ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273185)

ابوالوليد المسلم 13-07-2022 09:58 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(187)
الحلقة (201)
صــ 99إلى صــ 105




القول في تأويل قوله تعالى ( إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ( 133 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "إذ قال لبنيه" ، إذ قال يعقوب لبنيه" .

و"إذ" هذه مكررة إبدالا من "إذ" الأولى ، بمعنى : أم كنتم شهداء يعقوب ، إذ قال يعقوب لبنيه حين حضور موته .

ويعني بقوله : "ما تعبدون من بعدي" - أي شيء تعبدون "من بعدي" ؟ أي من بعد وفاتي ؟ قالوا : "نعبد إلهك" ، يعني به : قال بنوه له : نعبد معبودك الذي تعبده ، ومعبود آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، "إلها واحدا" أي : [ ص: 99 ] نخلص له العبادة ، ونوحد له الربوبية ، فلا نشرك به شيئا ، ولا نتخذ دونه ربا .

ويعني بقوله : "ونحن له مسلمون" ، ونحن له خاضعون بالعبودية والطاعة .

ويحتمل قوله : "ونحن له مسلمون" ، أن تكون بمعنى الحال ، كأنهم قالوا : نعبد إلهك مسلمين له بطاعتنا وعبادتنا إياه . ويحتمل أن يكون خبرا مستأنفا ، فيكون بمعنى : نعبد إلهك بعدك ، ونحن له الآن وفي كل حال مسلمون .

وأحسن هذين الوجهين - في تأويل ذلك - أن يكون بمعنى الحال ، وأن يكون بمعنى : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، مسلمين لعبادته .

وقيل : إنما قدم ذكر إسماعيل على إسحاق ، لأن إسماعيل كان أسن من إسحاق .

ذكر من قال ذلك :

2089 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" قال : يقال : بدأ بإسماعيل لأنه أكبر .

وقرأ بعض المتقدمين : "وإله أبيك إبراهيم" ، ظنا منه أن إسماعيل ، إذ كان عما ليعقوب ، فلا يجوز أن يكون في من ترجم به عن الآباء ، وداخلا في عدادهم . وذلك من قارئه كذلك ، قلة علم منه بمجاري كلام العرب . والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الآباء ، والأخوال بمعنى الأمهات . فلذلك دخل إسماعيل في من ترجم به عن الآباء . وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ترجمة عن الآباء في موضع جر ، ولكنهم نصبوا بأنهم لا يجرون .

[ ص: 100 ] والصواب من القراءة عندنا في ذلك : "وإله آبائك" ، لإجماع القراء على تصويب ذلك ، وشذوذ من خالفه من القراء ممن قرأ خلاف ذلك .

ونصب قوله : "إلها" ، على الحال من قوله : "إلهك "
القول في تأويل قوله تعالى ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ( 134 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره . بقوله : "تلك أمة قد خلت " ، إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم .

يقول لليهود والنصارى : يا معشر اليهود والنصارى ، دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله ، ولا تنحلوهم كفر اليهودية والنصرانية ، فتضيفونها إليهم ، فإنهم أمة - ويعني : ب "الأمة " في هذا الموضع : الجماعة والقرن من الناس - قد خلت : مضت لسبيلها .

وإنما قيل للذي قد مات فذهب : "قد خلا " ، لتخليه من الدنيا وانفراده ، عما كان من الأنس بأهله وقرنائه في دنياه .

وأصله من قولهم : "خلا الرجل " ، إذا صار بالمكان الذي لا أنيس له فيه ، وانفرد من الناس . فاستعمل ذلك في الذي يموت ، على ذلك الوجه .

ثم قال تعالى ذكره لليهود والنصارى : إن لمن نحلتموه - ضلالكم وكفركم الذي أنتم عليه - من أنبيائي ورسلي ، ما كسب . [ ص: 101 ]

"والهاء والألف " في قوله : "لها " ، عائدة إن شئت على "تلك " ، وإن شئت على "الأمة " .

ويعني بقوله : "لها ما كسبت " ، أي ما عملت من خير ، ولكم يا معشر اليهود والنصارى مثل ذلك ما عملتم ، ولا تؤاخذون أنتم - أيها الناحلون ما نحلتموهم من الملل - فتسألوا عما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم يعملون . فيكسبون من خير وشر ، لأن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت . فدعوا انتحالهم وانتحال مللهم ، فإن الدعاوى غير مغنيتكم عند الله ، وإنما يغني عنكم عنده ما سلف لكم من صالح أعمالكم ، إن كنتم عملتموها وقدمتموها .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " ، وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المؤمنين : كونوا هودا تهتدوا ؛ وقالت النصارى لهم : كونوا نصارى تهتدوا .

تعني بقولها : "تهتدوا " ، أي تصيبوا طريق الحق . كما : -

2090 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة - جميعا ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى [ ص: 102 ] زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه! فاتبعنا يا محمد تهتد! وقالت النصارى مثل ذلك . فأنزل الله عز وجل فيهم : "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " .

قال أبو جعفر : احتج الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أبلغ حجة وأوجزها وأكملها ، وعلمها محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، قل - للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي يجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به - فإن دينه كان الحنيفية المسلمة - وندع سائر الملل التي نختلف فيها ، فينكرها بعضنا ، ويقر بها بعضنا . فإن ذلك - على اختلافه - لا سبيل لنا على الاجتماع عليه ، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم .

وفي نصب قوله : "بل ملة إبراهيم " أوجه ثلاثة . أحدها : أن يوجه معنى قوله : "وقالوا كونوا هودا أو نصارى " ، إلى معنى : وقالوا اتبعوا اليهودية والنصرانية . لأنهم إذ قالوا : "كونوا هودا أو نصارى " ، إلى اليهودية والنصرانية دعوهم ، ثم يعطف على ذلك المعنى بالملة . فيكون معنى الكلام حينئذ : قل يا محمد ، لا نتبع اليهودية والنصرانية ، ولا نتخذها ملة ، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا ، ثم يحذف "نتبع " الثانية ، ويعطف ب "الملة " على إعراب اليهودية والنصرانية .

والآخر : أن يكون نصبه بفعل مضمر بمعنى "نتبع "

والثالث : أن يكون أريد : بل نكون أصحاب ملة إبراهيم ، أو أهل ملة [ ص: 103 ] إبراهيم . ثم حذف "الأهل " و "الأصحاب " ، وأقيمت "الملة " مقامهم ، إذ كانت مؤدية عن معنى الكلام ، كما قال الشاعر :


حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي ، ويب غيرك ، بالعناق


يعني : صوت عناق ، فتكون "الملة " حينئذ منصوبة ، عطفا في الإعراب على " اليهود والنصارى " .

وقد يجوز أن يكون منصوبا على وجه الإغراء ، باتباع ملة إبراهيم .

وقرأ بعض القراء ذلك رفعا ، فتأويله - على قراءة من قرأ رفعا : بل الهدى ملة إبراهيم .
[ ص: 104 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( 135 ) )

قال أبو جعفر : و"الملة " ، الدين

وأما "الحنيف " ، فإنه المستقيم من كل شيء . وقد قيل : إن الرجل الذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى ، إنما قيل له "أحنف " ، نظرا له إلى السلامة ، كما قيل للمهلكة من البلاد "المفازة " ، بمعنى الفوز بالنجاة منها والسلامة ، وكما قيل للديغ : "السليم " ، تفاؤلا له بالسلامة من الهلاك ، وما أشبه ذلك .

فمعنى الكلام إذا : قل يا محمد ، بل نتبع ملة إبراهيم مستقيما .

فيكون "الحنيف " حينئذ حالا من " إبراهيم " وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويل ذلك . فقال بعضهم : "الحنيف" الحاج . وقيل : إنما سمي دين إبراهيم الإسلام "الحنيفية " ، لأنه أول إمام لزم العباد - الذين كانوا في عصره ، والذين جاءوا بعده إلى يوم القيامة - اتباعه في مناسك الحج ، والائتمام به فيه . قالوا : فكل من حج البيت فنسك مناسك إبراهيم على ملته ، فهو "حنيف " ، مسلم على دين إبراهيم .

ذكر من قال ذلك :

2091 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا القاسم بن الفضل ، عن كثير أبي سهل ، قال : سألت الحسن عن "الحنيفية " ، قال : حج البيت .

2092 - حدثني محمد بن عبادة الأسدي قال : حدثنا عبد الله بن موسى [ ص: 105 ] قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية في قوله : "حنيفا " قال الحنيف : الحاج .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg





ابوالوليد المسلم 13-07-2022 09:58 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(188)
الحلقة (202)
صــ 106إلى صــ 112

2093 - حدثني الحسين بن علي الصدائي قال : حدثنا أبي ، عن الفضيل ، عن عطية مثله . [ ص: 106 ]

2094 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد قال : الحنيف الحاج .

2095 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن التيمي ، عن كثير بن زياد قال : سألت الحسن عن "الحنيفية " ، قال : هو حج هذا البيت .

قال ابن التيمي : وأخبرني جويبر ، عن الضحاك بن مزاحم ، مثله .

2096 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن مجاهد : "حنفاء " قال : حجاجا .

2097 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "حنيفا " قال : حاجا .

2098 - حدثت عن وكيع ، عن فضيل بن غزوان ، عن عبد الله بن القاسم قال : كان الناس من مضر يحجون البيت في الجاهلية يسمون "حنفاء " ، فأنزل الله تعالى ذكره ( حنفاء لله غير مشركين به ) . [ سورة الحج : 31 ]

وقال آخرون : " الحنيف " ، المتبع ، كما وصفنا قبل ، من قول الذين قالوا : إن معناه : الاستقامة .

ذكر من قال ذلك :

2099 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 107 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "حنفاء " قال : متبعين .

وقال آخرون : إنما سمي دين إبراهيم "الحنيفية " ، لأنه أول إمام سن للعباد الختان ، فاتبعه من بعده عليه . قالوا : فكل من اختتن على سبيل اختتان إبراهيم ، فهو على ما كان عليه إبراهيم من الإسلام ، فهو "حنيف " على ملة إبراهيم .

وقال آخرون : "بل ملة إبراهيم حنيفا " ، بل ملة إبراهيم مخلصا . "فالحنيف " على قولهم : المخلص دينه لله وحده .

ذكر من قال ذلك :

2100 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " واتبع ملة إبراهيم حنيفا " ، يقول : مخلصا .

وقال آخرون : بل "الحنيفية " الإسلام . فكل من ائتم بإبراهيم في ملته فاستقام عليها ، فهو "حنيف " .

قال أبو جعفر : "الحنف " عندي ، هو الاستقامة على دين إبراهيم ، واتباعه على ملته . . وذلك أن الحنيفية لو كانت حج البيت ، لوجب أن يكون الذين كانوا يحجونه في الجاهلية من أهل الشرك كانوا حنفاء . وقد نفى الله أن يكون ذلك تحنفا بقوله : ( ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) [ سورة آل عمران : 67 ]

فكذلك القول في الختان . لأن "الحنيفية " لو كانت هي الختان ، لوجب أن يكون اليهود حنفاء . وقد أخرجهم الله من ذلك بقوله : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ) [ سورة آل عمران : 67 ] . [ ص: 108 ]

فقد صح إذا أن "الحنيفية " ليست الختان وحده ، ولا حج البيت وحده ، ولكنه هو ما وصفنا : من الاستقامة على ملة إبراهيم ، واتباعه عليها ، والائتمام به فيها .

فإن قال قائل : أوما كان من كان من قبل إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، من الأنبياء وأتباعهم ، مستقيمين على ما أمروا به من طاعة الله استقامة إبراهيم وأتباعه ؟

قيل : بلى .

فإن قال : فكيف أضيف "الحنيفية " إلى إبراهيم وأتباعه على ملته خاصة ، دون سائر الأنبياء قبله وأتباعهم ؟

قيل : إن كل من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفا متبعا طاعة الله ، ولكن الله تعالى ذكره لم يجعل أحدا منهم إماما لمن بعده من عباده إلى قيام الساعة ، كالذي فعل من ذلك بإبراهيم ، فجعله إماما فيما بينه من مناسك الحج والختان ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، تعبدا به أبدا إلى قيام الساعة . وجعل ما سن من ذلك علما مميزا بين مؤمني عباده وكفارهم ، والمطيع منهم له والعاصي . فسمي الحنيف من الناس "حنيفا " باتباعه ملته ، واستقامته على هديه ومنهاجه ، وسمي الضال من ملته بسائر أسماء الملل ، فقيل : "يهودي ، ونصراني ، ومجوسي " ، وغير ذلك من صنوف الملل

وأما قوله : "وما كان من المشركين " ، يقول : إنه لم يكن ممن يدين بعبادة الأوثان والأصنام ، ولا كان من اليهود ولا من النصارى ، بل كان حنيفا مسلما .
[ ص: 109 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ( 136 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : "قولوا " - أيها المؤمنون ، لهؤلاء اليهود والنصارى ، الذين قالوا لكم : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : "آمنا " ، أي صدقنا "بالله " .

وقد دللنا فيما مضى أن معنى "الإيمان " ، التصديق ، بما أغنى عن إعادته .

"وما أنزل إلينا " ، يقول أيضا : صدقنا بالكتاب الذي أنزل الله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . فأضاف الخطاب بالتنزيل إليهم ، إذ كانوا متبعيه ، ومأمورين منهيين به . فكان - وإن كان تنزيلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - بمعنى التنزيل إليهم ، للذي لهم فيه من المعاني التي وصفت

ويعني بقوله : "وما أنزل إلى إبراهيم " ، صدقنا أيضا وآمنا بما أنزل إلى إبراهيم " وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " ، وهم الأنبياء من ولد يعقوب .

وقوله : "وما أوتي موسى وعيسى " ، يعني : وآمنا أيضا بالتوراة التي آتاها الله موسى ، وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى ، والكتب التي آتى النبيين كلهم ، وأقررنا وصدقنا أن ذلك كله حق وهدى ونور من عند الله ، وأن جميع من ذكر الله من أنبيائه كانوا على حق وهدى ، يصدق بعضهم بعضا ، على منهاج واحد في الدعاء إلى توحيد الله ، والعمل بطاعته ، "لا نفرق بين أحد منهم " ، يقول : [ ص: 110 ] لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض ، ونتبرأ من بعض ونتولى بعضا ، كما تبرأت اليهود من عيسى ومحمد عليهما السلام وأقرت بغيرهما من الأنبياء ، وكما تبرأت النصارى من محمد صلى الله عليه وسلم وأقرت بغيره من الأنبياء ، بل نشهد لجميعهم أنهم كانوا رسل الله وأنبياءه ، بعثوا بالحق والهدى .

وأما قوله : "ونحن له مسلمون " ، فإنه يعني تعالى ذكره : ونحن له خاضعون بالطاعة ، مذعنون له بالعبودية .

فذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك لليهود ، فكفروا بعيسى وبمن يؤمن به ، كما : -

2101 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من يهود ، فيهم أبو ياسر بن أخطب ، ورافع بن أبي رافع ، وعازر ، وخالد ، وزيد ، وأزار بن أبي أزار ، وأشيع ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال : أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته ، وقالوا : لا نؤمن بعيسى ، ولا نؤمن بمن آمن به . فأنزل الله فيهم : ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ) [ سورة المائدة : 59 ] [ ص: 111 ]

2102 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه - إلا أنه قال : " ونافع بن أبي نافع " مكان " رافع بن أبي رافع " .

وقال قتادة : أنزلت هذه الآية ، أمرا من الله تعالى ذكره للمؤمنين بتصديق رسله كلهم .

2103 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم " إلى قوله : "ونحن له مسلمون " ، أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا ويصدقوا بأنبيائه ورسله كلهم ، ولا يفرقوا بين أحد منهم .

وأما " الأسباط " الذين ذكرهم ، فهم اثنا عشر رجلا من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . ولد كل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا "أسباطا " . كما : -

2104 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : الأسباط ، يوسف وإخوته ، بنو يعقوب . ولد اثني عشر رجلا فولد كل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا : "أسباطا " .

2105 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما الأسباط ، فهم بنو يعقوب : يوسف ، وبنيامين ، وروبيل ، [ ص: 112 ] ويهوذا ، وشمعون ، ولاوي ، ودان ، وقهاث .

2106 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : "الأسباط " يوسف وإخوته بنو يعقوب ، اثنا عشر رجلا فولد لكل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا "الأسباط " .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg




ابوالوليد المسلم 13-07-2022 09:59 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(189)
الحلقة (203)
صــ 113إلى صــ 119


2107 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال نكح يعقوب بن إسحاق - وهو إسرائيل - ابنة خاله "ليا " ابنة " ليان بن توبيل بن إلياس " ، فولدت له " روبيل بن يعقوب " ، وكان أكبر ولده ، و"شمعون بن يعقوب " ، و"لاوي بن يعقوب " و"يهوذا بن يعقوب " و"ريالون بن يعقوب " ، و"يشجر بن يعقوب " ، و"دينة بنت يعقوب " ، ثم توفيت " ليا بنت ليان " . فخلف يعقوب على أختها " راحيل بنت ليان بن توبيل بن إلياس " فولدت له " يوسف بن يعقوب " و"بنيامين " - وهو بالعربية أسد - وولد له من سريتين له : اسم إحداهما " زلفة " ، واسم الأخرى " بلهية " ، أربعة [ ص: 113 ] نفر : " دان بن يعقوب " ، و "نفثالي بن يعقوب " و "جاد بن يعقوب " ، و "إشرب بن يعقوب " فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلا نشر الله منهم اثني عشر سبطا ، لا يحصي عددهم ولا يعلم أنسابهم إلا الله ، يقول الله تعالى : ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) . [ سورة الأعراف : 160 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، فإن صدق اليهود والنصارى بالله ، وما أنزل إليكم ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى ، وما أوتي النبيون من ربهم ، وأقروا بذلك ، مثل ما صدقتم أنتم به أيها المؤمنون وأقررتم ، فقد وفقوا ورشدوا ، ولزموا طريق الحق ، واهتدوا ، وهم حينئذ منكم وأنتم منهم ، بدخولهم في ملتكم بإقرارهم بذلك .

فدل تعالى ذكره بهذه الآية ، على أنه لم يقبل من أحد عملا إلا بالإيمان بهذه المعاني التي عدها قبلها ، كما : -

2108 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا " ونحو هذا ، قال : أخبر الله سبحانه أن الإيمان هو العروة الوثقى ، وأنه لا يقبل عملا إلا به ، ولا تحرم الجنة إلا على من تركه . [ ص: 114 ]

وقد روي عن ابن عباس في ذلك قراءة ، جاءت مصاحف المسلمين بخلافها ، وأجمعت قرأة القرآن على تركها . وذلك ما : -

2109 - حدثنا به محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي حمزة ، قال : قال ابن عباس : لا تقولوا : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا " - فإنه ليس لله مثل - ولكن قولوا : "فإن آمنوا بالذي آمنتم به فقد اهتدوا " - أو قال : "فإن آمنوا بما آمنتم به " .

فكأن ابن عباس - في هذه الرواية إن كانت صحيحة عنه - يوجه تأويل قراءة من قرأ : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، فإن آمنوا بمثل الله ، وبمثل ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل . وذلك إذا صرف إلى هذا الوجه ، شرك لا شك بالله العظيم . لأنه لا مثل لله تعالى ذكره ، فنؤمن أو نكفر به .

ولكن تأويل ذلك على غير المعنى الذي وجه إليه تأويله . وإنما معناه ما وصفنا ، وهو : فإن صدقوا مثل تصديقكم بما صدقتم به - من جميع ما عددنا عليكم من كتب الله وأنبيائه - فقد اهتدوا . فالتشبيه إنما وقع بين التصديقين والإقرارين اللذين هما إيمان هؤلاء وإيمان هؤلاء . كقول القائل : "مر عمرو بأخيك مثل ما مررت به " ، يعني بذلك مر عمرو بأخيك مثل مروري به . والتمثيل إنما دخل تمثيلا بين المرورين ، لا بين عمرو وبين المتكلم . فكذلك قوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، إنما وقع التمثيل بين الإيمانين ، لا بين المؤمن به .
[ ص: 115 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإن تولوا فإنما هم في شقاق )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "وإن تولوا " ، وإن تولى - هؤلاء الذين قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه : "كونوا هودا أو نصارى " - فأعرضوا ، فلم يؤمنوا بمثل إيمانكم أيها المؤمنون بالله ، وبما جاءت به الأنبياء ، وابتعثت به الرسل ، وفرقوا بين رسل الله وبين الله ورسله ، فصدقوا ببعض وكفروا ببعض فاعلموا ، أيها المؤمنون ، أنهم إنما هم في عصيان وفراق وحرب لله ولرسوله ولكم ، كما : -

2110 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : "وإنما هم في شقاق " ، أي : في فراق

2111 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "فإنما هم في شقاق " ، يعني فراق .

2112 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " وإن تولوا فإنما هم في شقاق " قال : الشقاق : الفراق والمحاربة . إذا شاق فقد حارب ، وإذا حارب فقد شاق ، وهما واحد في كلام العرب ، وقرأ : (ومن يشاقق الرسول ) [ سورة النساء : 115 ] .

قال أبو جعفر : وأصل "الشقاق " عندنا ، والله أعلم ، مأخوذ من قول القائل : "شق عليه هذا الأمر " ، إذا كربه وآذاه . ثم قيل : "شاق فلان فلانا " ، بمعنى : نال [ ص: 116 ] كل واحد منهما من صاحبه ما كربه وآذاه ، وأثقلته مساءته . ومنه قول الله تعالى ذكره : ( وإن خفتم شقاق بينهما ) [ سورة النساء : 35 ] بمعنى : فراق بينهما .
القول في تأويل قوله تعالى ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ( 137 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فسيكفيكهم الله " ، فسيكفيك الله يا محمد ، هؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " ، من اليهود والنصارى ، إن هم تولوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله ، وبما أنزل إليك ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم ، وفرقوا بين الله ورسله - إما بقتل السيف ، وإما بجلاء عن جوارك ، وغير ذلك من العقوبات ؛ فإن الله هو "السميع " لما يقولون لك بألسنتهم ، ويبدون لك بأفواههم ، من الجهل والدعاء إلى الكفر والملل الضالة - "العليم " بما يبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء .

ففعل الله بهم ذلك عاجلا وأنجز وعده ، فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم ، حتى قتل بعضهم ، وأجلى بعضا ، وأذل بعضا وأخزاه بالجزية والصغار .
[ ص: 117 ] القول في تأويل قوله تعالى ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ( 138 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره ب "الصبغة" : صبغة الإسلام . وذلك أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالهم ، جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها تقديس ، بمنزلة غسل الجنابة لأهل الإسلام ، وأنه صبغة لهم في النصرانية .

فقال الله تعالى ذكره - إذ قالوا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين به : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : قل لهم يا محمد : أيها اليهود والنصارى ، بل اتبعوا ملة إبراهيم ، صبغة الله التي هي أحسن الصبغ ، فإنها هي الحنيفية المسلمة ، ودعوا الشرك بالله ، والضلال عن محجة هداه .

ونصب "الصبغة " من قرأها نصبا على الرد على "الملة " . وكذلك رفع "الصبغة " من رفع "الملة " ، على ردها عليها .

وقد يجوز رفعها على غير هذا الوجه . وذلك على الابتداء ، بمعنى : هي صبغة الله .

وقد يجوز نصبها على غير وجه الرد على "الملة " ، ولكن على قوله : "قولوا آمنا بالله " إلى قوله "ونحن له مسلمون " ، "صبغة الله " ، بمعنى : آمنا هذا الإيمان ، فيكون الإيمان حينئذ هو صبغة الله .

وبمثل الذي قلنا في تأويل "الصبغة " قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2113 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : [ ص: 118 ] "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " إن اليهود تصبغ أبناءها يهود ، والنصارى تصبغ أبناءها نصارى ، وأن صبغة الله الإسلام ، فلا صبغة أحسن من الإسلام ، ولا أطهر ، وهو دين الله بعث به نوحا والأنبياء بعده .

2114 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال عطاء : "صبغة الله " صبغت اليهود أبناءهم خالفوا الفطرة .



واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "صبغة الله " . فقال بعضهم : دين الله .

ذكر من قال ذلك :

2115 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "صبغة الله " قال : دين الله .

2116 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : "صبغة الله " قال : دين الله ، " ومن أحسن من الله صبغة " ، ومن أحسن من الله دينا .

2117 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع مثله .

2118 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد مثله .

2119 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد مثله .

2120 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2121 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية قوله : "صبغة الله " قال : دين الله . [ ص: 119 ]

2122 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " ، يقول : دين الله ، ومن أحسن من الله دينا .

2123 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "صبغة الله " قال : دين الله .

2124 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : "صبغة الله " قال : دين الله .

2125 - حدثني ابن البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : سألت ابن زيد عن قول الله : "صبغة الله " ، فذكر مثله .

وقال أخرون : "صبغة الله " فطرة الله .

ذكر من قال ذلك :

2126 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "صبغة الله " قال : فطرة الله التي فطر الناس عليها .

2127 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا محمد بن حرب قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن مجاهد : "ومن أحسن من الله صبغة " قال : الصبغة ، الفطرة .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 13-07-2022 09:59 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(190)
الحلقة (204)
صــ 120إلى صــ 126



2128 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : "صبغة الله " ، الإسلام ، فطرة الله التي فطر الناس عليها . قال ابن جريج : قال لي عبد الله بن كثير : "صبغة الله " قال : دين الله ، ومن أحسن من الله دينا . قال : هي فطرة الله . [ ص: 120 ]

ومن قال هذا القول ، فوجه "الصبغة " إلى الفطرة ، فمعناه : بل نتبع فطرة الله وملته التي خلق عليها خلقه ، وذلك الدين القيم . من قول الله تعالى ذكره : ( فاطر السماوات والأرض ) [ سورة الأنعام : 14 ] . بمعنى خالق السماوات والأرض .
القول في تأويل قوله تعالى ( ونحن له عابدون ( 138 ) )

قال أبو جعفر : وقوله تعالى ذكره : "ونحن له عابدون " ، أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود والنصارى ، الذين قالوا له ولمن تبعه من أصحابه : "كونوا هودا أو نصارى " . فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا ، صبغة الله ، ونحن له عابدون . يعني : ملة الخاضعين لله المستكينين له ، في اتباعنا ملة إبراهيم ، ودينونتنا له بذلك ، غير مستكبرين في اتباع أمره ، والإقرار برسالته رسله ، كما استكبرت اليهود والنصارى ، فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكبارا وبغيا وحسدا .
القول في تأويل قوله تعالى ( قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ( 139 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "قل أتحاجوننا في الله " ، قل يا محمد لمعاشر اليهود والنصارى ، الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا [ ص: 121 ] أو نصارى تهتدوا " ، وزعموا أن دينهم خير من دينكم ، وكتابهم خير من كتابكم ، لأنه كان قبل كتابكم ، وزعموا أنهم من أجل ذلك أولى بالله منكم : "أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم " ، بيده الخيرات ، وإليه الثواب والعقاب ، والجزاء على الأعمال - الحسنات منها والسيئات ، فتزعمون أنكم بالله أولى منا ، من أجل أن نبيكم قبل نبينا ، وكتابكم قبل كتابنا ، وربكم وربنا واحد ، وأن لكل فريق منا ما عمل واكتسب من صالح الأعمال وسيئها ، يجازى [ عليها ] فيثاب أو يعاقب ، - لا على الأنساب وقدم الدين والكتاب .

ويعني بقوله : "قل أتحاجوننا " ، قل أتخاصموننا وتجادلوننا ؟ كما -

2129 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "قل أتحاجوننا في الله " ، قل : أتخاصموننا ؟

2130 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "قل أتحاجوننا " ، أتخاصموننا ؟

2131 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "أتحاجوننا " ، أتجادلوننا ؟

فأما قوله : "ونحن له مخلصون " ، فإنه يعني : ونحن لله مخلصو العبادة والطاعة ، لا نشرك به شيئا ، ولا نعبد غيره أحدا ، كما عبد أهل الأوثان معه الأوثان ، وأصحاب العجل معه العجل .

وهذا من الله تعالى ذكره توبيخ لليهود ، واحتجاج لأهل الإيمان ، بقوله تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : قولوا - أيها المؤمنون ، لليهود [ ص: 122 ] والنصارى الذين قالوا لكم : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : "أتحاجوننا في الله " ؟ يعني بقوله : "في الله " ، في دين الله الذي أمرنا أن ندينه به ، وربنا وربكم واحد عدل لا يجور ، وإنما يجازي العباد على ما اكتسبوا . وتزعمون أنكم أولى بالله منا ، لقدم دينكم وكتابكم ونبيكم ، ونحن مخلصون له العبادة ، لم نشرك به شيئا ، وقد أشركتم في عبادتكم إياه ، فعبد بعضكم العجل ، وبعضكم المسيح ، فأنى تكونون خيرا منا ، وأولى بالله منا ؟
القول في تأويل قوله تعالى ( أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله )

قال أبو جعفر : في قراءة ذلك وجهان . أحدهما : "أم تقولون " ب "التاء " . فمن قرأ كذلك ، فتأويله : قل يا محمد - للقائلين لك من اليهود والنصارى : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : أتجادلوننا في الله ، أم تقولون إن إبراهيم ؟ فيكون ذلك معطوفا على قوله : "أتحاجوننا في الله " .

والوجه الآخر منهما : "أم يقولون " ب "الياء " . ومن قرأ ذلك كذلك وجه قوله : "أم يقولون " إلى أنه استفهام مستأنف ، كقوله : ( أم يقولون افتراه ) [ سورة السجدة : 3 ] ، وكما يقال : "إنها لإبل أم شاء " . وإنما جعله استفهاما مستأنفا ، لمجيء خبر مستأنف ، كما يقال : "أتقوم أم يقوم أخوك ؟ " فيصير قوله : "أم يقوم أخوك " خبرا مستأنفا لجملة ليست من الأول واستفهاما [ ص: 123 ] مبتدأ . ولو كان نسقا على الاستفهام الأول ، لكان خبرا عن الأول ، فقيل : "أتقوم أم تقعد ؟ "

وقد زعم بعض أهل العربية أن ذلك ، إذا قرئ كذلك ب "الياء " ، فإن كان الذي بعد "أم " جملة تامة ، فهو عطف على الاستفهام الأول . لأن معنى الكلام : قيل : أي هذين الأمرين كائن ؟ هذا أم هذا ؟

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا في ذلك : "أم تقولون " "بالتاء " دون "الياء " عطفا على قوله : "قل أتحاجوننا " ، بمعنى : أي هذين الأمرين تفعلون ؟ أتجادلوننا في دين الله ، فتزعمون أنكم أولى منا وأهدى منا سبيلا - وأمرنا وأمركم ما وصفنا ، على ما قد بيناه آنفا - أم تزعمون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، ومن سمى الله ، كانوا هودا أو نصارى على ملتكم ، فيصح للناس بهتكم وكذبكم ، لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعد هؤلاء الذين سماهم الله من أنبيائه . وغير جائزة قراءة ذلك ب "الياء " ، لشذوذها عن قراءة القراء .

وهذه الآية أيضا احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى ، الذين ذكر الله قصصهم . يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد - لهؤلاء اليهود والنصارى - : أتحاجوننا في الله ، وتزعمون أن دينكم أفضل من ديننا ، وأنكم على هدى ونحن على ضلالة ، ببرهان من الله تعالى ذكره ، فتدعوننا إلى دينكم ؟ فهاتوا برهانكم على ذلك فنتبعكم عليه ، أم تقولون : إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى على دينكم ؟ فهاتوا - على دعواكم ما ادعيتم من ذلك - برهانا فنصدقكم ، فإن الله قد جعلهم أئمة يقتدى بهم . [ ص: 124 ]

ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد - إن ادعوا أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى : أأنتم أعلم بهم وبما كانوا عليه من الأديان ، أم الله ؟
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله )

قال أبو جعفر : يعني : فإن زعمت يا محمد اليهود والنصارى - الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى " ، أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ، فمن أظلم منهم ؟ يقول : وأي امرئ أظلم منهم ؟ وقد كتموا شهادة عندهم من الله بأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا مسلمين ، فكتموا ذلك ، ونحلوهم اليهودية والنصرانية .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

2132 - فحدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما ، إنهم كانوا يهود أو نصارى . فيقول الله : لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم . وقد علم أنهم كاذبون .

2133 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، في قول اليهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما : إنهم كانوا يهود أو نصارى . فقال الله لهم : لا تكتموا مني الشهادة فيهم ، إن كانت عندكم فيهم . وقد علم الله أنهم كانوا كاذبين . [ ص: 125 ]

2134 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني إسحاق ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن أنه تلا هذه الآية : "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل " إلى قوله : "قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، قال الحسن : والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه برآء من اليهودية والنصرانية ، كما أن عند القوم من الله شهادة أن أموالكم ودماءكم بينكم حرام ، فبم استحلوها ؟

2135 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، أهل الكتاب ، كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل : أنهم لم يكونوا يهود ولا نصارى ، وكانت اليهودية والنصرانية بعد هؤلاء بزمان .

وإنما عنى تعالى ذكره بذلك أن اليهود والنصارى ، إن ادعوا أن إبراهيم ومن سمي معه في هذه الآية ، كانوا هودا أو نصارى ، تبين لأهل الشرك الذين هم نصراءهم ، كذبهم وادعاءهم على أنبياء الله الباطل لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعدهم ، وإن هم نفوا عنهم اليهودية والنصرانية ، قيل لهم : فهلموا إلى ما كانوا عليه من الدين ، فإنا وأنتم مقرون جميعا بأنهم كانوا على حق ، ونحن مختلفون فيما خالف الدين الذي كانوا عليه .

وقال آخرون : بل عنى تعالى ذكره بقوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، اليهود في كتمانهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وهم يعلمون ذلك ويجدونه في كتبهم . [ ص: 126 ]

ذكر من قال ذلك :

2136 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى " ، أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، واتخذوا اليهودية والنصرانية ، وكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

2137 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : الشهادة ، النبي صلى الله عليه وسلم ، مكتوب عندهم ، وهو الذي كتموا .

2138 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، نحو حديث بشر بن معاذ ، عن يزيد .

2139 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : هم يهود ، يسألون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صفته في كتاب الله عندهم ، فيكتمون الصفة .

قال أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي قلناه في تأويل ذلك ، لأن قوله تعالى ذكره : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، في إثر قصة من سمى الله من أنبيائه ، وأمام قصته لهم . فأولى بالذي هو بين ذلك أن يكون من قصصهم دون غيره .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 13-07-2022 10:00 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(191)
الحلقة (205)
صــ 127إلى صــ 133


فإن قال قائل : وأية شهادة عند اليهود والنصارى من الله في أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ؟ [ ص: 127 ] قيل : الشهادة التي عندهم من الله في أمرهم ، ما أنزل الله إليهم في التوراة والإنجيل ، وأمرهم فيها بالاستنان بسنتهم واتباع ملتهم ، وأنهم كانوا حنفاء مسلمين . وهي الشهادة التي عندهم من الله التي كتموها ، حين دعاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقالوا له : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ سورة البقرة : 111 ] ، وقالوا له ولأصحابه : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات ، في تكذيبهم ، وكتمانهم الحق ، وافترائهم على أنبياء الله الباطل والزور .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما الله بغافل عما تعملون ( 140 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وقل - لهؤلاء اليهود والنصارى ، الذين يحاجونك يا محمد - : "وما الله بغافل عما تعملون " ، من كتمانكم الحق فيما ألزمكم في كتابه بيانه للناس من أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط في أمر الإسلام ، وأنهم كانوا مسلمين ، وأن الحنيفية المسلمة دين الله الذي على جميع الخلق الدينونة به ، دون اليهودية والنصرانية وغيرهما من الملل - ولا هو ساه عن عقابكم على فعلكم ذلك ، بل هو محص عليكم حتى يجازيكم به من الجزاء ما أنتم له أهل في عاجل الدنيا وآجل الآخرة . فجازاهم عاجلا في الدنيا ، بقتل بعضهم ، وإجلائه عن وطنه وداره ، وهو مجازيهم في الآخرة العذاب المهين .
[ ص: 128 ] القول في تأويل قوله تعالى ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ( 141 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "تلك أمة " ، إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط . كما : -

2140 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله تعالى : "تلك أمة قد خلت " ، يعني : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط .

2141 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله .

قال أبو جعفر : وقد بينا فيما مضى أن "الأمة " : الجماعة .

فمعنى الآية إذا : قل يا محمد لهؤلاء الذين يجادلونك في الله من اليهود والنصارى ، إن كتموا ما عندهم من الشهادة في أمر إبراهيم ومن سمينا معه ، وأنهم كانوا مسلمين ، وزعموا أنهم كانوا هودا أو نصارى ، فكذبوا : إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط أمة قد خلت - أي مضت لسبيلها - فصارت إلى ربها ، وخلت بأعمالها وآمالها ، لها عند الله ما كسبت من خير في أيام حياتها ، وعليها ما اكتسبت من شر ، لا ينفعها غير صالح أعمالها ، ولا يضرها إلا سيئها . فاعلموا أيها اليهود والنصارى ذلك ، فإنكم ، إن كان هؤلاء - وهم الذين [ ص: 129 ] بهم تفتخرون ، وتزعمون أن بهم ترجون النجاة من عذاب ربكم ، مع سيئاتكم وعظيم خطيئاتكم - لا ينفعهم عند الله غير ما قدموا من صالح الأعمال ، ولا يضرهم غير سيئها ، فأنتم كذلك أحرى أن لا ينفعكم عند الله غير ما قدمتم من صالح الأعمال ، ولا يضركم غير سيئها . فاحذروا على أنفسكم ، وبادروا خروجها بالتوبة والإنابة إلى الله مما أنتم عليه من الكفر والضلالة والفرية على الله وعلى أنبيائه ورسله ، ودعوا الاتكال على فضائل الآباء والأجداد ، فإنما لكم ما كسبتم ، وعليكم ما اكتسبتم ، ولا تسألون عما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعملون من الأعمال ، لأن كل نفس قدمت على الله يوم القيامة ، فإنما تسأل عما كسبت وأسلفت ، دون ما أسلف غيرها .
القول في تأويل قوله تعالى ( سيقول السفهاء من الناس )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "سيقول السفهاء " ، سيقول الجهال "من الناس " ، وهم اليهود وأهل النفاق .

وإنما سماهم الله عز وجل "سفهاء " ، لأنهم سفهوا الحق . فتجاهلت أحبار اليهود ، وتعاظمت جهالهم وأهل الغباء منهم ، عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل ، وتحير المنافقون فتبلدوا .

وبما قلنا في " السفهاء " - أنهم هم اليهود وأهل النفاق - قال أهل التأويل .

ذكر من قال : هم اليهود : [ ص: 130 ]

2142 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم " قال : اليهود تقوله ، حين ترك بيت المقدس .

2143 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2144 - حدثت عن أحمد بن يونس ، عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : "سيقول السفهاء من الناس " قال : اليهود .

2145 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : "سيقول السفهاء من الناس " قال : اليهود .

2146 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : "سيقول السفهاء من الناس " قال : أهل الكتاب

2147 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : اليهود .

وقال آخرون : "السفهاء " ، المنافقون .

ذكر من قال ذلك .

2148 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : نزلت "سيقول السفهاء من الناس " ، في المنافقين .
[ ص: 131 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "ما ولاهم " : أي شيء صرفهم عن قبلتهم ؟ وهو من قول القائل : "ولاني فلان دبره " ، إذا حول وجهه عنه واستدبره ، فكذلك قوله : "ما ولاهم " ؟ أي شيء حول وجوههم ؟

وأما قوله : "عن قبلتهم " ، فإن قبلة كل شيء : ما قابل وجهه . وإنما هي "فعلة " بمنزلة "الجلسة والقعدة " ، من قول القائل . "قابلت فلانا " ، إذا صرت قبالته أقابله ، فهو لي "قبلة " وأنا له "قبلة " ، إذا قابل كل واحد منهما بوجهه وجه صاحبه .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا - إذ كان ذلك معناه - : سيقول السفهاء من الناس لكم ، أيها المؤمنون بالله ورسوله ، - إذا حولتم وجوهكم عن قبلة اليهود التي كانت لكم قبلة قبل أمري إياكم بتحويل وجوهكم عنها شطر المسجد الحرام - : أي شيء حول وجوه هؤلاء ، فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم ؟

فأعلم الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ، ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشام إلى المسجد الحرام ، وعلمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب . فقال له : إذا قالوا ذلك لك يا محمد ، فقل لهم : "لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " . [ ص: 132 ]

وكان سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس مدة سنذكر مبلغها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ثم أراد الله تعالى صرف قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام . فأخبره عما اليهود قائلوه من القول عند صرفه وجهه ووجه أصحابه شطره ، وما الذي ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب .

ذكر المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس ، وما كان سبب صلاته نحوه ؟ وما الذي دعا اليهود والمنافقين إلى قيل ما قالوا عند تحويل الله قبلة المؤمنين عن بيت المقدس إلى الكعبة ؟

اختلف أهل العلم في المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة . فقال بعضهم بما : -

2149 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة - قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد قال : أخبرني سعيد بن جبير ، أو عكرمة - شك محمد - ، عن ابن عباس قال : لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة - وصرفت في رجب ، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس ، وقردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ، ونافع بن أبي نافع - هكذا قال ابن حميد ، وقال أبو كريب : ورافع بن أبي رافع - والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن [ أبي ] الحقيق ، وكنانة بن أبي الحقيق ، فقالوا : يا محمد ، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها ، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون فتنته عن دينه . فأنزل [ ص: 133 ] الله فيهم : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " إلى قوله : "إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " .

2150 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال البراء : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ، وكان يشتهي أن يصرف إلى الكعبة . قال : فبينا نحن نصلي ذات يوم ، فمر بنا مار فقال : ألا هل علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف إلى الكعبة ؟ قال : وقد صلينا ركعتين إلى هاهنا ، وصلينا ركعتين إلى هاهنا - قال أبو كريب : فقيل له : فيه أبو إسحاق ؟ فسكت .

2151 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : صلينا بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg





ابوالوليد المسلم 13-07-2022 10:01 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(192)
الحلقة (206)
صــ 134إلى صــ 140


2152 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو [ ص: 134 ] بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا - شك سفيان - ثم صرفنا إلى الكعبة .

2153 - حدثني المثنى قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة ، نزل على أجداده - أو أخواله - من الأنصار ، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلى صلاة العصر ومعه قوم . فخرج رجل ممن صلى معه ، فمر على أهل المسجد وهم ركوع فقال : أشهد لقد صليت مع رسول الله قبل مكة . فداروا كما هم قبل البيت . وكان يعجبه أن يحول قبل البيت . وكان اليهود أعجبهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك .

2154 - حدثني عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا ، ثم وجه نحو الكعبة قبل بدر بشهرين . [ ص: 135 ]

وقال آخرون بما : -

2155 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عثمان بن سعد الكاتب قال : حدثنا أنس بن مالك قال : صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر . فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس ، انصرف بوجهه إلى الكعبة ، فقال السفهاء : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " . [ ص: 136 ]

وقال آخرون بما : -

2156 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا . [ ص: 137 ]

2157 - حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي قال : حدثنا قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن الأنصار صلت القبلة الأولى ، قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث حجج ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى القبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ، أو كما قال . وكلا الحديثين يحدث قتادة عن سعيد .

ذكر السبب الذي كان من أجله يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ، قبل أن يفرض عليه التوجه شطر الكعبة .

اختلف أهل العلم في ذلك .

فقال بعضهم : كان ذلك باختيار من النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر من قال ذلك : [ ص: 138 ]

2158 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن عكرمة - وعن يزيد النحوي ، عن عكرمة - والحسن البصري قالا : أول ما نسخ من القرآن القبلة . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل صخرة بيت المقدس ، وهي قبلة اليهود ، فاستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهرا ، ليؤمنوا به ويتبعوه ، ويدعو بذلك الأميين من العرب . فقال الله عز وجل : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [ سورة البقرة : 115 ] .

2159 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ، يعنون بيت المقدس . قال الربيع . قال أبو العالية : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خير أن يوجه وجهه حيث شاء ، فاختار بيت المقدس لكي يتألف أهل الكتاب ، فكانت قبلته ستة عشر شهرا ، وهو في ذلك يقلب وجهه في السماء ، ثم وجهه الله إلى البيت الحرام .

وقال آخرون : بل كان فعل ذلك - من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - بفرض الله عز ذكره عليهم .

ذكر من قال ذلك :

2160 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكان [ أكثر ] أهلها اليهود ، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس . ففرحت اليهود . فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام ، وكان يدعو وينظر إلى السماء . فأنزل الله عز وجل : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) [ ص: 139 ] [ سورة البقرة : 144 ] الآية . فارتاب من ذلك اليهود وقالوا : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ فأنزل الله عز وجل : "قل لله المشرق والمغرب " .

2161 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ، ثم صرف إلى بيت المقدس . فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حجج : وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا ، ثم ولاه الله جل ثناؤه إلى الكعبة .

ذكر السبب الذي من أجله قال من قال "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟

اختلف أهل التأويل في ذلك . فروي عن ابن عباس فيه قولان . أحدهما ما : -

2162 - حدثنا به ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال ذلك قوم من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! يريدون فتنته عن دينه .

والقول الآخر : ما ذكرت من حديث علي بن أبي طلحة عنه الذي مضى قبل .

2163 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ قال : صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرا ، نحو بيت [ ص: 140 ] المقدس ، ستة عشر شهرا ، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام . فقال في ذلك قائلون من الناس : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده! فقال الله عز وجل : "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " .

وقيل : قائل هذه المقالة المنافقون . وإنما قالوا ذلك استهزاء بالإسلام .

ذكر من قال ذلك :

2164 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام ، اختلف الناس فيها فكانوا أصنافا . فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ، ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ فأنزل الله في المنافقين : "سيقول السفهاء من الناس " ، الآية كلها .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg




ابوالوليد المسلم 13-07-2022 10:01 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(193)
الحلقة (207)
صــ 141إلى صــ 147


القول في تأويل قوله تعالى ( قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( 142 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك عز وجل : قل يا محمد - لهؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك : ما ولاكم عن قبلتكم من بيت المقدس ، التي كنتم على التوجه إليها ، إلى التوجه إلى شطر المسجد الحرام ؟ - : لله ملك المشرق والمغرب يعني بذلك : ملك ما بين قطري مشرق الشمس ، وقطري مغربها ، وما بينهما من العالم يهدي من يشاء من خلقه ، فيسدده ، ويوفقه إلى الطريق القويم ، وهو "الصراط [ ص: 141 ] المستقيم " - ويعني بذلك : إلى قبلة إبراهيم الذي جعله للناس إماما - ويخذل من يشاء منهم ، فيضله عن سبيل الحق .

وإنما عنى جل ثناؤه بقوله : "يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ، قل يا محمد : إن الله هدانا بالتوجه شطر المسجد الحرام لقبلة إبراهيم ، وأضلكم - أيها اليهود والمنافقون وجماعة الشرك بالله - فخذلكم عما هدانا له من ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " ، كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه السلام وبما جاءكم به من عند الله ، فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته ، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل ، كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان ، بأن جعلناكم أمة وسطا .

وقد بينا أن "الأمة " ، هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم .

وأما "الوسط " ، فإنه في كلام العرب الخيار . يقال منه : "فلان وسط الحسب في قومه " ، أي متوسط الحسب ، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه ، و "هو وسط في قومه ، وواسط " ،

كما يقال : "شاة يابسة اللبن ويبسة اللبن " ، وكما قال جل ثناؤه : [ ص: 142 ] ( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا ) [ سورة طه : 77 ] ، وقال زهير بن أبي سلمى في "الوسط " :


هم وسط ترضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم


قال أبو جعفر : وأنا أرى أن "الوسط " في هذا الموضع ، هو "الوسط " الذي بمعنى : الجزء الذي هو بين الطرفين ، مثل "وسط الدار " محرك الوسط مثقله ، غير جائز في "سينه " التخفيف .

وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم "وسط " ، لتوسطهم في الدين ، فلا هم أهل غلو فيه ، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب ، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه - ولا هم أهل تقصير فيه ، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله ، وقتلوا أنبياءهم ، وكذبوا على ربهم ، وكفروا به ؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه . فوصفهم الله بذلك ، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها .

وأما التأويل ، فإنه جاء بأن "الوسط " العدل . وذلك معنى الخيار ، لأن الخيار من الناس عدولهم .

ذكر من قال : "الوسط " العدل .

2165 - حدثنا سلم بن جنادة ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله [ ص: 143 ] عليه وسلم في قوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : عدولا .

2166 - حدثنا مجاهد بن موسى ومحمد بن بشار قالا : حدثنا جعفر بن عون ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

2167 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : "عدولا .

2168 - حدثني علي بن عيسى قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن حفص بن غياث ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : "جعلناكم أمة وسطا " قال : عدولا . [ ص: 144 ]

2169 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : عدولا .

2170 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : عدولا .

2171 - حدثنا المثنى قال : حدثنا حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2172 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "أمة وسطا " قال : عدولا .

2173 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "أمة وسطا " قال : عدولا .

2174 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "أمة وسطا " قال : عدولا . [ ص: 145 ]

2175 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " ، يقول : جعلكم أمة عدولا .

2176 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن رشدين بن سعد قال : أخبرنا ابن أنعم المعافري ، عن حبان بن أبي جبلة ، يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : الوسط العدل .

2177 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ومجاهد وعبد الله بن كثير : "أمة وسطا " ، قالوا : عدولا . قال مجاهد : عدلا .

2178 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : هم وسط بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأمم .
القول في تأويل قوله تعالى ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )

قال أبو جعفر : "والشهداء " جمع "شهيد " .

فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدولا [ لتكونوا ] [ ص: 146 ] شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ ، أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها ، ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدا عليكم ، بإيمانكم به وبما جاءكم به من عندي ، كما : -

2179 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ما أرسلت به ؟ فيقول : نعم . فيقال لقومه : هل بلغكم ؟ فيقول : ما جاءنا من نذير! فيقال له : من يعلم ذاك ؟ فيقول : محمد وأمته . فهو قوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " .

2180 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا جعفر بن عون قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه - إلا أنه زاد فيه : فيدعون ويشهدون أنه قد بلغ .

2181 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " - بأن الرسل قد بلغوا - "ويكون الرسول عليكم [ ص: 147 ] شهيدا " . بما عملتم ، أو فعلتم .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 13-07-2022 10:02 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(194)
الحلقة (208)
صــ 148إلى صــ 154




2182 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن المغيرة بن عتيبة بن النهاس : أن مكاتبا لهم حدثهم عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني وأمتي لعلى كوم يوم القيامة ، مشرفين على الخلائق . ما أحد من الأمم إلا ود أنه منها أيتها الأمة ، وما من نبي كذبه قومه إلا نحن شهداءه يوم القيامة أنه قد بلغ رسالات ربه ونصح لهم . قال : "ويكون الرسول عليكم شهيدا " . [ ص: 148 ]

2183 - حدثني عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني قال : حدثنا أبي قال : حدثنا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي الفضل ، عن أبي هريرة قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فلما صلى على الميت قال الناس : نعم الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت! ثم خرجت معه في جنازة أخرى ، فلما صلوا على الميت قال الناس : بئس الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت . فقام إليه أبي بن كعب فقال : يا رسول الله ، ما قولك وجبت ؟ قال : " قول الله عز وجل : "لتكونوا شهداء على الناس " .

2184 - حدثني علي بن سهل الرملي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : [ ص: 149 ] حدثني أبو عمرو ، عن يحيى قال : حدثني عبد الله بن أبي الفضل المديني قال : حدثني أبو هريرة قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فقال الناس : نعم الرجل! ثم ذكر نحو حديث عصام عن أبيه .

2185 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زيد بن حباب قال : حدثنا عكرمة بن عمار قال : حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر عليه بجنازة ، فأثني عليها بثناء حسن ، فقال : وجبت! ومر عليه بجنازة أخرى ، فأثني عليها دون ذلك ، فقال : وجبت! قالوا : يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال : الملائكة شهداء الله في السماء ، وأنتم شهداء الله في الأرض ، فما شهدتم عليه وجب . ثم قرأ : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) الآية [ سورة التوبة : 105 ] . [ ص: 150 ]

2186 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "لتكونوا شهداء على الناس " ، تكونوا شهداء لمحمد عليه السلام على الأمم ، اليهود والنصارى والمجوس .

2187 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

2188 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا [ أبو ] عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ناديه ليس معه أحد ، فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغهم .

2189 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير مثله .

2190 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني ابن أبي نجيح ، عن أبيه قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فذكر مثله ، ولم يذكر عبيد بن عمير ، مثله .

2191 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 151 ] قتادة " لتكونوا شهداء على الناس " ، أي أن رسلهم قد بلغت قومها عن ربها ، " ويكون الرسول عليكم شهيدا " ، على أنه قد بلغ رسالات ربه إلى أمته .

2192 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم : أن قوم نوح يقولون يوم القيامة : لم يبلغنا نوح ! فيدعى نوح عليه السلام فيسأل : هل بلغتهم ؟ فيقول : نعم . فيقال : من شهودك ؟ فيقول : أحمد صلى الله عليه وسلم وأمته . فتدعون فتسألون فتقولون : نعم ، قد بلغهم . فتقول قوم نوح عليه السلام : كيف تشهدون علينا ولم تدركونا ؟ قالوا : قد جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أنه قد بلغكم ، وأنزل عليه أنه قد بلغكم ، فصدقناه . قال : فيصدق نوح عليه السلام ويكذبونهم . قال : " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا

2193 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "لتكونوا شهداء على الناس " ، لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم ، ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا ، أن قد بلغ ما أرسل به .

2194 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم : أن الأمم يقولون يوم القيامة : والله لقد كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلهم! لما يرون الله أعطاهم .

2195 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : حدثنا ابن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، قال أخبرني ابن أنعم المعافري ، عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جمع الله عباده يوم القيامة ، كان أول من يدعى إسرافيل ، فيقول له ربه : ما فعلت في عهدي ؟ هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم رب ، قد بلغته جبريل عليهما السلام ، فيدعى جبريل ، فيقال له : [ ص: 152 ] هل بلغك إسرافيل عهدي! فيقول : نعم رب ، قد بلغني . فيخلى عن إسرافيل ، ويقال لجبريل : هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم ، قد بلغت الرسل . فتدعى الرسل فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي ؟ فيقولون : نعم ربنا . فيخلى عن جبريل ، ثم يقال للرسل : ما فعلتم بعهدي ؟ فيقولون : بلغنا أممنا . فتدعى الأمم ، فيقال : هل بلغكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق ، فتقول الرسل : إن لنا عليهم شهودا يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك . فيقول : من يشهد لكم ؟ فيقولون : أمة محمد . فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه ؟ فيقولون : نعم ربنا شهدنا أن قد بلغوا . فتقول تلك الأمم : كيف يشهد علينا من لم يدركنا ؟ فيقول لهم الرب تبارك وتعالى : كيف تشهدون على من لم تدركوا ؟ فيقولون : ربنا بعثت إلينا رسولا وأنزلت إلينا عهدك وكتابك ، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا ، فشهدنا بما عهدت إلينا . فيقول الرب : صدقوا . فذلك قوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " - والوسط العدل - "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " . قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه . [ ص: 153 ]

2196 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يعني بذلك . الذين استقاموا على الهدى ، فهم الذين يكونون شهداء على الناس يوم القيامة ، لتكذيبهم رسل الله وكفرهم بآيات الله . [ ص: 154 ]

2197 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يقول : لتكونوا شهداء على الأمم الذين خلوا من قبلكم ، بما جاءتهم رسلهم ، وبما كذبوهم ، فقالوا يوم القيامة وعجبوا : إن أمة لم يكونوا في زماننا ، فآمنوا بما جاءت به رسلنا ، وكذبنا نحن بما جاءوا به! فعجبوا كل العجب . قوله : "ويكون الرسول عليكم شهيدا " ، يعني بإيمانهم به ، وبما أنزل عليه .

2198 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يعني : أنهم شهدوا على القرون بما سمى الله عز وجل لهم .

2199 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : قلت لعطاء : ما قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ؟ قال : أمة محمد ، شهدوا على من ترك الحق حين جاءه الإيمان والهدى ، ممن كان قبلنا . قالها عبد الله بن كثير . قال : وقال عطاء : شهداء على من ترك الحق ممن تركه من الناس أجمعين ، جاء ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم ، "ويكون الرسول عليكم شهيدا " على أنهم قد آمنوا بالحق حين جاءهم ، وصدقوا به .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 13-07-2022 10:03 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(195)
الحلقة (209)
صــ 155إلى صــ 161


2200 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته ، وهم شهداء على الأمم ، وهم أحد الأشهاد الذين قال الله عز وجل : ( ويوم يقوم الأشهاد ) [ سورة غافر : 51 ] الأربعة : الملائكة الذين يحصون أعمالنا ، لنا وعلينا ، وقرأ قوله : ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) [ سورة ق : 21 ] ، وقال : هذا يوم القيامة . قال : والنبيون شهداء على أممهم . قال : وأمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على الأمم . قال : [ ص: 155 ] [ والأطوار ] الأجساد والجلود .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " ، ولم نجعل صرفك عن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد فصرفناك عنها ، إلا لنعلم من يتبعك ممن لا يتبعك ، ممن ينقلب على عقبيه .

والقبلة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ، التي عناها الله بقوله : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " ، هي القبلة التي كنت تتوجه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة ، كما : -

2201 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " ، يعني : بيت المقدس .

2202 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 156 ] ابن جريج قال : قلت لعطاء : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " . قال : القبلة بيت المقدس .

قال أبو جعفر : وإنما ترك ذكر "الصرف عنها " ، اكتفاء بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه ، كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره .

وإنما قلنا : ذلك معناه ، لأن محنة الله أصحاب رسوله في القبلة ، إنما كانت - فيما تظاهرت به الأخبار - عند التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة ، حتى ارتد - فيما ذكر - رجال ممن كان قد أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأظهر كثير من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم ، وقالوا : ما بال محمد يحولنا مرة إلى هاهنا ومرة إلى هاهنا! وقال المسلمون ، في من مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس : بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت! وقال المشركون : تحير محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في دينه! فكان ذلك فتنة للناس ، وتمحيصا للمؤمنين .

فلذلك قال جل ثناؤه : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ، أي : وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها ، وتحويلك إلى غيرها ، كما قال جل ثناؤه : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ) [ سورة الإسراء : 60 ] بمعنى : وما جعلنا خبرك عن الرؤيا التي أريناك . وذلك أنه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري ، لم يكن فيه على أحد فتنة ، وكذلك القبلة الأولى التي كانت نحو بيت المقدس ، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة ، لم يكن فيها على أحد فتنة ولا محنة .

ذكر الأخبار التي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا : [ ص: 157 ]

2203 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قال : كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص . صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام ، فقال في ذلك قائلون من الناس : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده! قال الله عز وجل : "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " . فقال أناس - لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله عز وجل : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " . وقد يبتلي الله العباد بما شاء من أمره ، الأمر بعد الأمر ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، وكل ذلك مقبول ، إذ كان في [ ذلك ] إيمان بالله ، وإخلاص له ، وتسليم لقضائه .

2204 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس ، فنسختها الكعبة . فلما وجه قبل المسجد الحرام ، اختلف الناس فيها ، فكانوا أصنافا ، فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ، ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ وقال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس ! هل تقبل الله منا ومنهم ، أو لا ؟ وقالت اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده ، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر! وقال [ ص: 158 ] المشركون من أهل مكة : تحير على محمد دينه ، فتوجه بقبلته إليكم ، وعلم أنكم كنتم أهدى منه ، ويوشك أن يدخل في دينكم! فأنزل الله جل ثناؤه في المنافقين : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " إلى قوله : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، وأنزل في الآخرين الآيات بعدها .

2205 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : "إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ؟ فقال عطاء : يبتليهم ، ليعلم من يسلم لأمره . قال ابن جريج : بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا : مرة هاهنا ومرة هاهنا!

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : أوما كان الله عالما بمن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، إلا بعد اتباع المتبع ، وانقلاب المنقلب على عقبيه ، حتى قال : ما فعلنا الذي فعلنا من تحويل القبلة إلا لنعلم المتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنقلب على عقبيه ؟

قيل : إن الله جل ثناؤه هو العالم بالأشياء كلها قبل كونها ، وليس قوله : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " يخبر [ عن ] أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجوده .

فإن قال : فما معنى ذلك ؟

قيل له : أما معناه عندنا ، فإنه : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، فقال جل ثناؤه : "إلا لنعلم " ، ومعناه : ليعلم رسولي وأوليائي . إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 159 ] وأولياءه من حزبه ، وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس إلى الرئيس ، وما فعل بهم إليه ، نحو قولهم : "فتح عمر بن الخطاب سواد العراق ، وجبى خراجها " ، وإنما فعل ذلك أصحابه ، عن سبب كان منه في ذلك . وكالذي روي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله جل ثناؤه : مرضت فلم يعدني عبدي ، واستقرضته فلم يقرضني ، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني .

2206 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد ، عن محمد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله : استقرضت عبدي فلم يقرضني ، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني! يقول : وادهراه! وأنا الدهر ، أنا الدهر .

2207 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

فأضاف تعالى ذكره الاستقراض والعيادة إلى نفسه ، وقد كان ذلك بغيره ، إذ كان ذلك عن سببه .

وقد حكي عن العرب سماعا : "أجوع في غير بطني ، وأعرى في غير [ ص: 160 ] ظهري " ، بمعنى : جوع أهله وعياله وعري ظهورهم ،

فكذلك قوله : "إلا لنعلم " ، بمعنى : يعلم أوليائي وحزبي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2208 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ، قال ابن عباس : لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة .

وقال بعضهم : إنما قيل ذلك ، من أجل أن العرب تضع "العلم " مكان "الرؤية " ، و"الرؤية " مكان "العلم " ، كما قال جل ذكره : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) [ سورة الفيل : 1 ] ، فزعم أن معنى "ألم تر " ، ألم تعلم ؟ وزعم أن معنى قوله : "إلا لنعلم " ، بمعنى : إلا لنرى من يتبع الرسول . وزعم أن قول القائل : "رأيت ، وعلمت ، وشهدت " ، حروف تتعاقب ، فيوضع بعضها موضع بعض ، كما قال جرير بن عطية


كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا وعمرو بن عمرو إذ دعا يال دارم


بمعنى : كأنك لم تعلم لقيطا ، لأن بين هلك لقيط وحاجب وزمان جرير ، ما لا يخفى بعده من المدة . وذلك أن الذين ذكرهم هلكوا في الجاهلية ، وجرير كان بعد برهة مضت من مجيء الإسلام . [ ص: 161 ]

قال أبو جعفر : وهذا تأويل بعيد ، من أجل أن "الرؤية " ، وإن استعملت في موضع "العلم " ، من أجل أنه مستحيل أن يرى أحد شيئا ، فلا توجب رؤيته إياه علما بأنه قد رآه ، إذا كان صحيح الفطرة . فجاز من الوجه الذي أثبته رؤية ، أن يضاف إليه إثباته إياه علما ، وصح أن يدل بذكر "الرؤية " على معنى "العلم " من أجل ذلك . فليس ذلك ، وإن كان [ جائزا ] في الرؤية - لما وصفنا - بجائز في العلم ، فيدل بذكر الخبر عن "العلم " على "الرؤية " . لأن المرء قد يعلم أشياء كثيرة لم يرها ولا يراها ، ويستحيل أن يرى شيئا إلا علمه ، كما قد قدمنا البيان [ عنه ] . مع أنه غير موجود في شيء من كلام العرب أن يقال : "علمت كذا " ، بمعنى رأيته . وإنما يجوز توجيه معاني ما في كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم من الكلام ، إلى ما كان موجودا مثله في كلام العرب ، دون ما لم يكن موجودا في كلامها . فموجود في كلامها "رأيت " بمعنى : علمت ، وغير موجود في كلامها "علمت " بمعنى : رأيت ، فيجوز توجيه : "إلا لنعلم " إلى معنى : إلا لنرى .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg





ابوالوليد المسلم 13-07-2022 10:04 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(196)
الحلقة (210)
صــ 162إلى صــ 168




وقال آخرون : إنما قيل : "إلا لنعلم " ، من أجل أن المنافقين واليهود وأهل الكفر بالله ، أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يعلم الشيء قبل كونه . وقالوا - إذ قيل لهم : إن قوما من أهل القبلة سيرتدون على أعقابهم ، إذا حولت قبلة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة - : ذلك غير كائن! أو قالوا : ذلك باطل! فلما فعل الله ذلك ، وحول القبلة ، وكفر من أجل ذلك من كفر ، قال الله جل [ ص: 162 ] ثناؤه : ما فعلت إلا لنعلم ما علمه غيركم - أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الأشياء قبل كونه - : أني عالم بما هو كائن مما لم يكن بعد .

فكأن معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله : "إلا لنعلم " : إلا لنبين لكم أنا نعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه . وهذا وإن كان وجها له مخرج ، فبعيد من المفهوم .

وقال آخرون : إنما قيل : "إلا لنعلم " ، وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال ، على وجه الترفق بعباده ، واستمالتهم إلى طاعته ، كما قال جل ثناؤه : ( قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) [ سورة سبأ : 24 ] ، وقد علم أنه على هدى ، وأنهم على ضلال مبين ، ولكنه رفق بهم في الخطاب ، فلم يقل : أنا على هدى ، وأنتم على ضلال . فكذلك قوله : "إلا لنعلم " ، معناه عندهم : إلا لتعلموا أنتم ، إذ كنتم جهالا به قبل أن يكون . فأضاف العلم إلى نفسه ، رفقا بخطابهم .

وقد بينا القول الذي هو أولى في ذلك بالحق .



وأما قوله : "من يتبع الرسول " . فإنه يعني : الذي يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يأمره الله به ، فيوجه نحو الوجه الذي يتوجه نحوه محمد صلى الله عليه وسلم . [ ص: 163 ]

وأما قوله : "ممن ينقلب على عقبيه " ، فإنه يعني : من الذي يرتد عن دينه ، فينافق ، أو يكفر ، أو يخالف محمدا صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ممن يظهر اتباعه ، كما : -

2209 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " قال : من إذا دخلته شبهة رجع عن الله ، وانقلب كافرا على عقبيه .

وأصل "المرتد على عقبيه " ، هو : "المنقلب على عقبيه " ، الراجع مستدبرا في الطريق الذي قد كان قطعه ، منصرفا عنه . فقيل ذلك لكل راجع عن أمر كان فيه ، من دين أو خير . ومن ذلك قوله : ( فارتدا على آثارهما قصصا ) [ سورة الكهف : 64 ] ، بمعنى : رجعا في الطريق الذي كانا سلكاه ، وإنما قيل للمرتد : "مرتد " ، لرجوعه عن دينه وملته التي كان عليها .

وإنما قيل : "رجع على عقبيه " ، لرجوعه دبرا على عقبه ، إلى الوجه الذي كان فيه بدء سيره قبل مرجعه عنه . فيجعل ذلك مثلا لكل تارك أمرا وآخذ آخر غيره ، إذا انصرف عما كان فيه ، إلى الذي كان له تاركا فأخذه . فقيل : "ارتد فلان على عقبه ، وانقلب على عقبيه " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في التي وصفها الله جل وعز بأنها كانت "كبيرة إلا على الذين هدى الله " . [ ص: 164 ]

فقال بعضهم : عنى جل ثناؤه ب "الكبيرة " ، التولية من بيت المقدس شطر المسجد الحرام والتحويل . وإنما أنث "الكبيرة " ، لتأنيث "التولية " .

ذكر من قال ذلك :

2210 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال الله : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، يعني : تحويلها .

2211 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس .

2212 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2213 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : كبيرة ، حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام ، فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله .

وقال آخرون : بل "الكبيرة " ، هي القبلة بعينها التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل .

ذكر من قال ذلك .

2214 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : "وإن كانت لكبيرة " ، أي : قبلة بيت المقدس - "إلا على الذين هدى الله " . [ ص: 165 ]

وقال بعضهم : بل "الكبيرة " هي الصلاة التي كانوا يصلونها إلى القبلة الأولى .

ذكر من قال ذلك .

2215 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : صلاتكم حتى يهديكم الله عز وجل القبلة .

2216 - وقد حدثني به يونس مرة أخرى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة " قال : صلاتك هاهنا - يعني إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - وانحرافك هاهنا

وقال بعض نحويي البصرة : أنثت "الكبيرة " لتأنيث القبلة ، وإياها عنى جل ثناؤه بقوله : "وإن كانت لكبيرة " .

وقال بعض نحويي الكوفة : بل أنثت "الكبيرة " لتأنيث التولية والتحويلة

فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة : وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليتناك عنها ، إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليتناك "لكبيرة إلا على الذين هدى الله " .

وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب . لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى ، لا عين القبلة ، ولا الصلاة . لأن القبلة الأولى والصلاة ، قد كانت وهى غير كبيرة عليهم . إلا أن يوجه موجه تأنيث "الكبيرة " إلى "القبلة " ، ويقول : اجتزئ بذكر "القبلة " من ذكر "التولية والتحويلة " ، لدلالة الكلام على معنى ذلك ، كما قد وصفنا لك في نظائره . فيكون ذلك وجها صحيحا ، ومذهبا مفهوما . [ ص: 166 ]

ومعنى قوله : "كبيرة " ، عظيمة ، . كما : -

2217 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : كبيرة في صدور الناس ، فيما يدخل الشيطان به ابن آدم . قال : ما لهم صلوا إلى هاهنا ستة عشر شهرا ثم انحرفوا! فكبر ذلك في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين ، فقالوا : أي شيء هذا الدين ؟ وأما الذين آمنوا ، فثبت الله جل ثناؤه ذلك في قلوبهم ، وقرأ قول الله "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : صلاتكم حتى يهديكم إلى القبلة .

قال أبو جعفر : وأما قوله : "إلا على الذين هدى الله " ، فإنه يعني به :

وإن كان تقليبتناك عن القبلة التي كنت عليها ، لعظيمة إلا على من وفقه الله جل ثناؤه ، فهداه لتصديقك والإيمان بك وبذلك ، واتباعك فيه ، وفي ما أنزل الله تعالى ذكره عليك ، كما : -

2218 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، يقول : إلا على الخاشعين ، يعني المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى . [ ص: 167 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم )

قال أبو جعفر : قيل : عنى ب "الإيمان " ، في هذا الموضع : الصلاة .

ذكر الأخبار التي رويت بذلك ، وذكر قول من قاله :

2219 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وعبيد الله - وحدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبيد الله بن موسى - جميعا ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك ، وهم يصلون نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .

2220 - حدثني إسماعيل بن موسى قال : أخبرنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قول الله عز وجل : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم نحو بيت المقدس .

2221 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء نحوه .

2222 - وحدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن نفيل الحراني قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت [ ص: 168 ] رجال وقتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم . فأنزل الله تعالى ذكره : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .

2223 - حدثنا بشر بن معاذ العقدي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال أناس من الناس - لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .

2224 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثني عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام ، قال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس ! هل تقبل الله منا ومنهم أم لا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم قبل بيت المقدس : يقول : إن تلك طاعة وهذه طاعة .

2225 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال ناس - لما صرفت القبلة إلى البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " الآية .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg





ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:09 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(197)
الحلقة (211)
صــ 169إلى صــ 175





2226 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، أخبرني داود بن أبي عاصم قال : لما صرف رسول الله صلى الله [ ص: 169 ] عليه وسلم إلى الكعبة ، قال المسلمون : هلك أصحابنا الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس ! فنزلت : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .

2227 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " ، يقول : صلاتكم التي صليتموها من قبل أن تكون القبلة . فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا تقبل صلاتهم .

2228 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " ، صلاتكم .

2229 - حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري قال : أخبرنا المؤمل قال : حدثنا سفيان ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم نحو بيت المقدس .

قال أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى على أن "الإيمان " التصديق . وأن التصديق قد يكون بالقول وحده ، وبالفعل وحده ، وبهما جميعا .

فمعنى قوله : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " - على ما تظاهرت به الرواية من أنه الصلاة - : وما كان الله ليضيع تصديق رسوله عليه السلام ، بصلاتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره ، لأن ذلك كان منكم تصديقا لرسولي ، واتباعا لأمري ، وطاعة منكم لي .

قال : "وإضاعته إياه " جل ثناؤه - لو أضاعه - : ترك إثابة أصحابه وعامليه عليه ، فيذهب ضياعا ، ويصير باطلا كهيئة "إضاعة الرجل ماله " ، وذلك إهلاكه إياه فيما لا يعتاض منه عوضا في عاجل ولا آجل . [ ص: 170 ]

فأخبر الله جل ثناؤه أنه لم يكن يبطل عمل عامل عمل له عملا وهو له طاعة ، فلا يثيبه عليه ، وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إياه على ما كلفه من عمله .

فإن قال قائل : وكيف قال الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " ، فأضاف الإيمان إلى الأحياء المخاطبين ، والقوم المخاطبون بذلك إنما كانوا أشفقوا على إخوانهم الذين كانوا ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس ، وفي ذلك من أمرهم أنزلت هذه الآية ؟

قيل : إن القوم وإن كانوا أشفقوا من ذلك ، فإنهم أيضا قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس قبل التحويل إلى الكعبة ، وظنوا أن عملهم ذلك قد بطل وذهب ضياعا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه هذه الآية حينئذ ، فوجه الخطاب بها إلى الأحياء ودخل فيهم الموتى منهم . لأن من شأن العرب - إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب - أن يغلبوا المخاطب فيدخل الغائب في الخطاب . فيقولوا لرجل خاطبوه على وجه الخبر عنه وعن آخر غائب غير حاضر : "فعلنا بكما وصنعنا بكما " ، كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران ، ولا يستجيزون أن يقولوا : "فعلنا بهما " ، وهم يخاطبون أحدهما ، فيردوا المخاطب إلى عداد الغيب .

القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله بالناس لرءوف رحيم ( 143 ) )

قال أبو جعفر : ويعني بقوله جل ثناؤه : "إن الله بالناس لرءوف رحيم " : أن الله بجميع عباده ذو رأفة . [ ص: 171 ]

و"الرأفة " ، أعلى معاني الرحمة ، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ، ولبعضهم في الآخرة .

وأما " الرحيم " : فإنه ذو الرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة ، على ما قد بينا فيما مضى قبل .

وإنما أراد جل ثناؤه بذلك أن الله عز وجل أرحم بعباده من أن يضيع لهم طاعة أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها ، وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم - أي ولا تأسوا على موتاكم الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس - ، فإني لهم على طاعتهم إياي بصلاتهم التي صلوها كذلك مثيب ، لأني أرحم بهم من أن أضيع لهم عملا عملوه لي ؛ ولا تحزنوا عليهم ، فإني غير مؤاخذهم بتركهم الصلاة إلى الكعبة ، لأني لم أكن فرضت ذلك عليهم ، وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله .

وفي "الرءوف " لغات . إحداها "رؤف " على مثال "فعل " ، كما قال الوليد بن عقبة :


وشر الطالبين - ولا تكنه - بقاتل عمه ، الرؤف الرحيم
[ ص: 172 ]

وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة . والأخرى "رءوف " على مثال "فعول" ، وهي قراءة عامة قراء المدينة ، و "رئف " ، وهي لغة غطفان ، على مثال "فعل " مثل حذر . و"رأف " على مثال "فعل" بجزم العين ، وهي لغة لبني أسد .

والقراءة على أحد الوجهين الأولين .
القول في تأويل قوله تعالى ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : قد نرى يا محمد نحن تقلب وجهك في السماء .

ويعني : ب"التقلب " ، التحول والتصرف .

ويعني بقوله : "في السماء" ، نحو السماء وقبلها .



وإنما قيل له ذلك صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - لأنه كان قبل تحويل قبلته من بيت المقدس إلى الكعبة يرفع بصره إلى السماء ينتظر من الله جل ثناؤه أمره بالتحويل نحو الكعبة ، كما : -

2230 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "قد نرى تقلب وجهك في السماء " قال : كان صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء ، يحب أن يصرفه الله عز وجل إلى الكعبة ، حتى صرفه الله إليها .

2231 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "قد نرى تقلب وجهك في السماء" ، فكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ، يهوى ويشتهي القبلة نحو البيت الحرام ، فوجهه الله جل ثناؤه لقبلة كان يهواها ويشتهيها . [ ص: 173 ]

2232 - حدثنا المثنى قال : حدثني إسحاق قال : حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "قد نرى تقلب وجهك في السماء" ، يقول : نظرك في السماء . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في الصلاة وهو يصلي نحو بيت المقدس ، وكان يهوى قبلة البيت الحرام ، فولاه الله قبلة كان يهواها .

2233 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان الناس يصلون قبل بيت المقدس ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره ، كان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر ، وكان يصلي قبل بيت المقدس ، فنسختها الكعبة . فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يصلي قبل الكعبة ، فأنزل الله جل ثناؤه : "قد نرى تقلب وجهك في السماء " الآية .

ثم اختلف في السبب الذي من أجله كان صلى الله عليه وسلم يهوى قبلة الكعبة .

قال بعضهم : كره قبلة بيت المقدس ، من أجل أن اليهود قالوا : يتبع قبلتنا ويخالفنا في ديننا!

ذكر من قال ذلك :

2234 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : قالت اليهود : يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا! فكان يدعو الله جل ثناؤه ، ويستفرض للقبلة ، فنزلت : "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام" ، - وانقطع قول يهود : [ ص: 174 ] يخالفنا ويتبع قبلتنا! - في صلاة الظهر ، . فجعل الرجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال .

2235 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعته - يعني ابن زيد - يقول : قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "فأينما تولوا فثم وجه الله " . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله - لبيت المقدس - ولو أنا استقبلناه! فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا ، فبلغه أن يهود تقول : والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ورفع وجهه إلى السماء ، فقال الله جل ثناؤه : "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام" الآية .

وقال آخرون : بل كان يهوى ذلك ، من أجل أنه كان قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام .

ذكر من قال ذلك :

2236 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، وكان أكثر أهلها اليهود ، أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس . ففرحت اليهود . فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم ، فكان يدعو وينظر إلى السماء ، فأنزل الله عز وجل : "قد نرى تقلب وجهك في السماء" الآية . [ ص: 175 ]

فأما قوله : "فلنولينك قبلة ترضاها " ، فإنه يعني : فلنصرفنك عن بيت المقدس ، إلى قبلة "ترضاها " : تهواها وتحبها .

وأما قوله : "فول وجهك " ، يعني : اصرف وجهك وحوله .

وقوله : "شطر المسجد الحرام " ، يعني : ب"الشطر" ، النحو والقصد والتلقاء ، كما قال الهذلي :


إن العسير بها داء مخامرها فشطرها نظر العينين محسور


يعني بقوله : "شطرها" ، نحوها . وكما قال ابن أحمر :


تعدو بنا شطر جمع وهي عاقدة ، قد كارب العقد من إيفادها الحقبا

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:10 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(198)
الحلقة (212)
صــ 176إلى صــ 183



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2237 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي العالية : "شطر المسجد الحرام" ، يعني : تلقاءه .

2238 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "شطر المسجد الحرام" : نحوه .

2239 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : " فول وجهك شطر المسجد الحرام " ، نحوه .

2240 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

2241 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : " فول وجهك شطر المسجد الحرام " ، أي تلقاء المسجد الحرام .

2242 - حدثنا الحسين بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "فول وجهك شطر المسجد الحرام" قال : نحو المسجد الحرام . [ ص: 177 ]

2243 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فول وجهك شطر المسجد الحرام " ، أي تلقاءه .

2244 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه قال : "شطره" ، نحوه .

2245 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : "فولوا وجوهكم شطره" قال : قبله .

2246 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "شطره" ، ناحيته ، جانبه . قال : وجوانبه : "شطوره " .



ثم اختلفوا في المكان الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يولي وجهه إليه من المسجد الحرام .

فقال بعضهم : القبلة التي حول إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وعناها الله تعالى ذكره بقوله فلنولينك قبلة ترضاها ، حيال ميزاب الكعبة .

ذكر من قال ذلك :

2247 - حدثني عبد الله بن أبي زياد قال : حدثنا عثمان قال : أخبرنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن يحيى بن قمطة ، عن عبد الله بن عمرو : "فلنولينك قبلة ترضاها" ، حيال ميزاب الكعبة . [ ص: 178 ]

2248 - وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، عن يحيى بن قمطة قال : رأيت عبد الله بن عمرو جالسا في المسجد الحرام بإزاء الميزاب ، وتلا هذه الآية : "فلنولينك قبلة ترضاها" قال : هذه القبلة ، هي هذه القبلة .

2249 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم - بإسناده عن عبد الله بن عمرو ، نحوه - إلا أنه قال : استقبل الميزاب فقال : هذه القبلة التي قال الله لنبيه : "فلنولينك قبلة ترضاها " .

وقال آخرون : بل ذلك البيت كله قبلة ، وقبلة البيت الباب .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 179 ]

2250 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : البيت كله قبلة ، وهذه قبلة البيت - يعني التي فيها الباب .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ما قال الله جل ثناؤه : "فول وجهك شطر المسجد الحرام " ، فالمولي وجهه شطر المسجد الحرام ، هو المصيب القبلة . وإنما على من توجه إليه النية بقلبه أنه إليه متوجه ، كما أن على من ائتم بإمام فإنما عليه الائتمام به ، وإن لم يكن محاذيا بدنه بدنه ، وإن كان في طرف الصف والإمام في طرف آخر ، عن يمينه أو عن يساره ، بعد أن يكون من خلفه مؤتما به ، مصليا إلى الوجه الذي يصلي إليه الإمام . فكذلك حكم القبلة ، وإن لم يكن يحاذيها كل مصل ومتوجه إليها ببدنه ، غير أنه متوجه إليها . فإن كان عن يمينها أو عن يسارها مقابلها ، فهو مستقبلها ، بعد ما بينه وبينها ، أو قرب ، من عن يمينها أو عن يسارها ، بعد أن يكون غير مستدبرها ولا منحرف عنها ببدنه ووجهه ، كما :

2251 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عميرة بن زياد الكندي ، عن علي : " فول وجهك شطر المسجد الحرام " قال : شطره ، قبله . [ ص: 180 ]

قال أبو جعفر : وقبلة البيت : بابه ، كما : -

2252 - حدثني يعقوب بن إبراهيم والفضل بن الصباح قالا حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء قال : قال أسامة بن زيد : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من البيت أقبل بوجهه إلى الباب ، فقال : هذه القبلة ، هذه القبلة .

2253 - حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، قال : حدثني أسامة بن زيد قال : خرج النبي صلى [ ص: 181 ] الله عليه وسلم من البيت ، فصلى ركعتين مستقبلا بوجهه الكعبة ، فقال : هذه القبلة مرتين .

2254 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه .

2255 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا ابن جريج قال : قلت لعطاء : سمعت ابن عباس يقول : إنما أمرتم بالطواف ولم تؤمروا بدخوله . قال : قال : لم يكن ينهى عن دخوله ، ولكني سمعته يقول : أخبرني أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ، ولم يصل حتى خرج ، فلما خرج ركع في قبل القبلة ركعتين ، وقال : هذه القبلة . [ ص: 182 ]

قال أبو جعفر : فأخبر صلى الله عليه وسلم أن البيت هو القبلة ، وأن قبلة البيت بابه .
القول في تأويل قوله تعالى ( وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : فأينما كنتم من الأرض أيها المؤمنون فحولوا وجوهكم في صلاتكم نحو المسجد الحرام وتلقاءه .

و"الهاء" التي في "شطره" ، عائدة إلى المسجد الحرام .

فأوجب جل ثناؤه بهذه الآية على المؤمنين ، فرض التوجه نحو المسجد الحرام [ ص: 183 ] في صلاتهم حيث كانوا من أرض الله تبارك وتعالى .

وأدخلت "الفاء " في قوله : "فولوا" ، جوابا للجزاء . وذلك أن قوله : "حيثما كنتم " جزاء ، ومعناه : حيثما تكونوا فولوا وجوهكم شطره .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم )

يعني بقوله جل ثناؤه : "وإن الذين أوتوا الكتاب" أحبار اليهود وعلماء النصارى .

وقد قيل : إنما عنى بذلك اليهود خاصة .

ذكر من قال ذلك :

2256 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "وإن الذين أوتوا الكتاب " ، أنزل ذلك في اليهود .

وقوله : "ليعلمون أنه الحق من ربهم" ، يعني هؤلاء الأحبار والعلماء من أهل الكتاب ، يعلمون أن التوجه نحو المسجد ، الحق الذي فرضه الله عز وجل على إبراهيم وذريته وسائر عباده بعده .

ويعني بقوله : "من ربهم" أنه الفرض الواجب على عباد الله تعالى ذكره ، وهو الحق من عند ربهم ، فرضه عليهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:10 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(199)
الحلقة (213)
صــ 184إلى صــ 191





[ ص: 184 ] القول في تأويل قوله تعالى "وما الله بغافل عما يعملون" ( 144 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تبارك وتعالى : وليس الله بغافل عما تعملون أيها المؤمنون ، في اتباعكم أمره ، وانتهائكم إلى طاعته ، فيما ألزمكم من فرائضه ، وإيمانكم به في صلاتكم نحو بيت المقدس ، ثم صلاتكم من بعد ذلك شطر المسجد الحرام ، ولا هو ساه عنه ، ولكنه جل ثناؤه يحصيه لكم ويدخره لكم عنده ، حتى يجازيكم به أحسن جزاء ، ويثيبكم عليه أفضل ثواب .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولإن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تبارك اسمه : ولإن جئت ، يا محمد ، اليهود والنصارى ، بكل برهان وحجة - وهي "الآية" - بأن الحق هو ما جئتهم به ، من فرض التحول من قبلة بيت المقدس في الصلاة ، إلى قبلة المسجد الحرام ، ما صدقوا به ، ولا اتبعوا - مع قيام الحجة عليهم بذلك - قبلتك التي حولتك إليها ، وهي التوجه شطر المسجد الحرام .

قال أبو جعفر : وأجيبت "لإن" بالماضي من الفعل ، وحكمها الجواب بالمستقبل تشبيها لها ب "لو" ، فأجيبت بما تجاب به "لو" ، لتقارب معنييهما . [ ص: 185 ] وقد مضى البيان عن نظير ذلك فيما مضى . وأجيبت "لو" بجواب الأيمان . ولا تفعل العرب ذلك إلا في الجزاء خاصة ، لأن الجزاء مشابه اليمين : في أن كل واحد منهما لا يتم أوله إلا بآخره ، ولا يتم وحده ، ولا يصح إلا بما يؤكد به بعده . فلما بدأ باليمين فأدخلت على الجزاء ، صارت "اللام" الأولى بمنزلة يمين ، والثانية بمنزلة جواب لها ، كما قيل : "لعمرك لتقومن" إذ كثرت "اللام" من "لعمرك" ، حتى صارت كحرف من حروفه ، فأجيب بما يجاب به الأيمان ، إذ كانت "اللام" تنوب في الأيمان عن الأيمان ، دون سائر الحروف ، غير التي هي أحق به الأيمان . فتدل على الأيمان وتعمل عمل الأجوبة ، ولا تدل سائر أجوبة الأيمان لنا على الأيمان . فشبهت "اللام " التي في جواب الأيمان بالأيمان ، لما وصفنا ، فأجيبت بأجوبتها .

فكان معنى الكلام - إذ كان الأمر على ما وصفنا - : لو أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك .

وأما قوله : "وما أنت بتابع قبلتهم " ، يقول : وما لك من سبيل يا محمد إلى اتباع قبلتهم . وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس بصلاتها ، وأن النصارى تستقبل المشرق ، فأنى يكون لك السبيل إلى إتباع قبلتهم . مع اختلاف وجوهها ؟ يقول : فالزم قبلتك التي أمرت بالتوجه إليها ، ودع عنك ما تقوله اليهود والنصارى وتدعوك إليه من قبلتهم واستقبالها .

وأما قوله : "وما بعضهم بتابع قبلة بعض " ، فإنه يعني بقوله : وما اليهود بتابعة [ ص: 186 ] قبلة النصارى ، ولا النصارى بتابعة قبلة اليهود فمتوجهة نحوها ، كما : -

2257 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "وما بعضهم بتابع قبلة بعض " ، يقول : ما اليهود بتابعي قبلة النصارى ، ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود . قال : وإنما أنزلت هذه الآية من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حول إلى الكعبة ، قالت اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده! ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر! فأنزل الله عز وجل فيهم : "وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم " إلى قوله : "ليكتمون الحق وهم يعلمون " .

2258 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "وما بعضهم بتابع قبلة بعض" ، مثل ذلك .



وإنما يعني جل ثناؤه بذلك : أن اليهود والنصارى لا تجتمع على قبلة واحدة ، مع إقامة كل حزب منهم على ملتهم . فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، لا تشعر نفسك رضا هؤلاء اليهود والنصارى ، فإنه أمر لا سبيل إليه . لأنهم مع اختلاف مللهم لا سبيل لك إلى إرضاء كل حزب منهم . من أجل أنك إن اتبعت قبلة اليهود أسخطت النصارى ، وإن اتبعت قبلة النصارى أسخطت اليهود ، فدع ما لا سبيل إليه ، وادعهم إلى ما لهم السبيل إليه ، من الاجتماع على ملتك الحنيفية المسلمة ، وقبلتك قبلة إبراهيم والأنبياء من بعده .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولإن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ( 145 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "ولإن اتبعت أهواءهم " ، ولإن التمست يا محمد رضا هؤلاء اليهود والنصارى ، الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " ، فاتبعت قبلتهم - يعني : فرجعت إلى قبلتهم . [ ص: 187 ]

ويعني بقوله : "من بعد ما جاءك من العلم" ، من بعد ما وصل إليك من العلم ، بإعلامي إياك أنهم مقيمون على باطل ، وعلى عناد منهم للحق ، ومعرفة منهم أن القبلة التي وجهتك إليها هي القبلة التي فرضت على أبيك إبراهيم عليه السلام وسائر ولده من بعده من الرسل - التوجه نحوها ، "إنك إذا لمن الظالمين " ، يعني : إنك إذا فعلت ذلك ، من عبادي الظلمة أنفسهم ، المخالفين أمري ، والتاركين طاعتي ، وأحدهم وفي عدادهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه " ، أحبار اليهود وعلماء النصارى : يقول : يعرف هؤلاء الأحبار من اليهود ، والعلماء من النصارى : أن البيت الحرام قبلتهم وقبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك ، كما يعرفون أبناءهم ، كما : -

2259 - حدثنا بشر بن معاذ : قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يقول : يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة .

2260 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قول الله عز وجل الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يعني : القبلة . [ ص: 188 ]

2261 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، عرفوا أن قبلة البيت الحرام هي قبلتهم التي أمروا بها ، كما عرفوا أبناءهم .

2262 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يعني بذلك : الكعبة البيت الحرام .

2263 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يعرفون الكعبة من قبلة الأنبياء ، كما يعرفون أبناءهم .

2264 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " قال : اليهود يعرفون أنها هي القبلة ، مكة .

2265 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج في قوله : " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " قال : القبلة والبيت .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ( 146 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : وإن طائفة من الذين أوتوا الكتاب - وهم اليهود والنصارى . وكان مجاهد يقول : هم أهل الكتاب .

2266 - حدثني محمد بن عمرو - يعني الباهلي - قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بذلك . [ ص: 189 ]

2267 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج مثله .

2268 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح مثله .

قال أبو جعفر : وقوله : "ليكتمون الحق " ، - وذلك الحق هو القبلة التي وجه الله عز وجل إليها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم . يقول : فول وجهك شطر المسجد الحرام التي كانت الأنبياء من قبل محمد صلى الله عليه وسلم يتوجهون إليها . فكتمتها اليهود والنصارى ، فتوجه بعضهم شرقا ، وبعضهم نحو بيت المقدس ، ورفضوا ما أمرهم الله به ، وكتموا مع ذلك أمر محمد صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . فأطلع الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته على خيانتهم الله تبارك وتعالى ، وخيانتهم عباده ، وكتمانهم ذلك ، وأخبر أنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك على علم منهم بأن الحق غيره ، وأن الواجب عليهم من الله جل ثناؤه خلافه ، فقال : "ليكتمون الحق وهم يعلمون" ، أن ليس لهم كتمانه ، فيتعمدون معصية الله تبارك وتعالى ، كما : -

2269 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : "وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" ، فكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم .

2270 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ليكتمون الحق وهم يعلمون" قال : يكتمون محمدا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . [ ص: 190 ]

2271 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" ، يعني القبلة .
القول في تأويل قوله تعالى ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( 147 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : اعلم يا محمد أن الحق ما أعلمك ربك وأتاك من عنده ، لا ما يقول لك اليهود والنصارى .

وهذا خبر من الله تعالى ذكره لنبيه عليه السلام : عن أن القبلة التي وجهه نحوها ، هي القبلة الحق التي كان عليها إبراهيم خليل الرحمن ومن بعده من أنبياء الله عز وجل .

يقول تعالى ذكره له : فاعمل بالحق الذي أتاك من ربك يا محمد ، ولا تكونن من الممترين .

يعني بقوله : "فلا تكونن من الممترين " ، أي : فلا تكونن من الشاكين في أن القبلة التي وجهتك نحوها قبلة إبراهيم خليلي عليه السلام وقبلة الأنبياء غيره ، كما :

2272 - حدثني المثنى قال : حدثني إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال الله تعالى ذكره لنبيه عليه السلام : "الحق من ربك فلا تكونن من الممترين" ، يقول : لا تكن في شك ، فإنها قبلتك وقبلة الأنبياء من قبلك . [ ص: 191 ]

2273 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "فلا تكونن من الممترين" قال : من الشاكين قال : لا تشكن في ذلك .

قال أبو جعفر : وإنما "الممتري " "مفتعل " ، من "المرية" ، و"المرية " هي الشك ، ومنه قول الأعشى :


تدر على أسوق الممترين ركضا إذا ما السراب ارجحن


قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : أوكان النبي صلى الله عليه وسلم شاكا في أن الحق من ربه ، أو في أن القبلة التي وجهه الله إليها حق من الله تعالى ذكره ، حتى نهي عن الشك في ذلك ، فقيل له : "فلا تكونن من الممترين" ؟

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:11 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(200)
الحلقة (214)
صــ 192إلى صــ 199





قيل : ذلك من الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الأمر أو النهي للمخاطب به ، والمراد به غيره ، كما قال جل ثناؤه : ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) [ سورة الأحزاب : 1 ] ، ثم قال : ( واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ) [ ص: 192 ] [ سورة الأحزاب : 2 ] . فخرج الكلام مخرج الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم والنهي له ، والمراد به أصحابه المؤمنون به . وقد بينا نظير ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولكل وجهة هو موليها )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : "ولكل" ، ولكل أهل ملة ، فحذف "أهل الملة" واكتفى بدلالة الكلام عليه ، كما : -

2274 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : "ولكل وجهة" قال : لكل صاحب ملة .

2275 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "ولكل وجهة هو موليها" ، فلليهودي وجهة هو موليها ، وللنصراني وجهة هو موليها ، وهداكم الله عز وجل أنتم أيها الأمة للقبلة التي هي قبلته .

2276 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء قوله : "ولكل وجهة هو موليها " قال : لكل أهل دين ، اليهود والنصارى . قال ابن جريج ، قال مجاهد : لكل صاحب ملة .

2277 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ولكل وجهة هو موليها " قال : لليهود قبلة ، وللنصارى قبلة ، ولكم قبلة . يريد المسلمين .

2278 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : [ ص: 193 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولكل وجهة هو موليها " ، يعني بذلك أهل الأديان : يقول : لكل قبلة يرضونها ، ووجه الله تبارك وتعالى اسمه حيث توجه المؤمنون . وذلك أن الله تعالى ذكره قال : ( فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [ سورة البقرة : 115 ]

2279 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "ولكل وجهة هو موليها " ، يقول : لكل قوم قبلة قد ولوها .

فتأويل أهل هذه المقالة في هذه الآية : ولكل أهل ملة قبلة هو مستقبلها ، ومول وجهه إليها .

وقال آخرون بما : -

2280 - حدثنا به الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "ولكل وجهة هو موليها" قال : هي صلاتهم إلى بيت المقدس ، وصلاتهم إلى الكعبة .

وتأويل قائل هذه المقالة : ولكل ناحية وجهك إليها ربك يا محمد قبلة ، الله عز وجل موليها عباده .

وأما "الوجهة" ، فإنها مصدر مثل "القعدة " و"المشية " ، من "التوجه " . وتأويلها : متوجه ، يتوجه إليه بوجهه في صلاته ، كما : -

2281 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وجهة " قبلة . [ ص: 194 ]

2282 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2283 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "ولكل وجهة " قال : وجه .

2284 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وجهة " ، قبلة .

2285 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير قال : قلت لمنصور : " ولكل وجهة هو موليها " قال : نحن نقرأها ( ولكل جعلنا قبلة يرضونها ) .

وأما قوله : "هو موليها" ، فإنه يعني هو مول وجهه إليها ومستقبلها ، كما : -

2286 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "هو موليها " قال : هو مستقبلها .

2287 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

ومعنى "التولية" هاهنا الإقبال ، كما يقول القائل لغيره : "انصرف إلي" بمعنى : أقبل إلي . "والانصراف" المستعمل ، إنما هو الانصراف عن الشيء ، ثم يقال : "انصرف إلى الشيء" ، بمعنى : أقبل إليه منصرفا عن غيره . وكذلك يقال : "وليت عنه " ، إذا أدبرت عنه . ثم يقال : "وليت إليه" ، بمعنى أقبلت إليه موليا عن غيره . [ ص: 195 ]

والفعل - أعني "التولية" - في قوله : "هو موليها " لل "كل" . و"هو " التي مع "موليها" ، هو "الكل" ، وحدت للفظ "الكل" .

فمعنى الكلام إذا : ولكل أهل ملة وجهة ، الكل منهم مولوها وجوههم .

وقد روي عن ابن عباس وغيره أنهم قرأوها : "هو مولاها " ، بمعنى أنه موجه نحوها . ويكون "الكل " حينئذ غير مسمى فاعله ، ولو سمي فاعله ، لكان الكلام : ولكل ذي ملة وجهة ، الله موليه إياها ، بمعنى : موجهه إليها .

وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك : "ولكل وجهة" بترك التنوين والإضافة . وذلك لحن ، ولا تجوز القراءة به . لأن ذلك - إذا قرئ كذلك - كان الخبر غير تام ، وكان كلاما لا معنى له . وذلك غير جائز أن يكون من الله جل ثناؤه .

والصواب عندنا من القراءة في ذلك : " ولكل وجهة هو موليها " ، بمعنى : ولكل وجهة وقبلة ، ذلك الكل مول وجهه نحوها . لإجماع الحجة من القراء على قراءة ذلك كذلك ، وتصويبها إياها ، وشذوذ من خالف ذلك إلى غيره . وما جاء به النقل مستفيضا فحجة ، وما انفرد به من كان جائزا عليه السهو والغلط ، فغير جائز الاعتراض به على الحجة .
[ ص: 196 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فاستبقوا الخيرات )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فاستبقوا" ، فبادروا وسارعوا ، من "الاستباق" ، وهو المبادرة والإسراع ، كما : -

2288 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : "فاستبقوا الخيرات " ، يقول : فسارعوا في الخيرات .

وإنما يعني بقوله : "فاستبقوا الخيرات " ، أي : قد بينت لكم أيها المؤمنون الحق ، وهديتكم للقبلة التي ضلت عنها اليهود والنصارى وسائر أهل الملل غيركم ، فبادروا بالأعمال الصالحة ، شكرا لربكم ، وتزودوا في دنياكم لآخرتكم ، فإني قد بينت لكم سبل النجاة ، فلا عذر لكم في التفريط ، وحافظوا على قبلتكم ، فلا تضيعوها كما ضيعتها الأمم قبلكم ، فتضلوا كما ضلت ؛ كالذي : -

2289 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فاستبقوا الخيرات" ، يقول : لا تغلبن على قبلتكم .

2290 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "فاستبقوا الخيرات " قال : الأعمال الصالحة . [ ص: 197 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ( 148 ) )

قال أبو جعفر : ومعنى قوله : "أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا " ، في أي مكان وبقعة تهلكون فيه ، يأت بكم الله جميعا يوم القيامة ، إن الله على كل شيء قدير ، كما : -

2291 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا" ، يقول : أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يوم القيامة .

2291 م - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا " ، يعني : يوم القيامة .

قال أبو جعفر : وإنما حض الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية على طاعته والتزود في الدنيا للآخرة ، فقال جل ثناؤه لهم : استبقوا أيها المؤمنون إلى العمل بطاعة ربكم ، ولزوم ما هداكم له من قبلة إبراهيم خليله وشرائع دينه ، فإن الله تعالى ذكره يأتي بكم وبمن خالف قبلتكم ودينكم وشريعتكم جميعا يوم القيامة ، من حيث كنتم من بقاع الأرض ، حتى يوفي المحسن منكم جزاءه بإحسانه ، والمسيء عقابه بإساءته ، أو يتفضل فيصفح .

وأما قوله : "إن الله على كل شيء قدير" ، فإنه تعالى ذكره يعني : إن الله تعالى على جمعكم - بعد مماتكم - من قبوركم إليه ، من حيث كنتم وكانت قبوركم وعلى غير ذلك مما يشاء ، قدير . فبادروا خروج أنفسكم بالصالحات من الأعمال قبل مماتكم ليوم بعثكم وحشركم .
[ ص: 198 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ( 149 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ومن حيث خرجت " ، ومن أي موضع خرجت إلى أي موضع وجهت ، فول يا محمد وجهك - يقول : حول وجهك . وقد دللنا على أن "التولية " في هذا الموضع شطر المسجد الحرام ، إنما هي : الإقبال بالوجه نحوه . وقد بينا معنى "الشطر" فيما مضى .

وأما قوله : "وإنه للحق من ربك" ، فإنه يعني تعالى ذكره : وإن التوجه شطره للحق الذي لا شك فيه من عند ربك ، فحافظوا عليه ، وأطيعوا الله في توجهكم قبله .

وأما قوله : "وما الله بغافل عما تعملون " ، فإنه يقول : فإن الله تعالى ذكره ليس بساه عن أعمالكم ، ولا بغافل عنها ، ولكنه محصيها لكم ، حتى يجازيكم بها يوم القيامة .
[ ص: 199 ]

القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام من أي مكان وبقعة شخصت فخرجت يا محمد ، فول وجهك تلقاء المسجد الحرام ، وهو شطره .

ويعني بقوله : "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم " ، وأينما كنتم أيها المؤمنون من أرض الله ، فولوا وجوهكم في صلاتكم تجاهه وقبله وقصده .
القول في تأويل قوله تعالى ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني )

قال أبو جعفر : فقال جماعة من أهل التأويل : عنى الله تعالى ب "الناس" في قوله : "لئلا يكون للناس" ، أهل الكتاب .

ذكر من قال ذلك :

2292 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "لئلا يكون للناس عليكم حجة" ، يعني بذلك أهل الكتاب . قالوا - حين صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام - : اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه!

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:11 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(201)
الحلقة (215)
صــ 200إلى صــ 207





2293 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 200 ] عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "لئلا يكون للناس عليكم حجة " ، يعني بذلك أهل الكتاب ، قالوا - حين صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة - : اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه!

فإن قال قائل : فأية حجة كانت لأهل الكتاب بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟

قيل : قد ذكرنا فيما مضى ما روي في ذلك . قيل : إنهم كانوا يقولون : ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن! وقولهم : يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قبلتنا! فهي الحجة التي كانوا يحتجون بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، على وجه الخصومة منهم لهم ، والتمويه منهم بها على الجهال وأهل الغباء من المشركين .

وقد بينا فيما مضى أن معنى حجاج القوم إياه ، الذي ذكره الله تعالى ذكره في كتابه ، إنما هي الخصومات والجدال . فقطع الله جل ثناؤه ذلك من حجتهم ، وحسمه بتحويل قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، من قبلة اليهود إلى قبلة خليله إبراهيم عليه السلام . وذلك هو معنى قول الله جل ثناؤه : "لئلا يكون للناس عليكم حجة " ، يعني ب "الناس " ، الذين كانوا يحتجون عليهم بما وصفت .

وأما قوله : "إلا الذين ظلموا منهم " ، فإنهم مشركو العرب من قريش ، فيما تأوله أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2294 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "إلا الذين ظلموا منهم " ، قوم محمد صلى الله عليه وسلم . [ ص: 201 ]

2295 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : هم المشركون من أهل مكة .

2296 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "إلا الذين ظلموا منهم " ، يعني مشركي قريش .

2297 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، وابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "إلا الذين ظلموا منهم " قال : هم مشركو العرب .

2298 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : "إلا الذين ظلموا منهم " ، و"الذين ظلموا " : مشركو قريش .

2299 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء : هم مشركو قريش - قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول مثل قول عطاء .

فإن قال قائل : وأية حجة كانت لمشركي قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، في توجههم في صلاتهم إلى الكعبة ؟ وهل يجوز أن يكون للمشركين على المؤمنين - فيما أمرهم الله به أو نهاهم عنه - حجة ؟

قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت وذهبت إليه . وإنما "الحجة " في هذا الموضع ، الخصومة والجدال . ومعنى الكلام : لئلا يكون لأحد من الناس عليكم خصومة ودعوى باطل غير مشركي قريش ، فإن لهم عليكم دعوى باطلا وخصومة بغير حق ، بقيلهم لكم : "رجع محمد إلى قبلتنا ، وسيرجع إلى [ ص: 202 ] ديننا " . فذلك من قولهم وأمانيهم الباطلة ، هي "الحجة " التي كانت لقريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ومن أجل ذلك استثنى الله تعالى ذكره "الذين ظلموا " من قريش من سائر الناس غيرهم ، إذ نفى أن يكون لأحد منهم في قبلتهم التي وجههم إليها حجة .

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2300 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : "لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " ، قوم محمد صلى الله عليه وسلم . قال مجاهد : يقول : حجتهم ، قولهم : قد راجعت قبلتنا!

2301 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله - إلا أنه قال : قولهم : قد رجعت إلى قبلتنا!

2302 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة وابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " ، قالا : هم مشركو العرب ، قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة : قد رجع إلى قبلتكم ، فيوشك أن يرجع إلى دينكم! قال الله عز وجل : "فلا تخشوهم واخشوني " .

2303 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : "إلا الذين ظلموا منهم " ، و"الذين ظلموا " : مشركو قريش . يقول : إنهم سيحتجون عليكم بذلك ، فكانت حجتهم على نبي الله صلى الله عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام أنهم قالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا! فأنزل الله [ ص: 203 ] تعالى ذكره في ذلك كله .

2304 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

2305 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي فيما يذكر ، عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : لما صرف نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة ، بعد صلاته إلى بيت المقدس ، قال المشركون من أهل مكة : تحير على محمد دينه! فتوجه بقبلته إليكم ، وعلم أنكم كنتم أهدى منه سبيلا ويوشك أن يدخل في دينكم! فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : "لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني " .

2306 - حدثنا القاسم قال : حدثني الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : قوله : " لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " قال : قالت قريش - لما رجع إلى الكعبة وأمر بها : - ما كان يستغني عنا! قد استقبل قبلتنا! فهي حجتهم ، وهم "الذين ظلموا" - قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول مثل قول عطاء ، فقال مجاهد : حجتهم ، قولهم : رجعت إلى قبلتنا! [ ص: 204 ]

فقد أبان تأويل من ذكرنا تأويله من أهل التأويل قوله : "إلا الذين ظلموا منهم " ، عن صحة ما قلنا في تأويله ، وأنه استثناء على معنى الاستثناء المعروف ، الذي ثبت فيهم لما بعد حرف الاستثناء ما كان منفيا عما قبله . كما قول القائل "ما سار من الناس أحد إلا أخوك " ، إثبات للأخ من السير ما هو منفي عن كل أحد من الناس . فكذلك قوله : "لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " ، نفى عن أن يكون لأحد خصومة وجدل قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوى باطل عليه وعلى أصحابه ، بسبب توجههم في صلاتهم قبل الكعبة - إلا الذين ظلموا أنفسهم من قريش ، فإن لهم قبلهم خصومة ودعوى باطلا بأن يقولوا : إنما توجهتم إلينا وإلى قبلتنا ، لأنا كنا أهدى منكم سبيلا وأنكم كنتم بتوجهكم نحو بيت المقدس على ضلال وباطل .

وإذ كان ذلك معنى الآية بإجماع الحجة من أهل التأويل ، فبين خطأ قول من زعم أن معنى قوله : "إلا الذين ظلموا منهم " : ولا الذين ظلموا منهم ، وأن "إلا " بمعنى "الواو " . لأن ذلك لو كان معناه ، لكان النفي الأول عن جميع الناس - أن يكون لهم حجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تحولهم نحو الكعبة بوجوههم - مبينا عن المعنى المراد ، ولم يكن في ذكر قوله بعد ذلك : "إلا الذين ظلموا منهم " إلا التلبيس الذي يتعالى عن أن يضاف إليه أو يوصف به .

هذا مع خروج معنى الكلام إذا وجهت "إلا " إلى معنى "الواو " ، ومعنى [ ص: 205 ] العطف من كلام العرب . وذلك أنه غير موجودة "إلا " في شيء من كلامها بمعنى "الواو " ، إلا مع استثناء سابق قد تقدمها . كقول القائل : "سار القوم إلا عمرا إلا أخاك " ، بمعنى : إلا عمرا وأخاك ، فتكون "إلا " حينئذ مؤدية عما تؤدي عنه "الواو " ، لتعلق "إلا " الثانية ب "إلا " الأولى . ويجمع فيها أيضا بين "إلا " و"الواو " فيقال : "سار القوم إلا عمرا وإلا أخاك " ، فتحذف إحداهما ، فتنوب الأخرى عنها ، فيقال : "سار القوم إلا عمرا وأخاك - أو إلا عمرا إلا أخاك " ، لما وصفنا قبل .

وإذ كان ذلك كذلك ، فغير جائز لمدع من الناس أن يدعي أن "إلا " في هذا الموضع بمعنى "الواو " التي تأتي بمعنى العطف .

وواضح فساد قول من زعم أن معنى ذلك : إلا الذين ظلموا منهم ، فإنهم لا حجة لهم ، فلا تخشوهم . كقول القائل في الكلام : "الناس كلهم لك حامدون إلا الظالم [ لك ] المعتدي عليك " ، فإن ذلك لا يعتد بعداونه ولا بتركه الحمد ، لموضع العداوة . وكذلك الظالم لا حجة له ، وقد سمي ظالما لإجماع جميع أهل التأويل على تخطئة ما ادعى من التأويل في ذلك . وكفى شاهدا على خطأ مقالته إجماعهم على تخطئتها .

وظاهر بطول قول من زعم : أن "الذين ظلموا " هاهنا ، ناس من العرب [ ص: 206 ] كانوا يهودا ونصارى ، فكانوا يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأما سائر العرب ، فلم تكن لهم حجة ، وكانت حجة من يحتج منكسرة . لأنك تقول لمن تريد أن تكسر عليه حجته : "إن لك علي حجة ولكنها منكسرة ، وإنك لتحتج بلا حجة ، وحجتك ضعيفة " . ووجه معنى : "إلا الذين ظلموا منهم " إلى معنى : إلا الذين ظلموا منهم ، من أهل الكتاب ، فإن لهم عليكم حجة واهية أو حجة ضعيفة .

ووهي قول من قال : "إلا " في هذا الموضع بمعنى "لكن " .

وضعف قول من زعم أنه ابتداء بمعنى : إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم .

لأن تأويل أهل التأويل جاء في ذلك بأن ذلك من الله عز وجل خبر عن الذين ظلموا منهم : أنهم يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما قد ذكرنا ، ولم يقصد في ذلك إلى الخبر عن صفة حجتهم بالضعف ولا بالقوة - وإن كانت ضعيفة لأنها باطلة - وإنما قصد فيه الإثبات للذين ظلموا ، ما قد نفى عن الذين قبل حرف الاستثناء من الصفة .

2307 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه قال : قال الربيع : إن يهوديا خاصم أبا العالية فقال : إن موسى عليه السلام كان يصلي إلى صخرة بيت المقدس . فقال أبو العالية : كان يصلي عند الصخرة إلى البيت الحرام . قال : قال : فبيني وبينك مسجد صالح ، فإنه نحته من الجبل . قال أبو العالية : قد صليت فيه وقبلته إلى البيت الحرام . قال الربيع : وأخبرني أبو العالية أنه مر على مسجد ذي القرنين ، وقبلته إلى الكعبة .

وأما قوله : "فلا تخشوهم واخشوني " ، يعني : فلا تخشوا هؤلاء الذين وصفت لكم أمرهم من الظلمة في حجتهم وجدالهم وقولهم ما يقولون في أن محمدا صلى [ ص: 207 ] الله عليه وسلم قد رجع إلى قبلتنا ، وسيرجع إلى ديننا! - أو أن يقدروا لكم على ضر في دينكم أو صدكم عما هداكم الله تعالى ذكره له من الحق ، ولكن اخشوني ، فخافوا عقابي ، في خلافكم أمري إن خالفتموه .

وذلك من الله جل ثناؤه تقدم إلى عباده المؤمنين ، بالحض على لزوم قبلتهم والصلاة إليها ، وبالنهي عن التوجه إلى غيرها . يقول جل ثناؤه : واخشوني أيها المؤمنون ، في ترك طاعتي فيما أمرتكم به من الصلاة شطر المسجد الحرام .

وقد حكي عن السدي في ذلك ما : -

2308 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "فلا تخشوهم واخشوني " ، يقول : لا تخشوا أن أردكم في دينهم

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:12 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(202)
الحلقة (216)
صــ 208إلى صــ 215




القول في تأويل قوله تعالى ( ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون ( 150 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "ولأتم نعمتي عليكم " ، ومن حيث خرجت من البلاد والأرض ، وإلى أي بقعة شخصت فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث كنت ، يا محمد والمؤمنون ، فولوا وجوهكم في صلاتكم شطره ، [ ص: 208 ] واتخذوه قبلة لكم ، كيلا يكون لأحد من الناس - سوى مشركي قريش - حجة ، ولأتم بذلك - من هدايتي لكم إلى قبلة خليلي إبراهيم عليه السلام ، الذي جعلته إماما للناس - نعمتي ، فأكمل لكم به فضلي عليكم ، وأتمم به شرائع ملتكم الحنيفية المسلمة التي وصيت بها نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء غيرهم . وذلك هو نعمته التي أخبر جل ثناؤه أنه متمها على رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به من أصحابه .

وقوله : "ولعلكم تهتدون " ، يعني : وكي ترشدوا للصواب من القبلة . و "لعلكم " عطف على قوله : "ولأتم نعمتي عليكم " ، "ولأتم نعمتي عليكم " عطف على قوله : "لئلا يكون " .
القول في تأويل قوله تعالى ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ( 151 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "كما أرسلنا فيكم رسولا " ، ولأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع ملتكم الحنيفية ، وأهديكم لدين خليلي إبراهيم عليه السلام ، فأجعل لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها فقال : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) [ سورة البقرة : 128 ] ، كما جعلت لكم دعوته التي دعاني بها ، ومسألته التي سألنيها فقال : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) [ ص: 209 ] [ سورة البقرة : 129 ] ، فابتعثت منكم رسولي الذي سألني إبراهيم خليلي وابنه إسماعيل ، أن أبعثه من ذريتهما .

ف "كما " - إذ كان ذلك معنى الكلام - صلة لقول الله عز وجل : "ولأتم نعمتي عليكم " . ولا يكون قوله : "كما أرسلنا فيكم رسولا منكم " ، متعلقا بقوله : "فاذكروني أذكركم " .

وقد قال قوم : إن معنى ذلك : فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم . وزعموا أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير ، فأغرقوا النزع ، وبعدوا من الإصابة ، وحملوا الكلام على غير معناه المعروف ، وسوى وجهه المفهوم .

وذلك أن الجاري من الكلام على ألسن العرب ، المفهوم في خطابهم بينهم - إذا قال بعضهم لبعض : "كما أحسنت إليك يا فلان فأحسن " - أن لا يشترطوا للآخر ، لأن "الكاف " في "كما " شرط معناه : افعل كما فعلت . ففي مجيء جواب : "اذكروني " بعده ، وهو قوله : "أذكركم " ، أوضح دليل على أن قوله : "كما أرسلنا " من صلة الفعل الذي قبله ، وأن قوله : "اذكروني أذكركم " خبر مبتدأ منقطع عن الأول ، وأنه من سبب قوله : "كما أرسلنا فيكم " بمعزل .

وقد زعم بعض النحويين أن قوله : "فاذكروني " - إذا جعل قوله : "كما أرسلنا فيكم " جوابا له ، مع قوله : " أذكركم " - نظير الجزاء الذي يجاب بجوابين ، كقول القائل : إذا أتاك فلان فأته ترضه " ، فيصير قوله : "فأته " و "ترضه " جوابين لقوله : "إذا أتاك " ، وكقوله : "إن تأتني أحسن إليك أكرمك " . [ ص: 210 ]

وهذا القول وإن كان مذهبا من المذاهب ، فليس بالأسهل الأفصح في كلام العرب . والذي هو أولى بكتاب الله عز وجل أن يوجه إليه من اللغات ، الأفصح الأعرف من كلام العرب ، دون الأنكر الأجهل من منطقها . هذا ، مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل .

ذكر من قال : إن قوله : "كما أرسلنا " ، جواب قوله : "فاذكروني " .

2309 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى قال : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله عز وجل : " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم " ، كما فعلت فاذكروني .

2310 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

قوله : " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم " ، فإنه يعني بذلك العرب ، قال لهم جل ثناؤه : الزموا أيها العرب طاعتي ، وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجه إليها ، لتنقطع حجة اليهود عنكم ، فلا تكون لهم عليكم حجة ، ولأتم نعمتي عليكم ، وتهتدوا ، كما ابتدأتكم بنعمتي ، فأرسلت فيكم رسولا منكم . وذلك الرسول الذي أرسله إليهم منهم : محمد صلى الله عليه وسلم ، كما : -

2311 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "كما أرسلنا فيكم رسولا منكم " ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .

وأما قوله : "يتلو عليكم آياتنا " ، فإنه يعني آيات القرآن ، وبقوله : "ويزكيكم " ويطهركم من دنس الذنوب ، و "يعلمكم الكتاب" وهو الفرقان ، يعني : أنه [ ص: 211 ] يعلمهم أحكامه . ويعني : ب "الحكمة " السنن والفقه في الدين . وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده .

وأما قوله : "ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون " ، فإنه يعني : ويعلمكم من أخبار الأنبياء ، وقصص الأمم الخالية ، والخبر عما هو حادث وكائن من الأمور التي لم تكن العرب تعلمها ، فعلموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخبرهم جل ثناؤه أن ذلك كله إنما يدركونه برسوله صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فاذكروني أذكركم )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : فاذكروني أيها المؤمنون بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفي ما أنهاكم عنه ، أذكركم برحمتي إياكم ومغفرتي لكم ، كما : -

2312 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير : "فاذكروني أذكركم " قال : اذكروني بطاعتي ، أذكركم بمغفرتي .

وقد كان بعضهم يتأول ذلك أنه من الذكر بالثناء والمدح .

ذكر من قال ذلك :

1313 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون " ، إن الله ذاكر من ذكره ، وزائد من شكره ، ومعذب من كفره . [ ص: 212 ]

2314 - حدثني موسى قال : حدثني عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "اذكروني أذكركم " قال : ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله . لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة ، ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذاب .
القول في تأويل قوله تعالى ( واشكروا لي ولا تكفرون ( 152 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : اشكروا لي أيها المؤمنون فيما أنعمت عليكم من الإسلام ، والهداية للدين الذي شرعته لأنبيائي وأصفيائي ، "ولا تكفرون " ، يقول : ولا تجحدوا إحساني إليكم ، فأسلبكم نعمتي التي أنعمت عليكم ، ولكن اشكروا لي عليها ، وأزيدكم فأتمم نعمتي عليكم ، وأهديكم لما هديت له من رضيت عنه من عبادي ، فإني وعدت خلقي أن من شكر لي زدته ، ومن كفرني حرمته وسلبته ما أعطيته .

والعرب تقول : "نصحت لك وشكرت لك " ، ولا تكاد تقول : "نصحتك " ، وربما قالت : "شكرتك ونصحتك " ، من ذلك قول الشاعر :


هم جمعوا بؤسى ونعمى عليكم فهلا شكرت القوم إذ لم تقاتل


وقال النابغة في "نصحتك " :


نصحت بني عوف فلم يتقبلوا رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي
[ ص: 213 ]

وقد دللنا على أن معنى "الشكر " ، الثناء على الرجل بأفعاله المحمودة ، وأن معنى "الكفر" تغطية الشيء ، فيما مضى قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا .
القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ( 153 ) )

قال أبو جعفر : وهذه الآية حض من الله تعالى ذكره على طاعته ، واحتمال مكروهها على الأبدان والأموال ، فقال : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " على القيام بطاعتي ، وأداء فرائضي في ناسخ أحكامي ، والانصراف عما أنسخه منها إلى الذي أحدثه لكم من فرائضي ، وأنقلكم إليه من أحكامي ، والتسليم لأمري فيما آمركم به في حين إلزامكم حكمه ، والتحول عنه بعد تحويلي إياكم عنه - وإن لحقكم في ذلك مكروه من مقالة أعدائكم من الكفار بقذفهم لكم الباطل ، أو مشقة على أبدانكم في قيامكم به ، أو نقص في أموالكم - وعلى جهاد أعدائكم وحربهم في سبيلي ، بالصبر منكم لي على مكروه ذلك ومشقته عليكم ، واحتمال عنائه وثقله ، ثم بالفزع منكم فيما ينوبكم من مفظعات الأمور إلى الصلاة لي ، فإنكم بالصبر على المكاره تدركون مرضاتي ، وبالصلاة لي تستنجحون طلباتكم قبلي ، وتدركون حاجاتكم عندي ، فإني مع الصابرين على القيام بأداء فرائضي وترك معاصي ، أنصرهم وأرعاهم وأكلؤهم ، حتى يظفروا بما طلبوا وأملوا قبلي . [ ص: 214 ]

وقد بينت معنى "الصبر " و "الصلاة " فيما مضى قبل ، فكرهنا إعادته ، كما :

2315 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : "واستعينوا بالصبر والصلاة " ، يقول : استعينوا بالصبر والصلاة على مرضاة الله ، واعلموا أنهما من طاعة الله .

2316 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " ، اعلموا أنهما عون على طاعة الله .

وأما قوله : "إن الله مع الصابرين " ، فإن تأويله : فإن الله ناصره وظهيره وراض بفعله ، كقول القائل : "افعل يا فلان كذا وأنا معك " ، يعني : إني ناصرك على فعلك ذلك ومعينك عليه .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ( 154 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر على طاعتي في جهاد عدوكم ، وترك معاصي ، وأداء سائر فرائضي عليكم ، ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله : هو ميت ، فإن الميت من خلقي من سلبته حياته وأعدمته حواسه ، فلا يلتذ لذة ولا يدرك نعيما ، فإن من قتل منكم ومن سائر خلقي في سبيلي ، أحياء عندي ، في حياة ونعيم ، وعيش هني ، ورزق سني ، فرحين [ ص: 215 ] بما آتيتهم من فضلي ، وحبوتهم به من كرامتي ، كما : -

2317 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "بل أحياء " عند ربهم ، يرزقون من ثمر الجنة ، ويجدون ريحها ، وليسوا فيها .

2318 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2319 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " ، كنا نحدث أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض يأكلن من ثمار الجنة ، وأن مساكنهم سدرة المنتهى ، وأن للمجاهد في سبيل الله ثلاث خصال من الخير : من قتل في سبيل الله منهم صار حيا مرزوقا ، ومن غلب آتاه الله أجرا عظيما ، ومن مات رزقه الله رزقا حسنا .

2320 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " قال : أرواح الشهداء في صور طير بيض .

2321 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " ، في صور طير خضر يطيرون في الجنه حيث شاءوا منها ، يأكلون من حيث شاءوا .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:12 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(203)
الحلقة (217)
صــ 216إلى صــ 223



2322 - حدثني المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عثمان بن غياث . قال : سمعت عكرمة يقول في قوله : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " قال : أرواح الشهداء في طير خضر في الجنة . [ ص: 216 ]

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وما في قوله : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " ، من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره ؟ وقد علمت تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم ، فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنة يشمون منها روحها ، ويستعجلون الله قيام الساعة ، ليصيروا إلى مساكنهم منها ، ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها ، وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النار ينظرون إليها ، ويصيبهم من نتنها ومكروهها ، ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها ، ويسألون الله فيها تأخير قيام الساعة ، حذارا من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها ، مع أشباه ذلك من الأخبار . وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما الذي خص به القتيل في سبيل الله ، مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة ، وسائر الكفار والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ ، أما الكفار فمعذبون فيه بالمعيشة الضنك ، وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان ؟

قيل : إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك ، وأفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره ، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم ، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر ، من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحدا غيرهم في برزخه قبل بعثه . فذلك هو الفضيلة التي فضلهم بها وخصهم بها من غيرهم ، والفائدة التي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم ، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ) [ سورة آل عمران : 169 - 170 ] ، وبمثل الذي قلنا جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2323 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، وعبدة [ ص: 217 ] بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن الحارث بن فضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الشهداء على بارق ، نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء - وقال عبدة : في روضة خضراء - يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا .

2324 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح عن الإفريقي ، عن ابن بشار السلمي - أو أبي بشار ، شك أبو جعفر - قال : أرواح الشهداء في [ ص: 218 ] قباب بيض من قباب الجنة ، في كل قبة زوجتان ، رزقهم في كل يوم طلعت فيه الشمس ثور وحوت ، فأما الثور ، ففيه طعم كل ثمرة في الجنة ، وأما الحوت ففيه طعم كل شراب في الجنة .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فإن الخبر عما ذكرت أن الله تعالى ذكره أفاد المؤمنين بخبره عن الشهداء من النعمة التي خصهم بها في البرزخ غير موجود في قوله : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " ، وإنما فيه الخبر عن حالهم ، أموات هم أم أحياء .

قيل : إن المقصود بذكر الخبر عن حياتهم ، إنما هو الخبر عما هم فيه من النعمة ، ولكنه تعالى ذكره لما كان قد أنبأ عباده عما خص به الشهداء في قوله : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) [ سورة آل عمران : 169 ] ، وعلموا حالهم بخبره ذلك ، ثم كان المراد من الله تعالى ذكره في قوله : "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " ، نهي خلقه عن أن يقولوا للشهداء أنهم موتى ترك إعادة ذكر ما قد بين لهم من خبرهم .

وأما قوله : "ولكن لا تشعرون" ، فإنه يعني به : ولكنكم لا ترونهم فتعلموا أنهم أحياء ، وإنما تعلمون ذلك بخبري إياكم به .

وإنما رفع قوله : "أموات " بإضمار مكني عن أسماء "من يقتل في سبيل الله " ، ومعنى ذلك : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات . ولا يجوز النصب في [ ص: 219 ] "الأموات " ، لأن القول لا يعمل فيهم ، وكذلك قوله : "بل أحياء " ، رفع ، بمعنى : هم أحياء .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 ) )

قال أبو جعفر : وهذا إخبار من الله تعالى ذكره أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، أنه مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الأمور ، ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، كما ابتلاهم فامتحنهم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، وكما امتحن أصفياءه قبلهم . ووعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ سورة البقرة : 214 ] ، وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وغيره يقول .

2325 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع " ، ونحو هذا ، قال : أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال : "وبشر الصابرين " ، ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته ، لتطيب أنفسهم فقال : ( مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) . [ ص: 220 ]

ومعنى قوله : "ولنبلونكم " ، ولنختبرنكم . وقد أتينا على البيان عن أن معنى "الابتلاء " الاختبار ، فيما مضى قبل .

وقوله : "بشيء من الخوف " ، يعني من الخوف من العدو ، وبالجوع - وهو القحط - يقول : لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة ، وتتعذر المطالب عليكم ، فتنقص لذلك أموالكم ، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار ، فينقص لها عددكم ، وموت ذراريكم وأولادكم ، وجدوب تحدث ، فتنقص لها ثماركم . كل ذلك امتحان مني لكم ، واختبار مني لكم ، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه ، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم ، من أهل النفاق فيه والشك والارتياب .

كل ذلك خطاب منه لأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كما :

2326 - حدثني هارون بن إدريس الكوفي الأصم قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله : "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع " قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

وإنما قال تعالى ذكره : "بشيء من الخوف " ولم يقل بأشياء ، لاختلاف أنواع ما أعلم عباده أنه ممتحنهم به . فلما كان ذلك مختلفا - وكانت "من " تدل على أن كل نوع منها مضمر "شيء " ، فإن معنى ذلك : ولنبلونكم بشيء من الخوف ، وبشيء من الجوع ، وبشيء من نقص الأموال - اكتفى بدلالة ذكر "الشيء " في أوله ، من إعادته مع كل نوع منها .

ففعل تعالى ذكره كل ذلك بهم ، وامتحنهم بضروب المحن ، كما : -

2327 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 221 ] عن أبيه ، عن الربيع في قوله ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات قال : قد كان ذلك ، وسيكون ما هو أشد من ذلك .

قال الله عند ذلك : " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " .

ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، بشر الصابرين على امتحاني بما أمتحنهم به ، والحافظين أنفسهم عن التقدم على نهيي عما أنهاهم عنه ، والآخذين أنفسهم بأداء ما أكلفهم من فرائضي ، مع ابتلائي إياهم بما أبتليهم به ، القائلين إذا أصابتهم مصيبة : "إنا لله وإنا إليه راجعون " . فأمره الله تعالى ذكره بأن يخص - بالبشارة على ما يمتحنهم به من الشدائد - أهل الصبر ، الذين وصف الله صفتهم .

وأصل "التبشير " : إخبار الرجل الرجل الخبر ، يسره أو يسوءه ، لم يسبقه به إلى غيره
القول في تأويل قوله تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ( 156 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : وبشر ، يا محمد ، الصابرين الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمني ، فيقرون بعبوديتي ، ويوحدونني بالربوبية ، [ ص: 222 ] ويصدقون بالمعاد والرجوع إلي فيستسلمون لقضائي ، ويرجون ثوابي ، ويخافون عقابي ، ويقولون - عند امتحاني إياهم ببعض محني ، وابتلائي إياهم بما وعدتهم أن أبتليهم به من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك من المصائب التي أنا ممتحنهم بها - إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياء ، ونحن عبيده وإنا إليه بعد مماتنا صائرون - تسليما لقضائي ورضا بأحكامي .
القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( 157 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أولئك " ، هؤلاء الصابرون ، الذين وصفهم ونعتهم - "عليهم " ، يعني : لهم ، "صلوات " ، يعني : مغفرة . "وصلوات الله " على عباده ، غفرانه لعباده ، كالذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

2328 - "اللهم صل على آل أبي أوفى " .

يعني : اغفر لهم . وقد بينا "الصلاة " وما أصلها في غير هذا الموضع .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:13 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(204)
الحلقة (218)
صــ 224إلى صــ 231






وقوله : "ورحمة " ، يعني : ولهم مع المغفرة ، التي بها صفح عن ذنوبهم وتغمدها ، رحمة من الله ورأفة . [ ص: 223 ]

ثم أخبر تعالى ذكره - مع الذي ذكر أنه معطيهم على اصطبارهم على محنه ، تسليما منهم لقضائه ، من المغفرة والرحمة - أنهم هم المهتدون ، المصيبون طريق الحق ، والقائلون ما يرضى عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب .

وقد بينا معنى "الاهتداء " ، فيما مضى ، فإنه بمعنى الرشد للصواب .

وبمعنى ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2329 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " قال : أخبر الله أن المؤمن إذا سلم الأمر إلى الله ، ورجع واسترجع عند المصيبة ، كتب له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبيل الهدى . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من استرجع عند المصيبة ، جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفا صالحا يرضاه .

2330 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 224 ] عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " ، يقول : الصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا .

2331 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان العصفري ، عن سعيد بن جبير قال : ما أعطي أحد ما أعطيت هذه الأمة "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " ، ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام ، ألم تسمع إلى قوله : ( يا أسفى على يوسف ) [ سورة يوسف : 84 ] .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الصفا والمروة من شعائر الله )

قال أبو جعفر : "والصفا " جمع "صفاة " ، وهي الصخرة الملساء ، ومنه قول الطرماح :


أبى لي ذو القوى والطول ألا يؤبس حافر أبدا صفاتي
[ ص: 225 ]

وقد قالوا إن "الصفا " واحد ، وأنه يثنى "صفوان " ، ويجمع "أصفاء " و"صفيا ، وصفيا " ، واستشهدوا على ذلك بقول الراجز


كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي


وقالوا : هو نظير "عصا وعصي [ وعصي ، وأعصاء ] ، ورحا ورحي [ ورحي ] وأرحاء " .

وأما "المروة " ، فإنها الحصاة الصغيرة ، يجمع قليلها "مروات " ، وكثيرها "المرو " ، مثل "تمرة وتمرات وتمر " ، قال الأعشى ميمون بن قيس : [ ص: 226 ]


وترى بالأرض خفا زائلا فإذا ما صادف المرو رضح


يعني ب "المرو " : الصخر الصغار ، ومن ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي :


حتى كأني للحوادث مروة بصفا المشرق كل يوم تقرع


ويقال " المشقر " .

وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله : "إن الصفا والمروة " ، في هذا الموضع : الجبلين المسميين بهذين الاسمين اللذين في حرمه ، دون سائر الصفا والمرو . ولذلك أدخل فيهما "الألف واللام " ، ليعلم عباده أنه عنى بذلك الجبلين المعروفين بهذين الاسمين ، دون سائر الأصفاء والمرو .

وأما قوله : "من شعائر الله " ، فإنه يعني : من معالم الله التي جعلها تعالى ذكره لعباده معلما ومشعرا يعبدونه عندها ، إما بالدعاء ، وإما بالذكر ، وإما بأداء ما فرض عليهم من العمل عندها . ومنه قول الكميت :


نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقرب
[ ص: 227 ]

وكان مجاهد يقول في الشعائر بما : -

2332 - حدثني به محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " قال : من الخبر الذي أخبركم عنه .

2333 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

فكأن مجاهدا كان يرى أن الشعائر ، إنما هو جمع "شعيرة " ، من إشعار الله عباده أمر الصفا والمروة ، وما عليهم في الطواف بهما . فمعناه : إعلامهم ذلك .

وذلك تأويل من المفهوم بعيد . وإنما أعلم الله تعالى ذكره بقوله : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر الحج التي سنها لهم ، وأمر بها خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، إذ سأله أن يريه مناسك الحج . وذلك وإن كان مخرجه مخرج الخبر ، فإنه مراد به الأمر . لأن الله تعالى ذكره قد أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه السلام ، فقال له : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) [ سورة النحل : 123 ] ، وجعل تعالى ذكره إبراهيم إماما لمن بعده . فإذ كان صحيحا أن الطواف والسعي بين الصفا والمروة من شعائر الله ومن مناسك الحج ، فمعلوم أن إبراهيم صلى الله [ ص: 228 ] عليه وسلم قد عمل به وسنه لمن بعده ، وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته باتباعه ، فعليهم العمل بذلك ، على ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن حج البيت أو اعتمر )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : "فمن حج البيت " ، فمن أتاه عائدا إليه بعد بدء . وكذلك كل من أكثر الاختلاف إلى شيء فهو "حاج إليه " ، ومنه قول الشاعر :


لأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا
[ ص: 229 ]

يعني بقوله : "يحجون " ، يكثرون التردد إليه لسؤدده ورياسته . وإنما قيل للحاج "حاج " ، لأنه يأتي البيت قبل التعريف ، ثم يعود إليه لطواف يوم النحر بعد التعريف ، ثم ينصرف عنه إلى منى ، ثم يعود إليه لطواف الصدر . فلتكراره العود إليه مرة بعد أخرى قيل له : "حاج " .

وأما "المعتمر " ، فإنما قيل له : "معتمر " ، لأنه إذا طاف به انصرف عنه بعد زيارته إياه . وإنما يعني تعالى ذكره بقوله : "أو اعتمر " ، أو اعتمر البيت ، ويعني ب "الاعتمار " الزيارة . فكل قاصد لشيء فهو له "معتمر " ، ومنه قول العجاج :


لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبر


يعني بقوله : "حين اعتمر " ، حين قصده وأمه .
[ ص: 230 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، يقول : فلا حرج عليه ولا مأثم في طوافه بهما .

فإن قال قائل : وما وجه هذا الكلام ، وقد قلت لنا ، إن قوله : "إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر ، فإنه في معنى الأمر بالطواف بهما ؟ فكيف يكون أمرا بالطواف ، ثم يقال : لا جناح على من حج البيت أو اعتمر في الطواف بهما ؟ وإنما يوضع الجناح عمن أتى ما عليه بإتيانه الجناح والحرج ؟ والأمر بالطواف بهما ، والترخيص في الطواف بهما ، غير جائز اجتماعهما في حال واحدة ؟

قيل : إن ذلك بخلاف ما إليه ذهبت . وإنما معنى ذلك عند أقوام : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اعتمر عمرة القضية ، تخوف أقوام كانوا يطوفون بهما في الجاهلية قبل الإسلام لصنمين كانا عليهما تعظيما منهم لهما ، فقالوا : وكيف نطوف بهما ، وقد علمنا أن تعظيم الأصنام وجميع ما كان يعبد من ذلك من دون الله ، شرك ؟ ففي طوافنا بهذين الحجرين أحرج ذلك ، لأن الطواف بهما في الجاهلية إنما كان للصنمين اللذين كانا عليهما ، وقد جاء الله بالإسلام اليوم ، ولا سبيل إلى تعظيم شيء مع الله بمعنى العبادة له!

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:13 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(205)
الحلقة (219)
صــ 232إلى صــ 239





فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك من أمرهم : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، [ ص: 231 ] يعني : إن الطواف بهما ، فترك ذكر "الطواف بهما " ، اكتفاء بذكرهما عنه . وإذ كان معلوما عند المخاطبين به أن معناه : من معالم الله التي جعلها علما لعباده يعبدونه عندهما بالطواف بينهما ، ويذكرونه عليهما وعندهما بما هو له أهل من الذكر ، "فمن حج البيت أو اعتمر " فلا يتخوفن الطواف بهما ، من أجل ما كان أهل الجاهلية يطوفون بهما من أجل الصنمين اللذين كانا عليهما ، فإن أهل الشرك كانوا يطوفون بهما كفرا ، وأنتم تطوفون بهما إيمانا ، وتصديقا لرسولي ، وطاعة لأمري ، فلا جناح عليكم في الطواف بهما .

و"الجناح " ، الإثم ، كما : -

2334 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، يقول : ليس عليه إثم ، ولكن له أجر .

وبمثل الذي قلنا في ذلك تظاهرت الرواية عن السلف من الصحابة والتابعين .

ذكر الأخبار التي رويت بذلك :

2335 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا داود ، عن الشعبي : أن وثنا كان في الجاهلية على الصفا يسمى "إسافا " ، ووثنا على المروة يسمى "نائلة " ، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين . فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان ، قال المسلمون : إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين ، وليس الطواف بهما من الشعائر! قال : فأنزل الله : إنهما من الشعائر ، "فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " .

2336 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عامر قال : كان صنم بالصفا يدعى "إسافا " ، ووثن بالمروة يدعى "نائلة " ، [ ص: 232 ] ثم ذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب - وزاد فيه ، قال : فذكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه ، وأنث المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثا .

2337 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، وذكر نحو حديث ابن أبي الشوارب عن يزيد ، وزاد فيه - قال : فجعله الله تطوع خير .

2338 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : أخبرني عاصم الأحول قال : قلت لأنس بن مالك : أكنتم تكرهون الطواف بين الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية ؟ فقال : نعم كنا نكره الطواف بينهما لأنهما من شعائر الجاهلية ، حتى نزلت هذه الآية إن الصفا والمروة من شعائر الله

2339 - حدثني علي بن سهل الرملي قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم قال : سألت أنسا عن الصفا والمروة ، فقال : كانتا من مشاعر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكوا عنهما ، فنزلت : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " . [ ص: 233 ]

2340 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثني أبو الحسين المعلم قال : حدثنا شيبان أبو معاوية ، عن جابر الجعفي ، عن عمرو بن حبشي قال : قلت لابن عمر : " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " قال : انطلق إلى ابن عباس فاسأله ، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . فأتيته فسألته ، فقال : إنه كان عندهما أصنام ، فلما حرمن أمسكوا عن الطواف بينهما ، حتى أنزلت : " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " . [ ص: 234 ]

2341 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، وذلك أن ناسا كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فأخبر الله أنهما من شعائره ، والطواف بينهما أحب إليه ، فمضت السنة بالطواف بينهما .

2342 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " قال : زعم أبو مالك ، عن ابن عباس : أنه كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة ، وكانت بينهما آلهة ، فلما جاء الإسلام وظهر ، قال المسلمون : يا رسول الله ، لا نطوف بين الصفا والمروة ، فإنه شرك كنا نفعله في الجاهلية! فأنزل الله : "فلا جناح عليه أن يطوف بهما " . [ ص: 235 ]

2343 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " قال : قالت الأنصار : إن السعي بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية! فأنزل الله تعالى ذكره : " إن الصفا والمروة من شعائر الله "

2344 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .

2345 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : كان أهل الجاهلية قد وضعوا على كل واحد منهما صنما يعظمونهما ، فلما أسلم المسلمون كرهوا الطواف بالصفا والمروة لمكان الصنمين ، فقال الله تعالى : " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، وقرأ : ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) [ سورة الحج : 32 ] ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما .

2346 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عاصم قال : قلت لأنس : الصفا والمروة ، أكنتم تكرهون أن تطوفوا بهما مع الأصنام التي نهيتم عنها ؟ قال : نعم ، حتى نزلت : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " .

2347 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير قال : أخبرنا عاصم قال : سمعت أنس بن مالك يقول : إن الصفا والمروة من مشاعر قريش في الجاهلية ، [ ص: 236 ] فلما كان الإسلام تركناهما .

وقال آخرون : بل أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية ، في سبب قوم كانوا في الجاهلية لا يسعون بينهما ، فلما جاء الإسلام تخوفوا السعي بينهما كما كانوا يتخوفونه في الجاهلية .

ذكر من قال ذلك :

2348 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " الآية ، فكان حي من تهامة في الجاهلية لا يسعون بينهما ، فأخبرهم الله أن الصفا والمروة من شعائر الله ، وكان من سنة إبراهيم وإسماعيل الطواف بينهما .

2349 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فأنزل الله : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " .

2350 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب قال : حدثني عروة بن الزبير قال : سألت عائشة فقلت لها : أرأيت قول الله : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ؟ وقلت لعائشة : والله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة ؟ فقالت عائشة : بئس ما قلت يا ابن أختي ، إن هذه الآية لو كانت كما أولتها كانت : لا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، ولكنها إنما أنزلت في الأنصار : كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة ، الطاغية التي كانوا يعبدون بالمشلل ، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بين [ ص: 237 ] الصفا والمروة ، فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك - فقالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة - أنزل الله تعالى ذكره : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " . قالت عائشة : ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما . [ ص: 238 ]

2351 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان رجال من الأنصار ممن يهل لمناة في الجاهلية - و "مناة " صنم بين مكة والمدينة - قالوا : يا نبي الله ، إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة ، فهل علينا من حرج أن نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما" . قال عروة : فقلت لعائشة : ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة ! قال الله : "فلا جناح عليه " . قالت : يا ابن أختي ، ألا ترى أنه يقول : "إن الصفا والمروة من شعائر الله "! قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال : هذا العلم! قال أبو بكر : ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة ، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة ، وإن الله قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة ، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "إن الصفا والمروة من شعائر الله " الآية كلها ، قال أبو بكر : فأسمع أن هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما ، في من طاف وفي من لم يطف . [ ص: 239 ]

2352 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : كان ناس من أهل تهامة لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فأنزل الله : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره قد جعل الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله ، كما جعل الطواف بالبيت من شعائره .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:14 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(206)
الحلقة (220)
صــ 240إلى صــ 247



فأما قوله : " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، فجائز أن يكون قيل لكلا الفريقين اللذين تخوف بعضهم الطواف بهما من أجل الصنمين اللذين ذكرهما الشعبي ، وبعضهم من أجل ما كان من كراهتهم الطواف بهما في الجاهلية ، على ما روي عن عائشة . [ ص: 240 ]

وأي الأمرين كان من ذلك ، فليس في قول الله تعالى ذكره : " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، الآية ، دلالة على أنه عنى به وضع الحرج عمن طاف بهما ، من أجل أن الطواف بهما كان غير جائز بحظر الله ذلك ، ثم جعل الطواف بهما رخصة ، لإجماع الجميع على أن الله تعالى ذكره لم يحظر ذلك في وقت ، ثم رخص فيه بقوله : " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " .

وإنما الاختلاف في ذلك بين أهل العلم على أوجه . فرأى بعضهم أن تارك الطواف بينهما تارك من مناسك حجه ما لا يجزيه منه غير قضائه بعينه ، كما لا يجزي تارك الطواف - الذي هو طواف الإفاضة - إلا قضاؤه بعينه . وقالوا : هما طوافان : أمر الله بأحدهما بالبيت ، والآخر بين الصفا والمروة .

ورأى بعضهم أن تارك الطواف بهما يجزيه من تركه فدية ، ورأوا أن حكم الطواف بهما حكم رمي بعض الجمرات ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الصدر وما أشبه ذلك ، مما يجزي تاركه من تركه فدية ، ولا يلزمه العود لقضائه بعينه .

ورأى آخرون أن الطواف بهما تطوع ، إن فعله صاحبه كان محسنا ، وإن تركه تارك لم يلزمه بتركه شيء .

ذكر من قال : إن السعي بين الصفا والمروة واجب ولا يجزي منه فدية ، ومن تركه فعليه العود . [ ص: 241 ]

2353 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : لعمري ما حج من لم يسع بين الصفا والمروة ، لأن الله قال : "إن الصفا والمروة من شعائر الله " .

2353 م - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال مالك بن أنس : من نسي السعي بين الصفا والمروة حتى يستبعد من مكة ، فليرجع فليسع ، وإن كان قد أصاب النساء فعليه العمرة والهدي .

وكان الشافعي يقول : على من ترك السعي بين الصفا والمروة حتى رجع إلى بلده ، العود إلى مكة حتى يطوف بينهما ، لا يجزيه غير ذلك .

2354 - حدثنا بذلك عنه الربيع .

ذكر من قال : يجزي منه دم ، وليس عليه عود لقضائه .

قال الثوري بما : -

2355 - حدثني به علي بن سهل ، عن زيد بن أبي الزرقاء ، عنه ، وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : إن عاد تارك الطواف بينهما لقضائه فحسن ، وإن لم يعد فعليه دم .

ذكر من قال : الطواف بينهما تطوع ، ولا شيء على من تركه ، ومن كان يقرأ : ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) .

2356 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا ابن جريج قال : قال عطاء : لو أن حاجا أفاض بعدما رمى جمرة العقبة ، فطاف بالبيت ولم يسع ، فأصابها - يعني : امرأته - لم يكن عليه شيء ، لا حج ولا عمرة ، من أجل قول الله في مصحف ابن مسعود : "فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " . فعاودته بعد ذلك فقلت : إنه قد ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ألا تسمعه يقول : "فمن تطوع خيرا " ، فأبى أن يجعل عليه شيئا ؟

2357 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، [ ص: 242 ] عن عطاء ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : "إن الصفا والمروة من شعائر الله " الآية "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " .

2358 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم قال : سمعت أنسا يقول : الطواف بينهما تطوع .

2359 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا عاصم الأحول قال : قال أنس بن مالك : هما تطوع .

2360 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .

2361 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " قال : فلم يحرج من لم يطف بهما .

2362 - حدثنا المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا أحمد ، عن عيسى بن قيس ، عن عطاء ، عن عبد الله بن الزبير قال : هما تطوع . [ ص: 243 ]

2364 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عاصم قال : قلت لأنس بن مالك : السعي بين الصفا والمروة تطوع ؟ قال : تطوع .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن الطواف بهما فرض واجب ، وأن على من تركه العود لقضائه ، ناسيا كان ، أو عامدا . لأنه لا يجزيه غير ذلك ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حج بالناس ، فكان مما علمهم من مناسك حجهم الطواف بهما .

ذكر الرواية عنه بذلك :

2365 - حدثني يوسف بن سلمان قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : لما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصفا في حجه قال : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، ابدأوا بما بدأ الله بذكره . فبدأ بالصفا فرقي عليه .

2366 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا محمود بن ميمون أبو الحسن ، عن أبي بكر بن عياش ، عن ابن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " ، فأتى الصفا فبدأ بها ، فقام عليها ، ثم أتى المروة فقام عليها ، وطاف وسعى . [ ص: 244 ]

فإذ كان صحيحا بإجماع الجميع من الأمة - أن الطواف بهما على تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في مناسكهم ، وعمله في حجه وعمرته وكان بيانه صلى الله عليه وسلم لأمته جمل ما نص الله في كتابه ، وفرضه في تنزيله ، وأمر به مما لم يدرك علمه إلا ببيانه ، لازما العمل به أمته ، كما قد بينا في كتابنا "كتاب البيان عن أصول الأحكام " - إذا اختلفت الأمة في وجوبه ، ثم كان مختلفا في الطواف بينهما : هل هو واجب أو غير واجب كان بينا وجوب فرضه على من حج أو اعتمر ، لما وصفنا .

وكذلك وجوب العود لقضاء الطواف بين الصفا والمروة - لما كان مختلفا فيما على من تركه ، مع إجماع جميعهم على أن ذلك مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم إذ علمهم مناسك حجهم - كما طاف بالبيت وعلمه أمته في حجهم وعمرتهم ، إذ علمهم مناسك حجهم وعمرتهم - وأجمع الجميع على أن الطواف بالبيت لا تجزي منه فدية ولا بدل ، ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه كان نظيرا له الطواف بالصفا والمروة ، ولا تجزي منه فدية ولا جزاء ، ولا يجزي تاركه إلا العود لقضائه ، إذ كانا كلاهما طوافين : أحدهما بالبيت ، والآخر بالصفا والمروة . [ ص: 245 ]

ومن فرق بين حكمهما عكس عليه القول فيه ، ثم سئل البرهان على التفرقة بينهما .

فإن اعتل بقراءة من قرأ : "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " .

قيل : ذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين ، غير جائز لأحد أن يزيد في مصاحفهم ما ليس فيها . وسواء قرأ ذلك كذلك قارئ ، أو قرأ قارئ : ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) [ سورة الحج : 29 ] ، "فلا جناح عليهم أن لا يطوفوا به " . فإن جازت إحدى الزيادتين اللتين ليستا في المصحف ، كانت الأخرى نظيرتها ، وإلا كان مجيز إحداهما - إذا منع الأخرى - متحكما ، والتحكم لا يعجز عنه أحد .

وقد روي إنكار هذه القراءة ، وأن يكون التنزيل بها ، عن عائشة .

2367 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا يومئذ حديث السن : أرأيت قول الله عز وجل : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ، فما نرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما! فقالت عائشة : كلا! لو كانت كما تقول ، كانت : "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " ، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار ، كانوا يهلون لمناة - وكانت مناة حذو قديد - ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة . فلما جاء الإسلام ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله : "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج [ ص: 246 ] البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " .

قال أبو جعفر : وقد يحتمل قراءة من قرأ : "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " ، أن تكون "لا " التي مع "أن " ، صلة في الكلام ، إذ كان قد تقدمها جحد في الكلام قبلها ، وهو قوله : ( فلا جناح عليه ) ، فيكون نظير قول الله تعالى ذكره : ( قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ) [ سورة الأعراف : 12 ] ، بمعنى ما منعك أن تسجد ، وكما قال الشاعر :


ما كان يرضى رسول الله فعلهما والطيبان أبو بكر ولا عمر


ولو كان رسم المصحف كذلك ، لم يكن فيه لمحتج حجة ، مع احتمال الكلام ما وصفنا . لما بينا أن ذلك مما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في مناسكهم ، على ما ذكرنا ، ولدلالة القياس على صحته ، فكيف وهو خلاف رسوم مصاحف المسلمين ، ومما لو قرأه اليوم قارئ كان مستحقا العقوبة لزيادته في كتاب الله عز وجل ما ليس منه ؟
[ ص: 247 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ( 158 ) )

قال أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة : "ومن تطوع خيرا " على لفظ المضي ب "التاء " وفتح "العين " . وقرأته عامة قراء الكوفيين : "ومن يطوع خيرا " ب "الياء " وجزم "العين " وتشديد "الطاء " ، بمعنى : ومن يتطوع . وذكر أنها في قراءة عبد الله : "ومن يتطوع " ، فقرأ ذلك قراء أهل الكوفة ، على ما وصفنا ، اعتبارا بالذي ذكرنا من قراءة عبد الله - سوى عاصم ، فإنه وافق المدنيين - فشددوا "الطاء " طلبا لإدغام "التاء " في "الطاء " . وكلتا القراءتين معروفة صحيحة ، متفق معنياهما غير مختلفين - لأن الماضي من الفعل مع حروف الجزاء بمعنى المستقبل . فبأي القراءتين قرأ ذلك قارئ فمصيب .

[ والصواب عندنا في ذلك ، أن ] معنى ذلك : ومن تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء حجته الواجبة عليه ، فإن الله شاكر له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه ، فمجازيه به ، عليم بما قصد وأراد بتطوعه بما تطوع به .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:15 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(207)
الحلقة (221)
صــ 248إلى صــ 254




وإنما قلنا إن الصواب في معنى قوله : "فمن تطوع خيرا " هو ما وصفنا ، دون قول من زعم أنه معني به : فمن تطوع بالسعي والطواف بين الصفا والمروة ، لأن الساعي بينهما لا يكون متطوعا بالسعي بينهما ، إلا في حج تطوع أو عمرة تطوع ، لما وصفنا قبل . وإذ كان ذلك كذلك كان معلوما أنه إنما عنى بالتطوع بذلك ، التطوع بما يعمل ذلك فيه من حج أو عمرة . [ ص: 248 ]

وأما الذين زعموا أن الطواف بهما تطوع لا واجب ، فإن الصواب أن يكون تأويل ذلك على قولهم : فمن تطوع بالطواف بهما ، فإن الله شاكر لأن للحاج والمعتمر على قولهم الطواف بهما إن شاء ، وترك الطواف . فيكون معنى الكلام على تأويلهم : فمن تطوع بالطواف بالصفا والمروة ، فإن الله شاكر تطوعه ذلك عليم بما أراد ونوى الطائف بهما كذلك ، كما : -

2368 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم قال : من تطوع خيرا فهو خير له ، تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت من السنن .

وقال آخرون : معنى ذلك : ومن تطوع خيرا فاعتمر .

ذكر من قال ذلك :

2369 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ، من تطوع خيرا فاعتمر فإن الله شاكر عليم . قال : فالحج فريضة ، والعمرة تطوع ، ليست العمرة واجبة على أحد من الناس .
[ ص: 249 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات " ، علماء اليهود وأحبارها ، وعلماء النصارى ، لكتمانهم الناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وتركهم اتباعه وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

و"البينات " التي أنزلها الله : ما بين من أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه وصفته ، في الكتابين اللذين أخبر الله تعالى ذكره أن أهلهما يجدون صفته فيهما .

ويعني تعالى ذكره ب "الهدى " ما أوضح لهم من أمره في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم ، فقال تعالى ذكره : إن الذين يكتمون الناس الذي أنزلنا في كتبهم من البيان من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وصحة الملة التي أرسلته بها وحقيتها ، فلا يخبرونهم به ، ولا يعلنون من تبييني ذلك للناس وإيضاحيه لهم ، في الكتاب الذي أنزلته إلى أنبيائهم ، "أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا " الآية . كما : -

2370 - حدثنا أبو كريب قال : وحدثنا يونس بن بكير - وحدثنا ابن [ ص: 250 ] حميد قال : حدثنا سلمة - قالا جميعا ، حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : سأل معاذ بن جبل أخو بنى سلمة ، وسعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج ، نفرا من أحبار يهود - قال أبو كريب : عما في التوراة ، وقال ابن حميد : عن بعض ما في التوراة - فكتموهم إياه ، وأبوا أن يخبروهم عنه ، فأنزل الله تعالى ذكره فيهم : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " .

2371 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى " قال : هم أهل الكتاب .

2372 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2373 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع في قوله "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى " قال : كتموا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم ، فكتموه حسدا وبغيا . [ ص: 251 ]

2374 - حدثنا بشر بن معاذ : قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب " أولئك أهل الكتاب ، كتموا الإسلام وهو دين الله ، وكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

2374 م - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب" ، زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن غنمة ، قال له : هل تجدون محمدا عندكم ؟ قال : لا! قال : محمد : "البينات " .
القول في تأويل قوله تعالى ( من بعد ما بيناه للناس في الكتاب )

[ قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "من بعد ما بيناه للناس " ] ، بعض الناس ، لأن العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ومبعثه لم يكن إلا عند أهل الكتاب دون غيرهم ، وإياهم عنى تعالى ذكره بقوله : "للناس في الكتاب" ، ويعني بذلك : التوراة والإنجيل .

وهذه الآية وإن كانت نزلت في خاص من الناس ، فإنها معني بها كل كاتم علما فرض الله تعالى بيانه للناس .

وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال [ ص: 252 ]

2375 - من سئل عن علم يعلمه فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار . "

وكان أبو هريرة يقول ما : -

2376 - حدثنا به نصر بن علي الجهضمي قال : حدثنا حاتم بن وردان قال : حدثنا أيوب السختياني ، عن أبي هريرة قال : لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم! وتلا "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " ،

2377 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، عن يونس قال : قال ابن شهاب ، قال ابن المسيب : قال أبو هريرة : لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات ) إلى آخر الآية ، والآية الأخرى : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ) إلى آخر الآية [ سورة آل عمران : 178 ] .
[ ص: 253 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( 159 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أولئك يلعنهم الله " ، هؤلاء الذين يكتمون ما أنزله الله من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته وأمر دينه ، أنه [ ص: 254 ] الحق - من بعد ما بينه الله لهم في كتبهم - يلعنهم بكتمانهم ذلك ، وتركهم تبيينه للناس .

و"اللعنة " "الفعلة " ، من "لعنه الله " بمعنى أقصاه وأبعده وأسحقه . وأصل "اللعن " : الطرد ، كما قال الشماخ بن ضرار ، وذكر ماء ورد عليه :


ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين


يعني : مقام الذئب الطريد . و"اللعين " من نعت "الذئب " ، وإنما أراد : مقام الذئب الطريد واللعين كالرجل .

فمعنى الآية إذا : أولئك يبعدهم الله منه ومن رحمته ، ويسأل ربهم اللاعنون أن يلعنهم ، لأن لعنة بني آدم وسائر خلق الله ما لعنوا أن يقولوا : "اللهم العنه " إذ كان معنى "اللعن " هو ما وصفنا من الإقصاء والإبعاد .

وإنما قلنا إن لعنة اللاعنين هي ما وصفنا : من مسألتهم ربهم أن يلعنهم ، وقولهم : "لعنه الله " أو "عليه لعنة الله " ، لأن : -

2378 - محمد بن خالد بن خداش ويعقوب بن إبراهيم حدثاني قالا : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " ، البهائم ، قال : إذا أسنتت السنة ، قالت البهائم : هذا من أجل عصاة بني آدم ، لعن الله عصاة بني آدم !

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:15 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(208)
الحلقة (222)
صــ 255إلى صــ 261




ثم اختلف أهل التأويل في من عنى الله تعالى ذكره ب "اللاعنين " . فقال بعضهم : عنى بذلك دواب الأرض وهوامها . [ ص: 255 ]

ذكر من قال ذلك :

2379 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قال : تلعنهم دواب الأرض ، وما شاء الله من الخنافس والعقارب تقول : نمنع القطر بذنوبهم .

2380 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : "أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " قال : دواب الأرض ، العقارب والخنافس ، يقولون : منعنا القطر بخطايا بني آدم .

2381 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد : "ويلعنهم اللاعنون " قال : تلعنهم الهوام ودواب الأرض ، تقول : أمسك القطر عنا بخطايا بني آدم .

2382 - حدثنا مشرف بن أبان الحطاب البغدادي قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة في قوله أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال : يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقارب ، يقولون : منعنا القطر بذنوب بني آدم .

2383 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ويلعنهم اللاعنون " قال : اللاعنون : البهائم .

2383 م - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ويلعنهم اللاعنون " ، البهائم ، تلعن عصاة بني آدم حين أمسك الله عنهم بذنوب بني آدم المطر ، فتخرج البهائم فتلعنهم .

2384 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "أولئك يلعنهم الله [ ص: 256 ] ويلعنهم اللاعنون " ، البهائم : الإبل والبقر والغنم ، فتلعن عصاة بني آدم إذا أجدبت الأرض .

فإن قال لنا قائل : وما وجه الذين وجهوا تأويل قوله : "ويلعنهم اللاعنون " ، إلى أن اللاعنين هم الخنافس والعقارب ونحو ذلك من هوام الأرض ، وقد علمت أنها إذا جمعت ما كان من نوع البهائم وغير بني آدم ، فإنما تجمعه بغير "الياء والنون " وغير "الواو والنون " ، وإنما تجمعه ب "التاء " ، وما خالف ما ذكرنا ، فتقول : "اللاعنات " ونحو ذلك ؟

قيل : الأمر وإن كان كذلك ، فإن من شأن العرب إذا وصفت شيئا من البهائم أو غيرها - مما حكم جمعه أن يكون ب"التاء " وبغير صورة جمع ذكران بني آدم - بما هو من صفة الآدميين ، أن يجمعوه جمع ذكورهم ، كما قال تعالى ذكره : ( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ) [ سورة فصلت : 21 ] ، فأخرج خطابهم على مثال خطاب بني آدم ، إذ كلمتهم وكلموها ، وكما قال : ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ) [ سورة النمل : 18 ] ، وكما قال : ( والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) [ سورة يوسف : 4 ] .

وقال آخرون : عنى الله تعالى ذكره بقوله : "ويلعنهم اللاعنون" ، الملائكة والمؤمنين .

ذكر من قال ذلك :

2385 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ويلعنهم اللاعنون " ، قال : يقول : اللاعنون من ملائكة الله ومن المؤمنين . [ ص: 257 ]

2386 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "ويلعنهم اللاعنون " ، الملائكة .

2387 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قال : "اللاعنون " ، من ملائكة الله والمؤمنين .

وقال آخرون : يعني ب"اللاعنين " ، كل ما عدا بني آدم والجن .

ذكر من قال ذلك :

2388 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "ويلعنهم اللاعنون " قال : قال البراء بن عازب : إن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها قدران من نحاس ، معها عمود من حديد ، فتضربه ضربة بين كتفيه ، فيصيح ، فلا يسمع أحد صوته إلا لعنه ، ولا يبقى شيء إلا سمع صوته ، إلا الثقلين الجن والإنس .

2389 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال : الكافر إذا وضع في حفرته ، ضرب ضربة بمطرق فيصيح صيحة ، يسمع صوته كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس ، فلا يسمع صيحته شيء إلا لعنه .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال : " اللاعنون " ، الملائكة والمؤمنون . لأن الله تعالى ذكره قد وصف الكفار بأن اللعنة التي تحل بهم إنما هي من الله والملائكة والناس أجمعين ، فقال تعالى ذكره : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) ، فكذلك [ ص: 258 ] اللعنة التي أخبر الله تعالى ذكره أنها حالة بالفريق الآخر : الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس ، هي لعنة الله ، ولعنة الذين أخبر أن لعنتهم حالة بالذين كفروا وماتوا وهم كفار ، وهم "اللاعنون " ، لأن الفريقين جميعا أهل كفر .

وأما قول من قال إن "اللاعنين " هم الخنافس والعقارب وما أشبه ذلك من دبيب الأرض وهوامها ، فإنه قول لا تدرك حقيقته إلا بخبر عن الله أن ذلك من فعلها تقوم به الحجة ، ولا خبر بذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فيجوز أن يقال إن ذلك كذلك .

وإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب من القول فيما قالوه أن يقال : إن الدليل من ظاهر كتاب الله موجود بخلاف [ قول ] أهل التأويل ، وهو ما وصفنا . فإن كان جائزا أن تكون البهائم وسائر خلق الله ، تلعن الذين يكتمون ما أنزل الله في كتابه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ونبوته ، بعد علمهم به ، وتلعن معهم جميع الظلمة - فغير جائز قطع الشهادة في أن الله عنى ب"اللاعنين " البهائم والهوام ودبيب الأرض ، إلا بخبر للعذر قاطع . ولا خبر بذلك ، وظاهر كتاب الله الذي ذكرناه دال على خلافه .
[ ص: 259 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ( 160 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله واللاعنين يلعنون الكاتمين الناس ما علموا من أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته في الكتاب الذي أنزله الله وبينه للناس ، إلا من أناب من كتمانه ذلك منهم ؛ وراجع التوبة بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والإقرار به وبنبوته ، وتصديقه فيما جاء به من عند الله ، وبيان ما أنزل الله في كتبه التي أنزل إلى أنبيائه ، من الأمر باتباعه ؛ وأصلح حال نفسه بالتقرب إلى الله من صالح الأعمال بما يرضيه عنه ؛ وبين الذي علم من وحي الله الذي أنزله إلى أنبيائه وعهد إليهم في كتبه فلم يكتمه ، وأظهره فلم يخفه "فأولئك " ، يعني : هؤلاء الذين فعلوا هذا الذي وصفت منهم ، هم الذين أتوب عليهم ، فأجعلهم من أهل الإياب إلى طاعتي ، والإنابة إلى مرضاتي .

ثم قال تعالى ذكره : "وأنا التواب الرحيم " ، يقول : وأنا الذي أرجع بقلوب عبيدي المنصرفة عنى إلي ، والرادها بعد إدبارها عن طاعتي إلى طلب محبتي ، والرحيم بالمقبلين بعد إقبالهم إلي ، أتغمدهم مني بعفو ، وأصفح عن عظيم ما كانوا اجترموا فيما بيني وبينهم ، بفضل رحمتي لهم .

فإن قال قائل : وكيف يتاب على من تاب ؟ وما وجه قوله : "إلا الذين تابوا فأولئك أتوب عليهم " ؟ وهل يكون تائب إلا وهو متوب عليه ، أو متوب عليه إلا وهو تائب ؟

قيل : ذلك مما لا يكون أحدهما إلا والآخر معه ، فسواء قيل : إلا الذين تيب عليهم فتابوا - أو قيل : إلا الذين تابوا فإني أتوب عليهم . وقد بينا وجه ذلك [ ص: 260 ] فيما جاء من الكلام هذا المجيء ، في نظيره فيما مضى من كتابنا هذا ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2390 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا " ، يقول : أصلحوا فيما بينهم وبين الله ، وبينوا الذي جاءهم من الله ، فلم يكتموه ولم يجحدوا به : أولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم .

2391 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا " قال : بينوا ما في كتاب الله للمؤمنين ، وما سألوهم عنه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا كله في يهود .

قال أبو جعفر : وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : "وبينوا " ، إنما هو : وبينوا التوبة بإخلاص العمل . ودليل ظاهر الكتاب والتنزيل بخلافه ؛ لأن القوم إنما عوتبوا قبل هذه الآية ، على كتمانهم ما أنزل الله تعالى ذكره وبينه في كتابه ، في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ، ثم استثنى منهم تعالى ذكره الذين يبينون أمر محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ، فيتوبون مما كانوا عليه من الجحود والكتمان ، فأخرجهم من عداد من يلعنه الله ويلعنه اللاعنون ، ولم يكن العتاب على تركهم تبيين التوبة بإخلاص العمل .

والذين استثنى الله من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد [ ص: 261 ] ما بينه للناس في الكتاب ، عبد الله بن سلام وذووه من أهل الكتاب ، الذين أسلموا فحسن إسلامهم ، واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ( 161 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "إن الذين كفروا " ، إن الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به من اليهود والنصارى وسائر أهل الملل ، والمشركين من عبدة الأوثان "وماتوا وهم كفار " ، يعني : وماتوا وهم على جحودهم ذلك وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، " أولئك عليهم لعنة الله والملائكة " ، يعني : فأولئك الذين كفروا وماتوا وهم كفار عليهم لعنة الله ، يقول : أبعدهم الله وأسحقهم من رحمته ، "والملائكة " ، يعني ولعنهم الملائكة والناس أجمعون . ولعنة الملائكة والناس إياهم قولهم : "عليهم لعنة الله " .

وقد بينا معنى "اللعنة " فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:16 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(209)
الحلقة (223)
صــ 262إلى صــ 268




فإن قال قائل : وكيف تكون على الذي يموت كافرا بمحمد صلى الله عليه وسلم [ لعنة الناس أجمعين ] من أصناف الأمم ، وأكثرهم ممن لا يؤمن به ويصدقه ؟ [ ص: 262 ]

قيل : إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : عنى الله بقوله : "والناس أجمعين " ، أهل الإيمان به وبرسوله خاصة ، دون سائر البشر .

ذكر من قال ذلك :

2392 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "والناس أجمعين " ، يعني : ب "الناس أجمعين " ، المؤمنين .

2393 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "والناس أجمعين " ، يعني ب "الناس أجمعين " ، المؤمنين .

وقال آخرون : بل ذلك يوم القيامة ، يوقف على رءوس الأشهاد الكافر فيلعنه الناس كلهم .

ذكر من قال ذلك :

2394 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : أن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون .

وقال آخرون : بل ذلك قول القائل كائنا من كان : "لعن الله الظالم " ، فيلحق ذلك كل كافر ، لأنه من الظلمة .

ذكر من قال ذلك :

2395 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ، فإنه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما : "لعن الله الظالم " ، إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر ، لأنه ظالم ، فكل أحد من الخلق يلعنه . [ ص: 263 ]

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا قول من قال : عنى الله بذلك جميع الناس ، بمعنى لعنهم إياهم بقولهم : "لعن الله الظالم - أو الظالمين " .

فإن كل أحد من بني آدم لا يمتنع من قيل ذلك كائنا من كان ، ومن أي أهل ملة كان ، فيدخل بذلك في لعنته كل كافر كائنا من كان . وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية . لأن الله تعالى ذكره أخبر عمن شهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم فقال : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) [ هود : 18 ]

وأما ما قاله قتادة ، من أنه عنى به بعض الناس ، فقول ظاهر التنزيل بخلافه ، ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر . فإن كان ظن أن المعني به المؤمنون ، من أجل أن الكفار لا يلعنون أنفسهم ولا أولياءهم ، فإن الله تعالى ذكره قد أخبر أنهم يلعنونهم في الآخرة . ومعلوم منهم أنهم يلعنون الظلمة ، وداخل في الظلمة كل كافر ، بظلمه نفسه ، وجحوده نعمة ربه ، ومخالفته أمره .
القول في تأويل قوله تعالى ( خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ( 162 ) )

قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : ما الذي نصب "خالدين فيها " ؟

قيل : نصب على الحال من "الهاء والميم " اللتين في "عليهم " . وذلك أن معنى قوله : "أولئك عليهم لعنة الله " ، أولئك يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعون خالدين فيها . ولذلك قرأ ذلك : "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون " [ ص: 264 ] من قرأه كذلك ، توجيها منه إلى المعنى الذي وصفت . وذلك وإن كان جائزا في العربية ، فغير جائزة القراءة به ، لأنه خلاف لمصاحف المسلمين ، وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضا فيهم . فغير جائز الاعتراض بالشاذ من القول ، على ما قد ثبتت حجته بالنقل المستفيض .

وأما "الهاء والألف " اللتان في قوله : "فيها " ، فإنهما عائدتان على "اللعنة " ، والمراد بالكلام : ما صار إليه الكافر باللعنة من الله ومن ملائكته ومن الناس . والذي صار إليه بها ، نار جهنم . وأجرى الكلام على "اللعنة " ، والمراد بها ما صار إليه الكافر ، كما قد بينا من نظائر ذلك فيما مضى قبل ، كما : -

2396 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : "خالدين فيها " ، يقول : خالدين في جهنم ، في اللعنة .



وأما قوله : "لا يخفف عنهم العذاب " ، فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن دوام العذاب أبدا من غير توقيت ولا تخفيف ، كما قال تعالى ذكره : ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) [ سورة فاطر : 36 ] ، وكما قال : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) [ سورة النساء : 56 ]

وأما قوله : "ولا هم ينظرون " ، فإنه يعني : ولا هم ينظرون بمعذرة يعتذرون ، كما : -

2397 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : "ولا هم ينظرون " ، يقول : لا ينظرون فيعتذرون ، [ ص: 265 ] كقوله : ( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) . [ سورة المرسلات : 35 - 36
القول في تأويل قوله عز وجل ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ( 163 ) )

قال أبو جعفر : قد بينا فيما مضى معنى "الألوهية " ، وأنها اعتباد الخلق .

فمعنى قوله : "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " : والذي يستحق عليكم أيها الناس الطاعة له ، ويستوجب منكم العبادة ، معبود واحد ورب واحد ، فلا تعبدوا غيره ، ولا تشركوا معه سواه ، فإن من تشركونه معه في عبادتكم إياه ، هو خلق من خلق إلهكم مثلكم ، وإلهكم إله واحد ، لا مثل له ولا نظير .

واختلف في معنى وحدانيته تعالى ذكره ،

فقال بعضهم : معنى وحدانية الله ، معنى نفي الأشباه والأمثال عنه ، كما يقال : "فلان واحد الناس - وهو واحد قومه " ، يعني بذلك أنه ليس له في الناس مثل ، ولا له في قومه شبيه ولا نظير . فكذلك معنى قول : "الله واحد " ، يعني به : الله لا مثل له ولا نظير .

فزعموا أن الذي دلهم على صحة تأويلهم ذلك ، أن قول القائل : "واحد " يفهم لمعان أربعة . أحدها : أن يكون "واحدا " من جنس ، كالإنسان "الواحد " من الإنس . والآخر : أن يكون غير متفرق ، كالجزء الذي لا ينقسم . والثالث : [ ص: 266 ] أن يكون معنيا به : المثل والاتفاق ، كقول القائل : "هذان الشيئان واحد " ، يراد بذلك : أنهما متشابهان ، حتى صارا لاشتباههما في المعاني كالشيء الواحد .

والرابع : أن يكون مرادا به نفي النظير عنه والشبيه .

قالوا : فلما كانت المعاني الثلاثة من معاني "الواحد " منتفية عنه ، صح المعنى الرابع الذي وصفناه .

وقال آخرون : معنى "وحدانيته " تعالى ذكره ، معنى انفراده من الأشياء ، وانفراد الأشياء منه . قالوا : وإنما كان منفردا وحده ، لأنه غير داخل في شيء ولا داخل فيه شيء . قالوا : ولا صحة لقول القائل : "واحد " ، من جميع الأشياء إلا ذلك . وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعة التي قالها الآخرون .

وأما قوله : "لا إله إلا هو " ، فإنه خبر منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيره ، ولا يستوجب على العباد العبادة سواه ، وأن كل ما سواه فهم خلقه ، والواجب على جميعهم طاعته والانقياد لأمره ، وترك عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة ، وهجر الأوثان والأصنام . لأن جميع ذلك خلقه ، وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهة ، ولا تنبغي الألوهة إلا له ، إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه ، دون ما يعبدونه من الأوثان ويشركون معه من الأشراك ؛ وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه ، وأن ما أشركوا معه من الأشراك لا يضر ولا ينفع في عاجل ولا في آجل ، ولا في دنيا ولا في آخرة .

وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره أهل الشرك به على ضلالهم ، ودعاء منه لهم إلى الأوبة من كفرهم ، والإنابة من شركهم . [ ص: 267 ]

ثم عرفهم تعالى ذكره بالآية التي تتلوها ، موضع استدلال ذوي الألباب منهم على حقيقة ما نبههم عليه من توحيده وحججه الواضحة القاطعة عذرهم ، فقال تعالى ذكره : أيها المشركون ، إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر : من أن إلهكم إله واحد ، دون ما تدعون ألوهيته من الأنداد والأوثان ، فتدبروا حججي وفكروا فيها ، فإن من حججي خلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزلت من السماء من ماء فأحييت به الأرض بعد موتها ، وما بثثت فيها من كل دابة ، والسحاب الذي سخرته بين السماء والأرض . فإن كان ما تعبدونه من الأوثان والآلهة والأنداد وسائر ما تشركون به ، إذا اجتمع جميعه فتظاهر أو انفرد بعضه دون بعض ، يقدر على أن يخلق نظير شيء من خلقي الذي سميت لكم ، فلكم بعبادتكم ما تعبدون من دوني حينئذ عذر ، وإلا فلا عذر لكم في اتخاذ إله سواي ، ولا إله لكم ولما تعبدون غيري . فليتدبر أولو الألباب إيجاز الله احتجاجه على جميع أهل الكفر به والملحدين في توحيده ، في هذه الآية وفي التي بعدها ، بأوجز كلام ، وأبلغ حجة وألطف معنى يشرف بهم على معرفة فضل حكمة الله وبيانه .

القول في المعنى الذي من أجله أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم قوله : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . [ ص: 268 ]

فقال بعضهم : أنزلها عليه احتجاجا له على أهل الشرك به من عبدة الأوثان . وذلك أن الله تعالى ذكره لما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " فتلا ذلك على أصحابه ، وسمع به المشركون من عبدة الأوثان ، قال المشركون : وما الحجة والبرهان على أن ذلك كذلك ؟ ونحن ننكر ذلك ، ونحن نزعم أن لنا آلهة كثيرة ؟ فأنزل الله عند ذلك : "إن في خلق السماوات والأرض " ، احتجاجا لنبيه صلى الله عليه وسلم على الذين قالوا ما ذكرنا عنهم .

ذكر من قال ذلك :

2398 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، قال : نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة : " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " ، فقال كفار قريش بمكة : كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار " ، إلى قوله : "لآيات لقوم يعقلون " ، فبهذا تعلمون أنه إله واحد ، وأنه إله كل شيء ، وخالق كل شيء .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ، من أجل أن أهل الشرك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ آية ] ، فأنزل الله هذه الآية ، يعلمهم فيها أن لهم في خلق السماوات والأرض وسائر ما ذكر مع ذلك ، آية بينة على وحدانية الله ، وأنه لا شريك له في ملكه ، لمن عقل وتدبر ذلك بفهم صحيح .

ذكر من قال ذلك :

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:18 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(210)
الحلقة (224)
صــ 269إلى صــ 275





2399 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبيه ، [ ص: 269 ] عن أبي الضحى قال : لما نزلت " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " ، قال المشركون : إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية! فأنزل الله تعالى ذكره : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار " ، الآية .

2400 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج قال حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، قال حدثني سعيد بن مسروق ، عن أبي الضحى قال : لما نزلت : " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " ، قال المشركون : إن كان هذا هكذا فليأتنا بآية ، فأنزل الله تعالى ذكره : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار " ، الآية .

2401 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، قال : حدثني سعيد بن مسروق ، عن أبي الضحى قال : لما نزلت هذه الآية ، جعل المشركون يعجبون ويقولون : تقول إلهكم إله واحد ، فلتأتنا بآية إن كنت من الصادقين! فأنزل الله : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار " ، الآية .

2402 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أرنا آية! فنزلت هذه الآية : "إن في خلق السماوات والأرض " .

2403 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد قال : سألت قريش اليهود فقالوا : حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات! فحدثوهم بالعصا وبيده البيضاء للناظرين . وسألوا النصارى عما جاءهم به عيسى من الآيات ، فأخبروهم أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله . فقالت قريش عند ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا ، فنزداد يقينا ، ونتقوى به على عدونا . فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، فأوحى إليه : [ ص: 270 ] إني معطيهم ، فأجعل لهم الصفا ذهبا ، ولكن إن كذبوا عذبتهم عذابا لم أعذبه أحدا من العالمين .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذرني وقومي فأدعوهم يوما بيوم . فأنزل الله عليه : "إن في خلق السماوات والأرض " ، الآية : إن في ذلك لآية لهم ، إن كانوا إنما يريدون أن أجعل لهم الصفا ذهبا ، فخلق الله السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ، أعظم من أن أجعل لهم الصفا ذهبا ليزدادوا يقينا
.

2404 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار " ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : غير لنا الصفا ذهبا إن كنت صادقا أنه منه! فقال الله : إن في هذه الآيات لآيات لقوم يعقلون . وقال : قد سأل الآيات قوم قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، أن الله تعالى ذكره نبه عباده على الدلالة على وحدانيته وتفرده بالألوهية ، دون كل ما سواه من الأشياء بهذه الآية . وجائز أن تكون نزلت فيما قاله عطاء ، وجائز أن تكون فيما قاله سعيد بن جبير وأبو الضحى ، ولا خبر عندنا بتصحيح قول أحد الفريقين يقطع العذر ، فيجوز أن يقضي أحد لأحد الفريقين بصحة قول على الآخر . وأي القولين كان صحيحا ، فالمراد من الآية ما قلت .
[ ص: 271 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن في خلق السماوات والأرض )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "إن في خلق السماوات والأرض " إن في إنشاء السماوات والأرض وابتداعهما .

ومعنى "خلق " الله الأشياء : ابتداعه وإيجاده إياها ، بعد أن لم تكن موجودة .

وقد دللنا فيما مضى على المعنى الذي من أجله قيل : "الأرض " ، ولم تجمع كما جمعت السماوات ، فأغنى ذلك عن إعادته

فإن قال لنا قائل : وهل للسموات والأرض خلق هو غيرها فيقال : "إن في خلق السماوات والأرض " ؟

قيل : قد اختلف في ذلك . فقال بعض الناس : لها خلق هو غيرها . واعتلوا في ذلك بهذه الآية ، وبالتي في سورة : الكهف : ( ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ) [ سورة الكهف : 51 ] وقالوا : لم يخلق الله شيئا إلا والله له مريد . قالوا : فالأشياء كانت بإرادة الله ، والإرادة خلق لها . [ ص: 272 ]

وقال آخرون : خلق الشيء صفة له ، لا هي هو ، ولا غيره . قالوا : لو كان غيره لوجب أن يكون مثله موصوفا . قالوا : ولو جاز أن يكون خلقه غيره ، وأن يكون موصوفا ، لوجب أن تكون له صفة هي له خلق . ولو وجب ذلك كذلك ، لم يكن لذلك نهاية . قالوا : فكان معلوما بذلك أنه صفة للشيء . قالوا : فخلق السماوات والأرض صفة لهما ، على ما وصفنا . واعتلوا أيضا - بأن للشيء خلقا ليس هو به - من كتاب الله بنحو الذي اعتل به الأولون .

وقال آخرون : خلق السماوات والأرض ، وخلق كل مخلوق ، هو ذلك الشيء بعينه لا غيره .

فمعنى قوله : "إن في خلق السماوات والأرض " : إن في السماوات والأرض .
القول في تأويل قوله تعالى ( واختلاف الليل والنهار )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "واختلاف الليل والنهار " ، وتعاقب الليل والنهار عليكم أيها الناس .

وإنما "الاختلاف " في هذا الموضع "الافتعال " من "خلوف " كل واحد منهما الآخر ، كما قال تعالى ذكره : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) [ سورة الفرقان : 62 ] .

بمعنى : أن كل واحد منهما يخلف مكان صاحبه ، إذا ذهب الليل جاء النهار بعده ، وإذا ذهب النهار جاء الليل خلفه . ومن ذلك قيل : "خلف فلان فلانا في أهله بسوء " ، ومنه قول زهير :


بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
[ ص: 273 ]

وأما "الليل " . فإنه جمع "ليلة " ، نظير "التمر " الذي هو جمع "تمرة " . وقد يجمع "ليال " ، فيزيدون في جمعها ما لم يكن في واحدتها . وزيادتهم "الياء " في ذلك نظير زيادتهم إياها في "رباعية وثمانية وكراهية " .

وأما "النهار " ، فإن العرب لا تكاد تجمعه ، لأنه بمنزلة الضوء . وقد سمع في جمعه "النهر " ، قال الشاعر :


لولا الثريدان هلكنا بالضمر ثريد ليل وثريد بالنهر


ولو قيل في جمع قليله "أنهرة " كان قياسا .
القول في تأويل قوله تعالى ( والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : إن في الفلك التي تجري في البحر .

و"الفلك " هو السفن ، واحده وجمعه بلفظ واحد ، ويذكر ويؤنث ، كما قال تعالى ذكره في تذكيره في آية أخرى : ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ) [ سورة يس : 41 ] ، فذكره .

وقد قال في هذه الآية : "والفلك التي تجري في البحر " ، وهي مجراة ، لأنها [ ص: 274 ] إذا أجريت فهي "الجارية " ، فأضيف إليها من الصفة ما هو لها .

وأما قوله : "بما ينفع الناس " ، فإن معناه : ينفع الناس في البحر .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وما أنزل الله من السماء من ماء " ، وفي ما أنزله الله من السماء من ماء ، وهو المطر الذي ينزله الله من السماء .

وقوله : "فأحيا به الأرض بعد موتها " ، وإحياؤها : عمارتها ، وإخراج نباتها . و"الهاء " التي في "به " عائدة على "الماء " و"الهاء والألف " في قوله : "بعد موتها " على الأرض .

و"موت الأرض " ، خرابها ، ودثور عمارتها ، وانقطاع نباتها ، الذي هو للعباد أقوات ، وللأنام أرزاق .
القول في تأويل قوله تعالى ( وبث فيها من كل دابة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "وبث فيها من كل دابة " ، وإن فيما بث في الأرض من دابة . [ ص: 275 ]

ومعنى قوله : "وبث فيها " ، وفرق فيها ، من قول القائل : "بث الأمير سراياه " ، يعني : فرق .

و"الهاء والألف " في قوله : "فيها " ، عائدتان على "الأرض " .

"والدابة " "الفاعلة " ، من قول القائل : "دبت الدابة تدب دبيبا فهي دابة " . "والدابة " ، اسم لكل ذي روح كان غير طائر بجناحيه ، لدبيبه على الأرض .
القول في تأويل قوله تعالى ( وتصريف الرياح )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "وتصريف الرياح " ، وفي تصريفه الرياح ، فأسقط ذكر الفاعل وأضاف الفعل إلى المفعول ، كما تقول : "يعجبني إكرام أخيك " ، تريد : إكرامك أخاك .

"وتصريف " الله إياها ، أن يرسلها مرة لواقح ، ومرة يجعلها عقيما ، ويبعثها عذابا تدمر كل شيء بأمر ربها ، كما : -

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:19 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(211)
الحلقة (225)
صــ 276إلى صــ 282




2405 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وتصريف الرياح والسحاب المسخر " قال : قادر والله ربنا على ذلك ، إذا شاء [ جعلها رحمة لواقح للسحاب ونشرا بين يدي رحمته ، وإذا شاء ] جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح ، إنما هي عذاب على من أرسلت عليه . [ ص: 276 ]

وزعم بعض أهل العربية أن معنى قوله : "وتصريف الرياح " ، أنها تأتي مرة جنوبا وشمالا وقبولا ودبورا . ثم قال : وذلك تصريفها . وهذه الصفة التي وصف الرياح بها ، صفة تصرفها لا صفة تصريفها ، لأن "تصريفها " تصريف الله لها ، "وتصرفها " اختلاف هبوبها .

وقد يجوز أن يكون معنى قوله : "وتصريف الرياح " ، تصريف الله تعالى ذكره هبوب الريح باختلاف مهابها .
القول في تأويل قوله تعالى ( والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ( 164 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "والسحاب المسخر " ، وفي السحاب ، جمع "سحابة " . يدل على ذلك قوله تعالى ذكره : ( وينشئ السحاب الثقال ) [ سورة الرعد : 12 ] فوحد المسخر وذكره ، كما قالوا : "هذه تمرة وهذا تمر كثير " . في جمعه ، "وهذه نخلة وهذا نخل " .

وإنما قيل للسحاب "سحاب " إن شاء الله ، لجر بعضه بعضا وسحبه إياه ، من قول القائل : "مر فلان يجر ذيله " ، يعني : "يسحبه " .

فأما معنى قوله : "لآيات " ، فإنه علامات ودلالات على أن خالق ذلك كله ومنشئه ، إله واحد . [ ص: 277 ]

"لقوم يعقلون " ، لمن عقل مواضع الحجج ، وفهم عن الله أدلته على وحدانيته . فأعلم تعالى ذكره عباده ، بأن الأدلة والحجج إنما وضعت معتبرا لذوي العقول والتمييز ، دون غيرهم من الخلق ، إذ كانوا هم المخصوصين بالأمر والنهي ، والمكلفين بالطاعة والعبادة ، ولهم الثواب ، وعليهم العقاب .

فإن قال قائل : وكيف احتج على أهل الكفر بقوله : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار " الآية ، في توحيد الله ؟ وقد علمت أن أصنافا من أصناف الكفرة تدفع أن تكون السماوات والأرض وسائر ما ذكر في هذه الآية مخلوقة ؟

قيل : إن إنكار من أنكر ذلك غير دافع أن يكون جميع ما ذكر تعالى ذكره في هذه الآية ، دليلا على خالقه وصانعه ، وأن له مدبرا لا يشبهه [ شيء ] ، وبارئا لا مثل له . وذلك وإن كان كذلك ، فإن الله إنما حاج بذلك قوما كانوا مقرين بأن الله خالقهم ، غير أنهم يشركون في عبادته عبادة الأصنام والأوثان . فحاجهم تعالى ذكره فقال - إذ أنكروا قوله : "وإلهكم إله واحد " ، وزعموا أن له شركاء من الآلهة - : [ إن إلهكم الذي خلق السماوات وأجرى فيها الشمس والقمر لكم بأرزاقكم دائبين في سيرهما . وذلك هو معنى اختلاف الليل والنهار في الشمس والقمر ] وذلك هو معنى قوله : "والفلك التي تجري في البحر بما [ ص: 278 ] ينفع الناس " - وأنزل إليكم الغيث من السماء ، فأخصب به جنابكم بعد جدوبه ، وأمرعه بعد دثوره ، فنعشكم به بعد قنوطكم - ، وذلك هو معنى قوله : "وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها " - وسخر لكم الأنعام فيها لكم مطاعم ومآكل ، ومنها جمال ومراكب ، ومنها أثاث وملابس - وذلك هو معنى قوله : "وبث فيها من كل دابة " - وأرسل لكم الرياح لواقح لأشجار ثماركم وغذائكم وأقواتكم ، وسير لكم السحاب الذي بودقه حياتكم وحياة نعمكم ومواشيكم - وذلك هو معنى قوله : " وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض " .

فأخبرهم أن إلههم هو الله الذي أنعم عليهم بهذه النعم ، وتفرد لهم بها . ثم قال : هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ، فتشركوه في عبادتكم إياي ، وتجعلوه لي ندا وعدلا ؟ فإن لم يكن من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ، ففي الذي عددت عليكم من نعمتي ، وتفردت لكم بأيادي ، دلالات لكم إن كنتم تعقلون مواقع الحق والباطل ، والجور والإنصاف . وذلك أنى لكم بالإحسان إليكم متفرد دون غيري ، وأنتم تجعلون لي في عبادتكم إياي أندادا . فهذا هو معنى الآية .

والذين ذكروا بهذه الآية واحتج عليهم بها ، هم القوم الذين وصفت صفتهم ، دون المعطلة والدهرية ، وإن كان في أصغر ما عد الله في هذه الآية ، من الحجج البالغة ، المقنع لجميع الأنام ، تركنا البيان عنه ، كراهة إطالة الكتاب بذكره .
[ ص: 279 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أن من الناس من يتخذ من دون الله أندادا له

وقد بينا فيما مضى أن "الند " ، العدل ، بما يدل على ذلك من الشواهد ، فكرهنا إعادته .

وأن الذين اتخذوا هذه "الأنداد " من دون الله ، يحبون أندادهم كحب المؤمنين الله . ثم أخبرهم أن المؤمنين أشد حبا لله ، من متخذي هذه الأنداد لأندادهم .

واختلف أهل التأويل في "الأنداد " التي كان القوم اتخذوها . وما هي ؟



فقال بعضهم : هي آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله .

ذكر من قال ذلك .

2406 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ، من الكفار لأوثانهم .

2407 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى ذكره : "يحبونهم كحب الله " ، مباهاة ومضاهاة للحق بالأنداد ، "والذين آمنوا أشد حبا لله " ، من الكفار لأوثانهم .

2408 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . [ ص: 280 ]

2409 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله " قال : هي الآلهة التي تعبد من دون الله ، يقول : يحبون أوثانهم كحب الله ، "والذين آمنوا أشد حبا لله " ، أي من الكفار لأوثانهم .

2410 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله " قال : هؤلاء المشركون . أندادهم : آلهتهم التي عبدوا مع الله ، يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله ، والذين آمنوا أشد حبا لله من حبهم هم آلهتهم .

وقال آخرون : بل "الأنداد " في هذا الموضع ، إنما هم سادتهم الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله تعالى ذكره .

ذكر من قال ذلك :

2411 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله " قال : الأنداد من الرجال ، يطيعونهم كما يطيعون الله ، إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله .

فإن قال قائل : وكيف قيل : "كحب الله " ؟ وهل يحب الله الأنداد ؟ وهل كان متخذو الأنداد يحبون الله ، فيقال : "يحبونهم كحب الله " ؟

قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه ، وإنما ذلك نظير قول القائل : "بعت غلامي كبيع غلامك " ، بمعنى : بعته كما بيع غلامك ، وكبيعك [ ص: 281 ] غلامك ، "واستوفيت حقي منه استيفاء حقك " ، بمعنى : استيفائك حقك ، فتحذف من الثاني كناية اسم المخاطب ، اكتفاء بكنايته في "الغلام " و"الحق " ، كما قال الشاعر :


فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأمير


يعني بذلك : كما يسلم على الأمير .

فمعنى الكلام إذا : ومن الناس من يتخذ ، أيها المؤمنون ، من دون الله أندادا يحبونهم كحبكم الله .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ( 165 ) )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه عامة أهل المدينة والشام : "ولو ترى الذين ظلموا " بالتاء "إذ يرون العذاب " بالياء " أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " بفتح "أن " و "أن " كلتيهما - بمعنى : ولو ترى يا محمد [ ص: 282 ] الذين كفروا وظلموا أنفسهم ، حين يرون عذاب الله ويعاينونه "أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " .

ثم في نصب "أن " و "أن " في هذه القراءة وجهان : أحدهما : أن تفتح بالمحذوف من الكلام الذي هو مطلوب فيه ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا إذ يرون عذاب الله ، لأقروا - ومعنى ترى : تبصر - أن القوة لله جميعا ، وأن الله شديد العذاب . ويكون الجواب حينئذ - إذا فتحت "أن " على هذا الوجه - متروكا ، قد اكتفى بدلالة الكلام عليه ، ويكون المعنى ما وصفت . فهذا أحد وجهي فتح "أن " ، على قراءة من قرأ : "ولو ترى " ب "التاء " .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:20 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(212)
الحلقة (226)
صــ 283إلى صــ 289





والوجه الآخر في الفتح : أن يكون معناه : ولو ترى ، يا محمد ، إذ [ ص: 283 ] يرى الذين ظلموا عذاب الله ، لأن القوة لله جميعا ، وأن الله شديد العذاب ، لعلمت مبلغ عذاب الله . ثم تحذف "اللام " ، فتفتح بذلك المعنى ، لدلالة الكلام عليها .

وقرأ ذلك آخرون من سلف القراء : "ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة لله جميعا وإن الله شديد العذاب " . بمعنى : ولو ترى ، يا محمد ، الذين ظلموا حين يعاينون عذاب الله ، لعلمت الحال التي يصيرون إليها . ثم أخبر تعالى ذكره خبرا مبتدأ عن قدرته وسلطانه ، بعد تمام الخبر الأول فقال : "إن القوة لله جميعا " في الدنيا والآخرة ، دون من سواه من الأنداد والآلهة ، "وإن الله شديد العذاب " لمن أشرك به ، وادعى معه شركاء ، وجعل له ندا .

وقد يحتمل وجها آخر في قراءة من كسر "إن " في "ترى " بالتاء . وهو أن يكون معناه : ولو ترى ، يا محمد الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون : إن القوة لله جميعا وإن الله شديد العذاب . ثم تحذف "القول " وتكتفي منه بالمقول .

وقرأ ذلك آخرون : "ولو يرى الذين ظلموا " بالياء "إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " بفتح "الألف " من "أن " "وأن " ، بمعنى : ولو يرى الذين ظلموا عذاب الله الذي أعد لهم في جهنم ، لعلموا حين يرونه فيعاينونه أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ، إذ يرون العذاب . فتكون "أن " الأولى منصوبة لتعلقها بجواب "لو " المحذوف ، ويكون الجواب متروكا ، وتكون الثانية معطوفة على الأولى . وهذه قراءة عامة القراء الكوفيين والبصريين وأهل مكة .

وقد زعم بعض نحويي البصرة أن تأويل قراءة من قرأ : "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " بالياء في "يرى " وفتح "الألفين " في "أن " "وأن " - : ولو يعلمون ، لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ، فإذا قال : "ولو ترى " ، فإنما يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم .

ولو كسر "إن " على الابتداء ، إذا قال : "ولو يرى " جاز ، لأن "لو يرى " ، لو يعلم .

وقد تكون "لو " في معنى لا يحتاج معها إلى شيء . تقول للرجل : "أما والله لو يعلم ، ولو تعلم " كما قال الشاعر :


إن يكن طبك الدلال ، فلو في سالف الدهر والسنين الخوالي!
[ ص: 284 ]

هذا ليس له جواب إلا في المعنى ، وقال الشاعر


وبحظ مما نعيش ، ولا تذهب بك الترهات في الأهوال


فأضمر : فعيشي .

قال : وقرأ بعضهم : "ولو ترى " ، وفتح "أن " على "ترى " . وليس بذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ، ولكن أراد أن يعلم ذلك الناس ، كما قال تعالى ذكره : ( أم يقولون افتراه ) [ سورة السجدة : 3 ] ، ليخبر الناس عن جهلهم ، وكما قال : ( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ) [ سورة البقرة : 107 ] .

قال أبو جعفر : وأنكر قوم أن تكون "أن " عاملا فيها قوله : "ولو يرى " . وقالوا : إن الذين ظلموا قد علموا حين يرون العذاب أن القوة لله جميعا ، فلا وجه لمن تأول ذلك : ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله . وقالوا : إنما عمل في "أن " جواب "لو " الذي هو بمعنى "العلم " ، لتقدم "العلم " الأول . [ ص: 285 ]

وقال بعض نحويي الكوفة : من نصب : "أن القوة لله وأن الله شديد العذاب " ممن قرأ : "ولو يرى " بالياء ، فإنما نصبها بإعمال "الرؤية " فيها ، وجعل "الرؤية " واقعة عليها . وأما من نصبها ممن قرأ : "ولو ترى " بالتاء ، فإنه نصبها على تأويل : لأن القوة لله جميعا ، ولأن الله شديد العذاب . قال : ومن كسرهما ممن قرأ بالتاء ، فإنه يكسرهما على الخبر .

وقال آخرون منهم : فتح "أن " في قراءة من قرأ : "ولو يرى الذين ظلموا " بالياء ، بإعمال "يرى " ، وجواب الكلام حينئذ متروك ، كما ترك جواب : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ) [ سورة الرعد : 31 ] ، لأن معنى الجنة والنار مكرر معروف . وقالوا : جائز كسر "إن " ، في قراءة من قرأ ب "الياء " ، وإيقاع "الرؤية " على "إذ " في المعنى ، وأجازوا نصب "أن " على قراءة من قرأ ذلك ب "التاء " ، لمعنى نية فعل آخر ، وأن يكون تأويل الكلام : "ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب " ، [ يرون ] أن القوة لله جميعا ، وزعموا أن كسر "إن " الوجه ، إذا قرئت : "ولو ترى " ب "التاء " على الاستئناف ، لأن قوله : "ولو ترى " قد وقع على "الذين ظلموا " .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا في ذلك : "ولو ترى الذين ظلموا " - بالتاء من "ترى " - "إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " بمعنى : لرأيت أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب . فيكون قوله : "لرأيت " الثانية ، محذوفة مستغنى بدلالة قوله : "ولو ترى الذين ظلموا " ، عن ذكره ، إذ [ ص: 286 ] كان جوابا ل "لو " .

ويكون الكلام ، وإن كان مخرجه مخرج الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم - معنيا به غيره . لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا شك عالما بأن القوة لله جميعا ، وأن الله شديد العذاب . ويكون ذلك نظير قوله : ( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ) [ سورة البقرة : 107 ] وقد بيناه في موضعه .

وإنما اخترنا ذلك على قراءة "الياء " ، لأن القوم إذا رأوا العذاب ، قد أيقنوا أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ، فلا وجه أن يقال : لو يرون أن القوة لله جميعا - حينئذ . لأنه إنما يقال : "لو رأيت " ، لمن لم ير ، فأما من قد رآه ، فلا معنى لأن يقال له : "لو رأيت " .

ومعنى قوله : "إذ يرون العذاب " ، إذ يعاينون العذاب ، كما : -

2412 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " ، يقول : لو عاينوا العذاب .

وإنما عنى تعالى ذكره بقوله : "ولو ترى الذين ظلموا " ، ولو ترى ، يا محمد ، الذين ظلموا أنفسهم ، فاتخذوا من دوني أندادا يحبونهم كحبكم إياي ، حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم ، لعلمتم أن القوة كلها لي دون الأنداد والآلهة ، وأن الأنداد والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئا ، ولا تدفع عنهم عذابا أحللت بهم ، وأيقنتم أني شديد عذابي لمن كفر بي ، وادعى معي إلها غيري .
[ ص: 287 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب " ، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوهم .

ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " ، فقال بعضهم بما : -

2413 - حدثنا به بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "إذ تبرأ الذين اتبعوا " ، وهم الجبابرة والقادة والرءوس في الشرك ، "من الذين اتبعوا " ، وهم الأتباع الضعفاء ، "ورأوا العذاب " .

2414 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " قال : تبرأت القادة من الأتباع يوم القيامة .

2415 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : ابن جريج : قلت لعطاء : "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " قال : تبرأ رؤساؤهم وقادتهم وساداتهم من الذين اتبعوهم .

وقال آخرون بما : -

2416 - حدثني به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 288 ] أسباط ، عن السدي إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ، أما "الذين اتبعوا " ، فهم الشياطين تبرأوا من الإنس .

قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن المتبعين على الشرك بالله يتبرأون من أتباعهم حين يعاينون عذاب الله . ولم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض ، بل عم جميعهم . فداخل في ذلك كل متبوع على الكفر بالله والضلال أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتبعونه على الضلال في الدنيا ، إذا عاينوا عذاب الله في الآخرة .

وأما دلالة الآية في من عنى بقوله : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " ، فإنها إنما تدل على أن الأنداد الذين اتخذهم من دون الله من وصف تعالى ذكره صفته بقوله : "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " ، هم الذين يتبرأون من أتباعهم .

وإذ كانت الآية على ذلك دالة ، صح التأويل الذي تأوله السدي في قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " ، أن "الأنداد " في هذا الموضع ، إنما أريد بها الأنداد من الرجال الذين يطيعونهم فيما أمروهم به من أمر ، ويعصون الله في طاعتهم إياهم ، كما يطيع الله المؤمنون ويعصون غيره وفسد تأويل قول من قال : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " ، إنهم الشياطين تبرأوا من أوليائهم من الإنس . لأن هذه الآية إنما هي في سياق الخبر عن متخذي الأنداد .
[ ص: 289 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وتقطعت بهم الأسباب ( 166 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله شديد العذاب ، إذ تبرأ الذين اتبعوا ، وإذ تقطعت بهم الأسباب .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى "الأسباب " . فقال بعضهم بما : -

2417 - حدثني به يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل بن عياض - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، - عن عبيد المكتب ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الوصال الذي كان بينهم في الدنيا .

2418 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : تواصلهم في الدنيا .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:20 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(213)
الحلقة (227)
صــ 290إلى صــ 296




2419 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد - جميعا قالا حدثنا سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد بمثله . [ ص: 290 ]

2420 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : المودة .

2421 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2422 - حدثني القاسم قال : حدثني الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا .

2423 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى قال : أخبرني قيس بن سعد ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : المودة .

2424 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وتقطعت بهم الأسباب " ، أسباب الندامة يوم القيامة ، وأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ، ويتحابون بها ، فصارت عليهم عداوة يوم القيامة ، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ويتبرأ بعضكم من بعض . وقال الله تعالى ذكره : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) [ سورة الزخرف : 67 ] ، فصارت كل خلة عداوة على أهلها إلا خلة المتقين .

2425 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا .

2426 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "وتقطعت بهم الأسباب " ، يقول : الأسباب ، الندامة .



وقال بعضهم : بل معنى "الأسباب " ، المنازل التي كانت لهم من أهل الدنيا . [ ص: 291 ]

ذكر من قال ذلك :

2427 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وتقطعت بهم الأسباب " ، يقول : وتقطعت بهم المنازل .

2428 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الأسباب المنازل .

وقال آخرون : "الأسباب " ، الأرحام .

ذكر من قال ذلك :

2429 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، وقال ابن عباس : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الأرحام .

وقال آخرون : "الأسباب " ، الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا .

ذكر من قال ذلك :

2430 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما "وتقطعت بهم الأسباب " ، فالأعمال .

2431 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : أسباب أعمالهم ، فأهل التقوى أعطوا أسباب أعمالهم وثيقة ، فيأخذون بها فينجون ، والآخرون أعطوا أسباب أعمالهم الخبيثة ، فتقطع بهم فيذهبون في النار . [ ص: 292 ]

قال أبو جعفر : "والأسباب " ، الشيء يتعلق به . قال : و"السبب " الحبل . "والأسباب " جمع "سبب " ، وهو كل ما تسبب به الرجل إلى طلبته وحاجته . فيقال للحبل "سبب " ، لأنه يتسبب بالتعلق به إلى الحاجة التي لا يوصل إليها إلا بالتعلق به . ويقال للطريق "سبب " ، للتسبب بركوبه إلى ما لا يدرك إلا بقطعه . وللمصاهرة "سبب " ، لأنها سبب للحرمة . وللوسيلة "سبب " ، للوصول بها إلى الحاجة ، وكذلك كل ما كان به إدراك الطلبة ، فهو "سبب " لإدراكها .

فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب من القول في تأويل قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن الذين ظلموا أنفسهم - من أهل الكفر الذين ماتوا وهم كفار - يتبرأ عند معاينتهم عذاب الله المتبوع من التابع ، وتتقطع بهم الأسباب .

وقد أخبر تعالى ذكره في كتابه أن بعضهم يلعن بعضا ، وأخبر عن الشيطان أنه يقول لأوليائه : ( ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل ) [ سورة إبراهيم : 22 ] ، وأخبر تعالى ذكره أن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، وأن الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضا ، فقال تعالى ذكره : ( وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون ) [ سورة الصافات : 24 - 25 ] وأن الرجل منهم لا ينفعه نسيبه ولا ذو رحمه ، وإن كان نسيبه لله وليا ، فقال تعالى ذكره في ذلك : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) [ سورة التوبة : 114 ] وأخبر تعالى ذكره أن أعمالهم تصير عليهم حسرات .

وكل هذه المعاني أسباب يتسبب في الدنيا بها إلى مطالب ، فقطع الله منافعها في الآخرة عن الكافرين به ، لأنها كانت بخلاف طاعته ورضاه ، فهي منقطعة [ ص: 293 ] بأهلها . فلا خلال بعضهم بعضا نفعهم عند ورودهم على ربهم ،

ولا عبادتهم أندادهم ولا طاعتهم شياطينهم ؛ ولا دافعت عنهم أرحام فنصرتهم من انتقام الله منهم ، ولا أغنت عنهم أعمالهم ، بل صارت عليهم حسرات . فكل أسباب الكفار منقطعة .

فلا معنى أبلغ - في تأويل قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " - من صفة الله [ ذلك ] وذلك ما بينا من [ تقطع ] جميع أسبابهم دون بعضها ، على ما قلنا في ذلك . ومن ادعى أن المعني بذلك خاص من الأسباب ، سئل عن البيان على دعواه من أصل لا منازع فيه ، وعورض بقول مخالفه فيه . فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : "وقال الذين اتبعوا " ، وقال أتباع الرجال - الذين كانوا اتخذوهم أندادا من دون الله يطيعونهم في معصية الله ، ويعصون ربهم في طاعتهم ، إذ يرون عذاب الله في الآخرة - : "لو أن لنا كرة " .

يعني "بالكرة " ، الرجعة إلى الدنيا ، من قول القائل : "كررت على القوم أكر كرا " ، و"الكرة " المرة الواحدة ، وذلك إذا حمل عليهم راجعا عليهم بعد الانصراف عنهم ، كما قال الأخطل : [ ص: 294 ]


ولقد عطفن على فزارة عطفة كر المنيح وجلن ثم مجالا


وكما : -

2432 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : " وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا " ، أي : لنا رجعة إلى الدنيا .

2433 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة " قال : قالت الأتباع : لو أن لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا .

وقوله : "فنتبرأ منهم " منصوب ، لأنه جواب للتمني ب "الفاء " . لأن القوم تمنوا رجعة إلى الدنيا ليتبرءوا من الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله ، كما تبرأ منهم رؤساؤهم الذين كانوا في الدنيا ، المتبوعون فيها على الكفر بالله ، إذ عاينوا عظيم النازل بهم من عذاب الله ، فقالوا : يا ليت لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم ، و ( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) [ سورة الأنعام : 27 ]
[ ص: 295 ] القول في تأويل قوله تعالى ( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم )

قال أبو جعفر : ومعنى قوله : " كذلك يريهم الله أعمالهم " ، يقول : كما أراهم العذاب الذي ذكره في قوله : "ورأوا العذاب " ، الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ، فكذلك يريهم أيضا أعمالهم الخبيثة التي استحقوا بها العقوبة من الله "حسرات عليهم " يعني : ندامات .

"والحسرات " جمع "حسرة " . وكذلك كل اسم كان واحده على "فعلة " مفتوح الأول ساكن الثاني ، فإن جمعه على "فعلات " مثل "شهوة وتمرة " تجمع "شهوات وتمرات " مثقلة الثواني من حروفها . فأما إذا كان نعتا فإنك تدع ثانيه ساكنا مثل "ضخمة " ، تجمعها "ضخمات " و"عبلة " تجمعها "عبلات " ، وربما سكن الثاني في الأسماء ، كما قال الشاعر :


عل صروف الدهر أو دولاتها يدلننا اللمة من لماتها

فتستريح النفس من زفراتها


فسكن الثاني من "الزفرات " ، وهي اسم . وقيل : إن "الحسرة " أشد الندامة . [ ص: 296 ]

فإن قال لنا قائل : فكيف يرون أعمالهم حسرات عليهم ، وإنما يتندم المتندم على ترك الخيرات وفوتها إياه ؟ وقد علمت أن الكفار لم يكن لهم من الأعمال ما يتندمون على تركهم الازدياد منه ، فيريهم الله قليله! بل كانت أعمالهم كلها معاصي لله ، ولا حسرة عليهم في ذلك ، وإنما الحسرة فيما لم يعملوا من طاعة الله ؟

قيل : إن أهل التأويل في تأويل ذلك مختلفون ، فنذكر في ذلك ما قالوا ، ثم نخبر بالذي هو أولى بتأويله إن شاء الله .

فقال بعضهم : معنى ذلك : كذلك يريهم الله أعمالهم التي فرضها عليهم في الدنيا فضيعوها ولم يعملوا بها ، حتى استوجب ما كان الله أعد لهم ، لو كانوا عملوا بها في حياتهم ، من المساكن والنعم غيرهم بطاعته ربه . فصار ما فاتهم من الثواب - الذي كان الله أعده لهم عنده لو كانوا أطاعوه في الدنيا ، إذ عاينوه عند دخول النار أو قبل ذلك - أسى وندامة وحسرة عليهم .

ذكر من قال ذلك :

2434 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " ، زعم أنه يرفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها ، لو أنهم أطاعوا الله ، فيقال لهم : تلك مساكنكم لو أطعتم الله ، ثم تقسم بين المؤمنين ، فيرثونهم . فذلك حين يندمون .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:21 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(214)
الحلقة (228)
صــ 297إلى صــ 303




2435 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل قال : حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله - في [ ص: 297 ] قصة ذكرها - فقال : فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة . قال : فيرى أهل النار الذين في الجنة ، فيقال لهم : لو عملتم! فتأخذهم الحسرة . قال : فيرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن من الله عليكم!

فإن قال قائل : وكيف يكون مضافا إليهم من العمل ما لم يعملوه على هذا التأويل ؟

قيل : كما يعرض على الرجل العمل فيقال [ له ] قبل أن يعمله : هذا عملك . يعني : هذا الذي يجب عليك أن تعمله ، كما يقال للرجل يحضر [ ص: 298 ] غداؤه قبل أن يتغدى به : هذا غداؤك اليوم . يعني به : هذا ما تتغدى به اليوم . فكذلك قوله : "كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " ، يعني : كذلك يريهم الله أعمالهم التي كان لازما لهم العمل بها في الدنيا ، حسرات عليهم .

وقال آخرون : كذلك يريهم الله أعمالهم السيئة حسرات عليهم ، لم عملوها ؟ وهلا عملوا بغيرها مما يرضي الله تعالى ذكره ؟

ذكر من قال ذلك :

2436 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " ، فصارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة .

2437 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "أعمالهم حسرات عليهم " قال : أوليس أعمالهم الخبيثة التي أدخلهم الله بها النار ؟ [ فجعلها ] حسرات عليهم . قال : وجعل أعمال أهل الجنة لهم ، وقرأ قول الله : ( بما أسلفتم في الأيام الخالية ) [ سورة الحاقة : 24 ]

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال : معنى قوله : " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " ، كذلك يري الله الكافرين أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم ، لم عملوا بها ؟ وهلا عملوا بغيرها ؟ فندموا على ما فرط منهم من أعمالهم الرديئة ، إذ رأوا جزاءها من الله وعقابها ، لأن الله أخبر أنه يريهم أعمالهم ندما عليهم . [ ص: 299 ]

فالذي هو أولى بتأويل الآية ، ما دل عليه الظاهر دون ما احتمله الباطن الذي لا دلالة له على أنه المعني بها . والذي قال السدي في ذلك ، وإن كان مذهبا تحتمله الآية ، فإنه منزع بعيد . ولا أثر - بأن ذلك كما ذكر - تقوم به حجة فيسلم لها ، ولا دلالة في ظاهر الآية أنه المراد بها . فإذ كان الأمر كذلك ، لم يحل ظاهر التنزيل إلى باطن تأويل .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما هم بخارجين من النار ( 167 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما هؤلاء الذين وصفتهم من الكفار - وإن ندموا بعد معاينتهم ما عاينوا من عذاب الله ، فاشتدت ندامتهم على ما سلف منهم من أعمالهم الخبيثة ، وتمنوا إلى الدنيا كرة لينيبوا فيها ، ويتبرءوا من مضليهم وسادتهم الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله فيها - بخارجين من النار التي أصلاهموها الله بكفرهم به في الدنيا ، ولا ندمهم فيها بمنجيهم من عذاب الله حينئذ ، ولكنهم فيها مخلدون .

وفي هذه الآية الدلالة على تكذيب الله الزاعمين أن عذاب الله أهل النار من أهل الكفر منقض ، وأنه إلى نهاية ، ثم هو بعد ذلك فان . لأن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية ، ثم ختم الخبر عنهم بأنهم غير خارجين من النار ، بغير استثناء منه وقتا دون وقت . فذلك إلى غير حد ولا نهاية .
[ ص: 300 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 168 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : يا أيها الناس كلوا مما أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم فطيبته لكم - مما تحرمونه على أنفسكم من البحائر والسوائب والوصائل وما أشبه ذلك مما لم أحرمه عليكم دون ما حرمته عليكم من المطاعم والمآكل فنجسته من ميتة ودم ولحم خنزير وما أهل به لغيري . ودعوا خطوات الشيطان - الذي يوبقكم فيهلككم ، ويوردكم موارد العطب ، ويحرم عليكم أموالكم - فلا تتبعوها ولا تعملوا بها ، إنه يعني بقوله : " إنه " إن الشيطان ، و" الهاء " في قوله : " إنه " عائدة على الشيطان لكم أيها الناس " عدو مبين " ، يعني : أنه قد أبان لكم عداوته ، بإبائه عن السجود لأبيكم ، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة ، واستزله بالخطيئة ، وأكل من الشجرة .

يقول تعالى ذكره : فلا تنتصحوه ، أيها الناس ، مع إبانته لكم العداوة ، ودعوا ما يأمركم به ، والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرمته عليكم ، دون ما حرمتموه أنتم على أنفسكم وحللتموه ، طاعة منكم للشيطان واتباعا لأمره .

ومعنى قوله : " حلالا " ، طلقا . وهو مصدر من قول القائل : " قد حل لك هذا الشيء " ، أي صار لك مطلقا ، " فهو يحل لك حلالا وحلا " ، ومن [ ص: 301 ] كلام العرب : " هو لك حل " ، أي : طلق .

وأما قوله : " طيبا " فإنه يعني به طاهرا غير نجس ولا محرم .

وأما "الخطوات " فإنه جمع " خطوة " ، و" الخطوة " بعد ما بين قدمي الماشي . و" الخطوة " بفتح " الخاء " " الفعلة " الواحدة من قول القائل : " خطوت خطوة واحدة " . وقد تجمع "الخطوة " " خطا" و"الخطوة" تجمع " خطوات " ، " وخطاء " .

والمعنى في النهي عن اتباع خطواته ، النهي عن طريقه وأثره فيما دعا إليه ، مما هو خلاف طاعة الله تعالى ذكره .

واختلف أهل التأويل في معنى " الخطوات " . فقال بعضهم : خطوات الشيطان : عمله .

ذكر من قال ذلك :

2438 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " خطوات الشيطان " ، يقول : عمله .

وقال بعضهم : " خطوات الشيطان " ، خطاياه .

ذكر من قال ذلك :

2439 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " خطوات الشيطان " قال : خطيئته .

2440 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : خطاياه . [ ص: 302 ]

2441 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قال : خطاياه .

2442 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك قوله : " خطوات الشيطان " قال : خطايا الشيطان التي يأمر بها .

وقال آخرون : " خطوات الشيطان " ، طاعته .

ذكر من قال ذلك :

2443 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " ، يقول : طاعته .

وقال آخرون : " خطوات الشيطان " ، النذور في المعاصي .

ذكر من قال ذلك :

2444 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن سليمان عن أبي مجلز في قوله : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قال : هي النذور في المعاصي .

قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في تأويل قوله : " خطوات الشيطان " ، قريب معنى بعضها من بعض؛ لأن كل قائل منهم قولا في ذلك ، فإنه أشار إلى نهي اتباع الشيطان في آثاره وأعماله ، غير أن حقيقة تأويل الكلمة هو ما بينت ، من أنها "بعد ما بين قدميه" ، ثم تستعمل في جميع آثاره وطرقه ، على ما قد بينت .
[ ص: 303 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( 169 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إنما يأمركم " ، الشيطان " بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " .

" والسوء " : الإثم ، مثل " الضر " ، من قول القائل : " ساءك هذا الأمر يسوءك سوءا " وهو ما يسوء الفاعل .

وأما " الفحشاء " ، فهي مصدر مثل " السراء والضراء " ، وهي كل ما استفحش ذكره ، وقبح مسموعه .

وقيل : إن " السوء " الذي ذكره الله هو معاصي الله . فإن كان ذلك كذلك ، فإنما سماها الله " سوءا " لأنها تسوء صاحبها بسوء عاقبتها له عند الله . وقيل : إن "الفحشاء" ، الزنا : فإن كان ذلك كذلك ، فإنما يسمى [ كذلك ] ، لقبح مسموعه ومكروه ما يذكر به فاعله .

ذكر من قال ذلك :

2445 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " إنما يأمركم بالسوء والفحشاء " ، أما " السوء " ، فالمعصية ، وأما " الفحشاء " ، فالزنا .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:21 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(215)
الحلقة (229)
صــ 304إلى صــ 310




وأما قوله : " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " ، فهو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي ، ويزعمون أن الله حرم ذلك . فقال تعالى [ ص: 304 ] ذكره لهم : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) [ سورة المائدة : 103 ] فأخبرهم تعالى ذكره في هذه الآية ، أن قيلهم : " إن الله حرم هذا " من الكذب الذي يأمرهم به الشيطان ، وأنه قد أحله لهم وطيبه ، ولم يحرم أكله عليهم ، ولكنهم يقولون على الله ما لا يعلمون حقيقته ، طاعة منهم للشيطان ، واتباعا منهم خطواته ، واقتفاء منهم آثار أسلافهم الضلال وآبائهم الجهال ، الذين كانوا بالله وبما أنزل على رسوله جهالا وعن الحق ومنهاجه ضلالا - وإسرافا منهم ، كما أنزل الله في كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ذكره : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 ) )

قال أبو جعفر : وفي هذه الآية وجهان من التأويل .

أحدهما : أن تكون " الهاء والميم " من قوله : " وإذا قيل لهم " عائدة على " من " في قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " فيكون معنى الكلام : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ، وإذا قيل لهم : اتبعوا ما أنزل الله . قالوا : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا .

والآخر : أن تكون " الهاء والميم " اللتان في قوله : " وإذا قيل لهم " ، من ذكر " الناس " الذين في قوله : " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " ، فيكون [ ص: 305 ] ذلك انصرافا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب ، كما في قوله تعالى ذكره : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ) [ سورة يونس : 22 ]

قال أبو جعفر : وأشبه عندي بالصواب وأولى بتأويل الآية أن تكون " الهاء والميم " في قوله : " لهم " ، من ذكر " الناس " ، وأن يكون ذلك رجوعا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب . لأن ذلك عقيب قوله : " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض" . فلأن يكون خبرا عنهم ، أولى من أن يكون خبرا عن الذين أخبر أن منهم " من يتخذ من دون الله أندادا " ، مع ما بينهما من الآيات ، وانقطاع قصصهم بقصة مستأنفة غيرها وأنها نزلت في قوم من اليهود قالوا ذلك ، إذ دعوا إلى الإسلام ، كما : -

2446 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه ، وحذرهم عقاب الله ونقمته ، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ، فإنهم كانوا أعلم وخيرا منا! فأنزل الله في ذلك من قولهما " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " [ ص: 306 ] .

2447 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس مثله - إلا أنه قال : فقال له أبو رافع بن خارجة ومالك بن عوف .

وأما تأويل قوله : " اتبعوا ما أنزل الله " ، فإنه : اعملوا بما أنزل الله في كتابه على رسوله ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واجعلوه لكم إماما تأتمون به ، وقائدا تتبعون أحكامه .

وقوله : " ألفينا عليه آباءنا " ، يعني وجدنا ، كما قال الشاعر :


فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا
[ ص: 307 ]

يعني : وجدته ، وكما : -

2448 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " ، أي : ما وجدنا عليه آباءنا .

2449 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

قال أبو جعفر : فمعنى الآية : وإذا قيل لهؤلاء الكفار : كلوا مما أحل الله لكم ، ودعوا خطوات الشيطان وطريقه ، واعملوا بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه - استكبروا عن الإذعان للحق وقالوا : بل نأتم بآبائنا فنتبع ما وجدناهم عليه ، من تحليل ما كانوا يحلون ، وتحريم ما كانوا يحرمون .

قال الله تعالى ذكره : " أو لو كان آباؤهم " - يعني : آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم - " لا يعقلون شيئا " من دين الله وفرائضه ، وأمره ونهيه ، فيتبعون على ما سلكوا من الطريق ، ويؤتم بهم في أفعالهم - " ولا يهتدون " لرشد ، فيهتدي بهم غيرهم ، ويقتدي بهم من طلب الدين ، وأراد الحق والصواب؟

يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار : فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه [ ص: 308 ] آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم ، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئا ، ولا هم مصيبون حقا ، ولا مدركون رشدا؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء المستعمل له في نفسه ، فأما الجاهل فلا يتبعه - فيما هو به جاهل - إلا من لا عقل له ولا تمييز .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم : معنى ذلك : مثل الكافر في قلة فهمه عن الله ما يتلى عليه في كتابه ، وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها ، ولا تعقل ما يقال لها .

ذكر من قال ذلك :

2450 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : مثل البعير أو مثل الحمار ، تدعوه فيسمع الصوت ولا يفقه ما تقول .

2451 - حدثني محمد بن عبد الله بن زريع قال : حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " قال : هو كمثل الشاة ونحو ذلك . [ ص: 309 ]

2452 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، كمثل البعير والحمار والشاة ، إن قلت لبعضها " كل " - لا يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك ، وكذلك الكافر ، إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته ، لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك .

2453 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : مثل الدابة تنادى فتسمع ولا تعقل ما يقال لها . كذلك الكافر ، يسمع الصوت ولا يعقل .

2454 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " قال : مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل .

2455 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق " ، مثل ضربه الله للكافر يسمع ما يقال له ولا يعقل ، كمثل البهيمة تسمع النعيق ولا تعقل .

2456 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، يقول : مثل الكافر كمثل البعير والشاة ، يسمع الصوت ولا يعقل ولا يدري ما عني به . [ ص: 310 ]

2457 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : هو مثل ضربه الله للكافر؛ يقول : مثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها . فكذلك الكافر لا ينتفع بما يقال له .

2458 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : هو مثل الكافر ، يسمع الصوت ولا يعقل ما يقال له .

2459 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : سألت عطاء ثم قلت له : يقال : لا تعقل - يعني البهيمة - إلا أنها تسمع دعاء الداعي حين ينعق بها ، فهم كذلك لا يعقلون وهم يسمعون . فقال : كذلك . قال : وقال مجاهد : " الذي ينعق " ، الراعي " بما لا يسمع " من البهائم .

2460 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق " الراعي " بما لا يسمع " من البهائم .

2461 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، لا يعقل ما يقال له إلا أن تدعي فتأتي ، أو ينادى بها فتذهب . وأما " الذي ينعق " ، فهو الراعي الغنم ، كما ينعق الراعي بما لا يسمع ما يقال له ، إلا أن يدعى أو ينادى . فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، يدعو من لا يسمع إلا خرير الكلام ، يقول الله : ( صم بكم عمي ) [ سورة البقرة : 18 ]

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg



ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:22 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(216)
الحلقة (230)
صــ 311إلى صــ 317






قال أبو جعفر : ومعنى قائلي هذا القول - في تأويلهم ما تأولوا ، على ما حكيت عنهم - : ومثل وعظ الذين كفروا وواعظهم ، كمثل نعق الناعق بغنمه [ ص: 311 ] ونعيقه بها . فأضيف " المثل " إلى الذين كفروا ، وترك ذكر " الوعظ والواعظ " ، لدلالة الكلام على ذلك . كما يقال : " إذا لقيت فلانا فعظمه تعظيم السلطان " ، يراد به : كما تعظم السلطان ، وكما قال الشاعر :


فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأمير


يراد به : كما يسلم على الأمير .

وقد يحتمل أن يكون المعنى - على هذا التأويل الذي تأوله هؤلاء - : ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله ، كمثل المنعوق به من البهائم ، الذي لا يفقه من الأمر والنهي غير الصوت . وذلك أنه لو قيل له : " اعتلف ، أورد الماء " ، لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله . فكذلك الكافر مثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه - بسوء تدبره إياه وقلة نظره وفكره فيه - مثل هذا المنعوق به فيما أمر به ونهي عنه . فيكون المعنى للمنعوق به ، والكلام خارج على الناعق ، كما قال نابغة بني ذبيان :


وقد خفت ، حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل


والمعنى : حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي ، وكما قال الآخر : [ ص: 312 ]


كانت فريضة ما تقول ، كما كان الزناء فريضة الرجم


والمعنى : كما كان الرجم فريضة الزنا ، فجعل الزنا فريضة الرجم ، لوضوح معنى الكلام عند سامعه ، وكما قال الآخر :


إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره


والمعنى : يحلى بالعين ، فجعله تحلى به العين . ونظائر ذلك من كلام العرب أكثر من أن تحصى ، مما توجهه العرب من خبر ما تخبر عنه إلى ما صاحبه ، لظهور معنى ذلك عند سامعه ، فتقول : " اعرض الحوض على الناقة " ، وإنما تعرض الناقة على الحوض ، وما أشبه ذلك من كلامها .

وقال آخرون : معنى ذلك : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأوثانهم التي لا تسمع ولا تعقل كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، وذلك الصدى الذي يسمع صوته ، ولا يفهم به عنه الناعق شيئا .

فتأويل الكلام على قول قائلي ذلك : ومثل الذين كفروا وآلهتهم - في دعائهم إياها وهي لا تفقه ولا تعقل - كمثل الناعق بما لا يسمعه الناعق إلا دعاء ونداء ، أي : لا يسمع منه الناعق إلا دعاءه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 313 ]

2462 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : الرجل الذي يصيح في جوف الجبال فيجيبه فيها صوت يراجعه يقال له " الصدى " . فمثل آلهة هؤلاء لهم ، كمثل الذي يجيبه بهذا الصوت ، لا ينفعه ، لا يسمع إلا دعاء ونداء . قال : والعرب تسمي ذلك الصدى .

وقد تحتمل الآية على هذا التأويل وجها آخر غير ذلك . وهو أن يكون معناها : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم ، كمثل الناعق بغنم له من حيث لا تسمع صوته غنمه ، فلا تنتفع من نعقه بشيء ، غير أنه في عناء من دعاء ونداء ، فكذلك الكافر في دعائه آلهته ، إنما هو في عناء من دعائه إياها وندائه لها ، ولا ينفعه شيء .

قال أبو جعفر : وأولى التأويل عندي بالآية ، التأويل الأول الذي قاله ابن عباس ومن وافقه عليه . وهو أن معنى الآية : ومثل وعظ الكافر وواعظه ، كمثل الناعق بغنمه ونعيقه ، فإنه يسمع نعقه ولا يعقل كلامه ، على ما قد بينا قبل .

فأما وجه جواز حذف " وعظ " اكتفاء بالمثل منه ، فقد أتينا على البيان عنه في قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) [ سورة البقرة : 17 ] ، وفي غيره من نظائره من الآيات ، بما فيه الكفاية عن إعادته .

وإنما اخترنا هذا التأويل ، لأن هذه الآية نزلت في اليهود ، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بها ، ولم تكن اليهود أهل أوثان يعبدونها ، ولا أهل أصنام يعظمونها ويرجون نفعها أو دفع ضرها . ولا وجه - إذ كان ذلك كذلك - لتأويل من [ ص: 314 ] تأول ذلك أنه بمعنى : مثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودعائهم إياها .

فإن قال قائل : وما دليلك على أن المقصود بهذه الآية اليهود؟

قيل : دليلنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها ، فإنهم هم المعنيون به . فكان ما بينهما بأن يكون خبرا عنهم ، أحق وأولى من أن يكون خبرا عن غيرهم ، حتى تأتي الأدلة واضحة بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم . هذا ، مع ما ذكرنا من الأخبار عمن ذكرنا عنه أنها فيهم نزلت ، والرواية التي روينا عن ابن عباس أن الآية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم . وبما قلنا من أن هذه الآية معني بها [ ص: 315 ] اليهود كان عطاء يقول :

2463 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال لي عطاء في هذه الآية : هم اليهود الذين أنزل الله فيهم : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) إلى قوله : ( فما أصبرهم على النار ) [ سورة البقرة : 174 - 175 ] .

وأما قوله : " ينعق " ، فإنه : يصوت بالغنم "النعيق ، والنعاق" ، ومنه قول الأخطل :


فانعق بضأنك يا جرير ، فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا


يعني : صوت به .
القول في تأويل قوله تعالى ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ( 171 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " صم بكم عمي " ، هؤلاء الكفار الذين مثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " صم " عن الحق فهم لا يسمعون - " بكم " يعني : خرس عن قيل الحق والصواب ، والإقرار بما أمرهم الله أن يقروا به ، وتبيين ما أمرهم الله تعالى ذكره أن يبينوه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس ، فلا ينطقون به ولا يقولونه ، ولا يبينونه للناس - ، " عمي " [ ص: 316 ] عن الهدى وطريق الحق فلا يبصرونه ، كما : -

2464 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة قوله : " صم بكم عمي " ، يقول : صم عن الحق فلا يسمعونه ، ولا ينتفعون به ولا يعقلونه; عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه; بكم عن الحق فلا ينطقون به .

2465 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " صم بكم عمي " يقول : عن الحق .

2466 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " صم بكم عمي " ، يقول : لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه .

وأما الرفع في قوله : " صم بكم عمي " ، فإنه أتاه من قبل الابتداء والاستئناف ، يدل على ذلك قوله : " فهم لا يعقلون " ، كما يقال في الكلام : " هو أصم لا يسمع ، وهو أبكم لا يتكلم " .
القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ( 172 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا لله بالعبودية ، وأذعنوا له بالطاعة ، كما : -

2467 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن [ ص: 317 ] جويبر ، عن الضحاك في قوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يقول : صدقوا .

" كلوا من طيبات ما رزقناكم " ، يعني : اطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم ، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم ، مما كنتم تحرمون أنتم ، ولم أكن حرمته عليكم ، من المطاعم والمشارب . " واشكروا لله " ، يقول : وأثنوا على الله بما هو أهله منكم ، على النعم التي رزقكم وطيبها لكم . " إن كنتم إياه تعبدون " ، يقول : إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين ، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيبه لكم ، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان .

وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرمونه من المطاعم ، وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه ، إذ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعة منهم للشيطان ، واتباعا لأهل الكفر منهم بالله من الآباء والأسلاف . ثم بين لهم تعالى ذكره ما حرم عليهم ، وفصله لهم مفسرا .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:22 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(217)
الحلقة (231)
صــ 318إلى صــ 324



القول في تأويل قوله تعالى ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : لا تحرموا على أنفسكم ما لم أحرمه عليكم أيها المؤمنون بالله وبرسوله من البحائر والسوائب ونحو ذلك ، بل كلوا ذلك ، فإني لم أحرم عليكم غير الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهل به لغيري .

ومعنى قوله : " إنما حرم عليكم الميتة " ، ما حرم عليكم إلا الميتة . [ ص: 318 ]

" وإنما " : حرف واحد ، ولذلك نصبت " الميتة والدم " ، وغير جائز في " الميتة " إذا جعلت " إنما " حرفا واحدا - إلا النصب . ولو كانت " إنما " حرفين ، وكانت منفصلة من " إن " ، لكانت " الميتة " مرفوعة وما بعدها . وكان تأويل الكلام حينئذ : إن الذي حرم الله عليكم من المطاعم الميتة والدم ولحم الخنزير ، لا غير ذلك .

وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ ذلك كذلك ، على هذا التأويل . ولست للقراءة به مستجيزا وإن كان له في التأويل والعربية وجه مفهوم - لاتفاق الحجة من القراء على خلافه . فغير جائز لأحد الاعتراض عليهم فيما نقلوه مجمعين عليه .

ولو قرئ في " حرم " بضم الحاء من " حرم " ، لكان في " الميتة " وجهان من الرفع . أحدهما : من أن الفاعل غير مسمى ، " وإنما " حرف واحد .

والآخر : " إن " و" ما " في معنى حرفين ، و" حرم " من صلة " ما " ، " والميتة " خبر " الذي " مرفوع على الخبر . ولست ، وإن كان لذلك أيضا وجه ، مستجيزا للقراءة به ، لما ذكرت .

وأما " الميتة " ، فإن القراءة مختلفة في قراءتها . فقرأها بعضهم بالتخفيف ، ومعناه فيها التشديد ، ولكنه يخففها كما يخفف القائلون في : " هو هين لين " " الهين اللين " ، كما قال الشاعر :


ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
[ ص: 319 ]

فجمع بين اللغتين في بيت واحد ، في معنى واحد .

وقرأها بعضهم بالتشديد ، وحملوها على الأصل ، وقالوا : إنما هو " ميوت " ، " فيعل " ، من الموت . ولكن " الياء " الساكنة و" الواو " المتحركة لما اجتمعتا ، " والياء " مع سكونها متقدمة ، قلبت " الواو " " ياء " وشددت ، فصارتا " ياء " مشددة ، كما فعلوا ذلك في " سيد وجيد " . قالوا : ومن خففها ، فإنما طلب الخفة . والقراءة بها على أصلها الذي هو أصلها أولى .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن التخفيف والتشديد في " ياء " " الميتة " لغتان معروفتان في القراءة وفي كلام العرب ، فبأيهما قرأ ذلك القارئ فمصيب . لأنه لا اختلاف في معنييهما .

وأما قوله : " وما أهل به لغير الله " ، فإنه يعني به : وما ذبح للآلهة والأوثان يسمى عليه بغير اسمه ، أو قصد به غيره من الأصنام .

وإنما قيل : " وما أهل به " ، لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قربوه لآلهتهم ، سموا اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها ، وجهروا بذلك أصواتهم ، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك ، حتى قيل لكل ذابح ، سمى أو لم يسم ، جهر بالتسمية أو لم يجهر - : " مهل " . فرفعهم أصواتهم بذلك هو " الإهلال " الذي ذكره الله تعالى فقال : " وما أهل به لغير الله " . ومن ذلك قيل للملبي في حجة أو عمرة " مهل " ، لرفعه صوته بالتلبية . ومنه " استهلال " الصبي ، إذا صاح عند سقوطه من بطن أمه ، " واستهلال " المطر ، وهو صوت وقوعه على الأرض ، كما قال عمرو بن قميئة :


[ ص: 320 ] ظلم البطاح له انهلال حريصة فصفا النطاف له بعيد المقلع


واختلف أهل التأويل في ذلك . فقال بعضهم : يعني بقوله : " وما أهل به لغير الله " ، ما ذبح لغير الله .

ذكر من قال ذلك :

2468 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " وما أهل به لغير الله " قال : ما ذبح لغير الله .

2469 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " وما أهل به لغير الله " قال : ما ذبح لغير الله مما لم يسم عليه .

2470 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " وما أهل به لغير الله " ، ما ذبح لغير الله .

2471 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال ابن عباس في قوله : " وما أهل به لغير الله " قال : ما أهل به للطواغيت .

2472 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر عن الضحاك قال : " وما أهل به لغير الله " قال : ما أهل به للطواغيت .

2473 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " وما أهل به لغير الله " ، يعني : ما أهل للطواغيت كلها . يعني : ما ذبح لغير الله من أهل الكفر ، غير اليهود والنصارى .

2474 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عطاء في قول الله : " وما أهل به لغير الله قال : هو ما ذبح لغير الله . [ ص: 321 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : ما ذكر عليه غير اسم الله .

ذكر من قال ذلك :

2475 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " وما أهل به لغير الله " ، يقول : ما ذكر عليه غير اسم الله .

2476 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد - وسألته عن قول الله : " وما أهل به لغير الله " - قال : ما يذبح لآلهتهم ، الأنصاب التي يعبدونها أو يسمون أسماءها عليها . قال : يقولون : " باسم فلان " ، كما تقول أنت : " باسم الله " قال : فذلك قوله : " وما أهل به لغير الله " .

2477 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا حيوة عن عقبة بن مسلم التجيبي وقيس بن رافع الأشجعي أنهما قالا : أحل لنا ما ذبح لعيد الكنائس ، وما أهدي لها من خبز أو لحم ، فإنما هو طعام أهل الكتاب . قال حيوة ، قلت : أرأيت قول الله : " وما أهل به لغير الله " ؟ قال : إنما ذلك المجوس وأهل الأوثان والمشركون .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فمن اضطر " ، فمن حلت به ضرورة مجاعة إلى ما حرمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله - وهو بالصفة التي وصفنا - فلا إثم عليه في أكله إن أكله . [ ص: 322 ]

وقوله : فمن " اضطر " " افتعل " من " الضرورة " .

و" غير باغ " نصب على الحال من" من " ، فكأنه . قيل : فمن اضطر لا باغيا ولا عاديا فأكله ، فهو له حلال .

وقد قيل : إن معنى قوله : " فمن اضطر " ، فمن أكره على أكله فأكله ، فلا إثم عليه .

ذكر من قال ذلك :

2478 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن سالم الأفطس عن مجاهد قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : الرجل يأخذه العدو فيدعونه إلى معصية الله .

وأما قوله : " غير باغ ولا عاد " ، فإن أهل التأويل في تأويله مختلفون .

فقال بعضهم : يعني بقوله : " غير باغ " ، غير خارج على الأئمة بسيفه باغيا عليهم بغير جور ، ولا عاديا عليهم بحرب وعدوان ، فمفسد عليهم السبيل .

ذكر من قال ذلك :

2479 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير قاطع سبيل ، ولا مفارق جماعة ، ولا خارج في معصية الله ، فله الرخصة .

2480 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، يقول : لا قاطعا للسبيل ، ولا مفارقا للأئمة ، ولا خارجا في معصية الله ، فله الرخصة . ومن خرج باغيا أو عاديا في معصية الله ، فلا رخصة له وإن اضطر إليه .

2481 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا شريك ، عن سالم عن سعيد : " غير باغ ولا عاد " قال : هو الذي يقطع الطريق ، فليس له رخصة [ ص: 323 ] إذا جاع أن يأكل الميتة ، وإذا عطش أن يشرب الخمر .

2482 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك عن سالم - يعني الأفطس - عن سعيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : الباغي العادي الذي يقطع الطريق ، فلا رخصة له ولا كرامة .

2483 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم عن سعيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : إذا خرج في سبيل من سبل الله فاضطر إلى شرب الخمر شرب ، وإن اضطر إلى الميتة أكل . وإذا خرج يقطع الطريق ، فلا رخصة له .

2484 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد قال : " غير باغ " على الأئمة ، " ولا عاد " قال : قاطع السبيل .

2485 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير قاطع السبيل ، ولا مفارق الأئمة ، ولا خارج في معصية الله فله الرخصة .

2486 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن الحكم عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ على الأئمة ، ولا عاد على ابن السبيل .

وقال آخرون في تأويل قوله : " غير باغ ولا عاد " : غير باغ الحرام في أكله ، ولا معتد الذي أبيح له منه .

ذكر من قال ذلك .

2487 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد [ ص: 324 ] عن قتادة قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ في أكله ، ولا عاد : أن يتعدى حلالا إلى حرام ، وهو يجد عنه مندوحة .

2488 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ فيها ولا معتد فيها بأكلها ، وهو غني عنها .

2489 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عمن سمع الحسن يقول ذلك .

2490 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثنا أبو تميلة عن أبي حمزة ، عن جابر عن مجاهد وعكرمة قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، " غير باغ " يبتغيه ، " ولا عاد " : يتعدى على ما يمسك نفسه .

2491 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، يقول : من غير أن يبتغي حراما ويتعداه ، ألا ترى أنه يقول : ( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) [ سورة المؤمنون : 7\ سورة المعارج : 31 ]

2492 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : أن يأكل ذلك بغيا وتعديا عن الحلال إلى الحرام ، ويترك الحلال وهو عنده ، ويتعدى بأكل هذا الحرام . هذا التعدي . ينكر أن يكونا مختلفين ، ويقول : هذا وهذا واحد!

وقال آخرون تأويل ذلك : فمن اضطر غير باغ في أكله شهوة ، ولا عاد فوق ما لا بد له منه .

ذكر من قال ذلك :

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:23 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(218)
الحلقة (232)
صــ 325إلى صــ 331





2493 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 325 ] أسباط عن السدي : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " . أما " باغ " ، فيبغي فيه شهوته . وأما " العادي " ، فيتعدى في أكله ، يأكل حتى يشبع ، ولكن يأكل منه قدر ما يمسك به نفسه حتى يبلغ به حاجته .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : فمن اضطر غير باغ بأكله ما حرم عليه من أكله ، ولا عاد في أكله ، وله عن ترك أكله - بوجود غيره مما أحله الله له - مندوحة وغنى .

وذلك أن الله تعالى ذكره لم يرخص لأحد في قتل نفسه بحال . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا شك أن الخارج على الإمام والقاطع الطريق ، وإن كانا قد أتيا ما حرم الله عليهما : من خروج هذا على من خرج عليه ، وسعي هذا بالإفساد في الأرض ، فغير مبيح لهما فعلهما ما فعلا مما حرم الله عليهما - ما كان حرم الله عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك - من قتل أنفسهما . [ وردهما إلى محارم الله عليهما بعد فعلهما ما فعلا وإن كان قد حرم عليهما ما كان مرخصا لهما قبل ذلك من فعلهما ، وإن لم نر ردهما إلى محارم الله عليهما تحريما ، فغير مرخص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما ] . فإذ كان ذلك كذلك فالواجب على قطاع الطريق والبغاة على الأئمة العادلة ، الأوبة إلى طاعة الله ، والرجوع إلى ما ألزمهما الله الرجوع إليه ، والتوبة من معاصي الله - لا قتل أنفسهما بالمجاعة ، فيزدادان إلى إثمهما إثما ، وإلى خلافهما أمر الله خلافا . [ ص: 326 ]

وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه غير باغ في أكله شهوة ، فأكل ذلك شهوة ، لا لدفع الضرورة المخوف منها الهلاك - مما قد دخل فيما حرمه الله عليه - فهو بمعنى ما قلنا في تأويله ، وإن كان للفظه مخالفا .

فأما توجيه تأويل قوله : " ولا عاد " ، ولا آكل منه شبعة ، ولكن ما يمسك به نفسه ، فإن ذلك بعض معاني الاعتداء في أكله . ولم يخصص الله من معاني الاعتداء في أكله معنى ، فيقال عنى به بعض معانيه .

فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب من القول ما قلنا : من أنه الاعتداء في كل معانيه المحرمة .

وأما تأويل قوله : " فلا إثم عليه " ، يقول : من أكل ذلك على الصفة التي وصفنا ، فلا تبعة عليه في أكله ذلك كذلك ولا حرج .
[ ص: 327 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله غفور رحيم ( 173 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " إن الله غفور رحيم " ، " إن الله غفور " إن أطعتم الله في إسلامكم ، فاجتنبتم أكل ما حرم عليكم ، وتركتم اتباع الشيطان فيما كنتم تحرمونه في جاهليتكم - طاعة منكم للشيطان واقتفاء منكم خطواته - مما لم أحرمه عليكم لما سلف منكم ، في كفركم وقبل إسلامكم ، في ذلك من خطأ وذنب ومعصية ، فصافح عنكم ، وتارك عقوبتكم عليه ، " رحيم " بكم إن أطعتموه .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، أحبار اليهود الذين كتموا الناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، برشى كانوا أعطوها على ذلك ، كما : -

2494 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " الآية كلها ، هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم وبين لهم من الحق والهدى ، من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأمره .

2495 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) [ ص: 328 ] قال : هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق والإسلام وشأن محمد صلى الله عليه وسلم .

2496 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، فهؤلاء اليهود كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم .

2497 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج عن عكرمة قوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، والتي في " آل عمران " ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ سورة آل عمران : 77 ] نزلتا جميعا في يهود .

وأما تأويل قوله : " ويشترون به ثمنا قليلا " ، فإنه يعني : يبتاعون به . " والهاء " التي في " به " ، من ذكر " الكتمان " . فمعناه : ابتاعوا بكتمانهم ما كتموا الناس من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر نبوته ثمنا قليلا . وذلك أن الذي كانوا يعطون على تحريفهم كتاب الله وتأويلهموه على غير وجهه ، وكتمانهم الحق في ذلك اليسير من عرض الدنيا ، كما : -

2498 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ويشترون به ثمنا قليلا " قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا عليه طمعا قليلا فهو الثمن القليل .

وقد بينت فيما مضى صفة " اشترائهم " ذلك ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
[ ص: 329 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ( 174 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك " ، - هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب في شأن محمد صلى الله عليه وسلم بالخسيس من الرشوة يعطونها ، فيحرفون لذلك آيات الله ويغيرون معانيها " ما يأكلون في بطونهم " - بأكلهم ما أكلوا من الرشى على ذلك والجعالة ، وما أخذوا عليه من الأجر " إلا النار " - يعني : إلا ما يوردهم النار ويصليهموها ، كما قال تعالى ذكره : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) [ سورة النساء : 10 ] معناه : ما يأكلون في بطونهم إلا ما يوردهم النار بأكلهم . فاستغنى بذكر " النار" وفهم السامعين معنى الكلام ، عن ذكر " ما يوردهم ، أو يدخلهم" . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2499 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار " ، يقول : ما أخذوا عليه من الأجر .

فإن قال قائل : فهل يكون الأكل في غير البطن فيقال : " ما يأكلون في بطونهم " ؟

قيل : قد تقول العرب : " جعت في غير بطني ، وشبعت في غير بطني " ، فقيل : في بطونهم لذلك ، كما يقال : " فعل فلان هذا نفسه " . وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع ، فيما مضى . [ ص: 330 ]

وأما قوله : " ولا يكلمهم الله يوم القيامة " ، يقول : ولا يكلمهم بما يحبون ويشتهون ، فأما بما يسوءهم ويكرهون ، فإنه سيكلمهم . لأنه قد أخبر تعالى ذكره أنه يقول لهم - إذا قالوا : ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ) الآيتين [ سورة المؤمنون : 107 - 108 ] .

وأما قوله : "ولا يزكيهم" ، فإنه يعني : ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم ، " ولهم عذاب أليم " ، يعني : موجع
القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " ، أولئك الذين أخذوا الضلالة ، وتركوا الهدى ، وأخذوا ما يوجب لهم عذاب الله يوم القيامة ، وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ورضوانه . فاستغنى بذكر " العذاب " و" المغفرة " ، من ذكر السبب الذي يوجبهما ، لفهم سامعي ذلك لمعناه والمراد منه . وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى . وكذلك بينا وجه " اشتروا الضلالة بالهدى " باختلاف المختلفين ، والدلالة الشاهدة بما اخترنا من القول ، فيما مضى قبل ، فكرهنا إعادته .
[ ص: 331 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فما أصبرهم على النار ( 175 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم معنى ذلك : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .

ذكر من قال ذلك :

2500 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .

2501 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : فما أجرأهم عليها .

2502 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن بشر عن الحسن في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : والله ما لهم عليها من صبر ، ولكن ما أجرأهم على النار .

2503 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا مسعر وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو بكير قال : حدثنا مسعر ، عن حماد عن مجاهد أو سعيد بن جبير أو بعض أصحابه : " فما أصبرهم على النار " ، ما أجرأهم .

2504 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : ما أجرأهم وأصبرهم على النار .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:23 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(219)
الحلقة (233)
صــ 332إلى صــ 338



وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما أعملهم بأعمال أهل النار . [ ص: 332 ]

ذكر من قال ذلك :

2505 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : ما أعملهم بالباطل .

2506 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

واختلفوا في تأويل " ما " التي في قوله : " فما أصبرهم على النار " . فقال بعضهم : هي بمعنى الاستفهام ، وكأنه قال : فما الذي صبرهم؟ أي شيء صبرهم؟

ذكر من قال ذلك :

2507 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فما أصبرهم على النار " ، هذا على وجه الاستفهام . يقول : ما الذي أصبرهم على النار؟

2508 - حدثني عباس بن محمد قال : حدثنا حجاج الأعور قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال لي عطاء : " فما أصبرهم على النار " قال : ما يصبرهم على النار ، حين تركوا الحق واتبعوا الباطل؟

2509 - حدثنا أبو كريب قال : سئل أبو بكر بن عياش : " فما أصبرهم على النار " قال : هذا استفهام ، ولو كانت من الصبر قال : " فما أصبرهم " ، رفعا . قال : يقال للرجل : " ما أصبرك " ، ما الذي فعل بك هذا؟

2510 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : هذا استفهام . يقول ما هذا الذي صبرهم على النار حتى جرأهم فعملوا بهذا؟ [ ص: 333 ]

وقال آخرون : هو تعجب . يعني : فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل النار!

ذكر من قال ذلك :

2511 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فما أصبرهم على النار " قال : ما أعملهم بأعمال أهل النار!

وهو قول الحسن وقتادة ، وقد ذكرناه قبل .

فمن قال : هو تعجب - وجه تأويل الكلام إلى : " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة " ، فما أشد جراءتهم - بفعلهم ما فعلوا من ذلك - على ما يوجب لهم النار! كما قال تعالى ذكره : ( قتل الإنسان ما أكفره ) [ سورة عبس : 17 ] ، تعجبا من كفره بالذي خلقه وسوى خلقه .

فأما الذين وجهوا تأويله إلى الاستفهام ، فمعناه : هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة ، فما أصبرهم على النار - والنار لا صبر عليها لأحد - حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلا؟

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : ما أجرأهم على النار ، بمعنى : ما أجرأهم على عذاب النار وأعملهم بأعمال أهلها . وذلك أنه مسموع من العرب : " ما أصبر فلانا على الله " ، بمعنى : ما أجرأ فلانا على الله! وإنما يعجب الله من خلقه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، واشترائهم بكتمان ذلك ثمنا قليلا [ ص: 334 ] من السحت والرشى التي أعطوها - على وجه التعجب من تقدمهم على ذلك . مع علمهم بأن ذلك موجب لهم سخط الله وأليم عقابه .

وإنما معنى ذلك : فما أجرأهم على عذاب النار! ولكن اجتزئ بذكر " النار " من ذكر " عذابها " ، كما يقال : " ما أشبه سخاءك بحاتم " ، بمعنى : ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم ، " وما أشبه شجاعتك بعنترة " .
القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ( 176 ) )

قال أبو جعفر : أما قوله : " ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق " ، فإنه اختلف في المعني ب " ذلك " .

فقال بعضهم : معني " ذلك " ، فعلهم هذا الذي يفعلون من جراءتهم على عذاب النار ، في مخالفتهم أمر الله ، وكتمانهم الناس ما أنزل الله في كتابه ، وأمرهم ببيانه لهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر دينه من أجل أن الله تبارك تعالى " نزل الكتاب بالحق " ، وتنزيله الكتاب بالحق هو خبره عنهم في قوله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) [ سورة البقرة : 6 - 7 ] فهم - مع ما أخبر الله عنهم من أنهم لا يؤمنون - لا يكون منهم غير اشتراء الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة . [ ص: 335 ]

وقال آخرون : معناه : " ذلك " معلوم لهم بأن الله نزل الكتاب بالحق لأنا قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك لهم ، والكتاب حق .

كأن قائلي هذا القول كان تأويل الآية عندهم : ذلك العذاب الذي قال الله تعالى ذكره فما أصبرهم عليه معلوم أنه لهم . لأن الله قد أخبر في مواضع من تنزيله أن النار للكافرين ، وتنزيله حق ، فالخبر عن " ذلك " عندهم مضمر .

وقال آخرون : معنى " ذلك " ، أن الله وصف أهل النار ، فقال : " فما أصبرهم على النار " ، ثم قال : هذا العذاب بكفرهم . و"هذا" هاهنا عندهم ، هي التي يجوز مكانها " ذلك " ، كأنه قال : فعلنا ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به . قال : فيكون " ذلك " - إذا كان ذلك معناه - نصبا ، ويكون رفعا بالباء .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بتأويل الآية عندي : أن الله تعالى ذكره أشار بقوله : " ذلك " ، إلى جميع ما حواه قوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، إلى قوله : " ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق " ، من خبره عن أفعال أحبار اليهود وذكره ما أعد لهم تعالى ذكره من العقاب على ذلك ، فقال : هذا الذي فعلته هؤلاء الأحبار من اليهود بكتمانهم الناس ما كتموا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته مع علمهم به ، طلبا منهم لعرض من الدنيا خسيس - وبخلافهم أمري وطاعتي وذلك - من تركي تطهيرهم وتزكيتهم وتكليمهم ، وإعدادي لهم العذاب الأليم - بأني أنزلت كتابي بالحق ، فكفروا به واختلفوا فيه .

فيكون في " ذلك " حينئذ وجهان من الإعراب : رفع ونصب . والرفع ب " الباء " ، والنصب بمعنى : فعلت ذلك بأني أنزلت كتابي بالحق ، فكفروا به واختلفوا فيه . وترك ذكر " فكفروا به واختلفوا " ، اجتزاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه . [ ص: 336 ]

وأما قوله : " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " ، يعني بذلك اليهود والنصارى . اختلفوا في كتاب الله ، فكفرت اليهود بما قص الله فيه من قصص عيسى ابن مريم وأمه . وصدقت النصارى ببعض ذلك ، وكفروا ببعضه ، وكفروا جميعا بما أنزل الله فيه من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم . فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن هؤلاء الذين اختلفوا فيما أنزلت إليك يا محمد لفي منازعة ومفارقة للحق بعيدة من الرشد والصواب ، كما قال الله تعالى ذكره : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق ) [ سورة البقرة : 137 ] كما :

2512 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " ، يقول : هم اليهود والنصارى . يقول : هم في عداوة بعيدة . وقد بينت معنى " الشقاق " ، فيما مضى .
القول في تأويل قوله تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ذلك . فقال بعضهم : معنى ذلك : ليس البر الصلاة وحدها ، ولكن البر الخصال التي أبينها لكم .

2513 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل [ ص: 337 ] المشرق والمغرب " ، يعني : الصلاة . يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا ، فهذا منذ تحول من مكة إلى المدينة ونزلت الفرائض ، وحد الحدود ، فأمر الله بالفرائض والعمل بها .

2514 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله .

2515 - حدثني القاسم قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2516 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج عن ابن عباس قال : هذه الآية نزلت بالمدينة : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، يعني : الصلاة . يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك . قال ابن جريج وقال مجاهد : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، يعني السجود ، ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله .

2517 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو تميلة عن عبيد بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم أنه قال فيها ، قال يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك . وهذا حين تحول من مكة إلى المدينة ، فأنزل الله الفرائض وحد الحدود بالمدينة ، وأمر بالفرائض أن يؤخذ بها .

وقال آخرون : عنى الله بذلك اليهود والنصارى . وذلك أن اليهود تصلي فتوجه قبل المغرب والنصارى تصلي فتوجه قبل المشرق ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ، يخبرهم فيها أن البر غير العمل الذي يعملونه ، ولكنه ما بيناه في هذه الآية

ذكر من قال ذلك : [ ص: 338 ]

2518 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق ، فنزلت : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " .

2519 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " ، ذكر لنا أن رجلا سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البر فأنزل الله هذه الآية . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا الرجل فتلاها عليه . وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له ويطمع له في خير ، فأنزل الله : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " . وكانت اليهود توجهت قبل المغرب والنصارى قبل المشرق - " ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " الآية .

2520 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع بن أنس قال : كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق ، فنزلت : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:24 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(220)
الحلقة (234)
صــ 339إلى صــ 345



قال أبو جعفر : وأولى هذين القولين بتأويل الآية ، القول الذي قاله قتادة والربيع بن أنس : أن يكون عنى بقوله : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " اليهود والنصارى . لأن الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولومهم ، والخبر عنهم وعما أعد لهم من أليم العذاب . وهذا في سياق ما قبلها ، إذ كان الأمر كذلك ، - " ليس البر " ، - أيها اليهود والنصارى أن يولي بعضكم وجهه قبل المشرق وبعضكم قبل المغرب ، " ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب " الآية . [ ص: 339 ]

فإن قال قائل : فكيف قيل : " ولكن البر من آمن بالله " ، وقد علمت أن " البر " فعل ، و"من" اسم ، فكيف يكون الفعل هو الإنسان؟

قيل : إن معنى ذلك غير ما توهمته ، وإنما معناه : ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر ، فوضع " من " موضع الفعل ، اكتفاء بدلالته ، ودلالة صلته التي هي له صفة ، من الفعل المحذوف ، كما تفعله العرب ، فتضع الأسماء مواضع أفعالها التي هي بها مشهورة ، فتقول : " الجود حاتم ، والشجاعة عنترة " ، و" إنما الجود حاتم والشجاعة عنترة " ، ومعناها : الجود جود حاتم فتستغني بذكر " حاتم " إذ كان معروفا بالجود ، من إعادة ذكر " الجود " بعد الذي قد ذكرته ، فتضعه موضع " جوده " ، لدلالة الكلام على ما حذفته ، استغناء بما ذكرته عما لم تذكره . كما قيل : ( واسأل القرية التي كنا فيها ) [ سورة يوسف : 82 ] والمعنى : أهل القرية ، وكما قال الشاعر ، وهو ذو الخرق الطهوي :


حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي ويب غيرك بالعناق


يريد : بغام عناق ، أو صوت [ عناق ] ، كما يقال : " حسبت صياحي أخاك " ، يعني به : حسبت صياحي صياح أخيك .

وقد يجوز أن يكون معنى الكلام : ولكن البار من آمن بالله ، فيكون " البر " مصدرا وضع موضع الاسم .
[ ص: 340 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وآتى المال على حبه " ، وأعطى ماله في حين محبته إياه ، وضنه به ، وشحه عليه ، . كما : -

2521 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا ، عن زبيد ، عن مرة بن شراحيل البكيلي ، عن عبد الله بن مسعود : " وآتى المال على حبه " ، أي : يؤتيه وهو صحيح شحيح ، يأمل العيش ويخشى الفقر .

2522 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق - قالا جميعا ، عن سفيان ، عن زبيد اليامي [ ص: 341 ] عن مرة ، عن عبد الله : " وآتى المال على حبه " قال : وأنت صحيح ، تأمل العيش ، وتخشى الفقر .

2523 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن زبيد اليامي عن عبد الله أنه قال في هذه الآية : " وآتى المال على حبه " قال : وأنت حريص شحيح ، تأمل الغنى ، وتخشى الفقر .

2524 - حدثنا أحمد بن نعمة المصري قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا الليث قال : حدثنا إبراهيم بن أعين ، عن شعبة بن الحجاج ، عن زبيد اليامي ، عن مرة الهمداني قال : قال عبد الله بن مسعود في قول الله : " وآتى المال على حبه ذوي القربى " ، قال : حريصا شحيحا ، يأمل الغنى ويخشى الفقر . [ ص: 342 ]

2525 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الشعبي سمعته يسأل : هل على الرجل حق في ماله سوى الزكاة؟ قال : نعم! وتلا هذه الآية : " وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة " .

2526 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا سويد بن عمرو الكلبي قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا أبو حمزة قال : قلت للشعبي : إذا زكى الرجل ماله ، أيطيب له ماله؟ فقرأ هذه الآية : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " إلى " وآتى المال على حبه " إلى آخرها ، ثم قال : حدثتني فاطمة بنت قيس أنها قالت : يا رسول الله ، إن لي سبعين مثقالا من ذهب . فقال : اجعليها في قرابتك .

2527 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك قال : حدثنا أبو حمزة فيما أعلم - عن عامر ، عن فاطمة بنت قيس أنها سمعته يقول : إن في المال لحقا سوى الزكاة .

2528 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي حيان [ ص: 343 ] قال : حدثني مزاحم بن زفر قال : كنت جالسا عند عطاء فأتاه أعرابي فقال له : إن لي إبلا فهل علي فيها حق بعد الصدقة؟ قال : نعم! قال : ماذا؟ قال : عارية الدلو ، وطروق الفحل ، والحلب .

2529 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، ذكره عن مرة الهمداني في : " وآتى المال على حبه " قال : قال عبد الله بن مسعود : تعطيه وأنت صحيح شحيح ، تطيل الأمل ، وتخاف الفقر . وذكر أيضا عن السدي أن هذا شيء واجب في المال ، حق على صاحب المال أن يفعله ، سوى الذي عليه من الزكاة .

2530 - حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا أسد قال : حدثنا سويد بن عبد الله ، عن أبي حمزة ، عن عامر ، عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " في المال حق سوى الزكاة ، وتلا هذه الآية : " ليس البر " إلى آخر الآية . [ ص: 344 ]

2531 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن زبيد اليامي ، عن مرة بن شراحيل عن عبد الله في قوله : " وآتى المال على حبه " قال : أن يعطي الرجل وهو صحيح شحيح به ، يأمل العيش ويخاف الفقر .

قال أبو جعفر : فتأويل الآية : وأعطى المال - وهو له محب ، حريص على جمعه ، شحيح به - ذوي قرابته فوصل به أرحامهم .

وإنما قلت عنى بقوله : " ذوي القربى " ، ذوي قرابة مؤدي المال على حبه ، للخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره فاطمة بنت قيس

2532 - وقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل : أي الصدقة أفضل؟ قال : جهد المقل على ذي القرابة الكاشح . [ ص: 345 ]

وأما " اليتامى " " والمساكين " ، فقد بينا معانيهما فيما مضى .

وأما " ابن السبيل " ، فإنه المجتاز بالرجل . ثم اختلف أهل العلم في صفته . فقال بعضهم : هو الضيف من ذلك .

ذكر من قال ذلك :
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:24 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(221)
الحلقة (235)
صــ 346إلى صــ 352


2533 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وابن السبيل " قال : هو الضيف قال : قد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت . قال : وكان يقول : حق الضيافة ثلاث ليال ، فكل شيء أضافه بعد ذلك صدقة . [ ص: 346 ]

وقال بعضهم : هو المسافر يمر عليك .

ذكر من قال ذلك :

2534 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أبي جعفر : " وابن السبيل " قال : المجتاز من أرض إلى أرض .

2535 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقتادة في قوله : " وابن السبيل " قال : الذي يمر عليك وهو مسافر .

2536 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عمن ذكره ، عن ابن جريج عن مجاهد وقتادة مثله .

وإنما قيل للمسافر " ابن السبيل " ، لملازمته الطريق - والطريق هو " السبيل " - فقيل لملازمته إياه في سفره : " ابنه " ، كما يقال لطير الماء " ابن الماء " لملازمته إياه ، وللرجل الذي أتت عليه الدهور " ابن الأيام والليالي والأزمنة " ، ومنه قول ذي الرمة :


وردت اعتسافا والثريا كأنها على قمة الرأس ابن ماء محلق
[ ص: 347 ]

وأما قوله : " والسائلين " ، فإنه يعني به : المستطعمين الطالبين ، كما : -

2537 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن عكرمة في قوله : " والسائلين " قال : الذي يسألك .

وأما قوله : " وفي الرقاب " ، فإنه يعني بذلك : وفي فك الرقاب من العبودة ، وهم المكاتبون الذين يسعون في فك رقابهم من العبودة ، بأداء كتاباتهم التي فارقوا عليها ساداتهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وأقام الصلاة " ، أدام العمل بها بحدودها ، وبقوله " وآتى الزكاة " ، أعطاها على ما فرضها الله عليه . [ ص: 348 ]

فإن قال قائل : وهل من حق يجب في مال إيتاؤه فرضا غير الزكاة؟

قيل : قد اختلف أهل التأويل في ذلك :

فقال بعضهم : فيه حقوق تجب سوى الزكاة واعتلوا لقولهم ذلك بهذه الآية ، وقالوا : لما قال الله تبارك وتعالى : " وآتى المال على حبه ذوي القربى " ، ومن سمى الله معهم ، ثم قال بعد : " وأقام الصلاة وآتى الزكاة " ، علمنا أن المال - الذي وصف المؤمنين به أنهم يؤتونه ذوي القربى ، ومن سمى معهم - غير الزكاة التي ذكر أنهم يؤتونها . لأن ذلك لو كان مالا واحدا لم يكن لتكريره معنى مفهوم . قالوا : فلما كان غير جائز أن يقول تعالى ذكره قولا لا معنى له ، علمنا أن حكم المال الأول غير الزكاة ، وأن الزكاة التي ذكرها بعد غيره . قالوا : وبعد ، فقد أبان تأويل أهل التأويل صحة ما قلنا في ذلك .

وقال آخرون : بل المال الأول هو الزكاة ، ولكن الله وصف إيتاء المؤمنين من آتوه ذلك ، في أول الآية . فعرف عباده - بوصفه ما وصف من أمرهم - المواضع التي يجب عليهم أن يضعوا فيها زكواتهم ، ثم دلهم بقوله بعد ذلك : " وآتى الزكاة " ، أن المال الذي آتاه القوم هو الزكاة المفروضة كانت عليهم ، إذ كان أهل سهمانها هم الذين أخبر في أول الآية أن القوم آتوهم أموالهم .

وأما قوله : " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " ، فإن يعني تعالى ذكره : والذين لا ينقضون عهد الله بعد المعاهدة ، ولكن يوفون به ويتمونه على ما عاهدوا عليه من عاهدوه عليه . كما : -

2538 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع بن أنس في قوله : " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " قال : فمن أعطى عهد الله ثم نقضه ، فالله ينتقم منه . ومن أعطى ذمة النبي صلى الله عليه [ ص: 349 ] وسلم ثم غدر بها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة .

وقد بينت " العهد " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
القول في تأويل قوله تعالى ( والصابرين في البأساء والضراء )

قال أبو جعفر : وقد بينا تأويل " الصبر " فيما مضى قبل .

فمعنى الكلام : والمانعين أنفسهم - في البأساء والضراء وحين البأس - مما يكرهه الله لهم ، الحابسيها على ما أمرهم به من طاعته . ثم قال أهل التأويل في معنى " البأساء والضراء " بما : -

2539 - حدثني به الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثني أبي - وحدثني موسى قال : حدثنا عمرو بن حماد - قالا جميعا ، حدثنا أسباط عن السدي ، عن مرة الهمداني عن ابن مسعود أنه قال : أما البأساء فالفقر ، وأما الضراء فالسقم .

2540 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي - وحدثني المثنى قال : حدثنا الحماني - قالا جميعا ، حدثنا شريك ، عن السدي ، عن مرة عن عبد الله في قوله : " والصابرين في البأساء والضراء " قال : البأساء الجوع ، والضراء المرض .

2541 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن السدي ، عن مرة عن عبد الله قال : البأساء الحاجة ، والضراء المرض .

2542 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : [ ص: 350 ] كنا نحدث أن البأساء البؤس والفقر ، وأن الضراء السقم . وقد قال النبي أيوب صلى الله عليه وسلم ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) ) [ سورة الأنبياء : 83 ] .

2543 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع في قوله : " والصابرين في البأساء والضراء " قال : البؤس : الفاقة والفقر ، والضراء : في النفس؛ من وجع أو مرض يصيبه في جسده .

2544 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " البأساء والضراء " قال : البأساء : البؤس ، والضراء : الزمانة في الجسد .

2545 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك قال : " البأساء والضراء " ، المرض .

2546 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج : " والصابرين في البأساء والضراء " قال : البأساء : البؤس والفقر ، والضراء : السقم والوجع .

2547 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عبيد بن الطفيل قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في هذه الآية : " والصابرين في البأساء والضراء " ، أما البأساء : الفقر ، والضراء : المرض .

قال أبو جعفر : وأما أهل العربية : فإنهم اختلفوا في ذلك . فقال بعضهم : [ ص: 351 ] " البأساء والضراء " ، مصدر جاء على " فعلاء " ليس له " أفعل " لأنه اسم ، كما قد جاء " أفعل " في الأسماء ليس له " فعلاء " ، نحو " أحمد " . وقد قالوا في الصفة " أفعل " ، ولم يجئ له " فعلاء " ، فقالوا : " أنت من ذلك أوجل " ، ولم يقولوا : " وجلاء " .

وقال بعضهم : هو اسم للفعل . فإن " البأساء " ، البؤس ، " والضراء " الضر . وهو اسم يقع إن شئت لمؤنث ، وإن شئت لمذكر ، كما قال زهير :


فتنتج لكم غلمان أشأم ، كلهم كأحمر عاد ، ثم ترضع فتفطم


يعني فتنتج لكم غلمان شؤم .

وقال بعضهم : لو كان ذلك اسما يجوز صرفه إلى مذكر ومؤنث ، لجاز إجراء " أفعل " في النكرة ، ولكنه اسم قام مقام المصدر . والدليل على ذلك قوله : " لئن طلبت نصرتهم لتجدنهم غير أبعد " ، بغير إجراء . وقال : إنما كان اسما للمصدر ، لأنه إذا ذكر علم أنه يراد به المصدر .

وقال غيره : لو كان ذلك مصدرا فوقع بتأنيث ، لم يقع بتذكير ، ولو وقع [ ص: 352 ] بتذكير ، لم يقع بتأنيث . لأن من سمي ب " أفعل " لم يصرف إلى " فعلى " ، ومن سمي ب " فعلى " لم يصرف إلى " أفعل " ، لأن كل اسم يبقى بهيئته لا يصرف إلى غيره ، ولكنهما لغتان . فإذا وقع بالتذكير ، كان بأمر " أشأم " ، وإذا وقع " البأساء والضراء " ، وقع : الخلة البأساء ، والخلة الضراء . وإن كان لم يبن على " الضراء " ، " الأضر " ، ولا على " الأشأم " ، " الشأماء " . لأنه لم يرد من تأنيثه التذكير ، ولا من تذكيره التأنيث ، كما قالوا : " امرأة حسناء " ، ولم يقولوا : " رجل أحسن " . وقالوا : " رجل أمرد " ، ولم يقولوا : " امرأة مرداء " . فإذا قيل : " الخصلة الضراء " و" الأمر الأشأم " ، دل على المصدر ، ولم يحتج إلى أن يكون اسما ، وإن كان قد كفى من المصدر .

وهذا قول مخالف تأويل من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل " البأساء والضراء " ، وإن كان صحيحا على مذهب العربية . وذلك أن أهل التأويل تأولوا " البأساء " بمعنى البؤس ، " والضراء " بمعنى الضر في الجسد . وذلك من تأويلهم مبني على أنهم وجهوا "البأساء والضراء " إلى أسماء الأفعال ، دون صفات الأسماء ونعوتها . فالذي هو أولى ب " البأساء والضراء " ، على قول أهل التأويل ، أن تكون " البأساء والضراء " أسماء أفعال ، فتكون " البأساء " اسما " للبؤس " ، و" الضراء " اسما " للضر " .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:25 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(222)
الحلقة (236)
صــ 353إلى صــ 359


وأما " الصابرين " فنصب ، وهو من نعت " من " على وجه المدح . لأن من شأن العرب - إذا تطاولت صفة الواحد - الاعتراض بالمدح والذم بالنصب أحيانا ، وبالرفع أحيانا ، كما قال الشاعر : [ ص: 353 ]


إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغم الأمور بذات الصليل وذات اللجم


فنصب " ليث الكتيبة " وذا " الرأي " على المدح ، والاسم قبلهما مخفوض لأنه من صفة واحد ، ومنه قول الآخر :


فليت التي فيها النجوم تواضعت على كل غث منهم وسمين
غيوث الورى في كل محل وأزمة أسود الشرى يحمين كل عرين


وقد زعم بعضهم أن قوله : " والصابرين في البأساء " ، نصب عطفا على " السائلين " . [ ص: 354 ] كأن معنى الكلام كان عنده : وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وابن السبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضراء . وظاهر كتاب الله يدل على خطأ هذا القول ، وذلك أن " والصابرين في البأساء والضراء " ، هم أهل الزمانة في الأبدان ، وأهل الإقتار في الأموال . وقد مضى وصف القوم بإيتاء - من كان ذلك صفته - المال في قوله : " والمساكين وابن السبيل والسائلين " ، وأهل الفاقة والفقر ، هم أهل " البأساء والضراء " ، لأن من لم يكن من أهل الضراء ذا بأساء ، لم يكن ممن له قبول الصدقة ، وإنما له قبولها إذا كان جامعا إلى ضرائه بأساء ، وإذا جمع إليها بأساء ، كان من أهل المسكنة الذين قد دخلوا في جملة " المساكين " الذين قد مضى ذكرهم قبل قوله : " والصابرين في البأساء " . وإذا كان كذلك ، ثم نصب "الصابرين في البأساء " بقوله " وآتى المال على حبه " ، كان الكلام تكريرا بغير فائدة معنى . كأنه قيل : وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين . والله يتعالى عن أن يكون ذلك في خطابه عباده . ولكن معنى ذلك : ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ، والصابرين في البأساء والضراء . " والموفون " رفع لأنه من صفة " من " ، و" من " رفع ، فهو معرب بإعرابه . " والصابرين " نصب - وإن كان من صفته - على وجه المدح الذي وصفنا قبل .
القول في تأويل قوله تعالى ( وحين البأس )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وحين البأس " ، والصابرين في وقت البأس ، وذلك وقت شدة القتال في الحرب ، كما : -

2548 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبي قال : [ ص: 355 ] حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن مرة عن عبد الله في قول الله : " وحين البأس " قال : حين القتال .

2549 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن مرة ، عن عبد الله مثله .

2550 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وحين البأس " القتال .

2551 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد عن قتادة قوله : " وحين البأس " ، أي عند مواطن القتال .

2552 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وحين البأس " ، القتال .

2553 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع " وحين البأس " ، عند لقاء العدو .

2554 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبيدة عن الضحاك : " وحين البأس " ، القتال

2555 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عبيد بن الطفيل أبو سيدان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : " وحين البأس " قال : القتال .
[ ص: 356 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ( 177 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك الذين صدقوا " ، من آمن بالله واليوم الآخر ، ونعتهم النعت الذي نعتهم به في هذه الآية . يقول : فمن فعل هذه الأشياء فهم الذين صدقوا الله في إيمانهم ، وحققوا قولهم بأفعالهم - لا من ولى وجهه قبل المشرق والمغرب وهو يخالف الله في أمره ، وينقض عهده وميثاقه ، ويكتم الناس بيان ما أمره الله ببيانه ، ويكذب رسله .

وأما قوله : " وأولئك هم المتقون " ، فإنه يعني : وأولئك الذين اتقوا عقاب الله ، فتجنبوا عصيانه ، وحذروا وعده ، فلم يتعدوا حدوده . وخافوه ، فقاموا بأداء فرائضه .

وبمثل الذي قلنا في قوله : " أولئك الذين صدقوا " ، كان الربيع بن أنس يقول :

2556 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " أولئك الذين صدقوا " قال : فتكلموا بكلام الإيمان ، فكانت حقيقته العمل ، صدقوا الله . قال : وكان الحسن يقول : هذا كلام الإيمان ، وحقيقته العمل ، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء .
[ ص: 357 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " ، فرض عليكم .

فإن قال قائل : أفرض على ولي القتيل القصاص من قاتل وليه؟

قيل : لا ، ولكنه مباح له ذلك ، والعفو ، وأخذ الدية .

فإن قال قائل : وكيف قال : " كتب عليكم القصاص " ؟

قيل : إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه ، وإنما معناه : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى أي أن الحر إذا قتل الحر ، فدم القاتل كفء لدم القتيل ، والقصاص منه دون غيره من الناس ، فلا تجاوزوا بالقتل إلى غيره ممن لم يقتل ، فإنه حرام عليكم أن تقتلوا بقتيلكم غير قاتله .

والفرض الذي فرض الله علينا في القصاص ، هو ما وصفت من ترك المجاوزة بالقصاص قتل القاتل بقتيله إلى غيره ، لا أنه وجب علينا القصاص فرضا وجوب فرض الصلاة والصيام ، حتى لا يكون لنا تركه . ولو كان ذلك فرضا لا يجوز لنا تركه ، لم يكن لقوله : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، معنى مفهوم . لأنه لا عفو بعد القصاص فيقال : " فمن عفي له من أخيه شيء " .

وقد قيل : إن معنى القصاص في هذه الآية ، مقاصة ديات بعض القتلى بديات بعض . وذلك أن الآية عندهم نزلت في حزبين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل بعضهم بعضا ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم بأن تسقط ديات نساء أحد الحزبين بديات نساء الآخرين ، وديات رجالهم [ ص: 358 ] بديات رجالهم ، وديات عبيدهم بديات عبيدهم ، قصاصا . فذلك عندهم معنى " القصاص " في هذه الآية .

فإن قال قائل : فإنه تعالى ذكره قال : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " ، فما لنا أن نقتص للحر إلا من الحر ، ولا للأنثى إلا من الأنثى؟

قيل : بل لنا أن نقتص للحر من العبد ، وللأنثى من الذكر بقول الله تعالى ذكره : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) [ سورة الإسراء : 33 ] ، وبالنقل المستفيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

2557 - المسلمون تتكافأ دماؤهم .

فإن قال : فإذ كان ذلك ، فما وجه تأويل هذه الآية؟

قيل : اختلف أهل التأويل في ذلك . فقال بعضهم : نزلت هذه الآية في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين ، لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله ، من أجل أنه عبد ، حتى يقتلوا به سيده . وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة ، حتى يقتلوا رجلا من رهط المرأة وعشيرتها . فأنزل الله هذه الآية ، فأعلمهم أن الذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بالرجل الرجل القاتل دون غيره ، وبالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال ، وبالعبد العبد القاتل دون غيره من الأحرار ، فنهاهم أن يتعدوا القاتل إلى غيره في القصاص .

ذكر من قال ذلك :

2558 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو الوليد - وحدثني المثنى [ ص: 359 ] قال : حدثنا الحجاج - قالا حدثنا حماد ، عن داود بن أبي هند عن الشعبي في قوله : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية ، فقالوا : نقتل بعبدنا فلان ابن فلان ، وبفلانة فلان بن فلان ، فأنزل الله : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " .

2559 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان ، فكان الحي إذا كان فيهم عدة ومنعة ، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم ، قالوا : لا نقتل به إلا حرا! تعززا ، لفضلهم على غيرهم في أنفسهم . وإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين قالوا : لا نقتل بها إلا رجلا! فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى ، فنهاهم عن البغي . ثم أنزل الله تعالى ذكره في سورة المائدة بعد ذلك فقال : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ) [ سورة المائدة : 45 ] .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:25 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(223)
الحلقة (237)
صــ 360إلى صــ 366



2560 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " قال : لم يكن لمن قبلنا دية ، إنما هو القتل ، أو العفو إلى أهله . فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم ، فكانوا إذا قتل من الحي الكثير عبد قالوا : لا نقتل به إلا حرا . وإذا قتلت منهم امرأة قالوا : لا نقتل بها إلا رجلا . فأنزل الله : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " . [ ص: 360 ]

2561 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت داود عن عامر في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : إنما ذلك في قتال عمية ، إذا أصيب من هؤلاء عبد ومن هؤلاء عبد ، تكافآ ، وفي المرأتين كذلك ، وفي الحرين كذلك . هذا معناه إن شاء الله .

2562 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : دخل في قول الله تعالى ذكره : " الحر بالحر " ، الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل . وقال عطاء : ليس بينهما فضل .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في فريقين كان بينهم قتال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل من كلا الفريقين جماعة من الرجال والنساء ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم ، بأن يجعل ديات النساء من كل واحد من الفريقين قصاصا بديات النساء من الفريق الآخر ، وديات الرجال بالرجال ، وديات العبيد بالعبيد ، فذلك معنى قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " .

ذكر من قال ذلك :

2563 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : اقتتل أهل ملتين من العرب ، أحدهما مسلم والآخر معاهد ، في بعض ما يكون بين العرب من الأمر ، فأصلح بينهم النبي صلى الله عليه وسلم - وقد كانوا قتلوا الأحرار والعبيد والنساء - على أن يؤدي الحر دية الحر ، والعبد دية العبد ، والأنثى دية الأنثى ، فقاصهم بعضهم من بعض .

2564 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا عبد الله [ ص: 361 ] بن المبارك عن سفيان ، عن السدي عن أبي مالك قال : كان بين حيين من الأنصار قتال ، كان لأحدهما على الآخر الطول فكأنهم طلبوا الفضل . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهم ، فنزلت هذه الآية : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحر بالحر ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى .

2566 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شعبة ، عن أبي بشر قال : سمعت الشعبي يقول في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى " قال : نزلت في قتال عمية . قال شعبة : كأنه في صلح . قال : اصطلحوا على هذا .

2567 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي بشر قال : سمعت الشعبي يقول في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : نزلت في قتال عمية " ، قال : كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره بمقاصة دية الحر ودية العبد ، ودية الذكر ودية الأنثى ، في قتل العمد - إن اقتص للقتيل من القاتل ، والتراجع بالفضل والزيادة بين ديتي القتيل والمقتص منه .

ذكر من قال ذلك :

2568 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : حدثنا عن علي بن أبي طالب أنه [ ص: 362 ] كان يقول : أيما حر قتل عبدا فهو قود به ، فإن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه ، وقاصوهم بثمن العبد من دية الحر ، وأدوا إلى أولياء الحر بقية ديته . وإن عبد قتل حرا فهو به قود ، فإن شاء أولياء الحر قتلوا العبد وقاصوهم بثمن العبد ، وأخذوا بقية دية الحر ، وإن شاءوا أخذوا الدية كلها واستحيوا العبد . وأي حر قتل امرأة فهو بها قود ، فإن شاء أولياء المرأة قتلوه وأدوا نصف الدية إلى أولياء الحر . وإن امرأة قتلت حرا فهي به قود ، فإن شاء أولياء الحر قتلوها وأخذوا نصف الدية ، وإن شاءوا أخذوا الدية كلها واستحيوها ، وإن شاءوا عفوا .

2569 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا هشام بن عبد الملك قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن : أن عليا قال في رجل قتل امرأته ، قال : إن شاءوا قتلوه وغرموا نصف الدية .

2570 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى ، عن سعيد ، عن عوف عن الحسن قال : لا يقتل الرجل بالمرأة ، حتى يعطوا نصف الدية .

2571 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك عن الشعبي ، قال : في رجل قتل امرأته عمدا فأتوا به عليا فقال : إن شئتم فاقتلوه ، وردوا فضل دية الرجل على دية المرأة .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في حال ما نزلت ، والقوم لا يقتلون الرجل بالمرأة ، ولكنهم كانوا يقتلون الرجل بالرجل ، والمرأة بالمرأة ، حتى سوى الله بين حكم جميعهم بقوله : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) [ سورة المائدة : 45 ] ، فجعل جميعهم قود بعضهم ببعض .

ذكر من قال ذلك :

2572 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " والأنثى بالأنثى " [ ص: 363 ] وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ، ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة ، فأنزل الله تعالى : " النفس بالنفس " ، فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم ، في العمد رجالهم ونساؤهم ، في النفس وما دون النفس . وجعل العبيد مستوين فيما بينهم في العمد ، في النفس وما دون النفس ، رجالهم ونساؤهم .

قال أبو جعفر : فإذ كان مختلفا الاختلاف الذي وصفت ، فيما نزلت فيه هذه الآية ، فالواجب علينا استعمالها ، فيما دلت عليه من الحكم ، بالخبر القاطع العذر . وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنقل العام : أن نفس الرجل الحر قود قصاصا بنفس المرأة الحرة . فإذ كان ذلك كذلك ، وكانت الأمة مختلفة في التراجع بفضل ما بين دية الرجل والمرأة - على ما قد بينا من قول علي وغيره - كان واضحا فساد قول من قال بالقصاص في ذلك . والتراجع بفضل ما بين الديتين ، بإجماع جميع أهل الإسلام : على أن حراما على الرجل أن يتلف من جسده عضوا بعوض يأخذه على إتلافه ، فدع جميعه وعلى أن حراما على غيره إتلاف شيء منه - مثل الذي حرم من ذلك - بعوض يعطيه عليه . فالواجب أن تكون نفس الرجل الحر بنفس المرأة الحرة قودا .

وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا بذلك أنه لم يرد بقوله تعالى ذكره : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " أن لا يقاد العبد بالحر ، وأن لا تقتل الأنثى بالذكر ولا الذكر بالأنثى . وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا أن الآية معني بها أحد المعنيين الآخرين . إما قولنا : من أن لا يتعدى بالقصاص إلى غير القاتل والجاني ، فيؤخذ بالأنثى الذكر وبالعبد الحر . وإما القول الآخر : وهو أن تكون [ ص: 364 ] الآية نزلت في قوم بأعيانهم خاصة ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ديات قتلاهم قصاصا بعضها من بعض ، كما قاله السدي ومن ذكرنا قوله .

وقد أجمع الجميع - لا خلاف بينهم - على أن المقاصة في الحقوق غير واجبة ، وأجمعوا على أن الله لم يقض في ذلك قضاء ثم نسخه . وإذ كان كذلك ، وكان قوله تعالى ذكره : " كتب عليكم القصاص " ينبئ عن أنه فرض ، كان معلوما أن القول خلاف ما قاله قائل هذه المقالة . لأن ما كان فرضا على أهل الحقوق أن يفعلوه ، فلا خيار لهم فيه . والجميع مجمعون على أن لأهل الحقوق الخيار في مقاصتهم حقوقهم بعضها من بعض . فإذ تبين فساد هذا الوجه الذي ذكرنا ، فالصحيح من القول في ذلك هو ما قلنا .

فإن قال قائل : إذ ذكرت أن معنى قوله : " كتب عليكم القصاص " - بمعنى : فرض عليكم القصاص : لا يعرف لقول القائل : " كتب " معنى إلا معنى : خط ذلك ، فرسم خطا وكتابا ، فما برهانك على أن معنى قوله : " كتب " فرض؟

قيل : إن ذلك في كلام العرب موجود ، وفي أشعارهم مستفيض ، ومنه قول الشاعر :


كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول
[ ص: 365 ]

وقول نابغة بني جعدة :


يا بنت عمي ، كتاب الله أخرجني عنكم ، فهل أمنعن الله ما فعلا!


وذلك أكثر في أشعارهم وكلامهم من أن يحصى . غير أن ذلك ، وإن كان بمعنى : فرض ، فإنه عندي مأخوذ من " الكتاب " الذي هو رسم وخط . وذلك أن الله تعالى ذكره قد كتب جميع ما فرض على عباده وما هم عاملوه في اللوح المحفوظ ، فقال تعالى ذكره في القرآن : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) [ سورة البروج : 21 - 22 ] وقال : ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ) [ سورة الواقعة : 77 - 78 ] . فقد تبين بذلك أن كل ما فرضه علينا ، ففي اللوح المحفوظ مكتوب .

فمعنى قوله : - إذ كان ذلك كذلك - " كتب عليكم القصاص " ، كتب عليكم في اللوح المحفوظ القصاص في القتلى ، فرضا ، أن لا تقتلوا بالمقتول غير قاتله .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:26 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(224)
الحلقة (238)
صــ 367إلى صــ 373



وأما " القصاص " فإنه من قول القائل : " قاصصت فلانا حقي قبله من حقه قبلي ، قصاصا ومقاصة " . فقتل القاتل بالذي قتله " قصاص " ، لأنه مفعول به مثل الذي فعل بمن قتله ، وإن كان أحد الفعلين عدوانا والآخر حقا . فهما وإن اختلفا من هذا الوجه ، فهما متفقان في أن كل واحد قد فعل بصاحبه مثل [ ص: 366 ] الذي فعل صاحبه به . وجعل فعل ولي القتيل الأول إذا قتل قاتل وليه - قصاصا ، إذ كان بسبب قتله استحق قتل من قتله ، فكأن وليه المقتول هو الذي ولى قتل قاتله ، فاقتص منه .

وأما " القتلى " فإنها جمع " قتيل " كما " الصرعى " جمع " صريع " ، والجرحى جمع " جريح " . وإنما يجمع " الفعيل " على " الفعلى " ، إذا كان صفة للموصوف به ، بمعنى الزمانة والضرر الذي لا يقدر معه صاحبه على البراح من موضعه ومصرعه ، نحو القتلى في معاركهم ، والصرعى في مواضعهم ، والجرحى ، وما أشبه ذلك .

فتأويل الكلام إذا : فرض عليكم ، أيها المؤمنون ، القصاص في القتلى : أن يقتص الحر بالحر ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى . ثم ترك ذكر " أن يقتص " اكتفاء بدلالة قوله : " كتب عليكم القصاص " عليه .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .

فقال بعضهم : تأويله : فمن ترك له من القتل ظلما ، من الواجب كان لأخيه عليه من القصاص - وهو الشيء الذي قال الله : " فمن عفي له من أخيه شيء " - فاتباع من العافي للقاتل بالواجب له قبله من الدية ، وأداء من المعفو عنه ذلك إليه بإحسان .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 367 ]

2573 - حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي قالا حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو عن مجاهد عن ابن عباس : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، فالعفو : أن يقبل الدية في العمد . واتباع بالمعروف : أن يطلب هذا بمعروف ، ويؤدي هذا بإحسان .

2574 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد عن ابن عباس أنه قال في قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، فقال : هو العمد ، يرضى أهله بالدية ، واتباع بالمعروف : أمر به الطالب ، وأداء إليه بإحسان من المطلوب .

2575 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا أبي - وحدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر - قالا جميعا ، أخبرنا ابن المبارك ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : الذي يقبل الدية ، ذلك منه عفو واتباع بالمعروف ، ويؤدي إليه الذي عفي له من أخيه بإحسان .

2576 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، وهي الدية : أن يحسن الطالب الطلب ، وأداء إليه بإحسان : وهو أن يحسن المطلوب الأداء .

2577 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف [ ص: 368 ] وأداء إليه بإحسان " ، والعفو : الذي يعفو عن الدم ويأخذ الدية .

2578 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن عفي له من أخيه شيء " قال : الدية .

2579 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد ، عن إبراهيم عن الحسن : " وأداء إليه بإحسان " قال : على هذا الطالب أن يطلب بالمعروف ، وعلى هذا المطلوب أن يؤدي بإحسان .

2580 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف " ، والعفو : الذي يعفو عن الدم ، ويأخذ الدية .

2581 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا حماد ، عن داود بن أبي هند عن الشعبي في قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : هو العمد ، يرضى أهله بالدية .

2582 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن داود عن الشعبي مثله .

2583 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، يقول : قتل عمدا فعفي عنه ، وقبلت منه الدية . يقول : " فاتباع بالمعروف " ، فأمر المتبع أن يتبع بالمعروف ، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان ، والعمد قود إليه قصاص ، لا عقل فيه ، إلا أن يرضوا بالدية . فإن رضوا بالدية ، فمائة خلفة . فإن قالوا : لا نرضى إلا بكذا وكذا . فذاك لهم . [ ص: 369 ]

2584 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : يتبع به الطالب بالمعروف ، ويؤدي المطلوب بإحسان .

2585 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع في قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، يقول : فمن قتل عمدا فعفي عنه ، وأخذت منه الدية ، يقول : " فاتباع بالمعروف " ، أمر صاحب الدية التي يأخذها أن يتبع بالمعروف ، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان .

2586 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : ذلك إذا أخذ الدية ، فهو عفو .

2587 - حدثنا الحسن قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد قال : إذا قبل الدية فقد عفا عن القصاص ، فذلك قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال ابن جريج : وأخبرني الأعرج ، عن مجاهد مثل ذلك ، وزاد فيه : - فإذا قبل الدية فإن عليه أن يتبع بالمعروف ، وعلى الذي عفي عنه أن يؤدي بإحسان .

2588 - حدثنا المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا أبو عقيل قال : قال الحسن : أخذ الدية عفو حسن .

2589 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " وأداء إليه بإحسان " قال : أنت أيها المعفو عنه .

2590 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع [ ص: 370 ] بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، وهو الدية ، أن يحسن الطالب ، وأداء إليه بإحسان : هو أن يحسن المطلوب الأداء .

وقال آخرون معنى قوله : " فمن عفي " ، فمن فضل له فضل ، وبقيت له بقية . وقالوا : معنى قوله : " من أخيه شيء " : من دية أخيه شيء ، أو من أرش جراحته ، فاتباع منه القاتل أو الجارح الذي بقي ذلك قبله - بمعروف ، وأداء من القاتل أو الجارح إليه ما بقي قبله له من ذلك بإحسان .

وهذا قول من زعم أن الآية نزلت - أعني قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى " - في الذين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم ، فيقاص ديات بعضهم من بعض ، ويرد بعضهم على بعض بفضل إن بقي لهم قبل الآخرين . وأحسب أن قائلي هذا القول وجهوا تأويل " العفو " - في هذا الموضع - إلى : الكثرة من قول الله تعالى ذكره : ( حتى عفوا ) [ سورة الأعراف : 95 ] . فكأن معنى الكلام عندهم : فمن كثر له قبل أخيه القاتل .

ذكر من قال ذلك :

2591 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، يقول : بقي له من دية أخيه شيء أو من أرش جراحته ، فليتبع بمعروف ، وليؤد الآخر إليه بإحسان .

والواجب على تأويل القول الذي روينا عن علي والحسن - في قوله : " كتب عليكم القصاص " أنه بمعنى : مقاصة دية النفس الذكر من دية نفس الأنثى ، والعبد من الحر ، والتراجع بفضل ما بين ديتي أنفسهما - أن يكون معنى قوله : [ ص: 371 ] " فمن عفي له من أخيه شيء " ، فمن عفي له من الواجب لأخيه عليه - من قصاص دية أحدهما بدية نفس الآخر ، إلى الرضى بدية نفس المقتول ، فاتباع من الولي بالمعروف ، وأداء من القاتل إليه ذلك بإحسان .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب في قوله فمن عفي له من أخيه شيء " : فمن صفح له - من الواجب كان لأخيه عليه من القود - عن شيء من الواجب ، على دية يأخذها منه ، فاتباع بالمعروف من العافي عن الدم ، الراضي بالدية من دم وليه وأداء إليه - من القاتل - ذلك بإحسان . لما قد بينا من العلل فيما مضى قبل : من أن معنى قول الله تعالى ذكره : " كتب عليكم القصاص " ، إنما هو القصاص من النفوس القاتلة أو الجارحة أو الشاجة عمدا . كذلك " العفو " أيضا عن ذلك .

وأما معنى قوله : " فاتباع بالمعروف " ، فإنه يعني : فاتباع على ما أوجبه الله له من الحق قبل قاتل وليه ، من غير أن يزداد عليه ما ليس له عليه - في أسنان الفرائض أو غير ذلك - أو يكلفه ما لم يوجبه الله له عليه ، كما : -

2592 - حدثني بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : بلغنا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من زاد أو ازداد بعيرا " - يعني في إبل الديات وفرائضها - فمن أمر الجاهلية .

وأما إحسان الآخر في الأداء ، فهو أداء ما لزمه بقتله لولي القتيل ، على [ ص: 372 ] ما ألزمه الله وأوجبه عليه ، من غير أن يبخسه حقا له قبله بسبب ذلك ، أو يحوجه إلى اقتضاء ومطالبة .

فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : " فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، ولم يقل فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، كما قال : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) [ سورة محمد : 4 ] ؟ قيل : لو كان التنزيل جاء بالنصب ، وكان : فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان - كان جائزا في العربية صحيحا ، على وجه الأمر ، كما يقال : " ضربا ضربا وإذا لقيت فلانا فتبجيلا وتعظيما " ، غير أنه جاء رفعا ، وهو أفصح في كلام العرب من نصبه . وكذلك ذلك في كل ما كان نظيرا له ، مما يكون فرضا عاما - فيمن قد فعل ، وفيمن لم يفعل إذا فعل - لا ندبا وحثا . ورفعه على معنى : فمن عفي له من أخيه شيء ، فالأمر فيه : اتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، أو فالقضاء والحكم فيه : اتباع بالمعروف .

وقد قال بعض أهل العربية : رفع ذلك على معنى : فمن عفي له من أخيه شيء ، فعليه اتباع بالمعروف . وهذا مذهب ، والأول الذي قلناه هو وجه الكلام . وكذلك كل ما كان من نظائر ذلك في القرآن ، فإن رفعه على الوجه الذي قلناه . وذلك مثل قوله : ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) [ سورة المائدة : 95 ] ، وقوله : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) [ سورة البقرة : 229 ] . وأما قوله : ( فضرب الرقاب ) ، فإن الصواب فيه النصب ، وهو وجه الكلام ، لأنه على وجه الحث من الله تعالى ذكره عباده على القتل عند لقاء العدو ، كما يقال : " إذا لقيتم العدو فتكبيرا وتهليلا " ، على وجه الحض على التكبير ، لا على وجه الإيجاب والإلزام .
[ ص: 373 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ذلك " ، هذا الذي حكمت به وسننته لكم ، من إباحتي لكم - أيتها الأمة - العفو عن القصاص من قاتل قتيلكم ، على دية تأخذونها فتملكونها ملككم سائر أموالكم التي كنت منعتها من قبلكم من الأمم السالفة " تخفيف من ربكم ، يقول : تخفيف مني لكم مما كنت ثقلته على غيركم ، بتحريم ذلك عليهم " ورحمة " ، مني لكم . كما : -

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:26 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(225)
الحلقة (239)
صــ 374إلى صــ 380




2593 - حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي قالا حدثنا سفيان ، ******عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر " إلى قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، فالعفو : أن يقبل الدية في العمد " ذلك تخفيف من ربكم " . يقول : خفف عنكم ما كان على من كان قبلكم : أن يطلب هذا بمعروف ، ويؤدي هذا بإحسان . [ ص: 374 ]

2594 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان من قبلكم يقتلون القاتل بالقتيل ، لا تقبل منهم الدية ، فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر " إلى آخر الآية ، " ذلك تخفيف من ربكم " ، يقول : خفف عنكم ، وكان على من قبلكم أن الدية لم تكن تقبل ، فالذي يقبل الدية ذلك منه عفو .

2595 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " - مما كان على بني إسرائيل ، يعني : من تحريم الدية عليهم .

2596 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عباس قالا : كان على بني إسرائيل قصاص في القتل ، ليس بينهم دية في نفس ولا جرح ، وذلك قول الله : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) الآية كلها [ سورة المائدة : 45 ] ، وخفف الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة ، وذلك قوله تعالى : " ذلك تخفيف من ربكم " بينكم .

2597 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " ، وإنما هي رحمة رحم الله بها هذه الأمة ، أطعمهم الدية ، وأحلها لهم ، ولم تحل لأحد قبلهم . فكان أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو ، وليس بينهما أرش ، وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو ، أمروا به . فجعل الله لهذه الأمة القود والعفو والدية إن شاءوا ، أحلها لهم ، ولم تكن لأمة قبلهم .

2598 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن [ ص: 375 ] أبيه ، عن الربيع بمثله سواء ، غير أنه قال : ليس بينهما شيء .

2599 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " قال : لم يكن لمن قبلنا دية ، إنما هو القتل أو العفو إلى أهله . فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم .

2600 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : وأخبرني عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : إن بني إسرائيل كان كتب عليهم القصاص ، وخفف عن هذه الأمة - وتلا عمرو بن دينار : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " .

وأما على قول من قال : القصاص في هذه الآية معناه : قصاص الديات بعضها من بعض ، على ما قاله السدي فإنه ينبغي أن يكون تأويله : هذا الذي فعلت بكم أيها المؤمنون من قصاص ديات قتلى بعضكم بديات بعض ، وترك إيجاب القود على الباقين منكم بقتيله الذي قتله وأخذه بديته تخفيف مني عنكم ثقل ما كان عليكم من حكمي عليكم بالقود أو الدية ، ورحمة مني لكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( 178 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، فمن تجاوز ما جعله الله له بعد أخذه الدية ، اعتداء وظلما إلى ما لم يجعل له من قتل قاتل وليه وسفك دمه ، فله بفعله ذلك وتعديه إلى ما قد حرمته عليه ، عذاب أليم . [ ص: 376 ]

وقد بينت معنى " الاعتداء " فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2601 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، فقتل ، " فله عذاب أليم " .

2602 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن اعتدى " ، بعد أخذ الدية ، " فله عذاب أليم " .

2603 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية فقتل ، فله عذاب أليم . قال : وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية . [ ص: 377 ]

2604 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك " قال : هو القتل بعد أخذ الدية . يقول : من قتل بعد أن يأخذ الدية فعليه القتل ، لا تقبل منه الدية .

2605 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فله عذاب أليم .

2606 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال : كان الرجل إذا قتل قتيلا في الجاهلية فر إلى قومه ، فيجيء قومه فيصالحون عنه بالدية قال : فيخرج الفار وقد أمن على نفسه قال : فيقتل ثم يرمى إليه بالدية ، فذلك " الاعتداء " .

2607 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا أبو عقيل قال : سمعت الحسن في هذه الآية : " فمن عفي له من دم أخيه شيء " قال : القاتل إذا طلب فلم يقدر عليه ، وأخذ من أوليائه الدية ، ثم أمن ، فأخذ فقتل . قال الحسن : ما أكل عدوان .

2608 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم قال : حدثنا القاسم قال : حدثنا هارون بن سليمان قال : قلت لعكرمة : من قتل بعد أخذه الدية؟ قال : إذا يقتل! أما سمعت الله يقول : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ؟

2609 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط [ ص: 378 ] عن السدي : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، بعد ما يأخذ الدية ، فيقتل " فلا عذاب أليم " .

2610 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثنى أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فله عذاب أليم .

2611 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : أخذ العقل ، ثم قتل بعد أخذ العقل قاتل قتيله ، فله عذاب أليم .

واختلفوا في معنى " العذاب الأليم " الذي جعله الله لمن اعتدى بعد أخذه الدية من قاتل وليه .

فقال بعضهم : ذلك " العذاب " هو القتل بمن قتله بعد أخذ الدية منه ، وعفوه عن القصاص منه بدم وليه .

ذكر من قال ذلك :

2612 - حدثني يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : يقتل ، وهو العذاب الأليم يقول : العذاب الموجع .

2613 - حدثني يعقوب قال : حدثني هشيم قال : حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن جبير أنه قال ذلك .

2614 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا القاسم قال : حدثنا هارون بن سليمان ، عن عكرمة : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : القتل .

وقال بعضهم : ذلك " العذاب " عقوبة يعاقبه بها السلطان على قدر ما يرى من عقوبته . [ ص: 379 ]

ذكر من قال ذلك :

2615 - حدثني القاسم بن الحسن قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن الليث غير أنه لم ينسبه ، وقال : ثقة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب بقسم أو غيره أن لا يعفى عن رجل عفا عن الدم وأخذ الدية ، ثم عدا فقتل ، قال ابن جريج : وأخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : في كتاب لعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : و" الاعتداء " الذي ذكر الله : أن الرجل يأخذ العقل أو يقتص ، أو يقضي السلطان فيما بين الجراح ، ثم يعتدي بعضهم من بعد أن يستوعب حقه . فمن فعل ذلك فقد اعتدى ، والحكم فيه إلى السلطان بالذي يرى فيه من العقوبة قال : ولو عفا عنه ، لم يكن لأحد من طلبة الحق أن [ يعفو ] لأن هذا من الأمر الذي أنزل الله فيه قوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ سورة النساء : 59 ] .

2616 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد عن يونس [ ص: 380 ] عن الحسن : في رجل قتل فأخذت منه الدية ، ثم إن وليه قتل به القاتل . قال الحسن : تؤخذ منه الدية التي أخذ ، ولا يقتل به .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 12-08-2022 06:27 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(226)
الحلقة (240)
صــ 381إلى صــ 387


قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بقوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، تأويل من قال : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فقتل قاتل وليه ، فله عذاب أليم في عاجل الدنيا ، وهو القتل . لأن الله تعالى جعل لكل ولي قتيل قتل ظلما سلطانا على قاتل وليه ، فقال تعالى ذكره ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ) [ سورة الإسراء : 33 ] . فإذ كان ذلك كذلك : وكان الجميع من أهل العلم مجمعين على أن من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه وأخذه منه دية قتيله أنه بقتله إياه له ظالم في قتله - كان بينا أن لا يولي من قتله ظلما كذلك ، السلطان عليه في القصاص والعفو وأخذ الدية ، أي ذلك شاء . وإذا كان ذلك كذلك ، كان معلوما أن ذلك عذابه ، لأن من أقيم عليه حده في الدنيا ، كان ذلك عقوبته من ذنبه ، ولم يكن به متبعا في الآخرة ، على ما قد ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 381 ]

وأما ما قاله ابن جريج : من أن حكم من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه ، وأخذه دية وليه المقتول - إلى الإمام دون أولياء المقتول ، فقول خلاف لما دل عليه ظاهر كتاب الله ، وأجمع عليه علماء الأمة . وذلك أن الله جعل لولي كل مقتول ظلما السلطان دون غيره ، من غير أن يخص من ذلك قتيلا دون قتيل . فسواء كان ذلك قتيل ولي من قتله أو غيره . ومن خص من ذلك شيئا سئل البرهان عليه من أصل أو نظير ، وعكس عليه القول فيه ، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله . ثم في إجماع الحجة على خلاف ما قاله في ذلك ، مكتفى في الاستشهاد على فساده بغيره .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " ، ولكم يا أولي العقول ، فيما فرضت عليكم وأوجبت لبعضكم على بعض ، من القصاص في النفوس والجراح والشجاج ، ما منع به بعضكم من قتل بعض ، وقدع بعضكم عن بعض ، فحييتم بذلك ، فكان لكم في حكمي بينكم بذلك حياة .

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم في ذلك نحو الذي قلنا فيه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 382 ]

2617 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " قال : نكال ، تناه .

2618 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : نكال ، تناه .

2619 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2620 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد عن قتادة : " ولكم في القصاص حياة " ، جعل الله هذا القصاص حياة ، ونكالا وعظة لأهل السفه والجهل من الناس . وكم من رجل قد هم بداهية ، لولا مخافة القصاص لوقع بها ، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض; وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة ، ولا نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد في الدنيا والدين ، والله أعلم بالذي يصلح خلقه .

2621 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " قال : قد جعل الله في القصاص حياة ، إذا ذكره الظالم المتعدي كف عن القتل .

2622 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " ولكم في القصاص حياة " الآية ، يقول : جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لكم . كم من رجل قد هم بداهية فمنعه مخافة القصاص أن يقع بها! وإن الله قد حجز عباده بعضهم عن بعض بالقصاص .

2623 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : نكال ، تناه . قال ابن جريج : حياة . منعة . [ ص: 383 ]

2624 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : حياة ، بقية . إذا خاف هذا أن يقتل بي كف عني ، لعله يكون عدوا لي يريد قتلي ، فيذكر أن يقتل في القصاص ، فيخشى أن يقتل بي ، فيكف بالقصاص الذي خاف أن يقتل ، لولا ذلك قتل هذا .

2625 - حدثت عن يعلى بن عبيد قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : بقاء .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولكم في القصاص من القاتل بقاء لغيره ، لأنه لا يقتل بالمقتول غير قاتله في حكم الله . وكانوا في الجاهلية يقتلون بالأنثى الذكر ، وبالعبد الحر .

ذكر من قال ذلك :

2626 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولكم في القصاص حياة " يقول : بقاء ، لا يقتل إلا القاتل بجنايته .

وأما تأويل قوله : " يا أولي الألباب " ، فإنه : يا أولي العقول . " والألباب " جمع " اللب " ، و" اللب " العقل .

وخص الله تعالى ذكره بالخطاب أهل العقول ، لأنهم هم الذين يعقلون عن الله أمره ونهيه ، ويتدبرون آياته وحججه دون غيرهم .
[ ص: 384 ] القول في تأويل قوله تعالى ( لعلكم تتقون ( 179 ) )

قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " لعلكم تتقون " ، أي تتقون القصاص ، فتنتهون عن القتل ، كما : -

269 - حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لعلكم تتقون " قال : لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به .
القول في تأويل قوله تعالى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ( 180 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " كتب عليكم " ، فرض عليكم ، أيها المؤمنون ، الوصية إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا - والخير : المال للوالدين والأقربين الذين لا يرثونه ، بالمعروف : وهو ما أذن الله فيه وأجازه في الوصية مما لم يجاوز الثلث ، ولم يتعمد الموصي ظلم ورثته ، حقا على المتقين يعني بذلك : فرض عليكم هذا وأوجبه ، وجعله حقا واجبا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به .

فإن قال قائل : أوفرض على الرجل ذي المال أن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه؟

قيل : نعم . [ ص: 385 ]

فإن قال : فإن هو فرط في ذلك فلم يوص لهم ، أيكون مضيعا فرضا يحرج بتضييعه؟

قيل : نعم .

فإن قال : وما الدلالة على ذلك؟

قيل : قول الله تعالى ذكره : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فأعلم أنه قد كتبه علينا وفرضه ، كما قال : ( كتب عليكم الصيام ) [ سورة البقرة : 183 ] ، ولا خلاف بين الجميع أن تارك الصيام وهو عليه قادر مضيع بتركه فرضا لله عليه . فكذلك هو بترك الوصية لوالديه وأقربيه وله ما يوصي لهم فيه ، مضيع فرض الله عز وجل .

فإن قال : فإنك قد علمت أن جماعة من أهل العلم قالوا : الوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية الميراث؟

قيل له : وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا : هي محكمة غير منسوخة . وإذا كان في نسخ ذلك تنازع بين أهل العلم ، لم يكن لنا القضاء عليه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها ، إذ كان غير مستحيل اجتماع حكم هذه الآية وحكم آية المواريث في حال واحدة على صحة ، بغير مدافعة حكم إحداهما حكم الأخرى - وكان الناسخ والمنسوخ هما المعنيان اللذان لا يجوز اجتماع حكمهما على صحة في حالة واحدة ، لنفي أحدهما صاحبه .

وبما قلنا في ذلك قال جماعة من المتقدمين والمتأخرين .

ذكر من قال ذلك :

2628 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر عن الضحاك أنه كان يقول : من مات ولم يوص لذوي قرابته . فقد ختم عمله بمعصية .

2629 - حدثني سلم بن جنادة . قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش [ ص: 386 ] عن مسلم عن مسروق : أنه حضر رجلا فوصى بأشياء لا تنبغي ، فقال له مسروق : إن الله قد قسم بينكم فأحسن القسم ، وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله يضله ، أوص لذي قرابتك ممن لا يرثك ، ثم دع المال على ما قسمه الله عليه .

2630 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد عن الضحاك قال : لا تجوز وصية لوارث ، ولا يوصي إلا لذي قرابة ، فإن أوصى لغير ذي قرابة فقد عمل بمعصية; إلا أن لا يكون قرابة ، فيوصي لفقراء المسلمين .

2631 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة قال : العجب لأبي العالية أعتقته امرأة من بني رياح وأوصى بماله لبني هاشم !

2632 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن رجل ، عن الشعبي قال : لم يكن له [ موال ] ، ولا كرامة .

2633 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا [ ص: 387 ] أيوب ، عن محمد قال : قال عبد الله بن معمر في الوصية : من سمى ، جعلناها حيث سمى - ومن قال : حيث أمر الله ، جعلناها في قرابته .

2634 - حدثني محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا المعتمر قال : حدثنا عمران بن حدير قال : قلت لأبي مجلز : الوصية على كل مسلم واجبة؟ قال : على من ترك خيرا .

2635 - حدثنا سوار بن عبد الله قال : حدثنا عبد الملك بن الصباح قال : حدثنا عمران بن حدير قال : قلت للاحق بن حميد : الوصية حق على كل مسلم؟ قال : هي حق على من ترك خيرا .

واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية .

فقال بعضهم : لم ينسخ الله شيئا من حكمها ، وإنما هي آية ظاهرها ظاهر عموم في كل والد ووالدة والقريب ، والمراد بها في الحكم البعض منهم دون الجميع ، وهو من لا يرث منهم الميت دون من يرث . وذلك قول من ذكرت قوله ، وقول جماعة آخرين غيرهم معهم .

ذكر قول من لم يذكر قوله منهم في ذلك :

2636 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة عن جابر بن زيد : في رجل أوصى لغير ذي قرابة وله قرابة محتاجون ، قال : يرد ثلثا الثلث عليهم ، وثلث الثلث لمن أوصى له به .

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg


الساعة الآن : 07:13 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 751.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 749.38 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.23%)]