رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (631) صــ 41 إلى صــ 50 إذا جاءت آمنوا واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل يا رسول الله ربك ذلك! فسأل، فأنزل الله فيهم وفي مسألتهم إياه ذلك: "قل" للمؤمنين بك يا محمد= "إنما الآيات عند الله وما يشعركم" ، أيها المؤمنون بأن الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين بالله، أنهم لا يؤمنون به= ففتحوا "الألف" من "أنّ" . * * * ومن قرأ ذلك كذلك، عامة قرأة أهل المدينة والكوفة، وقالوا: أدخلت "لا" في قوله: (لا يؤمنون) صلة، (1) كما أدخلت في قوله: (مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ) ، [سورة الأعراف: 12] ، وفي قوله: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ، [سورة الأنبياء: 95] ، وإنما المعنى: وحرام عليهم أن يرجعوا= وما منعك أن تسجُد. * * * وقد تأوَّل قوم قرؤوا، ذلك بفتح "الألف" من (أنها) بمعنى: لعلها. وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة أبيّ بن كعب. * * * وقد ذكر عن العرب سماعًا منها: "اذهب إلى السوق أنك تشتري لي شيئًا" ، بمعنى: لعلك تشتري. (2) وقد قيل: إن قول عدي بن زيد العِبَاديّ: أَعَاذِلَ، مَا يُدْرِيكِ أَنَّ مَنِيَّتِي إلَى سَاعَةٍ فِي الْيَومِ أَوْ فِي ضُحَى الغَدِ (3) (1) (( الصلة )) . الزيادة، والإلغاء، انظر فهارس المصطلحات. (2) انظر في هذا معاني القرآن للفراء 1: 349، 350، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 204. (3) جمهرة أشعار العرب 103، اللسان (أنن) ، وغيرهما. من قصيدة له حكيمة، يقول قبله: وعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُوُمُنِي ... فَلَمَّا غَلَتْ فِي الَّلوْمِ قُلْتُ لها: اقْصِدي أعَاذِلَ، إن اللَّوْمَ في غير كُنْهِهِ ... عَلَيّ ثُنًى، مِنْ غَيِّكِ المُتَرَدِّدِ أعَاذِلَ، إنَّ الجهْل مِنْ لَذَّةِ الفَتَى ... وَإنَّ المَنَايَا لِلرِّجَالِ بِمَرْصَدِ أعَاذِلَ، مَا أَدْنَى الرشادَ مِنَ الفَتَى ... وأَبْعَدَهُ مِنْهُ إِذَا لَمْ يُسَدَّدِ أعَاذِلَ، من تُكْتَبْ لَهُ النَّارُ يَلْقَهَا ... كِفِاحًا، وَمَنْ يُكْتَبْ لَهُ الفَوْزُ يُسْعَدِ أَعَاذِلَ، قد لاقيتُ ما يَزَغُ الفتى ... وَطَابَقْتُ في الحِجْلَيْنِ مَشْيَ المُقيَّدِ بمعنى: لعل منيَّتي; وقد أنشدوا في بيت دريد بن الصمة: (1) ذَرِينِي أُطَوِّفْ فِي البِلادِ لأَنَّنِي ... أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلا مُخَلَّدَا (2) بمعنى: لعلني. والذي أنشدني أصحابُنا عن الفراء: "لعلَّني أَرَى ما ترَيْن" . وقد أنشد أيضًا بيتُ توبة بن الحميِّر: لَعَلَّك يَا تَيْسًا نزا فيِ مَرِيرَةٍ ... مُعَذِّبُ لَيْلَى أَنْ تَرَانِي أَزُورُهَا (3) (1) في المطبوعة: (( وقد أنشدوني )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) هكذا جاء البيت في المخطوطة والمطبوعة، وهو خطأ من أبي جعفر، أو من الفراء، بلا شك فإن الشطر الأخير من هذا الشعر، هو من شعر حطائط بن يعفر، وقد خرجته آنفًا 3: 78، واستوفيت الكلام عنه هناك، وأشرت إلى الموضع من اختلاف الشعر. وأما قوله: (( ذريتي أطوف واستوفيت الكلام عنه هناك، وأشرت إلى هذا الموضع من اختلاف الشعر. وأما قوله: (( ذريني أطوف في البلاد لعلني )) ، فهو كثير في أشعارهم، وأما شعر دريد بن الصمة الذي لاشك فيه، فهو هذا: ذَرِينِي أُطَوِّفْ فِي البِلادِ لَعَلَّنِي ... ألاَُقِي بِإثْرٍ ثُلةً من مُحَارِبٍ ولعل أبا جعفر نسي، فكتب ما كتب. وشعر دريد هذا مروي في الأصمعيات ص12 (ص: 119، طبعة المعارف) ، من قصيدة قالها بعد مقتل أخيه عبد الله، ذكر فيها ما أصاب خضر محارب من القتل والاستئصال، يقول قبله: فَلَيْتَ قُبُورًا بالمَخَاضَةِ أَخْبَرَتْ ... فَتُخْبِرَ عَنَّا الخُضْرَ، خُضْرَ مُحَارِبِ رَدَسْنَاهُمُ بِالخَيْلِ حَتى تَملأََّتْ ... عَوَافِي الضِّبَاعِ وَالذِّئَابِ السَّوَاغِبِ ذَرِينِي أُطَوِّف ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (3) من قصيدة فيما جمعته من شعره، وسيبويه 1: 312. يقول ذلك لزوج ليلى الأخيلية صاحبته، يتوعده لمنعه من زيارتها، وتعذيبه في سببه، ويجعله كالتيس ينزو في حبله. وقوله (( في مريرة )) ، (( المريرة )) الحبل المفتول المحكم الفتل. "لهَنَّك يا تيسًا" ، بمعنى: "لأنّك" التي في معنى "لعلك" ، وأنشد بيت أبي النجم العجليّ: قُلْتُ لِشَيْبَانَ ادْنُ مِنْ لِقَائِهِ ... أَنَّا نُغَدِّي القَوْمَ مِنْ شِوَائِهِ (1) بمعنى: (2) لعلنا نغدِّي القوم. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك بتأويل الآية، قولُ من قال: ذلك خطاب من الله للمؤمنين به من أصحاب رسوله= أعنى قوله: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) = وأن قوله: "أنها" ، بمعنى: لعلَّها. وإنما كان ذلك أولى تأويلاته بالصواب، لاستفاضة القراءة في قرأة الأمصار بالياء من قوله: (لا يؤمنون) . ولو كان قوله: (وما يشعركم) خطابًا للمشركين، لكانت القراءة في قوله: (لا يؤمنون) ، بالتاء، وذلك، وإن كان قد قرأه بعض قرأة المكيين كذلك، فقراءةٌ خارجة عما عليه قرأة الأمصار، وكفى بخلاف جميعهم لها دليلا على ذهابها وشذوذها. (3) * * * وإنما معنى الكلام: وما يدريكم، أيها المؤمنون، لعل الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين لا يؤمنون، فيعاجلوا بالنقمة والعذاب عند ذلك، ولا يؤخَّروا به. * * * (1) المعاني الكبير لابن قتيبة: 393، الخزانة 3: 591، وروايتها (( كما نغدي )) قال ابن قتيبه: (قال أبو المجم وذكر ظليما ... (( شيبان )) ابنه، قلت له: اركب في طلبه. (( كما )) بمعنى (( كيما )) ، يقول: كيما نصيده فنغدي القوم به مشويًا) . وكان البيت في المخطوطة غير منقوط، وفي المطبوعة: (( قلت لسيبان )) ، وهو خطأ. وفيها وفي المخطوطة: (( من سرايه )) ، والصواب ما أثبت. (2) في المطبوعة: (( يعني )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (3) قوله: (( ذهابها )) ، أي هلاكها وفسادها. القول في تأويل قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: لو أنَّا جئناهم بآية كما سألوا، ما آمنوا، كما لم يؤمنوا بما قبلَها أول مرة، لأن الله حال بينهم وبين ذلك: * ذكر من قال ذلك: 13751- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) الآية، قال: لما جحد المشركون ما أنزل الله، لم تثبت قلوبهم على شيء، ورُدَّتْ عن كل أمر. 13752- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) ، قال: نمنعهم من ذلك، كما فعلنا بهم أول مرة. وقرأ: (كما لم يؤمنوا به أول مرة) . 13753- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) ، قال: نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لو رُدُّوا من الآخرة إلى الدنيا فلا يؤمنون، كما فعلنا بهم ذلك، فلم يؤمنوا في الدنيا. قالوا: وذلك نظير قوله (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) ، [سورة الأنعام: 28] . * ذكر من قال قال ذلك: 13754- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه ما العبادُ قائلون قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه. قال: ولا ينبئك مثلُ خبير: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، [سورة الزمر: 56-58] ، يقول: من المهتدين. فأخبر الله سبحانه أنهم لو رُدُّوا [إلى الدنيا، لما استقاموا] على الهدى، و [قال] : (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ، (1) وقال: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" ، قال: لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه، أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهدَ أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها: أنَّه يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرِّفها كيف شاء، وأنّ ذلك بيده يقيمه إذا شاء، ويزيغه إذا أراد= وأنّ قوله: (كما لم يؤمنوا به أول مرة) ، دليل على محذوف من الكلام= وأنّ قوله: "كما" تشبيه ما بعده بشيء قبله. وإذْ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون معنى الكلام: ونقلب أفئدتَهم، فنزيغها عن الإيمان، وأبصارَهم عن رؤية الحق ومعرفة موضع الحجة، وإن جاءتهم الآية التي سألوها، فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبلَ مجيئها مرَّة قبل ذلك. * * * (1) في المطبوعة: (( فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ... )) حذف بعض ما في المخطوطة. وفي المخطوطة: (( فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا على الهدى وقال: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ... )) فأثبت نص المخطوطة، وزدت ما زدته بين القوسين حتى ستقيم الكلام. وإذا كان ذلك تأويله، كانت "الهاء" من قوله: (كما لم يؤمنوا به) ، كناية ذكر "التقليب" . * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونذر هؤلاء المشركين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها عند مجيئها (1) = في تمرُّدهم على الله واعتدائهم في حدوده، (2) يتردَّدون، لا يهتدون لحق، ولا يبصرون صوابًا، (3) قد غلب عليهم الخِذْلان، واستحوذ عليهم الشيطانُ. * * * (1) انظر تفسير (( يذر )) فيما سلف 11: 529، تعليق: 2 والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الطغيان )) فيما سلف 10: 475، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( العمه )) فيما سلف 1: 309 - 311. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، آيسْ من فلاح هؤلاء العادلين بربهم الأوثانَ والأصنام، القائلين لك: "لئن جئتنا بآية لنؤمنن لك" ، فإننا لو نزلنا إليهم الملائكة حتى يروها عيانًا، وكلمهم الموتى بإحيائنا إياهم حُجَّةً لك، ودلالة على نبوّتك، وأخبروهم أنك محقٌّ فيما تقول، وأن ما جئتهم به حقٌّ من عند الله، وحشرنا عليهم كل شيء فجعلناهُم لك قبلا ما آمنوا ولا صدّقوك ولا اتبعوك إلا أن يشاء الله ذلك لمن شاء منهم = (ولكن أكثرهم يجهلون) ، يقول: ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن ذلك كذلك، يحسبون أن الإيمان إليهم، والكفرَ بأيديهم، متى شاؤوا آمنوا، ومتى شاؤوا كفروا. وليس ذلك كذلك، ذلك بيدي، لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرشد فأضللته. * * * وقيل: إن ذلك نزل في المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله، من مشركي قريش. * ذكر من قال ذلك: 13755- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: نزلت في المستهزئين الذين سألوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم الآية، فقال: "قل" ، يا محمد، "إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون" ، ونزل فيهم: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) . * * * وقال آخرون: إنما قيل: (ما كانوا ليؤمنوا) ، يراد به أهل الشقاء، وقيل: (إلا أن يشاء الله) ، فاستثنى ذلك من قوله: (ليؤمنوا) ، يراد به أهل الإيمان والسعادة. * ذكر من قال ذلك: 13756- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن ابن عباس قوله: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا) ، وهم أهل الشقاء = ثم قال: (إلا أن يشاء الله) ، وهم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان. * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ ابن عباس، لأن الله جل ثناؤه عمَّ بقوله: (ما كانوا ليؤمنوا) ، القوم الذين تقدّم ذكرهم في قوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيه ليؤمنن بها) . وقد يجوز أن يكون الذين سألوا الآية كانوا هم المستهزئين الذين قال ابن جريج إنهم عُنوا بهذه الآية، ولكن لا دلالة في ظاهر التنزيل على ذلك، ولا خبر تقوم به حجة بأن ذلك كذلك. والخبر من الله خارجٌ مخرجَ العموم، فالقول بأنَّ ذلك عنى به أهل الشقاء منهم أولى، لما وصفنا. * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) . فقرأته قرأة أهل المدينة: "قِبَلا" ، بكسر "القاف" وفتح "الباء" ، بمعنى: معاينةً= من قول القائل: "لقيته قِبَلا" ، أي معاينة ومُجاهرةً. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين: (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا) ، بضم "القاف" ، "والباء" . وإذا قرئ كذلك، كان له من التأويل ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون "القبل" جمع "قبيل" ، كالرُّغُف التي هي جمع "رغيف" ، و "القُضُب" التي هي جمع "قضيب" ، ويكون "القبل" ، الضمناء والكفلاء= وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وحشرنا عليهم كل شيء كُفَلاء يكفلون لهم بأن الذي نعدهم على إيمانهم بالله إن آمنوا، أو نوعدهم على كفرهم بالله إن هلكوا على كفرهم، ما آمنوا إلا أن يشاء الله. والوجه الآخر: أن يكون "القبل" بمعنى المقابلة والمواجهة، من قول القائل: "أتيتُك قُبُلا لا دُبُرًا" ، إذا أتاه من قبل وجهه. والوجه الثالث: أن يكون معناه: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلةً قبيلةً، صنفًا صنفًا، وجماعة جماعةً، فيكون "القبل" حينئذ جمع "قبيل" ، الذي هو ج مع "قبيلة" ، فيكون "القبل" جمع الجمع. (1) * * * وبكل ذلك قد قالت جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال: معنى ذلك: معاينةً. 13757- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، يقول: معاينة. 13758- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، حتى يعاينوا ذلك معاينة= (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) . * * * * ذكر من قال: معنى ذلك: قبيلة قبيلة، صنفًا صنفًا. 13759- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن يزيد: من قرأ: (قُبُلا) ، معناه: قبيلا قبيلا. 13760- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (قُبُلا) ، أفواجًا، قبيلا قبيلا. 13761- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أحمد بن يونس، عن أبي خيثمة قال، حدثنا أبان بن تغلب قال، حدثني طلحة أن مجاهدًا قرأ في "الأنعام" : (كل شيء قُبُلا) ، قال: قبائل، قبيلا وقبيلا وقبيلا. * * * * ذكر من قال: معناه: مقابلةً. 13762- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 350، 351. وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، يقول: لو استقبلهم ذلك كله، لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله. 13763- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، قال: حشروا إليهم جميعًا، فقابلوهم وواجهوهم. 13764- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن يزيد: قرأ عيسى: (قُبُلا) ومعناه: عيانًا. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا، قراءةُ من قرأ: (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا) ، بضم "القاف" و "الباء" ، لما ذكرنا من احتمال ذلك الأوجهَ التي بينّا من المعاني، وأن معنى "القِبَل" داخلٌ فيه، وغير داخل في القبل معاني "القِبَل" . * * * وأما قوله: (وحشرنا عليهم) ، فإن معناه: وجمعنا عليهم، وسقنا إليهم. (1) * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مسلِّيَه بذلك عما لقي من كفرة قومه في ذات الله، وحاثًّا له على الصبر على ما نال فيه: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا) ، يقول: وكما ابتليناك، يا محمد، بأن جعلنا لك من مشركي قومك أعداء شياطينَ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول، (1) انظر تفسير (( حشر )) فيما سلف 457: 11، تعليق: 5، والمراجع هناك. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (632) صــ 51 إلى صــ 60 ليصدُّوهم بمجادلتهم إياك بذلك عن اتباعك والإيمان بك وبما جئتهم به من عند ربّك، كذلك ابتلينا من قبلك من الأنبياء والرسّل، بأن جعلنا لهم أعداءً من قومهم يؤذُونهم بالجدال والخصومات. يقول: فهذا الذي امتحنتك به، لم تخصص به من بينهم وحدك، بل قد عممتهم بذلك معك لأبتليهم وأختبرهم، مع قدرتي على منع من آذاهم من إيذائهم، فلم أفعل ذلك إلا لأعرف أولي العزم منهم من غيرهم. يقول: فاصبر أنتَ كما صبر أولو العزم من الرسل. * * * وأما "شياطين الإنس والجن" ، فإنهم مَرَدتهم، وقد بينا الفعل الذي منه بُنِي هذا الاسم، بما أغنى عن إعادته. (1) * * * ونصب "العدو" و "الشياطين" بقوله: (جعلنا) . (2) * * * وأما قوله: (يُوحِي بعضُهم إلى بعض زخرف القول غرورًا) ، فإنه يعني أنّه يلقي الملقي منهم القولَ، الذي زيّنه وحسَّنه بالباطل إلى صاحبه، ليغترّ به من سمعه، فيضلّ عن سبيل الله. (3) * * * ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (شياطين الإنس والجن) . فقال بعضهم: معناه: شياطين الإنس التي مع الإنس، وشياطين الجن التي مع الجنّ، وليس للإنس شياطين. * ذكر من قال ذلك: 13765- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا شياطين الإنس (1) انظر تفسير (( الشيطان )) فيما سلف 1: 111، 112، 296. (2) انظر معاني القرآن 1: 351. (3) انظر تفسير (( الوحي )) فيما سلف من فهارس اللغة (وحي) . والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا ولو شاء ربك ما فعلوه) ، أما "شياطين الإنس" ، فالشياطين التي تضلّ الإنس= "وشياطين الجن" ، الذين يضلون الجنّ، يلتقيان، فيقول كل واحد منهما: "إني أضللت صاحبي بكذا وكذا، وأضللت أنت صاحبك بكذا وكذا" ، فيعلم بعضُهم بعضًا. 13766- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو نعيم، عن شريك، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة: (شياطين الإنس والجن) ، قال: ليس في الإنس شياطين، ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس، وشياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن. (1) 13767- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن السدي في قوله: (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا) ، قال: للإنسان شيطان، وللجنّي شيطان، فيلقَى شيطان الإنس شيطان الجن، فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا. * * * قال أبو جعفر: جعل عكرمة والسدي في تأويلهما هذا الذي ذكرت عنهما، عدوّ الأنبياء الذين ذكرهم الله في قوله: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا) ، أولادَ إبليس، دون أولاد آدم، ودون الجن= وجعل الموصوفين بأن بعضهم يوحي إلى بعض زخرف القول غرورًا، ولدَ إبليس، وأن مَنْ مع ابن آدم من ولد إبليس يوحي إلى مَنْ مع الجن من ولده زخرفَ القول غرورًا. وليس لهذا التأويل وجه مفهوم، لأن الله جعل إبليس وولده أعداءَ ابن آدم، فكل ولده لكل ولده عدوّ. وقد خصّ الله في هذه الآية الخبر عن الأنبياء أنه جعل لهم من الشياطين أعداءً. فلو كان معنيًّا بذلك الشياطين الذين ذكرهم السدي، الذين هم ولد إبليس، لم يكن لخصوص الأنبياء بالخبرِ عنهم أنه جعل لهم الشياطين أعداءً، وجهٌ. وقد جعل من ذلك لأعدى أعدائه، مثل الذي جعل (1) الأثر: 13466 - (( سعيد بن مسروق الثوري )) ، مضى برقم: 7162. لهم. ولكن ذلك كالذي قلنا، من أنه معنيٌّ به أنه جعل مردة الإنس والجن لكل نبي عدوًّا يوحي بعضهم إلى بعض من القول ما يؤذيهم به. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 13768- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن حميد بن هلال قال، حدثني رجل من أهل دمشق، عن عوف بن مالك، عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا ذر، هل تعوَّذت بالله من شر شياطين الإنس والجنّ؟ قال: قلت: يا رسول الله، هل للإنس من شياطين؟ قال: نعم! (1) 13769- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن أبي عبد الله محمد بن أيوب وغيره من المشيخة، عن ابن عائذ، عن أبي ذر، أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس، قال فقال: يا أبا ذر، هل صلَّيت؟ قال قلت: لا يا رسول الله. قال: قم فاركع ركعتين. قال: ثم جئت فجلستُ إليه فقال: يا أبا ذر، هل تعوَّذت بالله من شرِّ شياطين الإنس والجن؟ قال قلت: يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم، شرٌّ من شياطين الجن! (2) (1) الأثر: 13768 - (( حميد بن هلال العدوي )) ، ثقة، متكلم فيه. سمع من (( عوف ابن مالك )) ، ولكنه رواه بالوسطة، عن مجهول: (( رجل من أهل دمشق )) . مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 344، وابن أبي حاتم 1 / 2 /230. و (( عوف بن مالك بن نضلة الجشمي )) ، ثقة، مضى برقم: 6172، 12825، 12826 لم يذكر أنه سمع من أبي ذر. وهذا الخبر فيه مجهول. ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 380 (2) الأثر: 13769 - كان في إسناد هذا الخبر خطأ فاحش، وقع شك من سهو الناسخ وعجلته، فإنه كتب (( حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن أبي عن ابن عباس، أبي عبد الله محمد بن أيوب )) ، ثم ضرب على (( ابن عباس )) . ولكنه ترك (( عن علي بن أبي طلحة )) ، وهو خطأ لا شك فيه كما سترى بعد. وسبب ذلك إسناد أبي جعفر المشهور وهو: (( حدثني المثنى، قال حدثنا عبد الله صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس )) وهو إسناد دائر في التفسير، آخره رقم: 13756، فجعل فكتب الإسناد المشهور، ثم استدرك فضرب على (( ابن عباس )) ، والصواب أن يضرب أيضًا على (( علي بن أبي طلحة )) ، لأن هذا إسناد مختلف عن الأول كل الاختلاف، ولذلك حذفت (( عن علي بن أبي طلحة )) ، مع ثبوته في المخطوطة والمطبوعة، ولكن ابن كثير ذكره في التفسير على الصواب 3: 379، كما أثبته. و (( أبو عبد الله محمد بن أيوب )) ، كأنه أيضًا خطأ من الناسخ، وصوابه: (( أبو عبد الملك محمد بن أيوب )) لما سترى. (( محمد بن أيوب الأزدي )) ، (( أبو عبد الملك )) ، قال البخاري في الكبير 1 / 1 /29، 30 (محمد بن أيوب أبو عبد الملك الأزدي، عن ابن عائذ، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آدم نبي مكلم. قال لنا: عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن محمد بن أيوب، حديثه في الشاميين. سمع منه معاوية بن صالح ) ) وترجمة ابن أبي حاتم 3 / 2 / 196، 197، فذكر مثله. و (( ابن عائذ )) هو (( عبد الرحمن بن عائذ الثمالي )) ، ويقال: الأزدي الكندي، ويقال: اليحصبي. وروى له الأربعة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 270، وكان ابن عائذ من حملة العلم، يطلبه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحاب أصحابه. روى عن عمر وعلي مرسلا. وفي التهذيب انه روى عنهما وعن أبي ذر، وعن غيرهم من الصحابة، ولم يذكر (( مرسلا )) . وذكر ابن كثير هذا الأثر والذي يليه في تفسيره 3: 379 ثم قال: (( وهذا أيضًا فيه انقطاع )) ، وتبين من تفسيره إسناده أنه غير منقطع. ثم قال: (( وروى متصلا كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا المسعودي، أنبأني أبو عمر الدمشقي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر قال: ... )) وذكر الحديث، وهو بطوله في مسند أحمد 5: 178، 179. ثم ذكر ابن كثير طرقًا أخرى للحديث ثم قال: (( فهذه طرق لهذا الحديث، ومجموعها يفيد قوته وصحته، والله أعلم )) . 13770- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: بلغني أن أبا ذر قام يومًا يُصلّي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تعوَّذ يا أبا ذر، من شياطين الإنس والجن. فقال: يا رسول الله، أوَ إنّ من الإنس شياطين؟ قال: نعم! (1) * * * وقال آخرون في ذلك بنحو الذي قلنا: من أن ذلك إخبارٌ من الله أنّ شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض. * ذكر من قال ذلك: (1) الأثر: 13770 - هذا أثر منقطع، انظر التعليق على الخبر السالف، وما قاله ابن كثير. 13771- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (شياطين الإنس والجن) ، قال: من الجن شياطين، ومن الإنس شياطين، يوحي بعضهم إلى بعض = قال قتادة: بلغني أن أبا ذر كان يومًا يصلّي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تعوَّذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن. فقال: يا نبي الله، أوَ إن من الإنس شياطين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم! 13772- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا شياطين الإنس والجن) ، الآية، ذكر لنا أنّ أبا ذر قام ذات يوم يصلي، فقال له نبي الله: تعوّذ بالله من شياطين الجن والإنس. فقال: يا نبي الله، أوَ للإنس شياطين كشياطين الجن؟ قال: "نعم، أوَ كذَبْتُ عليه؟ (1) " 13773- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوَّا شياطين الإنس والجن) ، فقال: كفار الجنّ شياطين، يوحون إلى شياطين الإنس، كفارِ الإنس، زخرفَ القول غرورًا. * * * وأما قوله: (زُخرف القول غرورًا) ، فإنه المزيَّن بالباطل، كما وصفت قبل. يقال منه: "زخرف كلامه وشهادته" ، إذا حسَّن ذلك بالباطل ووشّاه، كما:- 13774- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبو نعيم، عن شريك، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة قوله: (زخرف القول غرورًا) قال: تزيين الباطل بالألسنة. (1) قوله: (( أو كذبت عليه )) ، استنكار من رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤال أبي ذر، فإن نص التنزيل دال على ذلك، ورسول الله هو الصادق المصدق المبلغ عن ربه الحق الذي لا كذب فيه. 13775- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "الزخرف" ، فزخرفوه، زيَّنوه. 13776- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (زخرف القول غرورًا) ، قال: تزيين الباطل بالألسنة. 13777- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 13778- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (زخرف القول غرورًا) ، يقول: حسَّن بعضهم لبعضٍ القول ليتّبعوهم في فتنتهم. 13779- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (زخرف القول غرورًا) قال: "الزخرف" ، المزيَّن، حيث زيَّن لهم هذا الغرور، كما زيَّن إبليس لآدم ما جاءه به وقاسمه إنه له لمن الناصحين. وقرأ: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ) ، [سورة فصلت: 25] . قال: ذلك الزخرف. * * * وأما "الغرور" ، فإنه ما غرّ الإنسان فخدعه فصدَّه عن الصواب إلى الخطأ وعن الحق إلى الباطل (1) = وهو مصدر من قول القائل: "غررت فلانًا بكذا وكذا، فأنا أغرُّه غرورًا وغرًّا. كالذي:-" 13780- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (غرروًا) قال: يغرّون به الناسَ والجنّ. * * * (1) انظر تفسير (( الغرور )) فيما سلف 7: 453 / 9: 224. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو شئت، يا محمد، أن يؤمن الذين كانوا لأنبيائي أعداءً من شياطين الإنس والجن فلا ينالهم مكرهم ويأمنوا غوائلهم وأذاهم، فعلتُ ذلك، ولكني لم أشأ ذلك، لأبتلي بعضهم ببعض، فيستحق كل فريق منهم ما سبق له في الكتاب السابق = (فذرهم) ، يقول: فدعهم (1) = يعني الشياطين الذين يجادلونك بالباطل من مشركي قومك ويخاصمونك بما يوحي إليهم أولياؤهم من شياطين الإنس والجن= (وما يفترون) ، يعني: وما يختلقون من إفك وزور. (2) يقول له صلى الله عليه وسلم: اصبر عليهم، فإني من وراء عقابهم على افترائهم على الله، واختلاقهم عليه الكذبَ والزور. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدوًّا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا) = (ولتصغى إليه) ، يقول جل ثناؤه: يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المزيَّن من القول (1) انظر تفسير (( ذر )) فيما سلف ص: 46، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف: 11: 533، تعليق: 1، والمراجع هناك. بالباطل، ليغرّوا به المؤمنين من أتباع الأنبياء فيفتنوهم عن دينهم= (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) ، يقول: ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة. * * * = وهو من "صغَوْت تَصْغَى وتصغُو" = والتنزيل جاء بـ "تصغَى" = "صَغْوًا، وصُغُوًّا" ، وبعض العرب يقول: "صغيت" ، بالياء، حكي عن بعض بني أسد: "صَغيت إلى حديثه، فأنا أصغَى صُغِيًّا" بالياء، وذلك إذا ملت. يقال: "صَغْوِي معك" ، إذا كان هواك معه وميلك، مثل قولهم: "ضِلَعِي معك" . ويقال: "أصغيت الإناء" إذا أملته ليجتمع ما فيه، ومنه قول الشاعر: (1) تَرَى السَّفِيَهَ بِهِ عَنْ كُلِّ مُحْكَمَةٍ ... زَيْغٌ، وفيهِ إلَى التَّشْبِيهِ إصْغَاءُ (2) ويقال للقمر إذا مال للغيوب: "صغا" و "أصغى" . * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13781- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (ولتصغى إليه أفئدة) ، يقول: تزيغ إليه أفئدة. 13782- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس في قوله: (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) ، قال: لتميل. 13783- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) لم أعرف قائله. (2) اللسان (صغا) ، وأيضًا في تفسير أبي حيان 4: 205، والقرطبي 7: 69، وفي اللسان والقرطبي: (( عن كل مكرمة )) ، وكأن الصواب ما تفسير ابن جرير، وأبي حيان، وكأن الشاعر يريد الذين يتبعون ما تشابه من آيات كتاب الله، ويعرضون عن المحكم من آياته. حدثنا أسباط، عن السدي: (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) ، يقول: تميل إليه قلوبُ الكفار، ويحبونه، ويرضون به. 13784- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالأخرة) ، قال: "ولتصغى" ، وليهووا ذلك وليرضوه. قال: يقول الرجل للمرأة: "صَغَيْت إليها" ، هويتها. * * * القول في تأويل قوله: {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وليكتسبوا من الأعمال ما هم مكتسبون. * * * حكي عن العرب سماعًا منها: "خرج يقترف لأهله" ، بمعنى يكسب لهم. ومنه قيل: "قارف فلان هذا الأمر" ، إذا واقعه وعمله. وكان بعضهم يقول: هو التهمة والادعاء. يقال للرجل: "أنت قَرَفْتَنِي" ، أي اتهمتني. ويقال: "بئسما اقترفتَ لنفسك" ، وقال رؤبة: أَعْيَا اقْتِرَافُ الكَذِبِ المَقْرُوفِ ... تَقْوَى التَّقِي وعِفَّةَ العَفِيفِ (1) * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (وليقترفوا) ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13785- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وليقترفوا ما هم مقترفون) ، وليكتسبوا ما هم مكتسبون. (1) ليسا في ديوانه، وهما في مجاو القرآن 1: 205. 13786- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وليقترفوا ما هم مقترفون) ، قال: ليعملوا ما هم عاملون. 13787- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وليقترفوا ما هم مقترفون) ، قال: ليعملوا ما هم عاملون. * * * القول في تأويل قوله: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا (114) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بالله الأوثان والأصنام، القائلين لك: "كفَّ عن آلهتنا، ونكف عن إلهك" : إن الله قد حكم عليّ بذكر آلهتكم بما يكون صدًّا عن عبادتها= (أفغير الله ابتغي حكمًا) ، أي: قل: فليس لي أن أتعدَّى حكمه وأتجاوزه، لأنه لا حَكَم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه (1) = (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا) يعني القرآن= "مفصَّلا" ، يعني: مبينًا فيه الحكم فيما تختصمون فيه من أمري وأمركم. * * * وقد بينا معنى: "التفصيل" ، فيما مضى قبل. (2) (1) انظر تفسير (( الحكم )) فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) . (2) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف 11: 394. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (633) صــ 61 إلى صــ 70 القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنزلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن أنكر هؤلاء العادلون بالله الأوثان من قومك توحيدَ الله، وأشركوا معه الأندادَ، وجحدوا ما أنزلته إليك، وأنكروا أن يكون حقًا وكذَّبوا به = فالذين آتيناهم الكتاب، وهو التوراة والإنجيل، من بني إسرائيل= (يعلمون أنه منزل من ربّك) ، يعني: القرآن وما فيه = (بالحق) يقول: فصلا بين أهل الحق والباطل، يدلُّ على صدق الصادق في علم الله، (1) وكذبِ الكاذب المفتري عليه = (فلا تكونن من الممترين) ، يقول: فلا تكونن، يا محمد، من الشاكين في حقيقة الأنباء التي جاءتك من الله في هذا الكتاب، وغيرِ ذلك مما تضمنه، لأن الذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنَّه منزل من ربك بالحق. * * * وقد بيَّنا فيما مضى ما وجه قوله: (فلا تكونن من الممترين) ، بما أغنى عن إعادته، مع الرواية المروية فيه، (2) وقد: 13788- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (فلا تكونن من الممترين) ، يقول: لا تكونن في شك مما قصَصنا عليك. * * * (1) في المطبوعة: (( الصادق في علم الله )) ، وفي المخطوطة: (( الصادق علم الله )) ، والصواب ما أثبت. (2) انظر تفسير (( الأمتراء )) فيما سلف 3: 190 - 192 / 6: 472، 473 / 11: 260 القول في تأويل قوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكملت = "كلمة ربك" ، يعني القرآن. * * * سماه "كلمة" ، كما تقول العرب للقصيدة من الشعر يقولها الشاعر: "هذه كلمة فلان" . (1) . * * * = (صدقًا وعدلا) ، يقول: كملت كلمة ربك من الصدق والعدل. * * * و "الصدق" و "العدل" نصبا على التفسير للكلمة، كما يقال: "عندي عشرون درهما" . (2) = (لا مبدِّل لكلماته) ، يقول: لا مغيِّر لما أخبر في كتبه أنه كائن من وقوعه في حينه وأجله الذي أخبر الله أنه واقع فيه، (3) وذلك نظير قوله جل ثناؤه (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ) ، [سورة الفتح:15] . فكانت إرادتهم تبديل كلام الله، مسألتهم نبيَّ الله أن يتركهم يحضرون الحرب معه، وقولهم له ولمن معه من المؤمنين: (ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ) ، بعد الخبر الذي كان الله أخبرهم تعالى ذكره في كتابه بقوله: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) الآية، [سورة التوبة: 83] ، فحاولوا تبديل كلام الله وخبره بأنهم لن يخرجوا (1) انظر تفسير (( الكلمة )) فيما سلف 3: 7 - 17 / 6: 371، 410 - 412 / 8: 432 / 9: 410 / 10: 129، 313 (2) (( التفسير )) ، هو (( التميز )) ، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف. (3) انظر تفسير (( التبديل )) فيما سلف 11: 335، وفهارس اللغة (بدل) . مع نبي الله في غَزاةٍ، ولن يقاتلوا معه عدوًّا بقولهم لهم: (ذرونا نتبعكم) ، فقال الله جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "يريدون أن يبدلوا" = بمسألتهم إياهم ذلك= كلامَ الله وخبره: (قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل) . فكذلك معنى قوله: (لا مبدِّل لكلماته) ، إنما هو: لا مغيِّر لما أخبرَ عنه من خبر أنه كائن، فيبطل مجيئه وكونه ووُقُوعه على ما أخبرَ جل ثناؤه، لأنه لا يزيد المفترون في كتب الله ولا ينقصون منها. وذلك أن اليهود والنصارى لا شك أنهم أهلُ كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، وقد أخبر جل ثناؤه أنهم يحرِّفون غيرَ الذي أخبر أنَّه لا مبدِّل له. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13789- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلا لا مبدل لكلماته) ، يقول: صدقًا وعدلا فيما حكَم. * * * وأما قوله: (وهو السميع العليم) ، فإن معناه: والله "السميع" ، لما يقول هؤلاء العادلون بالله، المقسمون بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، وغير ذلك من كلام خلقه= "العليم" ، بما تؤول إليه أيمانهم من برٍّ وصدق وكذب وحِنْثٍ، وغير ذلك من أمور عباده. (1) * * * (1) انظر تفسير (( السميع )) و (( العليم )) فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) و (علم) . * * * وعند هذا الموضع، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه: (( يتلوه القول في تأويل قوله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم كثيرًا )) ثم يتلو ما نصه: (( بِسْمِ الله الرحمن الرحيم رَبِّ وَفِّقْ وأعِنْ )) القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ (116) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تطع هؤلاء العادلين بالله الأنداد، يا محمد، فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم، وأهلُّوا به لغير ربهم، وأشكالَهم من أهل الزيغ والضلال، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن دين الله، ومحجة الحق والصواب، فيصدُّوك عن ذلك. وإنما قال الله لنبيه: (وإن تطع أكثر من في الأرض) ، من بني آدم، لأنهم كانوا حينئذ كفارًا ضلالا فقال له جل ثناؤه: لا تطعهم فيما دعوك إليه، فإنك إن تطعهم ضللت ضلالهم، وكنتَ مثلهم، لأنهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطأوه. ثم أخبر جل ثناؤه عن حال الذين نَهَى نبيه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم، فقال: (إن يتبعون إلا الظن) ، فأخبر جل ثناؤه أنهم من أمرهم على ظن عند أنفسهم، وحسبان على صحة عزمٍ عليه، (1) وإن (1) هكذا في المطبوعة والمخطوطة، وأنا في شك من صوابه. كان خطأ في الحقيقة = (وإن هم إلا يخرصون) ، يقول: ما هم إلا متخرِّصون، يظنون ويوقعون حَزْرًا، لا يقينَ علمٍ. (1) * * * يقال منه: "خرَصَ يخرُصُ خَرْصًا وخروصًا" ، (2) أي كذب، و "تخرّص بظن" ، و "تخرّص بكذب" ، و "خرصتُ النخل أخرُصه" ، و "خَرِصَتْ إبلك" ، أصابها البردُ والجوع. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثانَ، لئلا يُضِلوك عن سبيله، هو أعلم منك ومن جميع خلقه أيُّ خلقه يَضلّ عن سبيله بزخرف القول الذي يوحِي الشياطين بعضُهم إلى بعض، فيصدُّوا عن طاعته واتباع ما أمر به = (وهو أعلم بالمهتدين) ، يقول: وهو أعلم أيضًا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسدادٍ، لا يخفى عليه منهم أحد. يقول: واتبع، يا محمد، ما أمرتك به، وانته عما نهيتك عنه من طاعة مَنْ نهيتك عن طاعته، فإني أعلم بالهادي والمضلِّ من خلقي، منك. * * * واختلف أهل العربية في موضع: "مَن" في قوله: (إن ربك هو أعلم من يضل) . (1) انظر مجاز القرآن أبي عبيدة 1: 206. (2) في المطبوعة: (( خرصا وخرصا )) ، وأثبت ما في المخطوطة، ولم أجد (( خروصًا )) ، مصدرًا لهذا الفعل، في شيء مما بين يدي من كتب اللغة، ولكن ذكره أبو حيان في تفسيره أيضًا 4: 205. فقال بعض نحويي البصرة: موضعه خفض بنيّة "الباء" . قال: ومعنى الكلام: إن ربك هو أعلم بمن يضِلُّ. (1) * * * وقال بعض نحويي الكوفة: موضعه رفع، لأنه بمعنى "أيّ" ، والرافع له "يضلّ" . (2) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنه رفع بـ "يضل" ، وهو في معنى "أيّ" . وغير معلوم في كلام العرب اسم مخفوض بغير خافض، فيكون هذا له نظيرا. * * * وقد زعم بعضهم أن قوله: (أعلم) ، في هذا الموضع بمعنى "يعلم" ، واستشهد لقيله ببيت حاتم الطائي: فَحَالَفَتْ طَيّئٌ مِنْ دُونِنَا حِلِفًا ... وَاللهُ أَعْلَمُ ما كُنَّا لَهُمْ خُذْلا (3) وبقول الخنساء: القَوْمُ أَعْلَمُ أَنَّ جَفْنَتَهُ ... تَعْدُو غَدَاةَ الرِّيحِ أَوْ تَسري (4) (1) انظر ما سلف 11: 560، تعليق: 1، وأن قائله هو الأخفش. (2) انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 352، وهذا قول الفراء. (3) البيت ليس في ديوان حاتم، وهو في تفسير القرطبي 7: 72، عن هذا الموضع من تفسير أبي جعفر: وقوله: (( حلف )) هو بكسر الحاء واللام، ألحق اللام كسرة الحاء لضرورة الشعر. ولو قال (( حلفا )) (بفتح وكسر اللام) وهو مصدر (( حلف يحلف )) مثل (( الحلف )) (بكسر فسكون) ، لكان صوابًا، لأن (( الحلف )) الذي هو العهد، إنما سمى (( حلفًا )) بمصدر (( حلف )) بمعنى أقسم، لأن العهد يوثق باليمين والقسم. (4) ديوانها: 104، في رثاء أخيها صخر، وبعده: فَإِذَا أَضَاءَ وَجَاشَ مِرْجَلُهُ ... فَلَنِعْمَ رَبُّ النَّارِ والقِدْرِ وقولها: (( تغدو )) ، أي تغدو على قومه وضيوفه. و (( غداة الريح )) ، أي غدوة في زمن الشتاء، في زمان القحط وقلة الألبان، (( وتسرى )) . يعني في الليل. وقولها: (( أضاء )) ، أي أوقد ناره لتوضع عليها القدور، ويراها الضيفان. وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل، وإن كان جائزًا في كلام العرب، فليس قولُ الله تعالى ذكره: (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله) ، منه. وذلك أنه عطف عليه بقوله: (وهو أعلم بالمهتدين) ، فأبان بدخول "الباء" في "المهتدين" أن "أعلم" ليس بمعنى "يعلم" ، لأن ذلك إذ كان بمعنى "يفعل" ، لم يوصل بالباء، كما لا يقال: "هو يعلم بزيد" ، بمعنى: يعلم زيدًا. * * * القول في تأويل قوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين به وبآياته: "فكلوا" ، أيها المؤمنون، مما ذكّيتم من ذبائحكم وذبحتموه الذبح الذي بينت لكم أنه تحلّ به الذبيحة لكم، وذلك ما ذبحه المؤمنون بي من أهل دينكم دين الحق، أو ذبحه مَنْ دان بتوحيدي من أهل الكتاب، دون ما ذبحه أهل الأوثان ومَنْ لا كتاب له من المجوس = (إن كنتم بآياته مؤمنين) ، يقول: إن كنتم بحجج الله التي أتتكم وأعلامه، بإحلال ما أحللت لكم، وتحريم ما حرمت عليكم من المطاعم والمآكل، مصدّقين، ودَعوا عنكم زخرف ما توحيه الشياطين بعضها إلى بعض من زخرف القول لكم، وتلبيس دينكم عليكم غرورًا. * * * وكان عطاء يقول في ذلك ما:- 13790- حدثنا به محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) ، قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح. وكل شيء يدلّ على ذكره يأمر به. * * * القول في تأويل قوله: {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} قال أبو جعفر: اختلف أهل العلم بكلام العرب في تأويل قوله: (وما لكم أن لا تأكلوا) . فقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا. قال: وذلك نظير قوله: (وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ) ، [سورة البقرة: 246] . يقول: أيّ شيء لنا في ترك القتال؟ قال: ولو كانت "لا" ، زائدة لا يقع الفعل. (1) ولو كانت في معنى: "وما لنا وكذا" ، لكانت: وما لنا وأن لا نقاتل. * * * وقال غيره: إنما دخلت "لا" للمنع، لأن تأويل "ما لك" ، و "ما منعك" واحد. "ما منعك لا تفعل ذلك" ، و "ما لك لا تفعل" ، واحد. فلذلك دخلت "لا" . قال: وهذا الموضع تكون فيه "لا" ، وتكون فيه "أنْ" ، مثل قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ، [سورة النساء: 176] ، و "أن لا تضلوا" ، يمنعكم من الضلال بالبيان. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: معنى قوله: (وما لكم) ، في هذا الموضع: وأيُّ شيء يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه؟ وذلك أنّ الله تعالى ذكره تقدّم إلى المؤمنين بتحليل ما ذكر اسم الله عليه، وإباحة أكل ما ذبح بدينه أو دين من كان يدين ببعض شرائع كتبه (1) قوله: (( لا يقع الفعل )) ، أي لا يتعدى، (( الوقوع )) ، التعدي. (2) استوفى أبو جعفر بحث هذا فيما سلف 5: 300 - 305، والفراء في معاني القرآن 1: 163 - 166، ولم يشر إلى ذلك أبو جعفر كعادته فيما سلف. المعروفة، وتحريم ما أهلّ به لغيره، من الحيوان= وزجرهم عن الإصغاء لما يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض من زخرف القول في الميتة والمنخنقة والمتردية، وسائر ما حرم الله من المطاعم. ثم قال: وما يمنعكم من أكل ما ذبح بديني الذي ارتضيته، وقد فصّلت لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون، وبينته لكم بقولي: (1) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ، إلى قوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ) ، [سورة المائدة: 3] ، فلا لبس عليكم في حرام ذلك من حلاله، فتتمنعوا من أكل حلاله حذرًا من مواقعة حرامه. فإذ كان ذلك معناه، فلا وجه لقول متأوِّلي ذلك: "وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا" ، لأن ذلك إنما يقال كذلك، لمن كان كفَّ عن أكله رجاء ثواب بالكفّ عن أكله، وذلك يكون ممن آمن بالكفّ فكف اتّباعًا لأمر الله وتسليمًا لحكمه. ولا نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة كفَّ عن أكل ما أحل الله من الذبائح رجاء ثواب الله على تركه ذلك، واعتقادًا منه أن الله حرَّمه عليه. فبيّنٌ بذلك، إذ كان الأمر كما وصفنا، أن أولى التأويلين في ذلك بالصواب ما قلنا. * * * وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى قوله: "فصَّل" ، و "فصلنا" و "فُصِّل" بيَّن، أو بُيِّن، بما يغني عن إعادته في هذا الموضع (2) كما:- 13791- حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) ، يقول: قد بين لكم ما حرم عليكم. 13792- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، مثله. * * * (1) في المطبوعة: (( بقوله )) ، وفي المخطوطة: (( بقول )) ، وصواب قراءتها ما أثبت. (2) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف ص: 60، تعليق: 2، والمراجع هناك، وانظر فهارس اللغة (فصل) . واختلفت القرأة في قول الله جل ثناؤه: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) . فقرأه بعضهم بفتح أول الحرفين من "فَصَّلَ" و "حَرَّم" ، أي: فصّل ما حرّمه من مطاعمكم، فبيَّنه لكم. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (وَقَدْ فَصَّلَ) بفتح فاء "فصل" وتشديد صاده، "مَا حُرِّمَ" ، بضم حائه وتشديد رائه، بمعنى: وقد فصل الله لكم المحرَّم عليكم من مطاعمكم. * * * وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين: "وَقَدْ فُصِّلَ لَكَمْ" ، بضم فائه وتشديد صاده، "مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ" ، بضم حائه وتشديد رائه، على وجه ما لم يسمَّ فاعله في الحرفين كليهما. * * * وروي عن عطية العوفي أنه كان يقرأ ذلك: "وَقَدْ فَصَلَ" ، بتخفيف الصاد وفتح الفاء، بمعنى: وقد أتاكم حكم الله فيما حَرَّم عليكم. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن كل هذه القراءات الثلاث التي ذكرناها، سوى القراءة التي ذكرنا عن عطية، قراءات معروفات مستفيضةٌ القراءةُ بها في قرأة الأمصار، وهن متّفقات المعاني غير مختلفات، فبأيِّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ فيه الصوابَ. * * * وأما قوله: (إلا ما اضطررتم إليه) ، فإنه يعني تعالى ذكره: أن ما أضطررنا إليه من المطاعم المحرّمة التي بيَّن تحريمها لنا في غير حال الضرورة، لنا حلال ما كنا إليه مضطرين، حتى تزول الضرورة. (1) كما:- (1) انظر تفسير (( اضطر )) فيما سلف 3: 56، 322 / 9: 532. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (634) صــ 71 إلى صــ 80 13793- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (إلا ما اضطررتم إليه) ، من الميتة. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن كثيرًا من الناس [الذين] (1) يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم، أيها المؤمنون بالله، من الميتة، ليُضلون أتباعهم بأهوائهم من غير علم منهم بصحة ما يقولون، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون، إلا ركوبًا منهم لأهوائهم، واتباعًا منهم لدواعي نفوسهم، اعتداءً وخلافًا لأمر الله ونهيه، وطاعة للشياطين (2) = (إن ربك هو أعلم بالمعتدين) ، يقول: إن ربك، يا محمد، الذي أحلَّ لك ما أحلَّ وحرَّم عليك ما حرم، هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافها، وهو لهم بالمرصاد. (3) * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: (ليضلون) . فقرأته عامة أهل الكوفة: (لَيُضِلُّونَ) ، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم. * * * وقرأ ذلك بعض البصريين والحجازيين: "لَيَضِلُّونَ" ، بمعنى: أنهم هم الذين يضلون عن الحق فيجورون عنه. * * * (1) الزيادة بين القوسين، يقتضيها السياق. (2) انظر تفسير (( الأهواء )) فيما سلف من فهارس اللغة (هوى) = = وتفسير (( الضلال )) في فهارس اللغة (ضلل) . (3) انظر تفسير (( الاعتداء )) فيما سلف من فهارس اللغة (عدا) . قال أبو جعفر: وأَولى القراءتين بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ) ، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبرَ نبيه صلى الله عليه وسلم عن إضلالهم من تبعهم، ونهاه عن طاعتهم واتباعهم إلى ما يدعونه إليه، فقال: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ، ثم أخبر أصحابه عنهم بمثل الذي أخبره عنهم، ونهاهم من قبول قولهم عن مثل الذي نهاه عنه، فقال لهم: وإن كثيرًا منهم ليضلونكم بأهوائهم بغير علم= نظيرَ الذي قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) . * * * القول في تأويل قوله: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ودعوا، أيها الناس، (1) علانية الإثم، وذلك ظاهره= وسرّه، وذلك باطنه،. كذلك:- 13794- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، أي: قليله وكثيره، وسرّه وعلانيته. 13795- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، قال: سره وعلانيته. 13796- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، يقول: سره وعلانيته= وقوله: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) ، [سورة الأعراف: 33] ، قال: سره وعلانيته. 13797- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، (1) انظر تفسير (( ذر )) فيما سلف ص: 57، تعليق: 1، والمراجع هناك. عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، قال: نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه، أن يعمل به سرًّا أو علانية، وذلك ظاهره وباطنه. 13798- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، معصية الله في السر والعلانية. 13799- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، قال: هو ما ينوي مما هو عامل. * * * ثم اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالظاهر من الإثم والباطن منه، في هذا الموضع. فقال بعضهم: "الظاهر منه" ، ما حرم جل ثناؤه بقوله: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) ، [سورة النساء: 23] ، وقوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) الآية، و "الباطن منه" ، الزنى. * ذكر من قال ذلك: 13800- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في قوله: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، قال: الظاهر منه: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ) والأمهات والبنات والأخوات = "والباطن" . الزنى. * * * وقال آخرون: "الظاهر" ، أولات الرايات من الزواني، (1) والباطن: ذوات الأخدان. (1) (( أولات الرايات )) ، البغايا في الجاهلية، كن ينصبن رايات عند خيامهن أو عند بيوتهن، يعرفن بها. * ذكر من قال ذلك: 13801- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) أما "ظاهره" ، فالزواني في الحوانيت، وأما "باطنه" ، فالصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرًّا. 13802- حدثنت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) ، [سورة الأنعام: 151] . كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى، ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا، فحرّم الله السر منه والعلانية = "ما ظهر منها" ، يعني العلانية= "وما بطن" ، يعني: السر. 13803- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي مكين وأبيه، عن خصيف، عن مجاهد: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) ، قال: "ما ظهر منها" ، الجمع بين الأختين، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده = "وما بطن" ، الزنى. * * * وقال آخرون: "الظاهر" ، التعرّي والتجرد من الثياب، وما يستر العورة في الطواف = "والباطن" ، الزنى. * ذكر من قال ذلك: 13804- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) ، قال: ظاهره العُرْيَة التي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت، (1) وباطنه: الزنى. * * * (1) (( العرية )) (بضم العين وسكون الراء) ، مصدر (( عرى من ثوبه يعرى عريًا وعرية )) ، يقال: (( جارية حسنة العرية، وحسنة المعرى والمعراة )) ، أي حسنة عند تجريدها من ثيابها. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره تقدم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه، وذلك سره وعلانيته. و "الإثم" كل ما عُصِي الله به من محارمه، (1) وقد يدخل في ذلك سرُّ الزنى وعلانيته، ومعاهرة أهل الرايات وأولات الأخدان منهن، ونكاحُ حلائل الآباء والأمهات والبنات، والطواف بالبيت عريانًا، وكل معصية لله ظهرت أو بطنت. وإذ كان ذلك كذلك، وكان جميعُ ذلك "إثمًا" ، وكان الله عمّ بقوله: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن= لم يكن لأحد أن يخصّ من ذلك شيئًا دون شيء، إلا بحجة للعذر قاطعة. غير أنه لو جاز أن يوجَّه ذلك إلى الخصوص بغير برهان، كان توجيهه إلى أنه عنى بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع، ما حرم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم، وما بيَّن الله تحريمه في قوله: (حرمت عليكم الميتة) إلى آخر الآية، أولى، إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى، وهذه في سياقها. ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك، وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله، فخرج الأمر عامًا بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم. * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين يعملون بما نَهاهم الله عنه، (1) انظر تفسير (( الإثم )) فيما سلف من فهارس اللغة (أثم) . ويركبون معاصيَ الله ويأتون ما حرَّم الله= (سيجزون) ، يقول: سيثيبهم الله يوم القيامة بما كانوا في الدنيا يعملون من معاصيه. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) } قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، لا تأكلوا، أيها المؤمنون، مما مات فلم تذبحوه أنتم، أو يذبحه موحِّدٌ يدين لله بشرائع شَرَعها له في كتاب منزل، فإنه حرام عليكم= ولا ما أهلَّ به لغير الله مما ذبَحه المشركون لأوثانهم، فإن أكل ذلك "فسق" ، يعني: معصية كفر. (2) * * * فكنى بقوله: "وإنه" ، عن "الأكل" ، وإنما ذكر الفعل، (3) كما قال: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا) ، [سورة ال عمران: 173] يراد به، فزاد قولُهم ذلك إيمانًا، فكنى عن "القول" ، وإنما جرى ذكره بفعلٍ. (4) * * * (1) انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف من فهارس اللغة (كسب) = وتفسير (( الجزاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزا) = وتفسير (( اقترف )) فيما سلف ص: 59، 60 (2) انظر تفسير (( الفسق )) فيما سلف 11: 370؛ تعليق: 2 والمراجع هناك (3) (( الفعل )) ، هو المصدر. (4) انظر معاني القرآن للفراء 1: 352 = (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) . (1) اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) ، فقال بعضهم: عنى بذلك شياطين فارسَ ومن على دينهم من المجوس = (إلى أوليائهم) ، من مردة مشركي قريش، يوحون إليهم زخرف القول، بجدالِ نبي الله وأصحابه في أكل الميتة. (2) * ذكر من قال ذلك: 13805- حدثني عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري قال، حدثنا موسى بن عبد العزيز القنباريّ قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة: لما نزلت هذه الآية، بتحريم الميتة، قال: أوحت فارس إلى أوليائها من قريشٍ أنْ خاصموا محمدًا = وكانت أولياءهم في الجاهلية (3) = وقولوا له: أوَ ما ذبحتَ فهو حلال، وما ذَبح الله (4) = قال ابن عباس: بِشمْشَارٍ من ذهب (5) = فهو حرام! ! فأنزل الله هذه الآية: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) ، قال: الشياطين: فارس، وأولياؤهم قريش. (6) (1) انظر تفسير (( الوحي )) فيما سلف من فهارس اللغة (وحي) . (2) في المطبوعة: (( يوحون إليهم زخرف القول ليصل إلى نبي الله وأصحابه في أكل الميتة )) لم يحسن قراءة المخطوطة، فاجتهد اجتهادًا ضرب على الجملة فسادًا لا تعرف له غاية. وكان في المخطوطة: (( ... زخرف القول يحد إلى نبي الله )) ، غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. (3) يعني: وكانت قريش أولياء فارس وأنصارهم في الجاهلية، وهي جملة معترضة وضعتها بين خطين. (4) في المطبوعة والمخطوطة: (( إن ما ذبحت )) ، كأنه خبر، وهو استفهام واستنكار أن تكون ذبيحة الخلق حلالا، وذبيحة الله - فيما يزعمون، وهي الميتة - حرامًا. (5) (( شمشار )) ، وفي تفسير ابن كثير 3: 389: (( بشمشير )) ، وتفسيره في خبر آخر يدل على أن (( الشمشار )) أو (( الشمشير )) ، هو السكين أو النصل، انظر رقم: 13806، وكأن هذا كان من عقائد المجوس، أن الميتة ذبيحة الله، ذبحها بشمشار من ذهب!! . (6) الأثر: 13805 - (( عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي النيسابوري )) ثقة، صدوق من شيوخ البخاري وأبي حاتم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 215. و (( موسى بن عبد العزيز اليماني العدني القنباري )) ، لا بأس به، متكلم فيه. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري 4 / 1 / 292، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 151. و (( القنباري )) نسبة إلى (( القنبار )) وهي حبال تفتل من ليف شجر النارجيل، الذي يقال له: الجوز الهندي، وتجر بحبال القنبار السفن لقوته. 13806- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عمرو بن دينار، عن عكرمة: إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم وكاتبتهم فارس، وكتبت فارسُ إلى مشركي قريش إن محمدًا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكله محمد وأصحابه = للميتة = وأمّا ما ذبحوا هم يأكلون "! وكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد عليه السلام، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء، فنزلت: (وإنه لفسقٌ وإن الشياطين ليوحون) الآية، ونزلت: (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غرورا) . [سورة الأنعام: 112] " * * * وقال آخرون: إنما عنى بالشياطين الذين يغرُون بني آدم: أنهم أوحوا إلى أوليائهم من قريش. * ذكر من قال ذلك: 13807- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن سماك، عن عكرمة قال: كان مما أوحى الشياطين إلى أوليائهم من الإنس: كيف تعبدون شيئًا لا تأكلون مما قَتَل، وتأكلون أنتم ما قتلتم؟ فرُوِي الحديث حتى بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) . 13808- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قوله: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) ، قال: إبليسُ الذي يوحي إلى مشركي قريش = قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس: "يوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم" = قال ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قال: سمعت أنَّ الشياطين يوحون إلى أهل الشرك، يأمرونهم أن يقولوا: ما الذي يموتُ، وما الذي تذبحون إلا سواء! يأمرونهم أن يخاصِمُوا بذلك محمدًا صلى الله عليه وسلم= (وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون) ، قال: قولُ المشركين أمّا ما ذبح الله، للميتة، فلا تأكلون، وأمّا ما ذبحتم بأيديكم فحلال! 13809- حدثنا محمد بن عمار الرازي قال، حدثنا سعيد بن سليمان قال، حدثنا شريك، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس: إن المشركين قالوا للمسلمين: ما قتل ربّكم فلا تأكلون، وما قتلتم أنتم تأكلونه! فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) . (1) 13810- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما حرم الله الميتة، أمر الشيطان أولياءَه فقال لهم: ما قتل الله لكم، خيرٌ مما تذبحون أنتم بسكاكينكم! فقال الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) . 13811- حدثنا يحيى بن داود الواسطي قال، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس قال: جادل المشركون المسلمين فقالوا: ما بال ما قتلَ الله لا تأكلونه، وما قتلتم أنتم أكلتموه! وأنتم تتبعون أمر الله! فأنزل الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) ، إلى آخر الأية. 13812- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) ، (1) الأثر: 13809 - (( محمد بن عمار بن الحارث الرازي )) ، أبو جعفر، روى عن إسحاق بن سليمان والسندي بن عبدويه، ومؤمل بن إسماعيل، وكتب عنه ابن أبي حاتم، وقال: (( وهو صدوق ثقة )) . مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 1 / 43. (( سعيد بن سليمان )) ، لم أعرف من يكون فيمن يسمى بذلك، وأخشى أن يكون صوابه: (( إسحاق بن سليمان الرازي )) ، الذي ذكر ابن حبان أن (( محمد بن عمار يروي عنه )) . يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكلوه! فأنزل الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) . 13813- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: أن ناسًا من المشركين دخلُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت، من قَتَلها؟ فقال: اللهُ قتلها. قالوا: فتزعم أن ما قتلتَ أنت وأصحابُك حلالٌ، وما قتله الله حرام! فأنزل الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) . 13814- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي: أن ناسًا من المشركين قالوا: أما ما قتل الصقر والكلب فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه! 13815- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) ، قال: قالوا: يا محمد، أمّا ما قتلتم وذبحتم فتأكلونه، وأمّا ما قتل ربُّكم فتحرِّمونه! فأنزل الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ، وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه، إنكم إذًا لمشركون. 13816- حدثنا المثنى، قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: قال المشركون: ما قتلتم فتأكلونه، وما قتل ربكم لا تأكلونه! فنزلت: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) . 13817- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ، قول المشركين: أما ما ذبح الله = للميتة = فلا تأكلون منه، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال! https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (635) صــ 81 إلى صــ 90 13818- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 13819- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) ، قال: جادلهم المشركون في الذبيحة فقالوا: أما ما قتلتم بأيديكم فتأكلونه، وأما ما قتل الله فلا تأكلونه! يعنون "الميتة" ، فكانت هذه مجادلتهم إياهم. 13820- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) الآية، يعني عدوّ الله إبليس، أوحى إلى أوليائه من أهل الضلالة فقال لهم: خاصموا أصحاب محمد في الميتة فقولوا: "أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأما ما قتل الله فلا تأكلون، وأنتم تزعمون أنكم تتبعون أمرَ الله" ! فأنزل الله على نبيه: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ، وإنا والله ما نعلمه كان شرك قط إلا بإحدى ثلاث: أن يدعو مع الله إلهًا آخر، أو يسجد لغير الله، أو يسمي الذبائح لغير الله. 13821- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله، وما ذبح الله فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ فقال الله: لئن أطعتموهم فأكلتم الميتة، إنكم لمشركون. 13822- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) ، قال: كانوا يقولون: ما ذكر الله عليه وما ذبحتم فكلوا! فنزلت: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) . 13823- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) إلى قوله: (ليجادلوكم) ، قال يقول: يوحي الشياطين إلى أوليائهم: تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون مما قتل الله! فقال: إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه، وإن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه. 13824- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) ، هذا في شأن الذبيحة. قال: قال المشركون للمسلمين: تزعمون أن الله حرم عليكم الميتة، وأحل لكم ما تذبحون أنتم بأيديكم، وحرم عليكم ما ذبح هو لكم؟ وكيف هذا وأنتم تعبدونه! فأنزل الله هذه الآية: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، إلى قوله: (لمشركون) . * * * وقال آخرون: كان الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قومًا من اليهود. * ذكر من قال ذلك: 13825- حدثنا محمد بن عبد الأعلى وسفيان بن وكيع قالا حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس = قال ابن عبد الأعلى: خاصمت اليهودُ النبي صلى الله عليه وسلم = وقال ابن وكيع: جاءت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم = فقالوا: نأكل ما قتلنا، ولا نأكل ما قتل الله! فأنزل الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) . * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنّ الشياطين يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المؤمنين في تحريمهم أكل الميتة، بما ذكرنا من جدالهم إياهم = وجائز أن يكون الموحون كانوا شياطين الإنس يوحون إلى أوليائهم منهم= وجائز أن يكونوا شياطين الجن أوحوا إلى أوليائهم من الإنس= وجائز أن يكون الجنسان كلاهما تعاونا على ذلك، كما أخبر الله عنهما في الآية الأخرى التي يقول فيها: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) ، [سورة الأنعام: 112] . بل ذلك الأغلب من تأويله عندي، لأن الله أخبر نبيه أنه جعل له أعداء من شياطين الجن والإنس، كما جعل لأنبيائه من قبله، يوحي بعضهم إلى بعض المزيَّنَ من الأقوال الباطلة، ثم أعلمه أن أولئك الشياطين يوحون إلى أوليائهم من الإنس ليجادلوه ومن تبعه من المؤمنين فيما حرمَ الله من الميتة عليهم. * * * واختلف أهل التأويل في الذي عنى الله جل ثناؤه بنهيه عن أكله مما لم يذكر اسم الله عليه. فقال بعضهم: هو ذبائح كانت العرب تذبحها لآلهتها. * ذكر من قال ذلك: 13826- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما قوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) ؟ قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح. قلت لعطاء: فما قوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ؟ قال: ينهى عن ذبائح كانت في الجاهلية على الأوثان، كانت تذبحها العرب وقريش. * * * وقال آخرون: هي الميتة. (1) * ذكر من قال ذلك: 13827- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن عطاء (1) هذه الترجمة: (( وقال آخرون: هي الميتة )) ، ليست في المخطوطة، ولكن إثباتها كما في المطبوعة هو الصواب إن شاء الله. بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، قال: الميتة. * * * وقال آخرون: بل عنى بذلك كلَّ ذبيحة لم يذكر اسمُ الله عليها. * ذكر من قال ذلك: 13828- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن جَهِير بن يزيد قال: سُئِل الحسن، سأله رجل قال له: أُتِيتُ بطيرِ كَرًى، (1) فمنه ما ذبح فذكر اسم الله عليه، ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه، واختلط الطير؟ فقال الحسن: كُلْه، كله! قال: وسألت محمد بن سيرين فقال: قال الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) . (2) 13829- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن أيوب وهشام، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: كلوا من ذبائح أهل الكتاب والمسلمين، ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. 13830- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبد الله بن يزيد قال: كنت اجلس إليه في حلقة، فكان يجلس فيها ناس من الأنصار هو رأسهم، فإذا جاء سائل فإنما يسأله ويسكتون. قال: فجاءه رجل فسأله، فقال: رجل ذبح فنسي أن يسمِّي؟ فتلا هذه الآية: (1) في المطبوعة: (( بطير كذا )) وهو خطأ لا شك فيه. وفي المخطوطة: (( بطير كدى )) برسم الدال، وهو خطأ لا معنى له. والصواب ما أثبت (( كرى )) (بفتحتين) جمع (( الكروان )) وهو طائر بين الدجاجة والحمامة، حسن الصوت، يؤكل لحمه، ذكر صاحب لسان العرب أنه يدعى الحجل والقبيح، والصحيح أنه ضرب من الطير شبيه به. ويقال له عند صيده (( أطرق كرى، أطرق كرى، إن النعام في القرى )) ، فيجبن ويلتصق بالأرض، فيلقي عليه ثوب فيصاد. (2) الأثر: 13828 - (( جهير بن يزيد العبدي )) ، حدث عن معاوية بن قرة، وابن سيرين - روى عنه أبو أسامة، وموسى بن إسماعيل، والقعنبي. وثقه يحيى بن معين وابن حبان، وغيرهما. ولم يذكر فيه البخاري جرحًا. مترجم في تعجيل المنفعة: 74، والكبير 1 / 2 / 253، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 547 قال ابن حجر: (( جهير، بصيغة التصغير، وقيل: بوزن عظيم )) . (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، حتى فرغ منها. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عنى بذلك ما ذُبح للأصنام والآلهة، وما مات أو ذبحه من لا تحلّ ذبيحته. وأما من قال: "عنى بذلك: ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله" ، فقول بعيد من الصواب، لشذوذه وخروجه عما عليه الحجة مجمعة من تحليله، وكفى بذلك شاهدًا على فساده. وقد بينا فساده من جهة القياس في كتابنا المسمى: "لطيف القول في أحكام شرائع الدين" ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. * * * وأما قوله "(وإنه لفسق) ، فإنه يعني: وإنّ أكْل ما لم يذكر اسم الله عليه من الميتة، وما أهل به لغير الله، لفسق." * * * واختلف أهل التأويل في معنى: "الفسق" ، في هذا الموضع. (1) فقال بعضهم: معناه: المعصية. فتأويل الكلام على هذا: وإنّ أكلَ ما لم يذكر اسم الله عليه لمعصية لله وإثم. * ذكر من قال ذلك: 13831- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وإنه لفسق) ، قال: "الفسق" ، المعصية. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: الكفر. * * * وأما قوله: (وإن الشياطين ليوحون إلي أوليائهم) ، فقد ذكرنا اختلاف (1) انظر تفسير (( الفسق )) فيما سلف من فهارس اللغة (فسق) . المختلفين في المعنيّ بقوله: (وإن الشياطين ليوحون) ، والصوابَ من القول فيه = وأما إيحاؤهم إلى أوليائهم، فهو إشارتهم إلى ما أشاروا لهم إليه: إما بقول، وإما برسالة، وإما بكتاب. * * * وقد بينا معنى: "الوحي" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1) وقد:- 13832- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عكرمة، عن أبي زُمَيل قال: كنت قاعدًا عند ابن عباس، فجاءه رجل من أصحابه، فقال: يا ابن عباس، زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة! = يعني المختار بن أبي عبيد = فقال ابن عباس: صدق! فنفرت فقلت: يقول ابن عباس "صدق" ! فقال ابن عباس: هما وحيان، وحي الله، ووحي الشيطان، فوحي الله إلى محمد، ووحي الشياطين إلى أوليائهم. ثم قرأ: (وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) . (2) * * * وأما الأولياء: فهم النصراء والظهراء، في هذا الموضع. (3) * * * ويعني بقوله: (ليجادلوكم) ، ليخاصموكم، بالمعنى الذي قد ذكرت قبل. (4) * * * وأما قوله: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ، فإنه يعني: وإن أطعتموهم (1) انظر تفسير (( الوحي )) فيما سلف 9: 399، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) الأثر: 13832 - (( أبو زميل )) هو: (( سماك بن الوليد الحنفي )) ، روى عن ابن عباس، وابن عمر، ومالك بن مرثد، وعروة بن الزبير. روى عنه شعبة، ومسعر، وعكرمة بن عمار. وهو ثقة مترجم التهذيب، والكبير 2 / 2 /174، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 280. و (( المختر بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي )) ، كذاب متنبئ خبيث، فقتله الله بيد مصعب بن الزبير وأصحابه سنة 67 من الهجرة، وله خبر طويل فيه كذبه وما فعل، وما فعل الناس به. (3) انظر تفسير (( الولي )) فيما سلف 10: 497، تعليق: 5، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير (( الجدال )) فيما سلف من فهارس اللغة (جدل) . في أكل الميتة وما حرم عليكم ربكم; كما:- 13833- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وإن أطعتموهم) ، يقول: وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه. 13834- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن أطعتموهم) ، فأكلتم الميتة. * * * وأما قوله: (إنكم لمشركون) ، يعني: إنكم إذًا مثلهم، إذ كان هؤلاء يأكلون الميتة استحلالا. فإذا أنتم أكلتموها كذلك، فقد صرتم مثلهم مشركين. * * * قال أبو جعفر: واختلف أهل العلم في هذه الآية، هل نسخ من حكمها شيء أم لا؟ فقال بعضهم: لم ينسخ منها شيء، وهي محكمة فيما عُنيت به. وعلى هذا قول عامة أهل العلم. (1) * * * وروي عن الحسن البصري وعكرمة، ما:- 13835- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين. ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) ، فنسخ واستثنى من ذلك فقال: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [سورة المائدة: 5] . * * * (1) انظر (( الناسخ والمنسوخ )) ، لأبي جعفر النحاس صلى الله عليه وسلم: 144، قال: (( وفي هذه السورة = يعني سورة الأنعام = شيء قد ذكره قوم هو عن الناسخ والمنسوخ بمعزل، ولكنا نذكره ليكون الكتاب عام الفائدة ... )) ثم ذكر الآية، وما قيل في ذلك، إلى صلى الله عليه وسلم: 146. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت، لم ينسخ منها شيء، وأن طعام أهل الكتاب حلال، وذبائحهم ذكيّة. وذلك مما حرم الله على المؤمنين أكله بقوله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ، بمعزل. لأن الله إنما حرم علينا بهذه الآية الميْتة، وما أهلّ به للطواغيت، وذبائحُ أهل الكتاب ذكية سمُّوا عليها أو لم يسمُّوا، لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله، يدينون بأحكامها، يذبحون الذبائح بأديانهم، كما يذبح المسلم بدينه، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمِّه، إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته على الدينونة بالتعطيل، أو بعبادة شيء سوى الله، فيحرم حينئذ أكل ذبيحته، سمى الله عليها أو لم يسم. * * * القول في تأويل قوله: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} قال أبو جعفر: وهذا الكلام من الله جلّ ثناؤه يدل على نهيه المؤمنين برسوله يومئذ عن طاعة بعض المشركين الذين جادلوهم في أكل الميتة، بما ذكرنا عنهم من جدالهم إياهم به، وأمره إياهم بطاعة مؤمن منهم كان كافرًا، فهداه جلّ ثناؤه لرشده، ووفقه للإيمان. فقال لهم: أطاعة من كان ميتًا، يقول: من كان كافرًا؟ فجعله جل ثناؤه لانصرافه عن طاعته، وجهله بتوحيده وشرائع دينه، وتركه الأخذ بنصيبه من العمل لله بما يؤديه إلى نجاته، بمنزلة "الميت" الذي لا ينفع نفسه بنافعة، ولا يدفع عنها من مكروه نازلة= (فأحييناه) ، يقول: فهديناه للإسلام، فأنعشناه، فصار يعرف مضارّ نفسه ومنافعها، ويعمل في خلاصها من سَخَط الله وعقابه في معاده. فجعل إبصاره الحق تعالى ذكره بعد عَمَاه عنه، ومعرفته بوحدانيته وشرائع دينه بعد جهله بذلك، حياة وضياء يستضيء به فيمشي على قصد السبيل، ومنهج الطريق في الناس (1) = (كمن مثله في الظلمات) ، لا يدري كيف يتوجه، وأي طريق يأخذ، لشدة ظلمة الليل وإضلاله الطريق. فكذلك هذا الكافر الضال في ظلمات الكفر، لا يبصر رشدًا ولا يعرف حقًّا، = يعني في ظلمات الكفر. يقول: أفَطَاعة هذا الذي هديناه للحق وبصَّرناه الرشاد، كطاعة من مثله مثل من هو في الظلمات متردّد، لا يعرف المخرج منها، في دعاء هذا إلى تحريم ما حرم الله، وتحليل ما أحل، وتحليل هذا ما حرم الله، وتحريمه ما أحلّ؟ * * * وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجلين بأعيانهما معروفين: أحدهما مؤمن، والآخر كافر. ثم اختلف أهل التأويل فيهما. فقال بعضهم: أما الذي كان مَيْتًا فأحياه الله، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها، فأبو جهل بن هشام. * ذكر من قال ذلك: 13836- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا سليمان بن أبي هوذة، عن شعيب السراج، عن أبي سنان عن الضحاك في قوله: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه = (كمن مثله في الظلمات) ، قال: أبو جهل بن هشام. (2) * * * (1) انظر تفسير (( الموت )) ، و (( الإحياء )) فيما سلف من فهارس اللغة (موت) و (حيي) . (2) الأثر: 13836 - (( سليمان بن أبي هوذة )) ، روى عن حماد بن سلمة، [وأبي هلال الراسبي، وعمرو بن أبي قيس. لم يذكر فيه البخاري جرحًا. وقال أبو زرعة: (( صدوق لا بأس به )) . مترجم في الكبير 2 / 2 / 42، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 148. وأما (( شعيب السراج )) ، فلم أجد له ذكرًا فيما بين يدي من الكتب وقال آخرون: بل الميت الذي أحياه الله، عمار بن ياسر رحمة الله عليه. وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها، فأبو جهل بن هشام. * ذكر من قال ذلك: 13837- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن بشر بن تيم، عن رجل، عن عكرمة: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، قال: نزلت في عمار بن ياسر. (1) 13838- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن بشر، عن تيم، عن عكرمة: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، عمار بن ياسر = (كمن مثلة في الظلمات) ، أبو جهل بن هشام. (2) * * * وبنحو الذي قلنا في الآية قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13839- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (أو من كان ميتًا فأحييناه) قال: ضالا فهديناه= (وجعلنا له نورًا يمشي به في للناس) ، قال: هدى= (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) ، قال: في الضلالة أبدًا. 13840- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) الأثران: 13837، 13838 - (( بشر بن تيم بن مرة )) ، ويقال: (( بشير بن تيم بن مرة )) . وهو في الإسناد الأول، بينه وبين عكرمة (( عن رجل )) . وقد قال البخاري في الكبير 1 / 2 /96: (( بشير بن تيم بن مرة )) عن عكرمة، قاله لنا الحميدي، عن ابن عيينه. مرسل، ولم يذكر فيه جرحًا، وجعله (( بشيرًا )) وأما ابن أبي حاتم 1 / 1 / 372 فقد ترجمه في (( بشير )) ، كمثل ما قال البخاري، ولم يذكر (( بشرا )) ، ولكنه ترجمه قبل 1 / 1 / 352 في (( بشر بن تيم )) وقال: (( مكي )) ، روى عنه ابن جريج، وابن عيينة. سمعت أبي يقول ذلك. وابن عيينة يقول: (( بشير )) . ولكنه هنا في المخطوطة في الموضعين (( بشر بن تيم )) ، في رواية ابن عيينة يقول، فتركت ما كان في المخطوطة على حاله، لئلا يكون اختلافًا على ابن عيينة. (2) الأثران: 13837، 13838 - (( بشر بن تيم بن مرة )) ، ويقال: (( بشير ابن تيم بن مرة )) . وهو في الإسناد الأول، بينه وبين عكرمة (( عن رجل )) . وقد قال البخاري في الكبير 1 / 2 /96: (( بشير بن تيم بن مرة )) عن عكرمة، قاله لنا الحميدي، عن ابن عيينه. مرسل، ولم يذكر فيه جرحًا، وجعله (( بشيرًا )) وأما ابن أبي حاتم 1 / 1 / 372 فقد ترجمه في (( بشير )) ، كمثل ما قال البخاري، ولم يذكر (( بشرا )) ، ولكنه ترجمة قبل 1 / 1 / 352 في (( بشر بن تيم )) وقال: (( مكي )) ، روى عنه ابن جريج، وابن عيينة. سمعت أبي يقول ذلك. وابن عيينة يقول: (( بشير )) . ولكنه هنا في المخطوطة في الموضعين (( بشر بن تيم )) ، في رواية ابن عيينة يقول، فتركت ما كان في المخطوطة على حاله، لئلا يكون اختلافًا على ابن عيينة.https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (636) صــ 91 إلى صــ 100 ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو من كان ميتًا فأحييناه) ، هديناه= (وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات) في الضلالة أبدًا. 13841- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (أو من كان ميتًا فأحييناه) ، قال: ضالا فهديناه. 13842- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (أو من كان ميتًا فأحييناه) ، يعني: من كان كافرًا فهديناه= (وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، يعني بالنور، القرآنَ، من صدَّق به وعمل به= (كمن مثله في الظلمات) ، يعني: بالظلمات، الكفرَ والضلالة. 13843- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، يقول: الهدى= "يمشي به في الناس" ، يقول: فهو الكافر يهديه الله للإسلام. يقول: كان مشركًا فهديناه= (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) . 13844- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو من كان ميتًا فأحييناه) ، هذا المؤمن معه من الله نور وبيِّنة يعمل بها ويأخذ، وإليها ينتهي، كتابَ الله = (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) ، وهذا مثل الكافر في الضلالة، متحير فيها متسكع، لا يجد مخرجًا ولا منفذًا. 13845- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: (أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، يقول: من كان كافرًا فجعلناه مسلمًا، وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس، وهو الإسلام، يقول: هذا كمن هو في الظلمات، يعني: الشرك. 13846- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس) ، قال: الإسلام الذي هداه الله إليه = (كمن مثله في الظلمات) ، ليس من أهل الإسلام. وقرأ: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) ، [سورة البقرة: 257] . قال: والنور يستضيء به ما في بيته ويبصره، وكذلك الذي آتاه الله هذا النور، يستضيء به في دينه ويعمل به في نوره، (1) كما يستضيء صاحب هذا السراج. قال: (كمن مثله في الظلمات) ، لا يدري ما يأتي ولا ما يقع عليه. * * * القول في تأويل قوله: {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما خذلت هذا الكافر الذي يجادلكم = أيها المؤمنون بالله ورسوله، في أكل ما حرّمت عليكم من المطاعم = عن الحق، فزينت له سوءَ عمله فرآه حسنًا، ليستحق به ما أعددت له من أليم العقاب، كذلك زيَّنت لغيره ممن كان على مثل ما هو عليه من الكفر بالله وآياته، ما كانوا يعملون من معاصي الله، ليستوجبوا بذلك من فعلهم، ما لهم عند ربهم من النَّكال. (2) * * * قال أبو جعفر: وفي هذا أوضح البيان على تكذيب الله الزاعمين أن الله فوَّض الأمور إلى خلقه في أعمالهم، فلا صنع له في أفعالهم، (3) وأنه قد سوَّى بين جميعهم في (1) في المطبوعة: (( في فوره )) بالفاء، والصواب ما في المخطوطة. (2) انظر تفسير (( التزيين )) فيما سلف: ص: 37، تعليق: ص: 1، والمراجع هناك. (3) (( التفويض) ، هو زعم القدرية والمعتزلة والإمامية من أهل الفرق، أن الأمر قد فوض إلى العبد، فإرادته كافية في إيجاد فعله، طاعة كان أو معصية، وهو خالق أفعاله، والاختيار، ينفون أن تكون أفعال العباد من خلق الله. وانظر ما سلف 1: 162 تعليق: 3 / 11: 340، تعليق: 2، وانظر ما سيأتي ص: 108، تعليق: 1. الأسباب التي بها يصلون إلى الطاعة والمعصية. لأن ذلك لو كان كما قالوا، لكان قد زَيَّن لأنبيائه وأوليائه من الضلالة والكفر، نظيرَ ما زيَّن من ذلك لأعدائه وأهل الكفر به، وزيّن لأهل الكفر به من الإيمان به، نظيرَ الذي زيّن منه لأنبيائه وأوليائه. وفي إخباره جل ثناؤه أنه زين لكل عامل منهم عمله، ما ينبئ عن تزيين الكفر والفسوق والعصيان، وخصّ أعداءه وأهل الكفر، بتزيين الكفر لهم والفسوق والعصيان، وكرّه إليهم الإيمان به والطاعة. * * * القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكل قرية عظماءَها مجرميها= يعني أهل الشرك بالله والمعصية له= (ليمكروا فيها) ، بغرور من القول أو بباطل من الفعل، بدين الله وأنبيائه = (وما يمكرون) : أي ما يحيق مكرهم ذلك، إلا بأنفسهم، لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله = "وهم لا يشعرون" ، يقول: لا يدرون ما قد أعدّ الله لهم من أليم عذابه، (1) فهم في غيِّهم وعتوِّهم على الله يتمادَوْن. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: (1) انظر تفسير (( شعر )) فيما سلف: ص: 38، تعليق: 1، والمراجع هناك. 13847- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أكابر مجرميها) ، قال: عظماءها. 13848- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 13849- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أكابر مجرميها) ، قال: عظماءها. 13850- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: نزلت في المستهزئين = قال ابن جريج، عن عمرو، عن عطاء، عن عكرمة: (أكابر مجرميها) ، إلى قوله: (بما كانوا يمكرون) ، بدين الله، وبنبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين. * * * والأكابر: جمع "أكبر" ، كما "الأفاضل" جمع "أفضل" . ولو قيل: هو جمع "كبير" ، فجمع "أكابر" ، لأنه قد يقال: "أكبر" ، كما قيل: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا) ، [سورة الكهف: 103] ، واحدهم "الخاسر" ، لكان صوابًا. وحكي عن العرب سماعًا "الأكابرة" و "الأصاغرة" ، و "الأكابر" ، و "الأصاغر" ، بغير الهاء، على نية النعت، كما يقال: "هو أفضل منك" . وكذلك تفعل العرب بما جاء من النعوت على "أفعل" ، إذا أخرجوها إلى الأسماء، مثل جمعهم "الأحمر" و "الأسود" ، "الأحامر" و "الأحامرة" ، و "الأساود" و "الأساودة" ، ومنه قول الشاعر: (1) إنَّ الأحَامِرَة الثَّلاثَةَ أَهْلَكَتْ ... مَالِي، وكُنْتُ بِهِنّ قِدْمًا مُولَعًا (1) هو الأعشى. الخَمْرُ واللَّحْمُ السِّمِينُ إدَامُهُ ... والزَّعْفَرَانُ، فَلَنْ أرُوحَ مُبَقَّعَا (1) * * * وأما "المكر" ، فإنه الخديعة والاحتيال للممكور به بالغدر، ليورِّطه الماكر به مكروهًا من الأمر. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا جاءت هؤلاء المشركين الذين يجادلون المؤمنين بزخرف القول فيما حرم الله عليهم، ليصدّوا عن سبيل الله = (آية) ، يعني: حجة من الله على صحة ما جاءهم به محمد من عند الله وحقيقته (2) = قالوا لنبي الله وأصحابه: = (لن نؤمن) ، يقول: يقولون: لن نصدق بما دعانا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان به، وبما جاء به من تحريم ما ذكر أنّ الله حرّمه علينا= (حتى نؤتى) ، يعنون: حتى يعطيهم الله من المعجزات مثل الذي أعطى موسى من فلق البحر، وعيسى من إحياء الموتى، (1) ديوانه 247، 248، وهي في نسختي المصورة من ديوان الأعشى رقم: 29، واللسان (حمر) وهو أول الشعر. وكان في المطبوعة هنا: (( السمين أديمه )) ، و (( فلن أزال مبقعا )) ، وأثبت ما في المخطوطة وفي مخطوطة الأعشى: (( السمين، وأطلى بالزعفران وقد أروح مبقعًا )) . وهكذا جاء في المخطوطة: (( السمين إدامه )) ، والإدام ما يؤتدم به مع الخبز، أي شيء كان. وعجيب إضافة الإدام إلى اللحم. ويروى: (( أديمه )) ، ضبطه في اللسان بفتح الألف، وهو غير مرتضى، بل الصواب إن شاء الله (( أديمه )) من (( أدام الشيء )) ، إذا أطال زمانه واستمر به. ورواية أبي جعفر هنا (( فلن أروح مبقعًا )) ، ورواية مخطوطة ديوانه: (( وقد أروح مبقعًا )) ، وهي أجودهما. و (( المبقع )) الذي فيه لون يخالف لونه، أو لون ما أصابه الماء أو الزعفران أو ما شابههما. يعني أنه يكثر من الزعفران حتى يترك في بشرته لمعا. وأكثر ما كانوا يستعملون الزعفران في أعراسهم، إذا أعرس الرجل تزعفر. فكني بذلك عن كثرة زواجه. وفي البيت روايات أخرى، راجعها في حواشي ديوانه، في ذيل الديوان. (2) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . وإبراء الأكمه والأبرص. (1) يقول تعالى ذكره: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ، يعني بذلك جل ثناؤه: أن آيات الأنبياء والرسل لن يُعطاها من البشر إلا رسول مرسل، (2) وليس العادلون بربهم الأوثان والأصنام منهم فيعطوها. يقول جل ثناؤه: فأنا أعلم بمواضع رسالاتي، ومن هو لها أهل، فليس لكم أيها المشركون أن تتخيَّروا ذلك عليّ أنتم، لأن تخيُّر الرسول إلى المرسِلِ دون المرسَل إليه، والله أعلم إذا أرسل رسالةً بموضع رسالاته. * * * القول في تأويل قوله: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، معلِّمَه ما هو صانع بهؤلاء المتمردين عليه: "سيصيب" ، يا محمد، (3) الذين اكتسبوا الإثم بشركهم بالله وعبادتهم غيره = (صغار) ، يعني: ذلة وهوان، كما:- 13851- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله) ، قال: "الصغار" ، الذلة. * * * وهو مصدر من قول القائل: "صَغِرَ يصغَرُ صَغارًا وصَغَرًا" ، وهو أشدّ الذلّ. * * * (1) انظر تفسير (( الإيتاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) . (2) في المطبوعة: (( لم يعطها )) ، وفي المخطوطة: ما أثبت، وهو صواب محض. (3) انظر تفسير (( الإصابة )) فيما سلف: 11: 170، تعليق 2، والمراجع هناك. وأما قوله: (صغار عند الله) ، فإن معناه: سيصيبهم صغارٌ من عند الله، كقول القائل: "سيأتيني رزقي عند الله" ، بمعنى: من عند الله، يراد بذلك: سيأتيني الذي لي عند الله. وغير جائز لمن قال: "سيصيبهم صغار عند الله" ، أن يقول: "جئت عند عبد الله" ، بمعنى: جئت من عند عبد الله، لأن معنى "سيصيبهم صغارٌ عند الله" ، سيصيبهم الذي عند الله من الذل، بتكذيبهم رسوله. فليس ذلك بنظير: "جئت من عند عبد الله" . (1) . * * * وقوله: (وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) ، يقول: يصيب هؤلاء المكذبين بالله ورسوله، المستحلين ما حرَّم الله عليهم من الميتة، مع الصغار عذابٌ شديد، بما كانوا يكيدون للإسلام وأهله بالجدال بالباطل، والزخرف من القول، غرورًا لأهل دين الله وطاعته. (2) * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 253 = تفسير (( عند )) فيما سلف 2: 501/7: 490/8: 555. (2) انظر تفسير (( المكر )) فيما سلف قريبًا ص: 95 * * * وعند هذا الموضع، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت منه نسختنا، وفيها ما يصيب: (( يتلوه القول في تأويل قوله: "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ" )) . وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلم كثيرا، ثم يتلوه ما نصه: (( بسم الله الرحمن الرحيم َرِّب يَسِّر )) القول في تأويل قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ} قال أبو جعفر: ويقول تعالى ذكره: فمن يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه، فيوفقه له (1) = (يشرح صدره للإسلام) ، يقول: فسح صدره لذلك وهوَّنه عليه، وسهَّله له، بلطفه ومعونته، حتى يستنير الإسلام في قلبه، فيضيء له، ويتسع له صدره بالقبول، كالذي جاء الأثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:- 13852- حدثنا سوّار بن عبد الله العنبري قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي يحدث، عن عبد الله بن مرة، عن أبي جعفر قال: لما نزلت هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قالوا: كيف يشرح الصدر؟ قال: إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسح. قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الفوت. (2) (1) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . (2) الأثر: 13852 - (( عبد الله بن مرة )) ، هكذا هو في المخطوطة والمطبوعة وتفسير ابن كثير، وأنا أستبعد أن يكون كذلك لأسباب. الأول - أني أستبعد أن يكون هو (( عبد الله بن مرة الخارفي )) ، الذي يروي عن ابن عمر، ومسروق، وأبي كثف، والذي يروي عنه العمش، ومنصور. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 165، وهو ثقة. الثاني - أن الخبر رواه أبو جعفر الطبري بأسانيد، هذا ورقم: 13853، 13854، وهي تدور على (( عمرو بن مرة )) . الثالث - أنه سيتبين بعد مَنْ (( أبو جعفر )) الذي روى هذا الخبر، ومذكور هناك أنه روى عنه (( عمرو بن مرة )) ، ولم يذكر (( عبد الله بن مرة )) . فمن أجل ذلك أرجح أن صوابه (( أبو عبد الله بن مرة )) ، أو (( أبو عبد الله عمرو بن مرة )) ، فسقط من النساخ. وأما (( أبو جعفر )) الذي يدور عليه هذا الخبر، فهو موصوف في الخبر رقم 13854: (( رجل يكنى أبا جعفر، كان يسكن المدائن )) ، ثم جاءت صفة أخرى في تخريج السيوطي لهذا الخبر في الدر المنثور، قال: (( رجل من بني هاشم، وليس هو محمد بن علي )) = يعني الباقر. وقد وقفت أولا عند (( أبي جعفر )) هذا، وظننت أنه مجهول، لأني لم أجد له ذكرًا في شيء مما بين يدي من الكتب، ولكن لما جئت إلى الخبر رقم: 13856 من رواية (( خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور )) ، تبين لي على وجه القطع، أن (( أبا جعفر )) هذا، الذي كان يسكن المدائن، وكان من بني هاشم، هو نفسه (( عبد الله بن المسور )) ، الذي روى عنه رقم: 13856. وإذن، فهو (( أبو جعفر )) : (( عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب )) (( أبو جعفر الهاشمي المدائني )) . روى عنه عمرو بن مرة، وخالد بن أبي كريمة. مترجم في ابن أبي حاتم 2 / 2 / 169، وتاريخ بغداد 10: 17، وميزان الاعتدال للذهبي 2: 78، ولسان الميزان 3: 360. قال الخطيب. (( سكن المدائن، وحدث بها عن محمد بن الحنفية) ، وذكر في بعض ما ساقه من أسانيد أخباره: (( عن خالد بن أبي كريمة (وهو الآتي برقم: 13856) ، عن أبي جعفر وهو عبد الله بن المسور، رجل من بني هاشم، كان يسكن المدائن )) . و (( أبو جعفر )) ، (( عبد الله بن المسور )) ضعيف كذاب. قال جرير بن رقبة: (( كان أبو جعفر الهاشمي المدائني، يضع أحاديث كلام حق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلط بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتمله الناس )) . وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: (( قال أبي: أبو جعفر المدائني، اسمه عبد الله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب. قال أبي: اضرب على حديثه، كان يضع الحديث ويكذب، وقد تركت أنا حديثه. وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدثنا عنه )) . وقال ابن أبي حاتم: (( سألت أبي عن جعفر الهاشمي فقال: الهاشميون لا يعرفونه، وهو ضعيف الحديث، يحدث بمراسيل لا يوجد لها أصل في أحاديث الثقات )) . وإذن، فالأخبار من رقم: 13852 - 13854، ورقم: 13856 - أخبار معلولة ضعاف واهية، كما ترى. وهذه الأخبار الثلاثة: 13852 - 13854، ذكرها ابن كثير في تفسيره 3: 394، 395، وخرجها السيوطي في الدر المنثور 3: 44، ونسب الخبر لابن المبارك في الزهد، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات. وقال ابن كثير في تفسيره 3: 395، وذكر هذه الأخبار، وخبر مسعود الذي رواه أبو جعفر برقم: 13855، 13857، ثم قال: (( فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة، يشد بعضها بعضًا، والله أعلم. وأخطأ الحافظ جدًا كما ترى، فإن حديث أبي جعفر الهاشمي، أحاديث كذاب وضاع لا تشد شيئًا ولا تحله!! وكتبه محمود محمد شاكر. 13853- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة، عن أبي جعفر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لما بعده استعدادًا. قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قالوا: كيف يشرح صدره، يا رسول الله؟ قال: نور يُقذف فيه، فينشرح له وينفسح. قالوا: فهل لذلك من أمارة يُعرف بها؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت." 13854- حدثنا هناد قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن رجل يكنى "أبا جعفر" ، كان يسكن المدائن قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قال: نور يقذف في القلب فينشرح وينفسخ. قالوا: يا رسول الله، هل له من أمارة يعرف بها؟ = ثم ذكر باقي الحديث مثله. (1) 15855- حدثني هلال بن العلاء قال، حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قال: إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح. قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتنحِّي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت. (2) (1) الأثران: 13853، 13854 - حديثان واهيان، كما سلف في التعليق على الخبر السالف. و (( عمرو بن مرة المرادي )) ، ثقة مأمون. مضى مرارًا، آخرها رقم: 12396. (2) الأثر: 13855 - (( هلال بن العلاء بن هلال الباهلي الرقى )) ، شيخ أبي جعفر، مضى برقم: 4964، وأنه صدوق، متكلم فيه. وكأن في المطبوعة: (( محمد بن العلاء )) ، وهو شيء لا أصل له هنا. وفي المخطوطة: (( لعلي ابن العلا )) ، غير منقوطة، كأنها تقرأ (يعلي بن العلا ) ) ، ولم أجد في شيوخ أبي جعفر، ولا في الرواة، من سمى بذلك. ورأيت ابن كثير في تفسيره 3: 395، نقل عن هذا الموضع من ابن جرير قال: (( حدثني هلال بن العلاء، حدثنا سعيد بن عبد الملك بن واقد )) ، فأيد هذا أن أبا جعفر روى آنفًا عن شيخه (( هلال بن العلاء )) ، أن الذي في المخطوطة تحريف على الأرجح، ولذلك أثبته كم هو في ابن كثير: (( هلال بن العلاء )) . و (( سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني )) . ضعيف، ضعفه ابن أبي حاتم، والدارقطني، وقال: (( لا يحتج به )) . قال أبو حاتم: (( يتكلمون فيه، يقال إنه أخذ كتبًا لمحمد بن سلمة، فحدث بها. ورأيت فيما حدث أكاذيب، كذب )) . مترجم في ابن أبي حاتم 2 / 1 / 45، ميزان الاعتدال 1: 387، ولسان الميزان 3: 37. و (( محمد بن سلمة الحراني )) ، ثقة، مضى برقم: 175. و (( أبو عبد الرحيم )) ، هو (( خالد بن أبي يزيد الحراني )) ، روى ابن أخته (( محمد بن سلمة الحراني )) ، حسن الحديث متقن. مضى له ذكر في التعليق على الأثر رقم: 8396. و (( زيد بن أبي أنيسة الجزري )) ، ثقة، مضى برقم: 4964، 8396. و (( عمرو بن مرة المرادي )) ، مضى آنفًا في رقم: 13853، 13854. و (( أبو عبيدة )) ، هو (( أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود )) ، مضى مرارًا كثيرة جدًا، وهو لم يسمع من أبيه، كما سلف مرارًا. زهذا خبر ضعيف أيضًا، لضعف أحاديث (( سعيد بن واقد الحراني، عن (( محمد بن سلمة )) ، كما ذكر أبو حاتم. ثم لأن أبا عبيدة، لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود. وسيأتي خبر عبد الله بن مسعود برقم: 13857، من طريق أخرى. فالعجب لابن كثير. كيف تكون هذه أحاديث متصلة، ثم كيف تشدها أخبار كذاب وضاع. وانظر ما أسلفت في التعليق على رقم: 13852. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (637) صــ 101 إلى صــ 110 13856- حدثني سعيد بن الربيع الرازي قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل النور القلبَ انفسح وانشرح. قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك من علامة تعرف؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت. (1) (1) الأثر: 13856 - (( خالد بن أبي كريمة الأصبهاني )) و (( أبو عبد الرحمن الاسكاف )) وثقه أحمد وأبو داود، وابو حاتم وابن وابن حبان وقال (( يخطئ )) ، وضعفه ابن معين مترجم في التهذيب. والكبير 2 / 1 / 154. وابن أبي حاتم 1 / 2 / 349. قال البخاري (( عن معاوية ابن قرة، وأبي جعفر عبد الله بن مسور المسوري )) ، ولم يذكر فيه جرحًا. و (( عبد الله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي المدائني )) ، سلف برقم: 13852، وأنه هو (( أبو جعفر )) المدائني، وأنه كذاب وضاع. وانظر تخريج الخبر والتعليق عليه هناك. 13857- حدثني ابن سنان القزاز قال، حدثنا محبوب بن الحسن الهاشمي، عن يونس، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قالوا: يا رسول الله، وكيف يُشرح صدره؟ قال: يدخل فيه النور فينفسح. قالوا: وهل لذلك من علامة يا رسول الله؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإنالة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل أن ينزل الموت. (1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13859- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، أما "يشرح صدره للإسلام" ، فيوسع صدره للإسلام. (2) 13860- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، بـ "لا إله إلا الله" . 13861- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءة: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، بـ "لا إله إلا الله" يجعل لها في صدره متَّسعًا. * * * القول في تأويل قوله: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن أراد الله إضلاله عن سبيل الهدى، يَشغله بكفره وصدِّه عن سبيله، ويجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه، (3) حرجًا. (4) * * * و "الحرج" ، أشد الضيق، وهو الذي لا ينفذه، من شدة ضيقه، (5) وهو ههنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة، ولا يدخله نور الإيمان، لريْن الشرك عليه. وأصله من "الحرج" ، و "الحرج" جمع "حَرَجة" ، وهي الشجرة الملتف بها (1) الأثر: 13857 - (( ابن سنان القزاز )) ، شيخ الطبري، هو: (( محمد بن سنان القزاز )) مضى برقم: 157، 1999، 2056، 5419، 6822. و (( محبوب بن الحسن الهاشمي البصري )) ، (( محبوب )) لقب، وهو به أشهر، واسمه: (( محمد بن الحسن بن هلال بن أبي زينب فيروز القرشي )) ، مولى بني هاشم. ثقة، وضعفوه مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 67، في (( محمد بن الحسن البصري )) ، وابن أبي حاتم في (( محمد ابن الحسن البصري )) 3 / 2 / 228، ثم في (( محبوب بن الحسن بن هلال )) 4 / 1 / 388، ولم يشر إلى أن اسمه (( محمد بن الحسن )) . و (( يونس )) هو: (( يونس بن عبيد بن دينار العبدي )) ، ثقة، مضى برقم: 2616، 4931، 10574. و (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة )) ، هذا إشكال شديد، فإن (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود )) ، متأخر جدًا، روى عن أبي إسحاق السبيعي وطبقته ومات سنة 160، أو سنة 165. و (( يونس بن عبيد )) ، أعلى طبقة منه، روى عن إبراهيم التيمي، والحسن البصري، وابن سيرين. ومات سنة 140، فهو في طبقة شيوخه، فلو كان يونس روى عنه، لذكر مثل ذلك في ترجمة (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة )) . وأنا أرجح أن صواب الإسناد: (( عن يونس، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عتبة )) . وهو (( عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي )) ، كنيته (( أبو عبد الرحمن )) ، وهو الذي يروي عن عمه (( عبد الله بن مسعود )) ، وولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، ومات سنة 74. فهو الخليق أن يروي عنه (( يونس بن عبيد )) . وهذا أيضًا خبر ضعيف، لضعف (( محبوب بن الحسن )) ، وإذن فكل ما قاله الحافظ ابن كثير من أن هذه الأخبار جاءت بأسانيد مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضًا، قول ينفيه شرح هذه الأسانيد كما رأيت، والله الموفق للصواب، وكتبه محمود محمد شاكر. (2) تخطيت في الترقيم رقم: 13858: خطأ. (3) في المطبوعة: (( لشغله بكفره ... يجعل صدره )) ، الأخيرة بغير واو، وفي المخطوطة كما أثبتها، وبغير واو في (( يجعل صدره )) ، والسياق يقتضي ما أثبت. (4) انظر تفسير (( الإضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) . (5) في المطبوعة: (( لا ينفذ )) ، وأثبت ما في المخطوطة. وهو الصواب. الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدة التفافها بها، (1) كما:- 13862- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا عبد الله بن عمار = رجل من أهل اليمن= عن أبي الصلت الثقفي: أن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه قرأ هذه الآية: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) بنصب الراء. قال: وقرأ بعض مَنْ عنده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضَيِّقًا حَرِجًا" . قال صفوان: فقال عمر: ابغوني رجلا من كنانة واجعلوه راعيًا، (2) وليكن مُدْلجيًّا. (3) قال: فأتوه به. فقال له عمر: يا فتى، ما الحرجة؟ قال: "الحرجة" فينا، الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعيةٌ ولا وحشيَّة ولا شيء. قال: فقال عمر: كذلك قلبُ المنافق لا يصل إليه شيء من الخير. (4) 13863- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا) ، يقول: من أراد الله أن يضله يضيق عليه صدره حتى يجعل الإسلام عليه ضيقًا، والإسلام واسع. وذلك حين يقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، [سورة الحج:78] ، يقول: ما جعل (1) انظر تفسير (( الحرج )) فيما سلف 8: 518 / 10: 85. (2) قوله: (( واجعلوه راعيًا )) ، أي التمسوه، وليكن راعيًا، ليس من معنى (( الجعل )) الذي هو التصيير. وهذا استعمال عربي عريق في (( جعل )) ، ولكنهم لم يذكروه في المعاجم، وهو دائر في كلام العرب، وهذا من شواهده، فليقيد في مكانه من كتب العربية. (3) (( مدلج )) قبيلة من بني مرة بن عبد مناة بن كنانة، وهم القافة المشهورون، ويدل هذا الخبر على أن أرض مرعاهم كانت كثيرة الشجر. (4) الأثر: 13862 - (( عبد الله بن عمار اليمامي )) ، قال ابن أبي حاتم: (( مجهول )) ، وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 129. و (( أبو الصلت الثقفي )) ، روى عن عمر، وروى عنه عبد الله بن عمار اليمامي، هذا الحديث. مترجم في التهذيب، والكني للبخاري: 44، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 394. وهذا خبر عزيز جدًا. في بيان رواية اللغة وشرحها، وسؤال الأعراب والرعاة عنها. عليكم في الإسلام من ضيق. * * * واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال: بعضهم معناه: شاكًّا. * ذكر من قال ذلك: 13864- حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا حميد، عن مجاهد: (ضيقًا حرجًا) قال: شاكًّا. 13865- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ضيقًا حرجًا) أما "حرجًا" ، فشاكًّا. * * * وقال آخرون: معناه: ملتبسًا. * ذكر من قال ذلك: 13866- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (يجعل صدره ضيقًا حرجًا) ، قال: ضيقًا ملتبسًا. 13867- حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن الحسن، عن قتادة أنه كان يقرأ: (ضَيِّقًا حَرَجًا) ، يقول: ملتبسًا. * * * وقال آخرون: معناه: أنه من شدة الضيق لا يصل إليه الإيمان. * ذكر من قال ذلك: 13868- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: (يجعل صدره ضيقًا حرجًا) ، قال: لا يجد مسلكًا إلا صُعُدًا. 13869- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني: (ضيقًا حرجًا) ، قال: ليس للخير فيه منفَذٌ. 13870- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن عطاء الخراساني، مثله. 13871- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قوله: (ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقًا حرجًا) ، بلا إله إلا الله، لا يجد لها في صدره مَسَاغًا. 13872- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءةً في قوله: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا) ، بلا إله إلا الله، حتى لا تستطيع أن تدخله. * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه بعضهم: (ضَيِّقًا حَرَجًا) بفتح الحاء والراء من (حرجًا) ، وهي قراءة عامة المكيين والعراقيين، بمعنى جمع "حرجة" ، على ما وصفت. (1) * * * وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة: "ضَيِّقًا حَرِجًا" ، بفتح الحاء وكسر الراء. * * * ثم اختلف الذين قرأوا ذلك في معناه. فقال بعضهم: هو بمعنى: "الحَرَج" . وقالوا: "الحرَج" بفتح الحاء والراء، و "الحرِج" بفتح الحاء وكسر الراء، بمعنى واحد، وهما لغتان مشهورتان، مثل: "الدَّنَف" و "الدَّنِف" ، و "الوَحَد" و "الوَحِد" ، و "الفَرَد" و "الفَرِد" . * * * وقال آخرون منهم: بل هو بمعنى الإثم، من قولهم: "فلان آثِمٌ حَرِجٌ" ، وذكر عن العرب سماعًا منها: "حَرِجٌ عليك ظُلمي" ، بمعنى: ضِيقٌ وإثْم. (2) (1) انظر ص: 103، 104. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 353، 354. قال أبو جعفر: والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان مستفيضتان بمعنى واحد، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ، لاتفاق معنييهما. وذلك كما ذكرنا من الروايات عن العرب في "الوحَد" و "الفَرَد" بفتح الحاء من "الوحد" والراء من "الفرد" ، وكسرهما، بمعنى واحدٍ. * * * وأما "الضيِّق" ، فإن عامة القرأة على فتح ضاده وتشديد يائه، خلا بعض المكيين فإنه قرأه: "ضَيْقًا" ، بفتح الضاد وتسكين الياء، وتخفيفه. وقد يتجه لتسكينه ذلك وجهان: أحدهما أن يكون سكنه وهو ينوي معنى التحريك والتشديد، كما قيل: "هَيْنٌ لَيْنٌ" ، بمعنى: هيِّنٌ ليِّنٌ. والآخر: أن يكون سكنه بنية المصدر، من قولهم: "ضاق هذا الأمر يضيق ضَيْقًا" ، كما قال رؤبة: قَدْ عَلِمْنَا عِنْدَ كُلِّ مَأْزِقِ ... ضَيْقٍ بِوَجْهِ الأمْرِ أَوْ مُضَيِّقِ (1) ومنه قول الله: (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ، [سورة النحل: 127] . وقال رؤبة أيضًا * وَشَفَّها اللَّوحُ بِمَأْزُولٍ ضَيَقْ * (2) (1) ليسا في ديوانه، ولم أجدهما في مكان آخر، ومنها أبيات في الزيادات: 179، 180، ولم يذكرا معها. وكان في المطبوعة: (( وقد علمنا )) بزيادة الواو. وكان فيها: (( أي مضيق )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب إن شاء الله. (2) ديوانه: 105، والوساطة: 14. (( مأزول )) من (( الأزل )) (بسكون الزاي) ، وهو الضيق والجدب وشدة الزمان، وفي حديث الدجال: (( أنه يحضر الناس ببيت المقدس، فيؤزلون أزلا )) ، أي: يقحطون ويضيق عليهم. ومعنى: (( مأزول )) ، أصابه القحط، يعني مرعى، ومثله قول الراجز: إنَّ لَهَا لَرَاعِيًا جَرِيَّا ... أَبْلا بمَا يَنْفَعُها قَوِيَّا لَمْ يَرْعَ مَأْزُولا وَلا مَرْعِيَّا ... حَتَّى علاَ سَنَامُهَا عُلِيَّا و (( شفها )) أنحل جسمها، وأذهب شحمها. و (( اللوح )) (بضم اللام) وهو أعلى اللغتين، و (( اللوح )) (بفتح فسكون) : وهو العطش الذي يلوح الجسم، أي يغيره. وقوله: (( ضيق )) حرك (( الياء )) بالفتح. وعده القاضي الجرجاني في أخطاء رؤبة. بمعنى: ضيّق. وحكي عن الكسائي أنه كان يقول: "الضيِّقُ" ، بالكسر: في المعاش والموضع، وفي الأمر "الضَّيْق" . * * * قال أبو جعفر: وفي هذه الآية أبينُ البيان لمن وُفّق لفهمهما، عن أن السبب الذي به يُوصل إلى الإيمان والطاعة، غير السبب الذي به يُوصل إلى الكفر والمعصية، وأن كلا السببين من عند الله. (1) وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن نفسه أنه يشرح صدرَ من أراد هدايته للإسلام، ويجعل صدر من أراد إضلاله ضيِّقًا عن الإسلام حَرَجًا كأنَّما يصعد في السماء. ومعلومٌ أن شرح الصدر للإيمان خِلافُ تضييقه له، وأنه لو كان يوصل بتضييق الصدر عن الإيمان إليه، لم يكن بين تضييقه عنه وبين شرحه له فرق، ولكان من ضُيِّق صدره عن الإيمان، قد شُرِح صدره له، ومن شرح صدره له، فقد ضُيِّق عنه، إذ كان مَوْصولا بكل واحد منهما= أعني من التضييق والشرح = إلى ما يُوصَل به إلى الآخر. ولو كان ذلك كذلك، وجب أن يكون الله قد كان شرح صدرَ أبي جهل للإيمان به، وضيَّق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه. وهذا القول من أعظم الكفر بالله. وفي فساد ذلك أن يكون كذلك، الدليلُ الواضح على أن السَّبب الذي به آمن المؤمنون بالله ورسله، وأطاعه المطيعون، غير السبب الذي كفر به الكافرون بالله وعصاه العاصون، وأن كِلا السببين من عند الله وبيده، لأنه أخبر جل ثناؤه أنه هو (1) هذا رد على المعتزلة، وانظر ما سلف ص: 92، تعليق: 3، وهو من أجود الردود على دعوى المعتزلة. الذي يشرح صدرَ هذا المؤمن به للإيمان إذا أراد هدايته، ويضيِّق صدر هذا الكافر عنه إذا أراد إضلالَه. * * * القول في تأويل قوله: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} قال أبو جعفر: وهذا مثل من الله تعالى ذكره، ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه، مثل امتناعه من الصُّعود إلى السماء وعجزه عنه، لأن ذلك ليس في وسعه. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13873- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني: (كأنما يصعد في السماء) ، يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء. 13874- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن عطاء الخراساني، مثله. 13875- وبه قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءةً: "يجعل صدره ضيقًا حرجًا" ، بلا إله إلا الله، حتى لا تستطيع أن تدخله، "كأنما يصعد في السماء" ، من شدّة ذلك عليه. 13876- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، مثله. 13877- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كأنما يصعد في السماء) ، من ضيق صدره. * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والعراق: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ) ، بمعنى: "يتصعَّد" ، فأدغموا التاء في الصاد، فلذلك شدَّدوا الصاد. * * * وقرأ ذلك بعض الكوفيين: "يَصَّاعَدُ" ، بمعنى: "يتصاعد" ، فأدغم التاء في الصاد، وجعلها صادًا مشدَّدة. * * * وقرأ ذلك بعض قرأة المكيين: "كَأَنَّمَا يَصْعَدُ" ، من "صَعِد يصعَد" . * * * وكل هذه القراءات متقاربات المعانى، وبأيِّها قرأ القارئ فهو مصيب، غير أني أختار القراءة في ذلك بقراءة من قرأه: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ) ، بتشديد الصاد بغير ألف، بمعنى: "يتصعد" ، لكثرة القرأة بها، (1) ولقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "مَا تَصَعَّدَني شَيْء مَا تَصَعَّدَتْنِي خُطْبَةُ النّكاح" . * * * القول في تأويل قوله: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما يجعل الله صدر مَنْ أراد إضلاله ضيقًا حرجًا، كأنما يصعد في السماء من ضيقه عن الإيمان فيجزيه بذلك، كذلك يسلّط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبَى الإيمان بالله ورسوله، فيغويه ويصدّه عن سبيل الحق. * * * (1) انظر تفسير (( الصعود )) فيما سلف 7: 299 - 302. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (638) صــ 111 إلى صــ 120 وقد اختلف أهل التأويل في معنى "الرجس" . فقال بعضهم: هو كل ما لا خير فيه. * ذكر من قال ذلك: 13878- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الرجس" ، ما لا خير فيه. 13879- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد: (يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) ، قال: ما لا خير فيه. * * * وقال آخرون: "الرجس" ، العذاب. * ذكر من قال ذلك: 13880- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) ، قال: الرجس عذابُ الله. * * * وقال آخرون: "الرجس" ، الشيطان. * ذكر من قال ذلك: 13881- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (الرجس) ، قال: الشيطان. * * * وكان بعض أهل المعرفة بلغات العرب من الكوفيين يقول: "الرِّجْس" ، "والنِّجْس" لغتان. ويحكى عن العرب أنها تقول: "ما كان رِجْسًا، ولقد رَجُس رَجَاسة" و "نَجُس نَجَاسة" . وكان بعض نحويي البصريين يقول: "الرجس" و "الرِّجز" ، سواء، وهما العذاب. (1) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله ابن عباس، ومَنْ قال إن "الرجس" و "النجس" واحد، للخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الخَلاء: "اللهُمّ إنّي أعوذ بك من الرجْس النِّجْس الخبيث المُخْبِثِ الشيطان الرَّجيم" . (2) 13882- حدثني بذلك عبد الرحمن بن البختري الطائي قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن وقتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. (3) * * * وقد بيَّن هذا الخبر أن "الرِّجْس" هو "النِّجْس" ، القذر الذي لا خير فيه، وأنه من صفة الشيطان. * * * (1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 206، فهذا قوله. (2) قال أبو عبيد: (( الخبيث )) ذو الخبث في نفسه، و (( المخبث )) (بكسر الباء) : الذي أصحابه وأعوانه خبثاء = وهو مثل قولهم: (( فلان ضعيف مضعف، وقوي مقو )) ، فالقوي في بدنه، والمقوى الذي تكون دابته قوية = يريد هو الذي يعلمهم الخبث ويوقعهم فيه. (3) الأثر: 13882 - (( عبد الرحمن بن البختري الطائي )) ، شيخ أبي جعفر، لم أجد له ذكرًا فيما بين يدي من الكتب؛ وأخشى أن يكون في اسمه خطأ. و (( عبد الرحمن بن محمد المحاربي )) ، سلف مرارًا كثيرة، آخرها رقم: 10339. و (( إسماعيل بن مسلم المكي البصري )) ، مضى برقم: 5417، 8811. وهذا إسناد صحيح، ولكني لم أجد هذا الخبر في حديث أنس، في المسند أو غيره، ووجدته بهذا اللفظ في حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف، من طريق يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، رواه ابن ماجه في سننه ص: 109 رقم: 299. قال ابن حبان: (( إذا اجتمع في إسناد خبر، عبيد الله بن زحر، وعلى بن يزيد، عن القاسم، فذاك مما عملته أيديهم! )) . القول في تأويل قوله: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا الذي بيّنا لك، يا محمد، في هذه السورة وغيرها من سور القرآن= هو صراطُ ربك، يقول: طريق ربّك، ودينه الذي ارتضاه لنفسه دينًا، وجعله مستقيمًا لا اعوجاج فيه. (1) فاثبُتْ عليه، وحرِّم ما حرمته عليك، وأحلل ما أحللته لك، فقد بيّنا الآيات والحجج على حقيقة ذلك وصحته (2) = "لقوم يذكرون" ، يقول: لمن يتذكر ما احتجَّ الله به عليه من الآيات والعبر فيعتبر بها. (3) وخص بها "الذين يتذكرون" ، لأنهم هم أهل التمييز والفهم، وأولو الحجى والفضل= وقيل: "يذَّكرون" (4) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13883- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وهذا صراط ربك مستقيمًا) ، يعني به الإسلام. * * * (1) انظر تفسير: (( الصراط المستقيم )) فيما سلف 10: 146، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( فصل )) فيما سلف ص: 69، تعليق: 2، والمراجع هناك. = وتفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (3) انظر تفسير (( التذكر )) فيما سلف من فهارس اللغة (ذكر. (4) في المطبوعة (( فقيل يذكرون )) ، وفي المخطوطة: (( وقيل يذكرون )) كأنه أراد أن يكتب شيئًا، ثم قطعه. ولعله أراد أن يبين إدغام التاء في الذال من (( يتذكرون )) ، ثم سقط منه أو من الناسخ، فوضعت نقطًا لذلك، وإن كان إسقاطها لا يضر شيئًا. القول في تأويل قوله: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "لهم" ، للقوم الذين يذكرون آيات الله فيعتبرون بها، ويوقنون بدلالتها على ما دلت عليه من توحيد الله ومن نبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، فيصدِّقون بما وصلوا بها إلى علمه من ذاك. * * * وأما "دار السلام" ، فهي دار الله التي أعدَّها لأولياته في الآخرة، جزاءً لهم على ما أبلوا في الدنيا في ذات الله، وهي جنته. و "السلام" ، اسم من أسماء الله تعالى، (1) كما قال السدي:- 13884- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لهم دار السلام عند ربهم) ، الله هو السلام، والدار الجنة. * * * وأما قوله: (وهو وليُّهم) ، فإنه يقول: والله ناصر هؤلاء القوم الذين يذكرون آيات الله (2) = (بما كانوا يعملون) ، يعني: جزاءً بما كانوا يعملون من طاعة الله، ويتبعون رضوانه. * * * (1) انظر تفسير (( السلام )) فيما سلف 10: 145 / 11: 392. (2) انظر تفسير (( ولي )) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (ويوم يحشرهم جميعًا) ، ويوم يحشر هؤلاء العادلين بالله الأوثانَ والأصنامَ وغيرَهم من المشركين، مع أوليائهم من الشياطين الذين كانوا يُوحون إليهم زخرف القول غرورًا ليجادلوا به المؤمنين، فيجمعهم جميعًا في موقف القيامة (1) = يقول للجن: (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) ، وحذف "يقول للجن" من الكلام، اكتفاءً بدلالة ما ظهر من الكلام عليه منه. * * * وعنى بقوله: (قد استكثرتم من الإنس) ، استكثرتم من إضلالهم وإغوائهم، كما:- 13885- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) ، يعني: أضللتم منهم كثيرًا. 13886- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) ، قال: قد أضللتم كثيرًا من الإنس. 13887- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (قد استكثرتم من الإنس) ، قال: كثُر من أغويتم. (1) انظر تفسير (( الحشر )) فيما سلف ص: 50، تعليق: 1، والمراجع هناك. 13888- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 13889- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن: (قد استكثرتم من الإنس) ، يقول: أضللتم كثيرًا من الإنس. * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فيجيب أولياءُ الجن من الإنس فيقولون: "ربنا استمتع بعضنا ببعض" في الدنيا. (1) فأما استمتاع الإنس بالجن، فكان كما:- 13890- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (ربنا استمتع بعضنا ببعض) ، قال: كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: "أعوذ بكبير هذا الوادي" ، فذلك استمتاعهم، فاعتذروا يوم القيامة. * * * = وأما استمتاع الجن بالإنس، فإنه كان، فيما ذكر، ما ينال الجنَّ من الإنس من تعظيمهم إيّاهم في استعاذتهم بهم، فيقولون: "قد سدنا الجِنّ والحِنّ" (2) * * * (1) انظر تفسير (( الاستمتاع )) فيما سلف 8: 175، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة: (( قد سدنا الجن والإنس )) ، غير ما في المخطوطة، لم يحسن قراءتها لأنها غير منقوطة. وأثبت ما في المخطوطة. و (( الحن )) (بكسر الحاء) ، حي من أحياء الجن، وقد سلف بيان ذلك في الجزء 1: 455، تعليق: 1، فراجعه هناك. انظر معاني القرآن للفراء 1: 354، والذي هناك مطابق لما في المطبوعة. القول في تأويل قوله: {وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالوا: بلغنا الوقتَ الذي وقَّتَّ لموتنا. (1) وإنما يعني جل ثناؤه بذلك: أنهم قالوا: استمتع بعضنا ببعض أيّام حياتنا إلى حال موتنا. كما:- 13891- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: (وبلغنا أجلنا الذي أجَّلتَ لنا) ، فالموت. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عمّا هو قائل لهؤلاء الذين يحشرهم يوم القيامة من العادلين به في الدنيا الأوثان، ولقُرَنائهم من الجن، فأخرج الخبر عما هو كائنٌ، مُخْرَج الخبر عما كان، لتقدُّم الكلام قبلَه بمعناه والمراد منه، فقال: قال الله لأولياء الجن من الإنس الذين قد تقدَّم خبرُه عنهم: (النار مثواكم) ، يعني نار جهنم = "مثواكم" ، الذي تثوون فيه، أي تقيمون فيه. * * * و "المثوى" هو "المَفْعَل" من قولهم: "ثَوَى فلان بمكان كذا" ، إذا أقام فيه. (2) (1) انظر تفسير (( الأجل )) فيما سلف ص: 11: 259، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( المثوى )) فيما سلف 7: 279. = (خالدين فيها) ، يقول: لابثين فيها (1) = (إلا ما شاء الله) ، يعني إلا ما شاء الله من قَدْر مُدَّة ما بين مبعثهم من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنم، فتلك المدة التي استثناها الله من خلودهم في النار = (إن ربك حكيم) ، في تدبيره في خلقه، وفي تصريفه إياهم في مشيئته من حال إلى حال، وغير ذلك من أفعاله = (عليم) ، بعواقب تدبيره إياهم، (2) وما إليه صائرةُ أمرهم من خير وشر. (3) * * * وروي عن ابن عباس أنه كان يتأول في هذا الاستثناء: أنّ الله جعل أمرَ هؤلاء القوم في مبلغ عَذَابه إيّاهم إلى مشيئته. 13892- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم) ، قال: إن هذه الآية: آيةٌ لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على الله في خلقه، أن لا ينزلهم جنَّةً ولا نارًا. (4) * * * القول في تأويل قوله: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل (نُوَلّي) . فقال بعضهم: معناه: نحمل بعضهم لبعض وليًّا، على الكفر بالله. (1) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) . (2) انظر تفسير (( حكيم )) و (( عليم )) فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) و (علم) . (3) في المطبوعة: (( صائر )) بغير تاء في آخره، والصواب ما في المخطوطة. (( صائرة )) مثل (( عاقبة )) لفظًا ومعنى، ومنه قبل: (( الصائرة، ما يصير إليه النبات من اليبس )) . (4) في المطبوعة: (( أن لا ينزلهم )) فزاد (( أن )) ، فأفسد المعنى إفسادًا حتى ناقض بعضه بعضًا. وإنما قوله: (( لا ينزلهم جنة ولا نارًا )) ، نهى للناس أن يقول: (( فلان في الجنة )) و (( فلان في النار )) . (( ينزلهم )) مجزومة اللام بالناهية. * ذكر من قال ذلك: 13893- حدثنا يونس قال، حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون) ، وإنما يولي الله بين الناس بأعمالهم، فالمؤمن وليُّ المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر وليُّ الكافر أينما كان وحيثما كان. ليس الإيمان بالتَمنِّي ولا بالتحَلِّي. * * * وقال آخرون: معناه: نُتْبع بعضهم بعضًا في النار= من "الموالاة" ، وهو المتابعة بين الشيء والشيء، من قول القائل: "واليت بين كذا وكذا" ، إذا تابعت بينهما. * ذكر من قال ذلك: 13894- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا) ، في النار، يتبع بعضهم بعضًا. (1) * * * وقال آخرون: معنى ذلك، نسلط بعض الظلمة على بعض. * ذكر من قال ذلك: 13895- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا) ، قال: ظالمي الجن وظالمي الإنس. وقرأ: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) ، [سورة الزخرف: 36] . قال: نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس. * * * (1) انظر تفسير (( ولي )) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصواب، قولُ من قال: معناه: وكذلك نجعل بعض الظالمين لبعضٍ أولياء. لأن الله ذكر قبل هذه الآية ما كان من قول المشركين، فقال جل ثناؤه: (وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعض) ، وأخبر جل ثناؤه: أنّ بعضهم أولياء بعض، ثم عقب خبره ذلك بخبره عن أن ولاية بعضهم بعضًا بتوليته إياهم، فقال: وكما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجن والإنس أولياء بعض يستمتع بعضهم ببعض، كذلك نجعل بعضَهم أولياء بعض في كل الأمور = "بما كانوا يكسبون" ، من معاصي الله ويعملونه. (1) * * * القول في تأويل قوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عما هو قائل يوم القيامة لهؤلاء العادلين به من مشركي الإنس والجن، يخبر أنه يقول لهم تعالى ذكره يومئذ: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي) ، يقول: يخبرونكم بما أوحي إليهم من تنبيهي إياكم على مواضع حججي، وتعريفي لكم أدلّتي على توحيدي، وتصديق أنبيائي، والعمل بأمري، والانتهاء إلى حدودي = (وينذرونكم لقاء يومكم هذا) ، يقول: يحذّرونكم لقاء عذابي في يومكم هذا، وعقابي على معصيتكم إيّاي، فتنتهوا عن معاصيَّ. (2) وهذا من الله جل ثناؤه تقريع وتوبيخ لهؤلاء الكفرة على ما سلف منهم في الدنيا من الفسوق والمعاصي. ومعناه: قد أتاكم رسلٌ منكم ينبِّهونكم على خطأ ما كنتم (1) انظر تفسير (( الكسب )) فيما سلف: 11: 448، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الإنذار )) فيما سلف من فهارس اللغة (نذر) . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (639) صــ 121 إلى صــ 130 عليه مقيمين بالحجج البالغة، وينذرونكم وعيدَ الله على مقامكم على ما كنتم عليه مقيمين، فلم تقبلوا ذلك، ولم تتذكروا ولم تعتبروا. * * * واختلف أهل التأويل في "الجن" ، هل أرسل منهم إليهم، أم لا؟ فقال بعضهم: قد أرسل إليهم رسل، كما أرسل إلى الإنس منهم رسلٌ. * ذكر من قال ذلك: 13896- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سئل الضحاك عن الجن، هل كان فيهم نبيّ قبل أن يُبْعث النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألم تسمع إلى قول الله: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصُّون عليكم آياتي) ، يعني بذلك: رسلا من الإنس ورسلا من الجن؟ فقالوا: بلَى! * * * وقال آخرون: لم يرسل منهم إليهم رسولٌ، ولم يكن له من الجنّ قطٌّ رسول مرسل، وإنما الرسل من الإنس خاصَّة، فأما من الجن فالنُّذُر. قالوا: وإنما قال الله: (ألم يأتكم رسل منكم) ، والرسل من أحد الفريقين، كما قال: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) ، [سورة الرحمن: 19] ، ثم قال: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) ، [سورة الرحمن: 22] ، وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب منهما، وإنما معنى ذلك: يخرج من بعضهما، أو من أحدهما. (1) قال: وذلك كقول القائل لجماعة أدؤُرٍ: "إن في هذه الدُّور لشرًّا" ، وإن كان الشر في واحدة منهن، فيخرج الخبر عن جميعهن، والمراد به الخبر عن بعضهن، وكما يقال: "أكلت خبزًا ولبنًا" ، إذا اختلطا، ولو قيل: "أكلت لبنًا" ، كان (1) هذه مقالة الفراء، انظر معاني القرآن 1: 354، وظاهر أن الذي بعده من كلام الفراء أيضا من موضع آخر غير هذا الموضع. الكلام خطأً، لأن اللبن يشرب ولا يؤكل. * ذكر من قال ذلك: 13897- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) ، قال: جمعهم كما جمع قوله: (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) ، [سورة فاطر: 12] ، ولا يخرج من الأنهار حلية = قال ابن جريج، قال ابن عباس: هم الجن لقُوا قومهم، وهم رسل إلى قومهم. * * * فعلى قول ابن عباس هذا، أنّ من الجنّ رسلا للإنس إلى قومهم = فتأويل الآية على هذا التأويل الذي تأوَّله ابن عباس: ألم يأتكم، أيها الجن والإنس، رسل منكم، فأما رسل الإنس فرسل من الله إليهم، وأما رسل الجن فرسُل رُسُل الله من بني آدم، وهم الذين إذا سَمِعوا القرآنَ وَلّوا إلى قومهم منذرين. (1) * * * وأما الذين قالوا بقول الضحاك، فإنهم قالوا: إن الله تعالى ذكره أخبرَ أنّ من الجن رسلا أرسلوا إليهم، كما أخبر أن من الإنس رسلا أرسلوا إليهم. قالوا: ولو جاز أن يكون خبرُه عن رسل الجن بمعنى أنهم رسل الإنس، جاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنهم رُسُل الجنّ. (2) قالوا: وفي فساد هذا المعنى ما يدلُّ على أن الخبرين جميعًا بمعنى الخبر عنهم أنهم رُسُل الله، لأن ذلك هو المعروف في الخطاب دون غيره. * * * (1) اقرأ آيات سورة الأحقاف: 29 - 32. (2) يعني بهذا أن المنذرين الذين ذهبوا إلى قومهم، لو جاز أن يسموا (( رسلا )) أرسلهم الإنس إلى الجن، جاز أن يسمى (( رسل الإنس )) = وهم رسل الله إلى الإنس والجن = (( رسل الجن )) ، أرسلهم الجن إلى الإنس. وهذا ظاهر البطلان. القول في تأويل قوله: {قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قول مشركي الجن والإنس عند تقريعه إياهم بقوله لهم: (ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا) ، أنهم يقولونه (1) = (شهدنا على أنفسنا) ، بأن رسلك قد أتتنا بآياتك، وأنذرتنا لقاء يومنا هذا، فكذبناها وجحدنا رسالتها، ولم نتبع آياتك ولم نؤمن بها. قال الله خبرًا مبتدأ: وغَرَّت هؤلاء العادلين بالله الأوثان والأصنام، وأولياءَهم من الجن (2) = (الحياة الدنيا) ، يعني: زينة الحياة الدنيا، وطلبُ الرياسة فيها والمنافسة عليها، أن يسلموا لأمر الله فيطيعوا فيها رسله، فاستكبروا وكانوا قومًا عالين. فاكتفى بذكر "الحياة الدنيا" من ذكر المعاني التي غرَّتهم وخدَعتهم فيها، إذ كان في ذكرها مكتفًى عن ذكر غيرها، لدلالة الكلام على ما تُرك ذكره = يقول الله تعالى ذكره: (وشهدوا على أنفسهم) ، يعني: هؤلاء العادلين به يوم القيامة = أنهم كانوا في الدنيا كافرين به وبرسله، لتتم حجَّة الله عليهم بإقرارهم على أنفسهم بما يوجب عليهم عقوبته وأليمَ عذابه. * * * (1) في المطبوعة: (( أنهم يقولون: شهدنا على أنفسنا )) ، وصل الكلام، وفي المخطوطة بياض، جعلت مكانه هذه النقط، وأمام البياض في المخطوطة حرف (ط) دلالة على أنه خطأ، وأنه كان هكذا في النسخة التي نقل عنها. (2) انظر تفسير (( الغرور )) فيما سلف ص: 56، تعليق: 2، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، أي: إنما أرسلنا الرسل، يا محمد، إلى من وصفتُ أمرَه، وأعلمتك خبره من مشركي الإنس والجن، يقصون عليهم آياتي وينذرونهم لقاء معادهم إليَّ، من أجل أن ربَّك لم يكن مهلك القرى بظلم. * * * وقد يتَّجه من التأويل في قوله: "بظلم" ، وجهان: أحدهما: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، أي: بشرك مَنْ أشرك، وكفر مَنْ كفر من أهلها، كما قال لقمان: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، [سورة لقمان: 13] = (وأهلها غافلون) ، يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسلا تنبههم على حجج الله عليهم، وتنذرهم عذاب الله يوم معادهم إليه، ولم يكن بالذي يأخذهم غَفْلة فيقولوا: "ما جاءنا من بَشِيٍر ولا نذير" . * * * والآخر: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، يقول: لم يكن ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرُّسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، والله غير ظلامٍ لعبيده. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب عندي، القولُ الأول: أن يكون معناه: أن لم يكن ليهلكهم بشركهم، دون إرسال الرسل إليهم، والإعذار بينه وبينهم. وذلك أن قوله: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، عقيب قوله: (1) في المطبوعة: (( للعبيد )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (ألم يأتكم رسل منكم يقصُّون عليكم آياتي) ، فكان في ذلك الدليل الواضحُ على أن نصَّ قوله: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم) ، إنما هو: إنما فعلنا ذلك من أجل أنَّا لا نهلك القرى بغير تذكيرٍ وتنبيه. (1) * * * وأما قوله: (ذلك) ، فإنه يجوز أن يكون نصبًا، بمعنى: فعلنا ذلك = ويجوز أن يكون رفعًا، بمعنى الابتداء، كأنه قال: ذلك كذلك. * * * وأما "أنْ" ، فإنها في موضع نصب، بمعنى: فعلنا ذلك من أجل أنْ لم يكن ربك مهلك القرى= فإذا حذف ما كان يخفضها، تعلق بها الفعل فنصب. (2) * * * (1) انظر معاني القرآن 1: 355، فهذا رد على الفراء، وهو صاحب القول الثاني. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 355. القول في تأويل قوله: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته، منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًا (1) = (وما ربك بغافل عما يعملون) ، يقول جل ثناؤه: وكل ذلك من عملهم، يا محمد، بعلم من ربِّك، يحصيها ويثبتها لهم عنده، ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه. * * * (1) انظر تفسير (( درجة )) فيما سلف: 11: 505، تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: "وربك" ، يا محمد، الذي أمر عباده بما أمرهم به، ونهاهم عما نهاهم عنه، وأثابهم على الطاعة، وعاقبهم على المعصية= "الغني" ، عن عباده الذين أمرهم بما أمر، ونهاهم عما نهى، وعن أعمالهم وعبادتهم إياه، وهم المحتاجون إليه، لأنه بيده حياتهم ومماتهم، وأرزاقهم وأقواتهم، ونفعهم وضرهم. (1) يقول عز ذكره: فلم أخلقهم، يا محمد، ولم آمرهم بما أمرتهم به، وأنههم عما نهيتهم عنه، لحاجةٍ لي إليهم، ولا إلى أعمالهم، ولكن لأتفضَّل عليهم برحمتي، وأثيبهم على إحسانهم إن أحسنوا، فإني ذو الرَّأفة والرحمة. (2) * * * وأما قوله: (إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء) ، فإنه يقول: إن يشأ ربُّك، يا محمد، الذي خلق خلقه لغير حاجة منه إليهم وإلى طاعتهم إياه = (يذهبكم) ، يقول: يهلك خلقه هؤلاء الذين خلقهم من ولد آدم (3) = (ويستخلف من بعدكم ما يشاء) ، يقول: ويأت بخلق غيركم وأمم سواكم، يخلفونكم في الأرض = "من بعدكم" ، يعني: من بعد فنائكم وهلاككم = (كما أنشأكم من ذريَّة قوم آخرين) ، كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلَكم. * * * (1) انظر تفسير (( الغنى )) فيما سلف 5: 521، 570 / 9: 296. (2) انظر تفسير (( الرحمة )) فيما سلف من فهارس اللغة (رحم) . (3) انظر تفسير (( الإذهاب )) فيما سلف 9: 298. ومعنى "مِنْ" في هذا الموضع التعقيب، كما يقال في الكلام: "أعطيتك من دينارك ثوبًا" ، بمعنى: مكانَ الدينار ثوبًا، لا أن الثوب من الدينار بعضٌ، كذلك الذين خوطبوا بقوله: (كما أنشأكم) ، لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين، ولكن معنى ذلك ما ذكرنا من أنَّهم أنشئوا مكان خَلْقٍ خَلَف قوم آخرين قد هلكوا قبلهم. * * * و "الذرية" "الفُعْليّة" ، من قول القائل: "ذرأ الله الخلق" ، بمعنى خلقهم، "فهو يذرؤهم" ، ثم ترك الهمزة فقيل: "ذرا الله" ، ثم أخرج "الفُعْليّة" بغير همز، على مثال "العُبِّيَّة" . (1) * * * وقد روي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ: "مِنْ ذُرِّيئَةِ قَوْمٍ آخَرِينَ" على مثال "فُعِّيلة" . (2) * * * وعن آخر أنه كان يقرأ: "وَمِنْ ذِرِّيَّةِ" ، على مثال "عِلِّيَّة" . * * * قال أبو جعفر: والقراءة التي عليها القرأة في الأمصار: (ذُرِّيَّةِ) ، بضم الذال، وتشديد الياء، على مثال "عُبِّية" . (3) * * * (1) في المطبوعة: (( العلية )) ، وهو خطأ، لأن هذه بكسر العين. وفي المخطوطة: (( العلمه )) ، غير منقوطة، واجتهدت قراءتها كذلك. وفي الحديث: (( إن الله وضع عنكم عبية الجاهلية وتعظمها بآبائها )) ، و (( العبية )) فخر الجاهلية وكبرها ونخوتها. يقال إنها من (( التعبية )) ، وقالوا بعضهم: هي (( فعولة )) ، وجائز أن تكون (( فعلية )) ، كما قال هذا القائل في (( ذرية )) ، وانظر مادة (عبب) في لسان العرب. (2) كان في المخطوطة: (( من ذرية )) ، كما هي التلاوة السالفة، ولكن ظاهر أن الذي في المطبوعة هو الصواب. لأن (( ذرية )) أصلها (( ذريئة )) ، من (( ذرأ الله الخلق )) ، فكان ينبغي أن تكون مهموزة، فكثرت، فأسقط الهمز، وتركت العرب همزها. وانظر لسان العرب (ذرأ) . (3) انظر التعليق السالف رقم: 1، وكان في المطبوعة هنا أيضًا (( علية )) ، ومثلها في المخطوطة، والصواب الراجح ما أثبته. وقد بينا اشتقاق ذلك فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته ههنا. (1) * * * وأصل "الإنشاء" ، الإحداث. يقال: "قد أنشأ فلان يحدِّث القوم" ، بمعنى ابتدأ وأخذ فيه. (2) * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمشركين به: أيها العادلون بالله الأوثانَ والأصنامَ، إن الذي يُوعدكم به ربكم من عقابه على إصراركم على كفركم، واقعٌ بكم = (وما أنتم بمعجزين) ، يقول: لن تعجزوا ربّكم هربًا منه في الأرض فتفوتوه، لأنكم حيث كنتم في قبضته، وهو عليكم وعلى عقوبتكم بمعصيتكم إيّاه قادر. يقول: فاحذرُوه وأنيبوا إلى طاعته، قبل نزول البلاء بكم. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لقومك من قريش الذين يجعلون مع الله إلها آخر=: (اعملوا على مكانتكم) ، يقول: اعملوا على حِيالكم وناحيتكم. كما:- (1) انظر تفسير (( الذرية )) فيما سلف 3: 19، 73 / 5: 543 / 6: 327، ولم يفسرها في هذه المواضع، ثم فسرها في 6: 362 / 8: 19 / 11: 507. (2) انظر تفسير (( الإنشاء )) فيما سلف: 11: 263، 264، 562. 13898- حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (يا قوم اعملوا على مكانتكم) ، يعني: على ناحيتكم. * * * يقال منه: "هو يعمل على مكانته، ومَكِينته" . * * * وقرأ ذلك بعض الكوفيين: "عَلَى مَكَانَاتِكُمْ" ، على جمع "المكانة" . * * * قال أبو جعفر: والذي عليه قرأة الأمصار: (عَلَى مَكَانَتِكُمْ) ، على التوحيد. * * * = (إني عامل) ، يقول جل ثناؤه، لنبيه: قل لهم: اعملوا ما أنتم عاملون، فإني عامل ما أنا عامله مما أمرني به ربي = (فسوف تعلمون) ، يقول: فسوف تعلمون عند نزول نقمة الله بكم، أيُّنا كان المحقّ في عمله، والمصيب سبيلَ الرشاد، أنا أم أنتم. وقوله تعالى ذكره لنبيه: قل لقومك: (يا قوم اعملوا على مكانتكم) ، أمرٌ منه له بوعيدهم وتهدّدهم، لا إطلاقٌ لهم في عمل ما أرادُوا من معاصي الله. * * * القول في تأويل قوله: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) } قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (من تكون له عاقبة الدار) ، فسوف تعلمون، أيها الكفرة بالله، عند معاينتكم العذابَ، مَن الذي تكون له عاقبة الدار منا ومنكم. (1) يقول: من الذي تُعْقبه دنياه ما هو خير له منها أو شر (1) انظر تفسير (( العاقبة )) فيما سلف 11: 272، 273. منها، (1) بما قدَّم فيها من صالح أعماله أو سَيّئها. ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه فقال: (إنه لا يفلح الظالمون) ، يقول: إنه لا ينجح ولا يفوز بحاجته عند الله مَنْ عمل بخلاف ما أمره الله به من العمل في الدنيا (2) = وذلك معنى: "ظلم الظالم" ، في هذا الموضع. (3) * * * وفي "من" التي في قوله: (من تكون) ، له وجهان من الإعراب: = الرفع على الابتداء. = والنصبُ بقوله: (تعلمون) ، ولإعمال "العلم" فيه. والرفع فيه أجود، لأن معناه: فسوف تعلمون أيُّنا له عاقبة الدار؟ فالابتداء في "من" ، أصحُّ وأفصح من إعمال "العلم" فيه. (4) * * * القول في تأويل قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء العادلون بربهم الأوثانَ والأصنام لربهم = (مما ذرأ) خالقهم، يعني: مما خلق من الحرث والأنعام. * * * (1) في المطبوعة: (( من الذي يعقب دنياه )) ، والذي في المخطوطة هو الصواب. (2) انظر تفسير (( الفلاح )) فيما سلف 11: 296، تعليق: 5، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) . (4) انظر معاني القرآن للفراء 1: 355. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (640) صــ 131 إلى صــ 140 يقال منه: "ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذَرْءًا، وذَرْوًا" ، (1) إذا خَلَقهم. * * * = "نصيبًا" ، يعني قسمًا وجزءًا. (2) * * * ثم اختلف أهل التأويل في صفة النصيب الذي جعلوا لله، والذي جعلوه لشركائهم من الأوثان والشيطان. فقال بعضهم: كان ذلك جزءًا من حُروثهم وأنعامهم يُفْرِزُونه لهذا، (3) وجزءًا آخر لهذا. * ذكر من قال ذلك: 13899- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن عكرمة عن ابن عباس (فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله) ، الآية، قال: كانوا إذا أدخلوا الطعام فجعلوه حُزَمًا، جعلوا منها لله سَهْمًا، وسهمًا لآلهتهم. وكان إذا هبت الريح من نحو الذي جعلوه لآلهتهم إلى الذي جعلوه لله، ردُّوه إلى الذي جعلوه لآلهتهم. وإذا هبت الريح من نحو الذي جعلوه لله إلى الذي جعلوه لآلهتهم، أقرُّوه ولم يردُّوه. فذلك قوله: (سَاءَ ما يحكمون) . 13900- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) ، قال: جعلوا (1) في المخطوطة أيضًا (( وذروا )) ، كأنه يعني تسهيل الهمزة، ولم أجد ذكر ذلك في مصادر هذا الفعل، ولا أظنه أراد: (( وذروءًا )) ، فإن أحدًا لم يذكر ذلك. (2) انظر تفسير (( نصيب )) فيما سلف 9: 324، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( يقرونه )) ، وفي المخطوطة: (( يفررون )) غير تامة النقط، وصواب قراءتها ما أثبت. (( فرزت الشيء )) و (( أفرزته )) ، إذا عزلته عن غيره، ومزته. و (( الفِرْز )) (بكسر فسكون) : النصيب المفروز لصاحبه، واحدًا كل أو اثنين. لله من ثمراتهم وما لهم نصيبًا، وللشيطان والأوثان نصيبًا. فإن سقط من ثمرة ما جَعَلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله التقَطُوه وحفظُوه وردُّوه إلى نصيب الشيطان، وإن انفجر من سِقْي ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه، (1) وإن انفجر من سِقْي ما جعلوه للشيطان في نصيب الله سدُّوه. فهذا ما جعلوا من الحروث وسِقْي الماء. وأما ما جعلوا للشيطان من الأنعام فهو قول الله: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ) ، [سورة المائدة: 103] . 13901- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا لله بزعمهم) ، الآية، وذلك أن أعداءَ الله كانوا إذا احترثُوا حرثًا، أو كانت لهم ثمرة، جعلوا لله منها جزءًا وللوَثَن جزءًا، فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه. فإن سقط منه شيء فيما سُمِّي لله ردُّوه إلى ما جعلوا للوثن. وإن سبقهم الماء إلى الذي جعلوه للوثن، فسقى شيئًا جعلوه لله. جعلوا ذلك للوثن، وإن سقط شيء من الحرث والثمرة التي جعلوا لله. فاختلط بالذي جعلوا للوثن، قالوا: "هذا فقير" ! ولم يردوه إلى ما جعلوا لله. وإن سبقهم الماء الذي جعلوا لله فسقى ما سُمِّي للوثن، تركوه للوثن. وكانوا يحرِّمون من أنعامهم البَحيرة والسائبة والوصيلةَ والحام، فيجعلونه للأوثان، ويزعمون أنهم يحرّمونه لله. فقال الله في ذلك: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) ، الآية. 13902- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) ، قال: يسمون لله جزءًا من الحرث، ولشركائهم وأوثانهم (1) (( السقي )) (بكسر السين وسكون القاف) : والشرب (بكسر فسكون) ، وهو مورد الماء كالجدول، يسقى به الزرع. جزءًا، فما ذهبت به الريح مما سمّوا لله إلى جزء أوثانهم تركوه، وما ذهب من جزء أوثانهم إلى جزء الله ردُّوه، وقالوا: "الله عن هذا غنيّ" ! و "الأنعام" السائبة والبحيرة التي سمُّوا. 13903- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 13904- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) ، الآية، عمَدَ ناس من أهل الضلالة فجزَّؤوا من حروثهم ومواشيهم جزءًا لله وجزءًا لشركائهم. وكانوا إذا خالط شيء مما جزّؤوا لله فيما جزءوا لشركائهم خلَّوه. فإذا خالط شيء مما جزؤوا لشركائهم فيما جزؤوا لله ردّوه على شركائهم. وكانوا إذا أصابتهم السَّنةُ استعانوا بما جزؤوا لله، وأقرُّوا ما جزؤوا لشركائهم، قال الله: (ساء ما يحكمون) . 13905- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) ، قال: كانوا يجزئون من أموالهم شيئًا، فيقولون: "هذا لله، وهذا للأصنام" ، التي يعبدون. فإذا ذهب بعيرٌ مما جعلوا لشركائهم، (1) فخالط ما جعلوا لله ردُّوه. وإن ذهب مما جعلوه لله فخالط شيئًا مما جعلوه لشركائهم تركوه. وإن أصابتهم سنة، أكلوا ما جعلوا لله، وتركوا ما جعلوا لشركائهم، فقال الله: (ساء ما يحكمون) . 13906- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) إلى (يحكمون) ، قال: كانوا يقسمون من أموالهم قِسْمًا فيجعلونه لله، ويزرعون زَرْعًا فيجعلونه لله، ويجعلون لآلهتهم مثل ذلك. فما خرج للآلهة أنفقوه عليها، وما خرج (1) في المطبوعة: (( فإذا ذهب مما جعلوا )) غير ما كان في المخطوطة لغير طائل. لله تصدقوا به. فإذا هلك الذي يصنعون لشركائهم، وكثر الذي لله قالوا: "ليس بُدٌّ لآلهتنا من نفقة" ، وأخذوا الذي لله فأنفقوه على آلهتهم. وإذا أجدب الذي لله، وكثر الذي لآلهتهم، قالوا: "لو شاء أزكى الذي له" ! فلا يردُّون عليه شيئًا مما للآلهة. قال الله: لو كانوا صادقين فيما قسموا، لبئس إذًا ما حكموا: أن يأخذوا مني ولا يعطوني. فذلك حين يقول: (ساء ما يحكمون) . * * * وقال آخرون: "النصيب" الذي كانوا يجعلونه لله فكان يصل منه إلى شركائهم: أنهم كانوا لا يأكلون ما ذبحوا لله حتى يسمّوا الآلهة، وكانوا ما ذبحوه للآلهة يأكلونه ولا يسمون الله عليه. * ذكر من قال ذلك: 13907- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) حتى بلغ: (وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم) ، قال: كل شيء جعلوه لله من ذِبْح يذبحونه، (1) لا يأكلونه أبدًا حتى يذكروا معه أسماء الآلهة. وما كان للآلهة لم يذكروا اسمَ الله معه، وقرأ الآية حتى بلغ: (ساء ما يحكمون) . * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية ما قال ابن عباس ومَنْ قال بمثل قوله في ذلك، لأن الله جل ثناؤه أخبر أنهم جعلوا لله من حرثهم وأنعامهم قسمًا مقدرُا، فقالوا: "هذا لله" وجعلوا مثله لشركائهم، وهم أوثانهم، بإجماع من أهل التأويل عليه، فقالوا: "هذا لشركائنا" = وإن نصيب شركائهم لا يصل منه إلى الله، بمعنى: لا يصل إلى نصيب الله، وما كان لله وصَل إلى نصيب شركائهم. فلو كان وصول ذلك بالتسمية وترك التسمية، كان أعيان ما أخبر الله عنه أنه لم (1) (( الذبح )) (بكسر فسكون) ، هو (( الذبيح )) ، و (( المذبوح )) ، وهو كل ما أعد للذبح من الأضاحي، وغيرها من الحيوان. يصل، جائزًا أن تكون قد وصلت، وما أخبر عنه أنه قد وصل، لم يصل. وذلك خلاف ما دلّ عليه ظاهر الكلام، لأن الذبيحتين تُذبح إحداهما لله، والأخرى للآلهة، جائز أن تكون لحومهما قد اختلطت، وخلطوها إذ كان المكروه عندهم تسمية الله على ما كان مذبوحًا للآلهة، دون اختلاط الأعيان واتصال بعضها ببعض. * * * وأما قوله: (ساء ما يحكمون) ، فإنه خبر من الله جل ثناؤه عن فعل هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم. يقول جل ثناؤه: وقد أساؤوا في حكمهم، (1) إذ أخذوا من نصيبي لشركائهم، ولم يعطوني من نصيب شركائهم. وإنما عنى بذلك تعالى ذكره الخبرَ عن جهلهم وضلالتهم، وذهابهم عن سبيل الحق، بأنهم لم يرضوا أن عدلوا بمن خلقهم وغذاهم، وأنعم عليهم بالنعم التي لا تحصى، ما لا يضرهم ولا ينفعهم، حتى فضّلوه في أقسامهم عند أنفسهم بالقَسْم عليه. * * * القول في تأويل قوله: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكما زيَّن شركاء هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام لهم ما زينوا لهم، من تصييرهم لربهم من أموالهم قَسْما بزعمهم، وتركهم ما وَصل من القَسْم الذي جعلوه لله إلى قسم شركائهم في قسمهم، وردِّهم ما وَصَل من القسم الذي جعلوه لشركائهم إلى قسم نصيب الله، إلى قسم شركائهم= (1) انظر تفسير (( ساء )) فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) = وتفسير (( يحكم )) فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) . (كذلك زين لكثير من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤهم) ، من الشياطين، فحسنوا لهم وأد البنات (1) = (ليردوهم) ، يقول: ليهلكوهم= (وليلبسوا عليهم دينهم) ، فعلوا ذلك بهم، ليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس، فيضلوا ويهلكوا، بفعلهم ما حرم الله عليهم (2) = ولو شاء الله أن لا يفعلوا ما كانوا يفعلون من قتلهم لم يفعلوه، بأن كان يهديهم للحق، ويوفقهم للسداد، فكانوا لا يقتلونهم، ولكن الله خذلهم عن الرشاد فقتلوا أولادهم، وأطاعوا الشياطين التي أغوتهم. يقول الله لنبيه، متوعدًا لهم على عظيم فريتهم على ربهم فيما كانوا يقولون في الأنصباء التي يقسِمونها: "هذا لله وهذا لشركائنا" ، وفي قتلهم أولادهم= "ذرهم" ، يا محمد، (3) "وما يفترون" ، وما يتقوّلون عليَّ من الكذب والزور، (4) فإني لهم بالمرصاد، ومن ورائهم العذاب والعقاب. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13908- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم) ، زينوا لهم، من قَتْل أولادهم. 13909- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (قتل أولادهم شركاؤهم) ، شياطينهم، يأمرونهم أن يَئِدوا أولادهم خيفة العَيْلة. (5) (1) انظر تفسير (( زين )) فيما سلف ص: 92، تعليق: 2 والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( اللبس )) فيما سلف: 11: 492، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير ذر فيما سلف: 72، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف: 57، تعليق: 2، والمراجع هناك. (5) (( العيلة )) (بفتح فسكون) ، الفقر وشدة الحاجة. 13910- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. 13911- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم) الآية، قال: شركاؤهم زينوا لهم ذلك = (ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) . 13912- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) ، قال: شياطينهم التي عبدوها، زينوا لهم قتلَ أولادهم. 13913- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم) ، أمرتهم الشياطين أن يقتلوا البنات. وأمَّا (ليردوهم) ، فيهلكوهم. وأما (ليلبسوا عليهم دينهم) ، فيخلطوا عليهم دينهم. * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته قرأة الحجاز والعراق: (وَكَذَلِكَ زَيَّن) ، بفتح الزاي من "زين" ، (لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) ، بنصب "القتل" ، (شُرَكَاؤُهُمْ) ، بالرفع = بمعنى أن شركاء هؤلاء المشركين، الذين زينوا لهم قتلَ أولادهم= فيرفعون "الشركاء" بفعلهم، وينصبون "القتل" ، لأنه مفعول به. * * * وقرأ ذلك بعض قرأة أهل الشام: "وَكَذَلِكَ زُيِّنَ" بضم الزاي "لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ" بالرفع "أَوْلادَهُمْ" بالنصب "شُرَكَائِهِمْ" بالخفض= بمعنى: وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ شركائهم أولادَهم، ففرّقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم. وذلك في كلام العرب قبيح غير فصيح. وقد روي عن بعض أهل الحجاز بيت من الشعر يؤيِّد قراءة من قرأ بما ذكرت من قرأة أهل الشام، رأيتُ رواة الشعر وأهل العلم بالعربية من أهل العراق ينكرونه، وذلك قول قائلهم: فَزَجَجْتُهُ مُتَمَكِّنًا ... زَجَّ القَلُوصَ أَبي مَزَادَهْ (1) * * * قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز غيرها: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ) ، بفتح الزاي من "زين" ، ونصب "القتل" بوقوع "زين" عليه، وخفض "أولادهم" بإضافة "القتل" إليهم، ورفع "الشركاء" بفعلهم، لأنهم هم الذين زينوا للمشركين قتلَ أولادهم، على ما ذكرتُ من التأويل. وإنما قلت: "لا أستجيز القراءة بغيرها" ، لإجماع الحجة من القرأة عليه، وأن تأويل أهل التأويل بذلك ورد، ففي ذلك أوضح البيان على فساد ما خالفها من القراءة. * * * ولولا أن تأويل جميع أهل التأويل بذلك ورد، ثم قرأ قارئ: "وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ" ، بضم الزاي من "زين" ، ورفع "القتل" ، وخفض "الأولاد" و "الشركاء" ، على (1) معاني القرآن للفراء 1: 358، الإنصاف: 179، الخزانة 2: 251، والعيني (بهامش الخزانة) 3: 468، وغيرها كثير. (( زج )) : دفع بالزج، وهو الحديدة التي في أسفل الرمح. و (( القلوص )) الناقة الفتية، و (( أبو مزادة )) اسم رجل. وهذا البيت شاهد على ما ذهب إليه الكوفيون من جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف وحرف الخفض، لضرورة الشعر. والتقدير: زج أبي مزادة القلوص، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالقلوص، وهو مفعول، وليس بظرف ولا حرف خفض. وهذا وإن كان مقالة الكوفيين، فإن الفراء قد رده في معاني القرآن 1: 358، وقال هو ليس بشيء. أن "الشركاء" مخفوضون بالردّ على "الأولاد" ، بأنّ "الأولاد" شركاء آبائهم في النسب والميراث = كان جائزًا. (1) * * * ولو قرأه كذلك قارئ، غير أنه رفع "الشركاء" وخفض "الأولاد" ، كما يقال: "ضُرِبَ عبدُ الله أخوك" ، فيظهر الفاعل، بعد أن جرى الخبر بما لم يسمَّ فاعله= كان ذلك صحيحًا في العربية جائزًا. * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 357. القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ} قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الجهلة من المشركين أنهم كانوا يحرمون ويحللون من قِبَل أنفسهم، من غير أن يكون الله أذن لهم بشيء من ذلك. يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم من المشركين، جهلا منهم، لأنعام لهم وحرث: هذه أنعامٌ وهذا حرث حجر= يعني بـ "الأنعام" و "الحرث" ما كانوا جعلوه لله ولآلهتهم، التي قد مضى ذكرها في الآية قبل هذه. * * * وقيل: إن "الأنعام" ، السائبة والوصيلة والبحيرة التي سمَّوا. (1) 13914- حدثني بذلك محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الأنعام" ، السائبة والبحيرة التي سمُّوا. * * * (1) انظر تفسير (( الأنعام )) فيما سلف 6: 257 / 9: 457 = وتفسير (( الحرث )) فيما سلف 4: 240 - 243، 397 /6: 257 / 7: 134. و "الحِجْر" في كلام العرب، الحرام. (1) يقال: "حَجَرت على فلان كذا" ، أي حرَّمت عليه، ومنه قول الله: (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) ، [سورة الفرقان: 22] ، ومنه قول المتلمس: حَنَّتْ إلَى النَّخْلَةِ القُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا: ... حِجْرٌ حَرَامٌ، أَلا ثَمَّ الدَّهَارِيسُ (2) (1) المخطوطة، ليس فيها (( الحرام )) ، وزيادتها في المطبوعة هي الصواب الموافق لما في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 207. (2) ديوانه قصيدة 4، ومختارات ابن الشجري: 32، ومجاز القرآن 1: 207، وسيأتي في التفسير 19: 302 (بولاق) ، اللسان (دهرس) ، ومعجم، استعجم: 1304، ومعكم ياقوت (نخلة القصوى، ونسبه لجرير وهو المتلمس، جرير بن عبد المسيح، من قصيدته التي قالها في مهربه إلى الشام من عمرو بن هند، وقصة المتلمس وطرفة، وعمرو بن هند، مشهورة. وهكذا جاء هنا (( النخلة القصوى )) ، وهي رواية، والرواية الأخرى (( نخلة القصوى )) بغير تعريف كما سيأتي براوية أبي جعفر في التفسير 19: 302 (بولاق) . وقد ذكروا أن (( نخلة القصوى )) المذكورة هنا، هي: (( نخلة اليمانية )) ، وهو واد ينصب من بطن قرن المنازل، وهو طريق اليمن إلى مكة. وظاهر هذا الشعر، فيما أداني إليه اجتهادي، يدل على أن (( نخلة القصوى )) بأرض العراق، مفضيًا إلى الحيرة، ديار عمرو بن هند، فإنه قال هذا الشعر، وقد حرم عليه عمرو بن هند أرض العراق، فحنت ناقته إلى ديارها بالعراق، فقال لها: أنِّى طَرِبْتِ وَلَمْ تُلْحَيْ عَلَى طَرَبٍ، ... ودُونَ إلْفِكِ أَمْرَاتٌ أَمَا لِيسُ يقول: كيف تشتاقين إلى أرض فيها هلاكي؟ ثم عاد يقول: ولست ألومك على الشوق الذي أثار حنينك، فإنه لا بد لمن حالت بينه وبين إلفه الفلوات، أن يحن. ثم بين العلة في استنكاره حنينها فقال لها: وكأنه يخاطب نفسه، ويعتذر إليها من ملامة هذه البائسة! . حَنَّتْ إلَى النَّخْلَةِ القُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا: ... بَسْلٌ عَلَيْكِ، أَلا تِلْكَ الدَّهَارِيسُ (( بسل عليك )) : حرام عليك، وهذه رواية أخرى. و (( الدهاريس )) ، الدواهي. يقول: ما ألومها على الحنين إلى إلفها، ولكني ألومها على الحنين إلى الأرض فيها هلاكي. وقال لها: إن نخلة القصوى التي تحنين إليها، حرام عليك، فإن فيها الدواهي والغوائل. فتبين بهذا أنه يعني ديار عمرو بن هند الذي فر منه، ثم قال لها بعد ذلك: أُمِّي شَآمِيةً، إِذْ لا عِرَاقَ لَنَا، ... قَوْمًا نَوَدُّهُمُ إذْ قَوْمُنَا شُوسُ. يقول: اقصدي نخلة الشآمية، فإن العراق قد حرم علينا، وفي الشام أحبابنا، وأهل مودتنا، وأما قومنا بالعراق فإنهم ينظرون إلينا بأعين شوس من البغضاء. فثبت بقوله: (( إذ لا عراق لنا )) أن (( نخلة القصوى )) من أرض العراق. وفي هذا كفاية في تحقيق الموضع إن شاء الله. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
الساعة الآن : 07:57 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour