بكتابته.
الشرط الثاني: أن يكون المكتوب عليه مما تثبت عليه الكتابة، كالورق، واللوح، والرق، والقماش، والحائط، ونحو ذلك، سواء كتب بحبر أو بغيره أو نقش عبارة طلاق زوجته على حجر، أو خشب، أو خطها على أرض، فإذا رسمها في الهواء، أو رقمها على الماء فلا تعتبر ولا يقع بها طلاق ولو نواه.
الشرط الثالث: أن يكتب الزوج الطلاق بنفسه، فلو أمر غيره بكتابته ونوى هو الطلاق بكتابة الغير فإنه لا يعتد به ولا يقع به طلاق لأنه يشترط أن تكون الكتابة والنية من شخص واحد.
هذا، وإذا كتب لزوجته يقول: إذا بلغك كتابي هذا فأنت طالق، فإنها تطلق إذا بلغها الكتاب غير ممحو، فلو كان بحبر يطير بعد كتابته أو بقلم رصاص ضعيف فانمحى ولم يبق له أثر يقرأ وبلغها فإنها لا تطلق، نعم إذا بقي أثره وأمكن قراءته فإنه يعتبر، فإذا انمحى بعضه فإن كان الباقي منه عبارة الطلاق تطلق في الأصح، أما إذا كان الباقي منه البسملة والحمدلة والتحية ونحوها فإنها لا تطلق أما إذا كتب لها: أما بعد، فأنت طالق، ولم يقل، إذا بلغك كتابي فإنها تطلق بالحال، كما يقول الحنفية، وإذا ادعت وصول كتابه إليها بالطلاق وأنكر صدق بيمينه، وإن قامت بينة بأنه خطه لم تسمع إلا في حالتين: إحداهما أن يراه الشاهد وهو يكتب لفظ الطلاق. ثانيتهما: أن يحفظ الشاهد الكتاب عنده لوقت الشهادة.
وإذا كتب لها: إذا قرأت كتابي فأنت طالق وكانت تعرف القراءة والكتابة، فإنه لا يقع طلاقها إلا إذا قرأت صيغة الطلاق، أو طالعتها وفهمتها وإن لم تتلفظ بها، ولا يكفي في هذه الحالة أن يقرأه عليها غيرها، فلو عميت قبل أن يأتيها الكتاب وقرأه عليها غيرها لا يكفي، أما إذا كانت أمية لا تعرف القراءة والكتابة وكان الزوج يعلم حالها، فإنها تطلق إذا قرأه عليها غيرها، بخلاف ما إذا لم يعلم الزوج حالها، فإنها لا تطلق إذا قرأه الغير عليها لاحتمال أنه يقصد تعليق طلاقها على قراءتها بنفسها، فإذا كان يعلم أنها أمية وكتب لها ذلك ثم قبل أن يصلها الكتاب تعلمت القراءة والكتابة، فالمعتمد أنه يقع الطلاق عليها بقراءتها وبقراءة غيرها عليها.
الحنابلة - قالوا: الإشارة لا يقع بها الطلاق من القادر على النطق، وفاقاً للحنفية، والشافعية وخلافاً للمالكية، أما من الأخرس، فإنه يقع بها الطلاق فإن كانت واضحة يفهمها كل أحد كانت كاللفظ الصريح، وإن كان يفهمها البعض دون البعض كانت كالكناية بالنسبة إليه بحيث يبين أنه نوى الطلاق.
أما الكتابة فإن الطلاق يقع بها، سواء صدرت من قادر على النطق، أو أخرس. فإذا كتب زوجتي فلانة طالق فإنها تطلق منه بدون نية، لأنه صريح لا يحتاج إلى نية، فهو كاللفظ سواء بسواء، نعم إذا نوى به غير الطلاق، كما إذا نوى تجويد خطه، أو إغاظة زوجته، أو تجربة قلمه فإنه يكون على ما نوى به غير طلاق، لأن له ذلك في اللفظ الصريح، فلو قال لامرأته: أنت طالق ونوى أنها طالق من وثاق، فإنه لا يقع عليه الطلاق، وهل يقبل منه ذلك قضاء. أو لا؟ أما في اللفظ الصريح فإنه يقبل منه على قول، أما في الكناية فإنه يقبل منه بلا خلاف، فإذا كتب الطلاق بلفظ الكناية كأن قال: امرأتي فلانة خلية، فإنه يكون طلاقاً إذا نوى الطلاق. ويشترط أن يكتبه على شيء تثبت فيه الكتابة، أما إذا كتب بأصبعه على وسادة، أو على الماء أو في الهواء فإنه لا يقع به عليها طلاق، لأنها بمنزلة الهمس الذي لا يسمع.
والحنابلة كالشافعية والحنفية، يشترطون لإيقاع الطلاق أن يكون باللفظ المسموع، وخالف المالكية في ذلك كما ذكرناه في مذهبهم) .


ابوالوليد المسلم 07-06-2022 02:53 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 262 الى صــــــــ
274
الحلقة (200)


أما طلاق الغضبان فاعلم أن بعض العلماء قد قسم الغضب إلى ثلاثة أقسام:

الأول: أن يكون الغضب في أول أمره، فلا يغير عقل الغضبان بحيث يقصد ما يقوله ويعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى يقع طلاقه وتنفذ عباراته باتفاق.
الثاني: أن يكون الغضب في نهايته بحيث يغير عقل صاحبه ويجعله كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، ولا ريب في أن الغضبان بهذا المعنى لا يقع طلاقه، لأنه هو والمجنون سواء.
الثالث: أن يكون الغضب وسطاً بين الحالتين، بأن يشتد ويخرج عن عادته ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يقصد ما يقول ولا يعلمه، والجمهور على أن القسم الثالث يقع به الطلاق (1) .
هذا، ولا يشترط لصحة الطلاق الإسلام، فإذا طلق الذمي امرأته فإن طلاقه يعتبر، كما تقدم في مبحث أنكحة غير المسلمين (2) .
مبحث تقسيم الطلاق
-قسم الفقهاء الطلاق باعتبارات مختلفة، فمن حيث وصفه بالأحكام الشرعية قسموه إلى واجب، ومحرم، ومكروه، ومندوب، وجائز، فيقال: الطلاق واجب إذ عجز الرجل عن القيام بحقوق الزوجية، ويقال: محرم إذا ترتب عليه الوقوع في حرام، أو تربت عليه اجحاف بالمرأة وظلم، ويقال: مكروه أو مندوب. أو جائز باعتبار ما يترتب عليه مما سنعرفه قريباً.
وقسموه باعتبار الوقت الذي ينبغي أن يوقعه الزوج فيه إلى سني، ويدعي، وهذا لا ينافي وصفه بالأحكام الشرعية المتقدمة.
وقسموه من حيث صيغته ولفظه إلى صريح، وكناية، وإلى بائن، ورجعي، ونبين كل قسم في مبحث خاص به.

تقسيمه إلى واجب ومحرم الخ
-الأصل في الطلاق أن يوصف بالكراهة فكل طلاق في ذاته مكروه (3) فليس للرجل أن يطلق زوجته بدون سبب، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، ولا يراد أن الحلال ليس فيه شيء مبغوضاً لله تعالى، بل جميع أفراده ممدوحة في نظر الشرع فهي محبوبة، لأن المراد بالحلال ما قابل الحرام فيشتمل المباح والمكروه، والطلاق من أفراد المكروه المبغوض وهو أشد المكروهات بغضاً، فالطلاق، وإن جعله الشارع سبباً صحيحاً لفرقة الزوجين، ولكنه يكرهه ولا يرضى عن استعماله بدون سبب، ثم إن الأسباب التي تعرض للطلاق تارة تجعله موصوفاً بالوجوب، وتارة تجعله موصوفاً بالحرمة، وتارة تجعله مكروهاً، وتارة تجعله مندوباً، فيكون واجباً يجبر عليه إذا عجز الزوج عن اتيان المرأة أو الانفاق (4) عليها فإن لها أن تطلب تطليقها وتجاب إلى طلبها، على أنه يجب على الرجل ديناً في هذه الحالة أن يطلق زوجته حتى لا يترتب على إمساكها فساد أخلاقها، وهتك عرضها والإضرار بها، ويكون حراماً إذا ترتب عليه الزنا بها أو بأجنبية، أو ترتب عليه أكل حقوق الناس، ويكون مكروهاً إذا طلقها دون سبب، لما عرفت أن الأصل في عدم الجواز، ويكون مندوباً إذا كانت فاسدة (5) الأخلاق، سواء كانت زانية أو متهتكة أو تاركة للفرائض من الصلاة، والصيام، ونحوهما.
مبحث الطلاق السني والبدعي وتعريف كل منهما
-قد عرفت أن الطلاق ينقسم إلى سني وبدعي، فأما السني فهو ما كان في زمن معين وكان بعدد معين (6) ، والبدعي ما ليس كذلك، مثلاً إذا طلقها وهي حائض، أو نفساء. أو طلقها ثلاثاً كان ذلك طلاقاً بدعياً، على أن تعريف السني والبدعي، وما يتعلق بهما تفصيل المذاهب (7)
مبحث ما يترتب على الطلاق البدعي من الأحكام
-إذا طلق الزوج امرأته طلاقاً بدعياً فإنه تسن له رجعتها (8) إن كان لها رجعة ثم يمسكها إلى أن تطهر من الحيض الذي طلقها فيه ثم تحيض ثانياً وتطهر بدون أن يقربها ثم يطلقها في الطهر الثاني الذي لم يقربها فيه ولا في الحيض الذي قبله، ويحسب عليه الطلاق البدعي سواء كان واحداً أو أكثر باتفاق الأئمة الأربعة، وخالفهم بعض الشواذ الذين لا يعول على آرائهم.
__________
(1) (الحنفية - قالوا: الذي قسم هذا التقسيم هو ابن القيم الحنبلي، وقد اختار أن طلاق الغضبان بالمعنى الثالث لا يقع، والتحقيق عند الحنفية أن الغضبان الذي يخرجه غضبه عن طبيعته وعادته بحيث يغلب الهذيان على أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع، وإن كان يعلم ما يقول ويقصده لأنه يكون في حالة يتغير فيها إدراكه، فلا يكون قصده مبنياً على إدراك صحيح، فيكون كالمجنون، لأن المجنون لا يلزم أن يكون دائماً في حالة لا يعلم معها ما يقول: فقد يتكلم في كثير من الأحيان بكلام معقول، ثم لا يلبث أن يهذي.
ولا يخفى أن هذا تأييد لقول ابن القيم، غاية ما هناك أن ابن القيم صرح بأنه لا يكون كالمجنون، وهذا يقول: إنه كالمجنون، وبالرغم من كون ابن القيم حنبلي المذهب فإن الحنابلة لم يقروه على هذا الرأي.
والذي تقتضيه قواعد المذاهب أن الغضب الذي لا يغير عقل الإنسان ولا يجعله كالمجنون فإن الطلاق فيه يقع بلا شبهة، ومثله الغضب بالمعنى المذكور في القسم الثالث، وهو أن يشتد الغضب بحيث يخرج صاحبه عن طوره ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يعلم ما يقول فإن طلاقه يقع، أما الغضب الذي يغير العقل ويجعل صاحبه كالمجنون فإن الطلاق فيه لا يعتبر ولا يلزم بلا شبهة.
وهذا ظاهر كلام الحنفية أيضاً، ولكن التحقيق الذي ذكرناه عن بعض الحنفية من أن الغضبان إذا خرج عن طوره وأصبح يهذي في أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع، هو رأي حسن لأنه يكون في هذه الحالة كالسكران الذي ذهب عقله بشراب غير محرم، فإنهم حكموا بأن طلاقه لا يقع، فينبغي أن يكون الغضبان مثله.
وقد يقال: أن قياس الغضبان على السكران بشراب غير محرم يجعل الحكم مقصوراً على من كان غضبه لله، بأن غضب دفاعاً عن عرضه، أو ماله، أو نفسه، أو دينه أما من كان غضبه لسبب محرم، كأن غضب حقداً على من لم يوافقه على باطل، أو غضب على زوجته ظلماً وعدواناً، ووصل إلى هذا الحد، فإن طلاقه يقع، لأنه قد تعدى بغضبه، والجواب: أن الغضب صفة نفسيه قائمة بنفس الإنسان تترتب عليها آثارها الخارجية، وهي في ذاتها ليست محرمة، بل هي لازمة في الإنسان لتبعثه إلى الدفاع عن دينه، وعرضه، وماله ونفسه، وإنما المحرم استعمالها في غير ما خلقت له، بخلاف الخمر فإنه لا يصح للإنسان أن يتعاطاها على أي حال، فإيقاع الطلاق على السكران المتعدي إنما هو للزجر عن قربانها بالمرة، أما الغضب فلا يمكن النهي عنه في ذاته لأنه لا بد منه للإنسان، فلا يصح قياس الغضب على الخمر ونحوه من الأشياء التي يجب على الإنسان أن لا يقر بها بالمرة)
(2) (المالكية - قالوا: إن طلاق الكافر لا يعتبر، كما تقدم) .
(3) (المالكية - قالوا: إن الأصل في الطلاق أن يكون خلاف الأولى، فليس بمكروه، ولكنه قريب من المكروه، وعبر من ذلك بعضهم بأنه مرجوح وعدمه راجح عليه، ويحرم إذا خشي على نفسه الزنا بها، أو بغيرها بعد طلاقها.
الحنفية - قالوا: في وصف الطلاق رأيان: أحدهما أنه جائز بحسب أصله. وهذا الرأي ضعيف. ثانيهما: وهو الصحيح الذي عليه المحققون أن الأصل فيه الحظر، وهو التحريم) .
(4) (الحنفية - قالوا: أنه لا يصح لأحد أن يطلق على الآخر زوجته بأي سبب، ولكن العاجز عن الإنفاق يعزر بالسجن حتى يفارق أو ينفق، كما يقولون: أنه لا يجبر على الطلاق إلا للعجز عن الوطء بأن كان عنيناً، أو مجنوناً، أو خصياً، كما تقدم في بحث العيوب)
(5) (الحنابلة - قالوا: في ذلك رأيان: أحدهما أن طلاق فاسدة الأخلاق مندوب ولكن المنقول عن أحمد أن طلاقها فرض خصوصاً إذا كانت زانية، أو تاركة صلاة، أو صيام) .
(6) (الشافعية - قالوا: لا دخل للعدد في الطلاق البدعي، فله أن يطلقها ثلاثاً، ولا يقال بطلاقه: بدعي، نعم هو خلاف الأولى كما سيأتي) .
(7) (الحنفية - قالوا: ينقسم الطلاق من حيث ما يعرض للمرأة من الأذى الخ إلى قسمين: سني، وبدعي، ثم إن السني ينقسم إلى قسمين: حسن، وأحسن، فأما الحسن فهو أن يطلقها طلقة واحدة رجعية في طهر لم يجامعها فيه، وكذا لم يجامعها في حالة الحيض الذي قبله، وإن أراد أن يطلقها ثانية فإنه ينتظر حتى تحيض الحيضة الأولى من عدتها وتطهر منها ثم يطلقها واحدة رجعية أخرى، وإن أراد أن يطلقها ثالثة فإنه ينتظر حتى تحيض الثانية وتطهر منها ثم يطلقها طلقة ثالثة، فالطلاق السني الحسن لا يتحقق إلا بأربعة شروط:
الأول: أن يطلقها وهي طاهرة من الحيض، والنفاس، فإذا طلقها وهي حائض أو نفساء كان طلاقه بدعياً، وهو معصية محرمة.
الثاني: أن لا يقربها بعد طهرها من الحيض، فإذا جامعها ثم طلقها بعد الجماع كان طلاقه محرماً أيضاً، ومثل ذلك ما إذا وطئها شخص غير زوجها بشبهة، كأن ظنها امرأته وهي نائمة، فإنه لا يحل طلاقها في الطهر الذي وطئها فيه، لجواز أن تكون قد حملت، أما إذا وطئها غيره بزنا، فإن له أن يطلقها فوراً بدون انتظار، والفرق ظاهر، لأن الزانية لا يستطيع زوجها أن يمسكها، وأيضاً فإن الزنا لا تترتب عليه أحكام النكاح.
هذا، والخلوة كالوطء في هذا الحكم، فإذا خلا بها فلا يحل له طلاقها في الطهر.
الثالث: أن يطلقها طلقة واحدة رجعية، ثم يطلقها الثانية بعد الطهر من الحيضة الأولى ويطلقها الثالثة بعد الطهر من الحيضة الثانية من عدتها، فإن طلقها ثنتين في الطهر الأول، أو ثلاثاً فإن طلاقه يكون بدعياً، أما إذا طلقها طلقة واحدة بائنة، فقيل: يكون بدعياً، وقيل: لا، والأول هو الظاهر.
الشرط الرابع: أن لا يطأها في الحيض الذي قبل الطهر، فإن وطئها وهي حائض ثم طهرت فلا يحل له أن يطلقها بعد أن تطهر، يل ينتظرها حتى تحيض ثم لا يقربها في الحيض، ومتى طهرت طلقها بدون أن يقربها، فإذا طلقها وهي حائض ثم راجعها وطلقها بعد أن تطهر فقيل: يكون طلاقه سنياً، وقيل: لا، بل لا بد من أن ينتظرها حتى تحيض مرة أخرى ثم تطهر ويطلقها في الطهر الذي يلي
الحيضة الثانية بدون قربان في الحيض وفي الطهر، أما إذا طلقها في الحيض طلاقاً بائناً ثم تزوجها بعقد جديد ثم أراد أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيض فإنه يصح باتفاق، والصحيح أنه لا يجوز له طلاقها إلا بعد أن تحيض ثانياً ثم تطهر، كما يأتي في الباب الآتي.
فهذا هو الطلاق السني الحسن، أما الطلاق السني الأحسن فهو بعينه السني الحسن مع زيادة شيء آخر، وهو أنه بعد أن طلقها طلقة واحدة رجعية يتركها ولا يطلقها ثانياً في العدة، وتبين منه بانقضاء عدتها، وإنما كان هذا أحسن مراعاة لخلاف المالكية. والحنابلة الذين يقولون بكراهة تكرار طلاقها في العدة حيث لا لزوم له، والمتفق عليه أحسن من المختلف فيه.
وستعلم أن الشافعية خالفوا في أصل المسألة فقالوا: إن عدد الطلاق لا يعتبر في السني، فله أن يطلقها ثنتين وثلاثاً. ولكن الأولى له أن يفرق الطلقات على الطهر وعدد الأشهر، كما يأتي، وقد أورد على قولهم: حسن وأحسن، أن الطلاق لا حسن فيه، وأجيب: بأن وصفه بهذا لا من حيث ذاته، بل من حيث أن المطلق أمكنه أن يضبط نفسه بعد وجود سبب الطلاق فلم يطلق وانتظر حلول الزمن الذي أمر الشارع بالطلاق فيه، ولا شك أن ضبط النفس وكفها عن فعل المنهي عنه حسن يثاب عليه.
والحاصل أن الطلاق وإن كان محظوراً في ذاته ولكنه عند وجود سبب يوجبه، أو يجعله مندوباً فإنه يكون في هذا الحالة مأموراً به بلا كلام فيكون حسناً، وعلى هذا يصح أن يقال إن كان الطلاق مسبباً عن أمر الشارع ووقف في الوقت الذي أمر به الشارع كان حسناً بالاعتبارين، وإن لم يكن مسبباً عن أمر الشارع ولكن وقع في الوقت الذي أمر به الشارع لم يوصف الطلاق بالحسن لذاته، ولكن وصفه بالحسن باعتبار إيقاعه في الوقت الذي أمر به الشارع وكف النفس عن إيقاعه في الوقت المني عنه، وإن كان في ذاته منهياً عنه.
هذا إذا كانت المرأة مدخولاً بها، أما إذا أراد طلاق زوجته قبل الدخول فإنه لا يتقيد بزمن الطهر بل له أن يطلقها في زمن الحيض، لأنها لا عدة لها فلا تتضرر من تطويلها، ولكنه يتقيد بالعدد فلا يطلقها إلا طلقة واحدة، ومثل ذلك ما إذا كانت لا تحيض لصغرها، بأن كانت دون تسع سنين، أو بلغت بالسن ولكنها لم تر دماً. أو كانت آيسة من الحيض، بأن بلغت خمساً وخمسين سنة على الراجح، أو كانت حاملاً، فإنه لا يتقيد في طلاقها يزمن ولكنه يتقيد بعدد الطلقات، فمن أراد أن يطلق التي لا تحيض طلاقاً سنياً حسناً فإنه يطلقها ثلاث طلقات متفرقة، كل شهر طلقة واحدة رجعية، فإذا طلقها في أول ليلة رئي فيها هلال الشهر طلقة واحدة رجعية فإنه ينتظر حتى يرى هلال الشهر الثاني أول ليلة منه، ويطلقها طلقة ثانية ثم ينتظر إلى أول ليلة في الشهر حتى الثالث، ويطلقها طلقة ثالثة وإذا طلقها أثناء الشهر فإنه يطلقها الثانية بعد انقضاء ثلاثين يوماً، ثم يطلقها في اليوم الحادي والثلاثين، والثالثة بعد ثلاثين يوماً أخرى كذلك.
والحاصل أن الهلال يعتبر في تفريق الطلقات إن طلق في أول ليلة من الشهر وهي ليلة رؤية الهلال، أما إن طلق أثناء الشهر فإن التفريق يحسب بالأيام فيطلقها في اليوم الحادي والثلاثين، فهذا
هو الطلاق السني الحسن بالنسبة لمن لا تحيض، وأحسن منه أن يطلقها واحدة رجعية في أول الشهر ولا يكر الطلاق في العدة لعدم الحاجة إليه، فإذا طلقها في أول الشهر فليتركها حتى تنقضي عدتها بثلاثة أشهر، أو بوضع الحمل إن كانت حاملاً.
والحاصل أن المرأة إما أن تكون غير مدخول بها، أو تكون مدخولاً بها، فإن كانت غير مدخول بها فطلاقها السني الحسن، هو أن يطلقها طلقة واحدة لا فرق في ذلك بين أن تكون حائضة، أو لا. وإن كان مدخولاً بها، فإن كانت من ذوات الحيض فإن طلاقها الحسن السني يلاحظ فيه أمران: الوقت، والعدد. فالوقت هو أن لا تكون حائضاً أو نفساء والعدد هو أن يطلقها ثلاث طلقات متفرقات في كل طهر طلقة بشرط أن لا يكون قد وطئها لا في الطهر الذي يطلقها فيه، ولا في الحيض الذي قبله، وإن لم تكن من ذوات الحيض، أو كانت حاملاً، فإنه لا يتقيد بالوقت، ولكن يتقيد بالعدد، فيطلقها ثلاث طلقات في مدة ثلاثة أشهر.
فهذا هو الطلاق السني بقسميه: الحسن والأحسن، ويقابله الطلاق البدعي، وهو ما كان بخلاف السني، وقد عرفته مما تقدم.
ويستثنى من تحريم الطلاق وقت الحيض ونحوه أمور:
أحدها: الخلع إذا كان خلعاً بمال، ومثله الطلاق على مال، فإنه يجوز أن يخالعها، أو يطلقها على مال وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، أو في حيض قبله الخ ما تقدم.
ثانيها: طلاق القاضي عليه بسبب العنة ونحوها مما تقدم، فإنه لا يجوز وهي حائض.
ثالثها: أن تبلغ وهي حائض فإن، لها أن تختار نفسها، وإذا اختارت نفسها فلا بأس أن يفرق القاضي بينهما وهي حائض.
رابعها: أن يخيرها زوجها في الحيض، كأن يقول لها: أمرك بيدك فاختاري، كما سيأتي فتقول: اخترت نفعي.
خامسها: إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت فطلقت نفسها ثلاثاً، فإن لها ذلك مع أنك قد عرفت أن الطلاق السني يلزم أن يكون واحدة، وذلك لأنها في هذه الحالة مضطرة لأنها إذا صبرت ضاعت الفرصة عليها.
ومع هذا فإن هذه الصور أمرها ظاهر، أما الخلع بمال فإنه لا يمكن تحصيل المال إلا به، فلو فات وقته فات العوض، فرخص فيه، ومثله الطلاق على مال، أما الصور الباقية فإن الطلاق فيها بيد المرأة لا بيد الرجل، والمنهي إنما هو الرجل، لا المرأة، ولا القاضي.
فإذا طلبت المرأة منه طلاقها طلاقاً بدعياً، كأن كانت حائضاً، أو نفساء، أو نحو ذلك، ورضيت بتطويل عدتها فإن لا يحل له أن يفعل.

المالكية - قالوا:
ينقسم الطلاق إلى بدعي وسني، والبدعي ينقسم إلى قسمين: حرام، ومكروه، فالبدعي الحرام يتحقق في المرأة المدخول بها بشروط ثلاثة:
أحدها: أن يطلق وهي حائض أو نفساء، فإذا طلقها وهي كذلك كان طلاقه بدعياً محرماً وكذا لو طلقها بعد انقطاع الدم وقبل أن تغتسل فإنه حرام على المعتمد.
هذا إذا كانت من ذوات الحيض، فإن كانت يائسة من الحيض، أو كانت صغيرة لا تحيض، فإنه يصح طلاقها ولو حائضاً، ولكن يكون بدعياً إذا طلقها ثلاثاً في آن واحد، وكذا الحامل فإنه يصح طلاقها ولو حائضاً، لأن الحامل تحيض عند المالكية، على أن لا يعدد الطلاق وإلا كان بدعياً، أما غير المدخول بها فإن له أن يطلقها وهي حائض كالحامل، ولكن لا يطلقها إلا مرة واحدة وإلا كان بدعياً. ثانيها: أن يطلقها ثلاثاً في آن واحد، سواء كانت في حيض أو في طهر، إلا أنه إن طلق في حال الحيض كان آثماً مرتين، مرة بطلاق حال الحيض، ومرة بالطلاق الثلاث. ثالثها: أن يطلقها بعد طلقة، كأن يقول لها: أنت طالق نصف الطلاق، أو يطلق جزءاً منها، كأن يقول لها: يدك طالقة.
أما البدعي المكروه فإنه يتحقق بشرطين: أحدهما إن طلقها في طهر جامعها فيه، ثانيهما أن يطلقها طلقتين في آن واحد، وبهذا يتضح لك تعريف الطلاق السني عند المالكية، وهو أن يطلق زوجته طلقة كاملة واحدة بحيث لا يطلقها غيرها في العدة في طهر لم يجامعها فيه فقوله: أن يطلق زوجته، أي كلها، خرج به ما إذا طلق بعضها، كقوله لها: يدك طالقة مثلاً، وقوله كاملة خرج به الطلقة الناقصة، كقوله: أنت طالق نصف طلقة، وقوله: واحدة خرج به ما إذا طلقها ثنتين أو ثلاثاً في آن واحد، أو في أزمنة مختلفة ما دامت في العدة، فإن طلقها ثنتين في آن واحد أو في كل طهر، أو شهر مرة، فإنه يكون مكروهاً. وإن طلقها ثلاثاً بكلمة واحدة، أو متفرقاً فإنه يكون حراماً، وقوله: في طهر خرج به الحائض، أو النفساء، سواء كان الدم موجوداً، أو انقطع، ولكن لم تغتسل، فإن طلاقها في هذه الحالة يكون حراماً، وقوله: لم يجامعها فيه خرج به ما إذا طلقها في طهر جامعها فيه، فإنه يكون مكروهاً.
واعلم أن معنى كون الطلاق سنياً، أن السنة بينت الوقت الذي يصح أن يقع فيه الطلاق، والحالة التي ينبغي أن يكون عليها، ولو كان في ذاته حراماً، أو مكروهاً، أو واجباً، أو مندوباً، فهو سني إذا وقع بهذه الصورة ولو كان منهياً عنه من جهة أخرى، وكذلك قد يكون بدعياً لمخالفته الزمن والعدد المحدد بالسنة، ولكنه حرام، أو واجب الخ باعتبار آخر، فمثال الطلاق الحرام لعارض أن يكون الرجل متعلقاً بامرأته، وإذا طلقها يخشى على نفسه الوقوع في الزنا بها فإنه في هذه الحالة يحرم عليه طلاقها، فإذا طلقها مع هذا وهي حائض، أو نفساء، أو طلقها ثلاثاً، أو طلقها بعض طلقة، كان ذلك حراماً آخر فيأثم إثمين، بخلاف ما إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة كاملة، فإنه يكون
سنياً لا إثم فيه من هذه الناحية، ومثال الواجب أن يعجز عن القيام بحقوق الزوجية من نفقة ووطء وتضررت ولم ترض البقاء معه، فإنه في هذه الحالة يجب عليه طلاقها فإذا طلقها طلاقاً بدعياً كان محرماً مع كونه واجباً من جهة أخرى، فيثاب من حيث امتثال أمر الشارع بالطلاق الواجب ويعاقب من حيث إيقاعه في الوقت الذي نهى الشارع عنه، ومثال المندوب أن تكون المرأة سيئة الخلق بذيئة اللسان، فإن طلاقها في هذه الحالة يكون مندوباً يثاب عليه، ولكن إذا طلقها طلاقاً بدعياً فإنه يعاقب من جهة أخرى، وإذا طلقها طلاقاً سنياً فلا يعاقب، ومثال المكروه أن يكون للرجل رغبة في الزواج ويرجو من بقائها معه نسلاً ولم يقطعه بقاؤها عن عبادة واجبة فإن في هذه الحالة يكره له طلاقها، وإذا طلقها طلاقاً بدعياً يأثم، وقد عرفت أن الطلاق في ذاته خلاف الأولى، عند المالكية، فإذا لم يوجد سبب من الأسباب المذكورة وطلقها كان طلاقه خلاف الأولى، فإذا طلقها بدون سبب طلقها بدعياً كان محرماً مع كونه خلاف الأولى في
ذاته، وإذا طلقها طلاقاً سنياً فقد خالف الأولى وكان إلى البغض أقرب منه إلى المحبة في نظر الشارع. واعلم أن الراجح عند المالكية أن الطلاق البدعي محرم لما ثبت في الصحيح من تحريمه بصرف النظر عن تطويل عدة المرأة، ولهذا لا يستثنون الخلع في زمن الحيض ونحوه، فإذا طالبته بالخلع بمال فإنه يحرم عليه أن يجيبها إلى طلبها، وأيضاً فإنه إذا كان معلقاً بتطويل العدة يكون ذلك حقاً للمرأة، فلو رضيت بإسقاطه جاز مع أنه ليس كذلك، وأيضاً فإن الزوج يجبر على الرجعة كما ستعرفه من غير أن تطالبه الزوجة بالرجعة فدل ذلك على أنه حق الشارع لا حقها نعم يصح فسخ النكاح الفاسد الذي يفسخ قبل الدخول وبعده وهي حائض لأن في التفريق بينهما رفع مفسدة، ومثل ذلك طلاق الإيلاء، فإذا حلف لا يقرب زوجته أكثر من أربعة أشهر فإن رجع إليها فذاك، وكذا إذا وعد بالرجعة، وإلا وجب طلاقها ولو حائضاً. ولكنه يجبر على الرجعة، ثم يطلقها حال الطهر.

يتبع

ابوالوليد المسلم 07-06-2022 02:54 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 262 الى صــــــــ
274
الحلقة (201)


الشافعية - قالوا: ينقسم الطلاق من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام: الأول: السني. الثاني: البدعي. الثالث: ما ليس بسني ولا بدعي، فالسني يتحقق بقيود أربعة:
الأول: أن تكون المرأة مدخولاً بها، فإن لم تكن مدخولاً بها فإن طلاقها لا يوصف بكونه سنياً أو بدعياً.
الثاني: أن تكون ممن يعتد بالإقراء - جمع قرء - وهو الطهر من الحيض، لأن العدة عند الشافعية تعتبر بالطهر لا بالحيض، فلو طلقها قبل أن ينتهي طهرها بزمن يسير ثم حاضت، فإن الزمن اليسير من الطهر يحسب لها طهراً كاملاً كما سيأتي في العدة، فإذا كانت يائسة من الحيض، أو كانت صغيرة لا تحيض، أو كانت حاملاً بوطء العقد الصحيح، أو طلب أن يخالعها، وهي حائض، فإن طلاقها لا يوصف بكونه سنياً، ولا بدعياً، وكذلك لأن عدتها معروفة ولا اشتباه فيها، فإن الصغيرة واليائسة من الحيض تعتد بثلاثة أشهر، والحامل تعتد بوضع الحمل، فلا يتصور تطويل العدة عليهن، فإذا كانت الحامل ممن يحضن حال الحمل، فإنه يصح طلاقها وهي حائض إذا كان حملها ظاهراً، فإن لم يظهر
حملها وطلقها وهي حائض فطلاقها بدعي لأنه قد يؤدي إلى الندم بعد ظهور الحمل، فإن الرجل قد يندم على طلاقها ثلاثاً مع وجود ولده معها، أما الحامل من زنا، أو الحامل من الوطء بشبهة، فإن طلاقها وهي حامل بدعي، فإذا تزوج شخص امرأة غير حصينة فأباحت نفسها لغيره وهو غائب عنها فحملت من الزاني ثم حضر الزوج وأنكر حملها فإنه لا يجوز له أن يطلقها في هذه الحالة، بل يمسكها حتى تضع حملها وتطهر من النفاس وذلك تطويل عليها، وإذا كانت تحيض وهي حامل فإن له أن يطلقها بعد أن تطهر من حيضها حتى ولو جامعها في هذا الطهر، لأنها حبلى فلا يتصور حبلها مرة أخرى.
هذا هو ظاهر كلام الشافعية، وهو كما يظهر تطبيق للقاعدة المقررة لهذا، وهي أنه يحرم تطويل العدة على المرأة، بل يجب أن يطلقها الرجل فتشرع في العدة بدون إبطاء عملاً بقوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} أي لوقت الشروع في عدتهن، كما ستعرفه قريباً، ولكن قد يقال: إن الزانية لا تستوجب هذه الرأفة، لأن الزانية التي ثبت كونها زانية تستحق الرجم، وهو أكبر عقوبة دنيوية، فكيف يعقل أن يرأف الشارع بها فيأمر بعدم تطويل عدتها؟ على أن للرجل المعذرة في عدم الصبر على البقاء معها لما يلحقه من المذمة والعار، والفرار من هذا مطلوب شرعاً، ولذا قال بعض المحققين من الشافعية: أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لمن زنت وهي بعيدة عنه ثم تزوجها وهي حامل من الزنا، فإنه في هذه الحالة يكون راضياً بها، فلا يصح له أن يطلقها إلا في حال طهرها أن حاضت وهي حامل، وإلا فإنه يجب عليه إمساكها حتى تضع حملها وتطهر ثم يطلقها بعد ذلك، وهو وجيه، وإن كان الظاهر من كلامهم الإطلاق كما ذكرنا، أما الموطوءة بشبهة، وهي التي ظنها شخص امرأته فوطئها وهي نائمة لا تدري أو نحو ذلك مما تقدم، ثم حملت من هذا الوطء فإنه لا يصح طلاقها وهي حامل مطلقاً، سواء كانت تحيض وهي حبلى، أو لا، فإن حاضت ثم طهرت من الحيض وهي حامل فإنه لا يصح له طلاقها بل يجب إمساكها حتى تضع الحمل ثم تطهر من النفاس ثم يطلقها بعد ذلك.
القيد الثالث: أن يكون طلاقها في الطهر، سواء كان في ابتداء الطهر، أو في وسطه، أو في آخره، بشرط أن ينطق بالطلاق قبل أن ينزل بها الحيض، فلو نطق ببعض لفظ الطلاق وهي طاهرة واللفظ الثاني وهي حائض، بأن قال لها: أنت، وهي طاهرة، ثم نزل بها الدم، فقال لها: طالق فالطلاق يكون بدعياً، ولكن لا إثم فيه، ولا يحسب لها هذا الطهر الذي وقع فيه لفظ أنت بدون طالق، خلافاً لمن قال: إنه طلاق سني، وإن اللحظة التي وقع فيها لفظ أنت تعتبر طهراً كاملاً، ومثل ذلك ما إذا طلقها مع آخر وقت حيضها فإن طلاقها وإن كان حال الحيض ولكن لم يطول عليها العدة لأنها ستشرع في العدة عقب الطلاق مباشرة، وكذا إذا علق طلاقها بمضي بعض الطهر، كأن قال لها: أنت طالق إذا مضى نصف طهرك أو ثلثه أو بعضه، ومثله إذا علق على آخر حيضها، كأن قال لها: أنت طالق عند آخر حيضك، لأنه في كل هذه الأحوال يتحقق الغرض من الطلاق السني وهو عدم تطويل عدة المطلقة.

القيد الرابع: أن يكون الطلاق في طهر لا وطء فيه، ولا وطء في الحيض الذي قبله لجواز أن تحمل ولم يظهر حملها فيقع في الندم.
فهذا هو الطلاق السني عند الشافعية، ومحصله أن يطلق الرجل زوجته المدخول بها التي تحيض في طهر لم يطأها فيه، ولا في الحيض الذي قبله إذا كانت غير حامل، أو كانت حاملاً من الزنا لا تحيض فيه، ويقابله الطلاق البدعي، وهو ما وجد فيه عكس القيود التي ذكرت في السني، وهي أولاً: أن يطلق امرأته المدخول بها وهي في أول حيضها، أو نفاسها، أو في وسطه، أما إذا طلقها في آخر وقته فإنه لا يكون بدعياً، ثانياً: أن لا يطلقها وهي حامل من زنا إذا كانت لا تحيض وهي حامل، وإلا فإنه يصح في هذه الحالة أن يطلقها بعد الطهر من الحيض، ولو وطئها، لأنه لا يتصور حملها ثانياً، كما تقدم، فإن كانت لا تحيض فإن عليه إمساكها حتى تلد ثم يطلقها.
هذا إذا تزوجها وهي حامل من الزنا، أما إذا زنت وهي زوجة له فإنه يطلقها بدون انتظار، أما إذا كانت حاملاً من وطء بشبهة فإنه لا يطلقها إلا إذا وضعت الحمل ثم طهرت من النفاس، سواء كانت تحيض وهي حامل، أو لا، أما الحامل من الوطء بالعقد الصحيح فإنه لا يطلقها متى ظهر حملها بدون انتظار، لأنه عرف أن الولد له، وأنه لا يندم على فراقها، ثالثاً: أن لا يتعلق طلاقها على بعض حيضها، أو على آخر لحظة من طهرها، رابعاً: أن لا يطلقها في آخر وقت الطهر بحيث ينزل لها الحيض قبل أن يكمل طلاقها. خامساً: أن لا يطلقها في طهر جامعها فيه. أو في حيض قبله.
أما القسم الثالث وهو ما لا يوصف بكونه سنياً، ولا بدعياً. فهو طلاق غير المدخول بها. والصغيرة التي لا تحيض، والآيسة من الحيض، والحامل من وطء العقد الصحيح، فإن هذا الطلاق جائز متى تحقق فيه شرط الجائز، وهو أن يكون الرجل غير محب لزوجته، فلا يطيب له الاستمتاع بها ولا ترضى نفسه بالانفاق عليها بدون استمتاع، فإنه يباح له في هذه الحالة طلاقها فإذا كانت صغيرة أو آيسة من الحيض فله أن يطلقها متى انصرفت نفسه عنها بكره في أي وقت وبأي طلاق، ومثل ذلك ما إذا كانت، غير مدخول بها ورآها فكرهها ولم تتجه نفسه إلى الاستمتاع بها، فإنه يباح له طلاقها كذلك، ولكن هذا الطلاق لا يوصف بسني. ولا بدعي بالمعنى المتقدم، لأنك قد عرفت أن السني هو ما اجتمعت فيه قيود أربعة: أن تكون المرأة مدخولاً بها، وأن لا تكون في أول حيضها أو نفاسها أو وسطهما، وأن تكون في طهر لم يجامعها فيه، وأن لا تكون حبلى من زنا أو من وطء بشبهة على التفصيل المتقدم، والبدعي بخلاف السني، وهذه القيود غير موجودة في هذا القسم، كما هو ظاهر.
ولا يخفى أن الأقسام الثلاثة تعتبر بها الأحكام الخمسة التي تقدم ذكرها، فالطلاق السني تارة يكون واجباً، وتارة يكون حراماً، وتارة يكون مكرهاً، وتارة يكون مندوباً، وتارة يكون جائزاً، كالطلاق البدعي. فمثال الطلاق الواجب أن يعجز الزوج عن النفقة والوطء ولم ترض به الزوجة، فإنه في هذه الحالة يجب الطلاق في الوقت الذي حدده الشارع حتى ولو رضيت المرأة بالطلاق في وقت
غيره لأن ذلك ليس حقاً خاصاً بها وحدها، وقد ترضى ثم تندم، فالأصح التحريم ولو رضيت، ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
أحدها: الخلع: فإذا سألته أن يخالعها في نظير مال وهي حائض، أو نفساء، أو حامل من زنا أو نحو ذلك فإنه يصح خلعه، ولا يقال له: بدعي.
ثانيها: الطلاق بسبب الإيلاء، فإذا حلف أن لا يأتي زوجته فإنه ينتظر أربعة أشهر فإن لم يرجع لها وجب تخييره بين الطلاق والرجوع، وإن امتنع وجب تطليقها ولو حائضاً، أو نفساء الخ.
ثالثها: طلاق الحكمين في حال الشقاق، فإذا حكما بالطلاق لمصلحة وجب أن ينفذ بدون انتظار ومثل ذلك طلاق القاضي عليه.
وبذلك تعلم أن الطلاق يكون واجباً فيما إذا عجز الزوج عن القيام بواجب الزوجية، أو كان مولياً أو قضى بالطلاق الحكمان، وفي الحالة الأولى ينبغي مراعاة وقت الطلاق السني وفي غيرها لا.
ومثال الطلاق الحرام أن يكون تحت الرجل أكثر من زوجة فيبيت عند كل واحدة نوبتها حتى إذا جاءت نوبة من يكرهها طلقها بدون أن يبيت عندها، فهذا الطلاق قبل إعطائها حقها حرام ثم هذا الحرام قد يكون سنياً إذا وقع في طهر لم يجامعها فيه، أو في آخر حيض، وقد يكون بدعياً إذا وقع قبل آخر الحيض والنفاس، أو وقع في طهر جامعها فيه، أو في حيض قبله ومثال المندوب أن تكون الزوجة غير عفيفة فإن طلاقها يندب، وقد يكون هذا الطلاق سنياً، وقد يكون بدعياً على الوجه المتقدم، على أنه ينبغي مراعاة التفصيل في مسألة الزانية، فإنه إذا ثبت له أن امرأته قد زنت وهي في عصمته فلا يكلف بالانتظار في تطليقها، أما إذا تزوجها وهو يعلم أنها زانية فإنه يجب عليه أن يراعي الوقت السني، لأنه قد رضي بها من أول الأمر، فلا معنى لتألمه منها بعد، ومثال المكروه أن تكون الزوجة مستقيمة وهو يرغب فيها، ولكن زينت له شهوته سواها فطلاقها في هذه الحالة مكروه، ومع هذا فقد يكون حراماً إذا كان بدعياً، وقد يكون غير حرام إذا كان سنياً، ومثال المباح أن تكون مستقيمة ولكنه لا يحبها ولا يطيب له الاستمتاع بها ولا تسمح نفسه بالإنفاق عليها بدون استمتاع، فإنه في هذه الحالة يباح له طلاقها بدون كراهة، وقد يكون هذا المباح حرماً إن طلقها بدعياً، وإلا فلا إن طلقها طلاقاً سنياً.
وكما أن الأحكام المذكورة تعتري السني، والبدعي. فكذلك تعتري القسم الثالث وهو ما ليس بسني، ولا بدعي. فإن طلاق الصغيرة، والآيسة، والحامل قد يكون واجباً وذلك في حالة ما إذا عجز عن الإنفاق والوطء، أو حكم بالطلاق الحكمان في الشقاق أو كان الزوج مولياً، أو قضى القاضي عليه بطلاقها، وقد يكون محرماً، وذلك فيما إذا طلقها قبل أن يقسم لها، وقد يكون مكرهاً وقد يكون مندوباً الخ ما تقدم.
هذا، وقد اقتصر بعضهم على القسمين الأولين، وهما السني، والبدعي، وأدخل القسم الثالث
في السني، وذلك لأنه أراد من السني الجائز، والجائز تحته فردان، أحدهما: الطلاق في الوقت الذي عينه الشارع لطلاق ذوات الحيض الخاليات من الحمل بالعقد الصحيح. وثانيهما: الطلاق للصغيرة والآيسة، والحامل في أي وقت إذ الشارع لم يحدد لهن وقتاً، وقد عرفت أن كل قسم من القسمين تعتريه الأحكام الخمسة التي ذكرناها.
وبعضهم فسر الجائز بما ليس بحرام، فشمل الأقسام الأربعة: الواجب، والمندوب، والمكروه، والمباح، ويقابلة البدعي، وهو الحرام، والذي فسر بهذا صرف النظر عن ضابط السني الذي تقدم وأراد به الأحكام الأربعة التي يوصف بها الطلاق بالمعنى المتقدم، فيقال: الطلاق واجب، أو مكروه، أو مندوب أو مباح، وأراد من البدعي الحرام، سواء وجد فيه الضابط المذكور في البدعي، أو لا، كما إذا طلقها قبل أن يقسم لها، وعلى كل حال فهذا مجرد اصطلاح.
هذا، ويتضح مما تقدم أن الشافعية لا يعتبرون عدد الطلقات في السني، والبدعي، فله أن يطلقها واحدة، واثنتين، وثلاثاً. ولهذا لا يتصور في القسم الثالث كونه بدعياً، أو سنياً، خلافاً للحنفية والمالكية، الذين اعتبروا العدد، فلهذا قالوا: إن طلاق الصغيرة، والآيسة. ونحوهما يكون سنياً وبدعياً، باعتبار عدد الطلقات، كما بيناه عندهم نعم قال الشافعية:
إن الأولى له أن يطلقها ثلاث طلقات متفرقة على الطهر إن كانت من ذوات الحيض، وعلى الأشهر إن لم تكن.
الحنابلة - قالوا: ينقسم الطلاق إلى ثلاثة أقسام: الأول، الطلاق السني، وهو أن يطلق زوجته المدخول بها إذا كانت غير حامل، وكانت من ذوات الحيض طلقة واحدة رجعية في طهر لم يجامعها فيه إذا لم يكن قد طلقها في حيض قبل هذا الطهر ثم راجعها، فقوله: المدخول بها خرج به غير المدخول بها، وقوله: غير حامل خرج به الحامل، وقوله: من ذوات الحيض خرج به اليائسة، والصغيرة. فإن كلهن لا يوصف طلاقهن بسني ولا بدعي لا في عدد الطلاق ولا في الزمن، فللزوج أن يطلق إحداهن في أي وقت وبأي عدد، وقوله: طلقة واحدة رجعية بأن يطلقها ثم يتركها حتى ينقضي عدتها، وبذلك يحصل له غرضه، فإن طلقها ثانية قبل انقضاء عدتها كره، وإن طلقها ثلاثاً حرم، سواء طلقها الثلاث بكلمة واحدة، أو طلقها في أطهار متعددة قبل أن يراجعها. وقوله: في طهر لم يجامعها فيه خرج به ما إذا جامعها في الطهر ثم طلقها، فإنه بدعي محرم، حتى ولو طلقها في آخر الطهر ما دام حملها غير ظاهر. وقوله: إذ لم يكن طلقها في حيض قبله الخ معناه أنه إذا طلقها وهي حائض ثم راجعها فإنه لا يحل له أن يطلقها في الطهر الذي يلي هذا الحيض، بل يلزمه أن يطأها بعد أن تطهر من الحيض الذي طلقها فيه وراجعها ثم يمسكها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بعد ذلك من قبل أن يقربها.
القسم الثاني: الطلاق البدعي الحرام، وهو بخلاف السني، فإذا طلق امرأته وهي حائض، أو طلقها في طهر جامعها فيه. أو طلق المدخول بها أكثر من واحدة، أو طلقها واحدة وأردفها في العدة
بغيرها، فإن أردفها بواحدة فقط كان مكروهاً، وإن أردفها باثنتين كان حراماً، أو طلق المدخول بها في طهر عقب حيض طلقها فيه وراجعها، فإن طلاقه يكون بدعياً محرماً.
القسم الثالث: مالا يوصف بسني، ولا بدعي، وهو طلاق الصغيرة، والآيسة، من الحيض، والحبلى التي ظهر حملها) .
(8) (المالكية - قالوا: يفترض عليه أن يرتجعها لأنه قد فعل معصية فيجب عليه الإقلاع عنها، فإن امتنع هدده الحاكم بالسجن إن لم يفعل، فإن أصر بعد ذلك سجنه، فإن أصر بعد السجن هدده بالضرب، فإن امتنع بعد التهديد ضربه بالسوط بحسب ما يراه مفيداً، وقيل: يضربه بدون تهديد إذا ظن أن التهديد لا ينفع، وكل ذلك يفعله معه في مجلس واحد، بمعنى أن يستحضره ثم يأمره بالرجعة إلى زوجته فإن امتنع قال له: إن لم تفعل أسجنك، فإن أبى أمر بإدخاله السجن. فإن لم يفعل يستحضره، ويقول له: إن لم ترجع أضربك فإن أبى ضربه بالسوط بحسب ما يراه، فإن امتنع بعد ذلك كله ارتجعها الحاكم، بأن يقول: ارتجعت له زوجته، أو ألزمته بها، أو حكمت عليه بها، وبذلك تصبح زوجة له ترثه إذا مات ويرثها إذا ماتت وإذا عاشا يحل له وطؤها، ويكون لها عليه حقوق الزوجية.
ثم إذا ارتجعها باختياره، أو ارتجعها له الحاكم حال الحيض الذي طلقها فيه، فإنه يمسكها حتى تطهر، ويندب له بعد ذلك أن يمسكها في الطهر من الحيضة التي طلقها فيها، ويجب عليه أن يطأها لأن تركها في هذه الحالة ظلم لها يأثم به، فإذا حاضت مرة ثانية ابتعد عنها حتى تطهر، فإذا طهرت طلقها قبل أن يمسها، وكل ذلك مندوب، فإذا طلقها ثانياً في الطهر الأول، فإنه لا يجبر على رجعتها ثانياً، لأنه يكون بذلك قد خالف المندوب فقط.
هذا، وتفترض عليه الرجعة ما دامت في العدة على المشهور، فإذا غفل عن هذا الحكم حتى طهرت ثم حاضت ثم طهرت وبعد ذلك تنبه له وهي في الحيضة الأخيرة التي يليها الطهر الذي تنقضي به عدتها فإنه يفترض عليه أن يرتجعها، وهذا هو المشهور، وبعضهم يرى أنها تستمر إلى نهاية الحيضة الثانية، فإن طهرت منها فإنه لا يفترض عليه ارتجاعها.
الحنفية - قالوا: في حكم الرجعة من الطلاق البدعي رأيان:
أحدهما:
أنه مستحب وهو ضعيف.
ثانيهما: أنه فرض، كما يقول المالكية، وقد استدل قائل الأول بأن الرجل إذا طلق طلاقاً بدعياً فقد وقع في المعصية بالفعل، ومتى يتعذر ارتفاعها، فلا يقال: إن الرجعة واجبة لرفع المعصية، والجواب: أن الرجعة واجبة لإزالة أثر المعصية وهو تطويل العدة على المرأة، وقد يقال: إذا رضيت المرأة بتطويل العدة فلا يكون للرجعة في هذه الحالة معنى إلا الإضرار بالمرأة، خصوصاً إذا كانت بينهما نفرة، فإنها تعتبر الرجعة شراً، وأيضاً إذا كان لا بد من طلاقها فإن في إمساكها تعذيباً لها قد تفضل معه تطليقها في هذا الوقت ألف مرة، على أنه لا معنى لإباحة الخلع في الحيض لأنه برضاها وفي نظير عوض ومنع غيره، وهذا وجيه فالذي أعتقده في الجواب أن العلة في وجوب الرجعة ليست تطويل العدة فقط، بل العلة هي لفت نظر المسلمين إلى التؤدة في أمر الطلاق فلا يجعلونه وسيلة لإطفاء غضبهم. أو سلاحاً يؤذون به المرأة متى أرادوا، لأنهم قد يندمون في كثير من الأحيان حيث لا ينفعهم الندم، فإن سورة الغضب قد تستولي على الرجل فيطلق المرأة ثم يندم، فإذا طلقها طلاقاً بدعياً فرضت عليه الرجعة رغم أنفه وأنفها ليكون لهما من الوقت متسع حتى إذا ذهب غيظهما أمكنهما أن يتفاهما ويصطلحا بل ربما أثرت فيهما المعاشرة تأثيراً يقضي إلى عدم العودة إلى مثل هذا، فإذا ضم إليه تطويل العدة في بعض الصور يكون ذلك في غاية الحسن.
أما إباحة الخلع فإن المرأة التي ترضى بأن تفارق زوجها على مال. والرجل الذي يرضى بأخذ هذا المال ليفارقها فإن الزوجية بينهما لا معنى لها، فقد باعته وباعها علانية، فلم يكن هناك أمل في تحسن الحالة.
هذا، والحنفية لا يقولون بصحة رجعة الحاكم، كما يقول المالكية، وإنما يقولون: إن كل معصية لا حد فيها ولا كفارة يجب فيها التعزير بما يراه الحاكم زاجراً عن العودة، وحيث إن الشارع اعتبر الرجعة في رفع أثر المعصية كانت الرجعة بمنزلة التوبة فإذا رجع فقد ارتفع عنه التعزير، وإلا فالحاكم يعزره بما يراه زاجراً له عن العودة إلى المعصية.
ثم إذا ارتجعها في الحيض الذي طلقها فيه فإنه يجب عليه أن يمسكها إذا طهرت من ذلك الحيض حتى تحيض ثانياً وتطهر من ذلك الحيض، فإذا كان مصراً على طلاقها فلا يقربها في حيضها الثاني ولا بعد أن تطهر منه ثم يطلقها إذا شاء، وهذا هو الصحيح من المذهب، وبعضهم يقول: إن له أن يطلقها بعد أن تطهر من الحيض الذي طلقها، وارتجعها فيه، كما تقدم، وهل تجب الرجعة ما دامت في العدة، كما يقول المالكية أو لا؟ والجواب: أن الرجعة لا تجب إلا في الحيض الذي طلقها فيه، فلو لم يفعل حتى طهرت تقررت المعصية ولا تنفع الرجعة، وهذا هو الصحيح وبعضهم يرى أن الرجعة تستمر إلى أن يأتي الطهر الثاني. بذلك تعلم أن الشافعية والحنابلة اتفقوا على أن الرجعة سنة، والمالكية والحنفية اتفقوا على أن الرجعة فرض، ولكن المالكية والحنفية اختلفوا في تفاصيل المسألة على الوجه الذي ذكرناه) .

ابوالوليد المسلم 07-06-2022 03:06 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 276 الى صــــــــ
286
الحلقة (202)



دليل تحريم طلاق البدعة من الكتاب والسنة
-عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله وعليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله وعليه وسلم عن ذلك، فقال: رسول الله صلى الله وعليه وسلم: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" رواه البخاري.
سنورد لك في شرح هذا الحديث خلاصة لما تقدم، لأنه يشتمل على أمور:
- 1 - بيان معناه
- 2 - هل طلاق الحائض ومن في حكمها حرام. أو مكروه؟
- 3 - هل للزوج أن يطلق زوجته في غير زمن الحيض والنفاس بدون سبب أو لا؟ وما رأي الأئمة في ذلك؟
- 4 - هل قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "مره فليراجعها" أمر لابنه عبد الله، أو لا؟

- 1 - معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطلاق في حالتين: احداهما أن تكون المرأة حائضاً. ثانيهما: أن تكون طاهرة من الحيض ولكن زوجها أتاها في هذا الطهر لأنه عليه الصلاة والسلام خيره بين إمساكها وبين طلاقها في الطهر قبل أن يمسها، وقد جاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام قد غضب من تطليق عبد الله زوجته حال حيضها، وسبب غضبه فيما يظهر أن الطلاق حال الحيض قد نهى الله عنه بقوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} ، وما كان لعمر وابنه أن يخفى عليهما ذلك الحكم مع ما لهما من المنزلة العلمية الرفيعة في الدين، أما كون عبد الله قد فعل ذلك عمداً لعدم استطاعته ضبط نفسه وهو عالم بالحكم فهو بعيد، لأن عبد الله بن عمر كان شديد التمسك بأحكام الدين معروفاً بالورع والتقوى والقدرة على ضبط نفسه.
ومعنى قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} لوقت عدتهن: أي طلقوهن عند حلول وقت العدة لا قبلها بحيث تشرع المرأة في العدة عقب الطلاق بدون فاصل.
وظاهر أن الطلاق في الحيض يعوق المرأة عن الشروع في العدة، فإن الحيض الذي طلقت فيه لا يحسب لها من العدة باتفاق بين من يقول: إنها تعتد بثلاث حيض. وبين من يقول: إنها تعتد بثلاثة أطهار، أما الثاني فظاهر، وأما الأول فلأن الحيضة التي وقع الطلاق في خلالها لا تحسب إذ الشرط عندهم أن تكون الحيضة كاملة بعد وقوع الطلاق، فلا يعتد بالناقصة ولو لحظة. وظاهر هذا التعليل يؤيد الشافعية والمالكية الذين يقولون: إن المرأة تعتد بالطهر لا بالحيض فإذا طلق الرجل امرأته في الطهر الذي لم يقربها فيه فإنها بذلك تشرع في العدة عقب الطلاق مباشرة بدون أن يفوتها من الزمن شيء ما، وذلك لأن الطهر الذي طلقت فيه يحسب لها من الأطهار الثلاثة التي تنقضي بها عدتها حتى ولو بقيت منه لحظة واحدة مثلاً إذا طلقها قبل طلوع الشمس بخمس دقائق وهي طاهرة ثم نزل بها دم الحيض بعد طلوع الشمس حسبت لها الخمس دقائق طهراً كاملاً، فإذا كانت ممن يحيض كل خمسة عشر يوماً مرة، فحاضت مرة ثانية وطهرت احتسب لها الطهر ثانياً، فإذا حاضت بعد خمسة عشر يوماً مرة ثالثة وطهرت احتسب لها طهراً ثالثاً، وتنقضي عدتها بمجرد أن ينزل عليها دم الحيضة الرابعة وعلى هذا القياس.
أما الحنفية والحنابلة الذين يقولون: إن المرأة تعتد بالحيض، ويقولون: إذا طلقت وهي حائض فإن هذه الحيضة لا تحسب من حيض عدتها الثلاث، فإنهم يقولون: إن الغرض من الآية الكريمة إنما هو الأمر بطلاق المرأة في وقت الذي تستقبل فيه عدتها بلا فاصل، فإذا طلقها في الطهر الذي لم يجامعها فيه، فإنها بذلك تستقبل أول حيضة تحسب لها من العدة وليس الغرض أن تشرع في العدة عقب طلاقها فوراً، لأن ذلك مما لا لزوم له، ولكل من الفريقين أدلة يؤيد بها رأيه محلها مباحث العدة.
وسواء أكان هذا أم ذاك فإن الكل متفقون على أنه لا يجوز للرجل أن يطلق زوجته وهي حائض، أو نفساء. كما لا يجوز له أن يطلقها وهي طاهرة من الحيض والنفاس إذا جامعها في هذا الطهر، وهذا صريح حديث ابن عمر الذي بين به النبي صلى الله عليه وسلم آية {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} وكذلك قد اصطلحوا على تسمية الطلاق في هذه الحالة بدعياً، وتسمية ما يقابله، وهو ما إذا طلقها في طهر لا وطء فيه، ولا في حيض قبله سنياً.
ومما لا خفاء فيه أن المراد الزوجة المدخول بها وهي التي تجب عليها العدة، فإن أراد أن يطلق زوجته قبل الدخول وهي حائض فإن له ذلك، وكذا إذا أراد أن يطلق زوجته الصغيرة التي لا تحيض، أو اليائسة من الحيض، فإن له أن يطلقها بدون تحديد وقت، لأن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر لا بالحيض، وأيضاً زوجته الحامل فإن له أن يطلقها بدون تحديد لأن عدتها تنقضي بالحمل، وقد أصبح معلوماً لهما، فلا يندم على طلاقها.
- 2 - أما الجواب عن السؤال الثاني، فقد أجمع الأئمة الأربعة على أن طلاق المرأة وهي حائض أو نفساء معصية محرمة، ويقال له: بدعي، منسوب للبدعة المحرمة، بخلاف طلاقها في الطهر الذي جامعها فيه، فإن المالكية قالوا: إنه مكروه لا حرام، ولكن الحديث الذي معنا لم يظهر منه فرق بين الحالتين، فمن أين نأخذ أنه في الأول حرام، وفي الثاني مكروه؟ ولعلهم يفرقون بين الحالتين بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد غضب لما قال له عمر: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض وغضب النبي صلى الله عليه وسلم على أنه معصية، أما في الحالة الثانية فإنه بين الطريق التي تتبع فخيره بين أن يمسكها وبين أن يطلقها من قبل أن يمسها، ولا دليل في هذا على التحريم إذا طلقها بعد أن يمسها، غايته أنه يكره.
- 3 - أما الجواب عن السؤال الثالث، فبالسلب، فلا يجوز للرجل أن يطلق امرأته بدون سبب ولو كان طلاقاً سنياً. وقد أجمع الأئمة الأربعة على أن الأصل في الطلاق المنع ما عدا المالكية فإنهم قالوا: خلاف الأولى، ثم إن الشافعية والحنابلة قالوا: مكروه، وظاهر عبارات الحنفية تفيد كراهة التحريم، وعلى هذا فلا يحل للزوج أن يطلق زوجته إلا لحاجة تقتضي الطلاق، وذلك لأن الطلاق يقطع عقد الزواج وقد شرعه الله لضرورة التناسل الذي لا بد منه لبقاء العمران إلى الأجل الذي أراده الله وقضاه، فخلق من أجل ذلك الزوجين وجعل بينهما مودة ورحمة، فطلاق الزوجة من غير سبب سفه وكفران لنعمة الله، فضلاً عما فيه من أذى يلحق الزوجة وأولادها إن كان لها أولاد. فما يفعله بعض الشهويين الذين لا خلاق لهم من تطليق زوجاتهم بدون سبب لا يقره الدين الإسلامي ولا يرضاه، ولا بد أن ينتقم الله من هؤلاء في الدنيا وفي الآخرة، ولا يبرر جنايتهم على زوجاتهم الغافلات المخلصات وأبنائهم الضعاف ما يزينه لهم بعض السخفاء من جواز الحصول على أكبر قسط ممكن من اللذات المباحة، لأن العدوان على الزوجة المخلصة بدون سبب يجعله حراماً لا مباحاً، فلا يصح للإنسان أن يؤذي الناس من أجل أن يتلذذ، وإلا كان هو والحيوان المفترس سواء، على أن الذين يعتقدون أن علاقة الزوجية منحصرة في الاستمتاع والتلذذ بالمرأة بدون أن تتجاوزه إلى معنى آخر فيندفعون وراء شهواتهم كالبهم بدون حساب، مخطئون كل الخطأ، فإن علاقة الزوجية لها من التقديس والاحترام فوق هذا الذي يظنون، كيف لا وهي أساس بناء العمران وسبب وجود الإنسان، إذ لولا ما أوجده الله من الرحمة والمودة بين الزوجين وأودعه في قلبيهما من العطف الذي يدفع كل واحد إلى التعلق بالآخر لما وجد النوع الإنساني، فلا يحل للرجل أن ينظر إلى زوجته نظراً مهيناً فيظن أنها ليست سوى محل لقضاء اللذة بدون تدبر للسبب الحقيقي الذي جمعهما الله من أجله.
أما الأسباب التي تعرض للطلاق، فإن بعضها يرجع إلى الزوج، وبعضها يرجع إلى الزوجة.
فالأسباب التي ترجع إلى الزوج تنقسم إلى قسمين: قسم يجعل الطلاق واجباً، وقسم يجعله محرماً.

فأما القسم الأول فإنه يجب الطلاق في حالتين: الحالة الأولى أن يعجز عن اعفاف المرأة بأن كان عنيناً بحسب خلقته. أو عرض له ما أقعده عن اتيانها بسبب مرض، أو كبر، وكانت المرأة تتوق للرجال فلا تستطيع عنهم صبراً، فإنه يجب عليه في هذه الحالة طلاقها فراراً بعرضه وكرامته، لأن إمساكها على هذه الحالة يترتب عليه فساد أخلاق، وانتهاك حرمات، وضياع أعراض، وكل ذلك شر وبيل يجب القضاء عليه واجتنابه بكل الوسائل، على أن العنة وعدم القدرة على اعفاف المرأة قد يكون سبباً لإجبار الزوج على الطلاق في بعض الأحوال، كما تقدم في بابه.
والحنابلة يقولون: إنه إذا عجز عن اتيانها كل أربعة أشهر فإن لها أن تطلب طلاقها ويطلق القاضي عليه. الأمر الثاني: أن يعجز عن الانفاق عليها، وهذه الحالة أسوأ من الأولى، لأن الذي يترك زوجته بدون انفاق فقد عرضها بذلك للفساد الدائم إذ لا مناص لها من الحصول على قوتها وملبسها وما يلزم من ضروريات العيش فتضطر لسلوك أخس السبل للحصول على ضرورياتها. خصوصاً إذا كانت ممن يرغب فيها، وقد يطيب لبعض فاسدي الأخلاق الاتجار بعرض زوجته وذلك واقع كثيراً، ولذا أجمع ثلاثة من الأئمة على إجبار الرجل على تطليق زوجته إذا لم ينفق عليها، أما الحنفية الذين يقولون: إن الطلاق في يد الرجل وحده فإنهم لا يتركون المرأة بدون نفقة، بل يقولون: إن من لم ينفق ولم يسرح زوجته بالمعروف يعزره القاضي بالحبس ونحوه حتى يرغمه على الطلاق أو الإنفاق، فهذان السببان هما اللذان يوجبان الطلاق على الزوج. ومتى كان الرجل قادراً على اعفاف المرأة وصيانة عرضها. وقادراً على الإنفاق عليها ولم يقصر معها في حقوقها فإنه لا يتصور وجوب الطلاق عليه عند ذلك.
ويجب أيضاً إذا حكم به الحكمان في صورة الشقاق المذكورة في قوله تعالى: {فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} ، فإذا قضي الحكمان بالطلاق فإنه يجب تنفيذ طلاقهما بعوض أو غير عوض خلافاً للحنفية ولكن الواقع أن الشقاق مهما اشتد أمره فإنه قابل للزوال، فلا يصح للحكمين تطليقها بسبب الشقاق إلا إذا أفضت معاشرتهما إلى فساد، كأن ترتب على شقاقهما كره طبيعي يسوق المرأة إلى البحث عن غيره وخيانته في عرضه، أو غير ذلك من المفاسد الخلقية والاجتماعية التي تقضي على الأسرة وتخل بنظامها، فإنني أرى في هذه الحالة وجوب الفراق.
وأما القسم الثاني: فإن الطلاق يكون محرماً في حالتين أيضاً:
احداهما: أن يطلقها فراراً من إعطائها حقها، كما إذا كان تحته أكثر من زوجتين فأعطى بعضهن حقوقهن في القسم حتى إذا جاءت نوبة واحدة طلقها قبل أن يقسم لها، لأن ذلك ظلم لها فلا يحل له أن يطلقها قبل أن يعطيها حقها. الحالة الثانية: أن تكون عفيفة مستقيمة وله فيها رغبة ويخشى على نفسه الزنا إذا طلقها لعدم قدرته على غيرها فإن في هذه الحالة يحرم عليه تطليقها، وقد مثل بالأول الشافعية وبالثاني المالكية، وكلاهما حسن لأن الغرض درء المفاسد بقدر المستطاع، فهذه هي الأسباب التي ترجع إلى الزوج وبها يجب عليه الطلاق، أو يحرم. أما الأسباب التي ترجع إلى الزوجة، فإنها تارة تكون متعلقة بعرضها ودينها وتارة تكون متعلقة بعدم صلاحيتها للاستمتاع، فإن كان الرجل يرتاب في سلوك المرأة، أو اعتقد أنها زانية بالفعل أو كانت فاسقة بترك الصلاة ونحوها من الفرائض فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز للرجل أن يمسكها متى عجز عن تقويمها وتربيتها، إلا أنهم اختلفوا في عدم الجواز، فقال بعضهم: إنه يحرم عليه إمساكها ويجب عليه طلاقها، وبعضهم قال: إنه يكره له إمساكها، ويسن له طلاقها والأول مذهب الحنابلة، ويظهر أن الذين قالوا بالكراهة فقط نظروا إلى ما عساه أن يترتب على تطليقها من شر وفساد يلحق الرجل، فربما كان متعلقاً بها لا يستطيع أن يسلوها فيضطر إلى معاشرتها بالحرام، أو يكون غير قادر على ضبط نفسه وليس لديه من المال ما يتزوج به غيرها فيقع بسبب طلاقها في الزنا، ومثل هذه الأمور تحتاط لها الشريعة الإسلامية كل الاحتياط.
فليس من محاسن التشريع الإسلامي المشهور بدقته أن يكون فراقها حتماً لازماً، لأن النفوس تتفاوت. وحاجات الناس تختلف. فمن كان قوي الإرادة ذا غيرة وحماس فإن الشريعة تشجعه على طلاق فاسدة الأخلاق وتقول له: إن لك عليه أجراً، ومن كان ضعيف الإرادة يؤذيه طلاق امرأته فإنها لم تحتم عليه طلاقها وذلك هو أعدل الموازين، أما أنا فأميل إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد من أن المرأة فاسدة الأخلاق إذا عجز زوجها عن تقويمها ويئس من اصلاحها، وعلم أنها غير مصونة العرض، فإن طلاقها يكون واجباً وإمساكها يكون محرماً. فإن الرضا بها معناه الرضا بتكوين أسرة فاسدة تضر المجتمع الإنساني، إذ المرأة الفاسدة لا يقتصر ضررها عليها وحدها، ولكنه يتناول أولادها ومن يتصل بها، ومثل هذه يجب على الناس كلهم أن ينبذوها ولا يتخذوها أماً لأولادهم ولا مربية لأبنائهم وبناتهم، وهذا هو الذي تؤيده قواعد الدين الحنيف، دين الأدب والأخلاق، فقد حثت السنة على الغيرة على الأعراض، وأوجبت الدفاع عنها في كثير من المواضع، وزجرت الذي يرضى بالفساد زجراً شديداً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر. فقالوا: يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟ قال الذي لا يبالي من دخل على أهله. قيل: فما الرجلة من النساء؟ قال: "التي تشبه بالرجال" رواه الطبراني، وروى مثله النسائي، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وقد روى البخاري أن سعد بن عبادة قال للنبي صلى الله عليه وسلم "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتعجبون من غيره سعد؟! لأنا أغير منه والله أغير مني".
فإذا كانت قواعد الإسلام مبنية على الغيرة على الأعراض واحتقار الديوث وحرمانه من رضوان الله، فكيف يكون طلاق فاسدة الأخلاق مندوباً فقط؟! لا شك أنه واجب وإمساكها محرم، وليس من الشهامة أن يصبر الإنسان على عضو فاسد حتى يفسد جميع بدنه خوفاً من التألم الذي يلحقه عند بتره، أما إذا كان السبب عدم صلاحية المرأة للاستمتاع، بسبب عيوب قائمة بها أو كبر أو نحو ذلك. فإنه يباح للرجل في هذه الحالة أن يطلقها على أن الشريعة في هذه الحالة تنظر إلى الآثار المترتبة على إمساكها، أو تطليقها. فإن كان الرجل في غنى عن النساء وليس له أمل في ذرية فإنه يترجح إمساكها، خصوصاً إذا كان طلاقها يؤذيها ويعرضها للبؤس والشقاء فإن الرحمة والشفقة من الضروريات في نظر الشريعة، وإن كان إمساكها يترتب عليه فساد الرجل كما هو مشاهد في بعض الشبان الذين يتزوجون العجائز طمعاً في مالهن لينفقوه على شهواتهم المحرمة، فإن إمساكها يكون حراماً.
- 4 - أما الجواب عن السؤال الرابع، فإن أمر عمر في هذه الحالة بأن يأمر ابنه معناه أن يبلغه أمر الوصول. وبذلك يكون الأمر موجهاً إلى عبد الله مباشرة، وهذا مما لا يصح أن يرتاب فيه، لأن المسألة مختصة بعبد الله، وليس لأبيه عمر أي دخل فيها، فلا يصح أن يقال: إن المسألة الأصولية إذا أمر شخص غيره بأمر يأمر به غيره لا يكون المأمور الثاني مكلفاً بذلك الأمر، ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع" فالأولاد ليسوا مأمورين بهذا الأمر، لأن هذا محله إذا كان المأمور الثاني غير مكلف كالأولاد، ولم تقم قرينة على أن الأمر متعلق بالمأمور الثاني كما هنا، لأن الأمر إن لم يكن مختصاً بعبد الله كان لغواً لا معنى له إذ لا علاقة له بعمر، فهذا المبحث لا يظهر تطبيقه على هذا الحديث.
الطلاق الصريح
-قد عرفت أن الطلاق ينقسم باعتبار صيغته إلى صريح، وكناية، والصريح ينقسم إلى رجعي. وبائن، وفي كل ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: الصريح نوعان: صريح رجعي، وصريح بائن. فأما الصريح الرجعي فهو ما اجتمعت فيه خمسة قيود:
القيد الأول: أن تكون صيغته مشتملة على حروف الطلاق. كأن يقول لها: طلقتك. وأنت طالق. ومطلقة - بالتشديد - أما مطلقة - بالتخفيف - فإنها تحتمل الإطلاق من قيد الحبس في المنزل والإذن لها بالخروج، فيكون كناية، وسيأتي حكمها. ومن الصريح قوله لزوجته: كوني طالقة، أو تكوني طالقة، فإن لفظ - تكوني - وإن كانت للاستقبال ولكن جرى العرف باستعمالها في الحال، حتى لو قال لها: أطلقك وكان استعماله غالباً في الحال فإنها تطلق منه، ومن الصريح أيضاً كوني طالقة، واطلقي، ومنه أن يقول لها: خذي طلاقك، فتقول: أخذته، فإنه يكون صريحاً، وقيل: لا بد فيه من نية، ومن الصريح أيضاً كلمة نعم أو بلى، في جواب هل طلقت امرأتك؟ فقال: نعم، أو بلى، فإنها تطلق وذلك بدون نية، وكذا لو قال له شخص: ألست طلقت امرأتك؟ فقال: نعم. أو بلى فإنه قد طلق، وذلك لأن العرف لا يفرق بين الجواب بكلمة نعم، أو بكلمة بلى، بخلاف اللغة، فإن كلمة نعم لا تصلح جواباً للنفي بخلاف كلمة بلى فإنها جواب للنفي، وهذا خلافاً للحنابلة، كما يأتي:
ويلحق بذلك الألفاظ المصحفة، وهي خمسة ألفاظ:

1 - إبدال القاف غيناً، بأن يقول: طلغتك.
2 - إبدال الطاء تاء، والقاف غيناً، بأن يقول: تلغتك.
3 - إبدال القاف كافاً، بأن يقول: طلكتك، وهي كثيرة.
4 - إبدال الطاء تاء، والقاف كافاً، بأن يقول: تلكتك.
5 - إبدال الطاء تاء، بأن يقول: تلقتك، وزاد بعضهم سادساً، وهو إبدال القاف لاماً، بأن يقول: أنت طالل.

فهذه الألفاظ صريحة في الطلاق عند الحنفية، فإذا جرت على لسان شخص بدون قصد. كأن قال لامرأته: يا طالل، وهو يريد أن يناديها يا هانم فإنه يقع قضاء لا ديانة، أما إن قصد لفظ طالق ولم يقصد إيقاعه، بأن كان هازلاً، فإنه يقع قضاء وديانة.
وبهذا تعلم أن الطلاق بالحروف المصحفة يقع، ولو لم يكن المطلق أعوج اللسان، وأما ذكر الطلاق بحروف الهجاء مقطعة، كأن يقول لها: ط ال ق، أو يقول لها: طاء ألف لام قاف، فالتحقيق أنها كناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنية.
القيد الثاني: أن يكون بعد الدخول حقيقة، فإذا طلقها قبل الدخول طلاقاً صريحاً يكون بائناً لا رجعياً، والمراد بالدخول الحقيقي الوطء بالكيفية المتقدمة في مباحث المهر، أما الخلوة بها وهي دخول حكماً، فلا تعتبر هنا، فإذا خلا بها ثم طلقها قبل الوطء طلاقاً صريحاً كان بائناً.
القيد الثالث: أن لا يكون لفظ الطلاق مقروناً بعوض، كأن يقول لها: طلقتك على مؤخر الصداق ونحوه، فإنه يكون طلاقاً بائناً لا رجعياً.
القيد الرابع: أن لا يكون مقترناً بعدد الثلاث لا نصاً ولا إشارة ولا موصوفاً بصفة تشعر بالبينونة، أو تدل على البينونة من غير حرف العطف، مثال الأول ظاهر، وهو أن يقول لها: أنت طالق ثلاثاً، ومثال الثاني أن يقول لها: أنت طالق، ويشير لها بثلاثة أصابع، فإنه يقع ثلاثاً في الحالتين، ومثال الثالث أن يقول لها: أنت طالق طلاقاً شديداً. أو طلاقاً أشد من الجبل، فإن وصفه بالوصف الشديد يجعله بائنا، فيقع بذلك طلقة واحدة بائنة، كما سيأتي ومثل ما يدل على البينونة صريحاً أن يقول لها: أنت طالق بائن، فوصفه بالبينونة يجعله طلاقاً واحداً بائناً، وقولنا: من غير حرف العطف خرج به ما إذا قال لها: أنت طالق وبائن، فإن الأول يكون رجعياً، والثاني يلحق به ويكون بائناً.
القيد الخامس: أن لا يكون مشبهاً بعدد أو صفة تدل على البينونة، كقوله: طلقتك طلقة كثلاث، فإنه ان نوى بها واحدة وقعت واحدة بائنة وإلا وقعت ثلاثاً، ومثلها ما إذا قال لها: أنت طالق طلقة كالشمس، أو كالقمر. فإنه يقع بها واحدة بائنة. فالطلاق الصريح الرجعي هو أن يطلق امرأته بعد الدخول بها بلفظ مشتمل على حروف الطلاق من غير أن يقترن طلاقه بعوض ولا بعدد الثلاث لا نصاً ولا إشارة، ولا يكون موصوفاً بصفة تنبئ عن البينونة، أو تدل على البينونة من غير حرف العطف، ولا مشبه بعدد أو صفة تدل على البينونة، والطلاق البائن بخلاف ذلك. وهو أن يطلقها قبل الدخول ولو بلفظ الطلاق، أو يطلقها بعد الدخول طلاقاً مقروناً بعد الثلاث. أو بلفظ ليس فيه حروف الطلاق. أو بلفظ فيه حروف الطلاق ولكنه مقترن بوصف ينبئ عن الإبانة أو يدل عليها. أو مشبهاً بعدد أو صفة تدل على الإبانة.
وبهذا تعلم حد الطلاق الصريح الرجعي والبائن، ثم إن البائن إن كان ثلاثاً فإنه يعتبر ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وإن كان واحداً أو اثنين، فإن كان رجعياً فإنه لا يحتاج لعقد، وإن كان بائناً فإنه يحتاج لعقد جديد. هذا، وحكم الطلاق الصريح الرجعي أن تقع به طلقة رجعية وإن نوى أكثر من واحدة أو نوى الإبانة، فلو قال لها: أنت طالق ونوى بها الثلاث لا تقع إلا واحدة، ولو نوي بها غير الفراق كأن نوى بها الطلاق عن وثاق لم يصدق قضاء، ولكن لا يلزمه الطلاق ديانة، فيحل له أن يأتي زوجته ولكن لا يحل للمرأة أن تمكنه من نفسها إن سمعت منه ذلك، أو شهد به شاهد عدل عندها فلو صرح بالقيد بأن قال لها: أنت طالق عن وثاق لم يقع قضاء كما لم يقع ديانة.
ولو قال لها: عليك الطلاق، فإنه يقع إذا نوى به الطلاق، ولو قال لها: طلاقي عليك واجب وقع بدون نية، ومثل ذلك ما إذا قال لها: الطلاق عليك واجب، أو لازم، أو فرض. أو ثابت فبه خلاف، فبعضهم يقول: إنه يقع به واحدة رجعية نوى أو لم ينو، وبعضهم يقول: لا يقع به شيء، ومنهم من يقول: يقع في قوله: واجب بدون نية، وفي قوله: لازم لا يقع، وصحح بعضهم الوقوع في الكل.
المالكية - قالوا: الطلاق الصريح تنحصر ألفاظه في أربعة، أحدها: طلقت. ثانيها: أنا طالق منك. ثالثها: أنت طالق، أو مطلقة مني - بتشديد اللام - رابعها: الطلاق لي لازم. أو علي لازم. أو مني. أو لك. أو عليك لازم، أو نحو ذلك، فهذه الأربعة هي الصريح، ويلزم بكل لفظة من هذه الألفاظ الأربعة طلقة واحدة إن لم ينو شيئاً، وأما إذا نوى بها اثنتين أو ثلاثاً فإنه يلزمه ما نواه، خلافاً للحنفية الذين يقولون إن الصريح لا نية فيه، فلو نوى به أكثر من واحدة فلا يلزمه إلا واحدة. ثم إن الصريح الذي وقعت به واحدة إن كان قبل الدخول أو كان في نظير عوض - وهو الخلع - فإنه يكون بائناً، وإلا فإنه يكون رجعياً، فالبائن عند المالكية الخلع، والطلاق قبل الدخول، والطلاق البات، سواء كان ثلاثاً، كما إذا كان بلفظ ثلاث. أو كان بالكنايات الظاهرة التي سيأتي بيانها أو حكم به حاكم، كما سيأتي في شروط الرجعة، والرجعي بخلافه.
هذا وإذا قال لها: أنت منطلقة أو مطلقة - بفتح اللام مخففة - فإن نوى بها الطلاق وقع، كما في الكنايات الخفية الآتي ذكرها، وإن لم ينو فلا يقع بها شيء، لأن العرف لم يعتبرها طلاقاً.
الشافعية - قالوا: ينقسم الطلاق إلى قسمين: صريح بنفسه وصريح بغيره، فأما الأول - وهو الصريح بنفسه - فما كان مأخوذاً من مادة الطلاق أو مأخوذاً من مادة السراح، كقوله: سرحتك. أو مأخوذاً من مادة الفراق، كقوله: فارقتك. فما كان مأخوذاً من مادة الطلاق فهو كقوله: أنت طالق، وطلقتك ومطلقة - بتشديد اللام - فإن خفف اللام كان كناية، وهذا بخلاف لفظ الطلاق نفسه، فإنه تارة يقع مبتدأ، كأن يقول لها عليّ الطلاق لأفعلن، فالطلاق مبتدأ، وعليّ خبره وهو صريح، وقال جماعة: إنه كناية لا يقع به طلاق إلا بالنية، والأول أرجح ومثله ما إذا قال لها: طلاقك واجب علي. أو لازم لا أفعل كذا، فإنه يكون صريحاً، أما إذا قال لها: طلاقك فرض علي فإنه يكون كناية على الأرجح، وذلك لأن الفرض قد اشتهر استعماله في العبادة، فيحتمل أنه أراد ذلك خطأ لأن الطلاق ليس عبادة، بخلاف الواجب فإنه يستعمل بمعنى الثابت اللازم، وتارة يقع مفعولاً، كأن يقول لها: أوقعت عليك الطلاق، أو يقع فاعلاً كقوله: يلزمني الطلاق، وهو صريح في الحالتين، وما عدا ذلك يكون كناية، كما لو أقسم به كأن يقول: والطلاق لا أفعل، فإنه يكون كناية باتفاق، وإذا ذكر الطلاق بحروف مصحفة، كأن قال لها: أنت تالق فلا يخلو إما أن يكون النطق بمثل هذا لغة له أو لا، فإن كان لغته فإنه يكون صريحاً، وإن لم يكن لغته، بأن كان ينطق بطالق وجرت على لسانه تالق، أو تعمد النطق بها، فإنه يكون كناية، وهذا هو المعتمد عندهم.
والحاصل أن الصريح بنفسه عندهم ما اجتمع فيه أمران:
الأول أن يرد ذكره في القرآن مكرراً،
وذلك ظاهر في لفظ الطلاق وما اشتق منه، وأما السراح فقد قال تعالى: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} وقال: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} (سورة البقرة) وأما الفراق فقد قال تعالى: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} (سورة الطلاق) ، والفراق لم يتكرر لفظه في القرآن ولكن تكرر معناه، فألحق بالمتكرر.
ثانيهما: أن يشتهر استعماله في الطلاق، وظاهر أن السراح والفراق اشتهر استعمالهما في الطلاق فهما من الصريح.
هذا هو الصريح بنفسه، أما الصريح بغيره فهو ما اشتق من لفظ الخلع أو لفظ المفاداة بشرط أن يضاف إلى المال لفظاً. أو نية، كأن يقول لها: خالعتك، أو فاديتك، أو افتديت منك على كذا، فاللفظ المشتق من الخلع، أو المفاداة ليس صريحاً في نفسه، بل بإضافته إلى المال، فإذا لم يضف كان كناية كما سيأتي في بابه. ثم إن الصريح بغيره يشترط فيه أحد الشرطين السابقين في الصريح بنفسه، فهو إما أن يرد ذكره في القرآن وإن لم يتكرر، ومثله ما إذا ورد معناه. أو يشتهر استعماله في الطلاق، فالمفاداة ورد ذكرها في القرآن، قال تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ، وهو معنى الخلع، وقد اشتهر استعمال الخلع والمفاداة في الطلاق.
بقي من الصريح شيء آخر وهو كلمة - نعم - إذا وقعت في جواب سؤال عن طلاق صريح فلو قال شخص لآخر: هل طلقت امرأتك؟ فقال: نعم كانت صريحاً، فينحصر الطلاق الصريح في خمسة عبارات:

1 - الطلاق وما اشتق منه على الوجه المتقدم.
2 - ما اشتق من السراح.
3 - ما اشتق من الفراق.
4 - الخلع والمفاداة، إذا أضيف كل منهما إلى المال لفظاً أو نية.
5 - كلمة نعم في جواب السؤال عن طلاق صريح.

وحكم الطلاق الصريح بنفسه أن يقع به طلقة واحدة رجعية إذا لم يكن قد طلقها قبلها اثنتين أو لم يكن قد دخل بها، وحكم الطلاق الصريح بغيره أنه يقع به طلقة بائنة، سواء نوى فيهما الطلاق أو لم ينو، حتى ولو نوى عدم الطلاق، أما إذا نوى به أكثر من واحدة فإنه يقع ما نواه، وذلك لأن الشارع جعل عدد الطلقات ثلاثاً، فكأن المنوي دخل في لفظ الطلاق لاحتماله شرعاً، فلو قال لها: أنت طالق واحدة - بنصب واحدة - على أنها صفة لصدر محذوف أي أنت طالق طلقة واحدة، ونوى أكثر، ففيه خلاف، فبعضهم قال: إنه يقع به واحدة ولا عبرة بنية الأكثر، وذلك لأن الوصف بواحدة جعل اللفظ غير محتمل للاثنتين، والنية لا تعتبر إذا كان اللفظ لا يحتمل المنوي، وقال بعضهم: بل يقع المنوي لأن النية جعلت معنى الواحدة الانفراد عن الزواج لا صفة الطلاق. فكأنه قال لها: أنت طالق حال كونك واحدة.

الحنابلة - قالوا: حد الطلاق الصريح هو ما لا يحتمل غيره بحسب الوضع في العرف فلفظ الطلاق صريح في حل عقدة الزواج لا يحتمل غيره في العرف وإن قبل التأويل بحسب ذلك المعنى الأصلي كالطلاق من القيد، وينصر ذلك في لفظ الطلاق وما تصرف منه عرفاً، كالطالق، ومطلقة، وطلقتك، بخلاف نحو طلقى، وأطلقك، ومطلقة - بكسر اللام - اسم فاعل، فإن هذه الألفاظ لم تستعمل عرفاً في حل العصمة، وبهذا تعلم أن ألفاظ السراح. والفراق. والخلع. والمفاداة ليست من الطلاق الصريح، وفاقاً للحنفية. والمالكية، وخلافاً للشافعية، وذلك لأن هذه الألفاظ تستعمل في غير الطلاق كثيراً، فلا يمكن عدها من الصريح، ومن الصريح لفظ - نعم جواباً عن السؤال عن طلاق صريح، فلو قال له شخص: هل طلقت زوجته؟ فقال له: نعم طلقت، ولو كان كاذباً، ومثل ذلك ما إذا قال له شخص: ألم تطلق امرأتك؟ فقال: بلى، فإنها تطلق، وذلك لأن كلمة بلى جواب عن النفي، فإذا قال شخص لآخر: ألم تضرب زيداً؟ فقال له: بلى كان معناه ضربته، وإن قال: ألم تطلق امرأتك فقال: نعم فإنها لا تطلق إذا كان قائلها يعرف العربية لأن كلمة - نعم - ليست جواباً للنفي، فإذا قال شخص لآخر: ألم تأكل معنا، فقال: نعم كان معناه لم آكل إما إذ كان لا يفرق في الجواب فإنها تقع. وحكم الطلاق الصريح أنه يقع به طلقة واحدة، سواء نوى أو لم ينو عدم الطلاق) .



ابوالوليد المسلم 07-06-2022 03:20 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 286 الى صــــــــ
296
الحلقة (203)



مبحث كنايات الطلاق
-الكنايات ما قبل الطلاق الصريح، وفي تعريفه تفصيل المذاهب (1) .
مبحث أقسام كنايات الطلاق
-تنقسم كنايات الطلاق إلى أقسام مفصلة في المذاهب (2) .

__________
(1) (الحنفية - قالوا: معنى الكناية في ذاتها ما استتر المراد منه نفسه، وهذا المعنى غير مختص بالفقهاء، بل يشمل اصطلاح الأصوليين أيضاً، فإنهم يعرفون الكناية بما استتر المراد منه في نفسه، ولو كان من الألفاظ الصريحة عند الفقهاء، كطالل مثلاً، فإنه صريح من كون المراد منه خفياً لغرابة اللفظ، أما الكناية في اصطلاح الفقهاء خاص فهي اللفظ الذي لم يوضع لخصوص الطلاق، بل وضع لمعنى يتعلق بالطلاق. ولمعنى آخر: فهو محتمل للأمرين. مثلاً لفظ بائن فإنها موضوعة في اللغة لتدل على الفراق، والفراق أعم من أن يكون فراقاً من الزوجية. وأن يكون فراق مكان، والفراق من الزوجية ليس هو معنى الطلاق، وإنما هو أثره المترتب عليه، فهو حكمه المتعلق به، فإذا قال لزوجته: أنت بائن يحتمل أنه يريد أنت مفارقة لأهلك بعيدة عنهم، ويحتمل انشاء مفارقتها إياه من الزوجية، فإذا نوى الأول لا شيء عليه وإذا نوى الثاني بانت منه لأن قصد حكم الطلاق المترتب عليه مثل قصد معنى الطلاق، وهو حل عقدة النكاح بلا فرق، وهكذا في كل ألفاظ الكنايات، فإنه لا يقصد منها معنى الطلاق وإنما يقصد منها البينونة من الزواج وهي حكم الطلاق المترتب عليه، فقول الفقهاء: الكناية هي اللفظ الذي يحتمل الطلاق وغيره معناه يحتمل حكم الطلاق، وهو البينونة المترتبة عليه لا نفس الطلاق كما عرفت.
ولا بد في إيقاع الطلاق بالكناية من أحد أمرين: إما النية كما ذكرنا، وإما دلالة الحالة الظاهرة التي تفيد المقصود من الكنايات كما إذا سألته الطلاق، فقال لها: أنت بائن فإنه يقع بدون نية كما سيأتي في تقسيم الكنايات.
الشافعية - قالوا: كناية الطلاق هي اللفظ الذي يحتمل الطلاق وغيره، بنية مقارنة لأي جزء من أجراء اللفظ، كقوله لامرأته: أطلقتك، فإن لفظ أطلقتك يحتمل اطلاقها من حبسها بالمنزل ونحوه، ويحتمل اطلاقها من عقدة الزواج، ولا يقع طلاق إلا إذا نوى الطلاق بنية مقارنة للفظ، وهكذا.
الحنابلة - قالوا: كناية الطلاق تارة تكون ظاهرة، وهي الألفاظ الموضوعة للبينونة الآتي بيانها، وتارة تكون خفية، وهي الألفاظ الموضوعة للطلقة الواحدة الآتي بيانها، ولا بد في الكناية بقسميها من نية مقارنة للفظ.
المالكية - قسموا الكناية إلى أقسام كثير، وسيأتي تعريف كل قسم على حدة في مبحث أقسام الكناية) .
(2) (الحنفية - قالوا: تنقسم الكنايات إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول ما يكون معناه جواب طلب التطليق، فلا يصح سباً للمرأة ولا رداً لها عن طلب التطليق، وهذا يشتمل على ألفاظ: منها اعتدى، وهو تخيير بين الأمر بالعدة، أو الأمر بعد أيادي الزوج ونعمه عليها، ومنها استبرئي رحمك، واستبراء الرحم معناه تعرف طهارته من ماء الرجل، وهو كناية عن العدة، لأن تعرف براءة الرحم تكون بالعدة، ومنها أنت واحدة، وهذا اللفظ يحتمل أنت طالق تطليقة واحدة، ويحتمل أنت واحدة، بمعنى منفردة في القبح. أو في الحسن، وعلى هذا يكون لفظ واحدة منصوباً لأنه وصف للمصدر، فهل إذا قال: أنت واحدة بالرفع ونوى الطلاق يقع أو لا؟ والجواب: أنه يقع الطلاق ولو لحناً، لأن الإعراب لا يعتبر في هذه الباب، خصوصاً إذا صدر من العامي، على أن الرفع قد يحمل على وجه صحيح من الإعراب، فيقال: معناه أنت تطليقة واحدة، فجعل المرأة نفس التطليقة مبالغة، ومنها أنت حرة، فإنها تحتمل الاخبار بحريتها في تصرفها وتحتمل إنشاء تحريرها من قيد النكاح، ومنها سرحتك من السراح - بفتح السين - وهو الإسال، فكأنه قال لها: أرسلتك. والإرسال إما لأنه طلقها، أو لتمكث يوماً في دار أبيها، أو نحو ذلك.
وقد عرفت أن سرحتك عند الشافعية من الصريح، ومنها فارقتك، وهي مثل سرحتك، لأن فراقها إما أن يكون لتطليقها. وإما أن يكون فراقاً مؤقتاً بالانصراف من المنزل مثلاً.
هذا، وقد ذكر بعض الشراح. والفتاوى الكبيرة لفظين في هذا القسم: أحدهما اختاري. ثانيهما: أمرك بيدك، وهما كنايتان عن تفويض الطلاق للمرأة، لأن كلاً منهما يحتمل معنيين، فاختاري
نفسك يصح أن يراد به اختاري نفسك بالطلاق. أو اختاري نفسك في عمل من الأعمال وكذلك أمرك بيدك، فإنه يصح أن يراد به أمرك بيدك في الطلاق. أو في تصرفاتك المختصة بك ولكن الصواب عدم ذكرهما هنا، وذلك لأنه لا يقع بهما طلاق إلا إذا طلقت المرأة نفسها، وإنما يصح تفويض الطلاق بهذين اللفظين بشرط أن ينوي الزوج الطلاق لها، أو يدل الحال على أنه فوض، كما إذا طلبت منه أن يطلقها في حالة الغضب، فإذا فوض لها في هذه الحالة وطلقت نفسها بانت منه، أما إذا لم تطلق فإنها لا تبين، فمن عد هذين اللفظين في كنايات الطلاق فقد أوهم أن الطلاق يقع بهما بمجرد نية الزوج، وهو خطأ واضح.
ويتعلق بهذا القسم حكمان: أحدهما أن الألفاظ الثلاثة الأولى، وهي: اعتدي. واستبرئي رحمك وأنت واحدة، يقع بها طلقة واحدة رجعية، وإن نوى أكثر منها. أو نوى البائن.
ثانيهما: أن الذي ينطق بكلمة من هذه الكلمات لا يخلو حاله عن ثلاثة أمور: الأمر الأول أن يكون في حالة غضب. الأمر الثاني: أن يكون في حالة رضا. الأمر الثالث: أن يكون في حالة مذاكرة الطلاق، بمعنى أن المرأة سألته الطلاق. أو سأله شخص طلاقها، فإذا كان في حالة غضب، وقال لزوجته، اعتدي، أو استبرئي رحمك. أو أنت واحدة الخ وقع عليه الطلاق قضاء، سواء نوى، أو لم ينو، فإذا قال: لم أنو الطلاق لم يصدق، ولكن لا يقع عليه ديانة بينه وبين الله، ومثل ذلك ما إذا كان في حالة مذاكرة الطلاق، فإذا سألته الطلاق فقال لها: اعتدي، أو استبرئي رحمك الخ وقع عليه الطلاق قضاء، سواء نوى، أو لم ينو، وسواء كان في حالة غضب، أو في حالة رضا. أما إذا كان في حالة رضا بدون مذاكرة طلاق، وقال كلمة من هذه الكلمات فإنه لا يقع بها طلاق إلا بالنية، وإذا قال: لم أنو بها الطلاق، فإنه يصدق بيمينه.
القسم الثاني: ما يصح جواباً للسؤال عن التطليق. وما يصح رداً، أي دفعاً لهذا السؤال، وهذا لقسم يشتمل على ألفاظ، منها اخرجي، فإذا قالت له: طلقني، فقال لها: اخرجي، فإنه يحتمل أن يكون جوباً لها عن سؤال الطلاق، ويحتمل أن يكون مراده اخرجي الآن من المنزل حتى يهدأ الغضب وتنصرفي عن طلب الطلاق ومنها اذهبي، فهو مثل اخرجي، ومنها قومي. أو انتقلي، أو انطلقي، ومثل اخرجي، ومنها تقنعي أو تبرقعي، أي ضعي القناع - وهو البرقع - على وجهك، ومنها تخمري، أي البسي الخمار، وهو الملاءة - أو استتري - فأمرها بلبس البرقع أو الخمار. أو الستر يحتمل أمرين: أن يكون ذلك من أجل تطليقها إذ لا يحل له النظر إليها بعد. أو لئلا ينظرها أحد وهي غضبانة، فيكون على الأول جواباً لسؤال الطلاق، ويكون على الثاني رداً لطلب الطلاق، ومنها اغربي - بالغين والراء - ومعناه ابتعدي، وهو مثل اخرجي، يحتمل أن يكون جواباً عن طلب التطليق، ويحتمل أن يكون الغرض منه البعد المؤقت الذي ينكسر به الشر. ومنها اعزبي - بالعين والزاي - من العزوبة بمعنى البعد، وهي مثل اغربي.
وحكم هذا القسم أن الطلاق لا يقع به إلا بالنية، سواء كان في حالة غضب. أو في حالة رضا،
أو في حالة مذاكرة الطلاق. فإذا قال: لم أنو الطلاق، فإنه يصدق بيمينه قضاء، وهو وشأنه فيما بينه وبين الله، وذلك لأنها تحتمل ردها عن طلب الطلاق، وتحتمل إجابتها إلى طلبها، فإذا نوى الرد فقد نوى ما يحتمله اللفظ، فيقبل قوله قضاء في حالة مذاكرة الطلاق، وفي حالة الغضب، بخلاف القسم الأول، فإنه لا يحتمل سوى إجابتها عن سؤال الطلاق، فيقع حال المذاكرة. وحال الغضب مطلقاً، ولا يسمع منه أنه لم ينو الطلاق، أما في حال الرضا. وعدم المذاكرة فإنه يحتمل إرادة غير الطلاق.
القسم الثالث: ما يصلح جواباً للمرأة عن سؤال الطلاق، وما يصلح شتماً لها، ويشتمل هذا القسم على ألفاظ: منها خلية بمعنى خالية عن النكاح. أو خالية عن الأدب والخير، فالمعنى الأول يصلح جواباً لسؤال الطلاق، والمعنى الثاني يصلح شتماً للمرأة، كما هو ظاهر. ومنها: برية. أو بريئة، بمعنى منفصلة عن النكاح. أو منفصلة عن الأدب وحسن الخلق، فهي كالأول تصلح جواباً وسبباً، ومنها كلمة بائن، من بان الشيء انفصل، فقوله لها: أنت بائن يحتمل أنها منفصلة من النكاح، أو منفصلة عن الخير والأدب، كما في الأول، ومنها كلمة بتة، بمعنى منقطعة، فإذا قال لها: أنت بتة كان معناه أنت منقطعة إما عن النكاح، أو الأدب، ومنها كلمة بتلة، وهي مثل بتة بمعنى منقطعة، ومنه فاطمة البتول، أي منقطعة النظير عن نساء العالمين نسباً وديناً رضي الله عنها.
وحكم هذا القسم أنه لا يقطع به الطلاق إلا بالنية في حالة الغضب، وفي حالة الرضا. أما في حالة مذاكرة الطلاق فإنه يقع قضاء بدون نظر إلى نية
فتحصل من هذا أنه في حال مذاكرة الطلاق يقع الطلاق قضاء بدون نظر إلى نية إلا في القسم الثاني، وهو ما يصلح جواباً ورداً فإنه لا يقع في الأقسام الثلاثة إلا بالنية، أما في حالة الرضا فإن الطلاق لا يقع في الأقسام الثلاث إلا بالنية، وأما في حالة الغضب فإنه لا يقع الطلاق إلا بالنية في القسمين الأخرين، أما القسم الأول، وهو ما يصلح جواباً، ولا يصلح شتماً، فإنه يقع به الطلاق حال الغضب قضاء بدون نظر إلى نية.
ثم اعلم أن جميع الألفاظ التي ذكرت في الأقسام الثلاثة يقع بها الطلاق بائناً ما عدا الألفاظ الثلاثة المذكورة في القسم الأول، وهي: اعتدي، استبرئي رحمك، أنت واحدة، فإنه يقع بكل لفظ منها طلاق رجعي، فإذا نوى بالبائن ثنتين فإنه لا يقع به إلا واحدة. أما إذا نوى به الثلاث فإنه يصح ويقع به الثلاث، وذلك لأن المراد بلفظ البائن بينونة المرأة من الزواج، والبينونة لا تحتمل التثنية لأنها مصدر لا يراعى فيه العدد، فإما أن يراعى فيه الوحدة فيكون مقيداً بها، أو يراعى فيه الجنس المستغرق لأفراده فيشتمل الثلاث، ويستثنى لفظ اختاري فإنه لا يصح فيها تفويض الثلاث لها.
هذا، وبقيت ألفاظ أخرى من الكنايات يقع بها الطلاق رجعياً، منها أن يقول لها: أنت مطلقة - بتخفيف اللام - فإن هذا اللفظ يحتمل إطلاقها من القيد، ويحتمل إطلاقها من عقد النكاح، فيقع به الطلاق بالنية، ولكن لما كان مشتملاً على مادة الصريح فإنه لا يقع به إلا واحدة رجعية، ومنها أن يقول لها: أنت أطلق من امرأة محمد إذا كانت امرأة محمد مطلقة، فقوله: أنت أطلق منها أفعل تفضيل،
يحتمل أنها أكثر إطلاقاً منها في شؤونها، ويحتمل أنها أشد منها تطليقاً من عقد الزواج، فإذا نوى الثاني طلقت واحدة رجعية، كما علمت، وإنما تلزم النية إذا لم تقل له امرأته: إن محمداً طلق زوجته، فإذا قالت له ذلك وأجابها هو بقوله: أنت أطلق منها وقع الطلاق بدون نية قضاء ديانة، لأن دلالة الحال تجعله من باب الصريح، لا من باب الكناية، فيقع بدون نية، أما إذا لم تقم قرينة فإنه يكون كناية لا يقع إلا بالنية، كما علمت، ومنها أن ينطق بالطلاق بحروف الهجاء، كأن يقول: أنت ط ال ق وذلك لأن الحروف المقطعة لا تستعمل فيه اللفظ الصريح، فلا بد لوقوع الطلاق بها من النية، وإذا نوى يقع واحدة رجعية، ومنها أن يقول لها: الطلاق عليك، أو الطلاق لك، أو أنت طال - بضم اللام وفتحها - أما بكسرها فإنه يكون صريحاً لا يحتاج إلى نية على المعتمد، وذلك لأن حذف آخر الكلمة مشهور في العرف، فإذا حذف الآخر مع بقاء شكل الحرف الذي قبله على حاله فإن معنى الكلمة لا يتغير، أما إذا غير شكله بالرفع، أو النصب فإنه يحتمل أن يكون المراد به أمراً آخر فإذا قال لها: أنت طال يحتمل أن يكون طال فعل، أي طال عمرك مثلاً، وبالرفع يحتمل أن يكون المراد تشبيها باسم، ومنها أن يقول لها: وهبتك طلاقك، أو أعرتك طلاقك، وفي هذه الحالة يكون أمر طلاقها بيدها إذا نوى به الطلاق وكذا أقرضتك طلاقك أو قد
شاء الله طلاقك أو شئت طلاقك، أو قضي الله طلاقك أو طلقك الله، ففي كل هذه الألفاظ يقع بالنية طلقة واحدة رجعية، وأما إذا قال لها: خذي طلاقك فإنه صريح على المعتمد، ومنها لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج، وإذا قال لها: أنا بريء من طلاقك ونوى به الطلاق هل يقع أو لا؟
قال بعضهم: إنه لا يقع به شيء ولو نوى، وذلك لأن البراءة من الطلاق ترك له، ولا معنى لأن يراد من الشيء ضده.
وقال بعضهم: يقع به واحدة رجعية وعلل ذلك بأن قوله: أنا بريء من طلاقك معناه ترك الطلاق عجزاً عنه لعدم فائدته، وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت المرأة غير محل للطلاق، بأن كانت بائنة بينونة صغرى أو كبرى، فيحتمل أنه أراد من البراءة من الطلاق بينونتها، ولكن هذه العلة تنتج وقوع الطلاق البائن لا الرجعي، لأن الذي يفيد العجز عن الطلاق هو البراءة منه لا لفظ الطلاق، إلا أن يقال: إضافة البراءة إلى لفظ الطلاق الصريح جعل اللفظ في حكم الصريح الذي تقع به واحدة رجعية، ومثل أنا بريء من طلاقك، قوله لها: تركت طلاقك. ومن الكنايات التي يقع بها الطلاق بالنية لفظ العتق، فإذا قال لها: أعتقتك ونوى به الطلاق بانت منه، وكذا إذا سألته الطلاق فأجابها بقوله: أعتقتك وإن لم ينو، لأن دلالة الحال تقوم مقام النية، أما إذا قال لجاريته: طلقتك ونوى بذلك عتقها فإنها لا تعتق، لأن لفظ الطلاق ليس موضوعاً لإزالة الملك، خلافاً للشافعية.
المالكية - قالوا: تنقسم الكناية إلى قسمين: كناية خفية، وكناية ظاهرة.
فالكناية الخفية ما كانت دلالتها على الطلاق غير ظاهرة، وهي ثلاثة أقسام: قسم يوجد فيه حروف الطلاق ولكن العرف لم
يستعمله في إنشاء الطلاق، وهو ثرثرة ألفاظ: منطلقة، مطلوقة، مطلقة بفتح اللام مخففة - وقسم يحتمل الدلالة على الطلاق مع بعد نحو اذهبي، انصرفي، لم أتزوجك، أنت حرة، الحقي بأهلك، ومثل ذلك ما إذا سأله شخص، هل لك امرأة، فقال: لا، أو قال لها: لست لي بامرأة من غير تعليق على شيء، أما إذا قال لها: إن دخلت الدار فلست لي بامرأة، فإن لم ينو به شيئاً. أو نوى الطلاق بدون عدد، فإنه يلزمه ثلاث، وإن نوى غير الطلاق فإنه يصدق بيمينه قضاء، ويصدق بدون يمين في الإفتاء. والقسم الثالث: أن يكون بين اللفظ وبين الطلاق علاقة ما، نحو كلي واشربي، وادخلي، واسقني الماء، وغير ذلك من الألفاظ التي يقصد بها تطليق زوجته. وليست من الطلاق الصريح. ولا الكناية الظاهرة الآتي بيانها.
وقد اعترض بعض المحققين على هذا بأن الكناية استعمال اللفظ في لازم ما وضع له، والطلاق ليس لازماً لمثل هذه الألفاظ، فكيف تسمى مستعملة في الطلاق؟! والجواب: أن الكلام هنا في اصطلاح الفقهاء، وما ذكره اصطلاح البيانيين، ولا مشاحة في الاصطلاح، وحكم الكناية الخفية يتبع النية، فإن لم تكن له نية أصلاً. أو نوى عدم الطلاق فإنه لا يلزمه بها شيء وإن نوى الطلاق لزمه، ثم إذا نوى واحدة لزمه واحدة، وإن نوى أكثر لزمه الأكثر، فلو قال لامرأته: ادخلي الدار ونوى به ثلاث طلقت منه ثلاثاً، فالمدار فيها على النية، واختلف فيما إذا نوى بها الطلاق ولكنه لم ينو عدداً، فقال بعضهم: إنه يلزمه الثلاث، ولكنهم اعترضوا على هذا بأن الطلاق الصريح إذا لم ينو به عدداً لا يلزمه إلى واحدة، فكيف تلزمه الثلاث بالكناية الخفية؟! وأجيب بالفرق بين الحالتين، وذلك لأن عدوله عن الصريح أوجب ريبة عنده في ذلك فعومل بالثلاث احتياطاً، ولا فرق في ذلك بين المدخول بها، وغيرها. وبعضهم قال: إنه لا يجب به إلا طلقة واحدة بائنة في غير المدخول بها، ورجعية في المدخول بها، أما الكناية الظاهرة فإنها تنقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: ما يلزم فيه الطلاق الثلاث، سواء كانت الزوجة مدخولاً بها أو لا بدون نظر إلى نية، وهو لفظان: أحدهما أن يقول لها: أنت بتة، فإذا قال لها هذه الكلمة طلقت منه ثلاثاً سواء قال: إنه نوى الطلاق أو لا، وسواء قال إنه نوى واحدة أو أكثر، وذلك لأن البت معناه القطع، فكأنه قطع عقدة النكاح التي بينهما بتاتاً. ثانيهما: أن يقول لها: حبلك على غاربك فهذا كناية عن أنه ألقى عصمتها من يده على كتفها، فلا شأن له بها فيقع عليه الطلاق الثلاث.
وسيأتي أن هذين إنما يقع بهما الثلاث إذ كان العرف جارياً على أن يطلق الرجل بهما، وإلا كانت من الكنايات الخفية التي تقدم حكمها.
القسم الثاني: ما يلزم فيه الطلاق الثلاث إذا كانت الزوجة مدخولاً بها، أما إن كانت غير مدخول بها فإنه يلزمه فيه طلقة واحدة إن لم ينو أكثر، وهو ثلاثة أمور: الأول أن يقول لها: أنت طالق واحدة بائنة، فإذا قال لها ذلك، وكانت مدخولاً بها، وقع عليه الطلاق الثلاث وذلك لأن البينونة بغير عوض وبغير لفظ الخلع بعد الدخول تنحصر في البينونة الكبرى، وهي الطلاق الثلاث أما إذا كانت قبل
الدخول، أو كانت مقارنة لعوض الخلع فإنها تكون واحدة، فإن قلت: إن قوله: أنت طالق واحدة بائنة قد نص فيها على الواحدة، فلماذا لا يعامل بها؟ والجواب: أن لفظ الواحدة تهمل للاحتياط. الثاني: أن يذكر لفظ الطلاق صريحاً وينوي به الواحدة البائنة، كأن يقول لها: أنت طالق، وهو ينوي به واحدة بائنة فإن كانت الزوجة مدخولاً بها طلقت منه ثلاثاً لأن نية الواحدة البائنة كالنطق بها، فإن لم تكن مدخولاً بها طلقت واحدة إن لم تكن له نية، فإن نوى أكثر عومل بما نواه. الثالث: أن يذكر لفظ كناية خفية، ويريد به تطليقها واحدة بائنة، كما إذا قال لها: ادخلي الدار ونوى به تطليقها واحدة بائنة، فكأنه قال لها: أنت طالق واحدة بائنة فإنه يلزم بذلك الطلاق الثلاث إذا كانت الزوجة مدخولاً بها فإن لم تكن مدخولاً بها، لزمته طلقة واحدة إلا أن ينوي أكثر.
والحاصل أنه إذا صرح بقوله: أنت طالق واحدة بائنة لزمه الثلاث في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها ما لم ينو أكثر، وإذا عبر عن معنى هذه الجملة بطلاق صريح، كما إذا قال لها: أنت طالق ونوى تطليقها واحدة بائنة فكذلك، وكذا إذا عبر عنها بكناية خفية كما إذا قال لها: ادخلي الدار وأراد تطليقها واحدة بائنة أما التعبير عنها بالكناية الظاهرة، كما إذا قال لها: خليت سبيلك، فإنه، لا فائدة فيه، وذلك لأن الكناية الظاهرة يلزمه فيها الطلاق الثلاث في المدخول بها وإن لم ينو الواحدة البائنة، فإذا قال لامرأته المدخول بها: خليت سبيلك طلقت منه ثلاثاً وإن لم ينو الواحدة البائنة، وقد يقال: إنه إذا قال لها: خليت سبيلك لا يقع بها الثلاث إلا إذا نوى عدد الثلاث، بخلاف ما إذا نوى الواحدة البائنة، فإنه يقع بها الثلاث بدون نية عدد، وعلى هذا يصح أن يقال: إذا صرح بقوله: أنت طالق واحدة بائنة. أو عبر عنه بطلاق صريح، أو بكناية خفية. أو بكناية ظاهرة لزمه الطلاق الثلاث إذا كانت زوجته مدخولاً بها، ولزمته إذا كانت غير مدخول بها ما لم ينو أكثر.
القسم الثالث: من الكنايات الظاهرة ما يلزم به الطلاق الثلاث في المدخول بها وغيرها، ولكن في المدخول بها تلزمه الثلاث وإن لك ينو. أو نوى واحدة، أو ثنتين، أما غير المدخول بها فإنه يلزمه الثلاث إن نوى، أو لم ينو شيئاً. لأنه من الكنايات الظاهرة التي لا تتوقف على نية.
وذلك في ألفاظ، منها أنت كالميتة والدم ولحم الخنزير، ومنها وهبتك لأهلك، أو وهبتك لنفسك. ومنها أن يقول لها: ما أرجع إليه من أهل الحرام، ويريد من الأهل الزوجة أما إذا أراد أقاربه غيرها فإنه يقبل منه، ومنها أن يقول لها: أنت خلية. أو برية، أو أنا منك خلي أو بري. ومنها أنت بائنة. أو أنا منك بائن، فكل هذه الألفاظ يقع بها الطلاق الثلاث في المدخول بها ولو نوى أقل، أو لم ينو، وفي غير المدخول بها يقبل منه إذا نوى أقل من الثلاث نعم إذا دلت قرينة على أنه لا يريد الطلاق، وقال: إنه لم ينو الطلاق فإنه يقبل منه قضاء وإفتاء بيمينه، وذلك كما إذا كان يتكلم معها في نظافتها ورائحتها، فقال لها: أنت كالميتة والدم ولحم الخنزير وأراد بذلك قذارتها ونتنها، أو كان يتكلم معها في حسن الأدب والمعاشرة فقال لها: أنت خلية، أو برية، أي خالية من الأدب، أو بريئة منه، أو كانت تتكلم معه في احتياج أبويها إلى خدمتها، أو في احتياجها إلى الراحة، فقال لها: وهبتك لأهلك، أو وهبتك لنفسك. أو طلب منها
أن تقرب منه وكان بينهما فرجة، وقال لها: أنت بائنة مني، أي منفصلة عن ملاصقتي، أو نحو ذلك وهذا ما يسميه المالكية بساط اليمين، فإذا دل البساط على أنه لا يريد الطلاق فإنه يقبل منه في المدخول بها وغيرها.
هذا ويشترط في وقوع الطلاق بهذه الألفاظ كلها أن يكون العرف جارياً على أن يطلق الناس بها، أما إذا كانوا لا يطلقون بهذه العبارات، فإنها لا تكون كناية ظاهرة، بل تكون من الكنايات الخفية التي لا يقع بها شيء إلا بالنية، ومثل هذه الألفاظ حبلك على غاربك التي يقع بها الثلاث في المدخول بها وغيرها فإنه إذا لم يكن عرف الناس جارياً على التطليق بها، كما في زماننا، لا يقع بها الطلاق إلا بالنية، فإذا نوى واحدة لزمته، وهكذا كما تقدم. وقد قال المحققون من المالكية: لا يحل للمفتي أن يفتي في الطلاق وغيره من الأحكام المبنية على العوائد والعرف، كالمنافع في الإجارة، والوصايا والنذر، والأيمان، إلا بعد أن يعلم عرف أهل البلد أو القبيلة في ذلك الأمر.
وبهذا تعلم أن معظم الكنايات الظاهرة التي قال المالكية إنه يقع الثلاث في المدخول بها بدون نظر إلى نية هي من الكنايات الخفية في زماننا لأنه لم يطلق بها أحد.
القسم الرابع: ما يلزم به الطلاق الثلاث إلا إذا نوى أقل منها في المدخول بها وغيرها وهي أن يقول لها: خليت سبيلك فإذا قال لامرأته ذلك فإنه يلزمه الثلاث إن نوى الثلاث، أو لم ينو شيئاً، أما إذا نوى واحدة، أو اثنتين فإنه يلزمه ما نواه، سواء دخل بها، أو لم يدخل فإذا نوى بقوله: خليت سبيلك طلقة واحدة بائنة في المدخول بها لزمه الثلاث، وإن لم ينو الثلاث، لما عرفت من أن الواحدة البائنة يلزم بها الثلاث، فكذا ما يعبر به عنها، أما في غير المدخول بها فإنه يلزمه واحدة، كما تقدم.
القسم الخامس: ما يلزم فيه واحدة في المدخول بها وغيرها إلا إذا نوى أكثر، وهو اعتدي، وفارقتك.
هذا، ومن الكنايات الظاهرة التي يلزم فيها الثلاث أنت خالصة، أو لست لي على ذمة. وأما عليه السخام فيلزم فيه واحدة إلا أن ينوي أكثر، أما نحو عليه الطلاق من فرسه، ومن ذراعه فإنه لا يلزم فيه شيء، وبعضهم يقول: إن قوله أنت خالصة أو لست لي على ذمة، يقع به واحدة بائنة.
الشافعية - قالوا: ألفاظ الكنايات كلها يقع بها الطلاق الذي ينويه الزوج، فإذا لم ينو طلاقاً لا يلزمه شيء، وإذا نوى بها أكثر من واحدة وقع ما نواه، ولو قيدها بواحدة كأن قال لها: أنت واحدة، ونوى بذلك تطليقها ثنتين، أو ثلاث، كما تقدم في الصريح، فإن الرجل يعامل في الطلاق بنيته، لأن الشارع جعل عدد الطلاق منحصراً في ثلاث، فما نواه منها يكون في حكم الملفوظ، فهو داخل في اللفظ حكماً، والتقيد بواحدة لا يمنع من دخول المنوي في اللفظ بحيث لا يجعل واحدة صفة لمصدر محذوف تقديره أنت طالق طلقة واحدة. فلا يحتمل الاثنتين، أو الثلاث وإنما يجعل حالاً من المرأة فكأنه قال لها: أنت طالق حال كونك واحدة، أو منفردة عن الزوج، وتجعل نيته أكثر من واحدة قرينة على ذلك.
ويشترط في الكناية التي يقع بها الطلاق أن تكون محتملة للطلاق بحيث يكون اللفظ دالاً على الفرقة بدون تعسف، فليس من الكنايات نحو أغناك الله، لأنه يحتمل أغناك الله عني لأني طلقتك، ولكن هذا تعسف، ومثله اقعدي وقومي، وزوديني، وأحسن الله عزاءك، وكذا عليّ السخام لا أفعل كذا، لأن السخام لا يحتمل الطلاق، أما كلي، واشربي فقيل: ليست من الكناية، ولكن المعتمد أنها من الكناية، لأنها تحتمل كلي واشربي مرارة الفراق، وقد يقال إن هذا تعسف ظاهر.
أما ألفاظ الكنايات التي تنبئ عن الفراق. فمنها ما يشتمل على حروف الصريح، وهي: أطلقتك، أنت طالق، أنت مطلقة، ومنها ما ليس كذلك، كأنت خلية، أنت برية، بتة، أي مقطوعة الوصلة، بتلة، متروكة النكاح، بائن، اعتدي، استبرئي رحمك فإنه يحتمل افعلي ذلك لأني طلقتك، وكذا الحقي بأهلك، حبلك على غاربك. لا أنده سربك - بفتح السين - وهو الإبل، وهو كناية عن أنه لا يهتم بشأنها لأنه طلقها، وكذا اعزبي واغربي، وقد تقدم تفسيرهما في المذاهب وكذا دعيني - أي لأني طلقتك - ومنها أن يقول لها: أشركتك مع فلانة المطلقة ومنها تجردي، أي من الزوج وكذا تزودي، أي اخرجي، سافري أي لأني طلقتك، ومنها أن يقول لها: أنا طالق منك، أو بائن. وذلك لأن الزوج وإن لم يصلح لإضافة الطلاق إليه ولكن لما كان محجوراً عليه زواج أختها، أو التزوج بأكثر من أربعة صح أن يطلق نفسه من هذا القيد، فإذا أضاف الطلاق إلى نفسه، أو نوى تطليقها فإنه يعمل بنيته، فإن لم ينو طلاقها فلا يقع به شيء، سواء نوى الطلاق في ذاته، أو نوى طلاق نفسه، أو لم ينو شيئاً، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: استبرئ رحمي منك، أو أنا معتد منك، فإنه محال في حقه فلا يقع به طلاقها، ومنها أن يقول لها: أعتقتك، أو لا ملك لي عليك، ونوى طلاقها فإنه يلزمه. ومنها أن يقول لها: الزمي الطريق، لك الطلاق، عليك الطلاق، وهكذا كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره فإنه يكون كناية يقع بها ما نواه.
ومن كنايات الطلاق لفظ العتق، فإذا قال لزوجته: أعتقتك، ونوى به الطلاق لزمه ما نواه، وكذلك لفظ الطلاق يستعمل كناية عن العتق، فإذا قال لعبده: أنت طالق وأراد به العتق فإنه يصح.


ابوالوليد المسلم 07-06-2022 03:31 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 296 الى صــــــــ
302
الحلقة (204)



مبحث في إضافة الطلاق إلى المرأة أو إلى جزئها
-إذا قال: طالق فقط ناوياً به طلاق امرأته، ولم يقل: أنت طالق، أو زينب طالق، أو قال: علي الطلاق ولم يقل: من امرأتي، أو من فلانة، أو قال: يد امرأتي، أو رجلها، أو شعرها، طالق، فهل يقع الطلاق عليه بذلك، أو لا؟ في الجواب تفصيل المذاهب (1) .
مبحث إذا قال: أنت حرام أو محرمة أو قال: علي الحرام أو نحو ذلك
-إذا قال لزوجته: أنت علي حرام، أو أنت محرمة، أو قال: حرمت ما أحله لي الله أو نحو هذا، ففي وقوع الطلاق به تفصيل المذاهب (2) .

__________
الحنابلة - قالوا: تنقسم الكنايات إلى قسمين: القسم الأول الكنايات الظاهرة، وهي الألفاظ الموضوعة للبينونة، كما تقدم، وهي ست عشرة كناية:
- 1 - أنت خلية.
- 2 - أنت برية، أو بريئة.
- 3 - أنت بائن.
- 4 - أنت بتة.
- 5 - أنت بتلة.
- 6 - أنت حرة.
- 7 - أنت الحرج، يعني الحرام، والإثم.
- 8 - حبلك على غاربك.
- 9 - تزوجي من شئت.
- 10 - حللت للأزواج.
- 11 - لا سبيل لي عليك.
- 12 - لا سلطان لي عليك.
- 13 - أعتقتك.
- 14 - غطي شعرك.
- 15 - تقنعي.
- 16 - أمرك بيدك.
واختلف فيما يقع بالكناية الظاهرة، فقيل: يقع بها الطلاق الثلاث إذا نوى الطلاق سواء نوى واحدة، أو أكثر أما إذا لم ينو بها الطلاق فلا يقع شيء، وهذا هو المشهور في المتون، وقد روي عن علي وابن عمر،
وزيد بن ثابت، وابن عباس، وأبي هريرة في عدة وقائع، وذلك لأن اللفظ يقتضي البينونة بالطلاق فيقع ثلاثاً بلا فرق بين المدخول بها وغيرها، وقيل يقع به ما نواه، كما يقول الشافعية، واختار هذا جماعة، لما روي من أن ركانة طلق امرأته بقوله: ألبتة، فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فاستحلفه على أنه ما أراد إلا واحدة فحلف فردها له، رواه أبو داود وصححه، وابن ماجة، والترمذي، ولكن البخاري قال: إن في هذا الحديث اضطراباً، وعلى هذه الرواية إذا نوى الطلاق ولم ينو عدداً لا واحدة ولا لأكثر لزمته طلقة واحدة كما إذا نوى واحدة، فإذا نوى أكثر لزمه ما نواه، وعلى كل حال فيشترط لوقوع الطلاق بالكناية سواء كانت ظاهرة، أو خفية - وهي الآتي بيانها في
القسم الثاني - شرطان:
الشرط الأول: أن ينوي بها الطلاق، لأن اللفظ يحتمل غير الطلاق، فلا يتعين الطلاق إلا بالنية، ويقوم مقام النية دلالة الحال كما إذا كانت بينهما خصومة، أو كان في حالة غضب، أو كان جواب سؤالها الطلاق، ففي هذه الحالة يقع الطلاق بالكناية ولو بلا نية لأن دلالة الحال تغير حكم الأقوال والأفعال، فإذا ادعى في حال الغضب أو في حال سؤالها الطلاق. أو في حال الخصومة انه لم يرد به الطلاق فإنه لا يسمع منه قضاء، ولكن بينه وبين الله لا يقع عليه شيء إن كان صادقاً، أما في غير هذه الأحوال، كما إذا كان في حالة رضا ولم تسأله طلاقها، وقال لها: أنت بائن، وادعى أنه لم ينو طلاقاً فإنه يسمع منه قضاء أيضاً، لأن النية خفية، وقد نوى ما يحتمله اللفظ.
والحاصل أنه لا يقع طلاق بلفظ الكناية إلا بالنية، سواء كانت ظاهرة أو خفية ثم إن أمر النية موكول للمطلق قضاء وديانة إلا أنه إذا نوى الطلاق ولم ينو عدداً فإنه في الكنايات الظاهرة يقع به الثلاث على المشهور، وكذا إذا نوى واحدة، أما على القول الثاني وهو أنه لا يقع بالكنايات إلا ما نوى، فإنه إذا نوى طلاقاً ولم ينو عدداً وقعت عليه طلقة واحدة كما إذا نوى واحدة، فإذا نوى أكثر وقع ما نواه.
هذا في النية، أما في دلالة الحال فإنه لا يقبل دعوة عدم نية الطلاق قضاء، ولكن بينه وبين الله يعامل بما نواه.
الشرط الثاني: أن تكون النية مقارنة للفظ الكناية، فإذا قال لها: أنت بتة ولم يرد بها طلاقاً ثم نوى الطلاق بها بعد انقضاء النطق فإنه لا يقع بها شيء، وكذا إذا ترك النية في أول جزء من لفظ الكناية ونوى في الجزء الثاني فإنه لا يقع بها شيء، أما إذا نوى في أول جزء وترك النية في الجزء الثاني فإنه يقع.
القسم الثاني: الكناية الخفية، لأنها أخفى في دلالتها على الطلاق من الأولى، وهي ألفاظ: منها أخرجي، اذهبي، ذوقي، تجرعي، خليتك، أنت مخلاة، أنت واحدة، لست لي امرأة، اعتدي، استبرئي رحمك، اعزبي، الحقي بأهلك، لا حاجة لي فيك، ما بقي شيء، أعفاك الله أراحك الله مني، اختاري، جرى القلم. ومنه لفظ الفراق، والسراح، وما تصرف منهما، وكذا طلقك الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة، وأبرك الله لك.
وحكم هذه أنه إن لم ينو بها الطلاق فلا يلزمه شيء، وإن نوى الطلاق ولم ينو عدداً لزمه طلاق واحدة، وإن نوى واحدة أو أكثر لزمه ما نواه، ويشترط في وقوع الطلاق بها الشرطان المتقدمان في الكناية الصريحة) .
(1) (الحنفية - قالوا: اختلفت أنظار الباحثين في إضافة الطلاق إلى المرأة، فقال بعضهم: لا يقع الطلاق إلا إذا أسنده إلى شيء يعبر به عن المرأة بأن يذكرها باسمها، فيقول: زوجتي زينب طالق، ويسمى هذا إضافة لفظية، أو يذكرها بالضمير، كأنت طالق. أو طالقتك أو باسم الإشارة كهذه طالق، أو باسم الجنس، كأمرأتي طالق، ويسمى هذا إضافة معنوية، فإذا لم يضف الطلاق إلى المرأة بأن يذكر اسمها صريحاً لفظاً، أو يذكر لفظاً يدل عليها فإنه لا يقع عليه الطلاق ولو نوى به الطلاق، فإذا قال لها: لا تخرجي من غير إذني لأنني حلفت بالطلاق ونوى بذلك طلاقها فخرجت فإنه لا يقع عليه شيء، وذلك لأنه لم يضف الطلاق إلى المرأة، أما لو قال لها، حلفت بطلاقك فإنه يقع، وكذا لو قال شخص لآخر: اذهب معي لزيارة فلان فقال: إني حلفت بالطلاق أن لا أزوره، وهو كاذب في ادعاء الحلف، ثم ذهب لم يقع عليه الطلاق لعدم إضافته إلى المرأة، وإذا قال علي الطلاق لا أفعل كذا، ولم يقل من امرأتي، أو من هذه، أو من زينب مثلاً، أو منك، وفعل فإنه لا يلزمه طلاق، ولو نوى الطلاق.
وقال بعضهم: إذا نوى طلاقها لزمه الطلاق، وذلك لأن نية الطلاق تجعل الإضافة إلى المرأة موجودة، فكأنه قال: حلفت بالطلاق منك أو بطلاقك، ولكن بعض المحققين من شيوخنا رجح الرأي الأول، وجعله مدار الفتوى، مستدلاً بأن المذهب اشترط إضافة الطلاق إلى المرأة بذكر اسمها أو ما يدل عليها من ضمير أو اسم إشارة، أو لفظ عام، أما نية الإضافة فإنها لا تكفي وعلى هذا لا تعتبر صيغة الطلاق إلا إذا ذكر فيها ما يدل على المطلقة، ولا يرد أن العرف قد استعمل كلمة عليّ الطلاق، وعليّ الحرام في تطليق الزوجة، والعرف يعمل به عند الحنفية، فينبغي أن يقع به الطلاق بدون إضافة، والجواب أن العرف لا يعول عليه إذا ناقض نصاً صريحاً أو خالف شرطاً من الشروط. وقد عرفت أنهم قد اشترطوا أن يضاف الطلاق إلى المرأة لفظاً لا نية، بأن يذكر ما يدل عليها من اسم صريح، أو ضمير، أو نحو ذلك، ومتى ثبت ذلك فلا معنى للعمل بالعرف الذي يناقض هذا الشرط، وهذا الرأي حسن، وينبغي أن يعمل به في زماننا خصوصاً بعد أن أصبح معمول به في القضاء والافتاء أن تعليق الطلاق يبطله، فلو فرضنا ونظرنا إلى العرف فإنه الآن قد أصبح متعارفاً بين الناس أن - عليّ الطلاق - لا يقع به الطلاق حتى لو أضافه إلى المرأة، كما أنه أصبح متعارفاً بين الناس أن الطلاق الثلاث لا يقع به إلا واحدة، فالنظر إلى العرف يقضي أن تكون الفتوى الآن على أن الطلاق المعلق المضاف لا يقع به شيء عند الحنفية، وأن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة لا يقع به إلا واحدة عندهم.
ويتفرع على اشتراط إضافة الطلاق إلى المرأة أن الرجل إذا أضاف الطلاق إليه دونها فإنه يلغو ولا يعمل به، مثلاً إذا قال لها: أنا منك طالق، أو أنا منك بريء لا يقع به شيء ولو نوى به طلاقها لأنه أضاف الطلاق إلى نفسه والرجل ليس محلاً للطلاق، بخلاف ما إذا قال لها: أنا منك بائن، أو منك حرام أو أنا عليك حرام وذلك لأن معنى الإبانة الانفصال وإزالة ما بينهما من وصلة ومعنى التحريم إزالة حل الاستمتاع الحاصل بينهما، ولا يخفى أن المعنيين مشتركان بين الرجل والمرأة، فيصح نسبتهما إلى كل واحد منهما، فلو قال أنا بائن ولم يقل منك، أو قال أنا حرام ولم يقل عليك فإنه لا يقع به شيء ولو نوى الطلاق، لأنه لم يضفه إلى المرأة بل أضافه إلى نفسه فقط. والشرط أن يضيفه إليها، فإذا قال لها: أنت بائن ولم يقل مني، أو قال: أنت حرام ولم يقل علي، فإنه يلزمه بالنية، لأنك قد عرفت أن هذه الألفاظ من باب الكنايات، على أنه إذا جعل الزوج أمر طلاق المرأة بيدها وقالت له: أنت بائن مني ولم تقل وأنا منك بائنة، فإنها لا تطلق وذلك لأنها وإن حلت محل الزوج في إيقاع الطلاق، ولكنها لم تضف الطلاق إلى نفسها فلا يقع.
وبهذا تعلم أن الطلاق الصريح إذا أضافه إليه لا يقع حتى ولو أضافه إليها أيضاً، وأن الكناية التي
يكون معناها مشتركاً بينهما إذا أضافها إليه وإليها ونوى بها الطلاق وقع، كأنا منك بائن، وإذا أضافها إليها وحدها دونه فإنه يصح ويقع، كما إذا قال لها: أنت بائن أنت حرام وإذا أضافها إليه وحده كأنا بائن فإنه لا يقع بها شيء، وإذا جعل أمرها بيدها فإنه لا يقع إلا إذا أضافته إلى نفسها وأضافته إليه، فيقول: أنا منك بائنة، أنت مني بائن، أنا حرام عليك، أنت حرام علي.
والحاصل أن الحنفية قالوا: يشترط لإيقاع الطلاق أن يضاف إلى المرأة بأن يأتي باسمها، أو يأتي بالضمير الدال عليها، سواء كان ضمر خطاب كأنت طالق، أو ضمير غيبة، كهي إذا أعاد الضمير عل امرأته، أو اسم إشارة عائد إليها، كهذه طالق، فهذه الألفاظ تدل على المرأة وضعاً، ويقوم مقام ذلك ذكرها بجزئها، بشرط أن يكون ذلك الجزء شائعاً في بدنها، كالنصف، والثلث، والربع، أو يعبر به عن المرأة، بمعنى أنه يشتهر التعبير بذلك الجزء عن جميع الذات، وذلك، كالرقبة والعنق، والبدن، والجسد، والفرج، والوجه، والرأس، فإن هذه الألفاظ قد اشتهر استعمالها في ذات الإنسان، فأما الفرج فقد ورد "لعن الله الفروج على السروج" وأما غيره من الألفاظ فاستعمالها في الذات ظاهر، فلا يقع بالإضافة إلى المرأة إلا إذا وجد أحد الأمرين: الإضافة إلى الجزء الشائع من نصف وثلث الخ، لأن الطلاق لا يتجزأ، أو الإضافة إلى جزء اشتهر استعماله في الكل حتى أصبح حقيقة عرفية. أما إذا لم يكن جزءاً شائعاً، أو لم يكن جزءاً يستعمل في الكل عرفاً فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوى به المجاز، بأن ينطق بالجزء وينوي به الكل لعلاقة الجزئية، فإذا قال: يدك طالق ولم تكن اليد مشتهرة في التعبير بها عن الكل عند الناس لا تطلق إلا إذا أراد باليد جميع المرأة ومثل اليد الرجل، والفخذ، والشعر، والأنف، والسن، والريق، والعرق، والثدي، والدبر. أما الاست فقد قالوا: إنه يقع به لأنه وإن كان مرادفاً للدبر، ولكن اشتهر استعماله في جميع المرأة، ومثله البضع، فإنه وإن كان مرادفاً للفرج ولكن لا يقع به لأنه لم يشتهر استعماله في الجميع. وكذلك الظهر، والبطن، فإنهما لم يشتهر استعمالهما في الكل فلا يقع بهما، فإذا اشتهر استعمالهما في الكل عند قوم وقع بهما بدون نية المجاز.
فالمدار على شهرة استعمالها في الكل بحيث لو اشتهر استعمال اليد في الكل وقع بها بدون نية المجاز وهكذا.
وبالجملة فأجزاء الجسم منها ما يقع به الطلاق بدون نية المجاز، وهي الأجزاء الشائعة والأجزاء التي اشتهر استعمالها في الكل بدون قرينة، كالرقبة الخ، ومنها ما يقع به الطلاق إذا نوى به استعماله في جميع البدن كاليد ونحوها. ومنها ما لا يقع به شيء حتى ولو نوى به جميع البدن، كالريق، والسن، والشعر، والظفر، والعرق لأن هذه لم يعهد التعبير بها عن الإنسان. ومثلها الأجزاء الباطنية التي لا يستمتع بها، كالقلب، والكبد، والطحال، فإنه إذا أضاف الطلاق إليها لا يقع ولو نوى بها جميع بدنها.
هذا، وإذا قال لها: روحك طالق أو نفسك طالق، فإنها تطلق لأنهما يعبر بهما عن الكل، كما لا يخفى.
الشافعية - قالوا: إذا قال لزوجته: طالق، ولم يقل أنت، فإنه لا يقع به الطلاق، ولو نوى تقدير أنت إلا إذا قال: - طالق - في جواب سؤال المرأة طلاقها، فإذا قالت له: هل تطلقني؟ فقال لها: طالق لزمه الطلاق حينئذ، ومثل ذلك ما إذا قال لها: حرام علي ولم يقل: أنت، فإنه لا يقع به الطلاق، ولو نوى تقدير أنت، وهذا بخلاف عليّ الطلاق، أو الطلاق يلزمني، أو عليّ الحرام أو الحرام يلازمني لا أفعل كذا، فإنه يقع به الطلاق، وإن لم يضفه إلى المرأة، فلا يشترط في إيقاعه عندهم أن: علي الطلاق من فلانة، أو منك، أو من امرأتي، بل لو قال: علي الطلاق وسكت فإنه يكون بمنزلة أنت طالق على الصحيح، وبعضهم يقول: إنه لا يقع به الطلاق إلا بالنية فهو من باب الكناية لا من باب الصريح، فلو قال لزوجته: أنا منك طالق وأضاف الطلاق إلى نفسه لا إليها ونوى به الطلاق فإنه يقع، وقد عرفت أن الرجل وإن كان ليس محلاً للطلاق ولكن لما كان مقيداً بالنسبة لزوجته من بعض الوجوه بحيث لا يجوز له أن يتزوج أختها أو يتزوج خامسة عليها إن كان متزوجاً لأربع، فإنه يصح أن ينسب إليه الطلاق، فيقال: إنه طالق من هذا القيد، فإذا نوى به الطلاق لزمه، وكذا إذا قال لها: أنا منك بائن، ونوى به الطلاق فإنه يلزمه الطلاق.
وكما يقع الطلاق بإضافته إلى المرأة يقع بإضافته إلى جزئها المتصل بها، كيد، وشعر، وظفر، ودم، وسن، فخرج بقوله: جزئها إضافة الطلاق وإلى فضلتها كريقها، ومنيها، ولبنها، وعرقها، فإنه لا يقع به شيء، وبقوله: المتصل بهذا الجزء المنفصل، كما إذا قال لمقطوعة اليمين: يمينك طالق فإنه لا يقع به شيء.
المالكية - قالوا: كل لفظ ينوي به الطلاق يقع به الطلاق، فلو قال: طالق بدون إضافة إلى المرأة أو إلى جزئها ونوى طلاقها واحدة أو أكثر لزمه ما نواه حتى لو قال لها: اسقيني ونوى طلاقها ثلاثاً لزمه الثلاث، على أنهم قالوا: إن الصريح يقع به الطلاق وإن لم ينو. وقد عرفت أن ألفاظ الصريح منحصرة في أربعة: منها أن يقول لها أنا طالق منك، فهو صريح يقع به الطلاق وإن لم ينو مع كونه أضاف الطلاق إلى نفسه لا إلى المرأة، خلافاً للحنفية والحنابلة فإنهم يقولون: إنه لا يقع به الطلاق ولو نواه، وخلافاً للشافعية الذين يقولون: إنه يقع به الطلاق إذا نواه.
فإذا صرح بإضافة الطلاق إلى جزء المرأة، فإن كان الجزء متصلاً وكان من المحاسن التي يتلذذ بها الرجل، كالشعر، والريق - فإن الريق يتلذذ به - والعقل، والكلام، لأنهما من الأمور التي توجب إعجاب الرجل والتذاذه قطعاً، خصوصاً الكلام إذا كان رقيقاً فإن اللذة به محسة، فإنه يقع به الطلاق أما إذا كان الجزء منفصلاً ونوى الإضافة إليه، كما إذا قال لها: شعرك طالق، وأراد شعرها الذي حلقته فإنها لا تطلق، وإذا لم ينو المتصل ولا المنفصل تطلق، ولو أضاف الطلاق إلى جزء لا يتلذذ به: كالسعال، والمخاط ودمع العين فإنها لا تطلق.
هذا، وقد صرح المالكية بأن الرجل الذي يقول هذا يكون آثماً فيحرم عليه أن يطلق بعض تطليقة، أو يطلق المرأة، وإذا فعل يؤدب عليه.
الحنابلة - قالوا: الإضافة إلى المرأة لا تشترط في الطلاق الصريح، إنما يشترط أن لا يضيف الرجل الطلاق إليه، فلو قال: علي الطلاق، أو الطلاق يلزمني، أو يلزمني الطلاق، أو علي يمين بالطلاق ولم يذكر المرأة، أو لم ينم به الطلاق يلزمه، وإذا نوى به أكثر من واحدة لزمه ما نواه، فلو نوى بقوله: علي الطلاق أو أنت طالق طلاق امرأته ثلاثاً لزمه الثلاث، أما إذا قال: أنا طالق منك ونوى به الطلاق فإنه لا يقع به شيء، لأن الرجل قد أضاف الطلاق إلى نفسه، وهو غير محل للطلاق.
وكما يقع الطلاق بإضافته إلى المرأة يقع بإضافته إلى جزء متصل بها، فلو قال لها، نصفك طالق أو جزء منك طالق طلقت، وكذا إذا قال لها: يدك طالق وكانت لها يد، أو قال لها: أصبعك طالق فإنها تطلق، أما إضافة الطلاق إلى الأجزاء البعيدة، كالشعر، والظفر، والسن فإنها لا تطلق بها، ومثلها الإضافة إلى الفضلات، كالريق، والمني، والبصاق، ونحو ذلك. وكذا الإضافة إلى الصفة كالبياض، والسواد، وإذا قال لها: روحك طالق لا تطلق لأن الروح لا يستمتع بها وليست جزءاً بل هي أمر معنوي، أما إذا قال: حياتك طالقة، فإنها تطلق لأنها لا بقاء لها إلا بالحياة) .
(2) (الحنفية - قالوا: إذا قال لزوجته: أنت علي حرام أو محرمة، أو حرمتك علي أو حرمت نفسي عليك، فإنه ينظر فيه إلى العرف، فإن كان المتعارف بين الناس استعمال هذه الألفاظ في الطلاق البائن وقع بائناً أو في الطلاق الرجعي وقع رجعياً. ولا يلزم في وقوعه النية لأنه في هذه الحالة يكون من باب الصريح لا من باب الكناية، لأنه متى تعورف استعمال أنت محرمة في الطلاق كان مثل قوله: أنت طالق بلا فرق، أما إذا كان العرف لا يستعملها في الطلاق إلا بالنية كانت من باب الكناية لا يقع بها شيء إلا بالنية، ولكن العامي لا يفرق في استعمالها بين الطلاق البائن والطلاق الرجعي، وإنما يستعملها في تحريم وطء المرأة والاستمتاع بها، وهذا لا يكون إلا بالطلاق البائن، لأن الطلاق الرجعي لا يحرم الاستمتاع بالمرأة عند الحنفية فيتعين حمل طلاق العامي بهذه العبارات على البائن، أما الذي يعرف الفرق فيعمل بنيته، وهذا لا ينافي كونه ملحقاً بالصريح، لأنك قد عرفت أن الصريح نفسه ينقسم إلى رجعي، وبائن، فإذا نوى به عدداً فإنه يلزمه، فلو قال: أنت حرام ونوى به الثلاث لزمه الثلاث، بخلاف ما إذا نوى به طلقتين، فإنه لا يلزمه إلا واحدة كما تقدم في الكناية.
وإذا عرفت أن المدار في إيقاع الطلاق بهذه العبارات على العرف تعلم أنه إذا كان العرف لا يستعمل هذه الألفاظ في الطلاق أصلاً، لا صريحاً، ولا كناية فإنه لا يقع بها شيء أصلاً، فالتقوى بإيقاع الطلاق بهذه الألفاظ تتبع العرف.
هذا إذا أضافها إلى المرأة كما هو واضح في الأمثلة المذكورة، أما إذا لم يضفها إلى المرأة كأن قال: علي الحرام ولم يقل: منك، أو قال: الحرام يلزمني، أو كل حل عليّ حرام، أو قال: علي الطلاق. أو الطلاق يلزمني، فقد عرفت انه لا يقع به شيء، لأنهم قد اشترطوا إضافة الطلاق إلى المرأة بذكر ما يدل عليها من اسم، أو ضمير، أو إشارة، والعرف لا يغير الشرط. فلو قال: علي الحرام من امرأتي، أو من زينب، أو منك أو من هذه، فإن كان العرف يستعمله في الطلاق الصريح وقع بدون نية، وإن كان يستعمله في الطلاق كناية وقع الطلاق بالنية، وإذا لم يستعمله في الطلاق أصلاً لم يقع به شيء.
هذا، وإذا قال: علي الطلاق منك لا أفعل كذا ونوى به الثلاث فإنها تلزمه، لأن الطلاق المذكور بلفظ الجنس الذي يصدق بالواحد والكثير، فإذا نوى به اثنتين فإنه لا يصح. المالكية - قالوا: لو قال لها: أنت علي حرام، أو أنت حرام، وإن لم يقل: علي. أو أنا منك حرام كان ذلك من الكنايات الظاهرة التي يلزم بها الطلاق بدون نية، ثم إن كانت الزوجة مدخولاً بها لزمه الطلاق الثلاث بصرف النظر عن كونه نوى واحدة، أو أكثر، وإن كانت غير مدخول بها ولم ينو عدداً لزمه الثلاث أيضاً، وإن نوى عدداً لزمه ما نواه، سواء كان واحدة، أو أكثر، أما إذا قال: الحلال علي حرام، أو حرام علي ما أحل لي، أو ما أرجع إليه حرام، فإنه إذا نوى إخراج زوجته واستثناءها من المحرم عليه، فإنه يصح، ولا تحرم، وإلا حرمت، لأن قوله: الحلال علي حرام يشمل جميع ما أحله الله له وهو لا يملك إلا تحريم زوجته، فإذا نواه حرمت وإلا فلا، وإذا قال لها: الحرام حلال، ولم يقل علي، أو قال: حرام علي، أو علي حرام، ولم يقل: أنت، أو قال: يا حرام، فإنه إذا نوى إخراج امرأته من الحرام فلا يلزمه شيء، وإن نوى إدخالها كان كناية صريحة يلزم به الثلاث في المدخول بها وغيرها إن ينو في غير المدخول بها عدداً، وإذا حرم جزءاً منها كأن قال: وجهك علي حرام فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها بدون نظر إلى نيته، ويلزمه الثلاث في غير المدخول بها إن لم ينو عدداً، فإن نوى عدداً لزمه ما نواه، فإذا قال لها: وجهك على وجهي حرام - بتخفيف اللام - ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يلزم به شيء إلا بالنية.
وثانيهما: أنه مثل قوله: وجهك علي حرام، وهو الراجح، أما إذا قال لها: ما أعيش فيه حرام، فإن فيه خلافاً، فبعضهم قال: إنه مثل وجهك علي حرام، وبعضهم قال: إنه لا يلزمه به شيء إلا بالنية، وهو الظاهر، لأن الزوجة ليست من العيش فلم تدخل إلا بالنية.
هذا، وقد عرفت أن المالكية يعولون على العرف في الكناية الظاهرة، فيقولون: إن كل لفظ لا يصطلح الناس على استعماله في الطلاق ولا يتعارفون بينهم عليه لا يقع به شيء إلا بالنية. لأنه يكون كناية خفيفة لا ظاهرة.
الحنابلة - قالوا: إذا قال: علي الحرام، أو يلزمني الحرام، أو الحرام يلزمني، فقال بعضهم: إنه كناية فيكون طلاقاً بالنية، وقال بعضهم: إذا نوى تحريم المرأة يكون ظهاراً، والصحيح أن العرف معتبر في ذلك، فإن كان يستعمله في الطلاق كان كناية، وإن كان يستعمله في الظهار كان ظهاراً، وإذا قال لها: أنت علي حرام، أو ما أحل الله علي حرام، أو الحل علي حرام، أو حرمتك، فإن ذلك يكون ظهاراً حتى ولو نوى به الطلاق لا يلزمه، ومثل ذلك ما إذا قال: فراشي علي حرام، ونوى به امرأته فإنه يكون ظهاراً، وإذا قال لها أنا منك حرام، فإنه لا يقع به شيء.
الشافعية - قالوا: إذا قال لها: أنت علي حرام، أو أنت على الحرام، أو حرمتك، فإن هذه الألفاظ تصلح لأن تكون كناية عن الطلاق وعن الظهار، فإذا نوى بها الطلاق وقع، سواء نوى واحدة، أو أكثر، وكذا إذا نوى بها الظهار، فإنه يصح ويلزمه كفارة الظهار الآتي بيانها، وإذا نوى بها الطلاق، والظهار جميعاً، فإن كان المنوي أولاً الظهار عومل بهما جميعاً فيكون عليه كفارة ظهار ويلزمه الطلاق الذي نواه، أما إذا كان المنوي أولً الطلاق فإن كان بائناً، ثم نوى الظهار فهو ملغى لا كفارة له، لأنها بانت منه أولاً، فأصبحت غير محل للظهار، وإن كان رجعياً، ثم نوى الظهار وقف العمل بالظهار فإذا راجعها عاد الظهار ولزمته كفارته، وإلا فلا، وهذا هو المعتمد.
أما إذا نوى بها تحريم عين المرأة أو تحريم فرجها، أو بدنها، أو جزء من أجزائها، فإنه لا يلزم بذلك طلاق، لأن هذه الأشياء أعيان، والأعيان لا توصف بالتحريم، وكذا إذا لم ينو بها شيئاً من طلاق أو ظهار، فإنه لا يلزمه شيء، فإذا قال لامرأته: حرمتك، وهو ينوي تحريم جسمها، أو فرجها، ثم وطئها كان عليه كفارة يمين، وإنما تلزم كفارة اليمين إذا لم يقم بالزوجة مانع وقت قوله لها: حرمتك، كأن كانت في حالة إحرام بالنسك، وقد اختلف في الحائض والنفساء، فقيل: إذا كانت حائضاً، أو نفساء، وقال لها: حرمتك فلا كفارة عليه، وقيل بل عليه كفارة. فإذا حرم عيناً غير زوجته، كأن قال: شرابي علي حرام أو لباسي، كان لغواً من القول لا شيء فيه لأنه غير قادر على تحريم ما أحل الله له.
وإذا قال: علي الحرام، أو حلال الله علي حرام، أو الحرام يلزمني، أو علي الحلال، فإنها كناية يلزم بها ما نواه، وإن اشتهر استعمالها في الطلاق، وذلك لأنها لم توضع للطلاق بخصوصه، ومثلها الألفاظ المتقدمة وهي أنت حرام وما بعدها، فإنها وإن اشتهر استعمالها في الطلاق إلا أنها لم توضع له بخصوصه، فلذا لم تكن طلاقاً صريحاً على المعتمد، ونظر فيها إلى النية) .



ابوالوليد المسلم 07-06-2022 03:51 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 302 الى صــــــــ
315
الحلقة (205)



مبحث تعدد الطلاق
-يملك الرجل الحر ثلاث طلقات ولو كان زوجاً لأمة (1) ، ويملك العبد طلقتين ولو كان زوجاً لحرة، فإذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً دفعة واحدة، بأن قال لها: أنت طالق ثلاثاً لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الأربعة، وهو رأي الجمهور.
وخالفهم في ذلك بعض المجتهدين، كطاوس، وعكرمة وابن اسحاق، وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهم، فقالوا: إنه يقع به واحدة لا ثلاث، ودليل ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكري، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم. وهذا الحديث صريح في أن المسألة ليست اجماعية، وهو كذلك فإنه رأي ابن عباس وطاوس وعكرمة، وبعض المجتهدين. ومن القواعد الأصولية المقررة أن تقليد المجتهد ليس واجباً، فلا يجب الأخذ برأي مجتهد بعينه، وحينئذ يجوز تقليد أي مجتهد من مجتهدي الأمة الإسلامية في قول ثبتت نسبته إليه، ومتى ثبت أن ابن عباس قال ذلك فإنه يصح تقليده في هذا الرأي كتقليد غيره من الأئمة المجتهدين على أننا إذا قطعنا النظر عن التقليد ونظرنا إلى الدليل في ذاته فإننا نجده قوياً، لأن الأئمة سلموا جميعاً بأن الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك، ولم يطعن أحد منهم في حديث مسلم، وكل ما احتجوا به أن عمل عمر وموافقة الأكثرين له مبني على ما علموه من أن الحكم كان مؤقتاً إلى هذا الوقت فنسخه عمر بحديث لم يذكره لنا، والدليل على ذلك الإجماع، لأن إجماع الصحابة يومئذ على الرضا بما عمله دليل على أنه أقنعهم بأن لديه مستنداً وليس من الضروري أن نعرف سند الإجماع، كما هو مقرر في الأصول، ولكن الواقع أنه لم يوجد إجماع، فقد خالفهم كثير من المسلمين، ومما لا شك فيه أن ابن عباس من المجتهدين الذين عليهم المعول في الدين، فتقليده جائز، كما ذكرنا، ولا يجب تقليد عمر فيما رآه، لأنه مجتهد وموافقة الأكثرين له لا تحتم تقليده، على أنه يجوز أن يكون قد فعل ذلك لتحذير الناس من ايقاع الطلاق على وجه مغاير للسنة فإن السنة أن تطلق المرأة في أوقات مختلفة على الوجه الذي تقدم بيانه، فمن تجرأ على تطليقها دفعة واحدة فقد خالف السنة، وجزاء هذا أن يعامل بقوله زجراً له.
وبالجملة فإن الذين قالوا: إن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع به واحدة لا ثلاث لهم وجه سديد وهو أن ذلك واقع في عهد الرسول، وعهد خليفته الأعظم أبي بكر. وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه واجتهاد عمر بعد ذلك خالفه فيه غيره، فيصح تقليد المخالف، كما يصح تقليد عمر، والله تعالى لم يكلفنا البحث عن اليقين في الأعمال الفرعية لأنه يكاد يكون مستحيلاً.
أما إذا قيد الطلاق بعدد دون الثلاث. فلا يخلو إما أن يصرح بذلك العدد أو ينويه، وعلى كل إما أن يكون الطلاق صريحاً أو كناية، وفي ذلك كله تفصيل المذاهب (2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: العبرة في عدد الطلاق للنساء فلو تزوج الحر أمة يملك عليها طلقتين فقط لأن الأمة تنقص عن الحرة بواحدة، ولو تزوج العبد حرة، فإنه يملك ثلاث طلقات لأن الحرة لها ثلاث طلقات، فالرجل وإن كان يملك ولكن عدده يختلف بالنسبة للحرة والأمة فللحرة ثلاث ولو كان زوجها رقيقاً، وللأمة ثنتان ولو كان زوجها حراً) .
(2) (الحنفية - قالوا: إذا قيد الطلاق الصريح بعدد صريح فإنه يعامل بذلك العدد، فإذا قال لها: أنت طالق اثنتين لزمه طلقتان بذكر العدد، فلو قال: أنت طالق وسكت، ثم قال: ثلاثاً أو اثنتين، فإن كان سكوته لضيق النفس لزمه العدد، وإن سكت باختياره فإنه لا يلزمه إلا واحدة، ومثل ذلك ما إذا كرر اللفظ بدون ذكر العدد، كما إذا قال لها: أنت طالق طالق فإنه يلزمه بذلك طلاقان متى كانت المرأة مدخولاً بها، أما إذا كانت غير مدخول بها فإنها تقع بها واحدة، لأنها تبين بها، فإذا قال: إنه نوى بالثاني الإخبار عن الأول ولم ينو طلاقاً ثانياً فإنه يصدق ديانة، بمعنى أنه لا يقع طلاق بينه وبين الله، ولكن القاضي لا يصدقه بل يحكم عليه بالطلقتين. ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق، أنت طالق، أو قال لها: قد طلقتك، قد طلقتك. أو قال لها: أنت طالق وقد طلقتك.
ومن هذا يتضح أنه إذا قال لها: أنت طالق طالق طالق، أو قال لها: أنت طالق وطالق وطالق يلزمه ثلاث طلقات قضاء، سواء نوى بذلك طلقة واحدة، أو نوى ثلاثاً ولكن إذا نوى بالطلقة الأولى الطلاق وبالثانية والثالثة إفهامها أنه طلقها فإن بينه وبين الله لا تقع إلا واحدة. والحاصل أنه إذا كرر الطلاق، سواء كرره بالواو، أو بدون واو يتعدد الطلاق قضاء، ولا يسمع منه دعوى أنه نوى بالثاني الأول، ولكن إذا نوى بالثاني الأول فإنه يصح ديانة ولا تقع عليه إلا واحدة بينه وبين الله. فإذا قال لها: طلقتك فأنت طالق، وقال:
إنه نوى بالثاني تفسير الأول يصدق قضاء وديانة، وذلك لأن الفاء موضوعة لذلك، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق واعتدي، فإنه إذا نوى بقوله: اعتدي أمرها بالعدة لزمته واحدة، وإن نوى بها طلقة ثانية لزمته طلقتان رجعيتان، لأن لفظ اعتدي من ألفاظ الكناية التي يقع بها طلاق رجعي، وإن نوى أكثر منها. أو نوى الطلاق البائن، فإن لم ينو شيئاً لزمه طلقتان، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق فاعتدي، فإن لم ينو شيئاً لزمته طلقة واحدة وحملت الثانية على أمرها بالعدة، وإذا جزأ عدد الطلقة بأن قال لها: أنت طالق نصف طلقة. أو ثلثها،أو ربعها أو ثمنها، أو جزءاً من ألف جزء، أو من مائة ألف جزء، وهكذا فإنه يقع به طلقة كاملة فإذا جزأ الطلقة كما إذا قال: أنت طالق نصف ربع سدس طلقة، فإن كان بدون حرف الواو لزمته به طلقة واحدة بشرط أن لا يزيد عدد الأجزاء على واحدة، فإن زاد ولو جزءاً يسيراً حسب الزائد طلقة ثانية.
وإذا أضاف الطلاق إلى ضمير الطلقة وعدد الأجزاء كان الحكم كذلك، مثلاً إذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة وثلثها لزمه طلقة واحدة، لأن مجموع الأجزاء أقل من واحدة، أما إذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وربعها فإنه يلزمه طلقتان، وذلك لأن هذه الأجزاء تزيد نصف سدس عن الواحد، فتقع به طلقة: وقيل: لا يحسب.
هذا إذا أضاف الطلاق إلى الضمير، كما عرفت، أما إذا أضافه إلى الطلقة بأن قال: أنت طالق نصف طلقة، وثلث طلقة، وربع طلقة، فإنه يقع بكل كلمة من هذه الكلمات طلقة، وعلى هذا تطلق منه ثلاثاً، بشرط أن يذكر واو العطف وأن تكون الزوجة مدخولاً بها، فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة بدون ذكر واو العطف وقعت به طلقة واحدة ما لم تزد الأجزاء على واحدة، فإنه يحسب كمل تقدم في صدر العبارة.
والحاصل أن في هذه المسألة أربع صور: الصورة الأولى أن يكون المطلق فقهياً متفلسفاً أو يكون هازلاً، أو يكون حسابياً، فيقول لامرأته: أنت طالق نصف طلقة، أو يذكر لها جزءاً يسيراً كأن يقول لها: أنت طالق جزءاً من مائة ألف من الطلقة، وفي هذه الصورة تطلق منه واحدة.
الصورة الثانية: أن يعدد لها الأجزاء بدون حرف العطف، كأن يقول لها: أنت طالق ثلث طلقة، ربع طلقة، خمس طلقة، وفي هذه الحالة تحسب الأجزاء التي ذكرها، فإن كانت تساوي طلقة أو أقل حسبت طلقة وإن زادت عن طلقة ولو جزءاً يسيراً حسب الزائد طلقة ثانية، وهكذا.
الصورة الثالثة: أن يعدد الأجزاء مضافة إلى الضمير مع ذكر واو العطف أو عدمه، كأن يقول: أنت طالق تطليقة، وثلثها، وخمسها، وربعها، وفي هذه الصورة خلاف، فبعضهم يقول: إذا زادت الأجزاء حسب الزائد واحدة، وبعضهم يقول: لا يحسب، لأن اتحاد المرجع يجعله ناطقاً بالجزء الأول فقط، فلا يحسب عليه غيره.
الصورة الرابعة: أن يعدد الأجزاء مضافة إلى الطلقة مع ذكر حرف العطف، بأن يقول لها أنت طالق نصف طلقة، وسدس طلقة، وربع طلقة، وفي هذه الحالة يقع عليه الثلاث، وذلك أن أضاف جزء العدد، وهو النصف، أو السدس، إلى طلاق منكر، فيكون غير الأول، لأن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، فكل جزء نطق به مضافاً إلى الطلاق يحسب عيه طلاقاً، وهذا بخلاف ما إذا أضافه إلى الضمير، لأن الضمير يكون عائداً إلى الجزء الأول بعينه، فلا يحسب إلا الأول، وهذا كله إذا كانت الزوجة مدخولاً بها، فإن لم تكن مدخولاً بها فلا يقع عليه إلا واحدة، كما عرفت.
وإذا فرض وغلبت فلسفة الحساب على شخص وقال لامرأته: أنت طالق ثلاث أنصاف طلقتين
ففي ذلك خلاف، فبعضهم يقول: إنها تطلق ثلاثاً، وذلك لأن نصف التطليقتين واحدة، فثلاثة الأنصاف ثلاث تطليقات، لأن كل نصف على حدته طلقة، وبعضهم يقول أنها تطلق ثنتين فقط، وذلك لأننا إذا قسمنا التطليقتين إلى أنصاف كانت كل تطليقة نصفين، فتكون التطليقتان أربعة أنصاف، فثلاثة أنصافها طلقة ونصف فيقع عليه طلقتان، لأن النصف يحسب طلقة، ولكن الظاهر هو الأول، وذلك لأننا إذا قلنا: ثلاثة أنصاف طلقتين كان معناه ثلاثة أنصاف مجموع الطلقتين ونصف مجموع الطلقتين كاملة، فثلاثة أنصاف ثلاث طلقات، نعم إذا قال: أنت طالق ثلاثة أنصاف كل تطليقتين، كان معناه أننا ننصف كل طلقة على حدة فتكون الطلقة نصفين وثلاثة الأنصاف طلقة ونصف، فيقع به طلقتان.
وإذا قال لها: أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة لزمه طلقتان، وذلك لأن الطلقة الواحدة تشتمل على نصفين فتحسب واحدة، والنصف الثالث يقع به واحدة كاملة، لما عرفت من أن جزء الطلقة طلقة كاملة ولو كان يسيراً وكذا إذا قال لها: أنت طالق أربعة أثلاث طلقة، أو خمسة أرباع طلقة فإنه يلزمه طلقتين، وذلك لأن الطلقة الكاملة ثلاثة أثلاث فزاد عليها ثلثاً وربعاً تلزمه به طلقة كاملة، ومثله خمسة أرباع كما هو ظاهر. وإذا قال لها: أنت طالق نصفي طلقتين فإنه يلزمه طلقتان، وذلك أن كل نصف يعتبر طلقة كاملة.
وإذا فرض وقال شخص حسابي لزوجته: أنت طالق من واحدة إلى اثنتين، أو أنت طالق ما بين واحدة إلى ثنتين، أو قال: من واحدة إلى ثلاث، فإنه يقع به المثال الأول واحدة، وفي المثال الثاني ثنتان عند الأمام، ويقع في الأول ثنتان، وفي الثاني ثلاث عند الصاحبين، ولا يقع في الأول شيء، ويقع في الثاني واحدة عند زفر، وذلك لأن الإمام يقول: إن الطلاق من الأمور المحظورة لأنه لا يباح إلا عند الحاجة، والشيء المحظور إذا كان له مبدأ ونهاية وإن شئت قلت: وكان له غايتان دخلت الغاية الأولى دون الغاية الثانية، فإذا قال لها، أنت طالق من واحدة إلى ثنتين دخلت الغاية الأولى، وهي الواحدة، ولم تدخل الغاية الثانية التي بعد - إلى - وهي ثنتان، وإذا قال لها: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لم تدخل الغاية الثانية، وهي الثلاث، ودخل ما دونها وهي الواحدة والثانية فيلزمه طلقتان، أما إذا كان المعدود مباحاً، كما إذا قال له: خذ من مالي من جنيه إلى جنيهين، فإن اللفظ يتناول الغايتين، فله أن يأخذ الثلاثة المذكورة في الغاية الأولى والغاية الثانية.
والحاصل أن الإمام يقول: إنه إذا قال لزوجته: أنت طالق من واحد إلى ثلاث دخلت الثنتان في كلامه بلا خلاف، لأنها وسط بين الواحدة والثلاث، فهي التي يدل عليها اللفظ والمقصودة منه، أما الواحدة والثلاث، وهما الغاية الأولى والغاية الثانية فإن اللفظ لا يتناولهما في المحظور، لأن الحظر كالقرينة على عدم إرادة ما هو خارج عن مدلول الكلام، وكان من مقتضى هذا أن لا تدخل الغاية الأولى، وهي الواحدة، كما لا تدخل الغاية الأخيرة، وهي الثلاث، ولكن لما كانت الطلقة الثانية المقصودة من الكلام لا يمكن تحقيقها إلا بالطلقة الأولى، إذ لا يمكن أن توصف الطلقة بالثانية إلا بعد
وصفها بالأولى، دخلت الغاية الأولى للضرورة كي تترتب عليها الثانية، أما الثالثة فلا حاجة إليها، فإن الثانية تتحقق بدونها.
هذا إذا كان بين الغايتين وسط، كما ذكرنا، أما إذا لم يكن بينهما وسط، كقوله: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين، فإنه يقع واحدة بلفظ طالق، ويلغو من واحدة إلى ثنتين. إذا لا ضرورة لإدخال الغاية الأخيرة، أما الغاية الأولى فإنها تدخل لأنها لا تزيد على معنى طالق شيئاً أما زفر فإنه يقول: إذا قال شخص لآخر: بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط لا يدخل الغايتان باتفاق، إذ الحد لا يدخل في المحدود، وعلى قياس هذا إذا قال لها: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث خرج الحد الأول، وهو الواحدة، والحد الثاني، وهو الثلاث، ووقع ما بينهما، وهو الثنتان وإذا قال لها: أنت طالق من واحدة إلى ثنتين لم يقع به شيء، إذ لا وسط بين الواحدة والثنتين، والغايتان خارجتان من الكلام، وهذا هو القياس، ولكن الإمام نظر إلى العرف فوجد أنه يستعمل ما له حدان ووسط في إرادة الأقل من الأكثر، والأكثر من الأقل. مثلاً إذا قال شخص: معري من أربعين إلى خمسين، كان غرضه أنه أكثر من أربعين وأقل من خمسين فإذا قال شخص لزوجته: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث كان معنى قوله أنها طالق أكثر من واحدة وأقل من ثلاث، وهما الثنتان، فعمل بالعرف استحساناً.
وإذا قال لها: أنت طالق واحدة في ثنتين، فإن ذلك اللفظ يحتمل ثلاثة معان:
أحدها: معنى الواو، فكأنه قال لها: أنت طالق واحدة وثنتين، فإذا نوى هذا المعنى لزمه ثلاث طلقات إذا كانت الزوجة مدخولاً بها، والمراد بالمدخول بها هنا الموطوءة أو المخلو بها، لأن الخلوة كافية في لحوق الطلاق الثاني، أما إذا كانت غير موطوءة وغير مخلو بها، فإنه يقع عليها واحدة فقط، وذلك لأنها تبين بقوله: واحدة، فقوله بعد ذلك: وثنتين لا تصادف محلاً، فلا يقع بها شيء.
ثانيها: معنى - مع - فكأنه قال لها: أنت طالق واحدة مع ثنتين، فإذا نوى هذا المعنى لزمه ثلاث طلقات مطلقاً، سواء كانت مزوجة مدخولاً بها. أو لا، وذلك لأنه أوقع الثلاث دفعة واحدة، فحلت عصمة الزوجية في المدخول بها وغيرها بدون فرق، فلم تبن غير المدخول بها بواحدة وتصبح غير محل للحوق ما بعدها.
ثالثها: معنى الضرب. وتحته صورتان: الصورة الأولى أن يتكلم بعرف أهل الحساب كما هو المفروض، وفي هذه الحالة يلزمه ثنتان، وذلك لأن عرف أهل الحساب تضعيف أحد العددين بعدد آخر، فقوله: واحدة في ثنيتن معناه تضعيف الواحدة بجعلها ثنتين، فيلزمه الثنتان، وهذا هو التحقيق، لأن هذا اللفظ في عرف علماء الحساب صريح في هذا المعنى، فمتى أراد بكلامه عرفهم لزمه معناه، فلا يقال: إن لفظ - في - معناه الظرفية الحقيقية، والثنتان لا تصلح ظرفاً، فالعبارة في ذاتها لا تصلح لإرادة التطليقتين منها حتى ولو نواهما، كما إذا قال: اسقني، ونوى به الطلاق، فإنه لا يلزمه به شيء، وذلك لأنك قد عرفت أن لفظ واحدة في ثنتين في عرف أهل الحساب مستعمل في تضعيف العدد صريحاً. الصورة الثانية: أن لا يتكلم بعرف أهل الحساب، بل ينوي تكثير أجزاء الطلقة الواحدة كما هو المتبادر من اللفظ، وحين إذ يلزمه طلقة واحدة، لأن تكثير أجزاء الطلقة الواحدة لا يخرجها عن كونها واحدة، ومثل ذلك ما إذا لم ينو شيئاً فإنه يلزمه طلقة واحدة بقوله، أنت طالق لأنه يقع به واحدة وإن لم ينو.
أما إذا قال لها: أنت طالق ثنتين في ثنتين فإنه إذا نوى به معنى الواو، فكأنه قال: ثنتين وثنتين، وفي هذه الحالة يلزمه ثلاث في المدخول بها وثنتان في غيرها، وإذا نوى معنى - مع - لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها، وإذا نوى الضرب على عرف أهل الحساب لزمه الثلاث وإلا لزمه ثنتان.
هذا كله إذا قيد الطلاق الصريح بعدد صريح، أما إذا قيده بإشارة تدل على العدد، فإن هذه المسألة على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يذكر ما يدل على الإشارة لفظاً ويشير إلى العدد بأصابعه، وتحت هذا صورتان الصورة الأولى أن ينطق بلفظ - هكذا - فيقول: أنت طالق هكذا ويشير بأصابعه الثلاث، وفي هذه الحالة يقع العدد الذي أشار إليه بقوله: هكذا من أصابعه، فإن أشار إلى أصبع واحد وقعت واحدة، وإن أشار إلى أصبعين وقع ثنتان وإن أشار إلى ثلاثة وقع ثلاث فإن فتح ثلاثة أصابع من أصابع يده وضم ثنتين، وقال: إنه أشار إشارة إلى المضمومتين، فإنه لا يصدق قضاء، بل يقع عليه الثلاث، لأن الظاهر يقتضي أنه أشار إلى أصابعه المنشورة لا المضمومة، ولكنه يصدق ديانة فيقع عليه ثنتان بينه وبين الله تعالى، ومثل ذلك ما إذا قال:
إنه نوى الإشارة إلى كفه، فإنه لا يصدق قضاء وتقع عليه واحدة رجعية إن كان صادقاً بينه وبين الله تعالى، نعم إذا نشر أصابعه الخمسة كلها، وقال: أنه أراد الكف، فإنه يصدق قضاء لأن الطلاق ثلاث فقط، فنشر الخمسة قرينة على أنه لم يرد العدد، فيصدق قضاء بأنه أراد التشبيه بالكف فتلزمه واحدة رجعية، ومثل ذلك ما إذا ضم أصابعه فإنه يصدق قضاء في قوله: انه أراد التشبيه بالكف فقط.
الصورة الثانية: أن ينطق - مثل - فيقول: أنت طالق مثل هذا، ويشير إلى أصابعه الثلاث المنشورة، وفي هذه الحالة ينظر إلى نيته، فإن نوى تشبيه الطلاق بعدد الأصابع الثلاث لزمه ثلاث أما إذا نوى المثلية في الشدة، أو لم ينو شيئاً فإنه يلزمه طلقة واحدة بائنة، لأنه وصفها بالشدة والفرق بين قوله: أنت طالق هكذا، وأنت طالق مثل هذا أن الكاف للتشبيه في الذات. ومثل للتشبيه بالوصف، فقوله: هكذا معناه مثل الأصابع الثلاث في العدد، أما قوله، مثل هذا فمعناه مثل هذا في شدته، فإذا نوى به الثلاث لزمته.
الوجه الثاني: أن يقول، أنت طالق ويشير بأصابعه الثلاث، ولكن لم يقل، هكذا. أو مثل هذا، ويقع بهذا طلقة واحدة ولو نوى الثلاث، وذلك لأن الطلاق لا يتحقق بدون لفظ، فكذلك عدده لا يتحقق بدون لفظ يدل عليه.
الوجه الثالث: أن يقول: أنت هكذا، مشيراً بأصابعه، ولكنه لم يقل: طالق، وقد اختلف في هذا، فبعضهم قال: إنه لغو لا يقع به شيء ولو نوى به الثلاث، وحجة هذا القائل أن الطلاق لا يتحقق عند الحنفية إلا باللفظ الذي يشعر به، ولو نوى به الطلاق، والإشارة بالأصابع الثلاث ليس فيها أي إشعار بالطلاق لا صريحاً ولا كناية، فلا يلزمه بذلك شيء ولو نواه، كما لا يلزمه بقوله: كلي، واشربي. ونحو ذلك إذا نوى به الطلاق.
وعندي أن هذا التعليل وجيه، وقد عرفت في الوجه الثاني أن الطلاق لا يتحقق بدون لفظ يدل عليه أو يشعر به، فإن لم يوحد لفظ كذلك فإن النية لا يعول عليها.
وبعضهم قال: إنه يقع به ما نواه، فإذا نوى الثلاث لزمته، وعلل ذلك بأن الإشارة بالأصابع الثلاث قائمة مقام عدد الطلاق المقدر، فكأنه قال: أنت طالق ثلاثاً، ولا يخفى ما في هذا من تعسف وخروج عن القاعدة الأولى، وهو أن الطلاق لا يتحقق إلا باللفظ الذي يدل عليه، أما كونه يقدر لفظاً نواه، فإنه يصح أن يدعي ذلك في كل لفظ، فالقواعد تؤيد الرأي الأول.
هذا، وقد عرفت أن النية لا تعمل في الصريح، فإذا قال لها: أنت طالق ونوى به ثنتين أو ثلاثاً فإنه لا يقع به إلا واحدة، وقد عرفت أيضاً أنه إذا نوى بالطلاق معنى الطلاق من القيد ونحوه، فإنه لا يعتبر قضاء وينفع ديانة.
هذا إذا ذكر لفظ طالق، أما إذا ذكر المصدر كأن قال لها: أنت الطلاق، أو أنت طلاق فإنه يقع به واحدة رجعية كذلك إن لم ينو، أو نوى واحدة، وكذا إذا نوى اثنتين فإنه يقع واحدة بخلاف ما إذا نوى به الثلاث فإنه يقع عليه ما نواه، وذلك لأن قوله: أنت طلاق، أو أنت الطلاق مصدر موضوع للوحدة. أو للجنس الصادق بالكثير والقليل، فلا يصح تقييده بالاثنينية، لأن الاثنين عدد محض ينافي الوحدة، فصح إرادة الثلاث منه دون الاثنين. أما الكنايات فقد عرفت أقسامها وأحكامها فيما مضى، ومنها أن جميع ألفاظ الكنايات يقع بها الطلاق بائناً، ما عدا ألفاظ ذكرت هناك، فإن الطلاق يقع بها رجعياً، ثم إن بعضها لا يقع بها إلا بالنية، فإن ذكر لفظاً منها ولم ينويه طلاقاً وقرنه بعدد اثنين أو ثلاثة فإنه يكون مهدراً وإن نوى به طلاقاً ووصفه بعد صريح لفظاً فإنه يلزمه ما نواه وما نطق به كما إذا قال لها: أنت بائن ثنتين أو ثلاثاً ونوى ببائن الطلاق فإنه يلزمه ما نطق به، أما إذا نوى بلفظ بائن الطلاق ونوى به أكثر من واحدة، فإن نوى ثنتين فإنه لا يلزمه إلا واحدة، وإن نوى ثلاثاً تلزمه الثلاث. وقد تقدم تعليل ذلك في القسم الثالث من الكنايات فارجع إليه.

يتبع.


ابوالوليد المسلم 07-06-2022 03:52 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 302 الى صــــــــ
315
الحلقة (206)


المالكية قالوا: إذا قيد الطلاق الصريح بعدد صريح كقوله: أنت طالق ثنتين أو ثلاثاً لزمه العدد الذي صرح به طبعاً، وكذا إذا نواه بأن قال: أنت طالق ونوى به ثلاثاً أو ثنتين فإنه يلزمه ما رواه، أما إذا لم ينو فإنه واحد، كما تقدم في الصريح، فإن كرر الطلاق لفظاً فإنه يحتمل حالتين: الحالة الأولى أن يكرره بدون عطف. الحالة الثانية: أن يكرره بحرف العطف فأما الحالة الأولى ففيها ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يقول لها: أنت طالق، طالق، طالق، بدون عطف وبدون تعليق، وحكم هذه الصورة أنه يقع بها واحدة إذا نوى بالثانية والثالثة التأكيد، سواء كانت الزوجة مدخولاً بها أو لا. ويصدق في قوله بيمين في القضاء وبغير يمين في الفتوى، ثم إن كانت الزوجة مدخولاً بها فإنه يصدق، ولو فصل فاصل بين قوله: طالق الأولى، وطالق الثانية أو الثالثة، ولو طال الفصل، أما في غير المدخول بها فإنه يلزمه الثاني إلا إذا ذكر ألفاظ الطلاق متتابعة بدون فاصل، ولا يضر الفصل بنحو السعال، وهذا هو المذهب عند بعضهم، وبعضهم يشترط أن يذكر ألفاظ الطلاق منسقة، أي متتابعة بدون فصل في المدخول بها وغيرها، فإذا قال: أنت طالق ثم سكت مدة، وقال: أنت طالق، ثم قال: أنه نوى بالثانية التأكيد فإنه لا يصدق، وفي هذه الحالة إن كانت مدخولاً بها وقع عليه ثنتان أو ثلاث إن ذكر ثلاثة ألفاظ، وإن كانت غير مدخول بها لزمته واحدة بائنة لأن الثانية لا تلحق.
الصورة الثانية: أن لا ينوي التأكيد، سواء نوى بكل واحدة طلقة على حدة. أو لم ينو شيئاً وفي هذه الحالة يلزمه الثلاث في المدخول بها، سواء ذكر الألفاظ الثلاثة متتابعة، أو فصل بينها بفاصل، أما إذا كانت غير مدخول بها فإنه يلزمه الثلاث إن ذكرها متتابعة، وإذا فصل بينها فلا يلزمه إلا واحدة، لما عرفت من أنها تبين بها فلا يلحقها ما بعدها.
الصورة الثالثة: أن يعلق الطلاق المكرر بدون عطف على شيء، وتحت هذه الصورة أمران:
الأمر الأول: أن يعلقه على شيء متحد، كأن يقول: أنت طالق، طالق، طالق، إن كلمت زيداً بكلمة، وحكم هذا إن نوى التأكيد لزمته طلقة واحدة، وإن لم ينو التأكيد بأن نوى الثلاث أو لم ينو شيئاً لزمته الثلاث.
الأمر الثاني: أن يعلقه على شيء متعدد، كأن يقول: أنت طالق إن كلمت زيداً. أنت طالق إن دخلت الدار. أنت طالق إن سافرت مع أبيك، وحكم هذا أنه يلزمه الثلاث ولا ينفعه نية التأكيد لتعدد المحلوف عليه.
أما الحالة الثانية، وهي ما إذا كرره بحرف العطف، سواء كان بالواو، أو الفاء، أو ثم، كأن قال لها: أنت طالق، طالق، طالق، أو ثم طالق وطالق الخ، فإن كانت مدخولاً بها فإنه يلزمه الثلاث، ولا يصدق في قوله: أنه نوى التأكيد، سواء ذكر الألفاظ متتابعة منسقة أو لا وسواء لم يكرر لفظ أنت، كما مثلنا، أو كرره، بأن قال: أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق أما إذا كانت غير مدخول بها يلزمه الثلاث إن ذكر الألفاظ متتابعة بدون فاصل وإلا لزمته واحدة.
هذا، وإذا جزأ عدد الطلاق، كما إذا قال لها: أنت طالق نصف طلقة، أو جزء طلقة لزمه طلاق كامل، ولو قال لها: أنت طالق نصف طلقتين لزمته طلقة واحدة، لأن نصف الطلقتين طلقة كاملة، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق نصفي طلقة، فإنه يقع به واحدة، لأن للنصفين طلقة كاملة فإذا زادت الأجزاء عن طلقة لزمه طلقتان أو أكثر بحسب زيادة الأجزاء، فإذا قال لها: أنت طالق نصف وثلثا طلقة لزمه طلقتان لأن النصف والثلثين أكثر من الواحدة، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة لأن ثلاثة أنصاف طلقة تشتمل على طلقة، ونصف فيقع بها ثنتان لأن الجزء يقع به واحدة كاملة، وكذا إذا قال لها: أنت طالق أربعة أثلاث طلقة، لأن أربعة أثلاث تشتمل على واحدة وثلث، وهكذا.
فإذا ذكر أجزاء أقل من واحدة بحرف العطف وأضافها إلى طلقة واحدة فإنه يلزم بها واحدة كما إذا قال لها: أنت طالق نصف وثلث طلقة، أما إذا أضاف كل جزء إلى لفظ طلقة، كما إذا قال لها: أنت طالق نصف طلقة، وثلث طلقة فإنه يقع بكل لفظ منها طلقة، فيلزمه ثنتان، وهكذا، والفرق أنه في العبارة الأولى أضاف الكسرين إلى طلقة واحدة وهما أقل من واحدة فلزمه واحدة وفي العبارة الثانية أضاف كل كسر إلى طلقة. فكان اللفظ مستقلاً بالعبارة فيقع بكل لفظ طلقة. وإذا كان عالماً بالحساب، وقال لها:
أنت طالق في واحدة لزمته طلقة واحدة، لأن نتيجة ضرب طالق واحدة وواحدة، وإذا قال لها: أنت طالق واحدة في ثنتين، وكان عالماً بالحساب لزمه ثنتان لأنهما نتيجة ضرب الواحدة في اثنتين، وإلا فإنه يلزمه ثلاثة فكأنه قال: واثنتين، وإذا قال لها: أنت طالق اثنتين في اثنتين لزمه ثلاث طلقات، عرف الحساب، أو لم يعرف.
هذا، أما نية العدد مع الكناية فقد تقدمت مفصلة، فارجع اليها.
الشافعية - قالوا: إذا قيد الطلاق الصريح بعدد لزمه، فإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً أو ثنتان لزمه ذلك العدد، وقد تقدم في الكناية أنه لو نوى بقوله: أنت طالق أكثر من واحدة لزمه ما نواه، حتى لو قال: أنت طالق واحدة، ونوى به ثنتين، أو ثلاثاً لزمه ما نواه، وكذا إذا قال لها: أنت طالق ثنتين فإنه إذا نوى به ثلاثاً وقع الثلاث وبعضهم يرى أنه إذا قيد اللفظ بواحدة أو ثنتين فإن نية الزائد تلغو ولا يعمل بها، حملاً للفظ على ظاهره وقد تقدم الكلام على الكنايات، فارجع إليه.
أما إذا كرر الطلاق، كأن قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو قال: أنت طالق طالق ولم يكرر لفظ - أنت - فإن له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يذكر الكلمات المكررة بدون حرف العطف متتابعة بحيث لا يفصل بين كل كلمة وأخرى بفاصل، بل يكون الكلام متصلاً في العرف، فلا يعتبر الفصل سكتة التنفس وانقطاع الصوت، والعي، لأن الفصل بمثل هذا لا يخرج الكلام عن كونه متصلاً عرفاً، أما الذي يخرجه عن كونه متصلاً فهو أن يفصل باختياره بحيث ينسب إليه أنه قطع الكلام عرفاً، وتحت هذه الحالة أربع صور:
الصورة الأولى: أن يقصد بالتكرار تأكيد قوله: أنت طالق الأولى بقوله أنت طالق الثاني وأنت طالق الثالث، بمعنى أنه ينوى تأكيد اللفظ الأول باللفظين الأخيرين معاً، وفي هذه الصورة تلزمه طلقة واحدة، لأنه نوى تأكيد الأول بالثاني والثالث فلم ينشئ طلاقاً جديداً والتأكيد مهم في جميع اللغات.
الصورة الثانية: أن يؤكد الأول بالثاني فقط، ثم ينشئ طلاقاً بالثالث. أو لم ينو به شيئاً وفي هذه الصورة يلزمه طلقتان: طلاق بالعبارة الأولى. وطلاق بالعبارة الثالثة التي استأنف بها طلاقاً. أو طلق ولم ينو بها شيئاً، أما العبارة الثانية فإنها لا تحسب عليه لأنه نوى بها التأكيد.
الصورة الثالثة: أن يؤكد الثاني بالثالث، وبأن ينوي الطلاق بالعبارة الأولى والعبارة الثانية أو يطلق ولم ينو شيئاً، ثم ينوي بالثالث تأكيد الثاني وفي هذه الحالة يلزمه طلقتان أيضاً بالعبارة الأولى والثانية، وتلغى الثالثة لأنه قصد التأكيد.
الصورة الرابعة: أن يؤكد الأول بالثالث، بأن لا ينوي بالعبارة الثانية تأكيد الأولى بل ينوي بها الطلاق، أو لم ينو شيئاً، ثم يؤكد العبارة الأولى بالثالثة فقط، وفي هذه الصورة يلزمه الثلاث لأنه فصل بين المؤكد، وهو العبارة الثالثة، والمؤكدة، وهو العبارة الأولى بالعبارة الثانية.
الحالة الثانية: أن يذكر الكلمات المكررة بدون حرف العطف غير متتابعة، بأن يفصل بين كل كلمة وأخرى بفاصل بحيث يقال: إن الكلام غير متصل في العرف، وهذا تحته صورتان.
الصورة الأولى: أن يكرر لفظ - أنت - في كل عبارة، بأن يقول: أنت طالق. أنت طالق. أنت طالق مع الفصل بين كل عبارة بسكتة تجعلها منفصلة عما قبلها عرفاً، وحكم هذه الحالة يلزمه الثلاث، فإذا قال: إنه أراد التأكيد مع وجود الفصل فإنه لا يسمع منه قضاء وينفعه ذلك بينه وبين الله. الصورة الثانية: أن يقول: أنت طالق بدون تكرار لفظ - أنت - فإذا قال: أنت طالق ثم سكت سكتة طويلة بحيث يقال له: إنه فصل الكلام عرفاً، وقال: طالق بدون - أنت - تلزمه واحدة، وذلك لأن طالق بدون ذكر لفظ - أنت - لا يقع بها شيء عند الشافعية، كما يأتي في مبحث إضافة الطلاق إلى المرأة، وقد انقطعت العبارة الثانية والثالثة عما قبلها، فلا يمكن تسليط - أنت - الأولى عليها بخلاف ما إذا كان الكلام متصلاً فإنه في هذه الحالة يكون مخبراً عن أنت طالق الأولى بطالق الثانية والثالثة.
الحالة الثالثة: أن يذكر الكلمات المكررة بحرف العطف وتحت هذا صورتان:
إحداهما أن يقول: أنت طالق. وطالق. وطالق. فيعطف بالواو، وحكم هذه الصورة أنه إذا لم ينو شيئاً، أو نوى الثلاث، لزمه الثلاث، ومثل ذلك ما إذا نوى تأكيد الأول بالثاني والثالث أو بأحدهما فقط، فإنه يلزمه الثلاث، أما إذا نوى تأكيد الثاني بالثالث فإنه يصح، ويلزمه طلقتان، والفرق بين الحالتين أن الأول، وهو أنت طالق خال من حرف العطف، وكل من الثاني والثالث مقترن بحرف العطف، فالثاني والثالث متساويان في الاقتران بحرف العطف، فهما غير الأول، فلا يصح تأكيده بواحد منهما، أما الثاني فإنه يصح أن يجعل تأكيداً للأول، على معنى أن الواو المقترن بها تجعل جزءاً منه، فقوله: وطالق الثالثة كلها - أعني الواو ومدخولها - تأكيداً لقوله: وطالق الأولى كلها - والواو ومدخولها -.
ثانيتهما: أن يعطف بغير الواو، كأن يقول لها: أنت طالق، فطالق، فطالق، أو ثم طالق الخ.
وفي هذه الحالة لا تصح نية التأكيد مطلقاً. فلا تسمع دعوى التأكيد قضاء باتفاق، أما ديانة بينه وبين الله. فقال بعضهم: إن نوى التأكيد يلزمه واحدة بينه وبين الله.
هذا كله إذا كانت الزوجة موطوءة مدخولاً بها، فإن لم تكن مدخولاً بها فإنه لا يلزمه إلا طلاق واحد. وذلك لأنها تبين بالطلاق الذي يقع أو لا. فلا يلحقه شيء بعد ذلك.
وإذا جزأ عدد الطلاق كأن قال: أنت طالق بعض طلقة أو جزء طلقة أو نصف طلقة لزمه به طلقة كاملة لأن الطلاق لا يتجزأ، وإذا قال لها: أنت طالق نصف طلقتين وقعت عليه واحدة، ومثله ما إذا قال لها: أنت طالق نصفي طلقة أو أنت طالق طلقة وثلثها، بإضافة الطلقة إلى الضمير ما لم ينو بكل جزء منهما طلقة، فإنه يعامل بما نوى، بخلاف ما إذا قال: أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة، فإنه يلزمه طلقتان لأن العطف يفيد المغايرة، وإضافة كل منهما إلى الطلقة تجعله طلقة مستقلة، وإذا قال لها:
أنت طالق طلقة في طلقة لزمه طلقة واحدة، سواء نطق بعرف الحساب أو جعلها ظرفاً أو أطلق ولم يرد شيئاً، أما إذا أراد بلفظ "في" معنى "مع" فإنه يلزمه طلقتان، وتستعمل "في" بمعنى "مع" كقوله تعالى {ادخلوا في أمم} أي ادخلوا مع أمم وإذا قال: أنت طالق واحدة في ثنتين، فإن أراد المعية لزمه ثلاث، فكأنه قال:
أنت طالق واحدة مع ثنتين، وإن أراد اصطلاح الحساب وكان عارفاً به لزمه ثنتان، لأن نتيجة ضرب الواحد في اثنين اثنان، فإن لم يكن عارفاً به، أو أراد ظرف الواحدة في الاثنين، أو لم يرد شيئاً لزمه طلاق واحد، وإذا قال لها: أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة لزمه طلقتان، لأن الثلاثة أنصاف طلقة كاملة ونصف، وقد عرفت أن النصف يقع به واحدة كاملة، لأن الطلاق لا يتجزأ. هذا، وإذا قال لزوجته: أنت طالق وأشار بأصبعين أو ثلاث، فلا يخلو إما أن ينطق بلفظ الإشارة، كأن يقول: أنت طالق هكذا، أو لا. فإن قال: أنت طالق هكذا. وأتى بما يدل على أنه يريد الإشارة إلى الطلاق، كأن يلتفت إلى أصابعه، فإنه يقع عليه بقدر العدد الذي أشار به واحداً كان أو أكثر.
ولا نظر إلى نيته في هذه الحالة، لأن اسم الإشارة المفهمة صريح في العدد، فلا تعتبر فيه النية، أما إذا حرك أصابعه لأن عادته إذا تكلم يرفع أصابعه، فلا تكون إشارة مفهمة، فإن فتح ثلاثة أصابع وضم أصبعين وقال: إنه أراد الإشارة إلى المضمومتين يصدق قضاء بيمينه، وإذا لم ينشر أصابعه. أو أشار إلى كفه لزمه واحدة أما إذا فال: أنت طالق، ولم يقل: طالق، فإنه لا يقع به شيء ولو نوى الطلاق، لأنه لا دليل يدل على الطلاق في العبارة، بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً، فإنه إذا نوى به الطلاق الثلاث يلزمه، وذلك لأن لفظ " ثلاثاً" يشعر بالطلاق المحذوف، فكأنه قال: أنت طالق طلاقاً ثلاثاً، أما الإشارة بلفظ" هكذا" إلى أصابعه فليس فيها إشعار بمحذوف يمكن تقديره لفظاً.
الحنابلة - قالوا: إذا وصف الطلاق بعدد صريح لزمه ذلك العدد، فلو قال لها: أنت طالق ثلاثاً وقعت الثلاث ومثل ذلك ما إذا نوى العدد ولم يصرح به، فلو قال: أنت طالق أو أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق، ونوى به ثنتين، أو ثلاثاً لزمه ما نواه، كما إذا نوى واحدة فإنها تلزمه أما إذا لم ينو شيئاً فإنه يلزمه واحدة، وقال بعضهم: إذا قال: أنت طالق ونوى به الثلاث لا يقع به إلا واحدة، وذلك لأن لفظ طالق لا يتضمن عدداً ولا بينونة، فلا يقع به إلا واحدة ولو نوى أكثر، ولكن الأول أصح، نعم إذا قال لها: أنت طالق واحدة ونوى بها أكثر فإنه لا يلزمه إلا واحدة، لأنه نوى ما لا يحتمله اللفظ فتلغو النية، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً ونوى واحدة فإنه يلزمه الثلاث، لأنه نوى خلاف ما يحتمله اللفظ.
وإذا كرر الطلاق لفظاً، فإن كرره بدون حرف العطف، كما إذا قال لها:
أنت طالق طالق طالق، فإذا نوى بالثانية تأكيد الأولى وبالثالثة تأكيد الثانية والأولى فإنه يقع به واحدة بشرط أن يكون الكلام متصلاً بأن يقول: طالق طالق طالق بدون أن يسكت بين كل كلمة وأخرى، فإن سكت زمناً يمكنه الكلام فيه ولم ينطق لا تنفعه نية التأكيد، فلو قال لزوجته المدخول بها: أنت طالق، وسكت زمناً يستطيع أن ينطق بطالق الثانية فيه ولم ينطق، ثم قال بعد ذلك: أنت طالق لزمه ثنتان، أما إذا كانت غير مدخول بها فإنه يلزمه واحدة فقط، لأنها تبين بالأولى فتكون أجنبية فلا تطلق بالثانية، وإذا قال لها:
أنت طالق أنت طالق أنت طالق ونوى تأكيد الثانية بالثالثة فقط فإنه يصح ويلزمه طلقتان بالأولى والثانية، أما إذا أكد الأولى بالثالثة فقط وأهمل الثانية فإنه لا يصح ويلزمه الثلاث للفصل بين المؤكد، وهو الثالثة، والمؤكد وهو الأولى بالثانية أما إذا أكد الأولى بالثانية، ثم أكد الأولى بالثالثة أيضاً فإن التأكيد يصح لعدم الفاصل بأجنبي، فإذا نوى التأكيد ولكنه لم ينو تأكيد الثانية بالأولى، ولا الثانية بالثالثة، بل اطلق فإنه يقبل ويلزمه واحدة. أما إذا لم ينو التأكيد من أصله، بأن نوى بالثانية والثالثة إيقاع الطلاق لزمه الثلاث، وكذا إذا لم ينو إيقاع الطلاق، بل كرر اللفظ بدون نية فإنه يلزمه ما نطق به.
هذا إذا كرر اللفظ بدون حرف العطف، أما إذا كرره بحرف العطف، كأن قال لها: أنت طالق وطالق وطالق، فإن نوى تأكيد الأولى بالثانية أو الثالثة فإنه لا يصح، أما إذا أكد الثانية بالثالثة فإنه يصح، وذلك لأن لفظ الأولى خالي من حرف العطف، بخلاف الثانية والثالثة فإن كلاً منهما مشتمل على حرف العطف، فاللفظان متساويان يصح تأكيد أحدهما الآخر، على أن يكون لفظ" وطالق" الثالثة تأكيد للفظ" وطالق" الثانية برمتهما، أعني الواو وما دخلت عليه، ومثل ذلك ما إذا عطف بالفاء أو بثم، فإذا قال: أنت طالق، فطالق، فطالق، أو ثم طالق، ثم طالق، فإن نوى تأكيد اللفظ الأول بالثاني.
أو الثالث فإنه لا يصح التأكيد ويلزمه الثلاث، وإن نوى تأكيد الثاني فإنه يصح ويلزمه ثنتان، وذلك لتساوي اللفظين، وهما الثاني والثالث في اشتمالهما على حرف العطف، بخلاف طالق الأول، فإنه خال من حرف العطف، فلا يصح تأكيده بما هو مشتمل على حرف العطف. فإذا غاير في العطف، بأن عطف الأول بالواو والثاني بالفاء، كأن قال: أنت طالق، وطالق، فإنه لا يصح تأكيد الثاني بالثالث لعدم تسويهما في العبارة، لأن الثاني مشتمل على واو العطف، والثالث مشتمل على ثم، والتأكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته.
وإذا جزأ الطلاق، كأن قال لها، أنت طالق بعض طلقة أو جزءاً من مائة ألف جزء من طلقة، أو نصف طلقة كاملة. لأن الطلاق لا يتجزأ فذكر بعضه ذكر لجميعه.
وهذه المسألة مجمع عليها في المذاهب الأربعة:
فإذا قال لها: أنت طالق نصفي طلقة لزمه طلقة كاملة، كما إذا قال لها: أنت طالق نصف طلقتين وإذا قال لها: أنت طالق نصفي ثنتان، لأن نصف كل طلقة طلقة، فكأنه بذلك قال لها: أنت طالق طلقتين، وإذا قال لها: أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقتين لزمه ثلاث طلقات، لأن نصف الطلقتين طلقة كاملة، وقد أوقعه ثلاثاً فكأنه قال: أنت طالق ثلاث طلقات. وإذا ذكر أجزاء الطلقة متفرقة، فإن ذكرها بحرف العطف وقع بكل جزء طلقة وإلا وقع بها واحدة، سواء أضاف إلى الضمير أو إلى الطلقة، فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة، ثلثها سدسها لزمه واحدة وكذا إذا قال: أنت طالق نصف طلقة، ثلث طلقة، سدس طلقة، فإنه يلزمه واحدة، وكذا إذا قال لها: أنت طالق طلقة نصف طلقة فإنه لا يلزمه إلا واحدة، وذلك لأن عدم العطف يجعل الثاني عين الأول، أو جزءاً من الأول، وإذا نوى به التعدد فإنه يلزمه ما نواه، أما إذا قال: أنت طالق نصف طلقة، وثلث طلقة وسدس طلقة فإنه يلزمه الثلاث لتكرره بالعطف الذي يقتضي المغايرة بين الأول والثاني الخ.
وإذا قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لزمه ثنتان، لأن ما بعد الغاية لا تدخل فيما قبلها لغة إلا إذا كانت إلى - بمعنى - مع واحتمالها لمعنى مع يوجب الشك والطلاق لا يقع بالشك وإذا قال: أنت طالق ما بين واحدة وثلاث، وقعت واحدة لأنها التي بينهما، وإذا قال لها: أنت طالق طلقة في ثنتين، فإذا نوى بلفظ - في -، - مع - لزمه ثلاث، لأن في تأتي بمعنى مع، كقوله تعالى: {فادخلي في عبادي} أي مع عبادي، وغن نوى معنى اللفظ في عرف علماء الحساب لزمه ثنتان، لأنها نتيجة ضرب الواحد في ثنتين، سواء كان عالماً بالاصطلاح. أو جاهلاً به ولكنه نواه، وإذا قال: أردت واحدة مع كونه من علماء الحساب قبل منه، فإذا لم ينو شيئاً فإن كان من علماء الحساء لزمه ثنتان وإلا فواحدة.
وإذا قال لامرأته: أنت طالق هكذا، ثم فتح ثلاثة أصابع من أصابع يده وضم أصبعين، فإنها تطلق ثلاثاً، فإذا قال: إنه أراد الإشارة بالأصبعين المضمومتين سمع له ولزمه ثنتان، وإذا أشار بكل أصابعه الخمسة فإنه يلزمه واحدة، وتحمل الإشارة على اليد لا على الأصابع، لأن نهاية عدد الطلاق ثلاث، وإذا لم يقل: هكذا بل أشار بأصابعه فقط لزمه واحدة. وهكذا كله إذا لم يكن له نية، وإلا فإنه يقع ما نواه) .

ابوالوليد المسلم 21-06-2022 05:36 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب الطلاق]
صـــــ 315 الى صــــــــ
322
الحلقة (207)





مبحث إضافة الطلاق إلى الزمان أو إلى المكان
-إذا أضاف الطلاق إلى الزمان، كما إذا قال: أنت طالق يوم كذا، أو في شهر كذا، أو أضافه إلى المكان، كما إذا قال لها أنت طالق في بلدتك. أو في مصر، فإن طلاقه يلزم على تفصيل المذاهب (1) .

__________
(1) (الحنفية - قالوا: الزمن الذي يضاف إليه الطلاق، تارة يكون مستقبلاً، وتارة يكون حاضراً،وتارة يكون ماضياً، وقد تكون الإضافة إلى زمن واحد، وقد تكون إلى زمنين. فمثال الإضافة إلى الزمان المستقبل أن يقول لزوجته: أنت طالق غداً، وفي هذه الحالة تطلق منه عند حلول أول جزء من الغد، وهو طلوع الصبح، فإذا قال: إنه نوى آخر النهار لا يصدق قضاء ويصدق ديانة، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق في الغد، فإنه إذا ادعى انه نوى طلاقها في آخر النهار يصدق قضاء وديانة، وذلك لأن كلمة - في - تفيد طلاقها في جزء من الغد، وهذا يصدق بالجزء الأخير من النهار. ومثال الإضافة إلى زمنين حاضر ومستقبل، أن يقول لها: أنت طالق غداً اليوم بدون عطف، وفي هذه الحالة يعتبر اللفظ الأول ويلغى الثاني، فتطلق في الغد ولو قال لها: أنت طالق اليوم، غداً طلقت منه في نفس اليوم، وإذا قال لها: أنت طالق اليوم وغداً بحرف العطف فإنه يقع به واحدة فقط، وذلك لأن العطف وإن كان يقتضي المغايرة ولكن لما ابتدأ طلاقها باليوم كانت طالقاً منه في الغد، لأن التي تطلق اليوم تطلق غداً، فلا معنى لإيقاع طلاق آخر في الغد، أما إذا عكس فقال: أنت طالق غداً واليوم، فإنها تطلق طلقتين لأنه لا يلزم من تطليقها في الغد تطليقها في اليوم، وكذا إذا قال لها: أنت طالق بالليل والنهار فإنها تطلق واحدة، وذلك لن التي تطلق في الليل تطق في النهار الذي بعده، فإذا قال لها وهو بالليل: أنت طالق بالنهار والليل يلزمه ثنتان لأنه لا يلزم من تطليقها بالنهار تطليقها بالليل الذي قبله، وكذا إذا قال لها: أنت طالق اليوم ورأس الشهر، فإنها تطلق واحدة، لما عرفت من أن طلاقها اليوم منه طلاقها في الوقت الذي بعده.
والحاصل أنه إذا أضاف الطلاق إلى وقتين حاضر، ومستقبل، وبدأ بالحاضر اتحد الطلاق فلا يتعدد، كاليوم والغد، والليل الذي طلق فيه والنهار الذي بعده، أما إذا بدأ بالمستقبل فإنه يلزمه طلاقان لأن طلاقها في المستقبل لا يستلزم طلاقها في الحاضر، على أنه إذا قال لها: أنت طالق اليوم وإذا جاء غد لزمه طلاقان: أحدهما في الحال والثاني عند مجيء الغد، وذلك لأنه لما قال: إذا جاء فقد علق طلاقها على شرط المجيء، وقد عطفه على أنت طالق اليوم، والمعطوف غير المعطوف عليه وبذلك يكون قد أتي بطلاقين: أحدهما منجز، والآخر معلق على مجيء الغد، فلا يمكن أن يكون طلاقاً واحداً، وهو طلاقها في اليوم، لأن الطلاق المنجز لا يصح تعليقه ولا يمكن أن يكون طلاقاً واحداً، لأن المعطوف غير المعطوف عليه، فتعين كونه طلاقين: أحدهما منجز والآخر معلق على مجيء الغد. وإذا قال لها: أنت طالق، لا بل غداً يقع طلاقان أيضاً: أحدهما للحال. والثاني في الغد، لأن قوله: أنت لزمه به الطلاق، ولا يملك إبطاله بقوله: لا وقوله: بل غداً لزمه به الطلاق آخر.
ومثال الإضافة إلى الزمن الماضي أن يقوا لها: أنت طالق أمس، أو أنت طالق قبل أن أتزوجك، وكان قد تزوجها اليوم، وحكم هذا أنه يلغو ولا يعتبر، لأنه أضاف الطلاق إلى زمن لا يملك فيه العصمة، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: طلقتك أمس، وكان قد تزوجها بالأمس، أو تزوجها فبل الأمس فإنه يقع طلاقه، لأنه في هذه يكون قد طلقها في وقت يملك فيه عصمتها والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال، ولو قال لها: أنت طالق أمس واليوم تعدد الطلاق بناء على القاعدة المتقدمة وهي أنه إذا أضاف الطلاق إلى زمنين، وبدأ بغير الزمن الحاضر تعدد الطلاق وقد يقال: أنهم قد عللوا ذلك بأن إيقاع الطلاق في الزمن المستقبل لا يلزم منه إيقاعه في الزمن الحاضر، فلو قال: أنت طالق غداً واليوم لزمه ثنتان لأنه لا يلزم من تطليقها في الغد تطليقها في اليوم بخلاف عكسه، وهنا لا يتأتى هذا التعليل، فلو قال لها: أنت طالق أمس واليوم فيه أن الواقع أمس واقع اليوم فيكون عكس أنت طالق غداً واليوم فيقع به واحدة، أم عكسه، وهو أنت طالق اليوم وأمس فإنه يقع به ثنتان، لأن إيقاع الطلاق اليوم لا يستلزم إيقاعه بالأمس، على أن الأمس قبل اليوم، فهو بالنسبة له حاضر: والقاعدة الماضية تقتضي أن البدء بالحاضر يستلزم اتحاد الطلاق لا تعدده، فالمثل الذي معناه وهو أنت طالق أمس اليوم قد بدئ فيه بالزمن الحاضر فلا يتعدد الطلاق.
فإن قلتم: إن الطلاق الواقع في اليوم لا يكون واقعاً في الأمس فيلزم طلاقان، طلاق في اليوم وطلاق في الأمس.
قلنا: إنه على هذا التأويل لا يكون فرق بين أنت طالق أمس واليوم، وبين أنت طالق اليوم وأمس لأن كلاً منهما يقال فيه: إن الواقع اليوم غير الواقع بالأمس على أن الإشكال لا يزال باقياً بالنسبة للبدء بالأمس فإنه بدء بالحاضر ومقتضاه عدم تعدد الطلاق فالحق أنه إذا قال لها: أنت طالق أمس واليوم يقع به طلقة واحدة لأن التي تطلق بالأمس تطلق اليوم وإذا قال لها: أنت طالق اليوم والأمس تطلق ثنتان فكأنه قال: أنت طالق واحدة اليوم قبلها واحدة أمس أما القاعدة المذكورة فإنها بالنسبة للحاضر والمستقبل كاليوم والغد فإذا أضاف الطلاق إلى زمن مبهم في الماضي كما
إذا قال لها: أنت طالق قبل أن أخلق أو قبل أن تخلقي، أو طلقتك وأنا صبي فإنه يلغو ولا يقع به شيء. كذا إذا قال لها: طلقتك وأنا نائم، أو طلقتك وأنا مجنون فإنه يلغو ولا يقع به شيء، لأن معناه إنكار طلاقها إذ لا طلاق لهؤلاء. وكذا إذا قال: أنت طالق مع موتي، أو مع موتك فإنه يلغو ولا يقع به شيء، لأنه نسب الطلاق إلى زمن لا تكون المرأة محلاً فيه للطلاق ولا يكون هو أهلاً.
وإذا قال لها: أنت طالق قبل موتي بشهرين، أو أكثر، فإذا مات قبل مضي شهرين من وقت الحلف فإنها لا تطلق، لأنه قد اشترط لوقوع الطلاق مضي شهرين قبل موته، وهو قد مات قبل تحقق الشرط فلا يقع. أما إذا مات بعد مضي شهرين، ففي المسألة خلاف، فأبو حنيفة يقول: إنها تطلق منه، ولكن لا يقتصر الوقوع على الموت، فلا يثبت الطلاق عند الموت فقط، بل الوقوع مستند إلى المدة التي عينها قبل الموت، فالحكم بالطلاق وإن كان عند الموت ولكن مستند إلى أول المدة التي عينها من وقت الحلف فالاستناد في اصطلاح الأصوليين هو ثبوت الحكم في الحال مستنداً إلى ما قبله بشرط بقاء المحل كل المدة.
ونظير ذلك الزكاة في النصاب فإن النصاب تجب فيه الزكاة عند الحول. ولكن الوجوب عند الحول مستند إلى وجوده من أول الحول فثبوت الحكم وهو وجوب الزكاة في النصاب مستند إلى مضي الزمن بحيث لو لم يمض عليه حول فإنه لا يجب فيه الزكاة، أما صاحباه فإنهما يقولان أنها تطلق طلاقاً مقتصراً على وقت الموت بدون استناد إلى الزمن الأول الذي عينه، ثم في وقت الموت لا يكون الرجل أهلاً للطلاق فيلغو، ولا يقع به شيء، والاقتصار مقابل للاستناد. فهو عبارة عن ثبوت الحكم في الحال بدون نظر إلى الزمن الذي قبله. هذا، ولم تظهر لهذا الخلاف ثمرة، نعم قال بعضهم: إن المرأة - على رأي الإمام - لا ترث لأنه قد اعتبر طلاقها من أول المدة، فعند موته يكون قد مضى على طلاقها شهران على الأقل فتكون عدتها قد انقضت، لأنها قد تحيض ثلاث حيض في شهرين، وبذلك يموت عنها بعد انقضاء عدتها، فلا يكون لها الحق في ميراثه، ولكن هذا القول غير سديد، لأن الذي يطلق امرأته بهذه الحالة يكون فاراً بطلاقها من الميراث، سواء طلقها وهو مريض، أو طلقها وهو صحيح، أما الأول فظاهر، لأنه يكون قد طلقها في المرض الذي مات فيه، فلا يسقط ميراثها، وأما الثاني فلأننا إذا فرضنا أن عدتها تبتدئ من أول الوقت الذي عينه بالحلف ثم مات بعد شهرين فإن عدتها لا تنقضي بموته، إذ المعلوم أن عدة امرأة الفار أبعد الأجلين فتعتد عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشر، فيبقى لها بعد موته في العدة شهران وعشرة أيام فترثه، على أن الإمام قال: إن عدتها تبتدئ من وقت الموت لا تبتدئ من أول المدة التي عينها بالحلف، لأن سبب العدة، وهو وقوع الطلاق مشكوك فيه، إذ قد يموت قبل انقضاء الشهرين، فلا يقع، والعدة لا تثبت مه الشك في سببها، وبهذا يتضح أنها ترث على كل حال.
وإذا قال لها: أنت طالق كل يوم، فإنه يلزمه طلاق واحد إذا لم تكن له نية، أما إذا نوى تطليقها كل يوم طلقة، فإنها تطلق منه ثلاث طلقات في ثلاثة أيام، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق في كل يوم، فإنه يلزمه ثلاث طلقات في ثلاثة أيام، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق في كل يوم، فإنه يلزمه ثلاث طلقات في ثلاثة أيام نوى أو لم ينو، والفرق أن قوله: أنت طالق كل يوم بدون نية معناه أن كل يوم يتصف فيه طلاقها بالوقوع، فكأنه قال: طلاقك واقع في هذا اليوم وفي اليوم الذي بعده، وهكذا، ووصف الطلاق بالوقوع كل يوم لا يلزم منه تعدده كل يوم، فإذا نوى تعدده كل يوم صحت نيته، أما قوله: أنت طالق في كل يوم فمعناه أن كل يوم ظرف لوقوع الطلاق، فكأنه قال: في كل يوم وقوع الطلاق فيتعدد الوقوع كل يوم.
وإذا قال لها: أنت طالق كل جمعة، ولم ينو شيئاً لزمه طلاق واحد، وكذا إذا نوى بالجمعة الأسبوع كله فإنها لا تلزمه إلا واحدة، أما إذا نوى يوم الجمعة بخصوصه فإنه يلزمه ثلاث طلقات بمضي ثلاث جمع لوجود الفاصل بين أيام الجمع التي أرادها فتطلق منه في أول جمعة ثم يقع الفصل بينها وبين الجمعة التي تليها بالسبت والأحد الخ، ومتى وجد الفاصل تعدد الطلاق، فإذا قال لها: أنت طالق في كل جمعة لزمه الثلاث في ثلاث جمع وإن لم ينو، كما تقدم في قوله: أنت طالق في كل يوم، وإذا قال لها: أنت طالق كل شهر طلقت واحدة وإن لم ينو طلاقها في كل شهر، فإن نوى لزمه ثلاث في ثلاثة أشهر، أما إذا قال لها: أنت طالق في كل شهر فإنه يلزمه الثلاث وإن لم ينو. وإذا قال لها: أنت طالق رأس كل شهر لزمه ثلاث عند أول كل شهر طلقة وإن لم ينو، وذلك لأن رأس الشهر أوله، وقد عينه باللفظ الدال عليه، وهو - رأس - فبين رأس الشهر الأول ورأس الشهر الثاني الفاصل بالأيام التي تليه، ومتى وجد الفاصل تعدد الطلاق، كما عرفت، وهذا بخلاف قوله: أنت طالق كل شهر، فإن الشهر متصل واحد، ومعناه أن الطلاق متصف بالوقوع كل شهر، وهو كذلك ما لم ينو، كما تقدم في اليوم.
هذا إذا أضاف الطلاق إلى الزمان، أما إذا أضافه إلى المكان، كما إذا قال لها: أنت طالق في مصر أو في مكة، أو في بلدك، أو في الدار، أو في الظل، أو الشمس، فإنه تطلق في الحال فإذا قال: أردت التعليق، أعني إذا دخلت مصر، أو مكة، فإنه لا يصدق قضاء، ويصح ديانة بينه وبين الله.
أما تعليق الطلاق على الزمان الماضي، أو المستقبل إن كان ممكناً، أو واجباً، أو مستحيلاً عقلاً، أو شرعاً، أو عادة، فاقرأ حكمه مفصلاً في الجزء الثاني.
المالكية - قالوا: إذا أضاف الطلاق إلى الزمان فإن ذلك يكون على وجوه:
أحدها: أن يضيفه إلى الزمان الماضي، كما إذا قال لها: أنت طالق أمس، ونوى بذلك إنشاء طلاقها، وفي هذه الحالة تطلق منه في الحال، وإذا ادعى أنه قال ذلك هازلاً، وهو يريد الإخبار بطلاقها كذباً لا يصدق قضاء، ولكن يصدق عند المفتي، فله أن يفتيه بعدم الوقوع بينه وبين الله. وإذا أضافه إلى وقت موته، أو موتها، كما إذا قال لها: أنت طالق يوم موتي، أو يوم موتك، فإنها تطلق منه في الحال، وذلك لأنه أضاف الطلاق إلى أمر محقق الوقوع، وهو حصول الموت له أو لها، فإن لم تطلق منه الآن كانت حلالاً له مدة معينة، ومدة حياتها، فيكون ذلك شبيهاً بنكاح المتعة المحدد له زمن معين، وهو باطل، ومن باب أولى أن يقول لها: أنت طالق قبل موتي سواء قدر زمناً أو لا، فإنها تطلق منه حالاً، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق بعد سنة، أو بعد شهر، أو بعد جمعة، فإنها تطلق منه حالاً للعلة المذكورة، أما إذا قال لها: أنت طالق بعد موتي، أو بعد موتها فإنها لا تطلق بذلك، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق إن مت، أو إذا مت، أو متى مت، أو إن مت أنت الخ، فإنه لا شيء عليه، وهذا بخلاف ما إذا قال: أنت طالق بعد موت زيد، أو إن مات زيد، أو يوم موته، أو بعد موته فإنها في هذه الحالة تطلق عليه حالاً، وإذا قال لها: طلقتك وأنا صبي، أو وأنا مجنون وكانت زوجة له وهو متصف بذلك، فإنه لا يقع عليه شيء، وإذا علق الطلاق على فعل ماضي يستحيل وجوده عقلاً، أو عادة، أو شرعاً، فإن طلاقه يقع على الفور، كما إذا قال: الطلاق يلزمني، لو جاء زيد أمس لجمعت بين وجوده وعدمه، فالجمع بين الوجود والعدم مستحيل عقلاً، وهو وإن كان قد امتنع لامتناع مجيء زيد، وامتناعه ليس مستحيلاً، بل واجباً، ولكن الطلاق بحسب الظاهر مرتبط بالجمع بين الوجود والعدم، فلذا وقع منجزاً، وكذا إذا علقه
على فعل مستحيل عادة، كما إذا قال: يلزمني الطلاق لو جاء زيد أمس لوضعته في سماء الدنيا، فإن ذلك مستحيل عادة، فيقع طلاقه فوراً، وكذا إذا علقه على فعل واجب شرعاً، كقوله: لو جاء زيد أمس لقضيته دينه، فإنه في كل ذلك يقع فوراً، وإذا عليقه على فعل جائز شرعاً، كقوله يلزمني الطلاق لو جئتني أمس لتعشيت معك، أو لأطعمتك فاكهة، ففيه خلاف، بعضهم يرى وقوع الطلاق فوراً بهذا، وهو ضعيف. والمعتمد أنه لا يقع به شيء إن كان جازماً بالفعل، بحيث أنه حلف وهو جازم بأنه لو جاءه حقيقة لأطعمه، أما إن كان كاذباً فيما يقول: فإن طلاقه يقع.
وإذا علقه على فعل ماض واجب فإنه لا يحنث، سواء كان واجباً عقلاً، أو شرعاً، أو عادة، فمثال الأول أن يقول: عليه الطلاق لو جاءه أمس لم يجمع بين وجوده وعدمه، ومثال الثاني أن يقول: لو كنت غير نائم أمس لصليت الظهر، ومثال الثالث أن يقول: لو رأيت أسداً أمس لفررت منه فإن الفرار من الأسد واجب عادة. وإذا علق على فعل مستقبل ممتنع عقلاً، أو عادة، أو شرعاً فإنه لا يحنث، مثال الأول أن يقول لها: أنت طالق إن جمعت بين الضدين، ومثال الثاني أن يقول لها أنت طالق إن لمست السماء ومثال الثالث أن يقول لها: إن زنيت فأنت طالق، لأنه علق الطلاق على الزنا في المستقبل، وهو ممتنع شرعاً، وهذا بخلاف ما إذا قال لها إن لم أجمع بين الضدين فأنت طالق، أو إن لم ألمس السماء فأنت طالق، أو إن لم تزن فأنت طالق، فإن الطلاق يقع منجزاً في الحال ويقع للصيغة الأولى: صيغة بر، وللثانية صيغة حنث.
هذا وقد تقدم ما يوضح ذلك في كتاب الإيمان. أول الجزء الثاني.
الشافعية - قالوا: إذا أضاف الطلاق إلى الزمان المستقبل فإنه يقع عند أول جزء من ذلك الزمان. فإذا كان في شهر شعبان مثلاً. وقال: أنت طالق في شهر رمضان طلقت منه في أول جزء من ليلة أول يوم في رمضان. فإذا كان أول رمضان يوم الخميس تطلق بغروب شمس يوم الأربعاء الذي قبله. ولو رأى الهلال قبل غروب الشمس، ومثل ما إذا قال لها: أنت طالق في غرته أو أوله، أو رأسه. أما إذا قال لها: أنت طالق في نهار شهر شعبان، أو في أول يوم منه فإنه تطلق في فجر أول يوم منه، وإذا قال لها: أنت طالق في آخره تطلق في آخر جزء من أيامه.
هذا إذا كان في شهر شعبان، فإن قال لها: أنت طالق في رمضان بعد أن مضى خمسة أيام من رمضان مثلاً، فإنها تطلق في أول جزء من رمضان في السنة الآتية، وبعضهم يقول: بل تطلق منه في الحال، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت طالق شهر رمضان، أو شعبان، فإنه يقع حالاً، سواء كان في الشهر الذي عينه أو لا، وإذا قال لها، وهو في الليل: أنت طالق إذا مضى يوم تطلق بغروب شمس الغد، وإذا قال لها ذلك، وهو في النهار تطلق بغروب شمس اليوم التالي، أما إذا قال لها: إذا مضى اليوم فأنت طالق، وكان في أول اليوم نهاراً، فإنها تطلق بغروب شمس ذلك اليوم، أما إذا قال لها: أنت طالق بمضي ذلك اليوم، وهو في الليل، فإنه يكون لغواً، ولا يقع به شيء، لأنه لم يكن في اليوم، بل كان في الليل، فلا معنى لقوله: أنت طالق اليوم، وهذا بخلاف ما لو قال لها: أنت طالق اليوم، فإنه يقع حالاً، سواء كان في الليل، أو في النهار. وذلك لأنه أوقع الطلاق في الوقت الذي هو فيه، وتسميته نهاراً وهو في الليل لا تؤثر في ذلك.
وإذا قال لها: أنت طالق بمضي شهر، أو سنة تطلق إذا مضى شهر كامل وسنة كاملة غير الشهر الذي هو فيه، وغير السنة التي هو فيها، أما إذا قال لها: أنت طالق إذا مضى الشهر أو السنة فإنه يقع في أول الشهر الذي يليه وفي أول السنة التي تلي السنة التي هو فيها، فيقع في أول يوم من المحرم.
أما إذا أضاف الطلاق إلى الزمن الماضي، كما إذا قال لها: أنت طالق أمس أو الشهر الماضي، فإنه يقع حالاً، سواء قصد إيقاعه حالاً، أو قصد إيقاعه أمس، أو لم يقصد شيئاً.
هذا، وقد عرفت مما تقدم في مباحث الإيمان - في الجزء الثاني - أن المحلوف عليه إن كان واجباً عقلاً، أو عادة، كقوله: عليه الطلاق ليموتن، أو لا يصعد إلى السماء، فإنه لا ينعقد ويكون لغواً، وإن كان ممكناً عقلاً، وعادة فإنه ينعقد، كما إذا قال: عليه الطلاق ليدخلن هذه الدار، أو لا يدخلها، فإن دخولها وعدم دخولها ممكن عقلاً وعادة، وكذا ينعقد إذا كان مستحيلاً عادة، كقوله: عليه الطلاق ليصعدن إلى السماء، أو ليحملن الجبل ويقع الطلاق في الحال زجراً لصاحبه الخ ما هو مفصل هناك. فارجع إليه.
الحنابلة - قالوا: إذا أضاف الطلاق إلى الزمن الماضي، فقال لها أنت طالق أمس، أو أنت طالق قبل أن أتزوجك، فإنه إذا نوى به الطلاق في الحال وقع الطلاق في الحال، فإن لم ينو وقوعه في الحال بأن أطلق ولم ينو شيئاً. أو نوى إيقاعه في الماضي لم يقع الطلاق وذلك لأن الطلاق رفع لحل الاستمتاع، وهو لا يملك رفع الحل في الزمن الماضي، لأنه وجد بالفعل وانقضى، فلا معنى لرفعه، وإن كانت متزوجة بزوج قبله وطلقها، فقال: إنه أراد الإخبار عن طلاق زوجها الأول فكأنه قال: أنت طالق من زوجك الأول، فإنه يقبل قوله، ومثل ذلك ما إذا كان قد تزوجها هو ثم طلقها ثم تزوجها ثانياً وقال: إنه أراد الإخبار عن الطلاق الأول، فإنه يقبل منه، إلا إذا وجدت قرينة تمنع إرادة ذلك، كما إذا كانا في حالة غضب أو سألته الطلاق فإنه في هذه الحالة لا يصدق في قوله.
وإذا قال لها: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم زيد قبل انقضاء الشهر فإنها لا تطلق بل لا بد في طلاقها من انقضاء الشهر قبل قدومه، حتى لو قدم مع بقاء آخر جزء من الشهر لا تطلق، ومن حلف على زوجته بمثل هذا اليمين فإنه يجب عليه أن لا يقربها بعد ذلك، فإذا فعل حرم عليه إذا كان الطلاق بائناً، وللزوجة النفقة حتى يتبين وقوع الطلاق، فإن قدم بعد انقضاء شهر وجزء يسع وقوع الطلاق فإنه يقع الطلاق في ذلك الجزء، ويتبين أيضاً أن وطأه إياها في أثناء هذا الشهر حرام، ويلزمه به مهر مثلها بما نال من فرجها إن كان الطلاق بائناً، فإن كان رجعياً فلا يكون محرماً وتحصل به رجعتها.
وإذا أضاف الطلاق إلى الزمن المستقبل وقال لها: أنت طالق غداً فإنها تطلق عند طلوع فجر الغد ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق يوم السبت، أو أنت طالق في رجب فإنها تطلق في أول جزء منه، وله في هذه الحالة أن يطأ زوجته قبل حلول وقت الطلاق، وإذا قال أردت آخر لغد أو آخر رجب، فإنه لا يسمع قوله لا ديانة ولا قضاء.
وإذا قال لها: أنت طالق اليوم طلقت في الحال، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق في هذا الشهر الذي هو فيه فإنها تطلق حالاً، فإذا قال إنه أراد آخر الوقت، فإنه يصدق ديانة وحكماً.
وإذا قال: أنت طالق في أول رمضان أو رأسه طلقت في أول جزء منه، ولا يصدق في قوله: إنه أراد وسطه، أو آخره. أما إذا قال: في غرة رمضان، إنه أراد اليوم الأول، أو الثاني، أو الثالث فإنه يصدق، لأن الثلاثة الأول من الشهر تسمى غرراً، وإن قال: بانقضاء رمضان، أو بآخره، أو في انسلاخه طلقت في آخر جزء منه، وإن قال: أنت طالق اليوم، أو غداً طلقت في الحال، وإن قال: أنت طالق غداً، أو بعد غد طلقت في الغد، لأنه هو السائل، وإذا قال لها: أنت طالق اليوم وغداً وبعد غد طلقت واحدة بأنت طالق اليوم، لأن التي تطلق اليوم تطلق غداً، وبعد غد، بخلاف ما إذا قال: أنت طالق في اليوم، وفي غد، وبعد غد، فإنها تطلق ثلاثاً، وذلك لأنه في الصورة الأولى لم يكرر لفظ - في -، أما في الصورة الثانية فقد كررها وتكرارها دليل على أنه يريد تكرار الطلاق وإذا قال لها: أنت طالق كل يوم لزمه طلاق واحد، بخلاف ما إذا قال: أنت طالق في كل يوم، فإنه يلزمه ثلاث طلقات في ثلاثة أيام لتكرار في. وإذا قال لها: أنت طالق قبل موتي أو موتك بشهر، فإنه إن مات أحدهما قبل مضي الشهر لم تطلق، وإذا مات بعد الحلف بشهر وساعة يمكن فيها إيقاع الطلاق وقع الطلاق، ولا ترث المرأة في هذه الحالة إن طلاقها بائناً، لأنه لا يتصور في هذا اليمين الفرار من الميراث، إلا أن يكون الطلاق رجعياً فإنه لا يمنع التوارث ما دامت في العدة.
وإذا قال لها: أنت طالق قبل موتي، أو موتك، أو موت زيد، ولم يقيد بزمن فإنها تطلق في الحال، وإن قال: قبيل موتي يقع الطلاق في آخر وقت من حياته، أي في الزمن الذي وقع بعده موته مباشرة، وإذا قال: أنت طالق بعد موتي، أو مع موتي لم تطلق لأنها لا تكون محلاً للطلاق في هذه الحالة.
وإذا علق طلاقها على فعل مستحيل عقلاً، أو عادة. كقوله: إن جمعت بين الضدين فأنت طالق أو إن طرت إلى السماء فأنت طالق أو إن شربت ماء فأنت طالق لا يقع بذلك شيء بخلاف ما إذا علق الطلاق على عدم الفعل المستحيل، كقوله: هي طالق إن لم أشرب ماء هذا الكوز ولا ماء فيه، فإنها تطلق في الحال، أو إن لم أصعد إلى السماء، أو إن لم أجمع بين الضدين، وقد تقدم مزيد لذلك في الأيمان في الجزء الثاني، فارجع إليه) .


ابوالوليد المسلم 21-06-2022 05:56 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب الطلاق]
صـــــ 322 الى صــــــــ
341
الحلقة (208)



مبحث إذا وصف الطلاق أو شبهه بشيء
-إذا قال لها: أنت طالق طلقة شديدة، أو عريضة، أو قال لها: أنت طالق كالجبل ونحو ذلك. فإن فيه تفصيل المذاهب (1) .
مبحث هل للزوج أن ينيب زوجته أو غيرها في الطلاق
-قد عرفت أن الرجل هو الذي يملك الطلاق دون المرأة. وذلك لأمرين:
أحدهما: أن الشريعة قد كلفت الرجل بالإنفاق على المرأة وأولادها منه حال قيام الزوجية وبعدها إلى أمد معين، وكلفته أيضاً بأن يبذل لها صداقاً قد يكون بعضه مؤجلاً إلى الطلاق، وأن يدفع لها أجرة حضانة ورضاع إن كان له منها أولاد في سن الحضانة والرضاع وهذا كله يستلزم نفقات يجب أن يحسب حسابها بعد الفراق، فمن العدل أن يكون الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة، لأنه هو الذي يغرم المال، وربما كان عاجزاً عن القيام بالانفاق على مطلقته وعلى غيرها، فلا يندفع في الطلاق، ويترتب على ذلك عدم تفرق الأسرة وانحلالها، أما لو كان الطلاق بيد المرأة فإنها لا تبالي بإيقاعه عند سورة الغضب، إذ ليس أمامها من التكاليف ما يحول بينها وبين إيقاع الطلاق، بل ربما زينت لها سورة الغضب إيقاع الطلاق كي ترغم الرجل على دفع حقوقها لترهقه بذلك انتقاماً منه، وذلك حيف ظاهر تتنزه عنه الشريعة الإسلامية التي هي من عند الله العليم الخبير.
ثانيهما: أن المرأة مهما أوتيت من حكمه فإنها سريعة التأثر بطبيعتها فليس لها من الجلد والصبر مثل ما للرجل، فلو كان الطلاق بيدها فإنها تستعمله أسوأ استعمال لأنها لا تستطيع ضبط نفسها كما يستطيع الرجل، فمن العدل والمحافظة على استمرار الزوجية وبقائها أن يكون الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة.
لعل بعضهم يقول: إن كثيراً من الرجال على هذا المنوال فهم لا يبالون أن يحلفوا بالطلاق لأقل الأمور شأناً وأحقرها منزلة. بل بعضهم يحلف بالطلاق لمناسبة ولغير مناسبة، وكأن الطلاق من كلمات التسلية واللعب، والجواب: أن الشريعة الإسلامية لم تشرع لهؤلاء الجهلة فاسدي الأخلاق الذين لا يعرفون من الإسلام إلا أنهم مسلمون فحسب، وإنما شرعت للمسلمين حقاً الذين يستمعون قول الله وقول رسوله فيعملون به، فلا ينطقون بالطلاق إلا لحاجة تقتضيه، أما هؤلاء المستهترون الذين لا يبالون بأمر الله ولا ينفذون قول رسول الله، فإن الله لا يعبأ بهم.
وإذا كان الطلاق ملكاً للرجل وحده كان من حقه أن ينيب عنه غيره، سواء كان النائب زوجته أو غيرها، وفي ذلك تفصيل المذاهب (2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: هذا المبحث يشتمل على أمور:أحدها: أن يصف الطلاق بصفة كما ذكر في الأمثلة المذكورة، وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة، وذلك لأن الصفة تشعر بالزيادة على أصل المعنى وتجب البينونة، ويشترط أن يقول: أنت طالق طلقة شديدة أو تطليقة شديدة، فإن لم يذكر التطليقة، بأن قال: أنت طالق شديدة، أو قال: أنت طالق عريضة، أو قوية، أو طويلة، فإنه يلزمه بذلك طلقة رجعية لا بائنة، لأن الصفة في هذه الحالة ليست للطلاق بل للمرأة، ويقع واحدة بائنة أيضاً بقوله: أنت طالق طلقة طول الجبل، أو عرض الأرض ونحو ذلك.
ثانيها: أن يصف الطلاق بأفعل التفضيل، كأن يقول: أنت طالق أفحش الطلاق، أو أشر الطلاق، أو أخبثه، أو أشده، أو أكبره، أو أعرضه، أو أطوله، أو أغلظه، أو أعظمه، وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة، كالصورة الأولى، وذلك لأن أفعل يدل على التفاوت، فالطلاق الذي يوصف به يكون أقوى من غيره، وهذا معنى البائن.
ثالثاً: أن يشبه الطلاق بشيء عظيم، كأن يقول لها: أنت طالق طلقة كالجبل، وحكم هذا أنه يقع به طلقة بائنة كالذي قبله، وذلك لأن التشبيه يقتضي الزيادة، وهي معنى البينونة، وبعضهم يقول: إنه لا يقع به بائن إلا إذا صرح بلفظ العظم، بأن يقول: أنت طالق طلقة كعظم الجبل، وهو أبو يوسف.
رابعها: أن يشبه الطلاق بشيء حقير ولم يذكر العظم، كأن يقول لها: أنت طالق طلاقاً كرأس الإبرة، وفي هذا خلاف، والمعتمد أنه يقع به البائن، وهو رأي الإمام، فإذا ذكر لفظ العظم، بأن قال لها: أنت طالق طلاقاً كعظم رأس الإبرة، فقال بعضهم: إنه يكفي في البينونة وقال بعضهم: لا يكفي.
والحاصل أنه إذا قال لها: أنت طالق طلاقاً كعظم الجبل وقع بائناً باتفاق، فإذا قال: كالجبل ولم يقل: كعظم الجبل يقع بائناً عند أبي حنيفة وزفر، ويقع رجعياً عند أبي يوسف، لأن الشرط عنده ذكر لفظ - العظم - وإذا قال: أنت طالق كرأس الإبرة وقع بائناً عند أبي حنيفة فقط، وإذا قال: كعظم رأس الإبرة وقع بائناً عند أبي يوسف، وأبي حنيفة، لأن أبا يوسف يكتفي بذكر العظم، ولو كان المشبه به حقيراً، أما زفر فإنه يشترط أن يكون المشبه به عظيماً في ذاته ولو لم يذكر لفظ العظم فلا يقع به البائن عنده.
وإذا قال لها: أنت طالق كألف، فإن أراد التشبيه في العدد لزمه الثلاث، وإن أراد التشبيه في العظم لزمه طلاق واحد بائن.
هذا، وإذا نوى بأي لفظ من الألفاظ المتقدمة الثلاث فإنه يلزمه ما نواه، لما علمت أن نية الثلاث تصح بخلاف نية الاثنتين.
وإذا قال لها: أنت طالق طلاق البدعة ولا نية له، فإنه يقع به واحدة بائنة، وقيل لا تقع بائنة إلا إذا نوى واحدة بائنة، وإن نوى الثلاث فثلاث، أما إذا لم ينو فإنه يقع بها واحدة رجعية إن كانت المرأة حائضاً، أو نفساء أو في طهر جامعها فيه، فإن لم تكن كذلك فلا تطلق حتى تحيض، أو يجامعها في الطهر، لأن طلاق البدعة هو أن تكون حائضاً، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه كما تقدم.
وإذا قال لها: أنت طالق طلاق الشيطان طلقت منه بائنة، وإذا قال لها: أنت طالق ملء البيت، فإن كان عرضه الكثرة في العدد طلقت ثلاثاً، وإن كان عرضه طلقة عظيمة كالشيء العظيم الذي يملأ البيت بعظمه لزمته واحدة بائنة، وإذا قال لها: أنت طالق بائن أو البتة يقع به واحدة بائنة أيضاً، وإذا نوى بقوله: طالق واحدة، وبقوله: بائن طلقة أخرى لزمه ثنتان، وذلك لأنه وإن وقع بلفظ طالق واحدة رجعية ولكن وصفها بالبائن بعد ذلك جعلها بائنة إذ لا يمكن رجعتها في هذه الحالة، وإذا عطف بالواو، أو ثم قال: أنت طالق وبائن، أو ثم بائن ولم ينو شيئاً لزمه واحدة رجعية، وإن نوى أكثر لزمه ما نوى، أما إذا عطف بالفاء، قال: أنت طالق فبائن فإنه يلزمه طلقتان وإن لم ينو، والفرق أن الفاء للتعقيب بلا مهلة، والبينونة التي تعقب الطلاق بلا مهلة تجعله بائناً، فكأنه قال لها: أنت طالق بائن، بخلاف العطف بثم فإنه للتراخي، والبينونة التي يوصف بها الطلاق متراخياً تلغى، أما العطف بالواو فإنه يحتمل الأمرين: التعقيب، والتراخي، فيحمل على التراخي، وإذا قال لها: أنت طالق طلقة تملك بها نفسك لزمه طلاق بائن لأنها لا تملك نفسها إلا بالبائن، وإذا قال لها: أنت طالق أكثر الطلاق وكثيره فإنه يلزمه الثلاث، ولو قال: إنه أراد اثنتين لا يسمع منه لا قضاء ولا ديانة، لأن أكثر الطلاق وكثيره ثلاث على الراجح، مثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق بالثمانين، أو ألف طلقة، أو ألوفاً، أو مراراً، فإنه يلزمه بذلك الثلاث، وإذا قال لها: أنت طالق لا قليل ولا كثير لزمه ثلاث، وذلك لأن قوله: لا قليل معناه الكثير، فتقع الثلاث، وقوله بعد ذلك ولا كثير لا قيمة له، وقيل يلزمه ثنتان، لأن كثير الطلاق ثنتان، والقولان مرجحان، فلو عكس وقال لها: أنت طالق لا كثير ولا قليل يلزمه واحدة، لأن
نفي الكثير يصدق بالقليل، وهو الواحدة، فقوله بعد ذلك ولا قليل ملغى، لأنه لا يملك نفي الواقع، وقيل يقع ثنتان، لأنه نفى الكثير والقليل فلزمه ما بينهما، وهو الاثنتان، لأنهما وسط، فلا يقال لهما كثير ولا يقال لهما قليل.
وإذا شبه بالعدد فيما لا عدد له تلزمه واحدة رجعية، فإذا قال لها: أنت طالق عدد التراب. أو عدد الشمس، أو عدد شعر بطن كفي، أو عدد ما في هذا الحوض من السمك، ولا سمك فيه، فإنه يلزمه واحدة رجعية بكل ذلك، أما إذا شبه بما له عدد، كشعر يده أو ساقه فإنه يلزمه الثلاث ما لم يكن المشبه به أقل، وإذا قال لها: أنت طالق عدد الرمل يلزمه ثلاث، والفرق بين الرمل والتراب أن التراب اسم جنس إفرادي يصدق على الكثير والقليل، كالماء والعسل أما الرمل فإنه اسم جنس جمعي لا يصدق على أقل من ثلاثة، ويفرق بينه وبين مفرده بالتاء كتمر وتمرة، ورمل ورملة، ومثل ذلك ما إذا أضافه إلى عدد مجهول، كقوله: أنت طالق كشعر إبليس فإنه يلزمه به واحدة.
خاتمة: إذا قال لها: لست لك بزوج أو لست لي بامرأة، فقيل: إنه كناية يقع به الطلاق بالنية،وقيل: لا يقع به شيء لأنه ليس من ألفاظ الكنايات، على أن القائل بوقوع الطلاق بها يقول: إنه رجعي لا بائن.
المالكية - قالوا: إذا وصف الطلاق بصفة لا تشعر بالشدة، كما إذا قال لها: أنت طالق أجمل الطلاق، أو أحسنه، أو خيره. أو نحو ذلك لزمته واحدة، إلا أن ينو أكثر فإنه يلزمه ما نواه أما إذا وصفه بصفة أفعل كقوله: أنت طالق شر الطلاق، أو أسمجه، أو أشده، أو أقذره أو أنتنه، أو أكثره فإنه يلزمه ثلاث طلقات منجزة، سواء دخل بها أو لم يدخل وإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً للسنة لزمه الثلاث في المدخول بها باتفاق، وفي غير المدخول بها قيل: تلزمه واحدة، وقيل: بل الثلاث، وهو الراجح.
وإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً للبدعة أو بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها، أما إذا قال لها: أنت طالق واحدة للبدعة، أو واحدة للسنة أو قال: واحدة لا للبدعة ولا للسنة، فإنه يلزمه واحدة ومثل ذلك ما إذا قال: أنت طالق للسنة أو للبدعة ولم يقيد بواحدة فإنه يلزمه واحدة ما لم ينو أكثر في كل هذا فإنه يعمل بما نواه.
وإذا شبه الطلاق بشيء كبير، أو عظيم، كما إذا قال: أنت طالق واحدة كالجبل، أو الجمل، أو القصر، ولم ينو بها أكثر، فإنه يلزمه واحدة. الشافعية - قالوا: إذا وصف الطلاق بصفة، سواء كانت على وزان أفعل أو لا، إلا ما نتق به أو نواه. فلو قال: أنت طالق طلقة واحدة. أو طلقة كبيرة، أو عظيمة، أو أعظم الطلاق، أو أكبره، أو أطوله، أو أعرضه، أو أشده، أو ملء الجبل أو ملء السماء والأرض فإنه يقع به واحدة ما لم ينو أكثر، فيلزمه ما نواه.
وإذا قال لها: أنت طالق أقل من طلقتين وأكثر من واحدة لزمه ثنتان. أما إذا قال لها: أنت طالق لا كثير ولا قليل لزمه واحدة، أما إذا قال لها: أنت طالق لا أقل الطلاق ولا أكثره فإنه يلزمه الثلاث، لأن قوله، لا أقل الطلاق معناه أكثره، وهو الثلاث فقوله بعد ذلك ولا أكثره لغو، لأنه لا يملك رفعه بعد وقوعه، وإذا نوى بقوله: لا أقل الطلاق ثنتان لزمه ثنتان وإذا قال لها: أنت طالق طلاق السنة أو طلقة حسنة، أو أحسن الطلاق أو أجمله، أو أنت طالق طلاق البدعة، أو طلقة قبيحة، أو أقبح الطلاق أو أفحشه، فإن أراد طلاق السنة بالأوصاف الحسنة، والطلاق البدعة بالوصاف القبيحة، ينظر إن كانت المرأة في طهر لا وطء فيه طلقت بالأوصاف الحسنة حالاً، لأنها متصفة بحالة السنة، وإن كانت حائضاً، أو في طهر جامعها فيه تطلق بالأوصاف القبيحة حالاً، وإلا طلقت عند تحقق الوصف، فإن كانت في طهر لم يجامعها فيه، وقال لها: أنت طالق للبدعة لا تطلق حتى تحيض، وإلا طلقت حالاً، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت طالق للسنة، وكانت حائضاً فإنها لا تطلق حتى تطهر ولم يجامعها في ذلك الطهر.
أما إذا نوى وصف الطلاق بالحسن لأن امرأته قبيحة لا يصح معاشرتها، فطلاقها حسن جميل، ولكنها كانت حائضاً وقع الطلاق في الحال وكذا إذا نوى وصفه بالقبح لأن امرأته حسنة الخلق وطلاقها قبيح، فإنه يقع في الحال ولو كانت في طهر لم يجامعها فيه، فلا تنتظر الحيض حتى يكون طلاقها قبيحاً. هذا كله إذا كانت المرأة ممن يتف طلاقها بالسنة أو البدعة، فإن كانت غير مدخول بها لا يتصف طلاقها بسني ولا بدعي، كما تقدم فإن طلاقها الموصوف بهذه الصفات يقع في الحال.
وإذا شبه الطلاق بعدد وقع بقدر هذا العدد، فلو قال لها أنت طالق كألف طلقة لزمه الثلاث وكذا إذا قال لها: أنت طالق عدد الرمل بخلاف أنت طالق عدد التراب فإنه يقع به واحدة كما يقول الحنفية، وإذا قال لها: أنت كمائة طالق، لزمه واحدة لأنه شبهها بمائة امرأة طالق، ولم يشبه طلاقها بمائة طلقة بخلاف ما إذا قال لها: أنت مائة طالق، فإنه يلزمه الثلاث كما يلزمه بقوله: أنت طالق مائة مرة، أو بالثمانين، وإذا قال لها: أنت طالق بعدد شعر إبليس لزمه طلاق واحد لأن شعر إبليس غير معلوم فيلغى العدد، وإذا قال لها: أنت طالق عدد ما لاح بارق أو عدد ما مشى الكلب حافياً، أو عدد ما حرك الكلب ذنبه لزمه الثلاث.
خاتمة إذا قال لها: أنت طالق كما حللت حرمت لزمه طلقة واحدة، وإذا قال لها: علي الطلاق الثلاث إن رحت دار أبيك فأنت طالق فقيل: يقع واحدة، وقيل يقع به ثلاث، والأول أظهر، لأن أول الصيغة ليس بيمين، فلا يقع به شيء.
الحنابلة - قالوا: إذا وصف الطلاق بصفة حسنة، كقوله: أنت طالق طلقة فاضلة، أو عادلة أو كاملة، أو جميلة، أو قال لها: أنت طالق أحسن الطلاق، أو أجمله، أو أقربه، أو أعدله، أو أكمله، أو أفضله، أو أتمه، فإنه يحمل كل ذلك على الطلاق السني، بمعنى أنها إن كانت في طهر لم يجامعها فيه وقع عليه الطلاق في الحال، لأنه هو الطلاق الحسن الجميل وإلا بأن كانت حائضاً أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، فإنها لا تطلق إلا إذا حاضت وطهرت طهراً لم يجمعها فيه إلا إذا نوى أن يقول لها: إن أحسن أحوالك هي أن تكوني مطلقة فإنه يقع في الحال وإذا ادعى أنه أراد وصف طلاقها بالحسن لقبيح معاشرتها، بمعنى إن كانت قبيحة المعاشرة كان طلاقها حسناً جميلاً لم يقبل قوله إلا بقرينة لأنه خلاف الظاهر.
وعلى عكس ذلك إذا وصف طلاقها بصفة قبيحة، كما إذا قال لها: أنت طالق أسمج الطلاق أو أردأه، أو أنتنه، ونحو ذلك طلقت للبدعة بمعنى أنها إن كانت حائضاً، أو نفساء أو كانت في طهر جامعها فيه فإنها تطلق حالاً، وإلا طلقت عند الحيض أو الطهر الذي جامعها فيه، وأما إذا نوى أن يصف حالها بالقبح، بمعنى أن أقبح أحوالها هي الحالة التي تطلق فيها فإنها تطلق في الحال أما إذا نوى أن يصف طلاقها بالقبح لحسن معاشرتها، فكأنه يقول لها: إن طلاقك قبيح لحسن معاشرتك فإنه لا يصدق إلا بالقرينة، كما ذكر أولاً.
هذا كله إذا كانت مدخولاً بها غير حامل، وإلا طلقت في الحال، وإذا قال لزوجته: أنت طالق واحدة بائنة، أو واحدة بتة وقعت واحدة رجعية لأنه وصف الواحدة بغير وصفها، فألغي الوصف.
وإذا قال لها: أنت طالق كل الطلاق، أو أكثر بالثاء أو أنت طالق جميعه، أو منتهاه، أو غايته لزمه الثلاث وإن نوى واحدة، وكذا إذا قال لها: أنت مائة طالق أو يا مائة طالق، فإنه يلزمه الثلاث، ومثل ذلك ما إذا شبه الطلاق بشيء يتعدد كعدد الحصى أو التراب أو الرمل أو القطر، أو الريح، أو الماء، أو النجوم، أو الجبال، أو السفن، أو البلاد فإنها تطلق في كل ذلك ثلاثاً، وكذا إذا قال لها: أنت طالق كألف، أو كمائة، فإن نوى التشبيه في الشدة لا في العدد يسمع منه قضاء.
وإذا قال: أنت طالق أشد الطلاق أو أغلظه، أو أكبره، أو أطوله، أو أعرضه، أو ملء الدنيا، أو ملء البيت أو مثل الجبل أو مثل عظم الجبل، فإنه يقع بكل هذا واحدة رجعية ما لم ينو أكثر) .
(2) (الحنفية - قالوا: للرجل أن ينيب عنه امرأته في تطليق نفسها منه. كما له أن ينيب عنه غيرها، في الطلاق على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: الرسالة، وهو أن يرسل لها رسولاً يخبرها بأن زوجها يقول لها: اختاري، فالرسول ينقل عبارة الزوج إلى المرأة، فلم ينشئ عبارة من نفسه، فإذا نقل لها الرسول ذلك واختارت نفسها بالشرائط الآتية طلقت منه.
الوجه الثاني: التوكيل، وهو أن يقيم الزوج غيره مقام نفسه في تطليق امرأته، سواء كانت المرأة نفسها. أو غيرها إلا أن المرأة لا يمكن أن تكون وكيله، لأن الوكيل يعمل عملاً للغير، أما المرأة، فإنها تطلق نفسها فلا يعمل لغيرها، وعلى هذا يكون توكيلها تفويضاً، ولو صرح بالتوكيل كما سيأتي توضيحه قريباً، والفرق بين الرسول والوكيل أن الرسول ينقل عبارة الزوج ولا ينشئ عبارة من نفسه، أما الوكيل فإنه يعبر بعبارته فلم ينقل عبارة موكله.
الوجه الثالث: التفويض، وهو تمليك الغير الطلاق، ويفرق بين الوكالة والتفويض، بأن المفوض مالك يعمل بمشيئته، بخلاف الوكيل فإنه يعمل لمشيئته موكله، ويختلف كل من التوكيل والتفويض في عدة أحكام، منها أن الزوج المفوض لا يملك الرجوع بعد التفويض فإذا قال لامرأته: طلقي نفسك فإنها تملك الطلاق بمجرد قوله هذا، ولو لم تقل: قبلت، وليس له أن يقول: قد رجعت أو قد عزلتك بخلاف التوكيل، فإن له أن يعزل وكيله، فإذا قال لشخص أجنبي: طلق امرأتي فإن له أن يقول بعد ذلك: عزلتك، لأن هذه العبارة توكيل، وله أن يبطل توكيله بوطء زوجته، ومنها أن التفويض لا يبطل بجنون الزوج، بخلاف التوكيل، ومنها أنه لا يشترط في المفوض إليه أن يكون عاقلاً، فإذا فوض لامرأته المجنونة أو فوض لصغير لا يعقل وطلق امرأته أو طلقت نفسها وقع الطلاق بخلاف الوكيل فإنه يشترط فيه أن يكون عاقلاً من أول الأمر، والفرق بين الحالتين أنه في الحالة الأولى قد ملك الزوج الطلاق الذي له إيقاعه للمجنون، فالمجنون أوقع ما أعطاه إياه، نعم إذا فوض الطلاق إلى عاقل ثم جن فإن التفويض يبطل، لأنه ملكه وهو عاقل، ومنها أن التفويض يتقيد بالمجلس، فإذا قام المفوض إليه من المجلس قبل أن يطلق أو يختار بطل التفويض، كما سيأتي قريباً.
ثم إن التفويض ينقسم إلى قسمين: صريح، وكناية، وألفاظ الصريح، كأن يقول لزوجته: طلقي نفسك، أو يقول لها طلقي نفسك إذا شئت أو متى شئت، أو نحو ذلك، فلذلك تفويض الطلاق إلى المرأة تملك به تطليق نفسها في المجلس، حتى ولو قال لها: وكلتك في تطليق نفسك، فإن هذا وإن كان قد صرح فيه بلفظ التوكيل، ولكن المرأة في هذه الحالة لا تنطبق عليها الوكالة لأن الوكيل يعمل لغيره، وهي تطلق نفسها، فلا تعمل لغيرها، فكلمة الوكالة لا تخرج العبارة عن التفويض، ومثل ذلك ما إذا قال لغير امرأته، طلق امرأتي متى شئت، أو إذا ما شئت، أو إذا شئت وكذا إذا قال لامرأته: طلقي ضرتك إذا شئت، أو متى شئت الخ أما إذا قال للأجنبي: طلق امرأتي أو قال لامرأته طلقي ضرتك، ولم يقيد ذلك بالمشيئة، فإنه يكون توكيلاً لا تفويضاً. أما الكناية فهي لفظان، أحدهما أن يقول: اختاري. ثانيهما: أن يقول: أمرك بيدك.
ومن هذا يتبين أن ألفاظ التفويض ثلاثة: أحدها الصريح، سواء كان مقيداً بالمشيئة أو لا. ثانيها: اختاري. ثالثها: أمرك بيدك، وهما كناية لا يقع بهما الطلاق إلا بثلاثة شروط:
أحدها: أن ينوي الزوج بها الطلاق.
ثانيها: أن تنوي الزوجة كذلك.
يتبع


ابوالوليد المسلم 21-06-2022 05:58 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب الطلاق]
صـــــ 322 الى صــــــــ
341
الحلقة (209)



ثالثها: أن تضيف الطلاق إلى نفسها وإلى زوجها، كما تقدم في مبحث إضافة الطلاق، على أن دعوى عدم النية لا تسمع من الزوج قضاء إذا كانا في حالة غضب، أو حالة مذاكرة الطلاق، ولكن ينفعه ذلك بينه وبين الله.
ويشترط لصحة التفويض بألفاظه الثلاثة أن لا يقع التطليق به في المجلس، فإذا شافهها بقوله: طلقي نفسك لزمها أن تطلق نفسها في المجلس الذي شافهها وهي جالسة فيه وكذا إذا علمت بأنه فوض إليها الطلاق وهي غائبة، فإنها يلزمها أن تطلق نفسها في المجلس الذي علمت فيه بحيث لو انتقلت منه يبطل التفويض، ومثل ذلك ما إذا فوض إلى غير الزوجة فإنه يلزمه أن تطلق في المجلس. ولا يشترط أن تطلق نفسها فوراً، بل لو مكثت في مكانها يوماً أو أكثر بدون أن تتحول منه فإن لها ذلك، وكذا لا يشترط حضور الزوج المفوض، إنما الشرط أن لا تتحول عن مكانها الموجودة فيه، وأن لا تعمل عملاً يدل على الاعراض عن تطليق نفسها. فإن تحولت عن المجلس بالانتقال إلى مكان آخر بطل التفويض، وكذا إن عملت عملاً يدل على الانصراف عن ذلك، وإن لم تتحول من مكانها وذلك كما إذا كانت جالسة فقامت، أو تكلمت بكلام أجنبي يدل على انصرافها عن الموضوع، أو شرعت في خياطة ثوبها مثلاً، أو عملت عملاً يفيد الإعراض، أما إذا عملت عملاً لا يدل على الإعراض والانصراف، كأن لبست ثوباً، أو شربت ماء، أو كانت قائمة فجلست، أو كانت قاعدة فاتكأت، أو نامت وهي قاعدة أو استدعت والدها للمشورة، أو استدعت الشهود فإن كل ذلك لا يبطل به التفويض، لأنه لا يدل على إعراضها.
وإذا كانت في سفينة جارية وفوض لها طلاقها فإن انتقال السفينة من مكانها لا يضرها لأنها كالمنزل بالنسبة لها، إنما الذي يبطل تفويضها أن تقوم هي من مكانها أو تعمل ما يدل على الإعراض وإذا كانت راكبة دابة سائرة فأوقفتها فإنه لا يضر، وإذا كانت واقفة فسيرتها فإنه يضر، لأنها سارت باختيارها إلا إذا أجابته بمجرد سكوته من التفويض بحيث وصلت قولها: طلقت نفسي بقوله: طلقي نفسك فإنه يصح مع تسيير الدابة، وإذا كانت في محمل يقوده الجمال فإنه يعتبر كالسفينة والبيت.
هذا إذا لم يؤقت التفويض بوقت، فإذا أقته بوقت، كأن قال لها: طلقي نفسك أثناء شهرين أو نحو ذلك فإن لها أن تطلق نفسها في خلال المدة،
وإذا قال لها: طلقي نفسك متى شئت، أو متى ما شئت، أو إذا شئت، أو إذا ما شئت فإن لها أن تطلق نفسها في أي وقت شاءت، ولا يصح رجوعه على أي حال، لأنه قد ملكها الطلاق، كما تقدم.
هذا، ويتعلق بألفاظ التفويض الثلاثة المذكورة أحكام أخرى، إليك بيان ما يلزم منها:
فأما التفويض صريحاً فإنه يتعلق به أحكام، منها أنه إذا قال لزوجته: طلقي نفسك، فقالت: طلقت نفسي وقعت واحدة رجعية، سواء نوى واحدة، أو لم ينو شيئاً، وكذا إذا نوى ثنتين فإنه يقع به واحدة فقط، لما عرفت من أن الطلاق الصريح موضوع للواحدة، فلا يصلح لنية الاثنتين، نعم إذا نوى بقوله: طلقي نفسك الثلاث فطلقت نفسها لزمته الثلاث، كما تقدم في الصريح، وإذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أبنت نفسي وقع به طلاق رجعي، وذلك لأنه لما قال لها: طلقي نفسك فقد ملكها أصل الطلاق فزادت عليه وصف البينونة، فيلغي الوصف الزائد ويثبت الأصل فلا يشترط في وقوع الطلاق بقولها: أبنت نفسي أن تنوي المرأة الطلاق، كما لا يشترط إجازة الزوج الطلاق بها، وهذا بخلاف ما إذا قالت: أبنت نفسي ابتداء بدون أن يقول لها: طلقي نفسك فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوت المرأة الطلاق، وأجاز الزوج الطلاق بذلك مع نية الطلاق. أما إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: اخترت نفسي فإنه لا يقع به شيء أصلاً، وذلك لأن قولها: اخترت نفسي ليست من ألفاظ التفويض لا صريحاً ولا كناية فيقع لغواً، نعم يكون كناية إذا قال لها: اختاري، فقالت: اخترت نفسي فإنه يقع به الطلاق البائن بشرط أن ينوي الزوج به الطلاق وتنوي الزوجة كذلك.
وإذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقعت واحدة، وإذا قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثاً فإنه لا يقع به شيء على الراجح، وقيل: تقع به واحدة. وإذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت، فقالت: أنا طالق لا يقع به شيء، وذلك لأنه علق الطلاق الثلاث على مشيئتها الثلاث، ولا يمكن إيقاع الطلاق بلفظ طالق، فلم يقع به شيء، لأنه يوجد المعلق عليه، فإذا قالت أنا طالق ثلاثاً وقع الثلاث، وإذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أنا طالق وقع طلاق واحد، أما إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أنا طالق فإنه لم يقع به شيء إلا إذا كان العرف يستعمل صيغة المضارع في الطلاق، أو نوت به إنشاء الطلاق لا الوعد بالطلاق في المستقبل.
وأما التفويض بقوله: اختاري فإنك قد عرفت أنه كناية، ولا يقع به شيء إلا إذا نوى، ثم إنه إذا نوى به ثلاثاً فإنه لا يصح، وذلك لأن معنى اختيار نفسها في هذه الحالة تخليصها من قيد الزوجية، والذي يخلصها من قيد الزوجية هي البينونة، فالبينونة هي التي يستلزمها لفظ الاختيار فهي مقتضى اللفظ، ومقتضى اللفظ لا عموم له لأنه ضروري، فيقدر بقدر الضرورة، وهي البينونة الصغرى، فلا تصح نية الكبرى لعدم احتمال اللفظ إياها، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت بائن ونوى به الثلاث فإنه يصح ويلزمه ما نواه، فإن لفظ البينونة مذكور. فلا مانع من إرادة العموم منه، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أمرك بيدك فإنه إذا نوى به الثلاث يلزمه ما نواه، كما تقدم في مبحث الكنايات.
فإذا قال لها: اختاري ونوى به الطلاق، وقالت: اخترت نفسي فإنه يقع به واحدة بائنة، لأنه كناية، وإذا قالت: أنا أختار نفسي بصيغة المضارع فإنه يقع به طلاق بائن أيضاً، وهذا بخلاف ما إذا قالت: أنا أطلق نفسي فإنه لا يقع إلا إذا نوت إنشاء الطلاق أو كان العرف يستعمله في الطلاق كما تقدم قريباً.
ويشترط في إيقاع الطلاق بلفظ اختاري أن يذكر الزوج أو المرأة أحد لفظين. إما النفس وإما الاختيارة، بأن يقول لها الزوج، اختاري نفسك، أو يقول لها: اختاري، وهي تقول: اخترت نفسي. أو يقول لها: اختاري اختيارة، فتقول: اخترت أو يقول لها اختاري، فتقول: اخترت اختيارة، وذلك لأن ذكر اختيارة يقوم مقام ذكر النفس، ومثل ذلك ما إذا قال لها: اختاري أمك، أو اختاري طلقة، فتقول: اخترت، وإذا قال لها: اختاري، فقالت اخترت أبي أو أمي، أو أهلي، أو الأزواج، فإنه يقوم مقام ذكر النفس، فيقع به البائن.
أما إذا قال لها: اختاري، فقالت: اخترت، ولم يذكر واحد منهما النفس، أو الاختيارة أو الأب، أو الأم، أو نحو ذلك من الألفاظ التي تقدمت، فإنه لا يقع به شيء، والشرط ذكر ذلك في كلام أحدهما لا في كلام الزوج خاصة، فإذا قالت: اخترت زوجي لم يقع شيء، ولو قالت: اخترت زوجي ونفسي، فإنه لا يقع أيضاً، لأن ذكر زوجها أولاً أبطل اختيار نفسها، فلو عكست قالت: اخترت نفسي وزوجي، فإنه يقع لأن ذكر نفسها أولاً أبطل اختيار زوجها وإذا قالت: اخترت نفسي أو زوجي فإنه لا يقع، لأن - أو - لأحد الشيئين فلا يدري إن كانت قد اختارت نفسها، أو زوجها، فيكون ذلك منها اشتغالاً بما لا ينبغي، فيعد إعراضاً، وإذا قال لها: اختاري نفسك، ثم قال لها: إن اخترتني أعطيك كذا من المال فاختارته بطل اختيارها ولا يلزم زوجها المال الذي جعله لها.
ويشترط في ذكر النفس أو ما يقوم مقامها من الاختيارة، أو الأب، أو الأم، أو نحو ذلك أن تكون متصلة بالاختيار، فإذا قال لها: اختاري، فقالت: اخترت، ثم سكتت زمناً، وقالت: نفسي، فإن كان ذلك في المجلس فإنه يصح، أما إذا قالت: اخترت، ثم قامت من المجلس وقالت: نفسي فإنه لا يصح ويبطل اختيارها، وإذا كرر لفظ اختاري ثلاثاً، فقال لها: اختاري، اختاري، اختاري، فقالت: اخترت، أو اخترت اختيارة يقع ثلاثاً إذا نوى بكل واحدة الطلاق، فإذا قال: إنه نوى بواحدة الطلاق، ونوى باثنتين المسكن، فإنه يصدق قضاء، بخلاف ما إذا قال: اختاري نفسك وكررها ثلاثاً، وقال: إنه لم ينو الطلاق، فإنه لا يصدق قضاء، وذلك لأن التكرار مع ذكر النفس دليل على إرادة الطلاق، ودلالة الظاهر أقوى من النية عند القاضي، فإن كان صادقاً في دعواه فإن ذلك ينفعه ديانة بينه وبين الله.
وحاصل ذلك أنه لا بد في الكناية من النية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال أو التأكيد بالتكرار.
وإذا قال لها: اختاري نفسك، وكررها ثلاثة، فقالت: اخترت الأولى، أو الوسطى، فقيل: يلزمه ثلاث، لأنها ملكت الكل دفعة واحدة بدون ترتيب، فلم تتحقق الأولى والثانية فيلغو قولها اخترت الأولى، وقيل: يلزمه واحدة، وهو الصحيح.
وإذا قال لها: اختاري نفسك وكررها ثلاثاً، فقالت: طلقت نفسي، أو اخترت نفسي، بتطليقة، أو اخترت الطلقة الأولى، فإنها تطلق طلقة بائنة، لأنه فوض لها الطلاق البائن، فلا تملك الرجعي، بخلاف ما إذا قال لها: اختاري تطليقة، فقالت: اخترت نفسي، فإنها تطلق واحدة رجعية، لأنه فوض لها الرجعى.
هذا، وإذا أرسل إلى امرأته رجلاً فقال له خير امرأتي، وعلمت بذلك، فليس لها الخيار قبل أن يذهب إليها ويخيرها، وهذا بخلاف ما إذا قال له أخبرها بالخيار، وقبل أن يخبرها سمعت بالخبر فاختارت نفسها فإنه يصح.
وأما التفويض باللفظ الثالث، وهو الأمر باليد فإنه يقع به الطلاق البائن بالنية وتصح فيه نية الثلاث بخلاف الاختيار فإنه لا تصح فيه نية الثلاث كما تقدم. فإذا قال لزوجته: أمرك بيدك، ونوى به الثلاث، فقالت: اخترت نفسي، أو اخترت نفسي بواحدة، أو قبلت نفسي، أو اخترت أمري، أو أنت علي حرام، أو مني بائن، أو أنا منك بائن، أو طالق، فإنه يقع الثلاث التي نواها فإن لم ينو الثلاث فإنه يقع واحدة بائنة.
ويشترط في الأمر باليد ما يشترط في الاختيار من ذكر النفس أو ما يقوم مقامها، فلا بد أن تقول المرأة: اخترت نفسي، أو اخترت أمري، ولا يملك الزوج الرجوع بعد التفويض، ولا بد من اختيار نفسها في المجلس، وغير ذلك من الأحكام المتقدمة في التفويض الصريح. والتفويض بالاختيار.
ومثل قوله: أمرك بيدك، قوله أمرك بشمالك أو أنفك، أو لسانك، ولا يشترط أن تكون كبيرة بل إذا فوض لها وهي صغيرة فإنه يصح كما تقدم قريباً.
وكذا قوله: أعرتك طلاقك، أو أمرك بيد الله، أو أمري بيدك، فإن كل هذه الألفاظ مثل قوله: أمرك بيدك.
هذا، وقد تقدم أنه إذا تزوجها على أنها أمرها بيدها فإنه يصح بشرط أن تبدأ المرأة بالشرط فتقول: زوجتك نفسي على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، فيقول الزوج قبلت، أما إذا بدأ الزوج فإنها لا تطلق.
وقد تقدم تعليل ذلك في مبحث - إذا اشترط في النكاح شرطاً - من هذا الجزء فارجع إليه.
المالكية - قالوا: للزوج أن ينيب عن الزوجة أو غيرها في الطلاق، وتنقسم النيابة في الطلاق إلى قسمين:
الأول: رسالة، وهي أن يرسل الزوج إلى امرأته رسولاً يعلمها بالطلاق، فالرسول لم يجعل له الزوج إنشاء الطلاق، وإنما جعل له إعلام الزوجة بثبوت الطلاق بعبارة الزوج نفسه فليس للرسول سوى نقل عبارة الزوج للزوجة لإعلامها بثبوت الطلاق، فنيابة الرسول نيابة بإعلام الزوجة بثبوت الطلاق، فحقيقة الرسالة هي أن يقول الزوج للرسول: بلغ زوجتي أني قد طلقتها، وفي هذه الحالة لا يتوقف طلاقها على تبليغها الرسالة، وقد تطلق الرسالة مجازاً، على ما إذا قال لشخص: طلق زوجتي.
القسم الثاني: تفويض الطلاق، وهو ثلاثة أنواع: توكيل، وتخيير، وتمليك، والفرق بين الأمور الثلاثة أن التوكيل هو جعل إنشاء الطرق للزوجة أو لغيرها مه بقاء حقه في المنع من الطلاق، ومعنى ذلك أن التوكيل لا يسلب حق الموكل في عزل الوكيل أو رجوعه عن توكيله قبل تمام الأمر الذي وكله فيه، فلو وكلها في تطليق نفسها ففعلت وقع الطلاق وليس له حق الرجوع حينئذ لأنها أتمت الفعل الذي وكلها فيه، إنما له الرجوع والعزل قبل أن تطلق نفسها.
والحاصل أن التوكيل ليس فيه جعل إنشاء الطلاق حقاً للوكيل، وإنما فيه جعل إنشاء الطلاق للوكيل نيابة عن الموكل، فللموكل عزله عن هذا متى شاء على أنه إذا وكلها بالطلاق مع تعلق حق لها به زائد على التوكيل فإنه لا يملك عزلها، مثال ذلك أن يقول لها: إن تزوجت عليك فقد جعلت أمرك بيدك وأمر من أتزوجها بيدك توكيلاً عني، ففي هذه الحالة لا يملك عزلها من التوكيل ولا عزله لأن لها حقاً فيه وهو دفع الضرر عنها، وإذا وكل الزوج عنه أجنبياً على أن يفوض للزوجة أمرها بأن قال له: وكلتك على أن تفوض لزوجتي أمرها تخييراً أو تمليكاً، أو قال له: وكلتك على أن تخير زوجتي أو تملكها أمرها، فإن ذلك يصح، وهل يكون الأجنبي في هذه الحالة وكيلاً يصح للزوج عزله أو يكون مفوضاً كالزوجة فلا يصح؟ والجواب: أنه إذا فرض للزوجة بالفعل فقد أصبحت مالكة، ولا يكون للزوج كلام، وأما إذا لم يفوض لها فإنه يكون وكيلاً يصح عزله، كما إذا وكله على طلاقها، فإن له عزله قبل أن يطلقها، فإذا طلقها، نفذ طلاقه ولا كلام للزوج، وهذا هو المعقول، لأن كونه وكيلاً في التخيير أو التمليك لغيره لا يجعله مخيراً أو مملكاً، فهو وكيل على كل حال، فمن قال: أنه يكون مالكاً للتخيير أو التمليك فلا يصح عزله فقد سهى عن كونه وكيلاً في تمليك الزوجة، فلا يكون هو مخيراً ولا مملكاً، نعم إذا خيره في عصمتها أو ملكه إياها، كأن قال له: أنت مخير في تطليق زوجتي، أو أمر عصمتها بيدها، فإنه في هذه الحالة لا يصح عزله، فإنه يكون هو المخير المملك.
هذا هو التوكيل، أما التخيير، فهو جعل الزوج إنشاء الطلاق ثلاثاً حقاً لغيره نصاً أو حكماً،يعني أن صيغة التخيير وضعها الشارع لتمليك الغير الطلاق الثلاث نصاً أو حكماً بأنه يملك إنشاء الطلاق الثلاث، فالمخيرة إذا اختارت الطلاق وجب عليها أن تطلق ثلاثاً، وإلا سقط خيارها على التفصيل الآتي.
أما التمليك، فهو عبارة عن جعل إنشاء الطلاق حقاً للغير راجحاً في الثلاث لا نصاً في الثلاث ولا حكماً، فيخص بأقل من الثلاث بالنية، فقوله: جعل إنشاء الطلاق حقاً للغير خرجت عنه الرسالة وخرج به التوكيل ليس فيه جعل إنشاء الطلاق حقاً للغير، وقوله: راجحاً في الثلاث خرج به التخيير لأن التخيير فيه جعل إنشاء الطلاق الثلاث للغير نصاً أو حكماً لا جعله راجحاً، وحاصل الفرق بين التوكيل وبين التخيير والتمليك، أن الوكيل يعمل على سبيل النيابة عن موكله، والمملك والمخير يفعلان عن نفسهما لأنهما قد ملكا ما كان الزوج يملكه، والفرق بين التخيير والتمليك أن التخيير يجعل للمخير - سواء كانت الزوجة أو غيرها - الحق في إنشاء الطلاق الثلاث وإن لم ينو الزوج بها الثلاث، أما التمليك فإنه يجعل للغير الحق في الثلاث راجحاً ولكن يخص ما دون الثلاث بالنية، فإذا ملك الزوج امرأته الطلاق فطلقت نفسها ثنتين أو ثلاثاً، وقال هو: بل نويت تمليكها واحدة فإنه يسمع منه بالشرائط الآتية: أما إذا خيرها وكانت مدخولاً بها فطلقت نفسها ثلاثاً وقال: إنني نويت واحدة أو ثنتين فلا يسمع قوله.
وحاصل الفرق أن المخيرة إذا كانت مدخولاً بها وطلقت نفسها ثلاثاً فإنه ينفذ ولا يسمع من الزوج دعوى أنه نوى أقل من ذلك. أما المملكة فإن له أن يعترض على ما زاد على الواحدة.
هذا هو المقرر المنقول عن مالك، ولكن التحقيق أن الإفتاء بذلك يتبع العرف، فإن كان العرف يستعمل التخيير في تمليك الثلاث بقطع النظر عن نية الزوج المخير عمل به، وإلا عمل بما عليه العرف، والظاهر أن المنقول عن الإمام مالك من أن التخيير للمدخول بها يملكها الثلاث بدون نية مبني على عرف زمانه، وإلا فالواقع أن التخيير ليس صريحاً في الطلاق، فهو كناية لا يلزم به شيء لغة، كما هو الحال عند الأئمة الثلاثة، ولكن المالكية يعتبرون العرف ويقدمونه على اللغة، فإذا نقل العرف لفظاً من معناه اللغوي إلى مفهوم آخر واستعمله فيه كان صريحاً فيه، وهذا هو الذي كان في عهد مالك رضي الله عنه في تخيير المرأة، أما إذا كان عرف زماننا على أنه لا يقع طلاق بالتخيير إلا بالنية، فإنه يعمل به لأن الحكم يتغير بتغير العرف.
هذا هو إيضاح الفرق بين التوكيل، والتخيير، والتمليك.
أما الصيغ التي تدل على التخيير، فهي كل لفظ يدل على أن الزوج فوض لامرأته البقاء على عصمته، أو عدم البقاء ومن ذلك أن يقول لها: اختاري نفسك، أو اختاريني أو اختاري أمرك.
وأما الصيغ التي تدل على التمليك، فهي كل لفظ يدل على أن الزوج جعل الطلاق بيد امرأته أو بيد غيرها بدون تخيير، ومن ذلك أن يقول لها: طلقي نفسك أو ملكتك أمرك، أو وليتك أمرك أو أمرك بيدك أو طلاقك بيدك أو نحو ذلك.
أما الصيغ التي تدل على التوكيل فقد ذكرت في - مباحث الوكالة - في الجزء الثالث، فارجع إليه.
وإذ قد عرفت الفرق بين الرسالة والتمليك، والتخيير، والتوكيل، وعرفت الصيغ التي تدل على كل منها، فاعلم أنه يتعلق بها أحكام بعضها مشترك بينها، وبعضها خاصة بأحدها دون الآخر، فمن الأحكام المشتركة وجوب الحيلولة بين الزوجين بعد التمليك، أو التخيير، أو التوكيل الذي يتعلق به حق الزوجة، فإذا قال لها: اختاري نفسك، أو قال لها، أمرك بيدك، أو قال لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك توكيلاً، ثم تزوج عليها، وجب عليه أن يعتزلها ولا يقربها حتى تجيب بما يقتضي أنها طلقت نفسها أو ردت الطلاق، وذلك لأن العصمة في هذه الحالة مشكوك في بقائها، لأن للمرأة تطلق نفسها في أي وقت، ولا يحل الاستمتاع بامرأة مشكوك في بقاء زوجيتها، ولا نفقة لها زمن الحيلولة لأنها هي السبب، فإذا ماتا في زمن الحيلولة يتوارثان، أما التوكيل الذي لم يتعلق به حق لها، كما إذا قال لها: وكلتك في طلاق نفسك فإنه لا يمنع قربانها، فلو استمتع بها بعد التوكيل، ولو مكرهة كان ذلك الاستمتاع عزلاً لها من التوكيل، حتى ولو كان الزوج قاصداً بقاءها على التوكيل.
ويصح تعليق التخيير والتمليك على أمر من الأمور، كأن بقول لها: إن جاء والدك اختاري نفسك. أو إن قدم أخوك طلقي نفسك، فإذا قال ذلك: لا يجب التفريق بينهما حتى يجيء أبوها، أو يقدم أخوها.
وكذا يصح تقييد التمليك أو التخيير بزمن، كأن بقول لها: خيرتك إلى سنة، أو خيرتك في البقاء معي أو مفارقتي إلى سنة، أو إلى أي زمن يبلغه عمرهما ظاهراً، فإن التخيير يصح، ولكن بمجرد علم الحاكم بتخييرها أو تمليكها على هذا الوجه يجب عليه أن يطلب منها الجواب بدون مهلة، فعليها أن تطلق نفسها حالاً أو ترد ما بيدها من التمليك، أو التخيير، فإن قضت فذاك وإلا أسقط الحاكم تخييرها أو تمليكها، حتى ولو رضي الزوج بالإمهال، وذلك لأن فيه حقاً لله تعالى، وهو حرمة التمادي على الاستمتاع بالمرأة المشكوك في بقاء عصمتها.
ومن الأحكام المشتركة بين التمليك والتخيير أنه يعمل فيهما بجواب المرأة، فإذا طلقت نفسها طلاقاً صريحاً أو كناية ظاهرة عمل بمقتضاهما، ومثال الصريح أن تقول: طلقت نفسي منك، أو أنا طالق منك، أو أنت طالق مني، ومثال الكناية الظاهرة أن تقول: أنا منك بتة، أو بائن، أو حرام، ويلحق بهما قولها: اخترت نفسي، أما إذا أجابت بالكناية الخفية فإنه يسقط ما بيدها، ولا يقبل منها أنها أرادت بذلك الطلاق، فإذا قالت: أنا منك مطلقة - بفتح اللام مخففة - سقط خيارها، وإنما وقع الطلاق بقولها: اخترت نفسي، مع كونه ليس من ألفاظ الطلاق الصريح ولا من ألفاظ الكناية الصريحة، لنه جعل جواباً للتخيير فيقع به الطلاق، وقد تقدم في مباحث الكنايات بيانات الكناية الظاهرة والكناية الخفية، فارجع إليه.
وإذا ردت الطلاق، كأن قالت: رددت ما ملكتني، أو لا أقبل منك تخييرك، عمل بمقتضاه من بطلان ما بيدها وبقائها زوجة، ومثل ذلك ما إذا ردت التمليك بالفعل وهو يحصل بأن تمكنه من نفسها طائعة، وإن لم يحصل وطء، فمتى مكنته من نفسها بعد أن علمت بأنه خيرها أو ملكها أمرها فإن حقها يسقط ولو كانت جاهلة بأن تمكينها يسقط حقها ومثل تمكينها ما إذا ملك أمرها لأجنبي، ومكنه منها طائعاً، بأن خلى بينه وبينها ولم يحل بينهما، فمتى فعل ذلك سقط حقه في التمليك أو التخيير، وكذا يسقط حقها إذا حدد لها زمناً، ومضى ذلك الزمن ولم يوقفها الحاكم - يلزمها بالاختيار - فإذا قال لها: اختاريني أو اختاري نفسك في هذا اليوم أو في هذا الشهر ولم يوقفها الحاكم عند علمه، ومضى ذلك الزمن المحدد ولم تختر فإن حقها يسقط.
والحاصل أنه يشترط لبقاء الخيار أمران: الأول أن لا تمكنه من نفسها باختيارها بعد علمها بالتخيير أو التمليك، فإن مكنته سقط حقها، وإن لم يطأها، ولو كانت جاهلة بأن تمكينه يسقط حقها. الثاني: أن لا يمضي الزمن الذي حدده للتخيير أن حدد له زمناً ولتحديد الزمن حالتان:
الحالة الأولى: أن يعلم الحاكم به، وفي هذه الحالة يجب على الحاكم أو من يقوم مقامه الحيلولة بينهما حتى تجيب بالتطليق أو برد التمليك أو التخيير بلا مهلة، فإن لم تفعل قضى الحاكم بإسقاط حقها كي لا تستمر الزوجية مشكوكاً فيها زمناً.

يتبع

ابوالوليد المسلم 21-06-2022 05:59 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب الطلاق]
صـــــ 322 الى صــــــــ
341
الحلقة (210)


الحالة الثانية: أن لا يعلم الحاكم فلا يوقفها الخ، وفي هذه الحالة يسقط اختيارها بعد مضي المدة وعلى كلتا الحالتين يجب على الزوج أن لا يقربها، إذا لا يحل الاستمتاع بامرأة مشكوك في بقاء عصمتها، وهل يسقط حقها إذا قامت من المجلس. أو لا؟ خلاف فبعضهم يقول: إذا خيرها تخييراً مطلقاً غير مقيد بالزمان أو ملكها تمليكاً مطلقاً لا يبقى خيارها أو تمليكها إلا في المجلس الذي خيرها فيه بحيث لو تفرقا بطل، على إنه إذا لم يتفرقا في المجلس ولكن مضى زمن يمكنها أن تختار فيه ولم تفعل سقط خيارها، وكذا إذا بقيا في المجلس ولكن فعلت ما يدل على الاعراض بطل خيارها، وهذا هو الراجح، وبعضهم يقول: لا يبطل تخييرها ولا تمليكها، وإن طال الزمن أو تفرقا من المجلس. ومن الأحكام المشتركة بينهما أن إذا خير زوجته وملكها، ثم أبانها بخلع أو بطلاق بائن، ثم ردها إلى عصمته ثانياً فإنه يبطل تخييرها أو تمليكها لأنها رجعت له باختيارها فأبطلت ما ملكته أولاً.
أما إذا طاقها طلقه رجعية ثم راجعها فإن تخييرها لا يبطل لأن الرجعة لا تتوقف على رضاها، ومنها أنه إذا خيرها أو ملكها، فنقلت أثاث المنزل إلى دار أبيها، فإن نقلت الأثاث الذي ينقل بعد الطلاق كان طلاقاً، وإلا فلا، إلا إذا نوت به الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بلا خلاف، وهو وإن كان فعلاً ولكن قد انضم إليه من قرينة التمليك أو التخيير ما يجعله كالصريح ومنها أنه إذا خيرها أو ملكها وأجابت بكلام يحتمل الطلاق ويحتمل البقاء في عصمته فإنها تؤمن بتفسيره ويقبل منها التفسير الذي تقرره، مثلاً إذا قال لها: اختاري فقالت: قبلت أو قالت: اخترت، أو قال لها: أمرك بيدك، فقالت: قبلت أمري أو قبلت ما ملكتني، ففي هذه الحالة تلزم ببيان غرضها، فإن قالت: أردت بقولي قبلت البقاء في عصمة زوجي أو اخترت البقاء في عصمته فإنها تبقى على عصمته، وإن قالت: أردت الطلاق، أو اخترت نفسي طلقت،وإن قالت أردت قبول التمليك أو التخيير بدون تعرض الطلاق وعدمه، بقيت على ما هي عليه من التمليك والتخيير ويحال بينهما حتى تجيب، كما تقدم، ومنها أن الزوج المخير أو المملك إذا قال: لم أرد بالتخيير أو التمليك طلاقاً أصلاً سقط حقه في الاعتراض ولزمه ما أوقعته سواء مدخولاً بها أو لا والمخيرة غير المدخول بها، لأنها هي التي له عليها حق الاعتراض كما ستعرفه بعد هذا، فإذا قال بعد ذلك إن ذلك صدر منه سهواً، وإنه يريد به أنه نوى طلقة واحدة قبل منه قوله، وعاد له حق الاعتراض على المعتمد، وقيل لا يقبل منه قوله، ويلزمه ما أوقعته، وصحح هذا القول أيضاً، ومنها أن الزوجة إذا كانت غير مدخول بها، سواء كانت مخيرة أو مملكة وخيرها الزوج تخييراً مطلقاً غير مقيد بواحدة أو ثنتين أو ثلاث، كأن قال لها: اختاري نفسك أو ملكها كذلك تمليكاً مطلقاً كأن قال لها: أمرك بيدك وطلقت
نفسها ثلاثاً فإن للزوج الملك أو المخير الحق في الاعتراض على ذلك وعدم الاعتراف بما زاد على ما نواه ويعبر عنه الفقهاء المالكية بالمناكرة، فيقولون: للزوج الحق في مناكرتها، أي في عدم الاعتراف بما فعلته من زيادة أما المدخول بها فإن كانت مخيرة فلا حق له في مناكرتها مطلقاً، وإن كانت مملكة فله الحق في مناكرتها، وهنا يفترقان في الحكم كما يأتي.
وإذا قالت: طلقت نفسي، أو طلقت زوجي ولم تقل ثلاثاً، فإنها تسأل عن غرضها، سواء كانت في المجلس، أو قامت منه، وسواء مضى زمن طويل كالشهرين، أو لا لأن جوابها يحتمل نية الثلاث ونية غيرها، فإذا قالت الثلاث أردت، فإن كانت مملكة كان له الحق في مناكرتها وعدم الاعتراف إلا بطلقة واحدة، سواء كانت مدخولاً بها أو لا، وكذا إذا كانت مخيرة غير مدخولاً بها فإن له الحق في مناكرتها كما تقدم أما إذا كانت مدخولاً بها فإنه يلزمه ما أوقعته إذ لا حق له في مناكرتها، وإذا قالت: أردت طلقة واحدة، فإن كانت مدخولاً بها مخيرة بطل تخييرها ولا يلزمه شيء، لأن التخيير معناه الإبانة، فهو قد خيرها في إبانة نفسها فاختارت عدم الإبانة والبقاء في عصمته، فبطل تخييرها ولأن المخيرة المدخول بها ليس لها أن توقع غير الثلاث فإن أوقعت أقل بطل تخييرها، وإن كانت مخيرة مدخولاً بها لزمته الواحدة التي أرادتها، وكذا إن كانت مملكه، سواء مدخولاً بها أو لا فإنه يلزمه الواحدة التي أرادتها.
وإذا قالت: لم أرد بقولي طلقت نفسي عدداً معيناً ففي ذلك خلاف، فبعضهم يقول: يحمل قولها على إرادة الثلاث، فإن كانت مخيرة مدخولاً بها لزمته الثلاث بدون مناكرة وإن كانت غير مدخول بها كان له الحق في المناكرة فإن لم يناكر لزمه الثلاث أيضاً، وإن كانت مملكة لزمه الثلاث إن لم يناكر، وله الحق في المناكرة سواء كانت مدخولاً بها أولا، وهذا هو الراجح. وبعضهم يقول يحمل على الواحدة، فإن كانت مخيرة مدخولاً بها بطل تخييرها، وإن كانت غير مدخول بها لزمته الواحدة وكذا تلزم الواحدة في المملكة مطلقاً، سواء كانت مدخولاً بها أو لا.
هذا، وإنما يكون للزوجة الحق في مناكرة المخيرة غير المدخول بها، والمملكة المدخول بها بشروط خمسة:أحدها: أن ينوي ما يدعيه من الواحدة أو الاثنتين عند تخييرها، فإن نوى واحدة له أن لا يعترف بالاثنتين وإن نوى ثنتين فله أن لا يعترف بالثالثة.
ثانيها: أن يبادر إلى دعواه بعدم الاعتراف فإن تأخر زمناً يمكنه أن يدعي فيه سقط حقه.
ثالثها: أن يحلف أنه نوى الواحدة أو الاثنتين عند التخيير، فإن نكل عن اليمين سقط حقه ولا ترد عليها اليمين.
رابعها: أن لا يكرر قوله اختاري ونحوه، فإن كرره وطلقت نفسها ثلاثاً لزمته إلا أن يقول إنه نوى بالتكرار التأكيد فإن له أن لا يعترف بأكثر مما نواه.
خامسها: أن لا يشترط التخيير أو يتبرع به الزوج في العقد فإن اشترطت عليه أن يكون لها الخيار أو يكون أمرها بيدها في العقد أو يتبرع به في العقد من تلقاء نفسه وطلقت نفسها ثلاثاً لزمته ولا حق له في عدم الاعتراف بما أوقعته أما إن تبرع لها بالتخيير أو التمليك بعد العقد فله أن لا يعترف بما أوقعته فإذا كتب في وثيقة الزواج أمرها بيدها إن تزوج عليها ولم يبين إن كان هذا صدر من الزوج في العقد باشتراطها أو تبرعه، ففي ذلك خلاف، فقيل: يحمل على أنه صدر في العقد ويلزمه الاعتراف بجميع ما أوقعته وقيل: يحمل على أنه تطوع به الزوج فله حق عدم الاعتراف. ومن الأحكام المختصة بالتخيير أنه قد اختلف فيه، فقيل: مكروه لأنه موضوع للثلاث، والطلاق الثلاث مكروه، وقيل جائز لأنه وإن كان موضوعاً للثلاث في غير المدخول بها ولكنه لم يجزم فيه بالثلاث لأن المرأة قد تختار زوجها، فالصحيح أنه جائز، أما التمليك فإن قيد بالثلاث كان مكروهاً وإلا فهو مباح اتفاقاً، ومنها أنه إذا قال لزوجته - سواء كانت مدخولاً بها أو لا - اختاري في واحدة، كان معناه اختاري المفارقة في مرة واحدة، والمفارقة في مرة واحدة تصدق بالثلاث، فيحتمل أنه أراد المفارقة في مرة واحدة، والمفارقة بالواحدة، ويحتمل أيضاً أن تكون - في - زائدة، والمعنى اختاري طلقة واحدة، فإن أوقعت ثلاثاً وادعى أنه نوى واحدة حلف اليمين على ذلك، لأن اللفظ محتمل لإرادة الثلاث، فإن حلف لزمته طلقة واحدة رجعية إذا كانت مدخولاً بها، وإن نكل لزمه ما أوقعته، ولا ترد اليمين عليها لأنها يمين تهمة، فإنه متهم على إرادة الثلاث، ويمين التهمة لا ترد في الخصم.
وكذا إذا قال لها: اختاري في أن تطلقي نفسك أو تقيمي، فقالت: اخترت ثلاثاً، وادعى أنه أراد واحدة، حلف على ذلك، فإن حلف لزمته واحدة، وإلا لزمه ما أوقعته، وذلك لأن ضد الإقامة معه مفارقته بالبينونة، فلما قال: أو تقيمي احتمل كلامه أنه لم يرد حقيقة الطلقة التي صرح بها فيحلف على ذلك، أما إذا قال لها: اختاري في أن تطلقي نفسك، ولم يقل: أو تقيمي فأوقعت ثلاثاً وادعى أنه أراد واحدة، كان القول له بدون يمينه، وكذا إذا قال لها: اختاري في طلقة، فاختارت ثلاثاً فإنه لا يلزمه إلا واحدة بدون يمين، ومن باب أولى إذا قال لها: اختاري طلقة، فإنه لا يلزمه إلا واحدة ويبطل الزائد، أما إذا قال لها: اختاري تطليقتين فاختارت واحدة، فإنه يبطل ما قضت به، فلا تلزمه الواحدة لأنه خيرها في ثنتين، ولكن لا يبطل خيارها، فلها أن تختار بعد ذلك ثنتين أو تختار زوجها، وهذا بخلاف التمليك، فإنه إذا قال لها: ملكتك طلقتين أو ثلاثاً فقضت بواحدة لزمته واحدة، وإذا قال لها: اختاري من تطليقتين فاختارت أكثر فلا يلزمه إلا واحدة، ومنها أنه إذا خيرها تخييراً مطلقاً فاختارت واحدة بطل تخييرها إن كانت مدخولاً بها، كما تقدم قريباً، وهذا هو المشهور، وبعضهم يقول: إنه لا يبطل تخييرها ومثل ذلك ما إذا ملكها بشرط العدد، كأن قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة أو ثنتين، فإن فيه خلافاً، فقيل: يبطل تمليكها، وقيل: لا يبطل تمليكها وإنما يبطل ما أوقعته، ولها أن تطلق نفسها ثلاثاً وهذا هو الراجح عكس الأول.
الشافعية - قالوا: للرجل أن يفوض الطلاق لزوجته: ومعناه تمليكها الطلاق، كقوله لها: طلقي نفسك، ويشترط لإيقاعها الطلاق بالتفويض شرطان: أحدهما: أن يكون الطلاق منجزاً، فإذا كان معلقاً، كما إذا قال لها: إن جاء رمضان فطلقي نفسك، فإنه لا يصح ولا تملك الطلاق بذلك، ولا فرق بين أن يملكها الطلاق بلفظ صريح أو كناية، الأول كما مثلنا، الثاني كأن يقول لها: أبيني نفسك إن شئت، بشرط أن ينوي بذلك التفويض وتنوي الزوجة الطلاق، لأنه كناية ولا يقع بها شيء إلا مع النية، ومن ذلك ما إذا قال لها: اختاري نفسك، فإنه يصح أن يكون كناية عن اختيارها الطلاق، فكأنه قال لها: اختاري طلاق نفسك.
ثانيها: أن تطلق نفسها فوراً، فلو أخرته بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب، لا يقع الطلاق، وقال بعضهم: لا يضر الفصل بكلام يسير، فلو قال لها: طلقي نفسك، فقالت له: كيف أطلق نفسي؟ فقال لها: قولي: طلقت نفسي فقالت: ولا يضر ذلك الفصل على المعتمد، ومحل اشتراط الفورية إذا لم يقل: طلقي نفسك متى شئت، فإذا قال لها ذلك كان لها الحق في تطلق نفسها في أي وقت.
والتفويض للمرأة كالتوكيل، فيجوز له الرجوع عنه قبل تطليق نفسها، وإذا قال لها: طلقي نفسك بألف، فطلقت بانت منه بالألف، وإن قال لها: طلقي نفسك ونوى عدداً، ونوت هي أقل منه أو أكثر منه وقع ما اتفقا عليه من ذلك العدد، فإن قال لها: طلقي نفسك ونوى بها ثلاثاً فقالت: طلقت نفسي، ونوت ثنتين وقع الثنتان، وذلك لأن كلاً منهما نوي الثنتين، فإن الذي نوى ثلاثاً نوي الثنتين ضمناً. وإن قال لها: طلقي نفسك ونوى واحدة، ونوت ثنتين وقعت واحدة، لأنها هي التي اتفق على نيتها، وإن لم ينويا شيئاً، أو لم ينو أحدهما شيئاً وقعت طلقة واحدة.
وإن قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقعت الواحدة، ولها الحق في أن تطلق نفسها الثانية والثالثة على الفور ولو راجعها، وإذا قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثاً وقعت واحدة، وألغي الاثنتان، وإن قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً، فقالت: طلقت ولم تذكر عدداً ولا نوته وقع الثلاث.
وله أيضاً أن ينيب عنه غيره في تطليق زوجته، كما تقدم في مباحث الوكالة، جزء ثالث وله أيضاً أن يوكله في الخلع، ولو قدر لو كيله مالاً فخالعها على أقل منه لم تطلق، كما لو خالعها على غير الجنس الذي بينه له، وإن أطلق له التوكيل فخالعها على أقل من مهر المثل، فإنها تطلق بمهر المثل. وكذا للزوجة أن توكل عنها في الخلع، فإذا قدرت لموكلها مالاً وزاد عليه، وأضاف الخلع إليها كأن قال لها: خالعها من مالها وبوكالتها بانت بمهر المثل تدفعه هي:
أما إذا لم يصف الزيادة إليها لزمته هو لجواز أن يكون زادها من نفسه، وصح توكيل كافر ولو في خلع مسلمة، وصح للزوج أن يوكل المحجور عليه لسفه، ولو لم يأذنه وليه، بخلاف الزوجة.
الحنابلة - قالوا: للزوج أن ينيب عنه غيره في الطلاق، سواء كان النائب الزوجة أو غيرها، والنيابة في الطلاق توكيل على حال، سواء كانت بلفظ يدل على تمليك الطلاق، كقوله لها: طلقي نفسك، أو أمرك بيدك، أو كانت بلفظ التخيير، فللزوج أن يرجع عن النيابة قبل تطليق نفسها بأن يعزلها أو يعزل الأجنبي الذي أنابه، أو يعمل عملاً يدل على الرجوع، كأن يطأ زوجته، على أن لكل من ألفاظ التمليك أحكاماً تتعلق بها، فأما الأمر باليد، وهو أن يقول لها: أمرك بيدك أو يقول الأجنبي أمر زوجتي بيدك فهو كناية طاهرة، فإذا نوى بها الزوج الطلاق وقع في الحال وإن لم تقبل الزوجة، وإن لم ينو الطلاق، في الحال، بل نوى تفويض الطلاق للزوجة، فإن قبلته بلفظ الكناية، كقولها: اخترت نفسي لا يقع إلا بنية الطلاق منها، وإن قبلته بلفظ الصريح، كقولها: طلقت نفسي وقع بدون نية منها، ثم إن لفظ الأمر باليد يجعل لها الحق في أن تطلق نفسها ثلاثاً في المجلس وبعد المجلس ولو مضى زمن طويل ما لم يرجع قبل أن تطلق نفسها، فكأنه قال لها: طلقي نفسك ما شئت، وإذا قال: أردت واحدة لا يقبل منه ومثل ذلك ما إذا قال لغير الزوجة أمر زوجتي بيدك، أما إذا قال لها: طلقي ولم يقل متى شئت، فإنه يكون لها الحق في أن تطلق نفسها متى شاءت، لأنه لا يشترط فيه الفور، كما لا يشترط في قوله أمرك بيدك وهو توكيل من الزوج فله يرجع عنه بفسخه أو وطئها، كما تقدم، وتملك بذلك تطليق نفسها طلقة واحدة لا ثلاثاً عكس قوله لها: أمرك بيدك إلا أنم ينوي بذلك أكثر من واحدة، فإنه يقع ما نواه، وإذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً، فقالت: طلقت نفسي، ولم تقل ثلاثاً، لا يقع عليها الثلاث إلا إذا نوتها، كما إذا قال الزوج طلقتك، ونوى به ثلاثاً، فإن لم تنو الثلاث وقعت واحدة، أما إذا قال لها: طلاقك بيدك أو وكلتك
في الطلاق، فإنه يكون لها الحق في أن تطلق نفسها ثلاثاً، لأن ذلك بمنزلة قوله أمرك بيدك.
ويشترط في ايقاعها الطلاق أن تقول: طلقت نفسي، أو أنا منك طالق، فإن قالت وأنا طالق لم يقع. وكذا إذا قالت أنت طالق، أو أنت مني طالق، أو طلقتك فإنه لا يقع، بل لا بد من إضافة الطلاق إلى نفسها. أو إليها معاً كما يقول الحنفية.
إما إذا قال لها اختاري نفسك فليس لها إلا أن تطلق واحدة رجعية كما إذا قال لها طلقي نفسك، إلا إذا قال اختاري ماشئت، أو اختاري الطلقات إن شئت، فإنها بذلك تملك الثلاث، وكذا إذا نوى عدد اثنتين أو ثلاثاً، فإنها تملك ما نواه، وإذا نوى الزوج ثلاثاً فواحدة، أو ثنتين وقع ما طلقته دون نظر إلى نيته، وإذا كرر لفظ اختاري، فقال: اختاري اختاري، اختاري، فإن نوى به عدداً وقع ما نواه وإلا لزمته واحدة، ويشترط في إيقاع الطلاق بالاختيار شروط:
أحدها: أن ينوي الزوج به الطلاق، أو تفويض الطلاق للزوجة، فإن نوى به الطلاق وقع في الحال بدون حاجة إلى قبولها، لأنه كناية خفية، وقد نوى به الطلاق، أما إذا نوى به التفويض فإنه لا يقع إلا إذا أجابت الزوجة، فإن أجابت بالكناية كقوله اخترت نفسي لا يقع إلا بالنية وإن أجابت بالصريح كقولها طلقت نفسي وقع بدون نية منها، كما تقدم في الأمر باليد.
ثانيها: أن تطلق نفسها في المجلس، فإن تفرقا قبل اختيار نفسها بطل تخييرها.
ثالثها: أن لا يتشاغلا في المجلس بقول أو فعل أجنبي يقطع الخيار، إلا أن يجعل الزوج الخيار في زمن موسع كأن يقول لها: اختاري نفسك أسبوعاً، أو يوماً، أو شهراً، أو نحو ذلك فإنها تملك الخيار في المدة التي حددها.
ويقطع الخيار في المجلس أن يقوما معاً، أو يقوم أحدهما، أو يتكلما بكلام أجنبي يدل على الاعراض، أو كان أحدهما قائماً فركب، أو مشى، أما إن كان قائماً فقعد فإنه لا يبطل أو كانت قاعدة فاتكأت فإنه لا يبطل، وإذا كانت راكبة فسارت بطل ولا يبطل بالأكل اليسير والتسبيحات القليلة وبطلب الشهود.
وإذا جعله لها على التراخي، بأن قال لها: اختاري متى شئت، أو إذا شئت فإنه يصح) .

ابوالوليد المسلم 21-06-2022 06:13 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 341 الى صــــــــ
348
الحلقة (211)





مباحث الخلع
تعريفه
-الخلع - بفتح الخاء - مصدر خلع كقطع، يقال خلع الرجل ثوبه خلعاً أزاله عن بدنه ونزعه عنه ويقال: خلعت النعل خلعاً نزعته ويقال: خلع الرجل امرأته وخالعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه. أما الخلع - بالضم - فهو مصدر سماعي، وليس اسماً للمصدر الذي هو الخلع - بالفتح - لأن اسم المصدر ما نقصت حروفه عن حروف فعله، ولا يخفى أن حروف الخلع - بالضم - مساوية لحروف فعله خلع، ومن قال: إنه اسم مصدر أراد أنه اسم للمصدر الذي هو الخلع - بالفتح - المشتق من خالع لا من خلع.
ومن هذا تعلم أن الخلع - بالفتح - هو المصدر القياسي: وأنه يستعمل لغة في إزالة الثوب، وإزالة الزوجية، وأن اسم المصدر هو الخلع - بالضم - يستعمل في الأمرين كذلك، إلا أنه خص لغة بإزالة الزوجية، وبعضهم يقول: إن الخلع - بالفتح - وهو المصدر القياسي، معناه لغة النزع، وكذلك الخلع - بالضم - وهو المصدر السماعي، أو اسم مصدر خالع، معناه في اللغة النزع أيضاً، ولكن استعمل الأخير في إزالة الزوجية مجازاً، لأن كلاً من الزوجين لباس للآخر، فإذا فعلا ما يزيل الزوجية فكأنهما نزعا ذلك اللباس عنهما، وعلى هذا يكون استعمال الخلع في إزالة الزوجية بحسب الأصل اللغوي من قبيل المجاز، وقد صار بعد ذلك حقيقة لغوية في إزالة الزوجية. والحاصل أن الخلع - بالفتح - هو مصدر خلع القياسي، ومعناه إزالة الثوب، أو نزعه حساً، أما الخلع - بالضم - فمعناه هو معنى المصدر القياسي، ولكن هل اللغة تستعمله في إزالة الزوجية المعنوية، فيكون مستعملاً بحسب أصل اللغة في الإزالة الحسية والمعنوية، ثم خص لغة بالإزالة المعنوية، كالطلاق، والاطلاق، فإنهما يستعملان، بحسب أصل اللغة في رفع القيد، سواء كان حسياً أو معنوياً، ثم خص الطلاق برفع القيد المعنوي والاطلاق برفع القيد الحسي ثم أقر الشارع المعنى الثاني، وعلى ذلك يكون استعمال الخلع - بالضم - في إزالة الزوجية المعنوية حقيقة وظاهر أن كلاً من الزوجين لباس للآخر في المعنى فالخلع يزيل هذا اللباس المعنوي. أو يقال: إن الخلع - بالضم معناه لغة النزع والإزالة الحسية فقط، ثم شبه فراق الزوجين بإزالة الثوب، والعلاقة أن كلاً منهما لباس للآخر، كما قال تعالى: {هن لباس لكم} وعلى هذا يكون استعمال الخلع - بالضم - في نزع علاقة الزوجية مجازاً لغة.
أما معناه اصطلاحاً ففيه تفصيل المذاهب (1) .
مبحث هل الخلع جائز أو ممنوع؟ وما دليل ذلك؟
-الخلع نوع من الطلاق، لأن الطلاق تارة يكون بدون عوض، وتارة يكون بعوض، والثاني هو الخلع، وقد عرفت أن الطلاق يوصف بالجواز عند الحاجة التي تقضي الفرقة بين الزوجين، وقد يوصف بالوجوب عند عجز الرجل عن الإنفاق والاتيان، وقد يوصف بالتحريم إذا ترتب عليه ظلم المرأة والأولاد، وقد يوصف بغير ذلك من الأحكام المتقدم ذكرها هناك على أن الأصل فيه المنع، وهو الكراهة عند بعضهم، والحرمة عند بعضهم ما لم تفض الضرورة إلى الفراق.
فهذا الأحكام يوصف بها الخلع كما يوصف بها الطلاق (2) ، إلا أنه يجوز الخلع في الوقت الذي لا يجوز فيه الطلاق (3) ، فيصح الخلع وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، بخلاف الطلاق.
أما الدليل على ذلك من الكتاب الكريم فقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ، وحدود الله تعالى هي ما حده الله تعالى وفرضه على واحد من الزوجين من الحقوق وأمر كلاً منهما بالوقوف عنده وعدم مجاوزته، فمن الحقوق التي أمر بها الزوجة طاعة زوجها طاعة تامة فيما يريده من استمتاع، إلا إن ترتب عليه ضرر، ومنها إخلاص المودة له إخلاصاً تاماً، فلا يحل أن يكون جسمها معه وقلبها مع غيره، فإن وجدت عندها حالة قهرية وجب عليها أن تحارب نفسها وأن تمنعها منعاً تاماً عن كل هوى يحملها على خيانته في عرضه أو عمل ما لا يرضى عنه من التكلم مع أجنبي لا يرضى عنه أو السماح له بدخول منزله بدون إذنه أو غير ذلك، ومنها أن تقوم بكل ما يصلح الأسرة، فلا يحل لها أن ترهقه بالإنفاق فيختل نظام الأسرة وتسوء حالة المعيشة، كما لا يحل لها أن تهمل في تربية أبنائها وبناتها، أو تكون أسوة سيئة لهم.
ومنها: عدم خيانته بالمحافظة على ماله إلى غير ذلك، ومن الحقوق التي أمر بها الزوج، الإنفاق عليها، بما يناسب حاله، والمحافظة على عرضها بإعفافها، وعدم خيانتها، ونحو ذلك من الحقوق التي بيناها في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
فإذا حدث بين الزوجين شقاق فمن السنة أن يتوسط بينهما من يستطيع التأثير عليهما من أهلهما فإن عجزوا عن الاصلاح واشتد الشقاق إلى درجة يخشى معها الخروج عن حدود الله تعالى فإنه في هذه الحالة يصح المفارقة بعوض أو بغير عوض، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: {فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} الآية، والمراد بالحكم الرجل الصالح للحكم، وإنما كان بعث الحكمين من الأهل، لأن الأهل لهم تأثير على النفوس أكثر من الأجانب لاطلاعهم على بواطن الأمور ومعرفتهم بالأساليب التي تصلح النفوس، على أن أسباب الشقاق قد تكون باطنية، فلا يستطع الزوجان إفشاءها أمام الأجانب، فحكمة اختيار الحكمين من الأهل ظاهرة، وهل للحكمين الحق في التطليق إذا اقتضت المصلحة؟ الجواب: نعم (4) وهل يصح للرجل أن يعامل زوجته بالقسوة حتى تكره معاشرته وتفتدي منه بالمال، وإذا افتدت منه بالمال فراراً من معاشرته القاسية فهل يصح الخلع ويكون له الحق في أخذ المثل؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب (5) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: الخلع هو إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبول المرأة بلفظ الخلع أو ما في معناه، فقوله إزالة ملك النكاح خرج به أمور ثلاثة:
الأول: إذا خالعها في العدة بعد إبانتها فإن الخلع لا يصح، وذلك لأن ملك النكاح قد زال بإبانتها فلو خالعها بمال ثم خالعها في العدة بمال آخر فإن الخلع الثاني لا يصح، نعم إذا خالعها بمال ثم طلقها في العدة على مال فإنه يقع الثاني والفرق بين الحالتين أنه في الحالة الثانية طلقها طلاقاً صريحاً على مال، والطلاق الصريح يلحق البائن وهو الخلع. سواء كان الصريح رجعياً، أو بائناً أما في الحالة الأولى فإنه خالعها
ثانياً. والخلع ليس صريحاً، فلا يلحق الخلع البائن: على أنه إذا طلقها على مال بعد أن خالعها على مال فإن المال الثاني لا يجب عليها، وذلك لأن الغرض من دفع المال إنما هو ملك نفسها به، وقد ملكت نفسها بالخلع الأول فيكون طلاقاً صريحاً بائناً في العدة فقط، فيلحق الخلع الذي هو طلاق بائن، أما إذا طلقها طلاقاً رجعياً ثم خالعها في العدة على مال فإن الخلع يصح ويلزم المال، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح، ولا تملك المرأة به نفسها مادامت في العدة.
والحاصل أن الطلاق الصريح يلحق البائن بشرط العدة، سواء كان الصريح بائناً، أو رجعياً أما الطلاق غير الصريح، وهو ما كان بالكنايات فإنه ينقسم إلى قسمين: ما هو في حكم الصريح وهي الألفاظ الثلاثة التي تقدمت، كاعتدي الخ. فإنه يقع بها واحدة رجعية، وهذه تلحق البائن، ومنها ما ليس كذلك، وهي باقي الكنايات، فإنه يقع بها البائن، وهذه تلحق الصريح، ولا تلحق الخلع البائن، فإذا خالع زوجته على مال ثم طلقها وهي في العدة بالكناية، فإن كانت من الكنايات التي تقع بها واحدة رجعية فإنها تكون كالصريح فتلحق بالخلع ما دامت في العدة، وإن كانت من الكنايات التي يقع بها البائن، فإنها لا تلحق بالخلع.
الأمر الثاني: المرتدة إذا خالعها زوجها وهي مرتدة فإن الخلع لا يصح، لأن الردة أزالت ملك النكاح، والخلع هو إزالة الملك، فلم يتحقق معناه، فإذا خالعته على مهرها لم يسقط المهر، ويبقى له ولاية الجبر على الزواج.
الأمر الثالث: النكاح الفاسد، فإذا نكح امرأة نكاحاً فاسداً ووطئها، فإن المهر يتقرر لها بالوطء، كما تقدم، فإذا خالعته على مهرها فإن الخلع لا يصح، ولكن في هذه المسألة خلاف، فبعضهم يقول: إن مهرها يسقط بالخلع فلا حق لها فيه بعد ذلك، وبعضهم يقول لا يسقط لأن الخلع فاسد. إذ هو إزالة ملك النكاح، والعقد الفاسد لا يترتب عليه ملك النكاح، فلا يسقط مهرها، وهذا هو الظاهر المعقول.
وقوله: المتوقفة على قبول المرأة، معناه أن إزالة ملك النكاح بالخلع متوقفة على قبول المرأة في المجلس الذي شافهها فيه بالخلع، أو في المجلس الذي علمت فيه بالخلع إن خالعها وهي غائبة، فإن لم تقبل فإن الخلع لا يزيل ملك النكاح ولكن هذا مشروط بأحد أمرين:
الأول: أن يذكر المال صريحاً، بأن يقول لها: خالعتك على مائة ريال مثلاً. أو على صداقك. فإذا لم تقل: قبلت فإنه لا يقع به الطلاق، وإن نوى به الطلاق، وذلك لأنه علق طلاقها على قبول دفع المال، فإذا لم تقبل لم يحصل المعلق عليه، فلا يقع شيء.
الثاني: أن يذكر لفظاً يتضمن المال، وهو أن يقول لها: خالعتك، أو اختلعي، أو اخلعي نفسك، فإنه في هذه الحالة لا يقع شيء، إن لم تقبل، لأنه وإن لم يذكر المال، ولكن صيغة المفاعلة تتضمن ذكر المال، أو إذا قال لها: خلعتك ولم يذكر العوض فإنه يقع به الطلاق البائن، سواء قبلت، أو لم تقبل لأنه لا يتضمن ذكر المال، فإذا قال: خلعتك على عشرين جنيهاً مثلاً، وقبلت وقع الطلاق البائن ولزمها البدل.
وبعضهم يقول: إنه لا فرق في ذلك بين خالعتك، أو اختلعي، وبين خلعتك، في إيقاع الطلاق بهما بدون ذكر المال فإذا لم يذكر مالاً وقع بهما الطلاق البائن، وإن لم تقبل، ولكن يفرق بينهما بأنه إذ قال لها: خلعتك ولم يذكر مالاً، وقالت لها: قبلت وقع الطلاق ولا يلزمها شيء، أما إذا قال لها: خالعتك ولم يذكر مالاً وقبلت سقط حقها في المهر ونحوه من الحقوق التي تسقط بدون نص، كما يأتي.
وهل يشترط في إيقاع الطلاق بالألفاظ المشتقة من الخلع أن ينوي بها الطلاق، أو لا يشترط؟ والجواب: أنه إذا ذكر المال قامت قرينة على إرادة الطلاق، كما إذا كان في حالة غضب، أو سؤالها الطلاق، فإنه لا يشترط النية في ألفاظ الخلع، سواء كانت بهذا اللفظ، أو بغيره من الألفاظ الآتية باتفاق، فإذا ادعى بعد ذلك أنه لا يريد الطلاق وإنما يريد خلعها من ثيابها مثلاً، فإنه لا يسمع منه قضاء ولكن ينفعه ذلك ديانة بينه وبين الله، ولا يحل للمرأة أن تقيم معه. لأنها كالقاضي لا إطلاع لها على ما في نيته، أما إذا لم يذكر المال، أو لم يكن في حالة غضب ونحوها، فإنه ينظر إلى اللفظ الذي خالعها به، فإن كان العرف يستعمله في الطلاق بدون عوض واشتهر استعماله في ذلك كان طلاقاً صريحاً، وإلا كان كناية لا بد فيه من النية، والحنفية قالوا: إن ألفاظ الخلع خمسة:
أحدها: ما اشتق من الخلع. وهي كأن يقول لها: خالعتك، اختلعي، اخلعي نفسك، اخلعتك ولهذا قالوا: إنه يقع به الخلع بدون نية، لأن العرف يستعمله في الطلاق كثيراً فأصبح كالصريح فإذا قال لامرأته: خالعتك وذكر مالاً فالأمر ظاهر، وإذا لم يذكر مالاً فإنه يقع به الطلاق نوى أو لم ينو، قبلت أو لم تقبل. ومثل خالعتك باقي الألفاظ المذكورة على التحقيق، ولكنها إذا قبلت في قوله: خالعتك، أو اختلعي سقط به حقها في المهر، فإذا قال لها: اختلعي نفسك، فقالت خلعت نفسي، ولم يذكر بدلاً لا هو ولا هي وقع الخلع وسقط حقها. وبعضهم يرى أنها تطلق بلا بدل وبه أخذ كثير من العلماء، وإذا كانت العلة في إيقاع الطلاق بلفظ خلعتك ونحوه بدون نية هو استعمال العرف فإن عرف زماننا غير ذلك، بل المتعارف فيه استعماله في اسقاط الحقوق، فأما أن يذكر البدل إلى جانبه فتقول: خالعني على كذا أو يقول هو: خالعتك على كذا، وإما أن لا يذكر، فإذا لم يذكر البدل كان الغرض منه اسقاط مالها من مهر ونحوه، وعلى هذا لا يقع به طلاق عند عدم ذكر المال إلا بالنية.
ثانيها: لفظ بارأتك، فإذا قال لها: بارأتك على عشرين جنيهاً وقبلت وقع طلاق بائن ولزمها العشرون وسقط مهرها باتفاق، وإذا لم تقبل لم يقع طلاق ولم يلزمها شيء باتفاق، أما إذا لم يذكر البدل بل قال لها: بارأتك، فإذا قالت: قبلت وقع الطلاق البائن وسقط حقها في المهر ونحوه وكذا إذا قالت له: بارئني، فقال: بارأتك، وهل يتوقف إيقاع الطلاق بهذه على النية أو لا؟ والجواب: أنها إذا كثر استعمالها في الطلاق، كالخلع، يقع بها الطلاق بدون نية، على أن عرف زماننا لم يستعمل بارأتك في الخلع، وإنما المستعمل أن يقول لها: أبريني وأنا أطلقك، فتقول له أبرأتك، فيقول لها: طلقتك على ذلك، وهذا يقع به طلاق بائن، لأنه وإن كان صريحاً ولكنه على مال فيسقط حقها، أما إذا قال لها: بارأتك ولم يذكر مالاً فقالت قبلت، فإنه لا يقع به الطلاق البائن إلا بالنية، فإذا قال لم أنو طلاقها يسمع منه قضاء إلا إذا كان في حالة غضب أو مذاكرة الطلاق، لأنه كناية بلا كلام، ومتى قال: نويت الطلاق سقطت حقوقها التي تسقط بالخلع، وإذا قالت له أبرأتك من حقوقي كلها، فقال لها: طلقتك على ذلك وقع الطلاق بائناً، وإن كان صريحاً لأنه طلاق على عوض كما قلنا، وفي هذه الحالة تسقط نفقة عدتها.
ثالثها: لفظ باينتك، فإنه موضوع للخلع، فإن لم يذكر مالاً وقبلت سقطت حقوقها في المهر متى نوى الطلاق، وإن لم تقبل ونوى به الطلاق طلقت وإلا فلا لأن المباينة لا يقع بها الطلاق إلا بالنية أما إذا قال لها: باينتك على عشرين ريالاً ولم تقبل لا يقع به الطلاق قولاً واحداً ولا يلزمها البدل لأنه علق إبانتها على المال، كما قلنا.
رابعها: لفظ فارقتك، فإنه إذا ذكر مالاً فقال: فارقتك على مائة وقبلت بانت منه ولزمتها المائة وسقطت حقوقها الآتي بيانها من مهر ونحوه وإن لم تقبل لا يقع طلاق ولا يلزمها مال وإن لم يذكر مالاً فإن قبلت منه سقطت حقوقها التي تسقط بالخلع إن نوى به الطلاق أو قامت قرينة على إرادة الطلاق: وإن لم تقبل. فإن نوى به الطلاق لزمه طلاق بائن لأنه كناية، وإلا فلا يلزمه شيء.
خامسها: لفظ الطلاق على مال فإذا قال لها: طلقي نفسك على عشرين جنيهاً، فقالت: قبلت أو طلقت نفسي على ذلك وقع الطلاق بائناً ولزمها العشرون، وهل يسقط ذلك حقها في المهر زيادة على العشرين التي دفعتها؟ الصحيح أنه لا يسقط، نعم تسقط به نفقتها، سواء كانت مفروضة أو لا، فإذا كان محكوماً لها بنفقة زوجية متجمدة سقطت بالطلاق على مال، وإن لم ينص على سقوطها. وهذه بخلاف نفقة العدة، فإنه سيأتي الكلام عليها، فإذا قال لها طلقي نفسك على عشرين ولم تقبل فإنه لا يقع طلاق ويلزمه مال ولا يسقط مهرها ولا نفقتها، وإذا قال لها: طلقي نفسك ولم يذكر مالاً كان ذلك تمليكاً للطلاق لا من باب الخلع، وقد تقدم حكمه في مبحث الإنابة في الطلاق، على أن بعضهم لم يعد الطلاق على مال من الخلع لأنه لا يسقط الحقوق على المعتمد، والخلع الشرعي يسقط الحقوق، نعم يقع به البائن ويلزم به المال المنصوص فلهذا أصبح في حكم الخلع.
فهذه هي الخمسة المشهورة: وزيد عليها اثنان: أحدهما: ما اشتق من لفظ البيع فإذا قال لها: بعت نفسك بمائة جنيه، فقالت: اشتريت، أو قبلت وقع به الطلاق البائن ولزمتها المائة وسقط حقها الذي يسقط بالخلع، وإذا لم تقبل لا يقع الطلاق ولا يلزمها شيء، أما إذا قال لها: بعت نفسك ولم يذكر مالاً، فقالت: قبلت فإنه يقع بذلك الطلاق البائن ويسقط حقها الذي يسقط الخلع فإذا قال لها: بعت نفسك منك ولم يذكر مالاً ولم تقبل فإنه يقع به الطلاق البائن قضاء وإن لم ينو، وذلك لأن البيع زوال الملك، وهو لا يملك من زوجته إلا المتعة فباع ملك المتعة وهو معنى الطلاق، ومثل ذلك ديانة، ومثل ذلك ما إذا ذكر البدل، قبلت أو لم تقبل، فإنه لا تسمع منه دعوى عدم الطلاق قضاء، كما مر في نظائره، وإذا قال لها: بعتك طلقة ولم يذكر مالاً، فقالت: قبلت، لزمه طلاق رجعي، لأن عدم ذكر البدل جعله طلاقاً صريحاً فلو قال بعتك طلقة بمهرك، فقالت طلقت نفسي، ولم تقل، اشتريت وقع طلاق بائن وسقط مهرها.
ثانيهما: ما اشتق من لفظ الشراء فإذا قال لها: اشتري طلاقك بألف، فقالت: قبلت، أو اشتريت وقع طلاق بائن ولزمت الألف، هكذا كما ذكر في البيع، فيكون مجموع ألفاظ الخلع سبعة، وقد علمت حكم كل واحد منها تفصيلاً.

يتبع

ابوالوليد المسلم 21-06-2022 06:14 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 341 الى صــــــــ
348
الحلقة (211)



المالكية - قالوا: الخلع شرعاً هو الطلاق بعوض، وقد تقدم تعريف الطلاق، فقوله: الطلاق شمل الطلاق بأنواعه المتقدمة، وهو: الصريح، والكناية الظاهرة أو أي لفظ آخر إذا كان بنية الطلاق، فإذا قالت له زوجته: طلقني على مهري، أو على مائة ريال مثلاً، فقال: طلقتك على ذلك لزمه طلاق بائن ولزمها العوض، وكذا إذا أجابها بكناية ظاهرة من الكنايات المتقدم ذكرها، فإنه يقع الطلاق البائن ويلزمها العوض، وكذا إذا أجابها بأي لفظ ناوياً به طلاقها فإنه يلزمه طلاق بائن، ولفظ من ألفاظ الطلاق الصريح، فإذا أجابها بقوله: خالعتك، أو اختلعتك كان بمنزلة قوله لها: أنت طالق، وإذا قال لها: خالعتك، أو اختلعتك بدون ذكر عوض لزمه طلاق بائن. هذا، وقد عرفه بعضهم بأنه عقد معاوضة على البضع تملك به الزوجة نفسها ويملك به الزوج العوض، ولا يخفى أن هذا التعريف فيه بيان حسن لماهية الخلع.
الشافعية - قالوا: الخلع شرعاً هو اللفظ الدال على الفراق بين الزوجين بعوض، متوفرة فيه الشروط الآتي بيانها في شروط العوض، فكل لفظ يدل على الطلاق صريحاً كان أو كناية يكون خلعاً يقع به الطلاق البائن، وسيأتي بيان ألفاظ الطلاق في الصيغة وشروطها.
الحنابلة - قالوا: الخلع هو فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة، أما الألفاظ المخصوصة فتنقسم إلى قسمين: صريحة في الخلع، وكناية فيه. فأما الصريحة، فهي: خلعت، وفسخت، وفاديت، فهذه الألفاظ إذا استعملها الزوج المتوفرة فيه الشروط الآتية مع ذكر العوض ولو كان العوض مجهولاً وقبلته الزوجة صح الخلع، وترتب عليه الفراق وإن لم ينو الخلع لأنها صريحة في الخلع فلا تحتاج إلى نية، فإن لم يذكر العوض أو ذكره ولم تقبل الزوجة في المجلس لم يكن الخلع صحيحاً فيلغو ولا يترتب عليه شيء، وإذا ذكر العوض وقبلت الزوجة كان ذلك فسخاً بائناً تملك به الزوجة نفسها، ولكنه لم ينقص عدد الطلقات الثلاث إلا إذا نوى الزوج الطلاق لا الفسخ فإنه يكون طلاقاً ينقص عدد الطلقات الثلاث وأما الكناية في الخلع فهي ثلاثة ألفاظ أيضاً باريتك، أبنتك، ابنتك، فهذه الألفاظ الثلاثة يصح بها الخلع بالنية، أو دلالة الحال، فأما الحال فهي أن يذكر العوض وأن يكون الخلع إجابة لها عن سؤالها، فإذا قالت له: خالعني، فقال لها: خالعتك على مائة ريال مثلاً وقبلت وقع الخلع وفسخ النكاح بينهما من غير حاجة إلى نية فسخ النكاح، أما إذا لم تسأله الخلع أو لم يذكر العوض فلا يصح الخلع بها إلا بالنية من الزوجين فلو قالت له: أبرأتك ولم تذكر عوضاً ناوية به فسخ النكاح، فقال: قبلت وهو ينويه أيضاً لزم الفسخ وإلا فلا يلزم به شيء.
أما الطلاق في مقابل عوض فإنه يقع به طلاق بائن، إذا قالت له: طلقني بمائة شاة مثلاً. فقال لها: طلقتك استحق المائة وطلقت منه طلقة بائنة، بشرط أن ينوي الطلاق، وذلك لأن الطلاق في هذه الحالة يكون كناية، فإذا قالت له: خالعني، أو اخلعني بألف، فقال: طلقتك وقع طلاق رجعي، ولا يلزمها الألف، لأنه طلقها طلاقاً لم تطلبه، وكذا إذا قالت له: اخلعني ولم تذكر عوضاً، فقال لها: طلقتك فإنه يقع رجعياً، إلا إذا كان ثلاثاً فإنه لا رجعة فيه.
والحاصل أن الخلع بألفاظه المخصوصة، سواء كانت صريحة أو كناية فسخاً لا ينقص عدد الطلقات إلا إذا نوى به الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بائناً ينقص عدد الطلقات، بخلاف الطلاق على عوض بلفظ الطلاق، فإنه يكون طلاقاً بائناً ينقص عدد الطلقات بشرط النية وقبول الزوجة، فإذا سألته الخلع بدون عوض، أو بعوض فاسد، فقال لها: أنت طالق وقع به طلاق رجعي، فإذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً لزمته الثلاث، مثل ذلك ما إذا سألته الخلع، أو الطلاق على مال فأجابها بكناية من كنايات الطلاق ناوياً بها الطلاق فإنه يقع طلاقاً بائناً ويلزمها العوض.
فالخلع بألفاظ الخلع صريحة كانت، أو كناية فسخ بائن، والخلع بألفاظ الطلاق صريحة كانت أو كناية طلاق بائن ينقص عدد الطلاق بشرط النية) .
(2) (الشافعية - قالوا: قالوا: الأصل في الخلع الكراهة، ويكون مستحباً إذا أساءت المرأة المعاشرة، ولا يوصف بغير ذلك، فلا يكون حراماً. ولا يكون واجباً) .
(3) (المالكية - قالوا: لا يصح الخلع في الزمن المنهي عنه، كالطلاق، كما تقدم في مبحث الطلاق البدعي) .
(4) (الحنفية، والشافعية - قالوا: ليس للحكمين حق تطليق الزوجة، لأن الولاية على الطلاق مختصة، بالأزواج أو من ينوب عنهم. والمال من حق الزوجة في الخلع، فإذا أناب الزوج الحكمين في الطلاق كان لهما ذلك على الوجه السابق في مبحث الإنابة في الطلاق) .
(5) (الحنفية - قالوا: إذا قسى الزوج على زوجته في المعاملة وضاررها لتفتدي منه حرم عليه أخذ شيء من المال، سواء كان من الصداق، أو من غيره، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {فلا تأخذوا منه شيئاً} فإنه نهي للزوج عن أن يأخذ شيئاً من الصداق ولو كان كثيراً أما إذا أساءت الزوجة معاشرة زوجها ولم تؤد له حقوقه، أو خانته في عرضه، فله أن يأخذ عوضاً في مقابلة تطليقها بدون كراهة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فالآية الأولى نهي للأزواج عن أن يأخذوا شيئاً من الصداق في حالتين: حالة ما إذا كان الشقاق من الزوج، وحالة ما إذا لم يخافا الوقوف عند حدود الله، والآية الثانية تبيح للأزواج أخذ العوض على الطلاق في حالة ما إذا خافا أن لا يقيما حدود الله، ومن ذلك إساءة معاشرة الزوجة ومضاررتها، فلكل آية معنى لا يعارض المعنى الآخر، فمن قال: إن الآية الثانية نسخت لا وجه له، وعلى كل حال فمتى قبلت المرأة الخلع على مال فقد لزمها المال ووقع الخلع، وأصبح البدل ملكاً للرجل، ولكن إن كان قبولها لدفع البدل مبنياً على مضاررته وإساءته معاشرتها فقد ملكه ملكاً خبيثاً، وإن كان مبنياً على نشوز الزوجة وكراهتها للرجل فإنه يملكه ملكاً حلالاً، أما إذا أكرهها الزوج على قبول الخلع، إذا كان هو المبتدي بقوله: خالعتك فقبلت مكرهة، وقع الطلاق بائناً إن كان بلفظ الخلع، ولا حق في المال، لأن الرضا شرط في وجوب المال عليها، وإن قال لها: طلقتك على
مائة، وأكرهها على القبول وقع الطلاق رجعياً، ولا حق له في المال. وحاصله أن الإكراه على القبول إن كان بلفظ الخلع يقع به البائن ويسقط العوض، وإن كان بلفظ الطلاق على مال يقع به الرجعي ويسقط العوض.
بقي شيء، وهو هل للزوج أن يأخذ من المرأة أكثر مما أعطاها ولو كانت ناشزة؟ التحقيق الذي ذكروه في الجواب هو أن الأولى له أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها إن كان النشوز من قبلها، أما إن كان من قبله فقد عرفت أنه لا يحل له أن يأخذ شيئاً أبداً، ولكن ظاهر الآية يفيد الإباحة، لأنه تعالى قال: {فلا جناح عليهما} في حالة ما إذا كان النشوز منهما معاً، فإذا كان منها وحدها كان عدم الجناح أولى، اللهم إلا أن يقال: نفي الجناح نفي الإثم، فلا ينافي أن الأولى له أن يأخذ ما أعطاها بدون زيادة.
المالكية - قالوا: إذا أساء الرجل معاشرة زوجته وضاررها لتفتدي منه، فإن كان ذلك من أجل تركها للصلاة، أو للغسل من الجنابة فإنه يجوز له ذلك، فإن له أن يمسكها ويؤدبها حتى تؤدي ما فرض عليها، وإن شاء خالعها على مال، ويتم له ما أخذه، أما إذا أساء عشرتها وضاررها بضرب أو شتم بغير حق، أو أخذ مال، أو إيثار ضرة عليها في مبيت، أما إيثار ضرة عليها في حب قلبي فليس بضرر، فإذا فعل معها ذلك وافتدت منه بمال، وقع الطلاق بائناً، ورد لها المال الذي أخذه منها، فإن كان الخلع في نظير رضاع، أو نفقة حمل، أو إسقاط حضانة سقط عنها ما التزمته من ذلك وعاد لها حقها. ويثبت ضررها بشهادة واحد رأى بنفسه الضرر، أو سمعه من غيره. ولا يشترط كونه من الثقات، بل تكفي شهادة أحد الجيران بشرط أن تحلف الزوجة على ما تدعيه من ضرر، وهل يشترط تحليف الشاهد، أو لا؟ خلاف وبعضهم يقول: الصواب تحليفه أيضاً، فإن شهدت امرأتان فإن شهادتهما مع يمين الزوجة تكفي في إثبات الضرر بشرط أن تكون شهادة قطع لا شهادة سماع، بأن تشهدا بأنه ضاررها أمامهما، وقيل: تكفي شهادتهما بالسماع، على أن شهادة الواحد مع يمين الزوجة وشهادة المرأتين مع يمينها تسقط العوض المالي، أما ما لا يؤول إلى المال، فإنه لا يسقط، كخلعها بإسقاط حضانتها.
وإذا ضاررها جاز لها التطليق به، ولكنها وهي في عصمته لم تستطع الخلاص منه إلا بالاعتراف بأن لا حق لها في ادعاء الضرر، ولا حق لها في إحضار بينة تشهد على الضرر فخالعها على مال أخذه، وسجل عليها اعترافها المذكور، فإنه لا يعمل بهذا الاعتراف، لأنه ناشئ عن إكراه، أما طريق إثبات الاعتراف فهي البينة فإن كانت قد أحضرت بينة وقالت لها قبل الخلع: أنها ستعترف لزوجها بأن لا حق لها في ادعاء الضرر ولا في الإشهاد عليه مكرهة على ذلك لتتخلص من شره، وشهدت البينة بذلك، فإن للزوجة الرجوع عن إقرارها باتفاق، ومثل ذلك إذا قامت لها بينة لم تكن تعلم بها، وشهدت بأنها اعترفت مكرهة للتخلص من شره، ويقال للبينة الأولى: بينة استرعاء، أي بينة استشهاد قبل الخلع بأنها لم تشترط على نفسها ذلك إلا للضرر.
هذا كله إذا ضاررها هو. أما إذا كانت هي الناشزة وأساءت معاشرته بشتم ونحوه، فإنه يتم له ما أخذه بلا كراهة.
بقي شيء آخر، وهو ما إذا علم بأنها زانية، فهل له أن يضاررها حتى تفتدي منه؟ وإذا افتدت منه بمال الضرر هل يتم له أخذه؟ والجواب: ليس له ذلك، لأنه إذا علم بزناها ورضي بالبقاء معها من أجل العوض المالي كان في حكم الذي رضي بالديوثة، فليس له إلا أن يطلقها بدون مال، أو يمسكها، كما تقدم في مباحث الطلاق، فإن ضاررها وافتدت منه بمال وثبت ذلك رجعت عليه به وبانت منه بدون مال.
الحنابلة - قالوا: إذا أساء الرجل معاشرة زوجته فضاررها بالضرب والشتم وبالتضييق عليها وإيثار ضرتها عليها في قسم، أو منعها حقها في النفقة، أو نقصها شيئاً من حقوقها لتفتدي نفسها منه، ففعلت كان الخلع باطلاً، وإن أخذ منها شيئاً وجب أن يرده لها، وبقيت زوجة له على عصمته، كما كانت قبل الخلع، وذلك لأنها أكرهت على العوض فلا يستحق الزوج أخذه، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} والنهي يقتضي الفساد عند الحنابلة، نعم إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، أو بلفظ الخلع ونحوه، ولكن نوى به الطلاق فإنه يقع به الطلاق رجعياً، فإذا ضاررها الزوج لا بقصد أن تفتدي منه، ولكن فعله لسوء خلقه فافتدت منه، فإن الخلع يصح، وله أخذ العوض، ولكنه يأثم بمضاررة زوجته وإيذائها فالواجب أن يعمل الأزواج بقوله تعالى: {عاشروهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} .
هذا إذا كان الضرر من جهة الزوج، أما إذا كان من جهة الزوجة، فإن كانت تاركة لفرض من فروض الله، أو كانت فاسدة الأخلاق زانية، فإن له أن يضاررها لتفتدي منه، وإذا افتدت حل له أخذ العوض وصح الخلع، لأن الله تعالى قال: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} ، فإنها إذا فعلت فاحشة كان للزوج عضلها وتأديبها حتى تكف عن الفاحشة، أو تفتدي منه، ومثل ذلك ما إذا كان النشوز من جهتهما معاً، وهو المذكور في آية {إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله} .
الشافعية - قالوا: الأصل في الخلع الكراهة، فيكره للرجل أن يخالع زوجته لغير حاجة، كما يكره للمرأة أن تبذل مالها للرجل ليخالعها بدون ضرورة، ولكن يستثنى من الكراهة صورتان: الصورة الأولى: أن يحدث بينهما شقاق يخشى منه أن يفرط كل من الزوجين في الحقوق التي فرضها الله عليه للآخر، كما إذا خرجت الزوجة عن طاعة الزوج، وأساءت معاشرته، أو أساء هو معاشرتها بالشتم أو الضرب بلا سبب، ولم يزجرهما الحاكم ولم يتمكن أهلهما من الصلح بينهما فإنه في هذه الحالة يستحب الخلع، ومتى قبلت المرأة لزمها المال وليس لها أن تطلب رده بدعوى أنه ضاررها، نعم لا يحل للرجل أن يضار امرأته لتفتدي منه، ولكن إن وقع بشرائطه الآتية تم عليهما فليس لواحد منهما الرجوع.
الصورة الثانية: أن يخلف بالطلاق الثلاث على أن لا يدخل هذه الدار، أو على أن لا يدخل هذه الدار هذه السنة، فإن له في هذه الحالة أن يخلعها بدون كراهة، فتبين منه ويدخل الدار، وهي ليست زوجته، فلا يقع عليه يمين الثلاث، ثم تبين منه بطلقة واحدة على الصحيح من أن الخلع طلاق لا فسخ. ومن قال: أنه فسخ يقول: أنها تبين منه ولا ينقص عدد الطلقات، بشرط أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ المفاداة، وأن لا ينوي به الطلاق، ومثل ذلك إذا حلف ليفعلن كذا، كما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها، فإن له أن يخلعها ولا يقع عليه الثلاث بعدم التزوج عليها، أما إذا حلف بالطلاق الثلاث ليتزوجن عليها في هذا الشهر، ففيه خلاف. والمعتمد أنه إذا خالعها، وقد بقي من الشهر زمن يمكنه أن يتزوج فيه، فإن الخلع يخلصه من الطلاق الثلاث، وإلا فلا) .

ابوالوليد المسلم 27-07-2022 01:11 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 349 الى صــــــــ
359
الحلقة (213)





أركان الخلع وشروطه
-أركان الخلع خمسة
(1)
الأول: ملتزم العوض، والمراد به الشخص يلتزم المال، سواء كانت الزوجة أو غيرها.
والثاني: البضع الذي يملك الزوج الاستمتاع به، وهو بضع الزوجة، فإذا طلقها طلقة بائنة زال ملكه فلا يصح الخلع. الثالث: العوض، وهو المال الذي يبذل للزوج في مقابل العصمة. الرابع: الزوج. الخامس: العصمة، هذه هي أركان الخلع، فلا يتحقق بدونها، ويتعلق بكل ركن منها شروطه كالآتي.

شروط ملتزم العوض والزوج وفيه خلع الصغيرة، والسفيهة، والمريضة.
-يشترط في كل من ملتزم العوض والزوج أن يكون أهلاً للتصرف، فأما ملتزم العوض فيجب أن يكون أهلاً للتصرف المالي، وأما الزوج فيجب أن يكون أهلاً للطلاق، وهو العاقل المكلف الرشيد، فلا يصح للصغيرة، أو المجنونة، أو السفيهة أن تخالع زوجها بمال، كما لا يصح للصغير، أو المجنون أن يطلق زوجته، بخلاف السفيه فإنه يصح أن يطلق، ولا يصح أن يلتزم المال، وفي كل ذلك تفصيل في المذاهب
(2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: إذا كان الخلع في نظير عوض، فإن ركنه هو الإيجاب والقبول فإن كان الزوج قد بدأ بالخلع، كما إذا قال لها: خالعتك على ذلك كانت المرأة قابلة، وإذا كانت المرأة مبتدئة كان الزوج قابلاً، أما إذا لم يكن في نظير عوض وكان طلاقاً، كان ركنه ركن الطلاق وهو الصفة الحكمية التي دل عليها اللفظ، كما تقدم في أركان الطلاق، فارجع اليه) .

(2) (الحنفية - قالوا: لا يصح للصغيرة أن تلتزم العوض المالي، فإذا قال لها الزوج: خالعتك على عشرين جنيهاً، وقالت: قبلت، وهي مميزة تعرف أن الطلاق يوجب الفرقة بينهما ويحرمها من زوجها فإنها تبين منه، ولكن لا يلزمها العوض المالي، لأنها ليست أهلاً لالتزامه، ومثل ذلك ما إذا قال لها هو: خالعتك على كذا فقبلت، فإنها تبين ولا يلزمها المال، لأنه تبرع، والصغير ليس أهلاً للتبرعات. هذا إذا خالعها بلفظ الخلع ونحوه من الكنايات المتقدمة، أما إذا قال لها: طلقتك على عشرين وقبلت، أو قالت له: طلقني على عشرين، فقال لها طلقتك. فإنه يقع رجعياً، لأنه طلاق صريح لا في نظير عوض، لأن الصغيرة لا يلزمها العوض، كما قلنا، فيقع رجعياً، ومثل ذلك ما إذا قال لها: طلقتك بمهرك فقبلت، فإنها تطلق رجعياً، ولا يسقط المهر، وهل للأب أن يختلع بنته الصغيرة؟ والجواب:
أنه إذا اختلعها بمالها، أو بمهرها وقع الطلاق، ولا يلزمها شيء، كما لا يلزم الأب شيء في الأصح وذلك لأنه معلق بقبول الأب وقد وجد، وبعضهم يرى أنه معلق بلزوم المال، فإذا لم يلزم فلا طلاق.
هذا، وإذا اختلعها الأب على مالها وهي صغيرة، ثم كبرت وأجازت صح الخلع ولزمها البدل، أما إذا اختلعها الأب بماله فإنه يصح الخلع ويلزمه المال بلا كلام، وكذا إذا اختلعها على مال وضمنه فإنه يلزمه. وليس للأب أن يختلع بنته الكبيرة سواء كانت بكراً أو ثيباً، فإذا فعل ذلك وقع الخلع موقوفاً على إجازتها فإن أجازته فإنه يصح ويلزمها المال، وإن لم تجزه لا يقع ولا يلزمها المال، فإن ضمن الأب أو الأجنبي المال، كما إذا قال له: اخلع بنتي أو فلانة بألف علي. أو اخلعها بألف على أني ضامن. أو اخلعها على جملي هذا. فقال الزوج: خلعتها على ذلك صح الخلع، ولزم الأب أن يدفع البدل، فإن لم يكن الجمل ملكاً له لزمته قيمته، ولا يتوقف على قبول المرأة، وهذا بخلاف ما إذا قال له: اخلعها بألف. أو اخلعها على هذا الجمل، فإنه لا يصح الخلع إلا إذا قبلت، فإن قبلت لزمها العوض، وإن عجزت عن تسليمه لزمتها قيمته، فإن لم تقبل لا يلزمها البدل باتفاق، وهل تطلق أو لا؟ فبعضهم يقول: أنها تطلق، لأن الطلاق موقوف على القبول، وقد قبل أبوها، أو الأجنبي. وبعضهم يقول: لا تطلق، لأن الطلاق معلق على قبول الزوجة ولزم المال، ووجهة نظر الأول أنه يقول: إن الطلاق بيد الزوج وقد رضي أن يعلقه على قبول الأب أو الأجنبي للعوض. وقد تحقق ذلك القبول، فينبغي أن يقع عليه الطلاق، أما كون التزام العوض صحيحاً أو لا، فتلك مسألة مالية خارجة عن ماهية الخلع، فإذا قبلته المرأة لزمها المال، وإذا لم تقبله لا يلزمها المال ووقع عليه الطلاق، وهو وجيه، ويظهر من كلامهم ترجيحه.
وكما لا يصح للصغيرة أن تخالع زوجها بمال فكذلك لا يصح للسفيهة، والسفيهة هي التي تبلغ مبذرة مفسدة لمالها تضيعه في غير وجهه الشرعي، فإذا خالعت السفيهة زوجها على مال وقع الطلاق ولا يلزمها المال، ثم إن كان بلفظ الخلع ونحوه من ألفاظ كنايات الخلع كان بائناً، وإن كان بلفظ الطلاق كان رجعياً.
وهل يشترط لثبوت السفه حكم القاضي بالحجر، أو لا يشترط، بل يكفي أن تكون مبذرة لمالها تضيعه في غير وجوه الشرع؟ خلاف، والمعتمد الثاني، وهو أنه متى ثبت كونها مبذرة فإنه لا يصح خلعها، ولو لم يحكم الحاكم بثبوت سفهها.
وإذا اختلعها الأب، فإن ضمن المال صح الخلع ولزم المال، وإلا فلا، كالتفصيل المتقدم في خلع الكبيرة الرشيدة.
وحاصل هذا كله أنه يشترط لصحة الخلع أن يكون ملتزم العوض بالغاً رشيداً، فإن التزمت الزوجة الصغيرة بعوض الخلع لا يلزمها العوض، ثم إن كانت مميزة تدرك آثار الطلاق، وقبلت وقع الطلاق،
وإن لم تقبل لا يقع، وكذا إذا كانت صغيرة غير مميزة، فإنه لا يقع طلاقها، ولو قبلت وقع الطلاق رجعياً إن كان بلفظ الطلاق، وبائناً إن كان بلفظ الخلع ونحوه من الكنايات، وقد عرفت أنه إذا ذكر البدل لا تسمع منه دعوى عدم نية الطلاق قضاء، وهل للأب أن يخالع عنها أو لا؟ والجواب: أنه
إذا خالع عن الصغيرة من مالها وقع الطلاق ولا يلزمها مال، وإن كان ماله فإنه يصح، وتطلق بائناً، ومثل ذلك ما إذا ضمن المال، ومثلها الكبيرة السفيهة. فإنها إذا خالعت وقع طلاقها ولا يلزمها شيء، وليس للأب أن يخالع عنها، فإن كان من ماله صح. ولا يتوقف على قبولها، ومثل الأب الأجنبي، أما الكبيرة الرشيدة فلا يصح لأحد أن يخالع عنها من مالها بدون إذنها، فإذا خالع عنها الأب من ماله بدون إذنها فإنه يصح ويلزمه المال، ولا يتوقف على قبولها. ومثل الأب الأجنبي في ذلك.
هذا إذا كانت الكبيرة الرشيدة صحيحة، فإن كانت مريضة مرضاً ماتت فيه، وخالعته على مال في ذلك المرض الذي ماتت فيه فإنه يصح، بشرط أن يكون من الثلث، لأنه تبرع، وليس لها أن تتبرع بما يزيد عن الثلث، فإذا خالعته على مال فإنه ينظر إلى الثلث وإلى ما يستحقه من الميراث إذا ماتت وهي في العدة، فإن كان الثلث أكثر من ذلك المال، ينظر إلى ما يستحقه من الميراث، فإن كان ما يستحقه من الميراث أكثر، فإنه يأخذ ذلك المال الذي خالعته عليه، لأنه أقل من ثلث المال ومن الميراث، وإن كان الثلث أقل من المال الذي خالعته عليه، فإنه ينظر هل الثلث أيضاً أقل مما يستحقه من الميراث؟ فإن كان كذلك أخذ الثلث، أما إن كان ما يستحقه من الميراث أقل فإنه يأخذ ما يستحقه من الميراث، فهو دائماً يأخذ الأقل، سواء كان الأقل هو الثلث أو المبلغ الذي خالعته عليه، أو الميراث. مثلاً إذا خالعته على ستين، وكان يستحق ميراثاً خمسين، وكان ثلث المال مائة فإنه يأخذ الخمسين لأنها أقل، فإذا خالعته على ستين، وكان يستحق من الميراث خمسين، وكان ثلث المال أربعين أخذ الأربعين، وعلى هذا القياس.
هذا إذا كانت مدخولاً بها ماتت وهي في العدة، أما إذا كانت غير مدخول بها فإنها تبين بمجرد طلاقها، فلا يكون له حق في إرثها، فلا ينظر إلى ما يستحقه من الميراث، بل ينظر إلى العوض الذي خالعته عليه وإلى الثلث، فيأخذ الأقل، فإن خالعته على ستين، وكان ثلث مالها مائة أخذ الستين، وإن كان الثلث خمسين، أو أربعين أخذ الثلث، ومثل ذلك ما إذا كانت مدخولاً بها لكنها ماتت بعد انقضاء العدة، لأنه في هذه الحالة لا يكون له حق في ميراثها، فإذا برئت من المرض كان له كل المال الذي خالعته عليه. أما إذا خالعها زوجها وهو مريض، ثم مات في ذلك المرض الذي طلقها فيه، فإنها ترثه، لأن الذي يطلق امرأته في مرض موته يعتبر فاراً من ميراثها، فلا يسقط حقها، وإذا طلقها وهو صحيح ثم مات وهي في العدة، فإنها ترث وإلا فلا.
وبهذا تعلم حكم خلع الصغيرة، والسفيهة، والمريضة، وتعلم أنه لا يلزمهن العوض، وتعلم حكم ما إذا باشر الأب أو الأجنبي الخلع عنهما، وتعلم توضيح اشتراط أهلية ملتزم العوض.
أما اشتراط أهلية الزوج المخالع، أو المطلق فهي ضرورية، فلا يصح طلاق الصغير، ولا المجنون، ولا المعتوه، بخلاف السفيه، فإن طلاقه يقع، لأنه محجور عليه في التصرف المالي فقط، وهل للأب أن يخالع عن ابنه الصغير؟ والجواب: لا يصح، فلو قالت زوجة الصغير للأب: خالعني على عشرين جنيهاً. أو على صداقي نيابة عن ولدك، فقال لها: خالعتك على ذلك كان ذلك لغواً من
القول لا أثر له، وإذا خالع الصغير زوجته أو طلقها، فخلعه، أو طلق فطلاقه باطل لا يصح ولا تتوقف صحته على إجازة الولي أصلاً، ومثله المجنون، والمعتوه. المالكية - قالوا: لا يصح للصغيرة، ولا للسفيهة، ولا للرقيقة أن يباشرن مخالعة الزوج بعوض مالي، ومثلهن الأجنبي المتصف بهذه الصفات، فإن خالعهن الزوج على مال وقبضه فلا يصح الخلع ويجب عليه رد المال الذي قبضه، إلا إذا أذن الولي أو السيد في الخلع، فإن أذن فإنه يصح الخلع ويلزم العوض، فإن كانت السفيهة لا ولي لها - ويقال لها: المهملة - والتزمت العوض فإنه لا يصح أيضاً، كما لو كان لها ولي لم يأذنها، وهو المعتمد، وقيل: إن بانت من زوجها عاماً فإنه يصح، وهو ضعيف، فإذا خلع الزوج زوجته الصغيرة على مال بدون إذن الولي، وقع عليه طلاق بائن، ولا حق له في العوض، وإذا قبضه يجب عليه رده، ومثلها السفيهة إذا كان لها ولي لم يأذنها، أو كانت مهملة لا ولي لها، سواء مكثت عند زوجها عاماً أو أعواماً. أو لا، على المعتمد، ومثلهما الرقيقة إذا خالعت بدون إذن سيدها، فإن اشترط الزوج في هذه الحالة صحة البراءة أو إيصال المال له، كما إذا قال للصغيرة ونحوها: إن تم لي هذا المال فأنت طالق. أو إن صحت براءتك فأنت طالق، فإنه لا يقع عليه الطلاق ولا يلزمها العوض.
وإن قبضه لزمه رده، بشرط أن يشترط قبل التلفظ بالطلاق، فيقول: إن صحت براءتك فأنت طالق، أما إذا نطق بالطلاق أولاً، كما إذا قالت له: خالعتك على عشرين جنيهاً. فقال لها: أنت طالق على ذلك إن تم ذلك المال، فإنه يقع الطلاق ويلغو شرطه، وهذا هو المعتمد.
وللولي المجبر، وهو الأب، ووصيه - بعد موته - والسيد أن يخالع عمن له عليها ولاية الجبر إذا طلقت، وهي البكر إذا طلقت قبل الدخول. والثيب الصغيرة. ومن زالت بعارض، فإذا كان لها مال فله أن يخالع عنها من مالها، ولو بدون إذنها، أما الوصي غير المجبر فله أن يخالع عنها بإذنها، فإذا كانت غير مجبرة، بأن كانت ثيباً بوطء الزوج، ولكنها كانت سفيهة، فهل له أن يخالع عنها من مالها بغير إذنها؟ في ذلك خلاف، والمشهور أنه لا يصح بغير إذنها، أما بإذنها فإنه يجوز، وكذا إذا خالع بدون إذنها من ماله فإنه يصح. وقد اعترض على الأول بأن إذن السفيهة لا قيمة له، فكيف يتوقف خلعه على إذنها؟! وهو وجيه لا جواب له.
وهل للمرأة المريضة مرضاً مخوفاً أن تخالع زوجها على مال، وإذا خالعته يقع الطلاق ويلزم العوض. أو لا؟ والجواب: أنه يحرم على الزوجين أن يتخالعا في زمن المرض، ولكن إذا وقع الخلع بينهما في مرض الزوجة فإن الطلاق البائن ينفذ ولا يتوارثان، ولو ماتت وهي في العدة، لأن الطلاق البائن يقطع علاقة الزوجة، أما المال الذي التزمت الزوجة به فإنه ينظر فيه فإن كان يساوي ميراثه منها يوم وفاتها لا يوم الخلع، أو ينقص عنه ويملكه الزوج ولا يتوارثان بعد ذلك، كما ذكرنا، أما إن زاد على ميراثه فإن الزيادة لا تكون حقاً له، ويجب عليه ردها إن كان قد قبضها، ويجب أن لا يتصرف الزوج في المال قبل موتها، لأن المعتبر في تقدير المال يوم وفاتها لا يوم الخلع، وحينئذ يوضع المال الذي خالعته به تحت يد أمين إلى وفاتها، ثم ينظر فيه بعد وموتها إن كان يساوي ما يستحقه من
الميراث، أو أقل أخذه، وإلا أعطي ما يستحقه فقط، ورد الزائد على أن المال الذي يلزم وضعه تحت يد أمين إنما هو المال الذي يساوي ميراثه فقط وقت الخلع دون الزيادة، مثلاً إذا كانت تركتها تساوي ثمانمائة جنيه يوم الخلع وخالعته بما يساوي ثلاثمائة جنيه، وكان من ميراثه الربع، وهو يساوي مائتين، وضع الربع فقط تحت يد أمين، أما الزيادة، وهي المائة فلا توضع حتى إذا ماتت ينظر، هل مجموع مالها الذي بقي يستحق فيه المائتين. أو يستحق أقل؟ فإن كان يستحق المائتين فقط أخذها، وإن كان يستحق أقل رد الزيادة وهذا التفصيل هو المعتمد، وبعضهم يقول: إن الزوج لا يستحق شيئاً من البدل، ويجب عليه أن يرده - إن كان قبضه - للمرأة أو لورثتها إن كانت قد ماتت، وقد عرفت أنه غير المعتمد.
أما الزوج المريض مرضاً مخوفاً فإنه إذا خالع زوجته، فإن الخلع ينفذ والعوض يلزم ولكنه حرام، كما تقدم، إلا أن الزوجة ترث منه إذا مات، سواء كانت في العدة، أو انقضت عدتها، حتى ولو تزوجت غيره عدة أزواج، أما هو فلا يرثها إذا ماتت قبله، لأنه هو الذي أضاع ما بيده.
هذا ما يتعلق بملتزم العوض المالي من التفصيل، أما ما يتعلق بالزوج المخالع فيشترط فيه الشروط التي تقدمت في الطلاق، ومنها أن يكون مسلماً، فلا يصح خلع الكافر، ومنها أن يكون مكلفاً، فلا يصح خلع الصبي، والمجنون، وهل لأب الصغير، والمجنون أن يخالع زوجتيهما؟ والجواب: نعم يصح بشرط أن يكون الخلع في مصلحتهما، ومثل الأب السيد والوصي والحاكم ونائبه فإن لهم أن يخالعوا عنهما إذا كان في الخلع مصلحتهما. وهل لأب الصغير والمجنون أن يطلق عنهما بغير عوض؟ خلاف، وبعضهم يقول: أنه لا يصح، وبعضهم يقول: يصح إن كان في طلاقه عنهما مصلحة، كما إذا فسدت أخلاق الزوجة، وهو ظاهر.
أما السفيه البالغ فإنه يصح أن يتولى الخلع بنفسه، ثم إن كان المال الذي خالع به يساوي المال الذي يخالع به مثله فذاك، وإن خالع بدونه يجب على ملتزم العوض أن يكمله له ولكن المال الذي يخالع به السفيه لا يسلم له، فإذا سلم له لا تبرأ ذمة الزوجة أو ملتزم العوض منه، بل لا بد من تسليمه لوليه. وليس لأب السفيه أن يخالع عنه، لأن السفيه البالغ يملك الطلاق، ومثله العبد البالغ، فإنه لا يصح لسيده أن يخالع عنه.
الشافعية - قالوا: يشترط في ملتزم العوض المالي أن يكون مطلق التصرف المالي، فلا يكون محجوراً عليه حجر سفه، سواء كانت الملتزمة الزوجة، أو غيرها، سواء كان قابلاً أو ملتمساً فإذا قالت الزوجة لزوجها: خالعني على عشرين كانت ملتزمة ملتمسة لقبول عوضها، وإذا قال الزوج خالعتك على ذلك كان قابلاً، وإذا قال الزوج لأجنبي: خالعت زوجتي على كذا في ذمتك، فقال الأجنبي قبلت كان الزوج ملتمساً والأجنبي والملتزم قابلاً، وبالعكس إذا قال الأجنبي خالع زوجتك على مائة جنيه في ذمتي، فقال الزوج: خالعتها على ذلك فإن الأجنبي يكون ملتزماً ملتمساً والزوج قابلاً، وعلى كل
حال فيشترط في ملتزم المال، سواء كانت الزوجة، أو الأجنبي، وسواء كان ملتمساً أو قابلاً، أن يكون مطلق التصرف المالي. فإذا كان محجوراً عليه لسفه فإنه لا يصح التزامه لعوض الخلع ولو بإذن وليه، فلو أذن ولي الزوجة المحجور عليها لسفه هذه الزوجة في مخالعة زوجها على مال ففعلت لا يلزمها المال، لأنها ليست من أهل الالتزام وليس لوليها أن يبذل مالها في مثل عوض الخلع إلا إذا خشي ضياع مالها بواسطة الزوج، فأذنها بالاختلاع منه صيانة لمالها، فإنه يصح في هذه الحالة.
وبهذا تعلم أن خلع المحجور عليها لسفه لا يلزم به مال، ولكن يقع به الطلاق رجعياً إلا في صورة واحدة، فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزم العوض، وهي ما إذا أذنها وليها بالخلع على مال معين خوفاً من أن يبدد زوجها مالها.
هذا إذا كانت الزوجة مدخولاً بها. أما إذا كانت غير مدخول بها فإنه يقع طلاقاً بائناً، لأن الطلاق قبل الدخول بائن، كما تقدم، فإن كانت محجوراً عليها لفلس لا لسفه فإن خلعها يصح ويقع به الطلاق البائن، أما التزامها للمال فإن له صورتين:
الصورة الأولى: أن تلتزم بمال غير معين، كأن تقول له: خالعني على عشرين جنيهاً، وفي هذه الحالة يلزمها مبلغ العشرين ديناً في ذمتها تدفعها له بعد رفع الحجر.
الصورة الثانية: أن تخالعه على عين من مالها المحجور عليه كأن تقول له: خالعتك على هذه الفرس مثلاً، وفي هذه الحالة تبين منه بمهر المثل ديناً في ذمتها.
وهل المريضة مرض الموت مطلقة التصرف في مالها فيصح لها أن تخالع زوجها بالعوض الذي تريده. أو لا؟ الجواب: أن المريض مرض الموت له التصرف في ماله بغير التبرع، أما التبرع فليس له أن يتبرع ما يزيد على الثلث، وعلى هذا يكون في الجواب تفصيل، وهو أن العوض إن كان يساوي مهر المثل فإنه ينفذ بلا كلام. لأن مهر المثل في نظير حل العصمة فليس فيه تبرع، أما إن كانت الزيادة على مهر المثل فإن الزيادة على مهر المثل تكون تبرعاً، وفي هذه الحالة ينظر إن كانت الزيادة أقل من الثلث فإن له أخذها بدون اعتراض، وإن كانت أكثر وأجازت الورثة، فإنه يأخذها، فإن لم تجز الورثة، أو كان الثلث أقل منها فسخ العوض المسمى ورجع بمهر المثل فقط، وعلى هذا يقال: إن المريضة. مرض الموت مطلقة التصرف في العوض الذي يساوي مهر المثل، أما أنها تكون وصية فتجري عليها أحكام الوصية. بقي حكم الأمة إذا خالعت زوجها، فهل يصح، أو لا؟ والجواب: أن الأمة وإن كانت غير مطلقة التصرف، ولكنها ليست كالسفيه، لأنها إذا خالعت زوجها بإذن سيدها بمال عينه لها وقع الطلاق بائناً ولزمت العين التي عينها من ماله، وإذا زادت على ما عينه صح الخلع وتعلقت الزيادة بكسبها من ذلك المال، وإذا لم يأذنها سيدها، فإن الخلع يصح ويقع الطلاق بائناً بمهر المثل، ويتعلق العوض بذمتها على الوجه المتقدم.

هذه شروط ملتزم العوض، وأما الزوج المخالع فيشترط فيه الشروط المتقدمة في الطلاق، وهو أن يكون مكلفاً، فلا يصح الخلع من الصبي والمجنون. والمعتوه، إلا السكران فإنه يصح خلعه تغليظاً عليه، وإذا خالع السفيه المحجور عليه، أو الرقيق فإن خلعهما يصح، ولكن لا يبرأ ملتزم العوض بالدفع للولي والسيد، إلا إذا قيد أحدهما الطلاق بالدفع له، كما إذا قال: إن دفعت لي كذا فأنت طالق فإنها تدفع له وتبرأ بذلك.
الحنابلة - قالوا: يشترط في ملتزم العوض أن يكون أهلاً للتصرفات المالية، فلا يصح الخلع بعوض من الصغيرة، والمجنونة، والمحجور عليها لسفه، ولو بإذن الولي، لأن مال الخلع تبرع ولا إذن للولي في التبرعات، وهذا هو المشهور.
وقال بعضهم: إن الأظهر صحته بإذن الولي إذا كان فيه مصلحة، فإن خالعت الصغيرة، أو السفيهة أو المجنونة زوجها، فإن كان الطلاق كأن قالت له: طلقني على كذا، فقال لها: طلقت وقع طلاق رجعي، وإن لم يكن بلفظ الطلاق، بل بلفظ الخلع وغيره مما تقدم، كان كناية إن نوى به الطلاق طلقت وإلا فلا، وإن كان بلفظ الطلاق الثلاث لا رجعة فيه، كما تقدم، أما الأمة فإنه يصح أن تخالع بإذن سيدها ويكون العوض الذي أذنها فيه في ذمة السيد وليس للأب أن يخالع عن بنته الصغيرة من مالها، وكذلك المجنونة والسفيهة، وليس له طلاقها كذلك، وإذا فعل الأب لم يقع، ولا طلاق إلا أن ينوي الزوج به الطلاق أو يكون بلفظ الطلاق، فإنه يقع رجعياً، كما ذكرنا.
وللأب والأجنبي أن يلتزم عوض الخلع من ماله، بأن يقول: اخلع زوجتك على ألف، أو طلقها على ألف، أو بألف، أو على سلعتي هذه فيجيبه الزوج، فيصح الخلع ويلزم الأب، أو الأجنبي بأن يدفع للزوج عوضاً دون الزوجة.
وإذا قال له: اخلع زوجتك على مهرها. أو على سلعتها وأنا ضامن، فإنه يصح ويلزمه العوض دون الزوجة، لأنه ضمن بغير إذنها، أما إذا قال له: اخلع زوجتك على جملها هذا، أو على ألف منها ولم يضمن، فأجابه الزوج فإن الخلع لا يصح، لأنه بدل مال غيره، بدون إذنه العوض، فبطل الخلع.
وإذا قالت له الزوجة: خالعني على جمل أخي فلان وأنا ضامنة، صح الخلع ولزمها العوض أو قيمته إن عجزت، أما إذا لم تقل له: وأنا ضامنة، فالخلع لم يصح، وإذا خالعته الزوجة وهي مريضة مرض الموت فإن كان العوض أكثر من ميراثه منها فإنه لا يملك إلا ما يساوي ميراثه، أما إذا كان أقل من ميراثه، فإنه يأخذه بدون زيادة لأنه أسقط الزيادة باختياره فلا يستحقها، فتعين استحقاقه للأقل، فإن صحت من مرضها الذي خالعته فيه كان له الحق في كل المبلغ الذي خالعته عليه.
وإن طلقها بائناً في مرض موته فإنها تستحق ميراثها، ولو أوصى لها بشيء أكثر فإنها لا تستحقه فهذا شرط ملتزم العوض، وأما شرط الزوج المطلق، فهو شرط الطلاق المتقدم، فيصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه. فيصح خلع المسلم، والذمي، والبالغ، والصبي المميز الذي يعرف معنى الطلاق ويفعله، والرشيد، والسفيه، والحر، والعبد، لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه فيصح خلعه، وكما يصح الخلع من الزوج أو نائبه يصح ممن له الولاية كالحكم في الشقاق وكطلاق والحاكم في الإيلاء، أو العنة ونحوهما، ويقبض الزوج عوض الخلع ولو كان محجوراً عليه لفلس، أما إن كان محجوراً عليه لسفه، أو كان مميزاً فإنه لا يصح لهما قبض العوض، بل الذي يقبضه الولي، وإن كان رقيقاً بدله السيد لأنه ملكه) .



ابوالوليد المسلم 27-07-2022 01:22 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 359 الى صــــــــ
367
الحلقة (214)


شروط عوض الخلع، وفيه الخلع بالنفقة، والحضانة والمال، ونحو ذلك

-وأما عوض الخلع، فيشترط فيه شروط: منها أن يكون مالاً له قيمة، فلا يصح الخلع باليسير الذي لا قيمة له، كحبة من بر، ومنها أن يكون طاهراً يصح الانتفاع به، فلا يصح بالخمر. أو بالخنزير، والميتة، والدم وهذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية، وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم، كما تقدم في المهر، ومنها أن لا يكون مغصوباً، ومنها غير ذلك.
ويصح الخلع بالمال، سواء كان نقداً، أو عرض تجارة. أو مهراً. أو نفقة. أو أجرة رضاع. أو حضانة. أو نحو ذلك، وفي ذلك تفصيل المذاهب (1) .
__________

(1) (الحنفية - قالوا:
ما جاز أن يكون مهراً جاز أن يكون بدلاً في الخلع، وقد عرفت تفصيل ذلك في شروط المهر، فارجع إليها.
فإذا خالعت زوجها على خمر، أو خنزير، وقبل منها فإن كان يلفظ الخلع ونحوه بانت منه ولا شيء له عليها، ولا يسقط شيء من مهرها، وإن كان بلفظ الطلاق وقع الطلاق رجعياً بعد الدخول وبائناً قبله.
وإذا خالعته على مال مغصوب ليس ملكاً لها، فإن الخلع يصح والتسمية تصح، ثم إذا أجازه المالك أخذه الزوج، وإن لم يجزه كان له قيمته، وإذا خالعته على شيء محتمل، كأن قالت له: خالعتك على ما في الدار، أو قالت خالعتك على ما في بطون هذه الغنم فإنه يصح، ثم إن كان في الدار أو في بطون الغنم شيء فهو للزوج، وإن لم يكن فلا شيء له، لأنه قبل أن يخالعها على ما يحتمل أن يكون مالاً، أو لا يكون، فإذا سمت مالاً معيناً، ولكنه ليس بموجود حالاً، وإنما يوجد بعد، كما إذا قالت له: خالعني على ثمر نخلي في هذا العام. أو على كسبي في هذا الشهر، فإن الخلع يصح وعليها أن ترد له ما قبضت من مهر، سواء وجد الثمر والكسب أو لم يوجد ثم إن وجد يكون حقاً له وإذا سمت مالاً موجوداً بالفعل، كما إذا خالعته على ما في بيتها من المتاع. أو على ما في نخيلها من الثمار. أو على ما في بطن ناقتها من ولد، أو على ما في ضروع غنمها من اللبن. فإن الخلع يصح ثم إن وجد ما سمت كان له، وإن لم يوجد لزمها رد ما قبضت من المهر.

والحاصل أنها إذا خالعته على مال غير معين، فذلك على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن لا تذكر مالاً أصلاً ولكن تذكر عبارة تحتمل المال وعدمه، كما إذا قالت له: خالعني على ما في بيتي أو ما في يدي، فإنه يحتمل أن يكون فيه شيء وأن لا يكون، وحكمه أن الخلع يصح وإن وجد شيء أخذه، وإلا فلا شيء له. ثانيها: أن تذكر مالاً ليس موجوداً في الحال، ولكن يوجد بعد، كما إذا قالت له: خالعني على ما تنتجه نخيلي من ثمر في هذا العام، وحكم هذا أن الخلع يصح، وعليها أن ترد ما قبضته من مهر، وإن لم تكن قبضت سقط مالها، سواء وجد الثمر أو لم يوجد. ثالثها: أن تذكر مالاً مجهولاً، ولكنه موجود في الحال، كما إذا قالت له خالعني على الولد الذي في بطن هذه الناقة، أو على الثمر الموجود على النخيل، أو المتاع الموجود في الدار وحكمه أن الخلع صحيح، ثم إن وجد شيء كان للزوج، وإن لم يوجد ردت له ما قبضت من مهر. وإذا خالعته على جمل شارد. أو فرس تائه، فإن الخلع يصح وعليها تسليم عينه إن قدرت وإن عجزت وجبت عليها قيمته، ولا ينفعها أن تشترط البراءة من ضمانه. فإنه لازم لها أو قيمته على كل حال، وإذا خالعته على حيوان موصوف كفرس مسكوفي، أو جمل يقدر على الحمل، أو نحو ذلك، فإن الخلع يصح ويلزمها أن تعطيه الوسط، أو تعطيه قيمة الوسط، أما إذا خالعته على حيوان غير موصوف وقع الطلاق. ووجب عليها أن ترد له المهر والنفقة التي استحقتهما عليه بعقد النكاح.
ويصح الخلع على نفقة العدة والمتعة، ولكن يشترط لإسقاط النفقة أن ينص عليها في الخلع وذلك لأن الخلع يسقط عن الزوجين حقوق الزوجية الثابتة لكل منهما وقت الخلع ولو لم ينص عليها إلا إذا خالعته على كل مهرها فإنها ترد له ما قبضته منه، فلا يسقط بالخلع لأنه هو الذي به الخلع، أما نفقة العدة فلا تسقط إلا إذا نص عليها وذلك لأنها تثبت يوماً فيوماً، فلا تكون حقاً للمرأة واجباً على الزوج، ولهذا لو قالت له: أنت بريء من نفقتي أبداً مادمت امرأتك فإنه لا يبرأ من نفقتها، لأن إبراء شخص من حق لا يصح إلا إذا وجب عليه أولاً والنفقة لمستقبله لا تجب عليه الآن لأن سبب النفقة هو عدم خروج المرأة من دار زوجها إلا بإذنه وهذا السبب يحدث يوماً فيوماً وهذا بخلاف ما إذا جعلت عوضاً عن الخلع، فإنه يصح. وذلك لأن الخلع سبب في وجوب العدة، والزوج يستوفي العوض ولا يلزم استيفاؤه دفعه.
والحاصل أن الإبراء من النفقة قبل الخلع أو بعد لا يصح، لأنها لم تجب، فلا معنى لإبرائه منها، وأما جعل النفقة عوضاً عن الخلع فإنه يصح، لأن الخلع سبب في وجوب العدة والنفقة عوض يستوفيه شيئاً فشيئاً. وأما المتعة فإنها تسقط بدون ذكر، فإذا قال لزوجته غير المدخول بها التي لم يسم لها مهراً: خالعتك، فقالت: قبلت سقطت متعتها، وإذا خالعته على السكنى فإنها لا تسقط، وذلك لأنها ملزمة شرعاً بالسكنى في البيت الذي طلقت فيه، فإذا سكنت في غيره ارتكبت معصية، وحينئذ تكون السكنى حق الشرع، فلا يصح اسقاطها نعم إذا كانت ساكنة في بيت مملوك لها، أو كانت تعطي أجرة السكن من مالها، وخالعته على الأجرة فإنها تسقط ويكون الخلع في نظير المال لا في نظير
السكن، ولا يلزم بأن تصرح بأجرة السكني، فإذا قالت له خالعتك على السكني، فإنه يصح ويحمل على الأجرة، فإذا فرض وكانت ساكنة في منزل الزوج وقت الطلاق وخالعته على السكني فيه والخروج منه، فإنها لا تسقط.
واعلم أن في سقوط الزوجين بالخلع ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن لا يذكر البدل، كأن يقول لها: خالعتك ناوياً به الطلاق ولم يذكر بدلاً، وقالت: قبلت، فإنها تبين منه لوجود الإيجاب والقبول، ثم يسقط حق كل منهما قبل الآخر على المعتمد، فإذا كان لها معجل صداق سقط حقها فيه، وإذا قبضت كل الصداق وخالعها قبل الدخول سقط حقه في نصفه، ومن باب أولى إذا قبضته كله ثم خالعها بعد الدخول، فإنه لا يستحق فيه شيئاً، وكذا إذا لم تقبض من الصداق شيئاً فإن حقها يسقط فيه بالخلع.
الوجه الثاني: أن ينفي البدل، كأن يقول لها: اخلعي نفسك مني بدون شيء، فقالت خلعت نفسي بدون شيء، فإنها تبين منه ويبقى لكل منهما حقه قبل صاحبه، فإذا كان لها معجل صداق، أو نفقة زوجية، فإنها تبقى. وإذا كان له نصف صداقها، كما إذا فعل ذلك قبل الدخول، فإنه يبقى له. الوجه الثالث: أن يكون البدل معيناً معروفاً، كما إذا خالعها على عشرين جنيهاً ولم يذكر الصداق وفي هذه الحالة إن كانت المرأة مدخولاً بها وقبضت كل الصداق فإنه لا يلزمها إلا العشرون جنيهاً، وتذهب بما قبضت، فلا يرجع عليها بشيء، كما لا ترجع عليه بشيء بعد الطلاق، وإن لم تقبض الصداق فقد ضاع عليها، فعليها البدل، ولا ترجع على الزوج بشيء، أما إذا كانت غير مدخول بها فإن كان المهر مقبوضاً فإن الزوج لا يستحق فيه شيئاً بل يأخذ البدل ويضيع عليه نصف المهر وإن لم يكن مقبوضاً فإنها لا تستحق فيه شيئاً بل يضيع عليها نصفه زيادة على بدل الخلع الذي سمته، ومثل ذلك ما إذا بارأها بمال معلوم سوى المهر، وقد عرفت أنه إذا خالعها على مهرها وكانت مدخولاً بها فإن كانت قبضته فإنه يجب عليها رده، وإن لم تكن قبضته فإنه يسقط عن الزوج جميع المهر، ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء، ومثل ذلك ما إذا لم يكن مدخولاً بها.
هذا، وهل إذا التزم الرجل ببدل في الخلع يصح أو لا،؟ مثلاً إذا قالت له: خالعتك على مهري ونفقة عدتي بشرط أن ترد لي عشرة جنيهات، فقال: قبلت، فهل يلزمه أن يرد العشرة أو لا؟ والجواب: نعم يلزمه أن يرد، ولكن لا يصح أن يعتبر هذا مالاً يدفعه هو لها في مقابل الخلع لأن البدل خاص بها هي إذ به تملك نفسها، وإنما يعتبر استثناء من بدل الخلع، مثلاً إذا كان صداقها عشرين جنيهاً ونفقة عدتها خمسة، فإنه يطرح منها عشرة، ويكون عوض الخلع خمسة عشر، فإن كان المبلغ الذي طلبته يزيد عن عوض الخلع تجعل الزيادة مضافة إلى المهر قبل الخلع تصحيحاً للقاعدة.
ويصح الخلع على نفقة الولد مدة معينة، سواء كان رضيعاً، أو فطيماً على المعتمد، حتى ولو كانت حاملاً به، فإذا قالت له: خالعتك على نفقة ولدي الذي في بطني مدة رضاعه سقط حقها في أجرة الرضاع ولزمها أن ترضعه حولين بعد ولادته، وبعضهم يقول: لا يلزم تعيين المدة في الرضيع، فإنها
إذا قالت له: خالعتك عل نفقة الولد، وهو رضيع، كان معنى ذلك أن لا حق لها في أجرة الرضاع في مدة الرضاع، ولا يخفى أن الأول أظهر في حسم مادة النزاع، أما إذا كان فطيماً فإنه ينبغي فيه تحديد المدة، لأن نفقته هي طعامه وشرابه، وهذا لازم له في كل حياته، فلا تصح التسمية بدون توقيت، فإذا قالت له: خالعتك على نفقة ولدك مدة حياتي فإنه لا يصح ويسقط بذلك مهرها، وإذا كانت قبضته فإنه يجب عليها أن ترده، فإذا خالعته على نفقته مدة معينة فإنها تلزمها، وإذا مات الولد أو هرب لزمها أن تدفع ما بقي من نفقته للزوج إلا إذا شرطت براءتها منها بعد موته، وذلك بأن يقول الزوج: خالعتك على أني بريء من نفقة الولد إلى ثلاث سنين، فإن مات الولد قبلها فلا رجوع لي عليك، فتقول: قبلت فإنه يصح، وإذا مات قبلها فلا رجوع له والخلع على البراءة من النفقة لا يستلزم الكسوة، فلا تدخل إلا إذا نص عليها، وإذا خالعته على أن تمسك البنت إلى البلوغ، فإنه يصح. أما الغلام فلا، لأنه في حاجة إلى أن يتعلم من أبيه أخلاق الرجولة، فلا يصح الخلع على إمساكه إلا مدة لا يبلغ فيها كمدة الحضانة، وهي سبع سنين، ولها أن تخالعه على إمساكه نحو عشر سنين، لأن الولد ينبغي أن يتصل بأبيه قبل البلوغ ليتعلم منه أخلاق الرجولة.
ذلك ما عللوا به الفرق بين الأنثى والذكر. والظاهر أنه إذا كانت البيئة التي فيها أمه أفضل له من هذه الناحية، فإنه يصح إمساكه كالأنثى، على أنه إذا تزوجت أمه فللزوج أخذ الولد وإن اتفقا على تركه لأنه حق الوالد، ويرجع الزوج عليها بنفقته في المدة الباقية ما لم تشترط البراءة في الأول كما ذكرنا. وإذا خالعته على نفقة الولد مدة معينة وهي معسرة، فلها مطالبة أبيه بالنفقة، ويجبر عليها، ولكنه يرجع عليها إذا أيسرت.
المالكية - قالوا: يشترط في العوض أن يكون حلالاً، فلا يصح الخلع على خمر أو خنزير أو مال مغصوب علم الزوج بأنه مغصوب، ومثله المسروق، فإن خالعته على شيء من ذلك وقع الطلاق البائن ويبطل العوض، فإن كان مغصوباً وجب عليه أن يرده لصاحبه، وإن كان خمراً وجبت إراقته، وإن كان خنزيراً وجب إعدامه على المعتمد، وقيل: يسرح، ولا شيء للزوج على الزوجة في مقابل ذلك ومثل ذلك ما إذا خالعته على شيء بعضه حلال وبعضه حرام، كما إذا خالعته على خمر وثوب. فإن الخلع ينفذ والعوض يبطل، فلا شيء للزوج مطلقاً.
والحاصل أن العوض إذا كان خمراً وجب على الزوج المسلم أن يريقه، ولكن آنيته لا يكسرها لأنها تطهر بالجفاف، وإذا كان خنزيراً وجب عليه أن يقتله، وقيل: بل يسرحه لحال سبيله، وإن كان مغصوباً، أو مسروقاً وجب عليه أن يرده إلى أصحابه، وينفذ الطلاق البائن، ولا شيء له في مقابل هذه الأشياء، ولا يشترط أن يكون العوض محقق الوجود، فيصح الخلع بالغرر، كالجنين في بطن أمه، مثلاً إذا خالعته على ما في بطن هذه الناقة التي تملكها من حمل، فقبل فإنها تطلق بذلك طلاقاً بائناً، ثم إن ولدت الناقة كان الولد ملكاً له وإن نزل ميتاً فقد ضاع عليه ولا شيء له قبل زوجته، وإن كانت لا تملك الناقة فإن الطلاق البائن يقع عليه لا شيء له، لأنه قد قبل الخلع على شيء غير محقق، فيعتمل لأن
يقبض أو لا يقبض، وكذا لا يشترط أن يكون العوض غير معين فيصح الخلع على عرض تجارة غير موصوف، كمقطع من القماش أو جمل، أو جاموسة غير موصوفة بصفة، فإذا قالت له: خالعني على جاموسة صح الخلع وبانت منه، وله عليها جاموسة وسطى لا صغيرة ولا كبيرة، ومثل ذلك ما إذا قالت له: خالعني على مقطع من القماش، فإن له الحق في مقطع وسط من جنس القماش، وهكذا.
وكذا لا يشترط أن يكون مقدوراً على تسليمه، فيصح أن تخالعه على جمل شارد أو ثمرة لم يبد صلاحها، ثم إن حضر الجمل، وصلحت الثمرة فهما له، وإلا فلا شيء له، ويقع الطلاق بائناً.
ويصح الخلع على نفقتها مدة الحمل، فإذا كان بها حمل ظاهر أو محتمل وخالعته على نفقة عدتها وهي مدة حملها، فإنه يصح، ولكنها إذا أعسرت في هذه المدة، وجب عليه أن ينفق عليها وتكون هذه النفقة ديناً عليها يأخذه منها إذا أيسرت.
وكذا يصح الخلع على إسقاط الحضانة، فإذا قالت له: خالعني على إسقاط حقي في حضانة ولدي منك، فقال: خالعتك على ذلك، فإنه يصح وتبين منه ويسقط حقها في الحضانة وينتقل إلى الأب، ولو كان هناك من يستحقها غيره ولكن بشرط أن لا يخشى على الولد المحضون ضرر بمفارقة أمه أو يكون الأب لا يستطيع حضانته، وإلا وقع الطلاق ولم تسقط الحضانة باتفاق. وبعضهم يقول: إذا خالعت على إسقاط حضانتها لا تنتقل الحضانة للأب، ولكن تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم، وهذا هو الذي عليه العمل وبه الفتوى. وإن كان الأول، وهو انتقاله للأب المشهور، وإذا خالعته على إسقاط الحضانة ومات الأب، فهل تعود الحضانة للأم أو لا؟ والجواب: نعم تعود للأم، وقد يقال أن الأم أسقطت حقها، فإذا مات الأب تنتقل الحضانة لمن يستحقها بعد الأم، ولكن الظاهر أن الأم أسقطت حقها للأب، فإذا مات عاد الحق لها لأنها أولى بالحضانة، فالظاهر أنها تعود للأم، فإذا ماتت الأم والأب موجود، فهل تنتقل الحضانة إلى من لها حق الحضانة بعد الأم، أو تستمر للأب على القول المشهور؟ والجواب: أن الظاهر استمرارها للأب لأنها انتقلت به بوجه جائز، وبعضهم يقول: أنها تنتقل لمن لها حق الحضانة بعد الأم قياساً على من أسقط حقه في وقف الأجنبي ثم مات فيعود حقه لمن بعده ممن رتبه الواقف. وهل إذا سقط حقها في حضانة حملها قبل الولادة يصح أو لا؟ والجواب: يصح، ولا يقال أنه إسقاط للشيء قبل وجوده، لأن سبب الوجود ظاهر، وهو الحمل.
ويصح الخلع على أجرة رضاع الحمل الذي في بطنها مدة رضاعة، فإذا قالت له خالعني على أجرة رضاع ولدي الذي في بطني فقال لها: خلعتك على ذلك وقبلت فإنها تبين منه، وعليها رضاع ولده مدة الرضاع مجاناً، فإذا مات الولد قبل الحولين سقط ما بقي من أجرة الرضاع، فلا يرجع عليها أبوه بشيء ما لم تكن عادتهم الرجوع، فإن له مطالبتها بالباقي، أما إذا ماتت هي أو جف لبنها فعليها مقدار ما بقي من أجرة رضاعه، ويؤخذ من تركتها إن كانت قد ماتت.
وهل تسقط نفقتها مدة الحمل تبعاً لسقوط أجرة الرضاع من غير أن ينص عليها أو لا؟ والراجح أنها لا تسقط، لأنهما حقان أسقطت أحدهما ولم تسقط الآخر. وإذا خالعها على أجرة رضاع ابنه مدة
الرضاع وعلى أن تنفق عليه في هذه المدة. أو على ولده الكبير هذه المدة، فإن فيه خلافاً، فبعضهم يقول: يسقط الزائد على مدة الرضاع، سواء حدد مدة الانفاق بزمن الرضاع أو زاد عليها، أو خالعها على الإنفاق عليه مدة، أو على غيره منقطعة عن الرضاع، وبعضهم يقول: لا يسقط مطلقاً، فإذا اشترط أن تنفق عليه، أو على ولده الكبير مدة الرضاع لزمها ذلك، فإذا مات الولد كان للأب أن يأخذ نفقته التي ضمها إلى أجرة الرضاع يوماً فيوماً، أو شهراً فشهراً طول المدة، وكذا إذا لم يقيد بمدة معينة فإنه يلزمها الإنفاق عليه ما دام موجوداً، ولا يضر الغرر في الخلع، وهذا هو الراجح، وبعضهم يقول: إن كانت المدة معينة فإنه يصح، وإلا فإن النفقة تسقط عنها.
ويصح الخلع مع البيع، كأن تخالعه على فرس، على أن تأخذ منه خمسة جنيهات مثلاً، ففي هذه الحالة يكون نصف الفرس في مقابلة العصمة. والنصف الآخر مبيعاً بالخمسة جنيهات، وهو صحيح، فإذا فرض وكانت الفرس تساوي الخمسة التي دفعها، فإن الخلع يصح أيضاً، لأن عين الفرس تعتبر عوضاً، بصرف النظر عن الخمسة التي دفعها، فيقع الطلاق بائناً على الراجح وبعضهم يقول: في هذه الحالة يقع الطلاق رجعياً، لأن الزوجة لم تدفع عوضاً فإن الفرس أخذت عوضها المساوي لها، فإذا خالعته على جمل شارد فإن البيع يكون فاسداً، والخلع يكون صحيحاً، وعلى هذا فيجب على الزوجة أن ترد الخمسة التي أخذتها لفساد البيع، ويجب عليه أن يرد هو عليها نصف الجمل الذي اشتراه بهذه الخمسة، ويبقى النصف الآخر ملكاً له في نظير حل العصمة، وإذا خالعته على ما في يدها وهي مضمومة، أو ما في صندوقها وهو مغلق، فلو وجد بهما شيء ولو تافه، كزبيبة، فإنه يكون له ويصح الخلع، وكذا إذا لم يكن فيهما شيء أصلاً أو فيهما شيء ليس بمال، كتراب فإنها تبين منه على القول الأقرب المستحسن.
أما إذا خالعته على شيء معين وتبين أنه ليس ملكاً لها، فإن الخلع لا يصح، حتى ولو أجازه الغير. وهذا بخلاف ما إذا خالعته على شيء غير معين، كما إذا خالعته على قطنية بلدية، ثم جاءته فتبين أنها ملك لغيرها فإن الخلع يصح، وتلزم بإحضار واحدة مثلها، وإذا قال لها: إن أعطيتني ما أخالعك به فأنت طالق، فأعطته شيئاً تافهاً لا يساوي ما يخالع به مثله فإنها لا تطلق.
الشافعية - قالوا: يشترط في العوض أن يكون مقصوداً، أي له قيمة وأن يكون راجعاً إلى جهة الزوج وأن يكون معلوماً، وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وأن يكون حلالاً غير فاسد.
وبالجملة فيشترط في الخلع الشروط المتقدمة في الصداق، فكل ما يصلح صداقاً يصلح أن يكون بدلاً في الخلع. ويرد عليه أن الصداق يصح على تعليم بعض القرآن بنفسه، فإنه يصح أن يكون صداقاً، ولا يكون بدل خلع. لأنها لو خالعته على أن تعلمه بعض القرآن بنفسها فإنه لا يصح، لأنها تكون بعد الخلع أجنبية لا يجوز لها أن تعلمه. والجواب: أن عدم الصحة جاءت من تعذر تعليمه بنفسها، وإلا فهو صحيح في ذاته. فخرج بالعوض الطلاق بلا ذكر عوض، فإن فيه تفصيلاً، لأنه لم يذكر المال، فلا يخلو إما أن
ينويه أو ينفيه. أو لا ينوي ولا ينفي، وسيأتي بيان ذلك في الصيغة، وقوله: مقصود، أي له قيمة مالية، خرج به العوض الذي لا قيمة له، فإذا طلقها في نظير حشرة أو دم، فإنه يقع عليه الطلاق رجعياً، وقوله: راجع لجهة الزوج، خرج به ما إذا كان لها مال عند شخص غير الزوج فطلقها زوجها على براءة ذلك الشخص من دينه، فإنه يقع الطلاق رجعياً أيضاً فإذا كان لها عند زوجها دين ولها عند أخيه دين فطلقها على البراءة من دينه ودين أخيه وقع الطلاق بائناً في نظير البراءة من دين الزوج، ولا يضر ضم أخيه إليه وصحت براءتهما، ولا تجب على المرأة مهر المثل بعد ذلك، وإذا كان للزوجة قصاص على زوجها فأبرأته على ما ثبت لها من ذلك القصاص فإنه يصح ويقع الطلاق بائناً، وإذا كان لها عليه حد قذف أو تعزير فأبرأته منهما وطلقها على ذلك وقع الطلاق بائناً ولزمها أن تدفع لزوجها مهر مثلها، وذلك لأن العوض يشترط فيه أن يكون من الأشياء التي يصح جعلها صداقاً وحد القذف والتعزير إن كان لا يصح جعلهما صداقاً، ولكنهما كالمال المقصود، لأنهما لهما قيمة في ذاتهما.
والمراد بالمقصود هو ما له قيمة وإن كان لا يقابل بمال، فلهذا يلزم الطلاق البائن بالخلع عليهما، ويجب على الزوجة أن تدفع مهر المثل، ولا يسقط الحد عنه وقيل: يسقطان لأن الخلع عليهما يتضمن العفو عنهما، ولكن هذا ضعيف، لأنه لو صح لما وجب على الزوجة مهر المثل.
والحاصل أن العوض إذا كان مالاً مقصوداً صح الخلع ووجب المال. فإن لم يكن له قيمة مالية أصلاً وقع عليه الطلاق رجعياً، وإن كان مقصوداً، ولكنه فاسد، كالخمر والخنزير وقع الطلاق بائناً بمهر المثل، ومثله ما إذا كان مقصوداً ولكنه لا يقابل بمال كحد القذف والتعزير أما المقصود الذي يقابل بمال، كالقصاص، فإنه يصح، ويرتفع القصاص.
ومن هذا تعلم أن نفقة العدة والحضانة ونحوهما مال مقصود يصح بهما الخلع وقوله: معلوم، خرج به ما إذا خالعها على شيء مجهول، فلو قالت له خالعني على دابة. أو ناقة. أو ثوب ولم تعينه له، فخالعها وقع الطلاق بائناً ولزمها مهر المثل وقوله: غير فاسد، خرج ما إذا خالعها على مال فاسد، كالخمر. والخنزير، فإنه يقع به الطلاق البائن ويلزمها أن تدفع له مهر المثل، وإذا خالعها بمعلوم ومجهول، كما إذا خالعها على فرسه ودابة أخرى معينة، فإنه يفسد ويجب عليها مهر المثل، أما إذا خالعها بصحيح وفاسد معلوم، كما إذا قال لها: خالعتك على عشرين جنيهاً وعلى هذا الدن من الخمر فإنه يصح في الصحيح، ويجب في مقابل الفاسد مهر المثل، ولو خالعها على ما ليس موجوداً، كما إذا قالت له: خالعني بما في داري، أو بما في كفي، ولم يكن فيهما شيء بانت بمهر المثل، ولو علم الزوج أن ليس فيهما شيء، ومثل ذلك ما إذا خالعته على مال مغصوب أو غير مقدور على تسليمه، وكذا إذا خالعها على شيء مجهول في ذاته، كما إذا قال لها: خالعتك على ثوب في ذمتك فإنها تبين بمهر المثل، وهذا بخلاف ما إذا علق الخلع على مجهول، فإن فيه تفصيلاً، وهو أنه إن أمكن إعطاء المعلق عليه فإنها تبين بمهر المثل أيضاً، وذلك إذا قال لها: إن أعطيتني ثوباً فأنت طالق، فأعطته ثوباً فإنها تبين بذلك بمهر المثل، وإن كان لا يمكن إعطاء المعلق عليه فإنها لا تطلق منه،
وذلك كأن يقول لها: إن أعطيتني ما في كفك فأنت طالق وليس في كفها شيء يمكن إعطاؤه فإنها في هذه الحالة لا تطلق، وإن علق طلاقها على البراءة من معلوم فإنه يصح الخلع ويلزم العوض، كما إذا قال لها: إن أبرأتني من صداقك المعروف لهما فأنت طالق فقالت له: أبرأتك، فإنه يصح، فإذا قالت له: إن طلقتني فأنت بريء من صداقي، وهي جاهلة بصداقها، فإن كان
يظن أن صداقها مال مقصود غير فاسد وقع بمهر المثل، وإن علم أن صداقها فاسد، فإنها تطلق رجعياً، وإن قالت له: أبرأتك. ولم تذكر مالاً، فقال لها: إن صحت براءتك فأنت طالق، فإن كان الذي أبرأته منه معلوماً وقع الطلاق رجعياً، لأنه لم يقع في مقابل عوض، لأنه علقه بصحة البراءة، وصحة البراءة متحققة قبل طلاقه، لأنها أبرأته حقاً، وإن أبرأته من شيء مجهول فلا يقع شيء.
وإذا قال لها: إن أبرأتني من دينك فأنت طالق، وكان دينها مجهولاً، فقالت له: أبرأتك فإنه لا يقع به شيء، وذلك لأنه علق البراءة على دين مجهول، فلم تتحقق البراءة فلم يوجد المعلق عليه.
وإذا خالع عن الزوجة غيرها على مال فاسد، وصرح بالفساد فإنه يقع رجعياً، كما إذا قال له: خالع زوجتك على هذا المال المغصوب، أو على هذا الخمر، وذلك لأن الأجنبي لا مصلحة له بل هو متبرع بدون فائدة تعود عليه، فإذا صرح بفساد العوض كان معنى ذلك عدوله عن التبرع، بخلاف الزوجة فإن لها منفعة وهي ملك نفسها، فإذا صرحت بالفساد، أو ذكرت مالاً فاسداً مقصوداً فإنه يلزمها مهر المثل. أما إذا لم يصرح الأجنبي بالفساد، كما إذا قال له: خالع زوجتك على هذا الجمل، وكان في الواقع مغصوباً فإنه يصح الخلع وعليها مهر المثل.
الحنابلة - قالوا: يشترط في عوض الخلع أن يكون مالاً حلالاً، فإذا خالعها على خمر. أو خنزير. ونحوهما، وهما يعلمان تحريمه، فإن الخلع يقع فاسداً لأن الرضاء به يدل على الرضاء بغير عوض، ولا بد من العوض لأنه ركن الخلع، فلا يتحقق بدونه، أما إن كانا لا يعلمان التحريم فإنه يصح الخلع، وتلزم المرأة بدفع قيمة العوض، أو مثله إن كان له مثل من حلال، وذلك لأن الخلع معاوضة بالبضع، فلا يفسد العوض، كعقد النكاح، فإذا قال: إن أعطيتني خمراً، أو خنزيراً، فأنت طالق فأعطته وقع الطلاق لوجود الإعطاء، ولكنه يكون رجعياً لعدم صحة العوض، ولا شيء على الزوجة لرضائه بغير العوض، فإن قلت: إنكم قلتم في النكاح: إذا أصدقها مهراً فاسداً صح العقد ولزمه مهر المثل فلماذا لم تقولوا: إذا خالعها على مال فاسد صح الخلع ولزمها مهر المثل؟
والجواب: أن خروج البضع من ملك الزوج ليست له قيمة مالية، بخلاف دخوله في ملكه. فإنه متقوم بالصداق ولهذا قلنا: إن الخلع يفسد، بخلاف النكاح بمهر المثل، ولا يشترط في العوض أن يكون معلوماً فيصح الخلع بالمجهول، فإذا خالعها على ما في بيتها من المتاع صح الخلع. وله ما في بيتها قليلاً كان، أو كثيراً، فإن لم يكن في بيتها شيء كان له الحق في أقل شيء يصدق عليه اسم المتاع، وكذا إذا خالعها على ما في يدها، فإن لم يكن في يدها شيء، كان له أقل ما يصح أن يكون فيها وهو ثلاثة دراهم، وإن كان في يدها شيء فهو له قليلاً كان أو كثيراً.
وكذا لا يشترط في العوض أن يكون موجوداً فيصح الخلع بالمعدوم الذي ينتظر وجوده كما إذا خالعها على حمل ناقتها. أو حمل غنمها. أو بقرها أو نحو ذلك، فإذا كان هناك حمل كان للزوج وإن لم يكن حمل وجب عليها إرضاؤه، فإن لم يتراضيا لزمها أن تعطيه ما يتناوله اسم الحمل ومثل ذلك ما إذا خالعته على ما تحمل شجرتها من الثمر. أو خالعته على ما في ضروع ماشيتها من الغنم فإنه يصح على الوجه المذكور.
ويصح الخلع بذكر العوض عاماً غير موصوف، كما إذا قالت له: خالعني على جمل، أو على بقرة، أو على ثوب أو شاة، ولم تعينه، فإن الخلع يصح ويلزمها أن تدفع له أقل جمل أو بقرة أو شاة، وإن قالت: خالعني على هذا الجمل فخالعها ثم ظهر أنه مغصوب، فإنها لا تطلق، ومثل ذلك ما إذا ظهر أنه مرهون، فإنها لا تطلق.
ويصح الخلع على سكنى دار معينة مدة معلومة، كما إذا قالت له: خالعني على أن تسكن في هذه الدار سنتين أو أكثر أو أقل، فقال لها: خالعتك على ذلك فإنه يصح، وله السكنى، فإن هدمت الدار رجع عليها بأجرة مثل هذه الدار.
وكذا يصح الخلع على أن ترضع ولده منها أو من غيرها مدة معينة، فإن مات الولد قبل استيفائهم كان له الحق في المطالبة بأجرة رضاع مثله، فيما بقي له. ومثل ذلك ما إذا ماتت هي، أو جف لبنها. وإذا خالعته على إرضاع ابنه ولم تذكر مدة فإنها تلزم بإرضاعه المدة المقررة للرضاع شرعاً وهي الحولان، سواء كان الخلع قبل الوضع أو بعده مباشرة، أو كان في أثناء المدة، فإن كان قد مضى على ولادته سنة لزمها أن ترضعه الحول الباقي. ويصح أن تخالعه على كفالة ولده مدة معينة، كما يصح أن تخالعه على نفقته مدة معينة كعشر سنين ونحوها، ويحسم أن يذكر مدة الرضاع من هذه المدة إن كان الولد رضيعاً وأن يذكر صفة الطعام الذي تطعمه للولد، بأن يقول: خالعتك على نفقة ولدي عشر سنين فترضعيه منها سنتين أو أقل حسبما يتفقان عليه، وأن تطعميه خبزاً من الحنطة مثلاً، كل يوم ثلاثة أرغفة أو رغيفين أو نحو ذلك ويذكر الأدم ونحو ذلك، فإن لم يذكر فإن الخلع يصح وتحمل مدة الرضاع على المدة الشرعية، والنفقة على ما جرى به العرف والعادة، وللوالد أن يأخذ منها قيمة النفقة ويباشر الإنفاق عليه هو، وإذا مات الولد فله الحق في الرجوع عليها بقيمة النفقة في المدة الباقية، ويصح للحامل أن تخالعه على نفقة حملها لأنها واجبة عليه بسبب موجود، وهو الحمل، ولا يضر جهالة قدر المدة، وتسقط نفقتها ونفقة الولد حتى تفطمه فلها الحق في المطالبة بنفقته) .


ابوالوليد المسلم 27-07-2022 01:34 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الخلع]
صـــــ 367 الى صــــــــ
376
الحلقة (215)



شروط صيغة الخلع
-لا بد للخلع من صيغة، فلا يصح الخلع بالمعاطاة، كأن تعطيه مالاً وتخرج من داره بدون أن يقول لها: اختلعي على كذا فتقول له: اختلعت، أو تقول له: اخلعني على كذا، فيقول لها:خلعتك على ذلك، فالإيجاب والقبول بالقول لا بد منه، أما الفعل المذكور، فلا يقع به الخلع وإن نوي به الطلاق، أو كان الطلاق به متعارفاً (1) ، وفي صيغة الخلع وشروطها تفصيل المذاهب (2) .
مبحث الخلع طلاق بائن لا فسخ والفرق بين الفسخ والطلاق.
-قد عرفت من تفصيل المذاهب المتقدم أن ألفاظ الخلع تنقسم إلى قسمين: منها ما هو صريح منها ما هو كناية، فالصريح يقع به طلاق بائن بدون نية، والكناية يقع بها طلاق بائن بالنية، على ما هو موضح في كناية الطلاق في المذاهب ثم إذا نوى به الطلاق الثلاث، فإنها تلزمه، وكذا إذا نوى به طلقتين (3) فإنهما يلزمانه، وعلى كل حال فالخلع يترتب عليه طلاق يحسب من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها، فليس هو مجرد فسخ (4) ، وذلك لأن الفرقة بين الزوجين تارة تكون طلاقاً. وتارة تكون فسخاً، فالفرقة بالطلاق هي حل عصمة الزوجية بلفظ الطلاق الصريح. أو الكناية، ومنها الخلع، وهو إن كان بلفظ الخلع كان طلاقاً صريحاً. وكذا إذا كان بلفظ الطلاق على مال، وإلا كان كناية، كما تقدم إيضاحه، ومنها فرقة الإيلاء، فإذا حلف الرجل أن لا يقرب زوجته ينتظر لها أربعة أشهر، فإذا لم يحنث ويقربها يؤمر بقربانها من القاضي، فإن لم يفعل طلقت منه على التفصيل الآتي في بابه، ومنها غير ذلك مما هو مفصل في المذاهب (5) .
__________
(1) (المالكية - قالوا: إذا عمل عملاً يدل على الطلاق عرفاً فإنه يقع به الطلاق فإذا فرض وأعطت الزوجة لزوجها مالاً وكان بيدهما حبل فقطعه الزوج، وكان ذلك في عرف القوم طلاقاً فإنها تطلق بذلك طلاقاً بائناً في مقابلة العوض، فإذا لم تعطه مالاً وكان ذلك في عرفهم أن يطلقوا بقطع الحبل، فإنه يكون طلاقاً رجعياً، فإذا لم يكن العرف جارياً بذلك وفعل ذلك ناوياً به الطلاق، فإن قامت قرينة تدل على الطلاق لزم به الطلاق، مثلاً إذا تنازع الزوج مع أهل الزوجة فقالوا: نرد لك ما أخذنا، وترد لنا بنتنا، ففعلوا كان طلاقاً بائناً، وإن لم ينطق بالطلاق ولم يجر به العرف.
والحاصل أن الطلاق بالفعل يصح بتحقق أحد أمرين: أحدهما: أن يكون الطلاق في عرف القوم بالفعل، كما مثلنا، ومنه ما إذا أغضب الرجل امرأته فخلعت أسورتها وأعطتها إياه فقبلها وخرجت من منزله فلم يمنعها وكان ذلك طلاقاً في عرفهم، فإنه يصح ويكون خلعاً، وإن لم ينطق بصيغة الطلاق. ثانيهما: أن تقوم قرينة تدل على الطلاق بالفعل، فإنه يقع، كما ذكرنا) .
(2) (الحنفية - قالوا: قد ذكرنا لك في تعريف الخلع أن ألفاظ الخلع سبعة، وفصلنا لك ما يتعلق بكل لفظ منها. وبقي من الأحكام التي تتعلق بالصيغة أنه يشترط في صحة القبول من الزوجة أن تكون عالمة بمعنى الخلع، فإذا كانت أعجمية ولقنها زوجها بالعربية كلمات - اختلعت منك بالمهر ونفقة العدة - فقالت هذه الكلمات، وهي لا تعرف معناها وقبل الزوج، فإنها تطلق منه بائناً، ولا شيء له قبلها، ثم إن الخلع بالنسبة للرجل يمين، فلو ابتدأ الخلع بقوله: خالعتك على مائة مثلاً فإنه لا يملك الرجوع عنه، وكذا لا يملك فسخه ولا نهي المرأة عن قبوله. وله أن يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت. فإذا قال لها: إذا قدم زيد خالعتك على ألف وقبلت عند مجيء زيد صح الخلع. أما إذا قبلت قبل مجيء زيد فإنه لا يصح، ومثل ذلك ما إذا قال لها: إذا دخلت الدار فقد خالعتك على ألف فدخلت الدار، وقالت: قبلت الخلع عند دخول الدار، فإنه يصح فيقع الطلاق بائناً وتلزم بالعوض. أما إذا قالت: قبلت الدخول فإنه لا يصح، وكذا إذا أضافه إلى وقت. كما إذا قال لها: خالعتك على ألف غداً أو في آخر الشهر، فإنه يصح إذا قالت: قبلت عند مجيء الغد. أو آخر الشهر، أما إذا قالت: قبلت قبل ذلك، فإنه لا يصح.
أما الخلع بالنسبة إلى المرأة فإنه معاوضة المال، لأنها تعطي الرجل مالاً ملكاً له في نظير الطلاق، وذلك معنى المعاوضة بين اثنين أحدهما يعطي مالاً لغيره على سبيل الملك وثانيهما يعطي بدلاً في نظير تمليك ذلك المال. وإذا كان كذلك فإنها يصح لها أن ترجع قبل القبول، فلو بدأت الخلع هي، فقالت: اختلعت نفسي منك بألف. أو خالعني على صداقي ونفقة عدتي، فلها أن ترجع قبل أن يقول الزوج: خالعتك على ذلك، ويبطل بقيامها عن المجلس قبل القبول، كما يبطل بقيامه هو عن
المجلس أيضاً، ولو كان الزوج غائباً وبلغه وقبل لم يصح، ولا يصح لها أن تعلقه بشرط ولا تضيفه إلى وقت.
وهل يصح شرط الخيار للزوجة أو لا يصح؟ خلاف بين الإمام. وصاحبيه. مثلاً إذا قال الزوج لها: خالعتك بمهرك ونفقة عدتك على أن يكون لك ثلاثة أيام. أو أكثر، فإن الإمام يقول: إن ذلك صحيح، فلها أن تقبل في مدة الخيار ويقع الطلاق البائن وتلزم بالعوض، ولها أن ترد، فلا يلزم طلاق ولا عوض، أما صاحباه فيقولان: إن الخيار باطل والطلاق واقع في الحال، والمال لازم إن قبلت.
ويصح الخيار للرجل في بدل الخلع إذا وجد به عيباً فاحشاً يخرجه من الجودة إلى الوساطة ومن الوساطة إلى الرداءة، أما العيب اليسير فلا خيار له فيه، فلو اختلعت منه نفسها على عشرين إردَبّاً من القمح الجيد فوجدها متوسطة كان له ردها. وإذا كانت متوسطة فوجدها رديئة كان له ردها، أما إذا وجد بها غلتاً يسيراً، فإنه لا يضر. ويشترط مطابقة الإيجاب للقبول، فإذا قال لها: أنت طالق أربعاً بثلاثمائة، فقالت: قبلت ثلاثاً لم تطلق، لأنه علق الخلع على قبولها الأربع، فإذا قبلت ثلاثاً لم يتحقق المعلق عليه. وهو قبولها الأربع.
وإذا قال: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، ثم قال لها: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، ثم قال لها: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت، فإنه يقع ثلاث تطليقات بثلاثة آلاف وهذا بخلاف ما إذا قال لها: خالعتك، ولم يذكر بدلاً، فقالت: قبلت، ثم أعاد لها اللفظ، فقالت: قبلت، فإن الثاني لا يقع، لأن الأول وقع بائناً، فلا يلحقه الثاني، والفرق بين العبارتين أو الأول مذكور فيه العوض، فلا يقع إلا إذا قبلته، ولما كرره لها بالعوض قبلت، فيقع الثلاث جملة واحدة بالعوض المكرر، أما الثاني فلم يذكر فيه العوض، فلا يتوقف وقوع الطلاق على قبولها متى نواه، أو كان بلفظ خالعتك، فإنه لا يحتاج إلى نية على قول، كما تقدم، وإنما الذي يتوقف على قبولها سقوط حقها، وحينئذ يقع الطلاق باللفظ بدون قبولها، وهو بائن، فإذا كرره فإن الثاني لا يلحقه.
هذا إذا بدأ الزوج بالعوض، أما إذا بدأت الزوجة، بأن قالت: خلعت نفسي منك بألف وكررتها ثلاثاً، فقال: قبلت، فإنه لا يقع إلا واحدة بألف على الصحيح، والفرق بين الحالتين أنك قد عرفت أن الخلع يمين من جانب الرجل، فيصير معلقاً على قبوله، بل يكون معاوضة لها الرجوع عنه قبل أن يتم، فإذا كررته يكون قبولاً للعقد الأخير. ويلغو الأول بالثاني، والثاني بالثالث.
وإذا قالت له: طلقني أربعاً فطلقها ثلاثاً. فإنها تطلق ثلاثاً بالألف، ولا تضر المخالفة هنا، وإذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة، بانت منه واحدة بثلث الألف، بشرط أن يطلقها في المجلس. فلو قام وطلقها لم يجب شيء. لأنه معاوضة من جانبها، فيشترط في قبوله المجلس. فإذا
طلقها اثنتين كانت له كل الألف. كما إذا طلقها ثلاثاً بلفظ واحد أو متفرقة. بشرط المجلس، فإذا قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثاً. فإن قال: أنت طالق ثلاثاً بألف. وقالت: قبلت. وقعت الثلاث بالألف. وإن لم تقبل لا يقع شيء. فإن قال: أنت طالق ثلاثاً ولم يقل: بألف فقيل: تطلق ثلاث بلا شيء. وقيل: تطلق واحدة بالألف والثنتان مجاناً، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني ثلاثاً على ألف فطلقها واحدة فإنها تطلق رجعياً ولا شيء عليها للفرق بين - على - وبين باء الجر - فإن - على - للشرط، والمشروط وهو الألف لا يوزع على أجزاء الشرط وهي الثلاث فلو طلقها ثلاثاً متفرقة في مجلس واحد لزمها الألف. لأن الأولى والثانية تقع رجعية فوقعت الثالثة وهي في عصمته فله الألف. أما إن طلقها ثلاثاً في ثلاثة مجالس. فلا شيء له وعندها ثلث الألف. أما الباء فإنها مصاحبة للعوض، والعوض ينقسم على المعوض. هذا إذا بدأت الزوجة، فإذا بدأ الزوج فقال لها: طلقي نفسك ثلاثاً بألف. أو على ألف فطلقت نفسها واحدة، فإنه لا يقع شيء، وذلك لأنك قد عرفت أن الخلع يمين معلق على قبول المرأة إذا بدأ به الرجل، وظاهر أن المعلق على القبول هو طلاقها ثلاثاً، فإذا طلقت نفسها واحدة، فإنها لم تقبل اليمين المعلق، فلا يقع شيء بخلاف ما إذا كانت هي البادئة، فإنه من جهتها معاوضة، فإذا عرضت عليه ثلاثاً بألف وطلقها واحدة فإنها تبين منه بثلث الألف.
وإذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فقال لها: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة طلقت ثلاثاً، الأولى بألف وثنتان مجاناً.
وإذا خالعها على أن يكون صداقها لولده، أو لأجنبي أو خالعها على أن يمسك الولد عنده فإن الخلع يصح، ويبطل الشرط.
المالكية - قالوا: يشترط في الصيغة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تكون لفظاً، بأن ينطق بكلمة دالة على الطلاق، سواء كان صريحاً أو كناية، فإذا عمل عملاً يدل على الطلاق بدون نطق، فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا جرى به العرف. أو قامت قرينة، كما تقدم.
الشرط الثاني: أن يكون القبول في المجلس إلا إذا علقه الزوج بالأداء أو الإقباض، فإنه لا يشترط أن يكون القبول في المجلس، فإذا قال لها: إن أقبضتني عشرين جنيهاً أو أديت إلي كذا فأنت طالق، فإن لها أن تقبضه بعد المجلس ومتى فعلت بانت منه، إلا إذا طال الزمن بعد الانصراف عن المجلس بحيث تمكث مدة يظهر فيها أن الزوج لا يريد أن يمد لها، على أنه إذا قامت قرينة على أن الزوج يريد أن تقبضه في المجلس، فإنه يعمل بها بحيث لو قامت من المجلس بطل الخلع فلا تملك طلاق نفسها بالبدل.
الشرط الثالث: أن يكون بين الإيجاب والقبول توافق في المال، فإذا قال لها: طلقتك ثلاثاً بألف فقالت قبلت واحدة بثلث الألف لم يلزمه طلاق، فإن له أن يقول: إنني لم أرض بطلاقها إلا بألف، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة بألف، فإن الطلاق ينفذ والعوض يلزم،
وذلك لأنها تملك نفسها بهذا وتبين به، فما زاد عليه لم يتعلق به غرض الشارع، ولا فائدة لها منه، وكذا إذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فطلقها ثلاثاً، فإنه يصح لحصول غرضها وزيادة.
الشافعية - قالوا: صيغة الخلع هي كل لفظ من ألفاظ الطلاق صريحة وكناية ومن كنايته لفظ بيع وفسخ، فإذا قال لها: بعتك نفسك بألف ناوياً بذلك الطلاق فقالت: قبلت كان خلعاً صحيحاً تبين به ويلزمها العوض ومثل ذلك ما إذا قال: فسخت نكاحك بألف، وفي هذه الحالة يكون لفظ الفسخ طلاقاً ينقص عدد الطلقات، ومثال صريح الطلاق في الخلع أن تقوله له: طلقني على عشرين، فقال: طلقتك على ذلك فإنه يكون طلاقاً صريحاً بائناً يقع بدون نية، فإذا نوى به أكثر من واحدة لزمه ما نواه، أما إذا قالت له: أبني على عشرين، فقال لها: أبنتك فإنه لا يقع به الطلاق إلا بالنية، وهكذا في كل ألفاظ الكنايات التي تقدمت.
وهل ما اشتق من لفظ الخلع أو الافتداء صريح أو كناية؟ خلاف، والمعتمد أنه إذا ذكر معه العوض صريحاً أو لم يذكر العوض ولكن نواه، فإنه يكون صريحاً وإلا كان كناية. مثلاً إذا قال لها: خالعتك أو خلعتك أو اختلعي على عشرين جنيهاً فقبلت كان ذلك طلاقاً بائناً صريحاً لا يحتاج إلى نية، ومثل ذلك ما إذا قال لها: افتدي نفسك بعشرين جنيهاً فقالت: افتديت، فإنه يقع به البائن بدون نية، فإذا لم تقبل لم يقع طلاق ولم يلزمها مال، وكذا إذا لم يذكر المال ولكن نواه، بأن قال لها: خالعتك، ونوى على عشرين جنيهاً مثلاً فقالت: قبلت كان صريحاً لأن نية العشرين تقوم مقام ذكرها، فإذا لم ينو المال ولم يذكره فإن في ذلك صوراً ثلاثاً.
الصورة الأولى: أن ينوي الطلاق وينوي معه قبول التماسها، أي ينتظر أن تجيبه على طلبه فإن قبلت وقع الطلاق بائناً بمهر المثل إن كانت رشيدة، وإن لم تكن رشيدة وقع الطلاق رجعياً وإن لم تقبل لم يقع شيء.
الصورة الثانية: أن ينوي الطلاق ولا ينوي التماس قبولها، وفي هذه الحالة يقع الطلاق رجعياً ولو لم تقبل، لأنه نوى طلاقها ولم يعلقه على قبولها، وإذا لم ينو التماس قبولها، فإن لم ينو الطلاق فلا يقع به شيء، مثلاً إذا قال لزوجته: خالعتك ولم يذكر عوضاً ولم ينو التماس قبولها وقع به شيء ولو قبلت، فإذا قال لها: خالعتك، وهو ينوي الطلاق ولا ينوي التماس قبولها وقع رجعياً، قبلت أو لم تقبل، فإذا نوى التماس قبولها مع نية الطلاق فإن قبلت بانت بمهر المثل إن كانت رشيدة، وإن لم تقبل لم يقع به شيء، فهذا مثال للصورتين.
الصورة الثالثة: أن لا ينوي الطلاق، وفي هذه الحالة لا يقع شيء، سواء نوى التماسها القبول أو لم ينو، وسواء قبلت أو لم تقبل، وذلك لأنه كناية لا يلزم به شيء إلا بالنية.
هذا وإذا بدأ الزوج بالطلاق على مال فذكر العوض كان الخلع عقد معاوضة مشوب بنوع تعليق فلا يقع به الطلاق إلا إذا قبلت، فكأنه قال لها: إن قبلت دفع العوض فأنت طالق، وعلى هذا يصح له
الرجوع قبل قبولها نظراً لجهة العوض، فإن قلت: إن البيع تتوقف صحته على القبول - كالطلاق - على مال، وحيث قلتم: إنه يصح للمطلق على مال أن يرجح قبل قبول الزوجة لتوقف صحة الطلاق على القبول، يلزمكم أن تقولوا: إنه يصح للبائع أن يرجع قبل قبول المشتري لتوقف صحة البيع على القبول، والجواب: أن هناك فرقاً بين الحالتين وهو أن البيع، وإن توقف على القبول، ولكن ليس للبائع أن يستقبل وحده بالبيع في أي حال، إذ لا يتحقق البيع إلا بقبول المشتري، أما المطلق فإنه يصح أن يستقل بطلاق المرأة بدون قبولها إذا جرده عن العوض، فالذي يتوقف على القبول هو العوض، فالرجل قد عدل عن استقلاله بالطلاق وعلقه على قبول الغير، أما البائع فليس له استقلال في إيجاد البيع من الأصل حتى يقال: إنه عدل عن الاستقلال وعلقه بالغير، وهذا بخلاف ما إذا بدأ بصيغة تعليق في حالة الإثبات. كما إذا قال: متى أعطيتني عشرين جنيهاً فأنت طالق، فإنه ليس له الرجوع قبل إعطائه، ومتى أعطته طلقت، ولا يشترط فيه أن تقول: قبلت، كما لا يشترط أن تعطيه فوراً، إلا إذا قال لها: إن أعطيتني، أو إذا أعطيتني، فأنت طالق فإنه يشترط أن تعطيه فوراً لأن لفظ - إذا، وإن - يقتضيان الفور في الإثبات، بخلاف - متى - فإنه صريح في جواز التأخير، فإذا قال: إن، أو إذا، ومضى زمن يمكنها الإعطاء فيه ولم تعط فلا تطلق.
هذا، وأما شروط الصيغة فهي الشروط المتقدمة في البيع في الجزء الثاني من هذا الكتاب ومنها أن يكون كلام كل واحد منهما مسموعاً للآخر ولمن يقرب منه من الحاضرين، ومنها أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب، ومنها أن يقصد كل منهما معنى اللفظ الذي ينطق به، فإن جرى على لسانه بدون أن يقصد معناه فإنه لا يصح، فإذا أراد أن يقول لها: أعطيتك ألفاً، فقال لها: طلقتك على ألف فإنه لا يقع به شيء بينه وبين الله، ومنها أن لا يتخلل بين الإيجاب والقبول كلام، ولكن في البيع يضر الكلام ولو يسيراً، أما هنا فإنه لا يضر الكلام اليسير، وإنما الذي يضر الكلام الذي يشعر بالإعراض عن الموضوع، ومنها أن يتفق الإيجاب مع القبول، فإذا قال لها: طلقتك بألف، فقالت قبلت بألفين لا يقع شيء. وإذا قال لها: طلقتك ثلاثاً بألف. فقالت: قبلت واحدة بألف فإن الثلاث تقع بالألف، وذلك لأنه وإن لم يوافق القبول الإيجاب في الطلاق ولكن وافقه في المال. والزوجة تملك المال. والزوج يملك الطلاق فقد وافقته فيما تملك فتلزم به ويلزم هو بالثلاث إلى غير ذلك من الشروط المتقدمة. فارجع إليها إن شئت.
الحنابلة - قالوا: يشترط في صيغة الخلع شروط:
أحدهما: أن تكون لفظاً، فلا يصح الخلع بالمعاطاة، ولو نوى بها الطلاق، بل لا بد فيه من الإيجاب والقبول.
ثانيها: أن يكون الإيجاب والقبول في المجلس، فإذا قال لها: خلعتك بكذا، وقام من المجلس قبل أن تقبل، فإنه لا يصح وكذا إذا قامت هي ولم تقبل.
ثالثها: أن لا يضيف الخلع إلى جزء منها، فإذا قال لها: خلعت يدك أو رجلك بكذا، وقبلت كان لغواً، وذلك لأن الخلع فسخ لا طلاق، وإضافة العبارة الدالة على الفسخ إلى جزء المرأة تعتبر، بخلاف الطلاق، فإنه إذا أضافه إلى جزء متصل بها فإنه يقع كما تقدم، نعم إذا قال لها:خلعت رجلك بكذا، ونوى الطلاق فإنه يكون طلاقاً فتطلق كما تقدم إيضاحه في التعريف. رابعها: أن لا يعلقه على شرط، فإذا قال لها: إن بذلت لي كذا فقد خلعتك فإن الخلع لا يصح ولو بذلت له ما سماه بخلاف الطلاق فإنه يصح تعليقه. فإذا قال لزوجته: إن أعطيتني هذا الجمل فأنت طالق، فأعطته إياه طلقت، ولو وجده معيباً لا يصح له رده أما إن يظهر أنه مغصوب فلا يقع الطلاق، والمراد بإعطائه أن تخلي بينه وبين الجمل ليملكه، وبعضهم يقول: لا بد من أن تقول له: ملكتك هذا الجمل، لأن فعلها غير كاف في التمليك، وهل يصح الخلع مع الشرط أو لا؟ والجواب: نعم يصح ويلزم العوض، فإذا قال لها: خلعتك بكذا على أن يكون لي الحق في الرجعة، وقبلت فإن الخلع يصح ويبطل الشرط. فلا يكون له الحق في الرجعة، ومثل ذلك ما إذا شرط الخيار، كما إذا قال لها: خالعتك بكذا على أن يكون لي الخيار أو لك الخيار ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر، فإن الخلع يصح والخيار يبطل، فيقع الخلع فوراً وله الحق في العوض.
ويصح الخلع مع البيع، فإذا قالت لزوجها: بعني هذا الجمل، وطلقني بمائة، فإنه يصح إذا قال لها: قبلت في المجلس، ويكون ذلك بيعاً، وخلعاً. لأن كلاً منهما يصح مفرداً فصحا مجتمعين، ثم ينظر إلى المبلغ بالنسبة لصداقها المسمى في عقد الزواج، فإن كان خمسين جعل عوض الخلع خمسين وثمن الجمل خمسين، فإذا وجدت بالجمل عيباً وردته به رجعت بالخمسين التي خصته. وإن كان مهرها أكثر نقص بقدر ذلك من ثمن الجمل، وعلى هذا القياس، ولا بد من مطابقة القبول للإيجاب فيما يوافق غرض الموجب، فإذا قالت له: اخلعني بألف، فقال طلقتك لم يستحق الألف لأنه أوقع طلاقاً لم تطلبه، فلم يتحقق الخلع الذي بذلت فيه العوض، وهذا بخلاف ما إذا قالت له: طلقني واحدة بألف أو على ألف، ونحو ذلك فطلقها ثنتين، أو ثلاثاً فإنه يستحق الألف، لأنه أتى بغرضها وزيادة وإذا قالت له: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق وطالق، وطالق، فإنها تبين بالأولى، لأنها في مقابلة عوض فلم يلحقها ما بعدها، فإن قال أنت طالق. وطالق بألف وقعت الأولى رجعية فتلحقها الثانية، لأن البائن يلحق الرجعي ولغت الثالثة، أما إن ذكر - بألف - عقب الثالثة فقط، فإنها تطلق ثلاثاً.
وإذا قالت له: طلقني ثلاثاً بألف فقال: قبلت واحدة أو اثنتين، فإنه لا يستحق شيئاً ووقعت رجعية، وإن قال لها: أنت طالق ثلاثاً بألف، فقالت: قبلت واحدة بألف وقع الثلاث أما إذا قالت قبلت واحدة بخمسمائة، أو قبلت الثلاث بخمسمائة فإنه لم يقع شيء، لأن الشرط لم يوجد) .
(3) (الحنفية - قالوا: إذا نوى بالخلع ثلاثاً فإنه يلزم به، أما إذا نوى به ثنتين فلا يلزمه إلا واحدة، وقد تقدم تعليل ذلك في مبحث الكناية فارجع إليه) .
(4) (الحنابلة - قالوا: إن الخلع فسخ لا طلاق، فلا ينقص به عدد الطلقات ما لم يكن بلفظ الطلاق. أو ينوي به الطلاق، كما تقدم إيضاحه في مذهبهم، وقالوا أيضاً: إن الإيلاء منوط بالحاكم فإن شاء طلق وإن شاء فسخ) .
(5) (الحنفية - قالوا: بين الزوجين تارة تكون فسخاً. وتارة تكون طلاقاً، فتكون فسخاً في مواضع: منها تباين الدار حقيقة وحكماً، ومعنى ذلك أن يترك أحد الزوجين الحربيين دار الحرب إلى دار الإسلام مسلماً أو ذمياً، فإذا فعل ذلك بانت منه امرأته أما المستأمن، وهو الذي يدخل دار الإسلام بأمان لتجارة ونحوها بنية العودة إلى بلاده، فإن امرأته لا تبين منه، وقد تقدم بيان ذلك في صحيفة 196، ومنها فساد العقد بسبب من الأسباب كما إذا تزوجها بغير شهود. أو إلى مدة معينة. أو نحو ذلك، مما تقدم تفصيله في النكاح الفاسد ففي هذه الحالة تجب الفرقة بينهما وتكون فسخاً لا طلاقاً، ومنها أن يفعل ما يوجب حرمة المصاهرة بأصول المرأة الاناث وفروعها، كأن يقبل بنت زوجته بشهوة. أو أمها. أو نحو ذلك، مما هو مفصل في مبحث ما يوجب حرمة المصاهرة، صحيفة 62 وما بعدها، وكذا إذا فعلت الزوجة ما يوجب حرمة المصاهرة مع أصوله، أو فروعه الذكور، كتقبيل ابن زوجها البالغ بشهوة، ونحوه، ومنها إسلام أحد الزوجين الكافرين في دار الحرب، فإذا أسلمت الزوجة وهي في دار الحرب تبين من زوجها الكافر بعد ثلاث حيض كما تقدم في صحيفة 194 وما بعدها، ومنها أن ترضع الزوجة ضرتها الصغيرة، فإنها تصبح أمها في الرضاع، فتبين منه هي ومن أرضعتها وهذه البينونة فسخ لا طلاق لأنهما يحرمان عليه مؤبداً.
ومنها أن يرتد أحد الزوجين، فإنه إذا وقع ذلك بانت منه امرأته فسخاً لا طلاقاً كما تقدم بيانه في صحيفة 199، أم الفرقة بالطلاق فهي في مواضع الطلاق بالجب. والعنة، وقد تقدم بيانه في مبحث العيوب. ثانيها: الفرقة بالإيلاء. ثالثها: الفرقة باللعان. رابعها: بصريح الطلاق وكنايته على ما تقدم إيضاحه.

الشافعية - قالوا: تنقسم فرقة النكاح في الحياة إلى قسمين: طلاق. وفسخ، فالطلاق أربعة أنواع:

الأول: ألفاظ الطلاق صريحة. وكناية.
الثاني: الخلع.
الثالث: فرقة الإيلاء. الرابع: فرقة الحكمين، فإذا وكل الزوج حكمين في تطليق امرأته أو وكلتهما الزوجة في طلاقها بعوض مالي ففعلا، فإنه يكون طلاقاً لا فسخاً.
أما الفرقة بالفسخ فهي أمور: منها الفرقة بسبب إعسار الزوج عن دفع الصداق أو النفقة والكسوة والمسكن بعد إمهاله ثلاثة أيام وقد عرفت أن الفسخ بسبب الإعسار من المهر إنما يكون قبل الوطء، كما تقدم بيانه في صحيفة 148، ومنها فرقة اللعان الآتي بيانه، ومنها فرقة العيب المتقدم تفصيله في بابه، ومنها فرقة الوطء بشبهة، وقد تقدم بيانه في صحيفة 112 مبحث الوطء بشبهة، ومنها الفرقة بسبي أحد الزوجين، وقد تقدم بيانه في صحيفة 197، ومنها فرقة إسلام أحد الزوجين الكافرين، وتقدم إيضاحها في صحيفة 193 ومنها ردة منه أو منها وتقدم في صحيفة 207، ومنها إذا أسلم الكافر وتحته أختان، وتقدم في صفحة 192، ومنها فرقة عدم الكفاءة وتقدمت في مبحث الكفاءة، ومنها فرقة الانتقال من دين لآخر، كالانتقال من اليهودية للنصرانية وبالعكس ومنها فرقة الرضاع بشروطه المتقدمة.
المالكية - قالوا: الفرقة بين الزوجين تارة تكون طلاقاً، وتارة تكون فسخاً، فتكون طلاقاً فيما يلي:
- 1 - في كل عقد فاسد مختلف فساده كنكاح الشغار. ونكاح السر. والنكاح بدون ولي ونحو ذلك مما تقدم، فكل عقد فاسد عند المالكية صحيح عند غيرهم فإنه يفسخ بطلاق يحسب من عدد الطلقات، أما إذا كان مجمعاً على فساده فإنه يفسخ بغير طلاق، ومن ذلك العقد على امرأة في عدة الغير، أو العقد على محرمة من المحارم، أو العقد على خامسة وتحته أربعة، أو نحو ذلك من العقود المجمع على فسادها فإنها تفسخ بغير طلاق، وقد تقدم بيان ذلك في ص 17 وما بعدها.
- 2 - فسخ الحاكم بالغيب طلاق بائن، سواء طلق هو أو أمرها بأن تطلق نفسها إلا إذا كان مولياً وطلق عليه، فإن طلاق الحاكم في هذه الحالة يكون رجعياً، ومثله ما إذا طلق عليه الحاكم بسبب الإعسار عن دفع النفقة فإن طلاقه يكون رجعياً، وقد تقدم في صحيفة 167، وما بعدها.
- 3 - الردة طلاق بائن على المشهور، وقد تقدمت في مباحث الردة.
- 4 - الخلع، وهو طلاق صريح، كما تقدم في بابه.
- 5 - الطلاق الصريح، والكناية.
- 6 - الفرقة بسبب الإيلاء طلاق كالفرقة بسبب العيب، فيأمره القاضي بالطلاق أو يطلق عليه القاضي أو جماعة المسلمين. أو يأمرها به فتطلق نفسها، ويحكم القاضي به أو يثبته طلاقاً على الخلاف المتقدم في الطلاق بالعيب، إلا أنه بائن في العيب ورجعي في الإيلاء إلا إذا طلق هو رجعياً.
- 7 - الفرقة بسبب الإعسار عن دفع الصداق أو دفع النفقة، فإن الحاكم يطلق عليه طلقة واحدة رجعية إن أبى عن تطليقها، أو يأمرها بأن تطلق نفسها ثم يحكم به كما تقدم، وتكون الفرقة فسخاً فيما يلي: أولاً: في العقد الفاسد المجمع على فساده، ومنه نكاح المتعة على المعتمد، لأنه مجمع على فساده بين الأئمة ومن قال بجوازه فقوله شاذ لا يعول عليه، ومن نظر إلى هذا القول قال إنه مختلف فيه، فالفرقة بسببه طلاق لا فسخ. ثانياً: الفرقة بالرضاع. فإنها فسخ بلا طلاق. ثالثاً: الفرقة باللعان، فإنها توجب تأبيد التحريم، فلا يحل له أن يتزوجها بحال، فلا يعتبر ذلك طلاقاً، رابعاً: الفرقة بسبب السبي، فإنها تقطع علاقة الزوجية بين الزوجين، فإذا سبيت المرأة الحربية وهي كافرة وزوجها غير كافر فإنها تصير غير زوجة له فتحل لغيره بمجرد أن تحيض مرة، وقد تقدم توضيحه في صحيفة 196، وكذا إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين، فإن الفرقة بينهما فسخ بغير طلاق، وقد تقدم توضيحه في صحيفة 191.
الحنابلة - قالوا: الفرقة تارة تكون فسخاً. وتارة تكون طلاقاً، فتكون فسخاً في أمور: منها الخلع إذا كان بغير لفظ الطلاق أو نيته، ومنها ردة أحد الزوجين. ومنها الفرقة لعيب من العيوب المتقدمة في هذا الباب، ولا يفسخ إلا حاكم.
ومنها الفرقة بسبب إعساره عن دفع الصداق والنفقة ونحوها، ولا يفسخه إلا حاكم أيضاً، ومنها إسلام أحد الزوجين، وينفسخ نكاحهما إذا انقضت عدتها. أما إذا أسلمت المرأة ثم أسلم زوجها وهي في العدة فإن نكاحهما يبقى، كما هو موضح في صحيفة 193، وما بعدها، أما فرقة الإيلاء فهي منوطة بالحاكم فإذا انقضت المدة، وهي أربعة أشهر ولم يطأ زوجته ولم تعطف عليه وطلبت من الحاكم طلاقها، فإنه يأمره بالطلاق، فإن أبى طلق عليه الحاكم واحدة أو ثلاثاً، أو فسخ العقد بدون طلاق، كما سيأتي إيضاحه في بابه، ومنها الفرقة بسبب اللعان فإن اللعان يوجب التحريم بينهما على التأبيد، ولو لم يحكم به القاضي بحيث لا تحل له بعد ذلك، وأم الفرقة بسبب الطلاق فهي ما كانت بألفاظ الطلاق صريحاً أو كناية، على الوجه المتقدم في مباحث الطلاق) .



ابوالوليد المسلم 27-07-2022 02:06 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الرجعة]
صـــــ 376 الى صــــــــ
404
الحلقة (216)




مباحث الرجعة
تعريفها
-الرجعة - بفتح الراء - وروي كسرها أيضاً، ولكن بعض اللغويين أنكر الكسر، وهي اسم للمرة من الرجوع، ولعل هذا هو السبب في إنكار ورودها بالكسر، لأنها بالكسر اسم للهيئة، كما قال ابن مالك، وفعلة لمرة - كجلسة - وفعلة لهيئة كجلسة - ولا يعقل أن تكون هنا اسم لهيئة الرجوع، ولكن المدار في هذا على السماع، فإذا سمع استعمالها بالكسر في المرة فإنه يكون صحيحاً لغة، وإن خالف القاعدة المذكورة، وقد نقل بعض أئمة اللغة أن استعمالها بالكسر في المرة أكثر من الفتح، أما فعلها، وهو - رجع - فيأتي لازماً ومتعدياً، فيقال: رجع الشيء إلى أهله ورجعته إليهم، وعلى الأول يكون على وزن جلس، فيقال: رجع زيد إلى أهله يرجع رجوعاً، والرجعي بمعنى الرجوع بالضم، ويقال: رجعى - بالكسر - لرجعة امرأته، والمرجع مصدر ميمي، بمعنى الرجوع أيضاً، وهو شاذ، لأنه مصدر فعل يفعل، كقطع يقطع، والمصدر الميمي من فعل يفعل - بالفتح - يكون مفتوح العين، وعلى الثاني يكون على وزن قطع، فيقال: رجع زيد الشيء إلى أهله يرجعه رجعه رجعاً، كقطع الشيء يقطعه قطعاً، فتحصل أن مصدر رجع اللازم الرجوع، والرجعى - بالضم والكسر - والمصدر الميمي المرجع ومصدر رجع المتعدي الرجع - بالفتح - كالقطع، وأن الرجعة - بفتح الراء، وكسرها - في اللغة اسم للمرة من الرجوع، سواء رجع من طلاق أو من طريق أو غيرهما، وأما معناها في اصطلاح الفقهاء، ففيه تفصيل المذاهب (1) .
دليل الرجعة
-إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً رجعياً، فإن كان لحاجة شرعية فإنه لا ينبغي له أن يراجعها خصوصاً إذا كان طلاقها واجباً وإمساكها محرماً، فإنه يحرم عليه أن يرجع إليها ثانياً، أما إذا كان طلاقها محرماً، كما إذا طلقها طلاقاً بدعياً، فقد عرفت اختلاف الأئمة في الرجعة، وعرفت أن بعضهم يرى وجوبها عليه، فإن لم يفعل أرغمه الحاكم. أو راجع عنه إن أبى، أما إن طلقها طلاقاً مباحاً، كأن ساءت المعاشرة بينهما مؤقتاً، ولم يستطع أحد أن يصلح بينهما، ثم زالت هذه الشدة بعد الطلاق وصفت القلوب، فإن الرجعة في هذه الحالة تكون مندوبة، إلى غير ذلك من الأحكام المتقدم بيانها في مبحث الطلاق السني.
ثم إن الرجعة ثابتة بالكتاب، والسنة والاجماع، فأما الكاتب فمنه قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أن أرادوا اصلاحاً} ، وأما السنة فمنها حديث ابن عمر المتقدم حين طلق امرأته، فإن النبي صله الله وعليه وسلم قال لعمر: "مر ابنك فليراجعها"، فدل ذلك على ثبوت الرجعة، على أن النبي صلى الله وعليه وسلم قد طلق حفصة، ثم راجعها، وأما الإجماع فقد أجمع أئمة الدين على أن الحر إذا طلق دون الثلاث. والعبد إذا طلق دون اثنتين لهما حق الرجعة في العدة ولم يخالف في ذلك أحد.
أركان الرجعة وشروطها
-للرجعة أركان ثلاثة: صيغة، ومحل، ومرتجع، ولكل واحدة من هذه الثلاثة شروط مفصلة في المذاهب (1) .
مبحث اختلاف الزوجين في انقضاء العدة المبطل للرجعة، وما يتعلق بذلك.
-يبطل حق الزوج في الرجعة بانقضاء عدة الزوجة بالحيض ثلاث مرات، إن كانت من ذوات الحيض، وبوضع الحمل كاملاً أو سقطاً، وبثلاثة أشهر من تاريخ طلاقها إن كانت آيسة من الحيض لكبر أو صغر، وإنما تنقضي العدة بأمارات مفصلة في المذاهب (2) .
فإذا اختلف الزوجان في انقضاء العدة، بأن ادعى الزوج أنها باقية، وادعت الزوجة أنها انقضت، ولا حق له في الرجعة، أو ادعى الزوج انه راجعها في العدة قبل أن تنقضي، ولم يخبرها إلا بعد انقضائها، وأنكرت الزوجة ذلك، فإن فيه أيضاً تفصيلاً تعلمه من الاطلاع على المكتوب تحت الخط الموجود أمامك.

__________
(1) (الحنفية - قالوا: الرجعية هي إبقاء الملك القائم بلا عوض في العدة، فقوله: إبقاء الملك معناه أن ملك عصمة الزوجة يحتمل الزوال بالطلاق الرجعي إذا انقضت العدة، فالرجعة من الطلاق رفع لذلك الاحتمال، وإبقاء لذلك الملك واستدامة له، ولذا قال: الملك القائم، لأن ملك العصمة قائم بالطلاق الرجعي لم ينقطع، وقوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} معناه وأزواجهن أحق برجعتهن، فالرد معناه الرجعة، وهي إبقاء الملك القائم، وليس معناه رد الملك الزائل، كما قد يتبادر من الرد يقال على الشيء الذي انعقد زوال ملكه، وإن لم يزل بالفعل، فالطلاق الرجعي سبب في زوال الملك لا حالاً، بل بعد انقضاء العدة، فالرد إبقاء للملك الذي لم يزل بعد، فلا فرق بين قوله: رد الملك القائم، وقوله: إبقاء الملك القائم، قوله: في العدة معناه أن الجعة لا تتحقق إلا إذا كانت العدة باقية لم تنقض، والمراد عدة المدخول بها حقيقة، فإذا طلق امرأته التي وطئها طلاقاً رجعياً، فإن له حق الرجعة مادامت في العدة، أما إذا طلقها بعد الخلوة بدون وطء فإنها تعتد، ولكن لا يكون له عليها حق الرجعة بل تبين منه كما لو كانت غير مدخول بها بالمرة، ولو لمسها، أو قبلها، أو نظر إلى فرجها الداخل بشهوة، وذلك لأن عدة الخلوة شرعت للاحتياط، فليس من الاحتياط أن تعتبر المرأة غير المدخول بها حقيقة كالمدخول بها في الطلاق الرجعي، بل الاحتياط أن تعتبر غير مدخول بها، فيكون طلاقها بائناً.
وبهذا تعلم أن الطلاق الرجعي سبب في زوال الملك بعد العدة، فالرجل يملك الزوجة ما دامت في العدة ملكاً تاماً، فيحل له أن يستمتع بها بدون نية رجعة مع الكراهة التنزيهية، فإذا فعل معها فعلاً يوجب حرمة المصاهرة من لمس بشهوة، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل فرجها بشهوة، أو نحو ذلك مما تقدم، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم يقصد به الرجعة، وكذا إذا فعلت معه ذلك، كأن قبلته بشهوة، أو نظرت إليه، أو نهو ذلك مما يأتي.
المالكية - قالوا: الرجعة عودة الزوجة المطلقة للعصمة من غير تجديد عقد، فقوله: من غير تجديد عقد خرج به عود الزوجة إلى العصمة في الطلاق البائن بعقد، فإنه لا يسمى رجعة، وإنما يسمى مراجعة، لأنه متوقف على رضا الزوجين، وعرفها بعضهم بأنها رفع الزوج أو الحاكم حرمة متعة الزوج بزوجته بطلاقها، ومعناه أنه إذا طلقها طلاقاً رجعياً حرم عليه الاستمتاع بها بدون نية الرجعة، فإذا نوى الرجعة فقد راجعها ورفع هذه الحرمة، وكذا إذا طلقها طلاقاً بدعياً ولم يرض بردها، فإن الحاكم يردها له قهراً عنه، وبذلك يرفع حرمة استمتاعه بها، وعرفها بعضهم بأنها رفع إيجاب الطلاق حرمة متعة الزوج بزوجته بانقضاء عدتها ومعناه أن الطلاق الرجعي يوجب حرمة استمتاع الزوج بزوجته بعد انقضاء عدتها، فالرجعة ترفع هذا التحريم الذي يحصل بعد انقضاء العدة لا قبله، وعلى هذا التعريف يحل للرجل أن يستمتع بامرأته قبل انقضاء العدة بدون نية الرجعة وهو قول شاذ، والمشهور الأول، وهو أنه لا يحل له الاستمتاع بدون نية الرجعة.
الشافعية - قالوا: الرجعة رد المرأة إلى النكاح من طلاق غير بائن في العدة، ومعناه أن الطلاق الرجعي يحرم الزوجة على زوجها بحيث تكون كالأجنبية، فلا يحل له أن يستمتع بها، وإن كان له عليها حق الرجعة بدون رضاها وعلى هذا فيكون ملكه ناقصاً. فالرجعة ترده إلى النكاح الكامل المبيح للاستمتاع بها، فلا يرد أن المطلقة رجعياً لا تزال في النكاح، فما معنى ردها إلى النكاح؟ ويقال في الجواب ما ذكرنا، وهو أن الطلاق جعل نكاحها ناقصاً، فالرجعة تردها إلى النكاح الكامل، وبعضهم يقول: إن معنى ردها إلى النكاح ردها إلى ما يوجبه النكاح، وهو حل الاستمتاع، فكأنه قال: رد المرأة إلى حل الاستمتاع بها، وهو حسن.
والشافعية يقولون: يحرم على المطلق رجعياً أن يطأ المطلقة أو يستمتع بها قبل رجعتها بالقول ولو بنية الرجعة، خلافاً للحنفية الذين يقولون بحل الاستمتاع بالزوجة بالوطء وغيره، ويقولون: إن التلذذ بها بشهوة رجعية ولو لم ينو الرجعة، مع كراهة التنزيه، وخلافاً للمالكية الذين يقولون بجواز الاستمتاع بها بنية الرجعة، وإلا حرم، وخلافاً للحنابلة الذين يقولون إن الرجعة تحصل بالوطء واو لم ينو به الرجعة بدون كراهة.
الحنابلة - قالوا: الرجعة إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد، وهو تعريف لا يرد عليه شيء، ثم إن الحنابلة يقولون: إن إعادة المطلقة طلاقاً رجعياً تارة تكون بألفاظ مخصوصة وتارة تكون بالوطء، سواء نوى به الرجعة أو لا، وسيأتي توضيه) .
(2) (الحنفية - قالوا: إن ركن الرجعة هو الصيغة وحدها، وأما المحل، والمرتجع فهما خارجان عن الماهية، ثم الصيغة عندهم قسمان: قول، وفعل، والقول إما صريح، أو كناية، فالصريح هو كل ما يدل على الرجعة وإبقاء الزوجية، ونحو: راجعتك، وراجعتك، وراجعتك، إذا كان مخاطباً لها، فإن لم يكن مخاطباً لها، سواء كانت حاضرة أو غائبة، قال: رجعت زوجتي، أو امرأتي الخ، ومن الصريح رددتك، ومسكتك، وأمسكتك. وهذه الألفاظ تحصل بها الرجعة وإن لم ينو، إلا أنه يشترط في الرجعة بقوله: رددتك، أن يقول: إلى أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك لا يكون صريحاً في الرجعة. بل يكون كناية يتوقف على النية، وذلك لأن رددت يحمل رد زواجها فلم يقبلها. ويحتمل رجعتها إليه، فإذا صرح بكلمة إليه، أو إلى عصمته، فقد رفع الاحتمال، ومن الصريح أن يقول لها: نكحتك، أو تزوجتك، وأما الكناية فهي مثل أن يقول لها: أنت عندي كما كنت، أو أنت امرأتي أو أصبحنا من الآن كما كنا، أو نحو هذا، فإن نوى بهذه الألفاظ الرجعة فإنه يصح وإلا فلا، أما الفعل فقد تقدم أنه كل فعل من الزوج أو الزوجة يوجب حرمة المصاهرة من لمس، أو تقبيل، أو نظر إلى داخل الفرج، ويشترط في ذلك الشهوة، فإن فعل أحد الزوجين مع الآخر شيئاً من هذا بدون شهوة فإنه لا تتحقق به الرجعة، على أن المرأة إذا قبلته، أو نظرت إلى فرجه، أو نحو ذلك بدون أن يشتهي هو فلا بد أن تقول: إنها هي فعلت بشهوة، ولا بد أن يصدقها، أما إذا قال: إنها لم تفعل بشهوة فلا تصح الرجعة إلا إذا قامت قرينة على كذبه وصدقها، أما إذا قبلته فانتشر، أو عانقها وقبل فاها، أو أمسك ثديها.
أو نحو ذلك من الأمارات التي تدل على أنه التذ، فغن حصل شيء من ذلك ومات الزوج وادعى الورثة أنها فعلت معه بدون شهوة، فلم ترجع زوجة له وادعت هي أنها فعلت بشهوة، فإن ادعت أنه قد اشتهى هو فإن بينتها على ذلك تسمع، ولا تثبت الرجعة بالنظر إلى الدبر بشهوة إجماعاً، لأنه لا تثبت بذلك حرمة المصاهرة، وهل الوطء في الدبر رجعة أو لا؟ فبعضهم يقول: إنه ليس برجعة، ولكن الصحيح أنه رجعة، لأن فيه المس بشهوة، كما لا يخفى. وإنما لم تثبت به حرمة المصاهرة مع كونه فيه مساً لأنك قد عرفت في مبحثه أن حرمة المصاهرة تثبت بالوطء في الفرج وبالمقدمات المفضية إلى الوطء في الفرج، فإذا وطئها في الدبر ظهر أنه لا يقصد وطأها في الفرج فمقدمات الوطء في الدبر لا قيمة لها بخلافه هنا. فإن الغرض المس بشهوة مطلقاً، وقد تحققت، ولا تصح الرجعة بالخلوة بدون تلذذ، وكما تحصل الرجعة بمقدمات الوطء المذكورة تحصل بالوطء من باب أولى، والوطء كمقدماته جائزان للزوج المطلق طلاقاً رجعياً سواء نوى بهما الرجعة أو لا. ولكن الأولى أن يراجعها بالقول، وأن يشهد على ذلك عدلين ولو بعد الرجعة بالفعل، وإذا راجعها وهي غائبة يندب له إعلامها، وهذه هي الرجعة السنية وأما الرجعة بالوطء ومقدماته فإنها بدعية فإن راجع بها ندب له أن يرجع بالقول ويشهد على قوله وإلا كان مكروهاً تنزيهاً. كما عرفت. وإنما حل وطء المطلقة رجعياً والتلذذ بها، لأن ملك العصمة باق من كل وجه ولا يزول إلا عند انقضاء العدة، كما بيناه.
فإن قلت: إذا كانت الزوجية قائمة من كل وجه، فما بالكم قلتم: إنه لا يصح للزوج أن يسافر بزوجته المطلقة طلاقاً رجعياً قبل مراجعتها؟ قلت: إن ذلك ثبت بالنص، وهو النهى عن خروج المطلقة مطلقاً من منزلها، قال تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} ، والنهى عن الإخراج مطلقاً شمل الإخراج من أجل السفر.
ويشترط للرجعة شرط واحد، وهو أن تكون الزوجة مطلقة طلاقاً رجعياً، بحيث لا يكون ثلاثاً في الحرة ولا ثنتين في الأمة. أو واحدة مقترنة بعوض مالي في الخلع، أو موصوفة بصفة تنبئ عن الإبانة.
كطلقة شديدة أو مشبهة بما يفيد الإبانة كطلقة مثل الجبل، أو تكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، أو واحدة قبل الدخول.
والحاصل أن الطلاق البائن، هو الطلاق الثلاث، والطلاق الواحد بعوض مالي، والطلاق الواحد الموصوف أو المشبه بما يشعر بالإبانة على الوجه المتقدم في وصف الطلاق، والكنايات التي يقع بها الطلاق البائن، بخلاف الكنايات التي يقع بها الرجعي، وقد تقدم بيانهما في مبحث الكنايات بالإيضاح التام، والطلاق قبل الدخول، أما الطلاق الرجعي فهو ما ليس كذلك وهو الذي تصح فيه الرجعة، ثم إن الرجعة تصح من المجنون بالفعل، مثلاً إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً، وهو سليم، ثم جن فله مراجعتها بالوطء أو بالتقبيل، أو نحو ذلك، وكذلك تصح رجعة النائم والساهي والمكره، فإذا قبلها بشهوة وهي مكرهة فقد راجعها بذلك، وكذا إذا كانت جالسة متكئة وأمكنه أن ينظر إلى داخل فرجها بشهوة، فإن ذلك يكون رجعة ولو لم تعلم، وكذا إذا نظرت إلى ذكره بشهوة بدون علمه فإنه يكون رجعة، وتصح أيضاً مع الهزل، واللعب، والخطأ، بأن أراد أن يقول لأخته: اسقني الماء فجرى لسانه يقول: راجعت زوجتي، نعم يشترط في صحة الرجعة أن لا يعلقها على شرط، كأن يقول: إن دخلت الدار قد راجعتك وكذا يشترط أن لا يضيفها إلى وقت في المستقبل كأن يقول: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإذا قال ذلك فإنه لا يكون رجعة باتفاق، على أنهم يعدون ذلك من أحكام الرجعة ويمكن عده في الشروط وكذا لا يصح شرط الخيار في الرجعة، فإذا قال لها: راجعتك على أني بالخيار، فإن الرجعة لا تصح، وعلى هذا يمكن أن يقال: إن شروط الرجعة أربعة: أحدها: أن يكون الطلاق رجعياً فلا رجعة من الطلاق البائن. ثانيها أن لا يشترط فيها الخيار.
ثالثها: أن لا يضيفها إلى زمن. رابعها: أن لا يعلقها على شرط ثم إنه يشترط في الرجعة خمسة شروط، وهي:
- 1 - وأن لا يكون ثلاثاً.
- 2 - وأن لا يكون واحدة بعوض، سواء كان بلفظ الخلع ونحوه، أو بلفظ الطلاق.
- 3 - وأن لا يكون واحدة قبل الدخول.
- 4 - وأن لا يكون واحدة موصوفة أو مشبهة بما يفيد البينونة.
- 5 - وأن لا يكون كناية من الكنايات التي يقع بها الطلاق البائن بالنية أو بقرينة الحال.
فالطلاق الرجعي هو ما توفرت فيه الشروط فإذا ضمت الشروط للشروط المتقدمة كانت شروط الرجعة تسعة، ولا حاجة إلى عد شروط المرتجع من كونه عاقلاً بالغاً الخ، لأن الرجعة لا تتحقق إلا بعد تحقق الطلاق من نكاح صحيح، فالصبي والمجنون لا يتحقق منهما طلاق فلا رجعة، والنكاح الفاسد لا طلاق منه فلا رجعة، فتحصل أن ركن الرجعة شيء واحد، وهو قول مخصوص، أو فعل مخصوص، والأول ينقسم إلى قسمين: صريح، وكناية، والثاني ينقسم إلى قسمين: وطء، وعمل يوجب حرمة المصاهرة، ويصح التعبير عنه بمقدمات الوطء وكلاهما يحل للزوج فعله مع مطلقته الرجعية كما يحل لها مع كراهة التنزيه، فالرجعة السنية التي لا كراهة فيها هي أن يراجعها بالقول، ويشهد على قوله عدلين، ثم إن راجعها في غيبتها يعلمها ولا يدخل عليها إلا بإذنها كي تستعد للقائه، ولهذا قسموا الرجعة إلى قسمين: سنية، وبدعية، أما شروطها فقد عرفت ما فيها. المالكية - قالوا: يشترط في المرتجع شرطان، أحدهما: أن يكون بالغاً، فلا تصح الرجعة من الصبي ولا من وليه، وذلك لأن طلاق الصبي غير لازم، وطلاق وليه عنه إما أن يكون بعوض، وهو بائن لا رجعة فيه حتماً، وإما أن يكون بغير عوض، وهو بائن أيضاً، لأنه بمنزلة الطلاق قبل الدخول، لأن وطء الصبي لا يعتبر، فكأنه عدم محض، وهذا بخلاف نكاح الصبي فإنه صحيح، ولكنه يتوقف على إجازة الولي. ثانيهما: أن يكون عاقلاً، فلا تصح الرجعة من المجنون، ومثله السكران، فإن رجعته لا تصح ولو كان سكره بحلال.
ولا يشترط أن يكون حراً، فإن العبد يصح نكاحه بإذن سيده وإذن السيد بالنكاح إذن بتوابع النكاح، فلا تتوقف رجعته على إذن سيده، ومثل العبد المحجور عليه لسفه أو لفلس، فإن لهما الحق في الرجعة بدون إذن الولي في المحجور عليه لسفه، أو إذن الغريم إذا كان محجوراً عليه لفلس، وكذا لا يشترط أن يكون المرتجع سليماً من المرض، فيصح للمريض أن يراجع زوجته، وليس في رجعته إدخال وارث جديد، وهو لا يجوز، لأن المطلقة رجعياً ترث وهي في العدة على كل حال، وإن لم يراجعها.
وكذا لا يشترط أن يكون الزوجان غير محرمين إحرام النسك، فيصح للمحرم أن يراجع زوجته حال الإحرام، سواء كانت محرمة هي، أو لا؟ فهؤلاء الخمسة تصح رجعتهم، وإن كان لا يصح نكاحهم ابتداء، وهم: العبد، والسفيه، والمفلس، والمريض والمحرم، أما الصبي فإنه وإن كان يجوز نكاحه لا يقع موقوفاً على إذن وليه ولكنه لا يصح طلاقه أيضاً، وطلاق وليه عنه بائن لا رجعي، وأما المجنون والسكران فنكاحهما لم يصح أصلاً، كما أن طلاقهما لم يصح، فلم تصح رجعتهما بحال من الأحوال. وأما المرتجعة وهي الزوجة، فيشترط فيها ثلاثة أمور: أحدها: أن تكون مطلقة طلاقاً غير بائن، والطلاق البائن هو ما كان بالثلاث أو كان واحدة في نظير عوض أو كان واحدة ونوى به طلاقاً بائناً أو حكم به حاكم على الزوج بسبب عيب، أو نشوز، أو إضرار، أو فقد الزوج، أو إسلام، أو كمال عتق الزوجة. إلا إذا حكم به الحاكم بسبب الإيلاء، فإنه يكون رجعياً وكذا إذا حكم به عليه لعسر في النفقة فإنه يكون رجعياً له مراجعتها في العدة، ومثل ذلك ما إذا كان موسراً ولكنه غائب عنها في مكان بعيد لا تصل إليه وليس له مال في بلدها، فإنه إذا طلق عليه القاضي وحضر وهي في العدة كان له مراجعتها، فمتى كانت مطلقة طلاقاً غير بائن فإن له مراجعتها بدون رضاها. ثانيها: أن تكون في عدة نكاح صحيح أما إذا كانت في عدة نكاح فاسد، كما إذا تزوج خامسة ودخل بها، فإن نكاحه فاسد يفسخ بعد الدخول، وعليها العدة ولا تصح رجعتها وهي معتدة، وكذا إذا جمع أختاً مع أختها، ولو ماتت الأولى أو طلقت، لأن النكاح فاسد فلا تصح رجعتها.
ثالثها: أن يدخل بها ويطأها وطأً حلالاً، فإذا تزوج امرأة ودخل بها وهي حائض ووطئها في حال الحيض، أو وطئها وهي محرمة بالنسك فقط، ولم يطأها قبل ذلك ولا بعده، ثم طلقها طلقة رجعية فإنه لا يحل له رجعتها، لأن وطأها محرم لا قيمة له في نظر الشرع والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، فكأنه طلقها قبل الدخول فتبين منه ولا رجعة له عليها، ولا تصح الرجعة إلا إذا ثبت النكاح بشاهدين، وثبتت الخلوة أيضاً ولو بامرأتين، وتصادق الزوجان على الوطء، فإذا لم تعلم الخلوة بينهما وأراد رجعتها فإنه لا يمكن منها، ولو تصادقا على الوطء قبل الدخول أو بعده من باب أولى، فإن التصادق على الوطء لا ينفع على أي حال عند عدم العلم بالخلوة ومع كون تصادقهما على الوطء لا يعمل به في الرجعة فإنه يعمل في غير الرجعة، فإذا أقر بأنه وطئها لزمه نفقتها وسكناها ما دامت في العدة، وإذا أقرت بأنه وطئها لزمها أن تعتد منه وأن لا تتزوج غيره حتى تنقضي عدتها، على أنه إذا أقر هو بالوطء ولم تصدقه فلا يلزمها شيء، وبالعكس، وأما ما تتحقق به الرجعة فهو أمران:
أحدهما: القول: وهما قسمان: الأول: صريح في الرجعة لا يحتمل غيرها، كرجعت زوجتي إلى عصمتي، وراجعتها، ورددتها لنكاحي، فإذا لم يقل: لنكاحي لا يكون صريحاً إذ يحتمل عدم قبولها، يقال: رد الأمر إذا لم يقبله.
والثاني: كناية يحتمل الرجعة وغيرها، كقوله: أمسكت زوجتي، أو مسكتها، فإنه يحتمل أمسكتها حبستها لأعذبها، وأمسكتها في عصمتي زوجة، ومن ذلك ما إذا قال لها: أعدت الحل، ورفعت التحريم فإنه يحتمل لي، أو لغيري، أو رفعت عني، أو عن غيري، فهو كناية فإن كانت بلفظ صريح لا تحتمل غيره، فإن الرجعة تصح به بدون نية، قضاء لا ديانة، فلا بد من النية لتحل له بينه وبين الله، أما المحتمل فإن الرجعة لا تصح به بدون نية مطلقاً، وهل إذا قال قولاً صريحاً هازلاً ينوي به عدم الرجعة يكون رجعة أو لا؟ والجواب: أنها تكون رجعة في الظاهر، فيلزم بنفقتها وكسوتها، وإذا مات ترثه بناء على هذا القول الهزلي، أما بينه وبين الله فليست بزوجة له، فلا يحل له وطؤها إلا إذا راجعها بلفظ جدي في العدة. أو عقد عليها إذا انقضت العدة، كما إذا أتى بلفظ صريح بدون نية وبدون هزل. بقي هل تصح الرجعة بالكلام النفسي بينه وبين الله أو لا؟ قولان مصححان، ولكن المعول عليه أن الكلام النفسي لا يثبت به يمين، ولا طلاق ولا رجعة، لا في الظاهر ولا في الباطن، على أنه لا خلاف في أنه لا يترتب عليه شيء في الظاهر، فإن القاضي له الظاهر.
الأمر الثاني: الفعل، وهو أن يطأ الزوجة بنية مراجعتها، فإن فعل ذلك فإنه يصح وتعود الزوجية بينهما، وإن لم ينو حرم عليه ذلك الوطء ولكن هذا الوطء لا يوجب حداً ولا صداقاً ويلحق به نسب الولد إذا حملت منه، ويجب عليه أن يستبرئها بحيضة بعد هذا الوطء بحيث لا يحل له أن يراجعها بالوطء مع نية المراجعة قبل أن تحيض وتطهر بعد الوطء الأول ولكن يحل له أن يراجعها بالقول: إن كانت باقية في العدة، فإذا انقضت عدتها بعد وطئها ولم يراجعها بالقول لقد بانت منه، ولا يحل له ولا لغيره أن ينكحها قبل أن تحيض حيضة الاستبراء فإذا عقد عليها قبل انقضاء مدة الاستبراء كان العقد فاسداً فيفسخ، وإذا وطئها في زمن الاستبراء لا يتأبد تحريمها عليه.
هذا، وإذا وطئها بلا نية مراجعتها ثم انقضت عدتها وطلقها بعد ذلك، فهل يعتبر هذا الطلاق ويلحق بالأول أو لا؟ في ذلك قولان: أحدهما أنه لا يلحق، وذلك لأنك قد عرفت أن المشهور أنه لا يحل للرجل أن يطأ مطلقته رجعياً بدون نية الرجعة، فإذا وطئها كذلك لم يكن مراجعها وعلى هذا إذا انقضت عدتها لا تكون له زوجة، فطلاقها بعد ذلك لم يصادف محلاً، وبعضهم يقول: إن الطلاق الثاني يلحق وذلك لأن الوطء بدون نية الرجعة يعتبر رجعة عند بعضهم فبالنظر لهذا القول ينبغي الاحتياط فتحسب زوجة له بحيث لو طلقها بعد العدة يعتبر طلاقه وهذا القول هو المشهور، ولا مانع عند المالكية أن يبنى قول مشهور على قول ضعيف.
والحاصل أن الرجعة تحصل بالقول مع النية، سواء كان القول صريحاً أو محتملاً، فإذا أتى بالقول الصريح الذي لا يحتمل، فإنه يكون رجعة في الظاهر وإن لم ينو، سواء كان جاداً أو هازلاً، أما بينه وبين الله فإنها لا تحل له إلا إذا نوى بلفظ الرجعة وكان جاداً لا هازلاً، وإذا أتى بقول محتمل، فلا تحصل به الرجعة لا قضاء ولا ديانة إلا بالنية، وكما تحصل بالقول تحصل بالفعل مع النية، فإذا وطئها بنية الرجعة صح، وإلا فلا، وحرم عليه ذلك الوطء على الوجه الذي ذكرناه، أما الكلام النفسي بدون لفظ ففيه قولان: وأما النية وحدها بدون أن يتلفظ أو يطأها، فإنها لا تنفع، بلا خلاف.
وبهذا تعلم أن الصيغة إن كانت قولاً صريحاً، أو كناية فيشترط فيها النية، وإن كانت فعلاً، وهو الوطء فيشترط فيه النية، وكذا يشترط أن تكون الرجعة بالقول منجزة غير معلقة على شيء على الراجح، فإذا قال لها: إذا جاء الغد فقد راجعتك، فإن هذا لا يكون رجعة أصلاً لا في الغد ولا الآن، وذلك لأن الرجعة ضرب من ضروب الزواج، فكأنه قد تزوجها بالرجعة، وكما لا يجوز التأجيل في النكاح بحيث لا يصح أن يقول شخص لآخر: زوجني بنتك الآن على أن يحل لي وطؤها فكذا لا يجوز التأجيل في الرجعة، وبعضهم يرى أنه لا يشترط ذلك، فيصح أن يقول لها: إن جاء الغد فقد راجعتك ويكون ذلك رجعة في الغد الآن. فإذا جاء الغد صحت الرجعة من غير أن يأتي برجعة جديدة، أما الآن فيكون حكمها حكم من لم تراجع بحيث لا يحل له أن يطأها بدون نية مراجعتها، وعلى هذا إذا انقضت عدتها قبل مجيء الغد فلا تصح الرجعة وتبين منه.
الشافعية - قالوا: المرتجع هو الزوج أو وكيله إذا وكل عنه من يراجع له زوجته، أو وليه إذا جن بعد أن وقع طلاقاً رجعياً، وهو عاقل فإنه يشترط له سواء كان زوجاً أو وكيله أو وليه ثلاثة شروط: أحدها أن يكون عاقلاً، فلا تصح الرجعة من المجنون، والصبي الذي لا يميز، كما لا يصح طلاقهما، وإذا طلق المجنون حال إفاقته ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، وكذا إذا علق الطلاق وهو عاقل على شيء ثم وقع بعد جنونه، كما إذا قال: أنت طالق إن دخلت دار أبيك ثم جن فدخلت، فإن الطلاق يقع لأنه صدر منه وهو عاقل، ولكن لا تصح رجعته حال جنونه، إنما لوليه أن يراجع عنه، ولكن يشترط لصحة رجعة الولي الشروط التي يصح للولي أن يزوج بها المجنون، وقد تقدمت في صحيفة 37 و 38، ومنها أنه إذا كان الولي غير مجبر فإنه لا يصح له أن يزوج المجنون إلا إذا كان في حاجة إلى الزواج، وإلا فلا، ومثل المجنون النائم والمغمى عليه، فإنه لا يصح رجعتهما إلا بعد الإفاقة، ثانيها: أن يكون بالغاً، فلا تصح الرجعة من الصبي المميز، فإن قلت: إن الصبي المميز لا يقع طلاقه أصلاً، فكيف يتصور رجعته،؟ لأن الرجعة إنما تتصور إذا كانت الزوجة مطلقة، ثم يقال: إنها صحيحة أو فاسدة، أما إذا كانت المرأة غير مطلقة، فما معنى رجعتها صحيحة أو فاسدة؟ والجواب: أن الحنابلة يقولون: أن الطلاق الصبي المميز يقع، فإذا قضى حاكم حنبلي بطلاق صبي، فإنه لا يصح له أن يراجعها عند الشافعية، وأيضاً يمكن أن تتصور رجعة الصبي فيما إذا طلق رجل بالغ امرأته ووكل صبياً مميزاً في رجعتها، فهل تصح رجعته أو لا؟ والجواب: لا تصح، ولا يخفى أن هذه صور فرضية لا تقع في زماننا وإنما الغرض من ذكرها استيفاء البحث العلمي، وهل إذا طلق الصبي المميز وحكم الحنبلي بصحة طلاقه يصح لوليه أن يراجعها له أو لا؟ والجواب: نعم يصح
بشرطين: الشرط الأول: أن يكون للولي الحق في زواجه وهو الأب أو الجد بالشروط المتقدمة في صحيفة 37.
الشرط الثاني: أن لا يحكم الحنبلي بالطلاق البائن فإن تناول حكمه البينونة، فإنه لا يصح للولي أن يراجع، وإنما يصح أن يعقد عليها عقداً جديداً. وقد ذكر بعض علماء الشافعية بهذه المناسبة مسألة، وهي أن الحنابلة يقولون: إن الصبي المميز الذي لم يبلغ سنه عشر سنين إذا كان ينتصب ذكره ويفهم معنى الوقاع فإنه إذا تزوج امرأة مطلقة ثلاثاً وأولج فيها ذكره ثم طلقها فإن طلاقه يصح بدون الولي، وتحل مطلقته لزوجها الأول بدون أن تعتد من الصبي، لأن المفروض أن سنه لم يبلغ عشر سنين.

يتبع



ابوالوليد المسلم 27-07-2022 02:07 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الرجعة]
صـــــ 376 الى صــــــــ
404
الحلقة (217)


وأقول: أن الناس يمكنهم أن يفعلوا ذلك تقليداً للإمام أحمد بشرط أن يجتنبوا قصد التحليل بقدر الإمكان بقطع النظر عن مذهب الشافعي، وذلك بأن المرأة المطلقة ثلاثاً إذا يئس منها زوجها وذهبت إلى حال سبيلها فإن لها أن تعمد إلى صبي مميز يعرف الزواج والطلاق، وإن كان له ولي تأخذ منه إذناً بزواجها منه، ثم تتزوجه بإيجاب وقبول بولي شاهدين، ثم تمكنه منها ولو بإيلاج رأس ذكره المنتصب في داخل فرجها وبعد ذلك يطلقها بدون أن يعلم بذلك زوجها الأول وبدون أن تتفق مع الصبي على تطليقها، أو مع وليه.
وبالجملة فلا تشير إلى التحليل، وبذلك تحل للأول بدون عدة، فإن قلت: إن ذلك لا يخلو عن قصد التحليل من المرأة وقصد التحليل مفسد للعقد عند الحنابلة، قلت: نعم وللتفادي من ذلك تقلد المرأة في ذلك الإمام أبي حنيفة، لأن قصد التحليل، ولو من المحلل عند الحنفية لا يضر بل قد يكون محموداً إذا ترتب عليه مصلحة، كعدم تضييع الأولاد، أو الجمع بين زوجين متحابين أو نحو ذلك، أما ما يفعله الناس من كون الزوج يجيء بالمحلل ويعطيه نقوداً ويحضره حين يدخل مع مطلقته، فإن هذه الصورة الشنعة لا تصلح في تقليد الحنابلة وقد تقدم تفصيل المذاهب في المحلل، فارجع إليه.
ثالثها: أن يكون المرتجع مختاراً، فلا تصح رجعة المكره.
وبالجملة فكل من كان أهلاً للزواج في ذاته في الجملة، ولو توقف زواجه على الأذن فإنه يصح طلاقه ورجعته، وذلك هو العاقل البالغ، فإذا عرض ما يمنع الأهلية مؤقتاً كالسكر فإنه لا يمنع الرجعة، فتصح رجعة السكران لأن استتار عقله بعارض السكر لا يجعله مجنوناً، فلا يفقد الأهلية بسبب ذلك العارض، وذلك لأنه أهل لمباشرة الزواج في الجملة، أي بعد أن يفيق من سكره، ومثله المحرم بالنسك، فإنه وإن كان لا يصح له أن يباشر عقد الزواج وهو محرم، ولكن الاحرام عارض مؤقت لا يفقده الأهلية، فيصح له أن يراجع وهو محرم، لأنه أهل للزوج وهو غير محرم وكذا السفيه، فإنه وإن كان محجوراً عليه التزوج بسبب السفه، لأن التزوج متوقف على المال ولكن هذا الحجر عارض فإذا كان متزوجاً وطلق زوجته رجعياً، فإن له رجعتها بدون إذن، ومثل السفيه العبد فإنه وإن كان غير أهل للتزوج بنفسه بدون إذن سيده، ولكن إذا أذنه سيده بالزواج فإن له أن يطلق ويراجع بنفسه، إذ المراد بأهلية الزواج أنه يصح منه مباشرة عقد الزواج، وإن توقف على إذن، فمتى أذن الولي السفيه، أو العبد كان أهلاً لتولي الزواج، أما المكروه فإنه وإن كان أهلاً لمباشرة عقد الزواج في الجملة أي بعد الزوال الإكراه، ولكن أعمال المكره غير المعتبرة في نظر الشرع فلهذا اعتبروا الإكراه غير مفيد في الرجعة، فإذا أكره شخص على مراجعة زوجته ولم يقر بها حتى مات بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه.
وهل الردة سبب عارض كالسكر، فيصح للمرتد أن يراجع مطلقته؟ والجواب: لا، وذلك لأن الردة تزيل أثر النكاح فالمرأة ليست محلاً للرجعة رأساً.
فهذا تفصيل شروط المرتجع، وأما المحل، وهي الزوجة فيشترط فيها شروط:
أحدها: أن تكون زوجة معقود عليها بصحيح العقد، فخرجت الأجنبية، فإنها لا تحل بالرجعة طبعاً، سواء كانت غير معقود عليها أصلاً، أو كانت معقوداً عليها وطلقت طلاقاً بائناً كأن طلقها ثلاثاً،أو طلقها قبل الدخول بها، والمراد بالدخول وطؤها ولو في دبرها، كما تقدم في محله، ومثل الوطء ادخال مني الرجل بأنبوبة ونحوها في قبلها أو دبرها، أو طلقها طلقة واحدة على عوض، أو طلقها طلقة واحدة رجعية وانقضت عدتها، فإنها في كل هذه الأحوال تكون أجنبية لا تحل بالرجعة.
ثانيها: أن تكون معينة، فلو كان متزوجاً ثنتين، وقال: إحدى زوجتي طالق، ثم قال: راجعت زوجتي المطلقة إلى عصمتي فإن الرجعة لا تصح فلا بد من أن يقول: زوجتي فلانة طالق، ثم يقول في الرجعة: راجعت زوجتي فلانة أو يخاطبها أو يشير إليها، كما يأتي في الصيغة.
ثالثها: أن تكون الزوجة قابلة للحل، أما إذا كانت غير قابلة للحل كالمرتدة في حال ردتها فإنها في هذه الحالة لا تحل لأحد فهي غير قابلة للحل، فإذا كان زوج المرتدة قد طلاقها طلاقاً رجعياً فإنه لا يصح له رجعتها إلا إذا تابت، وكذا إذا ارتد هو، أو ارتدا معاً فإنه لا يصح له الرجعة في هذه الحالة، لأن الردة تزيل أثر الحل، فلا يحل الاستمتاع حال الردة.
رابعها: أن تكون مطلقة لا مفسوخاً نكاحها، فإنها لا تحل بالرجعة، وإنما تحل بالعقد، كالمطلقة طلاقاً بائناً.
وبعضهم عد شروط الرجعة
سبعة: أحدها: أن تكون زوجة، وأراد به إخراج الأجنبية التي لم يعقد عليها أصلاً،
ثانيها: أن تكون موطوءة في القبل أو في الدبر، وأراد به إخراج المطلقة قبل الدخول.
ثالثها: أن تكون معينة وأراد به إخراج رجعة المبهمة.
رابعها: أن تكون قابلة للحل، وأراد به إخراج المرتدة.
خامسها: أن تكون مطلقة، وأراد به إخراج المفسوخ عقدها، فإنها لا تحل بالرجعة بل بالعقد كما ذكرنا.
سادسها: أن تكون مطلقة طلاقاً مجاناً بدون عوض وأراد به إخراج المطلقة على عوض بائن.
سابعها: أن لا يستوفي الزوج عدد طلاقها، هو الثلاث، فإن طلقها ثلاث مرات فلا تحل له إلا إذا نكحت غيره.
ولا يخفى أن المآل واحد، فمن أراد الاختصار فإنه يمشي مع الأول، ومن أراد الإيضاح فإنه يمشي مع الثاني.

وأما الصيغة فيشترط لها شروط: الشرط الأول: أن تكون لفظاً يشعر بالمراد، وهو ينقسم إلى قسمين: صريح وكناية، فالصريح رددتك إلي، ورجعتك، وارتجعتك، وأرجعتك وأنت مراجعة، ومسكتك، ولكن يشترط في رددت أن يضيف اللفظ إليه، أو إلى النكاح، فيقول: رددتك إلي، أو إلى نكاحي، وإلا لم يكن صريحاً، إذا يحتمل رددتك إلى أهلك، ويشترط في رجعت وأمسكت، وما تصرف منهما أن ينسبه إلى المرأة، أما بكاف الخطاب، بأن يقول: رجعتك وهكذا، وأما بالاسم الظاهر، بأن يقول: رجعت زوجتي أو رجعت فلانة، وأما باسم الإشارة، بأن يقول: رجعت هذه ويشير إليها، فإن لم يقل ذلك، بأن قال: رجعت، أو ارتجعت أو نحو ذلك من غير أن يذكر ما يدل على المرأة من ضمير ونحوه فإنه يكون لغواً، فلا تصح به الرجعة، نعم إذا سأله سائل، فقال له: هل راجعت زوجتك؟ فقال: راجعتها، فإنه يصح، وإن لم يذكر ما يدل على المرأة، لأنها ذكرت في السؤال على أنه يسن مع هذا أن يقول: رجعتك إلى نكاحي، أو راجعتك إلي، أو أمسكتك على نكاحي.
والحاصل أنه يجب في رددت أمران: أحدهما أن يذكر فيه ما يدل على المرأة من كاف الضمير، أو الاسم الظاهر، أو اسم الإشارة، بأن يقول: رددتك، أو رددت زوجتي أو فلانة أو رددت هذه. الأمر الثاني: أن يضيف ذلك إليه أو إلى نكاحه، فيقول: رددت زوجتي إلى نكاحي، أو إلي، أو إلى عصمتي فإن لم يقل ذلك، فإنه لا يكون صريحاً لأنه يحتمل ردها إلى أهلها وعدم قبولها، أما غير رددت من صيغ الصريح فإنه يشترط فيه نسبته إلى الزوجة، ويسن فيه نسبته إلى الزوج أو إلى نكاحه، كما يسن أن يشهد على الرجعة، وإنما كانت هذه الألفاظ صريحة في الرجعة لأنها اشتهرت فيها، وقد ذكر بعضها في كتاب الله تعالى: فمن ذلك الرد قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} وورود المصدر يدل على صحة استعمال فعله وما اشتق منه. كرددت زوجتي إلي أو أنت مردودة إلي ومن ذلك الإمساك قال تعالى: {فإمساك بمعروف} وهو مثل الرد، ومن ذلك الرجعة قال تعالى {فلا جناح عليهما أن يتراجعا} .
ولهذا، قلنا إن صرائح الرجعة منحصرة فيما ذكر. وتحصل بها الرجعة بدون نية.
وأما كناية الرجعة، فهي كأن يقول لها: تزوجتك، أو نكحتك، فإن هذه الألفاظ صريحة في العقد ولا يمكن استعمالها في الرجعة صريحاً، لأن المطلق رجعياً زوجة، فلا معنى لقوله لها: تزوجتك، أو نكحتك، فكل ما كان صريحاً في باله - ولا يمكن أن ينفذ في الموضوع المستعمل فيه - فإنه يكون كناية، وهذا معنى قولهم: ما كان صريحاً في بابه، ولم يجد نفاذاً في موضوعه كان كناية في غيره، وقد يقال: إنه يصح استعمال تزوجت ونكحت في الرجعة بمعنى أعددتك إلى زواج كامل ونكاح كامل، كما قالوا في رددت زوجتي إلى نكاحي، أي إلى نكاحي الكامل الذي لا ينقطع بمضي العدة، ولعل هذا هو السبب في قول بعضهم: إن لفظ التزويج والنكاح استثني من قاعدة ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كناية في غيره، فإن هذا القائل لاحظ أن لفظ التزويج والنكاح يمكن استعمالها في موضوع الرجعة على معنى أنه تزوجها زواجاً كاملاً، وإن كانت زوجة له فلا يصح أن يكون كناية في الرجعة على هذه القاعدة، ولكن الشافعية استثنوا لفظ النكاح والتزويج من هذه القاعدة، فقالوا: إنهما كنايتان، فلا تصح الرجعة بهما إلا بالنية، فالرجعة لا تصح إلا باللفظ، سواء كان صريحاً، أو كناية، ويلحق باللفظ الكتابة فإذا كتب راجعت زوجتي إلى عصمتي ونحوه فإنه يصح، وترجع زوجة له بذلك لأن الكتابة كاللفظ، ومثل الكتابة إشارة الأخرس المفهمة.
فلا تصح الرجعة بالوطء أو بمقدمات الوطء، سواء نوى به الرجعة أو لم ينو، لأنه لا يدل على الرجعة إلا وطء الكافر، فإنه إذا كان الرجعة عندهم فإننا نقرهم عليه، ويحرم على المطلق رجعياً أن يتمتع بمطلقته قبل أن يراجعها باللفظ لا بوطء ولا بغيره، فإن وطئها كان عليه مهر المثل، لأنه وطء شبهة، لأن الحنفية يقولون بجوازه، وإن راجع بعده لأن فيها تحريم الوطء كالبائن هكذا في المهر، بخلاف ما إذا وطئها وهو مرتد ثم أسلم، فإنه لا مهر عليه، لأن الإسلام يزيل أثر الردة، أما الرجعة فلا تزيل أثر الطلاق.
وإذا وطئها في أثناء العدة فإنها تبتدأ العدة من الفراغ من الوطء بحيث لو لم يراجعها فإنها لا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض بعد فراغه من وطئها أو يمضي عليها أربعة أشهر إن كانت لا تحيض من ابتداء الفراغ، ولا يحسب لها ما مضى، أما إذا أراد مراجعتها هو فإنه ليس له أن يراجعها إلا فيما بقي لها من العدة الأولى، مثلاً إذا حاضت حيضتين بعد طلاقها رجعياً، ثم وطئها بدون رجعة، فبعد الفراغ من وطئها تبتدئ عدة جديدة، فلا تحل لغيره حتى تحيض ثلاث حيض أخرى غير الحيضتين، أما هو فإنه ليس له مراجعتها إلا في المدة الباقية لها، وهي الحيضة الأخيرة.
هذا إذا لم تكن حاملاً، فإذا كانت حاملاً أو أحبلها بالوطء، فإن عدتها وضع الحمل على كل حال، وله أن يراجعها ما لم تلد.
الشرط الثاني من شروط الصيغة: أن تكون منجزة، فإذا علقها على أمر ووقع، فإنها لا تصح، مثلاً إذا قال لزوجته: راجعتك إن شئت فقالت: شئت، فلا تصح الرجعة.

الشرط الثالث: أن لا تكون مؤقتة بوقت، فإذا قال لها: راجعتك شهراً لم تحصل الرجعة.

الحنابلة - قالوا: يشترط في المرتجع أن يكون عاقلاً، ولو صبياً مميزاً حراً كان أو عبداً، فإذا طلقها وهو عاقل ثم جن فلوليه أن يراجع عنه، ولا تصح رجعة المرتد قبل توبته، كما لا يصح تزويجه ذكراً أو أنثى، وإذا طلق في أثناء ردته كان طلاقه موقوفاً، فإن أسلم وقع طلاقه وإن لم يسلم لم يقع، لأنه لم يصادف محلاً، فإن الردة تفسخ النكاح.
ويشترط في المحل، وهي الزوجة أن تكون زوجة بصحيح العقد، فلا تصح رجعة الأجنبية أو المفسوخ عقدها لفساد فيه، وأن يكون قد وطئها أو خلا بها، لأن الخلوة توجب العدة عند الحنابلة، فإن طلقها قبل ذلك فلا رجعة لها، لأن المطلقة قبل الدخول تبين ولا عدة لها، وأن تكون مطلقة طلاقاً رجعياً، فلا رجعة للمطلقة على مال، أو المطلقة ثلاثاً، أو المطلقة قبل الدخول، وأن تكون في العدة، فلا رجعة لمن انقضت عدتها.
أما الصيغة فإنها لفظ وفعل، فأما اللفظ فيشترط فيه شرطان: أحدهما أن يكون صريحاً في الرجعة، وهو رجعتك، ورجعت زوجتي وراجعت زوجتي، وارتجعت زوجتي، وأمسكت زوجتي، ورددتها، فلا يصح الرجعة بقوله: نكحتها أو تزوجتها، فإنه كناية والرجعة لا تصح بالكناية. ثانيهما: أن لا تكون معلقة على شرط كأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فقد راجعتك فإن ذلك ليس رجعة، وأما الفعل فهو الوطء فيحل للمطلق رجعياً أن يطأ زوجته، وإذا فعل فقد رجعت لذلك، ولو لم ينو به الرجعة، أما غير الوطء فلا تحصل به الرجعة، فلو قبلها، أو لمسها أو باشرها أو نظر إلى فرجها بشهوة أو نحو ذلك، فإن ذلك لا يكون رجعة ومثل ذلك ما إذا خلا بها، فإن الخلوة لا تكون رجعة) .
(2) (الحنفية - قالوا: يبطل حق الزوج بانقضاء العدة بواحد من الأمور الثلاثة المذكورة فأما الحيض، فإن الرجعة تبطل به إذا ادعت أنه انقطع بعد شهرين من تاريخ الطلاق، لأن أقل ما تنقضي به العدة شهران عند الإمام، فإذا ادعت أنها حاضت ثلاث مرات قبل الشهرين فإنها لا تصدق، وذلك لأنه إذا طلقها في أول مدة طهر لم يطأها فيه، تحتاج إلى ثلاث حيض، وثلاثة أطهار، الطهر الذي طلقها فيه، وطهران بعد الحيضتين، حتى ترى دم الحيضة الثالثة في آخر الطهر الثاني، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، فيكون مجموع الأطهار خمسة وأربعين يوماً، وتحتاج إلى ثلاث حيض، ويعتبر في الحيضة الوسط وهو خمسة أيام، فيكون مجموع الحيض خمسة عشر يوماً، مضافة إلى خمسة وأربعين يوماً، فالمجموع ستون يوماً، وإنما يعتبر في الحيض أقله، وهو ثلاثة أيام، لأن اجتماع أقل الطهر وأقل الحيض في مدة واحدة نادر لا يعول عليه، وبعضهم يبينه بوجه آخر، فيقول: إن المفروض أن يطلقها في آخر الطهر الذي لا وطء فيه، كي لا تطول عليها المدة.
فتحيض وتطهر، ثم تحيض وتطهر، ثم تحيض فيتم لها بذلك طهران، وثلاث حيض، لأن الطهر الذي طلقها فيه لم يحسب لأنه طلقها في آخر جزء منه، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، فيكون الطهران ثلاثين يوماً، أما الحيض فيحسب أكثره وهو عشرة أيام، فالثلاثة حيض بثلاثين يوماً أيضاً، وهما الشهران، وإنما اعتبر أكثر الحيض ليتعادل مع أقل الطهر، ولا يخفى أن المآل واحد من الأمرين، وأنه لا فرق بين أن يطلقها في أول الطهر، أو في آخره، بالنسبة لحسبان الشهرين فلا بد من انقضاء الشهرين من تاريخ طلاقها، وإلا فلا تصدق بأن عدتها قد انقضت بالحيض فإذا ادعت أنها حاضت ثلاث حيض بعد شهرين، فإن حق الزوج في الرجعة يبطل بانقطاع دم الحيضة الأخيرة التي تنتهي بها عدتها، فإن كانت حرة تبطل رجعتها وانقطاع الحيضة الثالثة، وإن كانت أمة تبطل رجعتها بانقطاع دم الحيضة الثانية، لأن عدة الأمة حيضتان، ثم إن الدم لأكثر الحيض، وهو عشرة أيام. فإن عدتها تنقضي وإن لم تغتسل، فإذا مكثت حائضة عشرة أيام ولم ينقطع الدم فإنه ينظر إن كانت لها عادة ينقطع عندها الدم. كان لها حق الرجعة إلى انقطاعه عند عادتها، وإن لم يكن لها عادة بطل حقه في الرجعة. وإن لم ينقطع عندها الدم، كان له حق الرجعة إلى انقطاعه عند عادتها. وإن لم يكن لها عادة بطل حقه في الرجعة. وإن لم ينقطع الدم لأن أكثر مدة الحيض عشرة أيام. فعند انقضائها تبطل الرجعة إذا لم توجد لها عادة، أما إذا انقطع دم الحيضة الأخيرة لأقل من عشرة أيام. فإن حقه في الرجعة لا يبطل إلا بأحد أمرين:
الأمر الأول: أن تغتسل بماء طهور، ولو كان مشكوكاً في طهوريته. كما إذا كان الماء سؤر حمار، ولكن إذا اغتسلت به مع وجود الماء المطلق فإنه لا يصح لها أن تصلي به، أو تتزوج فهو يقطع حق الرجعة فقط.
الأمر الثاني: أن يمضي عليها وقت صلاة كامل بعد انقطاع الدم، بحيث تكون الصلاة ديناً في ذمتها، مثلاً إذا انقطع الدم عقب دخول وقت الظهر ولم تغتسل فإن له أن يراجعها حتى يدخل وقت العصر، وكذا إذا انقطع الدم عند شروق الشمس فإن له أن يراجعها حتى يدخل وقت العصر. لأن الوقت من شروق الشمس إلى الظهر مهمل لا تجب عليها فيه صلاة. فمن شروق الشمس إلى العصر لا يجب عليها إلا وقت واحد، وهو الظهر، فإذا انقطع الدم في أخر وقت الظهر، يعني قبل العصر بنصف ساعة مثلاً، فإن كان ذلك الوقت يمكنها أن تغتسل فيه وتكبر تكبيرة الإحرام قبل خروجه فإنه يعتبر وقتاً كاملاً، لأنه بذلك يجب عليها ديناً في ذمتها. أما إن كان ذلك الوقت لا يمكنها أن تغتسل وتكبر فيه، فإن رجعته لا تبطل إلا إذا انقضى الزمن الباقي من وقت الظهر وانقضى زمن العصر بتمامه، ودخل في وقت المغرب، وعلى هذا القياس فإذا لم تجد ماء فإنه يقوم التيمم مقام الغسل، وقيل: لا يكفي التيمم إلا إذا صلت به صلاة كاملة، ولو نفلاً، والراجح الأول: لأن التيمم مقام الغسل، طهارة كاملة عند فقد الماء. هذا إذا كانت مسلمة، أما الكتابية فرجعتها تبطل بمجرد الانقطاع بدون اغتسال أو مضي وقت صلاة، وهل لو انقطع دم حيضها لأقل المدة ثم اغتسلت بماء طهور غير مشكوك فيه، ثم تزوجت بآخر وعاد لها الدم ثانية، يبطل الزواج وتعود الرجعة، أو تبطل الرجعة ويستمر الزوج؟ في هذه المسألة خلاف، فبعضهم يقول: إن بطلان الرجعة منوط بانقطاع الدم، فإذا انقطع لأقله ثم عاد لا يكون قد انقطع حقيقة، فتعود الرجعة ويبطل عقد الزواج.
أما الغسل فقد شرط ليقوي الانقطاع لأقل الحيض، على معنى أنه إذا وجد الانقطاع والاغتسال حكم الشارع بطهارتها، فإذا عاد الدم حكم بعدم طهارتها، وبعضهم يقول: إن بطلان الرجعة منوط بالاغتسال بعد انقطاع الدم، فمتى اغتسلت حلت للأزواج وبطلت الرجعة، فإذا تزوجت ثم عاد الدم فإن تزوجها يستمر صحيحاً ولا يبطله عودة الدم.
ومثل ذلك ما إذا انقطع دمها لأقل المدة ولم تغتسل ولكن مضى عليها وقت صلاة كامل بدون دم فإنها تحل للأزواج بذلك، ويبطل حق الزوج في الرجعة، فإذا عاد لها الدم عاد الخلاف المذكور فبعضهم يقول: يعود الحق في الرجعة ويبطل الزواج، لأن مناط بطلان الرجعة انقطاع الدم، وبعودته تبين أنه لم ينقطع، وبعضهم يقول: لا يبطل الزواج ولا يعود الحق في الرجعة، لأن مناط بطلان الرجعة مضي وقت الصلاة بعد انقطاع الدم.
والمعقول الذي تنضبط به الأحكام، هو أن حق الرجعة يبطل وأن الزواج يستمر صحيحاً، ولو عاد الدم، سواء كان ذلك بعد الغسل أو بعد مضي وقت صلاة، إذ لا معنى للحكم بصحة تزوجها عند هذه الأمارة، فإذا تزوجت ووطئها الزوج الجديد مثلاً وعاد الدم فهل يصح أن يقال له: أنها ليست زوجة لك، فإن زوجها القديم قد راجعها؟ إن ذلك ليس من الأمور الهينة التي يسهل على النفوس أن تسيغها، فمتى جعل الشارع هذه الأمارة دليلاً على طهارة الزوجة وأباح لها أن تتزوج بالغير، فلا يصح أن يقال بعد ذلك: أن للشارع إبطال هذه الأمارة وانتزاع الزوجة من حضن القديم، على أن ذلك يفضي إلى تعليم النساء الكذب وعدم الصدق، فإن المرأة التي تتزوج زوجاً جديداً إذا علمت أنها ستنزع منه لا بد أن تكتم الدم الذي عاد لها، وهذا مما لا معنى له، ومن أجل ذلك جرت متون المذاهب على أن الزواج الثاني صحيح، وأن الرجعة لا تعود بعودة الدم نعم لو قالوا: أن الاحتياط أن لا يحل لها التزوج إلا بعد أن ينقطع الدم لأكثر الحيض مع ملاحظة عادتها إن كانت لها عادة بعد مضي أكثر المدة كان ذلك حسناً ولكنهم لم يفعلوا.
وأما وضع الحمل فإنه يبطل حق الرجعة، ثم إن كان كاملاً فإن العدة تنقضي بخروج أكثره، إذ لا يشترط خروجه جميعه على أنها لا يحل أن تتزوج إلا بخروجه جميعه احتياطاً، إذا كانت حاملاً في اثنين، فإن العدة تنقضي بخروج الثاني، وتبطل الرجعة بخروج أكثره، ولا فرق في انقضاء العدة وبطلان الرجعة بين أن تكون حاملاً به من الزوج المطلق أو من غيره، فلو تزوج حبلى من الزنا وهو عالم بها ثم طلقها فولدت بعد الطلاق انقضت عدتها منه، فإذا ادعت أنها ولدت حملها، وأنكر الزوج الولادة فلا يخلو إما أن يكون حملها ظاهراً، بأن كانت بطنها كبيرة مثلاً، ثم صغرت، فإن دعواها يثبت بشهادة القابلة، لأن ظهور الحمل يؤيد شهادتهما، أما إذا لم يكن بها حمل ظاهر فإن الولادة لا تثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، كما سيأتي في المسألة التالية.
ويتعلق بها مسائل: المسألة الأولى: إذا طلق شخص زوجته وهي حامل، ولكنه ادعى أنه لم يطأها أصلاً فلم يحبلها، فهل يصح له أن يراجعها قبل وضع الحمل، أو لا يصح؟ وإذا راجعها فهل تكون الرجعة صحيحة قبل الوضع أو لا؟ والجواب: أنه يصح له أن يراجعها قبل الوضع، ولكن لا تكون زوجة له إلا بعد وضع الحمل في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الطلاق وستة أشهر فأكثر من تاريخ عقد الزواج وذلك لأنه ادعى أنه لم يطأها.
وهذه الدعوى تفيد أنه طلقها قبل الدخول، وأنه لا عدة له عليها فلا رجعة له، فإذا راجعها قبل وضع الحمل الذي تنقضي به العدة على كل حال كان مكذباً لنفسه، وهذا التكذيب لا يقره الشارع إلا إذا ثبت، وهو لا يثبت إلا إذا ولدت امرأة في مدة تقل عن ستة أشهر من تاريخ الطلاق، لأنها إن ولدت بعد ستة أشهر من تاريخ الطلاق احتمل أن يكون الولد من وطء حديث بعد الطلاق، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فلا يكون منه، وكذا ينبغي أن يكون في مدة ستة أشهر فأكثر من تاريخ عقد الزواج، لأنها إن جاءت به في مدة تقل عن ذلك لا يكون ابنه، بل يكون من غيره لولادته قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ الزواج، فإذا ولدته في المدة المذكورة كان ابنه، وكان قوله: أنه لم يطأها كذباً حقاً، أما إذا ولدته في غير هذه المدة فإنه يكون صادقاً في قوله: أنه لم يطأها، وتكون مطلقة قبل الدخول حقيقة، فتبطل رجعته، والحاصل أنه إذا أنكر وطأها وظهر أنها حامل وأراد تكذيب نفسه بمراجعتها، فإن له أن يراجعها قبل وضع الحمل لأنها إذا وضعت فلا حق له في الرجعة على أي حال، لما علمت أن الوضع تنفضي به العدة ولو من غيره، ثم تنتظر بعد الرجعة، فإن ولدت في مدة يثبت فيها نسب الولد منه ظهرت صحة الرجعة، وإلا فلا، على أن المشايخ اختلفوا في هل توصف الرجعة بالصحة قبل الوضع في المدة المذكورة أولا، مع اتفاقهم أنها لا تكون زوجة له بالرجعة إلا بعد ظهور صحتها بالوصف؟ فبعضهم قال: إنها توصف بالصحة. وبعضهم قال: لا. وقد استدل من قال: أنها توصف بالصحة بأمرين: أحدهما أنه لو كان الشخص يملك جارية وباعها وادعى المشتري أنها حامل، كان الحمل عيباً فيها يصح له ردها به، ويثبت حملها بظهوره للنساء التي تعرف الحبل فإذا قالت امرأة خبيرة بالحمل: إنها حامل ثبت الحبل وكان عيباً ترد به.
الأمر الثاني أنهم صرحوا في باب ثبوت النسب أن النسب يثبت بالحمل الظاهر وحيث أنه يصح الحكم بظهور الحبل قبل ولادته ويصح ثبوت النسب بظهور الحبل قبل الولادة، فإنه يصح الحكم بصحة الرجعة قبل الولادة، فإذا ولدت فقد ظهرت صحة الرجعة بيقين.
وقد رد الدليل الأول، بأن الذي قال: ان الجارية ترد بقول امرأة: انها حامل قول ضعيف، لمحمد. ولأبي يوسف فيه روايتان: أظهرهما أنه إذا أخبرت امرأة بأن الجارية حامل، صح للمشتري أن يخاصم البائع، فيحلف البائع على أنها ليس بها حمل وقت البيع، وبذلك لا ترد عليه وإذا نكل عن اليمين، فإنها ترد عليه لنكوله. أما إذا لم يظهر بها حمل ولم تقل امرأة: انها حامل فليس للمشتري الحق في الخصومة مع البائع، وحاصل ذلك أن شهادة المرأة التي تعرف الحبل تجعل للمشتري الحق في الخصومة مع البائع فقط ولا تجعل له الحق في الرد، فظهور الحبل لم يترتب عليه حكم الرد، حتى يقاس عليه الحكم بصحة الرجعة.
أما الدليل الثاني فقد رد أيضاً بأنهم لم يقولوا: ان النسب يثبت بظهور الحمل، وإنما الذي قالوه: ان النسب يثبت بالفراش إذا كانت الزوجة غير مطلقة، ويثبت بالولادة إذا كانت مطلقة، والولادة تثبت بقول القابلة - الداية - مثلاً إذا طلق الرجل امرأته الحامل طلاقاً رجعياً وهي حامل ثم راجعها فادعت أنه راجعها بعد أن وضعت وأنكرت ولادتها، فإن ولادتها لا تثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، إلا إذا كان الحبل ظاهراً، كما ذكرنا آنفاً، فإنه حينئذ يكفي لإثبات الولادة شهادة القابلة لأن ظهور الحبل يؤيد شهادة المرأة، فظهور الحبل لم ثبت به الولادة والنسب وإنما ثبت ذلك بشهادة القابلة المؤيد بظهور الحمل، وشهادة القابلة لا تكون إلا بالولادة، فلا من لثبوت النسب من الولادة على كل حال لأنها هي التي تفيد اليقين، يدل لذلك ما ذكره في المبسوط،حيث قال: لو قال رجل لامرأته: إذا حبلت فأنت طالق، فإنها لا تطلق إلا إذا جاءت بولد في مدة أكثر من سنتين، فإذا وطئها مرة احتمل أن تكون قد حملت منه، فالأفضل له أن لا يقربها احتياطاً، ولكن لو وطئها بعد ذلك فإنه يجوز، ولو ظهر حملها فإن ظهور الحمل لا تطلق به لاحتمال أن لا يكون حملاً، وإنما تطلق إذا ولدت بيقين، ومتى تبين أنها طلقت وهي حامل وانقضت عدتها بالوضع، ويشترط لأكثر مدة الحمل من وقت الطلاق، وهي سنتان كما ذكرنا، أما قبل السنتين فإنه يجوز أن تكون قد حملت قبل تعليق الطلاق، فلا يتحقق التعليق، لأن المعلق عليه وهو الحمل كان موجوداً قبل اليمين وهذا كله صريح في أن ظهور الحمل لا يعتبر لا في ثبوت النسب. ولا في رد الجارية بعيب الحبل.
ولا في ثبوت طلاق المرأة فكذلك لا يعتبر في مسألة الرجعية، فإذا راجعها قبل الوضع وقعت الرجعة موقوفة لا يحكم بصحتها إلا بعد ولادتها في المدة المعينة، وإلا تبين فسادها، وحاصل هذا الخلاف، أن بعضهم يقول: ان الرجل الذي أنكر وطء زوجته لا يملك رجعتها قبل وضع الحمل، لأن نكران الوطء يقتضي أنها مطلقة قبل الدخول، والرجعة تقتضي أنه وطئها فناقض نفسه، ولا بد لتكذيبه في الدعوى الأولى من أمارة شرعية يقينية، وهي الولادة في مدة يثبت النسب الولد منه. وحيث أنه لا يمكن أن يراجع بعد الوضع، فله أن يراجع رجعة موقوفة قبل الولادة، ولكن لا يترتب على هذه الرجعة حل الاستمتاع بالزوجة قبل أن تلد، لأن الرجعة لا يمكن الحكم عليها بالصحة قبل الولادة المذكورة، وظهور حمل المرأة غير كاف لأن ظهور الحمل أمارة ظنية، وبعضهم يقول: تصح الرجعة بظهور الحمل، ولكن لا تظهر صحتها إلا بالوضع في المدة المعينة، ومعناه أنها لا تكون زوجة له إلا إذا وضعت في المدة المذكورة، وإذاً فليس للخلاف فائدة، لأن كلاً منهما يقول: إن صحة الرجعة موقوفة على الولادة، إلا أن الفريق الأول يقول: إن الرجعة قبل الولادة لا يحكم عليها بالصحة، والفريق الثاني يقول: يحكم عليها بالصحة الموقوفة على الولادة، وتوقف ظهور الصحة على الولادة لا ينافي الحكم بالصحة قبل الولادة.
فإن قلت: ما فائدة هذا الكلام، أليس للزوجين مندوحة عن كل هذا بعمل عقد جديد؟ قلت: فائدته تظهر عند الشقاق فإذا راجعها الرجل قبل وضع الحمل وأشهد على الرجعة ثم جاءت بولد لأقل من ستة اشهر من تاريخ الطلاق، ولستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج، كان ولده، وبذلك يثبت كذبه في دعواه عدم وطئها، وتصح الرجعة وتكون زوجة له، وإن لم ترض فلا يحل لها أو تتزوج غيره، ولها عليه حقوق الزوجية ولكن هذه النتيجة متفق عليها بين الفريقين المختلفين في وصف الرجعة بالصحة وعدمها، وإنما ذكرنا آراءهم تكملة للبحث العلمي، ولأن في أدلة كل واحد منهما فوائد لا تخفى.
المسالة الثانية: رجل تزوج امرأة ثم ادعى أنه لم يطأها أصلاً، ثم ولدت منه ولداً لستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج وهي زوجة له، ثم طلقها بعد الولادة، فهل يصح له أن يراجعها قبل انقضاء عدتها، أو لا يصح، فكانت مطلقة قبل الدخول فلا رجعة لها؟ والجواب: أن له الرجعة، لأنها لما ولدت على فراشه وهي زوجة له وكانت ولادتها في المدة المعتبرة شرعاً وهي ستة أشهر من تاريخ الزواج كان كاذباً في ادعائه عدم الوطء شرعاً وعلى هذا تكون زوجة له.
المسألة الثالثة: إذا خلا رجل بامرأته ثم أنكر وطأه إياها ثم طلقها طلقة رجعية، فهل يصح له المراجعة أو لا؟ والجواب: أنه لا حق له في الرجعة، لأنها مطلقة قبل الدخول، وقد عرفت أن الخلوة توجب العدة، ولكن تصح بها الرجعة، فإذا فرض وراجعها ولم تقر بانقضاء العدة، ثم تبين أنها حامل وجاءت بولد لأكثر من سنتين، وهي أكثر مدة الحمل، فإنه يثبت نسبه من المطلق ويتبين صحة رجعته بولادتها، أما إذا ولدت في اقل من سنتين، فإن ولادتها لا تكون رجعة لاحتمال أنها حملت به قبل طلاقها ويثبت نسبه منه متى ولدته لستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج وهذا بخلاف المسألة الأولى، فإنه أنكر وطأها ولم يعترف بالخلوة بها، ثم طلقها فكانت مطلقة قبل الدخول والخلوة فلا عدة عليها، فلا تثبت الزوجية بينهما إلا إذا وضعت لأقل من ستة أشهر من تاريخ الطلاق ولستة أشهر فأكثر من تاريخ الزواج، أما في هذه المسألة فإن المفروض أنه اعترف بالخلوة فيجب عليها أن تعتد منه، والمطلقة رجعياً ما دامت لم تعترف بانقضاء عدتها فإنها إذا ولدت ثبت نسب الولد من مطلقها، ثم إن راجعها قبل الولادة، فإن كانت الولادة لأكثر من سنتين كانت رجعة، وإلا فلا، كما بيناه، وأما انقضاء العدة بالأشهر فإنه لليائسة من المحيض لكبر أو صغر والمتوفى عنها زوجها، وسيأتي بيانه في مباحث العدة.
هذا، وإذا اختلف الزوجان، فادعى الزوج الرجعة وأنكرت الزوجة، فإن لذلك صوراً:
الصورة الأولى: أن يدعي أنه راجعها قيل انقضاء عدتها ثم يخبرها بذلك بعد انقضاء العدة، بأن يقول لها: كنت راجعتك قبل انقضاء العدة ولا بينة له، وفي هذه الصورة لا يكون له حق في الرجعة إلا إذا صدقته في دعواه، فإن صدقته فإن الرجعة تصح قضاء، أما إذا كذبته فلا رجعة له عليها، وذلك لأن الزواج يثبت بالتصادق فثبوت الرجعة بالتصادق أولى، لأن الزوجية لم تنقطع، ولكن إن كان كاذباً، فإن الرجعة لا تصح ديانة ولو صدقته فلا يليق بالمسلم أن يقول لها: راجعتك كذباً، ويجعل هذه رجعة كافية لإباحة زوجته بعد انقضاء عدتها، فإنه يحرم عليها أن يطأها إن كان كاذباً، وقد يقال: إذا رغب كل منهما في العودة إلى الزوجية، فأية فائدة في ادعاء الرجعة ومصادقة الزوجة، أو ليس من المعقول البديهي أن تجديد العقد في مثل هذه الحالة أولى وأنزه وأبعد عن الشك والاحتمال ومع هذا، فلا فرق بين الرجعة وبين تجديد العقد من حيث عدد الطلاق. وما وراء ذلك فلا قيمة له عند الاتفاق؟ والجواب: أن العقد قد يكون غير ممكن كما إذا كانا مسافرين في الصحراء وليس معهما شاهدان، ولا يمكنهما الحصول على شاهدين بسهولة، وكان قد راجعها حقاً قبل انقضاء عدتها، فإن التصادق على الرجعة حينئذ أسهل من العقد، وأيضاً قد تكون هذه آخر طلقة، وبانقضاء العدة تحرم مؤيداً، وغير ذلك.
والمفكرون من الفقهاء يفرضون كل ما عساه أن يقع ويذكرون له أحكامه، فإذا ادعى الرجعة ولم تصدقه ولا بينة له فلا رجعة له عليها والقول قولها. وهل له اليمين أولا؟ والجواب: نعم له تحليفها اليمين على المفتى به، وبعضهم يقول: لا يمين له عليها، لأن الرجعة لا تحليف فيها، كبعض أمور أخرى: منها الإيلاء والنسب، والنكاح، والحدود، واللعان، ولكن المفتى به أن فيها الحلف ما عدا الحدود، واللعان.
الصورة الثانية: أن يدعي بعد انقضاء العدة أنه راجعها قبل أن تنقضي ويقيم البينة على أنه قال: راجعت زوجتي فلانة أمام البينة، وفي هذه الحالة تصح الرجعة، وكذا إذا أقر أمام البينة على أنه جامع زوجته أو لمسها بشهوة. أو نظر إلى فرجها بشهوة قبل انقضاء العدة، فإذا شهدت البينة بأنه أقر بذلك لها قبل انقضاء العدة فإن الرجعة تثبت، أما إقراره بعد انقضاء العدة بذلك، فإنه لا قيمة له، لأنه لم يخرج عن كونه دعوى للرجعة بخلاف إقراره به قبل انقضاء العدة، فإنه إقرار بالرجعة. فمتى ثبت ذلك الإقرار ثبتت الرجعة.
الصورة الثالثة: أن يدعي رجعتها في العدة، كأن يقول لها: قد راجعتك أمس، وفي هذه الحالة يصدق. ويكون ذلك رجعة، وإن لم ينشئ رجعة جديدة، فلا يلزم أن يقول لها: راجعتك، لأنه يملك الإنشاء في الحال فيملك الإخبار به في الماضي، ويصح إخباره به. ولكن يشترط أن يقصد بقوله: كنت راجعتك أمس إنشاء رجعتها. أما إذا قصد مجرد الإخبار فإنه يتوقف على تصديقها. فإن صدقته فذاك، ولعل قائلاً يقول: ما فائدة هذا الكلام أيضاً، إذ لا معنى لكونه يخبرها بإنشاء الرجعة أمس يريد به رجعتها، وهو قادر على أن يقول لها: راجعتك من غير لف ولا عناء؟ فماذا يكون الحكم؟
والجواب: أن هذه المسألة قد تقع، وقد يترتب عليها خلف، وذلك لأنه من الممكن القريب أن يقول زوج لمطلقته: قد راجعتك أمس في آخر لحظة من حيضتها الأخيرة ثم ينقطع دم الحيض بعد ذلك فتنقضي عدتها، فتقول له: إن هذا ليس برجعة فلا رجعة لك علي، فماذا يكون الحال؟ أن الشرع في هذه الحالة يقول لها: إن هذه رجعة، فمتى ادعى أنه قصد بذلك إنشاء الرجعة صدق وكان مراجعاً.

يتبع

ابوالوليد المسلم 27-07-2022 02:08 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الرجعة]
صـــــ 376 الى صــــــــ
404
الحلقة (218)


الصورة الرابعة: أن يقول لها: رجعتك من غير أن يعلم أن عدتها قد انقضت. وهذه الصورة تحتها حالتان.
الحالة الأولى: أن تجيبه فور قوله هذا بقولها: قد انقضت عدتي بحيث يكون كلامها متصلاً بكلامه، وفي هذه الحالة تبطل الرجعة، بشرط أن يكون كلامها في زمن يصح فيه انقضاء العدة، بأن يكون قد مضى شهران إن كانت من ذوات الحيض، إلا أن تدعي الحمل، وأنها أسقطت سقطاً مستبين الخلق، وثبت ذلك. وإلا فلا يعبأ بقولها، وتصح الرجعة، والصاحبان يقولان: تصح الرجعة، ولو قالت له ذلك، لأن العدة كانت قائمة ظاهراً قبل قولها، فقوله: راجعت صادف قيام العدة، ولكن الإمام يقول: إنها أمينة على نفسها، فمتى قالت له: أن عدتي قد انقضت كان معناه أنها انقضت عدتي، فقال لها: راجعتك لا يكون ذلك رجعة باتفاق وللزوج تحليفها بأن عدتها قد انقضت عند إخباره بذلك.
ا
لحالة الثانية: أن يقول لها: راجعتك، فتسكت ولو قليلاً، ثم تقول له: قد انقضت عدتي، وفي هذه الحالة تصح الرجعة باتفاق لأنها متهمة بالسكوت.
الصورة الخامسة: أن تدعي انقضاء عدتها ثم تكذب نفسها، وتقول: إن عدتي لم تنقض، وفي هذه الحالة يصح له أن يراجعها لأنها كذبت نفسها في حق عليها، وهو حق الزوج في رجعتها، فيبقى هذا الحق قائماً، بخلاف ما إذا كذبت نفسها قي حق لها، فإن تكذيبها لا يعتبر.
الصورة السادسة: أن يخلو بها ثم يدعي أنه وطئها وهي تكذبه في دعوى الوطء، وتدعي أنه طلقها قبل الوطء، وبذلك تبين منه، فلا رجعة له عليها، وحكم هذه الصورة أن الرجعة تصح ويصدق هو بلا يمين، لأن الظاهر - وهو الخلوة بها - يؤيده ويكذبها.
الصورة السابعة: إذا لم تثبت خلوته بها، وادعى أنه وطئها فكذبته، وفي هذه الصورة لا رجعة له، لأن الظاهر يكذبه عكس الصورة الأولى.
خاتمة في أمور: أحدها إذا كان للزوجة مؤجل صداق إلى الطلاق وطلقها رجعياً، فهل لها المطالبة بالمؤجل قبل أن تبين منه بانقضاء العدة أو لا؟ والجواب: أن الصحيح ليس لها المطالبة إلا بعد أن تبين بانقضاء العدة. ثانيها: إذا قال لها: راجعتك على عشرين جنيهاً مثلاً، فطالبته بها، فهل يلزمه المبلغ أو لا؟ خلاف، فبعضهم يرى أنه يلزمه المبلغ ويجعل ملحقاً بالمهر، وبعضهم يرى أنه لا يلزمه، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل الملك، والعوض لا يجب عليه في مقابلة الملك، وهو الظاهر. ثالثها: إذا قال الرجل المطلق رجعياً: أبطلت رجعتي أو لا رجعة لي أو أسقطت حقي في مراجعتك ثم راجعها، فهل لها أن تقول له: إنك أسقطت حقك فلا رجعة لك علي؟ والجواب لا، فإن حقه في الرجعة ثابت بالشرع فلا يملك التنازل عنه ولا اسقاطه.
المالكية - قالوا: تبطل الرجعة بالأمور المذكورة على التفصيل الآتي، فأما الحيض فإن عدتها تنقضي بثلاثة أطهار لا بثلاث حيض، وأقل مدة تنقضي فيها العدة بالإقراء شهر، وذلك لأنه إذا طلقها في أول الشهر وهي طاهرة، ثم حاضت بعد الطلاق بلحظة، فإن هذا الطهر يحسب لها، فإذا كان ذلك بالليل ثم استمر الدم إلى ما قبل الفجر وانقطع، فإنه يحسب لها حيضة، وذلك لأن أقل الحيض في باب العدة. هو أن ينزل يوماً أو بعض يوم، بشرط أن يقول النساء: إنه حيض، فإذا استمرت طاهرة إلى نهاية اليوم الخامس عشر حسب لها ذلك الطهر، لأن أقل الطهر خمسة عشر يوماً، ويحسب بالأيام لا بالليالي. فإذا حاضت في الليل واستمر الحيض إلى ما قبل طلوع الفجر كان ذلك حيضة. فإذا انقطع واستمرت طاهرة خمسة عشر يوماً ثانية كان ذلك طهراً ثالثاً، وعلى ذلك تكون قد طهرت ثلاثة أطهار. الطهر الذي طلقها فيه - وهو اللحظة التي حاضت بعدها - ثم الطهر الثاني.
والطهر الثالث، وهما ثلاثون يوماً ولحظة، فإذا فرض ووقع ذلك في شهر رمضان فإنها تحيض فيه وتطهر وتقضي عدتها بنهايته، ولم تفطر فيه يوماً واحداً.
فإذا قالت له: إن عدتها قد انقضت بالطهر من الحيض ثلاث مرات بعد الطلاق، فإن ذلك يحتمل ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن لا يمكن أن تنقضي فيه العدة مطلقاً، وهي أقل من شهر، فإنها في هذه الحالة لا تصدق في دعواها ولا يسأل في شأنها النساء.
الوجه الثاني: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن يندر انقضاء العدة فيه، وهو الشهر مثلاً لأنه وإن كان يمكن أن تنقضي العدة في شهر ولكنه نادر، وفي هذه الحالة تصدق بشهادة الخبيرات من النساء، فإذا شهدت بأن النساء قد يحضن ثلاث حيض في هذه المدة ويطهرن منها على الوجه المتقدم إذن تصدق بلا يمين، وقيل: بل تصدق إن حلفت بأن عدتها قد انقضت، فإن نكلت عنه صحت الرجعة. الوجه الثالث: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن يمكن انقضاء العدة فيه غالباً. وفي هذه الحالة تصدق بلا يمين، ولا سؤال النساء.
وإذا أراد رجعتها فقالت له: إن عدتها قد انقضت في زمن يمكن انقضاؤها فيه ثم كذبت نفسها، وقالت: أنها لم تحض، أو لم تلد لا يسمع قولها، حتى ولو شهدت النساء بأن ليس بها أثر حيض أو ولادة، لأنها تبين بمجرد قولها: حضت ثالثة. أو وضعت الحمل.
هذا إذا صرحت بأنها حاضت الثالثة، أما إذا قالت: أنها رأت دم الحيضة الثالثة ثم رجعت، وقالت: إنها رأت الدم ولكنه لم يستمر يوماً أو بعض يوم فلم يكن دم الحيض الذي تنقضي به العدة، ففي هذا خلاف، فبعضهم قال: لا يسمع قولها أيضاً، كالأولى وبعضهم قال: يسمع قولها إن قالت أنها رأت الدم وانقطع، ولم يعد ثانياً، حتى مضى الطهر، أما إن قالت: أنها رأت المد وانقطع حالاً ثم عاد قبل أن تمضي عليه مدة طهر كان حيضاً تنقضي به العدة، وهذا هو الراجح.
وإذا طلقها زوجها طلقة رجعية ثم مات عنها بعد سنة أو اكثر فادعت أنها لم تحض أصلاً، أو ادعت أنها حاضت واحدة أو اثنتين فقط حتى ترث منه لعدم انقضاء عدتها. فإن هذه لا يخلو حالها من أحد أمرين: الأول: أن تكون لها عادة باحتباس دم الحيض عندها، فتمكث مثل هذه المدة بدون حيض ثم تحيض، وقد وقع لها ذلك في زمن أن كانت زوجة للمتوفى، وأخبرت به الناس حتى عرف عنها، وفي هذه الحالة تسمع دعواها ويقبل قولها بيمين، ويكون لها حق الميراث. الثاني: أن لا يظهر منها هذا في حال حياة مطلقها، وفي هذه الحالة لا يقبل قولها ولا ترث، لأنها ادعت أمراً نادراً، أما إذا مات بعد ستة أشهر من يوم الطلاق. أو أكثر إلى سنة، وادعت عدم انقضاء العدة، فإنها ترث بيمين إن لم يظهر منها غيبة دم الحيض واحتباسه مدة حياة المطلق، أما إن ظهر منها ذلك فإنها ترثه بدون يمين، فإن مات بعد الطلاق بأربعة أشهر إلى ستة أشهر فإنها تصدق من غير يمين مطلقاً، ومثل ذلك ما إذا كانت مرضعة فإنها تصدق وترث بلا يمين، ولو مات بعد سنة أو أكثر، وكذا إذا كانت مريضة، وذلك لأن الرضاع والمرض يمنعان الحيض غالباً.
هذا ما يتعلق بالحيض أو الإقراء، وأما الحمل، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل كله، بحيث لو انفصل منها بعضه فإنه يحل للزوج رجعتها.
ولا فرق بين أن يكون الولد كاملاً، أو سقطاً. فإذا ادعى الزوج أنه راجعها في العدة كذبته ولا بينة له، فتزوجت بغيره، ثم وضعت ولداً كاملاً لأقل من ستة أشهر بعد وطء الزوج الثاني فإن الولد يلحق بالأول لظهور كون الحمل منه لا من الثاني، ويفسخ النكاح الثاني، وترد إلى الأول برجعته التي ادعى أنه أنشأها قبل انقضاء العدة، وهل يتأبد تحريمها على الزوج الثاني بحيث لو مات زوجها الأول أو طلقها يحل له أن ينكحها ثانياً أو لا؟ والجواب: نعم يحل له ذلك. لأنها ليست معتدة حتى يقال: إن من نكح معتدة الغير حرمت عليه مؤبداً، وذلك لأن المفروض أن زوجها الأول راجعها، وألحق الولد به، فهي ذات زوج نكحها الثاني نكاحاً فاسداً، على أن بعضهم يقول: من تزوج معتدة بطلاق رجعي لا يتأبد عليه تحريمها، فلو فرض وكانت معتدة فإنه لا يتأبد عليه تحرمها.
وإذا ادعى أنه راجعها في العدة بالوطء بنية الرجعة أو راجعها بالتلذذ بها في العدة وأقر بذلك أمام شهود قبل انقضاء العدة، بأن قال أمامهم: راجعت زوجتي بالوطء مع نية الرجعة. أو تلذذت بها بدون وطء مع نية الرجعة، وأنكرت هي ذلك، وشهدت الشهود بإقراره صحت رجعته ما دامت الخلوة بها ثابتة، ولو بامرأتين، كما تقدم، ومثل ذلك ما إذا ادعى الرجعة، وأتى ببينة شهدت بأنها رأته قد بات عندها، أو رأيته قد اشترى لها أشياء أرسلها لها فإن الرجعة تصح بشرط أن تشهد البينة بأنها عاينت ذلك، أما إذا شهدت بإقراره أمامها قبل انقضاء العدة، فإن الرجعة لا تصح.
وإذا راجعها فقالت: حضت ثالثة، فلا رجعة لك علي، وأتى بشهود شهدوا بأنها أخبرتهم بأنها لم تحض الثالثة، ولم يمضي وقت يمكنها أن تحيض فيه، فإن رجعته تصح، وإن لم تقم البينة على ذلك فلا تصح.
ثالثها: أن تنقضي عدتها بالأشهر. وسيأتي بيان ذلك في مباحث العدة.
الشافعية - قالوا: تبطل الرجعة بانقضاء العدة وهي تنقضي بثلاثة أمور:

أحدها: وضع الحمل، فإذا ادعت أنها وضعت الحمل ولا رجعة له عليها وأنكر الزوج فإنها تصدق بيمينها بغير بينة. بشروط أن تكون المدة التي مضت بعد طلاقها يمكن أن تضع فيها الحمل ثم إن الحمل الذي تنقضي به العدة ثلاثة أقسام: الأول أن تضعه تام الخلق، فإذا وضعت ولداً تام الخلق في مدة ستة أشهر ولحظتين: لحظة الوطء ولحظة الولادة من وقت إمكان اجتماعهما بعد عقد الزواج. فقد انقضت عدتها بذلك، أما إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت إمكان اجتماعهما، فإن عدتها لا تنقضي ولا يلتفت إليه، لأن الولد يكون من غيره ويكون له الحق في الرجعة بعد ولادته ما دامت في العدة، وعدتها تنقضي بثلاثة قروء - أطهار - بعد انقضاء النفاس، وذلك لأن النفاس كالحيض لا يحسب من العدة، القسم الثاني: أن تضعه سقطاً مصوراً وهذا يشترط في انقضاء العدة به أن يمضي على سقطه مائة وعشرون يوماً ولحظتان من إمكان اجتماعهما، فإن جاءت به لأقل من ذلك مصوراً فلا تنقضي به عدتها. لأنه لا يكون ابنه.
القسم الثالث: أن تضعه مضغة، ويشترط لانقضاء العدة بها أن يمضي على إمكان اجتماعهما ثمانون يوماً ولحظتان، على أنه يشترط لهذا شرط آخر، وهو أن تشهد القوابل أن هذه المضغة أصل آدمي، وإلا فلا تنقضي بها العدة أصلاً.
وقد استدلوا على أن أقل مدة الحمل التام ستة أشهر بقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} فإن مدة الفطام حولان، والباقي - وهو ستة أشهر - مدة الحمل، واستدلوا على أن أقل مدة المصور مائة وعشرون يوماً، وأقل مدة المضغة ثمانون يوماً بحديث الصحيحين.
ثانيها: الإقراء، والقرء: الطهر من الحيض. والعدة تنقضي بثلاثة أقراء، فإذا ادعت أن عدتها انقضت بالإقراء في مدة ممكنة فإنها تصدق بيمينها بدون بينة، وأقل مدة ممكنة في الزوجة الحرة اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان. لحظة للقرء الأول، ولحظة للدخول في الحيض الثالثة، مثال ذلك: أن يطلق زوجته وهي طاهرة في آخر لحظة من ذلك الطهر، بشرط أن يكون طهراً عقب حيض، فتحيض بعد ذلك مباشرة، وترتفع الحيضة في أقل زمن الحيض وهو يوم وليلة، ثم تمكث طاهرة أقل الطهر. وهو خمسة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة أيضاً، ثم تطهر خمسة عشر يوماً ثم تحيض وبذلك يتم لها اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان: لحظة الطهر الذي طلقها فيه ومدة الحيضة الأولى، وهي يوم وليلة - أربعة وعشرون ساعة - ومدة الطهر الثاني الذي يلي الحيضة الأولى، وهو خمسة عشر يوماً بلياليها ومدة الحيضة الثانية التي تلي الطهر الثاني، وهي يوم وليلة أيضاً، ومدة الطهر الثالث الذي يلي الحيضة الثانية، وهي خمسة عشر يوماً ثم لحظة من الحيضة الثالثة التي يتم بها الطهر الثالث، ومجموع ذلك اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان.
هذا إذا طلقها في طهر قبله حيض، أما إذا طلقها وهي طاهر قبل أن تحيض أصلاً، فإن هذا الطهر لا يحسب من العدة لأن الطهر الذي يحسب من العدة هو ما كان بين دمين قبله وبعده، وهذه يمكن أن تنقضي عدتها بثمانية وأربعين يوماً، وذلك بأن يطلقها في آخر لحظة من ذلك الطهر الذي لا يحسب لها، فتحيض أقل الحيض يوماً وليلة، ثم تطهر أقل الطهر خمسة عشر يوماً، ثم تحيض أقل الحيض كذلك ثم تدخل في الحيضة الرابعة بلحظة، فهذه ثلاثة أطهار بخمسة وأربعين يوماً، وثلاث حيض بثلاثة أيام، ولحظة الحيض الرابعة، فالمجموع ثمانية وأربعون ولحظة.
هذا إذا طلقها في الطهر، أما إذا طلقها في آخر لحظة من حيضها فإنها يمكن أن تنقضي عدتها في هذه الحالة بسبعة وأربعين يوماً ولحظة من حيضة رابعة، وذلك لأنها تمكث طاهرة بعد الحيضة التي طلقها فيها خمسة عشر يوماً، ثم تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر خمسة عشر يوماً، ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوماً، هذا هو الطهر الثالث، ثم تحيض الرابعة، ومتى رأت الدم انقضت عدتها ومجموع ذلك ثلاثة أطهار في خمسة عشر يوماً يساوي خمسة وأربعين، وحيضتان بيومين، ولحظة الحيضة الرابعة، وهو العدد المذكور.
هذا إذا كانت حرة، أما إذا كانت أمة فإنها إذا طلقت في آخر طهر انقضت عدتها بستة عشر يوماً ولحظتين، وإذا طلقت في حيض انقضت بأحد وثلاثين يوماً ولحظة، ولا يخفى توجيه ذلك.
واعلم أن اللحظة من الحيضة الأخيرة ليس من العدة فلا تصح الرجعة فيها، وإنما هي معتبرة للاستدلال على تكملة القرء الأخير.
ثالثها: الأشهر فتنقضي عدة الآيسة من الحيض بثلاثة أشهر كما سيأتي إيضاحه في مباحث العدة، وهذه لا يتصور فيها خلاف، فإذا كانت آيسة من الحيض وادعت أن عدتها انقضت بالإقرار وكذبها فإنه يصدق بيمينه، وكذا إذا كانت صغيرة، فإنها إذا ادعت أنها حاضت وانقضت عدتها بالإقراء والواقع أن مثلها لا يمكن أن تحيض، فإن القول قوله، ويصدق بيمينه وقيل: يصدق بدون يمين.
هذا، وإذا ادعى الرجعة وأنكرت فلا يخلو إما أن يكون ذلك في العدة أو بعد انقضائها، فإذا كان في العدة فإنه يصدق بيمينه، فإن قلت: إذا كانت العدة باقية فيمكنه أن يقول: راجعت زوجتي وينتهي بدلاً من الخصومة والحلف، قلت: إن هذا يشمل ما إذا وطئها في العدة وادعى أنه راجعها قبل الوطء بدون بينة وأنكرت الرجعة، لأن لها الحق في المهر بالوطء قبل الرجعة كما تقدم فإذا حلف أنه راجعها قبل الوطء فإنه يصدق، وهل تعتبر دعواه في هذه الحالة إنشاء للرجعة أو إقراراً بها؟ قولان مرجحان. ولكن الأوجه أنها إقرار، إذ لا معنى لكون الدعوى إنشاء للرجعة. أما إذا ادعى الرجعة بعد انقضاء العدة، فإن في ذلك صوراً.
الصورة الأولى: أن يتفقا على وقت انقضاء العدة، ويختلفا في وقت الرجعة، فتقول: إن عدتها انقضت يوم الجمعة مثلاً، وهو يوافقها على ذلك، ولكن يقول: إنه راجعها يوم الخميس قبل انقضاء العدة، وهي تقول: بل راجعني يوم السبت بعد انقضاء العدة ولم تكن قد تزوجت غيره ولم يكن له بينة على رجعته، وحكم هذه الصورة أن القول للمرأة بيمينها فتحلف على العلم أي تقول والله لا أعلم أنه راجع يوم الخميس، وبذلك تصدق، ولا يكون له عليها حق الرجعة.
الصورة الثانية: عكس الأولى، وهي أن يتفقا على وقت الرجعة، ويختلفا في وقت انقضاء العدة، والمسألة بحالها، كأن يقول: إنه رجعها يوم الجمعة، وأنها ولدت يوم السبت بعد الرجعة وهي توافقه على أنه راجعها يوم الجمعة، ولكنها ولدت يوم الخميس قبل الرجعة، وفي هذه الحالة يكون القول قول الزوج بيمينه، فيحلف بأن عدتها لم تنقض يوم الخميس وتثبت رجعته، وذلك لأنها في هذه الصورة قد اعترفت بالرجعة، فكان الأصل وجود الرجعة وعدم انقضاء العدة حال الرجعة، فيعمل بالأصل ويكون القول للزوج بعكس الصورة الأولى، فإن الاتفاق فيه على انقضاء العدة فالزوج معترف بانقضاء العدة فكأن الأصل في هذه الحالة حصول انقضاء العدة وعدم الرجعة حال انقضاء العدة، فعمل بهذا الأصل، وجعل القول للزوجة بيمينها.
الصورة الثالثة: أن تدعي أنها ولدت قبل أن يراجعها، وهو قد ادعى أنه راجعها قبل أن تلد، ولم يعين أحدهما وقتاً، وفي هذه الحالة تقبل دعوى السابق منهما، سواء رفعها إلى حاكم أو محكم وذلك لأنها إن سبقت الزوجة، فادعت أن عدتها انقضت وأنه لم يراجعها في العدة، وحضر الزوج فوافقها على انقضاء العدة، ولكنه قال: إنه راجعها قبل انقضائها، فقد اتفقا على الانقضاء واختلفا في الرجعة، وفي هذه الحالة يكون الأصل عدم الرجعة، وإن سبق الزوج فادعى الرجعة كانت الرجعة هي الأصل، لأنه سبق بذكرها قبل أن تدعي المرأة انقضاء عدتها، فتقررت الرجعة وهي موافقة عليها إلا أنها حصلت بقضاء العدة، ولكن الأصل عدم انقضاء العدة في هذه الحالة، وبعضهم يقول: إن حضرت أمام الحاكم من غير تراخ وادعت أنه راجعها بعد العدة كان القول لها، ولكن الراجح الأول.
والحاصل أنها إن حضرت أولاً أمام الحاكم أو المحكم وادعت أن عدتها انقضت قبل الرجعة ثبت قولها، لأن لها الحق فيه ما دام الزمن يسع انقضاء العدة وتقرر أمام الحاكم فإذا حضر بعدها وادعى أنه راجعها قبل العدة كان قوله لغواً، وإذا حضر هو أمام الحاكم وقرر أنه راجعها ثبت قوله، لأن له الحق في ذلك، فإذا حضرت بعده وقالت: إنه راجعها بعد انقضاء العدة كان قولها لغواً.
الصورة الرابعة: أن تتزوج غيره، ثم يدعي أنه راجعها قبل أن تنقضي عدتها، ولا بينة له، وفي هذه الحالة تسمع دعواه وله عليها الحلف، فإن حلفت بأن عدتها قد انقضت فذاك وإن أقرت فإنها تلزم بدفع مهر مثلها لزوجها الأول. ولا يفسخ نكاحها من الثاني لكونه صحيحاً في الظاهر ولاحتمال أنها كاذبة في إقرارها لتتخلص من زوجها الثاني، نعم إذا مات زوجها الثاني أو طلقها فإنها ترجع إلى زوجها الأول بلا عقد جديد عملاً بإقرارها، واستردت منه المهر الذي غرمته له إذا أقام الزوج الأول بينة على أنه راجعها في العدة، فإن عقدها على الثاني يفسخ.
وبهذا تعلم أن إقرارها بأنها تزوجت بالثاني قبل انقضاء عدت الأول لا يعتبر، لأنها كذبت نفسها، فإن إقدامها على التزوج إقرار بانقضاء العدة، فإذا قالت بعد ذلك: إن عدتها لم تنقص احتمل أنها كاذبة في الثاني لتتخلص من زوج الثاني، فلم يعمل به ولكن لما كان يحتمل أنها صادقة فيه من جهة أخرى، وقد ادعى الزوج الأول أنه راجعها، فإنه يعمل به من هذه الناحية إذا طلقت من زوجها الثاني، فتعود إليه بدون عقد جديد، أما البينة فإن الشأن فيها الصدق، ومتى شهدت بأنه راجعها قبل انقضاء العدة، فقد ثبت بطلان العقد الثاني، فيفسخ. الصورة الخامسة: أن يدعي أنه طلقها بعد أن وطئها، فله مراجعتها، وهي أنكرت الوطء وفي هذه الحالة يكون القول لها بيمينها لأن الأصل عدم الوطء، ثم إنه أقر لها بالمهر كاملاً وهي لا تدعي إلا نصفه، فإن كانت قد قبضته فلا رجوع له بشيء عملاً بإقراره وإن لم تكن قبضت فلا تطالبه عملاً بإقراره، فإن أخذت النصف، ثم اعترفت بعد ذلك بوطئه إياها، فهل تستحق النصف الآخر بناء على اعتراف الزوج الأول أو لا بد من ذلك من اعتراف جديد من الزوج؟ والمعتمد أنه لا بد فيه من اعتراف جديد.
الصورة السادسة: أن تنكر الزوجة الرجعة، ثم تعترف بها، وفي هذه الحالة يقبل اعترافها.
الحنابلة - قالوا: ينقطع حق الزوج في الرجعة بانقضاء العدة، فإذا انقضت العدة فلا رجعة لمفهوم قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} فإن الرد للموصوف بكونه بعلاً، وهو الزوج، فإذا انقضت العدة لم يكن بعلاً، وتنقضي العدة بأمور.
أحدها: أن تطهر من الحيضة الثالثة إن كانت حرة. أو من الحيضة الثانية إن كانت أمة ومعنى طهرها أن تغتسل بعد انقطاع الدم، فإن لم تغتسل لا تنقضي عدتها ويكون له الحق في رجعتها، ولو مكثت عشر سنين لم تغتسل، وذلك لأن عدم الغسل يحرم على الزوج وطأها كالحيض، وحيث أن الحيض يجعل له الحق في الرجعة، فكذلك عدم الغسل، لأنه كالحيض في منع الزوج من الوطء فكان له حكمه، ولا تحل للأزواج قبل الاغتسال بحال من الأحوال ولكن إذا مات زوجها قبل أن تغتسل فلا ترثه، وكذا إذا ماتت هي لا يرثها، لأن انقطاع الدم كاف في انقضاء العدة بالنسبة للميراث، وكذا بالنسبة للطلاق، فلو طلقها ثانية بعد انقطاع دم الحيضة الأخيرة لا يلحقها الطلاق لأنها تعتبر بائنة وكذا بالنسبة للنفقة وسائر حقوق الزوجية فإنها تنقطع بانقطاع دم الحيضة الأخيرة، ولو لم تغتسل.
والحاصل أن انقطاع دم الحيضة الأخيرة تبطل به حقوق الزوجية، ولو لم تغتسل، ماعدا الرجعة وحلها للأزواج فإنهما لا يبطلان إلا بالغسل.
واعلم أن الحنابلة يقولون: إن القرء هو الحيض، ولا بد أن تحيض الحرة ثلاث حيضات، وأقل مدة يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض تسعة وعشرون يوماً ولحظة، لأن أقل الحيض يوم وليلة، وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، فإذا فرض وطلقها في آخر الطهر ثم حاضت عقب الطلاق يوماً وليلة حسبت لها حيضة، فإذا طهرت واستمر طهرها ثلاثة عشر يوماً حسب بها، فإذا حاضت يوماً وليلة حسبت لها حيضة ثانية، فيكون المجموع خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت ثلاثة عشر يوماً حسب له طهر، فإذا حاضت بعده يوماً وليلة حسبت لها حيضة ثالثة وذلك أربعة عشر يوماً، فإذا ضمت إلى خمسة عشر كان المجموع تسعة وعشرين يوماً، أما اللحظة الباقية فهي أن تدخل في الطهر من الحيضة الثالثة، لأن بهذه اللحظة يعرف انقضاء الحيضة، وهي ليست من العدة، فإن ادعت أن عدتها انقضت في اقل من هذه المدة فلا تسمع دعواها، وأما الأمة فيمكن انقضاء عدتها في خمسة عشر يوماً ولحظة.
ثانيها: أن تضع الحمل كله بحيث لو نزل بعضه يكون له الحق في الرجعة، وإذا كانت حاملاً في اثنين ووضعت أحدهما فإن العدة لا تنقضي ما لم ينزل الثاني، ويكون له الحق في الرجعة قبل نزوله، فإن لم يراجعها حتى وضعت الحمل كله فإنه لا يكون له حق في رجعتها، وتحل للأزواج ولو لم ينقطع نفاسها، وكذا لو لم تغتسل منه، لأن العدة تنقضي بوضع الحمل لا بانقطاع النفاس ولا بالغسل منه، وإذا تزوجت المطلقة رجعياً قبل أن تنقضي عدتها فإنها تعتبر في عدة الزوج الأول حتى يطؤها الثاني. مثلاً إذا حاضت الحرة حيضتين، ثم عقد عليها آخر، فإنها تعتبر في عدة الأول بعد العقد عليها، بحيث لو حاضت مرة ثالثة بعد العقد، وطهرت منه، بأن اغتسلت بعد انقطاعها، قبل أن يطأها الزوج الثاني انقضت عدة الزوج الأول، لأن العقد الثاني لا قيمة له، فإذا راجعها قبل ذلك صحت رجعته، أما إذا وطئها الزوج الثاني فإن عدة الزوج الأول تقف عند الوطء بحيث لا يحسب حيضها بعد الوطء من عدة الزوج الأول، فيحل له رجعتها وإذا حملت من الزوج الثاني كان له الحق في رجعتها مدة الحمل وبعد الوضع أيضاً، لأن الوضع ليس منه، فبه تنقضي عدتها من الثاني، أما عدتها من الأول فباقية ولم يقطعها ظاهراً إلا وطء الزوج الثاني، وإذا رجعت إلى الأول فإنه لا يحل له وطؤها إلا بعد أن تضع حملها وتطهر من نفاسها، وإذا أمكن أن تكون حاملاً من الأول ووطئها الثاني فأكمله، فإن للأول رجعتها قبل وضعه، لأنه إن كان من الأول فرجعته صحيحة قبل الوضع، وإن كان من الثاني فالأمر ظاهر، أما إذا راجعها بعد الوضع فإن الرجعة لا تصح إلا إذا كان الولد من الثاني، كما عرفت، أما إذا كان من الأول فالرجعة باطلة، لأن العدة تكون قد انقضت بالوضع.
هذا، وإن ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل كاملاً ليس سقطاً لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد، لأن ذلك أقل مدة الحمل، أما إن ادعت أنها أسقطت الحمل فإنه لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوماً من إمكان الوطء بعد العقد، لأن العدة لا تنقضي إلا بما يبين فيه الخلق، والجنين لا يبين خلقه إلا بعد هذه المدة.
ثالثها: الأشهر إذا كانت يائسة من الحيض ولم تكن حاملاً.
هذا،
وإذا قالت: قد انقضت عدتي، فقال لها: كنت قد راجعتك، ولا بينة له، فالقول قولها، لأنها تملك الادعاء بهذا في الزمن الممكن، وإن بدأ هو فقال: قد راجعتك فقالت له: قد انقضت عدتي فلم يصدقها كان القول قوله، لأنه يملك الرجعة قبل قبولها، وقد صحت في الظاهر، فلا يقبل قولها في إبطالها.
وإذا قال لها: راجعتك أمس، فإن قال لها ذلك وهي في العدة اعتبر رجعة، وإن قال لها ذلك بعد انقضاء العدة، فإن صدقته فذاك، وإن لم تصدقه فالقول لها.
وإن اختلفا في الوطء قبل الطلاق فادعى أنه أصابها أو خلا بها - فله عليها حق الرجعة - وأنكرت كان القول لها، لأن الأصل عدم الوطء فإن ادعت هي بعد الطلاق أنه أصابها أو خلا بها لتستحق كل المهر، وأنكر هو كان القول قوله: لأنه المنكر. وهي لا تستحق في الموضعين إلا نصف المهر، سواء أنكرت الوطء أو ادعته، ولكن إذا ادعى أنه وطئها وأنكرت، وكانت قبضت المهر فلا يرجع عليها بشيء، أما إذا لم تكن قبضته فلا تستحق إلا نصفه، وفي حالة ما إذا ادعت أنه أصابها وأنكر، فإنه يرجع عليها بنصف المهر إذا كانت قد قبضته) .


ابوالوليد المسلم 27-07-2022 05:41 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الرجعة]
صـــــ 404 الى صــــــــ
413
الحلقة (219)





خاتمة في مسألتين
-إحداهما: هل يملك الثلاث إذا عادت له بعد التزوج بغيره؟
ثانيهما: هل المطلقة رجعياً زوجة. أو لا؟

- 1 - إذا طلق الرجل زوجته واحدة. أو ثنتين وانقضت عدتها وتزوجت بغيره ووطئها الزوج الثاني، ثم طلقها وعادت للأول، فهل يملك عليها الطلقات الثلاث. كما لو طلقها ثلاثاً ووطئها زوج غيره، أو تعود له بما بقي من طلقة أو طلقتين؟
- 2 - وهل المطلقة رجعياً زوجة تعامل معاملة الأزواج قبل الرجعة. أو لا؟
أما الجواب عن المسألة الأولى: فهو أنها تعود بما بقي لها من الطلاق، سواء وطئها زوج آخر أو لا. وذلك لأن الذي يهدم عدد الطلقات هو الطلاق الثلاث فقط، فإذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجت غيره ووطئها، وطلقها وعادت لزوجها الأول فإنه يملك عليها ثلاث طلقات، أما إذا طلقها واحدة أو ثنتين وعاد إليها فإنه يملك ما بقي فقط، سواء وطئها زوج غيره أو لا، وهذا يكاد يكون متفقاً عليه (1) وهو مروي عن عمر، وعلي، وأبي بن كعب وعمران بن الحصين.
وأما الجواب عن المسألة الثانية، فهو أنها زوجة قبل الرجعة في غير الاستمتاع، فيه ترث من زوجها وتورث، ويصح الإيلاء منها، فإذا حلف أن لا يقرب مطلقته رجعياً مدة أربعة أشهر كان مولياً تجري عليه الأحكام الآتية في مبحث الإيلاء: ويصح لعانها، فإذا رمى مطلقته رجعياً بالزنا، ولم يأت بأربعة شهداء، تلاعنا، كما لو كانت غير مطلقة ويصح الظهار منها فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي لزمته كفارة الظهار الآتي بيانها، ويلحقها الطلاق، فلو قال: زوجاتي طوالق، طلقة ثانياً: وإن خالعها صح الخلع، أما الزنية والاستمتاع ففيهما تفصيل المذاهب (2) .
مباحث الإيلاء
تعريفه
-الإيلاء معناه في اللغة اليمين مطلقاً. سواء كان على ترك قربان زوجته. أو غيره، ومع هذا فقد كان الإيلاء على ترك وطء الزوجة في الجاهلية، له حكم خاص، وهو تحريمها حرمة مؤبدة فإذا قال: والله لا أطأ زوجتي، كان معنى ذلك عندهم تحريمها أبداً، فالمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي، لأن الإيلاء في الشرع معناه الحلف على ترك وطء الزوجة خاصة فلا يطلق عند الفقهاء على الحلف على الأكل، أو الشرب، أو غير ذلك.
وحكم الإيلاء في الشرع مغاير لحكم الإيلاء في الجاهلية، لأن الحلف به لا يحرم المرأة حرمة مؤبدة، كما ستعرفه، ثم إن الإيلاء مصدر آلي يولي إيلاء، كأعطى إعطاء، والألية اسم بمعنى اليمين، وتجمع على ألايا، كخطية وخطايا، ومثلها الألوة - بسكون اللام وتثليث الهمزة - فالألوة اسم بمعنى اليمين، ويقال أيضاً: تألى يتألى، بمعنى أقسم يقسم ومثله ائتلى يأتلي، ومنه قوله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم} الآية، أي لا يقسموا.
أما معناه في الشرع، فهو الحلف على أن لا يقرب زوجته، سواء أطلق بأن قال: والله لا أطأ زوجتي، أو قيد بلفظ أبداً، بأن قال: والله لا أقربها أبداً، أو قيد بمدة أربعة أشهر فما فوق، بأن قال: والله لا أقرب زوجتي مدة خمسة أشهر، أو مدة سنة، أو طول عمرها، أو ما دامت السموات والأرض. أو نحو ذلك.
فإن قال ذلك كان مولياً بذلك، أما إذا قيد بشهرين، أو ثلاثة، أو أربعة (3) بدون زيادة على الأربعة ولو يوماً، فإنه لا يعتبر مولياً بذلك ومثل الحلف بالله الحلف بصفة من صفاته، كما إذا قال: وقدر الله، أو علم الله ونحو ذلك، وكذا إذا حلف بغير الله وصفاته، كالطلاق والظهار، والعتق، والنذر، فإذا قال: هي طالق إن وطئتها، أو هي علي كظهر أمي إن وطأتها أو لله علي نذر أن أحج إلى بيت الله أو عبدي حر إن وطئتها، فإنه يكون مولياً بكل هذا (4) على أن تعريف الإيلاء شرعاً فيه تفصيل المذاهب (5) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: خالف في ذلك أبو حنيفة، وأبو يوسف، فقالا: إذا وطئها زوج آخر بعقد صحيح، وعادت لزوجها الأول يملك عليها الثلاث، كما لو طلقها ثلاثاً بلا فرق وهذا مروي عن ابن عباس، وابن عمر، ولكن محققي الحنفية قالوا: إن قول محمد هو الصحيح، كقول الأئمة الثلاثة، وحجتهم في ذلك أنه مروي عن كبار الصحابة، وليس من السهل مخالفتهم. وبعضهم رجح قول الصالحين، وهو الراجح فيما يظهر، لأنه إن كان الترجيح مبنياً على مجرد الرواية فالصاحبان قد رويا عن فقيهين عظيمين من فقهاء الصحابة، وكفى بابن عباس، وابن عمر حجة في الفقه، وإن كان مبنياً على الدليل، بل المعقول القريب أن وطء الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فإنه يهدم الأقل من باب أولى، وقول محمد: أن قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} جعل غاية للحرمة الكبيرة فهدمها، لا يخفى ضعفه، لأنه لم يتعرض فيها لعدد وإنما بين الحل بنكاح الثاني، ولو سلم، فإنه لم يحصر الهدم على الثلاث، بلا أفاد أنه يهدم الثلاث فغيرها أولى) .
(2) (الحنفية - قالوا: يجوز للمطلقة رجعية أن تتزين لزوجها الحاضر لا الغائب طبعاً. ويحوم ذلك في الطلاق البائن والوفاة، ولكن بشرط أن تكون الرجعة مرجوة، بحيث لو ظنت أنها إذا تزين له حسنت في نظره فيراجعها فإنها تفعل. أما إذا كانت تعتقد أن الزينة لا فائدة منها وإن طلاقها مبني على أمر آخر فلا تفعل، ويجوز له أن يخلو بها ويدخل عليها من غير استئذان ولكن يندب له إعلامها بأن يشعرها قبل دخوله، فإن لم يفعل كره ذلك تنزيهاً، ولكن يشترط في ذلك أن يكون ناوياً الرجعة، أما إذا كان مصراً على عدم العودة إليها فيكره له الخلوة بها إذا ربما لمسها بشهوة فيكون ذلك رجعة وهو لا يريدها، فيلزمه أن يطلقها ثانياً، فتطول عليها العدة، وهو ليس بحسن فإذا لم يكن قاصداً الرجعة فيكون له تنزيهاً أن بخلو بها وإنما كره تنزيهاً لأن زوجته يباح له وطؤها بلا نية رجعة، لكن ينبغي له أن لا يطيل عليها العدة بالوطء إذا لم يكن عازماً على الرجعة، فإذا كان عازماً فلا كراهة في ذلك مطلقاً، ولها الحق في القسم إن كان لها ضرة ما دام ناوياً على مراجعتها وإلا فلا.
وهل يصح له أن يسافر بها ويخرجها من المنزل الذي طلقت فيه إذا كان ناوياً الرجعة، أو لا؟ والجواب: أن التحقيق لا يصح إخراجها من المنزل مطلقاً قبل الرجعة بالفعل لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} الآية، كما تقدم، وبعضهم يقول: إذا نوى الرجعة فله ذلك.
ويندب للزوج أن يشهد على الرجعة رجلين عدلين، ولو بعد الرجعة بالفعل.
المالكية - قالوا: إذا كان ناوياً مراجعتها فإنه يحل له أن يستمتع بها بلمس ونظر إلى عورة وخلوة ووطء، فإذا فعل شيئاً من ذلك مقارناً للينة كان رجعة وكان جائزاً وإلا حرم فإذا لم يكن ناوياً على العودة لها يحرم عليه أن يخلو بها أو ينظر إلى زينتها أو يستمتع بها، بل تكون منه في ذلك بمنزلة الأجنبية، أما إذا كان عازماً على العودة، فيه زوجة في الاستمتاع كغيره.
الشافعية - قالوا: لا يحل له أن يخلو بها أو يستمتع بها قبل الرجعة بالقول، سواء كان ناوياً مراجعتها أو لا، فهي ليبست زوجة له في الاستمتاع قبل مراجعتها بالقول، وزوجة له فيما عدا ذلك فهي زوجة له في خمسة مواضع فقط، مبنية في خمس آيات من القرآن:
إحداها: قوله تعالى: {الذين يؤلون من نسائهم} والإيلاء يشمل المطلقة رجعياً، فهي من النساء. ثانيها: قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} ، والمطلقة رجعياً ترث وتورث، فهي داخلة في الزوجات.
ثالثها: قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} الخ، والمطلقة رجعياً داخلة في الزوجات إذا رماها زوجها بالزنا كما ذكرنا.
رابعها: قوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} والرجعية يصح الظهار منها، كما ذكرنا فهي من نساء الرجل.
خامسها: قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء} والرجعية تطلق، فهي من الزوجات.
الحنابلة - قالوا: للرجعية أن تتزين لمطلقها مطلقاً، وله أن يخلو بها، ويطأها، ويستمتع بها، ويسافر بدون كراهة، سواء نوى الرجعة أو لا إلا أن الاستمتاع بها بغير الوطء لا يكون رجعة، فهي زوجة له بالنسبة للاستمتاع كغيره من الأمور المذكورة) .
(3) (الحنفية - قالوا: أقل مدة الإيلاء أربعة أشهر فقط، فلا يشترط الزيادة عليها، كما سيأتي توضيحه في حكم الإيلاء) .
(4) (الحنابلة - قالوا: أنه لا يكون مولياً إلا إذا حلف بالله، أو بصفة من صفاته كما هو موضح في تعريفهم الآتي) .
(5) (الحنفية - عرفوا الإيلاء بأنه اليمين على ترك قربان الزوجة مطلقاً غير مقيد بمدة أو مقيداً بمدة أربعة أشهر فصاعداً بالله تعالى، أو تعليق القربان على فعل شاق، فقولهم: اليمين بالله شمل ما إذا حلف باسم الله أو بصفة من صفاته، وقولهم: على ترك قربان الزوجة المراد به الوطء في القبل على الوجه الآتي بيانه، وقولهم أو تعليق القربان على فعل شاق شمل ما إذا علق على طلاق كما إذا قال: إن وطئتك فأنت طالق، أو على عتق، كما إذا قال: إن أتيتك فعبدي حر، أو على نذر، كأن قربتك فعلي حج، أو صيام ولو يوم، لأنه شاق، بخلاف ما إذا قال: إن قربتك فعلي صيام هذا الشهر أو الشهر الماضي، لأن الماضي لا يصح نذره، والشهر الحاضر يمكنه أن يطأها بعد نهايته ولا شيء عليه، لنه يصير ماضياً، وكذا إذا قال: فعلي هدي، أو اعتكاف، أو يمين أو كفارة يمين، أو فعلي عتق رقبة، من غير أن يعين، أو علي صلاة مائة ركعة، ونحو ذلك مما في فعله مشقة على النفس، بخلاف ما إذا قال: علي صلاة ركعات أو إتباع جنازة، أو تسبيحات أو نحو ذلك مما لا مشقة جنازة، أو تسبيحات أو نحو ذلك مما لا مشقة فيه فإنه لا يكون مولياً، فإن أتاها، وكان مولياً بالله، كان عليه كفارة يمين، وإن كان معلقاً على طلاق وقع الطلاق، سواء علق على طلاقها أو طلاق امرأة غيرها، وإن كان معلقاً على عتق رقبة غير معينة لزمته، وإن كان معلقاً على غير ذلك لزمه وسقط الإيلاء، وإن لم يقربها فرق بينهما على الوجه الآتي.
وبهذا تعلم أن الإيلاء إنما يصح بالطلاق، والعتاق، والظهار، والهدي، والحج، والصوم، ونحو ذلك، لأن في فعلها مشقة على النفس، أما النذر فإن كان في الوفاء به مشقة على النفس فإنه يصح الإيلاء به، وإلا فلا يصح، كما إذا قال: إن وطئتك فلله علي أن أصلي عشرين ركعة إذ لا يخفى أن صلاة عشرين ركعة لا مشقة فيها في ذاتها، وإن كانت قد يشق فعلها على بعض النفوس الضعيفة بسبب الكسل، فمن قال ذلك فإنه لا يكون مولياً، بخلاف ما إذا نذر صلاة مائة ركعة، فإن فيها مشقة في ذاتها، فيعتبر الحالف بنذرها مولياً.
فإن قلتك إنه إذا حلف بالله، بأن قال: والله لا أطأ زوجتي يكون مولياً، بل هو الأصل في الإيلاء، مع أنه إذا وطئ امرأته لا يلزمه فعل شيء شاق، والجواب: أنه يلزمه كفارة اليمين، وظاهر أن الكفارة فعل شاق، وأورد على هذا أمران.
أحدهما: إيلاء الذمي باليمين، كأن يقول: والله لا أطأ زوجتي، فإنه يكون بذلك مولياً عند الإمام بحيث لو رفع إلينا الأمر فإننا نحكم بكونه مولياً، مع انه إذا وطئها فلا كفارة عليه، لأن الذمي غير مخاطب بالكفارة وأجيب: بأنه يلزمه الإيلاء لأنه معاملة لا عبادة، ولا تلزمه الكفارة لأنها عبادة، وهو ليس من أهل العبادة، فهي مستثنى من هذا الحكم لعارض الكفر.
ثانيهما: أنه إذا قال: والله لا أطأ زوجاتي الأربع، فإن له أن يطأ ثلاثاً منهم بدون كفارة وبهذا يكون قد آلى من زوجاته بدون أن يفعل أمراً شاقاً.
والجواب: أنه إذا قال: والله لا أطأ زوجاتي الأربع كان معناه أنه حلف على ترك وطء الأربع جميعاً، فإذا أتى بعضهن لا يحنث، بل يحنث إذا أتى الأربع، فإذا أتى الثلاث وترك واحدة صار مولياً منها وحدها، ونظير ذلك ما إذا حلف لا يكلم زيداً، وعمراً، ثم كلم زيداً فقط فإنه لا يحنث، فإذا كلم عمراً بعد زيد حنث، كما إذا كلمهما معاً وكذا لو قال لزوجته، وأمته: والله لا أقربكما، ثم أتى زوجته وحدها فإنه لا يكون مولياً، فإذا أتى الأمة بعدها كان مولياً من زوجته لتوقف الحلف على اتيانهما معاً.
الحنابلة - قالوا: الإيلاء حلف زوج - يمكنه أن يجامع - بالله تعالى أو صفة من صفاته على ترك وطء امرأته ولو قبل الدخول في قبلها، فقولهم: زوج خرج به سيد الأمة، فإنه لو حلف أن لا يطأ أمته لا يكون مولياً، وقولهم: يمكنه أن يجامع خرج به الصغير الذي لا يمكنه الجماع، ومثله العنين، والمجبوب، فإن حلف هؤلاء لا يكون إيلاء شرعياً وقولهم: بالله أو صفة من صفاته خرج به الحلف بالكعبة، والنبي، والطلاق، والعتق والظهار، ونحو ذلك، فإن من حلف بها لا يكون مولياً، وقولهم على ترك وطء امرأته في قبلها خرج به ما لو حلف على ترك وطئها في دبرها أو بين فخذيها أو نحو ذلك، مما سيأتي تفصيله.
وهل الحلف بالنذر، كالحلف بالله، أو كالحلف بغيره؟ خلاف، فلو قال لها: إن وطئتك فالله علي أن أصلي عشرين ركعة، كان مولياً ينتظر له أربعة أشهر، ثم يعمل معه ما يعمل مع المولي، وبعضهم يقول: إنه يكون مولياً لأن الحلف بالنذر كغيره ليس بيمين، وهو الظاهر، وذلك لأن الحنابلة قالوا: إن الإيلاء هو قسم، والقسم لا يكون إلا بالله أو صفة من صفاته، فإذا علق الحلف على الوطء بالطلاق، كأن قال: إن جامعتك فأنت طالق، أو علقه على العتق، كان قال: إن أتيتك فعبدي حر، أو علقه على ظهار، كأن قال: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، أو علي نذر كأن قال: إن جامعتك فعلي حج أو صدقة، أو نحو ذلك. فإنه لا يكون بكل هذا مولياً، لأن العليق بالشرط ليس فيه معنى القسم، ولذا لم يؤت فيه بحرف القسم، غايته أن يشارك القسم في المنع من الفعل أو الترك، فتسميته حلفاً من باب التجوز، فالحالف بالتعلق كالحلف بالكعبة في أن كل منهما ليس قسماً، فإذا حلف بشيء من ذلك وجامعها كان عليها جزاؤه فيقع طلاقه. ويلزمه عتقه، ونذره، وصلاته، وصيامه، وإن لم يجامعها لم يكن مولياً. نعم للزوجة إذا تركها زوجها أربعة أشهر - ولو بدون إيلاء - الحق في رفع أمرها للحاكم ليأمره بإتيانها، أو بطلاقها كما سيأتي في حكم الإيلاء.
وإذا قال لها: إن وطئتك فلله علي صوم أمس، فإنه لا يلزمه بوطئها شيء، لأن نذر الماضي لا يلزم، ومثل ذلك ما إذا قال لها: إن وطئتك فعلي صوم هذا الشهر، ثم وطئها بعد انقضائه، فإنه لا يلزمه شيء لأنه صار ماضياً، أما إذا قال لها: إن وطئتك فعلي صيام الشهر الذي أطؤك فيه، ثم وطئها كان عليه أن يصوم ما بقي من ذلك الشهر.
وإذا قال لها: والله لا أطؤك إن شاء الله، ثم وطئها، فلا شيء عليه، لأن الاستثناء ينفعه، ومن هنا يتضح لك أن الحنابلة يخالفون الحنفية وباقي الأئمة في أن التعليقات ليست قسماً على التحقيق، فلا يعتبرونها إيلاء إلا أنهم مع هذا يوجبون جزاءها إذا فعل المعلق عليه، على أنه لا فرق بينهم وبين غيرهم في النتيجة لأنهم يحتمون على ما حلف بها أن يأتي زوجته بعد أربع أشهر، أو يطلق، وإن لم يكن مولياً.
المالكية - قالوا: الإيلاء شرعاً هو حلف زوج مسلم، مكلف يمكنه أن يجامع النساء على ترك وطء زوجته غير المرضعة أكثر من أربعة أشهر إن كان حراً، وأكثر من شهرين إن كان رقيقاً، فقوله حلف زوج يشمل ثلاث أنواع: النوع الأول: الحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته، كأن يقول: والله لا أطؤك أصلاً، أو لا أطؤك مدة خمسة أشهر، ومثل ذلك ما إذا قال: وعلم الله وقدرة الله ونحو ذلك. النوع الثاني: التزام أمر معين يصح التزامه من طلاق، وعتق وصدقة، وصلاة وصيام، وحج، وأمثلة ذلك هي أن يقول: إن وطئتك فأنت طالق، فعلي عتق عبدي فلان، أو فعلي جنيه صدقة، أو فعلي صلاة مائة ركعة، أو فعلي صيام شهر، أو فعلي المشي إلى مكة، ويسمى هذا نذراً معيناً، النوع الثالث: التزام أمر مبهم، كأن يقول: علي نذر إن وطئتك، أو علي صدقة إن وطئتك.
أما إذا قال: علي نذر أن لا أطأك، أو أن لا أقربك، فإن فيه خلاف، فبعضهم يقول: إنه يكون مولياً بذلك وبعضهم يقول: لا، ووجه الأول أن معنى قول القائل: علي نذر أن لا أطأك إن انتفى وطؤك فعلي نذر فقد علق النذر في الواقع على عدم وطء زوجته، وعدم وطء الزوجة معصية، والنذر المعلق على المعصية لازم، ووجه القول الثاني أن هذا ليس بتعليق، وإنما معناه مصدر مأخوذ من - أن ... والفعل فكأنه قال: عدم وطئك نذر علي، وهذا نذر للمعصية لا تعليق للنذر على معصية، ونذر المعصية لا يصح.
وبهذا تعلم أن الخلاف دائر على أنه تعليق، أو ليس تعليق؟ فمن يقول: إنه تعليق للنذر على عدم الوطء، يقول: إنه لازم، لأن تعليق النذر على المعصية لازم، ومن يقول: إنه ليس بتعليق وإنما هو مبتدأ وخبر، فكأنه قال: عدم وطئك علي نذر، فإنه يقول: إنه غير لازم لأنه نذر للمعصية لا تعليق النذر على المعصية، فلا يصح الإيلاء به، فإن كان التعلق صريحاً فلا خلاف في أنه يصح به الإيلاء سواء كان النذر معيناً، أو مبهماً، كما في الصورة التي قبل هذه، وهي إن وطئتك فعلي نذر، فإنه علق النذر على وطئها، فهو لازم بلا كلام، وقوله مسلم خرج به إيلاء الكافر فإنه لا يكون مولياً، بحلفه، خلافاً للأئمة الثلاثة، فإنهم يقولون: إن إيلاء الكافر صحيح كما ستعرفه في الشروط، وقد استل الأئمة على رأيهم بقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} الخ.
والموصول من صيغ العموم يشمل المسلم، والكافر، والحر، والعبد، وأجاب المالكية عن ذلك بأن ذلك يصح إذا بقي الموصول على عمومه، ولكن قوله تعالى بعد ذلك، {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم} يدل على تخصيص - الذين - بالمسلمين، لأن الذين يغفر الله لهم بالرجوع إلى وطء زوجاتهم هم المسلمون، أما الكافر فهو خارج عن رحمة الله على أي حال وقد أجيب عن هذا بأن قاعدة مذهب المالكية تفيد أن الكافر يعذب على الكفر وعلى المعصية، فلا يعذبه عليه، وهو وجيه، وقوله مكلف خرج به إيلاء الصبي والمجنون، فإن إيلاءهما لا ينعقد، كالكافر، وقوله: يمكنه أن يجامع النساء خرج به المجبوب، والخصي، والشيخ الفاني العاجز عن إتيان النساء، أما المريض الذي يمنعه مرضه عن إتيان النساء حال مرضه، فإنه يصح الإيلاء منه ما لم يقيده بمدة المرض فإنه لا يكون مولياً في هذه الحالة لأنه لا يقدر على الوطء فيها بطبيعته، وقوله: على ترك وطء زوجته يشمل ما إذا كلن الترك منجزاً أو معلقاً فمثال المنجز أن يقول لها: والله لا أطؤك أكثر من أربعة أشهر ومثال المعلق أن يقول لها: لا أطؤك ما دمت في هذه الدار أو في هذه البلدة، فكما أن اليمين تارة يكون منجزاً، وتارة يكون معلقاً فكذلك ترك الوطء، تارة يكون منجزاً وتارة يكون معلقاً. وكذلك الزوجة تارة تكون منجزة، وتارة تكون معلقة فأما المنجزة فظاهرة وأما المعلقة، فمثالها أن يقول: إن تزوجت فلانة فوالله لا أطؤها مدة خمسة أشهر مثلاً، أو يقول: والله لا أطأ فلانة وهي أجنبية، ثم يتزوجها فإنه يكون مولياً بذلك، وهذا هو المشهور، وبعضهم يقول: لا إيلاء على الزوجة المعلقة لقوله تعالى: {للذين يؤولون من نسائهم} فجعل الإيلاء خاصاً ولا يخفى أن الأجنبيات لا يدخلن في نساء الرجل، ولكن المشهور هو الأول.
فالحاصل أن اليمين تارة يكون منجزاً، وتارة يكون معلقاً، وقد عرفت الأمثلة في أنواع الحلف وكذا المحلوف عليه، وهو ترك الوطء تارة يكون منجزاً وتارة يكون معلقاً، وكذلك الواقع عليها الحلف، وهي الزوجة وقد عرفت الأمثلة، وقوله: غير المرضعة خرج به المرضعة، فإنه إذا حلف أن لا يطأها ما دامت مرضعة فإنه لا يكون مولياً، بشرط أن يقصد مصلحة الولد أو لم يقصد شيئاً، أما إن قصد منع نفسه من جماعها بدون سبب فإنه يكون مولياً، وقوله: أكثر من أربعة أشهر خرج به ما إذا حلف أن لا يقربها أربعة أشهر أو أقل، فإنه لا يكون مولياً بذلك فلا بد من الزيادة على الأربعة ولو بيوم، وهو رأي الأئمة الثلاثة خلافاً للحنفية، فإنهم يقولون: إنه يكون مولياً بالأربعة بدون زيادة عليه.
الشافعية - قالوا: الإيلاء هو حلف زوج يتصور وطؤه ويصح طلاقه على امتناعه من وطء زوجته التي يتصور وطؤها في قبلها مطلقاً، أو فوق أربعة أشهر، فقوله: حلف، يشمل ثلاثة أشياء.
الأول: الحلف باسم من اسمائه تعالى أو صفة من صفاته، كقوله: والله لا أطأ زوجتي، أو وقدرة الله لا أطأ زوجتي.
الثاني: يتعلق الطلاق أو العتق على الوطء كما إذا قال: إن وطئتك فأنت طالق، أو إن وطئتك فضرتك طالق. ومثل ذلك ما إذا قال: إن وطئتك فعبدي حر فقد علق بذلك طلاقها أو طلاق ضرتها على وطئها، كما علق عتق عبده على وطئها.
الثالث: الحلف بالتزام النذر، كصلاة وصيام، وغيرهما من القرب كما إذا قال: إن وطئتك فالله علي صلاة، أو صيام، أو علي عتق، أو علي حج، أو صدقة، أو نحو ذلك، فهذه هي الأمور الثلاثة التي ينعقد بها الحلف على وطء الزوجة. ويكون الزوج بها مولياً وسيأتي بيان حكم كل واحد منها في مبحث حكم الإيلاء.
وقوله: زوج، يشمل المسلم، والكافر، ويشمل الكبير والصغير، والحر والعبد، ويشمل أيضاً السكران، فلو حلف وهو سكران ألا يطأ زوجته كان مولياً، ويشمل أيضاً المريض الخصي - وهو مقطوع الأنثيين القادر على الوطء والمجبوب الذي لا يقدر على الوطء إذا حلف وقوله: يتصور وطؤه خرج به الصبي الذي لا يعرف الوطء وكذا من أصيب بشلل في عضو التناسل فعجز عن الوطء أو قطع ذكره بحيث لم يبق منه القد الذي يصلح للوطء، لأن إيلاء مثل هذا لا معنى له، إذ هو عجز بطبيعة الحال. وهذا بخلاف المريض الذي يرجى برؤه، فإن إيلاءه يصح ما لم يقيد بمدة المرض، فإنه في هذه الحالة لا يكون لإيلائه معنى، لأنه عاجز بطبيعته، فلا إيذاء للزوجة من حلفه.
وقوله: يصح طلاقه به إيلاء من لا يصح طلاقه كالصبي، والمجنون، والمكره، فإن إيلاء هؤلاء لا يصح، وإنما قال: زوج ليخرج غير الزوج، فلو حلف شخص لا يطأ هنداً، وهي غير زوجة له لا يكون مولياً منها إذا تزوجها، وإنما يكون مقسماً، فلو وطئها يكون عليه كفارة يمين وقد عرفت فيما تقدم أن الحلف بالطلاق على الأجنبية لا يقع.
وقوله: من وطء زوجته خرج به ما إذا حلف على ترك وطء أمته فإنه لا يكون مولياً، إلا إذا الأمة زوجة. فإن الإيلاء يصح منها كالحرة.
وقوله: التي يتصور وطؤها خرج به الصغيرة التي لا تطيق الوطء فإذا حلف أن لا يطأها سنة وكانت تطيق الوطء بعد ستة أشهر إلا قليلاً، فإنه يكون مولياً منها، لأن المدة من السنة التي تطيق فيها الوطء هي مدة الإيلاء، ومثل الصغيرة التي لا تطيق الوطء من بها علة تمنع الوطء كما إذا كانت رتقاء، بخلاف ما إذا كانت مريضة مرضاً لا يمنع الوطء أو يمنعه مؤقتاً فإن الإيلاء يصح، ولكن لا يكون لها الحق في المطالبة بالرجعة إلى الوطء إلا بعد برأها، كما يأتي في حكم الإيلاء.
وقوله: في قبلها خرج به ما إذا حلف أن لا يطأها في دبرها، فإنه لا يكون مولياً بذلك، لأنه حلف على ترك فعل مطلوب تركه، هذا بخلاف ما إذا قال: والله لا أطؤها إلا في دبرها فإنه يكون بذلك مولياً، فكأنه قال: والله لا أطؤها في قبلها، ولو قال: والله لا أطؤها إلا وهي حائض أو إلا وهي صائمة رمضان، أو إلا في المسجد، فإنه لا يكون مولياً بذلك، وذلك لأنه وإن كان قد حلف أن لا يطأها في وقت يحرم عليه وطؤها، ولكن ليس فيه حلف على ترك وطئها في قبلها والتحريم لعارض الحيض ونحوه لا يمنع من جواز الوطء في المحل، بخلاف ما إذا حلف أن لا يأتيها إلا في الدبر، لأن تحريمه ذاتي، وإذا حلف أن يطأها بين فخذيها أو نحو ذلك فإنه لا يكون مولياً.
وقوله: مطلقاً شمل ما لم يقيد المدة بوقت ما. كما إذا قال لها: إن وطئتك فأنت طالق أو قيدها بما يفيد التأبيد كما إذا قال لها: والله لا أطؤك أبداً، أو طول عمرك، أو حتى ينزل المسيح. أو حتى تقوم الساعة، أو قيدها بما يزيد على أربعة أشهر ولو لحظة، كما إذا قال لها: والله لا أطؤك أربعة أشهر وخمس دقائق مثلاً، أما إذا قال لها: أربعة أشهر فقط. أو أقل فإنه لا يكون مولياً بذلك) .


ابوالوليد المسلم 27-07-2022 06:06 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الإيلاء]
صـــــ 413 الى صــــــــ
430
الحلقة (220)



أركان الإيلاء وشروطه
-أركان الإيلاء ستة (1) : محلوف به، ومحلوف عليه، وصيغة، ومدة، وزوجان، فأما المحلوف به فهو اليمين المتقدم بيانه في التعريف عليه فهو الوطء، فإذا قال: والله لا أطأ زوجتي كان الوطء محلوفاً عليه، واسم الله محلوف به، وكذا إذا قال: علي الطلاق لا يطؤها فإن الطلاق محلوف به، والوطء محلوف عليه، وقد يعلق المحلوف عليه على الزوجة باعتبار كون الوطء قائماً بها وأما الصيغة فهي صيغة اليمين بأقسامه المتقدمة، وأما المدة فهي مدة الإيلاء، وهي أن لا يطأها مدة تزيد على أربعة أشهر (2) .
ولكل واحد منها شروط مفصلة في المذاهب (3) .
حكم الإيلاء ودليله
-للإيلاء حكمان: حكم أخروي وهو الإثم إن لم يفئ إليها، وحكم دنيوي، وهو طلاقها بعد أربعة أشهر على الوجه الآتي، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} ، ومعنى يؤلون يقسمون وقوله: {من نسائهم} متعلق {بيؤلون} لأنه متضمن معنى البعد عن النساء، ولهذا عدي - بمن - أما آلى بدون ملاحظة البعد فإنه يتعدى - بعلى - يقال: آلى - على - امرأته - لا من - امرأته.
وقد عرفت أن الإيلاء على النساء كان معروفاً عند العرب ومستعملاً في ترك وطء المرأة، وكان حكمه عندهم تحريمها تحريماً مؤبداً، فقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} معناه للذين يقسمون على ترك وطء نسائهم، ترقب أربعة أشهر، فإن فاءوا ورجعوا إلى الوطء الذي حلفوا على تركه فإن ذلك يكون توبة منهم عن ذلك الذنب، فالله يغفره لهم بالكفارة عنه.
ومن هذا يتضح أن الإيلاء حرام لما فيه من الاضرار بالمرأة بالهجر وترك ما هو ضروري لازم للطبائع البشرية وايجاد النوع الإنساني وحرمانها من لذة أودعها الله فيها لتحتمل في سبيلها مشقة تربية الذرية ومتاعها، وإشعارها بكراهيته وانصرافه عنها، وكل ذلك إيذاء لها، فإن قلت: إن ذلك يقتضي أن لا يمهله الّه أربعة أشهر. قلت إن الحكمة في إمهاله هذه المدة المحافظة على علاقة الزوجية، ومعالجة بقائها بما هو غالب على طبائع الناس، فإن البعد عن الزوجة مثل هذا الزمن فيه تشويق للزوج إليها، فيحمله على زنة حاله معها وزناً صحيحاً، فإذا لم تتأثر نفسه بالبعد عنها ولم يبال بها، سهل عليه فراقها، وإلا عاد إليها نادماً على اساءتها مصراً على حسن معاشرتها، وكذلك المرأة، فإن هجرها من وسائل تأديبها، فقد تكون سبباً في انصرافه عنها باهمال زينتها أو بمعاملته معاملة توجب النفرة منها، فبعده عنها هذه المدة زاجراً لها عما عساه أن يفرط عنها، فانتظار هذه المدة لازم ضروري لبقاء الزوجية.
وقوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} يحتمل أمرين: أحدهما إن أصروا على تنفيذ يمينهم وهجروا نسائهم فلم يقربوهن حتى انقضت المدة المذكورة، وهي أربعة أشهر، فإن ذلك يكون إصراراً منهم على الطلاق، فيكون طلاقاً ولو لم يطلقوا (4) أو تطلب المرأة الطلاق، فانقضاء المدة في ذاته طلاق، ووجه ذلك أن قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} الخ كلام مفصل بقوله {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا} الخ، واللغة تقتضي أن المفصل - بكسر الصاد - يقع عقب المفصل بدون فاصل، فيجب أن تقع الفيئة - بمعنى الرجعة - إلى الجماع أو يقع الطلاق عقب انقضاء مدة أربعة أشهر بدون فاصل من طلب المرأة أو تطليق الرجل، ونظير ذلك أن يقول شخص لآخر: إنني نزلت بجواركم، فإن أعجبكم ذلك مكثت وإلا رحلت فإن معنى هذا إن لم ترضوا عني رحلت بدون أن أعمل أي عمل آخر سوى الرحيل.
المعنى الثاني: أن معنى قوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق} أي عزموا على الطلاق بعد مضي المدة، فالعزم على الطلاق لا يتحقق إلا بعد مضي المدة، بأن يطلقها من تلقاء نفسه، أو ترفع الأمر للقاضي على الوجه الذي ستعرفه.
فالفاء في قوله تعالى: {فإن فاؤوا} للتعقيب، أي فإن فاؤوا عقب مضي المدة إلى جماع زوجاتهم وأخرجوا كفارة أيمانهم {فإن الله غفور رحيم وإن عزموا} على الطلاق عقب انقضاء المدة {فإن الله سميع عليم} وعلى الأول أن يكون معنى قوله تعالى: {فإن الله سميع عليم} سميع لإيلائهم عليهم بما يترتب عليه من ظلم المرأة وإيذائها بانقضاء المدة من غير فيئة، فيعاقبهم عليه، ففيه تهديد للذين يصرون على هجر الزوجة حتى تنقضي المدة التي يترتب على انقضائها تطليقها، وعلى الثاني يكون تهديداً لمن طلق بعد انقضاء المدة، أو طلق عليه الحاكم، ويتعلق بهذه الآية أمور مفصلة في المذاهب (5) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: ركن الإيلاء شيء واحد، وهو صيغة الحلف بناء على ما تقدم من أن الركن هو ما كان داخل الماهية، وإنما تتحقق ماهية الإيلاء بالصيغة، أما هذه الأشياء فإنها شروط للماهية، وقد عرفت أن الذين يعدونها شروطاً فإنما يريدون من الركن ما لا تتحقق الماهية إلا به، سواء كان داخلاً في ماهيتها أو لا) .
(2) (الحنفية - قالوا: مدة الإيلاء أربعة أشهر فقط بدون زيادة) .
(3) (الحنفية - قالوا: يشترط في صيغة اليمين شروط:

أحدها أن يجمع بين زوجته وامرأة أخرى، فلو قال: والله لا أطأ زوجتي وأمتي أو لا أطأ زوجتي وفلانة الأجنبية، فإنه يكون مولياً من امرأته بذلك. إذ يمكنه أن يطأها وحدها ولا كفارة عليه، كما تقدم في التعريف.
ثانيها: أن لا يستثني بعض المدة، فإذا استثنى فإنه لا يكون مولياً في الحال، مثلاً إذا قال لها والله لا أطؤك سنة إلا يوماً فإنه لا يكون مولياً في الحال. ثم إذا مكث سنة لم يقربها حتى ولا في اليوم الذي استثناه لا يحنث في يمينه، لأنه لم يصرح بأنه يقربها في اليوم الذي استثناه، بل أباح لنفسه قربانها في يوم منكر من أيام السنة، فله أن يقربها في يوم شائع في أيام السنة كلها، فإن حلف بهذا كان له أن يقربها في يوم يختاره عقب الحلف، فإن قربها ينظر إن كان قد بقي من السنة أربعة أشهر فأكثر بعد القربان صار مولياً بمجرد غروب شمس ذلك اليوم الذي قربها فيه بحيث لو أتاها بعد ذلك حنث وتجب عليه الكفارة، وإن لم يأتها ومكث أربعة أشهر كاملة من غروب شمس ذلك اليوم ولم يقربها بانت بطلقة على الوجه المتقدم.
أما إذا أتاها بعد حلفه يوماً، وكان الباقي من السنة أقل من أربعة أشهر فإنه لا يكون مولياً وعلى هذا لو حلف أول السنة بأنه لا يقربها سنة إلا يوماً كانت يمينه منحلة باستثناء هذا اليوم، فلا يمكن اعتباره مولياً، لأن له أن يقربها في أي يوم من أيام السنة، فيحتمل أن يقربها قبل مضي أربعة أشهر فلا يكون مولياً إلا بعد أن يقربها ذلك اليوم الذي قد استثناه، فإذا قربها وكان الباقي من السنة أربع أشهر فأكثر كان مولياً، وإلا فلا يكون مولياً، ومثل ذلك ما إذا قال: والله لا أقربك سنة إلا ساعة، فإن الساعة لا يجعله مولياً في الحال، أما إذا قال: والله لا أقربك سنة إلا يوماً أقربك فيه فإنه لا يكون مولياً أبداً، سواء قربها أو لا، وذلك لأنه قد صرح بقربانها في يوم من أيام السنة ومتى صرح بذلك فقد انحلت اليمين فلا إيلاء، ولو قال: والله لا أقربك إلا يوماً، وحذف سنة، فإنه لا يكون مولياً إلا إذا قربها، فإذا قربها كان مولياً إيلاء مؤبداً.
ثالثها: أن لا تكون مقيدة بمكان، فإذا قال: والله لا أطأ زوجتي في دار أبيها لا يكون مولياً لانحلال اليمين بوطئها في مكان آخر.
رابعها: أن لا تكون مشتملة على المنع عن القربان فقط، فلو قال لها: إن وطئتك إلى الفراش فأنت طالق، فإنه لا يكون مولياً لأنه يمكن أن يحل اليمين بدعوتها إلى الفراش، فإذا دعاها إلى الفراش طلقت، ثم بعد ذلك له إتيانها في أي وقت بدون أن يلزمه شيء.
ويشترط في الزوج أن يكون أهلاً للطلاق، بأن يكون عاقلاً بالغاً، فلا يصح إيلاء المجنون، والصبي، ولا يشترط الإسلام، فيصح إيلاء الذمي، إلا إذا حلف بما هو قربة دينية، كما لو قال: إن وطئتك فعلي حج، فإنه لا يكون بهذا مولياً باتفاق، أما إن قال: إن وطئتك فعلي عتق عبد فإنه يكون مولياً باتفاق ويلزمه العتق، فإن حلف بالله أنه لا يطؤها فإن إيلاءه يصح عند أبي حنيفة ولا يصح عندهم، وقد تقدم بيانه في التعريف، وكذا يصح إيلاء العبد إذا حلف بشيء غير مالي لأن تصرفاته المالية لا تنفذ، فلو قال: إن وطئتك فعلي عتق رقبة أو فعلي صدقة، فإنه لا يكون مولياً بذلك.
ويشترط في المدة أن تكون أربعة أشهر كاملة للحرة بدون زيادة، كما تقدم أما إذا كان متزوجاً أمة فإن مدة الإيلاء منها شهران، سواء كان الزوج حراً أو عبداً. وبذلك تعلم أنه يصح الإيلاء مع مانع يمنع الوطء، ولو كان خلقياً كالجب، والصغر ونحوه، كما ستعرفه في بيان حكمه. هذا، وتنقسم الصيغة إلى قسمين: صريحة، وهي كل لفظ يدل على إتيان المرأة بمجرد سماعه بحيث يكون استعماله في هذا المعنى غالباً، كالجماع، والوطء، والقربان، والمباضعة، وإدخال الذكر في الفرج، ونحو ذلك، فلو ادعى في الصريح أنه لم يرد الجماع فإنه لا يصدق قضاء، ولكن يصدق ديانة، أما الكناية فهي ما دل على الجماع، ولكن يحتمل غيره، ولا يتبادر إلى الذهن، كقوله: والله لا أمسها، لا آتيها، لا أدخل بها، لا أغشاها، لا تجمع بين رأسي ورأسها مخدة، لا أبيت معها في فراش، لا أصاحبها، أو والله ليغيظها، ولا يكون بذلك مولياً إلا بالنية.
المالكية - قالوا: يشترط في الصيغة شروط: أحدها أن لا تشتمل على ترك وطء الزوجة تنجيزاً أو تعليقاً، كما تقدم بيانه في التعريف، فلو قال: والله لأهجرن زوجتي أو لا أكلمها، فإنه لا يكون مولياً بذلك. ثانيها: أن لا يقيدها بزمان خاص، كأن يقول: والله لا أطؤها ليلاً، أو والله لا أطؤها نهاراً، وهذا بخلاف ما إذا قال: والله لا أطؤك حتى تخرجي من البلد، فإنه يكون مولياً إذا كان خروجها من البلد فيه معرة عليها، ومثل ذلك ما إذا قال: في هذه الدار وإذا ترك وطأها بدون إيلاء أو حلف لا ينزل فيها منيه فإن لها أن ترفع الأمر للقاضي ليطلقها عليه وللقاضي أن يطلق عليه فوراً بدون أن يضرب له أجلاً، وله أن يضرب له أجلاً. ثالثها: أن لا يستثني، فلو قال: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا مرتين، فإنه لا يلزمه الإيلاء، لأنه يمكنه أن يترك وطأها أربعة أشهر، ثم يطؤها، ثم يتركها أربعة أشهر أخرى، ثم يطؤها، وتبقى أشهر أخرى أقل من مدة الإيلاء، فلا يحنث ولا يكون مولياً بذلك، وإذا قال لها: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا مرة، فإنه لا يكون مولياً حتى يطأها، ثم تكون المدة الباقية من السنة أكثر من أربعة أشهر للحر وأكثر من شهرين للعبد. رابعها: أن لا يلزمه بيمينه حكم، كما إذا قال: إن وطئتك فكل فلس أملكه يكون صدقة فهذه اليمين حرج ومشقة، فلا يلزمه بها حكم، فلا يكون مولياً بها، ويشترط في الزوج أن يكون مسلماً ولو عبداً، وأن يكون مكلفاً فلا يصح إيلاء الصبي، والمجنون، وأن يتصور منه الإيلاء، فخرج المجنون، والصغير، والخصي، والشيخ الفاني، ويشترط في الزوجة أن تكون مرضعة، وقد تقدم إيضاح هذه القيود في التعريف فارجع إليها إن شئت.
ويشترط في المدة أن تكون أكثر من أربعة أشهر ولو بيوم على المعتمد، وبعضهم يقول: بعشرة أيام إذا كان حراً، وأما العبد فيشترط أن تكون زيادة عن شهرين.
الشافعية - قالوا: يشترط في الزوجين أن يتأتى من كل واحد منهما الجماع، فإذا كان الزوج صغيراً أو مجبوباً أو نحو ذلك، فإنه لا يصح منه الإيلاء، ويشترط في صيغة اليمين أن تكون اسماً من أسماء الله أو صفة من صفاته، أو تعليقاً، أو نذراً، كما تقدم في التعريف، ويشترط في المحلوف عليه أن يكون ترك الوطء بخصوصه، فلو حلف على ترك الاستمتاع بها فيما دون ذلك فإنه لا يصح، ويشترط في المدة أن تزيد على أربعة أشهر ولو بلحظة، ويشترط في الصيغة أن تكون لفظاً يشعر بترك الوطء، وقد إيضاح ذلك في التعريف. فارجع إليه.
وتنقسم الصيغة إلى قسمين: الأول صريحة، كأن يقول: والله لا يقع مني تغييب حشفة في فرجك، أو والله لا أطؤك، أو لا أجامعك، فإن قال: أردت الوطء بشيء آخر، فإنه يصدق ديانة لا قضاء، ولو قال: أردت بالفرج الدبر فإنه يصدق ديانة أيضاً. الثاني: كناية، كقوله والله لا أمسك أو لا أباضعك، أو لا أباشرك، أو لا آتيك، أو لا أغشاك، فإنه لا يكون مولياً إلا إذا نوى الجماع، وذلك لأن هذه الألفاظ لم تشهر فيه.
الحنابلة - قالوا: للإيلاء أربعة شروط:
الأول: أن يحلف الزوج على ترك الجماع في القبل خاصة.
ثانيها: أن يحلف بالله أو صفة من صفاته، ثم إن المحلوف عليه تارة يكون صريحاً يعامل به قضاء وديانة، وهي كل لفظ دل على إتيان المرأة صريحاً، كإدخال الذكر في الفرج ونحو ذلك من العبارات الصريحة التي لا تحتمل غير هذا المعنى، وتارة يكون صريحاً في القضاء فقط وهي كل لفظ دل على الجماع عرفاً. ومن ذلك أن يقول: والله لا وطئتك، أو لا جامعتك، أو لا باضعتك، أو نحو ذلك، وحكم هذا أنه يعامل به قضاء، ولا يسمع منه أنه أراد معنى آخر، ولكن إن كان صادقاً فإنه ينفعه بينه وبين الله، وتارة لا يكون مولياً إلا بالنية، كقوله: والله لا أنام معك في فراش واحد ونحو ذلك، فإذا لم ينو ترك الجماع فإنه لا يكون مولياً.
ثالثها: أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر.
رابعها: أن يكون من زوج يمكنه الوطء.
وذلك تعلم أنه يصح من مسلم، وكافر، وحر، وعبد، وبالغ، ومميز، وغضبان، وسكران، ومريض مرضاً يرجى برؤه، كما يصح من زوجة يمكن وطؤها، سواء دخل بها أو لم يدخل، ولا يصح من مجنون وعاجز عن الوطء بسبب شلل في عضو التناسل أو قطع أو نحو ذلك) .
(4) (الحنفية - قالوا: هذا هو الذي يجب العمل به، فمتى مضت المدة طلقت منه طلقة بائنة بدون عمل آخر، وسيأتي إيضاح مذهبهم في التفصيل الذي بعد هذا، وخالفهم الأئمة الثلاثة) .
(5) (الحنفية - قالوا: متى انقضت مدة أربعة أشهر من تاريخ الحلف ولم يطأها فإنها تطلق منه طلقة واحدة بائنة بدون أن ترفع الأمر إلى القاضي وبدون أن يطلقها هو، فإذا أقر قبل انقضاء المدة أمام شهود أنه جامعها، ثم انقضت المدة وادعت الزوجة أنها بانت منه بعدم وطئها في المدة، وادعى هو أنه وطئها وأقر بذلك أمام شهود، وشهدت الشهود على إقراره فإنه يصح ولا تبين منه، ثم إن وقع الإيلاء في غرة الشهر، أي في أول ليلة منه اعتبرت الأشهر الأربعة بالأهلة، وإن وقع في وسط الشهر ففيه خلاف، فبعضهم يقول: تعتبر المدة بالأيام وبعضهم يقول: يعتبر الشهر الأول بالأيام، أما الشهر الثاني، والثالث، والرابع فتعتبر بالأهلة، ثم يكمل ما نقص من الشهر الأول بأيام من الشهر الخامس، مثلاً إذا آلى منها في نصف شعبان حسبت الخمسة عشر يوماً الباقية من شعبان، ثم يحسب رمضان وشوال وذو القعدة بالأهلة، ويؤخذ من ذي الحجة خمسة عشر يوماً يكمل بها شعبان، والرأي الثاني أحوط، كما لا يخفى، ثم إذا مضت المدة ولم يقربها وبانت منه، فإن في ذلك ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يحدد مدة واحدة، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يطأها مدة أربعة أشهر ثم مضت الأربعة أشهر ولم يقربها فإنها تبين منه ويسقط الحلف بحيث لو جدد عليها العقد، فإنه يطؤها ولا يمين عليه، وهذا ظاهر لأن يمينه مؤقتة.
الصورة الثانية: أن يزيد مدة ثانية، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يقربها مدة ثمانية أشهر وفي هذه الحالة إذا وطئها قبل انقضاء المدة لزمه الطلاق الثلاث، وإذا لم يقربها ومضت أربعة أشهر بانت منه، فإذا جدد عليها العقد بعد ذلك وصارت زوجة له ووطئها قبل مضي الأربعة أشهر الباقية وقع عليه الطلاق الثلاث، أما إذا تركها حتى تمضي الأربعة أشهر وتتم المدة التي حلف أن لا يقربها فيها عليه الطلاق الثلاث، فإنها تبين منه بينونة أخرى ويسقط الحلف فإذا جدد عليها العقد ثانياً كان له وطؤها كما يشاء، فإذا قال لها: إن وطئها في مدة سنة تكون طالقاً ثلاثاً، وانتظر المدة الأولى فبانت منه، ثم جدد عقده عليها، ولم يطأها حتى مضت المدة الثانية، وهي تكملة الأشهر الثمانية، فبانت منه ثانياً ثم مضى عليها بعد انقضاء المدة الثانية زمن ولو يسير جدد فيه العقد عليها فإنه لا يكون مولياً بما بقي لأنه أقل من أربعة أشهر لانقضاء زمن من الأربعة أشهر الباقية لم تكن زوجة له فيه والشرط أن تكون مدة الإيلاء أربعة أشهر كاملة، ولا يشترط الزيادة علياه.
الصورة الثالثة: أن لا يحدد مدة، سواء قيد بلفظ الأبد، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يقربها أبداً، أو دائماً، أو طول عمرها، أو لم يقيد بشيء أصلاً، كأن يحلف أن لا يطأها وتحت هذه الصورة أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن يطأها قبل انقضاء أربعة شهور، وحكم هذا أنه يلزمه الطلاق الثلاث.
الوجه الثاني: أن لا يطأها حتى تمضي أربعة شهور، وحكم هذا أنها تبين منه مرة بانقضاء أربعة أشهر، فإن جدد عليها العقد ثانياً كان مولياً وبانت منه بعد مضي مدة أخرى، فإن جدد عليها العقد ثالثاً كان مولياً وتبين منه بعد مضي مدة أخرى، وبذلك لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوجت غيره وطلقها، وعادت إلى الزوج الأول لم يكن مولياً ولم تطلق بوطئها، لأن ملك الزوج الأول قد انتهى بالثلاث وعادت إليه بملك جديد لا إيلاء فيه.
الوجه الثالث: أن يحلف بالثلاث أن لا يقربها أبداً، ولا يقربها حتى تمضي أربعة شهور فتبين منه مرة واحدة وتتزوج غيره، ثم تطلق وترجع إلى الأول، وفي هذه الحالة لا يسقط الإيلاء فإن وطئها وقع عليه الطلاق الثلاث الذي حلف به قبل أن تتزوج غيره أما إذا لم يطأها فإنها تبين منه بعد مضي أربعة شهور، فإن عقد عليها ثانياً كان مولياً وبانت منه بعد مضي مدة ثانية، فإن وطئها وقع عليه الثلاث، وإلا بانت منه بعد مضي مدة ثالثة، وبذلك لا تحل له إلا إذا نكحها زوج غيره، وذلك لأن الزوج الثاني يهدم عدد طلقات الزوج الأول، سواء كانت ثلاثاً أو أقل، - عند الإمام - فتعود الزوجة له بثلاث طلقات، وحيث أنها تزوجت قبل أن ينقطع عنه ملكها لأن المفروض أنها تزوجت بعد أن بانت منه مرة أو مرتين، فإن الإيلاء المؤبد لا يسقط فتعود إليه بثلاث طلقات، وحيث أنه مول فلا تقع الطلقة إلا بمضي مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر، فيقع في كل مدة طلاق بائن، ولكنك قد عرفت أن المعتمد أنها تعود إليها بما بقي، فإذا بانت منه مدة الإيلاء، ثم تزوجت غيره ورجعت إليه ثانياً فإنها ترجع إليه بطلقتين فقط، وعلى هذا إذا عقد عليها ولم يطأها بانت منه بواحدة بعد أربعة شهور، فإن عقد عليها ثانياً ولم يطأها، ومضت مدة أربعة شهور بانت منه نهائياً، لأن الأولى محسوبة عليه، فإذا تزوجت غيره ورجعت إليه ثانياً سقط بذلك الإيلاء.
الوجه الرابع: أن يحلف بالثلاث أن لا يطأها أبداً، ولكن قبل أن يطأها وقبل أن تبين منه بانقضاء أربعة شهور طلقها ثلاثاً، ثم انقضت عدتها وتزوجت غيره، وعادت إليه ثانياً فإنه يملكها بثلاث طلقات ويسقط الإيلاء، فلا شيء عليه إذا وطئها، لأن الطلاق الثلاث أبطل الإيلاء وأخرج الزوجة عن ملكه، ونظير ذلك ما إذا قال لها: إن دخلت بك فأنت طالق ثلاثاً، ثم طلقها قبل الدخول بها طلاقاً ثلاثاً منجزاً، فتزوجت بغيره وطلقت، ثم رجعت له ثانياً ودخل بها، فإن طلاقه المعلق على الدخول بها لا يقع، وذلك لأن الطلاق الثلاث المنجز أبطل الطلاق الثلاث المعلق وهذا هو المعتمد، خلافاً لمن قال: إن الطلاق الثلاث المنجز لا يبطل الإيلاء ولا يبطل المعلق، وهذا هو بخلاف ما إذا حلف بالثلاث أن لا يطأها، ثم طلقها طلقة واحدة بائنة قبل انقضاء مدة أربعة شهور، أو طلقها طلقتين ثم تزوجت غيره بعد انقضاء عدتها وطلقت وتزوجها ثانياً فإن الإيلاء في هذه الحالة لا يسقط.
لأن الذي يسقطه هو الطلاق الثلاث فقط يسقط بالطلقة الواحدة أو الطلقتين، فإذا عادت إليه في هذه الحالة ووطئها وقع عليه الثلاث، وإن لم يطأها كان في أمرها الخلاف بين محمد، وأبي حنيفة، فمحمد يقول: تعود إليه بما بقي، فلا يملك عليها إلا طلاقاً إن كانت قد بانت منه مرتين، أو طلاقين إن بانت منه واحدة، أما أبو حنيفة فإنه يقول: تعود إليه بالطلقات الثلاث، لأن الزوج الثاني هدم عدد طلقات الأول، سواء كانت ثلاثاً أو أقل وقد تقدم إيضاحه في الوجه الثالث، على أنهم أجمعوا على ضرورة تجديد العقد عند انقضاء كل مدة، فإذا انقضت أربعة شهور وبانت منه، ولم يجدد عليها العقد حتى مضت أربعة شهور أخرى ثم جدد عليها العقد فإن المدة الأولى لا تحسب، فلا يتكرر الطلاق إلا بعد تجديد العقد على المعتمد، بالمدة الحالة تحتسب من وقت تزوجها، سواء كان في العدة أو بعد انقضائها.
هذا، واعلم أنه إذا حلف بالله أن لا يطأها، ثم مضت مدة الإيلاء، وبانت منه وانقضت وتزوجت بغيره، ورجعت إليه ثانياً، ووطئها حنث في يمينه ووجبت عليه الكفارة، وذلك لأن التزوج بالغير لا يسقط اليمين بالله، وإنما يسقط اليمين بالطلاق.
وإذا آلى من مطلقته طلاقاً رجعياً فإن الإيلاء يصح وتحسب المدة من وقت الإيلاء، فإذا انقضت العدة قبل مضي أربعة شهور بانت بانقضاء العدة وبطل الإيلاء، فلا تبين منه ثانياً بمدة الإيلاء أما إذا لم تنقض قبل مدة الإيلاء كما إذا كانت ممتدة الطهر فإنها تبين بمضي مدة الإيلاء وإذا آلى من زوجته ثم طلقها طلاقاً بائناً قبل انقضاء مدة الإيلاء، ففيه تفصيل، وهو أنه إذا انقضت مدة الإيلاء قبل انقضاء العدة بانت واحدة بالإيلاء، وذلك لأن إبانتها بعد الإيلاء لا تقطع حكم الإيلاء مادامت في العدة، فإذا انقضت عدتها بانت بأخرى، أما إذا انقضت عدتها قبل انقضاء مدة الإيلاء، فإن حكم الإيلاء يسقط وتبين واحدة بانقضاء العدة.
وإذا حلف أن يطأ أجنبية فإنه لا يكون مولياً منها، ولكن إذا تزوجها ووطئها حنث وعليه الكفارة، فإذا حلف أنه لا يطؤها إن تزوجها فإنه يكون مولياً منها.
وتحصل الفيئة بالوطء في القبل، ولو كان مكرهاً، أو مجنوناً، بأن حلف وهو عاقل ثم جن أما المجنون قبل الحلف فإن إيلاءه لا ينعقد كالصغير، لأنه يشترط لصحة الإيلاء أن يكون المولى أهلاً، كما في الشروط.
والأهلية إنما تعتبر عند الحلف لا بعده، فإذا انقضت المدة وكان بالزوجة مانع طبيعي من صغر، ورتق، أو مرض لا يمكن معه وطؤها، أو كانت ناشزة ولا يعرف مكانها، فإن الفيئة في هذه الحالة تكون باللسان، كأن يقول: فئت إليها، أو أبطلت إيلائي، أو رجعت عما قلت، ونحو ذلك، فمتى قال ذلك فإنها لا تطلق بمضي المدة المذكورة، أما اليمين فإن كانت معلقة، بأن كان طلاقاً معلقاً على وطئها، أو عتقاً، أو نذراً، فإنه يبقى على حاله بحيث لو زال المانع ووطئها لزمه الطلاق، أو العتق، أو النذر الخ، وإن كان يميناً لزمته الكفارة.
هذا إذا لم يكن مقيداً، أما إذا كان مقيداً بمدة، كما لو حلف لا يقربها أربعة أشهر، وانقضت وهي معذورة فإنها لا تبين منه، وإذا وطئها لا يلزمه شيء لانحلال اليمين بمضي المدة بخلاف ما إذا كانت باليمين مطلقة، أو مؤبدة، فإنه إذا وطئها لزمه كفارتها، أو جزاؤها، ومثل ذلك ما إذا كان المانع قائماً بالزوج، كما إذا عرضت له عنة، أو كان محبوساً في محل لا يمكنها الوصول إليه فيه، أو كان مسافراً وبينهما مسافة لا يمكن قطعها في مدة أربعة أشهر، أو نحو ذلك، فإن فيئته تكون باللسان أيضاً، ولكن يشترط في الحبس أن يكون بغير حق، فإن كان محبوساً بحق فإنه لا يكفي منه بفيئة اللسان، بل تبين منه بانقضاء المدة، وإذا كان مريضاً مرضاً يرجى زواله ولكنه يمنعه عن الوطء عند انقضاء المدة فإن فيئته تكون باللسان بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تبقى الزوجية قائمة بينهما إلى وقت الفيئة، فلو مضت أربعة أشهر كاملة ولم يقل: فئت إليها ونحوه فإنها تبين منه، فإذا قال بعد ذلك فلا ينفع، فلو تزوجها ثانياً بعقد جديد وهو مريض عاد الإيلاء، بحيث لو لم يطأها حتى مضت المدة بانت منه ثانياً.
وقد عرفت أنه إذا قدر على وطئها لزمته الكفارة، أو الجزاء على أي حال، وهذا بخلاف ما إذا كان صحيحاً وآلى من زوجته ومضت مدة أربعة، فبانت منه ثم وطئها بعد بينونتها، فإن الإيلاء يسقط وتلزمه الكفارة أو الجزاء، فإذا عقد عليها بعد ذلك لا يكون مولياً منها، بحيث لو لم يجامعها حتى مضت أربعة أشهر لا تبين منه.
الشرط الثاني: أن يكون مرض موجباً لعجزه عن الجماع.
الشرط الثالث: أن يدوم عجزه هذه المدة بحيث يحلف وهو مريض عاجز عن الجماع ويستمر عجزه. أما إذا حلف أن لا يطأها وهو صحيح وبقي صحيحاً مدة يمكنه أن يجامع فيها ثم مرض واستمر عاجزاً عن الجماع أربعة أشهر ولم يطأها، فإنها تبين منه ولا تنفعه الفيئة باللسان لأن الشرط أن يستمر عجزه كل مدة الإيلاء بحيث لا يبرأ وقتاً يستطيع فيه وطؤها، فإذا آلى وهو مريض ثم مرضت هي أيضاً بعد مرضه، ولكنه برئ قبل مضي المدة واستمرت هي مريضة إلى انقضاء المدةـ فقيل: إنها تبين منه، ولا تنفعه الفيئة باللسان، وذلك لأن مرضه هو سبب في الترخيص له بالفيئة اللسانية ومرضها هي سبب آخر، والقاعدة أن سبب الرخصة إذا تعدد في زمن آخر عمل بالأول وألغي الثاني وقد عرفت أنه مرض أولاً، ثم مرضت هي ثانياً، فسبب هو مرضه، أما مرضها فقد ألغي حيث برئ فإن سبب رخصته قد زال، وبعضهم يقول: إن فيئته تكون باللسان في هذه الحالة، لأن مرض زوجته مانع، على أن هذا فيما إذا حصل السببان في زمن واحد، أما إذا حصلا في زمنين مختلفين فإنه يعمل بهما، مثلاً إذا قال لها: والله لا أطؤك أبداً، وهو مريض، ثم مضت مدة الإيلاء فبانت منه، ثم صح وتزوجها ثانياً فإن الإيلاء يعود. كما عرفت، فإذا مرض ثانياً ففيئته باللسان، ولا تعتبر الصحة في هذه الحالة، وسبب الرخصة، وهو مرضه، قد تعدد في زمنين لا في زمن واحد، فالسبب الثاني قد جاء بعد زوال الزمن الأول، فلم يلغ الثاني، وهذا هو المعتمد.
فإذا قام بالزوجة أو الزوج مانع شرعي، كما إذا كانت حائضاً أو كان أحدهما متلبساً بالإحرام وكان بينه وبين التحلل مدة تزيد على أربعة أشهر أو نحو ذلك فإن الفيئة لا تكون إلا بالجماع، أما الفيئة باللسان فإنها لا تنفع، وذلك لأن الوطء ممكن، غايته أنه معصية، وحيث أنه قد حلف وعصى الله من الأصل فاليحتمل جزاء إثمه، فإذا وطئها في هذه الحالة فقد عصى وإذا تركها فقد بانت منه. فهو على أي الحالتين خاسر.
ومن هذا تعلم أنه إذا وطئها وهي حائض أو نفساء، فإنه يأثم، ولكن الإيلاء يسقط بذلك وتجب الكفارة، أو الجزاء.
هذا وإذا آلى من زوجته، ثم ارتد ولحق بدار الحرب بانت منه وسقط الإيلاء، لأن ملكه زال بلحوقه بدار الحرب مرتداً وبطل الإيلاء على الصحيح، وقيل: لا يبطل بحيث لو أسلم وتزوجها ثانياً رجع الإيلاء، والصحيح أنه لا يرجع.

يتبع

ابوالوليد المسلم 27-07-2022 06:07 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الإيلاء]
صـــــ 413 الى صــــــــ
430
الحلقة (221)

المالكية - قالوا: إذا حلف أن لا يقرب زوجته، على التفصيل المتقدم، ثم وطئها قبل مضي أربعة أشهر انحل الإيلاء ولزمه اليمين، فإن كان يميناً بالله لزمته الكفارة، وإن كان طلاقاً وقع الطلاق، وإن كان عتقاً لزمه الخ، فإن لم يطأها تنتظر له أربعة أشهر ويوماً لأن مدة الإيلاء لا بد أن تزيد على أربعة أشهر، ثم يكون لها الحق في أن ترفع أمرها إلى الحاكم ولو كانت صغيرة، بشرط أن تكون صالحة للوطء، فإن كانت مريضة أو بها علة تمنع الوطء من العلل المتقدمة في عيوب النساء، فإنه لا يكون لها الحق في الشكوى للحاكم، وإن كانت أمة يكون لها الحق في الشكوى لسيدها وعلى الحاكم أن يأمره بالفيئة، وهي تغييب الحشفة كلها في القبل، وإن كانت بكراً فلا فيء، إلا بإزالة البكارة، فمتى فعل ذلك معها انحل الإيلاء وحنث، فإن أمره الحاكم بالرجوع وامتنع أمره بأن يطلقها، فإن امتنع طلق عليه الحاكم طلقة واحدة رجعية، وقيل: لا يطلق الحاكم، بل يأمر الحاكم الزوجة أن تطلق نفسها ثم يحكم به، بمعنى أنه يسجله، كما تقدم في مسألة العنين، وقد تقدم توضيح ذلك في صحيفة 166، فارجع إليه، فإن لم يوجد حاكم فإنه تطلق عليه جماعة المسلمين ومتى صرح بالامتناع فإنه لا ينتظر مدة أخرى، أما إذا لم يمتنع، بأن وعد بالوطء فإن وفى بالوعد فذاك وإلا فيؤمر به مرة أخرى، فإن امتنع طلق عليه وإن وعد ترك ليفي بوعده وهكذا إلى ثلاث مرات، بشرط أن تكون الثلاث مرات في يوم واحد، ثم يؤمر بالطلاق، وإلا طلق القاضي عليه، أمرها بأن تطلق نفسها على القولين المذكورين، فإن ادعى الوطء وأنكرت كان القول له بيمينه، فإن حلف بقيت زوجة. وإن نكل حلفت هي، فإن حلفت بقي لها حقها المذكور، وإن نكلت بقيت زوجة وانحل الإيلاء ولا فرق في ذلك بين أن تكون بكراً، أو ثيباً.
وإذا آلى منها وهو مريض ثم مضت مدة الإيلاء، وهو عاجز عن وطئها، أو آلى منها ثم مضت مدة الإيلاء وهو محبوس لا يستطيع تخليص نفسه فإن لذلك حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون يمينه قابلة للانحلال قبل الحنث، وهي اليمين بالله والنذر المبهم الذي مخرجه كفارة اليمين فيصح فيهما التكفير قبل الحنث، فإذا قال: والله لا أطؤك ومضت أربعة شهور ويوم فإن لها الحق في مطالبته بأن يكفر عن يمينه، فإن أبى كان لها الحق في الطلاق، على الوجه المتقدم وكذا إذا قال: علي نذر إن وطئتك، فإن هذا نذر مبهم مخرجه كفارة اليمين، فإذا انقضت مدة الإيلاء وهو مريض، فلها الحق في مطالبته بإخراج كفارة يمين وينحل الإيلاء بإخراج الكفارة في الحالتين. ومثل المريض العاجز عن الوطء المحبوس الذي لا يستطيع الخلاص، أما المريض القادر على الوطء، والمحبوس القادر على الخلاص فإن فيئتهما بإيلاج الحشفة في قبل المرأة ويلحق بذلك ما إذا انحلت اليمين وهو عاجز عن الوطء، وتنحل اليمين بأمور:
منها ما إذا علق وطؤها على عتق عبده ثم زال ملكه منه، فإذا قال لها: إن وطئتك فعبدي هذا حر، فإنه يكون مولياً من وقت حلفه، فإذا وطئها عتق عليه العبد وإن امتنع عنها، ثم زال ملكه عن العبد بأن باعه أو مات العبد أو وهبه لغيره أو تصدق به فإن الإيلاء ينحل، وله وطء زوجته بدون أن يكون ليه شيء فإذا امتنع عن وطئها وهو قادر كان ذلك إضراراً بها، فإذا لم ترض به كان لها الحق في المطالبة بالطلاق على الوجه السابق، للاضرار بها، أما إذا كان مريضاً أو محبوساً فإن اليمين تنحل بمجرد أن يزول ملكه عن العبد المعلق عليه وليس لها الحق في مطالبته بالوطء إلا عند القدرة، لأن امتناعه في هذه الحالة يكون لعذر فلا مضاررة به فإذا عاد العبد إلى ملكه بغير إرث، كأن اشتراه ثانياً: أو وهبه له من اشتراه منه، فإن الإيلاء يعود إذا كان غير مقيد بوقت. وكان مقيداً بوقت بقي منه أكثر من أربعة أشهر مثلاً إذا قال لها إن وطئتك فعبدي حر، ثم باع العبد انحلت اليمين، وله وطؤها، فإذا اشترى العبد ثانياً كان مولياً بحيث لو وطئها عتق العبد عليه، وإن امتنع فعلى معه ما تقدم، وإذا قال لها إن وطئتك في مدة سنة فعبدي حر، ثم باع العبد انحلت اليمين، فإذا اشتراه ثانياً أو وهب له، فإن كان ذلك بعد مضي سبعة أشهر من تاريخ اليمين عاد الإيلاء ثانياً، لأنه قد بقي من السنة أشهر، وهي أكثر من مدة الإيلاء، وإن كان بعد مضي ثمانية أشهر فإن الإيلاء لا يعود، لأن المدة الباقية أقل من مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر ويوم، فإذا عاد إليه العبد بإرث فإن الإيلاء لا يعود على أي حال، لأنه دخل في ملكه بطريق جبري لا اختيار له فيه.
ومنها ما إذا علق طلاق زوجته فاطمة على وطء ضرتها، كما إذا قال: إن وطئتك فضرتك هند طالق، ثم امتنع عن وطئها مخافة أن تطلق ضرتها، ففي هذه الحالة يكون مولياً من زوجته فاطمة فإذا طلق هنداً الضرة طلاقاً بائناً بغير الثلاث انحل الإيلاء. وله وطء زوجته فاطمة كما يشاء، فإذا رجعت إليه هند ثانياً بعقد جديد عاد الإيلاء من فاطمة ثانياً، إلا إذا كان الإيلاء مؤقتاً بوقت وانقضت قبل عودتها، أما إذا طلق هنداً طلاقاً ثم تزوجت بغيره، وطلقت ورجعت إليه ثانياً فإن الإيلاء لا يعود.
هذا إذا طلق هنداً المحلوف بطلاقها، أما إذا طلق فاطمة المحلوف على وطئها ففي حكمها خلاف، فبعضهم يقول: إن حكمها كحكم هند، وإذا طلقها ثلاثاً وتزوجت بغيره وعادت إليه انحل الإيلاء وله وطؤها كما يشاء، وبعضهم يقول: إذا عادت لزوجها الأول بعد تطليقها ثلاثاً يعود الإيلاء كما كان ما لم تطلق هنداً.
والحاصل أنه إن علق طلاق إحدى الضرتين على وطء الأخرى، كما إذا قال: إن وطئت فاطمة، فهند طالق، فإن تحتها صورتين:
الصورة الأولى: أن يطلق هنداً بما دون الثلاث، وفي هذه الحالة ينحل الإيلاء وله وطء فاطمة. بشرط أن يتزوج بهند ثانياً، فإن تزوج بها عاد الإيلاء من فاطمة ثانياً، أما إن طلق هنداً ثلاثاً وتزوجت غيره وطلقها الزوج الثاني ورجعت للأول، فإن الإيلاء لا يعود.
الصورة الثانية: أن يطلق فاطمة المحلوف على وطئها. ثم يتزوجها ثانياً، وفي هذه الحالة إما إن يكون قد طلقها ثلاثاً وتزوجها بعد أن تزوجت رجلاً آخر وطلقها أو لا، فإن كان الأول فإن الإيلاء ينحل وله وطؤها بدون أن تطلق ضرتها على المعتمد، وقيل: لا ينحل وإن كان الثاني فإن إيلاءها لا ينحل باتفاق، فإذا كان المولي مريضاً وانقضت مدة الإيلاء وهو عاجز عن الوطء، ولكنه طلق هنداً ضرتها كان ذلك فيئة منه، وانحل الإيلاء، وليس لها أن تطالبه بعد ذلك بالوطء أو الطلاق.
الحالة الثانية: لإيلاء المريض العاجز عن الوطء والمحبوس أن يحلف على ترك وطئها يميناً غير قابل للانحلال قبل الحنث، كما إذا قال لها: إن وطئتك فأنت طالق واحدة أو ثنتين، وقد جاء لأجل وهو مريض، فإنه في هذه الحالة لا يمكنه حل الإيلاء بطلاقها طلقة واحدة. لأنه إن طلقها يقصد حل الإيلاء ثم وطئها، وقع عليه طلقتان: الطلاق الذي حلفه على أن لا يطأها والطلاق الثاني، لأن المطلقة رجعياً زوجة فطلاقها واحدة رجعية لم يخرجها عن الزوجيه، فلو طلقها من غير وطء حسب عليه طلاق، وإذا راجعها ووطئها وقع عليه الطلاق الأول، فلا فائدة حينئذ من حل الإيلاء، بل فيه ضرر، وهو نقصان عدد الطلقات، فإذا طلقها طلاقاً بائناً انحل اليمين، ولكن لا فائدة فيه، فتركها بدون وطء يترتب عليه تطليقها رجعياً، وهذا بائن، فالأولى عدمه، وحينئذ تكون فيئة المريض العاجز عن الوطء والمحبوس في هذه الحالة هي الوعد بالوطء بعد برئه، أو بعد خلاصه من السجن، ومتى وعد بذلك ارتفع حقها في الطلب بقدر، ومثل ذلك ما إذا علق على وطئها نذراً معيناً، كما قال لها: إن وطئتك، فعلي صوم شهر شعبان، وانقضت مدة الإيلاء، وهو مريض ولم يأت شعبان، فإن النذر في هذه الحالة لا يمكن أداؤه، فلا ينحل الإيلاء، فتكون فيئة بالوعد، وبذلك يتضح أن فيئة العاجز عن الوطء لمرض مؤقت أو سجن تكون بانحلال اليمين إذا كان يمكن إخراج الكفارة عنه قبل الحنث، ويكون بالوعد إذا لم يكن.
هذا ولا تحصل الفيئة بالوطء في الدبر ولا بين الفخذين، ولكنه إن فعل يحنث وتلزمه الكفارة إلا أن ينوي الوطء في الفرج فإنه لا يحنث بالوطء بين الفخذين، ولا تلزمه الكفارة ولكن لا تسقط مطالبتها بالوطء أو الطلاق بذلك على كل حال، وكذا لا تحصل الفيئة بالوطء المحرم، كما إذا وطئها وهي حائض أو نفساء ولكن يحنث به أيضاً، ولا تسقط مطالبتها إلا إذا أخرج الكفارة.
وإذا كان بها مانع من الوطء كصغر، ورتق، أو مرض لا يمكن معه وطؤها، فإن لها أن تطالب بالفيئة بمعنى الوعد بحيث يعدها بأن يطأها بعد زوال المانع منها.
هذا، ولا تحصل الفيئة في البكر إلا بإزالة بكارتها، وإذا آلى منها عاقل ثم جن ووطئها سقط حقها، وبقيت الكفارة، فلا يلزم به إلا بعد شفائه.
الشافعية - قالوا: قد ذكرنا في التعريف أن الإيلاء لا يتحقق إلا بأحد أمور ثلاثة: الأول: الحلف بالله أو صفه من صفاته. الثاني: تعليق الطلاق أو العتق ونحوه على الوطء، الثالث: التزام ما يصح التزامه من نذر، فأما الأول فحكمه أنه إذا حلف بالله أو صفه من صفاته ووطئها لزمته كفارة اليمين وسقط الإيلاء وأما الثاني فإنه إذا علق الطلاق أو العتق على الوطء، بأن قال: إن وطئتك فأنت طالق. أو إن وطئتك فعبدي فلان حر، ثم وطها وقع الطلاق وعتق العبد، وذلك لأنه قد علق الطلاق أو العتق على وطئها، فالوطء معلق عليه والطلاق أو العتق معلق، ومتى وقع المعلق عليه وقع المعلق، فإذا قال: إن وطئتك فعبدي فلان حر، ثم مات أو باعه أو وهبه لغيره، ووطئها فلا شيء عليه لانحلال الإيلاء بزوال ملك العبد. فإن عاد إلى ملكه ثانياً لم يعد الإيلاء، وأما الثالث فإنه يكون مخيراً بين أن يفعل ما التزمه وبين كفارة اليمين. فإن قال لها: إن وطئتك فلله علي حج، أو صدقة، أو صلاة، أو صوم، أو عتق، ثم وطئها كان بالخيار بين أن يفعل ما التزمه وبين كفارة اليمين.
ومما ينبغي التنبه له أن هناك فرقاً بين التعليق الصرف وبين التزام النذر، فلأول ما تقدم في قوله: إن وطئتك فعبدي حر، أو فأنت طالق، أما هنا فقد علق النذر، وإذا كان بالرجل أو بالمرأة مرض، وقال لها: إن وطئتك فلله علي صلاة أو صيام يريد بذلك إن شفاني الله وقدرت على وطئتك صليت له أو صمت له لم يكن ذلك إيلاءً، بل كان نذراً يلزمه أداؤه بوطئها، وإذا قال لها: إن وطئتك فعلي صوم شهر شعبان مثلاً، ومضى شهر شعبان قبل حلول مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر، سقط الإيلاء ولا يلزمه شيء بوطئها.
فهذا هو حكم الإيلاء في حال ما إذا وطئ زوجته، أما إذا أصر على حلفه ولم يطأها، فإنها يجب عليها أن تصبر له مدة أربعة أشهر ولحظة، ولو كانت هذه اللحظة يسيرة لا تسع رفع الأمر للقاضي، سواء كان الزوج حراً أو عبداً، فإذا انقضت هذه المدة وأصر على عدم الوطء كان لها الحق في رفع الأمر إلى القاضي مطالبة له بالرجوع إلى الوطء، والقاضي يأمره بالرجوع بدون مهلة إلا إذا طلب مهلة يتمكن فيها من الوطء، كما إذا كان لا يقدر على الوطء لجوع أو شبع وطلب مهلة يأكل فيها أو يهضم فإنه يجاب إلى ذلك. وكذا إذا كان صائماً رمضان وطلب مهلة حتى يفرغ النهار فإنه يجاب إلى ذلك فإن رجع ووفى بوطئها سقط الإيلاء ولزمه ما تقدم من كفارة ونحوها: وإن لم يوف وأصر على عدم وطئها طلق عليه القاضي وصورة طلاق القاضي أن يقول: أوقعت على فلانة طلقة عن فلان. أو طلقت فلانة عن فلان. أو يقول لها: أنت طالق عن فلان فإذا قال: أوقعت طلاق فلانة، أو طلقت فلانة، أو أنت طالق. ولم يقل: عن فلان فإن طلاقه لا يقع، لأن القاضي إنما يطلق عن الزوج، فإذا لم يذكر كلمة - عن - فلا يصح بل لا بد أن يقول: طلقت عن فلان، أو أوقعت عن فلان، أو حكمت بطلاقها عن فلان.
ومتى أمكن حضور الزوج أمام القاضي كان حضوره لازماً، فإذا شهد عدلان في غيبته بأنه آلى وأنه ممتنع بعد مضي المدة وطلق عنه القاضي فإن طلاقه لا يصح، نعم إذا تعذر حضوره، فإن طلاق القاضي يصح في غيبته، ثم إن طلاق القاضي يكون رجعياً بحيث لو زاد على واحدة رجعية لم تقع، فإذا كانت مدخولاً بها، أو لم تكن طلقت من قبل ثنتين، فلا يلزمه إلا واحدة رجعية، وإلا بأن كانت غير مدخول بها كانت الطلقة بائنة، كما لو طلقها زوجها، لأن غير المدخول بها لا عدة لها، فطلاقها الرجعي بائن، وكذا إذا كانت مدخولاً بها ولكن لم يبق لها سوى طلقة، فإنها تبين بها وهذا هو ظاهر.
وإذا طلق القاضي في غيبته ولم يعلم بالطلاق، وطلقها هو، وقع طلاقه وطلاق القاضي، وكذا لو طلقها معاً في آن واحد، أما إذا طلق الزوج أولاً، ثم طلق القاضي بعده فإن طلاق القاضي لا يقع وكذا إذا ثبت أنه وطئها قبل أن يطلق عليه القاضي، فإن طلاق القاضي لا يقع.
والوطء الذي تحصل به الفيئة بالنسبة إلى الثيب إيلاج الحشفة، أو قدرها من مقطوعها في فرج الزوجة، وبالنسبة إلى البكر إزالة بكارتها، ويشترط له ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون في القبل لا في الدبر، فإذا أولج في دبر الزوجة فإن الفيئة الشرعية لا تحصل، نعم تنحل اليمين ويلزمه الكفارة ونحوها بهذا الفعل، وتسقط مطالبة المرأة بالوطء متى مكنته من ذلك، ولكن لا يرتفع عنه إثم الإيلاء إلا بالوطء في القبل. فها هنا ثلاثة أمور: الأول: الفيئة الشرعية، أي الرجوع إلى وطء زوجته وطئاً يرفع عنها الضرر ويرفع عنه الإثم وهذا لا يتحقق إلا بالوطء في القبل، أي إيلاج الحشفة، أو افتضاض البكر. الثاني: انحلال اليمين ولزوم الكفارة، وهذا يحصل بالوطء في الدبر ما لم يكن مقيداً بالوطء في القبل، بأن قال: والله لا أطؤك في قبلك، فإنه في هذه الحالة إذا وطئها في الدبر لا يحنث ولا تلزمه الكفارة. الثالث: مطالبة الزوجة بالوطء أو الطلاق وهذا يسقط بالإيلاج في الدبر، فقولهم: إن الفيئة لا تحصل بالوطء في الدبر لا يلزم منه عدم الحنث وسقوط حق المرأة في المطالبة، فإنك قد عرفت أن الفيئة الشرعية لا تتحقق، ومع ذلك يحنث في يمينه وتسقط مطالبتها، فلا منافاة على التحقيق وبعضهم يقول: إن اليمين لا تنحل بالوطء في الدبر، فلو قال: والله لا أطؤك ثم وطئها في الدبر لا يلزمه الكفارة، وهذا غير ظاهر، لأن الإتيان في الدبر وطء كما لا يخفى.
الشرط الثاني: أن يكون مختاراً فلا تحصل الفيئة بالإكراه، فإذا أكره على وطء زوجته بالضرب ونحوه فإن الفيئة الشرعية لا تحصل بذلك الوطء ولا يقع عنه الإثم به، ولكن يسقط حقها في المطالبة بلا كلام، ولا ينحل اليمين على التحقيق فلا تلزمه الكفارة بهذا الفعل، لأنه يعتبر كالعدم، فالوطء بالإكراه لا يترتب عليه إلا سقوط حقه في المطالبة فقط.
الشرط الثالث: أن لا يكون ناسياً فإذا وطئها ناسياً سقط حقها ولا تلزمه كفارة، ولا يرتفع عنه الاثم كما في المكره.
فتحصل أن الفيئة الشرعية التي يرتفع بها الإثم والضرر، وتوجب الكفارة ونحوها من طلاق وعتق ونذر، وتسقط بها مطالبة المرأة باتفاق، هي التي تكون في القبل حال الاختيار والعمد، أما الوطء في الدبر فتسقط به المطالبة ويوجب الكفارة ونحوها، ولا يرتفع به الاثم والوطء حال الإكراه والنسيان فلا يرتفع به الإثم ولا يوجب الكفارة، ولكن تسقط به مطالبة المرأة.
هذا، ويسقط حقها في المطالبة أيضاً إذا كان بها مانع يمنع من الوطء حتى يزول ذلك المانع، كما إذا كانت حائضاً أو نفساء، أو كانت مريضة أو صغيرة لا تطيق الوطء، وإن كان المانع قائماً بالزوج، فلا يخلو إما أن يكون طبيعياً، كالمرض الذي يرجى برؤه، وإما أن يكون شرعياً فإن كان طبيعياً، كما إذا كان مريضاً لا يستطيع الوطء، فإن فيئته تكون بالوعد، كأن يقول لها إذا قدرت وطئتك، وإن كان شرعياً، كما إذا كان محرماً للنسك، فإن كان قد قرب من التحلل بحيث لم يبق عليه سوى ثلاثة أيام فأقل، فإنه يمهل حتى يتحلل، وإن كان أكثر فإنه لا يمهل، ولها المطالبة بالطلاق، كذا إذا كان المانع صيام فرض، فإن لها أن تطالب بالطلاق ولا يمنعه صيامه من المطالبة، لما عرفت من أنه إذا طلب مهلة للفيء بإزالة الجوع والشبع وفراغ الصوم ونحو ذلك فإنه يجاب إلى طلبه، فإذا وعد بالرجوع بعد فراغ الصوم فإنه يصح، وتحسب المدة من تاريخ الإيلاء بشروط ثلاثة:
الأول: أن يرتد أحدهما، فإن آلى من زوجته ثم ارتد هو أو هي، فلا يخلو إما أن تكون الزوجة مدخولاً بها - والمراد بالدخول الوطء ولو في الدبر - أو تكون غير مدخول بها، فإن كانت غير مدخول بها انقطع النكاح بينهما بمجرد الردة، فلا إيلاء بينهما، وإن كانت مدخولاً بها فإن النكاح بينهما لم ينقطع. بل يوقف حتى إذا أسلم المرتد منهما قبل انقضاء العدة عاد النكاح فيعتبر الإيلاء منها في هذه الحالة، فإذا فرض وكان الزوج المولي هو المرتد ثم أسلم قبل انقضاء عدة زوجته عاد النكاح بينهما لأن لا تبين منه إلا إذا انقضت عدتها فلا ينقطع النكاح بينهما وفي هذه الحالة لا يحسب شيء في زمن الردة من مدة الإيلاء، قليلاً كان، أو كثيراً، حتى ولو مضت كلها، فإذا كانت زوجته حاملاً وآلى منها ثم ارتد ومكث أربعة أشهر ولحظة، وهو مرتد، ثم تاب قبل أن تضع الحمل عاد النكاح بينهما، وبقي الإيلاء، ولكن تلغى المدة التي كان فيها مرتداً، وهي الأربعة أشهر ولحظة كلها، وتستأنف مدة جديدة من وقت توبته، لأن الردة أحدثت خللاً في النكاح.
الثاني: أن لا يقوم بالزوجة مانع من الوطء، سواء كان حسياً، كمرض وصغر وجنون. أو كان شرعياً، كنشوز وصيام فرض وإحرام، وليس من المانع الشرعي الحيض، لأن المدة لا تخلو عنه، ويلحق به النفاس أيضاً فلا يعتبر مانعاً، فإذا قام بالزوجة مانع حسي أو شرعي غير الحيض والنفاس، فإنه يقطع المدة الماضية وتحسب المدة من وقت زواله، فإذا آلى منها ومضى شهر مثلاً، ثم مرضت مرضاً لا تستطيع معه الوطء ألغي ذلك الشهر مع مدة مرضها، وتحسب المدة من ابتداء شفائها، أما إذا آلى منها وانقضت مدة الإيلاء كلها ثم مرضت عقبها مباشرة بدون أن ترفع أمرها للقاضي، فإن المرض لا يلغي المدة كلها، بخلاف الردة، فإنها تلغي المدة كلها.
هذا ولا يعتبر المانع الشرعي إذا كان من قبل الزوج، كما تقدم، وكذلك المانع الطبيعي، إلا أن فيئته تكون بالوعد، وإذا كانت الزوجة صائمة صيام نفل أو محرمة إحرام عمرة، فإنه لا يكون مانعاً لأن للزوج إبطال نفلها بالوطء.
الثالث: أن يكون مولياً من مطلقة طلاقاً رجعياً، فإذا آلى من مطلقته طلاقاً رجعياً، فإن مدة الإيلاء تحسب من وقت رجعتها لا من وقت حلف اليمين، وذلك لأنه قبل رجعتها لا يحل له وطؤها فلا يعتبر مولياً منها إلا من حين رجعتها التي تجيز له وطؤها.
الحنابلة - قالوا: حكم الإيلاء هو أنه حلف بالله أو بصفة من صفاته على أن لا يطأها ثم وطئها، فإنه يحنث في يمينه ولزمته الكفارة، وإلا انتظرت أربعة أشهر، فإن لم يطأها بعد مضي الأربعة أشهر كان لها الحق في رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بالفيئة - بكسر الفاء - وهي الجماع، وسمي الجماع فيئة، لأنه رجوع إلى فعل تركه بالحلف، مأخوذ من الفيء وهو الظل بعد الزوال، وسمي الظل فيئاً، لأنه رجع من المغرب إلى المشرق، فإن أبى أن يجامعها أمره الحاكم بالطلاق، فإن لم يطلق طلق الحاكم عليه واحدة أو اثنين أو ثلاثاً، لأن الحاكم قائم مقام الزوج في هذه الحالة، فهو يملك الطلقات الثلاث، إلا أن إيقاع الثلاث بكلمات واحدة حرام، فلا يحل للحاكم أن يفعله، كما لا يحل للرجل، وإذا قال الحاكم: فسخت نكاحها فإنه يصح، ويكون ذلك فسخاً لا طلاقاً، ومثل ذلك ما إذا قال: فرقت بينكما، وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق إلا إذا طلبت المرأة منه ذلك، فإذا قالت له: مره بطلاقي أمره، ثم إن أمره ولم يطلق فليس للحاكم أن يطلق إلا إذا قالت له الزوجة: طلقني وإذا طلق الزوج أو الحاكم المدخول بها طلقة واحدة رجعية كان للزوج الحق في رجعتها ما دامت في العدة.
وأقل الوطء الذي تتحقق به الفيئة، هو أن يولج حشفة ذكره كلها أو قدرها إذا لم تكن له حشفة في قبل المرأة لا في دبرها، ولا يشترط أن يكون عاقلاً عامداً مختاراً، فلو أكره على ذلك أو كان ناسياً، أو نائماً وأدخلت ذكره، أو كان مجنوناً وأولج فيها فإن حقها في المطالبة يسقط بحيث لو لم يطأها بعد ذلك ومضت مدة الإيلاء لم يكن لها الحق في المطالبة بالطلاق، ولكن لا تحنث بهذا فلا كفارة عليه، لأن فعل المكروه والناسي، والمجنون، كالعدم بالنسبة للحنث، وإذا أولج في دبرها فإن مطالبتها لا تسقط به ولا تجب به الكفارة، لأن حد الإيلاء هو الحلف على ترك الوطء في القبل خاصة، والرجوع عن ذلك لا يتحقق إلا بالوطء فيه. فإذا وطئها في القبل، وكانت حائضاً أو نفساء أو كانت صائمة صيام الفرض، فقد انحلت يمينه وسقط حقها في المطالبة. وإن كان آثماً، فإذا جامعها كرهاً جماعاً محرماً لم يسقط حقها، وإذا مضت المدة وأعفته من الشكاية للحاكم سقط حقها، لأنها تملكه، وقد أعفته عنه، فإن كان المولي معذوراً بعد مضي المدة، بأن كان مريضاً، أو مسجوناً، فإن فيئته تكون بالوعد، كأن يقول: إني أطؤها متى قدرت، وإذا ادعت انقضاء المدة وادعى عدم انقضائها، سمع قوله بيمينه، فإذا نكل عن اليمين فلا يقضي عليه، وإن ادعى أنه أصابها وأنكرت، فإن كانت ثيباً فالقول قوله بيمينه، وإن كانت بكراً فإن شهدت امرأة خبيرة بإزالة بكارتها فالقول قول الزوج بيمينه لأن البينة عضدته، وإلا فالقول قولها بيمينها، إذ لو وطئها لزالت بكارتها، وإذا لم تشهد بينة بإزالة البكارة وعدمها، فالقول قوله بيمينه.
هذا إذا حلف بالله أو بصفة من صفاته، أما إذا علق الطلاق أو العتق على وطئها، أو التزم بنذر فإنه لا يكون مولياً كما عرفت، ولكنه إن وطئها بأن أولج الحشفة في داخل القبل وقع عليه الطلاق ولزمه العتق والنذر، كالحلف بذلك على ترك الأكل والشرب، وإن لم يطأها وأصر على تنفيذ يمينه كان لها الحق في رفع أمره إلى الحاكم ليطلب منه تطليقها أو يطلقها هو عليه، ولكن لا يكون طلاقها من أجل الإيلاء بل لرفع الضرر عن الزوجة كما تقدم. وتحسب المدة وقت الإيلاء بشرطين:
الشرط الأول: أن لا يوجد مانع من قبل الزوجة، سواء كان المانع طبيعياً، كما إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء، أو كانت مريضة أو مجنونة لا تخضع لزوجها، أو كانت مغمى عليها، أو كان المانع شرعياً، كما إذا كانت صائمة صيام الفرض أو معتكفة أعتكاف الفرض، أو متلبسة بالإحرام للنسك، أو كانت ناشة، أو كانت نفساء، ويلحق بذلك ما إذا كانت محبوسة فإن وجد مانع من هذه الموانع حال الحلف بترك وطئها فإن مدة الإيلاء تبتدئ من حين زواله، وإن طرأ المانع بعد الحلف، فإن في ذلك تفصيلاً، وهو أنه إن كان قد حلف أن لا يطأها مدة ستة أشهر مثلاً، ثم مضى منها شهر ونصف شهر ووضعت حملها فصارت نفساء، فإن النفاس يقطع المدة التي تقدمت، وهي الشهر ونصف وتبتدئ مدة جديدة تحسب من تاريخ زوال نفاسها وذلك لأن المدة الباقية أربعة أشهر ونصف وهي أكثر من المدة المضروبة للمولي، فالإيلاء في هذه الحالة لا يبطل، أما إذا صارت نفساء بعد مضي ثلاثة أشهر، فإن الإيلاء يبطل، لأن الباقي من المدة التي حلف عليها ثلاثة أشهر، وهي أقل من مدة الإيلاء، إذا لو فرض وحلف من زوال النفاس على أن لا يقربها في هذه المدة وهي ثلاثة أشهر لم يكن مولياً.
هذا، ولا يحسب الحيض مانعاً يسقط المدة، سواء كان في أول مدة الإيلاء أو في أثنائها، أما إذا كان المانع من جهة الزوج، سواء كان طبيعياً أو شرعياً، كمرضه، وحبسه، وإحرامه وصيامه رمضان فإنه يحسب عليه، ولا يطرح من مدة الإيلاء، سواء كان موجوداً حال الحلف أو طرأ عليه.
الشرط الثاني: أن لا يرتد الزوجان أو أحدهما، فإذا آلى منها قبل الدخول بها، ثم ارتد أو ارتدت انقطع النكاح بينهما وبطل الإيلاء، وإذا آلى منها بعد الدخول، فإن مدة الردة كلها لا تحسب من الإيلاء، مثلاً إذا آلى منها، ثم ارتد ثم أسلم وهي في العدة قبل أن تبين منه فإن المدة التي كان فيها مرتداً لا تحسب من الإيلاء بل تحسب المدة من تاريخ إسلامه. ومثل ذلك ما إذا كانت المرتدة المرأة.
هذا، وينقطع الإيلاء بأمور: أحدهما أن يطلقها في نظير عوض أثناء مدة الإيلاء فإذا حلف أن لا يقربها خمسة أشهر ثم طلقها في نظير عوض مالي أو طلقها طلاقاً ثلاثاً، فإن الإيلاء يسقط فإن تزوجها ثانياً فإن الإيلاء لا يعود إلا إذا كان الباقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر. أما إذا بقي منها أربعة أشهر فأقل فإن الإيلاء لا يعود. وعلى هذا إذا حلف لا يطأ امرأته المدخول بها ستة أشهر أبانها بالخلع بعد مضي شهرين. ثم مكثت بعد إبانتها شهراً وعادت له فإن الإيلاء لا يعود. ثانياً أن يولي منها ثم يزيد بعد شهر، وتظل مرتدة حتى تنقضي عدتها فتبين منه بذلك، فإن الإيلاء يسقط بالإبانة، فإذا بانت وتزوجها ثانياً، فإن الإيلاء لا يعود إلا إذا كان باقياً على المدة أكثر من أربعة أشهر، كما ذكرنا، ومثل ذلك ما إذا بانت بفسخ النكاح أو أسلم أحد الزوجين الكافرين، فإذا آلى اليهودي مثلاً من زوجته، فإن إيلاءه يصح، فإذا أسلم في أثناء مدة الإيلاء بانت منه زوجته وانقطع الإيلاء فإذا أسلمت قبل انقضاء عدتها عادت له، ثم إن كان الباقي من زمن الإيلاء أكثر من أربعة أشهر رجع الإيلاء وإلا سقط. ثالثها: أن يحلف أن لا يطأ زوجته مدة خمسة أشهر مثلاً، ثم يطلقها بعد مضي شهر طلقة رجعية ثم تنقضي عدتها بعد شهر ونصف مثلاً فتبين منه بانقضاء العدة وتنقطع مدة الإيلاء.
فإن تزوجها بعد ذلك فإن الإيلاء لا يعود لأنه لم يبقى سوى شهرين ونصف، والإيفاء لا يعود إلا إذا كان الباقي أكثر من أربعة أشهر، وعلى هذا القياس فإذا حلف أن لا يطأها بعد مضي ثلاثة أشهر من الخمسة، ثم طلقها طلاقاً رجعياً، ولم تنقض عدتها في نهاية الشهر الرابع التي تنقضي به مدة الإيلاء، فإن لها الحق في المطالبة بالوطء أو بتطليقها على الوجه السابق، كما لو كانت زوجة بلا فرق، لأن المطلقة رجعياً زوجة) .


ابوالوليد المسلم 20-08-2022 09:05 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الظهار]
صـــــ 431 الى صــــــــ
443

الحلقة (221)


مباحث الظهار
تعريفه وحكمه. ودليله
-معنى الظهار في اللغة، هو أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ويظهر أنه مأخوذ من الظهر تشبيهاً للمرأة بالمركوب على ظهره، لأن الرجل يركبها حين يغشاها، وإن كان ركوبها على بطنها لا على ظهرها، لأن الغرض تشبيهها بالمركوب في الجملة، وعلى كل حال فحقيقة الظهار في اللغة هي أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، وإذا قال لها ذلك فقد حرمت عليه مؤبدة، كما تحرم على غيره، ولما جاء الدين الإسلامي لم يبطل ما كان عليه الناس إلا بوحي. فما كان من أقوالهم وأفعالهم حسناً أقره الله، وما كان قبيحاً نهى الله عنه، وما كان محتاجاً إلى تهذيب هذبه الله.
فالظهار كان مستعملاً في تحريم وطء الزوجة في الجاهلية، وكان حكمه تأبيد التحريم على الزوج وعلى غيره. ولكن الشريعة الإسلامية جعلت له حكماً أخروياً، وحكماً قي الدنيا، فأما حكمه الأخروي فهو الاثم، فمن قاله فقد أثم، وأما حكمه الدنيوي فهو تحريم وطء المرأة حتى يخرج كفارة تأديباً له وتغليظاً عليه، وسيأتي بيان الكفارة.
فيجب على المسلمين أن يفهموا جيداً ما انطوت عليه هذه الكلمة من مساوئ، فلا يقدموا عليها، إذ ليس من الدين أن يغضب الرجل فيقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي، أو مثل أمي أو مثل أختي، أو نحو ذلك، مما سيأتي، لأن هذه اللفظة يترتب عليها معصية الله تعالى وعقابه الأخروي، كما يترتب عليها ندم بأداء الكفارة الشاقة على أن في معنى الظهار شرعاً تفصيل المذاهب (1) .
أما دليله: فهو قوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً} فهذا هو دليل حكمه الأخروي. فقد وصفه الله بأنه منكر وزور، أما دليله الدنيوي، فقوله بعد هذه الآية: {والذين يظاهرون منكم من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} الآيات، فهذا دليل حكمه الدنيوي.
وبذلك تعلم أنه لا منافاة بين كونه منكراً من القول. وبين كونه يترتب عليه تحريم المرأة مؤقتاً حتى يخرج الكفارة، لأن الكفارة جزاء على عصيان الله، وتحريم المرأة مؤقتاً تأديب له، وفي ذلك زجر شديد للمؤمنين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
هذا، وقد روي أن سبب تشريع حكم الظهار، هو أن خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت رآها زوجها وهي تصلي، فلما سلمت راودها، فأبت، فغضب فظاهر منها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب في فلما خلا سني ونثرت بطني - أي كثرت أولادي - جعلني كأمه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عندي في أمرك شيء" لأن الله لم يوح إليه بإبطال ما كانوا عليه بشأن الظهار، فتألمت لذلك وشكت إلى الله، وقالت له: يا رسول الله إن لي صبية صغاراً، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فأعاد عليها قوله، فكانت كلما قال لها ذلك تهتف وتقول: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي فنزل قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير. الذين يظاهرون منكم من نسائهم} الآيات.
أركان الظهار وشروطه
-أركان الظهار، أربعة مظاهر، وهو الزوج. ومظاهر منها، وهي الزوجة ومشبه به، وصيغة. ولكل منها شروط مفصلة في المذاهب (2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: الظهار هو تشبيه المسلم زوجته. أو تشبيه ما يعبر به عنها من أعضائها أو تشبيه جزء شائع منها بمحرم عليه تأبيداً بوصف لا يمكن زواله.
ومعناه إجمالاً أن حقيقة الظهار الشرعية هي صيغة الظهار المشتملة على تشبيه الزوجة بالأم ونحوها من المحرمات. أو تشبيه جزء يعبر به عن المرأة كالرأس والعنق أو جزء شائع كالنصف والثلث، فقوله: تشبيه خرج عنه ما ليس تشبيهاً، فإذا قال لها: أنت أمي أو أختي بدون تشبيه، فإنه لا يكون ظهاراً، ولو نوى به الظهار. وهو عام يشمل التشبيه الصريح والتشبيه الضمني فالصريح أن يقول: أنت علي كظهر أمي، أو كأمي، أو نحو ذلك والضمني كأن يشبه زوجته بامرأة ظاهر منها زوجها، بأن يقول لها: أنت علي مثل فلانة، وهو ينوي بذلك الظهار فإنه وإن لم يذكر الظهار صريحاً، ولكن ذكره ضمنياً، ومثل ذلك ما إذا كان له زوجتان فظاهر من إحداهن ثم قال للأخرى: أنت علي مثل فلانة أو أشركتك معها ناوياً الظهار فإنه يكون مظاهراً، لأن ذلك متضمن - أنت علي كظهر أمي - وشمل أيضاً التشبيه المنجز والمعلق، ولو على مشيئتها، كأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت وكذلك المؤقت، كأن يقول لها أنت علي كظهر أمي شهراً. أو أسبوعاً، فإنه يصح، ويكون ظهاراً تجب به الكفارة عند العزم على وطئها في ذلك الوقت. وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي شهر رجب كله، وشهر رمضان كله فإنه يصح، وإذا عزم على وطئها في شهر رجب، فإنه يجب عليه أن يخرج الكفارة أولاً، فإذا فعل أجزأته هذه الكفارة عن كفارة شهر رمضان، وإذا لم يعزم على وطئها في شهر رجب وعزم على وطئها في شهر شعبان فإن إخراج الكفارة لا تجزئه، وذلك لأنه ليس مظاهراً منها في شعبان، فله وطؤها بدون كفارة والكفارة إنما تجب لاستباحة الوطء الممنوع شرعاً عند العزم عليه. فلا تجب قبل العزم على ذلك الوطء.
وقد عرفت أن الوطء في شعبان مباح لا ممنوع، فلا تجب له كفارة، أما إذا أخرجها عند العزم في رمضان فإنها تجزئ عن رجب ورمضان من باب أولى، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إلا يوم الجمعة، فإنه إذا عزم على وطئها في يوم غير يوم الجمعة وجبت عليه الكفارة فإذا أخرجها يوم الجمعة لا تجزئه، لأن يوم الجمعة يباح له فيه وطؤها بدون كفارة، وإذا قال لها أنت علي كظهر أمي إن سافرت إلى بلدة أبيك، وسافرت لزمته الكفارة عند العزم على الوطء فإذا قال لها: كلنا سافرت، تعددت الكفارة بعدد مرات سفرها، وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي كل يوم فلا يلزمه إلا كفارة واحدة، وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي في كل يوم وجبت عليه كل يوم يعزم فيه على وطئها كفارة، ولكن إذا وطئها ليلاً جاز ولا كفارة عليه: لأن اليوم الشرعي هو النهار لا الليل.
وقوله: المسلم خرج به الذمي، فلا يصح ظهاره، وإن كان يصح طلاقه وإيلاؤه، ولكن لا يصح ظهاره، وذلك لأن الظهار يوجب تحريم الزوجة قبل الكفارة، والذمي لا كفارة عليه، لأنه ليس أهلاً للكفارة، وقد يقال: إنكم قلتم: إن إيلاء الذمي يصح فيما إذا حلف بالله، ولكن لا تجب عليه الكفارة، فلماذا لا يلزمه الظهار وتسقط عنه الكفارة؟ والجواب: أنه في حال الإيلاء منع نفسه من إتيان امرأته باليمين، فإذا لم يأتها حتى مضت مدة الإيلاء بانت منه رفعاً للضرر عنها، أما وطؤها بعد الحلف فلا شيء عليه، أما هنا فقد منع وطؤها من قبل الشارع إلا إذا أدى الكفارة عليه فلا معنى لصحة ظهاره.
وقوله: زوجته يشمل ما إذا كانت الزوجة أمة فإن الظهار يصح منها أما إذا كانت مملوكة فلا يصح الظهار منها: وكذا إذا كانت أجنبية إلا إذا أضافه إلى الملك، أو سبب الملك ومثال الأول: أن يقول لها: إن أصبحت أو صرت زوجة لي فأنت علي كظهر أمي. ومثال الثاني: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي. فإن الزواج سبب لملك الزوجة، وإذا قال لها: إن تزوجتك فأنت علي ظهر أمي مرة فإنه إن تزوجها يجب عليه في كل مرة يعزم فيها وطئها كفارة حتى يخرج مائة كفارة وكذا إذا عدد مائة مرة، فإنه يجب عليه مائة كفارة من باب أولى.
وقوله: تشبيه المسلم زوجته خرج به تشبيه المسلمة زوجها، فلو قالت له: أنت علي كظهر أبي أو كظهر أمي. أو أنا عليك كظهر أمك كان لغواً من القول لا قيمة له، لأنها لا تملك التحريم، وبعضهم يقول: يصح ظهارها وعليها الكفارة إن مكنته من نفسها والأول هو المعتمد، وكذا يشمل الزوجة الكتابية. والصغيرة والمجنونة، والرتقاء، والمدخول بها وغير المدخول بها، فإن كلهن يصح الظهار منهن كما يصح الظهار من المطلقة رجعياً، لأنها زوجة، أما البائنة فلا يصح الظهار منها، ولو كانت في العدة.
وقوله: بمحرم عليه، أي بجزء محرم عليه من الأجزاء التي لا يصح له النظر إليها، كظهر أمه أو بطنها، أو فرجها، وكذا سائر المحرمات عليه من الرضاع، أو من النسب، أو المصاهرة، فلو قال لها: أنت كظهر حماتي، أو كظهر بنتك، كظهر أختي فلانة من الرضاع فإن الظهار يصح وكما يصح التشبيه بجزء يحرم النظر إليه، فإنه يصح بالكل، كما إذا قال لها: أنت علي كأمي، وأختي لأنه فيه الظهر وزيادة، ولكن لا يكون ظهاراً إلا إذا نوى به الظهار، فهو كناية في الظهار وقولنا بجزء محرم، أي أن التشبيه لا بد أن يكون بجزء يحرم النظر إليه، فلو قال لها: أنت علي كرأس أمي. أو رجل أمي فإنه لا يكون ظهاراً. نعم يصح أن يكون المشبه جزءاً لا يحرم النظر إليه كما إذا قال: رأسك علي كظهر أمي، ويشترط أن يكون التشبيه بجزء امرأة، أو بجميع امرأة محرمه تحريماً مؤبداً كالأم، والأخت نسباً ورضاعاً وكالحماة، وبنت الزوجة، فإن قال: أنت علي كظهر أختك فإن الظهار لا يصح، لأن أختها ليست محرمة عليه حرمة مؤبدة، إذ يصح له أن يتزوجها بعد تطليق أختها، وقولنا بجزء امرأة خرج به التشبيه بجزء رجل. كما إذا قال: أنت علي كفرج أبي أو أخي فإنه لا يكون بذلك مظاهراً على المعتمد.
المالكية - قالوا: الظهار تشبيه المسلم المكلف من تحل أو جزءها بظهر محرم أو جزئه أو كظهر أجنبية، فقوله: تشبيه المراد به اللفظ المشتمل على التشبيه، سواء كانت أداة التشبيه الذكورة أو لا. والأول كما إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي، والثاني كما إذا قال لها: أنت على أمي، فإذا قال لها: أنت أمي بحذف أداة التشبيه كان مظهراً، إلا أن ينوي به الطلاق فإن نوى به الطلاق كان طلاقاً بائناً، أما إذا ناداها بقوله: يا أمي أو يا أختي فإنه لا يكون مظاهراً، ولكن إذا نوى به الطلاق عد طلاقاً، وقوله المسلم، والمراد به الزوج. أو السيد، فإنه يظاهر من عبده، خرج به الكافر، فإن ظاهر ثم أسلم فإن الظهار لا يلزمه كما لا يلزمه الطلاق أو العتق، أو الصدقة، أو النذر، وإنما قال: المسلم، ولم يقل المسلمة لأن تشبيه المسلمة زوجها ليس بظهار، فإذا قالت له: أنت علي كظهر أبي. أو أمي كان ذلك لغواً. فلا يلزمها كفارة ظهار ولا كفارة يمين، وإذا جعل أمرها بيدها فقالت: أنا عليك كظهر أمي لم يلزمه ظهار، لأن الكفارة غرم.
وقوله: الملكف خرج به الصبي، والمجنون والمكره والسكران بسكر حلال، أما السكران بحرام فإنه يلزمه الظهار كما يلزمه الطلاق، وقوله: من تحل المراد بها الزوجة، والأمة، لأن الأمة يصح الظهار منها، فإن قلت: إن هذا القيد يفيد عدم صحة الظهار من الحائض، والنفساء، والمتلبسة بالإحرام لأنها لا تحل في هذه الحالة، والجواب: أن المراد من تحل بحسب ذاتها، وتحريمها في هذه الأحوال لعارض زائل، فإذا قال لزوجته الحائض: أنت علي كظهر أمي لزمه الظهار، وقوله أجزاءها شمل الجزء الحقيقي من يد ورأس وغيرها. والجزء الحكمي من شعر، وريق فإنه في حكم الجزء لا لتصاقه بالبدن فإذا قال: رأسك علي كرأس أمي، أو قدها، أو قال: شعرك كان ذلك ظهاراً.
وقوله: بظهر محرم أو جزئه - بفتح الميم والراء مخففة - المراد بها محارمه التي لا يحل له زواجها ومعناه أن الظهار كما يكون بتشبيه زوجته أو جزئها بظهر واحدة من محارمه يكون كذلك بأي جزء من أجزائها. وقوله: أو ظهر أجنبية، أي تشبيه زوجته أو أمته، أو جزئها بظهر الأجنبية خاصة فإذا
قال لزوجته: أنت علي كظهر فلانة الأجنبية كان مظاهراً منها. أما إذا قال لها: أنت علي كرأسها أو يدها، أو غير ذلك من باقي أجزائها فإنه لا يكون مظاهراً فتحصل من هذا أربع صور:
الصورة الأولى: تشبيه كل زوجته، أو كل أمته بكل واحدة من محارمه. كأن يقول لها: أنت علي كأمي، أو كأختي أو أختي إذا لم ينو به الطلاق.
الصورة الثانية: تشبيه كل زوجته، أو أمته بجزء واحدة من محارمه. كأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، أو رأسها أو نحو ذلك من باقي أجزاء بدنها.
الصورة الثالثة: تشبيه جزء زوجته، أو أمته بكل محرمة عليه، كأن يقول: ظهرك علي كأمي ومثل ذلك ما إذا قال: رأسك أو ريقك، أو نحو ذلك.
الصورة الرابعة: أن يشبه جزء أمته بجزء محرمة عليه، كأن يقول: رأسك، أو ظهرك كرأس أمي، فإذا شبه بأجنبية محرمة عليه فإنه لا يكون مظاهراً إلا إذا شبه بظهرها خاصة كأن يقول لها: أنت علي كظهر فلانة. ولا بد أن تكون المشبهة بها محرمة عليه بطريق الأصالة، فلو قال لها: أنت محرمة علي كضرتك النفساء فإنه لا يكون ظهاراً
الشافعية - قالوا: الظهار تشبيه الزوج زوجته في الحرمة بمحرمة. فقوله: تشبيه الزوج، المراد بالزوج كل من يصح طلاقه، فيشمل العبد، والكافر، فإنه يصح ظهاره. خلافاً للحنفية والمالكية علي التفصيل المتقدم في مذهبهما، ووفاقاً للحنابلة الذين يقولون: أن الظهار يصح من الكافر، كما ستعرفه في مذهبهم، وكذلك يشمل الخصي والمجبوب والسكران، فإن ظهارهم يصح، خرج بالزوج ما ليس بزوج، فلو قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي لم يكن ذلك ظهاراً، حتى ولو تزوجها، وخرج بقولنا: من يصح طلاقه الصبي، والمجنون، والمكره فإن ظهارهم لا يصح. كما لا يصح طلاقهم.
وقوله: زوجته، المراد بها منعقد عليها عقد نكاح صحيح، سواء كانت بالغة، أو صغيرة أو مجنونة، أو مريضة، أو رتقاء، أو قرناء، أو كافرة، أو مطلقة طلاقاً رجعياً لا طلاقاً بائناً فإن كلهن يصح منهن الظهار، وخرج به الأجنبية، كما ذكرنا، ومثلها الأمة. فإنه لا يصح الظهار منها، خلافاً للمالكية والحنفية، وقوله: بمحرمة، المراد بالمحرم كل أنثى لا يحل نكاحها بسبب النسب أو الرضاع أو المصاهرة، ولا فرق بين أن يشبه بها كلها أو يشبه بجزء منها. فلو شبه بجزء ذكر محرم، أو بكله فإنه لا يكون ظهاراً، وكذا إذا شبه بخنثى مشكل ويشترط أن يكون التحريم أصلياً لا عارضاً، فلو قال لها: أنت علي كزوجة ابني، أو كظهرها لا يكون مظاهراً، لأن زوجة ابنه كانت حلالاً له قبل أن يتزوجها ابنه، ومثل ذلك إذا قال لها: أنت علي كزوجتي التي حرمت منه باللعان، فإن تحريمها عارض.
ومثال التشبيه بالكل أنت علي، أو امرأتي، أو هذه كظهر أمي أو كجسمها، أو يدها، أو شعرها أو ظفرها أو نحو ذلك من الأجزاء الظاهرة، أما الأجزاء الباطنة، كالكبد والقلب فلا يكون ظهاراً لا في
المشبه، ولا المشبه به وخرج بالأجزاء الفضالات، فإنه لا يصح بها الظهار كالمني، واللبن والريق، فإن كل ذلك لا يكون ظهاراً لا صريحاً ولا كناية والظهار بهذه الألفاظ صريح، أما الكناية، فهي أن يقول: أنت كأمي، أو كعينها أو نحو ذلك فإنه يكون ظهاراً بالنية.
الحنابلة - قالوا: الظهار هو تشبيه الزوج امرأته بمن تحرم عليه مؤبداً ومؤقتاً، أو تشبيهه عضواً من امرأته بظهر من تحرم عليه حرمة مؤبدة أو مؤقتة أو بعضو من أعضائها الثابتة غير الظهر، أو تشبيهه امرأته أو عضواً منها برجل، أو عضو منه، سواء كان ذلك الرجل قريبه أو أجنبياً فقولهم الزوج المراد به كل من يصح طلاقه، مسلماً كان أو كافراً، حراً أو عبداً كبيراً كان أو صغيراً بشرط أن يكون مميزاً يعقل الظهار، وبعضهم يرى عدم صحة ظهار الصغير المميز وعدم صحة إيلائه لأنهما يمينان لهما كفارة على الصبي، ولأن كفارة الظهار لزمت لما فيه من قول المنكر والزور، والصغير مرفوع عنه المؤاخذة بما يقول، وهذا وجيه.
ولا يصح من المجنون: أو المغمى عليه، أو النائم، أما السكران بشراب محرم فإن ظهاره يصح لأن طلاقه يصح، فإن كان سكره بدواء ونحوه فإنه لا يقع ظهاره كطلاقه، وقوله: امرأته المراد بها من تحل له بالعقد الصحيح، سواء كانت بالغة، أو صغيرة، حرة، أو أمة، مسلمة، أو ذمية يمكن وطؤها، فخرج به أمته أو أم ولده، فإنها ليست زوجة، فإذا قال شخص لأمته أنت علي كظهر أمي فعليه كفارة يمين.
وقوله: تشبيه الزوج امرأته خرج به تشبيه المرأة زوجها، كأن تقول له: أنت علي كظهر أبي أو إن تزوجت فلاناً يكون علي كظهر أبي أو أخي أو نحو ذلك فإن ذلك ليس بظهار ولكن يجب عليها بذلك كفارة الظهار إلا أنها لا تمنع نفسها عن زوجها بل يجب عليها بذلك أن تمكنه من نفسها قبل إخراج الكفارة، لأن وطأها حق الزوج ولا يسقط حقه بيمينها، وإنما وجبت عليها الكفارة تأديباً لها.
وقوله: أو تشبيه عضواً من امرأته، والمراد بالعضو العضو الثابت في المشبه والمشبه به كاليد والرأس، والبطن، والظهر أما الأعضاء التي تزول وتأتي، كالشعر، والسن، والظفر والريق، والدمع، والدم، العرق فإن التشبيه بها لا يكون ظهاراً فمثال تشبيه الزوج امرأته بمن تحرم عليه حرمة مؤبدة أن يقول لها: أنت علي كأمي، أو أختي أو عمتي. ومثال تشبيهه إياها بمن يحرم عليه حرمة مؤقتة، أنت علي كظهر أختك أو عمتك، ومثال التشبيه بالظهر أنت علي كظهر أمك أو ظهر أختك، ومثال التشبيه بجزء غير الظهر أنت علي كرأس أمي، أو أختك، أو بطنها، أو رأسك، أو يدك، أو فرجك كرأس أمي، أو أختك، أو يدها، أو نحو ذلك، أما إذا قال: كشعر أمي، أو سنها، أو شعرك كشعر أمي، أو نحو ذلك فإنه لا يكون ظهاراً. ومثل ذلك ما إذا قال لها: روحك كروح أمي، وقوله: أو تشبيهه امرأته أو عضواً منها برجل الخ، معناه أن التشبيه بالرجل الأجنبي أو القريب ظهار، لأنه محرم عليه، فإذا قال لها: أنت علي كزيد، أو كرأسه، أو كظهره، فإنه يكون مظاهراً، خلافاً للحنفية، والشافعية ووفاقاً للمالكية الذين يقولون بصحة الظهار إذا نواه، وكان التشبيه بظهره خاصة) .

يتبع

ابوالوليد المسلم 20-08-2022 09:08 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الظهار]
صـــــ 431 الى صــــــــ
443

الحلقة (222)



(1) (الحنفية - قالوا: للظهار ركن واحد، وهو صيغة، كما تقدم غير مرة، أما الشروط المتعلقة بالزوج. فهي أن يكون مسلماً، فلا يصح ظهار الذمي، وقد تقدم تعليله في التعريف. وأن يكون عاقلاً، فلا يصح من المجنون والمعتوه، والمغمى عليه، والنائم أما السكران فيصح ظهاره إن كان متعدياً، كما تقدم في الطلاق، وأن يكون بالغاً، فلا يصح ظهار الصبي ولو مميزاً، أما الزوجة فلا يشترط فيها شيء من ذلك. فيصح الظهار من المجنونة، والعاقلة، والصغيرة، والكبيرة، إنما الشرط أن تكون زوجة، ولو أمة، أما إذا كانت مملوكة، فلا ظهار منها، ويصح ظهار المكره، والناسي والخاطئ، والهازل، ويصح من الأخرس بكتابته إن كان يعرف الكتابة وإلا فبإشارته المعهودة، كما تقدم في الطلاق فهذه شروط المظاهر، والمظاهر منها.
وأما المشبه بها فيشترط أن تكون امرأة محرمة على التأبيد، فلو شبهها برجل فإنه لا يكون مظاهراً، سواء كان الرجل قريباً، أو أجنبياً، فلو شبهها بامرأة غير محرمة عليه أو محرمة عليه تحريماً مؤقتاً كأختها، وعمتها، ومطلقته ثلاثاً، أو شبهها بامرأة مجوسية، فإنها وإن كانت محرمة عليه تحريماً ولكن التحريم ليس مؤبداً لجواز أن تسلم فتحل له، ومن المحرمات مؤبداً زوجة الابن، والأب، فإذا شبهها بواحدة منهما كان مظاهراً خلافاً للشافعية، وكذا إذا شبهها بأم امرأة زنى بها، أو ببنتها فإنه يكون ظهاراً وكذا إذا شبهها بامرأة زنى بها أبوه أو ابنه على الصحيح، وإذا شبهها بعين محرمة غير امرأة، كما إذا قال لها: أنت علي كالخمر، والخنزير، والنميمة، والرشوة ونحو ذلك، فإنه لا يكون ظهاراً، ولو نوى به الظهار، أما إذا نوى به الطلاق فإنه يكون طلاقاً وكذا إذا نوى به الإيلاء.
وأما الصيغة فإنها قسمان: صريحة، وكناية، فأما الصريحة فيشترط فيها أن تشتمل على تشبيه زوجته أو تشبيه جزء يعبر به عنها عرفاً كالرأس، والرقبة، ونحو ذلك مما تقدم بيانه في مبحث - إذا أضاف الطلاق إلى جزء المرأة - أو تشبيه جزء شائع في بدنها، كنصفها وثلثها، وربعها بعضو يحرم النظر إليه من أعضاء محرمة عليه نسباً، أو رضاعاً، أو صهرية كأن يقول أنت علي كظهر أمي، أو أمك، أو رأسك كظهر أمي، أو بطنها، أو فرجها، أو أمك، أما إذا قال: كرأس أمك لا يصح لأنه يشترط في العضو المشبه به أن يكون من الأعضاء التي لا يحل النظر إليها أو يقول: بضعك كظهر أمي، أو كظهر أختي، أو عمتي، أو كفرج أمي أو أختي، أو كبطنها، أو نحو ذلك، فإنه في كل ذلك يكون مظاهراً، ولو لم ينو به الظهار لأنه صريح، فإن نوى به غير الظهار فإنه لا يصدق قضاء ويصدق ديانة.
ومن هذا تعلم أنه يشترط في الصريح أن يذكر العضو الذي لا يحل النظر في المشبه به، وأما الكناية فإنه لا يشترط فيها ذلك وذلك كأن يقول: أنت علي مثل أمي، أو كأمي، أو مثل أختي أو نحو ذلك فإن قال ذلك فإنه لا يكون ظهاراً إلا إذا نوى الظهار، أما إذا نوى تشبيهها بأمه، أو بأخته في كرامتها عليه فإنه لا يقع به شيء، وكذا إذا لم ينو شيئاً أو حذف أداة التشبيه إذا قال لها: أنت أمي فإنه لا يلغو ولا يقع شيء، كما تقدم التعريف.
المالكية - قالوا: يشترط في المظاهر أن يكون مسلماً فلا يصح من ذمي، فلو أسلم بعد ظهاره لم يعامل به، وكذا إذا تحاكما إلينا فإننا لا نقضي بينهما فيه، ومثل الظهار غيره من التصرفات المتقدم ذكرها في التعريف وأن يكون مكلفاً فلا يصح ظهار الصبي، والمجنون والمغمى عليه والنائم، والسكران بشيء حلال أما السكران بمحرم فإن ظهاره يقع كطلاقه، وأن يكون مختاراً فلا يصح ظهار المكره، ويصح الظهار من المجبوب، ومقطوع بعض الذكر أو العنين على المعتمد. لأنه يمكنه الاستمتاع بغير الجماع أما المظاهر منها فإن الشرط فيها أن تكون ممن يحل له وطؤها، سواء كانت زوجة، أو أمة، وسواء كانت صغيرة عاقلة أو مجنونة ولو كانت رتقاء أو قرناء أو غير ذلك من العيوب.
أما المشبه به فهو على ثلاثة أنواع: الأول: أن تكون محرماً من محارمه بحيث لا يحل له نكاحها بنسب أو رضاع أو مصاهرة وهذه يكون التشبيه بها ظهاراً على كل حال سواء كان بها جميعها أو بظهرها أو بجزء منها ولو كان جزءاً غير ثابت كالشعر والظفر والريق إلا أنه إن كان بظهرها كان صريحاً وإلا كان كناية فلا يلزم إلا بالنية كما ستعرفه.
النوع الثاني: أن تكون أنثى أجنبية، وهذه يشترط في صحة ظهارها أن يكون التشبيه بظاهرها بخصوصه، وأن ينوي به الظهار وإلا فلا ظهار، كما يأتي قريباً، ومثل الأجنبية في ذلك من تأبد عليه تحريمها بلعان، أو طلاق ثلاث، فإن التشبيه بظهور يكون كناية لا صريحاً.
النوع الثالث: التشبيه بظهر رجل، وفيه خلاف، والمشهور أنه ظهار، إنما لا بد فيه من التشبيه بالظهر وأن ينوي به الظهار، وأما صيغة الظهار، فإنها تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: صريح الظهار، ويشترط لتحققه أن يكون المشبه به محرماً من المحارم، وأن يكون التشبيه بالظهار خاصة، كأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، أو كظهر أختي. أو كظهر عمتي أو خالتي، أو كظهر أمك، أو أختك، أو نحو ذلك من المحرمات عليه بنسب أو رضاع، أو مصاهرة، وهل التشبيه بظهر المحرمة عليه بلعان أو بطلاق ثلاث كالتشبيه بالمحرمة عليه بنسب ونحوه أو لا؟ خلاف، والتحقيق أن التشبيه في مثل هذا كالتشبيه بظهر الأجنبية، مثلاً إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر فلانة التي طلقتها ثلاثاً، أو التي بانت مني باللعان، فإن ذلك لا يكون صريحاً بل كناية، فإذا نوى بالظهار الصريح الطلاق، فهل يصح أو لا؟ خلاف، فبعضهم يقول إنه لا يصح بل تلغى نية الطلاق، ويعامل بالظهار فقط، قضاء وإفتاء، وهذا هو الراجح وبعضهم يقول: بل يعامل بالظهار في الإفتاء فقط، وأما في القضاء فإنه يعامل بهما معاً، بحيث ينظر إلى العظة فيحكم عليه بالظهار، وينظر إلى نيته فيحكم عليه بالطلاق الثلاث، بحيث لو تزوجت غيره ورجعت إليه فلا يحل له أن يطأها، حتى يخرج كفارة الظهار، وهذا مرجوح، لأن معنى كونه صريحاً أن له حكماً خاصاً به، فلا يصح أن ينوي به غيره.
الثاني: كناية الظهار الخفية، وهي كل كلام نحو اذهبي، وقومي، وكلي واشربي ونحو ذلك ويشترط في صحة الظهار بمثل هذا أمران: أحدهما: أن ينوي الظهار، فإذا لم ينو الظهار كان كلاماً له معناه من أكل وشرب ونوم، ونحو ذلك. ثانيهما: أن لا يكون صريح طلاق أو يمين بالله، فإذا قال لها: أنت طالق ونوى الظهار فإنه لا يصح ويلزم بالطلاق، وكذا إذا قال والله لا آكل مثلاً، ونوى به الظهار فإنه لا يصح.
الثالث: كناية الظهار الظاهرة، وتحته قسمان أحدهما: أن يكون التشبيه بغير الظهر، وأن تكون المشبه بها محرماً من المحارم كأن يقول لامرأته: أنت علي كأمي، أو أنت أمي.
ثانيهما: وهو القسم الرابع أن يكون التشبيه بالظهر وأن تكون المشبه بها أجنبية، كأن يقول لامرأته: أنت علي كظهر فلانة الأجنبية، ويشترط في صحة الظهار بالأمرين أن ينوي الظهار، فإذا نوى تشبيهها بأمه في الشفقة والمودة، أو في الكرامة وعلو المنزلة، أو تشبيهها بظهر الأجنبية في الاستواء والاعتدال، أو نحوه فإنه لا يكون ظهاراً، وإن نوى به الظهار كان ظهاراً، وإن نوى الطلاق، فإن كانت مدخولاً بها لزمه الثلاث، ولو لو ينو العدد أو نوى أقل، وإن كانت غير مدخول بها فإنه يلزمه الثلاث ما لم ينو أقل، فإنه يلزم ما نواه، فإذا لم يذكر لفظ الظهر، أو لفظ الأم، أو نحوها من المحارم، بل قال: أنت كفلانة الأجنبية ونوى به الطلاق، فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها، ولكن إن نوى أقل من الثلاث في غير المدخول بها فإنه يصدق، فإن قال، إنه نوى بقوله: أنت كفلانة الأجنبية الظهار صدق ديانة ويلزمه الظهار فقط في الفتوى، أما في القضاء فإنه يلزمه الظهار والطلاق الثلاث في المدخول بها، وفي غيرها إلا أنه يعامل بنيته في غير المدخول بها إن ادعى أنه نوى أقل من الثلاث، فإذا قضي بطلاقها ثلاثاً ثم تزوجت غيره وعادت له فإنه لا يحل له وطؤها حتى يخرج كفارة الظهار، وإذا قال لها أنت علي كابني، أو كغلامي ناوياً به الظهار فإنه يلزمه به الثلاث، ولا يكون ظهاراً على المعتمد، أما إذا قال: أنت علي كظهر ابني ناوياً به الظهار فإنه يكون ظهاراً ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت علي ككل شيء حرمه الكتاب فإن الكتاب قد حرم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وهذه يلزم بها الثلاث في المدخول بها لغيرها،
إلا أن ينوي أقل من الثلاث في غير المدخول بها.
واعلم أن صيغة الظهار كما تكون منجزة تكون معلقة، فإذا علق ظهارها على مشيئتها أو مشيئة شخص غيرها، كأن قال لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت أو إن رضيت، فإن يصح، ولا يقع الظهار إلا إذا شاءت الظهار ورضيت به، ولا يسقط حقها في ذلك أما إذا وقفت ولم تقض برد أو إمضاء فإن للحاكم أن يبطل خيارها في هذه الحالة، وإن علقه بشيء محقق كأنت علي كظهر أمي بعد سنة، أو إن جاء رمضان، فإنه يلزمه حالاً، وإن قال، أنت علي كظهر أمي في هذا الشهر تأبد الظهار ولا ينحل إلا بالكفارة، وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فلانة، فإنه يكون مظاهراً عند اليأس من الزواج، إما بموت فلانة التي عينها أو بعجزه عن الوطء، أو عند عزمه على عدم الزواج،وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن دخلت دار أبيك وأرادت أن تدخل فإنه لا يصح له إخراج الكفارة قبل دخولها.
الشافعية - قالوا: يشترط في المظاهر كونه زوجاً، ولو مجبوباً، أو عنيناً، أو خصياً، أو نحو ذلك، فلا يصح الظهار من الأمة المملوكة ولا من امرأة أجنبية لم يتزوجها وإن تزوجها لم يقع الظهار، وكونه عاقلاً، فلا يصح من المجنون ونحوه، وكونه مختاراً، فلا يصح من مكره وبالجملة فكل من يصح طلاقه يصح ظهاره، وقد تقدم ذلك في مباحث الطلاق مفصلاً.
ويشترط في المظاهر منها أن تكون زوجة، ولو أمة، أو صغيرة، أو مجنونة أو مريضة، أو رتقاء، أو قرناء، أو كافرة، أو مطلقة طلاقاً رجعياً، وخرج بذلك الأجنبية ولو كانت مطلقة طلاقاً بائناً، فلو قال لأجنبية: إذا تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، ثم تزوجها فإنه لا يصح ظهاره وكذا إذا قال لأمته: أنت علي كظهر أمي فإنه لا يصح إلا إذا عقد عليها ويشترط في المشبه به ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون أنثى فإذا شبه بظهر ذكر قريب أو بعيد فإنه يكون لغواً، لأنه ليس محلاً للاستمتاع، ومثله الخنثى.
الثاني: أن تكون من محارمه التي لا يحل له نكاحها بنسب، كأمه وأخته، وبنته، أو برضاع كمرضعته، أو مرضعة أبيه، أو مصاهرة، كأم زوجته، أو بنتها.
الثالث: أن لا تكون له حلالاً من قبل، كامرأة أبيه التي تزوجها قبل ولادته. أو مع ولادته، أما التي تزوجها بعد ولادته فإنها كانت حلالاً له قبل أن يتزوجها أبوه ومثله زوجة ابنه فإنها كانت حلالاً له قبل أن يتزوجها ابنه، ومطلقته ثلاثاً، ومن حرمت عليه مؤبداً بسبب اللعان، فإن التشبيه بهن لا يكون ظهاراً، لأنهن كن حلالاً له من قبل. والتحريم عرض بعد ذلك ويلحق بذلك التشبيه بإحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي عائشة أو حفصة زوج الرسول فإنه لا يكون ظهاراً، لأن حرمة زوجات الرسول عارضة لا أصلية.
وخرجت الأجنبية، فإنه إذا شبهها بها، أو بظهرها فلا يكون ظهاراً، ويشترط في الصيغة كونها لفظاً يشعر بالظهارة، وتنقسم إلى قسمين: صريحة، وهي ما اشتهر استعمالها في معنى الظهار كقوله أنت علي كظهر أمي، أو رأسك علي كظهر أمي، أو يدها، أو رأسها، وكناية، وهي ليست كذلك، كقوله: أنت كأمي، أو كعينها، أو نحو ذلك مما يستعمل في الظهار وفي الإعزاز والكرامة، وهي لا يقع بها الظهار إلا بالنية، فإذا قال لها: أنت علي حرام كما حرمت أمي فإنه يصح أن يكون كناية ظهار إذا نواه، ويصح أن يكون كناية طلاق إذا نوى الطلاق، ثم إن التشبيه تارة يكون بجميع المرأة، أو بجزئها، ولكن يشترط في الجزء أن يكون من الأجزاء الظاهرة، كاليد والرأس والعين. أما التشبيه بجزء من الأجزاء الباطنة التي لا يمكن الاستمتاع بها، سواء من المشبه، أو المشبه به، كالقلب، والكبد، ونحوهما، فإنه لا يكون ظهاراً. فإذا قال لامرأته: كبدك كظهر أمي، أو رأسك كقلب أمي فإنه لا يكون ظهاراً وكذا يشترط أن لا يكون الجزء فضلة، كاللبن والريق، والمني، ونحو ذلك، فلو شبه ريقها بظهر أمه فإنه لا يصح أما الأجزاء الزائدة فإنه يصح الظهار بتشبيهها أو التشبيه بها كالظفر، والشعر والسن.
فالحاصل أن كل ظاهر يصح التشبيه به، وكل جزء باطن لا يمكن الاستمتاع به لا يكون التشبيه به ظهاراً.
هذا ويصح توقيت الظهار بوقت معين قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي يوماً، أو شهراً فإنها تحرم عليه في الوقت الذي عينه بحيث لو وطئها في المدة بإيلاج حشفته وجبت عليه الكفارة، وسيأتي أن العود في الظهار المؤقت إنما يكون بإيلاج الحشفة، أو قدرها لمن ليست له حشفة، فإذا فعل ذلك وجب عليه أن ينزع ولا يستمر في الوطء حتى يخرج الكفارة، فإيلاج الحشفة لازم لوجوب الكفارة، أما الاستمرار في الوطء قبل الكفارة فهو حرام، وإذا قال: أنت كظهر أمي خمسة أشهر كان ظهاراً وإيلاء فإذا وطئها في المدة لزمته كفارة الظهار، وإذا استمر حتى اقضت مدة الإيلاء ولم يطأها كان لها الحق في طلب الطلاق، على الوجه السابق، وإذا قال: والله أنت علي كظهر أمي ثم وطئها في المدة لزمه كفارتان: كفارة للظهار وكفارة لليمين.
وكذلك يصح تعليق الظهار، فإذا قال: إن ظاهرت من ضرتك فأنت علي كظهر أمي، ثم ظاهر من ضرتها كان مظاهراً منهما معاً، وإذا علق ظهار زوجته على امرأة فإن ذلك يحتمل حالتين:
الأولى: أن يقول: إن ظاهرت من فلانة فأنت علي كظهر أمي ولم ينطق بلفظ الأجنبية، وهذه تحتها صورتان:
الصورة الأولى: أن يقصد لفظ الظهار لا معناه الشرعي، ثم يقول لها قبل أن يتزوجها: أنت علي كظهر أمي، وفي هذه الحالة يلزمه ظهار زوجته لأن المعلق عليه - وهو لفظ الظهار - قد تحقق.
الصورة الثانية: أن يقصد معنى الظهار الشرعي، وفي هذه الحالة إذا قال لها قبل أن يتزوجها: أنت علي كظهر أمي لا يلزمه الظهار من امرأته، لأنك قد عرفت أن الأجنبية محلاً للظهار الشرعي أما إذا قال لها ذلك بعد تزوجه بها فإنه يلزمه الظهار من زوجته الأولى، وذلك لأنه قال: إن ظاهرت من فلانة ولم يقل: الأجنبية. فالمعلق عليه، وهو الظهار الشرعي، قد تحقق من فلانة.
الثانية: أن يقول: إن ظاهرت من فلانة وهي أجنبية، بحيث يصرح بلفظ أجنبية، وهذه تحتها صورتان أيضاً إحداهما: أن يريد النطق بلفظ الظهار، وفي هذه الحالة يلزمه الظهار متى نطق به، سواء كان ذلك قبل أن يتزوج بها أو بعد.
ثانيتهما: أن يريد الظهار الشرعي، وفي هذه الحالة لا يلزمه الظهار الأول، سواء ظاهر منها قبل الزواج بها أو بعده، وذلك لأن تصريحه بالأجنبية جعل تحقق الظهار الشرعي مستحيلاً.
الحنابلة - قالوا: يشترط في المظاهر أن يكون رجلاً، فلا يصح ظهار المرأة، وقد تقدم في التعريف أنها إذا فعلت لزمها كفارة ظهار متى مكنته من نفسها طائعة، وهو واجب عليها، بحيث لا يحل
لها أن تمتنع عنه، وأن يكون بالغاً، فلا يصح ظهار الصبي، سواء كان مميزاً أو لا، وبعضهم يقول: يل يصح ظهار المميز الذي يعقل معنى الظهار، كما يصح طلاقه، وأن يكون عاقلاً فلا يصح ممن زال عقله بجنون أو إغماء أو نوم، أو شرب دواء مسكر، أما إذا شرب حراماً فإنه يقع، كما تقدم، وأن يكون مختاراً، فلا يصح ظهار المكره، ولا يشترط الإسلام، فيصح ظهار الكافر، لأنه تجب عليه الكفارة، ويصح من العبد، ومن المريض، ويشترط في المظاهر منها أو المشبه بها أن تكون زوجة، فلا يصح الظهار من الأجنبية، إلا إذا علقه على زواجها، كأن قال: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، فإنه إذا تزوجها لزمه الظهار، ولا يصح له أن يطأها قبل الكفارة، وهذا بخلاف الطلاق، فإنه لا يصح طلاق الأجنبية مطلقاً، ولو علقه على زواجها كما تقدم، والفرق بينهما أن الطلاق حل لقيد النكاح فلا معنى لحله، فيلغى، أما الظهار فهو يمين له كفارة، فينعقد متى تحقق شرطه، كاليمين بالله تعالى، فإذا قال: والله العظيم إن تزوجت فلانة لا أطؤها انعقدت اليمين، بحيث لو وطئها لزمته الكفارة.
وكذا لا يصح الظهار من الأمة الموطوءة بملك اليمين، إلا إذا عقد عليها، فإنها تصير زوجة، فإذا ظاهر من أمته المملوكة لزمته كفارة يمين لا كفارة ظهار، كما تقدم في التعريف، ومتى كانت زوجته فإنه يصح الظهار منها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، حرة أو أمة، مسلمة أو ذمية وطؤها ممكن أو غير ممكن، الخ ما تقدم.
ويشترط في المشبه به أن يكون التشبيه به نفسه أو بعضو من أعضائه الأصلية، أما الأعضاء الزائدة، كالشعر، والسن، والريق، والمني، والظفر، والدم والعرق والدمع والروح، فإن التشبيه بها لا يكون ظهاراً، فلو قال: شعرك علي كظهر أمي لا يصح الظهار. وهكذا، ولا يشترط أن يكون المشبه امرأة، بل يصح أن يكون رجلاً، لأن الغرض هو تشبيهها بمن لا يحل وطؤه سواء كان رجلاً أو امرأة، وإذا شبه بأنثى فلا يلزم أن تكون من محارمه على التأبيد، فيصح أن يشبه بأمه وأخته، كما يصح أن يشبه بأخت امرأته، وعمتها وخالتها. وكذا يصح أن يشبه بظهر الأجنبية.
ويشترط في صيغة الظهار أن تؤدي معنى الظهار وتستعمل فيه، فلو قال أنا مظاهر فإنه يكون لغواً. لأن هذه ليست صيغة ظهار. وكذا إذا قال: وجهي من وجهك حرام. فإنه ليس بظهار.
وتنقسم صيغة الظهار إلى قسمين. صريح وكناية. فالصريح ما كان ظاهراً في معنى الظهار نحو: أنت علي كظهر أمي، أو أنت مني مثل أمي، أو أنت علي كأمي، لأن التشبيه بأمه كالتشبيه بعضو منها، بل هو زائد. فإن ادعى أنه أراد التشبيه بها في الكرامة فإنه يسمع منه قضاء لأن اللفظ وإن كان ظاهراً في معنى الظهار، ولكنه يحتمل هذا المعنى الذي ادعاه.
وأما الكناية، فهي أن يكون اللفظ غير ظاهر الاستعمال في الظهار، كأن يقول لامرأته: أنت أمي، ولم يقل: علي مثل أمي، أو يقول لها: أنت كأمي، ولم يقل: علي أو مني، أو يقول: أنت مثل أمي، ولم يقل: علي أو يقول امرأتي فإن كل هذا لا يقع به الظهار إلا إذا نواه أو تقوم قرينة على إرادة الظهار،وإذا قال أمي امرأتي، أو أمي مثل امرأتي فإنه لم يكن مظاهراً لأن اللفظ لا يصلح للظهار على أي حال.
وإذا قال علي الظهار، أو علي الحرام أو الحرام لازم لي. أو أنا عليك حرام، أو أنا عليك كظهر رجل، فإن كل هذا يصح أن يكون كناية في الظهار، فلا يلزم إلا بالنية.
ويصح الظهار منجزاً ومعلقاً، كقوله: إن دخلت دار أبيك فأنت علي كظهر أمي، فمتى دخلت الدار صار مظاهراً، وكذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت، أو شاء زيد فمتى شاء زيد صار مظاهراً، وكذا يصح مطلقاً وموقتاً، كأن يقول: أنت علي كظهر أمي شهراً، أو شهر رمضان، فإذا انقضى الوقت المحدد حلت له بدون كفارة. فإن وطئها في المدة لزمته الكفارة. وإذا قال إن شاء الله انحل الظهار لأنها يمين، كما تقدم في مباحث الأيمان، في الجزء الثاني) .


ابوالوليد المسلم 20-08-2022 09:25 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الظهار]
صـــــ 444 الى صــــــــ
450

الحلقة (223)

مبحث متى تجب كفارة الظهار

-وقد عرفت أن للظهار حكمين: أخروي، وهو الاثم المستوجب لعقوبة الله، فتجب منه التوبة والعزم على عدم العود والله يقبل التائب ويغفر له ذنبه، ودنيوي، وهي الكفارة.
وفي وقت وجوب الكفارة على المظاهر تفصيل المذاهب (1) .
كيفية كفارة الظهار
-كفارة الظهار ثلاثة أنواع مرتبة: أحدها عتق رقبة مؤمنة (2) ولا بد منها للقادر عليها. فمن لم يجد فكفارته صيام شهرين متتابعين بحيث يصوم ستين يوماً، أو يصوم شهرين بالهلال بدون أن يفطر يوماً واحداً، فمن عجز عن صيام شهرين متتابعين، فكفارته إطعام ستين مسكيناً، ويتحقق العجز عن الصيام بأمور مفصلة في المذاهب (3) .
ولكل نوع من هذه الأنواع شروط مفصلة في المذاهب (4) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: تجب عليه كفارة الظهار عند عزمه على استباحة وطئها عزماً مستمراً لا رجوع فيه، وذلك لأنه حرم وطأها عليه بالظهار منها، ولا تجب عليه الكفارة إلا بالعود إلى استباحة الوطء، كما قال تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} ، أي يعودون لتحليل ما قالوا أي ما حرموه بقولهم أو يعودون لنقض ما قالوا، ومعنى يعودون على هذا يصيرون، لأن العود معناه الصيرورة ومنه قوله تعالى: {حتى عاد كالعرجون القديم} أي صار، ويصح أن يكون المراد يرجعون عما قالوا فتكون اللام بمعنى عن، والمعنى ثم يرجعون عن قولهم الأول، وعلى كل حال فرجوعهم عن قولهم أو عودتهم لتحليل ما ترتب عليه من تحريم زوجاتهم، أو عودتهم إلى نقضه فإنما يكون بالعزم على استباحة الوطء عزماً مستمراً، بحيث لو عزم ثم بدا له أن لا يطأ، لا تجب عليه الكفارة.
فإن قلت: إذا ظاهر منها ثم تركها ولم يعزم على استباحة وطئها ولم يكفر حتى مضت مدة أربعة شهور فهل تبين منه بذلك كما لو آلى أن لا يقربها أربعة شهور. أو لا؟
والجواب: تبين، لأن الإيلاء لا يتحقق إلا باليمين، أو بالتعليق على أمر شاق على النفس، والظهار ليس بيمين، لأنه منكر من القول وزور. ولا تعليق فيه وقد يقال: إن الزوج قد يظاهر من امرأة لكراهته إياها، ثم يتركها كالمعلقة فلا يطؤها ولا يكفر فيكون ضرر الظهار أشد من ضرر عدم الوطء، والجواب: أن الحنفية لهم رأيان في مثل هذه الحالة، فمنهم من يقول: إن قواعد المذاهب وإن كانت تقضي بعدم إجباره على الوطء إلا في العمر مرة واحدة فلا يمكن إجبار المظاهر على التكفير ليرفع الضرر على امرأته بالوطء ولكن من حيث أن الظهار معصية حرمها الله تعالى وجعل لرفع هذه المعصية حداً في الدنيا فإنه يجب على القاضي إلزامه بالتكفير بالحبس أولاً فإن لم يفعل يضربه إلى أن يكفر أو يطلق ومنهم من يقول: إن الرجل مكلف بإعفاف المرأة ودرء الفساد عنها فإذا هجرها حتى طالبته بالوطء كان معنى ذلك توقانها، فليس من الدين أن يقال لها: متى جاءك مرة فقد سقط حقك، لأن في هذا تعريضاً لها للفساد، بل الواجب في هذه الحالة إرغامه على إتيانها أو تطليقها وهذا الرأي هو المعقول المناسب وربما يكون القول مبنياً على ما إذا لم يتعمد قصد الضرر والإيذاء، بأن عرض عليه مرض يمنعه من الوطء، أو كان الوطء يضر صحته فإنه في هذه الحالة لا يرغم على شيء، ويقال لها: متى أتاك مرة واحدة فقد سقط حقك، إذ لا يليق في هذه الحالة أن تخرج المرأة على زوجها وتطالبه وهو عاجز، فإذا استمر عجزه ورآها تواقة للرجال حرم عليه إمساكها، كما بيناه في مبحث الطلاق السني والبدعي.
وإذا كان الظهار مؤقتاً بوقت فإنه يسقط بمضي الوقت، وإذا علق الظهار بمشيئة الله بطل أما إذا علقه بمشيئتها أو مشيئة زيد، فإنها إذا شاءته أو شاء فلان في مجلس كان ظهاراً، وإلا فلا يحرم عليه أن يطأها أو يستمتع بها بقبلة أو مباشرة قبل إخراج الكفارة، وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يخرج الكفارة، فإن وطئ قبل إخراج الكفارة فقد أثم، ولا تلزمه أخرى بالوطء وعليه أن يتوب ويستغفر من فعل هذه المعصية.
وبهذا تعلم أنه لا فرق في عودة بين أن يكون من ظهار مطلق أو مؤقت بوقت، أو من مطلقة رجعية، لأنه متى عزم على وطئها بدون رجوع عن عزمه فقد وجبت عليه الكفارة فإذا طلقها طلاقاً بائناً قبل إخراج الكفارة ثم تزوجها وعزم على وطئها وجبت عليه الكفارة وكذا إذا طلقها ثلاثاً وتزوجت بغيره ثم رجعت له فإن الكفارة لا تسقط، وتجب عليه بمجرد عزمه على وطئها عزماً أكيداً.
المالكية - قالوا: تجب الكفارة بالعود، ومعنى وجوب الكفارة صحة فعلها ومعنى العود العزم على الوطء، فإذا عزم على وطئها صح إخراج الكفارة، فلو أخرجها قبل العزم فلا تصح، وليس المراد بوجوبها عند العزم افتراضها عليه بحيث لا تسقط عنه أبداً لأنه إذا طلقها وفارقته سقطت الكفارة عنه، فإذا وطئها ولو ناسياً، تحتمت عليه الكفارة تحتماً لا يقبل السقوط، بحيث لو طلقها أو ماتت كان عليه أن يكفر لأنها بالوطء تصير حقاً لله تعالى.
وهل يشترط في العود أن ينوي إمساكها مدة ولو أقل من سنة، أو يكفي مجرد العزم؟ في ذلك قولان مشهوران، ويترتب على القول الأخير عدم سقوط الكفارة بطلاقها، لأنه عزم على الوطء وعلى إمساكها مدة، فإذا طلقها قبل المدة لزمته كفارة ظهار، لأنه لا يشترط بقاء العصمة مع نية الإمساك مدة، أما على القول الأول فإنه إذا عزم على وطئها ثم طلقها سقطت الكفارة لأن الشرط في وجوبها بقاء العصمة، وإنما تسقط بالطلاق البائن لا الطلاق الرجعي فإذا أبانها سقطت الكفارة ما لم يتزوجها ثانياً،فإن تزوجها عاد الظهار، فلا يحل له أن يقربها حتى يخرج الكفارة، وتسقط بموتها أو موته، فلا يخرجها عنه وراثه.
ويحرم عليه أن يطأها أو يستمتع منها بغير الوطء قبل أن يخرج الكفارة، ويجب عليها أن لا تمكنه من نفسها، وإن خافت أن يرغمها فلترفع أمره للحاكم ليحول بينه وبينها فإن أمنت منه جاز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها، وأن يمكث معها في بيت واحد.
الشافعية - قالوا: تجب الكفارة عند العود على الوطء على التراخي، ثم إن العود له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يعود من ظهار مؤقت بامرأة غير مطلقة رجعياً وفي هذه الحالة يتحقق العود بإمساكها بعد الظهار من غير تطليق، فإذا ظاهر من امرأة ثم أمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلقها فيها بدون مانع شرعي، فإن الكفارة تجب عليه، فإذا ظاهر منها وهي حائض ثم أمسكها ولم يطلقها فإنه لا يكون عائداً عن الظهار بذلك، لأن الحيض مانع من الطلاق شرعاً فإذا انقطع حيضها ومضى وقت بعد الانقطاع يمكنه أن يطلق فيه، ولم يطلق كان عائداً، ووجبت عليه الكفارة وهل سبب وجوب الكفارة العود أو سببها الظهار نفسه، ولكن العود شرط لتحقق الوجوب، أو وجبت بهما معاً؟ خلاف، والصحيح أنها وجبت بالظهار والعود معاً ككفارة اليمين، فإنها تجب باليمين والحنث، وعلى هذا إذا ظاهر، ثم أخرج الكفارة قبل العود فإنه يصح، لأن الظهار سبب أما إذا أخرج الكفارة قبل أن يظاهر، فإنها لا تجزئ لأنه أخرجها قبل سبب الوجوب، أما على القول بأنها وجبت بالظهار والعود سبب فإنه إذا أخرج الكفارة قبل العود فإنها لا تجزئه لأنه يكون قد أخرجها قبل السبب، أما على القول بأنها وجبت بالعود فقط فالأمر ظاهر، إذ لا يصح إخراجها قبله، ولا قبل الظهار، كما لا يخفى، وإذا ظاهر منها ثم طلقها عقب ظهاره مباشرة بأن قال: أنت علي كظهر أمي أنت طالق ووصل أنت طالق بصيغة الظهار فإن العود يبطل بذلك بشرط أن يكون الطلاق بائناً.
والحاصل أنه متى مضى زمن عقب ظهار أن يقول لها فيه: أنت طالق ولم يقل، فإنه يكون عائداً، وتجب عليه الكفارة إن كانت حائضاً كما ذكرنا، فإذا قال لها: أنت طالق عقب الظهار مباشرة بطل العود وسقطت الكفارة.
الحالة الثانية: أن يعود من ظهار مؤقت، كما إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي شهر رمضان فإنها تحرم عليه في هذا الشهر، وتحل له بدون كفارة بعد انقضائه، فإذا أراد أن يأتيها في ذلك الشهر، فإن عودته الموجبة للكفارة هي تغييب حشفته أو قدرها ممن ليست له حشفة في فرجها فإذا فعل ذلك وجبت عليه الكفارة كما تقدم، ولكن لا يحل له أن يستمر في وطئها، بل عليه أن يولج الحشفة فقط كي يجب عليه الكفارة ثم يخرج فوراً، فإن استمر الوطء كان آثماً.
الحالة الثالثة: أن يعود من ظهار مطلقة طلاقاً رجعياً، فإذا قال لمطلقته طلاقاً رجعياً، أنت علي
كظهر أمي فإنه يكون مظاهراً منها فإذا أراد أن يعود عن ظهاره، وجب عليه أن يراجعها باللفظ على الوجه المتقدم في المراجعة، ومتى راجعها فقد عاد من ظهاره، ووجبت عليه الكفارة.
هذا ويحرم عليه أن يطأها قبل إخراج الكفارة، كما يحرم عليه أن يستمتع منها بما بين السرة والركبة فقط، أما ما عدا ذلك فيجوز لأن الظهار لا يحل بملك الزوجية، كالحيض، فيحرم ما حرمه الحيض، فلو اضطر للوطء دفعاً للزنا، بحيث لا يقدر على منع الزنا إلا إذا وطئ المظاهر منها، فإنه يحل له أن يطأها بالقدر الذي يدفع عن نفسه الزنا، كما يحل له ذلك في حالة الحيض، وهذه رخصة لا بأس بها.
الحنابلة - قالوا: إن الكفارة لا تجب إلا بالوطء، ولكن يحرم الوطء قبل إخراجها فهي تؤدى قبل وجوبها، لأن إخراجها شرط في حل سبب الوجوب، وهو الوطء فيؤمر بها من أراد الوطء ليستحله بها، كما يؤمر بعقد النكاح من أراد الوطء فمعنى العود في الآية الوطء في الفرج خاصة، فهو السبب في وجوب الكفارة، ولكنه يحرم قبل إخراجها، ومعلوم أن إخراج الكفارة قبل وجوبها صحيح كإخراج كفارة اليمين قبل الحنث، فإذا مات أحدهما سقطت الكفارة لأنها لم تجب، وكذا إذا طلقها طلاقاً بائناً، ولكن إذا عادت إليه ثانياً رجعت الكفارة، بحيث لا يحل له وطؤها قبل إخراج الكفارة، حتى ولو تزوجت غيره، ثم رجعت إليه لا يحل له وطؤها والاستمتاع بأي جزء من أجزاء بدنها قبل إخراج الكفارة، فإذا وطئها استقرت عليه الكفارة فلا تسقط بالموت ولا بالطلاق، وتجزئه كفارة واحدة) .

(2) (الحنفية - قالوا: لا يشترط في كفارة الظهار أن تكون الرقبة مؤمنة بل يجزي عتق الكافرة) .
(3) (
الحنابلة - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بواحد من خمسة أمور: أحدها: أن يكون مريضاً ولو كان مرضه غير مستعص، ولو لم يستمر شهرين. ثانيها: أن يكون شيخاً كبيراً لا يقدر على الصيام. ثالثها: أن يخاف زيادة مرض قائم به أو يخاف طول مدته عليه. رابعها: أن يكون ذا شبق، أي توقان للجماع فلا يستطع الصبر عن جماع زوجته، وليس له زوجة غيرها يمكنه إتيانها. خامسها: أن يترتب على صيامه ضعف عن أداء عمله الذي يعيش منه، فإذا كان في حالة من هذه الأحوال وعاد عن ظهاره فإنه يجب عليه إطعام ستين مسكيناً.
الشافعية - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بواحد من أربعة أمور: الأول: أن يطرأ عليه مرض يغلب على الظن أنه يستمر شهرين بإخبار طبيب، أو بحكم العادة، وأولى أن يكون المرض شديداً لا يرجى برؤه. الثاني: يخاف زيادة المرض بالصيام. الثالث: أن تلحقه مشقة شديدة بالصيام أو بمتابعة ستين يوماً، بحيث لا يحتمل ذلك عادة. الرابع: أن يكون عنده شبق، فلا يستطيع الصبر عن الجماع كل هذه المدة، فإذا وجد واحد من هذه الأمور انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً.
الحنفية - قالوا: العجز عن الصوم لا يتحقق إلا إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، أو كان ممن لا يقدر على الصيام، فلو كفر المريض ثم برئ وجب عليه الصوم، وتسقط الكفارة بالموت، وبالطلاق البائن فقط إذا لم ترجع إليه.
المالكية - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بالمرض الذي لا يقوى صاحبه بعده على الصوم بحيث لا ينتقل إلى الإطعام إلا إذا ظن أن مرضه لا يرجى برؤه ويئس من القدرة على الصيام في المستقبل وبعضهم يقول: إذا طال به المرض ولا يدري أيبرأ أم لا، ولعله يحتاج إلى امرأته فله أن يطعم ويصيب امرأته، ثم إن عوفي من مرضه أجزأه ذلك الإطعام، حتى ولو كان المرض من الأمراض التي يرجى برؤها) .
(4) (الحنفية - قالوا: يشترط في الرقبة أن تكون كاملة الرق، وأن تكون في ملكه، وأن تكون مقرونة بنية الكفارة، وأن تكون سليمة من العيوب التي تعطل المنفعة كلها، كالصم التام والخرس لأن جنس المنفعة وهو السمع، والكلام معدوم، فإن كان يسمع قليلاً أو ينطق بتكلف فإنه يصح، لأن الشرط قيام جنس المنفعة، وعلى هذا القياس، مثلاً إذا كان أعور، فإن عوره لا يعيبه، بخلاف الأعمى، لأن منفعة البصر معدومة منه، وكذا إذا كان مقطوع إحدى اليدين أو الرجلين، وقوله: كاملة الرق، خرج به المكاتب، فإنه لا يصح إلا إذا عجز عن دين الكتابة، ولم يؤد شيئاً من دين الكتابة فإذا لم يجد رقبة فكفارته صيام شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان، ولا يوم الفطر ولا يوم النحر، ولا أيام التشريق بنية الكفارة، ولا يحل له أن يجامع زوجته التي ظاهر منها في أيام الصيام لا ليلاً ولا نهاراً، فإذا جامعها بالليل عامداً أو ناسياً فقد بطل صومه وعليه أن يستأنف مدة جديدة، كذا إذا جامعها بالنهار عامداً لا ناسياً، والفرق أن جماع الناسي في النهار لا يبطل صومه، فلا يقطع الكفارة، وقيل: الجماع في النهار كالجماع في الليل يقطع الكفارة، سواء كان عمداً أو نسياناً فإن كان متزوجاً غيرها وجامعها بالليل فإنه لا يضر، أما إذا جامعها وهو صائم فقد بطل صيامه واستأنف مدة جديدة، ولكن إذا جامعها بالنهار ناسياً فإنه لا يضر، وإذا أفطر لعذر من مرض أو سفر فقد بطل صيامه ولو صام، وجاء يوم الفطر أو النحر، أو أيام التشريق فإن صيامه يبطل وعليه أن يستأنف مدة جديدة، ويصح أن يصوم بالأهلة، ولو كان كل شهر تسعة وعشرين يوماً، فإن صام بالأيام لا بالأهلة حتى مضت تسعة وخمسون يوماً ثم أفطر يوماً واحداً فقط أبطل صومه، وعليه أن يصوم شهرين من أول الأمر، وإذا أكل ناسياً، وهو صائم، فإنه لا
يضره، وإن صام شهرين إلا يوماً ثم قدر على العتق قبل غروب شمس اليوم الأخير فإن صيامه يكون باطلاً ويجب عليه العتق، أما إذا قدر على العتق بعد نهاية صوم الستين يوماًفإن الكفارة تتم بالصوم، ولا يجب عليه العتق وإذا عجز عن الصيام أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين قدح وثلث من قمح ونحوه، على الوجه المتقدم في كفارة الإيمان في الجزء الثاني وإذا وطئها في خلال الإطعام فإنه لا يستأنف ما مضى منه، فإذا أطعم عشرين فقيراً أو مسكيناً، ثم جامع زوجته فإنه يأثم، ولكن لا يبطل إطعام عدد العشرين، بل يبقى عليه إطعام أربعين، ولا تسقط الكفارة بالعجز عن الإطعام.
وحاصل المباحث المتعلقة بالكفارة أن لها ركناً، وشرط وجوب ووقت وجوب وشرط صحة ومصرفاً وصفة وحكماً. فأما ركنها الذي تتحقق به، فهو الفعل المخصوص من إعتاق أو صيام أو إطعام، كما بينا، وأما شرط وجوبها، فهو القدرة عليها، وأما وقت وجوبها فهو العزم على الوطء عزماً مستمراً. بحيث لو عزم ثم رجع فإنها لا تجب، وأما شرط صحتها فهو النية المقارنة لفعلها، فلو أخرج الكفارة بدون نية ثم نوى، فإنها لا تجزئه، وأما مصرفها إن كانت إطعاماً، فهو مصرف الزكاة، ولكن يصح صرفها للذمي دون الحربي، وأما صفتها، فهي عقوبة من حيث وجوبها على الشخص، وهي عبادة حال أدائها، لأن فيها امتثال أمر الشارع، وأما حكمها فهو سقوط الواجب عن الذمة، وحصول الثواب المقتضي لتكفير الخطايا، وهل هي واجبة على التراخي، أو على الفور؟ رأيان، وقد تقدم أنه يجبر على التكفير كي لا تتضرر المرأة بالهجران، فالصحيح أنها واجبة على الفور.
الشافعية - قالوا: يشترط في جميع الأنواع نية الكفارة، سواء كانت عتقاً، أو صياماً، أو إطعام، ولكن يجب اقتران النية بنوع من هذه الأنواع فلو نوى أن يعتق هذا العبد كفارة عن الظهار ثم مضى زمن طويل، وأعتقه بدون أن ينوي فإنه يصح، وقيل: بل يجب اقترانها بالفعل، إلا في الصوم، فإنه ينوي بالليل، ويلزم تعيين الظهار، فإذا كان عليه كفارة صيام وكفارة ظهار، وأخرج الكفارة ولم يعين عن إحداهما، فإنها تصح عن إحداهما ولا يطالب بكفارة واحدة، فإن عين وأخطأ، بأن قال: نويت كفارة الصيام وعليه كفارة الظهار فإنها لا تصح، ويشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة، وأن تكون سليمة من العيوب المخلة بالعمل إخلالاً بيناً، فيجزئ عتق الصغير والكبير، والأقرع، والأعور، والأصم والأخرس الذي يفهم بالإشارة، لأنه يمكنه أن يعمل في الحياة، وإنما يجب الإعتاق إذا كان يملك رقبة، أو يملك ثمنها زائداً على كفايته هو ومن يعول من نفقة وكسوة مدة عمره الغالب عادة، وقيل بل يملك نفقته ونفقة من يعوله سنة، بحيث لا يترتب على شراء الرقبة ضرر يلحقه أو يلحق من يعول، وإن فاته بعض رفاهية، ومن ملك رقيقاً لا يستغني عن خدمته لمرض أو كبر أو نحو ذلك فلا يجب عليه عتقه، ولا يلزمه أن يبيع عقاره أو رأس مال تجارته أو ماشيته المحتاج إليها ليشتري عبداً يعتقه، فإن عجز عن الإعتاق انتقل إلى الصيام، ويعتبر العجز وقت أداء الكفارة لا وقت الوجوب، لأن وقت وجوبها هو عقب الظهار مباشرة، أما وقت أدائها فليس فوراً، ولكن يحرم تأخيرها والصيام شهران متتابعان، ولكن لا يلزمه أن ينوي التتابع، بل يكفيه نية الكفارة، وينقطع التتابع بإفطار يوم ولو لعذر لمرض أو سفر، ولو كان اليوم الأخير من الستين، ولا ينقطع بإغمائه طول اليوم، فإن عجز عن الصيام على الوجه المتقدم انتقل إلى إطعام ستين
مسكيناً بالشروط الموضحة في الجزء الثاني، فإن عجز عن إطعام ستين مسكيناً، فإن الكفارة تبقى ديناً في ذمته، بحيث يخرجها متى ملك، فإذا ملك جزءاً منها أخرجه، ولا تتجزأ الكفارة في الصيام والعتق حالة عجزه عن الإطعام يجوز له وطؤها، وإن لم يشق عليه الترك، وإذا شرع في الإطعام، ثم قدر على الصيام والعتق، فإنه لا يجب عليه الانتقال إلى الصوم والعتق.
المالكية - قالوا: يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة وأن لا تكون جنيناً، وأن تكون سليمة من العيوب، فلا يجزئ الأعمى، والأبكم، والمريض في حال النزع، ويجزئ الأعور والمغصوب والمرهون إن دفع دينه، أما المريض مرضاً خفيفاً، والمعيب عيباً خفيفاً، كالعرج الخفيف فإنه لا يضر، فإن لم يكن عنده رقبة وكان معسراً لا يستطيع شراءها، أو كان يملك رقبة محتاجاً إليها ولا يملك غيرها فإن كفارته تكون بالصيام، فعليه أن يصوم شهرين متتابعين بالهلال بحيث ينوي الصوم كفارة عن الظهار وينوي التتابع أيضاً، وتكفي نية واحدة في أول يوم من الشهر، فإن صام في أثناء الشهر وجب عليه أن يتمه ثلاثين يوماً، وإذا صام ثلاثة أيام وفي أثناء الرابع قدر على شراء رقبة، فإنه يجب عليه أن يتمادى على الصوم، ولا يرجع إلى العتق إلا إذا فسد صومه بمفسد آخر، فإنه يتعين عليه الرجوع إلى العتق، أما إذا قدر على العتق فيما دون اليوم الرابع، فإن كان في اليوم الأول وقبل الشروع في الثاني وجب العتق مع وجوب إتمام صوم اليوم، وإلا ندب.
ويقطع تتابع الصيام وطء المرأة المظاهر منها حال الكفارة، ولو في آخر يوم منه، ويستأنف مدة من جديد، لا فرق بين أن يكون الوطء عمداً أو نسياناً، ليلاً أو نهاراً، أما إذا وطئ امرأة غير مظاهر منها ليلاً فإنه لا يضر. وإذا وطئها نهاراً عمداً فإنه يقطع التتابع، أما إذا وطئها ناسياً، فإنه لا يقطع على المشهور، وينقطع التتابع بالفطر بسبب السفر، وبالمرض الذي ينشأ من السفر حقيقة أو توهماً، أما إذا مرض مرضاً لا علاقة له بالسفر وأفطر فإن فطره لا يقطع التتابع. وكذا لو مرض وهو مقيم فأفطر فإن الفطر لا يقطع ويقضيه متصلاً بصيامه. ولا يقطع التتابع فطر يوم العيد بشرط أن يصوم وهو يجهل أن صيامه يتخلله صيام يوم العيد. أما إن كان يعلم وصام، ثم جاء يوم العيد، فإن تتابعه ينقطع، ولو كان يجهل حرمة صيام يوم العيد. ومثل ذلك ما إذا جهل رمضان. فإذا عجز عن الصيام على الوجه المتقدم انتقل إلى الإطعام بالشروط المتقدمة في صحيفة 81 في الجزء الثاني طبعة ثالثة، ولا تسقط الكفارة إلا بالموت أو الطلاق البائن. وإن عجز عن الإطعام.
الحنابلة - قالوا: لا تلزم الرقبة إلا لم ملكها أو أمكنه ملكها بثمن مثلها، أو مع زيادة لا تجحف بحاله، ولو كان يملك مالاً غائباً عنه فإنه يجب عليه بشرط أن يكون الثمن زائداً على حاجته وحاجة من يعول من زوجة وأولاد وخادم وقريب، من نفقة ومسكن وخادم ومركوب وملبس يليق به وكتب علم ووفاء دين وغير ذلك. ويشترط أن تكون الرقبة مؤمنة. وأن تكون سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً، كالعمى، والشلل وأن لا تكون مريضة مرضاً ميئوساً من شفائه، فإن لم يجد الرقبة وجب عليه صيام شهرين متتابعين ولا يقطع التتابع صيام رمضان ولا فطر يوم العيد، أو أيام التشريق. أو الجنون، أو المرض المخوف، أو الإغماء أو الفطر ناسياً أو مكرهاً، أو لعذر مبيح الفطر، كسفر ونحوه، وإذا جامع المظاهر منها ليلاً أو نهاراً، عامداً أو ناسياً انقطع التتابع، أما إذا جامع غيرها ليلاً أو نهاراً ناسياً فإن التتابع لا ينقطع، فإذا عجز عن الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكيناً على الوجه السابق في الجزء الثاني، ولا يضره أن يطأ امرأته المظاهر منها في أثناء الإطعام) .

ابوالوليد المسلم 20-08-2022 09:42 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث العدة]
صـــــ 451 الى صــــــــ
464

الحلقة (224)

مباحث العدة

تعريفه
-العدة في اللغة مأخوذة من العدد، فهي مصدر سماعي لعد، بمعنى أحصى، تقول: عددت الشيء عدة إذا أحصيته إحصاء، والمصدر القاسي العد، إذ يقال: عد الشيء عداً، كرده رداً إذا أحصاه وتطلق العدة لغة على أيام حيض المرأة. أو أيام طهرها، وهذا غير المعنى الشرعي، لأن المعنى الشرعي ليس هو نفس أيام حيض المرأة، بل هو انتظار المرأة انقضاء هذه الأيام بدون أن تتزوج على أن المعنى الشرعي أعم من انتظار مدة الحيض أو الطهر، إذ قد يكون بالأشهر، كما يكون بوضع الحمل، أما معنى العدة شرعاً، ففيه تفصيل المذاهب (1) .
أنواع العدة، وأقسامها
-للعدة أنواع ثلاثة: الحمل، والأشهر، والإقراء، والمعتدة - هي التي تجب عليها العدة - إما أن تجب عليها العدة بفراق زوجها بموته، وهذه تنقسم إلى قسمين: أحدهما أن يتوفى عنها وهي حامل، أو يتوفى عنها وهي حائل، أي غير حامل، والأولى تنقضي عدتها بوضع الحمل. والثانية تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام بالشرائط الآتية، وإما أن تجب عليها العدة بفراق زوجها في الحياة بسبب الطلاق أو الفسخ، وهذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول أن يطلقها وهي حامل وهذه تنقضي عدتها بوضع الحمل. الثاني: أن يفارقها وهي ليست بحامل وهي من ذوات الحيض، وهذه تنقضي عدتها بثلاثة أقراء. الثالث: أن يفارقها وهي آيسة من المحيض وهذه تنقضي عدتها بثلاثة أشهر فالمعتدات خمس
(1) معتدة الوفاة الحامل
(2) معتدة الوفاة غير الحامل
(3) معتدة الطلاق الحامل
(4) معتدة الطلاق الحائل وهي من ذوات الحيض
(5) معتدة الطلاق الآيسة من الحيض، وقد عرفت أن العدة لا تخرج عن الأنواع الثلاثة. الأول: الحمل، فتنقضي عدة الحامل بوضعه، سواء كانت مفارقة بالموت أو الطلاق. الثاني: الأشهر، وتنقضي بها عدة الآيسة وعدة المتوفى عنها زوجها. الثالث: الأقراء، وتنقضي بثلاثة منها عدة اللائي يحضن فلنذكر ما في كل نوع منها من الأحكام، ونبدأ بعدة الحوامل فنقول:مبحث انقضاء العدة بوضع الحمل
-شروطه - عدة الزوجة الصغيرة الحامل - عدة الحبلى بوطء الشبهة - أو النكاح الفاسد - عدة الحبلى من زنا - تداخل العدتين في بعضهما - أكثر مدة الحمل وأقلها.
تنقضي العدة بوضع الحمل، سواء كانت الزوجة مطلقة أو متوفى عنها زوجها بشروط مفصلة في المذاهب (2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: للعدة اصطلاحاً تعريفان مشهوران: أحدهما أنها أجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح أو الفراش، فقوله: أجل ضرب، المراد به ما يشمل عدة ذوات الحيض، وهي ثلاثة قروء. وعدة اليائسة من الحيض لكبر أو صغر، وهي ثلاثة أشهر. وعدة الحامل، وهي وضع الحمل. وعدة المتوفى عنها زوجها إذا لم تكن حاملاً، وهي أربعة أشهر وعشر، وقوله لانقضاء ما بقي من آثار النكاح معناه أن النكاح له آثار مادية، وهي الحمل، وأدبية، وهي حرمة الزوج، فضرب هذا الأجل لتنقضي به هذه الآثار، وظاهر أن النكاح يشمل الصحيح والفاسد والنكاح بشبهة، فأما النكاح الصحيح فإن العدة فيه تجب بأحد أمرين: الوطء، والخلوة، فإذا تزوج امرأة وجامعها وجبت عليها العدة، وكذا إذا خلا بها ولم يجامعها، فإن العدة تجب أما العقد الفاسد فإن العدة لا تجب فيه بالخلوة، لأنه لا حرمة له، بخلاف الصحيح، فإن الخلوة تجعل بين الزوجين علاقة خاصة ينبغي مراعاتها، إذ ربما يعلق أحدهما بصاحبه فيندمان بعد الفراق، فالعدة تجعل للرجل فرصة العودة، فإذا تزوج امرأة بدون شهود وجامعها وفرق بينهما فإنه يجب عليها العدة من وقت التفريق، سواء كانت الفرقة بقضاء أو بغيره، أما إذا خلا بها ولم يجامعها فلا عدة عليها.
وهذا التعريف يشمل المطلقة رجعياً، لأن طلاقها جعل له الشارع أجلاً يزول النكاح به، وهو العدة، وقوله أو فراش شمل الأجل المضروب للأمة الموطوءة بملك اليمين لا بالنكاح، فهذا التعريف جامع مانع، وهو أحسن تعريف للعدة الشرعية.
ثانيهما: أنها تربص مدة معلومة تلزم المرأة بعد زوال النكاح، سواء كان النكاح صحيحاً أو بشبهة إذا تأكد بالدخول أو الموت، فقوله: تربص، أي انتظار، وقوله: مدة معلومة، المراد بها الأجل الذي ضربه الشارع، كما بيناه، ومعنى كون المرأة تنتظر في هذه المدة، أي تنتظر نهايتها حتى يحل لها التزوج والزينة، أما فيها فلا، وباقي التعريف ظاهر، ولكن يرد عليه ثلاثة أمور:
أحدها: أنه لا يشمل عدة المطلقة رجعياً، لأنه قال: إن الانتظار لا يلزمها إلا بعد زوال النكاح ونكاح المطلقة رجعياً لا يزول بالطلاق الرجعي.
ثانيها: أنه قال: أن الانتظار يلزم المرأة، وهذا يخرج عدة الصغيرة، لأنها ليست أهلاً للالتزام.
ثالثها: أنه لا يشمل عدة الأمة، لأنه قال: يلزم المرأة بعد وال النكاح، فالتعريف الأول أوضح وأشمل، ولا يخفى أن التعريف الأول لا يشمل منع الرجل من تزوج المرأة بسبب حتى يزول ذلك السبب، لأن هذا المنع ليس أجلاً مضروباً لانقضاء ما بقي من آثار النكاح بالنسبة للرجل وإنما هو بالنسبة للمرأة، مثلاً إذا كان متزوجاً بامرأة وطلقها، وأراد أن يتزوج بأختها فإنه يمنع من ذلك حتى تنقضي عدة أختها المطلقة، فهذه المدة لا تسمى عدة بالنسبة للرجل، وإنما هي عدة المرأة، وإنما منع الرجل كي تهدأ غيرة المطلقة وتيأس منه، فلا تحقده على أختها كل الحقد، ألا ترى أنها إذا ماتت فله أن يتزوج بأختها بدون انتظار، وكذا إذا ارتدت وذهبت إلى دار الحرب فإن له أن يتزوج بأختها بدون عدة، كما لو ماتت، أما التعريف الثاني فإنه قد نص على أن العدة خاصة بالمرأة حيث ذكر أن انتظار المدة يلزم المرأة لا الرجل، وعلى هذا يكون انتظار الرجل انقضاء مدة بدون تزوج ليس عدة شرعية، ثم انتظار الرجل تارة يكون محدوداً بعدة المرأة وتارة يكون بسبب آخر، فالأول أن يريد التزوج بأخت امرأته المطلقة، كما ذكرنا، ومثلها عمتها وخالتها، وبنت أخيها، وبنت أختها فإنه لا يحل أن يتزوج واحدة منهن حتى تنقضي عدة زوجته المطلقة وكذا إذا كان متزوجاً أربعاً وطلق واحدة منهن فإنه لا يحل له أن يتزوج خامسة إلا إذا انقضت عدة الرابعة المطلقة، ولا فرق بين أن يكون قد وطئ الرابعة بنكاح صحيح ثم طلقها، أو وطئها بنكاح فاسد، أو بشبهة وفرق بينهما، فإنها تعتد على كل حال، وما دامت في العدة فلا يحل له أن يتزوج خامسة، وكذا إذا أراد أن يتزوج امرأة معتدة من مطلقها الأجنبي، فإنه لا يحل له زواجها إلا إذا انقضت عدتها، فهو ممنوع من زواجها ما دامت في العدة، أما إذا طلق هو امرأة وكانت معتدة منه،
فإن له أن يتزوجها ثانياً وهي في العدة. وأما الثاني: فمنه أن يطلق امرأته ثلاثاً، ويريد تزوجها ثانياً، فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطلقها وتنقضي عدتها من ذلك الغير، فهو ممنوع من زواجها إلا إذا تزوجت بغيره وانقضت عدتها من ذلك الغير، ومنه أن يعقد على امرأة حامل من زنا، فإن العق يصح ولكن لا يحل وطؤها حتى تلد، ولا يقال: إن وضع الحمل انقضاء للعدة، فهو من الأول، لأنه لو كان عدة لم صح له العقد عليها، ومثل ذلك ما إذا تزوج حربية هاجرت إلينا مسلمة، وهي حامل فإنه يحل له العقد عليها لا وطؤها حتى تضع الحمل، ومن ذلك المسبية فإنه لا يحل وطؤها حتى تحيض حيضة، واحدة إن كانت من ذوات الحيض، وإلا انتظر شهراً. ومنه نكاح الوثنية، والمرتدة، والمجوسية، فإنه لا يحل حتى تسلم، فالرجل ممنوع من تزوج واحدة منهن بسبب الكفر.
والحاصل أن الرجل يمنع من التزوج عند وجود سبب المنع، فإذا زال السبب رفع المنع ثم إن المدة الممنوع فيها تارة تكون عدة للمرأة وتارة تكون مدة استبراء، وتارة تكون مدة كفر، ونحو ذلك، وعلى كل حال فمدة انتظاره لا تسمى عدة.
وبذلك تعلم أن ركن العدة هو شيء يلزم المرأة في زمن خاص بحيث يحرم عليها أن تتعداه، إذا يلزم المرأة أن تمنع عن التزوج بالغير. وتمتنع عن الزينة المعتادة للأزواج ما دامت في هذه المدة متى تحقق السبب ووجد الشرط، وأسباب وجوب العدة ثلاثة: العق الصحيح، وهذا تجب به العدة إذا توفي عنها زوجها، ولو لم يدخل بها، صغيرة كانت، أو كبيرة فسبب العدة في هذه الحالة أمران: العقد الصحيح والوفاة، فمن قال: إن الوفاة سبب في العدة لا يعني إلا وفاة الزوج بالعقد الصحيح كما هو ظاهر. ثانيها: الوطء سواء كان بعقد صحيح، أو فاسد، أو كان وطء شبهة، أما الوطء بالعقد الباطل، ووطء الزنا فإنهما لا عدة فيهما، وقد تقدم الفرق بين الفاسد والباطل في صحيفة 107 وما بعدها، وكذا تقدم بيان الوطء بشبهة في صحيفة 112 وما بعدها فارجع إليهما فالعقد الفاسد بدون وطء لا يوجب العدة كما تقدم، والباطل من باب أولى، ثالثها: الخلوة، سواء كانت صحيحة أو فاسدة على المعتمد، كما تقدم في صحيفة 105.
المالكية - قالوا: العدة هي مدة يمتنع فيها الزواج بسبب طلاق المرأة، أو موت الزوج أو فسخ النكاح، وقوله: يمتنع فيها الزواج يشمل المدة التي يمتنع فيها الرجل عن الزواج، كما إذا كان متزوجاً أربعة، وطلق الرابعة أو كان متزوجاً امرأة وطلقها وأراد أن يتزوج أختها، وهو قول لبعضهم، فإن انتظار الرجل يقال له عدة. وبعضهم يقول: إن منع الرجل لا يسمى عدة، وعلى هذا يزيد قيد المرأة، فيقول: مدة تمتنع فيها المرأة عن الزوج، أو طلاقه، فهذا التعريف يخرج انتظار الرجل مدة، ولكن يرد عليه أن العدة تكون لمن ثبتت براءة رحمها، كالصغيرة، وأجيب بأن الأصل فيها أن تكون لبراءة الرحم. ولكن هذا الجواب غير ظاهر، إذ لا دليل على أن الأصل فيها ذلك وعلى فرض أن الأصل فيها ذلك، فإن التعريف على كل حال ناقص، فالتعريف الأول هو الصحيح، لأن الشارع قد ضرب مدة يجل على المرأة أن لا تتزوج فبها سواء كان ذلك لبراءة الرحم أو تعبداً، كما يقولون.
وبذلك تعلم أن الوطء بالعقد الفاسد، ووطء الشبهة، ووطء الزنا لا يوجب العدة بهذا المعنى ولكن على كل واحدة من هؤلاء، سواء وطئت بزنا، أو بشبهة، أو بعقد فاسد، أو باكراه أن تستبرئ رحمها بقدر العدة، بدون فرق، فهو استبراء قدر العدة إلا الزانية إذا أريد استبراؤها لإقامة الحد عليها لا للتزوج بها، فإنها تستبرأ بحيضة واحدة. فلا تقتل قبل ذلك مخافة أن تكون حاملاً، ومثلها المرتدة، فإنها لا تقتل إلا بعد استبرائها بحيضة، ومثلها الاستبراء في اللعان الآتي بيانه.
واعلم أن عدة الأمة نصف عدة الحرة، ولكن إذا كانت من ذوات الحيض فعدتها حيضتان أما استبراؤها في الزنا، والوطء بشبهة فإنه يكفي فيه حيضة واحدة، وقد عرفت من قوله بسبب طلاق المرأة أو موت الزوج أن سبب العدة أمران فقط: أحدهما فراق الزوجة في حال الحياة بالطلاق أو فسخ النكاح: ثانيهما: موت الزوج، أما ما عدا ذلك من زنا، أو وطء شبهة، أو نحوهما فإن ما يترتب عليه لا يسمى عدة ولكنه استبراء وإن كان قدر العدة، ويقوم مقام الوطء الخلوة كانت خلوة اهتداء، أو خلوة زيارة، وقد تقدم بيانهما في صحيفتي 102، 103 بشرط أن يكون بالغاً قادراً على الوطء غير مجبوب، ولو أنزل بالمساحقة على المعتمد، وأن تكون مطيقة للوطء ولو حائضاً وأن يمكث معها زمناً يمكن وطؤها فيه ولو قالا: أنه لا وطء لا يسمع لهما، لأن العدة حق الله تعالى ولكنهما يعاملان بإقرارهما فيما هو حق لهما، فتسقط نفقتها ولا يتكمل لها الصداق، لأنها تكون مطلقة قبل الدخول، ويسقط حقه في الرجعة إذا طلقها طلاقاً رجعياً وإذا أقر أحدهما دون الآخر عومل بإقراره وحده.
ولا تعتد بقبلة، أو عناق، أو نحوهما في غير خلوة فإذا قالت: إنه وطئها ولم تعرف له خلوة بها عوملت بإقرارها ولزمتها العدة، سواء صدقها أو كذبها، وإن ادعى هو الوطء ولم تعرف له خلوة وكذبته، فلا عدة عليها، وعومل بإقراره في الصداق، والنفقة، والسكنى.
فإذا أنكر الوطء، وظهر بها حمل ولم تعرف له خلوة بها فإنها تعتد بوضع الحمل إن لم ينف الولد بلعان، أما إذا نفاه بلعان فإنها تنتظر حتى تضع الحمل أيضاً، ولكن انتظارها في هذه الحالة لا يقال له عدة، وإنما يقال له استبراء، ولا عدة عليها من الزوج، فلا بد لحلها للأزواج من وضع الحمل، إلا أنه على الأول تنقضي به العدة ويترتب على وجود الحمل أحكام العدة من توارث، ورجعة ونفقة، وعلى الثاني ينقضي به الاستبراء ولا يترتب على وجوده أحكام العدة المذكورة.
الشافعية - قالوا: العدة مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبد أو لتفجعها على زوج، فقوله: تتربص: أي تنتظر وقوله: المرأة خرج به المدة التي ينتظر فيها الرجل فإنها لا تسمى عدة. وقوله: لمعرفة براءة الرحم المراد بالمعرفة ما يشمل الظن واليقين، فأما اليقين فهو بوضع الحمل، وأما الظن فهو غير ذلك، وهذا كاف، إذ لا يلزم أن تبحث المرأة بحثاً يفضي إلى التيقن من براءة رحمها، بل يكتفي بالحيض، وقوله: أو للتعبد أراد به عدة الصغيرة نحوها ممن ثبتت براءة رحمها، وقد يقال: إن وجوب العدة على مثل هذه لاحترام علاقة الزوجية إذ قد يندمان على الفرقة فتكون لهما فرصة العودة بخلاف ما إذا لم يكن لها عدة وتزوجت بغيره، فإن الفرصة تضيع عليه، مع كونه أحق بها من غيره، ولا يرد غير المدخول بها فإن عدم مباشرتها لم تجعل لها مكانة في نفسه، فإذا لم تشرع لها عدة، والمراد بالمرأة الموطوءة بعقد صحيح أو فاسد أو شبهة فإنها تجب عليها العدة لبراءة رحمها أما الموطوءة بزنا، أو بعقد باطل فإنها لا عدة عليها، وقد تقدم بيان الفاسد والباطل في صحيفتي 110 و 111 وقوله: لتفجعها للإشارة إلى أن العدة قد تترتب على مجرد العقد الصحيح بدون وطء في حالة ما إذا توفي عنها زوجها، فأسباب العدة وفاة الزوج بالعقد الصحيح والوطء، سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو وطء شبهة ويقوم مقام الوطء إدخال مني الزوج في فرجها بأنبوبة ونحوها، أما الخلوة: فإنها لا توجب العدة، ومثلها الوطء بالعقد الباطل أو الزنا.
الحنابلة - عرفوا العدة بأنها التربص المحدود شرعاً، والمراد به المدة التي ضربها الشارع للمرأة، فلا يحل لها التزوج فيها بسبب طلاقها أو موت زوجها بالشرائط الآتية، ولا يخفى أن هذا التعريف حسن لأنه لم يتعرض فيه لبراءة الرحم، ولا لغيره، فمن قصره على ذلك لم يكن له وجه.

ثم إن هذه المدة التي ضربها الشارع للزوجة تارة تترتب على وفاة الزوج بالعقد الصحيح سواء دخل بها أو لم يدخل وتارة تترتب على الوطء بالعقد الفاسد أو بشبهة أو بزنا فالزنا عندهم يوجب العدة ومثله الوطء بالعقد الباطل، إلا أنها تعتد في الزنا والعقد الباطل بثلاثة قروء من وقت وطئها ولو مات عنها، ويقوم مقام الوطء إدخال مني زوجها في فرجه. فإن كان مني أجنبي ففيه قولان مصححان: وجوب العدة به وعدمها وتارة تترتب على الخلوة، سواء كانت صحيحة أو فاسدة، وسواء كان العقد صحيحاً أو فاسداً، فمتى خلا بها وهو عالم فإن العدة تجب، ولو لم يمسها أو يضع يده عليها، إلا إذا خلا بها رغم أنفها، أو كانت صغيرة لا يوطأ مثلها، أو كان هو صغيراً لا يطأ مثله، فإنه لا عدة عليها، على أي حال، حتى ولو وطئها، والصغير هو من كان دون عشر سنين، والصغيرة هي من كانت دون تسع سنين، وأما العقد الباطل فإن الخلوة فيه لا توجب العدة والمراد بالباطل ما كان مجمعاً على بطلانه "كنكاح الخامسة، والمعتدة" ونحو ذلك. فأسباب العدة عندهم تتناول الخلوة مطلقاً. والوطء بالعقد الباطل، والزنا) .
(2) (الحنفية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بوضع حمل المطلقة والمتوفى عنها زوجها ثلاثة شروط: أحدها: أن ينفصل الحمل منها جميعاً، فإن نزل بعضه ولو ثلثاه، فإن عدتها لا تنقضي، وفائدة هذا الشرط تظهر عملياً فيما إذا مات الجنين في بطنها، واحتاج إخراجه منها إلى تقطيعه، فأخرج معظمه وبقيت منه قطعة، فإن عدتها لا تنقضي، ولو كانت القطعة صغيرة إلا إذا يئست من إخراجها على المعتمد، ثانيها: أن يكون الولد متخلقاً، فإذا أسقطت قطعة لحم لم يظهر فيها جزء انسان، فإن عدتها لا تنقضي بها، بل لا بد من انقضاء عدتها بثلاث حيض، ثم إن أمكن اعتبار دم السقط حيضاً، بأن لم يزد على أكثر مدة الحيض، وهي عشرة أيام، ولم يقل عن أقلها وهي ثلاثة أيام وثلاث ليال احتسب حيضة لها، وإلا كان استحاضة فلا يحسب. ثالثها: أنها إذا كانت حاملة باثنين أو أكثر، فإن عدتها لا تنقضي إلا بنزول الولد الأخير وانفصاله منها جميعه، فلا يكفي انفصال واحد.
ولا يشترط لانقضاء عدة الحامل بوضع الحمل أن يكون الزوج بالغاً، بل تنقضي عدة زوجة الصغير الذي لا يولد لمثله بوضع حملها إذا فارقها في حال الحياة، ولا يلحقه نسبه طبعاً لأنه زنا، والعدة تجب بخلوة الصغير ولو لم يطأ. كما تجب بوطئه، وحيث كانت حاملاً من غيره فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، فإن قلت: أن الصغير عند الحنفية لا يصح طلاقه، فكيف يتصور وجوب العدة على امرأته المطلقة؟ والجواب: أنه يتصور في حالتين: إحداهما: أن يخلو بها وهو صغير ويتركها ثم يطلقها بعد بلوغه، الحالة الثانية: أن تكون ذمية بالغة متزوجة بذمي صغير، ثم تسلم ويأبى ولي الصغير أن يسلم فإنها تبين منه في هذه الحالة وتعتد بالخلوة الصحيحة، والمراد بالصغير غير المراهق، وهو من لم يبلغ سنه ثنتي عشرة سنة، وتجب بخلوة الصغير ووطئه العدة دون المهر.
هذا إذا كانت امرأة الصغير الحامل مطلقة، أما إذا توفي عنها وهي حامل أو مات عنها وحملت في العدة. ففي عدتها خلاف، فبعضهم يقول: إن عدتها تنقضي بوضع الحمل أيضاً، كالمطلقة، وقيل: بل تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة الوفاة، فإذا مات عنها ثم وضعت حملها بعد شهرين من وفاته مثلاً، فإنه يجب عليها أن تنتظر شهرين وعشرة أيام بعد الحمل، وإذا انقضت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل وضع الحمل فإن عدتها تنقضي قبل الوضع، ويصح العقد عليهم، ولكن لا يصح جماعها إلا بعد الوضع، ولا يثبت النسب من الصغير على أي حال، سواء ولدت لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد عليها. أو لستة أشهر فأكثر، والقول الثاني هو الصحيح. وهو رأي المالكية والشافعية كما ستعرفه في مذهبهم.
ثم إن عدة الحامل المطلقة تنقضي بوضع الحمل، سواء كان المطلق صغيراً أو كبيراً فإذا وطئ شخص امرأة الآخر بشبهة، كما إذا زفت عروس إلى غير زوجها فوطئها، وحملت منه فإنه يحرم على زوجها أن يطأها حتى تنقضي عدتها من وطء الشبهة بوضع الحمل، فإذا طلقها زوجها أيضاً فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وتتداخل العدتان، ولا يحل للواطئ الذي أحبلها أن يتزوجها إلا بعد وضع الحمل، لأنها مشغولة بعدة مطلقها، ومثل ذلك ما إذا طلق شخص امرأته طلاقاً بائناً، ثم وطئها على ظن أنها تحل له في أثناء العدة فإنها في هذه الحالة يجب عليها عدتان: إحداهما عدة الطلاق والثانية عدة وطء الشبهة، ولكن العدتين تتداخلان بمعنى أنها تستأنف عدة أخرى، بحيث إذا حملت منه فإن عدتها لا تنقضي إلا بوضع الحمل، أما إذا لم تحمل فإنه يحسب لها ما مضى من الحيض من مجموع العدتين المتداخلتين، مثلاً إذا وطئها بعد أن حاضت مرة فإنه يجب عليها أن تستأنف العدة بثلاث حيض من وقت الوطء، منها حيضتان تحسب مضمومة إلى عدتها الأولى.
والعدة الثانية تحسب من تاريخ الوطء وهي ثلاث حيض، منها الحيضتان المضمومتان إلى الحيضة الأولى، وهذا معنى التداخل وكذا إذا وطئها أجنبي بشبهة، وهي تحت زوجها ثم طلقها زوجها أو وطئها أجنبي بشبهة، أو بعقد فاسد، وهي في العدة، فإنها تلزم بعدتين، عدة بالوطء الفاسد وعدة لزوجها، ولكنهما تتداخلان، فتستأنف العدة بالحيض، فإذا حاضت ثلاث مرات انقضت العدتان جميعاً، فإن كانت قد حاضت مرة بعد طلاق زوجها فإنه يضم إليها حيضتان من الثلاث، تنقضي بهما عدة زوجها، ثم تحسب الثلاث حيض من تاريخ الوطء، وبها تنقضي عدة الثاني، فالحيضتان الحاصلتان بعد الوطء تحسبان تارة من العدة الأولى، وتارة من العدة الثانية، وإن كانت قد حاضت ثنتين قبل الوطء الفاسد، فإن عليها أن تستأنف عدة بثلاث حيض من تاريخ الوطء، تضم منها واحدة إلى عدة الزواج الأول، وتضم هي بعينها إلى عدة الثاني، فتدخل الحيضة مرة في هذه العدة ومرة في هذه العدة، وعلى هذا القياس.
وبهذا تعلم أنها إذا حملت بعقد صحيح، أو عقد فاسد، أو وطء شبهة، فإنها تعتد بوضع الحمل، ويثبت نسب الولد من الواطئ الذي علقت منه، أما الحبلى من زنا فإنها لا عدة عليها، بل يجوز العقد عليها، ولكن لا يحل وطؤها حتى تضع الحمل، فإذا طلقها قبل الدخول والخلوة فلا عدة عليها، أما إذا خلا بها، أو وطئها وهو يظن حلها له، ثم طلقها بعد ذلك وقبل أن تضع الحمل، فإن عدتها تنقضي بوضع حملها من الزنا، ولا عدة له عليها.
هذا والحنفية يقولون: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر كغيرهم من الأئمة الثلاثة، وأكثرها سنتان، خلافاً للجميع، كما ستعرفه من مذاهبهم.
فإذا تزوجت المطلقة، أو المتوفى عنها زوجها وهي في العدة بزوج آخر ثم جاءت بولد فإن ولدته لأقل من سنتين من تاريخ طلاقها من الأول، أو تاريخ وفاته، فإنه ينظر هل ولدته لأقل من ستة أشهر من تاريخ الزواج الثاني أو ولدته لستة أشهر فأكثر من ذلك التاريخ؟ فإن كان الأول فإن الولد يلحق بالمطلق أو المتوفى، مثلاً إذا طلقها في شهر المحرم، ومضت عليها سنة ونصف لم تحض فيهما مع كونها من ذوات الحيض، ثم تزوجت بغيره وجاءت بولد بعد خمسة أشهر فإنه يكون للأول، لأنها جاءت به لأقل من سنتين من تاريخ طلاقها، ولأقل من ستة أشهر من تاريخ زواجها الثاني، أما إذا جاءت به لستة أشهر من تاريخ الزواج فأكثر فإنه يكون للثاني، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فيحتمل أنها علقت من الثاني، وأن أكثر مدة الحمل سنتان، وقد مضى في هذه الحالة أكثر منها من تاريخ طلاقها من الأول، فلا يمكن نسبة الولد إليه، ويكون النكاح صحيحاً في هذه الحالة، لأنه يتبين أن عدتها قد انقضت بحملها من الثاني فإذا ولدته لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول، ولأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني، كما إذا تزوجت بعد سنة وثمانية أشهر من تاريخ طلاقها، ثم ولدت لأربعة أشهر من تاريخ زواجها، فتكون قد ولدت لسنتين وشهرين من تاريخ طلاقها ولأربعة أشهر من تاريخ زواجها، فإن الولد لا ينسب لا للأول ولا للثاني، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج الثاني يعلم بأنها في العدة أو لا، لأنه متى أمكن نسبة الولد إلى واحد منهما على الوجه الذي ذكرناه فإنه ينسب إليه، سواء كان العقد صحيحاً أو فاسداً، لأن نسبة الولد إلى أحدهما أولى من ضياعه ونسبته إلى الزنا، على أنه إذا كان الثاني لا يعلم بأنها في العدة فإن نكاحه يكون صحيحاً، وسيأتي إيضاح ذلك في مباحث النسب.
المالكية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بالحمل أربعة شروط: الشرط الأول: أن يلحق الولد بالزوج، بأن يثبت نسبه منه ولو نفاه بسبب اللعان الآتي بيانه، متى ثبتت خلوته بها، لأنه وإن نفاه في الظاهر، ولكن يحتمل أنه منه في الواقع، فتنقضي عدتها بوضعه، فإذا لم يلحق نسب الولد بالزوج المتوفى، فإن العدة لا تنقضي بالوضع، مثلاً إذا تزوج امرأة وهي حائض، ثم طهرت من الحيض ولم يقربها، ثم حملت سفاحاً وظهر حملها ومات زوجها عنها، فلا تنقضي عدتها بوضع الحمل، بل لا بد من مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، وهي عدة الوفاة فإن وضعت بعد ثلاثة أشهر من وفاته مثلاً فإن عدتها لا تنقضي، بل لا بد من أن تنتظر شهراً وعشرة أيام بعد الوضع حتى تكمل أربعة أشهر وعشراً، وإذا انقضت أربعة أشهر وعشر قبل أن تضع فلا تنقضي عدتها إلا بالوضع.
هذا في المتوفى عنها زوجها، أما المطلقة فإنها إذا حملت من زنا وهي تحته فإن عدتها لا تنقضي إلا بثلاثة أطهار تحسب لها بعد وضع الحمل، بحيث تحيض بعد الوضع ثلاث حيض وتطهر منها، ولا تنقضي عدتها إلا إذا رأت دم الرابعة.
يتبع


ابوالوليد المسلم 20-08-2022 09:43 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث العدة]
صـــــ 451 الى صــــــــ
464

الحلقة (225)


الشرط الثاني: أن تثبت خلوته بها زمناً يمكنه أن يطأها فيه، وليس معه نساء متصفات بالعدالة والعفة، ولو واحدة، فإذا خلا بها لحظة صغيرة، أو كان معهما واحدة متصفة بالعدالة والعفة فلا تعتبر الخلوة، أما إذا كان معها نساء متهتكات معروفات بالسقوط فإنهن لا يمنعن صحة الخلوة فإذا لم تثبت الخلوة وظهر بها حمل فإنها تعتد بوضعه ما لم ينفه الزوج بلعان، فإن نفاه فإن وضعه لا يكون عدة لها،ولكن يكون استبراء ولا نفقة لها عليه ولا يتوارثان. أما إذا ثبتت الخلوة ونفاه بلعان فإنها تعتد بوضعه. لأن نفيه إياه في الظاهر لا يرفع احتمال أن يكون منه في الواقع.
الشرط الثالث: أن ينفصل الولد كله منها بعد الطلاق فلو نزل بعضه فإن عدتها لا تنقضي. وفي انقضاء العدة بنزول ثلثيه الخلاف المتقدم في عدة المتوفى عنها زوج وهي حامل.
الشرط الرابع: أن يكون حملاً ولو قطعة لحم. وقد عرفت أنه يعرف بصب الماء الحار عليه فإن لم يذب كان حملاً.
ثم إن المالكية قالوا: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأكثرها خمس سنين، وهذا هو المشهور الذي درج عليه القضاء عندهم، فإذا طلق امرأته واعتدت بالحيض أو بالأشهر في حال ما إذا مات عنها زوجها، وانقضت عدتها بثلاث حيض في الحالة الأولى، أو بأربعة أشهر وعشرة في الحالة الثانية ثم جاءت بولد لأقل من خمس سنين تحسب من زمن انقطاع وطئه عنها، فإن الولد يلحق نسبه بالزوج إن كان ميتاً بلا كلام، ويلحق بالمطلق إن كان حياً ما لم ينفه بلعان، بأن يدعي أنه ابن زنا ويلاعن بالكيفية الواردة في القرآن، كما يأتي في مباحث اللعان.
هذا إذا لم تتزوج حتى انقضت عدتها بالأشهر إذا كانت متوفى عنها زوجها أو بالحيض إن كانت مطلقة، وليس الحيض دليلاً على انقضاء العدة عند ظهور الحمل، لأن الحامل قد تحيض عند المالكية، أما إذا تزوجت غيره قبل الحيض، أو بعد الحيض، ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من الزواج الثاني، فإن الولد ينسب إلى الزوج الأول، ويفسد نكاح الزوج الثاني، لأنه يتبين في هذه الحالة أنه نكحها وهي في العدة، وتنقضي عدتها في الاثنين بوضع الحمل، أما إذا ولدته لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني فإنه يلحق بالثاني، ولو ولدته قبل انقضاء أقصى مدة المحل من انقطاع وطء الثاني، وهي الخمس سنين، ولا يفسخ النكاح.
وإذا ارتابت المرأة في وجود الحمل بعد انقضاء عدتها، فإنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تزول الريبة، ولو مكثت أقصى مدة الحمل، وهي خمس سنين، فإن تزوجت وهي مرتابة، فإن تزوجت قبل مضي الخمس سنين بأربعة أشهر، وولدت لخمسة أشهر من وطء الثاني، فإن الولد لا ينسب لواحد منهما، أما الأول فلأنها ولدته بعد الخمس سنين بشهر، وأما الثاني فلأنها ولدته لأقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر، وتحد المرأة لأنها تكون زانية، وقد استشكل بعض العلماء هذا فقال: إن الخمس سنين ليست محددة بكتاب الله، خصوصاً أن بعضهم قال: إن مدة الحمل قد تكون سبع سنين، وعلى هذا فينسب الولد الأول، ولا تحد المرأة.
الشافعية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بوضع الحمل ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون الحمل منسوباً إلى رجل له حق في العدة، ولو احتمالاً، فدخل بذلك الوطء بالعقد الصحيح والفاسد والوطء بشبهة الحمل الحاصل بسبب واحد من هذه الأشياء ينسب إلى الواطئ فيوجب العدة، أما وطء الزنا فإنه لا عدة فيه، ويحل التزوج بالحامل من الزنا ووطؤها وهي حامل على الأصح، فلو جهل حالها هل هو من الزنا، أو من وطء الشبهة، عوملت بوطء الشبهة بالنسبة للحد، فلا تحد، عوملت بوطء الزنا بالنسبة للعدة عليها، وقوله: ولو احتمالاً لإدخال وضع الحمل المنفي بلعان، فإنه وإن كان الولد لا ينسب إلى الواطئ لأنه زعم أنه تولد من الزنا، ولكن يحتمل أنه كاذب في الباطن فتنقضي العدة بوضعه، ولذا لو استلحقه بعد نفيه، يلحقه وينسب إليه، فإن حملت بزنا أو بوطء وهي تحت زوجها، ثم مات عنها فإنها تعتد عدة وفاة فلا تنقضي عدتها إلا بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام، مثلاً إذا كانت متزوجة صبياً لا يولد لمثله، بأن كان دون تسع سنين، أو متزوجة برجل ممسوح، أي مقطوع الذكر والأنثيين، ثم مات فوجدت حاملاً، فإن عدتها لا تنقضي إلا بمضي أربعة أشهر وعشرة، بحيث لو وضعت قبلها فإن عدتها لا تنقضي، وذلك لأن الولد في هذه الحالة لا يمكن نسبته إلى الزوج لا حقيقة ولا احتمالاً. وهذا بخلاف ما إذا كان مقطوع الانثيين دون الذكر، أو العكس، فإنه في الحالة الأولى يحتمل أن ينزل ماءً تحمل منه، وفي الحالة الثانية يحتمل أن يساحقها فينزل المني بواسطة الانثيين. وعلى كل حال فلا تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل، لأن الولد ينسب إلى الميت.
أما إذا طلقها فوطئها شخص آخر، وهي في عدتها بعقد فاسد، أو وطئها بشبهة فحملت منه فإنها في هذه الحالة تعتد عدتين: عدة وطء الشبهة وعدة الطلاق. وتبدأ بالعدة الأولى، فإذا وضعت الحمل انقضت عدة الوطء الفاسد، ثم تعتد بعد انقضاء النفاس عدة كاملة بثلاثة أطهار، فإذا لم تحمل بالوطء الفاسد فإنها تبدأ بعد الطلاق، فتقضي ثلاثة قروء كاملة من وقت طلاقها بحيث لو كانت طاهرة بعد انقضاء نطقه بالطلاق، ثم حاضت يحسب لها ذلك طهراً كاملاً. وبعد أن تنتهي من عدة الطلاق تعتد عدة أخرى للوطء الفاسد بثلاثة قروء أخرى.
وبهذا تعلم أن عدة الوطء الفاسد تقدم في حالة ما إذا حملت به، أما إذا لم تحمل فإن عدة الطلاق تقدم حتى ولو كان الوطء الفاسد قبل الطلاق، مثلاً إذا وطئها شخص بشبهة، وهي في عصمته، ولم تحمل من وطئه، ثم طلقها زوجها فإنها تعتد لطلاقه أولاً.
هذا إذا وطئها شخص غير زوجها، أما إذا طلقها زوجها طلاقاً رجعياً قبل أن يراجعها فقد تقدم حكم ذلك في مبحث الرجعة، وهو إن كانت من ذوات الحيض تبتدئ عدتها من بعد الفراغ من الوطء وما مضى من العدة يسقط، أما ما بقي فإنه يدخل في العدة الجديدة لا فرق في ذلك بين أن تحمل من هذا الوطء أو لا، مثلاً إذا طلقها وهي غير حامل، ثم وطئها بعد مضي قرء من عدتها، فأحبلها بذلك الوطء، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل ويدخل فيها ما بقي لها من قرأين فلا تطالب بهما بعد انقضاء الوضع، وكذا إذا طلقها وهي حامل ثم وطئها قبل الوضع فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، ولا تطالب بعدة الاقراء بعد الوضع لأن الغرض من العدة معرفة براءة الرحم وهو مشغول، فلا حاجة لعدة أخرى، بل تدخل في عدة الحمل، لأنه هو صاحب العدة، وإذا كانت مكن ذوات الأشهر، فكذلك تبدأ عدتها من وقت الوطء، ويدخل فيها ما بقي من الأشهر وقولهم: إذا طلقها طلاقاً رجعياً احترز به عما إذا طلقها طلاقاً بائناً، ثم وطئها وهو عامل بالتحريم، فإن ذلك يكون زنا لا عدة له عندهم.
وحاصل ذلك أنه إذا طلقها طلاقاً رجعياً، ثم وطئها قبل الرجعة كان ذلك الوطء وطء شبهة تعتد له، لأن بعض الأئمة يقول بجوازه، فلا فرق فيه بين أن يكون عالماً بالتحريم أو جاهلاً أما إذا طلقها طلاقاً بائناً ثم وطئها، فإن كان عالماً بالتحريم فإن وطأه يكون زنا، وإلا بأن كان قريب عهد بالإسلام ويجهل، أو يعلم التحريم، ولكنه ظنها امرأته الأخرى، فإنه يكون وطء شبهة يجب فيه العدة.
هذا، وليس له أن يطأ حاملاً بوطء الشبهة، حتى ولو راجعها قبل وضع الحمل.
الشرط الثاني: أن ينفصل منها الولد، فلو مات في بطنها ومكث سنين كثيرة ولم تلد، فإن عدتها لا تنقضي، ولو كانت حاملاً باثنين، فإن عدتها لا تنقضي إلا بانفصال الولد الثاني.
الشرط الثالث: أن يكون الولد مخلقاً، بأن أخبر القوابل أنه حمل لظهور يد أو أصبع، أو ظفر بخلاف ما إذا وجد شك في أنه لحم إنسان، فإنها لا تنقضي به العدة، وكذا إذا أسقطت علقة غير مخلقة، فإنها لا تنقضي بها العدة.
واعلم أن أقل مدة الحمل عند الشافعية ستة أشهر كغيرهم، وأكثرها أربع سنين فإذا فارق امرأته بطلاق بائن، أو رجعي، أو فسخ فجاءت بولد بعد أربع سنين، وتحسب من ابتداء فراقها ناقصة لحظة الوطء التي أحبلها بها قبل طلاقها لأن المعقول أن مدة الحمل تحسب من وقت علوق الولد لا من وقت طلاق المرأة، وأكثرها أربع سنين، فإذا حسبت من تاريخ فراق المرأة بطلاق ونحوه كانت أكثر من أربع سنين، فلا بد إذاً من أن يقال أربع سنين من وقت علوق الولد أو يقال: أربع سنين من وقت الفرقا ناقصة لحظة الوطء التي حملت فيها قبل الفراق، وعلى كل حال فإذا جاءت المرأة بولد بعد أربع سنين كان الولد ابناً للمطلق، إلا إذا تزوجت بغيره وكان الزوج الثاني قادراً على الوطء، أما إذا تزوجت ممن لا يمكنه الوطء لصغر أو غيره وجاءت بولد فإنه ينسب للمطلق أيضاً، لأن الزوج الثاني لعدمه، فإذا تزوجت المطلقة وهي في العدة، وكان الزوج الثاني يجهل كونها في العدة فولدت له لأكثر من أربع سنين من طلاق الزوج الأول كان الولد للزوج الثاني بشرط أن تلده لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئها، مثلاً إذا طلقت وهي من ذوات الحيض ومضت عليها ثلاث سنين وأربعة أشهر ولم تحض، ثم تزوجت بآخر ووطئها ثم ولدت بعد ثمانية أشهر.
فإن الولد يكون للثاني، لأن أقصى مدة الحمل، وهي أربع سنين فقد انقضت وجاءت به لأكثر من ستة أشهر، ولو كان طلاق الأول رجعياً، على المعتمد، أما إذا جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت وطء الثاني أو لأقل من أربع سنين من وقت طلاق الأول، فإن الولد يلحق بالأول، ثم إن المرأة تنقضي عدتها بوضع الحمل بالنسبة للزوج الأول، وتعتد ثانية للوطء الثاني المبني على نكاح الشبهة.
هذا، وإذا أمكن نسبته لهما معاً بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني، ولأقل من أربع سنين من طلاق الأول، فإن الولد في هذه الحالة يعرض على القائف، أي الذي يعرف الشبه، فيقول:وجه هذا الولد كوجه فلان، أو يده، أو رجله، أو أصابعه، أو نحو ذلك، وما يحكم به القائف يعمل به، فإذا لم يوجد قائف، أو اختلفت القافة في أمره، فإن الولد يترك للبلوغ، وبعد البلوغ يختار أيهما شاء، وينسب إليه.
وقولهم: ولو كان الزوج الثاني يجهل كونها في العدة خرج به ما إذا كان يعلم أنها في العدة، فإنه يكون زانياً لا يترتب على وطئه نسب ولا عدة، كما تقدم.
الحنابلة - قالوا: يشترط في انقضاء العدة بوضع الحمل ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يلحق الولد الزوج، فإن لم يلحقه، كما إذا كان الزوج صغيراً دون عشر سنين أو كان ممسوحاً، وهو مقطوع الذكر والأنثيين أو مقطوع الأنثيين فقط، لأنه لا يلد، ثم توفي وتبين أن امرأته حامل، فإن عدتها لا تنقضي بوضع الحمل، لظهور أن الولد ليس ابنه، فلا يلحق نسبه به، ومثل ذلك ما إذا تزوجها، ثم مات عقب العقد بدون أن يمضي وقت يتمكن فيه من وطئها. أو دخل بها ثم مات عنها، وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت العقد، فإنها في كل هذه الأحوال لا تنقضي عدتها بالوضع، بل لا بد من مضي أربعة أشهر وعشراً إذا كانت حرة، ونصفها إذا كانت أمة، وتبدأ عدتها بعد وضع الحمل، فعليها عدتان: عدة الوطء الفاسد، وتنقضي بوضع الحمل، وعدة الزوج المتوفى، وتنقضي بأربعة أشهر وعشرة أيام، تبدأ فيها عقب الوضع، وإذا عقد عليها عقداً فاسداً، كما تزوجها بغير ولي أو شهود، ثم وطئها فحملت، وتوفي عنها، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإذا لم تحمل فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام، كالمتوفى عنها زوجها بالعقد الصحيح، وهذا بخلاف ما إذا عقد عليها عقداً مجمعاً على بطلانه، كما إذا عقد على امرأة وهي في عدة غيره ووطئها، فإنه إذا توفي عنها وهي غير حامل، فإن عدتها تنقضي بثلاث حيض، لأن هذا العقد كالعدم، فالغرض من العدة ثبوت براءة الرحم بالحيض كما إذا زنا شخص بامرأة، فإنها يجب عليها أن تعتد بثلاث حيض، ولا تجب العدة بالخلوة في العقد الباطل المجمع على بطلانه، وإنما تجب بالخلوة في العقد الفاسد.
والحاصل أن العدة تجب بالوطء، سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو زنا، وسواء كانت المرأة مكرهة أو مطاوعة، ولكن إذا توفي الزوج ولم تكن حاملاً، فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشراً في العقد الصحيح، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، مدخولاً بها أو غير مدخول بها، فإن كانت حاملاً، وكان زوجها كبيراً يولد لمثله، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإن كان صغيراً لا يولد لمثله، أو ثبت أن الحمل ليس من زوجها المتوفى، فإن عدتها لا تنقضي بوضع الحمل، بل لا بد من أربعة أشهر وعشر تحسب لها عقب الولادة، ومثل العقد الصحيح العقد الفاسد، وهو الذي لم يصح عند الحنابلة، ولكن قال به غيرهم من الأئمة، كالعقد بغير ولي، أو شهود، أما العقد الباطل المجمع على بطلانه، فإنه إن وطئها ولم يحبلها، ومات عنها، فإن عدتها تنقضي بثلاث حيض، ومثل ذلك ما إذا زنى بها، وقد عرفت حكم ما إذا أحبلها، أما إذا طلقها وهو حي فسيأتي حكمه بعد، ولكن بفارق حكمه حكم المتوفى عنها زوجها فيما إذا طلقها وهو صغير لا يولد لمثله، فإنها لا عدة عليها أصلاً.
الشرط الثاني: أن تضع كل الحمل، فإذا وضعت بعضه كثيراً كان أو قليلاً، فإن عدتها لا تنقضي وإذا كانت حاملاً باثنين فإن عدتها لاتنقضي إلا بوضع الثاني كله، ويصح العقد عليها بمجرد الوضع، ولكن يحرم وطؤها حتى تطهر من النفاس، ولو انقطع الدم. وإن وضعت ولداً وشكت في وجود آخر، فإن عدتها لا تنقضي حتى يزول الشك.
الشرط الثالث: أن يكون الولد مخلقاً. فإن أسقطت مضغة فإن العدة لا تنقضي بها إلا إذا أخبر النساء الخبيرات بأن هذه المضغة إنسان فإن العدة تنقضي به. بخلاف ما إذا قالت الخبيرات إنه مبدأ خلق آدمي. فإنه لا تنقضي به العدة، بل لا بد أن تشهد بأن به صورة إنسان خفية. ومن باب أولى ما إذا وضعت علقة. أو دماً فإنه لا تنقضي به العدة.
ثم اعلم أن أقل مدة الحمل عند الحنابلة ستة أشهر. كغيرهم. أما أكثرها فهي أربع سنين. وفاقاً للشافعية، وخلافاً للحنفية القائلين: إنها سنتان. والمالكية القائلين: إنها خمس سنين.
فإذا تزوجت المطلقة. أو المتوفى عنها زوجها وهي في العدة فإن النكاح يقع باطلاً على كل حال ولا تنقطع عدتها حتى يطأها الزوج الثاني. سواء علم بالتحريم أو لم يعلم. فإذا فارقها الثاني بنت على عدتها من الأول. مثلاً إذا طلقها فحاضت حيضة وتزوجت بغيره زواجاً باطلاً كانت عدتها الأولى ما لم يطأها الثاني، فإذا وطئها انقضت العدة من الأول، فإذا فارقها الثاني بنت على عدة الأول، واستأنفت العدة من الثاني، فلا تتداخل العدتان، فعليها لزوجها الأول عدة قضت منها حيضة، وبقي عليها حيضتان، وعليها من الوطء الحرام عدة أيضاً تقضيها بعد عدة الزوج الأول ولا فرق في عدة الأول بين أن تكون حيضاً أو شهراً، فإذا جاءت بولد، فإن كان لأقل من ستة أشهر من تاريخ وطء الثاني فإنه يكون للأول، بشرط أن لا يكون سقطاً، بل يعيش كالأولاد، كما تقدم، وبه تنقضي عدة الزوج الأول، ويكون عليها عدة للوطء الثاني بثلاثة قروء، أما إذا ولدته لستة أشهر فأكثر، فإنه ينسب للثاني وبه تنقضي عدة الوطء الثاني، وتبقى عليها عدة كاملة للزوج الأول، فتعتد به بثلاثة قروء بعد ولادتها أيضاً.
هذا إذا أمكن نسبته إلى الثاني فقط، بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئه، ولأربع سنين فأكثر من تاريخ طلاقها من زوجها الأول، كأن كانت تحيض كل ثلاث سنين ونصف مرة. أو تأخر حيضها بسبب من الأسباب، ثم حاضت بعد هذه المدة، وتزوجت بآخر قبل أن تحيض الحيضتين الباقيتين، فوطئها وولدت لستة أشهر فأكثر من تاريخ وطئه، فإن الولد في هذه الحالة ينسب للثاني بلا كلام، لأنها ولدته بعد انقضاء أكثر من مدة الحمل من تاريخ الفراق، وأقل مدة الحمل من تاريخ الوطء، فلا شبهة في كون الولد للثاني، أما إذا أمكن نسبة الولد لهما معاً بأن جاءت به لستة أشهر فأكثر من وطء الثاني، ولأقل من أربع سنين من تاريخ طلاقها من الأول، فإن الولد يبحث بمعرفة القافة، بأن ينظر القائف في الواطئين وفي الولد، فإذا ألحقوه بواحد منهما كان ابنه وانقضت به عدتها، وبقيت عليها عدة الآخر ثلاثة قروء، والمراد بالقافة من لهم خبرة بشبه الولد بأبيه.
هذا ما قاله الفقهاء، ولعله يقوم مقامه في زماننا تحليل الدم، فإذا أمكن معرفة كون دم الطفل من دم والده يكون حسناً، وإذا لم يمكن معرفة شبهه بواحد منهما، أو اختلف القافة في أمره، فإن عليها أن تعتد بثلاث حيض بعد وضعه على أي حال، سواء كانت العدة للأول أو للثاني أو يتزوجها بعد انقضاء الثلاث حيض بعقد صحيح.
واعلم أنه إذا تزوج معتدة، وهما عالمان بالعدة وعالمان بتحريم النكاح فيها، ووطئها كانا زانيين عليهما حد الزنا، ولا مهر لها لأنها زانية مطاوعة. ولا نظر لشبهة العقد لأنه باطل مجمع على بطلانه إلا إذا كانت معتدة من الزنا. فإنها تعتد عند الحنابلة بثلاثة قروء وإن كانت من ذوات الحيض وبثلاثة أشهر إن كانت آيسة، كما تقدم، فإذا زنى رجل بامرأة واعتدت من الزنا، وتزوجها آخر، وهي في العدة، ووطئها لم يكونا زانيينن بل يكون وطء شبهة، لن نكاحهما في هذه الحالة قال بجوازه الحنفية، والشافعية، إلا أن الشافعية يقولون بجواز وطئها ولو حاملاً أما إذا جهلا انقضاء العدة، فإن النسب يثبت وينتفي الحد ويجب المهر، وإن علم هو دونها فعليه الحد وعليه المهر دونها بالعكس إذا علمت هي دونه، فإن عليها الحد ولا مهر لها) .


ابوالوليد المسلم 20-08-2022 11:03 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث العدة]
صـــــ 465 الى صــــــــ
464

الحلقة (226)

دليل عدة الحامل، وحكمة مشروعيتها

-اتفق الأئمة على أن وضع الحمل تنقضي به عدة المتوفى عنها زوجها، ولو بعد وفاته بلحظة، بحيث يحل لها بعد نزول ما في بطنها جميعه وانفصاله منها أن تتزوج، ولو قبل دفن زوجها المتوفى، ودليلهم على هذا قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} إذ هو عام يشمل المتوفى عنها زوجها، وغيرها، وهذا هو رأي ابن مسعود ومن تبعه من الأئمة الأربعة وخالف علي، وابن عباس، ومن تبعهما، فقالوا: إن المتوفى عنها زوجها وهي حامل إذا وضعت حملها قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن عدتها لا تنقضي بوضع الحمل بل لا بد من انتظار مضي المدة بتمامها، أما إذا انقضت مدة أربعة أشهر وعشرة أيام قبل الوضع فإن عدتها لا تنقضي إلا بوضع الحمل، لأنه حمل الزوج المتوفى فتجب صيانته، ودليلهم على ذلك قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً} فإنها عامة تشمل الحامل والحائل، وقد يقال في وجهة نظر علي، وابن عباس رضي الله عنهما: إن عدة المتوفى زوجها لوحظ فيها أمران: براءة الرحم، وحرمة الزوج المتوفى، ورعاية خاطر أهله الأحياء، فحظر الله علي المرأة المتوفى عنها زوجها أن تبادر بمفاجأة أهله المكلومين بالتزوج بغير المتوفى، حرصاً على نفوسهم من التألم بآلام الغيرة، فقدر لها أقل مدة يسهل فيها على نفوس أهل الميت أن تتزوج امرأته بغيره، ويرشد لذلك ما كان عليه أهل الجاهلية بإزاء ذلك فإنهم كانوا يحبسون المرأة التي مات زوجها فيحرمونها من الزينة، ومن التزوج، ومن كل شؤون الحياة طول حياتها، فأنزلهم الله عن عادتهم هذه تدريجاً،كما هو الشأن في أحكام الشريعة الإسلامية، ففرض على المرأة أن تنتظر سنة بعد وفاة زوجها، فلما استقر ذلك الحكم في أنفسهم أنزل العدة إلى أربعة أشهر وعشراً وهي أقل مدة ممكنة، وجعلها حكماً مستمراً، وإنما قدرت بهذا العدد بخصوصه، لأنك قد عرفت أن الغرض من مشروعية العدة براءة الرحم من جهة، وحقوق الزوجية من جهة أخرى، ولما كان الولد في أول خلقه يمكث في الرحم أربعين يوماً نطفة، وأربعين بوماً علقة، وأربعين يوماً مضغة، ثم ينفخ فيه الروح التي بها الحياة، والحس، والحركة، فقد قدر لبراءة الرحم هذه الأشهر الأربعة مضافاً إليها عشرة أيام تظهر فيها حركته، فتتحقق المرأة من شغل الرحم وعدمه بعد هذه العدة، وتؤدي حقوق الزوج وأهله، ولا يقال: إن هذا التعليل إنما يصح إذا كانت المرأة من ذوات الحيض المستعدات للحمل، أما إذا كانت صغيرة لا تحيض، أو آيسة، أو كانت غير مدخول بها، فإن هذا التعليل لا ينطبق عليها، لأنا نقول: إن هذه المدة وإن كانت لذوات الحيض، ولكن جعلت مقياساً عاماً للجميع، طرداً للباب على وتيرة واحدة.
ولا يخفى حسن التعليل ونفاسته، ومنه يتضح أن الظاهر المعقول يؤيد رأي علي، وابن عباس رضي الله عنهما، فإن المرأة إذا وضعت حملها في الأسبوع الأول مثلاً من وفاة زوجها وتزوجت بغيره لم يكن لضرب مدة الأربعة أشهر وعشر للمتوفى عنها زوجها فائدة مع أن فائدته ظاهرة، وهي احترام علاقة الزوجية وتعظيمها بين الناس، والحرص على قلوب أهل الزوج المتوفى من التصدع، ولا يقال: إنه قد توجد ظروف قاسية توجب الرحمة بالزوجة والشفقة عليها، وتجعل زواجها سريعاً أمراً ضرورياً لحياتها، خصوصاً إذا وجدت الزوج الكفء الذي لا يصبر، وقد يضيع منها، ولكنا نقول: إن هذا الكلام يأتي في غير الحامل أيضاً إذ ربما تكون في حالة تحتاج معها للزواج. ومع ذلك فإنه لا يحل لها أن تتزوج إلا بعد انقضاء أربعة شهور وعشرة أيام مهما وجد الكفء أو ذهب، ومهما توقفت حياتها عليه، ولكن الأئمة الأربعة لم ينظروا إلى هذه العلل فلذا قالوا: إن العدة أمر تعبدي ليست له حكمة ظاهرة ولكني أعتقد أن قضايا الشريعة السمحة قسمان: قسم يتعلق بالعبادات، وهذه يصح أن يقال فيها: إنها أمور تعبدية، لأنها جميعها أمارات للخضوع والخشوع، والسلطان له أن يضع منها ما يريد بدون أن يقال له: لم فعلت هذه الرسوم دون تلك، وقسم يتعلق بمعاملات الناس بعضهم بعضاً من بيع وشراء وأحوال شخصية، وهذه لا بد لها من حكمة معقولة تناسب أحوال الناس ومصالحهم على أن العبادات في الشريعة الإسلامية قد اشتملت على كثير من الحكم الظاهرة والأسرار البديعة، كما هو ظاهر لمن يتتبع أسرار الطهارة، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، فإن منافعها المادية والأدبية ظاهرة في المجتمع الإنساني ظهور الشمس في رابعة النهار.
هذا ما يتعلق بحكمة التشريع، أما ما يتعلق بفهم ذلك من الآيتين الكريمتين، فحاصله أن آية {والذين يتوفون منكم} عامة من وجه فرض انتظار مدة أربعة شهور وعشراً عن المتوفى عنها زوجها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، وخاصة من وجه، وهو كون الكلام في خصوص المتوفى عنها زوجها، لأنه قال: {والذين يتوفون منكم} أما الآية الثانية، وهي قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فكذلك عامة من وجه، وهو أن وضع الحمل تنتهي به عدة المرأة مطلقاً سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها، وخاصة من وجه، وهو كون الكلام في عدة الحامل بخصوصها، لا في عدة المتوفى عنها زوجها، فكان الاجتهاد في مثل هذا لازماً لا بد منه لدفع ما ظاهره التضارب بين الآيتين، فيمكن أن يقال في بيان اجتهاد علي وابن عباس أنهما قد فهما الآية الأولى على ما هي عليه من كونها خاصة بالمتوفى عنها زوجها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، وجعلا انقضاء مدة أربعة أشهر لازماً للحامل وغيرها، وفهما الآية الثانية على حالها أيضاً، فوافقا على أن وضع الحمل تنقضي به عدة المفارقة حال الحياة وبعد الموت، إلا أنهما قيداه في المفارقة بعد الموت بأربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا وضعت قبلها تنتظرها، فخصا الآية الثانية في المتوفى عنها زوجها بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام المنصوص عنها في الآية الأولى، عملاً بحكمة التشريع التي ذكرناها. أما ابن مسعود ومن تبعه من الأئمة الأربعة فإنهم قالوا: إن الآية الثانية نسخت الآية الأولى بالنسبة للحامل، فمتى وضعت الحمل فإنها لا تنتظر لحظة واحدة، بل تحل للأزواج ولو لم يدفن زوجها، وعلى هذا تكون مدة الأربعة أشهر وعشراً، كان حكماً مؤقتاً للحامل المتوفى عنها زوجها، ثم نسخ.
وقد روى صاحب أعلام الموقعين: أن الصحابة قد اتفقوا بعد ذلك على أن وضع الحمل تنقضي به العدة على أي حال تيسيراً للنساء، فقال ما نصه: وقد كان بين السلف نزاع في المتوفى عنها زوجها أنها تتربص أبعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل اهـ. على أنه لم يذكر لدعوى الاتفاق هذه سنداً، والمفسرون لم يذكروا هذا الاتفاق، ومع هذا فإنني لا أدري كيف يوفق بين هذا وبين قوله بعد هذا بأسطر قليلة ما نصه: وليس المقصود بالعدة ههنا مجرد استبراء الرحم، كما ظنه بعض الفقهاء لوجوبها قبل الدخول، ولحصول الاستبراء بحيضة واحدة ولاستواء الصغيرة والآيسة وذوات الحيض في مدتها، فلما كان الأمر كذلك قالت طائفة هي تعبد محض لا يعقل معناها وهذا باطل لوجوه: منها أنه ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة، يعقله من عقله، ويخفى على من خفي عليه، ومنها أن العدة ليست من باب العبادات المحضة، فإنها تجب في حق الصغيرة والكبيرة والعاقلة والمجنونة والمسلمة والذمية ولا تفتقر إلى نية، ومنها أن رعاية حق الزوج والولد والزوج الثاني ظاهرة فيها.
فالصواب أن يقال: هي حرام لانقضاء آثار النكاح، ولهذا تجد فيها رعاية لحق الزوج وحرمة له الخ ما قال.
فأنت ترى من عبارته هذه أنه لا يوافق بعض الفقهاء الذين يقولون: إن العدة شرعت لبراءة الرحم في ذوات الحيض، وما زاد على حيضة واحدة فهو للاحتياط، أما غير ذوات الحيض فالعدة فيهن أمر تعبدي، وأنه يرى ما قررناه من أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالحقوق لا بد فيها من مراعاة الحكم الموافقة لمصلحة الناس، على أن ظاهر عبارته تفيد أن الحكمة لا بد منها حتى في العبادات وقد عرفت أنه ليس بضروري، لأن العبادات هي أمارات الخضوع، فلا يسأل السلطان عن حكمتها. وإذا كان كذلك فأين رعاية حق الزوج المتوفى إذا وضعت الحمل بعد موته بيوم، ثم تزوجت بغيره. وما حكمة مدة أربعة أشهر وعشرة أيام التي ضربها الله للمتوفى عنها زوجها إذا لم يكن ذلك لمراعاة حق الزوج المتوفى وحق أهله؟!، ولماذا لم يجعل الله عدة المتوفى عنها زوجها كغيرها، فإن كانت حاملاً كانت عدتها وضع الحمل، وإذا كانت من ذوات الحيض كانت عدتها ثلاث حيض. أو ثلاثة أطهار، وإذا كانت آيسة لم تكن لها عدة، كما إذا كانت غير مدخول بها، لأن براءة رحمها محققة؟ لا شك أن هذا واضح، وأن القائلين بتعليل العدة لا يسعهم إلا اتباع علي، وابن عباس، أما الأئمة الأربعة الذين قالوا: إن عدة الحامل تنقضي بمجرد انفصال الجنين منها، ولها أن تتزوج ولو لم يدفن زوجها المتوفى، فإنهم قالوا: إن قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} نسخ عموم قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم} الخ، وأن العدة إما لبراءة الرحم. وإما أمر تعبدي تعبدنا الله به من غير حكمة، فلا يرد عليهم ما ورد على صاحب اعلام الموقعين.
انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل
-قد عرفت مما تقدم أن عدة المتوفى عنها زوجها وهي حامل تنقضي بوضع الحمل، ولو بعد وفاته بلحظة باتفاق المذاهب، وعرفت شروط انقضاء العدة بوضع الحمل، وعرفت رأي المخالفين في بعض الصور، ودليل كل، والآن نذكر لك في عدة المتوفى عنها زوجها، وهي حائل، أي غير حامل، وهي أربعة أشهر وعشر للحرة، ونصفها، وهي شهران وخمسة أيام للأمة، لا فرق في ذلك بين أن تكون الزوجة صغيرة أو كبيرة، مدخولاً بها. أو لا، آيسة من المحيض. أو من ذوات الحيض، ولانقضاء العدة المذكورة شروط مفصلة في المذاهب (1) .
مبحث عدة المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض وفيه معنى الحيض وشروطه

-إذا فارق زوجته حال الحياة بطلاق، أو فسخ، وكانت من ذوات الحيض، فإنها تعتد بثلاثة قروء، لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ، والمراد بالمطلقات في الآية غير الحوامل طبعاً، بدليل قوله تعالى: {وأولات الحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فإنها عامة تشمل المطلقات، والمتوفى عنهن أزواجهن، فخصصت قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن} بغير الحوامل، وهذه عدة الحرة، أما عدة الأمة فعلى النصف من عدة الحرة ولكن لم كان القرء لا ينتصف كانت عدة الأمة قرأين كاملين، ويتعلق بهذا المبحث مسائل: أحدها: ما المراد بالقرء؟ ثانيها: هل المرضعة التي يتأخر حيضها بسبب الرضاع تعتد بالحيض بعد فطام الطفل، أو تهتد بالأشهر؟. ثالثها: ما عدة المريضة التي انقطع حيضها بسبب المرض؟. رابعها: ما عدة المرأة الني يستمر بها الدم، ويقال لها: المستحاضة؟ خامسها: ما عدة المرأة التي تأتيها الحيضة كل سنة، أو سنتين إلى خمس سنين مرة، أو كل عشر سنين مرة؟.
سادسها: ما عدة المرأة التي تبلغ بغير الحيض، ولم تر الحيض بعد ذلك؟ في الجواب عن هذه المسائل تفصيل المذاهب (2) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: يشترط لانقضاء العدة بمضي أربعة أشهر وعشر من وقت وفاة الزوج شروط:

أحدها: أن الوفاة إذا وقعت في غرة الشهر، أي وقت شروق هلاله فلا بد من انقضاء أربعة شهور هلالية وعشرة أيام بلياليها، فلو مات بعد الفجر يحسب اليوم الذي مات فيه وتسعة أيام بعده، فيكون عشرة أيام وتسع ليال، فلا بد حينئذ من انقضاء الليلة العاشرة على المعتمد أما إذا توفي في أثناء الشهر فتحسب العدة بالأيام، فلا تنقضي إلا بمرور مائة وثلاثين يوماً بلياليها وقيل: إذا توفي في أثناء الشهر يحسب لها ما بقي من الشهر الذي مات فيه بالأيام، أما الشهر الذي يليه فيحسب بالأهلة، وكذا ما بعده، ثم تكمل الأيام الناقصة من الشهر الخامس مضافة إلى العشرة أيام، وقد تقدم لذلك إيضاح في مباحث الإيلاء، ومبحث العنين.
ثانيها: أن يكون الزواج بصحيح العقد، فإذا عقد عليها عقداً فاسداً ووطئها ثم مات عنها، تعتد بثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض وإن كانت آيسة أو حاملاً فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر أو وضع الحمل، فعدة الموطوءة بعقد فاسد أو بشبهة إن كانت حرة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر إن كانت آيسة أو وضع الحمل، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها فإن كانت أمة فعدتها حيضتان. أو شهر ونصف، أو وضع الحمل.
ثالثها: أن يستمر النكاح صحيحياً إلى الموت، فإذا فسد قبل الموت وجبت عليها عدة النكاح الفاسد، مثلاً إذا كان المكاتب متزوجاً أمة مملوكة للغير، ثم اشتراها ومات عنها فإن ترك ما لا يفي ما عليه من دين الكتابة وثمنها فإن العقد يفسد لأنه يكون كالحر في هذه الحالة، والحر لا يصح له أن ينكح أمة بعقد الزواج، وفي هذه الحالة تعتد عدة النكاح الفاسد، وهو حيضتان إن كان قد وطئها، وإلا فلا عدة لها أصلاً، لأن الفاسد لا عدة له، أما إذا مات ولم يترك ما يفي بدينه، فإن العقد يظل صحيحياً، لأن الاثنين يكونان مملوكين فتعتد عدة الوفاة، وهي شهران وخمسة أيام في حق الأمة.
رابعها: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً في المرض الذي مات فيه، ويقال لهذا الطلاق: طلاق الفار وهو أن يطلق زوجته طلاقاً بائناً في المرض الذي يموت فيه بدون رضاها، ثم يموت قبل انقضاء عدتها وحكم هذا أن المرأة تعتد عدتين: عدة طلاق وعدة وفاة، على أن تحسب لها ما يدخل في إحداهما، مثلاً إذا كانت من ذوات الحيض وحاضت بعد طلاقها، ثم توفي، فإن عدتها تبتدئ من وقت الوفاة بأربعة أشهر وعشر. بشرط أن تحيض ثلاث حيض من وقت الطلاق، فتحسب لها الحيضة التي حاضتها قبل وفاته، ولا بد لها من حيضتين في عدة الوفاة، فإذا لم تحض في المدة فلا تنقضي عدتها حتى تحيض الحيضتين الباقيتين، فإذا لم تحض لا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن الإياس، فإذا طلقها، وهي من ذوات الحيض، ولم تحض قبل وفاته ثم توفي اعتدت عدة وفاة، فإذا رأت فيها ثلاث حيض، فذاك، وإلا كان عليها أن تنتظر حتى تحيض ثلاث حيض.
والحاصل أن عدتها تنقضي بأربعة أشهر وعشرة من وقت الوفاة. وثلاث حيض من وقت الطلاق، فإن حاضت بعضها خارج المدة، وبعضها في المدة حسبت لها، كما إذا حاضتها كلها في المدة وإذا لم تحضها كلها في المدة ولا بعضها، فإنه يلزمها أن تنتظر ثلاث حيض بعدها، فإذا لم تحض فإن عدته لا تنقضي.
هذا ما يختص بالعدة. أما الميراث فإن حقها لا يسقط فيه، فالزوجية باقية حكماً في حق الإرث.
وقولنا: طلاقاً بائناً خرج به ما إذا طلقها طلاقاً رجعياً، فإنه إن مات بعد انقضاء عدتها، فقد انقطعت الزوجية بينهما وسقط حقها في الميراث، ولا تعتد عدة وفاة، وإن مات وهي في العدة فإنها تعتد عدة وفاة بلا كلام، كما لو كانت زوجته. ولا فرق في هذه الحالة بين أن يطلقها في مرض الموت أو في حالة صحته، ثم يموت قبل انقضاء عدتها، لأنها زوجته وترث منه، وقولنا: بدون رضاها خرج به ما إذا طلقها طلاقاً بائناَ برضاها، فإنها تعتد عدة طلاق، ولا يكون لها حق في الميراث وقولنا: في المرض الذي يموت فيه خرج به ما إذا طلقها في حال صحته طلاقاً بائناً، فإنها لا ترث، ولا تنتقل عدتها إلى عدة الوفاة.
واعلم أن عدة الوفاة تنقضي بأربعة أشهر وعشرة أيام في غير عدة الفار مطلقاً، سواء كانت المتوفى عنها من ذوات الحيض أو لا، كما ذكرنا، وسواء حاضت في العدة المذكورة أو لا. كما إذا كانت مرضعة وتأخر حيضها أو حاضت مرة في حياتها. وامتد طهرها إذ لا دخل للحيض في عدة الوفاة، إلا إذا كانت حاملاً فإنها لا تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل كما تقدم.

يتبع

ابوالوليد المسلم 20-08-2022 11:07 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث العدة]
صـــــ 465 الى صــــــــ
464

الحلقة (227)

المالكية - قالوا: يشترط لانقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وهي غير حامل - بانقضاء أربعة أشهر وعشر - شروط:
أحدها: أن يكون العقد صحيحاً مجمعاً على صحته، أو مختلفاً في صحته عند الأئمة، كما إذا عقد عليها وهي محرمة بالنسك، فإن العقد مختلف في صحته، إذ الحنفية يقولون أنه صحيح، أما إذا كان فاسداً فساداً مجمعاً عليه. كنكاح الخامسة، والمحرم، فإن عدتها تكون كعدة المطلقة وهي ثلاثة أطهار إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة أشهر إن كانت آيسة من المحيض، فمن عقد على امرأة عقداً مجمعاً على فساده ووطئها ثم مات عنها فإن عدتها تكون كعدة المطلقة، وقد تقدم بيان الفاسد المجمع على فساده، وغيره في صحيفة 120 إذا لم يدخل بها فإنه لا عدة عليها. ثانيها: أن يكون مسلماً، فإذا كان ذمياً تحته ذمية مات عنها، وأراد مسلم أن يتزوجها فإن عدتها تكون ثلاثة أشهر إن كانت آيسة من المحيض، وثلاثة أطهار إن لم تكن، وكذا إذا أراد أن يتزوج بها غير مسلم، وترافعا إلينا لنقضي بينهما في ذلك. هذا إذا كانت مدخولاً بها، وإلا فلا عدة عليها أصلاً.
ثالثها: أن تتم أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها.
رابعها: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً ثم يموت عنها وهي في العدة، فإن حدث ذلك فإنها لا تنتقل عدتها إلى الوفاة، بل تعتد عدة الطلاق وتستمر على عدتها، وهذا بخلاف المطلقة رجعياً، فإنه إذا مات عنها وهي في العدة فإن عدتها تنتقل إلى عدة الوفاة، بحيث يلزمها أن تتربص أربعة شهور وعشراً من وقت وفاته، ولو حصلت الوفاة قبل تمام الطهر الثالث بيوم، وإن كانت أمة تنتقل عدتها إلى الوفاة على النصف من الحرة.
خامسها: يشترط في المدخول بها أن تنتقضي مدة أربعة أشهر وعشر قبل أن يأتيها زمن حيضها، وأن تقول النساء: إنه لا ريبة في براءة رحمها من الحمل. ومعنى ذلك أنها إذا كانت مرضعة مثلاً وتوفي عنها زوجها، ومن عادتها أن لا تحيض في مدة الرضاع وانقضت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل حلول موعد حيضها، فإن عدتها تنقضي إذا قالت النساء: إنها لا ريبة حمل بها، ومثل ذلك ما إذا كانت تحيض كل خمسة أشهر مرة، وتوفي في أول طهرها، فإنها تمكث أربعة أشهر وعشرة أيام طاهرة قبل أن يأتي زمن حيضها، وفي هذه الحالة تنقضي عدتها إذا قالت النساء أنه لا ريبة بها، أما إذا ارتابت في حملها النساء أو ارتابت هي، فإنها يجب عليها أن تنتظر تسعة أشهر، فإن زالت ريبة الحمل فذاك، وإلا انتظر حتى تحيض أو يمضي عليها أقصى مدة الحمل وهي خمس سنين على الراجح. وقيل: أربع سنين وقيل غير ذلك، فإن كانت تحيض في أثناء المدة وحاضت فإن عدتها تنقضي بالمدة، وإن لم تحض فإن تأخرت عادتها فإن عدتها لا تنقضي حتى تحيض فإذا حاضت انقضت عدتها، وإن لم تحض تنتظر الحيض إلى تسعة أشهر فإن انقضت تسعة أشهر وارتابت في حملها، أو ارتاب النساء فيه فإنها تنتظر حتى تزول الريبة، أو يمضي أقصى زمن الحمل المذكور.
ولا يخفى أن نظرية المالكية في اعتمادهم على قرار النساء خصوصاً الخبيرات يرفع الإشكال في زماننا بتاتاً، لأن الطبيبات المتعلمات يمكنهن الحكم بوجود الحمل وعدمه جزماً بدون انتظار زائد على أربعة أشهر وعشر.
والحاصل أن المدخول بها إن توفي عنها زوجها، فإنه ينظر أولاً لعادتها في الحيض، فإن كانت لا تأتيها الحيضة في مدة أربعة أشهر وعشرة أيام بأن كانت تحيض كل خمسة أشهر مرة وتوفي زوجها، وهي في أول طهر انقضت عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، بشرط أن لا ترتاب في براءة رحمها، بأن تشعر بحمل، أو ترتاب النساء التي تراها، فإن ارتابت فإن عدتها لا تنقضي، بل تنتظر على الوجه الذي تقدم، أما إن كانت تأتيها الحيضة في أثناء أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن حاضت فيها ولو مرة فإن عدتها تنقضي بانقضاء مدة أربعة أشهر وعشراً، وإن لم تحض لسبب مجهول، أو لمرض على الراجح، فإن عدتها لا تنقضي حتى تحيض، وإلا انتظرت تسعة أشهر، فإن لم تحض وارتابت في الحمل، أو ارتاب النساء انتظرت حتى تزول الريبة. أو تمضي خمس سنين، وهي أقصى مدة الحمل.
الشافعية - قالوا: يشترط لانقضاء عدة المتوفى عنها غير الحامل بالأشهر المذكورة شروط:
أحدها: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً. فإن طلقها طلاقاً بائناً وتوفي عنها، وهي في العدة، فإنها تستمر على عدتها للطلاق، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، فإذا كانت حاملاً وكان طلاقها بائناً استمرت نفقة عدتها إلى أن تضع الحمل، بخلاف ما إذا طلقها طلاقاً رجعياً. وتوفي عنها، وهي في العدة، فإن عدتها تنتقل من الطلاق إلى عدة الوفاة، وتسقط بقية عدة الطلاق، كما تسقط نفقتها، وذلك لأن العدة التي استحقت عليها النفقة بطلت وانتقلت إلى عدة جديدة، ولذا يجب عليها الإحداد، وهو ترك الزينة، بخلاف المطلقة طلاقاً بائناً، فإنه لا يجب عليها، لما علمت أنها باقية على عدتها الأولى، فلم تنتقل إلى عدة الوفاة.
ثانيها: أن لا ترتاب في براءة رحمها من الحمل، فإن ارتابت، أي شكت في وجود حمل لثقل أو لحركة في بطنها، فلا يخلو إما أن تحدث لها الريبة قبل انقضاء العدة، أو بعدها، فإذا حدثت لها قبل انقضائها، فإنه يجب عليها أن تنتظر حتى تزول الريبة، بحيث لو انقضت عدتها وتزوجت غير زوجها المتوفى وقع النكاح باطلاً، حتى ولو تبين أنها غير حامل في الواقع، فعليها تجديد عقد، وبعضهم يقول: إن النكاح الأول يبقى على حاله، لأن الواقع دل على أنه صحيح، فإذا استمرت مع الزوج الثاني على النكاح الباطل، فولدت لأكثر من ستة أشهر لحق الولد به، وإن أمكن كونه من الأول، بأن ولدته لأقل من أربع سنين من تاريخ طلاقها، لأنها في هذه الحالة تكون قد ولدته لأقل مدة الحمل، فيمكن نسبته للأول، أما إن ولدت لأقل من ستة أشهر، فإن الولد يلحق بالأول، وإن أمكن نسبته إلى الثاني، بأن ولدته لأكثر من أربع سنين، أما إذا حدثت لها الريبة بعد انقضاء عدتها، فإنه يسن لها أن تصبر على الزواج، حتى تزول الريبة، فإذا خالفت السنة وتزوجت بآخر لم يبطل النكاح لانقضاء العدة ظاهراً، إلا إذا قامت قرينة قاطعة على بطلانه، بأن تلد لأقل من ستة أشهر من إمكان علوق الولد بعد العقد، بأن يتمكن الزوج الأول من وطئها وإحبالها، فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر من ذلك التاريخ، فإنه يتبين بذلك بطلان العقد الثاني، وأن عدتها من الأول لم تنقض، ويلحق نسب الولد للأول، إذا أمكن نسبته إليه بحيث لا تلده لأقل من أربع سنين، وهي أكثر مدة الحمل، أما إذا ولدته لأكثر من أربع سنين، فإنه لا يمكن إلحاقه به، كما تقدم، أما إذا ولدت لأكثر من ستة أشهر، فإن العقد الثاني يكون صحيحاً، ويكون الولد للثاني، ولم يذكر الشافعية هنا ما إذا أمكن إزالة الريبة بالوسائل الطبية، ومعرفة النساء الخبيرات، ولكنهم قالوا:
إنه يعمل برأي القابلة في الاخبار عن السقط، بأنه لحم إنسان، فقالوا: إذا أخبرت بذلك أربع قابلات - أي مولدا - فإن لها أن تتزوج ظاهراً وباطناً، ويقوم مقام القوابل الأربع رجلان خبيران، وإذا أخبرت قابلة واحدة فإنها يصح لها أن تتزوج باطناً، وعلى هذا فمبدأ الاعتماد على المرأة الخبيرة معتبر عند الشافعية، والغرض واحد، وهو التحقق من براءة الرحم، فيصح حينئذ أن تعرض المرأة المرتابة نفسها على الطبيبات الخبيرات عند الريبة لتتحقق من عدم الحمل، وتستريح من هذا العناء.
واعلم أن هذا الشرط ليس خاصاً بانقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، بل يتناول عدة المطلقة أيضاً، والمفسوخ نكاحها.
وقد عرفت من مبحث - انقضاء العدة بوضع الحمل - أن الصبي. والممسوح، وهو مقطوع الذكر والأنثيين، إذا ماتا عن زوجة فإن عدتها أربعة أشهر وعشر من تاريخ الوفاة، ولو ظهر بها حمل، فقد عرفت أنه إن كان حملها من الوطء بشبهة فعليها عدتان: بأن تنتظر حتى تضع وتنقضي به عدة الوطء بشبهة ثم تشرع في عدة الوفاة بعد الوضع، وتنتظر أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن مات عنها زوجها وهي غير حامل، ثم في أثناء عدتها وطئت بشبهة وحملت من هذا الوطء، فإن عدة الوطء بشبهة تنقضي بوضع الحمل، ويحسب لها ما انقضى قبل الوطء من عدة الوفاة، فتبني عليه بعد الوضع، أما إذا كان حملها من زنا، كأن زنى بها شخص وهي تحته، فأحبلها الزاني ومات عنها الزوج فإن عليها أن تعتد عدة وفاة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وبذلك تنقضي عدتها، سواء وضعت الحمل. أو لا. ويحل للأزواج تزوجها ووطؤها. وهي حامل على الأصح. لأن المتولد من ماء الزنا لا حرمة له. فإذا أراد شخص أن يتزوج بها. وهي حامل. وجهل حالها. فلا يدري إن كان حملها من زنا. أو من وطء بشبهة. ففيه قولان مصححان: أحدهما أنه يحمل على الزنا فله العقد عليها ووطؤها. ثانيهما: يحمل على وطء الشبهة، فيتركها حتى تنقضي عدتها، والصحيح أنه يحمل على الوطء بشبهة ليندفع عنها الحد، ويحمل على الزنا في جواز العقد عليها ووطئها، فيحل تزوجها ووطؤها بدون عدة.
وبهذا تعلم أنها إذا حملت بعد وفاته، وهي في العدة، من الزنا، فإن حملها لا يقطع عدة الوفاة.
الشرط الثالث: أن تنقضي أربعة أشهر هلالية وعشرة أيام بلياليها، والشرط اعتبار الهلال بقدر الإمكان، فإذا مات في غرة الشهر، أي في أول رؤية هلاله، فلا بد من انقضاء أربعة أشهر هلالية وعشرة أيام بلياليها، كما ذكرنا، أما إذا مات أثناء الشهر فإنها تحسب الباقي من الشهر الذي مات فيه بالأيام، وتكمل الناقص من أيام الشهر الخامس، وما بينهما تحسبه بالأهلة، مثلاً إذا مات في نصف شهر شعبان فإنها تحسب خمسة عشر يوماً من شعبان، وتحسب ثلاثة أشهر بالأهلة، وهي رمضان. وشوال. وذو القعدة. وتأخذ من ذي الحجة، وهو الشهر الخامس لوفاته خمسة عشر يوماً تكمل بها شعبان. لتتم أربعة أشهر كاملة، ثم تأخذ منه عشرة أيام بلياليها فتنقضي عدتها في ست وعشرين ذي الحجة، وعلى هذا القياس، وإذا تعذرت عليها رؤية الهلال. وعدم معرفة الشهر الناقص والكامل، فإنها تحسبه كاملاً دائماً.
الحنابلة - قالوا: يشترط لانقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وهي غير حامل. بالمدة المذكورة شروط: الأول أن لا يرتاب في براءة رحمها. فإن وجد شك في أنها حامل قبل انقضاء أربعة شهور وعشرة أيام. كأن أحست بحركة أو انتفاخ بطن. أو انقطع دم حيضها. أو نزل اللبن في ثديها. أو نحو ذلك. فإن عدتها لا تنقضي حتى تزول الريبة. فإن ظهر أنها حامل انقضت عدتها بالحمل. وإن ظهر أنها خالية من الحمل انقضت عدتها بعد ذلك وحلت للأزواج فإذا تزوجت مع وجود هذا الشك غير المتوفى فإنه يقع باطلاً، ولو تبين عدم الحمل. وكذا إذا حصلت الريبة بعد انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام فإنه يجب عليها الانتظار حتى تزول الريبة. ولو تزوجت يقع الزواج باطلاً. لأنها في هذه الحالة تكون معتدة. أما إذا لم تحصل ريبة بعد انقضاء العدة ثم عقد عليها ودخل بها. وارتابت. فإن النكاح لم يفسد. لأنه وجد بعد انقضاء العدة ظاهراً. ولكن يحرم عليه أن يطأها حتى تزول الريبة ويتبين عدم حملها. فإن تبين أنها حامل بأن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت عقده عليها. فإن النكاح يبطل حينئذ. لأنه ظهر أن العقد عليها وقع في العدة. ومثل ذلك ما إذا عقد عليها ولم يدخل بها. ثم وجدت الريبة. فإنه يحرم عليه أن يطأها حتى تزول الريبة. فإن وضعت ولداً لأقل من ستة أشهر من وقت العقد عليها. فإنه يتبين بطلان العقد، كما ذكرنا، لكن يشترط أن يكون الولد الذي جاءت به غير سقط، بحيث يعيش كغيره، وإلا فلا يبطل به العقد، لاحتمال أن يكون سقطاً علقت به بعد وفاة زوجها.
الشرط الثاني: أن لا يموت عنها وهي حامل من غيره، كما إذا كان صغيراً لا يولد لمثله، أو كان خصياً - وهو مقطوع الأنثيين - أو كان مجبوباً - وهو مقطوع الذكر - فإن كليهما لا يلد، أو مات عنها عقب العقد ولم يدخل بها، فإنها في هذه الحالة تلزمها عدتان: عدة تنقضي بوضع الحمل، وعدة الوفاة، وتبتدئ بعد وضع حملها، فيجب عليها أن تنتظر بعد الوضع أربعة أشهر وعشرة أيام.
الشرط الثالث: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً في حال صحته، فإذا فعل ومات عنها وهي في العدة، فإن عدتها لا تنتقل إلى عدة الوفاة، بل تستمر على عدتها الأولى، لأنها أجنبية منه في هذه الحالة، بخلاف ما إذا طلقها طلاقاً بائناً وهو مريض مرضاً مخوفاً ومات عنها في عدتها، فإن عدتها تنتقل إلى عدة الوفاة، إلا أن تكون عدة الطلاق أطول فتعتد بها، مثلاً إذا كانت ممن يحضن كل ثلاثة أشهر مرة وطلقها بائنة فحاضت واحدة بعد طلاقها، ومات عنها، فإن عليها أن تنتظر أربعة أشهر وعشرة أيام عدة الوفاة، وهي لا تكفي للحيضتين الباقيتين، فيلزمها الانتظار بعد انقضاء المدة التي تحيض ما بقي لها، فهي تعتد بأبد الأجلين، من عدة الطلاق، أو عدة الوفاة، لأنها في هذه الحالة ترثه، أما إذا طلقها طلاقاً رجعياً، ثم مات عنها وهي في العدة، انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة، فعليها أن تنتظر أربعة أشهر وعشرة أيا م من وقت وفاته، وسقطت عدة الطلاق، لأنها في هذه الحالة زوجة له، لها أحكام الزوجية من ميراث وغيره، فإن طلق امرأته في مرض وهي لا ترثه، كما إذا طلق العبد زوجته الحرة، أو الأمة وهو في مرض الموت. ثم مات عنها وهي في العدة فإنها تعتد عدة طلاق، لأنها لا ترث منه، ومثل ذلك ما إذا كانت ذمية تحت مسلم وطلقها في مرض موته فإنها تعتد عدة طلاق لأنها لا ترث منه، وكذا إذا كانت مسلمة ولكن طلقها في مرض الموت طلاقاً بائناً برضاها، كأن سألته الطلاق فأجابها. فإنها تعتد عدة طلاق، لأنها لا ترث في هذه الحالة فإن طلق شخص زوجته وانقضت عدتها بالحيض أو بغيرها ثم مات عقب انقضائها، فلا عدة له عليها، سواء كان الطلاق رجعياً، أو بائناً.
هذا، ولا يعتبر الحيض في عدة الوفاة إلا إذا وجدت ريبة) .
(2) (المالكية - قالوا: أما الجواب عن السؤال الأول، فهو أنه قد اختلف في معنى القرء، فالمشهور أن معناه الطهر من الحيض، فإذا طلقها في أخر لحظة من طهرها، ثم حاضت بعد فراغه من لفظ الطلاق بلحظة حسب لها هذا طهراً، فإذا حاضت مرة أخرى وطهرت، حسب لها طهراً ثانياً، فإذا حاضت وطهرت، حسب لها طهراً ثالثاً، وتنقضي عدتها بنهاية الطهر الثالث بالدخول في الحيضة الرابعة، وقال بعضهم: بل معنى الطهر الحيض، كما يقول الحنفية، والحنابلة، وأن الذي يتتبع مذهب المالكية يجدهم لا يطلقون القرء إلا على الحيض، ولذا رجح أن القرء هو الحيض لا الطهر، وقد أيد بعضهم القول الأول بأن إطلاق القرء على الحيض مجاز، وعلى الطهر حقيقة، ومتى أمكن العمل بالحقيقة فإنه لا يصح العمل بالمجاز، وهذا التأييد غير سديد، لأن التحقيق أن القرء مشترك بين الحيض والطهر، فهو مستعمل فيهما على السواء وليس استعماله في أحد المعنيين أولى في اللغة وإذا كان كذلك فالذي تحصل به براءة الرحم حقيقة إنما هو الحيض لا الطهر، هذا ما قرره بعض محققي المالكية، ولم يرده أحد، فالطاهر أنه يرجحون إطلاق القرء على الحيض، ولكن لم يذكروا ما إذا طلقها أثناء الحيض، فهل تحسب لها الحيضة الناقصة. أو لا؟ وقواعد مذهبهم تقتضي أنها تحسب كماحسب الطهر، أما الحيض المعتبر في العدة، فهو دم خرج تنفسه لا بسبب ولادة، ولا افتضاض بكارة، ولا غير ذلك، من قبل امرأة تحمل عادة، ولا تنقضي به العدة إلا بشروط.
أحدها: أن يستمر يوماً أو بعض يوم على الأقل، أما إذا نزل مدة يسيرة، كاللحظة، فإنه لا يعتبر حيضاً يترتب عليه الطهر الذي تنقضي به العدة، وإن كان يعتبر حيضاً في باب العبادة، فلا يحل لها أن تصلي إلا إذا اغتسلت منه، وإن كانت صائمة يفسد صيامها، على أن الحيض في باب العدة إذا انقطع لأقل من يومين، فإنه تسأل عنه الخبيرات من النساء، فإذا قالت واحدة ظاهرة العدالة، إنه حيض فذاك، وإلا فلا، وسيأتي،
ثانيها: أن لا تكون صغيرة دون تسع سنين، فإن رأت الدم وهي في هذا السن، فإنها لا تكون حائضاً، ومثلها ما إذا بلغت سن الإياس من الحيض، وهو سبعون سنة، وتسأل النساء عن حيض بنت تسع إلى ثلاثة عشر، فإن قلن: إنه حيض فذاك، وإن شككن فيه، أو جزء منه بأنه ليس حيضاً فإنه يعمل برأيهن، وكذا عن حيض بنت الخمسين إلى السبعين، فإنه تسأل فيه النساء كذلك.
ثالثها: أن يكون أحمر، أو أصفر، أو أكدر، والكدرة لون بين السواد، والبياض، وهذا هو المشهور، وقيل: إن لم يكن أحمر فلا يكون حيضاً.
رابعها: أن لا يخرج بعلاج، فإذا عالجت نفسها بدواء لتستعجل الحيض قبل وقته المعتاد فرأت الدم، فإنه لا تنقضي به العدة، وإذا كان كذلك فلا يكون حيضاً يمنع الصلاة والصيام، والاحتياط أن يقضى الصيام، لجواز أن يكون حيضاً، وإذا عالجت نفسها بدواء لتقطع الحيض فانقطع، فإنه يحكم لها بالطهر، وأكثر الحيض لمن لم تر الحيض، ويقال لها: مبتدأة، خمسة عشر يوماً، ولمن لها عادة تحسب لها عادتها، فإن لم ينقطع انتظرت ثلاثة أيام وهكذا في كل مرة تزيد ثلاثة أيام حتى تصل إلى خمسة عشر يوماً ولا تنتظر بعدها، ومحل كونها تستطهر بثلاثة أيام ما لم تكن عادتها خمسة عشر يوماً، فإن كانت فإنها لا تكون حائضاً بعدها، ولو نزل الدم، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، ثم إن المالكية يقولون: إن الحامل قد تحيض.
وأما الجواب عن السؤال الثاني، فهو أن المرضعة تعتد باقراء سواء كان حيضاً، أو كان طهراً من حيض، ولو مكثت ترضع سنين، فعليها أن تنتظر بعد انقطاع الرضاع حتى تحيض ثلاث حيض، فإن انتظرت ولم تحض حتى انقضت سنة بعد فطام الطفل، فإنها تحل للأزواج، ولا فرق في ذلك بين الحرة والأمة، فالأمة المرضعة لا تنقضي عدتها إلا بالحيض، وانقطاعه في زمن الرضاع لا ينقل عدتها إلى الاعتداد بمرور الزمن، وللزوج أن ينتزع الولد منها ويسلمه لمرضعة أخرى لتنقضي عدتها إذا كان في ذلك مصلحة له، كما إذا خاف على نفسه أن يموت وهي في العدة فترثه، إن لم يكن مريضاً، لأن الموت قد يحصل مفاجأة، أو كان يريد التزوج بأختها، وهي تطيل العدة لتحول بينه وبينها، أو كان يريد التزوج برابعة، أو كان يريد قطع نفقة عدتها، ولكن يشترط لذلك ثلاثة شروط:الأول: أن يقبل الولد ثدي غيرها، بحيث توجد مرضعة غيرها يقبل ثديها، ولا يضره فراق ثدي أمه.
الشرط الثاني: أن تكون عادتها في الحيض قد تأخرت بسبب الرضاع، أما إذا كانت لا تحيض إلا كل سنتين مرة بحيث لو قطعت الرضاع لا تحيض، فإنه ليس له أن ينزع الولد.
يتبع

ابوالوليد المسلم 20-08-2022 11:11 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث العدة]
صـــــ 465 الى صــــــــ
464

الحلقة (228)

الشرط الثالث: أن ترضعه المرضعة، وهو في حضانتها بأن ترضعه وهو عندها، فإن الحضانة لا تسقط بذلك.
أما الجواب عن السؤال الثالث، وهو ما إذا تأخر حيضها بسبب المرض فإنها تنتظر تسعة أشهر استبراء، أي للتحقق من براءة رحمها، لأن هذه المدة هي مدة الحمل غالباً، وهل تعتبر من وقت الطلاق، أو من وقت انقطاع حيضها؟ قولان: فإذا انقضت الأشهر التسعة التي للاستبراء تعتد بعد ثلاثة أشهر، سواء كانت حرة، أو أمة، وبعضهم يجعل السنة كلها عدة، والأمر في ذلك سهل لأنها على كل حال لا بد لها من انتظار سنة كاملة حتى تنقضي عدتها، فإذا حاضت قبل مضي السنة انتظرت حتى تحيض حيضتين، فإن لم تحض حتى انقضت السنة، فإنها تحل للأزواج، وإلا فإن حاضت، ولو في آخر يوم منها انتظرت الحيضة الثالثة، فإن جاءتها فذاك، وإلا انتظرت حتى تنقضي السنة الثالثة، فإما أن تحيض، وإما أن تحل للأزواج بدون حيض.
هذا إذا كانت حرة أما إذا كانت أمة فإنها تحل بالحيضة الثانية، أو بتمام سنة لم تحض فيها، فإن تزوجت بعد انقضاء السنة الني لم تر فيها الحيض بزوج آخر، ثم طلقت ولم تحض، فإنها تعتد بثلاثة أشهر، لأنها تكون في هذه الحال آيسة من الحيض سواء كانت حرة، أو أمة.
وأما الجواب عن السؤال الرابع، فهو كالجواب عن السؤال الثالث، وهو أن المستحاضة تنتظر تسعة أشهر استبراء لرحمها، لأنها مدة الحمل غالباً، ثم تعتد بثلاثة أشهر، فتنقضي عدتها بسنة كاملة.
أما الجواب عن السؤال الخامس، فهو أن المرأة التي اعتادت أن تحيض كل سنة مرة كالمرأة التي اعتادت أن تحيض كل خمس سنين مرة تعتد بالحيض، بمعنى أنها تنتظر عادتها، فإن جاءتها في آخر يوم من أيام السنة، أو السنتين أو الخمس، فإنها تنتظر الحيضة الثانية، وإن لم تأتها فإنها تحل للأزواج، أما التي تأتيها عادتها بعد خمس سنين، كما إذا كانت تحيض كل ست سنين أو سبع سنين إلى عشر سنين، فقيل: بل تعتد بالاقراء، بأن تنتظر عادتها، فإن لم تأتها حلت، وإلا انتظرت الحيضة الثانية، وهكذا، وقيل: بل تعتد بانقضاء سنة بيضاء، أي لم تر فيها الحيض، فإذا انقضت سنة ولم تحض، فإنها تحل للأزواج، وهذا هو الصواب، وبعضهم يقول: إنها تكون آيسة من المحيض، فتعتد بثلاثة أشهر، ولكنهم استبعدوا هذا الرأي.
وأما الجواب عن السؤال السادس: فهو أن عدة التي تبلغ ولم تر الحيض، أصلاً ثلاثة أشهر، كعدة الآيسة من المحيض، وكعدة الصغيرة التي لم تحض لصغرها، والكبيرة التي يئست من المحيض.
الحنفية - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن المراد بالقراء الحيض عندهم بلا خلاف لأنه هو الذي به تعرف براءة الرحم، كما تقدم في عبارة المالكية، فلا تنقضي عدة الحرة إلا بثلاث حيض كوامل، بحيث إذا طلقها قبل الحيض بلحظة ثم حاضت حسبت لها حيضة أما إذا حاضت قبل طلاقه بلحظة ثم طلقها فإنها لا تحسب لها، وتنقضي عدة الأمة بحيضتين كاملتين، ثم إن الحيض الذي تنقضي به العدة، هو دم يخرج من رحم الولادة، بشرائط مخصوصة، فلو خرج من الدبر لا يكون دم حيض، ويتوقف كونه حيضاً على أمور: أولاً: أن ينزل من بنت يسع سنين إلى أن تبلغ سن خمس وخمسين سنة على المختار، فإن رأت الدم وهي أقل من تسع سنين فإنه لا يكون دم حيض وكذا إذا رأته وهي أكثر من خمس وخمسين سنة، وهو سن اليأس على المفتى به. ثانياً: أن يخرج الدم إلى الفرج الخارج ولو بسقوط القطنة أو الحفاض، فإذا حاضت ولكن حبسته بقطنة ونحوها بحيث لم يخرج إلى الفرج الخارج فإنه لا يعتبر حيضاً، ولا يشترط في الحيض السيلان، ثالثاً: أن يكون على لون من ألوان الدم الستة، وهي: السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والترابية، يعني يكون كلون التراب. رابعاً: أن ينزل ثلاثة أيام وثلاث ليال، فإذا نزل الدم يوماً أو بعض يوم، أو أقل من ثلاثة أيام بلياليها، فإنه لا يكون حيضاً، وأكثره عشرة أيام ولياليها. خامساً: أن يتقدمه أقل أيام الطهر، وهي خمسة عشر يوماً فإذا رأت ثلاثة أيام دماً، ثم مكثت أربعة عشر يوماً طاهرة، ثم رأت الدم ثانياً فإنه لا يكون حيضاً ولو استمر ثلاثة أيام فأكثر. سادسها: أن يكون الرحم خالياً من الحمل، فإذا رأت الحامل دماً فإنه لا يكون حيضاً.
ومن هذا تعلم أن الحيض الذي تراه الصغيرة جداً والحامل لا يسمى حيضاً، وإنما يسمى استحاضة ومثله الحيض الذي لا يستمر ثلاثة أيام بلياليها، والحيض الذي يأتي قبل أن تنتهي مدة الطهر، وكذلك الدم الذي ينزل بسبب الولادة، فإنه ليس بحيض، وإنما هو دم نفاس، وأما الدم الذي ينزل بسبب افتضاض البكر، فهو غير خارج من رحم الولادة، كما لا يخفى.
وأما الجواب عن السؤال الثاني: فهو أن الحنفية يقولون: إن المرأة إذا حاضت مرة واحدة أقل الحيض، وهو ثلاثة أيام وثلاث ليال، فإنها تكون من ذوات الحيض، فإذا انقطع عنها الحيض بسبب رضاع، أو بسبب آخر، فإن عدتها لا تنقضي حتى تبلغ سن اليأس المتقدم ذكره، وقولهم: إذا حاضت ثلاثة أيام خرج به ما إذا بلغت بغير حيض، أو رأت الحيض يوماً واحداً أو يومين، ثم انقطع عنها، ومكثت سنة لم تحض ولم تلد وطلقها زوجها، فإنها تعتد بثلاثة أشهر وإذا بلغ سنها ثلاثين سنة حكم بإياسها من المحيض.
وأما الجواب عن السؤال الثالث: فهو كالجواب عن السؤال الثاني، فإنها ما دامت من ذوات الحيض وهي التي حاضت مرة ولو أقل الحيض، فإنها لا تعتد إلا بالحيض، فإن لم تحض ثلاث مرات لا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن اليأس، وقد عرفت أن لها أن تعالج نفسها بدواء ونحوه لإنزال الحيض، ولو في غير وقته، فإن نزل انقضت عدتها.
واعلم أن الحنفية اختلفوا في جواز تقليد المالكية في هذه المسألة، فقال بعضهم: إنه يجوز الإفتاء بمذهب المالكية، بحيث تنقضي عدة المرأة التي تحيض، ثم يمتد طهرها بعد انقضاء سنة بيضاء لا ترى فيها حيضاً وبعضهم يقول: لا يجوز للمفتي أن يفتي بهذا، وإنما يجوز له أن يقلده لخاصة نفسه، نعم إذا قضى به قاض مالكي فإنه يصح للحنفي تنفيذه بدون كلام، والذي أظنه معقولاً هو الرأي الأول، لأني لم أفهم معنى لقولهم: يجوز للمفتي أن يعمل بهذا الرأي ولا يجوز له أن يفتي به، لأنه لا يخلو إما أن يكون ضعيفاً فليس من الدين في شيء أن يعمل المفتي بالضعيف أو الفاسد ويكون ذلك جائزاً بالنسبة له وممتنعاً بالنسبة لغيره، وإما أن يكون قوياً وحينئذ لا معنى لانفراد المفتي به دون غيره، والظاهر المناسب جواز الافتاء به.
وأما الجواب عن السؤال الرابع: فهو أن المستحاضة التي استمر بها الدم إن كانت لها عادة قبل استمرار الدم ترد إلى عادتها. مثلاً إذا كانت تحيض في أول الشهر أو في وسطه ستة أيام ثم حاضت واستمر الدم فإن حيضها يعتبر ستة أيام من أول كل شهر أو وسطه، وما بقي طهر فتنقضي عدتها بثلاثة أشهر، وعلى هذا القياس، أما إذا لم تعرف عادتها فإن عدتها تنقضي بسبعة أشهر على المفتى به، وذلك بأن يقدر لحيضها عشرة أيام، وهي أكثر الحيض، ويقدر لطهرها شهران بحيث نفرض أنها تحيض كل شهرين مرة أكثر الحيض، فيكون مجموع الحيض الثلاث شهراً، ومجموع الأطهار الثلاثة ستة أشهر. وأما الجواب عن الخامس فظاهر، لأن المرأة إذا كانت من ذوات الحيض ولو لم تحض إلا كل خمس عشرة سنة مرة فإن عدتها لا تنقضي عند الحنفية إلا بالحيض، فإذا لم تحض فإن عدتها لا تنقضي حتى تبلغ سن اليأس، وقد عرفت أنه يجوز تقليد المالكية في انقضاء عدتها.
وأما الجواب عن السؤال السادس، فهو أن المرأة التي تبلغ ولم تر الحيض أصلاً، ومكثت سنة مع زوجها لم تحمل ثم طلقها فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، لأنها تكون في حكم اليائسة من المحيض لصغر أو كبر، فإذا بلغت ثلاثين سنة حكم بإياسها، كما تقدم، أما إذا حملت ووضعت الحمل، ثم طلقها وانقضت سبعة أشهر من غير أن ترى الدم، فإن عدتها لا تنقضي بالأشهر، لأن التي تحمل لا يحكم بإياسها، ولو لم تر الدم، لا قبل الولادة، ولا بعدها، وهذه ينبغي أن يقلد فيها المالكية أيضاً، رفعاً للحرج عن عباد الله.
الشافعية - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن المراد بالقرء الطهر قولاً واحداً، فلا تنقضي عدة الحرة إلا بانقضاء ثلاثة أطهار، ويحسب لها الطهر الذي طلقها فيه ولو بقيت منه لحظة واحدة، بحيث لو قال لها: أنت طالق، وهي طاهرة ثم حاضت بعد فراغه من النطق بطالق فإن ذلك يحسب طهراً لها وتنقضي عدتها بطهرين بينهما حيضتان بعد ذلك، على أن تدخل في الحيضة الثالثة تحيض بعد الطهر الذي طلقها فيه، ثم تطهر ثم تحيض، ويحسب ذلك طهراً ثانياً، ثم تحيض ثانياً، ثم تطهر، ثم تشرع في الحيضة الثالثة ويكون ذلك طهراً ثالثاً، فالطهر لا يعتبر إلا إذا كان بين حيضتين، كما تقدم، وإذا كان بين حيضتين، فلا بد أن يكون خمسة عشر يوماً على الأقل، وقد تقدم بيان الوقت الذي تسمع فيه دعواها بانقضاء العدة في مباحث الرجعة. أما الأمة فإن عدتها تنقضي بقرائن على هذا الوجه، ثم إن الحيض المعتبر في العدة هو دم يخرج من فرج المرأة إذا بلغت تسع سنين على الأقل، لا بسبب علة ولا ولادة، والمراد تسع سنين تقريباً فإذا انقضت قليلاً فإنه لا يضر، بشرط أن يكون النقص زمناً لا يسع الحيض والطهر، فإذا رأت الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين الدم لا يعتبر حيضاً، بل يكون دم علة وفساد، ومثلها الآيسة من الحيض - وهي من بلغت سن اثنتين وستين سنة على الأصح - وعدتهما ثلاثة أشهر، كما يأتي:
وقوله: من فرج المرأة خرج به الدم الذي يخرج من دبرها. فإنه ليس بحيض طبعاً وقوله: لا لعلة خرج به الاستحاضة، وهو المستمر بسبب المرض، وقوله: ولا ولادة خرج به النفاس فإنه لا يسمى حيضاً، ويشترط لانقضاء العدة بالطهر المترتب على هذا الحيض:

- (1) أن يكون الحيض على لون من ألوان الدم، وهي خمسة: السواد، وهو أقواها، ثم الحمرة، ثم الشقرة، ثم الصفرة، ثم الكدرة.
- (2) وأن يستمر يوماً وليلة، أعني أربعاً وعشرين ساعة، وهي أقل مدة الحيض، فإن مكث أقل من هذه المدة فلا يكون حيضاً.
- (3) أن يفصل أقل الطهر بين الحيضتين، وأقل الطهر خمسة عشر يوماً، لأن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فإذا فرضنا امرأة عادتها خمسة عشر يوماً حيضاً كان الباقي من الشهر طهراً، وهو أقل الطهر، ولا حد لأكثره.

ثم إن الحامل تحيض على المعتمد، فإذا رأت الدم، وهي حامل ثم انقطع وولدت بعد عشرة أيام من تاريخ انقطاع الدم اعتبرت هذه العشرة طهراً فاصلاً بين الحيض والنفاس، ولا يقال: إن أقل الطهر الفاصل خمسة عشر يوماً، لأن مرادهم به الفاصل بين الحيضتين، أما الفاصل بين حيض الحبلى ونفاسها فلا يلزم أن يكون خمسة عشر يوماً، ومثل ذلك ما إذا تقدم النفاس على الحيض كما إذا ولدت، ثم نفست وانقطع دم النفاس، لأكثر مدته مثلاً، ثم طهرت يوماً أو يومين وحاضت بعد ذلك، فإن هذا يعتبر طهراً فاصلاً بين حيض ونفاس، وإن لم يكن خمسة عشر يوماً فإذا طلقها وهي نفساء، ثم طهرت من نفاسها يوماً أو يومين مثلاً، ثم حاضت فإن ذلك يحسب طهراً لها، وإذا حاضت وهي حبلى فسد صيامها وحرم عليها ما يحرم على الحائض الخ.
أما الجواب عن السؤال الثاني: فإن الشافعية، كالحنفية يقولون: إن المرأة إذا كانت من الحيض فإن حاضت ولو مرة واحدة فإن عدتها لا تنقضي إلا بثلاثة أطهار بحيث إن انقطع عنها الحيض، فلا تنقضي عدتها إلا إذا بلغت سن اليأس، فمن تأخر حيضها برضاع، أو بمرض فإن عليها أن تصبر حتى تفطم الرضيع وتشفى من المرض، ثم تحيض، ولها أن تعالج الحيض بدواء ونحوه فإذا حاضت ولو قبل ميعاد حيضتها فإنه يعتبر، ولا حق للزوج في قطع النفقة والسكنى مهما تضرر على المعتمد.
وهذا جواب عن السؤال الثالث أيضاً، إذ لا فرق بين المرضعة والمريضة.
وأما الجواب عن السؤال الرابع: فهو أن التي يستمر بها الدم ولو كان متقطعاً، فإن كانت لها عادة معروفة، كأن كانت تحيض في أول كل شهر سبعة أيام مثلاً، فإنها ترد إلى عادتها، كما يقول الحنفية، وإن لم تكن لها عادة فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر هلالية، إن طلقت في أول الشهر، لأن كل شهر يشتمل على طهر وحيض لا محالة، لما علمت من أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، فما بقي منه أقل الطهر، وهو خمسة عشر يوماً، أما إن طلقت في أثناء الشهر فإن كان قد بقي منه أكثر من خمسة عشر يوماً حسب لها طهراً لاشتماله على الطهر لا محالة، وإن بقي منه خمسة عشر يوماً فأقل، فإنه لا يحسب لها، فلا بد لها من ثلاثة أشهر هلالية بعده. وقد قال بعض الحنفية: إن عدة المستحاضة ثلاثة أشهر، فيكون موافقاً للشافعية في الموضوع. وأما الجواب عن السؤال الخامس، فهو كالجواب عن السؤال الثالث، لأنك قد عرفت أن المرأة التي تحيض، ولو مرة في حياتها تكون من ذوات الحيض، سواء حاضت كل عشر سنين مرة أو كل خمس سنين مرة، أو لم تحض أصلاً بعد، فإن عدتها لا تنقضي إلا ببلوغ سن اليأس.
وأما الجواب عن السؤال السادس، فهو أن التي تبلغ ولم تر دماً فإنها تكون في حكم الآيسة من المحيض، عدتها ثلاثة أشهر، فإن شرعت في العدة بالأشهر ثم حاضت انتقلت عدتها للحيض كما تقدم.
الحنابلة - قالوا: في الجواب عن السؤال الأول: إن القرء هو الحيض قولاً واحداً، كما يقول الحنفية، وقد استدلوا على ذلك بأن هذا المعنى منقول عن كبار الصحابة، ومنهم عمر وعلي وابن عباس، وأبو بكر وعثمان، وأبو موسى، وعبادة، وأبو الدرداء، فهؤلاء كلهم قالوا: إن القرء معناه الحيض، ثم إن الحيض المعتبر في العدة هو دم يخرج من داخل الرحم لا لمرض ولا بسبب الولادة، يعتاد أنثى إذا بلغت في أوقات معلومة، ويتحقق الحيض بأمور: منها أن يكون لون دم الحيض، وهو الحمرة والصفرة، والكدرة، ومنها أن يستمر يوماً وليلة، وهو أقل الحيض، فإن انقطع لأقل من ذلك فإنه لا يكون حيضاً، بل دم فساد وأكثره خمسة عشر يوماً ومنها أن يفصل بين الحيضتين أقل الطهر، وهو ثلاثة عشر يوماً، ومنها أن تكون بنت تسع سنين على الأقل، فلو كانت أقل من ذلك ورأت دماً فإنه لا يكون حيضاً ولا يعتبر، ومنها أن تكون آيسة من المحيض، وهي من بلغت سن خمسين سنة فهذه تعتد بالأشهر ولا عبرة بالدم الذي تراه بعد ذلك.
والحامل لا تحيض عند الحنابلة، كالحنفية، فإذا رأت الدم وهي حامل كان دم فساد لا يمنع الصلاة، والصوم، والوطء عند الحاجة، فلا توطأ إلا عند الحاجة، وإذا رأت الحامل الدم ثم انقطع، فإنها تغتسل منه استحباباً، كما تقدم في مباحث الحيض.
فالحرة التي تحيض ولو مرة لا تنقضي عدتها إلا بثلاث حيض كاملة، بحيث لو طلقها وهي حائض فلا تحسب لها الحيضة، أما إذا طلقها قبل الحيضة ولو بلحظة، فإنها تحسب لها، كما يقول الحنفية، أما الأمة التي تحيض، فإن عدتها تنقضي بحيضتين على الوجه المذكور، وإذا انقضت عدة الحرة بانقطاع دم الحيضة الثالثة فإنها لا تحل للأزواج إلا إذا اغتسلت، فإن لم تغتسل لا تحل، ولو مكثت زمناً طويلاً، ومثلها الأمة عند انقضاء عدتها.
أما الجواب عن السؤال الثاني، فإن من حاضت ولو في عمرها مرة، ثم انقطع حيضها بسبب معروف من رضاع أو مرض فإن عدتها لا تنقضي حتى يعود الحيض، فتعتد بثلاث حيض، فإن لم يأتها الحيض فلا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن اليأس، وبعضهم يقول: إذا لم يأتها الحيض فإنها تعتد بسنة، والأول موافق للشافعية، والحنفية، والثاني موافق للمالكية، وقد استدلوا على ذلك بما رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره أن حبان بن منقذ طلق امرأته - وهو صحيح - وهي مرضعة. فمكثت سبعة أشهر لا تحيض، يمنعها الرضاع ثم مرض حبان، فقيل له: إن مت ورثتك، فجاء إلى عثمان وأخبره بشأن امرأته، وعنده علي، وزيد، فقال لهما عثمان: ما تريان؟ فقالا: نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت، فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض، وليست من اللائي لم يحضن، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير، فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة، ثم أخرى، ثم مات حبان قبل أن تحيض الثالثة، فاعتدت عدة الوفاة وورثته اهـ.
وفي هذا جواب عن السؤال الثالث، إذ لا فرق بين المرضعة والمريضة عند الحنابلة، كالشافعية والحنفية، والذي فرق بينهما هم المالكية، وذلك لأن الرضاع سبب يمكن إزالته بخلاف المرض.
وأما الجواب عن السؤال الرابع، فهو أن المستحاضة التي يستمر بها نزول الدم إن كانت لها عادة أو يمكنها أن تميز بين الدم الصحيح والدم الفاسد، فإنها تعمل بذلك، بحيث لو كانت تحيض قبل استمرار الدم خمسة أيام في وسط كل شهر، فإنها تعتبر هذه المدة حيضاً، وإن لم تكن لها عادة، بل ابتدأها الحيض في أول بلوغها واستمر، فإنها إن كانت حرة فإن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر، وإن كانت أمة فإن عدتها تنقضي بشهرين.
وأما الجواب عن السؤال الخامس، فهو أن الحنابلة يقولون: إن المرأة إذا حاضت مرة وارتفع عنها الحيض بدون سبب معروف من مرض أو رضاع، فإن عدتها تنقضي بسنة عند انقطاعه بعد الطلاق. فإن انقطع قبل الطلاق فإنها تصبر سنة أيضاً، ولكن منها تسعة أشهر للعلم ببراءة الرحم من الحمل، وثلاثة أشهر عدة.
هذا إذا كانت حرة، أما إذا كانت أمة فإن عدتها تنقضي بأحد عشر شهراً، منها تسعة أشهر


ابوالوليد المسلم 14-09-2022 08:13 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث العدة]
صـــــ 482
الى صــــــــ 492
الحلقة (229)





مبحث عدة المطلقة الآيسة من المحيض
دليلها
-تعتد المطلقة الآيسة من المحيض بثلاثة أشهر من تاريخ طلاقها وقد عرفت أن الآيسات من المحيض نوعان: إحداهما الصغيرة التي دون تسع سنين، فإنها إذا رأت الدم كان دم فساد. وفي بيان الصغيرة التي تجب عليها العدة تفصيل المذاهب (1) .
ثانيتهما: الكبيرة، وفي سن إياسها التفصيل المتقدم في عدة الحائضات، ويلحق بهاتين، النساء اللائي بلغن بغير الحيض، ولم يحضن بعد، قال تعالى: {واللائي يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} ، فهذه الآية خصت عموم قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} لأن - المطلقات - تشمل الآيات، ثم إن الكبيرة الآيسة إذا اعتدت بالأشهر وانقضت عدتها، ثم حاضت بعد انقضاء العدة حيضاً صحيحاً، فإنها لا شيء عليها بعد ذلك، سواء تزوجت بعد انقضاء عدتها. أو لم تتزوج. وإذا تزوجت بعد انقضاء عدة الأشهر فإن الزواج يكون صحيحاً، ولو حاضت بعده، أمل إذا شرعت في العدة بالأشهر، ثم حاضت أثناء عدتها حيضاً صحيحاً لا دم علة وفساد، فإن عدتها تنتقل من الأشهر إلى الحيض (2) ، فيجب عليها أن تستأنف عدة أخرى، وكذلك الصغيرة بنت تسع سنين إذا حاضت أثناء عدتها بالأشهر، تنتقل إلى عدة الحيض، ولا تنقضي عدتها إلا بثلاث حيض، أما إذا حاضت بعد انقضاء العدة فإنها لا شيء عليها.
وإذا شرعت التي تحيض في العدة بالحيض، فحاضت مرة، أو اثنتين، ثم انقطع الدم لبلوغها سن اليأس، انتقلت عدتها إلى الأشهر، وبطلت عدة الحيض فلا تحسب لها.
واعلم أن الثلاثة أشهر عدة الآيسات من الحرائر، أما الأمة فعدتها نصف عدة الحرة، وهي شهر ونصف (3) ، لأن الزمن يتنصف، وتعتبر الأشهر بالأهلة إن طلقها في أول الشهر، فإن طلقها أثناء الشهر حسب الشهر الذي طلقها فيه بالأيام، وما بعده بالأهلة، ثم تؤخذ الأيام الباقية من الشهر الرابع.
مباحث النفقات
تعريفها - حكمها - أسبابها - مستحقوها دليلها

-النفقة في اللغة: الإخراج والذهاب، يقال: نفقت الدابة، إذا خرجت من ملك صاحبها بالبيع أو الهلاك كما يقال: نفقة السلعة، إذا راجت بالبيع، وبابه دخل، فمصدره النفوق كالدخول والنفقة اسم المصدر، وجمعها نفقات، ونفاق - بكسر النون - كثمرة وثمار.
أما في اصطلاح الفقهاء، فهو إخراج الشخص مؤنة من تجب عليه نفقته من خبز، وأدم، وكسوة، ومسكن، وما يتبع ذلك من ثمن ماء، ودهن، ومصباح. ونحو ذلك، مما يأتي.
أما حكمها التي توصف به، فهو الواجب، فتقول: نفقة واجبة على الزوج، أو الأب، أو السيد.
وأما أسباب وجوبها، فثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك، وقد ثبتت النفقة لهؤلاء بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} ، وقال: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب النفقة على الزوجة، والأولاد، والوالدين، والأقارب وأما السنة فهي مملوءة بالحث على الإنفاق على الأهل، والأقارب، والمماليك، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث: " وابدأ بمن تعول"، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلا من تدعني. وفي رواية" أنفق علي" بدل" أطعمني"، ولا يخفى ما في الحديث من الحث على الإنفاق على مستحقيه، وقد أجمع العلماء على وجوب النفقة لهؤلاء، وكما أن الزوجية سبب في وجوب النفقة على الزوج، فكذلك الفرقة قد تكون سبباً في وجوب النفقة، كالمطلقة رجعياً ونحوها، مما سيأتي بيانه في مبحث - نفقة العدة -.
مبحث نفقة الزوجة وتتعلق بها مسائل
-تتعلق بنفقة الزوجية مسائل
أحدها: بيان أنواعها
ثانيها: هل تفرض النفقة بحسب حال الزوج، أو بحسب حال الزوجة، أو بحسب حالهما معاً؟.
ثالثها: هل تقدر النفقة بالنقود أو تقدر بالطعام والقماش ونحوهما؟.
رابعها: ما شرط وجوب نفقة الزوجية؟.
خامسها: هل تثبت النفقة قبل المطالبة بها وفرضها؟.
سادسها: إذا تجمدت النفقة بعد فرضها فهل يمكن اسقاطها وبماذا تسقط؟

أنواع نفقة الزوجية
-تشمل نفقة الزوجية ثلاثة أنواع:
-1 - إطعام الزوجة من خبز وأدم، وما يلزم لهما من عجن وطبخ وشرب.
-2 - كسوة الزوجة.
-3 - إسكانها، وفي كل هذه الأمور تفصيل المذاهب (1) .
__________
للحمل وشهران للعدة، فإن أتاها الحيض في أثناء المدة المذكورة فإن العدة تنتقل للحيض، أما إذا أتاها بعد انقضاء المدة، ولو لم تتزوج، فإن العدة لا تنتقل إليه، ولكن إذا عاد الحيض بعد سنة. أو سنتين. أو ثلاث. أو خمس. أو عشر. أو غير ذلك، وأصبح عادة لها فإن عدتها لا تنقضي إلا بالحيض، وإن طالت، لأنها تصبح بعد ذلك من ذوات الحيض.
وأما الجواب عن السؤال السادس، فإن المرأة التي لا تحيض أصلاً تنقضي عدتها بثلاثة أشهر كاليائسة) .
(1) (المالكية - قالوا: لا تجب العدة على الصغيرة إلا إذا كانت لا تطيق الوطء، ولو كانت دون تسع سنين، أما إذا لم تطق الوطء فإنها لا تجب عليها العدة، ولو كانت تزيد على تسع، وعلى كل حال فعدتها بالأشهر ما لم تحض.
الحنابلة - قالوا: إذا طلق الزوج صغيرة لا يوطأ مثلها، وهي التي دون تسع سنين، فإنها لا تعتد، ولو دخل بها وأولج فيها، وقد عرفت أنه لا عدة عليها أيضاً إذا وطئها صغير دون عشر سنين أما بنت تسع فإن عليها العدة إذا وطئها ابن عشر، لاحتمال التلذذ والإمناء.
الشافعية - قالوا: الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا تجب عليها العدة. وكذا إذا كان طفلاً، فإنه لا يعتد بوطئه، كابن سنة مثلاً.
الحنفية - قالوا: العدة تجب على الصغيرة، ولو طفلة، ثم إنه إن طلق الصغيرة التي لم تحض وكانت دون تسع سنين، فإن عدتها تنقضي بالأشهر قولاً واحداً، ولو رأت الدم فيها على المعتمد لأنه لا يكون دم حيض، أما إذا كانت بنت تسع سنين فأكثر ولم تحض - ويقال لها المراهقة - ففيها قولان: أحدهما أن عدتها تنقضي بثلاثة أشهر دون غيرها، وإذا حاضت في أثنائها انتقلت عدتها إلى حيض، وإلا فلا. القول الثاني: أن عدتها لا تنقضي بالأشهر الثلاثة، بل ينبغي أن توقف حتى يتحقق من براءة رحمها بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام لأنها هي المدة التي يظهر فيها الحمل ويتحرك، فتنتظر زيادة على عدتها شهراً وعشرة أيام. فإذا لم يظهر الحمل بعد ذلك فإنه يعلم أن العدة قد انقضت بانقضاء ثلاثة أشهر. فإذا ادعت أنها بلغت خمس عشرة سنة فإنه يؤخذ بقولها، وإذا ادعت أنها بلغت بالاحتلام والإنزال، وهي دون خمس عشرة سنة فإنها تصدق أيضاً، وكذلك إذا ادعت الكبيرة أنها بلغت سن اليأس فإنه يؤخذ بقولها، على القول المختار من تحديده بالمدة، وقد عرفت أن الصغير مطلقاً متى خلا بامرأته وفارقها فإنها تعتد منه ومثله المجبوب، وهل إدخال مني الزوج في الفرج بدون وطء يوجب العدة كما يقول الشافعية. أو لا؟ والجواب: نعم، ولكن ذكر هذه المسألة في كتب الحنفية ليس له فائدة عملية، لأنهم يقولون: إن الخلوة توجب العدة، وإدخال المرأة مني زوجها إنما يتصور فيما إذا باشرها فيما دون الفرج وأنزل، فأدخلت ماءه لتتلذذ به، وهذا لا يكون إلا في الخلوة، أما إنزاله بعيداً عنها وحفظه ووصوله إليها عن طريقه أو طريق غيره لتضعه في فرجها، فإنه وإن كان ممكناً ولكن الفقهاء صرحوا بأنه لا يحبل في هذه الحالة.
أما الشافعية فلهم الحق في ذكره، لأنهم يقولون: إن الخلوة لا توجب العدة فيتصور في هذه الحالة إدخال المني بدون وطء.
وبقي أيضاً الوطء في الدبر، فإن الشافعية يقولون: إنه يوجب العدة. والحنفية يخالفونهم في المبدأ. فيقولون: إنه لا يوجب. ولكن يوافقونهم في الأثر المترتب عليه من ناحية أخرى. وهو أنه لا يقع إلا في الخلوة. والخلوة توجب العدة، ولو فرض ووضع في غير الخلوة فإنه لا يوجب العدة.)
(2) (الشافعية - قالوا: إذا حاضت الآيسة أثناء عدة الأشهر انتقلت عدتها إلى الحيض وبطلت عدة الأشهر بلا كلام. أما إذا حاضت بعد انقضاء عدة الأشهر، ففيه تفصيل، وهو أنه إذا تزوجت بعد انقضاء عدة الأشهر، ثم حاضت بعد ذلك فلا شيء عليها، لأن العقد صحيح وقع بعد انقضاء عدة مشروعة، وللزوج الثاني الحق فيها، أما إذا لم تتزوج، ثم حاضت مرة، فإنها لا تعتبر أيضاً، ولها أن تتزوج بعدها، أما إذا حاضت مرة ثانية قبل أن تتزوج انتقلت عدتها إلى الحيض، فلا يحل لها أن تتزوج إلا إذا حاضت الثالثة، فإذا انقطع الدم بعد الثانية ولم يأتها، وجب عليها أن تستأنف عدة إياس أخرى بثلاثة أشهر، ومثلها في هذا التفصيل الصغيرة بنت تسع إذا حاضت أثناء العدة أو بعدها.
المالكية - قالوا: إذا بلغت المرأة سن اليأس، وهو سبعون سنة بالتحقيق، وشرعت في العدة بالأشهر بعد الطلاق، ونزل عليها دم، فإنه لا يعتبر حيضاً، وتستمر في العدة بالأشهر، ويكون ما رأته دم فساد وعلة، وأما إذا كانت مشكوكاً في إياسها، بأن بلغت سن الخمسين إلى قبيل السبعين ونزل عليها دم، فإنه يرجع في أمرها إلى الخبيرات من النساء، فإن قالت خبيرة ولو واحدة: بأنه دم حيض انتقلت عدتها إلى الحيض، وإن قالت الخبيرات: إنه ليس بدم حيض فلا تنقطع عدة الأشهر وإنما يكتفى فيه بخبيرة واحدة، بشرط أن تكون سليمة من جرحة الكذب.
والمالكية يقولون: إنه يرجع للنساء الخبيرات أيضاً فيما إذا رأت الدم يوماً، أو يومين، أو أقل من ذلك وانقطع، فإنه في هذه الحالة ينبغي الرجوع إلى الخبيرات، فإذا قالت خبيرة: إنه دم حيض عمل به، وإلا فلا، كما تقدم، وكذا يرجع إلى النساء فيمن عملت له عملية جراحية فقطعت أنثياه أو واحدة منهما، أو قطع ذكره وأنثياه، أو أحدهما، أو تعطل شيء منهما لمرض، فتسأل الخبيرات عما إذا كان يولد لمثله أو لا؟ وهل يشترط الرجوع إلى النساء الخبيرات، أو المطلوب التحقق من أهل المعرفة، نساء كن أو رجالاً أطباء؟ خلاف، فمنهم من يقول: إن مسألة كون الرجل لا يلد ينبغي الرجوع فيها إلى الطب والتشريح، فمجرد الخبرة الناشئة من تجارب النساء لا تكفي، وبعضهم يقول: إن هذا الباب تكفي فيه معرفة النساء، وعلى كل حال فإن النساء إذا كن طبيبات فإنهن يجمعن بين الأمرين، فهذا مبدأ حسن من جميع وجوهه.
هذا في اليائسة، أما الصغيرة التي يمكن أن تحيض فإنها إذا شرعت في العدة بالأشهر، ثم حاضت انتقلت عدتها إلى الحيض، ولو بقي من عدة الأشهر يوم واحد، أما إذا انقضت عدتها وحاضت، فلا شيء عليها، ولا يرجع في أمرها إلى النساء) .
(3) (المالكية - قالوا: في عدة الأمة الآيسة من المحيض أقوال ثلاثة: أحدها أن عدتها مساوية لعدة الحرة، فتعتد بثلاثة أشهر، وهذا هو المشهور، ووجهه أنها إذا كانت حاملاً لا يظهر حملها غالباً إلا بعد ثلاثة أشهر.
ثانيها: أنها تعتد بشهرين كما يقول الحنابلة.
ثالثها: أنها تعتد بشهر ونصف كما يقول الحنفية، والشافعية، وهو المذكور أعلى الصحيفة.
الحنابلة - قالوا: عدة الأمة الآيسة شهران كاملان، وذلك لأن عدتها إذا كانت من ذوات الحيض قرءان، فينبغي أن يجعل بإزاء كل حيضة شهر) .
(1) (الحنفية - قالوا: أما الإطعام، فهو واجب على الزوج لزوجته، وسيأتي إنه يقدر لها على حسب حالهما، وهل الواجب اعطاؤها الحبوب والخضر واللحم، وعليها هي الخبز والطهي، أو الواجب اعطاؤها خبزاً مهيئاً وطعاماً ناضجاً؟ والجواب: أن ذلك يتبع حال الزوجة، فإن كانت من الأسر التي لا تخدم نفسها، فعليه أن يأتيها بطعام مهيأ، وكذا إذا كانت بها علة تمنعها من الخدمة، أما إذا كانت قادرة على الطحن والعجن والطبخ بنفسها، فإنه يجب عليها أن تفعل ولا يحل لها أن تأخذ على ذلك أجره، فالفصل في هذا للعرف، فمتى كان العرف جارياً على أن مثل هذه الزوجة ممن لا تخدم وامتنعت عن الخبز والطهي والخدمة كان لها ذلك، وإلا فلا، بل يجب عليها أن تفعل من الخدمة ما هو متعارف بين أمثالها من الناس، قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} ، أي عليهن من الواجبات والحقوق مثل الذي لهن بحسب المتعارف بين الناس ويؤيد هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أمال الحياة بين علي وفاطمة، فجعل على علي كرم الله وجهه أعمال الخارج، وجعل على فاطمة أعمال الداخل، وقد كانت يومئذ أعمال المنزل شاقة، لأنهم كانوا يطحنون على الرحى.

يتبع

ابوالوليد المسلم 14-09-2022 08:16 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث العدة]
صـــــ 482 الى صــــــــ
492

الحلقة (230)





وقولهم: إن هذا لا يصلح حجة، لأن بيت النبوة كان المثل الأعلى في الزهد والتواضع، فلا يقاس عليه غيره، مردود بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو وأهل بيته قدوة للناس جميعاً، وأعماله وأقواله شريعة خالدة، يجب على الناس الاقتداء بها، فعمل النبي صلى الله عليه وسلم دستور عام يبين للناس أن المرأة التي تعودت خدمة منزلها يجب عليها أن تخدم في دار زوجها، وينظر في ذلك للبينة، فمتى كانت أمثالها تخدم وجب عليها أن تخدم، بصرف النظر عن قدرتها وجاهها.
وعندي أن هذه النظرية يجب أن تعم جميع نساء زماننا، لما فيها من تمرين السيدة على مباشرة منزلها، وتدريبها على تربية أبنائها وبناتها وصرفها عن التبرج في الطرق. والتنقل من منزل إلى منزل ومن ملهى إلى آخر، واحتكاكها بالفاسدات ونقلها إلى ذريتها أسوأ العادات وأقبح أنواع السرف والمجون، إن المرأة التي تباشر خدمة منزلها وتدبير شأنه ومراقبة أبنائها وبناتها مراقبة فعلية تقوم بوظيفتها خير قيام وتؤدي للمجتمع خير خدمة، وإن للمسلمات المؤمنات أسوة حسنة في السيدة فاطمة سيدة نساء العالمين وبنت سيد خلق الله أجمعين عليه الصلاة والسلام، وليس معنى هذا أن تكلف المرأة بما فوق طاقتها ولا تستعين بخادم وطاه إذا كانت موسرة، كلا، بل الغرض أن تدير الأعمال المنزلية النافعة واستعداد لما عساه أن يطرأ من الظروف والأحوال، وقد يختفي الخادم فجأة، وقد تكون الأسرة في مكان لا طعام به، فليس من الحسن أن تظل الأسرة جائعة لجهل السيدة بالأعمال المنزلية، فضلاً عما في التدريب على الأعمال من سلوى للسيدة تحول بينها وبين التسكع في الطرق والتنقل في دور الملاهي كما قلنا.

ثم إنه إذا وجب على المرأة الخبز والطهي وخدمة المنزل، كما ذكرنا، فإنه يجب على الزوج أن يحضر لها الآلات اللازمة لذلك بحسب البيئة فإذا كانت في بلاد لا تطحن إلا على الرحى وجب عليه أن يستحضر لها الرحى، وإذا كانت في جهات تطحن بغير الرحى كالآلات البخارية والطواحين، فإنه يجب عليه أن يحضر لها الغربال والمنخل، والماعون الذي تعجن فيه وكذا يجب عليه أن يحضر لها آلة الطبخ من كانون ومغرفة وملاعق، ونحو ذلك، على حسب حالها، وعليه أيضاً الماء، فغن كانت في بلد اعتادت نساؤها أن تحضر الماء بنفسها كان عليها احضاره كما في القرى الصغيرة التي تنقل فيها النساء الماء بأنفسهن، وإذا أذن لها في استحضاره، وإلا وجب عليه أن يحضر لها الماء بالوسائل المعتادة من سقاء، أو من شركات المياه - الحنفيات - وعليه أن يحضر لها الماء الكافي للغسل والوضوء والنظافة، وعليه أن يحضر لها الآلات اللازمة لذلك، بما في ذلك الزير والكوز، أما الكسوة فإنها تفرض لها في كل نصف حول مرة، إلا إذا تزوج وبنى بها، ولم يبعث لها كسوة، فإن لها أن تطالبه بها قبل نصف الحول، ويجب أن يلاحظ الفصول في تقدير الكسوة فينبغي أن يزاد لها في فصل الشتاء ما يدفع أذى البرد، وفي فصل الصيف ما يدفع أذى الحر، ويجب أن يلاحظ أيضاً ما جرى عليه العرف بين أمثالها في تقدير الكسوة، وتشمل الكسوة أيضاً ما تلبسه في رجلها من حذاء، وعلى رأسها من مزر ونحوه، وأما السكنى فإنه يجب عليه إسكانها في منزل لائق بحالهما، خال عن أهله وولده. إلا إذا كان طفلاً صغيراً لا يفهم معنى الجماع، فإنه لا يضر وجوده، وهل له أن يسكن مع أمته؟ خلاف، والراجح أن له إسكانها معها بشرط أن لا يطأها أمامها، أما إذا كانت له أم ولد، فالصحيح أنه ليس له إسكانها معها، لأن الأمة بعد أن تلد تكون كالضرة أو أشد.
هذا كله إذا لم ترض، أما إذا رضيت فسكنت مع أهله فإنه يصح، وله منع أهلها من السكنى معها، ولو سكنى ولدها من غيره. ولو كان صغيراً لا يفهم معنى الجماع، وكذا له منعها من إرضاعه وتربيته.
هذا إذا كان في بيته، سواء كان ملكه أو مستأجره، أما إذا كان في بيتها هي، فليس له منعها من إسكانهم، وإنما له منعها من إرضاع ابنها وتربيته، لأنه يشغلها عنه ويضر بجمالها ونظافتها، وذلك حقه وحده، ويشترط في المسكن أن يكون مشتملاً على جميع المنافع اللازمة من دورة مياه، ومطبخ ومنشر تنشر عليه غسيلها، ونحو ذلك مما تقدم في صحيفة 221 ويجب عليه أن يحضر في المسكن جميع الأدوات اللازمة له بحسب الحالة الأتي بيانها من فقر وغنى، فعليه أن يستحضر الفرش والغطاء والمقاعد، وما يلزم لذلك حسب العرف وعليه أن يستحضر أيضاً ما تتنظف به من صابون ونحوه، وما تزيل به الأوساخ التي تعلق بالشعر، كالمشط والدهن وغير ذلك، مما يستعمل عادة في النظافة، ومن ذلك الروائح العطرية التي تقطع رائحة العرق والصنان، فإنها تجب عليه، وكذا لا يلزمه دواء ولا فاكهة، واعترض بعضهم بأن الدواء من الأمور الضرورية لحياة الإنسان، والفاكهة قد تكون ضرورية لمن اعتاد عليها من الموسرين، والجواب: أن الدواء والفاكهة لا تجبان في حالة التنازع ورفع الأمر للقاضي، فالواجب على الزوج في هذه الحالة، هو الحاجيات التي تقوم عليها الحياة غالباً. أما في حالة الرضا فهو مكلف بينه وبين الله بمعاملة زوجته أحسن معاملة، هذا ما قرره الحنفية.
وقد يقال: إن هذا يكون ظاهراً فيما إذا كانا غنيين أو فقيرين، أو كانت الزوجة غنية والزوج فقيراً، فإنهما إن كانا غنيين، أو الزوجة غنية، فإنها يمكنها أن تعالج نفسها وتتفكه بدون ضرر، وإذا كانا فقيرين فالأمر ظاهر، إذ ليس من المعقول أن يكلف الفقير بالدواء والفاكهة وهو لا يقدر على القوت الضروري إلا بجهد ومشقة أما إذا كانت الزوجة فقيرة والزوج غني فإن قواعد الإسلام تقضي بإلزامه بمعالجتها، فإنه يجب على الأغنياء أن يغيثوا المكروب ويعينوا المريض، فالزوجة المريضة إذا لم يعالجها زوجها الغني وينقذها من كربها، فمن يعالجها غيره من الأغنياء؟ أليس من المعقول الظاهر أن يعالجها زوجها ويدفع لها ثمن الدواء إلزاماً؟ وهذا الكلام تستريح له النفس، ولكن فقهاء الحنفية أجمعوا على ما ذكرنا طرداً للأحكام لأن حق الزوجة على الزوج من حيث هي زوجة يوجب عليه أن ينفق ما به قوام الحياة العامة، وهي حياة الصحيحة لا المريضة، فلا يجب عليه الدواء على أي حال بل إن بعض المذاهب يرى أن النفقة لا تجب إلا في نظير الاستمتاع، والزوجة المريضة لا تصلح للاستمتاع فلا تجب لها نفقة، ولكن الحنفية قالوا: إن النفقة تجب في نظير حبس الزوجة في منزل زوجها، ولم لم تكن صالحة للاستمتاع كما ستعرفه في الشروط.
وإذا كان الدواء وأجرة الطبيب لا يجبان عليه، فكذلك لا يجب عليه ثمن الدخان والقهوة والشاي ونحوهما، ولو تضررت من تركها، وقد اختلف في أجرة القابلة - الداية - فقيل: عليها، وقيل: عليه، وقيل: على من استدعاها منهما، واستظهر بعضهم أنها على الرجل، لأن منفعتها راجعة إلى الولد ونفقته على والده، وهو المعقول.
المالكية - قالوا: يفرض على الزوج لزوجته النفقة بأنواعها الثلاثة، فأما الإطعام وما يلزم له فإنه ينظر في تقديره للعادة سواء كان خبزاً، أو أدماً، أو لحماً، فإن كان موسراً وكان من عادتهم أكل اللحم يومياً فرض لها ذلك. ومع ما يلزم لطهيه الناسب لها، وإن لم يكن من عادتهم ذلك فرض لها في الأسبوع مرة على زوجها متوسط الحال، ويرض لها باقي الأسبوع الأدم الذي يأتدم به أمثالها، ويفرض لها الخبز بحسب ما جرت به العادة من قمح أو غيره. وعليه كفايتها من ذلك ولو كانت كثيرة الأكل، إلا إذا اشترط عند زواجها كونها غير أكولة فإن له ردها ما لم ترض بالوسط. وإن كانت ضعيفة الأكل فرض لها بقدر كفايتها فقط على المعتمد. ويزاد للمرضع ما تقوى به على الرضاع.
ويفرض عليه الماء الكافي لشربها وغسلها للنظافة وللجنابة وغير ذلك. وغسل ثيابها وآنيتها، ورش أرضها ونحو ذلك، وكذا يفرض لها جميع الآنية والأدوات اللازمة للطبخ والخبز والشرب، من وقود وكانون وفرن وملح وسمن لإصلاح الطعام، أما ما عدا ذلك فإنه لا يفترض عليه، فلا يفترض عليه السمن للحلوى كما لا تفترض عليه الحلوى ولا الفاكهة أما ثمن الدواء وأجرة الطبيب، ففي وجوبهما عليه قولان، والذي في المتون أنهما لا يجبان عليه ولعل التفصيل الذي ذكرته في مذهب الحنفية يؤيده القول بالوجوب، لأن المفروض أنه قادر على الدواء.
وبعض علماء المالكية يقول: إنه يفترض عليه أن يعالجها بقيمة النفقة التي تفترض لها وهي سليمة من المرض، ومثل الطبيب القابلة - الداية - فإن في وجوب أجرتها على الزوج خلاف والظاهر أن عليه أجرتها ولو مطلقته، وأما الكسوة فتفرض مرتين في السنة بحسب حالهما كما يأتي بيانه، على أن تكسى في الشتاء بما يناسب فصل الشتاء، والصيف بما يناسب فصل الصيف، ويشترط أن تبلى الكسوة، أما إذا ظلت قريبة من جدتها صالحة للاستعمال فإنها لا تفرض لها كسوة أخرى حتى تخلق، ولا يفرض عليه ثياب الخروج لزيارة أهلها أو للعرس من ثوب حرير - بدلة الفرح -، كما لا يلزمه الحبرة - والبالطو - أو نحو ذلك، وقيل: إن كان غنياً يلزمه ويفرض عليه ما تتزين به النساء عادة وتتضرر بتركه كالكحل والدهن المعتادين، والحناء والمشط، وقد اختلف في الطيب ونحوه، والذي يظهر من كلامهم أنه لا يجب عليه من زينتها إلا ما اعتادته بحيث تتضرر بتركه، كالكحل ونحوه، وعلى أن هذه النظرية تنتج أن المرأة إذا اعتادت مساواة الحواجب وتزيين وجهها بالأبيض - التواليت - بحيث لو تركته تنقص زينتها وتتضرر بتركه فإنه يجب عليه احضاره، هذا ما يفهم من كلام السادة المالكية على التحقيق، أما أنا فأعتقد أن الكحل وما يتبعه من أنواع الزينة يرجع في الواقع للزوج، لأنه هو الذي يستمتع بها وحده دون سواه فإن كان في ذلك رضاً له ومحبة فيه بحيث لو تركته تقل رغبته فيها فإنه يلزم به، أما إذا كانت رغبته تنبعث إليها بدونه أو كان يكره فعله منها، فإنه لا يلزمه به، بل يجب عليها تركه لأن الشريعة الإسلامية تحث دائماً على توطيد علائق المحبة بين الزوجين، فكل ما يوجب النفرة بينهما لا يحل فعله، وأظن أن هذه النظرية لا يخالف فيها أحد من أئمة المذاهب، ولعل من أوجب على الزوج بعض أدوات الزينة التي تتضرر المرأة

يتبع



ابوالوليد المسلم 14-09-2022 08:17 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث العدة]
صـــــ 482 الى صــــــــ
492

الحلقة (231)




يتركها لاحظ أن تركها ينقص جمالها في نظر زوجها فتقل رغبته فيها.
هذا، وإذا كانت المرأة موسرة لا تخدم نفسها أو كان الزوج ذا جاه وقدر بحيث لا يصح لامرأته أن تخدم نفسها، فإنه يفرض عليه خادم لها إذا كان ذا سعة يستطيع ذلك، وإلا فإنها تلزم بخدمة المنزل من طبخ وعجن وكنس وغير ذلك، وعليه أن يساعدها بنفسه في أوقات فراغه من عمله، ولا تلزم بخدمة غير منزلية كخياطة وتطريز ونحوها، وإذا كان للزوج خادم وكان لها خادم، وأبت إلا استخدامه قضي لها بخادمها، إلا إذا وجدت ريبة ثابتة بشهود.
أما المسكن فإنه يشترط فيه أن يكون مشتملاً على المنافع اللازمة، ثم إن الزوجة إذا كانت وضيعة لا قدر لها، أي ذات صداق قليل لها الامتناع عن السكنى مع أقاربه ومثلها الشريفة ذات الصداق الكثير إذا اشترط عليها السكنى معهم عند الزواج، فإنها تعامل به بشرطين: الأول أن يكون للزوجة محل خاص بها بحيث لا يمكن أحد من أقاربه الاطلاع على عورتها التي تريد إخفاءها عنهم. الثاني: أن لا يثبت ضررها بإساءتهم إياها، ولو لم يطلعوا على عوراتها، فإذا تخلف أحد هذين الشرطين، فإن لكل من الوضيعة والشريفة التي اشترط عليها أن تسكن معهم الامتناع من السكنى، أما الشريفة ذات المهر الكثير التي لم يشترط عليها السكنى مع أهله، فإن لها أن تمتنع عن السكنى معهم بدون شروط حتى ولو رضيت أن تسكن معهم في أول أمرها، ولو لم يثبت تضررها بمشاجرة ونحوها.
وإذا كان مع أحد الزوجين ولد صغير فإن الآخر أن يمتنع من إسكانه معه، إلا إذا دخل بعد علمه بالصغير، فإذا علم به قيل البناء ثم بنى، فلا حق له في الامتناع، سواء كان للولد حاضن آخر أو لا، أما إذا لم يعلم به قبل الدخول فإن له الامتناع من اسكانه معه بشرط أن يكون له حاضن آخر، وإلا فلا.
هذا، وقد تقدم في صحيفة 159 أن المالكية يقولون: إن الزوجة ملزمة بأن تجهز نفسها من المهر المقبوض جهازاً يناسب مثلها لمثل زوجها، وعلى هذا إذا قبضت المرأة صداقها بالشروط المفصلة هناك، فإنها ملزمة بأثاث المنزل وحاجاته وللزوج الحق في الانتفاع بهذه الأشياء من فرش وغطاء ولباس وآنية، فيستعمل من ذلك ما يجوز له أن يستعمله، وإذا امتنعت قضي له بذلك وليس لها بيع جهازها إلا بعد مضي أربع سنين وهو بين زوجها يستمتع به فإذا خلق الجهاز فإن الزوج لا يلزمه ببدله، إلا الغطاء والفرش، فإنه يلزمه لأنه ضروري، فإذا جدد شيئاً من جهازها وطلقها فإنها لا يقضى لها بأخذه.
هذا إذا قبضت الصداق، أما إذا لم تقبضه وتجهزت من مالها فله الانتفاع به حتى يبلى ولكن ليس له منعها من بيعه، نعم له الحجر عليها في التبرع بما زاد على الثلث.
الشافعية - قالوا: يفرض على الزوج المعسر لزوجته في فجر كل يوم مد من الطعام والمد عند الشافعية بالوزن مائة وأحد وسبعون درهماً وثلاثة أسباع درهم، أما منزلة المد من القدح المصري، فهو نصف قدح إلا عشرة دراهم وخمسة أسداس درهم، لأن القدح المصري مدان إلا ثمن، فالمد نصف قدح إلا قليلاً، ومن أراد الاحتياط فليقل: نصف قدح.. والقدح ثمن كيلة مصرية.
فزوجة المصري لها نصف قدح من غالب قوت أهل بلدها وحد العسر هو من لا مال له أصلاً أو له مال ولكن لا يكفيه لو وزع على عمره الذي يعيش إليه غالباً، فإن وصل إلى السن الذي يعيش فيه أمثاله غالباً، فإنه يكون معسراً إذا لم يكفه سنة، مثلاً يوزع ما يملكه عليه هو ومن تلزمه نفقاته كل يوم، فإن زاد عنده مد ونصف لم يكن معسراً بل متوسطاً، فيقضى لها بمد ونصف، وكذا إذا زاد عنده بعد التكاليف مدان، فإنه يكون موسراً.
والحاصل أن المعسر عندهم من لا يقدر إلا على مد واحد بعد توزيع ماله عليه وعلى من تجب عليه نفقته العمر الغالب، إن كان عنده مال، فإن لم يكن عنده مال فكذلك، فالمد أقل نفقة تجب على الزوج المعسر، فإن زاد الفاضل عنده على مد ولكنه لم يبلغ مدين فإنه يكون متوسطاً فيقضى عليه بمد ونصف، فإن بلغت الزيادة مدين فإنه يكون موسراً، ويقضى عليه بمدين، أي قدح مصري إلا ثمن تقريباً.
الشافعية - يعتبرون تقدير النفقة بهذا الاعتبار، ولا يعتبرونها بكفاية الزوجة، لأن الزوجة قد تكون مريضة أو لا تستطيع أن تأكل لأمر ما، فلها هذا القدر وهي تتصرف فيه كما تحب، إلا إذا اتفقت على أن تأكل معه، فإن نفقتها تسقط في هذه الحالة، ولا بد أن يدفع لها الحب، فلا يجزءه أن يدفع الدقيق أو القيمة أو الخبز، ولا بد أن يكون الحب سليماً من السوس ونحوه، فإذا بذل غير الحب فإنها لا تلزم بقبوله، فإذا تجمد لها نفقة ماضية، فإن لها أن تأخذ من الزوج ومن غيره، ممن ينيبه عنه عوضاً نقوداً وثياباً ونحو ذلك، أما النفقة المستقبلة فليس لها أن تأخذ عوضاً نقوداً لا من الزوج ولا من غيره أما النفقة الحاضرة، وهي نفقة اليوم، فإنه يجوز لها أن تأخذ عوضها نقوداً إلا من الزوج خاصة، بحيث لو فعله فيها غيره فإنه لا يصح، إلا إذا كان العوض رباً فإنه لا يجوز على أي حال، كخبز عن بر، أو دقيق عن حب.
ويجب عليه الطحن والعجن والخبز، ولو اعتادته بنفسها فإنه لا يلزمها، ثم يفرض عليه بعد ذلك اللحم المناسب لحاله، والأدم المعتاد من خضر وخبز وسمن وعسل ونحوها، ثم إن كان اللحم يكفي فذاك، وإلا وجب عليه أن يكمل لها الأدم، وتجب الفاكهة لمن اعتادتها زيادة على الأدم ومثل الفاكهة ما اعتيد فعله في أيام الموسم من كعك ونقل وسمك وحلوى في عاشوراء ونحو ذلك، وكذا يجب عليه ثمن القهوة والدخان إن اعتادتهما الزوجة، وكذا ما يلزمها وهي وحمى، كما إذا وحمت على ملوحة ونحوه ويجب أن يملكها إياه بحيث لو فاتها ترجع عليه به، ويجب عليه، الماء اللازم للشرب والنظافة والاغتسال منه، أما الاغتسال بسبب غيره، كالحيض والاحتلام فلا يجب عليه، وتجب عليه الآلات اللازمة للطبخ والشرب بحسب ما يناسب حال كل زمان، وكذا يجب عليه آلة تنظيف، كمشط ودهن وصابون ونحو ذلك، وعليه أجرة الحمام المعتاد لأمثالها في كل شهر أو في كل جمعة حسب العادة، أما الخضاب والزينة" التولت" فإنها لا تجب عليه، لأن ذلك تابع له، فما يراه زينة لها فإنها تلزم به، ولا يلزمه دواء مرض ولا أجرة طبيب وحاجم وفاصد ونحو ذلك.
هذا ما يتعلق بالطعام والشراب وما يتبع ذلك، أما الكسوة فتقدر لها منها كفايتها في كل فصل من فصول السنة، وهي تختلف باختلاف طولها وقصرها، واختلاف حال الزوج من اعسار ويسر، واختلاف عادة الناس، واختلاف الحر والبرد وهكذا، ويتبع الكسوة فرش المسكن بما هو معتاد من حصر وبساط وغطاء، وكل ذلك يتبع القاضي في تقديره عادة المحل، حتى ولو كانت ممن لا تفرش دارها لا يفرش لها، وتعطى الكسوة كل ستة أشهر مرة، فإن تلفت، ولو بلا تقصير، فلا حق لها في غيرها.
ويجب لها مسكن يليق بحالها لا بحاله هو، ولو كان معدماً، سواء كان مملوكاً أو مكترى، ويجب عليه أن يأتيها بخادم ولو كان معسراً، بشرط أن يكون مثلها ممن يخدم وإن لم يخدم بالفعل، وأن تكون حرة، وإلا فلا يجب عليه الخادم إلا إذا كانت مريضة أو هرمة، فإنه يجب لها خادم وإن لم تكن ممن يخدم عادة، ويشترط أن يكون الخادم ممن يحل نظره للزوجة من أمة أو صبي أو ممسوح، وعليه إطعام الخادم مما يليق به، فله مد وثلث على الموسر. ومد واحد على متوسط ومعسر.
الحنابلة - قالوا: أما الطعام والشراب وما يتعلق بهما فإنه يجب عليه أن يدفع لها الخبز والأدم الكافي لمثلها، فلا تلزم بالحبوب ولا بالبدل، فإذا تراضيا على شيء فإنه يصح، ويجب عليه عند طلوع شمس كل يوم، وإن اتفقا على تعجيله أو تأجيله مدة خاصة، فإنه يصح، وإذا أكلت الزوجة معه عادة سقطت نفقتها.
وإن رضيت بالحبوب لزمته أجرة طحنها وخبزها، وعليه أدم الخبز المناسب لها وجرت عادة أمثاله بأكله من أرز ولبن وغيرهما، وإن سئمت أدماً خاصاً عليه أن ينقلها إلى غيره، وعليه أدوات الطبخ والوقود. ويفرض لها اللحم في كل أسبوع مرتين. في كل مرة رطل عراقي، وهو 129 درهماً تقريباً، فهو أقل من الرطل المصري. لأن الرطل المصري 144 درهماً، وعليه تبييض النحاس عند الحاجة. ويجب عليه أن يجلب لها الماء اللازم لنظافتها وغسلها ووضوئها وشربها، وما تحتاج إليه من إنارة ودهن أو سمن أو زيت للطبخ حسب عادة قومها. وإذا طلبت مكان الخبز حباً أو نقوداً فإنه لا يلزمه ذلك، وكذا إذا أعطاها بدله فلا يلزمها أخذه إلا إذا تراضيا على أخذه، ومع هذا فلكل منهما الرجوع بعد التراضي.
وعليه مؤنة نظافتها من صابون ودهن لرأسها ومشط، ولا تجب عليه أدوات الزينة، كالحناء والخضاب وشراء الحلي" التواليت" ونحو ذلك، وكذا لا يجب عليه ثمن الدواء وأجرة الطبيب، وإذا أراد منها الزينة وجب عليه أن يحضر لها ما تتزين به، وكذا إذا كره منها شيئاً كرائحة ونحوها فإنه يجب عليه أن يحضر لها الدواء الذي يزيلها.
وإن كانت الزوجة ممن لا يخدم مثلها نفسه فإنه يجب عليه أن يحضر لها خادماً يخدمها بكراء أو شراء، بشرط أن تكون حرة، فلا خادم للأمة، ولا يصح أن يكون الخادم ممن يحرم نظره إليها، فلا
يحل له أن يأتيها بخادم بالغ شاب، بل ينبغي أن يكون الخادم صغيراً أو ممسوحاً أو امرأة، وإذا قال لها: أنا أخدمك بنفسي فإنها لا تلزم بقبوله، وللزوج تبديل الخادم بغيره بدون اعتراض ولو كانت خادمة ألفتها الزوجة، ويلزمه نفقة الخادم وكسوته بحسب ما يليق بالخادم.
وأما الكسوة فإنها تفرض لها بحسب حالها أيضاً، فإن كان مثلها يلبس حريراً فرض لها الحرير، وإلا فالقز والقطن حسب حالها، وتقدر حسبما اعتاده الناس، ويلاحظ فصل الشتاء فيزداد فيه ما يقيها البرد، وينبع الكسوة فرش المنزل من حصر وبساط ولحاف ومخدة ومرتبة ونحو ذلك فإنه يلزمه ويفرض عليه، وينظر في كل ذلك لما جرت به عادة أمثالها، ولا يلزمه أن يأتيها بالثياب التي تتزين بها عادة، كبذلة العيد والفرح ونحو ذلك، وعليه ما تغطي به رأسها أو تلبسه في رجلها، أما الإزار التي تخرج به "الحبرة" أو "البالطو" فإنه لا يلزمه. وأما المسكن فإنه يفرض لها حسب حالها، بحيث يكون مشتملاً على الأدوات المطلوبة من آنية وفرش على الوجه المتقدم) .

ابوالوليد المسلم 14-09-2022 08:41 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث النفقة]
صـــــ 492 الى صــــــــ
505

الحلقة (232)





مبحث هل تفرض النفقة بحسب حال الزوج أو الزوجة أو حالهما؟
-في هذا المبحث تفصيل المذاهب (1) .
مبحث هل تقدر النفقة بالحبوب والقماش أو بقيمتهما نقداً؟

-في تقدير النفقة بالنقود، أو غيرها تفصيل المذاهب (2) .
مبحث وجوب شروط النفقة

-يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط مفصلة في المذاهب (3) .
مبحث هل تثبت النفقة قبل المطالبة بها؟

-إذا سلمت الزوجة نفسها للزوج فتركها بدون نفقة، فهل تلزمه نفقتها من وقت تسليم نفسها أو تلزمه بمجرد العقد؟ وإذا لزمته، فهل تكون ديناً في ذمة الزوج لها المطالبة به؟ أو لا؟ وفي ذلك تفصيل المذاهب (4) .
مبحث ما تسقط به النفقة
-تسقط النفقة بأمور مفصلة في المذاهب (5) .
مبحث نفقة العدة
-ليس للمعتدة عدة وفاة نفقة، حاملاً كانت، أو حائلاً، وأما المعتدة بطلاق أو فسخ، ففي عدتها تفصيل المذاهب (6) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: إذا كان الزوجان موسرين أو معسرين فلا خلاف في أمرهما، فتقدر في حال اليسر بنفقة اليسار، وفي حالة العسر بنفقة الإعسار، أما إذا كان أحدهما موسراً والآخر معسراً، ففيه رأيان مصححان:
الرأي الأول: تقدر النفقة بحسب حالهما معاً، بمعنى أنها تجب لها نفقة الوسط، فإذا كان الزوج موسراً وهي فقيرة، وجبت لها نفقة الوسط بحيث تكون زائدة عن حالها ناقصة عن حاله، وهذا لا إشكال فيه، أما إذا كانت هي غنية وهو فقير، فقد يقال: إن النفقة الزائدة عن حاله يعجز عن أدائها، ويجاب: بأنه تجب عليه نفقة الوسط، ولكن لا يكلف إلا بدفع نفقة الفقير، والباقي يبقى ديناً في ذمته.
الرأي الثاني: اعتبار حال الزوج فقط، فإن كان غنياً وهي فقيرة، فرضت عليه نفقة الموسرين وإذا كان فقيراً وهي غنية، فرضت عليه نفقة المعسرين وكلا القولين مصحح، ولا يخفى أن الثاني هو المنضبط في باب الأحكام، وحيث كان صحيحاً فينبغي الأخذ به، وإن كانت المتون على الأول.
المالكية - قالوا: ينظر في تقدير النفقة إلى حال الزوجين معاً، سواء كانا غنيين، أو فقيرين، أو أحدهما غنياً والآخر فقيراً، فإذا تساويا غنى وفقراً فالأمر ظاهر، وإن اختلفا بأن كان أحدهما غنياً والآخر فقيراً فاللازم حالة وسطى بين الحالتين، فإذا كان فقيراً وهي غنية، قدر لها نفقة أكثر مما لو كانت فقيرة تحت فقير، وهذا هو المعتمد، أما اعتبار حال الزوج وحدها فلم يقبل بها المالكية فالمالكية متفقون على الرأي الأول عند الحنفية.
الشافعية - قالوا: قد عرفت أن النفقة ثلاثة أنواع: إطعام، وكسوة، ومسكن، فأما الإطعام والكسوة فيقدران بحسب حال الزوج إعساراً ويساراً، فلا نظر فيهما لحال الزوجة، وقد عرفت حق الزوج الموسر والمعسر، وأما المسكن فيفرض لها بحسب حالها هي لا بحسب حاله هو، وذلك لأن الإطعام والكسوة يعتبر فيهما التمليك، بمعنى أن الزوج يملكها إياهما، وهو لا يملك إلا ما يقدر عليه، أما المسكن فالمعتبر فيه المتعة، إذ الزوج لا يملك زوجته المسكن وهو ملزم بأن يمتعها حسب حالها.
الحنابلة - قالوا: أن المعتبر حال الزوجين معاً، يسراً وعسراً، عند التنازع لا عند العقد، فإن كان أحدهما غنياً والآخر فقيراً، فرضت نفقة الوسط، وإن كانا موسرين، فرض لها نفقة الموسرين، وهكذا.
وبهذا تعلم أن المالكية، والحنابلة والحنفية في أحد الرأيين متفقون على أن المعتبر هو حال الزوجين، ولكن عرفت أن للحنفية رأياً آخر صحيحاً، وهو اعتبار حال الزوج، أما الشافعية فيوافقون على هذا الرأي إلا في المسكن) .
(2) (الحنفية - قالوا: ذلك موكول للقاضي، فإنه يجب عليه أن ينظر إلى حال الزوج أو إلى حالهما معاً، على التفصيل المتقدم، ثم ينظر إلى حال الزوجة، فإن كان من مصلحتها أن يفرض لها أصنافاً من حبوب وقماش وآنية ونحو ذلك فعل، وإن كان من مصلحتها النقود فرض لها نقوداً بعد ما ينظر إلى سعر البلد، وينظر إلى ما هما عليه من عادة وعرف، وينظر إلى الأصناف اللازمة لها، ولا يجب في تقدير النفقة نقود معينة، بحيث لا تقل عنها، فإن لكل زمان ما يناسبه من ذلك، ويفرض لها كل يوم، أو كل شهر، أو كل سنة، حسبما يرى المصلحة في الصرف، فإذا كان موظفاً ينقد راتباً شهرياً، فرض لها كل شهر، وإذا كان عاملاً ينقد كل أسبوع فرض لها أسبوعياً، وإذا كان زراعياً يأتيه المحصول سنوياً، فرض لها النفقة عليه سنوياً لتأخذ قوت السنة دفعة واحدة، وهكذا بحسب الحال.
هذا، وإذا اشترط في عقد الزواج أن ينفق عليها تمويناً، وأن يأتي لها في الشتاء بكسوة وفي الصيف بكسوة، فإن هذا الشرط لا يعمل به، ولها بعد ذلك أن تطلب تقدير النفقة لتتقرر وتصير ديناً في ذمته، فلا تسقط بعد ذلك.
المالكية - قالوا: تفرض النفقة أصنافاً من إطعام وكسوة ولوازمها، على الوجه الذي تقدم بيانه، وللزوج أن يعطيها الثمن المناسب لسعر البلد إذا رضيت بذلك، وإلا فلها الحق في الأصناف وتفرض على الزوج بحسب ما يجد، فإذا كان موظفاً له راتب شهري، قدرها شهرياً وإن كان عاملاً ينقد راتباً أسبوعياً أو يومياً، قدرها كذلك، وإن كان زارعاً يملك المحصول سنوياً أو كل نصف سنة مرة، قدرها كذلك وإذا كان عليها دين له وطلبه، فإن له خصمه من النفقة، إذا لم يضر ذلك بها.
الشافعية - قالوا: لا بد من تقدير النفقة أصنافاً، على الوجه المتقدم، وقد عرفت أنها لا تلزم بأخذ ثمنه وليس لها أن تأخذ ثمن النفقة المستقبلة، لأنها لم تجب لا من الزوج ولا من غيره، أما النفقة المتجمدة فلها أن تأخذ عوضها منه أو من غيره، وأما النفقة اليومية فلها أن تأخذ بدلها نقداً أو غيره، إذا لم يكن رباً من الزوج وحده.
الحنابلة - قالوا: لا بد من تقدير النفقة أصنافاً، على الوجه المتقدم، وإذا أراد الزوج أن يعطيها ثمنها نقداً أو عوضاً آخر، فإنه لا يلزمها أخذه، وكذا إذا طلبت منه نقوداً، فإنه لا يلزم بها إلا إذا تراضيا على ذلك، فإنه يصح، ومع ذلك فلكل منهما أن يرجع بعد الرضا، كما تقدم) .
(3) (الحنفية - قالوا: يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط: أحدهما أن يكون العقد صحيحاً، فلو عقد عليها فاسداً أو باطلاً وأنفق عليها، ثم ظهر فساد العقد أو بطلانه فإن له الحق في الرجوع عليها بما أنفقه، وذك لأن النفقة إنما تجب على الرجل في نظير حبس المرأة وقصرها عليه، والمعقود عليها عقداً فاسداً لا حبس له عليها، فإن قلت: إنه إذا وطئها بعقد فاسد فإنها تعتد منه، وتكون - وهي في العدة - محبوسة عليه، فهل تجب لها نفقة العدة في نظير ذلك الحبس؟ الجواب: كلا فإن حبسها في هذه الحالة لم يكن بسبب العقد، وإنما ثبت لتحصين الماء والمحافظة على الولد، فلا تجب لها نفقة على أي حال، ومن ذلك ما إذا غاب عنها زوجها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها، ثم حضر زوجها الغائب، فإن نكاحها الثاني يكون فاسداً، ويفرق القاضي بينهما، وتجب عليه العدة بالوطء الفاسد، ولا نفقة لها على الزوج الثاني، وإذا تزوجت برجل، وهي معتدة من غيره، ودخل بها، ثم فرق القاضي بينهما، كان لها نفقة العدة على الزوج الأول.
الشرط الثاني: أن تكون الزوجة مطيقة للوطء منه أو من غيره، ولا يشترط لذلك سن خاص، بل يقدر بحسب حال الزوجة، إذ قد تكون صغيرة بدينة تطيق، وقد تكون كبيرة هزيلة لا تطيق، فإذا كانت صغيرة تطيق الوطء وسلمت نفسها فإن النفقة تجب على الزوج، ولو كان صغيراً لا يعرف الوطء، ثم إن النفقة في هذه الحالة تجب في مال الصغيرة لا في مال الأب، فإن لم يكن للصغير مال، فإن الأب لا يلزم بالإنفاق على زوجته، ولكن يلزم بالاستدانة والإنفاق، ثم عند بلوغ الصغير ويساره يرجع عليه بما أنفق، على أنه لا يصح للأب أن يزوج ابنه الصغير الذي لا يشتهي، إذا كان معروفاً بسوء الاختيار، وقد تقدم في مباحث الولي تحرير هذا. في صحيفة 33، فارجع إليه، ويجب لها النفقة أيضاً إذا كانت تشتهى للمباشرة والتلذذ بها في غير الفرج، ولو لم تطق الجماع في الفرج، كما إذا كانت رتقاء أو قرناء، فإذا لم تطق الوطء ولم تصلح للاستمتاع بها، فإذا كانت تصلح للخدمة والاستئناس بها، وأمسكها في بيته، فإن النفقة تجب لها.
الشرط الثالث: أن تسل نفسها، وإلا كانت ناشزة، فلا تجب لها نفقة.
والناشزة، هي التي تخرج من بيت زوجها بدون إذنه بغير حق، أو تمتنع من تسليم نفسها إليه، فلا تدخل داره، أما إذا لم تطاوعه في الجماع، فإن هذا، وإن كان حراماً عليها، ولكن لا تسقط به نفقتها، لأن الحبس الذي تستحق به النفقة موجود. وإن كانت في منزل مملوك لها ومنعته من الدخول عليها، فإنها تكون ناشزة بذلك، فإذا خرجت بغير إذنه، أو سافرت بغير إذنه، ثم عادت ثانياً، فإن النفقة تعود لها وقولنا: بغير حق خرج به ما إذا خرجت أو منعت نفسها بحق، وذلك فيما إذا لم يقبضها جميع صداقها المقدم. أو خرجت لزيارة أبويها ونحو ذلك، مما هو موضح في مباحث المهر، بصحيفة 143.
الشرط الرابع: أن لا تكون مرتدة، فإذا ارتدت سقطت نفقتها، كما بيناه في مباحث الردة صحيفة 202 وهذا بخلاف ما إذا كانت ذمية تحت مسلم، فإنها تجب لها النفقة، سواء كانت نفقة زوجية أو عدة فإذا تابت المرتدة وأسلمت، وهي في العدة فإن نفقتها لا تعود بخلاف الناشزة، وذلك لأن ردتها ترتب عليها فرقة جاءت من قبلها، فأبطلت نفقتها، ومتى بطلت النفقة بالفرقة فإنها تعود، بخلاف النشوز فإنه أمر عرضي يوقف النفقة ولا يبطلها. فإذا كانت مطلقة وخرجت بدون إذنه وهي في العدة. فإن نفقتها لم تبطل بالنشوز، فإذا عادت إلى الطاعة عادت لها النفقة، وإذا طلق امرأته وارتدت وهي في العدة سقطت نفقة عدتها، ولو عادت وأسلمت فإن نفقتها لا تعود.
الشرط الخامس: أن لا تفعل ما يوجب حرمة المصاهرة فلو طاوعت ابن زوجها، أو أب زوجها، ومكنته من نفسها، أو لمسته بشهوة، فإنها تبين منه ولا نفقة لها عليه، لما علمت بأنها فعلت ما يوجب الفرقة، فكانت فرقة من قبلها مبطلة للنفقة فإن كانت مطلقة وفعلت ذلك في العدة. فإن كانت معتدة عن طلاق رجعي، فإن نفقتها تسقط، أما إذا كانت معتدة عن طلاق بائن، أو عن فسخ بدون طلاق، فإن لها النفقة والسكنى
الشرط السادس: أن لا تكون معتدة عدة وفاة، كما يأتي في نفقة العدة.
الشرط السابع: إذا كانت أمة يشترط فيها أن تكون مبوأة، ومعنى هذا أنه إذا تزوج شخص أمة مملوكة للغير، فإن نفقتها لا تجب على الزوج إلا إذا بوأها السيد بيتاً خاصاً بها وبزوجها بمعنى أنه أعد لها مكاناً خاصاً بها هي وزوجها، ولم يستخدمها فيه، فلو طلقها زوجها فاستولى عليها سيدها، فإن نفقة عدتها تسقط.
والحاصل أنه لا نفقة لإحدى عشرة امرأة:- (1) الناشزة (2) المرتدة (3) مطاوعة ابنه أو أبيه أو مقبلته بشهوة أو نحو ذلك، مما يوجب حرمة المصاهرة (4) معتدة الوفاة (5) المعقود عليها عقداً فاسداً، والموطوءة بشبهة (6) الصغيرة التي لا تطيق الوطء (7) المسجونة، ولو ظلماً إذا حيل بينه وبينها (8) المريضة إذا لم تزف، فإذا تزوج امرأة ولم يدخل بها، ثم مرضت مرضاً لا تستطيع منه الانتقال إلى دار زوجها على أي حال لانعدام تسليم نفسها في هذه الحالة، أما إذا مرضت في دار زوجها مرضاً شديداً، فإن عليه نفقتها (9) المغصوبة، فلو غصب شخص زوجة الآخر لا تجب على الزوج نفقتها على التحقيق (10) الحاجة فإذا خرجت لحج الفريضة مع محرم فإن لها ذلك، ولو بدون إذنه، لكن لا نفقة لها عليه لعدم احتباسها، إلا إذا خرج معها حاجاً، فإن عليه نفقة الحضر لا السفر، فيجب عليها أن تنفق أجرة الجمال والبواخر وغير ذلك، ويجب عليه إطعامها وكسوتها وما يتعلق بذلك، ولا يحل لها أن تسافر مع غير محرم (11) الأمة التي لم تبوأ مكاناً خاصاً بها هي وزوجها.
وبهذا تعلم أن مدار شروط النفقة على حبس المرأة بمنزل زوجها بالفعل أو بالقوة، فلا يشترطون لوجوب النفقة الدخول، كما لا يشترطون مطالبة الزوج بالدخول. إنما الشرط أن لا تمتنع عن تسليم نفسها عند طلبه ما دامت قبضت جميع مقدم صداقها، وأيضاً لا يشترطون تمكينه من الوطء عند طلبه ما دامت محبوسة في داره، فلا تخرج إلا بإذنه، ولا يشترطون أن لا يكون لها مانع يمنع الوطء كرتق ونحوه، كما إذا كانت عجوزاً غير صالحة للوطء، ومثلها المجنونة إذا سلمت له نفسها ومنعته من الوطء، وكذا لا يشترطون كون الزوج بالغاً.
المالكية - قالوا: تنقسم شروط وجوب النفقة للزوجة على زوجها إلى قسمين: شروط لوجوبها قبل الدخول وشروط لوجوبها بعد الدخول، فيشترط لوجوبها قبل الدخول أربعة شروط:
الأول: أن تدعوه الزوجة أو وليها المجبر إلى الدخول فلم يدخل، فإذا لم تدعه إلى الدخول فلا حق لها في النفقة.
الثاني: أن تكون مطيقة للوطء، فإذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فإنه لا تجب عيها نفقتها إلا إذا دخل بها، ولا يجب عليه الدخول إذا دعته ولا يجبر عليه، راجع صحيفة 142: وما بعدها.
الثالث: أن لا تكون مريضة مرضاً شديداً بحيث أصبحت في حالة النزع أو كان هو مريضاً كذلك، وإلا فلا نفقة لها.
الرابع: أن يكون الزوج بالغاً، فلو كان الزوج صغيراً فإن نفقتها لا تجب عليه ولو كان قادراً على وطئها، فهذه الشروط إنما تشترط لوجوب النفقة على الزوج قبل الدخول، أما بعد الدخول فإن النفقة تجب عليه، سواء كانت الزوجة تطيق الوطء أو لا، وسواء كانت مريضة مرض الموت أو لا وسواء كان بالغاً أو لا، وهذا هو الظاهر، وبعضهم يقول: انها شروط لوجوب النفقة مطلقاً، فلا تجب على الصغير ولو دخل بها ووطئها، وكما لا تجب على الكبير إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء، ومثل ذلك المريضة التي بلغت حد النزع، فإنه لا نفقة لها في هذه الحالة، ويشترط لوجوبها بعد الدخول أن تمكنه من الوطء، بحيث إذا طلبه منها لا تمتنع، وإلا فلا حق لها في النفقة، وأن تكون سليمة من عيوب النكاح، كالرتق ونحوه، فإذا كانت كذلك فلا حق لها في النفقة، إلا إذا تلذذ بها بغير الوطء وكان عالماً بالعيب، فإن النفقة تجب عليه في هذه الحالة.
الشافعية - قالوا: يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط: أحدها أن تمكنه من نفسها، وذلك بأن تعرض نفسها عليه، كأن تقول: إني مسلمة نفسي إليك. فإن لم يكن حاضراً عندها بعثت إليه تقول: إنني مسلمة نفسي إليك، فاختر وقتاً أجيء فيه إليك أو تجيء إلي أو نحو ذلك، فإن لم يكن حاضراً في البلد أنذرته بواسطة، فإن لم يحضر بعد ذلك كان لها الحق في النفقة.
والحاصل أن عليها أن تخطره بأنها مستعدة لاجتماعها به ودخوله عليها كما يشاء، فإذا لم تخطره بذلك فإنها لا حق لها في النفقة حتى ولو كانت لا تمتنع إذا طلبها، فالشرط في وجوب النفقة أن تخطره بأنها مستعدة لتمكنه من نفسها متى شاء، ويجب أن تمكنه من نفسها في أي وقت يحب، فإذا كان لها عمل بالنهار لا يتمكن منها فيه فإن نفقتها لا تجب عليه، فإذا كانت صغيرة أو مجنونة عرضها لوليها.
ثانيها: أن تكون مطيقة للوطء، فإذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فإنها لا تستحق النفقة سواء كان زوجها بالغاً يريد الوطء أو صغيراً لا يطأ، وإذا كان صغيراً فإن النفقة لا تجب عليه إلا إذا سلمت الزوجة لوليه، وكذا إذا كان مجنوناً، فإن النفقة لا تجب عليه إلا إذا سلمت زوجته للولي فلو استمتع المجنون بها بدون أن يستلمها وليه فلا نفقة عليه بذلك وبعضهم يقول: إذا كان الزوج صغيراً لا يطأ مثله، وكانت الزوجة صغيرة لا تطيق الوطء فإن نفقتها تجب، وذلك لأن المانع منهما معاً لا من الزوجة وحدها، بخلاف ما إذا كان الزوج كبيراً وهي صغيرة لا تطيق الوطء فإن المانع من جهتها وحدها فلا تستحق. ثالثها: أن لا تكون ناشزة أي خارجة عن طاعة زوجها، وله صور: منها أن تمنعه من الاستمتاع بها من لمس وتقبيل ووطء، ونحو ذلك، فإذا منعته سقطت نفقتها في اليوم الذي منعته فيه وذلك لأن النفقة تجب يوماً فيوماً، فإذا منعته في أول اليوم سقطت نفقتها فيه، فإذا عادت ومكنته فإن نفقتها لا تعود ما لم يستمتع بها بالفعل، على أن نشوز يوم واحد يسقط كسوة الفصل كلها، وذلك لأن الكسوة تقدر لكل فصل بحسب ما يناسب، فإذا كانت في فصل الشتاء ونشزت في يوم من الأيام سقطت كسوتها في هذا الفصل ولو عادت للطاعة ولا تكون ناشزة إذا منعته من الوطء لعذر كما إذا كان ضخم الآلة بحيث لا تطيقه، أو كانت مريضة مرضاً يضره الوطء، ومثل ذلك ما إذا كانت حائضاً أو نفساء، ومنها أن تخرج من المسكن بدون إذنه، فإذا خرجت بدون إذنه فلا تجب عليها نفقتها، إلا إذا خرجت لعذر كخوف من انهدام مسكن أو لعيادة أهلها ونحو ذلك، مما لا يغضب أمثاله عرفاً، ومنها أن تسافر لقضاء حاجة لغير زوجها ولو بإذنه، فإن نفقتها تسقط بذلك أما إذا سافرت لقضاء حاجة له بإذنه فإن نفقتها لا تسقط.
ومثل ذلك ما إذا سافرت معه ولو بدون إذنه، لأنها في هذه الحالة تكون في قبضته، ولكن لا يحل لها أن تخرج معه بدون إذنه، فإن منعها من الخروج فأبت وتغلبت عليه سقط حقها في النفقة وإذا أحرمت بحج أو عمرة وهي موجودة معه في داره فإن نفقتها لا تسقط بمجرد الإحرام، لأن له الحق في تحليلها إن لم يأذن لها، فهي في قبضته ما لم تخرج للسفر فإن خرجت سقطت نفقتها لأنها تكون خارجة لحاجتها.
هذا، وللزوج أن يمنع زوجته من صيام النفل، وقضاء الفرض الموسع، وعليها أن تمتثل فإن أبت فإن نفقتها تسقط.

يتبع

ابوالوليد المسلم 14-09-2022 08:42 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث النفقة]
صـــــ 492 الى صــــــــ
505

الحلقة (233)



الحنابلة - قالوا: يشترط لوجوب نفقة الزوجية على الزوج شروط:
أحدها: أن تسلم له نفسها تسليماً تاماً في أي بلدة أو مكان يليق بها، فإذا امتنعت عن تسليم نفسها في بلد دون بلد فإن نفقتها تسقط.
ثانيها: أن تكون ممن يوطأ مثلها، أي بأن تكون صالحة للوطء، وقيده بعضهم بشرط أن تكون بنت تسع سنين، فإذا كانت ضخمة تطيق الوطء، وهي دون تسع، فإنها لا نفقة لها على هذا القيد وظاهر كتب الحنابلة أنه لا تجب لها النفقة، وهي دون تسع على أي حال فإن كانت صغير تطيق الوطء فإن على وليها أن يقول لزوجها: تعال استلم زوجتك، فمتى سلمت الزوجة نفسها أو أسلمها وليها، وكانت تطيق الوطء وجبت نفقتها على الزوج، وسواء كان صغيراً أو كبيراً. وسواء كان يمكنه الوطء أو لا، كما إذا كان مجبوباً أو عنيناً، لأن النفقة تجب في مقابل الاستمتاع، فمتى سلمت نفسها وجبت عليه نفقتها، سواء استمتع بالفعل أو لا وإذا تعذر وطؤها لمرض أو حيض أو نفاس أو رتق أو قرن، أو هزال، فإنه لا يمنع نفقتها، وإنما المدار على تسليم نفسها ما دامت بلغت تسع سنين؛ سواء حدث لها ذلك قبل الدخول، أو حدث لها وهي عنده فإذا كانت صحيحة وبذلت نفسها ليستمتع بها بغير الوطء، فإنها لا حق لها في النفقة، فإذا امتنعت عن تسليم نفسها للجماع سقطت نفقتها، فإذا عرض لها عارض يمنع من الوطء سلمت نفسها بعد ذلك فإن نفقتها لا تعود ما دامت مريضة عقوبة لها على منع نفسها وهي صحيحة، وإذا ادعت أن ذكره كبير لا تطيقه، أو ادعت أن بها آلاماً لا تطيق معها الوطء، فإن قولها يقبل إذا عرضت نفسها على امرأة ثقة - طبيبة - وأقرت دعواها، ولا تسقط نفقتها.
وإذا كان الزوج صغيراً فالنفقة تلزمه كالكبير ويجبر وليه على الإنفاق عليها من ماله، الصبي ومثله السفيه والمجنون فإذا كانت الزوجة صغيرة دون تسع، فإنها لا نفقة لها، ولو سلمت نفسها أو سلمها وليها، وإذا اشترطت في العقد أن لا تسلم نفسها إلا في بلد كذا أو مكان كذا فإنه يعمل بهذا الشرط، فإذا عقد شخص على امرأة ولم تبذل له نفسها، فإن النفقة لا تجب عليه ولو مكثت على ذلك سنين
وإن كان الزوج غائباً وجب اعلانه بمعرفة الحاكم، بأن تقول له: إنني تحت طاعتك أو مستعدة لتسليم نفسي لك في أي وقت تحب. وبذلك تجب لها النفقة.
ثالثها: أن لا تكون ناشزاً وللنشوز صور منها أن تخرج من منزله بدون إذنه ومنها أن لا تمكنه من وطئها ومنها أن تسافر بدون إذنه ومنها أن تتطوع بحج أو بصوم نفل أو تحرم بحج منذور في الذمة ولو بإذنه فإنها إن فعلت ذلك ودعاها للفراش فأبت سقطت نفقتها، فإن له أن يبطل صوم التطوع ونحوه ومنها أن لا تبيت معه في فراشه، ومنها أن تمنعه من الاستمتاع بها بغير الوطء، كالتقبيل ونحوه، ومنها أن لا تسافر بغير إذنه لحاجته، فإن سافرت لحاجته بإذنه فلها حق النفقة، ومثل ذلك ما إذا سافرت لحج الفريضة، فإن نفقتها لا تسقط، ولها ذلك مع محرم ولو بدون إذنه، كصيام رمضان، ومثلاً سنن الصلاة المكتوبة، وكذا إذا طردها من منزله، فإن لها النفقة، أما إذا سافرت لحاجتها أو لحجة التطوع، ولو بإذنه، فلا نفقة لها.
رابعها: أن لا تلزمها عدة بوطء غيره، كما إذا وطئها شخص بشبهة فاعتدت منه، فلا نفقة لها عليه، ولا فرق في النشوز بين قدرة الزوج على ردها أو لا، فإن عادت عن النشوز وسلمت له نفسها عادت لها النفقة، وإذا أسلمت المرتدة عادت لها نفقتها، وإذا أطاعته نهاراً وعصته ليلاً كان لها نصف نفقة مثلها. خامسها: أن لا يحول بينه وبينها حائل، كما إذا حبست ولا يستطيع الوصول إليها، فإن حقها يسقط في النفقة، وكذا إذا حبست الزوج من أجل نفقتها أو صداقها، فإنها لا نفقة لها إلا إذا كان الزوج موسراً مماطلاً وحبسته، فإن نفقتها لا تنقطع، لأنه يكون في هذه الحالة ظالماً) .
(4) (الحنفية - قالوا: لا نفقة للزوجة بمضي المدة قبل القضاء، فإذا لم ينفق عليها، بأن كان غائباً عنها أو كان حاضراً وامتنع، فإنه لا يطالب بما مضى، بل تسقط بمضي المدة، إلا إذا كانت مدة قليلة، وهي ما دون الشهر، فإن نفقتها لا تسقط، أما بعد القضاء فإنها تصبح ديناً، ولا تسقط إلا بموت أحدهما أو طلاقها أو نحو ذلك، مما يأتي، وذلك لأن المرأة تملك النفقة بعد القضاء، ولها أن تتصرف فيها بما لا يضر جمالها وصحتها، فإذا لم تأكل ونحفت، فإن له الحق في إجبارها على الإنفاق على نفسها كي لا تهزل، فإذا أنفقت على نفسها بعد القضاء من مالها أو من مال غيرها، ولو بلا أمر قاض، فإن لها أن ترجع على زوجها بما فرضه عليه القاضي، ومثل ذلك ما إذا اصطلحا على نفقة، فإنها تلزمه وتصبح ديناً في ذمته، وترجع بها عليه، حتى ولو لم يقل القاضي: حكمت، وذلك لأن طلب تقدير النفقة بشروطه، وهي شكوى مطل الزوج، وكونه غير صاحب مائدة، وعدم غيابه دعوى، فإذا قدر القاضي النفقة كان ذلك حكماً، فلا تسقط بعد ذلك، وإذا فرض لها كل يوم أو كل شهر كان ذلك قضاء، ما دامت الزوجية قائمة، فإذا أبرأته عن النفقة قبل فرضها بالقضاء أو بالتراضي، فإنه لا يصح الإبراء، لأنها لا تصير ديناً قبل الفرض، فلا معنى للإبراء من، أما بعد الفرض فإنه يصح، ولكن يستثنى من ذلك ما إذا خالعها على أن تبرئه من نفقة العدة، فإنه يصح. لأنه إبراء في نظير عوض. وهو ملكها لنفسها وهو استيفاء قبل الوجوب، فيصح، بخلاف إبرائه لا في نظير عوض، فإنه إسقاط للشيء قبل وجوبه فلا يصح، فإذا أبرأته من النفقة بعد تقديرها، فإن الإبراء يصح من المتجمد الماضي ومن شهر في المستقبل.
المالكية - قالوا: تجب نفقة الزوجية في ذمة الزوج الموسر متى تحققت الشروط المتقدمة. ولها حق الرجوع عليه في المتجمد وإن لم يفرضه عليه الحاكم، فإن أعسر الزوج بعد يسر سقط عنه زمن العسر فقط، أما المتجمد زمن اليسر فهو باق في ذمته. ترجع به عليه إذا أيسر. الشافعية - قالوا: متى سلمت نفسها أو آذنه وليها بتسليمها إن كانت صغيرة واستوفت الشروط المتقدمة، فإنه يجب عليه وجوباً موسعاً أن يدفع لها عند فجر كل يوم النفقة المتقدم بيانها فإن طالبته وماطل، فإنه يأثم، على أنه يجب أن يملكها النفقة اللائقة بحاله، وإلا فإنها ترجع عليه بها) .
(5) (الحنفية - قالوا: تسقط النفقة بموت أحد الزوجين، بشرط أن لا يأمرها القاضي بالاستدانة، فإن أمرها القاضي بالاستدانة تقررت بذلك النفقة، كما لو استدان الزوج نفسه، ولا شك أن موته أو موت زوجته لا يسقط دينه، أما إذا لم يأمرها القاضي بالاستدانة فإنها تسقط بالموت، لأنها صلة.
أما سقوط النفقة المتجمدة بالطلاق، ففيه خلاف، والصحيح أنها لا تسقط بالطلاق، فأما الطلاق الرجعي فظاهر، وأما الطلاق البائن، فإن النفقة المتجمدة إذا سقطت به اتخذه الرجال ذريعة لإسقاط حقوق النساء، وظاهر كتب الحنفية أن الطلاق الرجعي لا يسقط النفقة على الصحيح لظهور جعله حيلة لتضييع حق الزوجة، ثم يراجعها بعد ذلك، أما الطلاق البائن فعلى القاضي أن يتأمل في الحالة قبل الحكم بإسقاط المفروض، فإذا ظهر له من قرائن الأحوال أن الغرض من الطلاق إسقاط النفقة وتضييع حق الزوجة، فإنه لا يعتبر، وإلا اعتبره مسقطاً، وتسقط النفقة المتجمدة بالنشوز إذا لم تكن مأمورة بالاستدانة، وإلا فإنها لا تسقط على أي حال، وإذا رضيت أن تأكل تمويناً فإن فرض النفقة السابقة يبطل، وكذا إذا كانت له مائدة فإن لها أن تأكل منها بدون إذنه، وتسقط أيضاً بالردة، وبمطاوعتها لابن زوجها أو لأبيه أو نحو ذلك، كما تقدم في الشروط.
المالكية - قالوا: تسقط النفقة بأمور: الأول: عسر الزوج، سواء كانت الزوجة مدخولاً بها أو لا، فإذا أيسر الزوج فليس لها الحق في الرجوع عليه بالنفقة مدة إعساره، ولو كانت مفروضة بحكم حاكم مالكي، ولا حق لها في مطالبته بالنفقة ما دام معسراً، الثاني: أن تأكل معه فتسقط ولو كانت مقررة، ولا فرق في ذلك بين الطعام أو الكسوة، فإذا كساها معه سقطت كسوتها، الثالث: أن تمنعه من الوطء أو الاستمتاع بها، فتسقط نفقتها في اليوم الذي منعته فيه، الرابع: أن تخرج من محل طاعته بدون إذنه، ولم يقدر على ردها بنفسه أو رسوله أو حاكم، ولم يقدر على منعها ابتداء من الخروج، فإن قدر على ردها إلى طاعته، أو على منعها من أول الأمر، وخرجت وهو حاضر فإن نفقتها لم تسقط، لأن خروجها في هذه الحالة كخروجها بإذنه، إلا إذا حملت منه وخرجت فإن نفقتها لم تسقط، لأن النفقة تكون للحمل لا لها.
الخامس: أن لا يطلقها طلاقاً بائناً بخلع أو بتات، فإن طلقها بائناً سقطت النفقة، إلا إذا كانت حاملاً فإن لها نفقة حملها، كما سيأتي بيانه في نفقة العدة، أما الطلاق الرجعي فإنه لا يسقط النفقة على أي حال، ولا تسقط نفقتها إذا حبست في دين عليه أو حبسته هي في دين عليه لها لاحتمال أن معه مالاً أخفاه، وكذا لا تسقط بخروجها إلى حجة الفرض ولو بغير إذنه، ولها نفقة الحضر في حال سفرها بشرط أن تكون مساوية لها، فإذا كانت نفقة السفر أقل، فإنها لا تستحق سواها.
وتسقط كذلك بالوفاة، بمعنى أن النفقة تسقط بوفاة أحد الزوجين، وسيأتي بيان ذلك في نفقة العدة.
الحنابلة - قالوا: تسقط النفقة بالنشوز المتقدم بيانه، بمعنى أن اليوم الذي تنشز فيه لا تستحق نفقتها، فإذا عادت إلى طاعته عادة لها النفقة، أما النفقة التي تقررت فلا تسقط، ولا تنقطع النفقة بالطلاق الرجعي، أما البائن فإن كانت حاملاً، فإن نفقتها لا تنقطع، ولها السكنى والكسوة، وإلا انقطعت نفقتها، وتنقطع نفقتها بموته، ولو كانت حاملاً، وسيأتي في نفقة العدة.
ومن ترك الإنفاق على زوجته مدة لعذر أو لغير عذر، فإن نفقتها تبقى ديناً في ذمته، فلا تسقط، لأنها دين، سواء فرضها حاكم أو لم يفرضها، لأن المعول في وجوبها على الشرائط المتقدمة، فمتى تحققت وجبت ديناً في ذمته، ولا تسقط) .
(6) (الحنفية - قالوا: الفرقة الواقعة بين الزوجين إما أن تكون بالطلاق الرجعي أو البائن أو تكون بفسخ العقد الصحيح أو الفاسد، أو تكون بالموت، فإذا كانت بالطلاق الرجعي فقد عرفت أن لها النفقة بجميع أنواعها، فإذا مات زوجها انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة، وسقطت نفقة عدتها المفروضة، إلا إذا كانت مأمورة بالاستدانة واستدانت بالفعل فإنها لا تسقط، وكذا إذا كان الطلاق بائناً ولو بالثلاث، فإن عدتها بجميع أنواعها، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، بشرط أن لا تخرج من البيت التي أعده لها لتقضي عدتها.
فإذا خرجت بدون إذنه كانت ناشزة وسقطت عدتها، ومثل الطلاق فسخ العقد الصحيح، كما تقدم في مبحث فرقة الطلاق، أما الفرقة بفسخ العقد الفاسد ووطء الشبهة، كما إذا فرض وتزوجت بغيره وهي في العدة، ودخل بها ثم فرق بينهما لبطلان العقد، إنك قد عرفت أن عليها عدتين تبدأهما من وقت التفريق على أن يدخل فيها ما انقضى قبل وطئه. فإن كانت من ذوات الحيض فعليها انتظار ثلاث حيض عدة الوطء الثاني. ثم إن كان حاضت حيضة مثلاً قبل وطئه إياها حسبت من عدة الزوج الأول. وحسب لها حيضتان من عدة الوطء الثاني. وبذلك تعلم أن العدتين تداخلتا. بمعنى أن الحيضتين حسبتا من عدة الثاني مرة ومن عدة الأول مرة أخرى، كما تقدم، ولكن النفقة تكون على الزوج الأول، لأن الوطء بنكاح فاسد، وإن كان يوجب العدة، ولكن لا يوجب نفقة العدة، ومثله الوطء بشبهة، فإنه لا يوجب نفقة العدة على الواطئ وإنما تجب العدة على الزوج الأول، بشرط أن لا تخرج من البيت الذي اعتدت فيه، وإلا سقطت نفقتها.
ويتفرع على هذا أن الرجل إذا غاب عن زوجته وظنته قد مات، وتزوجت غيره ودخل بها، ثم حضر زوجها يفرق بينها وبين الثاني، واعتدت منه، فلا نفقة لها في عدتها لا من الأول ولا من الثاني، لأن الأول لم يطلقها، فلا عدة له عليها، ونكاح الثاني فاسد يوجب العدة، ولا يوجب النفقة، وأما إذا كانت الفرقة بموت الزوج فإنها لا نفقة لها في العدة، سواء كانت حاملاً أو حائلاً، ولا يستثنى من هذه أم الولد، على المعتمد، فإذا كانت تحته أمة وطئها بملك اليمين فحملت منه ثم مات عنها فإنها لا نفقة لها، لأنه قد وطئها بغير العقد، فهو بمنزلة الوطء بالعقد الفاسد وإذا كانت الحامل بالوطء بصحيح العقد لها فالموطوءة بملك اليمين من باب أولى، وإذا ادعت المطلقة أن طهرها قد امتد ولم تر الحيض، فالقول قولها بيمينها، وتستمر نفقتها إلى أن يثبت أن عدتها قد انقضت، بأن يأتي ببينة تشهد بأنها أقرت بانقضاء عدتها، وإن ادعت أنها حامل فلها النفقة إلى سنتين منذ طلقها، فإذا مضت سنتان، ثم تبين أنها غير حامل، فليس له الرجوع عليها بما أنفقه وتسقط نفقة العدة إذا انقضت، ولم تطالب بها، أما إذا فرضت بالقضاء أو الصلح، فإن المختار أنها لا تسقط ولو انقضت العدة وإذا كانت مستدانة بأمر القاضي، فإنها تتقرر ولا تسقط. بلا خلاف، ويصح الصلح على نفقة العدة، بشرط أن تكون بالأشهر لا بالحيض، بأن يعطيها نفقة ثلاثة أشهر أو أربعة مثلها، لا نفقة ثلاث حيض، لأن الحيض مجهول.
المالكية - قالوا: المطلقة رجعياً تجب لها نفقة العدة حاملاً كانت أو حائلاً ولا تسقط نفقتها إذا خرجت من بيت العدة بدون إذن، سواء قدر على منعها من الخروج أو لم يقدر، فإذا مات زوجها انتقلت إلى عدة الوفاة وسقطت نفقتها، كما لو مات عنها وهي في عصمته، ولكن يبقى لها حق السكنى حتى تنقضي عدتها، وهي أربعة أشهر وعشراً، بشرط أن يكون المنزل الذي تسكنه مملوكاً له، أما إذا كان بالأجرة فإن حقها في السكنى يسقط أيضاً، أما المطلقة طلاقاً بائناً فإنها لا نفقة لها إلا بالسكنى، فإنها تجب لها حتى تنقضي عدتها.
هذا إذا كانت غير حامل، أو طلقها بائناً وهي حامل، فإن النفقة بأنواعها الثلاثة من طعام وكسوة ومسكن تجب للحمل لا للمطلقة حتى يولد، ولا تسقط بخروجها من بيت العدة، لأنها ليست لها، وتثبت لها الكسوة، سواء أبانها في أول الحمل أو في أثنائه، فإذا طلقها بعد مضي أربعة أشهر حسبت كسوتها التي تستحقها كلها، ثم يخصم منها مدة الأشهر التي انقضت، وتعطى قيمة ما نابها في الأشهر الباقية نقوداً، وإنما تجب لها الكسوة إذا كانت تستحقها، بأن حل موعدها التي تجب فيه، وإلا فلا كسوة لها، وإذا مات زوجها قبل وضع الحمل سقطت نفقتها وبقي لها حق السكنى إلى أن تضع الحمل، سواء كان المنزل ملكه أو بأجرة، وسواء نقد كراءه أو لا، ومثلها البائن الحائل، فإن حق السكنى في المنزل الذي أبانها فيه يستمر إلى انقضاء عدتها، سواء كان ملكه أو لا، وسواء نقد أجرته أو لا، تدفع أجرته من رأس مال التركة.
وبهذا تعلم أن المتوفى عنها زوجها، وهي في عصمته لا نفقة لعدتها. سواء كانت حائلاً أو حاملاً ولكن لها السكنى إذا كانت في منزل مملوك للمتوفى، ومثلها المطلقة طلاقاً رجعياً إذا مات عنها وهي في العدة. أما المطلقة طلاقاً بائناً حاملاً كانت أو حائلاً، فإنه إذا مات عنها وهي في العدة فإن لها حق السكنى مطلقاً. سواء كانت في ملكه أو في منزل مستأجر والفرق بينهما أن المطلقة طلاقاً بائناً قد كسبت حق السكنى قبل موته فهو حق تعلق بذمته. فلا يسقط بالموت أما الإطعام فإنه يجب يوماً فيوماً، وكذلك الكسوة لا تجب قبل حلول فصلها، فلم تتعلق بذمته، ولذا سقطت بالموت، ولا نفقة للمطلقة بائناً بادعاء الحمل، بل لا بد من ظهوره بتحركه، فتجب لها النفقة بظهوره بالحركة، وهو لا يظهر إلا بعد أربعة أشهر، فتحاسب على النفقة من أول ظهور الحمل، وبعضهم يرى أن النفقة لا تؤدى لها إلا بعد وضع الحمل، فتحاسب عليها من أوله بعد الوضع.
وقد عرفت أن المطلقة طلاقاً بائناً لا نفقة لها، فلا معنى لادعائها امتداد الطهر، كما يقول أما الرجعية فقد عرفت ما تنقضي به عدتها في مباحث العدة، ومع ذلك فهي بمنزلة الزوجة فإذا رأى تلاعبها في العدة فله أن يطلقها باتاً ولا ضرر عليه من ادعائها.
الشافعية - قالوا: أن نفقة العدة تجب للزوجة المطلقة رجعياً، حرة كانت أو أمة حائلاً أو حاملاً، فلو أنفق عليها على ظن أنها حامل، ثم بان غير ذلك فإنه يسترد ما أنفقته، أما المطلقة طلاقاً بائناً وهي غير حامل فلا نفقة لها، لأنه لا سلطان للزوج عليها، أما إذا كانت حاملاً فإنها تجب لها النفقة حتى تضع الحمل وتسقط نفقة الحامل إذا خرجت من مسكن العدة لغير حاجة وكذا لا تجب النفقة للمتوفى عنها زوجها ولو حاملاً، ولكن تجب لها السكنى إلا إذا أبانها وهي حامل ثم توفي عنها، فإن عدتها تبقى على ما هي عليه، ونفقتها لا تنقطع، وذلك لأن عدتها لا تنتقل إلى عدة الوفاة إلا إذا كانت رجعية، كما تقدم. هذا، والمراد بالنفقة ما يشمل الإطعام والكسوة والمسكن، وبهذا تعلم أن المطلقة طلاقاً بائناً لا نفقة لها، فلا معنى لادعائها امتداد الطهر وعدم الحيض، وإذا كانت حاملاً فلها نفقة الحمل، فإذا ادعت أنها حامل، ثم تبين أنها غير حامل فإنه يرجع عليها بما أنفقه، فلا فائدة لها من الادعاء كذباً، ولا نفقة لحامل معتدة عن وطء شبهة أو نكاح فاسد.
الحنابلة - قالوا: المطلقة رجعياً تجب لها النفقة بجميع أنواعها، كمل لو كانت زوجة، إلا فيما يلزم لنظافتها، لأنها غير مستعدة للاستمتاع بها، أما المطلقة طلاقاً بائناً، فإن كانت حاملاً فلها النفقة وإن لم تكن حاملاً فلا نفقة لها، وتقدر لها كل يوم قبل الوضع، فإذا قطع عنها النفقة، ثم تبين أنها حامل فإن عليه نفقة ما مضى، وإذا أنفق عليها يظنها حاملاً، ثم ظهرت أنها ليست بحامل، فإنه يرجع إليها بما أخذته، وإن ادعت الحمل صبر لها ثلاثة أشهر، فإن لم يظهر حملها قطع عنها النفقة، إلا إن حاضت قبل ذلك، فإنه يقطعها ولو كانت مقررة بحكم حاكم، أما المتوفى عنها زوجها فلا نفقة لها، سواء كانت حاملاً، أو حائلاً) .

ابوالوليد المسلم 14-09-2022 10:02 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث النفقة]
صـــــ 505 الى صــــــــ
519

الحلقة (234)





مبحث الحكم بالنفقة على الغائب وأخذ كفيل بالنفقة
-1 - هل للزوجة الحق في النفقة من زوجها الغائب؟
- 2 - وإذا كان، فهل تصرف لها بدون كفيل، أو لا بد من كفيل حتى إذا ظهر أنه قد مات ترد ما أخذته؟
- 3 - هل للزوجة أن تطلب كفيلاً بالنفقة؟ في الجواب عن هذه الأسئلة تفصيل المذاهب (1) .
مبحث نفقة الأولاد
-في نفقة الأولاد على والدهم، صغاراً كانوا أو كباراً، عاطلين ذكوراً، أو إناثاً، تفصيل المذاهب (2) .
مبحث النفقة على الآباء والأقارب
-في النفقة على الآباء والأقارب تفصيل المذاهب (3) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: إذا غاب الزوج عن زوجته فإن في ذلك رأيين:
الرأي الأول: أنه لا يفرض لها إلا بشروط: الشرط الأول: أن يكون لها مال مودع عند شخص، أو دين عليه، وفي هذه الحالة يفرض لها النفقة في ذلك المال. الشرط الثاني: أن لا يفتقر ذلك المال إلى بيع كأن يكون نقوداً أو طعاماً حبوباً ونحوها، أما إذا افتقر إلى بيع كأن كان عرض تجارة أو عقاراً أو نحوهما، فإنه لا يفرض لها فيه شيء، لأن مال الغائب لا يصح بيعه.
معين، وأتى الزوج بكفيل فقال: إنه ضمن النفقة. فقيل: يصح وتعتبر الكفالة فيما ثبت على الزوج منها. لأن النفقة إن لم تجب بعد في الحال فإنها تجب بعد. وقيل لا يصح والمفتى به أنه في حال الغيبة تصح. ولكن لا يلزمه إلا المدة التي غاب فيها. وكذا في حال الحضور. المالكية - قالوا: الغائب كالحاضر في وجوب النفقة عليه. بشرط أن تمكنه من نفسها. وذلك بأن تدعوه للدخول هي أو وليها ولو لم يكن بواسطة حاكم، فإن كان حاضراً فالأمر ظاهر وكذا إذا كان غائباً غيبة قريبة، أما إذا كان غائباً غيبة بعيدة فيكفي في وجوب النفقة لها عليه أن لا تمتنع من التمكين بأن يسألها القاضي هل يمكنه من البناء بها إذا حضر؟ فمتى قالت: نعم وجبت لها النفقة. فيعرض لها القاضي على زوجها الغائب نفقة مثلها، ويقوم مقام القاضي في ذلك عند عدمه جماعة المسلمين. وتؤخذ من مال المودع عند أحد من الناس. ومن دينه الذي له على الناس سواء كان حالاً أو مؤجلاً. فإن كان مؤجلاً اقترضت وأنفقت وسدت قرضها من ذلك الدين. وإذا أنكر المدين أن لزوجها ديناً. أو أنكر المودع عنده وديعة زوجها. فلها أن تقيم البينة على إثباته. ولها إثباته بشاهد واحد تحلف معه على دعواها بعد أن تحلف بأنها تستحق على زوجها الغائب النفقة. وأنه لم يترك لها مالاً ولا أقام لها وكيلاً ينفق عليها ولا تطالب بكفيل يصرف ما لها من نفقة، على أن للزوج الحق في إثبات إسقاط نفقتها بعد عودته، فإذا أثبت أنها ناشزة ولا تستحق النفقة فإنه يرجع عليها بما أخذت. ولا يشترط أن يكون المال نقداً أو طعاماً. بل يباع عليه داره وعقاره في نفقتها بعد ثبوت ملكه وأنها لم تخرج عن حوزته. وإن ادعى أنه أرسل لها النفقة أو تركها لها.
فإن كانت قد رفعت أمرها إلى الحاكم وأذن لها في الإنفاق على نفسها كان القول بيمينها من وقت رفع الأمر للحاكم لا من وقت سفره. وللزوجة أن تطالب زوجها بأن يدفع لها النفقة مقدماً عند عزمه على السفر كل مدة غيبته إلى قدومه. هذا إذا ادعى أنه يريد أن يسافر السفر المعتاد. أما إذا اتهم في أنه يريد سفراً طويلاً غير معتاد فإن لها أن تطالبه بأن يدفع لها معجلاً نفقة السفر المعتاد، ويأتيها بكفيل يكفل لها ما زاد على السفر المعتاد ليعطيها ما كان ينفقه عليها زوجها بحسب حالهما، وإن كان كل جمعة أو كل شهر أو كل يوم أو كل سنة، والكفيل في هذه الحالة حق من حقوقها يجيز عليه الزوج، أما إذا تراضيا على كفيل في زمن الحضر يكفل لها النفقة المقررة فإنه يصح ويلزم بها.
الشافعية - قالوا: متى سلمت نفسها إن كانت رشيدة، أو سلمها وليها إن كانت صغيرة فإن نفقتها تجب على زوجها بالشرائط المتقدمة، فإن كان غائباً عن بلدها فإن عليها أن ترفع الأمر إلى القاضي وتظهر له التسليم، يعني استعدادها لتسليمه نفسها في أي وقت يحب، وعلى القاضي أن يعلنه في البلد الذي هو بها، وتنتظر مضي زمن إمكان الوصول إليه، فإن منعه عذر من الحضور أو من التوكيل انتظرت زوال العذر، فإن زال ولم يحضر فرضها عليه القاضي.
ويقوم مقام ذلك في زماننا الإعلان الرسمي. بأن تعلنه بأنها في طاعته ومستعدة للدخول وتسليم نفسها، وتنتظر وصول الإعلان إليه، فإن لم يجبها فرض لها القاضي النفقة، فإن كان له مال أخذتها من على الأب إذا أيسر، وتجبر الأم على إرضاع ولدها إن لم يقبل ثدي غيرها، أو كان أبوه عاجزاً عن مرضعة سواها، ولها أجرة مثلها تأخذها عند يساره.
المالكية - قالوا: إذا لم ينفق الزوج على زوجته، فلها طلب الفسخ، والحاكم يطلق عليه رجعية بشروط:
الشرط الأول: أن يعجز عن النفقة من إطعام أو كسوة في الحال أو في المستقبل، أما العجز عن النفقة المتجمدة الماضية، فإنه لا يجعل لها الحق في طلب الفسخ، لأنه يصبح ديناً في ذمته.
الشرط الثاني: أن لا تعلم عند العقد فقره وعدم قدرته على الإنفاق، فإن علمت ورضيت فلا حق لها في طلب الفسخ. فإذا كان شحاذاً وقبلته على ذلك، ثم ترك مهنة الشحاذة، فإن لها حق طلب الفسخ، لأنها رضيت بمهنة فتركها.
الشرط الثالث: أن يدعي العجز عن النفقة ولم يثبت عجزه فإنه في هذه الحالة يطلق عليه القاضي حالاً على المعتمد. أما إذا أثبت أنه معسر عاجز ضرب له القاضي مدة باجتهاده رجاء أن يزول عسره، فإن مضت المدة ولم ينفق طلق عليه. فإن مرض في أثناء المدة أو سجن زاد له القاضي فيها. فإن ادعى أنه موسر ولكنه امتنع عن الإنفاق فقيل: يحبس حتى ينفق، وقيل يطلق عليه. فإذا لم يجب عليه بشيء طلق القاضي عليه فوراً. وهذا كله إذا لم يكن له مال ظاهر، وإلا أخذ من ماله جبراً، وإن ادعى الفقر، فإذا قدر على ما يمسك الحياة فقط، فإنه لا يكفي ويطلق عليه، أما إذا قدر على القوت كاملاً ولو خشناً وقدر على ما يواري جميع بدنها، فإنه لا يطلق عليه، ولو كانت غنية، أما ما تقدم من مراعاة حالهما، فإنه في تقدير النفقة، وما هنا في فسخ العقد، فإن كان غائباً في محل قريب وعرف محله فإنه يجب أن يعذر إليه أولاً، بأن يرسل له، إما أن ينفق أو يطلق عليه القاضي، أما إذا لم يعرف محله ولم يكن له مال معروف وثبت عسره، فإن القاضي يمهله مدة باجتهاده لعله يحضر فيها وينفق على زوجته، فإن لم يحضر طلق عليه، سواء دخل بها أو لم يدخل على المعتمد، وسواء دعته للدخول بها أو لا.
الشافعية - قالوا: إذا عجز الزوج فلم يستطع الإنفاق على زوجته أقل النفقة المتقدمة بأنواعها الثلاثة، من إطعام، وكسوة، ومسكن، ولو كان المسكن غير لائق بالمرأة، فإن صبرت على ذلك، كأن أنفقت على نفسها من مالها صارت النفقة المقررة لها ديناً في ذمته تأخذها منه متى أيسر، ما عدا المسكن والخادم فإنها يسقطان، لأنهما ليس بتمليك، بل امتاع للمرأة، ويشترط في بقاء النفقة ديناً عليه، أن تمكنه من نفسها، فلم تمنعه عن التمتع بها تمتعاً مباحاً، وإن لم تصبر فلها فسخ الزواج، بشرط أن ترفع الأمر إلى القاضي، وعلى القاضي أن يمهله ثلاثة أيام ليتحقق فيها من إعساره، ثم يفسخ العقد في صبيحة اليوم الرابع، أو يأمرها هي بفسخه، ومثل القاضي المحكم، فإذا لم يكن في جهتها قاض ولا محكم أمهلته ثلاثة أيام، وفسخت العقد في صبيحة الرابع بنفسها. فإن سلمها النفقة قبل مضي المدة فلا فسخ.
هذا، ولا يرفع إعساره أن يكون مالكاً لعقار أو عرض لا يتيسر بيعه في مدة قريبة. كما لو ملك فداناً ولم يسلمه لها وتوقف بيعه على نزع ملكيته في المحاكم. فإن هذا لا يمكنها بيعه إلا بعد أزمة طويلة، بل ربما عجزت عن نزع ملكيته ومثل ذلك ما إذا كان له غلة لا يتيسر لها الحجز عليها أو يتمكن هو من استردادها بالطرق المعروفة في المحاكم الأهلية، فإنه في كل هذه يعتبر معسراً، فلها الحق في فسخ الزواج بالطريقة المذكورة، وهذا الكلام حسن في زماننا، ويجب العمل به مع الأزواج المماطلين في الإنفاق على زوجاتهم.
الحنابلة - قالوا: إذا عجز الرجل عن أقل نفقة، وهي نفقة المعسر المتقدمة بجميع أنواعها من إطعام أو كسوة أو سكنى، خيرت المرأة بين الفسخ من غير إمهاله ثلاثة أيام ونحوها. وبين المقام معه على النكاح ولا يلزمها أن تختار حالاً، بل تختار كما تشاء، فتخييرها على التراخي لا على الفور، وإذا اختارت أن تبقى معه، فلها أن تمكنه من نفسها، وتكون نفقة المعسر ديناً في ذمته، ولكن لا يجب عليها أن تمكنه من نفسها، كما لا يجب عليها أن تحبس له نفسها، فليس له منعها من الخروج والتكسب ولو كانت موسرة، وإذا اختارت المقام معه، ثم بدا لها أن تختار الفسخ فإن لها ذلك، وإذا كان الزوج صانعاً أو تاجراً، وتعذر عليه الكسب أياماً يسيرة وجب عليها أن تنتظر ولا يكون لها حق الفسخ إلا إذا طالت مدة عسرته. ومثل ذلك ما إذا كان مريضاً مرضاً يرجى برئه في أيام يسيرة. أما إذا طال مرضه فلها حق الفسخ، ولا يشترط عدم علمها بفقره، فلو تزوجته وهي عالمة بفقره ثم عجز عن النفقة المذكورة فلها حق الفسخ، حتى ولو رضيت أو اشترطت في العقد عدم الإنفاق عليها، فإن ذلك لا يعتبر ولها حق خيار الفسخ وإذا كان غائباً وله مال حاضر أعطيت منه نفقتها، فإن كان عقاراً يمكن بيعه فإن الحاكم يبيعه ويعطيها منه نفقة يوم بيوم، فإن لم يوجد له مال أو وجد وتعذر بيعه، فلها فسخ النكاح، فإذا ظهر له مال بعد الفسخ فإنه لا يعتبر على المعتمد.
هذا، وإذا عجز عن دفع النفقة المتجمدة الماضية وقدر على أن ينفق عليها من الآن، فلا حق لها في الفسخ، وكذا إذا عجز عن ثمن الأدم، وأمكنه أن يأتي بالخبز فإن العقد لا يفسخ، ويبقى ثمن الأدم ديناً في ذمته، وإذا كان له دين متمكن من استيفائه، فإنه يكون به موسراً ولا فسخ أما إذا لم يكن متمكناً من استيفائه فإنه يكون معسراً، وإن كان للزوج عليها دين وأراد أن يحسبه من النفقة، فإنه يصح إن كانت موسرة، وإلا فلا) .

(2) (الحنفية - قالوا:
لا يخلو إما أن يكون الولد ذكراً أو أنثى، فإن كان ذكراً، فإن نفقته تجب على أبيه بثلاثة شروط، الشرط الأول: أن يكون فقيراً لا مال له، الشرط الثاني: أن لا يبلغ الحلم، فإن بلغ ولم يكن به عاهة تمنعه من التكسب كان عليه أن يتكسب وينفق على نفسه، وإلا
الشرط الثالث: أن يقر الشخص بأن عليه دين للغائب أو عنده وديعة له.
استمرت نفقته على أبيه، ومع هذا فللأب أن يؤجر ابنه الذي لم يبلغ في عمل أو حرفة ليكتسب وينفق عليه من كسبه ما دام يمكنه ذلك، إلا إذا كان طالب علم مستقيم، فإن نفقته تجب على أبيه، ولو كبيراً، وليس له منعه من طلب العلم. الشرط الثالث: أن يكون الولد حراً، فإن كان له ولد مملوك للغير، فإن نفقته لا تجب عليه، بل تجب على المالك.
أما إذا كان الولد أنثى، فإن نفقتها تجب على والدها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون فقيرة، لو كان لها مال وجب أن ينفق عليها من مالها، وليس للأب أن يؤجر بنته الفقيرة في عمل لتكتسب بخلاف ما إذا كانت ذكراً. كما عرفت، على أن له أن يدفعها إلى امرأة تعلمها حرفة الخياطة أو التطريز أو النسيج أو نحو ذلك، فإذا تعلمت وكان لها من ذلك كسب فإن نفقتها تكون في كسبها، فالذي يمنع منه الأب تأجير ابنته للخدمة. لأن المستأجر ينفرد بها وذلك لا يجوز شرعاً.

يتبع

ابوالوليد المسلم 14-09-2022 10:03 PM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث النفقة]
صـــــ 505 الى صــــــــ
519

الحلقة (235)



الشرط الثاني: أن تكون حرة، فلو كانت مملوكة كانت نفقتها على مالكها، وتقدر لها نفقة الكفاية، بحيث يرى القاضي ما يكفيهم ويقدره لها، فإذا اصطلحوا على نفقة معينة فإن كانت زائدة عن كفايتهم، فللأب أن يطلب إنقاص الزائد، وإذا نقصت عن الكفاية فلهم طلب الكفاية، وعلى كل حال فيصح أن يصطلحا على ما يدخل تحت التقدير، بأن يقدر بعضهم كفايتهم بعشرة، وبعضهم يقدرها بتسعة فيصطلحا على تسعة، أما إذا اصطلحا على خمسة عشرة فلم يدخل تحت التقدير، فللأب انقاصه، وكذا إذا اصطلحا على سبعة، فلها طلب الزيادة، والصبي الغني، هو الذي له مال حاضر، سواء كان عقاراً أو نقوداً أو ثياباً، فإن للأب أن يبيع ذلك وينفق عليه منه القدر اللازم لسكناه وحاجته الضرورية، فإن كان للصبي مال بعيد عنه لا يمكنه الحصول عليه حالاً كانت النفقة على أبيه إلى أن يحضر ماله.
فإذا كان للصبي استحقاق في وقف لا يأتيه إلا في نهاية العام وجب على أبيه أن ينفق عليه، لأن هذا بمنزلة المال البعيد عنه، ولا يرجع الأب على الصغير بما أنفقه إلا إذا أشهد على أنه ينفق عليه ديناً، ويرجع عليه بعد حضور ماله، أو أذنه القاضي بالإنفاق، فإن لم يشهد ولم يأذنه القاضي، ولكن أنفق عليه بنية الرجوع، فإنه لا يصدق قضاء، وله الرجوع ديانة، فإذا كان الأب موسراً وامتنع عن النفقة على أولاده حبس في نفقتهم، ولا يحبس الوالد في دين ولده إلا دين النفقة، وإن كان معسراً فإنه يكلف بالتكسب والإنفاق، فإن عجز عن التكسب والإنفاق، وجب الإنفاق على أقارب الأولاد، وأقربهم إليهم أمهم، فإن كانت موسرة أمرت بالإنفاق عليهم، على أن يكون ما تنفقه ديناً على الأب، إذا أيسر لها حق الرجوع عليه بما أنفقته، فإن لم تكن لهم أم موسرة وكان لهم جد موسر فإن نفقتهم تجب على جدهم، ثم إن كان أبوهم زمناً - به عاهة تمنعه من التكسب - سقطت عنه النفقة نهائياً فلا يرجع عليها والده بشيء، لأن نفقة الكبير الزمن على أبيه، وكذلك أولاده نفقتهم على جدهم، ولا يرجع بها كما لو كان أبوهم ميتاً، أما إذا لم يكن زمناً، فإن النفقة تكون ديناً عليه، فإن لم يكن لهم جد موسر، وكان لهم عم أو أخ موسر وجبت النفقة على واحد منهما، فللأم أن تطالب أحدهما بالإنفاق الشافعية - قالوا: تجب للولد على أبيه النفقة بأحد شروط ثلاثة: الأول: أن يكون صغيراً، فإذا كان بالغاً فلا تجب له على أبيه نفقة، إلا إذا كان مجنوناً، أو زمناً لا يستطيع التكسب. ثانيها: أن يكون فقيراً، فإذا كان الصغير غنياً، أو الزمن أو المجنون غنيين فإن نفقتهم لا تجب على أبيهم، والمراد بالغنى ما يملك كفايته. ثالثها: أن يكون حراً، فإن كان مملوكاً فنفقته على مالكه.
وإذا كانت أنثى فإن نفقتها تجب على أبيها إلى أن تتزوج وتصبح النفقة واجبة على الزوج، بالتفصيل المتقدم، فإذا كانت تقدر على الزواج وامتنعت، فقيل: تسقط نفقتها عن أبيها، لأن هذا ضرب من ضروب الكسب، والولد يجب عليه التكسب متى كان قادراً، وقيل لا تسقط، لأن التكسب بمثل هذا عيب لا يليق، وهو المشهور، وتقدر نفقة الأولاد بما فيه كفايتهم من قوت وأدم وكسوة، ولا بد من إشباعهم بدون مبالغة، وتجب لهم الكسوة بما يليق به لدفع الحاجة، وعليه شراء الأدوية وأجرة الطبيب والخادم، إن احتاجوا إليه لزمانة أو مرض، وإذا فاتت النفقة وتجمدت، فإنها لا تصير ديناً إلا إذا اقترض النفقة قاض بنفسه، أو أذن النفق عليهم بالاقتراض، أما مجرد فرض القاضي فإنه لا يكون كاف في تقرير النفقة وجعلها ديناً وبعضهم يرى أنه يكفي، فإذا فرض النفقة قاض ولم يأمر بالاقتراض، أي الاستدانة، فإنها تصير ديناً في ذمة الأب ولا تسقط.
وليس على الأم نفقة، إنما عليها أن ترضعه في أول ولادته مدة يسيرة، لأن الولد لا يعيش غالباً إلا إذا شرب اللبن في أول مرة، ومع ذلك فإن لها طلب الأجرة عليه، إن كان لمثله أجرة، فإذا وجدت أجنبية ترضعه فلا تجبر أمه على إرضاعه وإذا رغبت في إرضاعه كانت أولى من الأجنبية، ولو بأجرة المثل.
الحنابلة - قالوا: تجب النفقة للأولاد على أبيهم بشروط: أحدها: أن يكونوا فقراء فمتى كانوا موسرين فلا يجب الإنفاق عليهم، ويسارهم يكون بقدرتهم على الكسب والإنفاق على أنفسهم، أو يكون لهم مال. ثانيها: أن يكون الأب، أو من تجب عليه النفقة له مال ينفق عليهم منه زائداً على نفقته ونفقة زوجته وخادمه. ثالثها: أن يكونا حرين، فإن كان الأب رقيقاً أو الابن رقيقاً، فلا تجب لأحدهما نفقة على الآخر.
وإذا كان الأب معسراً وله ولد موسر فإن عليه أن ينفق على أبيه المعسر، وعلى إخوته الصغار. وعلى زوجة أبيه) .
(3) (الحنفية - قالوا: نفقة الآباء واجبة على أبنائهم وإن علوا. فعلى الولد الإنفاق على أبيه، وجده لأبيه، وجده لأمه أيضاً، بشرط الإعسار، ولا يلزم الأب بالتكسب، كما يلزم الابن، ومثل الأب الأم. فإذا كان يقدر على إحضار قوت أحدهما قدمت الأم على الأب، فإذا ادعى الابن أن أباه موسر موسراً، أما الزوجة والأولاد فتفرض لهم النفقة، ولو كان الأب أو الزوج معسراً، فلا يشترط اليسار في هذه الحالة. وقد اختلفت آراء أئمة الحنفية في حد اليسار الذي تجب به النفقة على الوالدين والأقربين، فقدره بعضهم بأن يكون الولد مالكاً لنصاب الزكاة.
وبعضهم قال: الشرط أن يكون مالكاً لما يحرم عليه به أن يأخذ الزكاة زائداً على حاجته الأصلية فلا يضر النقص عن نصاب الزكاة. وفصل بعضهم فقال: إن كان الولد مزارعاً أو تاجراً يمكنه أن يدخر مالاً، فإن يساره يعتبر بأن يكون مالكاً لنفقة شهر على نفسه وعلى عياله وما زاد يعطى لأهله، وإن كان من أهل الحرف الذين يكسبون يوماً فيوماً فإن يساره يعتبر بأن يكون لديه نفقة يومه وعياله، زائداً عليها ما يعطيه لأقاربه، مثلاً إذا كان يعمل بعشرة ويكفيه هو وعياله يومياً سبعة، وجب عليه أن يعطي الثلاثة لأبويه، وقد رجح المحققون هذا الرأي في الكسوب الذي يحصل على قوته يوماً فيوماً، فإن كان الولد فقيراً وعنده عيال، وله أب قادر على الكسب، فإنه لا يحكم على الولد بنفقة، أما إذا كان الأب عاجزاً، فإنه يحكم عليه بضمه إلى عياله ليأكل معهم، فإنه لا يرهقه في هذه الحالة، والأم حكمها دائماً حكم الأب العاجز عن الكسب.
وكما تجب النفقة للأصول والفروع والأقارب العصب، كذلك تجب لذوي الأرحام، بشرطين:
أحدهما: أن يكون طالب النفقة صغيراً فقيراً، إذا كان ذكراً وفقيراً، إذا كان أنثى ولو كبيرة، فإذا كان ذكراً كبيراً قادراً على الكسب فلا تجب له نفقة، نعم إذا كان عاجزاً عجزاً يمنعه عن الكسب أو كان طالب علم مستقيم فإن له النفقة، وإذا كانت أنثى غنية، أو لها صناعة تتكسب منها، كأن تكون معلمة أو قابلة، أو نحو ذلك فلا نفقة لها، وكذا إذا كان لا يحسن الكسب أصلاً لعدم معرفته حرفة أو عنده عته، قيل: وكذا إذا كان من أسرة شريفة، فلا يستطيع أن يخدم أو يحترف بحرفة دنيئة، وقد رد هذا بعض الفقهاء بأن المرء مكلف بتحصيل قوته، بصرف النظر عن كل اعتبار، وقد رأينا كبار الصحابة ينزلون الأسواق ويبيعون الزبد واللبن ليحصلوا على قوتهم، ولا معنى أن يقال: إن هذا لم يكن عيباً في وقتهم، فإن الواقع أن هذا هو الشرف لا البقاء عالة على الناس، فالصحيح أنه لا يصح الحكم للقوي القادر على الكسب على رحمه، بل يؤمر بالعمل في الحياة كي يحصل على قوته، وربما ظفر بثروة بسبب جده واجتهاده. وحد الفقير المعسر الذي تجب له النفقة أن يكون ممن تحل له الصدقة. ثانيهما: أن يكون المنفق موسراً، فلا تجب نفقة ذوي الأرحام إلا على القادر الموسر، وقد عرفت أن اليسار شرط لوجوب نفقة الأقارب جميعهم إلا الأولاد الصغار والزوجة، ويجبر المنفق على دفع النفقة لأقاربه ويحبس من أجلها على المعتمد.
فإذا كان للفقير أقارب متعددة من أرحامه توزع عليهم نفقته بحسب ميراثهم مثلاً إذا كان له أخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم، كان عليه نفقتهن حسب ميراثهن منه بعد موته، وهو أن الأخت الشقيقة لها النصف، والأخت لأب لها السدس، والأخت لأم لها السدس، فالمسألة من ستة، لأن فيها السدس: لأخته الشقيقة ثلاثة ولأخته لأمه سهم ولأخته لأبيه سهم، وبقي سهم يرد عليهن، فعلى هذا تجب على الوالد نفقته، وكذا يجب عليه نفقة خادم زوجة أبيه إن كانت أهلاً للخادم، وكذا يجب على الولد إعفاف أبيه بزوجة أو أكثر، إن لم تعفه الواحدة، والقول في ذلك للأب، ويجب عليه الإنفاق على من يعفه من الزوجات، ولو تعددت، أما إذا كانت تعفه واحدة وتزوج بأكثر فإن الولد لا تجب عليه إلا نفقة واحدة فقط، والقول للأب فيمن ينفق عليها الابن إن لم تكن إحداهما أمة، أما إن كانت أمة فإنها تتعين، ولو كانت غنية، ولا تجب النفقة بالقرابة سوى للوالدين ولا يجب على الولد نفقة جده، ولا جدته، لا من جهة الأب، ولا من جهة الأم، كما لا تجب على الجد نفقة ابن الابن، ولا بنت الابن، وهلم جرا، وإذا تزوجت الأم من فقير فإن نفقتها لا تسقط عن الولد، وإذا تعدد الأولاد الموسرون وزعت النفقة عليهم بحسب حال كل منهم في اليسر.
الشافعية - قالوا: يجب للوالدين على ولدهم النفقة بشروط: الأول أن يكونا معسرين، بحيث لم يملكا قوتاً وأدماً ومسكناً يليق بهما، ولا تجب المبالغة في الإشباع. الثاني: أن يكون الولد موسراً، ولو بكسب يليق به، ذكراً كان أو أنثى. الثالث: أن يكون لدى الولد ما يفضل عن مؤنته ومؤنة زوجته وأولاده يوماً وليلة، وإلا فلا تجبن ولا يشترط أن يكون الوالدان عاجزين عن الكسب، كما لا يشترط الإسلام، فلو كانا كافرين والولد مسلم، أو العكس، فإن النفقة تلزمه، ويجب على الولد إعفاف أبيه بتزويجه والإنفاق على زوجته، ولا يجب على الوالد تزويج ابنه بشرط أن يكون الولد موسراً حراً، وأن يكون الوالد حراً عاجزاً عن إعفاف نفسه، وإن تكون له حاجة إلى الزواج، والقول قول الأب في الحاجة بلا يمين، ولكن لا يحل له أن يطلب التزويج إلا إذا كانت له رغبة صادقة في التزوج، بحيث يضر به تركه، فإذا كان حاله يدل على ضعفه، كأن كان به شلل، أو به استرخاء، فإنه لا يجاب إلى طلبه أو يحلف بأنه في حاجة إلى النساء ويصح للابن أن يعطيه أمة، أو يعطيه ثمنها أو يعطيه مهر حرة، فإن كان له أولاد متعددون يوزع عليهم إعفافه والإنفاق عليه حسب إرثهم منه، على المعتمد، فإذا كانوا ذكوراً وإناثاً كان على الذكر ضعف ما على الأنثى من مؤنته وإعفافه، فإذا استووا في الإرث كانت نفقته عليهم بالسوية، سواء تفاوتوا في اليسار، أو لا، ولو كان أحدهما موسراً بمال، والآخر موسراً بكسب. فإذا غاب أحدهم أخذا ما عليه من ماله، فإن لم يكن له مال اقترض من نصيبه من غيره إن أمكن، فإن لم يمكن اقتراضه، أمر الحاكم أحد الحاضرين بالإنفاق بقصد الرجوع على الغائب، أو على ماله إن وجد، وتجب النفقة على أصله وإن علا، كجده، وجد جده، كما تجب النفقة على ابنه وإن سفل.
الحنابلة - قالوا: تجب النفقة على الولد لوالديه وإن علو كما تجب على الوالد نفقة ولده وإن سفل بحسب ما يليق بهم عرفاً بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون المنفق عليهم فقراء لا مال لهم وكسب يستغنون به عن الإنفاق فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم، فإن كان لديهم ما يكفيهم بعض حاجتهم وجب عليه تكملة ما يكفيهم.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم منه، بشرط أن يكون زائداً عن نفقة نفسه وزوجته، إما من ماله أو من كسبه فمن لا يفضل عنده شيء لا تجب عليه نفقة.
الثالث: أن يكون المنفق وارثاً للمنفق بفرض أو بعصب، إن كان من غير عمود النسب، أما عمود النسب فإنها تحجب ولو لم يرث، فعلى الولد أن ينفق على أبيه المعسر، وعلى زوجة أبيه وعلى إخوته الصغار وإن تعدد المنفق كانت النفقة عليهم بقدر إرثهم، فإذا كانت له أم وجد لأب، كانت النفقة على الأم الثلث، والباقي على الجد لأن الأم في هذه الحالة ترث الثلث، والباقي لجده لأبيه، وإذا كانت له جدة وأخ شقيق أو لأب كانت نفقته على الجدة السدس، والباقي على الأخ، وإذا كانت له أم وبنت قسمت النفقة عليهما أرباعاً، على الأم الربع، وعلى البنت الباقي، وذلك لأن البنت لها النصف فرضاً، وللأم السدس فرضاً، ثم يرد عليهما الباقي، فيكمل للأم منه الربع، وتأخذ البنت الباقي وعلى هذا القياس، إلا الأب فإنه ينفرد بالنفقة وحده، ولا نفقة لذوي الأرحام، كما لا نفقة عليهم) .



ابوالوليد المسلم 15-09-2022 12:48 AM

رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
 

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الحضانة]
صـــــ 520 الى صــــــــ
528

الحلقة (236)


مباحث الحضانة
تعريفها - مستحقها
-الحضانة - بفتح الهاء وكسرها - والفتح أشهر، معناها لغة، مصدر حضنت الصغير حضانة تحملت مؤنته وتربيته، مأخوذة من الحضن - بكسر الحاء - وهو الجنب، لأن الحضانة تضم الطفل إلى جنبها، وفي الشرع حفظ الصغير، والعاجز، والمجنون والمعتوه، مما يضره بقدر المستطاع، والقيام على تربيته ومصالحه، من تنظيف وإطعام، وما يلزم راحته أما مستحق الحضانة، ففيه تفصيل المذاهب (1) .
شروط الحضانة
-يشترط لاستحقاق الحضانة: منها أن يكون عاقلاً، فلا حضانة لمجنون. ولا لمعتوه ومنها أن يكون بالغاً، فلا حضانة لصغير، ومنها غير ذلك. مما هو مفصل في المذاهب (2) .
مدة الحضانة
-في مدة الحضانة تفصيل المذاهب (3) .
مبحث أجرة الحضانة
-في أجرة الحضانة تفصيل المذاهب (4) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: الحضانة تثبت للأقارب من النساء والرجال، على الترتيب الآتي: فأحق الناس بالحضانة الأم، سواء كانت متزوجة بالأب، أو مطلقة، ثم من بعدها أمها، وأم أمها، وهكذا. ولا بد أن تكون أم الأم صالحة للحضانة، وليس لأم الأم الحق في أن تحتضن ابن بنتها المتزوجة في بيت زوجها، لأنه عدو له، فللأب في هذه الحالة أن يأخذه منها، فإذا ماتت أم الأم، أو تزوجت بغير محرم الصغير انتقل حق الحضانة لأم الأب، وإن علت، أما إذا كانت متزوجة بمحرمه، كما إذا كانت جدة متزوجة بجده، فإن حضانتها لا تسقط، فإن ماتت أو تزوجت انتقل الحق للأخت الشقيقة، فإن ماتت أو تزوجت انتقل إلى الأخت لأب. ثم من بعدها الأخت الشقيقة، ثم من بعدها بنت الأخت لأم.
وهذا الترتيب لا خلاف فيه عند الحنفية، واختلفوا فيما وراءه، كما إذا اجتمعت خالة وأخت لأب، فقيل: الأخت لأب أولى، وقيل: الخالة أولى، أما بنت الأخت لأب مع الخالة، فإن الصحيح أن الخالة أولى، وتقدم الخالة لأب وأم، هي شقيقة الأم ثم من بعدها الخالة لأم، ثم من بعدها الخالة للأب، وبنات الإخوة أولى من العمات، وتقدم العمة الشقيقة، ثم العمة لأب، ثم هؤلاء يدفع إلى خالة الأم الشقيقة، ثم إلى خالتها لأم، ثم لأب، ثم إلى عمة الأم، على هذا الترتيب.
وبالجملة فجهة الأمهات مقدمة على جهة الآباء، أما بنات العم، وبنات الخال، وبنات العمة، وبنات الخالة، فلا حق لهن في الحضانة.
فإذا لم يكن للصغير امرأة من أهله المذكورات تستحق الحضانة، انتقلت الحضانة إلى عصبته من الرجال، فيقدم الأب، ثم أبو الأب، وإن علا، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، وكذا أبناء أبنائهم، وإن سفلوا، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب، بشرط أن يكون المحضون ذكراً، أما الأنثى فلا تدفع إلى أبناء الأعمام، لأنها ليست محرماً بالنسبة لهم، فإذا لم يكن للصغيرة إلا أبناء الأعمام فالنظر في ذلك للقاضي، فإن شاء دفعها إليهم، وإلا دفعها عند امرأة أمينة.
وإذا كان الصغيرة عدة أخوال، فإنها تدفع للأصلح منهم، وإن تساووا في الصلاحية فإنها تدفع للأسن، وكذا إذا كان لها عدة أعمام، فإذا لم يكن لها عصبة، فإن حضانتها تكون للأخ لأم، ثم من بعده ابنه، ثم للعم لأم، ثم للخال لأب وأم، ثم للخال لأب، ثم للخال لأم، وإذا كان لها جد لأم كان أولى من الخال ومن الأخ لأم.
المالكية - قالوا: يستحق الحضانة أقارب الصغيرة من إناث وذكور على الترتيب الآتي ذكره، فأحق الناس به أمه، ثم أمها، يعني جدته لأمه وإن علت، ثم الخالة الشقيقة، ثم الخالة لأم، ثم خالة الأم، ثم عمة الأم، ثم أم الأب، ثم أم أمه، وأم أبيه، والقربى منهن نقدم على البعدى. والتي من جهة أمه تقدم على التي من جهة أبيه، ثم بعد الجدة من جهة الأب تنتقل الحضانة إلى الأب، ثم إلى الأخت، ثم إلى عمة الصغير أخت أبيه، ثم إلى عمة أبيه - أخت جده - ثم إلى خالة أبيه، ثم بنت الأخ الشقيق، ثم لأم، ثم لأب، ثم إلى بنت الأخت كذلك وإذا اجتمع هؤلاء يقدم منهن الأصلح للحضانة، وبعضهم رجح تقديم بنات الأخ على بنات الأخت، ثم بعد هؤلاء تنتقل الحضانة إلى الوصي سواء كان ذكراً أو أنثى ثم الأخ الصغير، ثم أبن الأخ، ويقدم عليه الجد من جهة الأم، ثم العم ثم ابنه، ويقدم الأقرب على الأبعد ثم المعتق أو عصبته نسباً. الشافعية - قالوا: للمستحقين في الحضانة ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يجتمع الأقارب الذكور مع الإناث. الحالة الثانية: أن يجتمع الإناث فقط، الحالة الثالثة: أن يجتمع الذكور فقط. فأما الحالة الأولى: فتقدم الأم على الأب، ثم أم الأم، وإن علت، بشرط أن تكون وارثة، فلا حضانة لأم أبي أم، لأنها غير وارثة، ثم بعدهن الأب، ثم أمه، ثم أم أمه وإن علت، إذا كانت وارثة، فلا حضانة لأم أبي أم أب، لأنها لا ترث، فإذا عدمت هذه الأربعة وهي الأم وأمهاتها والأب وأمهاته.
وإذا اجتمع ذكور وإناث، قدم الأقرب فالأقرب من الإناث ثم الأقرب من الذكور، مثلاً إذا اجتمع إخوة وأخوات، وخالة وعمة، قدمت الأخوات الإناث، لأنهن أقرب وأولى بالتقديم من الذكور، ثم الإخوة الذكور، لأنهم أقرب من الخالة والعمة، ثم العمة، وعند الاستواء في القرابة والذكورة والأنوثة، كأخوات بنات وإخوة ذكور، فإنه يقرع بين البنات، فمن خرجت القرعة عليه قدم على غيره.
وأما الحالة الثانية، وهي اجتماع الإناث فقط، فتقدم الأم، ثم أمهاتها، ثم أمهات الأب، ثم الأخت، ثم الخالة، ثم بنت الأخت، ثم بنت الأخ، ثم العمة، ثم بنت الخالة، ثم بنت العمة، ثم بنت العم، ثم بنت الخال، وتقدم الشقيقات على غير الشقيقات، وتقدم من كانت لأب على من كانت لأم.
أما الحالة الثالثة، وهي ما إذا اجتمع الذكور فقط، فيقدم الأب، ثم الجد ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب، ثم الأخ لأم، ثم ابن الأخ الشقيق أو لأب، ثم العم لأبوين، ثم العم لأب ثم ابن العم كذلك ولكن لا تسلم له مشتهاة لأنه غير محرم، وإنما تسلم لثقة يعينها هو، كبنته فإن كانت مجنونة كبيرة، ولها بنت فإنها تقدم بعد الأم على الجدات، وإن كانت صغيرة لها زوج، فإنه يقدم في الحضانة على كل هؤلاء، بشرط أن تكون مطيقة للوطء.
الحنابلة - قالوا: أحق الناس بالحضانة الأم، ثم أمها، ثم أم أمها، وهلم جرا، ثم الأب، ثم أمهاته وإن علت، ثم الجد ثم أمهاته ثم أخت لأبوين، ثم أخت لأم، ثم أخت لأب، ثم خالة لأبوين، ثم خالة لأم، ثم خالة لأب، ثم عمة لأبوين، ثم عمة لأم ثم عمة لأب، ثم خالات أمه، وتقدم الشقيقة، ثم التي لأم، ثم التي لأب، ثم خالات أبيه كذلك، ثم عمات أبيه كذلك ثم بنات إخوته، ثم بنات أخواته، ثم بنات أعمامه، ثم بنات عماته، ثم بنات أعمام أمه وبنات أعمام أبيه كذلك، فتقدم في ذلك كله الأشقاء، ثم الذين لأم، ثم الذين لأب، ولا حضانة عليها لمحرم، كابن العم، وابن عم الأب، وكذا لا حضانة عليها لمحرم برضاع) .
(2) (الحنفية - قالوا: يشترط في الحضانة أمور: أحدها أن لا ترتد، فإن ارتدت سقط حقها في الحضانة، سواء لحقت بدار الحرب أو لا. فإن تابت رجع لها حقها.
ثانيها: أن لا تكون فاسقة غير مأمونة عليه، فإن ثبت فجورها بفسق، أو بسرقة، أو كانت محترفة حرفة دنيئة، كالنائحة، والراقصة، فإن حفها يسقط. ثالثها: أن لا تتزوج غير أبيه، فإن تزوجت سقط حقها، إلا أن يكون زوجها رحماً للصغير، كأن يكون عماً له، فإن تزوجت أجنبياً سقط حقها، فإن طلقها الزوج الثاني عاد لها حقها في الحضانة. رابعها: أن لا تترك الصبي بدون مراقبة، خصوصاً إذا كانت أنثى تحتاج إلى رعاية، فإن كانت أمها من النساء اللاتي يخرجن طول الوقت وتمهل في تربيتها، فإن حقها يسقط بذلك. خامسها: أن لا يكون الأب معسراً، وامتنعت الأم عن حضانة الصغير إلا بأجرة، وقالت عمته: أنا أربيه بغير أجرة، فإن لها ذلك، ويسقط حق أمه في الحضانة. سادسها: أن لا تكون أمة أو أم ولد، فإنه لا حضانة لها. ولا يشترط الإسلام فإن كان متزوجاً بذمية فإن لها أن تحضن ابنها منه، بشرط أن يأمن عليه الكفر والفساد، فإذا لم يأمن، كأن رآها تذهب به إلى الكنيسة، أو رآها تطعمه لحم الخنزير، أو تسقيه الخمر، فإن للأب أن ينزعه منها، فإذا ماتت الأم الحاضنة، أو لم يتوفر فيها شرط من هذه الشروط انتقلت الحضانة إلى من يليها، حسب الترتيب المتقدم، أما العقل فهو شرط مجمع عليه.
الشافعية - قالوا: يشترط للحضانة سبع شروط:
أحدها: أن يكون عاقلاً، فلا حضانة لمجنون، إلا إذا كان جنونه قليلاً نادراً، كيوم واحد في السنة كلها.
ثانيها: الحرية، فلا حضانة لرقيق.
ثالثها: الإسلام، فلا حضانة لكافر على مسلم، أما حضانة الكافر للكافر، والمسلم للكافر، فإنها ثابتة.
رابعها: العفة، فلا حضانة لفاسق، ولو تارك صلاة، أو تاركة صلاة. خامسها: الأمانة فلا حضانة لخائن في أمر من الأمور. سادسها: الإقامة في بلد المحضون إذا كان مميزاً، وسيأتي بيانه قريباً. سابعها: أن لا تكون أم الصغير متزوجة بغير محرم، فإن تزوجت بمحرم، كعمه فإن حضانته لم تسقط إذا رضي الزوج بضمه.

يتبع


الساعة الآن : 08:40 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 1,342.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,341.12 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.13%)]