رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (581) صــ 116 إلى صــ 125 القول في تأويل قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما بحر الله بحيرة، ولا سيَّب سائبة، ولا وصل وصيلة، ولا حَمَى حاميًا = ولكنكم الذين فعلتم ذلك، أيها الكفرة، فحرَّمتموه افتراء على ربكم، كالذي:- 12819 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن ابن الهاد = وحدثني يونس قال، حدثنا عبد الله بن يوسف قال، حدثني الليث قال، حدثني ابن الهاد =، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرُّ قُصْبَه في النار، وكان أول من سيَّب السُّيَّب" . (2) (1) الأثر: 12817- هو بعض الأثر السالف رقم: 12808. (2) الأثر: 12819- رواه أبو جعفر بإسنادين: أولهما "محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري" ، ثقة مضى برقم: 2377. وأبوه: "عبد الله بن عبد الحكم بن أعين" ، الفقيه المصري، ثقة، مترجم في التهذيب، و "شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري" ، ثقة، مضى برقم: 3034، 5314 وأبوه "الليث بن سعد" الإمام الجليل القدر، مضى برقم: 186، 187، 2072، 2584، 9507. و "ابن الهاد" هو: "يزيد بن الهاد" منسوبا إلى جده، وهو: "يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد" ثقة، مضى برقم: 2031، 3034، 4314. وأما الإسناد الثاني فتفسيره: "يونس" هو "يونس بن عبد الأعلى الصدفي" ثقة مضى برقم: 1679، 3503 وغيرها. و "عبد الله بن يوسف التنيسي الكلاعي" ثقة من شيوخ البخاري. مترجم في التهذيب. وخبر أبي هريره هذا، من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رواه أحمد في المسند رقم: 8773، وأشار إليه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 214) وقد رواه قبل من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب، عن سعيد، ورواه أحمد قبل ذلك منقطعا رقم: 7696، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة وقد استوفى أخي السيد أحمد في شرحه بيان ذلك. وأما مسلم فقد رواه في صحيحه 17: 189 من طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب عن سعيد. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 253، وذكر رواية البخاري الآنفة: "قال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت، عن الزهري هكذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف، وسكت ولم ينبه عليه= قال ابن كثير: وفيما قاله الحاكم نظر، فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه، والله أعلم" . وتفسير كلام ابن كثير أن ابن الهاد قد ثبت سماعه من الزهري. ولم يبين هو ما أراد أبو الحجاج بما قال ولم يفسره. ولم يشر الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 214) إلى شيء مما قاله المزي. وأما "القصب" (بضم فسكون) : هي الأمعاء كلها. وأما قوله: "سيب السيب" فإن "سيب الدابة أو الناقة أو الشيء" : تركه يسيب حيث شاء، أي يذهب حيث شاء. وأما "السيب" (بضم السين وتشديد الياء المفتوحة) فهو جمع "سائبة" على مثال "نائحة ونوح" و "نائم ونوم" كما سلف في تعليقي على الأثر رقم: 10447، وشاهده رواه ابن هشام في سيرته هذا البيت (1: 93) : حَوْلَ الوَصَائِل فِي شُرَيْفٍ ... حِقَّةٌ وَالحَامِيَاتُ ظُهُورُها وَالسُّيَّبُ وتجمع "سائبة" أيضًا على "سوائب" وهو القياس. وقد جاء في إحدى روايتي صحيح مسلم (17: 189) : "أول من سيب السيوب" (بضم السين والياء) وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار: "أول من سيب السوائب، وفي الرواية الأخرى: أول من سيب السيوب" ، ولم يبين ذلك. وبيانه أن "السيوب" جمع "سيب" (بفتح فسكون) مصدر سميت به "السائبة" وقد جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف في يوم الشورى: "وإن الحيلة بالنطق أبلغ من السيوب في الكلم" وفسروه تفسيرين، الأول ما في لسان العرب: "السيوب: ما سيب وخلى فساب أي ذهب" والآخر ما قاله الزمخشري في الفائق: "السيوب مصدر: ساب كان قياسا جمع" سائب" و "سائبة" على"سيوب "فإن ما جاء مصدره على" فعول "كان جمع" فاعل "منه على" فعول "مثل" شاهد وشهود "و" قاعد وقعود "و" حاضر وحضور "وقد ذكرت ذلك في تعليق سالف وانظر شرح الشافية 2: 158. فهذا تفسير ما أغفله القاضي عياض، والنووي في شرح صحيح مسلم." وكان في المطبوعة: "أول من سيب السائبة" ، غير ما في المخطوطة وهو اطراح سيئ لأمانة العلم!! وكتبه محمود محمد شاكر. 12820 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون: يا أكثم، رأيتُ عمرو بن لُحيّ بن قَمَعَة بن خِنْدف يجرّ قُصْبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا به منك! فقال أكثم: عسَى أن يضرّني شبهه، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إنك مؤمن وهو كافر، إنه أوّل من غيَّر دين إسماعيل، وبحر البحيرة، وسيَّب السائبة، وحمى الحامي" . (1) 12821 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس قال، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد عرفت أوّلَ من بَحَر البحائر، رجلٌ من مُدْلج كانت له ناقتان، فجدَع آذانهما، وحرّم ألبانهما وظهورَهما، وقال: هاتان لله! ثم احتاج إليهما، فشرب ألبانهما، وركب ظهورهما. قال: فلقد رأيته في النار يؤذِي أهل النار ريح قُصْبه. (2) 12822 - حدثنا هناد قال، حدثنا عَبْدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرِضت عليَّ النار، فرأيت فيها عمرو بن فلان بن فلان بن خندف يجرّ قصْبه في النار، وهو أوّل من غيَّر دين إبراهيم، وسيب السائبة، وأشبه من رأيت به أكثم بن الجون! فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: "لا لأنك مُسلم، وإنه كافر" . (3) (1) الأثر: 12820- "محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي" روى له أصحاب الكتب الستة، تابعي ثقة كثير الحديث مضى برقم: 4249. و "أبو صالح" هو: "ذكوان السمان" ، تابعي ثقة. مضى مرارًا. وأما "محمد بن إسحق" ، صاحب السيرة، فقد مضى توثيق أخي السيد أحمد له في رقم: 221 وفي غيره من كتبه. وهذا الخبر ساقه ابن كثير في تفسيره 3: 254، هو ورقم: 12822، وفي البداية والنهاية 2: 189، ثم قال "وليس هذان الطريقان في الكتب من هذا الوجه" يعني الصحاح وإلا فإن هذا الخبر ثابت بإسناد محمد بن إسحق في سيرة ابن هشام 1: 78، 79 وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب بغير إسناد ص: 55 وذكره ابن الأثير بإسناده 1: 123، 124، وابن حجر في الإصابة (ترجمة: أكثم بن الجون) ونسبه لابن أبي عروبة وابن مندة من طريق ابن إسحق وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 338 فخلط في تخريجه تخليطا شديدا فقال: "أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه" وإنما ذلك رقم: 12822، الآتي بعد. وسيأتي هذا الخبر مطولا من طريق أخرى رقم: 12827، وهو إسناد أبي جعفر الثاني في رواية سيرة ابن إسحق. وقوله: "عسى أن يضرني شبهه" يعني: لعله يضرني شبهه، يتخوف أن يكون ذلك. وفي المطبوعة: "أخشى أن يضرني شبهه" وهو مخالف للرواية، وإنما اختلط عليه خط ناسخ المخطوطة إذ كتبها مختلطة: "تحتي" كأنه أراد أن يكتب شيئًا، ثم عاد عليه حتى صار "عسى" منقوطة وبمثل ما في المطبوعة، جاءني في الدر المنثور. وكثرة مثل ذلك دلتني على أن هذه النسخة المخطوطة التي ننشرها هي التي وقعت في يد السيوطي، والصواب ما أثبته من السيرة، ومن نقل عنها. وكان في المخطوطة أيضًا: "وحمى الحمى" ، وهو خطأ محض، صوابه من مراجع هذا الخبر. (2) الأثر: 12821- "هشام بن سعد المدني" "يتيم زيد بن أسلم" كان من أوثق الناس عن زيد وهو ثقة، وتكلم فيه بعضهم مضى برقم: 5490. وهذا خبر مرسل. وسيأتي من طريق معمر، عن زيد بن أسلم برقم: 12824. (3) الأثر: 12822- "عبدة" هو "عبدة بن سليمان الكلابي" ثقة مضى قريبا برقم: 12729. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبيدة" وهو خطأ صوابه في تفسير ابن كثير. و "محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي" و "أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضيا أيضًا في مثل هذا الإسناد رقم: 12729 وهذا إسناد رجاله ثقات. وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 4: 605، من طريق أبي حاتم الرازي، عن محمد ابن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو وفيه "فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف" مصرحا ثم قال: "وهذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وقد مر بك أن ابن كثير قال في تفسيره 3: 254 والبداية والنهاية 2: 189، أنه ليس في الكتب يعني الصحاح ولم يزد. وأما الحافظ ابن حجر فخرجه في الإصابة (ترجمة أكثم بن الجون) من طريق أحمد بن حنبل، عن محمد بن بشر العبدي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، بمثله ثم أشار إلى طريق الحاكم في المستدرك. ولكن أعياني أن أجد خبر أحمد في المسند. وأما الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم فقد رواه في كتاب جمهرة الأنساب ص: 223 من طريق علي بن عمر الدارقطني عن الحسين بن إسمعيل القاضي المحاملي عن سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن محمد بن عمرو. ثم قال أبو محمد بعد سياقه أحاديث البخاري ومسلم وهذا الحديث وهي أربعة هذا ثالثها: "أما الحديث الأول والثالث والرابع، ففي غاية الصحة والثبات" فحكم لهذا الخبر بالصحة. وفي المطبوعة هنا: "عمرو بن فلان بن فلان بن فلان بن خندف" "فلان" ثلاث مرات وهو مخالف لما في المخطوطة، وخطأ بعد ذلك فإن ما بين "عمرو" و "خندف" اثنان لا ثلاثة. وهكذا في المخطوطة والمطبوعة: "لا لأنك مسلم" ولولا اتفاقهما لرجحت أن تكون: "لا إنك مسلم" كما في رواية غيره. 12823 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجرّ قُصْبه في النار، وهو أوّل من سيّب السوائب. (1) 12824 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف أوّل من سيب السوائب، وأوّل من غيَّر عهد إبراهيم! قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: عمرو بن لُحَيّ أخو بني كعب، لقد رأيته يجرّ قُصْبه في النار، يؤذي ريحه أهل النار. وإني لأعرف أوّل من بحر البحائر! قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: رجل من بني مدلج، كانت له ناقتان، فجدع آذانهما، وحرّم ألبانهما، ثم شرب ألبانهما بعدَ ذلك، فلقد رأيته في النار هو، وهما يعضّانه بأفواههما، ويخبطانه بأخفافهما. (2) (1) الأثر: 12823- هذا خبر مرسل كما ترى، لم يرفعه عبد الرزاق. (2) الأثر: 12824- هذا أيضًا خبر مرسل، وهو طريق أخرى للخبر السالف رقم: 12821. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 214، 215) ثم قال: "والأول أصح" ، يعني ذكر هذا الرجل من بني مدلج، أنه أول من بحر البحائر، وأن الصواب ما جاء في الأخبار الصحاح قبل، أنه عمرو بن لحي. و "بنو مدلج" هم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن اليأس ابن مضر بن نزار بن معد ليسوا من قريش. وكانت فيهم القيافة والعيافة، منهم "مجزز المدلجي" الذي سر النبي صلى الله عليه وسلم بقيافته (جمهرة الأنساب: 176، 177) . و "البحيرة" الفعيلة من قول القائل: "بَحَرْت أُذن هذه الناقة" ، إذا شقها، "أبحرُها بحرًا" ، والناقة "مبحورة" ، ثم تصرف "المفعولة" إلى "فعيلة" ، فيقال: "هي بحيرة" . وأما "البَحِرُ" من الإبل فهو الذي قد أصابه داءٌ من كثرة شرب الماء، يقال منه: "بَحِر البعيرُ يبحر بَحَرًا" ، (1) ومنه قول الشاعر: (2) لأعْلِطَنَّهُ وَسْمًا لا يُفَارَقُهُ ... كَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ المِيسَمِ البَحِرُ (3) وبنحو الذي قلنا في معنى "البحيرة" ، جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 12825 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (4) أرأيت (1) هذه على وزن "فرح يفرح فرحًا" . (2) أعياني أن أجد قائله. (3) سيأتي في التفسير 29: 19 (بولاق) لسان العرب (بحر) . "علط البعير يعلطه علطًا" وسمه بالعلاط. و "العلاط" (بكسر العين) : سمة في عرض عنق البعير، فإذا كان في طول العنق فهو "السطاع" (بكسر السين) . هذا تفسير اللغة أنه في العنق وأما أبو جعفر الطبري فقد قال في تفسيره (29: 19) "والعرب تقول: والله لأسمنك وسما لا يفارقك يريدون الأنف" ثم ذكر البيت وقال: "والنجر" : داء يأخذ الإبل فتكوى على أنوفها. وذكر هناك بالنون والجيم كما أثبته وله وجه سيأتي إلا أني أخشى أن يكون الصواب هناك، كما هو هنا بالباء والحاء، وقوله: "بحمى الميسم" . يقال: "حمى المسمار حميا وحموا" : سخن في النار و "أحميت المسمار في النار إحماء" . و "الميسم" المكواة التي يوسم بها الدواب. وأما "البحر" فقد فسره أبو جعفر ولكن الأزهري قال: "الداء الذي يصيب البعير فلا يروى من الماء هو النجر بالنون والجيم، والبجر بالباء والجيم وأما البحر: فهو داء يورث السل" . وهذا البيت في هجاء رجل وإيعاده بالشر شرا يبقى أثره. وكان في المطبوعة: "لأعطنك" بالكاف في آخره والصواب من المخطوطة ومما سيأتي في المطبوعة من التفسير (29: 19) ومن لسان العرب. (4) في المطبوعة، أسقط "له" وهي ثابته في المخطوطة: وهي صواب. إبلك ألست تنتجها مسلَّمةً آذانُها، فتأخذ الموسى فتجْدَعها، تقول: "هذه بحيرة" ، وتشق آذانها، تقولون: "هذه صَرْم" ؟ قال: نعم! قال: فإن ساعدَ الله أشدّ، وموسَى الله أحدَ! كلّ مالك لك حلالٌ، لا يحرَّم عليك منه شيء. (1) 12826- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، سمعت أبا الأحوص، عن أبيه قال أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تُنتَجُ إبل قومك صحاحًا آذانُها، فتعمد إلى الموسَى فتقطع آذانها فتقول: "هذه بُحْرٌ" ، وتشقها أو تشق جلودها فتقول: "هذه صُرُمٌ" ، فتحرّمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم! قال: فإن ما آتاك الله لك حِلّ، وساعد الله أشدّ، وموسى الله أحدّ = وربما قال: ساعدُ الله أشد من ساعدك، وموسى الله أحدّ من موساك. (2) (1) الأثر: 12825- هذا الخبر رواه أبو جعفر بإسنادين هذا والذي يليه. "عبد الحميد بن بيان القناد" شيخ أبي جعفر، مضى مرارا. و "محمد بن يزيد الكلاعي" الواسطي وثقه أحمد وهو من شيوخه مضى برقم: 11408. و "إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي" ثقة مضى برقم: 5694، 5777. و "أبو إسحق" هو السبيعي الإمام. مضى مرارا. و "أبو الأحوص" هو: "عوف بن مالك بن نضلة الجشمي" تابعي ثقة، مضى برقم: 6172. وأبوه: "مالك بن نضلة بن خديج الجشمي" ويقال: "مالك بن عوف بن نضلة" وبهذا ترجمه ابن سعد في الطبقات 6: 17. وأما في التاريخ الكبير للبخاري 4/1/303، فإني رأيت فيه: "مالك بن يقظة الخزاعي والد أبي الأحوص له صحبة" . و "أبو الأحوص" المشهور هو "عوف بن مالك بن نضلة" فظني أن الذي في التاريخ خطأ فإني لم أجد هذا الاسم في الصحابة فيكون فيه خطأ في "يقظة" وهو "نضلة" وفي "الخزاعي" وهو: "الجشمي" والله أعلم. وهذا الخبر جاء في المخطوطة كما أثبته وفي المطبوعة: "وتشق آذانها وتقول" بالإفراد فأثبت ما في المخطوطة. وقوله: "مسلمة آذانها" أي: سليمة صحاحًا. وسأشرح ألفاظه في آخر الخبر الآتي وما كان من الخطأ في المطبوعة والمخطوطة في "صرم" بعد تخريجه هناك. (2) الأثر: 12826- هذا الخبر، مكرر الذي قبله. *رواه من طريق شعبة، عن أبي إسحق مطولا أبو داود الطيالسي في مسنده: 184 رقم: 1303. *ورواه أحمد في المسند عن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحق= ثم من طريق عفان عن شعبة في المسند 3: 473. *ورواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 10 من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحق. *وخرجه ابن كثير في تفسيره من رواية ابن أبي حاتم 3: 256 مطولا ولم ينسبه إلى غيره. *وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 337 مطولا جدًا ونسبه إلى أحمد، وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات. أما لفظه عند السيوطي فلا أدري لفظ من يكون، فإنه ليس لفظ من ذكرت آنفا تخريج الخبر من كتبهم. *ثم رواه أحمد في المسند 4: 136، 137 من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزعراء عمرو ابن عمرو عن عمه أبي الأحوص عن أبيه بلفظ آخر مختلف كل الاختلاف. *وهذا شرح غريب هذين الخبرين. "نتج الناقة ينتجها نتجا" (على وزن: ضرب) : إذا تولى نتاجها أي ولادها. وأما قوله في الخبر الثاني: "هل تنتج إبل قومك" فهو بالبناء للمجهول. يقال: "نتجت الناقة تنتج" (بالبناء للمجهول) : إذا ولدت. *و "جدع الأنف والأذن والشفة" : إذا قطع بعض ذلك. وأما قوله: "هذه صرم" فقد كتبت في المخطوطة والمطبوعة في الخبرين "حرم" بالحاء وكذلك وقع في تفسير ابن كثير، والصواب من المراجع التي ذكرتها ومن بيان كتب اللغة في تفسير هذا الخبر. *وتقرأ "صرم" في الخبر الأول بفتح فسكون و "الصرم" القطع سماها المصرومة بالمصدر كما يدل على صواب ذلك من قراءته ما جاء في شرح اللفظ في لسان العرب مادة (صرب) . وأما في الخبر الثاني فإن قوله: "هذه بحر" (بضم الباء والحاء) جمع "بحيرة" وقوله: "هذه صرم" (بضم الصاد والراء) جمع "صريمة" وهي التي قطعت أذنها وصرمت. وهذا صريح ما قاله صاحب اللسان في مادتي "صرم" و "صرب" والزمخشري في الفائق "صرب" وروى أحمد في المسند 4: 136، 137: "صرماء" ولم تشر إليها كتب اللغة. وأما الومخشري وصاحب اللسان فقد رويا: "وتقول: صربى" (على وزن سكرى) . وقال في تفسيرها: كانوا إذا جدعوا البحيرة أعفوها من الحلب إلا للضيف فيجتمع اللبن في ضرعها من قولهم: "صرب اللبن في الضرع" : إذا حقنه لا يحلبه. ورويا أنه يقال إن الباء مبدلة من الميم كقولهم "ضربة لازم، ولازب" ، وأنه أصح التفسيرين. وأما "السائبة" : فإنها المسيَّبة المخلاة. وكانت الجاهلية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه، فيحرِّم الانتفاع به على نفسه، كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبدَه سائبةً، فلا ينتفع به ولا بولائه. (1) (1) انظر تفسير "السائبة" فيما سلف 3: 386 تعليق: 1. وأخرجت "المسيَّبة" بلفظ "السائبة" ، كما قيل: "عيشة راضية" ، بمعنى: مرضية. * * * وأما "الوصيلة" ، فإن الأنثى من نَعَمهم في الجاهلية كانت إذا أتأمت بطنًا بذكر وأنثى، قيل: "قد وصلت الأنثى أخاها" ، بدفعها عنه الذبح، فسمَّوها "وَصيلة" . * * * وأما "الحامي" ، فإنه الفحل من النعم يُحْمَى ظهره من الركوب والانتفاع، بسبب تتابُعِ أولادٍ تحدُث من فِحْلته. * * * وقد اختلف أهل التأويل في صفات المسميات بهذه الأسماء، وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك. * ذكر الرواية بما قيل في ذلك: 12827 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، (1) عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ: أن أبا صالح السمان حدّثه: أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعيّ: يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجرّ قُصْبه في النار، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به، ولا به منك! (2) فقال أكثم: أيضرّني شبهه يا نبيّ الله؟ قال: لا إنك مؤمن وهو كافر، (3) وإنه كان أوّل من غيَّر دين إسماعيل، ونصب الأوثان، وسيَّب السائبَ فيهم. (4) (1) في المطبوعة والمخطوطة: "عن أبي إسحق" وهو خطأ محض كما ترى في تخريجه. (2) مضى في الأثر: 12820، "فما رأيت رجلا" وهذه رواية أخرى. (3) في المطبوعة: "لا لأنك مسلم" غيرها وهي في المخطوطة وابن هشام كما أثبتها. (4) في المطبوعة: "سيب السوائب فيهم" وأثبت ما في المخطوطة وإن كان الناسخ كتب "السائب فيهم" وصوابه من سيرة ابن هشام. وهذا الشطر من الخبر هو حديث أبي هريرة وقد مضى آنفًا برقم: 12820 ومضى تخريجه هناك. أما الشطر الثاني الذي وضعته في أول السطر فإنه من كلام ابن إسحق نفسه، كما سترى في التخريج. = وذلك أن الناقة إذا تابعت بين عشرإناث ليس فيها ذكر، (1) سُيِّبت فلم يركب ظهرها، ولم يجزَّ وبرها، ولم يشرَب لبنها إلا ضيف. فما نتجت بعد ذلك من أنثى شُقّ أذنها، ثم خلّى سبيلها مع أمها في الإبل، فلم يركب ظهرها، ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها، فهي "البحيرة" ابنة "السائبة" . و "الوصيلة" ، أن الشاة إذا نَتَجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت "وصيلة" ، قالوا: "وصلت" ، فكان ما وَلدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم، (2) إلا أن يموت منها شيء فيشتركون في أكله، ذكورُهم وإناثهم (3) . و "الحامي" أنّ الفحل إذا نُتِج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكرٌ، حمي ظهره ولم يركب، ولم يجزّ وبره، ويخلَّى في إبله يضرب فيها، لا ينتفع به بغير ذلك. يقول الله تعالى ذكره: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" إلى قوله: "ولا يهتدون" . (1) في المطبوعة والمخطوطة: "إذاتابعت ثنتي عشرة إناثا ليس فيهما ذكر" إلا أن في المخطوطة: "ليس فيهم" وهما خطأ محض، وصواب هذه العبارة هو ما أثبته من سيرة ابن هشام وغيرها إلا أنني جعلت "فيهن" مكان "بينهن" في سيرة ابن هشام لما سيأتي بعد في الخبر "فيهن" مكان "بينهن" فيما يقابلها من سيرة ابن هشام. (2) الأثر: 12827- صدر هذا الخبر إلى قوله: "سيب السائب فيهم" هو حديث أبي هريرة السالف رقم: 12820، وهو في سيرة ابن هشام 1: 78، 79، وقد خرجته هناك. وأما الشطر الثاني إلى آخر الخبر، فهو من كلام ابن إسحق وهو في سيرة ابن هشام 1: 91، 92. (3) في المطبوعة: لذكورهم دون إناثهم، وفي المخطوطة: لذكورهم بينهم، غير منقوطة والصواب من سيرة ابن هشام. 12828 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق في هذه الآية: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" = قال أبو جعفر: سقط عليّ فيما أظنّ كلام منه = قال: فأتيت علقمة فسألتُه، فقال: ما تريد إلى شيء كانت يَصنعه أهل الجاهلية. (1) 12829 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم قال: أتيت علقمة، فسألته عن قول الله تعالى: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حامٍ" ، فقال: وما تصنع بهذا؟ إنما هذا شيء من فعل الجاهلية! قال: فأتيت مسروقًا فسألته، فقال: "البحيرة" ، كانت الناقة إذا ولدت بطنًا خمسًا أو سبعًا، شقوا أذنها، وقالوا: "هذه بحيرة" = قال: "ولا سائبة" ، قال: كان الرجل يأخذ بعضَ ماله فيقول: "هذه سائبة" = قال: "ولا وصيلة" ، قال: كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث، وإذا ولدت ذكرًا وأنثى في بطن قالوا: "وصلت أخاها" ، فلا يأكلونهما. قال: فإذا مات الذكر أكله الذكور دون الإناث = قال: "ولا حام" ، قال: كان البعير إذا وَلد وولد ولده، قالوا: "قد قضى هذا الذي عليه" ، فلم ينتفعوا بظهره. قالوا: "هذا حمًى" . (2) (1) في المطبوعة: "كانت تصنعه" والصواب من المخطوطة. (2) الأثر: 12829- "يحيى بن إبراهيم المسعودي" شيخ الطبري هو: "يحيى ابن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى برقم: 84، 5379، 8811، 9744. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (582) صــ 126 إلى صــ 135 وأبوه: "إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى برقم: 84، 5379، 8811، 9744. وأبوه "محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى في ذلك أيضا. وجده "أبو عبيدة بن معن المسعودي" مضى أيضًا. وكان في المطبوعة هنا: "هذا حام" وأثبت ما في المخطوطة. 12830 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح قال: سألت علقمة عن قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة" ، قال: ما تصنع بهذا؟ هذا شيء كان يفعله أهل الجاهلية. 12831 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، ويحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص: "ما جعل الله من بحيرة" ، قال: البحيرة: التي قد ولت خمسة أبطن ثم تركت. 12832 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن الشعبي: "ما جعل الله من بحيرة" . قال: البحيرة، المخضرمة (1) "ولا سائبة" ، والسائبة: ما سُيِّب للعِدَى (2) = و "الوصيلة" ، إذا ولدت بعد أربعة أبطن = فيما يرى جرير = ثم ولدت الخامس ذكرًا وأنثى، وصلتْ أخاها = و "الحام" ، الذي قد ضرب أولادُ أولاده في الإبل. 12833- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، بنحوه = إلا أنه قال: و "الوصيلة" التي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرًا وأنثى، قالوا: "وصلت أخاها" ، وسائر الحديث مثل حديث ابن حميد. (1) "المخضرمة" من النوق والشاء المقطوعة نصف الأذن أو طرف الأذن أو المقطوعة إحدى الأذنين وهي سمة الجاهلية. وفي الحديث: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على ناقة مخضرمة" . (2) "العدي" (بكسر العين ودال مفتوحة) : الغرباء يعني الأضياف كما جاء في سائر الأخبار. هكذا هي في المخطوطة "العدي" أما المطبوعة ففيها: "للهدي" وهو تحريف وخطأ محض. ولو كان في كتابة الناسخ خطأ فأقرب ذلك أن تكون "للمعتري" يقال: "عراه يعروه واعتراه" إذا غشيه طالبا معروفه. ويقال: "فلان تعروه الأضياف وتعتريه" أي تغشاه وبذلك فسروا قول النابغة: أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِيْ ... عَلَى خَوْفٍ تُظَنَّ بِيَ الظُّنُون أي: ضيفًا طالبًا لرفدك. 12834 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الأزرق، عن زكريا، عن الشعبي: أنه سئل عن "البحيرة" ، فقال: هي التي تجدع آذانها. وسئل عن "السائبة" ، فقال: كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم فيتركونها عند آلهتهم، فتذهب فتختلطُ بغنم الناس، (1) فلا يشرب ألبانها إلا الرجال، فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعًا. 12835 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "ما جعل الله من بحيرة" وما معها: "البحيرة" ، من الإبل يحرّم أهل الجاهلية وَبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلا على الرجال، فما ولدت من ذكر وأنثى فهو على هيئتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. فإذا ضَرَب الجمل من ولد البحيرة، (2) فهو "الحامي" . و "الحامي" ، اسمٌ. (3) و "السائبة" من الغنم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد، كان على هيئتها. فإذا ولدت في السابع ذكرًا أو أنثى أو ذكرين، ذبحوه، فأكله رجالهم دون نسائهم. وإن توأمت أنثى وذكرًا فهي "وصيلة" ، (4) لترك ذبح الذكر بالأنثى. (5) وإن كانتا أنثيين تركتا. 12836 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، (1) في المطبوعة: "... عند آلهتهم لتذبح فتخلط بغنم الناس" غير ما في المخطوطة فأفسد الكلام إفسادًا. وقوله: "فتذهب فتختلط" ذكرت في 7: 457 تعليق: 6 أن العرب تجعل "ذهب" من ألفاظ الاستعانة التي تدخل على الكلام طلبا لتصوير حركة أو بيان فعل مثل قولهم: "قعد فلان لا يمر به أحد إلا سبه" لا يراد بهما معنى "الذهاب" و "القعود" ومثلهما كثير في كلامهم ثم انظر هذا ص: 250ن 251، تعليق: 1. (2) "ضرب" من "الضراب" (بكسر الضاد) وهو سفاد الجمل الناقة ونزوه عليها. (3) في المطبوعة حذف قوله: "والحامي اسم" لظنه أنه زيادة لا معنى لها. ولكنه أراد أن "الحامي" اسم لهذا الجمل من ولد البحيرة، وليس باسم فاعل. (4) قوله: "توأمت" هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة ولم أجدهم قالوا في ذلك المعنى إلا: "أتأمت المرأة وكل حامل" : إذا ولدت اثنين في بطن واحد. فهذا حرف لا أدري ما أقول فيه إلا أنه هكذا جاء هنا. (5) في المطبوعة والمخطوطة: "ترك" بغير لام، والذي أثبته أشبه عندي بالصواب. حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة" ، فالبحيرة، الناقة، كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن، فيعمد إلى الخامسة، ما لم تكن سَقْبًا، (1) فيبتك آذانها، ولا يجزّ لها وبرًا، ولا يذوق لها لبنًا، فتلك "البحيرة" = "ولا سائبة" ، كان الرجل يسيِّب من ماله ما شاء = "ولا وصيلة" ، فهي الشاة إذا ولدت سبعًا، عمد إلى السابع، فإن كان ذكرًا ذبح، وإن كانت أنثى تركت، وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما، قالوا: "وصلت أخاها" ، فيتركان جميعًا لا يذبحان. فتلك "الوصيلة" = وقوله: "ولا حام" ، كان الرجل يكون له الفحل، فإذا لقح عشرًا قيل: "حام، فاتركوه" . 12837 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة" ، ليسيِّبوها لأصنامهم = "ولا وصيلة" ، يقول: الشاة = "ولا حام" يقول: الفحلُ من الإبل. 12838 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، تشديدٌ شدّده الشيطانُ على أهل الجاهلية في أموالهم، وتغليظ عليهم، فكانت "البحيرة" من الإبل، (2) إذا نتج الرجلُ خمسًا من إبله، نظر البطن الخامس، فإن كانت سقبًا ذبح فأكله الرجال دون النساء، وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرُهم وأنثاهم، وإن كانت حائلا = وهي الأنثى = تركت، فبتكت أذنها، فلم يجزّ لها وَبرٌ، ولم يشرب لها لبن، ولم يركب لها ظهرٌ، ولم يذكر لله عليها اسم. (1) في المطبوعة والمخطوطة: "فما لم يكن سقبا" وصواب ذلك ما أثبت. و "السقب" الذكر من ولد الناقة. قال الأصمعي: إذا وضعت الناقة ولدها فولدها ساعة تضعه "سليل" قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى. فإذا علم فإن كان ذكرا فهو "سقب" . (2) في المطبوعة والمخطوطة: "مثل الإبل" وهو خطأ لا شك فيه. وكانت "السائبة" ، يسيبون ما بدا لهم من أموالهم، فلا تُمنع من حوض أن تشرع فيه، (1) ولا من حمًى أن ترتع فيه = وكانت "الوصيلة" من الشاء، من البطن السابع، إذا كان جديًا ذبح فأكله الرجال دون النساء. وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم. وإن جاءت بذكر وأنثى قيل: "وصلت أخاها فمنعته الذبح" = و "الحام" ، كان الفحل إذا ركب من بني بنيه عشرة، أو ولد ولده، قيل: "حام حمى ظهره" ، فلم يزَمَّ ولم يخطم ولم يركب. 12839- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، فالبحيرة من الإبل، كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن، إن كان الخامس سقبًا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم، وكانت أمه من عُرْض الإبل. وإن كانت رُبَعة استحيوها، (2) وشقوا أذن أمِّها، وجزّوا وبرها، وخلوها في البطحاء، فلم تجُزْ لهم في دية، ولم يحلبوا لها لبنًا، ولم يجزّوا لها وبرًا، ولم يحملوا على ظهرها، وهي من الأنعام التي حرمت ظهورها = وأما "السائبة" ، فهو الرجل يسيِّب من ماله ما شاء على وجه الشكر إن كثر ماله أو برأ من وَجع، أو ركب ناقة فأنجح، فإنه يسمي "السائبة" (3) يرسلها فلا يعرض لها أحدٌ من العرب إلا أصابته عقوبة في الدنيا = وأما "الوصيلة" ، فمن الغنم، هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة، فكان آخر ذلك جديًا، ذبحوه وأهدوه لبيت الآلهة، وإن كانت عناقًا استحيوها، (4) وإن كانت جديًا وعناقًا استحيوا الجدي من أجل العَناق، فإنها وصيلة وصلت (1) في المطبوعة والمخطوطة: "فلا تمتنع" ، والصواب ما أثبت. (2) "الربع" (بضم الراء وفتح الباء) : الفصيل الذي ينتح في الربيع، وهو أول النتاح، والأنثى "ربعة" . (3) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "يسمى السائبة" ، وأرجح أن الصواب: "يسيب السائبة" ، (4) "العناق" (بفتح العين) : الأنثى من ولد المعز. أخاها = وأما "الحام" ، فالفحل يضرب في الإبل عشرَ سنين = ويقال: إذا ضرب ولد ولده = قيل: "قد حمى ظهره" ، فيتركونه لا يمسُّ ولا ينحرُ أبدًا، ولا يمنع من كلأ يريده، وهو من الأنعام التي حُرِّمت ظهورها. 12840 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب في قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، قال: "البحيرة" من الإبل، التي يمنح درّها للطواغيت (1) = و "السائبة" من الإبل، كانوا يسيِّبونها لطواغيتهم = و "الوصيلة" ، من الإبل، كانت الناقة تبتكر بأنثى، ثم تثنى بأنثى، (2) فيسمونها "الوصيلة" ، يقولون: "وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر" ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم = أو: يذبحونها، الشك من أبي جعفر= و "الحام" ، الفحل من الإبل، كان يضربُ. الضرابَ المعدودة. (3) فإذا بلغ ذلك قالوا: "هذا حام، قد حمى ظهره" ، فترك، فسموه "الحام" = قال معمر قال قتادة، إذا ضرب عشرة. 12841- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: "البحيرة" من الإبل، كانت الناقة إذا نُتِجت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكرًا، (4) كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى، بتكوا آذانها ثم أرسلوها، فلم ينحروا لها ولدًا، ولم يشربوا لها لبنًا، ولم يركبوا لها ظهرًا = وأما "السائبة" ، فإنهم كانوا يسيِّبون بعض إبلهم، فلا تُمنع حوضًا أن تشرع فيه، ولا مرعًى أن ترتع فيه = "والوصيلة" ، الشاة كانت إذا (1) في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع" بالعين، وصوابه بالحاء. (2) في المطبوعة: "تبكر" ، والصواب من المخطوطة. ويقال: "ابتكرت الحامل" ، إذا ولدت بكرها، و "أثنت" في الثاني، و "ثلثت" في الثالث. (3) في المطبوعة: "المعدود" بغير تاء في آخره، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. (4) في المطبوعة: "فإن كان الخامس" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرًا، ذبح وأكله الرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت. 12842 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سلمان، عن الضحاك: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، أما "البحيرة" فكانت الناقة إذا نَتَجُوها خمسة أبطن نحروا الخامس إن كان سقبًا، وإن كان رُبَعة شقُّوا أُذنها واستحيوها، وهي "بحيرة" ، وأما السَّقب فلا يأكل نساؤهم منه، وهو خالص لرجالهم، فإن ماتت الناقة أو نَتَجوها ميْتًا، فرجالهم ونساؤهم فيه سواءٌ، يأكلون منه = وأما "السائبة" ، فكان يسيِّب الرجل من ماله من الأنعام، فيُهْمَل في الحمى، فلا ينتفع بظهره ولا بولده ولا بلبنه ولا بشعره ولا بصوفه = وأما "الوصيلة" ، فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحُوا السابع إذا كان جديًا، وإن كان عناقًا استحيوه، وإن كان جديًا وعناقًا استحيوهما كليهما، وقالوا: "إن الجدي وصلته أخته، فحرَّمته علينا" = وأما "الحامي" ، فالفحل إذا ركبوا أولاد ولده قالوا: "قد حمى هذا ظهره، وأحرزه أولاد ولده" ، (1) فلا يركبونه، ولا يمنعونه من حِمى شجر، ولا حوض مَا شرع فيه، وإن لم يكن الحوض لصاحبه. وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها في شيء من شأنهم: لا إن ركبوا، ولا إن حملوا، ولا إن حلبوا، ولا إن نتجوا، ولا إن باعوا. ففي ذلك أنزل الله تعالى ذكره: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة" ، إلى قوله: "وأكثرهم لا يعقلون" . 12843 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، قال: هذا شيء كان يعمل به أهل الجاهلية، (2) وقد ذهب. قال: "البحيرة" ، كان الرجل (1) في المطبوعة: "وأحرز أولاد ولده" ، صوابه من المخطوطة. "أحرزه" : صانه وحفظه ووقاه. (2) في المطبوعة: "كانت تعمل به" ، وأثبت ما في المخطوطة. يجدع أذني ناقته، ثم يعتقها كما يعتق جاريته وغلامه، لا تحلب ولا تركب = و "السائبة" ، يسيبها بغير تجديع = و "الحام" إذا نتج له سبع إناث متواليات، قد حمي ظهره، ولا يركب، ولا يعمل عليه = و "الوصيلة" ، من الغنم: إذا ولدت سبع إناث متواليات، حمت لحمها أن يؤكل. 12844- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا عبد الله بن يوسف قال، حدثنا الليث بن سعد قال، حدثني ابن الهاد، عن ابن شهاب قال، قال سعيد بن المسيب: "السائبة" التي كانت تسيَّب فلا يحمل عليها شيء = و "البحيرة" ، التي يمنح دَرُّها للطواغيت فلا يحلبها أحد (1) = و "الوصيلة" ، الناقة البكر تبتكر أوّل نتاج الإبل بأنثى، (2) ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسمُّونها للطواغيت، يدعونها "الوصيلة" ، أنْ وصلت أخواتها إحداهما بالأخرى (3) = "والحامي" ، فحل الإبل، يضرب العَشْر من الإبل. فإذا نقضَ ضِرابه (4) يدعونه للطواغيت، وأعفوه من الحمل فلم يحملوا عليه شيئًا، وسموه "الحامي" . * * * قال أبو جعفر: وهذه أمور كانت في الجاهلية فأبطلها الإسلام، فلا نعرف قومًا يعملون بها اليوم. (1) في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع درها" ، والصواب ما أثبت. (2) في المطبوعة والمخطوطة هنا "تبكر" ، وانظر ما سلف ص: 131 تعليق2. (3) حذف في المطبوعة: "أخواتها" ، ولا ضرورة لحذفها، فالكلام مستقيم. (4) في المطبوعة والمخطوطة: "نقص ضرابه" ، وهو لا معنى له، والصواب: "نفض" بالنون والفاء والضاد. يقال "نفضت الإبل وأنفضت" : نتجت كلها. قال ذو الرمة: كِلاَ كَفْأَتَيهْا تُنْفِضَانِ، وَلَمْ يَجِدْ ... لَهَا ثِيلَ سَقْبٍ في النِّتَاجَيْنِ لاَ مِسُ يعني: أن كل واحد من الكفأتين (يعني النتاجين) تلقى ما في بطنها من أجنتها، فتوجد إناثًا ليس فيها ذكر. وقوله: "نفض ضرابه" ، لم تذكر كتب اللغة هذه العبارة، ولكن هذا هو تفسيرها: أن تلد النوق التي ضربها إناثًا متتابعات ليس بينهن ذكر، كما سلف في الآثار التي رواها أبو جعفر. فإذا كان ذلك كذلك= وكانَ ما كانت الجاهلية تعمل به لا يوصل إلى علمه (1) = إذ لم يكن له في الإسلام اليوم أثر، ولا في الشرك، نعرفه = إلا بخبر، (2) وكانت الأخبار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلافَ الذي ذكرنا، فالصواب من القول في ذلك أن يقال: أما معاني هذه الأسماء، فما بيّنا في ابتداء القول في تأويل هذه الآية، وأما كيفية عمل القوم في ذلك، فما لا علم لنا به. وقد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا، وغير ضائرٍ الجهلُ بذلك إذا كان المرادُ من علمه المحتاجُ إليه، موصلا إلى حقيقته، (3) وهو أن القوم كانوا يحرِّمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله، (4) اتباعًا منهم خطوات الشيطان، فوبَّخهم الله تعالى ذكره بذلك، وأخبرهم أن كل ذلك حلال. فالحرام من كل شيء عندنا ما حرَّم الله تعالى ذكره ورسوله صلى الله عليه وسلم، بنصٍّ أو دليل، والحلال منه ما حلله الله ورسوله كذلك. (5) * * * القول في تأويل قوله: {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيّ ب "الذين كفروا" في هذا الموضع، والمراد بقوله: "وأكثرهم لا يعقلون" . فقال بعضهم: المعنيّ ب "الذين كفروا" اليهود، وب "الذين لا يعقلون" ، أهل الأوثان. (1) كان في المطبوعة: "لا توصل إلى عمله" ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. (2) السياق: "لا يوصل إلى عمله. . . إلا بخبر" . (3) في المطبوعة: "موصلا إلى حقيقته" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب المعنى. (4) في المطبوعة: "كانوا محرمين من أنعامهم" ، والجيد من المخطوطة. (5) في المطبوعة: "ما أحله الله" ، وأثبت ما في المخطوطة. * ذكر من قال ذلك: 12845 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن دواد بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى: "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب" ، قال: أهل الكتاب = "وأكثرهم لا يعقلون" ، قال: أهل الأوثان. (1) * * * وقال آخرون: بل هم أهل ملّة واحدة، ولكن "المفترين" ، المتبوعون و "الذين لا يعقلون" ، الأتباع. * ذكر من قال ذلك: 12846 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا خارجة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون" ، هم الأتباع = وأما "الذين افتروا" ، فعقلوا أنهم افتروا. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن المعنيين بقوله: "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب" ، الذين بحروا البحائر، وسيَّبوا السوائب، ووصلوا الوصائل، وحموا الحوامي، مثل عمرو بن لحي وأشكاله ممن سنّ لأهل الشرك السنن الرديئة، وغيَّر دين الله دين الحق، (3) وأضافوا إلى الله تعالى ذكره: أنه هو الذي حرّم ما حرّموا، وأحلَّ ما أحلوا، افتراءً على الله الكذب وهم يعلمون، واختلاقًا عليه الإفك وهم يفهمون، (4) فكذبهم الله تعالى ذكره في (1) الأثر: 12845 - "محمد بن أبي موسى" ، مضى برقم: 10556. (2) في المطبوعة: "يعقلون أنهم افتروا" ، وأثبت ما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: "ممن سنوا لأهل الشرك،. . . وغيروا" بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض، لا يرده أنه قال بعده "وأضافوا" بالجمع. (4) في المطبوعة: "وهم يعمهون" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب. قيلهم ذلك، وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا، فقال تعالى ذكره: ما جعلت من بحيرة ولا سائبة، ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك، ويفترون على الله الكذب. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (583) صــ 136 إلى صــ 145 = (1) وأن يقال، إن المعنيين بقوله: "وأكثرهم لا يعقلون" ، هم أتباع من سنّ لهم هذه السنن من جهلة المشركين، فهم لا شك أنهم أكثر من الذين لهم سنوا ذلك لهم، فوصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون، لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن وأخبروهم أنها من عند الله، كذبةٌ في إخبارهم، أفَكَةٌ، بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقُّون، وفي إخبارهم صادقون. وإنما معنى الكلام: وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرَّمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الله تعالى ذكره كذب وباطل. (2) وهذا القول الذي قلنا في ذلك، نظير قول الشعبي الذي ذكرنا قبلُ. (3) ولا معنى لقول من قال: "عني بالذي كفروا أهل الكتاب" ، وذلك أن النكير في ابتداء الآية من الله تعالى ذكره على مشركي العرب، فالختم بهم أولى من غيرهم، إذ لم يكن عرض في الكلام ما يُصرف من أجله عنهم إلى غيرهم. * * * وبنحو ذلك كان يقول قتادة: 12847 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وأكثرهم لا يعقلون" ، يقول: تحريمُ الشيطان الذي حرّم عليهم، (4) إنما كان من الشيطان، ولا يعقلون. * * * (1) قوله: "وأن يقال" ، معطوف على قوله في أول الفقرة: "وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال. . ." . (2) انظر تفسير "افترى" فيما سلف 6: 292/8: 451. (3) في المطبوعة، أسقط "قبل" ، لسوء كتابتهافي المخطوطة. (4) في المطبوعة: "يقول: لا يعقلون تحريم الشيطان الذي يحرم عليهم" ، زاد وغير، فأفسد الجملة إفسادًا، وهو يظن أنه يصلحها. القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (104) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يبحرون البحائر ويسيِّبون السوائب؟ الذين لا يعقلون أنهم بإضافتهم تحريم ذلك إلى الله تعالى ذكره يفترون على الله الكذب: تعالوا إلى تنزيل الله وآي كتابه وإلى رسوله، ليتبين لكم كذبُ قيلكم فيم تضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريمكم ما تحرِّمون من هذه الأشياء (1) = أجابوا من دعاهم إلى ذلك بأن يقولوا: حسبنا ما وجدنا عليه من قبلنا آباءَنا يعملون به، ويقولون: "نحن لهم تبع وهم لنا أئمة وقادة، وقد اكتفينا بما أخذنا عنهم، ورضينا بما كانوا عليه من تحريم وتحليل" . (2) قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أوَ لو كان آباء هؤلاء القائلين هذه المقالة لا يعلمون شيئًا؟ يقول: لم يكونوا يعلمون أنّ ما يضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، كذبٌ وفريةٌ على الله، لا حقيقة لذلك ولا صحة، لأنهم كانوا أتباع المفترين الذين ابتدءوا تحريم ذلك، افتراءً على الله بقيلهم ما كانوا يقولون من إضافتهم إلى الله تعالى ذكره ما يضيفون = ولا كانوا فيما هم به عاملون من ذلك على استقامة وصواب، (3) بل كانوا على ضلالة وخطأ. * * * (1) انظر تفسير "تعالوا" فيما سلف 6: 474، 483، 485/8: 513. (2) انظر تفسير "حسب" فيما سلف 4: 244/7: 405. (3) في المطبوعة: "ما كانوا فيما هم به عاملون" ، وفي المخطوطة: "كانوا" بغير "ما" ، والسياق يقتضي ما أثبت، لأنه معطوف على قوله آنفاً: "يقول: لم يكونوا يعلمون. . ." القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم فأصلحوها، واعملوا في خلاصها من عقاب الله تعالى ذكره، وانظروا لها فيما يقرِّبها من ربها، فإنه "لا يضركم من ضَلّ" ، يقول: لا يضركم من كفر وسلك غير سبيل الحق، إذا أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم، وأطعتموه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فحرمتم حرامه وحللتم حلاله. * * * ونصب قوله: "أنفسكم" بالإغراء، والعرب تغري من الصفات ب "عليك" و "عندك" ، و "دونك" ، و "إليك" . (1) واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم معناه: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" ، إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يُقبل منكم. * ذكر من قال ذلك: 12848 - حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن: أن هذه الآية قرئت على ابن مسعود: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَلّ إذا اهتديتم" ، فقال ابن مسعود: "ليس هذا بزمانها، قولوها ما قُبلت منكم، فإذا رُدّت عليكم فعليكم أنفسكم" . (2) (1) "الصفات" حروف الجر، والظروف، كما هو بين من سياقها. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 322، 323. (2) الأثر: 12848 - "سوار بن عبد الله بن سوار العنبري" ، القاضي، شيخ الطبري. ثقة، مترجم في التهذيب. وأبوه: "عبد الله بن سوار العنبري" القاضي، ثقة. مترجم في التهذيب. و "أبو الأشهب" هو: "جعفر بن حيان السعدي العطاردي" ، ثقة، روي له الستة، مضى برقم: 11408. وسيأتي تخريج الأثر في التعليق على رقم: 12850. 12849 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: ذكر عند ابن مسعود (1) "يا أيها الذين آمنوا" ، ثم ذكر نحوه. 12850- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن قال: قال رجل لابن مسعود: ألم يقل الله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَلّ إذا اهتديتم" ؟ قال: ليس هذا بزمانها، قولوها ما قُبلت منكم، فإذا رُدَّت عليكم فعليكم أنفسكم. (2) 12851 - حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا شبابة بن سوار قال، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه، فإن الله تعالى ذكره يقول: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ؟ فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا فليبلِّغ الشاهد الغائبَ" ، فكنَّا نحن الشهودَ وأنتم الغَيَب، (3) ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم. (4) (1) في المطبوعة: "ذكر ابن مسعود" ، بإسقاط "عند" ، والصواب من المخطوطة. (2) في الأثر: 12848 - 12850 - خبر الحسن، عن ابن مسعود، خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 19، وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الحسن البصري لم يسمع من ابن مسعود" . (3) "الغيب" (بفتح الغين والياء) جمع "غائب" ، مثل "خادم" و "خدم" . (4) الأثر: 12851 - "الحسن بن عرفة العبدي البغدادي" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 9373. و "شبابة بن سوار الفزازي" ، مضى برقم: 37، 6701، 10051. و "الربيع بن صبيح السعدي" ، مضى برقم: 6403، 6404، 10533. و "سفيان بن عقال" ، مترجم في الكبير2/2/94، وابن أبي حاتم 2/1/219، وكلاهما قال: "روي عن ابن عمر، روى عنه الربيع" ، ولم يزيدا. وخرجه في الدر المنثور 2: 340، وزاد نسبته لابن مردويه. 12852 - حدثنا أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي قال، حدثنا قتادة، عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قومٌ من المسلمين جلوس، فقرأ أحدهم هذه الآية: "عليكم أنفسكم" ، فقال أكثرهم: لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم. (1) 12853- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عمرو بن عاصم قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي مازن، بنحوه. (2) 12854 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا حدثنا عوف، عن سوّار بن شبيب قال، كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جليدٌ في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، (3) وكلهم مجتهد لا يألو، وكلهم بغيضٌ إليه أن يأتي دناءةً، (4) وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك! فقال رجل من القوم: وأيَّ دناءة تريد، أكثرَ من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك! (5) قال: فقال الرجل: إني لستُ إيّاك أسأل، أنا أسأل الشيخ! فأعاد على عبد الله (1) الأثر: 12852، 12853 - "أبو مازن الأزدي الحداني" ، كان من صلحاء الأزد، قدم المدينة في زمن عثمان رضي الله عنه. روى قتادة، عن صاحب له، عنه. هكذا قال ابن أبي حاتم 4/2/44. ولم يرد في هذين الإسنادين ذكر "الرجل" الذي روى عنه قتادة، كما قال أبو حاتم. وسيأتي في الإسناد رقم: 12856 "عن قتادة، عن رجل قال: كنت في خلافة عثمان بالمدينة" ، فهذا "الرجل" هو "أبو مازن" ، ولا شك. ثم يأتي في رقم: 12857 "عن قتادة، حدثنا أبو مازن، رجل من صالحي الأزد، من بني الحدان" ، فصرح قتادة في هذا الخبر بالتحديث عنه، ليس بينهما "رجل" كما قال أبو حاتم. فأخشى أن يكون في كلام أبي حاتم خطأ. وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 340، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ. (2) الأثر: 12852، 12853 - "أبو مازن الأزدي الحداني" ، كان من صلحاء الأزد، قدم المدينة في زمن عثمان رضي الله عنه. روى قتادة، عن صاحب له، عنه. هكذا قال ابن أبي حاتم 4/2/44. ولم يرد في هذين الإسنادين ذكر "الرجل" الذي روى عنه قتادة، كما قال أبو حاتم. وسيأتي في الإسناد رقم: 12856 "عن قتادة، عن رجل قال: كنت في خلافة عثمان بالمدينة" ، فهذا "الرجل" هو "أبو مازن" ، ولا شك. ثم يأتي في رقم: 12857 "عن قتادة، حدثنا أبو مازن، رجل من صالحي الأزد، من بني الحدان" ، فصرح قتادة في هذا الخبر بالتحديث عنه، ليس بينهما "رجل" كما قال أبو حاتم. فأخشى أن يكون في كلام أبي حاتم خطأ. وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 340، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ. (3) في المطبوعة: "قد قرأوا" بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب. (4) في ابن كثير 3: 259، رواه عن هذا الموضع من التفسير، وزاد فيه هنا: ". . . أن يأتي دناءة، إلا الخير" ، وليست في مخطوطتنا. (5) في المطبوعة: "وأي دناءة تزيد" ، وصواب قراءتها ما أثبت. الحديث، فقال عبد الله بن عمر: لعلك ترى لا أبا لك، إني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم! (1) عظهم وانههم، فإن عصوك فعليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون" . (2) 12855- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن: أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، قال: إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، (3) ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانٌ تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا = أو قال: فلا يقبل منكم = فحينئذ: عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضلّ ". (4) " 12856- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن رجل قال: كنت في خلافة عثمان بالمدينة، في حلقة فيهم أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيهم شيخ يُسْنِدون إليه، (5) فقرأ رجل: "عليكم" (1) في المطبوعة، وابن كثير: "فتقتلهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب قديم. (2) الأثر: 12854 - "سوار بن شبيب السعدي الأعرجي" ، و "بنو الأعرج" ، حي من بني سعد. و "الأعرج" هو "الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم" ، قطعت رجله يوم "تياس" ، فسمي "الأعرج" . وهو ثقة، كوفي، روى عن ابن عمر، روى عنه عوف، وعكرمة بن عمار. مترجم في الكبير 2/2/168، وابن أبي حاتم 2/1/270. وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره 3: 259، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 341، واقتصر على نسبته إلى ابن مردويه. (3) قوله: "إنها اليوم مقبولة" ، يعني: كلمة الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (4) الأثر: 12855 - انظر التعليق على الآثار: 12848 - 12850. وكان في المطبوعة هنا: ". . . من ضل إذا اهتديتم" ، بالزيادة، وأثبت ما في المخطوطة. (5) قوله: "يسندون إليه" أي: ينتهون إلى عمله ومعرفته وفقهه، ويلجئون إليه في فهم ما يشكل عليهم. ويقال: "أسندت إليه أمري" ، أي: وكلته إليه، واعتمدت عليه. وقال الفرزدق: إلَى الأَبْرَشِ الكَلْبِيّ أَسْنَدْتُ حَاجَةً ... تَوَاكَلَها حَيًّا تَمِيمٍ ووَائِلِ وهذا كله مما ينبغي تقييده في كتب اللغة، فهو فيها غير بين. أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، فقال الشيخ: إنما تأويلها آخرَ الزمان." 12857- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا أبو مازن، رجل من صالحي الأزد من بني الحُدَّان، (1) قال: انطلقت في حياة عثمان إلى المدينة، فقعدت إلى حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، (2) فقرأ رجل من القوم هذه الآية "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، قال فقالَ رجلٌ من أسنِّ القوم: دَعْ هذه الآية، فإنما تأويلها في آخر الزمان. (3) 12858 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا ابن فضالة، عن معاوية بن صالح، عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّي لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ؟ فأقبلوا عليَّ بلسان واحد وقالوا: أتنتزِع بآية من القرآن لا تعرفها، (4) ولا تدري ما تأويلها!! حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت. ثم أقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: "إنك غلام" (1) في المطبوعة: "بني الجدان" بالجيم، وهو خطأ. (2) في المطبوعة: "فيها أصحاب رسول الله:، وفي المخطوطة:" فيها من أصحاب رسول الله "، فضرب بالقلم على" فيها "فأثبتها على الصواب." (3) الأثران: 12856، 12857 - انظر التعليق على الأثرين السالفين رقم: 12852، 12853. (4) في المطبوعة: "تنزع بآية من القرآن" ، غير ما في المخطوطة، وما غيره صواب. ولكن يقال: "انتزع معنى جيدًا، ونزعه" ، أي: استخرجه واستنبطه ويقال: "انتزع بالآية والشعر" ، أي: تمثل به. حدَثُ السن، وإنك نزعت بآية لا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان، إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوًى متبعًا وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرك من ضل إذا اهتديت. (1) 12859 - حدثنا هناد قال، حدثنا ليث بن هارون قال، حدثنا إسحاق الرازي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن عبد الله بن مسعود في قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم تعملون" ، قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا، فكان بين رجلين ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرُهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ! قال: فسمعها ابن مسعود فقال: مَهْ، (2) لَمَّا يجئ تأويل هذه بعد! (3) إن القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آيٌ قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه ما وقع تأويلهن (1) الأثر: 12858 - "ابن فضالة" هو: "مبارك بن فضالة بن أبي أمية" ، أبو فضالة البصري. وفي تفسير ابن كثير: "حدثنا أبو فضالة" ، ومضى برقم: 154، 597، 611، 1901. و "معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي" ، أحد الأعلام، مضى مرارًا منها: 186، 187، 2072، 8472، 11255، ولم تذكر لمعاوية بن صالح، رواية عن جبير بن نفير، بل روى عنه ابنه عبد الرحمن بن جبير. و "جبير بن نفير" إسلامي جاهلي، مضى برقم: 6656، 7009. وهذا الخبر منقطع الإسناد، ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 260، والسيوطي في الدر المنثور 2: 340، ولم ينسبه لغير ابن جرير. (2) "مه" ، هكذا في المطبوعة، وابن كثير، والدر المنثور و "مه" كلمة زجر بمعنى: كف عن هذا. وفي المخطوطة مكانها: "مهل" ، وأخشى أن تكون خطأ من الناسخ، ولو كتب "مهلا" ، لكان صوابًا، يقال: "مهلا يا فلان" أي: رفقًا وسكونًا، لا تعجل. (3) في المطبوعة: "لم يجئ" ، ومثلها في ابن كثير والدر المنثور، وأثبت ما في المخطوطة. على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنه آيٌ وَقع تأويلهن بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم بيسير، (1) ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهنّ عند الساعة على ما ذكر من الساعة، (2) ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار، (3) فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تُلبَسوا شيعًا، ولم يَذُق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وأُلبستم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية. (4) 12860- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن ابن مسعود: أنه كان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، ثم ذكر نحوه. (5) 12861- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا حرمي قال: سمعت الحسن يقول: تأوّل بعضُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، فقال بعض (1) في المطبوعة: "آي قد وقع" بالزيادة، وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة: "على ما ذكر من أمر الساعة" ، بزيادة "أمر" ، وفي المخطوطة أسقط الناسخ "على" ، وإثباتها هو الصواب. (3) في المطبوعة: "من أمر الحساب" بالزيادة، وأثبت ما في المخطوطة. (4) الأثر: 12859 - "ليث بن هرون" ، لم أجد له ترجمة ولا ذكرًا. و "إسحق الرازي" ، هو: "إسحق بن سليمان الرازي" ، مضى برقم: 6456، 102338، 11240. وانظر الإسناد الآتي رقم: 12866. وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره 3: 258، 259، والسيوطي في الدر المنثور 2: 339، 340، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، ونعيم بن حماد في الفتن، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب. وسيأتي بإسناد آخر في الذي يليه. (5) الأثر: 12860 - انظر الأثر السالف. أصحابه: دعوا هذه الآية، فليست لكم. (1) 12862 - حدثني إسماعيل بن إسرائيل اللآل الرّملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، عن عمرو بن جارية اللخمي، عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني عن هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" ، فقال: لقد سألت عنها خبيرًا، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبا ثعلبة، ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت دنيا مؤثَرة، وشحًّا مطاعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك نفسك! إنّ من بعدكم أيام الصبر، (2) للمتمسك يومئذ بمثل الذي أنتم عليه كأجر خمسين عاملا! قالوا: يا رسول الله، كأجر خمسين عاملا منهم؟ قال: لا كأجر خمسين عاملا منكم. (3) (1) الأثر: 12861 - هذا إسناد ناقص لا شك في ذلك. "أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي" ، أبو الأشعث. روى عنه البخاري والترمذي والنسائي، وغيرهم. صالح الحديث. ولد في نحو سنة 156، وتوفي سنة 253. و "حرمي بن عمارة بن أبي حفصة العتكي" ، مضى برقم: 8513. ومات سنة 201، ومحال أن يكون أدرك الحسن وسمع منه. فإن "الحسن البصري" مات في نحو سنة 110 فالإسناد مختل، ولذلك وضعت بينه وبين الحسن نقطًا، دلالة على نقص الإسناد. (2) في المطبوعة: "أرى من بعدكم" ، والصواب من المخطوطة. وفي المخطوطة: "المتمسك" بغير لام الجر، وكأن الصواب ما في المطبوعة. (3) الأثر: 12862 - سيأتي بإسناد آخر في الذي يليه. "إسمعيل بن إسرائيل اللآل الرملي" ، مضى برقم: 10236، 12213، وذكرنا هناك أنه في ابن أبي حاتم "السلال" ، ومضى هناك "10236" الدلال "، وجاء هنا" اللآل "، صانع اللؤلؤ وبائعه، ولا نجد ما يرجح واحدة من الثلاث." و "أيوب بن سويد الرملي" ، ثقة متكلم فيه. مضى برقم: 12213. و "عتبة بن أبي حكيم الشعباني الهمداني، ثم الأردني" ، ثقة، ضعفه ابن معين. مضى برقم: 12213. و "عمرو بن جارية اللخمي" ، ثقة، مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة "عمرو بن خالد" وهو خطأ محض. وفي المخطوطة كتب "خالد" ثم جعلها "جارية" ، وهو الصواب. و "أبو أمية الثعباني" اسمه "يحمد" (بضم الياء وكسر الميم) وقيل: اسمه "عبد الله بن أخامر" . ثقة. مترجم في التهذيب. و "أبو ثعلبة الخشني" اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا. صحابي. وسيأتي تخريجه في الذي يليه. 12863- حدثنا علي بن سهل قال، أخبرنا الوليد بن مسلم، عن ابن المبارك وغيره، عن عتبة بن أبي حكيم، [عن عمرو بن جارية اللخمي] ، عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني: كيف نَصنع بهذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ؟ فقال أبو ثعلبة: سألت عنها خبيرًا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوًى متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بِخُوَيصة نفسك، (1) وذَرْ عوامَّهم، فإن وراءكم أيامًا أجر العامل فيها كأجر خمسين منكم. (2) https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (584) صــ 146 إلى صــ 155 وقال آخرون: معنى ذلك أنّ العبد إذا عمل بطاعة الله لم يضره من ضَلَّ بعده وهلك. (1) "خويصة" تصغير "خاصة" . (2) الأثر: 12863 - "عتبة بن أبي حكيم" ، في المخطوطة: "عبدة بن أبي حكيم" ، وهو خطأ ظاهر. وفي المخطوطة والمطبوعة، أسقط: [عن عمرو بن جارية اللخمي] ، فوضعتها بين قوسين. وهذا هو نفسه إسناد الترمذي. وهذا الخبر، رواه الترمذي في كتاب التفسير من طريق سعيد بن يعقوب الطالقاني، عن عبد الله بن المبارك، عن عقبة بن أبي حكيم، بنحو لفظه هنا. ثم قال الترمذي: "قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عتبة = قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال: لا، بل أجر خمسين رجلا منكم" . ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب" . وأخرجه ابن ماجه في سننه رقم: 4014 من طريق هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، عن عتبة بن أبي حكيم، بنحو لفظه. ورواه أبو داود في سننه 4: 174، رقم: 4341، من طريق أبي الربيع سليمان بن داود العتكي، عن ابن المبارك، بمثله. وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 258، والسيوطي في الدر المنثور 2: 339، وزاد نسبته إلى البغوي في معجمه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، والحاكم في المستدرك وصححه. * ذكر من قال ذلك: 12864 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَ" ، يقول: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته من الحلال والحرام، فلا يضره من ضل بعدُ، إذا عمل بما أمرته به. 12865 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، يقول: أطيعوا أمري، واحفظوا وصيَّتي. 12866 - حدثنا هناد قال، حدثنا ليث بن هارون قال، حدثنا إسحاق الرازي، عن أبي جعفر الرازي، عن صفوان بن الجون قال: دخل عليه شابّ من أصحاب الأهواء، فذكر شيئًا من أمره، فقال صفوان: ألا أدلك على خاصة الله التي خصَّ بها أولياءه؟ "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل" ، الآية. (1) 12867 - حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال، حدثنا أبو المطرف المخزومي قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، ما لم يكن سيف أو سوط. (2) (1) الأثر: 12866 - "ليث بن هرون" ، لم أجده، وانظر الإسناد السالف رقم 12859. و "إسحق" ، هو: "إسحق بن سليمان الرازي" ، وانظر رقم: 12859. وأما "صفوان بن الجون" ، فهو هكذا في المخطوطة أيضًا، ولم أجد له ترجمة. وفي الدر المنثور 2: 341، "عن صفوان بن محرز" ، ونسبه لابن جرير وابن أبي حاتم. و "صفوان بن محرز بن زياد المازني، أو الباهلي" . روى عن ابن عمر، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري. روى عنه جامع بن شداد، وعاصم الأحول، وقتادة. كان من العباد، اتخذ لنفسه سربًا يبكي فيه. مات سنة 74، مترجم في التهذيب. ومضى برقم: 6496. (2) الأثر: 12867 - "عبد الكريم بن أبي عمير" ، مضى برقم: 7578، 11368 و "أبو المطوف المخزومي" ، لم أجد له ذكرًا. 12868- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال، تلا الحسن هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، فقال الحسن: الحمد لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي، إلا وإلى جانبه منافق يكرَه عمله. (1) * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" ، فاعملوا بطاعة الله = "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، فأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر. * ذكر من قال ذلك: 12869 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن سعد البقال، عن سعيد بن المسيب: "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، قال: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، لا يضرك من ضل إذا اهتديت. 12870 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن أبي العميس، عن أبي البختري، عن حذيفة: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، قال: إذا أمرتم ونهيتم. 12871- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال، قال أبو بكر: تقرءون هذه الآية: "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، وإن الناس إذا رأوا الظالم = قال ابن وكيع = فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمّهم الله بعقابه. (2) (1) الأثر: 12868- "ضمرة بن ربيعة الفلسطيني الرملي" ، ثقة، مضى برقم: 7134. وكان في المطبوعة: "مرة بن ربيعة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة. وهذه الكلمة التي قالها الحسن، لو خفيت على الناس قديمًا، فإن مصداقها في زماننا هذا يراه المؤمن عيانًا في حيث يغدو ويروح. (2) الأثر: 12871 - خبر قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر، رواه أبو جعفر بأسانيد، من رقم: 12871 - 12878، موقوفًا على أبي بكر، إلا رقم: 12876، 12878، فرواهما متصلين مرفوعين، وإلا رقم: 12874، فهو مرسل. وأكثر طرق أبي جعفر طرق ضعاف. ورواه من طريق "إسمعيل بن أبي خالد" ، عن قيس بن أبي حازم برقم: 12871، 12873. فمن هذه الطريق رواه أحمد في مسنده رقم: 1، 16، 29، 30، 53، متصلا مرفوعًا. وقال ابن كثير في تفسيره 3: 258: "وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم، من طرق كثيرة، عن جماعة كثيرة، عن إسمعيل بن أبي خالد، به متصلا مرفوعًا. ومنهم من رواه عنه به موقوفًا على الصديق. وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره" . و "إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي" ، ثقة. مضى برقم: 5694، 5777. و "قيس بن أبي حازم الأحمسي" ، ثقة، روى له الستة، روى عن جماعة من الصحابة، وهو متقن الرواية. مترجم في التهذيب. وهذا إسناد صحيح. 12872- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير وابن فضيل، عن بيان، عن قيس قال، قال أبو بكر: إنكم تقرءون هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، وإن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، يعمُّهم الله بعقابه. (1) 12873- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه. 12874 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، يقول: مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قال أبو بكر بن أبي قحافة: يا أيها الناس لا تغترُّوا بقول الله: "عليكم أنفسكم" ، فيقول أحدكم: عليَّ نفسي، والله لتأمرن بالمعروف وتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليَستعملن عليكم شراركم، فليسومنّكم سوء العذاب، ثم ليدعون الله خياركم، فلا يستجيب لهم. (1) الأثر: 12872 - "ابن فضيل" هو: "محمد بن فضيل بن غزوان الضبي" ، مضى مرارًا كثيرة. و "بيان" هو: "بيان بن بشر الأحمسي" ، ثقة، مضى برقم 6501. وقد مضى تخريج الخبر في الذي قبله، وسيأتي من هذه الطريق أيضًا برقم: 12875. وهو إسناد صحيح. 12875- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن فضيل قال، حدثنا بيان، عن قيس بن أبي حازم قال، قال أبو بكر وهو على المنبر: يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية على غير موضعها: "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، وإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، عَمَّهم الله بعقابه. 12876 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني عيسى بن المسيب البجلي قال، حدثنا قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأى الناسُ المنكر فلم يغيِّروه، والظالم فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب. (1) 12877- حدثنا الربيع قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا سعيد بن سالم قال، حدثنا منصور بن دينار، عن عبد الملك بن ميسرة، عن قيس بن أبي حازم قال: صَعد أبو بكر المنبرَ منبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدُّونها رُخصة، والله ما أنزل الله في كتابه أشدَّ منها: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، (1) الأثر: 12876 - "الحارث" هو: "الحارث بن محمد بن أبي أسامة" ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 10553، وترجمته في رقم: 10295. و "عبد العزيز" ، هو: "عبد العزيز بن أبان الأموي" ، مضت ترجمته برقم: 10295، قال ابن معين: "كذاب خبيث، يضع الأحاديث" . و "عيسى بن المسيب البجلي" ، قاضي الكوفة. وكان شابًا ولاه خالد بن عبد الله القسري. ضعيف متكلم فيه، حتى قال ابن حبان: "كان قاضي خراسان، يقلب الأخبار، ولا يفهم، ويخطئ، حتى خرج عن حد الاحتجاج به" . مترجم في ابن أبي حاتم 3/1/288، وميزان الاعتدال 2: 317، وتعجيل المنفعة: 328، ولسان الميزان 4: 405. فهذا إسناد هالك، مع روايته من طرق صحاح عن قيس، عن أبي بكر. أو ليعمنكم الله منه بعقاب. (1) 12878- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا إسحاق بن إدريس قال، حدثنا سعيد بن زيد قال، حدثنا مجالد بن سعيد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر يقول وهو يخطب الناس: يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية ولا تدرون ما هي؟ : "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا منكرًا فلم يغيِّروه، عمّهم الله بعقاب. (2) * * * وقال آخرون: بل معنى هذه الآية: لا يضركم من حاد عن قصد السبيل وكفر بالله من أهل الكتاب. (1) الأثر: 12877 - "أسد بن موسى المرداني" ، "أسد السنة" ، مضى برقم: 23، 2530. و "سعيد بن سالم القداح" ، متكلم فيه، وثقه ابن معين، غير أن ابن حبان قال: "يهم في الأخبار حتى يجيء بها مقلوبة، حتى خرج عن حد الاحتجاج به" . مترجم في التهذيب. و "منصور بن دينار التميمي الضبي" ، ضعفوه. مترجم في الكبير 4/ 1/ 347، وابن أبي حاتم 4/1/171، وميزان الاعتدال 3: 201، وتعجيل المنفعة: 412، ولسان الميزان 6: 95. و "عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد" ، ثقة، من صغار التابعين مضى برقم: 503، 504 فهذا خبر ضعيف الإسناد، مع روايته من طرق صحاح عن قيس، عن أبي بكر. (2) الأثر: 12878 - "محمد بن بشار" ، هو "بندار" ، مضى مئات من المرات. وكان في المطبوعة هنا "محمد بن سيار" ، أساء قراءة المخطوطة. "وإسحق بن إدريس الأسواري البصري" ، منكر الحديث، تركه الناس، قال ابن معين: "كذاب، يضع الحديث" . وقال ابن حبان: "كان يسرق الحديث" . مترجم في الكبير 1/1/382، وابن أبي حاتم 1/1/213، وميزان الاعتدال 1: 86، ولسان الميزان 1: 352. و "سعيد بن زيد بن درهم الجهضمي" ، ثقة، متكلم فيه، حتى ضعفوا حديثه. مضى برقم: 11801. و "مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني" ، قال أحمد: "يرفع حديثًا لا يرفعه الناس" ، وهو ثقة، متكلم فيه. ومضى برقم: 1614، 2987، 2988، 11156. وهذا أيضًا إسناد ضعيف. * ذكر من قال ذلك: 12879 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، قال: يعني من ضلّ من أهل الكتاب. 12880- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، قال: أنزلت في أهل الكتاب. * * * وقال آخرون: عنى بذلك كل من ضل عن دين الله الحق. * ذكر من قال ذلك: 12881 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَل إذا اهتديتم" ، قال: كان الرجل إذا أسلم قالوا له: سفَّهت آباءك وضللتهم، وفعلت وفعلت، وجعلت آباءك كذا وكذا! كان ينبغي لك أن تنصرهم، وتفعل! فقال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" . * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال وأصحّ التأويلات عندنا بتأويل هذه الآية، ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيها، وهو: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" ، الزموا العملَ بطاعة الله وبما أمركم به، وانتهوا عما نهاكم الله عنه = "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، يقول: فإنه لا يضركم ضلال من ضل إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله، (1) وأدَّيتم فيمن ضل من الناس ما ألزمكم (1) في المطبوعة: "إذا أنتم رمتم العمل بطاعة الله" ، وهو لا معنى له، أساء قراءة ما في المخطوطة، لسوء كتابتها. الله به فيه، من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يركبه أو يحاول ركوبه، والأخذ على يديه إذا رام ظلمًا لمسلم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك، ولا ضير عليكم في تماديه في غيِّه وضلاله، إذا أنتم اهتديتم وأديتم حق الله تعالى ذكره فيه. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات في ذلك بالصواب، لأن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يقوموا بالقسط، ويتعاونوا على البر والتقوى. ومن القيام بالقسط، الأخذ على يد الظالم. ومن التعاون على البر والتقوى، الأمر بالمعروف. وهذا مع ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو كان للناس تركُ ذلك، لم يكن للأمر به معنًى، إلا في الحال التي رخَّص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تركَ ذلك، وهي حال العجز عن القيام به بالجوارح الظاهرة، فيكون مرخصًا له تركه، إذا قام حينئذ بأداء فرض الله عليه في ذلك بقلبه. وإذا كان ما وصفنا من التأويل بالآية أولى، فبيِّنٌ أنه قد دخل في معنى قوله: "إذا اهتديتم" ، ما قاله حذيفة وسعيد بن المسيب من أن ذلك: "إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر" ، ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. * * * القول في تأويل قوله: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين من عباده: اعملوا، أيها المؤمنون، بما أمرتكم به، وانتهوا عما نهيتكم عنه، ومروا أهل الزَّيغ والضلال وما حاد عن سبيلي بالمعروف، وانهوهم عن المنكر. فإن قبلوا، فلهم ولكم، وإن تمادَوْا في غيهم وضلالهم، فإن إليّ مرجع جميعكم ومصيركم في الآخرة ومصيرهم، (1) وأنا العالم بما يعمل جميعكم من خير وشر، فأخبر هناك كلَّ فريق منكم بما كان يعمله في الدنيا، (2) ثم أجازيه على عمله الذي قَدِم به عليّ جزاءه حسب استحقاقه، فإنه لا يخفى عليَّ عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى. * * * القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: "يا أيها الذين آمنوا شهادةُ بينكم" ، يقول: ليشهد بينكم = "إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية" ، يقول: وقت الوصية= "اثنان ذوا عدل منكم" ، يقول: ذوا رشد وعقل وحِجًى من المسلمين، (3) كما:- 12882 - حدثنا محمد بن بشار وعبيد الله بن يوسف الجبيري قالا حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [سورة الطلاق: 2] ، قال: ذَوَي عقل. (4) واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ذوا عدل منكم" . فقال بعضهم: عنى به: من أهل ملتكم. (1) انظر تفسير "المرجع" فيما سلف 6: 464/10: 391، تعليق: 2. (2) انظر تفسير "أنبأ" فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) . (3) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة. (4) الأثر: 12882 - "عبيد الله بن يوسف الجبيري" ، "أبو حفص البصري" ، شيخ الطبري، ثقة. روي له ابن ماجه. مترجم في التهذيب. وفي المخطوطة: "عبد الله بن يوسف" ، وهو خطأ. ومضى في رقم: 109، ولم يترجم هناك. وهذا الخبر في تفسير الآية الثانية من "سورة الطلاق" ، ولم يذكره أبو جعفر هناك في تفسير الآية. فهذا من ضروب اختصاره تفسيره. * ذكر من قال ذلك: 12883 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: شاهدان "ذوا عدل منكم" ، من المسلمين. 12884 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، من المسلمين. 12885- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، قال: اثنان من أهل دينكم. 12886 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: سألته، عن قول الله تعالى ذكره: "اثنان ذوا عدل منكم" ، قال: من الملة. 12887- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، بمثله = إلا أنه قال فيه: من أهل الملة. 12888- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: "اثنان ذوا عدل منكم" ، قال: من أهل الملة. 12889- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، مثله. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (585) صــ 156 إلى صــ 165 12890- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة، فذكر مثله. 12891 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن حماد، عن ابن أبي نجيح = وقال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح = عن مجاهد، مثله. 12892 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ذوا عدل منكم" ، قال: ذوا عدل من أهل الإسلام. 12893 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ذوا عدل منكم" ، قال: من المسلمين. 12894- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان سعيد بن المسيب يقول: "اثنان ذوا عدل منكم" ، أي: من أهل الإسلام. * * * وقال آخرون: عنى بذلك: ذوا عدل من حَيِّ الموصِي. وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدّة غيرهما. * * * واختلفوا في صفة "الاثنين" اللذين ذكرهما الله في هذه الآية، ما هي، وما هما؟ فقال بعضهم: هما شاهدان يشهدان على وصية الموصي. * * * وقال آخرون: هما وصيان. * * * وتأويل الذين زعموا أنهما شاهدان. قولَه: "شهادة بينكم" ، ليشهد شاهدان ذوا عدل منكم على وصيتكم. * * * وتأويل الذين قالوا: "هما وصيان لا شاهدان" قولَه: "شهادة بينكم" ، بمعنى الحضور والشهود لما يوصيهما به المريضُ، من قولك: "شهدت وصية فلان" ، بمعنى حضرته. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بقوله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، تأويلُ من تأوّله بمعنى أنهما من أهل الملة، دون من تأوّله أنهما من حيّ الموصي. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله تعالى ذكره، عم المؤمنين بخطابهم بذلك في قوله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" فغير جائز أن يصرف ما عمَّه الله تعالى ذكره إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها. وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون العائدُ من ذكره على العموم، (2) كما كان ذكرهم ابتداءً على العموم. * * * وأولى المعنيين بقوله: "شهادة بينكم" اليمين، لا "الشهادة" التي يقوم بها مَنْ عنده شهادة لغيره، لمن هي عنده، على مَن هي عليه عند الحكام. (3) لأنا لا نعلم لله تعالى ذكره حكمًا يجب فيه على الشاهد اليمين، فيكون جائزًا صرفُ "الشهادة" في هذا الموضع، إلى "الشهادة" التي يقوم بها بعض الناس عند الحكام والأئمة. (1) انظر تفسير "شهد" فيما سلف من فهارس اللغة، واختلاف معانيها. (2) في المطبوعة: "من ذكرهم" ، وما في المخطوطة صواب محض. (3) كان صدر هذه العبارة في المخطوطة: "شهادة بينكم، لأن الشهادة. . ." ، أسقط لفظ "اليمين" ، وجعل "لا الشهادة" ، "لأن الشهادة" ، وهو فاسد، والذي في المطبوعة هو الصواب المحض إن شاء الله، وهو مطابق لما رواه القرطبي في تفسيره 6: 348، عن أبي جعفر الطبري. وفي حكم الآية في هذه، اليمينَ على ذوي العدل = وعلى من قام مقامهم، باليمين بقوله (1) "تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله" = أوضحُ الدليل على صحة ما قلنا في ذلك، من أن "الشهادة" فيه: الأيمان، دون الشهادة التي يقضَى بها للمشهود له على المشهود عليه = وفسادِ ما خالفه. * * * فإن قال قائل: فهل وجدتَ في حكم الله تعالى ذكره يمينًا تجب على المدَّعي، فتوجه قولك في الشهادة في هذا الموضع إلى الصحة؟ فإن قلتَ: "لا" ، تبين فساد تأويلك ذلك على ما تأوّلت، لأنه يجب على هذا التأويل أن يكون المقسمان في قوله: "فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحقّ من شهادتهما" ، هما المدعيين. وإن قلت: "بلى" ، قيل لك: وفي أيّ حكم لله تعالى ذكره وجدتَ ذلك؟ قيل: وجدنا ذلك في أكثر المعاني. وذلك في حكم الرجل يدَّعي قِبَل رجل مالا فيقرّ به المدّعَى عليه قِبَله ذلك، ويدّعي قضاءه. فيكون القول قول ربّ الدين = (2) والرجل يعرّف في يد الرجل السلعةَ، فيزعم المعرّف في يده أنه اشتراها من المدّعِي، أو أنّ المدعي وهبها له، وما أشبه ذلك مما يكثر إحصاؤه. وعلى هذا الوجه أوجبَ الله تعالى ذكره في هذا الموضع اليمين على المدعيين اللذين عثرا على الخائنين فيما خانا فيه. (3) (1) في المطبوعة هنا "في اليمين بقوله" غير ما في المخطوطة، وأفسد الكلام. والسياق "وفي حكم الآية. . . باليمين. . . أوضح الدليل. . ." . (2) قوله: "والرجل يعترف" ، معطوف على قوله: "في حكم الرجل. . . ." . وكان في المطبوعة هنا "والرجل يعترف. . . فيزعم المعترفة" ، وهو خطأ، وصوابه ما أثبت كما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: ". . . على الجانبين فيما جنيا فيه" ، وهو لا معنى له هنا. وفي المخطوطة: "على الجانبين فيما صاهما فيه" ، وصواب قراءتها ما أثبت. قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في الرافع قولَه: "شهادة بينكم" ، وقولَه: "اثنان ذوا عدل منكم" . فقال بعض نحويي البصرة: معنى قوله: "شهادة بينكم" ، شهادة اثنين ذوي عدل، ثم ألقيت "الشهادة" ، وأقيم "الاثنان" مقامها، فارتفعا بما كانت "الشهادة" به مرتفعة لو جعلت في الكلام. (1) قال: وذلك = في حذف ما حذف منه، وإقامة ما أقيم مقام المحذوف = نظيرُ قوله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [سورة يوسف: 82] ، وإنما يريد: واسأل أهل القرية، وانتصبت "القرية" بانتصاب "الأهل" ، وقامت مقامه، ثم عطف قوله: "أو آخران" على "الاثنين" . * * * وقال بعض نحويي الكوفة: رفع "الاثنين" ب "الشهادة" ، أي: ليشهدكم اثنان من المسلمين، أو آخران من غيركم. * * * وقال آخر منهم: رفعت "الشهادة" ، ب "إذا حضر" . وقال: إنما رفعت بذلك، لأنه قال: "إذا حضر" فجعلها "شهادة" محذوفة مستأنفة، ليست بالشهادة التي قد رفعت لكل الخلق، لأنه قال تعالى ذكره: "أو آخران من غيركم" ، وهذه شهادة لا تقع إلا في هذا الحال، وليست مما يثبت. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: "الشهادة" مرفوعة بقوله: "إذا حضر" ، لأن قوله: "إذا حضر" ، (1) في المطبوعة والمخطوطة: "بما كانت الشاهدة به مرتفعة" ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه ما أثبت. (2) في المطبوعة: "مما ثبت" ، وأثبت ما في المخطوطة. بمعنى: عند حضور أحدكم الموت، و "الاثنان" مرفوع بالمعنى المتوهَّم، وهو: أن يشهد اثنان = فاكتفي من قيل: "أن يشهد" ، بما قد جرى من ذكر "الشهادة" في قوله: "شهادة بينكم" . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن "الشهادة" مصدر في هذا الموضع، و "الاثنان" اسم، والاسم لا يكون مصدرًا. غير أن العرب قد تضع الأسماء مواضع الأفعال. (1) فالأمر وإن كان كذلك، فصرْفُ كل ذلك إلى أصح وُجوهه ما وجدنا إليه سبيلا أولى بنا من صرفه إلى أضعفها. * * * القول في تأويل قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين: ليشهد بينكم إذا حضر أحدكم الموت، عدلان من المسلمين، أو آخران من غير المسلمين. * * * وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "أو آخران من غيركم" . فقال بعضهم: معناه: أو آخران من غير أهل ملتكم، نحو الذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: 12859 - حدثنا حميد بن مسعدة وبشر بن معاذ قالا (2) حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: "أو آخران من غيركم" ، من أهل الكتاب. (1) "الأفعال" : المصادر. وانظر فهارس المصطلحات فيما سلف. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "يونس بن معاذ" ، وهو خطأ محض. و "بشر بن معاذ" عن يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة "إسناد دائر في أكثر صفحات هذا التفسير." 12896- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت قتادة يحدث، عن سعيد بن المسيب: "أو آخران من غيركم" ، من أهل الكتاب. 12897- حدثني أبو حفص الجبيري، عبيد الله بن يوسف قال، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله. (1) 12898 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد، مثله. 12899- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسليمان التيمي، عن سعيد بن المسيب، أنهما قالا في قوله: "أو آخران من غيركم" ، قالا من غير أهل ملتكم. 12900- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة قال، حدثني من سمع سعيد بن جبير يقول، مثل ذلك. 12901 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا التيمي، عن أبي مجلز قال: من غير أهل ملتكم. 12902 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله. 12903 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: إن كان قُرْبَه أحدٌ من المسلمين أشهدهم، وإلا أشهد رجلين من المشركين. 12904 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير في قوله: "أو آخران من غيركم" ، قالا (1) الأثر: 12897 - "أبو حفص الجبيري" ، "عبيد الله بن يوسف" ، مضى قريبًا رقم: 12882. من غير أهل ملتكم. (1) 12905- حدثنا عمرو قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد: "أو آخران من غيركم" ، قال: من أهل الكتاب. 12906- حدثنا عمرو قال، حدثنا محمد بن سواء قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله. (2) 12907- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله. 12908 - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، من المسلمين، فإن لم تجدوا من المسلمين، فمن غير المسلمين. 12909 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر، عن شريح في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض غُرْبة ولم يجد مسلمًا يشهده على وصيته، فأشهد يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا، فشهادتهم جائزة. (3) فإن جاء رجلان مسلمان فشهدا بخلاف شهادتهما، أجيزت شهادة المسلمين، وأبطلت شهادة الآخرَيْن. (4) (1) الأثر: 12904 - "أبو قتيبة" هو "سلم بن قتيبة الشعيري الفريابي" . مضى برقم: 1899، 1924، 6395، 9714. وكان في المطبوعة: "قتيبة" ، غير كنية، والصواب من المخطوطة. (2) الأثر: 12906 - "عمرو" هو "عمرو بن علي الفلاس" ، مضى مرارًا. و "محمد بن سواء بن عنبر السدوسي العنبري" . صدوق، ثقة، متكلم فيه. مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة: "محمد بن سوار" وهو خطأ، وفي المخطوطة: "محمد بن سوا" ، وأساء الناشر قراءته. (3) في المطبوعة: "فشهادتها" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب، وسيأتي كذلك في رقم: 12974. (4) الأثر: 12909 - في المخطوطة والمطبوعة: "حدثني المثنى" . والصواب ما أثبته، وسيأتي هذا الخبر في موضعين بهذا الإسناد على الصواب، وذلك رقم: 12943، 12974، ولذلك رددته إلى الصواب. 12910 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح: أنه كان لا يجيز شهادة اليهود والنصارى على مسلم إلا في الوصية، ولا يجيز شهادتهما على الوصية إلا إذا كانوا في سفَر. 12911- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهودي والنصرانيّ إلا في سفر، ولا تجوز في سفر إلا في وصية. (1) 12912 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح، نحوه. 12913 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: كتب هشام بن هُبَيرة لمسلمة عن شهادة المشركين على المسلمين، فكتب: "لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلا في وصية، ولا يجوز في وصية إلا أن يكون الرجل مسافرًا" . 12914 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أشهب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: سألته عن قول الله تعالى ذكره: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير الملة. 12915- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، بمثله. 12916- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة، عن ذلك فقال: من غير أهل الملة. 12917- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن هشام، عن ابن (1) في المطبوعة: "اليهود والنصارى" ، وأثبت ما في المخطوطة. سيرين، عن عبيدة قال: من غير أهل الصلاة. 12918- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: من غير أهل دينكم. 12919- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: من غير أهل الملة. 12920- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا أبو حرّة، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير أهل ملتكم. 12921- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال، حدثنا هشام بن محمد قال، سألت سعيد بن جبير عن [قول الله: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير أهل ملتكم] . (1) 12922 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 12923- حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: من غير أهل ملتكم. 12924 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "أو آخران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام. 12925 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، قال أبو إسحاق: "أو آخران من غيركم" ، قال: من اليهود والنصارى = قال (1) الأثر: 12921 - انتهى هذا الأثر في المخطوطة عند قوله: ". . . سعيد بن جبير عن" ووضع الناسخ في المخطوطة حرف (ط) بالأحمر في الهامش، دلالة على الخطأ والشك. أما المطبوعة، فزادت ما وضعته بين القوسين، وهو صواب في المعنى إن شاء الله. قال شريح: لا تجوز شهادة اليهوديّ والنصراني إلا في وصية، ولا تجوز في وصية إلا في سفر. 12926 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا زكريا، عن الشعبي: أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدَقوقَا هذه. (1) قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهده رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة، فأتيا الأشعريّ فأخبراه، وقدِما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعدَ الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأحلفهما وأمضى شهادتهما. (2) 12927 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة الأزرق، عن الشعبي: أن أبا موسى قضى بها بدَقوقَا. 12928 - حدثنا عمرو قال، حدثنا عثمان بن الهيثم قال، حدثنا عوف، عن محمد: أنه كان يقول في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، شاهدان من المسلمين وغير المسلمين. 12929 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "أو آحران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام. 12930- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو حفص، عن ليث، عن مجاهد قال: من غير أهل الإسلام. (1) "دقوقا" و "دقوقاء" ، مقصورًا وممدودًا؛ مدينة بين إربل وبغداد معروفة، لها ذكر في الأخبار والفتوح، كان بها وقعة للخوارج، وكثر ذكرها في بعض أشعار الخوارج. وكان في المطبوعة: ". . . بدقوقا، ولم يجد أحدًا من المسلمين" ، حذف ما أثبته من المخطوطة. وأساء. وظاهر من الخبر أن الشعبي قال هذا، وهو يومئذ بدقوقا. وهو أيضًا ثابت في سنن أبي داود. (2) الأثر: 12926 - رواه أبو داود في سننه 3: 417 رقم: 3605. 12931 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الله بن عياش قال: قال زيد بن أسلم في هذه الآية: "شهادة بينكم" الآية كلها، قال: كان ذلك في رجل تُوُفّيَ وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك في أوّل الإسلام، والأرض حرب، والناس كفار، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة، وكان الناس يتوارثون بالوصية، ثم نُسِخت الوصية وفرضت الفرائض، وعمل المسلمون بها. (1) https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (586) صــ 166 إلى صــ 175 وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو آخران من غير حَيِّكم وعشيرتكم. * ذكر من قال ذلك: 12932 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم قال، حدثنا عوف، عن الحسن في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: شاهدان من قومكم ومن غير قومكم. (2) 12933 - حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري قال: مضت السُّنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر، إنما هي في المسلمين. (3) 12934- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: "اثنان ذوا عدل منكم" ، أي: من عشيرته = "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير عشيرته. (1) الأثر: 12931 - "عبد الله بن عياش بن عباس القتباني" ، "أبو حفص" المصري. مضى برقم: 12177. وكان في المطبوعة: "عبد الله بن عباس" ، وهو خطأ، وهو على الصواب في المخطوطة. (2) الأثر: 12932 - "عثمان بن الهيثم بن الجهم بن عيسى العصري العبدي" ، وهو "الأشج العصري" ثقة. علق عنه البخاري. يروي عن عوف الأعرابي، مترجم في التهذيب. (3) الأثر: 12933 - "صالح بن أبي الأخضر اليمامي" ، خادم الزهري، مضى برقم: 9312. 12935 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن ثابت بن زيد، عن عاصم، عن عكرمة: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير أهل حيِّكم. 12936- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن ثابت بن زيد، عن عاصم، عن عكرمة: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير حيكم. 12937- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا ثابت بن زيد، عن عاصم الأحول، عن عكرمة في قول الله تعالى ذكره: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير أهل حيه = يعني: من المسلمين. 12938- حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك، عن الحسن: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير عشيرتك، ومن غير قومك، كلهم من المسلمين. 12939- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قوله: "أو آخران من غيركم" ، قال: مسلمين من غير حيكم. 12940 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل قال: سألت ابن شهاب عن قول الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" ، إلى قوله: "والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، قلت: أرأيت الاثنين اللذين ذكر الله، من غير أهل المرء الموصي، أهما من المسلمين، أم هما من أهل الكتاب؟ وأرأيت الآخرين اللذين يقومان مقامهما، أتراهما من [غير] أهل المرء الموصي، (1) أم هما من غير (1) الزيادة التي بين القوسين لا بد منها. وفي المخطوطة كما كانت في المطبوعة، إلا أن الناسخ وضع في الهامش علامة الشك، وهي هكذا (1) ، فأثبت الصواب إن شاء الله. المسلمين؟ قال ابن شهاب: لم نسمع في هذه الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أئمة العامة، سنة أذكرها، وقد كنا نتذاكرها أناسًا من علمائنا أحيانًا، فلا يذكرون فيها سُنة معلومة، ولا قضاءً من إمام عادل، ولكنه يختلف فيها رأيهم. وكان أعجبهم فيها رأيًا إلينا، الذين كانوا يقولون: هي فيما بين أهل الميراث من المسلمين، يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه، ويغيب عنه بعضهم، ويشهد من شهده على ما أوصى به لذوي القربى، فيخبرون من غاب عنه منهم بما حضرُوا من وصية. فإن سلّموا جازت وصيته، وإن ارتابوا أن يكونوا بدَّلوا قولَ الميت، وآثروا بالوصية من أرادوا ممن لم يوص لهم الميت بشيء، حَلَف اللذان يشهدان على ذلك بعد الصلاة، وهي صلاة المسلمين، فيقسمان بالله: "إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين" . فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما، ما لم يعثر على أنهما [استحقا إثمًا في شيء من ذلك، فإن عُثر على أنهما استحقا إثمًا في شيء من ذلك] ، (1) قام آخران مقامهما من أهل الميراث، من الخصم الذين ينكرون ما شهد به عليه الأوَّلان المستحلفان أول مرة، فيقسمان بالله لشهادتنا [أحق من شهادتكما] ، (2) على تكذيبكما أو إبطال ما شهدتما به = "وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين" = "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، الآية. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك عندنا بالصواب، تأويل من تأوّله: أو آخران من غير أهل الإسلام. وذلك أن الله تعالى عرَّف عباده المؤمنين عند (1) هذه الجملة التي بين القوسين، ليست في المخطوطة، ووضع في المطبوعة مكانها: "فإن عثر" ، واقتصر على ذلك، واستظهرت الجملة من سياق أبي جعفر. (2) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، استظهرتها من الآية والسياق. الوصية، شهادة اثنين من عدول المؤمنين، أو اثنين من غير المؤمنين. ولا وجه لأن يقال في الكلام صفة شهادة مؤمنين منكم، أو رجلين من غير عشيرتكم، وإنما يقال: صفة شهادة رجلين من عشيرتكم أو من غير عشيرتكم = أو رجلين من المؤمنين أو من غير المؤمنين. فإذ كان لا وجه لذلك في الكلام، فغير جائز صرف معنى كلام الله تعالى ذكره إلا إلى أحسن وجوهه. (1) وقد دللنا قبل على أن قوله تعالى: "ذوا عدل منكم" ، إنما هو من أهل دينكم وملتكم، بما فيه كفاية لمن وفق لفهمه. وإذ صح ذلك بما دللنا عليه، فمعلوم أن معنى قوله: "أو آخران من غيركم" ، إنما هو: أو آخران من غير أهل دينكم وملتكم. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء كان الآخران اللذان من غير أهل ديننا، يهوديين كانا أو نصرانيين أو مجوسيين أو عابدَيْ وثَن، أو على أي دين كانا. لأنّ الله تعالى ذكره لم يخصص آخرين من أهل ملة بعينها دونَ ملة، بعد أن يكونا من [غير] أهل الإسلام. (2) * * * القول في تأويل قوله: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين: صفة شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ وقتَ الوصية، أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم، أيها المؤمنون، أو رجلان آخران من غير أهل ملتكم، إن أنتم سافرتم ذاهبين وراجعين في الأرض. * * * (1) في المطبوعة: "صرف مغلق كلام الله" ، وفي المخطوطة: "معلق" ، وصواب قراءتها "معنى" (2) هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، وإلا فسد الكلام. وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله قيل للمسافر: "الضارب في الأرض" . (1) = "فأصابتكم مصيبة الموت" ، يقول: فنزل بكم الموت. (2) * * * ووجَّه أكثر التأويل هذا الموضع إلى معنى التعقيب دون التخيير، وقالوا: معناه: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية، اثنان ذوا عدل منكم إن وجدا، فإن لم يوجدا فآخران من غيركم = وإنما فعل ذلك من فعله، لأنه وجَّه معنى "الشهادة" في قوله: "شهادة بينكم" ، إلى معنى الشهادة التي توجب للقوم قيامَ صاحبها عند الحاكم، أو يُبطلها. * ذكر بعض من تأول ذلك كذلك: 12941 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: "ذوا عدل منكم" ، من المسلمين. فإن لم تجدوا من المسلمين، فمن غير المسلمين. 12942 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: اثنان من أهل دينكم = "أو آخران من غيركم" ، من أهل الكتاب، إذا كان ببلادٍ لا يجد غيرهم. 12943 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر، عن شريح في هذه الآية: "شهادة بينكم" إلى قوله: "أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض غربة ولم يجد مسلمًا يشهده على وصيته، فأشهد يهوديًّا أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا، فشهادتهم جائزة. (1) انظر تفسير "الضرب في الأرض" فيما سلف 5: 593/7: 332/9: 123. (2) انظر تفسير "الإصابة" فيما سلف 8: 514، 538، 555/10: 393، 404 12944 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" ، قال: هذا في الحضر= "أو آخران من غيركم" ، في السفر = "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، هذا، الرجل يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين، (1) فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس، فيوصي إليهما. 12945 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية، قال: إذا حضر الرجلَ الوفاةُ في سفر، فيشهد رجلين من المسلمين. فإن لم يجد رجلين من المسلمين، فرجلين من أهل الكتاب. 12946 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله: "ذوا عدل منكم" ، فهذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمره الله أن يشهد على وصيته عَدْلين من المسلمين. ثم قال: "أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره الله تعالى ذكره بشهادة رجلين من غير المسلمين. * * * ووجَّه ذلك آخرون إلى معنى التخيير، وقالوا: إنما عنى بالشهادة في هذا الموضع، الأيمان على الوصية التي أوصى إليهما، وائتمانَ الميت إياهما على ما ائتمنهما عليه من مال ليؤدِّياه إلى ورثته بعد وفاته، إن ارتيب بهما. قالوا: وقد (1) في المطبوعة: "هذا الرجل" ، زاد "في" ، وأثبت ما في المخطوطة. وسيأتي على الصواب في رقم: 12954. يتَّمِن الرجلُ على ماله من رآه موضعًا للأمانة من مؤمن وكافر في السفر والحضر. (1) وقد ذكرنا الرواية عن بعض من قال هذا القول فيما مضى، وسنذكر بقيته إن شاء الله تعالى بعد. * * * القول في تأويل قوله: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت، إن شهد اثنان ذوا عدل منكم، أو كان أوصى إليهما = أو آخران من غيركم إن كنتم في سفر فحضرتكم المنيّة، فأوصيتم إليهما، ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال وتركة لورثتكم. فإذا أنتم أوصيتم إليهما ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال، فأصابتكم مصيبة الموت، فأدَّيا إلى ورثتكم ما اتَّمنتموهما وادَّعوا عليهما خيانة خاناها مما اتُّمنا عليه، (2) فإن الحكم فيهما حينئذ أن تحبسوهما = يقول: تستوقفونهما بعد الصلاة. وفي الكلام محذوف اجتزئ بدلالة ما ظهر منه على ما حذف، وهو: "فأصابتكم مصيبة الموت، وقد أسندتم وصيتكم إليهما، ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال" ، فإنكم تحبسونهما من بعد الصلاة = "فيقسمان بالله إن ارتبتم" ، يقول: فيحلفان بالله إن اتهمتموهما بخيانة فيما اُّتمنا عليه من تغيير وصية أوصى إليهما بها أو تبديلها = و "الارتياب" ، هو الاتهام (3) = "لا نشتري به ثمنًا" ، (1) في المطبوعة: "وقد يأمن الرجل على ماله" ، وفي المخطوطة: "سمى الرجل" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. "أمن الرجل على كذا، وائتمنه، واتمنه" (الأخيرة، مشددة التاء) . وانظر ما سلف 5: 298، تعليق: 4. (2) في المطبوعة في المواضع كلها "ائتمن" مكان "اتمن" ، وانظر التعليق السالف. (3) انظر تفسير "الارتياب" فيما سلف 6: 78، وتفسير "الريب" فيما سلف 8: 592، تعليق: 5، والمراجع هناك. يقول: يحلفان بالله لا نشتري بأيماننا بالله ثمنًا، يقول: لا نحلف كاذبين على عوض نأخذه عليه، وعلى مال نذهب به، (1) أو لحقّ نجحده لهؤلاء القوم الذين أوصى إلينا وَليُّهم وميِّتهم. (2) * * * و "الهاء" في قوله: "به" ، من ذكر "الله" ، والمعنيُّ به الحلف والقسم، ولكنه لما كان قد جرى قبل ذلك ذكر القسم به، فعُرِف معنى الكلام، اكتفي به من إعادة ذكر القسم والحلف. (3) = "ولو كان ذا قربى" ، يقول: يقسمان بالله لا نطلب بإقسامنا بالله عوضًا فنكذب فيها لأحد، ولو كان الذي نقسم به له ذا قرابة منا. (4) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس. * ذكر من قال ذلك: 12947- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين. فإن ارتيب في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: لم نشتر بشهادتنا ثمنًا قليلا. * * * وقوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة" ، من صلاة الآخرين. ومعنى الكلام: (1) انظر تفسير "الاشتراء" و "الثمن" فيما سلف من فهارس اللغة (شرى) و (ثمن) . (2) في المطبوعة: "أوصى إلينا وإليهم وصيهم" ، غير ما في المخطوطة مع وضوحه!! (3) في المطبوعة: "فيعرف من معنى الكلام، واكتفى به. . ." ، وفي المخطوطة: "فيعرف معنى الكلام" ، والصواب ما أثبت، بجعل "فيعرف" "فعرف" ، وحذف "من" ، وحذف الواو من "واكتفى" . (4) انظر تفسير "ذو القربى" فيما سلف 2: 292/3: 344/8: 334. أو آخران من غيركم تحبسونهما من بعد الصلاة، إن ارتبتم بهما، فيقسمان بالله لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى. * * * واختلفوا في "الصلاة" التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية، فقال: "تحبسونهما من بعد الصلاة" . فقال بعضهم: هي صلاة العصر. * ذكر من قال ذلك: 12948 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا زكريا عن الشعبي: أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا، فلم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب. قال: فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: فأحلفهما بعد العصر: بالله ما خانا ولا كذبا ولا بَدّلا ولا كتما، ولا غيَّرا، وإنها لوصية الرجل وتركته. قال: فأمضى شهادتهما. (1) 12949 - حدثنا ابن بشار وعمرو بن علي قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: "أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض الشرك، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر. 12950 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، بمثله. 12951 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة (1) الأثر: 12948 - انظر الأثر السالف رقم: 12926، والتعليق عليه. والأثر التالي رقم: 12953. قوله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى "فأصابتكم مصيبة الموت" ، فهذا رجل مات بغُرْبة من الأرض، وترك تركته، وأوصى بوصيته، وشهد على وصيته رجلان. فإن ارتيب في شهادتهما، استحلفا بعد العصر. وكان يقال: عندها تصير الأيمان. 12952 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير: أنهما قالا في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" ، قالا إذا حضر الرجل الوفاة في سفر، فليشهد رجلين من المسلمين. فإن لم يجد فرجلين من أهل الكتاب. فإذا قدما بتركته، فإن صدّقهما الورثة قُبِل قولهما، وإن اتهموهما أحلفا بعد صلاة العصر: بالله ما كذبنا ولا كتمنا ولا خُنَّا ولا غيَّرنا. 12953- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن القطان قال، حدثنا زكريا قال، حدثنا عامر: أن رجلا توفي بدَقُوقا، فلم يجد من يشهده على وصيته إلا رجلين نصرانيين من أهلها. فأحلفهما أبو موسى دُبُر صلاة العصر في مسجد الكوفة: بالله ما كتما ولا غيرا، وأن هذه الوصية. فأجازها. (1) * * * وقال آخرون: بل يستحلفان بعد صلاة أهل دينهما وملتهما. * ذكر من قال ذلك: 12954 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله: "ذوا عدل منكم" ، قال: هذا في الوصية عند الموت، يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ما لَهُ وعليه، قال: هذا في الحضر= "أو آخران من غيركم" في السفر = "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، هذا، الرجل (1) الأثر: 12953 - انظر التعليق على رقم: 12948. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (587) صــ 176 إلى صــ 185 يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس، فيوصي إليهما، ويدفع إليهما ميراثه. فيقبلان به. فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا مالَ صاحبهم، تركوا الرجلين. وإن ارتابوا، رفعوهما إلى السلطان. فذلك قوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم" . قال عبد الله بن عباس: كأني أنظر إلى العِلْجين حين انتُهِى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره، (1) ففتح الصحيفة، فأنكر أهل الميت، وخوَّنوهما. فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر، فقلت له: "إنهما لا يباليان صلاة العصر، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما، فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، ويحلفان بالله: لا نشتري ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنّا إذًا لمن الآثمين، أنّ صاحبهم لبهذا أوصى، وأنّ هذه لتركته. فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما، ولم تجز لكما شهادة، وعاقبتكما! فإذا قال لهما ذلك، فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها." * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندنا، قولُ من قال: "تحبسونهما من بعد صلاة العصر" . لأن الله تعالى عرَّف "الصلاة" في هذا الموضع بإدخال "الألف واللام" فيها، ولا تدخلهما العرب إلا في معروف، إما في جنس، أو في واحد معهود معروف عند المتخاطبين. فإذا كان كذلك، وكانت "الصلاة" في هذا الموضع مجمعًا على أنه لم يُعْنَ بها جميع الصلوات، لم يجز أن يكون مرادًا بها صلاة المستحلَف من اليهود والنصارى، لأن لهم صلوات ليست واحدة، فيكون معلومًا أنها المعنيَّة بذلك. فإذْ كان ذلك كذلك، صح أنها صلاة بعينها من صلوات المسلمين. وإذ كان ذلك كذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم (1) "العلج" (بكسر العين وسكون اللام) : الرجل من كفار العجم. صحيحًا عنه أنه إذْ لاعَنَ بين العَجْلانيين، لاعَن بينهما بعد العصر دون غيره من الصلوات (1) = كان معلومًا أنّ التي عنيت بقوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة" ، هي الصلاة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخيَّرها لاستحلاف من أراد تغليظَ اليمين عليه. هذا مع ما عند أهل الكفر بالله من تعظيم ذلك الوقت، وذلك لقربه من غروب الشمس. * * * وكان ابن زيد يقول في قوله: "لا نشتري به ثمنًا" ، ما:- 12955 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "لا نشتري به ثمنًا" ، قال: نأخذ به رشوة. * * * القول في تأويل قوله: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ (106) } قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الأمصار: (ولا نكتم شهادة الله) ، بإضافة "الشهادة" إلى "الله" ، وخفض اسم الله تعالى = يعني: لا نكتم شهادة لله عندنا. * * * وذكر عن الشعبي أنه كان يقرؤه كالذي:- 12956 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن ابن عون، عن عامر: أنه كان يقرأ: (ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) = بقطع "الألف" ، وخفض اسم الله = هكذا حدثنا به ابن وكيع. * * * وكأن الشعبي وجَّهَ معنى الكلام إلى: أنهما يقسمان بالله لا نشتري به ثمنًا، (1) انظر خبر العجلانيين في السنن الكبرى للبيهقي 7: 398، وما بعدها. ولا نكتم شهادةً عندنا. ثم ابتدأ يمينًا باستفهام: بالله أنهما إن اشتريا بأيمانهما ثمنًا أو كتما شهادته عندهما، لمن الآثمين. * * * وقد روي عن الشعبي في قراءة ذلك رواية تخالف هذه الرواية، وذلك ما:- 12957- حدثني أحمد بن يوسف التغلبي قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا عباد بن عباد، عن ابن عون، عن الشعبي: أنه قرأ: (ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) = (1) قال أحمد: قال أبو عبيد: تنوّن "شهادة" ويخفض "الله" على الاتصال. قال: وقد رواها بعضهم بقطع "الألف" على الاستفهام. (2) * * * قال أبو جعفر: وحفظي أنا لقراءة الشعبي بترك الاستفهام. (3) * * * وقرأها بعضهم: (ولا نكتم شهادة الله) ، بتنوين "الشهادة" ، ونصب اسم "الله" بمعنى: ولا نكتم الله شهادةً عندنا. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ: (ولا نكتم شهادة الله) ، بإضافة "الشهادة" إلى اسم "الله" ، وخفض اسم "الله" لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار التي لا تتناكر صحَّتَها الأمة. * * * (1) في المطبوعة: "شهادة الله" ، هو خطأ، صوابه في المخطوطة. وقراءة الشعبي أو قراءاته التي رويت عنه - مذكورة في تفسير أبي حيان 4: 44، والمحتسب لابن جني، فراجعها هناك. (2) الأثر: 12957 - "أحمد بن يوسف التغلبي الأحول" ، مضى برقم: 5919، 5954، 7664، وكان في المطبوعة هنا "الثعلبي" ، وهو خطأ بيناه هناك. و "عباد بن عباد الرملي الأرسوفي" ، "أبو عتبة الخواص" . روى عن ابن عون. مترجم في التهذيب. (3) في المطبوعة: "وخفض إنا لقراءة الشعبي" ، وهو خلط لا معنى له، صوابه من المخطوطة. وكان ابن زيد يقول في معنى ذلك: ولا نكتم شهادة الله، وإن كان بعيدًا. (1) 12958 - حدثني بذلك يونس قال، أخبرنا ابن زيد، عنه. القول في تأويل قوله: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فإن عُثِر" ، فإن اطُّلع منهما أو ظهر. (2) وأصل "العثر" ، الوقوع على الشيء والسقوط عليه، ومن ذلك قولهم: "عثرت إصبع فلان بكذا" ، إذا صدمته وأصابته ووقعت عليه، ومنه قول الأعشي ميمون بن قيس: بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْنَاةٍ إذَا عَثَرَتْ ... فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا (3) (1) في المطبوعة: "وإن كان صاحبها بعيدًا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وأنا في شك منه على كل حال، أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء. ولم أجد مقالة ابن زيد فيما بين يدي من الكتب. (2) في المطبوعة: "فيهما" ، والصواب "منهما" . (3) ديوانه: 83، من قصيدته في هوذة بن علي الحنفي، وقد مضى خبرها 2: 94، تعليق: 1، ومضى منها أبيات في 1: 106/2: 540، وقيل البيت في ذكر أرض مخوفة الليل، وهي "البلدة" المذكورة في البيت التالي: وَبَلْدَةٍ يَرْهَبُ الجَوًّابُ دُلْجَتَهَا ... حَتَّى تَرَاهُ عَلَيْهَا يَبْتَغِي الشِّيَعَا لاَ يَسْمَعُ المَرْءُ فِيهَا مَا يُؤَنِّسُهُ ... بِاللَّيْلِ إلاَّ نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعَا كَلَّفْتُ مَجْهُولَها نَفْسِي، وَشَايَعَنِي ... هَمِّي عَلَيْهَا، إذَا مَا آلُهَا لَمَعَا "الدلجة" : سير الليل. و "الشيع" الأصحاب. و "النئيم" : صوت البوم، أو الصوت الضعيف من صوته. و "الضوع" ، طائر من طيور الليل، إذا أحس بالصباح صدح، وقيل هو: "الكروان" . و "الآل" السراب، و "اللوث" : القوة، يصف ناقته أنها ذات لحم وشحم، قوية على السير. وقوله: "بذات لوث" ، متعلق بقوله: "كلفت" و "عفرناة" (بفتح العين والفاء) صفة للناقة بأنها قوية كأنها من نشاطها مجنونة. و "التعس" ؛ الانحطاط والعثور. وقوله: "ولعًا" ، كلمة تقال للعاثر، يدعى له بأن ينتعش من عثرته، ومعناها الارتفاع، "لعا لفلان" أي أقامه الله من عثرته، لما وصف الأعشي ناقته بالقوة والنشاط، أنكر أن يكون لها عثرة في سرعتها، فإذا عثرت، كان الدعاء عليها بأن يكبها الله لمنخريها، أولى به من أن يدعو بإقالة عثرتها. يعني بقوله: "عثرت" ، أصاب منسِمُ خُفِّها حجرًا أو غيرَه. (1) ثم يستعمل ذلك في كل واقع على شيء كان عنه خفيًّا، كقولهم: (عَثَرتْ على الغَزْل بأَخَرة* فلم تَدَعْ بنَجْدٍ قَرَدَةَ) ، بمعنى: وقعت. (2) * * * وأما قوله: "على أنهما استحقا إثمًا" ، فإنه يقول تعالى ذكره: فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الآية = بعد حلفهما بالله: لا نشتري بأيماننا ثمنًا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله = "على أنهما استحقا إثمًا" ، يقول: على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثمًا، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما بالله ما خُنّا ولا بدَّلنا ولا غيَّرنا. فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئًا، أو غيرا وصيته، أو بدّلا فأثما بذلك من حلفهما بربهما (3) = "فآخران يقومان مقامهما" ، يقول، يقوم حينئذ مقامهما من ورثة الميت، الأوليان الموصَى إليهما. (1) في المطبوعة: "ميسم خفها حجر أو غيره" ، والصواب ما أثبت. و "المنسم" (بفتح فسكون فكسر) : طرف خف البعير، والنعامة والفيل. و "منسما البعير" ظفراه اللذان في يديه، وهما له كالظفر للإنسان. (2) هذا مثل. مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 181، الأمثال للميداني 1: 395، والأمثال لأبي هلال العسكري: 142. قوله "بأخرة" (بفتح الألف والخاء والراء) أي: أخيرًا. تقول: "ما عرفته إلا بأخرة" ، أي: أخيرًا. "ونجد" ، هي الأرض المعروفة. "قردة" . وجمعها "قرد" (كله بفتحات) ، هو: ما تمعط من الوبر والصوف وتلبد، وهو نفاية الصوف. وأصله أن المرأة تترك الغزل وهي تجد ما تغزل من قطن أو كتان، حتى إذا فاتها، تتبعت القرد (نفاية الصوف) في القمامات، ملتقطة لتغزله. ويضرب مثلا في التفريط مع الإمكان، ثم الطلب مع الفوت. قال أبو هلال: "وهذا مثل قول العامة: نعوذ بالله من الكسلان إذا نشط" . وروى هذا المثل صاحب لسان العرب في (قرد) ، ونصه "عكرت على الغزل. . ." ، وفسره "عكرت، أي: عطفت" . وهو بهذه الرواية لا شاهد فيه. (3) قوله "فأثما. . . بربهما" ، انظر ما قلت في "أثم بربه" فيما سلف 4: 530 تعليق: 3، / ثم 6: 92، تعليق: 2، وبيانه هناك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 12959 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: "أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض الشرك، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر. فإذا اطُّلع عليهما بعد حلفهما أنهما خانا شيئًا، حلف أولياء الميت أنه كان كذا وكذا، ثم استحقوا. 12960 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، بمثله. 12961 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: "أو آخران من غيركم" ، من غير المسلمين= "تحبسونهما من بعد الصلاة" ، فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: ما اشترينا بشهادتنا ثمنًا قليلا. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: "إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد" . فذلك قوله: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" ، يقول: إن اطلع على أنّ الكافرَيْن كذبا = "فآخران يقومان مقامهما" ، يقول: من الأولياء، فحلفا بالله: "إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد" ، فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. 19262 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" ، أي: اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما. * * * واختلف أهل التأويل في المعنى الذي له حَكَم اللهُ تعالى ذكره على الشاهدين بالأيمان فنقلها إلى الآخرين، (1) بعد أن عثر عليهما أنهما استحقا إثمًا. فقال بعضهم: إنما ألزمهما اليمين، إذا ارتيب في شهادتهما على الميت في وصيته أنه أوصى بغير الذي يجوز في حكم الإسلام. (2) وذلك أن يشهد أنه أوصى بماله كله، أو أوصى أن يفضل بعض ولده ببعض ماله. * ذكر من قال ذلك: 12963 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" إلى قوله: "ذوا عدل منكم" ، من أهل الإسلام = "أو آخران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام = "إن أنتم ضربتم في الأرض" إلى: "فيقسمان بالله" ، يقول: فيحلفان بالله بعد الصلاة، فإن حلفا على شيء يخالف ما أنزل الله تعالى ذكره من الفريضة، (3) يعني اللذين ليسا من أهل الإسلام= "فآخران يقومان مقامهما" ، من أولياء الميت، فيحلفان بالله: "ما كان صاحبنا ليوصي بهذا" ، أو: "إنهما لكاذبان، ولشهادتنا أحق من شهادتهما" . 12964 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السديّ قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، يحلفان بالله: لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين "، إن صاحبكم لبهذا أوصى، وإنّ هذه لتركته: فإذا شهدا، وأجاز الإمام شهادتهما على ما شهدا، قال لأولياء الرجل: اذهبوا فاضربوا في الأرض واسألوا عنهما، فإن أنتم وجدتم عليهما خيانة، أو أحدًا يطعُن عليهما، رددنا شهادتهما. فينطلق الأولياء فيسألون، فإن وجدوا أحدًا يطعُن عليهما، أو هما غير" (1) في المخطوطة: "فمن نقلها" ، والصواب ما في المطبوعة، أو شبيه بالصواب. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "لغير الذي يجوز" ، وصواب قراءتها ما أثبت. (3) "الفريضة" ، يعني المواريث. مرضيين عندهم، أو اطُّلع على أنهما خانا شيئًا من المال وجدُوه عندهما، أقبل الأولياء فشهدوا عند الإمام، (1) وحلفوا بالله: "لشهادتنا إنهما لخائنان متهمان في دينهما مطعون عليها، أحق من شهادتهما بما شهدا، وما اعتدينا" . فذلك قوله: "فإن عُثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" . * * * وقال آخرون: بل إنما ألزم الشاهدان اليمين، لأنهما ادَّعيا أنه أوصى لهما ببعض المال. وإنما ينقل إلى الآخرين من أجل ذلك، إذا ارتابوا بدعواهما. (2) * ذكر من قال ذلك: 12965 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله" ، قال: زعما أنه أوصى لهما بكذا وكذا = "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" . أي بدعواهما لأنفسهما = "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" ، أنّ صاحبنا لم يوص إليكما بشيء مما تقولان. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أنّ الشاهدين ألزما اليمينَ في ذلك باتهام ورثة الميت إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله، ودعواهم قبلهما خيانةَ مالٍ معلوم المبلغ، ونقلت بعد إلى الورثة عند ظهور الريبة التي كانت من الورثة فيهما، وصحة التهمة عليهما بشهادة شاهد عليهما أو على أحدهما، فيحلف الوارث حينئذ مع شهادة الشاهد عليهما، أو على أحدهما، إنما صحح دعواه إذا حُقِّق حقه = أو: الإقرار يكون من الشهود ببعض ما ادَّعى عليهما الوارث أو بجميعه، ثم (1) في المطبوعة: "فأقبل الأولياء فشهدوا" ، وفي المخطوطة: "فأقبل الأولياء شهدوا" ، والسياق يقتضي ما أثبت. (2) في المخطوطة: "إذا ارتابا" . دعواهما في الذي أقرّا به من مال الميت ما لا يقبل فيه دعواهما إلا ببينة، ثم لا يكون لهما على دعواهما تلك بيِّنة، فينقل حينئذ اليمين إلى أولياء الميت. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة، لأنا لا نعلم من أحكام الإسلام حكمًا يجب فيه اليمين على الشهود، ارتيب بشهادتهما أو لم يُرْتَبْ بها، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرًا لذلك = ولا -إذا لم نجد ذلك كذلك- صحّ بخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، (1) ولا بإجماع من الأمة. لأن استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم الله تعالى ذكره، فيكون أصلا مسلمًا. والقول إذا خرج من أن يكون أصلا أو نظيرًا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة، كان واضحًا فسادُه. وإذا فسد هذا القول بما ذكرنا، فالقول بأن الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادّعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله، أفسد (2) = من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أنّ من حكم الله تعالى ذكره أن مدّعيًا لو ادّعى في مال ميت وصية، أنّ القول قولُ ورثة المدعي في ماله الوصية مع أيمانهم، دون قول مدعي ذلك مع يمينه، وذلك إذا لم يكن للمدعي بينة. وقد جعل الله تعالى اليمين في هذه الآية على الشهود إذا ارتيب بهما، وإنما نُقِل الأيمانُ عنهم إلى أولياء الميت، إذا عثر على أن الشهود استحقوا إثمًا في أيمانهم. فمعلوم بذلك فساد قول من قال: "ألزم اليمينَ الشهودُ، لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت من ماله" . على أن ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبارُ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَضَى به حين نزلت هذه الآية، بين الذين نزلت فيهم وبسببهم. * ذكر من قال ذلك: (1) في المطبوعة: "فلم نجد ذلك كذلك صح. . ." ، وأثبت ما في المخطوطة، وسياقه "ولا. . . صح بخير عن الرسول" ، وقوله: "إذا لم نجد ذلك كذلك" اعتراض. (2) السياق: "فالقول بأن الشاهدين. . . أفسد" ، يعني: أفسد من القول السابق. 12966- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداريّ وعديّ بن بدَّاء، فمات السَّهمي بأرض ليس فيها مسلم. فلما قدِما بتركته، فقدوا جامًا من فضة مخوَّصًا بالذهب، (1) فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم وُجِد الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم الداريّ وعديّ بن بدّاء! فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: "لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، وأنّ الجام لصاحبهم. قال: وفيهم أنزلت: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" . (2) (1) "الجام" : إناء من فضة، وهو عربي صحيح. "مخوص بالذهب" : عليه صفائح من ذهب على هيئة خوص النخل، وهو ورقه. و "التخويص" : أن يجعل على الشيء صفائح من الذهب، على قدر عرض خوص النخل. (2) الأثر: 12966 - "محمد بن أبي القاسم" ، الطويل، الكوفي. روى عن أبيه، وعبد الله وعبد الملك، ابني سعيد بن جبير، وعن عكرمة. وروى عنه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأبو أسامة، وحماد بن أسامة. وثقه ابن معين، وأبو حاتم. وقال البجيري وقال البخاري ":" لا أعرف محمد بن أبي القاسم كما أشتهي، وكان علي بن عبد الله يستحسن هذا الحديث (يعني حديث تميم الداري) قيل له: رواه غير محمد بن أبي القاسم؟ قال: لا. قال: وروى عنه أبو أسامة، إلا أنه غير مشهور ". وقال الحافظ ابن حجر، بعد ذكر محمد بن أبي القاسم:" وما له في البخاري، ولا لشيخه عبد الملك بن سعيد بن جبير، غير هذا الحديث الواحد. ورجال الإسناد الإسناد، ما بين علي بن عبد الله المديني (شيخ البخاري) ، وابن عباس، كوفيون "." و "عبد الملك بن سعيد بن جبير الأسدي" ، الكوفي، عزيز الحديث، ثقة. مضى برقم: 12776. و "تميم الداري" ، هو "تميم بن أوس بن خارجة اللخمي" ، منسوب إلى جده "الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم" ، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة تسع وأسلم. وكان نصرانيا، وهو الذي قال لرسول الله: "ألا أعمل لك منبرًا كما رأيت يصنع بالشأم!" فصنع المنبر. وكان عابدًا. وأما "عدي بن بداء" (بتشديد الدال) ، فكان نصرانيا، ذكر أنه أسلم، ولكن صحح ابن حجر في ترجمته في الإصابة أنه مات نصرانيًّا. وهذا الحديث، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 5: 307 309) ، وفي التاريخ الكبير 1/1/215، وأبو داود في سننه 3: 418، ورقم: 3606، والبيهقي في السنن الكبرى 10: 165، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 133، وأحكام القرآن للجصاص 2: 490، والترمذي في سننه (في كتاب التفسير) ، وقال: "هذا حديث حسن غريب، وهو حديث ابن أبي زائدة" . وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 266، نقلا عن الطبري، ولم يذكر روايته في صحيح البخاري. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 342، فقصر في نسبته إلى البخاري في صحيحه، ونسبه إليه في التاريخ، ثم زاد نسبته إلى ابن المنذر، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (588) صــ 186 إلى صــ 195 12967 - حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال، حدثنا محمد بن سلمة الحراني قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن باذان مولى أم هانئ ابنة أبي طالب، عن ابن عباس، عن تميم الدرايّ في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" ، قال: برئ الناس منها غيري وغير عديّ بن بدّاء = وكانا نصرانيّين يختلفان إلى الشأم قبل الإسلام. فأتيا الشأم لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بريل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جامُ فضّة يريد به الملك، وهو عُظم تجارته، (1) فمرض، فأوصى إليهما، وأمرهما أن يُبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجامَ فبعناه بألف درهم، فقسمناه أنا وعديّ بن بدّاء، [فلما قدمنا إلى أهله، دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام، فسألوا عنه] ، (2) فقلنا: ما ترك غيرَ هذا، وما دفع إلينا غيره: قال تميم: فلما أسلمتُ بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، تأثَّمت من ذلك، (3) فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأدّيت إليهم خمسمئة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها! فوثبوا إليه، (4) فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1) في المخطوطة: "وهي عظم" ، وأثبت ما في المطبوعة، لمطابقته لما في المراجع الأخرى. وقوله: "عظم تجارته" ، أي: معظمها، يعني أن الجام كان أنفس ما معه وأغلاه ثمنًا. (2) هذه الجملة التي بين القوسين، ليست في المخطوطة ولا المطبوعة، وهي ثابتة في المراجع الأخرى، وأثبتها من نص الناسخ والمنسوخ. (3) "تأثم من الشيء" ، تحرج منه، ووجده إثمًا يريد البراءة منه. (4) قوله: "فوثبوا إليه" ، حذفها ناشر المطبوعة، وهي ثابتة في المخطوطة، وفي الناسخ والمنسوخ. فسألهم البينة، فلم يجدوا. فأمرهم أن يستحلفوه بما يُعَظَّم به على أهل دينه، فحلف، فأنزل الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله: "أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا، (1) فنزعتُ الخمسمئة من عدي بن بدَّاء. (2) 12968 - حدثنا القاسم، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة وابن سيرين وغيره = قال، وثنا الحجاجُ، عن ابن جريج، عن عكرمة = دخل حديث بعضهم في بعض: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية، قال: كان عدي وتميم الداري، وهما من لَخْم، نصرانيَّان، يتَّجران إلى مكة في الجاهلية. فلما هاجرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حوَّلا متجرهما إلى المدينة، فقدم ابن أبي مارية، مولى عمرو بن العاص المدينة، وهو يريد الشأم تاجرًا، فخرجوا جميعًا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، مرض ابن أبي مارية، فكتب وصيَّته بيده تم دسَّها في متاعه، ثم أوصى إليهما. فلما مات فتحا متاعه، فأخذا ما أرادا، ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا، ففتح أهله متاعه، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به، وفقدوا شيئًا، فسألوهما عنه، فقالوا: هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا. قال لهما أهله: فباع شيئًا أو ابتاعه؟ قالا لا! قالوا: فهل استهلك من متاعه شيئًا؟ (3) قالا لا! قالوا: فهل تَجَر (1) في المخطوطة: "حلفا" ، بغير فاء، وأثبت ما في المطبوعة والمراجع. (2) الأثر: 12967 - "الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني" ، "أبو مسلم الحراني" ، ثقة مأمون، مضت ترجمته برقم: 10411، وكان في المطبوعة هنا: "الحسن بن أبي شعيب" أسقط "بن أحمد" ، مع ثبوتها في المخطوطة، وعذره أنه رأى الناسخ كتب "الحسن بن يحيى أحمد قال ابن أبي شعيب" ، وضرب على "يحيى" وعلى "قال" ، فضرب هو أيضا على "بن أحمد" فحذفها! ! وهو تساهل رديء. و "محمد بن سلمة الحراني الباهلي" ، ثقة، مضت ترجمته برقم: 175، وقد ورد في إسناد محمد ابن إسحق، مئات من المرات. و "أبو النضر" هو "محمد بن السائب الكلبي" ، ضعيف جدًا، رمي بالكذب. وقد روى الثوري عن الكلبي نفسه أنه قال: "ما حدثت عني، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فهو كذب، فلا تروه" . مضت ترجمته برقم: 72، 246، 248. وأما "باذان، مولى أم هانئ" ، أو "باذام" فهو "أبو صالح" ، ثقة، مضى برقم: 112، 168 وغيرها. وهو مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/144، وابن أبي حاتم 1/1/431. وكان في المطبوعة والمخطوطة، والناسخ والمنسوخ جميعًا "زاذان، مولى أم هانئ" ، وهذا شيء لم يقله أحد، ولذلك غيرته إلى الصواب الذي أجمعوا عليه، وكأنه خطأ من الناسخ. وأما "تميم الداري" ، و "عدي بن بداء" فقد سلفا في الأثر السابق. وأما "بريل بن أبي مريم" ، مولى بني سهم، أو مولى عمرو بن العاص السهمي، صاحب هذه التجارة، فقد ترجم له ابن حجر في الإصابة في "بديل" بالدال، وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة. وكان بديل مسلمًا من المهاجرين. يقال في اسمه "بديل بن أبي مريم" ، و "بديل بن أبي مارية" ، ثم اختلف في "بديل" ، فروي بالدال، وروي "بريل" بالراء، وروي "بزيل" بالزاي، وروي "برير" ، وقال ابن الأثير: "والذي ذكره الأئمة في كتبهم: يزيل، بضم الباء وبالزاي، ونحن نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى" . هكذا قال ووعد، ثم لم أجد له ذكرًا في كتابه بعد ذلك، فلا أدري أنسي ابن الأثير، أم في كتابه خرم أو نقص!! وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 5: 308، ما لم يذكره في الإصابة، فقال: "بزيل" بموحدة، وزاي، مصغر. وكذا ضبطه ابن ماكولا، ووقع في رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن تميم نفسه عنه الترمذي والطبري (يعني هذا الخبر) : بديل، بدال، بدل الزاي. ورأيته في نسخة من تفسير الطبري: بريل، براء بغير نقطة. ولابن مندة من طريق السدي، عن الكلبي: بديل بن أبي مارية ". ثم قال:" ووهم من قال فيه: بديل بن ورقاء، فإنه خزاعي، وهذا سهمي، وكذا وهم من ضبطه بذيل، بالذال المعجمة "." وكان في المطبوعة "بديل" ، ولكني أثبت ما في المخطوطة، وأخشى أن تكون مخطوطتنا هذه، هي "النسخة الصحيحة من تفسير الطبري" التي ذكرها الحافظ ابن حجر، أو هي منقولة عن النسخة التي ذكرها ووصفها وصححها. وهذا الخبر، رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 133، والترمذي في سننه في كتاب التفسير؛ بهذا الإسناد نفسه. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح. وأبو النضر، الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث، هو عندي: محمد بن السائب الكلبي، يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير. سمعت محمد بن إسمعيل. يقول: محمد بن سائب الكلبي، يكنى أبا النضر، ولا نعرف لسالم أبي النضر المديني رواية عن أبي صالح (باذان) مولى أم هانئ. وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار، عن غير هذا الوجه" ، ثم ساق الترمذي الأثر السالف بإسناده. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 341، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في المعرفة. (3) قولهم: "فهل استهلك من متاعه شيئًا" ، أي: أضاعه وافتقده، وهذا حرف لم تقيده كتب اللغة، استظهرت معناه من السياق. وقد جاء في حديث عائشة (صحيح مسلم 2: 59، وتفسير الطبري رقم: 9640) أن عائشة: "استعارت من أسماء قلادة فهلكت" ، أي: ضاعت، كما فسرته فيما سلف 8: 404، رقم: 2. فقوله: "استهلك" هنا، من معنى هذا الحرف الذي لم تقيده كتب اللغة ببيان واضح، وهو "استفعل" ، بمعنى: وجده قد ضاع. وهو من صحيح القياس وجيده، وهذا شاهده إن شاء الله. تجارة؟ (1) قالا لا! قالوا: فإنا قد فقدنا بعضَه! فاتُّهما، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" إلى قوله: "إنا إذا لمن الآثمين" . قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما في دُبُر صلاة العصر: بالله الذي لا إله إلا هو، ما قبضنا له غيرَ هذا، ولا كتمنا ". قال: فمكثنا ما شاء الله أن يمكثَا، (2) ثم ظُهِرَ معهما على إناء من فضةٍ منقوش مموَّه بذهب، (3) فقال، أهله: هذا من متاعه؟ قالا نعم، ولكنا اشترينا منه، ونسينا أن نذكره حين حلفنا، فكرهنا أن نكذِّب أنفسنا! (4) فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية الأخرى:" فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان "، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيَّبا ويستحقَّانه. ثم إنّ تميمًا الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: صدق الله ورسوله: أنا أخذت الإناء! (5) " 12969- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" ، الآية كلها. قال: هذا شيء [كان] حين لم يكن الإسلام إلا بالمدينة، (6) وكانت الأرض كلها كفرًا، (7) فقال الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" ، من المسلمين = "أو آخران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام = "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، قال: كان الرجل يخرج مسافرًا، والعرب أهلُ كفر، فعسى أن يموت في سفره، فيُسند وصيته إلى رجلين منهم = "فيقسمان بالله إن ارتبتم" ، في أمرهما. إذا قال الورثة: كان مع صاحبنا كذا وكذا، فيقسمان بالله: ما كان معه إلا هذا الذي قلنا = "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" ، أنما حلفا على باطل وكذب = "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" بالميت = "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين" ، ذكرنا أنه كان مع صاحبنا كذا وكذا، قال هؤلاء: لم يكن معه! قال: ثم عثر على بعض المتاع عندهما، فلما عثر على ذلك رُدّت القسامة على وارثه، (8) فأقسما، ثم ضمن هذان. قال الله تعالى: "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، (9) فتبطل أيمانهم = "واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، الكاذبين، الذين يحلفون على الكذب. وقال ابن زيد: قدم تميمٌ الداريّ وصاحب له، وكانا يومئذ مشركين، ولم يكونا أسلما، فأخبرا أنهما أوصى إليهما رجلٌ، وجاءا بتركته. فقال أولياء الميت: (1) "تجر يتجر تجرًا وتجارة" (على وزن: نصر ينصر) : باع وشرى. وأرادوا به هنا معنى الشراء بالعوض، فيما أستظهر، فإنهم قد سألوه قبل عن البيع والابتياع. (2) في المطبوعة: "فمكثنا ما شاء الله أن نمكث" ، غير الناشر ما في المخطوطة، وأفسد. (3) "ظهر" (بالبناء للمجهول) ، أي: عثر معها على إناء. (4) في المخطوطة: "نفسا" غير منقوطة، ولو شئت قرأتها: "نفسينا" ، مكان "أنفسنا" ، وهما صواب. (5) الأثر: 12968 - "أبو سفيان" هو: المعمري، "محمد بن حميد اليشكري" ، مضى برقم: 1787، 8829. و "الحسين" الراوي عنه، هو "سنيد بن داود" ، مضى مرارًا. و "ابن أبي مارية" ، هو "بديل بن أبي مارية" ، وقد بينت ذلك في التعليق على الأثر السالف. وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 342، وزاد نسبته إلى ابن المنذر. (6) الزيادة بين القوسين، لا بد منها للسياق، وكان في المخطوطة: ". . . لم يكن السلام" ، والصواب ما في المطبوعة. (7) في المطبوعة: "كفر" بالرفع، وأخشى أن يكون الأصل: "وكانت الأرض كلها دار كفر" ، أو ما أشبه ذلك، وتركت ما في المطبوعة على حاله، وهو صواب أيضًا. (8) "القسامة" (بفتح القاف) ، أراد بها هنا: اليمين. (9) قوله تعالى: "بعد أيمانهم" لم تكن في المخطوطة ولا المطبوعة، والصواب إثباتها. كان مع صاحبنا كذا وكذا، وكان معه إبريق فضة! وقال الآخران: لم يكن معه إلا الذي جئنا به! فحلفا خَلْف الصلاة، ثم عثر عليهما بعدُ والإبريق معهما. فلما عثر عليهما، رُدَّت القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم، ثم ضمنهما الذي حلف عليه الأوليان. 12970- حدثنا الربيع قال، حدثنا الشافعي قال، أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان = قال بكير، قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك = في قول الله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، أن رجلين نصرانيين من أهل دارِين، أحدهما تميمي، والآخر يماني، صاحَبهما مولًى لقريش في تجارة، فركبوا البحر، ومع القرشي مال معلومٌ قد علمه أولياؤه، من بين آنية وبزّ ورِقَة. (1) فمرض القرشي، فجعل وصيته إلى الداريّين، فمات، وقبض الداريّان المال والوصية، فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا ببعض ماله، وأنكر القوم قلّة المال، فقالوا للداريَّين: إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به، فهل باع شيئًا أو اشترى شيئًا، فوُضِع فيه، (2) وهل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا لا! قالوا: فإنكما خنتمانا! فقبضوا المال، ورفعوا أمرهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى آخر الآية. فلما نزل: أن يُحْبسا من بعد الصلاة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقاما بعد الصلاة، فحلفا بالله رب السموات: "ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وإنا لا نشتري بأيماننا" (1) "البز" : الثياب، أو ضروب منها، وبائعها يقال له: "البزاز" . و "الرقة" (بكسر الراء وفتح القاف) : الفضة، وأصلها "الورق" (بفتح الواو وكسر الراء) ، ثم حذفت الواو، وجعلت الهاء في آخرها عوضًا عن الواو. (2) يقال: "وضع في تجارته يوضع ضعة، ووضيعة فهو موضوع فيها" ويقال: "أوضع" (كلاهما بالبناء للمجهول) ، ويقال: "وضع في تجارته وضعًا" (مثل: فرح فرحًا) : غبن فيها، وخسر من رأس المال. ثمنًا قليلا من الدنيا، ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين ". فلما حلفا خلَّى سبيلهما. ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناءً من آنية الميت، فأُخذ الداريَّان، فقالا اشتريناه منه في حياته! وكذبا، فكلِّفا البينة، فلم يقدرا عليها. فرفعوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ذكره:" فإن عثر "، يقول: فإن اطُّلع =" على أنهما استحقا إثمًا "، يعني الداريين، إن كتما حقًّا =" فآخران "، من أولياء الميت =" يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان "، فيقسمان بالله:" إنّ مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي يُطلب قبل الداريين لحقّ، وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين "، هذا قول الشاهدين أولياء الميت =" ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها "، يعني: الداريَّين والناس، أن يعودوا لمثل ذلك. (1) " * * * قال أبو جعفر: ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا، دليلٌ واضح على صحة ما قلنا، من أنّ حكم الله تعالى ذكره باليمين على الشاهدين في هذا الموضع، إنما هو من أجل دعوى وَرَثته على المسنَد إليهما الوصية، خيانةً فيما دفع الميت من ماله إليهما، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيه المدعي ذلك قِبَله إلا بيمين = وأن نقل اليمين إلى ورثة الميت بما أوجبه الله تعالى ذكره، بعد أن عثر على الشاهدين [أنهما استحقا إثمًا] ، في أيمانهما، (2) ثم ظُهِر على كذبهما فيها، إن القوم ادَّعوا (1) الأثر: 12970 - "معاذ بن موسى الجعفري" ، "أبو سعيد" ، لم أجد له ترجمة إلا في تعجيل المنفعة: 406، لم يزد على أن قال: "معاذ بن موسى، عن بكير بن معروف." وعند الشافعي، رحمه الله تعالى ". وكان في المطبوعة:" سعيد بن معاذ بن موسى "وهو خطأ، مخالف للمخطوطة." و "بكير بن معروف الأسدي" ، "أبو معاذ النيسابوري، الدامغاني" صاحب التفسير، وهو صاحب مقاتل. قال ابن عدي: "ليس بكثير الرواية، وأرجو أنه لا بأس به، وليس حديثه بالمنكر جدًا" ، مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/117، وابن أبي حاتم 1/1/406. وكان في المطبوعة: "بكر" ، وهو خطأ صرف. وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 164 من طريق إسمعيل بن قتيبة، عن أبي خالد يزيد بن صالح، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان. ثم رواه (10: 165) من طريق أبي العباس الأصم، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي، ثم أحال لفظه على الذي قبله. (2) هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، استظهرتها من نص الآية. فيما صَحَّ أنه كان للميت دعوًى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك، مما يكون اليمينُ فيها على ورثة الميت دون المدَّعَى، وتكون البينة فيها على المدعي= وفسادِ ما خالف في هذه الآية ما قلنا من التأويل. (1) وفيها أيضًا، (2) البيانُ الواضح على أن معنى "الشهادة" التي ذكرها الله تعالى في أول هذه القصة إنما هي اليمين، كما قال الله تعالى في مواضع أُخر: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، [سورة النور:6] . فالشهادة في هذا الموضع، معناها القَسم، من قول القائل: "أشهد بالله إني لمن الصادقين" ، (3) وكذلك معنى قوله: "شهادة بينكم" إنما هو: قسَم بينكم = "إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية" ، أن يقسم اثنان ذوا عدل منكم، إن كانا اتُّمنا على مال فارتيب بهما، أو اتُّمِنَ آخران من غير المؤمنين فاتُّهما. (4) وذلك أن الله تعالى ذكره، لما ذكر نقل اليمين من اللذين ظُهر على خيانتهما إلى الآخرين، قال: "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" . ومعلومٌ أنّ أولياء الميت المدعين قِبل اللذين ظُهر على خيانتهما، غير جائز أن يكونا شهداء، بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حق مدعًى عليه لمدّع. لأنه لا يعلم لله تعالى ذكره حكم قضى فيه لأحد بدعواه ويمينه على مدعًى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدعَى عليه ولا برهان. فإذ كان معلومًا أن قوله: "لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، إنما معناه: قسمُنا أحق من قَسَمهما = وكان قسم اللذين عُثر على أنهما أثِمَا، هو الشهادة التي ذكر (1) في المطبوعة: "مما قلنا من التأويل" ، وفي المخطوطة: "ما قبلنا من التأويل" ، وصواب القراءة ما أثبت. (2) قوله: "وفيها أيضًا" ، الضمير عائد على قوله في أول الفقرة السالفة: "ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا" ، وهي عطف عليه. (3) في المطبوعة: "إنه لمن الصادقين" ، وأثبت ما في المخطوطة. (4) انظر ما كتبه في "اتمن" فيما سلف ص: 172، تعليق: 1، 2 الله ذكره تعالى في قوله: "أحق من شهادتهما" = صحَّ أن معنى قوله: "شهادة بينكم" ، بمعنى: "الشهادة" في قوله: "لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، وأنها بمعنى القسم. * * * قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: "من الذين استحق عليهم الأوليان" . فقرأ ذلك قرأة الحجاز والعراق والشأم: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ، بضم "التاء" . * * * وروي عن علي، وأبيّ بن كعب، والحسن البصري أنهم قرءوا ذلك: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ، بفتح "التاء" . * * * واختلفت أيضًا في قراءة قوله: "الأوليان" . فقرأته عامة قراء أهل المدينة والشأم والبصرة: (الأَوْلَيَان) . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: (الأَوَّلِينَ) . * * * وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوَّلانِ) . * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في قوله: "من الذين استحق عليهم" ، قراءة من قرأ بضم "التاء" ، لإجماع الحجة من القرأة عليه، مع مشايعة عامة أهل التأويل على صحة تأويله، (1) وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله: فآخران من أهل الميت، الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم، (1) في المطبوعة: "مع مساعدة أهل التأويل" ، وفي المخطوطة: "مع مساعه" غير منقوطة، وآثرت قراءتها كما كتبتها. و "المشايعة" ، الموافقة والمتابعة. يقومان مقام المستحقَّيْ الإثم فيهما، بخيانتهما ما خانَا من مال الميت. وقد ذكرنا قائلي ذلك، أو أكثر قائليه، فيما مضى قبل، ونحن ذاكُرو باقيهم إن شاء الله ذلك: 12971 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "شهادة بينكم" ، أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران، لا يحضُره غير اثنين منهم. فإن رضي ورَثته ما عاجل عليه من تركته فذاك، وحلف الشاهدان إن اتُّهما: إنهما لصادقان = "فإن عثر" وُجد، (1) حلف الاثنان الأوليان من الورثة، فاستحقّا وأبطَلا أيمانَ الشَّاهدين. * * * وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بفتح "التاء" ، أرادوا أن يوجهوا تأويلَه إلى: "فآخران يقومان مقامهما" ، مقام المؤتمنين اللذين عُثِر على خيانتهما في القَسم، و "الاستحقاق به عليهما" ، دعواهما قِبَلهما = من "الذين استحقَّ" على المؤتمنين على المالِ على خيانتهما القيامَ مقامهما في القَسَم والاستحقاق، الأوليان بالميت. (2) وكذلك كانت قراءة من رُوِيت هذه القراءة عنه، فقرأ ذلك: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ بفتح "التاء" = و "الأوليان" ، (3) على معنى: الأوليان بالميت وماله. وذلك مذهبٌ صحيحٌ، وقراءةٌ غير مدفوعة صحَّتها، غير أنا نختار الأخرى، (1) في المطبوعة: "فإن عثر، وجد لطخ حلف الاثنان. . ." ، وقوله: "لطخ" هنا من عجائب الكلام، وفي المخطوطة بعد: "فإن عثر وجد" بياض إلى آخر السطر، مع علامات بعد الكلام بالحمرة. والظاهر أن النسخة التي نقل عنها ناشر المطبوعة، كان فيها في هذا الموضع حرف (ط) دلالة على الخطأ، فكتب مكانها ما كتب. ووضعت أنا مكان البياض في المخطوطة نقطًا، والظاهر أن سياق الكلام كان: "فإن عثر، وجد أنها استحقا إثمًا" حلف الاثنان. . . "، ولكني آثرت ترك البياض كما هو في المخطوطة، والمعنى ظاهر." (2) في المطبوعة: "في الأوليان" بزيادة "في" ، أثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب. (3) في المطبوعة، حذف قوله: "والأوليان" ، وساق الكلام على سياق واحد. وأثبت ما في المخطوطة. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (589) صــ 196 إلى صــ 205 لإجماع الحجة من القرأة عليها، مع موافقتها التأويل الذي ذكرْنا عن الصحابة والتابعين. 12972- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن وكريب، عن علي: أنه كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانْ) . (1) 12973 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن واصل مولى أبي عُيينة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبيّ بن كعب: أنه كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَان) . (2) * * * قال أبو جعفر: وأما أولى القراءات بالصَّواب في قوله: "الأوليان" عندي، (1) الأثر: 12972 - "أبو إسحق" ، هو السبيعي. و "أبو عبد الرحمن" هو "السلمي" القارئ، "عبد الله بن حبيب" مضى برقم: 82. و "كريب" هو "كريب بن أبي كريب" ، روى عن علي. وروى عنه أبو إسحق، مترجم في الكبير4/1/231، وابن أبي حاتم 3/2/168، ولم يذكرا فيه جرحا. وترجمه في لسان الميزان، وقال: "يروي المقاطيع، من ثقات ابن حبان" . (2) الأثر: 12973 - "مالك بن إسمعيل بن درهم النهدي" ، "أبو غسان" ، مضى برقم: 2989، 4433، 4926، 8292. وأخشى أن يكون راوي هذا الخبر هو "مؤمل بن إسمعيل العدوي" ، لا "مالك بن إسمعيل" ، ولكن هكذا ثبت في المخطوطة. و "حماد بن زيد بن درهم الأزدي" ، مضى برقم: 856، 1682، 5454. و "واصل مولى أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة" ، ثقة، روى عن يحيى بن عقيل الخزاعي، والحسن البصري، ورجاء بن حيوة، وأبي الزبير المكي. روى عنه هشام بن حسان من أقرانه، ومهدي بن ميمون، وحماد بن زيد، وغيرهم. مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/172، وابن أبي حاتم 4/2/30. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "وائل بن أبي عبيدة" ، وهو خطأ لا شك فيه، بيانه في التاريخ الكبير للبخاري. و "يحيى بن عقيل الخزاعي البصري" ، روى عن يحيى بن يعمر، وابن أبي أوفى، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين: "ليس به بأس" ، مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/292 وابن أبي حاتم 4/2/176. وأما "يحيى بن يعمر القيس الجدلي" ، فهو ثقة جليل، يروي عن الصحابة والتابعين. كان نحويًا صاحب علم بالعربية والقرآن، وهو أول من نقط المصاحف. مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/311، وابن أبي حاتم 4/2/196. فقراءة من قرأ: (الأَوْلَيَانِ) لصحة معناها. (1) وذلك لأن معنى: "فآخران يقومان مقامهما من الذين استُحِقّ عليهم الأوليان" :فآخران يقومان مقامهما من الذي استُحقّ] فيهم الإثم، (2) ثم حذف "الإثم" ، وأقيم مقامه "الأوليان" ، لأنهما هما اللذان ظَلَما وأثِما فيهما، بما كان من خيانة اللذين استحقا الإثم، وعُثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان اُّتمنهما عليه الميت، (3) كما قد بينا فيما مضى من فعل العرب مِثل ذلك، من حذفهم الفعل اجتراء بالاسم، (4) وحذفهم الاسم اجتزاء بالفعل. (5) ومن ذلك ما قد ذكرنا في تأويل هذه القصة، وهو قوله: "شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان" ، ومعناه: أن يشهد اثنان، وكما قال: "فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنًا" ، فقال: "به" ، فعاد بالهاء على اسم الله، وإنما المعنى: لا نشتري بقسمنا بالله، فاجتزئ بالعود على اسم الله بالذكر، والمراد به: "لا نشتري بالقسم بالله" ، استغناء بفهم السامع بمعناه عن ذكر اسم القسم. وكذلك اجتزئ، بذكر "الأوليين" من ذكر "الإثم" الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إيَّاهما، إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته، وذلك قوله: "فإن عثر على أنَّهما استحقا إثمًا" . * * * وأما الذين قرءوا ذلك (الأَوَّلِينَ) ، فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة به عن "الذين" ، فأخرجوا ذلك على وجه الجمع، إذْ كان "الذين" جميعًا، (6) وخفضًا، (1) في المطبوعة والمخطوطة: "بصحة معناها" بالباء، والصواب ما أثبته. (2) الذي وضعته بين الأقواس، هو حق السياق والمعنى، فإن السياق يقتضي أن يذكر الآية، ثم يذكر تأويلها، وهكذا فعلت، وهو الصواب إن شاء الله. (3) في المطبوعة: "ائتمنهما" ، وانظر ما كتبته سالفًا ص: 172، تعليق 1، 2، وص: 193 تعليق: 4. (4) "الفعل" ، هو المصدر، كما سلف مرارًا، وانظر فهارس المصطلحات. (5) انظر ما سلف ص: 160. (6) في المطبوعة: "جمعا" ، وأثبت ما في المخطوطة. إذ كان "الذين" مخفوضًا، وذلك وجه من التأويل، غير أنه إنما يقال للشيء "أوّل" ، إذا كان له آخر هو له أوّل. وليس للذين استحق عليهم الإثم، آخرهم له أوّل. بل كانت أيمان اللذين عثر على أنهما استحقَّا إثمًا قبل أيمانهم، فهم إلى أن يكونوا = إذ كانت أيمانهم آخرًا = أولى أن يكونوا "آخرين" ، من أن يكونوا "أوّلين" ، وأيمانهم آخرة لأولى قبلها. * * * وأما القراءة التي حكيت عن الحسن؛ فقراءةٌ عن قراءَة الحجة من القرأة شاذة، وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلا على بُعدها من الصواب. * * * واختلف أهل العربية في الرافع لقوله: "الأوليان" ، إذا قرئ كذلك. فكان بعض نحويي البصرة (1) يزعم أنه رفع ذلك، بدلا من: "آخران" في قوله: "فآخران يقومان مقامهما" . وقال: إنما جاز أن يبدل "الأوليان" ، وهو معرفة، من "آخران" وهو نكرة، لأنه حين قال: "يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم" ، كان كأنه قد حدَّهما حتى صارا كالمعرِفة في المعنى، فقال: "الأوليان" ، فأجرى المعرفة عليهما بدلا. قال: ومثل هذا = مما يجري على المعنى = كثير، واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الراجز: (2) عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الأُمُورَا ... صَوْمُ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا (3) (1) في المخطوطة والمطبوعة: "فقال بعض نحويي. . ." ، والصواب ما أثبت. (2) لم أعرف قائله. (3) "البادن" : الضخم السمين المكتنز، ولم أجدهم قالوا: "البادن" وأرادوا به "البدنة" (بفتح الباء والدال) ، وهي الناقة التي كانوا يسمنونها ثم تهدى إلى البيت، ثم تنحر عنده. ولعل الراجز استعملها على الصفة، ومع ذلك فهي عندي غريبة تقيد. و "المقلد" ، الذي وضعت عليه القلائد، إشعارًا بأنه هدي يساق إلى الكعبة. ذكر الراجز ما نذره إذا ولى هذا الرجل أمور الناس. قال: فجعله: عليَّ واجب، لأنه في المعنى قد أوجب. (1) * * * وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك ويقول: لا يجوز أن يكون "الأوليان" بدلا من: "آخران" ، من أجل أنه قد نَسَق "فيقسمان" على "يقومان" في قوله (2) "فآخران يقومان" ، فلم يتمّ الخبر بعد "مِنْ" . (3) قال: ولا يجوز الإبدال قبل إتمام الخبر. (4) وقال: غير جائز: "مررت برجل قام زيدٍ وقَعَد" ، و "زيد" بدل من "رجل" . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: "الأوليان" مرفوعان بما لم يسمَّ فاعله، وهو قوله: (اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ) وأنهما وُضِعا موضع الخبر عنهما، (5) فعمل فيهما ما كان عاملا في الخبر عنهما. وذلك أن معنى الكلام: "فآخران يقومان مَقامهما من الذين استُحِقَّ عليهم الإثم بالخيانة" ، فوضع "الأوليان" موضع "الإثم" كما قال تعالى ذكره في موضع آخر: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [سورة التوبة: 19] ، ومعناه: أجعلتم سقاية الحاجِّ وعمارةَ المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر (1) تركت هذه الجملة كما هي في المخطوطة والمطبوعة. وإن كنت أرجح أنه استشهد بالرجز على أنه نصب "صوم شهور" ، وعطف عليه "وبادنًا مقلدًا منحورًا" ، على معنى: قد أوجبت على نفسي صوم شهور، وبادنًا مقلدًا منحورًا. فإن صح ذلك فيكون صواب هذه العبارة: "فجعله: على واجب = لأنه في المعنى: قد أوجبت" . (2) "نسق" ، أي: عطف. (3) في المطبوعة: "فلم يتم الخبر عند من قال. . ." ، غير ما في المخطوطة، وهذا خطأ محض. الصواب ما في المخطوطة، يريد: بعد "من الذين استحق عليهم الأوليان" . (4) في المطبوعة والمخطوطة: "قال" بغير واو، والصواب إثباتها كما يدل عليه السياق. ثم كتب في المطبوعة بعد ذلك "كما قال: غير جائز. . ." ، بزيادة "كما" ، وهي في المخطوطة، مكتوبة متصلة بالراء، فآثرت قراءتها "وقال" ، لأنه حق السياق. (5) في المطبوعة: "وأنهما موضع الخبر" أسقط "وضعا" ، وهي ثابتة في المخطوطة. = وكما قال: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ، [سورة البقرة: 93] ، وكما قال بعض الهذليين. (1) يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ ... مِنَ الخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ (2) وهو يعني: صاحب حانوت خمر، فأقام "الحانوت" مقامه، لأنه معلوم أن "الحانوت" ، لا يمشي! ولكن لما كان معلومًا عنده أنَّه لا يخفى على سامعه ما قصد إليه من معناه، حذف "الصاحب" ، واجتزأ بذكر "الحانوت" منه. فكذلك قوله: "من الذين استُحِقّ عليهم الأوليان" ، إنما هو من الذين استُحِقّ فيهم خيانتهما، فحذفت "الخيانة" وأقيم "المختانان" ، مقامها. فعمل فيهما ما كان يعمل في المحذوف ولو ظهر. * * * وأما قوله: "عليهم" في هذا الموضع، فإن معناها: فيهم، كما قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، [سورة البقرة: 102] ، يعني: في (1) هو المنخل الهذلي (2) ديوان الهذليين 2: 21، والمعاني الكبير: 472. واللسان (حنت) (قطط) (خرص) ، من قصيدة له طويلة، يذكر مواضي أيامه، ثم يقول بعد البيت في صفة الخمر: رَكُودٍ في الإنَاءِ لَهَا حُمَيَّا ... تَلَذُّ بأَخْذِها الأَيْدِي السَّوَاطِي مُشَعْشَعَةٍ كَعَيْنِ الدَّيكِ، لَيْسَتَْتْ، ... إذَا ذِيقَتْ، مِنَ الخَلِّ الخِمَاطِ وقوله: "الخرس" ، جمع "أخرس" ، وهو الذي ذهب كلامه عيًا أو خلقة. ويعني به: خدمًا من العجم لا يفصحون، فلذلك سماهم "خرسًا" . وروى بعضهم "من الخرص" ، وهو خطأ، فيه نبّه عليه الأزهري رحمه الله. و "الصراصرة" نبط الشأم. وعندي أنهم سموا بذلك، لشيء كان في أصواتهم وهم يتكلمون، في أصواتهم صياح وارتفاع وامتداد، كأنه صرصة البازي. و "القطاط" جمع "قطط" (بفتحتين) و "قط" (بفتح وتشديد) : وهو الرجل الشديد جعودة الرأس. وقوله: "ركود في الإناء" ، يعني أنها صافية ساكنة. و "حميا الخمر" ، سورتها وأخذها بالبدن. و "الأيدي السواطي" ، التي تسطو إليها، أي: تتناولها معجلة شديدة الرغبة فيها. و "مشعشعة" : قد أرقها مزجها بالماء. و "الخماط" من الخمر: التي أصابتها ريح، فلم تستحكم ولم تبلغ الحموضة. ملك سليمان، وكما قال: وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طه: 71] . ف "في" توضع موضع "على" ، و "على" في موضع "في" ، كل واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلام، (1) ومنه قول الشاعر: (2) مَتَى مَا تُنِْكرُوها تَعْرِفُوهَا ... عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ (3) وقد تأوّلت جماعة من أهل التأويل قول الله تعالى ذكره: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الأوليان" ، أنهما رجلان آخرَان من المسلمين، أو رجلان أعدل من المقسمين الأوَّلَين * ذكر من قال ذلك: 12974 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن عامر، عن شريح في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض غُرْبة ولم يجد مسلمًا يشهده على (1) انظر ما سلف 1: 299/2: 411، 412، وغيرها من المواضع في باب تعاقب الحروف. (2) هو أبو المثلم الهذلي. (3) ديوان الهذليين 2: 224، مشكل القرآن: 295، 430، والمعاني الكبير: 969، 970، والاقتضاب: 451، والجواليقي: 373، واللسان (نفث) وغيرها. من أبيات في ملاحاة بينه وبين صخر الغي، من جراد دم كان أبو المثلم يطلب عقله، أي ديته، وقبل البيت: لَحَقٌ بَنِي شُغَارَةَ أن يَقُولوا ... لِصَخْرِ الغَيِّ: مَاذَا تَسْتَبِيثُ? أي: ماذا تستثير؟ وإنما أراد الحرب، فقال له بعد: "متى ما تنكروها. . ." ، أي: إذا جاءت الحرب أنكرتموها، ولكن ما تكادون تنكرونها، حتى تروا الدم يقطر من نواحيها، يعني كتائب المحاربين. و "العلق" : الدم، و "الأقطار" : النواحي. و "النفيث" ، الدم الذي تنفثه القروح والجروح. وقد خلط البطليوسي في شرح هذا الشعر، فزعم أن الضمير في قوله: "متى ما تنكروها" ، عائد "إلى المقالة" ، يعني هذا الهجاء بينهما، وأتى في ذلك بكلام لا خير فيه، أراد به الإغراب كعادته. وصيته، فأشهد يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا، فشهادتهم جائزة. فإن جاء رجلان مسلمان فشهدَا بخلاف شهادتهم، أجيزت شهادة المسلمين، وأبطلت شهادة الآخرين. (1) 12975 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فإن عثر" ، أي: اطلع منهما على خيانة، على أنهما كذبا أو كَتما، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلافِ ما قالا أجيزت شهادة الآخرين، وأبطلت شهادة الأوَّلين. 12976 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء قال: كان ابن عباس يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلَيْنِ) قال، كيف يكون "الأوليان" ، أرأيت لو كان الأوليان صغيرين؟ 12977- حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلَيْنِ) قال، وقال: أرأيت لو كان الأوليان صغيرين، كيف يقومان مقامهما؟ قال أبو جعفر: فذهب ابن عباس، فيما أرى، إلى نحو القول الذي حكيتُ عن شريح وقتادة، من أنّ ذلك رجلان آخران من المسلمين، يقومان مقام النَّصرانيين، أو عَدْلان من المسلمين هما أعدل وأجوزُ شهادة من الشاهدين الأولين أو المقسمين. وفي إجماع جميع أهل العلم على أنْ لا حكم لله تعالى ذكره يجب فيه على شاهدٍ يمينٌ فيما قام به من الشهادة، دليلٌ واضح على أنّ غير هذا التأويل = الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول الله تعالى ذكره: "فآخران يقومان مقامهما" = أولى به. (1) الأثر: 12974 - مضى هذا الخبر برقم: 12909، 12943، وانظر التعليق على رقم: 12909. وأما قوله "الأوليان" ، فإن معناه عندنا: الأوْلى بالميت من المقسمين الأولين فالأولى. (1) وقد يحتمل أن يكون معناه: الأولى باليمين منهما فالأولى = ثم حذف "منهما" ، (2) والعرب تفعل ذلك فتقول: "فلان أفضل" ، وهي تريد: "أفضل منك" ، وذلك إذا وضع "أفعل" موضع الخبر. وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه "الألف واللام" ، فعلوا ذلك أيضًا، إذا كان جوابًا لكلام قد مضى، فقالوا: "هذا الأفضل، وهذا الأشرف" ، يريدون: هو الأشرف منك. * * * وقال ابن زيد: معنى ذلك: الأوليان بالميت. 12978 - حدثني يونس، عن ابن وهب، عنه. * * * القول في تأويل قوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فيقسم الآخران اللذان يقومان مقام اللَّذين عثر على أنهما استحقا إثمًا بخيانتهما مالَ الميت، الأوْليان باليمين والميِّت من الخائنين: = "لشهادتنا أحقُّ من شهادتهما" ، يقول: لأيماننا أحقُّ من أيمان المقسمَين المستحقَّين الإثم، وأيمانِهما الكاذبة = في أنَّهما قد خانا في كذا وكذا من مال ميّتنا، وكذا في أيمانِهما التي حلفا بها= "وما اعتدينا" ، يقول: وما تجاوزنا الحقَّ في أيماننا. * * * وقد بينا أن معنى "الاعتداء" ، المجاوزة في الشيء حدَّه. (3) * * * (1) السياق: "الأولى بالميت. . . فالأولى" . (2) في المطبوعة: "ثم حذف فيهما" ، وهو خطأ صرف، وهي في المخطوطة غير منقوطة. (3) انظر تفسير "الاعتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا) . "إنا إذًا لمن الظالمين" يقول: "إنّا إن كنا اعتدينا في أيماننا، فحلفنا مبطلين فيها كاذبين =" لمن الظالمين "، يقول: لَمِنْ عِدَادِ مَنْ يأخذ ما ليس له أخذه، (1) ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس. (2) " * * * القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ذلك" ، هذا الذي قلت لكم في أمر الأوصياء = إذا ارتبتم في أمرهم، واتهمتموهم بخيانة لمالِ من أوصى إليهم، من حبسهم بعد الصلاة، واستحلافكم إيَّاهم على ما ادَّعى قِبَلهم أولياء الميت = "أدنى" لهم "أن يأتوا بالشهادة على وجهها" ، يقول: هذا الفعل، إذا فعلتم بهم، أقربُ لهم أن يصدُقوا في أيمانهم، (3) ولا يكتموا، ويقرُّوا بالحق ولا يخونوا (4) = "أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم" ، يقول: أو يخاف هؤلاء الأوصياء إن عثر عليهم أنهم استحقُّوا إثمًا في أيمانهم بالله، أن تردَّ أيمانهم على أولياء الميت، بعد أيمانهم التي عُثِر عليها أنها كذب، فيستحقُّوا بها ما ادّعوا قِبَلهم من حقوقهم، فيصدقوا حينئذٍ في أيمانهم وشهادتهم، مخافةَ الفضيحة على أنفسهم، وحذرًا أن يستحقّ عليهم ما خانُوا فيه أولياء الميِّت وورثته. * * * (1) في المطبوعة: "لمن عدا ومن يأخذ" ، غير ما في المخطوطة، وأساء أقبح الإساءة. (2) انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة. (3) انظر تفسير "أدنى" فيما سلف 6: 78/7: 548. (4) انظر تفسير "على وجهه" فيما سلف 2: 511. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد تقدّمت الروايةُ بذلك عن بعضهم، نحن ذاكرو الرواية في ذلك عن بعضِ من بَقي منهم. 12979 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فإن عُثر على أنهما استحقّا إثمًا" ، يقول: إن اطُّلع على أنّ الكافرين كذبَا = "فآخران يقومان مقامهما" ، يقول: من الأولياء، فحلفا بالله أنّ شهادة الكافرين باطلة، وأنا لم نعتد، فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. يقول تعالى ذكره: ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها، أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم. وليس على شُهود المسلمين أقسْام، وإنما الأقسام إذا كانوا كافرين. 12980 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة" الآية، يقول: ذلك أحرَى أن يصدقوا في شهادتهم، وأن يخافوا العَقِب. (1) 12981 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أو يخافوا أن تردَّ أيمان بعد أيمانهم" ، قال: فتبطل أيمانهم، وتؤخذ أيمانُ هؤلاء. * * * وقال آخرون: [معنى ذلك تحبسونهما من بعد الصلاة. ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، على أنهما استحقا إثمًا، فآخران يقومان مقامهما] . (2) * ذكر من قال ذلك: (1) في المطبوعة: "وأن يخافوا العقاب" ، والصواب ما في المخطوطة و "العقب" (بفتح فكسر) : العاقبة، وذلك عاقبة أمرهما في وبطلان أيمانهم، وعاقبة رد الفضيحة على أنفسهم. (2) هذه الجملة كلها مضطربة المعنى، ولا تطابق الأثر التالي، وظني أن في الكلام سقطًا، أسقط الناسخ سطرًا أو نحوه، وتركتها على حالها في المخطوطة والمطبوعة، ولكني وضعتها بين قوسين، شكًّا مني في صحتها. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (590) صــ 206 إلى صــ 215 12982 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، فيحلفان بالله: "لا نشتري به ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين، أنّ صاحبكم لبهذا أوصى، وأنّ هذه لتركته" . فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: "إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما، فضحتكما في قومكما، ولم أجز لكما شهادة، وعاقبتكما" . فإن قال لهما ذلك، فإنّ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها. * * * القول في تأويل قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وخافوا الله، أيها الناس، وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبةً، وأن تُذْهبوا بها مال من يَحْرم عليكم ماله، وأن تخونوا من اتَّمنكم (1) = "واسمعوا" ، يقول: اسمعوا ما يقال لكم وما توعظون به، فاعملوا به، وانتهوا إليه = "والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، يقول: والله لا يوفِّق من فَسَق عن أمر ربّه، فخالفه وأطاع الشيطانَ وعصى ربَّه. * * * وكان ابن زيد يقول: "الفاسق" ، في هذا الموضع، هو الكاذب. (2) 12983 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "والله لا يهدي القومَ الفاسقين" ، الكاذبين، يحلفون على الكذب. * * * (1) انظر ما كتبته في "اتمن" فيما سلف ص: 197، تعليق: 3. (2) انظر تفسير "الفاسق" بهذا المعنى من تفسير ابن زيد، فيما سلف رقم: 12103 في الجزء 10: 376. ثم انظر تفسير "الفسق" فيما سلف من فهارس اللغة (فسق) . وليس الذي قال ابن زيد من ذلك عندي بمدفُوعٍ، إلا أن الله تعالى ذكره عَمَّ الخبر بأنه لا يهدي جميع الفسَّاق، ولم يخصص منهم بعضًا دون بعض بخبر ولا عقلٍ، فذلك على معاني "الفسق" كلها، حتى يخصِّص شيئًا منها ما يجب التسليمُ له، فيُسلِّم له. * * * ثم اختلف أهل العلم في حكم هاتين الآيتين، هل هو منسوخ، أو هو مُحكَم ثابت؟ فقال بعضهم: هو منسوخ * ذكر من قال ذلك: 12984 - حدثنا أبو كريب قال، ثنا ابن إدريس، عن رجل قد سماه، عن حماد، عن إبراهيم قال: هي منسوخة. 12985 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: هي منسوخة = يعني هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" ، الآية. * * * وقال جماعة: هي محكمة وليست بمنسوخة. وقد ذكرنا قولَ أكثرهم فيما مضَى. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن حكم الآية غيرُ منسوخ (1) وذلك أن من حكم الله تعالى ذكره الذي عليه أهل الإسلام، من لدن بعث الله تعالى ذكره نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أنّ من ادُّعِي عليه (1) في المطبوعة والمخطوطة: "أن حكم الآية منسوخ" ، وهو خطأ فاحش، فإن أبا جعفر يقول بعد ذلك أنها غير منسوخة، كما سترى، فالصواب ما أثبته. دَعْوى ممَّا يملكه بنو آدم، أنّ المدَّعَى عليه لا يبرئه مما ادُّعي عليه إلا اليمين، إذا لم يكن للمدَّعِي بيّنة تصحح دَعواه = وأنه إن اعترف في يَدِ المدَّعى [عليه] سلعةً له، (1) فادَّعَى أنها له دون الذي في يده، فقال الذي هي في يده: "بل هي لي، اشتريتها من هذا المدَّعِي" ، أنّ القول قول من زَعَم الذي هي في يده أنه اشتراها منه، دون من هي في يده مع يمينه، إذا لم يكن للذي هي في يده بيّنة تحقق به دعواه الشراءَ منه. فإذ كان ذلك حكم الله الذي لا خلافَ فيه بين أهل العلم، وكانت الآيتان اللتان ذكر الله تعالى ذكره فيهما أمرَ وصية الموصِي إلى عدلين من المسلمين، أو إلى آخرين من غيرهم، إنما ألزَم النبي صلى الله عليه وسلم، فيما ذكر عنه، الوصيَّين اليمينَ حين ادَّعَى عليهما الورثة ما ادَّعوا، ثم لم يلزم المدَّعَى عليهما شيئًا إذ حلفا، حتى اعترفت الورثة في أيديهما ما اعترفُوا من الجام أو الإبريق أو غير ذلك من أموالهم، فزعما أنهما اشترياه من ميتهم، فحينئذ ألزم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ورثَة الميِّت اليمين، لأن الوصيين تحوَّلا مُدَّعِيين بدعواهما ما وجدَا في أيديهما من مال الميِّت أنه لهما، اشتريَا ذلك منه، فصارَا مُقِرَّين بالمال للميِّت، مدَّعيين منه الشراء، فاحتاجا حينئذ إلى بيِّنةٍ تصحِّح دعواهما، وصارتْ وورثة الميتِ ربِّ السلعة، (2) أولى باليمين منهما. فذلك قوله تعالى ذكره: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، الآية. (1) في المطبوعة: "وأنه إن اعترف وفي يدي المدعي سلعة" ، غير ما في المخطوطة، وفيها: "وأنه إن اعترف في يد المدعي سلعة" ، فأثبت ذلك، وهو الصواب، وزدت "عليه" بين القوسين، لأنه حق المعنى. وقوله: "اعترف" بمعنى: عرفها وميزها، كما سيأتي في سائر الفقرة. (2) في المطبوعة: ". . . تصحح دعواهما، وورثة الميت رب السلعة" ، حذف قوله "وصارت" ، مع أن الكلام لا يستقيم إلا بها، وهي في المخطوطة ثابتة، إلا أن الناسخ أساء كتابتها. فإذ كان تأويل ذلك كذلك، فلا وجه لدعوَى مدَّعٍ أن هذه الآية منسوخة، لأنه غير جائز أن يُقْضَى على حُكم من أحكام الله تعالى ذكره أنه منسوخ، إلا بخبَرٍ يقطع العذرَ: أمّا من عند الله، أو من عند رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بورود النَّقل المستفيض بذلك. فأمَّا ولا خبر بذلك، ولا يدفع صحته عقل، فغير جائز أن يقضى عليه بأنه منسوخ. * * * القول في تأويل قوله: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (109) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتقوا الله، أيها الناس. واسمعوا وَعْظه إياكم وتذكيرَه لكم، واحذروا يَوْم يَجْمع الله الرسل = ثم حذف "واحذروا" ، واكتفى بقوله: "واتقوا الله واسمعوا" ، عن إظهاره، كما قال الراجز: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا (1) يريد: "وسقيتها ماء باردًا" ، فاستغنى بقوله "علفتها تبنًا" من إظهار "سقيتها" ، إذ كان السامع إذا سَمِعه عرف معناه. فكذلك في قوله: "يوم يجمع الله والرسل" ، حذف "واحذروا" لعلم السامع معناه، اكتفاءً بقوله: "واتقوا الله واسمعوا" ، إذ كان ذلك تحذيرًا من أمر الله تعالى ذكره، خلقَه عقابَه على معاصيه. * * * وأما قوله: "ماذا أُوجبتم" ، فإنه يعني به: ما الذي أجابتكم به أممكم، (2) حين (1) مضى تخريج البيت وتفسيره فيما سلف 1: 264، وكان في المطبوعة هنا: "حتى غدت همالة" ، غير ما في المخطوطة. (2) انظر تفسير "ماذا" فيما سلف 4: 292، 346، 347/8: 359. دعوتموهم إلى توحيدي، والإقرار بي، والعمل بطاعتي، والانتهاء عن معصيتي؟ = "قالوا لا علم لنا" . * * * فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى قولهم: "لا علم لنا" ، لم يكن ذلك من الرسل إنكارًا أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم، ولكنهم ذَهِلوا عن الجواب من هَوْلِ ذلك اليوم، ثم أجابوا بعد أن ثَابَتْ إليهم عقولهم بالشَّهادة على أممهم. * ذكر من قال ذلك: 12986 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل. قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: "يوم يجمع الله الرسل فيقول مَاذا أجبتم قالوا لا علم لنا" ، قال: فذلك أنهم نزلوا منزلا ذَهِلت فيه العقول، (1) فلما سئلوا قالوا: "لا علم لنا" ، ثم نزلوا منزلا آخر، فشهدوا على قومهم. 12987 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة قال: سمعت الحسن يقول في قوله: "يوم يجمع الله الرسل" ، الآية، قال: من هول ذلك اليوم. (2) 12988 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، فيفزعون، فيقول: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا علم لنا! * * * وقال آخرون: معنى ذلك: لا علم لنا إلا ما علّمتنا. (1) في المطبوعة: "ذلك أنهم لما نزلوا" ، وفي المخطوطة: "فذلك أنهم لما نزلوا" وأثبت ما في المخطوطة، وحذفت "لما" لأنه لا موضع لها هنا، وكأنها زيادة من عجلة الناسخ. (2) الأثر: 12987 - هذا إسناد ناقص بلا شك، بين "عتبة" ، و "الحسن البصري" ، فوضعت مكانه النقط، وقد أعجلت أن أجد مثله فيما سلف، فتركته حتى أجد تمامه. * ذكر من قال ذلك: 12989- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، فيقولون: = لا علم لنا إلا ما علمتنا = "إنك أنتَ علام الغيوب" . * * * وقال آخرون: معنى ذلك: قالوا لا علم لنا، إلا علمٌ أنت أعلَمُ به منَّا. * ذكر من قال ذلك: 12990- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا" ، إلا علم أنت أعلم به منا. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: "ماذا أجبتم" ، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟ * ذكر من قال ذلك: 12991 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا بعدكم؟ = "قالوا قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب" . * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: "معناه: لا علم لنا، إلا علم أنت أعلم به منّا" ، لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا: "لا علم لنا إنَّك أنتَ علام الغيوب" ، أي: إنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفيِّ العلوم وجليِّها. فإنما نَفى القومُ أن يكون لهم بما سُئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره = لا أنَّهم نَفَوا أن يكونوا علموا ما شاهدُوا. كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنَّهم يُخْبرون بما أجابتهم به الأمم، وأنهم يسْتشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء، (1) فقال تعالى ذكره: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [سورة البقرة:143] . * * * وأما الذي قاله ابن جريج، من أن معناه: "ماذا عملت الأمم بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟" فتأويل لا معنَى له. لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يَحدُث بعدها إلا ما أعلمها الله من ذلك، وإذا سئلت عَمَّا عملت الأمم بعدها والأمر كذلك، فإنما يقال لها: ماذا عَرَّفناك أنه كائن منهم بعدك؟ وظاهرُ خَبر الله تعالى ذكره عن مسألته إيّاهم، يدلّ على غير ذلك. * * * القول في تأويل قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لعباده: احذروا يومَ يجمع الله الرسلَ فيقول لهم: ماذا أجابتكم أممكم في الدنيا = "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" . * * * ف "إذْ" من صلة "أجبتم" ، كأنّ معناها: ماذا أجابت عيسى الأمم التي أرسل إليها عيسى. * * * (1) في المطبوعة: "سيشهدون على تبليغهم" ، حرف ما في المخطوطة وأساء. فإن قال قائل: وكيف سئلت الرسل عن إجابة الأمم إيَّاها في عهد عيسى، ولم يكن في عهد عيسى من الرُّسل إلا أقلُّ ذلك؟ (1) قيل: جائزٌ أن يكون الله تعالى ذكره عنى بقوله: "فيقول ماذا أجبتم" ، الرسلَ الذين كانوا أرسلوا في عهد عيسى، فخرَج الخبر مخرج الجميع، والمراد منهم من كان في عهد عيسى، كما قال تعالى ذكره: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [سورة آل عمران: 173] ، والمراد واحدٌ من الناس، وإن كان مخرج الكلام على جميع الناس. (2) قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: "إذ قال الله" ، حين قال = "يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" ، يقول: يا عيسى اذكر أياديّ عندك وعند والدتك، (3) إذ قوّيتك برُوح القُدس وأعنتُك به. (4) * * * وقد اختلف أهل العربية في "أيدتك" ، ما هو من الفعل. فقال بعضهم: هو "فعّلتك" ، [ "من الأيد" ] ، كما قولك: "قوّيتك" "فعّلت" من "القوّة" . (5) * * * وقال آخرون: بل هو "فاعلتك" من "الأيد" . (1) في المطبوعة: "إلا أقل من ذلك" ، زاد "من" ، فأفسد الكلام، والصواب ما في المخطوطة. (2) انظر ما سلف: 405 413. (3) انظر تفسير "النعمة" فيما سلف من فهارس اللغة (نعم) . (4) انظر تفسير "أيد" فيما سلف 2: 319/5: 379/6: 242. (5) الزيادة بين القوسين، لا بد منها. وفي المطبوعة: "كما في قوله" بزيادة "في" ، والصواب ما في المخطوطة بحذفها. وروي عن مجاهد أنه قرأ: (إذْ آيَدْتُك) ، بمعنى "أفعلتك" ، من القوّة والأيد. (1) . * * * وقوله: "بروح القدس" ، يعني: بجبريل. يقول: إذ أعنتك بجبريل. * * * وقد بينت معنى ذلك، وما معنى "القدس" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) * * * القول في تأويل قوله: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قِيله، لعيسى: "اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" ، في حال تكليمك الناسَ في المهدِ وكهلا. * * * وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره: أنه أيده بروح القدس صغيرًا في المهد، (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 325. وهذا الذي ذكره هنا في "أيدتك" تفصيل أغفله في بيانه السالف في: 2: 319، وهذا من ضروب اختصاره في التفسير، وهو دال أيضًا على طريقته في تأليف هذا التفسير. (2) انظر تفسير "روح القدس" فيما سلف 2: 320، 321/5: 379. وكهلا كبيرًا = فردّ "الكهل" على قوله "في المهد" ، لأن معنى ذلك: صغيرًا، كما قال الله تعالى ذكره: دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، [سورة يونس: 12] . * * * وقوله: "وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" ، يقول: واذكر أيضًا نعمتي عليك "إذ علمتك الكتاب" ، وهو الخطّ = "والحكمة" ، وهي الفهم بمعاني الكتاب الذي أنزلته إليك، وهو الإنجيل = "وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير" ، يقول: كصورة الطير (1) = "بإذني" ، يعني بقوله "تخلق" تعمل وتصلح - "من الطين كهيئة الطير بإذني" ، يقول: بعوني على ذلك، وعلمٍ منّي به = "فتنفخ فيها" ، يقول: فتنفخ في الهيئة، قتكون الهيئة والصورة طيرًا بإذني = "وتبرئ الأكمه" ، يقول: وتشفي "الأكمهَ" ، وهو الأعمى الذي لا يبصر شيئًا، المطموس البصر= "والأبرص بإذني" . * * * وقد بينت معاني هذه الحروف فيما مضى من كتابنا هذا مفسرًا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) * * * (1) مكان هذا النقط بياض في المخطوطة، وفي هامشها حرف (ط) ، دلالة على موضع خطأ. فأثبتها كذلك. وإن كنت أرجح أن سياق أبي جعفر يقتضي أن تكون عبارته هكذا: وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير، يعني بقوله: "تخلق" ، تعمل وتصلح "من الطين كهيئة الطير" ، يقول: كصورة الطير: "بإذني" ، يقول: بعوني على ذلك. . . ومع ذلك، فقد تركت ما في المخطوطة على ما هو عليه. (2) انظر تفسير "المهد" فيما سلف 6: 417 = وتفسير "الكهل" 6: 417، 418 = وتفسير "الكتاب" ، و "الحكمة" فيما سلف من فهارس اللغة (كتب) و (حكم) = وأما تفسير "خلق" و "هيأة" بهذا المعنى، فلم يذكره فيما سلف، وإن كان ذلك مضى في 6: 424 وتفسير "أبرأ" 6: 428 = وتفسير "الأكمه" 6: 428 - 430 = وأما "الأبرص" فلم يفسره = وتفسير "الإذن" فيما سلف 10: 145، تعليق: 3، والمراجع هناك. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
الساعة الآن : 02:58 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour