ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الحج والعمرة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=75)
-   -   شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=304411)

ابوالوليد المسلم 11-08-2025 02:19 PM

رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم
 
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: في البَيتُوتة ليالي منى بمكة لأهل السّقاية


  • حرص الصَّحابةِ على تتبّع هَدْيِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم واتِّباعِ سُنَّتِه في كلِّ أفْعالِه وأقْوالِه فيما صحَّ عنه وهو ما ينبغي أنْ يكون شَأن المُسلِمِ الحقِّ
  • ما وُضِعَ منَ الماءِ في المساجِدِ والطُّرقِ يُشرَعُ أنْ يشرَبَ منه الغَنيُّ لأنَّه وُضِعَ للكافَّةِ لا للفُقراءِ وحْدَهم
عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عبدالْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه - اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى؛ مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. وعَنْ بَكْرِ بْنِ عبداللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَا لِي أَرَى بَنِي عَمِّكُمْ؛ يَسْقُونَ العَسَلَ واللَّبَنَ، وأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ؟ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الحَمْدُ لِلَّهِ، مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلَا بُخْلٍ، قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ وخَلْفَهُ أُسَامَةُ، فَاسْتَسْقَى؛ فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ، فَشَرِبَ وسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ، وقَالَ: «أَحْسَنْتُمْ وأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا». فَلَا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -.
في الباب حديثان: الحديث الحديثان أخرجهما مسلم في الحج (2/953) باب: وجُوب المَبيت بمِنى ليالي أيام التّشريق، والتّرْخيص في تَرْكه لأهلِ السّقاية، وأخرجه البخاري في الحج (1634)، فهو متفق عليه.
الحديث الأول
في هذا الحَديثِ يَروي عبداللهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ العبَّاسَ - رضي الله عنه - استأذَنَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَبيتَ بمَكَّةَ لَياليَ مِنًى، وهي: لَيلةُ الحاديَ عَشَرَ، والثَّانيَ عَشَرَ، والثَّالثَ عَشَرَ مِن ذي الحِجَّةِ؛ لأنَّ السُّنَّةَ أنْ يَبيتَ الحُجَّاجُ في تلك اللَّيالي بمِنًى، وهو مَوقِعُ رَميِ الجَمَراتِ.
سَبَبُ بَياتِ العبَّاسِ بمَكَّةَ
وسَبَبُ بَياتِ العبَّاسِ بمَكَّةَ هو السِّقايةُ، أي: حتى يَقومَ بسِقايةِ الحَجيجِ؛ لِأنَّهم كانوا يَستسْقونَ الماءَ مِن زَمزَمَ، فيُخرِجونَه مِنَ البِئرِ، ويَجعَلونَه في الحِياضِ مُسَبَّلًا للحُجَّاجُ يشربون منه، فأذِنَ له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكانتْ السّقاية لِلعبَّاسِ في الجاهليَّةِ، وأقَرَّها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - له، فهي لآلِ العبَّاسِ أبداً، فخدمة الحُجاج والبيت كانت مقسمة بين قريش، فيَسقُطُ المَبيتُ بمِنًى عن أصحابِ سِقايةِ الحَجيجِ ومَن في حُكمِهم مِن أهلِ الأعذارِ، وذلك مِن يُسرِ الشَّريعةِ.
المبيت بمِنى ليالي التشريق
والمبيت بمِنى ليالي التشريق، هو أحدُ واجبات الحج التي فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالإقامة بـ»منى» تلك الليالي والأيام؛ هو من الطاعة لله تعالى، ومن شعائر الحج. ولما كانت سِقاية الحجيج من القُرَبِ المفضّلة، لأنّها خدمة لحجاج بيته وأضيافه، رخّص - صلى الله عليه وسلم - لعمّه العباس في ترك المَبيت بـمِنى؛ لكونه قائماً على السقاية، فيقوم بِسَقْي الحجاج، وهي مصلحة عامة، ممّا دلَّ على أن غيره، ممن لا يعمل مثل عمله وليس له عذر ليس له هذه الرخصة.
فوائد الحديث الأول
  • وجوب المبيت بـ(مِنى) ليالي أيّام التشريق، والمراد بالمبيت، الإقامة بـ(منى) أكثر الليل.
  • الرُّخصة في ترك المبيت لسُقاة الحجاج، وألحق بهم: الرعاة، وأصحاب الحاجات الضرورية، كمن له مالٌ يخاف ضياعه، أو مريض ليس عنده مَنْ يُمرّضه، ومن له حاجة تتعلق بمصلحة الحج أو الحجاج، كالعاملين في المستشفيات، وأصحاب الحافلات الذين لو توقفوا لأضر ذلك بمصلحة الحجاج والحج، وما أشبه ذلك مِنَ الأمور.
  • وفيه: ما كان عليه أهل مكة في جاهليتهم؛ مِنْ إكَرام الحُجّاج، والقيام بخِدْمتهم، وتسهيل أمُورهم، ويعتبرون هذا مِنَ المَفَاخر الجليلة، فجاء الإسْلام فزاد مِنْ إكْرَامهم.
  • وفيه: فضيلة العَبَّاس بْن عبدالْمُطَّلِب - رضي الله عنه -، عمّ النّبي - صلى الله عليه وسلم -.
  • وفيه: فضل العِناية بمَصَالح المسلمين.
  • وأنّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان يبيّن للناس أحكامَ الحَجِّ والعُمرةِ، ويوضَحَ لهم ما يُباحُ فِعلُه، وما لا يُباحُ.
الحديث الثاني
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ بَكرُ بنُ عبداللهِ المُزَنِيُّ: أنَّه كان جالسًا معَ ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عندَ الكَعبةِ، فجاءَه أعْرابيٌّ، والأعرابي هو الَّذي يسكُنُ الصَّحْراءَ والبادية، فقال: «ما لي أرَى بَنِي عمِّكم» أرادَ غيرَ بَني العبَّاسِ من سائرِ قُرَيشٍ، «يَسقُونَ العَسَلَ واللَّبَنَ، وأنتُم تَسقُونَ النَّبِيذَ؟!» ومرادُ الأعْرابيِّ: سِقايةُ الحاجِّ، فكان بَنو العبَّاسِ يَسقونَ النَّاسَ النَّبيذَ، وهو تَمرٌ أو زَبِيبٌ يُنقَعُ في الماءِ حتَّى يَحلُوَ طَعمُه، وليس بِمُسكِرٍ، وقدْ كانتِ المِياهُ بِمَكَّةَ مُتغيِّرةً، فكانوا يُطيِّبونَها بهذا. فيقول لابن عباس: هلْ تَرْكُكم لسِقايةِ العسَلِ واللَّبنِ، لأجْلِ فَقرٍ، أمْ لبُخلٍ؟
فقال له ابنُ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «الحمدُ للهِ، مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ وَلَا بُخْلٍ» فأخبَرَه أنَّهم ليس بهم فَقْرٌ، ولا بُخلٌ، وإنَّما يَفعَلونَ هذا؛ تَمسُّكًا بما تلَقَّوْه منَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان قدْ قَدِمَ إلى مكَّةَ وهو راكبٌ على راحِلَتِه، أي: ناقَتِه، وكان أُسامةُ بنُ زيدٍ -رضي الله عنهما- يركَبُ خَلفَه، فطلَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُسْقى، فجاؤوه بإناءٍ فيه نَبِيذٌ، فشَرِبَ، وسَقَى أُسامةَ بقيَّةَ شَرابِه، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لهم: «أَحْسَنْتُم وأَجْمَلْتُم، كذا فاصْنَعُوا» أي: صَنَعْتُم فِعلًا حَسَناً وجَميلاً، بِتَطْيِيبِكمُ الماءَ بالنَّبِيذِ مِنَ التَّمرِ أوِ الزَّبِيبِ، وحثّهم على الاستمرار. وفي هذا دَليلٌ على أنَّ هذا الشَّرابَ غيرُ مَنهيٍّ عنه، وإلَّا لَمَا شَرِبَه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ولَكانَ نَهَى عنه. ثمَّ أوْضَحَ ابنُ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- سَببَ ذلك بقولِه: «فلا نُرِيدُ تَغييرَ ما أمَرَ به رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -» أي: مِن تَطيِيبِ الماءِ بالنَّبِيذِ، وذلك بقولِه: «كذا فاصْنَعُوا» أي: أمرَهم - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَثبُتوا على سَقيِ النَّبيذِ، فامْتَثَلوا أمرَه، والمَعنى: أنَّنا لا نُغيِّرُ سِقاءَ النَّبيذِ إلى سِقاءٍ غَيرِه منَ العسَلِ واللَّبنِ، وإنْ كان ذلك أوْلى عندَ النَّاسِ؛ لأنَّنا لا نُغيِّرُ شيئاً أعجَبَ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أمرَنا به؛ إذ هو الأوْلى لنا، واللَّائقُ بنا.
فوائد الحديث الثاني
  • فضْلُ سِقَايةِ الحَجِيجِ.
  • وفيه: مَشروعيَّةُ شُربِ النَّبِيذِ غيرِ المُسكِرِ، وهو ما لمْ تَمضِ عليه ثلاثُ ليال.
  • وفيه: دليل على اسْتحباب الثّناء على أصْحاب السّقاية، وكلّ صانع جميل. قاله النووي.
  • وفيه: أنَّ ما وُضِعَ منَ الماءِ في المساجِدِ والطُّرقِ، يُشرَعُ أنْ يشرَبَ منه الغَنيُّ؛ لأنَّه وُضِعَ للكافَّةِ، لا للفُقراءِ وحْدَهم.
  • وفيه: بيانُ تتبُّعِ الصَّحابةِ لِهَدْيِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وحِرْصِهم على اتِّباعِ سُنَّتِه، في كلِّ أفْعالِه وأقْوالِه، فيما صحَّ عنه، وهو ما ينبغي أنْ يكون شَأنُ المُسلِمِ الحقِّ.



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي







الساعة الآن : 01:26 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.82 كيلو بايت... تم توفير 0.13 كيلو بايت...بمعدل (0.95%)]