ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الإنشاء (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=76)
-   -   مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=276258)

ابوالوليد المسلم 07-11-2024 12:32 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 164)
مثنى محمد هبيان

﴿ٱلحَجُّ أَشهُر مَّعلُومَـٰتࣱۚ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلحَجِّۗ وَمَا تَفعَلُوا۟ مِن خَیر یَعلَمهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُوا۟ فَإِنَّ خَیرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ یَـٰأُولِی ٱلأَلبَـٰبِ﴾ [البقرة: 197]
السؤال الأول:
ما الفرق بين الفسق والكفر والظلم؟
الجواب:
1ـ الفسق: هو الخروج عن الطاعة من: (فسقت الرطبة) إذا خرجت من قشرها، ويمتد هذا الفسق من أيسر الخروج حتى يصل إلى الكفر، وكله يسمى فسقاً، فالذي يخرج عن الطاعة وإنْ كان قليلاً يسمى فاسقاً والكافر يسمى فاسقاً أيضاً.
شواهد قرآنية:
﴿إِلَّآ إِبلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمرِ رَبِّهِۦٓۗ﴾ [الكهف:50] الكلام عن إبليس.
﴿وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [النور:55] الكفر سماه فسوقاً، والنفاق سماه فسوقاً.
﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمِنا كَمَن كَانَ فَاسِقاۚ لَّا يَستَوُۥنَ﴾ [السجدة:18].
﴿إِنَّ ٱلمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [التوبة:67].
والفسق هو الخروج عن الطاعة، والفاسق ليس بالضرورة كافراً؛ لكنْ قد يصل إلى الكفر، وقد لا يصل كما في آية البقرة هذه: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ [البقرة:197] فالفسوق ليس كفراً هنا، وكيف يكون كفراً في الحج؟
وكذا في قوله تعالى: ﴿وَإِن تَفعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ﴾ [البقرة:282] فهذا ليس كفراً. وليس كل فاسق كافراً، لكن كل كافر فاسق قطعاً، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾ [التوبة:67].
2ـ الظلم: هو مجاوزة الحد عموماً، وقد يصل إلى الكفر: ﴿وَٱلكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾ [البقرة:254] وقد لا يصل.
3ـ أما الكفر: فهو الخروج عن المِلّة، والكفر أصله اللغوي السِّتُر، وتستعار الدلالة اللغوية للدلالة الشرعية.
السؤال الثاني:
لم عبّر ربنا سبحانه وتعالى بالنفي في قوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ [البقرة:197] ولم يعبّر بالنهي فلم يقل: ولا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا؟
الجواب:
ذلك لأنّ النفي أبلغ من النهي الصريح، فالنهي قد يعني أنه يمكن أن يحصل هذا الفعل لكنكم منهيوّن عنه، أمّا النفي فيعني أنّ هذا الفعل ينبغي أنْ لا يقع أصلاً، وأنْ لا يكون له وجود أبداً، فضلاً عن أنْ يفعله أحدٌ منكم أيها المسلمون، ومن ثمّ أدخل النفي على الاسم لينفي جنس الفعل وأصله.
السؤال الثالث:
أمر في الآية بالتقوى بشكل عام ثم أمر أولي الألباب خاصة بالتقوى، فماذا يسمى هذا في اللغة؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ يَعلَمهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ [البقرة:197]
تأمل أخي المؤمن كيف ذكر الأمر بالتقوى عاماً للناس كلهم، ثم أمر أولي الألباب خاصة بالتقوى، وهذا يسمى الإطناب، وفائدة الإطناب هنا أنْ الأمر بالتقوى ليس خاصاً بأولي الألباب وحدهم ولا يتوجه الكلام إليهم دون غيرهم؛ لأنّ كل إنسان مأمور بالتقوى، لكنْ ذكر هنا الخاص بعد العام للتنبيه على فضل الخاص وهم أولوا الألباب، وأرجحيته على العام وهم عوام الناس؛ لأنّ الناس يتفاضلون بالألباب وبها يتمايزون.
السؤال الرابع:
ورد في الآية لفظة ﴿فِيهِنَّ﴾ فلماذا لم يستعمل لفظة (فيها) مثلاً؟
الجواب:
أشهر الحج ثلاثة، وهي جمع قلة، حيث جمع القلة من الثلاثة إلى العشرة، فإذا زاد العدد عن العشرة كان جمع كثرة.
وفي جمع غير العاقل، فالغالب أن يعود عليه الضمير في جمع الكثرة بالإفراد وفي جمع القلة بالجمع، فتقول: (الأشجار سقطتْ) الضمير العائد ـ هي ـ إذا كان عددها كبيراً فوق العشرة، وتقول: (الأشجار سقطنَ) الضمير العائد ـ هنّ ـ إذا كان عدد الأشجار قليلاً دون العشرة.
ولفظة (فيهنّ) تتكون من حرف الجر واتصل به ضمير جر (هاء الغائب)، وضمائر الجر المتصلة هي:
آ ـ ياء المتكلم، نحو: كتابي.
ب ـ كاف المخاطب، نحو: كتابكَ ـ كتابكِ ـ كتابكما ـ كتابكم ـ كتابكن.
ج ـ هاء الغائب، نحو: (كتابهُ ـ كتابها) للمفرد المذكر والمؤنث ـ (كتابهما) للمثنى ـ (كتابهم ـ كتابهنّ) للجمع المذكر والمؤنث.
ولذلك فإنّ لفظة (فيهن) تستعمل مع الجمع، بينما تستعمل لفظة (فيها) أو لفظة (فيه) مع الإفراد.
وفي الآية جاء اللفظ ﴿فِيهِنَّ﴾ فأعاد الضمير على أشهر الحج بالجمع، لأنّهن ثلاثة أشهر (جمع قلة).
وبصورة أخرى نستطيع أن نقول:
1ـ ضمير الإناث يستعمل للإناث، ويستعمل لجمع غير العاقل، نقول: الجبال هُنّ شاهقات، وما نقول: هم، وفي قوله تعالى: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُر مَّعلُومَـٰتࣱۚ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلحَجَّ﴾ جاء اللفظ (فيهن) للأشهر.
2 ـ جمع المؤنث السالم نحو: (ممسكات، كاشفات) أيضاً يستعمل الجمع منه للمؤنث الحقيقي، ويستعمل لجمع مذكر غير عاقل سواء كان وصفاً أو اسماً، نقول مثلاً: جبال شاهقات، أنهار جاريات، بل حتى أحياناً الاسم غير العاقل الذي ليس له جمع آخر يستعمل المؤنث مثل: اصطبل اصطبلات، حمّام حمّامات، بينما ضمير الواو في جمع المذكر السالم هذا لا يستعمل إلا للذكور العقلاء فقط.
لمزيد من التفصيل انظر آية التوبة 36.
السؤال الخامس:
ما أهم دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1ـ الفاء في قوله تعالى: ﴿فَمَن فَرَضَ﴾ فاء الفصيحة لأنها جاءت بمثابة تفصيل لمن استوضح عن المجمل.
2 ـ قوله تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلحَجِّۗ﴾ فيه ضرب من النهي عجيب، حيث تخصيص النهي عن ذلك في الحج يشعر أنّ هذه الأعمال وإنْ كانت قبيحة خارج الحج، ولكنّ قبحها في الحج أمرٌ فوق الاجتناب.
3ـ قوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ﴾ فيه تشبيه بليغ، فقد شبّه التقوى بالزاد.
4 ـ الإطناب في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ للتنبيه على فضل الخاص على العام، وإنما يتفاضل الناس بالألباب التي هي العقول.
وللعلم لم تأت كلمة (الألباب) في القرآن إلا بالجمع، ولم تأت منفردة ربما لعذوبة الجمع وسماجة المفرد فيها.
وختمت آية الحج بهذه الجملة ﴿وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ﴾ تأكيداً على تحقيق التقوى في أعمال الحج.
5 ـ سعة البيوت حسب الغنى ومساحة اﻷرض، وسعة القبور بصلاح العمل ورضا الرب:
﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقوَىٰۖ﴾.
6 ـ قال الطبري: كيف قيل: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ وهو شهران وبعض الثالث؟ يجيب ابن جرير الطبري فيقول: «إنَّ العرب لا تمتنع خاصةً في الأوقات من استعمال مثل ذلك، فتقول: اليوم يومان منذ لم أره. وإنما تعني بذلك يومًا وبعض آخر، وكما قال جلّ ثناؤه: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ﴾ [البقرة: 203] وإنما يتعجل في يوم ونصف».
7ـ جاء في تفسير السعدي: التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم سؤالًا واستشرافًا، أمّا الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه وأُخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زادٌ إلى دار القرار، ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطَع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى.
8 ـ وجاء في تفسير السعدي أيضاً: وقفت متأملًا لقوله تعالى: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ فتساءلت: لماذا تميز وقت الحج بـ(أشهر) دون سائر الأركان؟ فكأنه لعدم وجوبه في العمر إلا مرة واحدة، ولبعد مسافة قاصده غالبًا ﴿يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27]؛ أطال أمده ليقضي المسلم نهمته من العبادة في الحرم، ويتهيأ قبل فترة المناسك وبعدها، إذ يقدم مبكرًا وينصرف متأخرًا إنْ رغب، توسعة ورحمة، وحثًا على المبادرة والتزود؛ لما لذلك من أثر إيجابي في حياته.
9 ـ جاء في تفسير الشعراوي: في آيات الصيام قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185] سمى الله شهر رمضان، ولكنه لم يسم أشهر الحج، وإنما قال: ﴿ٱلحَجُّ أَشهُرٞ مَّعلُومَٰتٞۚ﴾ والسبب أنّ الحج كانت تعرفه العرب، فلا حاجة لتسمية شهوره، أمّا الصيام فهي عبادة جديدة، لم تعرفها العرب من قبل، فسمي لأجل ذلك شهر رمضان.
والله أعلم.


ابوالوليد المسلم 18-12-2024 04:36 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 165)
مثنى محمد هبيان

﴿لَيسَ عَلَيكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلمَشعَرِ ٱلحَرَامِۖ وَٱذكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ﴾ [البقرة: 198]
السؤال الأول:
ما أهم وقفات هذه الآية؟
الجواب:
لا مانع أنْ يذهب الإنسان ليحج ويتاجر، وقديماً كانوا يقولون: حاج وداج، لمن يذهب إلى الأراضي المقدسة للتجارة.
والتجارة إذا أوقعت نقصاناً في الطاعة لم تكن مباحة، وإنْ لم توقع نقصاناً فهي من المباحات.
السؤال الثاني:
قوله تعالى: ﴿تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ﴾ [البقرة:198] ولم يقل: رزقاً، مثلاً، فما السبب؟
الجواب:
آ ـ قال الحق: ﴿تَبتَغُواْ فَضلا مِّن رَّبِّكُمۡۚ﴾ [البقرة:198] ولم يقل: رزقاً؟ لأنك في الأصل أنت تذهب إلى الحج ومعك زادك ونفقتك، أي: لا تذهب إلى الحج لتأكل من التجارة، فإنْ كسبت شيئاً إضافياً من التجارة فهو فضل، أي: أمر زائد عن الحاجة.
ب ـ الرزق والفضل من الله، وإياك أنْ تقول: قوة أسباب وذكاء، بل الرزق كله من الله.
السؤال الثالث:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ﴾ [البقرة:198] في الآية؟
الجواب:
آـ قوله تعالى: ﴿فَإِذَآ أَفَضتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ﴾ [البقرة:198] تدل على أنّ الله قد حكم بأنّ عرفات سوف تمتلىء امتلاء، وكل من يخرج منها كأنه فائض عن العدد المحدد لها، فكأنه سيل متدفق. والإفاضة دفع بكثرة، من أفضت الماء إذا صببته بكثرة، وكل دفعة إفاضة. وهناك إفاضتان: إفاضة من عرفات، وإفاضة من مزدلفة.
ب ـ قيل: إنّ آدم هبط في مكان، وحواء هبطت في مكان، وظل كلاهما يبحث عن الآخر باشتياق شديد لأنهما زوجان وتلاقيا في عرفة، ومن هذا التفرق كان الشوق ثم اللقاء.
ج ـ قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ﴾ [البقرة:199] أفادت أنه لا بدّ من المبيت في مزدلفة. وقال آخرون: إنّ المقصود به من حيث أفاض إبراهيم عليه السلام.
السؤال الرابع:
لماذا كرّر طلب الذكر في الآية فقال: ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلمَشعَرِ ٱلحَرَامِۖ وَٱذكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ﴾ [البقرة:198]؟
الجواب:
كرّر طلب الذكر تنبيهاً على أنه أراد ذكراً مكرراً لا ذكراً واحداً، ولأنه زاد في الثاني قوله: ﴿كَمَا هَدَىٰكُمۡ﴾ [البقرة:198] يعني اذكروه بأحديّته كما ذكركم الله تعالى بهدايته.
أو أنه إشارة إلى أنه أراد بالذكر الأول الجمع بين الصلاتين بمزدلفة، وبالثاني الدعاء بعد الفجر فلا تكرار. أو الِإشارة بالأول إلى الذكر باللفظ، وبالثاني إلى الذكر بالقلب. والله أعلم.
السؤال الخامس:
ما الفرق بين التعبيرين في القرآن الكريم {لَّا جُنَاحَ عَلَیكُمۡ} و {لَیسَ عَلَیكُمۡ جُنَاحٌ
الجواب:
جملة (لا جناح عليكم) جملة اسمية تدل على الثبوت والدوام، وجملة (ليس عليكم جناح) جملة فعلية تدل على الحدث والتجدد والانقطاع، و الجملة الاسمية أقوى من الفعلية، لذا تأتي الأولى في سياق العبادات والحقوق والعلاقات الأسرية، وتأتي الثانية في سياق البيع والشراء والتجارة والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال.
لمزيد من التفصيل انظر الجواب في آية البقرة 158.


ابوالوليد المسلم 18-12-2024 04:37 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 166)
مثنى محمد هبيان

﴿فَإِذَا قَضَيتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة: 200]
السؤال الأول:
ما دلالة قوله تعالى في الآية ﴿مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة:200]؟
الجواب:
1ـ في الآية طُلب من الحاج أنْ يكون دائماً ذاكراً، وذكرُ الله يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من نعيم وشقاء.
2 ـ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا﴾ ما قال آتنا ماذا؟ إمّا لتهوين شأنه، أو لأنه عظيم عندهم، وهم يريدون كل شيء في الدنيا، حتى ما وصفوا هذا المأتي به بأنه حسن، وهذه سِمة لا يحبها الله عز وجل لعباده فكيف أدّبهم؟
هم لا يفكرون بالآخرة، والله عز وجل لا يريد لعباده الصالحين أن يكونوا كهؤلاء، ويريد منهم أن يذكروه ويتذكروا الآخرة، لأن هذه الحياة مهما طالت هي كحلم رائي كما في الأثر: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، والإنسان في لحظة موته كأنه استيقظ من منام وكان يرى حلماً كل هذه السنوات.
3ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة:200] الخلاق هو النصيب، لكن لم يقل نصيب؛ لأن الخَلَق والخَلَقَات نستعمله للشيء البالي.
وبالتالي يكون المعنى: أنه حتى هذا النصيب البالي التافه ليس لهم في الآخرة؛ لأنهم هم لا يفكرون أصلاً في الآخرة وإنما في الدنيا، ولذلك هم لم يصفوا بالحسن ما أرادوا بل قالوا: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا﴾ [البقرة:200] أي: يريدون أي شيء في الدنيا فقط.
4 ـ قوله تعالى: ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ﴾ يفيد أنّ للآباء أثر كبير على أبنائهم، فهم القدوة الذين يتلقون منهم القيم، وتربطهم بالأبناء عاطفة قوية، لذا لهم تأثير كبير في توجيه سلوك الأبناء وهذه مسؤولية يجب أن يعيها كل أب حتى يورث أبنائه الصلاح والتقوى.
5 ـ المتأمِّلُ في شعائر الحج يلحظُ تربيةً عجيبةً على كثرة الذكر، فنجد النصَّ عليه في القرآن في مواضع: ‏عند المشعر الحرام، وفي أيام التشريـق، وعند الفراغ من المناسـك، وعند الذبــح، والذكـر على عمـوم نعمـة التوحيـد، والتوفيـق لهـذه المناسـك، فلنفتِّش عن أثر هذه العبادة في مناسكنا.
6 ـ في آيات الحجِّ عالج القرانُ خصائص الجاهلية وكيفية تنقية المجتمع المسلم منها بأسلوب يستثمر المناسبة ويستفيد منها، ومن ذلك التكبُّر على الناس والتميُّز عنهم، والفخر بالآباء والتعصب لهم، تدبر: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة:199]، و ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ﴾ [البقرة:200]، فما أحوج الدعاة والأمة جميعًا لمثل هذا الأسلوب، ولذلك النقاء.
والله أعلم.


ابوالوليد المسلم 18-12-2024 04:38 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 167)
مثنى محمد هبيان

﴿وَمِنهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة: 201]
السؤال الأول:
قال تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] ما حسنة الدنيا؟ وما حسنة الآخرة؟ ولِمَ كانت هذه الآية من أحب الدعاء لقلب النبي ﷺ؟
الجواب:
لا شك هي من الآيات الجامعة، ونحن نقرؤها قبل السلام في الصلاة دائماً، وثبت أنّ النبي ﷺ كان يقول بهذا الدعاء في الطواف بين الركن اليماني والحَجر الأسود.
وحسنة الدنيا هي: الصحة والأمن والكفاية والولد والزوجة الصالحة والنصرة على الأعداء وفهم كتاب الله، وما أشبه ذلك.
وأمّا حسنة الآخرة فهي: الفوز بالثواب والخلاص من العقاب والجنة ونيل رحمة الله سبحانه. والآية كلمة جامعة لجميع مطالب الدنيا والآخرة.
السؤال الثاني:
ما دلالة هذا التقسيم في الدعاء المذكور في الآية؟
الجواب:
بيّن الحق سبحانه وتعالى أنّ الذين يدعون الله فريقان:
1ـ من يكون دعاؤهم لطلب الدنيا فقط، وهم الكفار أو المؤمنون، لكنهم يسألون الله لدنياهم فقط.
2ـ والذين يجمعون في الدعاء بين طلب الدنيا وطلب الآخرة.
وقد كان في التقسيم نظرياً قسم ثالث وهو من يكون دعاؤه مقصوراً على طلب الآخرة، واختلف العلماء هل هو مشروع أم لا؟ والأكثرون على أنه غير مشروع؛ وذلك أنّ الإنسان خُلق محتاجاً ضعيفاً لا طاقة له بمتاعب الدنيا ولا بمشاق الآخرة، فالأولى أنْ يستعيذ بربه من كل شرور الدنيا والآخرة.
وجاء في الحديث عن أنس أنّ النبي ﷺ دخل على رجل يعوده وقد أنهكه المرض، فقال: "ما كنت تدعو الله به قبل هذا؟" قال: كنت أقول: اللهم ما كنت تعاقبني به في الآخرة فعجل به في الدنيا، فقال النبي ﷺ: "سبحان الله إنك لا تطيق ذلك، ألا قلت: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِقال: فدعا له رسول الله فشُفِيَ" (رواه أنس بن مالك في صحيح مسلم)
3 ـ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا﴾ استعمل الفعل (أتى) ولم يستعمل الفعل (أعطى) والفعلان أتى وأعطى لهما معنى متقارب معجمياً لكن ليس مترادفاً. وفعل أتى أصله (أتي) والفعل أعطى أصله (عطو) ونجد أنّ العين والطاء والواو أقوى من الهمزة والتاء والياء، وهذا معناه أنّ العطاء أو الإعطاء فيه نوع من القوة وليس فيه هذا اللين والرقة مثل الإتيان، لذلك كثيرون من أهل اللغة قالوا: إن الإعطاء فيه تمليك والإيتاء ليس شرطاً أن يكون فيه تمليك.
السؤال الثالث:
جاءت لفظة ﴿حَسَنَةٗ﴾ نكرة مرتين في الآية فما دلالة ذلك؟ وما دلالة الآية؟
الجواب:
1ـ كلمة ﴿حَسَنَةٗ﴾ جاءت نكرة في الموضعين، وهي في الحقيقة وصف لموصوف محذوف، وهذا الموصوف المحذوف هو على إطلاقه بما يفكر به الانسان، نحو: آتنا في الدنيا عطايا حسنة بتفاصيلها، وفي الآخرة عطايا حسنة أيضاً بتفاصيلها، فحذف الموصوف وأبقى الصفة، وجعلها بصيغة النكرة؛ حتى تشير إلى العموم والكثرة فتعني شيئاً عاماً، والله أعلم.
2ـ والهدف والمعنى والقصد من هذه الآية ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] أي: كونوا كهؤلاء، وهنا ذكر الوصف للموصوف المحذوف، يعني هم يريدون في الدنيا لكن بالوصف الحسن، ولم يقفوا عند هذا وإنما قالوا: ﴿وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ﴾ [البقرة:201] أيضاً بكل ما يتصور من العطايا الموصوفة بأنها حسنة في الآخرة، ثم زاد عليهم في دعائهم وهذا تدريب ودعاء أنْ ادعوا هكذا ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة:201]؛ لأنّ الإنسان لا ينبغي أنْ ينسى أنّ هناك ناراً.
وعمر رضي الله عنه يقول لجلسائه: يا فلان عِظنا، قال: يا أمير المؤمنين تزفر النار زفرة يوم القيامة (هذا الزفير النفخ)، فلا يبقى ملك ولا شهيد ولا نبي ولا صالح إلا ويجثو على ركبتيه، ولو كان لك عمل سبعين نبياً ما ظننتَ أنك ناج منها. يعني هذه الزفرة مخيفة من بعد ذلك وحتى عندما ينجي الله الذين اتقوا يحسّون بهذه اللذة لذة النجاة من هذه النار.
3ـ ولمّا كان هؤلاء المؤمنون على منهج الرسل، فعبدوا الله أولاً كما أشار إليه السياق فانكسرت نفوسهم ثم ذكروه على تلك المراتب الثلاث، نارت قلوبهم بتجلي نور جلاله سبحانه فتأهلوا بذلك الدعاء فكان دعاؤهم كاملاً.
السؤال الرابع:
ما الدروس المستفادة من الآية؟
الجواب:
آـ لماذا لم ننس الدنيا هنا؟ لأنّ الدنيا مزرعة للآخرة، والحسنة هنا جاءت بصيغة النكرة مرتين وهي وصف لموصوف محذوف، أي: أنه أطلقها لتكون عامة وشاملة، فكأننا نقول: يا رب أعطنا كل ما يُحسّن الدنيا عندك لنا، أي: أعطنا في الدنيا عطايا حسنة وأعطنا في الآخرة عطايا حسنة أيضاً.
ب ـ وقوله تعالى: ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ [البقرة:201] فيها نعمتان:
1ـ مجرد الزحزحة عن النار فيها نعيم، ويقول: الحمد لله أنْ أنجاني من النار.
2ـ فإذا ما دخل الجنة ورأى نعيمها يحمد الله مرة ثانية.
ج ـ قوله تعالى: ﴿وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾ هو تأكيد لعدم دخول النار مطلقاً، لأنّ بعض الموحدين العاصين يدخلون النار ثم يدخلون الجنة،فكأنه طلب مؤكد يتوجه به المؤمن إلى الله تعالى أن لا يدخله النار ولو كان عاصياً.
السؤال الخامس:
ماذا يُسمى هذا الدعاء ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾؟
الجواب:
هذا الدعاء يسمى عند أهل العلم بـ(تاج الدعاء)، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يردده دائماً.
وذكر بعض العلماء أنّ التيجان سبعة وهي:
تاج الذكر: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير).
تاج التسبيح: (سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته).
تاج الدعاء: (رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ).
تاج الاستغفار: (اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
تاج التحصين: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم).
تاج تفريج الكروب: قوله تعالى: ﴿لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء:87].
تاج راحة البال: (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
والله أعلم.

﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ﴾ [البقرة: 202]

السؤال الأول:
قوله تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ﴾ إلى من يرجع الضمير في لفظة (أولئك)؟
الجواب:
أنه إشارة إلى الفريق الثاني فقط الذين سألوا الدنيا والآخرة، وقيل: إنه راجع إلى الفريقين كل حسب نصيبه من العمل.
السؤال الثاني:
ما المراد من قوله تعالى: ﴿لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ﴾؟
الجواب:
1ـ في (من) ثلاثة أقوال، أحدها: أنها للتبعيض، أي: نصيب من جنس ما كسبوا. والثاني: أنها للسببية، أي: من أجل ما كسبوا. والثالث: أنها للبيان.
2ـ الآية تدل على أنّ الجزاء من جنس العمل، ولكن بحسب الوعد لا بحسب الاستحقاق الذاتي.
السؤال الثالث:
ما الكسب؟
الجواب:
1ـ الكسب يطلق على ما يناله المرء بعمله فيكون مكسبه ومكتسبه.
2- الاكتساب فيه افتعال ولا يكون إلا في الشر، كأنّ الذي يفعل الشر يتكلف فيه.
3ـ وفي الآية ﴿كَسَبُواْۚ﴾ أي: من الأعمال الصالحة وأعمال الخير والعبادة بأنواعها، والآية تتحدث عن أولئك.
السؤال الرابع:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ في الآية؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ لأنّ الله يفعل بـ (كن) ولا يحتاج عمله إلى علاج، وبالتالي لا يحتاج إلى زمن، فهو إذن سريع الحساب؛ ولأنه لا يشغله شأن عن شأن؛ وهذا هو الفرق بين قدرة الواحد سبحانه وقدرة الحادث.
ولذلك سئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الخلائق جميعاً في لحظة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في ساعة واحدة، فهو الذي يرزقهم وهو الذي يحاسبهم. والله أعلم.


ابوالوليد المسلم 18-12-2024 04:39 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 168)
مثنى محمد هبيان

﴿وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ فَلَآ إِثمَ عَلَيهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثمَ عَلَيهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيهِ تُحشَرُونَ﴾ [البقرة: 203]
السؤال الأول:
لم خصّ الله تعالى الذكر فى هذه الأيام ﴿وَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ﴾؟
الجواب:
لاحظ أنّ الله أمر عباده بالذِكر مع أنهم في الحج والموسم موسم عبادة، وخَصّ بالذكر الأيام المعدودات وهي أيام رمي الجِمار، وذلك لأنّ أهل الجاهلية كانوا يشغلون هذه الأيام بالتغامز ومغازلة النساء، فأراد الله تعالى صرفهم عن هذا الإثم إلى الخير دون ذِكر ما يفعلون.
السؤال الثاني:
ما أهم الدروس في هذه الآية؟
الجواب:
1ـ قول الحق سبحانه: ﴿فِيٓ أَيَّامٖ مَّعدُودَٰتٖۚ﴾ وهي أيام التشريق الثلاثة، ثم قوله: ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ﴾ يدل على أنّ كلمة (أيام) تطلق على الجمع وهو الأكثر من يومين.
2 ـ (في أيام معدودات) و (في أيام معلومات): الأيام المعدودات هي أيام التشريق، و الأيام المعلومات هي أيام عشر ذي الحجة، وهي أفضل أيام السنة، وكلاهما أمر الله سبحانه بالذكر فيهما لفضلهما.
3ـ لكنّ الحق جعل للقيام بيومين حكم القيام بالثلاثة، فإنْ تعجلت في يومين فلا إثم عليك، ومن قضى ثلاثة أيام فلا إثم عليه، فكيف يكون ذلك؟
والجواب: لأنّ المسألة ليست زمناً ولكنها استحضار نية تعبدية، فقد تجلس ثلاثة أيام وأنت غير مستحضر النية التعبدية؛ لذلك قال الله تعالى في كتابه: ﴿لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ﴾ فإياك أنْ تقارن الأفعال بزمنها، وإنما بإخلاص النية والتقوى فيها.
4ـ جملة: ﴿إِلَيهِ تُحشَرُونَ﴾ جاءت لتناسب زحمة الحج، فإذا كنت قد ذهبت باختيارك إلى هذا الحشر البشري في الحج فاعرف أنّ الذي كلفك بهذا الذهاب الاختياري هو القادر على أنْ يأتي بك وقد سُلب منك الاختيار.
5ـ كان أهل الجاهلية فريقين، منهم من جعل المتعجل آثماً ومنهم من جعل المتأخر آثماً، فأخبر الله بنفي الإثم عنهما جميعاً، أو أنه لا إثم على المتأخر في تركه الأخذ بالرخصة، مع أنّ الله تعالى يحب أنْ تؤتى رخصه كما يحب أنْ تؤتى عزائمه، أو أنّ معناه انتفاء الإثم عنهما موقوف على التقوى لا على مجرد الرخصة أو العزيمة.
والله أعلم.


ابوالوليد المسلم 18-12-2024 04:40 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 169)
مثنى محمد هبيان

﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ [البقرة: 204]

السؤال الأول:
كيف أضيفت كلمة ﴿أَلَدُّ﴾ إلى كلمة بمعناها وهي ﴿ٱلخِصَامِ﴾؟
الجواب:
الألدّ: صفة مشبهة، والّلدد: شدة الجدال، وتركت فلاناً يتلدد أي يلتفت يميناً وشمالاً من حيرته، فهي كلمة متحركة. و(الخصام) مصدر خاصم.
وقوله تعالى: ﴿وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ إضافة كلمة ﴿أَلَدُّ﴾ إلى ﴿ٱلخِصَامِ﴾ مع أنّ معنى (ألدّ) هو شديد الخصومة، وهذا من باب مبالغة القرآن الكريم؛ ليصف لنا ربنا مدى الخصومة التي تسكن قلب المخاصِم، فهو ليس مخاصِماً وحسب ولكنه مخاصِم وخصامه غريب فظيع. ألا ترى كيف تقول لفلان وقد غضب: جُنّ فلان، ولكنه إذا كان كثير الغضب تقول: جُنّ جنونه، والمعنى في الآية: خصامه شديد الخِصام.

السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
1 ـ الآية دليل على أنّ الأقوال التي تصدر من شخص ليست دليلاً على صدق أو كذب الشخص حتى يوجد العمل المصدّق لها، ولذلك يجب عدم الاغترار بالمظاهر وتزكية النفوس، حتى يتم سبر أعمالهم.
2 ـ ﴿وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ﴾ هـذا لسان المنافق... أما عمله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾.
والله أعلم


ابوالوليد المسلم 18-12-2024 04:42 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 170)
مثنى محمد هبيان

﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]

السؤال الأول:
لفظة (الحرث) من كلمات منظومة (الحديقة) في القرآن. فما كلمات تلك المنظومة؟
الجواب:
هذه هي كلمات منظومة (الحديقة) في القرآن، علما بأنه لم ترد كلمتا (بستان) و(حقل) في القرآن، لكنهما وردتا في الحديث.
1- الحديقة:
هي قطعة أرض مدورة فيها ماء وأشجار، وسُميت بهذا تشبيهاً بحدقة العين وفي حصول الماء فيها.
﴿فَأَنبَتنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهجَةٖ﴾ [النمل:60].
﴿حَدَآئِقَ وَأَعنَٰبا﴾ [النبأ:32].
﴿وَحَدَآئِقَ غُلبا﴾ [عبس:30].
2- البستان:
إذا اتسعت الحديقة وأصبحت مستطيلة أو مربعة واسعة الأطراف تُسمى بستاناً، وإذا أُطلقت كلمة البستان فهو بستان نخل فقط، وإلا يجب تحديده فيقال: بستان رمان، أو بستان تفاح.
3-الجنة:
إذا زادت كثافة الأشجار بحيث لا يُرى من دخلها تُسمى جنة، ومنها كلمة الجن؛ لأنهم لا يُرون.
﴿كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبوَةٍ﴾ [البقرة:265].
﴿أَن تَكُونَ لَهُۥ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعنَابٖ تَجرِي مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ﴾ [البقرة:266].
﴿فَأَنشَأنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ﴾ [المؤمنون:19].
4- الحرث:
هي الأرض الواسعة التي تُعد للبذر والزرع.
﴿وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ﴾ [البقرة:205].
﴿كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرثَ قَومٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهلَكَتهُۚ﴾ [آل عمران:117].
﴿وَدَاوُۥدَ وَسُلَيمَٰنَ إِذۡ يَحكُمَانِ فِي ٱلحَرثِ﴾ [الأنبياء:78].
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلدُّنيَا نُؤتِهِۦ مِنهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ [الشورى:20].
5- الحقل:
إذا اجتمع في الحرث بستان وزرع وحيوان صار حقلاً.
6- الروضة:
هي منطقة زراعية كثيرة المياه دائمة الخضرة؛ وسُميت بذلك لأنها تبهج النفس.
﴿فَهُمۡ فِي رَوضَةٖ يُحبَرُونَ﴾ [الروم:15].
﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِي رَوضَاتِ ٱلجَنَّاتِۖ﴾ [الشورى:22].
والله أعلم.

السؤال الثاني:
ما أهم دلالات الآية؟
الجواب:
1 ـ لا يعبث بالأمن أحدٌ عرف حق ربه، وحق مجتمعه، وحق نفسه، ولا يفعله إلا شخص لما تولى
﴿سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ﴾.
2 ـ الفساد له مظاهر شتى، أولها: الخروج على سنن الله الكونية والاجتماعية ومعالجة الشؤون الخاصة والعامة بالهوس والقصور، وقد يبدأ ذلك بأمور تافهة، كترك صنبور الماء مفتوحًا دون سبب، أو مكسورًا دون إصلاح، أو ترك خلل طارئ؛ ليصبح عاهة مستديمة!
والله أعلم.


ابوالوليد المسلم 04-01-2025 11:30 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من كتاب من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 171)
مثنى محمد هبيان

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ [البقرة: 206]
السؤال الأول:
ما دلالة ﴿ٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾ في الآية ؟
الجواب:
معنى: ﴿ٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾ أي: ليكن ظاهرُك موافقاً لباطنك، فلا يكفي أنْ تقولَ قولاً يُعجب الآخرين ، ولا يكفي أنْ تفعل فعلاً يُعجب الغير؛ لأنّ الله يحب أنْ يكون القولُ منسجماً مع الفعل، وأنْ يكون فعلُ الجوارح منسجماً مع نيات القلب.
السؤال الثاني:
كيف تكون جهنم دار مِهاد ونوم في قوله تعالى: ﴿فَحَسُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ ؟
الجواب:
1ـ وصف الله تبارك وتعالى الأرضَ بأنها مِهادٌ لنا في حياتنا؛ لأنها مهيأة للسعي والنوم.
وأمّا في قوله تعالى: ﴿وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾، فهذا أقصى أنواع التهكم بهؤلاء الكافرين، فالإنسان يتخذ المكان الوثير مهاداً ليهنأ بنومه، أمّا الكافرُ فلِسُخْفِ عقله أخذ النار والعذاب مكان نومه، فتأمل!.
2ـ وكلمة (مهاد) أي: ممهد ومريح، ولذلك يسمون فراشَ الطفل المهد.
وهل المهاد بهذه الصورة يناسب العذاب؟ نعم؛ لأنّ الذي يجلس في المهاد لا إرادة له في أنْ يخرج منه كالطفل فلا قوة له أنْ يغادر الفراش، فإذا كان المهادُ بهذه الصورة في النار فهو بئس المهاد.
السؤال الثالث:
ما الفرق بين ختامي الآيتين: آية لقمان 6 و آية البقرة 206، حيث بدأت كلتاهما بالمفرد، لكن انتهت آية لقمان بالجمع ؟
الجواب:
أولا: استعراض الآيات:
قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ ٱلحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيرِ عِلمٖ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [لقمان:6] .
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ﴾ [البقرة: 204].
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ﴾ [البقرة:206] .
ثانياً: البيان:
1ـ بدأت آية لقمان بالمفرد ﴿مَن يَشتَرِي﴾ [لقمان:6] وانتهت بالجمع ﴿أُوْلَٰٓئِكَ﴾ [لقمان:6] فهل هنالك رابط؟
نعم يوجد رابط؛ فإنه لما قال: ﴿لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾، هذا سيكون تهديداً له ولمن يضلهم، وليس له فقط ،فهو جمعهم في زمرته هو ومن يتبعه (المُضِل والضال)، إذن ليسا واحداً وإنما أصبحت جماعة، فناسب التهديد بصيغة الجمع له ولكل من يضله ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [لقمان:6] .
2ـ في آيتي البقرة ( 204 ـ 206 )، قال: ﴿فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ﴾ [البقرة:206] بصيغة الإفراد؛ لأنه لم يذكر أحداً معه فبدأ بالمفرد وانتهى بالمفرد؛ لأنه لم يتعلق بالآخر .
والله أعلم .


ابوالوليد المسلم 04-01-2025 11:31 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من كتاب من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 172)
مثنى محمد هبيان
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة: 207]
السؤال الأول:
ما الفرق بين الرضوان والمرضات؟
الجواب:
1ـ الرضوان: مصدر وهو الرضى، بل الرضوانُ هو أعظمُ الرضى وأكبره فخُصّ بالله سبحانه وتعالى. ولم تستعمل في القرآن كلمة الرضوان إلا بمعنى الرضى من الله تعالى فقط. وقد وردت كلمة الرضوان في القرآن الكريم 13مرة.
2ـ أمّا كلمة: مرضات، فتأتي من الله ومن غيره، فهي ليست مختصة بالله تعالى، وإنما تأتي لله تعالى ولغيره. وقد وردت في القرآن الكريم خمس مرات، منها أربع مرات مع لفظ الجلالة في الآيات: [البقرة 207ـ البقرة 265ـ النساء 114ـ الممتحنة 1] ومرة واحدة مع أزواج النبي ﷺ في آية التحريم 1.
شواهد قرآنية:
ـ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفۡسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ﴾ [البقرة:207].
ـ ﴿تَبتَغِي مَرضَاتَ أَزوَٰجِكَۚ﴾ [التحريم:1].
3ـ والرضوان أعلى من الجنة، وفي الأثر: (إنكم لتحتاجون إلى علمائكم في الجنة كما تحتاجون إليهم في الدنيا، فقالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يطُلّ الله تعالى على عباده أصحاب الجنة، فيقول: سلوني، فيحارون ماذا يسألونه وكل شيء موجود، فينظر بعضهم إلى بعض فيذهبون إلى علمائهم يقولون ما نسأل ربنا؟ فيقول العلماء: سلوه الرضا).
4ـ الفعل : ( يشري ) أي يبيع . ويدخل تحت هذه الآية كلُ مشقة يتحملها الإنسان في طلب الدين.

السؤال الثاني:
عادة في القرآن الكريم يجمع بين الصفتين: الرأفة والرحمة، فيقول: ﴿رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ فهل أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن؟
الجواب:
1ـ الرأفةُ خاصة: وهي دفع المكروه وإزالة الضرر، وأمّا الرحمة فعامة، كما قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرسَلنَٰكَ إِلَّا رَحمَةٗ لِّلعَٰلَمِينَ﴾ [الأنبياء:107].
2ـ أفردت الرأفة عن الرحمة في القرآن كله في موطنين لا غير:[ آية البقرة 207، وآية آل عمران 30 ] وقال فيهما: ﴿وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ .
قال تعالى:
ـ ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة:207] .
ـ ﴿يَومَ تَجِدُ كُلُّ نَفسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيرٖ مُّحضَرا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُۥٓ أَمَدَا بَعِيداۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [آل عمران:30] .
3ـ ما قال تعالى فيهما: ( رؤوف رحيم ) فلماذا؟ لو لاحظنا السياق الذي وردت فيه الآيتان يتضح الأمر.
آـ في سورة البقرة قال تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُۥ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَيُشهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ ٱلحَرثَ وَٱلنَّسلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلفَسَادَ ٢٠٥ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتهُ ٱلعِزَّةُ بِٱلإِثمِۚ فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ وَلَبِئسَ ٱلمِهَادُ ٢٠٦ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلعِبَادِ﴾ [البقرة: 204-207] فالسياق لا يحتمل رحمة؛ لأنه عندما يقول: ﴿فَحَسبُهُۥ جَهَنَّمُۖ﴾ كيف يناسب الرحمة؟ لا يناسب ذكر الرحمة.
ب ـ وكذلك الأمر في سياق آية آل عمران 60، يتكلم فيها عن النفس التي عملت في حياتها سوءاً مع التحذير من ذلك، فلا يناسب ذلك ذكر الرحمة لهؤلاء.
والله أعلم.


ابوالوليد المسلم 04-01-2025 11:33 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من كتاب من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 173)
مثنى محمد هبيان

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾ [البقرة: 208]
السؤال الأول:
لِمَ قال تعالى: ﴿ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ﴾ ولم يقل: سالموا بعضكم، مثلاً؟
الجواب:
الدخولُ يدل على العمق، ومن دخل المنزلَ صار داخله وفي عمقه ومحاطاً ببنائه، ولذلك من دخل السِّلم صار في أقصى غاية المسالمة وليس مسالماً فقط.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين: السِّلْم ـ والسَّلْم ـ والسَّلَم في الاستعمال القرآني ؟
الجواب:
1 ـ السِّلْم - بكسر السين وتشديدها وسكون اللام هو الإسلام، وكلُّ الناس مأمورون بالدخول فيه كافة، وهو السلام . وقد وردت مرة واحدة في القرآن في قوله تعالى : ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ﴾ [ البقرة : 208 ] .
2 ـ السَّلْم: بفتح السين وتشديدها وسكون اللام ، يُذكّر ويؤنث، هو الصلح أو هو الميل إلى الاستسلام والمسالمة وترك القتال والحرب، وهذه دعوة موجهة إلى الكفار ليجنحوا إليه. وقد وردت مرتين في القرآن في سياق القتال بين المسلمين والأعداء في قوله تعالى:
﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلمِ فَٱجنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلعَلِيمُ﴾ [الأنفال: 61] أي إذا استسلم الكفار فلا مانع .

﴿فَلَا تَهِنُواْ وَتَدعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعلَونَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ﴾ [محمد: 35] في الآية نهي عن الوهن والضعف .
3 ـ السَّلَم: بفتح السين وتشديدها وفتح اللام هو السّلف عند أهل العراق وهو أحد البيوع الجائزة ، وهو أيضاً الاستسلام الذليل المهين حيث يُلقي الكفار للمسلمين السَّلَم في الدنيا. وقد وردت خمس مرات في القرآن في قوله تعالى :
آ ـ في سياق الحرب بين المسلمين والكفار :
﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَومِۢ بَينَكُمۡ وَبَينَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَومَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلقَواْ إِلَيكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيهِمۡ سَبِيلٗ﴾ [النساء: 90].
﴿سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأمَنُوكُمۡ وَيَأمَنُواْ قَومَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلفِتنَةِ أُركِسُواْ فِيهَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعتَزِلُوكُمۡ وَيُلقُوٓاْ إِلَيكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقتُلُوهُمۡ حَيثُ ثَقِفتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكُمۡ جَعَلنَا لَكُمۡ عَلَيهِمۡ سُلطَٰنا مُّبِينٗ﴾ [النساء: 91].
ب ـ استسلام الكفار الذليل يوم القيامة ، وعند الاحتضار :
﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعمَلُونَ﴾ [النحل: 28].
﴿وَأَلقَواْ إِلَى ٱللَّهِ يَومَئِذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنهُم مَّا كَانُواْ يَفتَرُونَ﴾ [النحل: 87].
ج ـ عمن يخضع لغير الله :
﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا رَّجُلا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلا سَلَما لِّرَجُلٍ هَلۡ يَستَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلحَمدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكثَرُهُمۡ لَا يَعلَمُونَ﴾ [الزمر: 29].
السؤال الثالث:
ما أهم توجيهات هذه الآية ؟
الجواب:
1 ـ لما دعا اللهُ الذين آمنوا أن يدخلوا في السلم حذّرهم أن يتبعوا خطوات الشيطان ، فإنه ليس هناك إلا اتجاهان اثنان إمّا هدى وإمّا ضلال ، فينبغي أن يدرك المسلمُ موقفه فلا يتردد بين شتى السبل وشتى الاتجاهات .
2 ـ ‏أصعب الحرام أوله، ‏ثم يسهل ، ‏ثم يستساغ ، ‏ثم يؤلف ، ‏ثم يحلو، ‏ثم يطبع على القلب ،‏ ثم يبحث القلب عن حرام آخر ، ‏حتى يعاقب فلا يجد له لذة، ولا هو يستطع تركه.
3 ـ الخطوة مسافة يسيرة ، تبدأ بمعصية صغيرة حتى تألفها النفس وتزيد خطوة أخرى وقوله :(خطوات) أي أن الشيطان لن يقف عند خطوة واحدة.
4 ـ قوله تعالى : ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ﴾ لمّا كان الدخول في السلم كافة لا يمكن أن يتصوَّر إلا بمخالفة الشيطان قال: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِۚ﴾ .
5 ـ قال أبو حامد الغزالي : الذين ذهبوا إلى كسرى لم يذهبوا إليه باسطوانات المصحف المرتل، ولا بطبعة جديدة من المصحف، إنما ذهبوا بدرجة كبيرة من الوعي والطهر والعدل! وقف ربعي بن عامر يعرض الإسلام خُلقًا وسلوكًا، ويعرضه نظام حياة وأمل جماهير.. إنّ القرآن قد بدأ بسورة العلق، وختم بسورة المائدة وسورة النصر؛ ليقال لنا: هذا هو الخط السماوي الذي يجب أن يعيش الناس به!
والله أعلم .


ابوالوليد المسلم 04-01-2025 11:34 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 174)
مثنى محمد هبيان

﴿فَإِن زَلَلتُم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 209]
السؤال الأول:
ما الفرق من الناحية البيانية بين ﴿جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ﴾ [آل عمران:105] و ﴿جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ [البقرة:209] في القرآن الكريم؟
الجواب:
1ـ كلمة (البيّنات) ليست مؤنثاً حقيقياً، لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها.
2ـ هناك حكم نحويٌّ مفاده أنه يجوز أنْ يأتي الفعل مذكراً والفاعل مؤنثاً مع المؤنث غير الحقيقي .
والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث البيّنات؛ لأنّ هذا جائز كما قلنا، لكن السؤال: لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر ﴿جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ﴾ [آل عمران:105] مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث ﴿جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ [البقرة:213]؟
والجواب:
آـ عندما تكون ﴿ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ بمعنى العلامات الدالة على المعجزات والنبوءات يؤنث الفعل .
ب ـ وعندما تكون ﴿ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ بمعنى الأمر والنهي يذكر الفعل .

شواهد قرآنية على التأنيث، أي: بمعنى المعجزات والنبوءات:
ـ ﴿فَإِن زَلَلتُم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة:209] .
ـ ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة:213].
ـ ﴿تِلكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُمۡ عَلَىٰ بَعضٖۘ مِّنهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَينَا عِيسَى ٱبنَ مَريَمَ ٱلبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدنَٰهُ بِرُوحِ ٱلقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعدِهِم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱختَلَفُواْ فَمِنهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة:253] .
﴿ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلعِجلَ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَعَفَونَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَينَا مُوسَىٰ سُلطَٰنا مُّبِينا﴾ [النساء:153] .
شواهد قرآنية على التذكير، أي: بمعنى الأمر والنهي:
ـ ﴿كَيفَ يَهدِي ٱللَّهُ قَوما كَفَرُواْ بَعدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهدِي ٱلقَومَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [آل عمران:86].
ـ ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱختَلَفُواْ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ﴾ [آل عمران:105] .
ـ ﴿قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعبُدَ ٱلَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرتُ أَنۡ أُسلِمَ لِرَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ﴾ [غافر:66] .
السؤال الثاني:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿فَإِن زَلَلتُم﴾ ؟
الجواب:
1ـ قوله: ﴿فَإِن زَلَلتُم﴾ معناه: انحرفتم عن الطريق الذي أُمرتم به، ويدخل في ذلك الكبائر والصغائر، وفي ذلك زجر للمؤمن كي يتحرز عن الذنوب كبيرها وصغيرها . قال ابن عباس : السّلم الإسلام ، والزلل ترك الإسلام .
2ـ دلت الآية على أنّ المؤاخذة بالذنب لا تحصل إلا بعد حصول البيان للمكلف لا حصول اليقين .
3ـ يحكى أنّ قارئاَ قرأ (غفور رحيم) في هذه الآية، فسمعه أعرابي فأنكره، وقال له: الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراء عليه .
والله أعلم .


ابوالوليد المسلم 04-01-2025 11:36 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن ( 175)
مثنى محمد هبيان



﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلغَمَامِ وَٱلمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرَعُ ٱلأُمُورُ﴾ [البقرة: 210]

السؤال الأول:
الإنسان عادة ينتظر ما يعلم أو يظن وقوعه، والقوم لم يكونوا كذلك؛ لأنهم لم يصدقوا، فكيف يُفهم ذلك ؟
الجواب:
لما كان واقعاً لا محالة، كانوا في الحقيقة كالمنتظرين له في المعنى، ولذلك جاء تهديداً لهم.
ومعنى ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ﴾ أي: ينتظرون.

السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
1 ـ هذه الآية نوع من النداء لحث الذين تركوا الدخول في السلم والإسلام ، الذين يتبعون خطوات الشيطان ، للساعين في الفساد في الأرض ، فكأنه يقول لهم : ماذا تنتظرون !!!؟ قيام الساعة ، حين يأتي الله في ظلل من الغمام ، حين تطوى السماوات والأرض ، وتأتي الملائكة صفوفاً تحيط بالخلائق ، حين توضع الموازين ، حين تبيض وجوه وتسود وجوه !!! لماذا تترددون !! وماذا تننظرون !!
2 ـ ( الظُلل ) جمع ظُلّة بضم الظاء ، وهي كل ما أظلك .
3 ـ في قوله تعالى : ﴿فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلغَمَامِ﴾ مجازٌ مرسلٌ علاقته السببية ، لأنّ الغمامَ مظنة الرحمة أو العذاب وسببهما .
4ـ قوله تعالى : ﴿أَن يَأتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلغَمَامِ﴾ صفة مجيء الله سبحانه لا يعلمها إلا الله ، فليس كمثله شيء، وهذه الصفة مع الصفات الأخرى كالاستواء والنزول هي صفات ثابتة لله على وجه يليق بجلاله وكماله .
5ـ قوله تعالى : ﴿وَإِلَى ٱللَّهِ تُرجَعُ ٱلأُمُورُ﴾ لمّا حكى الله عن عنادهم وتوقفهم في قبول دين الله جاء مجرى التهديد .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 18-01-2025 03:01 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن ( 176)
مثنى محمد هبيان


﴿سَلۡ بَنِيٓ إِسرَٰٓءِيلَ كَمۡ ءَاتَينَٰهُم مِّنۡ ءَايَةِۢ بَيِّنَةٖۗ وَمَن يُبَدِّلۡ نِعمَةَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة: 211]
السؤال الأول:
ما الفرق بين فعل الأمر: اسأل وسل؟
الجواب:
سل: إذا بدأنا بالفعل مباشرة فالعرب تخفف وتحذف كما في هذه الآية211 من سورة البقرة . وإذا تقدمها أي شيء يؤتى بالهمزة، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَينَا مُوسَىٰ تِسعَ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖۖ فَس‍َٔلۡ بَنِيٓ إِسرَٰٓءِيلَ﴾ [الإسراء:101] .
وهذه قاعدة عند أكثرية العرب أنه إذا سبقها شيء يبدأ بالهمزة ( اسأل ) وإذا بدأنا بها يحذفها؛ أي يبقى ( سل ) .

السؤال الثاني:
ما الفرق بين النعمة والنعيم ؟
الجواب:
النعمة في القرآن هي لنعم الدنيا وتستعمل مفرداً وجمعاً، كما في الآيات: [البقرة 211 آل عمران 103ـ ابراهيم 6].
وأما النعيم فخاص بنعيم الآخرة، وقد وردت كلمة (النعيم) 16 مرة في القرآن .

السؤال الثالث:
قوله تعالى في آية البقرة: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة:211] بينما أكدها بـ (اللام) في آية الرعد6 بقوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [الرعد:6] فما سبب تخفيف أو زيادة التوكيد ؟
الجواب:
أولاً ـ القاعدة اللغويـــة:
يستعمل القرآن الكريم تخفيف التوكيد أو زيادته حسب مقتضى الحال فيقول: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [المائدة:2] مع التخفيف ، ويقول : ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [الرعد: ٦] مع زيادة التوكيد بزيادة اللام .
ثانياً ـ البيـــان:
قال في آيات البقرة (211) والمائدة (2) والأنفال (13): ﴿إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [المائدة:2] مؤكداً بإنّ وحدها، بينما قال في سورة الرعد (6): ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ فأكد بإنّ واللام؛ وذلك أنه:
في سورة الرعد ورد قبل الآية 6 من ذكر العقوبات، وهو قوله تعالى: ﴿وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبلِهِمُ ٱلمَثُلَٰتُۗ﴾ وذكر من عقوبات الكافرين في الآية 5 ﴿وَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلأَغلَٰلُ فِيٓ أَعنَاقِهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [الرعد: 5] فاقتضى ذلك زيادة توكيدها .
وليس السياقُ كذلك في الآيات الأخرى ولا شيء فيه، فلمّا كان السياقُ في الرعد سياقَ العقوبات اقتضى زيادة توكيدها.
والله أعلم .


ابوالوليد المسلم 18-01-2025 03:03 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن ( 177)
مثنى محمد هبيان




﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا وَيَسخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوقَهُمۡ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِۗ وَٱللَّهُ يَرزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٖ﴾ [البقرة: 212]
السؤال الأول:
ما دلالة التذكير في قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ﴾ ولم يقل: زينت، مع أنّ الدنيا مؤنث؟
الجواب:
1ـ من حيث الحكم النحوي: يجوز وليس فيه إشكال؛ لأنّ الحياة مؤنث مجازي، والمؤنث المجازي هو الذي ليس له مذكر من جنسه، فمثلاً: (البقرة) مؤنث حقيقي؛ لأنّ الثور ذكر من جنسها، و(النعجة) لها كبش من جنسها، وكلمة (سماء) ليست مؤنثاً حقيقياً، وكذلك (الشمس) مؤنث مجازي و(القمر) مذكر مجازي، فإذا كان هنالك مذكر من جنس الكلمة فإنها مؤنث حقيقي، إذن كلمة ﴿ٱلحَيَوٰةُ﴾ مؤنث مجازي يجوز تذكيره وتأنيثه، هذا لغوياً .
2ـ ثم هنالك فاصل بين الفعل والفاعل ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا﴾ [البقرة:212] والفاصل حتى في المؤنث الحقيقي يمكن تذكيره . تقول مثلاً: (أقبلت فاطمة) بالتأنيث، وتقول: (أقبل اليومَ فاطمةُ) طالما فصلنا بين العامل والمعمول؛ لذلك يجوز تذكيره وتأنيثه.
3ـ إذن من حيثُ النحوُ ليس فيه إشكالٌ:
آ- لكون الفاعل مجازيَّ التأنيثِ .
ب - لوجود فاصلٍ بين العامل والمعمول، لكن لماذا اختار التذكير؟
ومما يجدر ذكره أنّ هنالك قراءة أخرى، وهي: (زَيَّنَ للذين كفروا الحياةَ الدنيا) بالبناءِ للمعلومِ والفاعلُ الشيطانُ ضميرٌ مستترٌ، والحياةَ: مفعول به، وهذه القراءة لا يمكن أنْ يقول فيها: زَيَّنت، لذا التذكير صار واجباً.
إذن في الآية قراءتان: قراءة (زَيَّنَ) بالبناء للمعلوم، و يلزم فيها تذكير الفعل (زين)، وقراءة ﴿زُيِّنَ﴾ بالبناء للمجهول، ويحسن فيها تذكير الفعل. ولذلك قال تعالى: ﴿زُيِّنَ﴾ ولم يقل: (زينت) لأنه فصل بين (زُين) والحياة الدنيا بفاصل وهو قوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ وإذا فصل بين الفعل والفاعل حَسُنَ تذكير الفعل؛ لأنّ الفاصل يغني عن تاء التأنيث.

السؤال الثاني:
لِمَ اختار الله تعالى في الآية صيغة الماضي للتزيين ﴿زُيِّنَ﴾ وصيغة المضارع للسخرية ﴿وَيَسخَرُونَ﴾ ؟
الجواب:
أتى فعلُ التزيين ماضياً ليدلَّنا على أنّ التزيينَ أمرٌ مستقرٌ في الكافرين، فهم أبد الدهر يعشقون الدنيا ويكرهون الموت، وأتى بفعل السخرية مضارعاً ﴿وَيَسخَرُونَ﴾ ليبيّن لنا ربُّنا سبحانه وتعالى أنّ الكافرين يسخرون من الإيمان وأهله بشكلٍ متجددٍ متكررٍ، وفي ترتيب الفِعلَينِ دلالةٌ منطقيةٌ لأنَّ السُّخريةَ مبعَثُها حُبُّ الدنيا والشهواتِ ، والتزيينُ سابقٌ للسخريةِ فعبَّرَ عنه بالماضي، والسخريةُ ناشئةٌ من تعلُّقِ القلب بالدنيا، فعبّر عنها بالمضارع.

السؤال الثالث:
ما الدلالة البيانية لمجيء الفعل ﴿زُيِّنَ﴾ مبنياً للمجهول ؟
الجواب:
هناك خطٌّ عامٌّ واضح في القرآن الكريم، أنه في آيات التزيين فإنّ الله ينسب الخيرَ إلى نفسه، وأمّا تزيينُ القبيحِ فيبنيه للمجهولِ أو ينسِبُه إلى الشيطانِ؛ كقوله تعالى: ﴿وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيطَٰنُ أَعمَٰلَهُمۡ﴾ [الأنفال:48] وقوله : ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيطَٰنُ أَعمَٰلَهُمۡ﴾ [العنكبوت:38].
وقد تجد في القرآن: ﴿زَيَّنَّا لَهُمۡ أَعمَٰلَهُمۡ﴾ [النمل:4] لغرض إقامة العقيدة الصحيحة، ولكن لا تجد مطلقاً (زينا لهم سوء أعمالهم) بذكر السوء، والفرق ظاهر بين الأمرين .

السؤال الرابع:
ما دلالات استخدام التعابير ﴿ٱلدُّنيَا﴾ ، ﴿ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا﴾ ، ﴿ٱلأٓخِرَةُ﴾ في القرآن الكريم؟
الجواب:
أولاً ـ معلومات عددية:
1ـ وردت كلمة (الدنيا) في القرآن الكريم 165 مرة.
2ـ ورد تعبير (الحياة الدنيا) 68 مرة.
3ـ وردت كلمة (الآخرة) في القرآن الكريم 115 مرة.
4ـ ورد التعبير (الدار الآخرة) 9 مرات.
5ـ تعبير (الدار الدنيا) لم يرد مطلقاً.
6ـ تعبير (الحياة الآخرة) لم يرد مطلقاً.
7ـ وردت التعابير (ثواب الآخرة) (عذاب الآخرة) (لقاء الآخرة) (حرث الآخرة) ولم يرد مثل هذه التعبيرات للدنيا.
ثانياً ـ المعـــــاني:
الدنــيا:
عندما تكون مفردةً تدل على الحياة التي نحياها في هذه الأرض دون أية ظلال أو إيحاءات أخرى، وهي المسافة الزمنية الممتدة من خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة.
والدنيا على صيغة فعلى، وهي مؤنث: أدنى، وهي مشتقة من الدنوِّ، أي: الأكثر قرباً إليك، نحو: [الجار الأدنى ـ السماء الدنيا ـ العُدوةِ الدنيا] أو مشتقة من الدناوة.
الآخــــرة:
هي عَلَمٌ على الحياة الثانية التي سيحياها الإنسان بعد هذه الحياة الدنيا.
الحياة الدنيــــــا:
وهي تعني في القرآن الكريم استغراق الإنسان في هذه الحياة وانغماسه وانشغاله فيها وانصرافه عما بعدها، فكأنّ تعبير الحياة الدنيا صورة لانصراف الإنسان عن ربه وغفلته عن الآخرة.
شواهد قرآنية:
[ البقرة 212 ـ القصص 79 ـ إبراهيم 3 ـ الأنعام 29 ].
والحياة الدنيا حياة مؤقتة لا بدّ لها من زوال، أمّا الآخرة فهي حياة دائمة خالدة إمّا في نعيم الجنة وإمّا في شقاء النار.
لذلك قال الله: (ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا) ولم يقل: (الحياة الآخرة)؛ لأنّ الحياة الدنيا فانية زائلة، والحياة في الآخرة خلود لا يزول، لذلك عبّر عنها بالدار الآخرة؛ لأنّ الدار تحمل معنى الاستقرار والثبات والبقاء، والإنسان لا يشعر بالاستقرار إلا في داره، قال تعالى: ﴿يَٰقَومِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا مَتَٰعٞ وَإِنَّ ٱلأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلقَرَارِ﴾ [غافر:39] .
وقال: ﴿تِلكَ ٱلدَّارُ ٱلأٓخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي ٱلأَرضِ وَلَا فَسَاداۚ وَٱلعَٰقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ﴾ [القصص:83] .
وقال: ﴿لِّلَّذِينَ أَحسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلأٓخِرَةِ خَيرٞۚ وَلَنِعمَ دَارُ ٱلمُتَّقِينَ﴾ [النحل:30] .

السؤال الخامس:
قوله تعالى في الآية: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوقَهُمۡ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِۗ﴾ [البقرة:212] ولم يقل: والذين آمنوا فوقهم، فلماذا؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوقَهُمۡ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِۗ﴾ ولم يقل: والذين آمنوا فوقهم؛ وذلك ليعزل الاسم عن الوصف، فكم من مدعٍ الإيمان، والله يريد أنْ نأخذ الإيمان بالالتزام بمنهج السماء وليس بالاسم فقط، ولذلك لا تحصل السعادة في الآخرة إلا للمؤمن التقي.
وهذه الفوقية للمؤمنين هي بالمكان؛ لأنّ المؤمنين في عليِّين والكافرين في سجّين، وهي فوقية بالكرامة، وهي فوقية بالحجة.

السؤال السادس:
ما أهم الدروس في هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ خَلَقَ اللهُ الإنسانَ سيدَ هذا الكون وسخّر له الحيوان والنبات والجماد ليخدمه .
وكان مقتضى العقل أنْ يبحث هذا السيدُ عن جنس أعلى منه، ولن يجد حوله من هو أعلى من جنسه الذي ينتسب إليه، فكان من المفروض أنْ يقول الإنسان: أنا أريد جنساً يعلِّمُني عن نفسي، فأرسل الله سبحانه الرسل وقالوا: أيها الإنسان إنّ الذي أعلى منك هو الله وهو ﴿لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيءٞ﴾ [الشورى:11] وهو قد وضع لك منهجاً لسعادتك ومصلحتك، وكان على الإنسان أنْ يفرح بمجيء الرسل وخصوصاً أن الله تعالى لا يريد خدمة منه بل الإنسان يحتاج لعبادة الله .
لذلك فالإنسان مخيَّرٌ بين خادمٍ له مسخَّرٍ من الجماد والحيوان والنبات، ومُعطٍ مُتفضِّلٍ عليه مختارٍ وهو أعلى منه ، إنه هو الله، وهو يقول للإنسان: خذ الأعلى لتسعدَ.
2ـ عندما يقول الحق: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا﴾ فهو يريد أنْ يلفتنا إلى أنّ مقاييس الكافرين مقاييس هابطة، ومن خيبة الإنسان أنْ يأخذ الأدنى ويفضله على الأعلى وهو دليل على حمقه، ومن العجيب أنكم فعلتم ذلك وأنتم في الأدنى وتسخرون من الذين التفتوا إلى الأعلى!!.
3ـ كلمة ﴿زُيِّنَ﴾ من الزينة، وهي مؤقتة لا تلبث أنْ تزول.
4ـ قول الحق: ﴿وَٱللَّهُ يَرزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٖ﴾ ؛ لأنّ خزائنه لا تنفد ويرزق بغير حساب؛ لأنه لا يحكمه قانون وإنما يعطي بطلاقة القدرة، فيعطي المؤمن وحتى الكافر، والله تعالى لا يُسأل عن حكمه فالحكم لله وحده ﴿لَا يُسَٔلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُمۡ يُسَٔلُونَ﴾ [الأنبياء:23] .
وعلى الإنسان أنْ يعمل في الأسباب، لكن لا يأخذ حساباً من الأسباب ويظن أنّ ذلك هو رزقه؛ لأنّ الرزق قد يأتي من طريق لم يدخل في حسابك ولا في حساباتك.
5ـ النعمة لا تكون إكراماً من الله إلا إذا وفقك الله في حسن التصرف في هذه النعمة، وكذلك لا تكون النعمة إهانة إلا إذا لم يوفقك الله في أداء حق النعمة بشكر المُنعِمِ وعدمِ الانشغال بها عمن رزقك إياها.
6ـ قوله: ﴿زُيِّنَ﴾ ولم يقل: (زينت) لأنه فصل بين زُين والحياة الدنيا بفاصل، وهو قوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ وإذا فصل بين الفعل والفاعل حَسُنَ تذكير الفعل؛ لأنّ الفاصل يغني عن تاء التأنيث.
7 ـ جاء قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلحَيَوٰةُ ٱلدُّنيَا وَيَسخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ﴾ بالصيغة الفعلية إشارة على الحدوث ، وأنه أمر طارئ لا يلبث أن يزول ، وجاء قوله تعالى : ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوقَهُمۡ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِۗ﴾ بالصيغة الاسمية الدالة على الاستمرار والديمومة لا يطرأ عليها تبديل .

السؤال السابع:
ما معنى قوله تعالى في الآية : ﴿وَٱللَّهُ يَرزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٖ﴾ ؟
الجواب:
إنّ لهذا التعبير أكثر من دلالة وكلها صحيحة، ومن ذلك :
1. أنه لا يُسأل عما يفعل ولا يحاسبه أحد .
2. وانه يرزق من غير تقتير وبلا نهاية لما يعطيه ، فهو لا يخشى أن تنفد خزائنه كما يفعل المخلوقون فإنهم يحسبون حساباً لما عندهم .
3. وأنه لا يحاسب المرزوق فيرزقه على قدر طاعته أو معصيته وإنما يمد من يشاء من هؤلاء وهؤلاء على ما تقتضيه حكمته ، كما قال تعالى : ﴿كُلّا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحظُورًا﴾ [الإسراء: 20] .
4. و يعني أنه يوسع على من توجب الحكمة التوسعة عليه ، ولا يفعل ذلك من غير حكمة .
5. هو يرزق من يشاء من غير حساب من العبد ، فقد يرزق العبد وهو لا يعلم ولا يحسب لذلك حساباً ، كما قال تعالى : ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجٗ * وَيَرزُقهُ مِنۡ حَيثُ لَا يَحتَسِبُۚ﴾ [الطلاق: 2-3] .
والله أعلم .


ابوالوليد المسلم 18-01-2025 03:05 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن ( 178)
مثنى محمد هبيان


﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213]


السؤال الأول:
ما معنى قوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ﴾ وبما أنّ الناس أمة واحدة فما الغرض من بعث النبيين مبشّرين ومنذرين؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ﴾ أي: متفقين على التوحيد مقرّين بالعبودية.
2ـ السؤال: إذا كانوا كذلك لم أرسلَ الرُّسلَ؟ نقرأ الآية: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ﴾ [البقرة:213].
إذن كانوا أمة واحدة فاختلفوا، كما في آية أخرى ﴿وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱختَلَفُواْۚ﴾ [يونس:19] ولمّا قال: ﴿لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ﴾ إشارة إلى أنهم اختلفوا، وهذا اقتضى إرسال النبيين والمرسلين.

السؤال الثاني:
ما معنى كلمة (أمّة) في القرآن الكريم ؟
الجواب:
كلمة (أُمَّة) جاءت في القرآن الكريم بأربعة معانٍ، هي:
1ـ الأمّة بمعنى المِلّة: أي: العقيدة، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱختَلَفُواْۚ وَلَولَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَختَلِفُونَ﴾ [يونس:19] ﴿إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92] .
2ـ الأمّة بمعنى الجماعة: كما في قوله تعالى: ﴿وَمِن قَومِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهدُونَ بِٱلحَقِّ وَبِهِۦ يَعدِلُونَ﴾ [الأعراف:159] ﴿وَمِمَّنۡ خَلَقنَآ أُمَّةٞ يَهدُونَ بِٱلحَقِّ وَبِهِۦ يَعدِلُونَ﴾ [الأعراف:181].
3ـ الأمّة بمعنى الزَّمَن: كما في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنۡ أَخَّرنَا عَنهُمُ ٱلعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَومَ يَأتِيهِمۡ لَيسَ مَصرُوفًا عَنهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَستَهزِءُونَ﴾ [هود:8] ﴿وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأوِيلِهِۦ فَأَرسِلُونِ﴾ [يوسف:45] .
4ـ الأمة بمعنى الإمامِ: كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتا لِّلَّهِ حَنِيفا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلمُشرِكِينَ﴾ [النحل:120] أي: القُدوةُ.
وقوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة:213] في آية سورة البقرة ، الأمة هنا بمعنى العقيدةِ الواحدةِ والمِلّة الواحدةِ.

السؤال الثالث:
يقولون إنّ هذه الآية لخَّصت تاريخ البشريةِ من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة، فكيف؟
الجواب:
هذه الآية لخّصت تاريخ البشرية من عهد آدم إلى أنْ تقوم الساعة، ومعناها أنّ الناسَ كانوا على عقيدةٍ واحدةٍ من عهد آدم إلى زمن ما قبل نوح حيث بدّلوا عقيدتهم، فالدين واحد والعقيدة هي الإيمان بالله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسلَٰمُۗ وَمَا ٱختَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلعِلمُ بَغيَا بَينَهُمۡۗ وَمَن يَكفُرۡ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ [آل عمران:19] ﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ ٱلإِسلَٰمِ دِينا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ﴾ [آل عمران:85] . وكأنّ في الآية جملةً مقدّرةً : (كان الناس أمة واحدة فضلُّوا وتفرَّقوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) .

السؤال الرابع:
لم أفرد الله عز وجل( الكتابَ) في الآية وجمعَ (النبيين) ؟
الجواب:
بعث الله تعالى الأنبياء فعبّر عنهم بصيغة الجمع ﴿ٱلنَّبِيِّ‍نَ﴾ ولكنه قال: ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ﴾ ولم يقل: الكُتُب، مع أنهم جمعٌ متتابعٌ ولم يكن للكلِّ كتابٌ واحدٌ، فلِمَ أفرده تعالى؟
أفرده ليعلِّمَنا أنّ الحقَّ الذي نزل به الأنبياء واحدٌ، ولكنه نزل على فترات، وكلُّ واحد منهم متمِّمٌ لما قبله.

السؤال الخامس:
لماذا أنَّثَ (البينات) فقال: ﴿جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ ؟
الجواب:
انظر الجواب في السؤال الأول من آية البقرة 209.

السؤال السادس:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1 ـ هذه الآية تبيّن أنّ البشرَ بحاجة إلى تشريعٍ إلهي وبشكل مُلِّح ، لأنّ حبَ الدنيا عندهم حبٌ قديم، أدى بهم إلى الكفر والتفرق والبغي ، وبدأ ذلك من عهد نوح عليه السلام حيث عبَدَ الناسُ الأصنام ( ود ـ سواع ـ يغوث ـ يعوق ) بعد حوالي ألف سنة من زمن آدم عليه السلام ، لذلك بعث الله الأنبياء بالكتب لهداية البشرية .
2ـ ( الكتاب ) يُطلق على جميع الكتب السماوية ﴿لِيَحكُمَ﴾ هؤلاء الرسل بين الناس فيما اختلفوا فيه من الشرك والتوحيد بمقتضى ما جاء فيها .
3 ـ ( البغي ) هو أعمال الحسد بالقول والفعل ، والحرصُ على طلب الدنيا بغير حق ، وكذلك التعدي والتجاوز بأشكاله المختلفة .
4 ـ قوله تعالى : ﴿وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ﴾ هم اليهود والنصارى الذين اختلفوا فيما بينهم في شأن محمد عليه السلام من باب البغي والحسد والظلم من بعد أن رأوا العلامات الدّالة على صدقه ، وكان هذا من باب الحسد لانتقال الرسالة منهم إلى العرب .
5 ـ كان ممّا اختلفوا فيه أيضاً: شأن عيسى عليه السلام ـ شأن إبراهيم عليه السلام أيهودي أم نصراني ـ في شأن القبلة ـ في شأن يوم الجمعة ، فاختار اليهود السبت واختار النصارى الأحد ـ في شأن مدة الصيام ـ في شأن الرسول محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
6 ـ قوله تعالى : ﴿فَهَدَى ٱللَّهُ﴾ في إسناده إلى اسم الجلالة إعلام بأنّ الهدى من الله بعونه وتوفيقه .
والله أعلم .


ابوالوليد المسلم 18-01-2025 03:06 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن ( 179)
مثنى محمد هبيان


﴿أَمۡ حَسِبتُمۡ أَن تَدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلِكُمۖ مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ [البقرة: 214]

السؤال الأول:
قال تعالى: ﴿أَمۡ حَسِبتُمۡ أَن تَدخُلُواْ ٱلجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَواْ مِن قَبلِكُمۖ مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ [البقرة: 214] وفي رواية ورش جاء (يقولُ) بالضَّمِّ فما دلالة الضمِّ؟
الجواب:
1ـ ما الفرق اللغوي في المعنى بين الفعل المنصوب والفعل المرفوع بعد (حتى) ؟
والجواب:
آـ القاعدة أنّ الحرفَ (حتى) قد يأتي بعده الفعل مرفوعاً وقد يأتي منصوباً، و(حتى) لا تَنصب إلا إذا كان الفعل بعدها مستقبل الوقوع، مثل: سأدرسُ حتى أنجحَ؛ لأنَّ النجاح يكون مستقبلاً، كما في قوله تعالى: ﴿قَالُواْ لَن نَّبرَحَ عَلَيهِ عَٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرجِعَ إِلَينَا مُوسَىٰ﴾ [طه:91].
ب ـ إذن النصبُ يفيدُ الاستقبالَ، ولذلك هم قالوا: إذا قلت: جئتُ حتى أدخلَ المدينةَ، يعني أنت لم تدخلها بعد، وإنْ كان قد دخلها يقول: جئتُ حتى أدخلُ المدينةَ . لا تقولها بالرفعِ إلا وأنت في سِكَكِها، فلو سمعناها بالنَّصبِ (حتى أدخلَ) نفهَمُ أنه ما دخلها.
مثال آخر: أنت تقول: ما الذي جاء بك؟ يقولُ: جئت حتى أزورَ فلاناً، أي: يعني أنه لم يزره بعدُ، أمّا إذا قال: جئتُ حتى أزورُ فلاناً، يعني: زاره.
ج ـ لذلك نؤكِّدُ على القاعدة في المعنى: إذا كانت بالرفع تدل على فعل حدث، وإذا كانت بالنصب يعني أنّ الفعل لم يحدث بعدُ.
2ـ في الآية يتكلم القرآن عن جماعةٍ مضوا ﴿حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ﴾ بالنَّصبِ، إذن هذا بعد إصابة البأساء والضراء والزلزال ثم قال الرسول، فهو إذن استقبالٌ لما بعد الإصابةِ، أي: هذا مستقبَلٌ بالنسبة لإصابةِ البأساءِ والضراءِ، ونفهم من ذلك أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم ما قالها إلا بعد البأساءِ والضراءِ والزلزلة النفسيةِ، إذن هذه منصوبة؛ لأنَّ القول يكون بعد البأساء والضراء.
3ـ (حتى يقولُ) بالرفعِ هذا ماضٍ بالنسبة للإخبارِ عنهم؛ لأنّ الإخبارَ كُلَّه وقع، فأنت الآن تخبِرُ عن أمر ماضٍ وقعَ، فالبأساءُ حدثت والرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلامَ وأنت تتكلَّمُ عن تاريخٍ، لذلك قوله تعالى: (حتى يقولُ) بالرفعِ، هذا إخبارٌ عما وقع عن حادثةٍ ماضيةٍ، فيقوله بالرفع.
إذن هناك أمران: إذا كان الاستقبالُ لما بعد الإصابةِ يقول: (حتى يقولَ) بالنصب، وإذا كان إخباراً عن كلِّ الحوادثِ يقولها بالرفع (حتى يقولُ).
4ـ قد يقول قائل: ألا يتعارض هذا بعضه مع بعض؟ والقرآنُ ماذا يريد أنْ يقول؟ هل قالها الرسولُ قبل البأساء أو بعد؟
والجواب: أنّ في الآية جانِبَينِ: الأول أنه ذكر حالة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل القولِ فنصبَ، والثاني أنه ذكر حالَ الإخبار عنها بعد القول فرفع، ولا يوجد تعارض بين القراءتين وإنما ذكر حالتين: حالة قبل القول وحالة إخبار بعد القول.
5ـ نلخص ما سبق:
في الآية قراءتان متواترتان هما:
آـ حتى يقولَ ـ بالنصب.
ب ـ حتى يقولُ ـ بالضم.
والقاعدة النحوية كما ذكرنا أنه إذا كان الفعل مستقبلاً بعد (حتى) نصبتَ ، وإذا كان حالاً محكية رفعتَ فقولك: أسيرُ حتى أدخل البلدةَ، إذا لم يتم الدخول نصبتَ الفعلَ، وإذا حصل الدخول رفعت.
(حتى يقولَ) بالنصب:
أي: يقول الرسول مستقبلاً بعد الإصابة بالبأساء والضراء والزلزلة، أي بتقدير: وزلزلوا إلى أن يقولَ الرسول.
(حتى يقولُ) بالرفع:
إخبار عما وقع في الماضي، كأنه تاريخ عن الإصابة بالبأساء والضراء والزلزلة.
فكأنّ القراءتين شملتا الحالتين، قبل القول وبعد القول .
والأكثرية اختاروا النصب؛ لأنّ قراءة الرفع لا تصح إلا إذا جعلنا الكلام حكايةً عمن يخبر عنها حال وقوعها، أمّا قراءة النصب فلا تحتاج إلى هذا الفرض، لذا كانت قراءة النصب أولى.
والله أعلم .

السؤال الثاني:
ما دلالة الفعل ﴿وَزُلزِلُواْ﴾ في الآية؟
الجواب:
انظر أخي المؤمن كيف عبّر الله عن شدة المصاب بقوله ﴿وَزُلزِلُواْ﴾ وهذا الفعل يدلُّكَ على شدة اضطراب نظام معيشتهم؛ لأنّ الزلزلة تدل على تحرك الجسم في مكانه بشدة، والتضعيف في الفعل زلزلوا يدل على تكرر هذا الحدث. والفعل ﴿وَزُلزِلُواْ﴾ معناه أنهم فتنوا من أكثر من جهة ، وليس من جهة واحدة، وهو أبلغ في التعبير.

السؤال الثالث:
ما الفرق بين المسِّ واللمس ؟
الجواب:
اللمس: يكون باليد خاصةً ليُعرف اللين من الخشونة والحرارة من البرودة، والمسُّ: يكون باليد وبغيرها.
قال تعالى: ﴿مَّسَّتهُمُ ٱلبَأسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ﴾ [البقرة:214] وقال: ﴿وَإِن يَمسَسكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ﴾ [الأنعام:17] ولم يقل: يلمسك.

السؤال الرابع:
ما الفرق بين البأساء والضراء ؟
الجواب:
البأساء: لغة هي الشدة عموماً والمشقة والبؤس والفقر والحرب، ولكنْ أكثر ما تستعمل في الأموال والأنفس.
الضراء: لغة هي المرض في الأبدان وما يصيب الأموال.
ونقل عن ابن تيمية رحمه الله تعالى : البأساء في الأموال، والضراء في الأبدان، والزلزال في القلوب.

السؤال الخامس:
ما المعلومات النحوية عن الحرف (حتى) باختصار ؟
الجواب:
مقدمة نحوية:
الحرف (حتى) يدخل على الفعل المضارع فينتصب بعده أو يرتفع، فهو ينصب بعده إذا كان مستقبلاً، وأمّا إذا كان حالاً أو قولاً عن الماضي فيرفع.
وتأتي (حتى) في معانٍ ثلاث مع النصب:
آ ـ انتهاء الغاية بمعنى: (إلى أنْ) نحو قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ يَرجِعَ إِلَينَا مُوسَىٰ﴾ [طه:91].
ب ـ التعليل بمعنى: (كي) كقوله تعالى: ﴿لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ﴾ [المنافقون:7] وكقولك: أطعتُ الله حتى أدخلَ الجنة.
ج ـ مرادفة لمعنى: (إلا أنْ) في الاستثناء.

السؤال السادس:
ما المعنى العام لهذه الآية ؟
الجواب:
ذكر الله تعالى في الآية التي سبقتها أنّ الله يهدي من يشاء إلى الحق وطلب الجنة، فبيّن الله تعالى في هذه الآية للمؤمنين أنّ هذه الفضيلة من الهداية لا يستحقونها إلا بتحمل المحن كما تحملها المؤمنون مع الأنبياء السابقين.

السؤال السابع:
ما دلالة حرف الاستفهام (أم) في الآية ؟
الجواب:
( أمْ ) حرفُ استفهام نحو: أزيد أفضل أمْ خالد؟
آ ـ وقد تأتي بمعنى (بل) والهمزة ، كما في قوله تعالى ﴿أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمۡ هُمُ ٱلمُصَيطِرُونَ﴾ [الطور: 37] والمعنى: بل أعندهم خزائن ربك .
ب ـ وقد يكون الاستفهام بها حقيقياً نحو: هذا المنطلق أحمد أم هو إبراهيم ؟
فقد بنيت كلامك على اليقين أنه أحمد، ثم أدركك الشك وسألت: بل أهو إبراهيم ؟
ج ـ وقد يكون الاستفهام بها غير حقيقي، فيراد به الإنكار والتوبيخ نحو قوله تعالى: ﴿أَمۡ لَهُ ٱلبَنَٰتُ وَلَكُمُ ٱلبَنُونَ﴾ [الطور: ٣٩] .
د ـ وكذلك فإنّ (أم) المنقطعة تفيد الإضراب بل قد تتجرد له كما في قوله تعالى: ﴿قُلۡ هَلۡ يَستَوِي ٱلأَعمَىٰ وَٱلبَصِيرُ أَمۡ هَلۡ تَستَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُۗ﴾ [الرعد: ١٦].

السؤال الثامن:
كيف يليق بالرسول القاطع بصحة وعد الله أن يقول على سبيل الاستبعاد ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ﴾ ؟
الجواب:
إنّ كونه رسولاً لا يمنع من أنْ يتأذى من كيد الأعداء، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ نَعلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ [الحِجر:97] وقوله: ﴿لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤمِنِينَ﴾ [الشعراء:3] وقوله:
﴿حَتَّىٰٓ إِذَا ٱستَئَسَ ٱلرُّسُلُ﴾ [يوسف:110] .
وعلى هذا إذا ضاق قلبه وقلت حيلته وهو يعلم أنّ نصر الله آتٍ- وإنْ كان لا يعرف وقته تحديداً- فماذا عليه لو سأل عن موعد ذلك النصر؟ ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ﴾ حتى إذا علم قرب الوقت زال همه وطاب قلبه كما قال في الجواب: ﴿أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ فتضمن الجواب ذكر القرب؛ لأنّ السؤال كان عن قرب النصر، ولو كان السؤال عن وجود النصر من عدمه لما كان الجواب مطابقاً لذلك السؤال.

السؤال التاسع:
قوله تعالى: ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ﴾ إلى من يعود ؟
الجواب:
قوله تعالى: ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ﴾ هو قول الذين آمنوا، وقوله تعالى : ﴿أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنْ يكون جواباً من الله تعالى لهم تثبيتاً لقلوبهم.

السؤال العاشر:
إنْ قيل إنّ قولَه تعالى: ﴿أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ يوجب في حقِّ كل من لحقته شدة أنْ يعلم أنه سيظفر بزوالها وذلك غير ثابت، فكيف ؟
الجواب:
آـ لا يمنع أنْ يكون هذا من خواص الأنبياء عليهم السلام.
ب ـ أو يكون ذلك عاماً؛ لأنّ الإنسان في البلاء إمّا أنْ يتخلص منه أو يموت، وإنْ مات فقد وصل إلى من لا يهمل أمره ولا يضيع حقه، وذلك من أعظم النصر، وإنما جعله قريباً؛ لأنّ الموت قريب.
ج ـ هذه الآية: ﴿مَتَىٰ نَصرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ﴾ فيها استبطاءٌ ، وفيها بشرى بالنصر القريب.
والله أعلم .


ابوالوليد المسلم 18-01-2025 03:08 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن ( 180)
مثنى محمد هبيان


﴿يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقتُم مِّنۡ خَيرٖ فَلِلوَٰلِدَينِ وَٱلأَقرَبِينَ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱبنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ [البقرة: 215]

السؤالالأول:
ما دلالة الآيات التي بدأت بقوله تعالى: ﴿يَسَٔلُونَكَ ؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة 189.
السؤالالثاني:
كرر القرآن لفظة (ماذا) في الإنفاق مرتين، فقال: ﴿ يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ في آيتي البقرة 215، 219 فما دلالة هذا التكرار ؟
الجواب:
قال تعالى: ﴿ يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ فجاء بـ(ماذا)، وهذا يدل على المبالغة في الاستفهام؛ ولذلك ـ والله أعلم ـ كرّر السؤال مرتين، مرة في الآية 215، ومرة في الآية 219، فمرة أجاب عن السؤال ببيان أوجه الإنفاق المشروعة، ومرة أجاب عنه بنوع المال الذي ينفق، فكرر السؤال مرتين، وأجاب عنه مرتين، لأهمية السؤال؛ ولذا جاء بـ (ماذا) بدل (ما) لأنّ (ماذا) أبلغ وأقوى مِن (ما).
السؤالالثالث:
قوله تعالى في الآية: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ما الفرق بين: عالم وعلّام وعليم؟
الجواب:
1ـ كلمة (عالم) في القرآن لم ترد إلا مع (عالم الغيب) مفرداً أو (عالم الغيب والشهادة) عِلماً أنها وردت في (14) موضعاً في القرآنِ ولم تَرِد بمعنىً آخر، و ( عالم ) اسم فاعل لا يدل على الكثير عادة، فاستعملها بالمفرد الذي لا يدل على التكثير.
شواهد قرآنية: مقترنة بالغيب أو بالغيب والشهادة:
ـ ﴿ عَٰلِمُ ٱلغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَىٰ غَيبِهِۦٓ أَحَدًا [الجن:26] .
ـ ﴿ عَٰلِمُ ٱلغَيبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلحَكِيمُ ٱلخَبِيرُ [الأنعام:73] .
2ـ (علّام )خصّصها للغيوبِ، كقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِ [التوبة:78] ولا تجد كلمة (علّام )في القرآن في غير ﴿ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِولم ترد إلا مع الغيوبِ ـ جمع الغيب ـ مجموعةً، والعلاّم كثرة والغيوبُ كثرة .
ومثل ذلك (سمّاع وسميع) في القرآن:
آ ـ سمّاع، استعملها في الذمِّ، كقوله تعالى:
ـ ﴿ سَمَّٰعُونَ لِلكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأتُوكَۖ [المائدة:41] .
ـ ﴿ وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ [التوبة:47] .
ب ـ و(سميع) استعملها تعالى لنفسه ﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ [البقرة:224] واستعملها في الثناء على الإنسان ﴿ إِنَّا خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ مِن نُّطفَةٍ أَمشَاجٖ نَّبتَلِيهِ فَجَعَلنَٰهُ سَمِيعَا بَصِيرً [الإنسان:2] وسمّاع لم يستعملها إلا في الذم، إذن القرآن يخصص في الاستعمال.
3ـ لفظة ( عليم) مطلقة، ويستعملها في كل المعلومات:
آـ على سبيل الإطلاق ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٞ [البقرة:29] يستعملها إما للإطلاق على الكثير.
ب ـ أو يطلقها بدون تقييد ﴿ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ [البقرة:247] .
ج ـ أو يستعملها مع الجمع أو فعل الجمع.
شواهد قرآنية: قوله تعالى:
ـ ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ [يس:79] هذه مطلقة و(كل ) تدل على العموم .
ـ ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٞ [البقرة:29] هذا إطلاق أو على العموم.
ـ ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ [البقرة:115] ﴿ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ [البقرة:247] ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَلِيمُ ٱلحَكِيمُ٣٢ [البقرة:32] .
ـ ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ [البقرة:95] ﴿ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلمُفسِدِينَ [آل عمران:63] ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلمُتَّقِينَ [آل عمران:115] ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ [آل عمران:119] مع الجمع نحو (المتقين، المفسدين، الظالمين، بذات الصدور) .
ـ ﴿ وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ [البقرة:215] بفعل الجمع، فلم يقل مثلاً : (وما تفعل من خير).
ـ ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعمَلُونَ [يوسف:19] ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ عَلِيمٞ [النور:28] للجمع أو فعل الجمع.
4ـ إذن كلمة ( عليم) لم تحدد بشيء معين، إمّا للعموم أو كونها مطلقة من كل شيء أو مع الجمع أو مع فعل الجمع، ولم يأت مع متعلق مفرد مطلقاً في القرآن، لذلك لا تجد: عليم بفلان، أو بفعل فلان.
بينما (علاّم) محددة، و(عالِمٌ) محددة. وإذا أراد أحدهم أنْ يدرس هذه الاستعمالات تدرس في باب تخصيص الألفاظ القرآنية، وهذه ظاهرة في القرآن .
السؤالالرابع:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ هذه الآية نزلت في نفقة الرجل على أهله وأرحامه ، وهو سؤال عن المُنفَق والمُنفَق عليه ، ونزلت في الصدقة يُتصدق بها على المحتاجين .
2ـ عمرو بن الجموح كان رجلاً كبيراً كثير المال ، فسأل النبي عليه السلام بماذا نتصدق ؟ وعلى من نُنفق ؟ وقد تكرر هذا السؤال من قبل بعض الصحابة ، فأنزل الله سبحانه مبيناً الأَوْلى بالنفقة فالأَوْلى ، وأنّ النفقة تكون بما تيسر لهم من الخير من أصناف المال الحلال الطيب .
3 ـ راعى الترتيب في الإنفاق ، فقدّم الوالدين لعظم حقهما ، ثم ذكر الأقربين ، ثم اليتامى والمسكين وابن السبيل .
4 ـ قوله تعالى : ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ختم بالعلم لأجل دخول الخلل على النيات في الإنفاق، لأنّ تباهي النفس بالإنفاق يفسد الصدقة حيث لا بدّ معها من الإخلاص . والله أعلم .



ابوالوليد المسلم 17-04-2025 05:03 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (181)


مقالات شرعية مثنى محمد هبيان



الحُكم التشريعي الحادي عشر في السورة : حُكم القتال في سبيل الله
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ٢١٦﴾ [البقرة: 216]
السؤالالأول:
جاء الفعل (كُتِبَ) في الآية بصيغة المبني للمجهول. فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
استعمال (كُتِبَ) فيه شدة ومشقة وما يستكره من الأمور عموماً؛ ولذلك عندما يقول: كُتب عليكم، يكون أمر فيه شدة ومشقة وإلزام، والقتال كله شدة وكره فناسب المبني للمجهول، وهذا هو خط القرآن في ذلك . [راجع الآية 183 ].
السؤالالثاني:
ما الفرق بين كلمة الكَره - بفتح الكاف- والكُرهِ – بضمها- ؟
الجواب:
1ـ الكَره - بفتح الكاف- هو ما يأتي من الخارج، ويقابله الطوع، كما في قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ١١) [فُصِّلَت:11] .
﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ١١﴾ [فصلت: 11]
2ـ أما الكُره - بضم الكاف - فهو ما ينبعث من الداخل، كما قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ٢١٦) [البقرة:216] جاءت كلمة الكُره؛ لأنّ الإنسان بطبيعته يكره القتال، وكذلك في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) [الأحقاف:15] الحمل في نفسه ثقيل وكذلك آلام الوضع والحمل، وأي إنسان لا يريد المشقة لنفسه أصلاً.
السؤالالثالث:
ما دلالة الفعل (عسى) في القرآن؟
الجواب:
آـ عسى في القرآن: للترجي وللتوقع، ومن معناها أيضاً الطمع فيما يستقبل والإشفاق ألا يكون، والفيصل في تحديد المعنى هو السياق.
والكثير في خبرها أنْ يكون فعلاً مضارعاً مقترناً بأنْ، وذلك أنها لمّا كانت للاستقبالِ جاؤوا بأنْ الدالة على الاستقبال فأدخلوها على الخبر، فإذا أرادوا أنْ يقربوها من الحال حذفوا (أنْ)، وهو قليل.
ولذلك يفهم أنّ الحرف (أنْ) مؤذن بتراخي الفعل .
واستعملت عسى على وجهين:
1ـ فعل ماض جامد مسند إلى اسم ظاهر، كقوله تعالى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ) [الإسراء:8] وهنا للترجي، أو إلى ضمير بارز، كقوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) [محمد:22] وهنا للتوقع.
2ـ فعل ماض جامد مسند إلى( أنْ والفعل) كقوله تعالى: ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) [البقرة:216] .
ب ـ وقال بعضهم: في القرآن الكريم بشكل عام تأتي (عسى) من الله بمعنى الحصول والتأكيد
كما في قوله تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ٢٢) [القصص:22]،
ج ـ و عندما تأتي ( عسى ) للطمع فيما يستقبل والإشفاق ألا يكون كما في سورة البقرة: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) [البقرة:216] فينبغي أنْ تتوقع فيما تحب أنْ يكون فيه شر، وأن تتوقع أنه قد يكون خير فيما يكره.
د ـ وقد تأتي للتوقع كما في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ٢٢) [محمد:22] . والفيصل في تحديد المعنى هو السياق، والمعجم يعطي معنى الكلمة مفردة، ولا يصح الاستناد إلى المعجم وحده للفهم .
السؤالالرابع:
كلمة (الْقِتَالُ) في الآية هي إحدى كلمات منظومة الجهاد في القرآن. فما كلمات تلك المنظومة ؟
الجواب:
كلمات منظومة الجهاد الواردة في القرآن هي:
الحرب:
تعني الجهاد العسكري بهدف الاستيلاء على ثروات الآخرين، والحرب الإسلامية لا تكون إلا عند الاعتداء على العقيدة أو الأرض أو العِرض أو الممتلكات .
* شواهد قرآنية :
(فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [البقرة:279].
(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) [المائدة:33].
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ )[الأنفال:57].
وآية المائدة 33 في قطاع الطرق الذين يسلبون أموال الناس وممتلكاتهم فاستعمل (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ولو قال:(يقاتلون) بدل (يحاربون) لشملت الآية كل من يخيف المارة.
وآية البقرة (279) هي آية الربا فقال:(بِحَرْبٍ) ، ولم يقل: بقتال؛ لأنهم سلبوا ما في أيدي الناس من مال.
القتال:
وهي الحرب بقصد إزهاق أنفس العدو.
* شواهد قرآنية :
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ )[البقرة:216].
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ )[الأنفال:65].
(وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ)[الأحزاب:25].
(فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ)[محمد:20].
البأس:
هو الحرب بقصد التمكن الكامل بالعدو والانتقام الشديد وكسر النفس.
* شواهد قرآنية:
(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ )[البقرة:177].
(بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ )[الحشر:14].
الزحف:
هو الجيش المتثاقل البطيء لضعفه وقلة قدرته على قتال العدو، والهروب في هذه الحالة من الكبائر.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ١٥)[الأنفال:15].
الغزو:
إذا كنت في أرضك فأنت مقاتل مدافع، ولكن عندما تضطر لنقل المعركة إلى العدو يُسمى هذا غزواً.
(إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى)[آل عمران:156].
النفير:
هو جيش النجدة لمساعدة الجيش الأصلي، وهو فرض على النساء والأطفال والشيوخ.
والنفرة مأخوذة من سرعة الهجوم، ولذلك سُمِّيَ الخروجُ من عرفاتٍ إلى المزدلفة نفرةً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا٧١)[النساء:71].
(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا)[التوبة:41].
البغي:
هو الحرب غير المشروعة، والتي ليس لها سبب.
(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ٣٩) [الشورى:39].
(فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ )[يونس:23].
الجهاد: ويشمل كل ما سبق، وهو عام.
* شواهد قرآنية :
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ)[التوبة:16].
(أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ)[التوبة:24].
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا)[النحل:110].
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)[الأنفال:74].
(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٣٥)[المائدة:35].

السؤالالخامس:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ فرض الله القتالَ على المسلمين بهذه الآية بعد الهجرة للمدينة ، بعد أن قوي المسلمون واشتد عُودهم ، وبعد أن كان غير مأذون به في مكة ، وأخبر سبحانه أنّ القتال مكروه للنفوس لما فيه من المخاوف والمخاطر ، ولكنه في الواقع خيرٌ محض ، لما فيه من عظيم الثواب والنصر على الأعداء .
2ـ قد تكرهون شيئاً وهو خير لكم ، وقد تحبون شيئاً بسبب الراحة أو اللذة العاجلة وهو شر لكم ، والله يعلم ما هو خيرٌ لكم وأنتم لا تعلمون ذلك ، لذا بادروا إلى الجهاد .
3 ـ ( عسى ) فعل ماض جامد لإنشاء الترجي ، وهي هنا تامة ، وذلك مطرد مع عسى وأوشك إذا وليتها (أن) .
4 ـ في الآية طباق بين الحب والكُره ، وبين الخير والشر .
5 ـ الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة ، وهو ذروة سنام الإسلام . قال عليه الصلاة والسلام : ( لاهجرةبعدالفتح، ولكنجهادونية، وإذااستنفرتمفانفروا) [صحيح البخاري 2783].
والله أعلم .











ابوالوليد المسلم 17-04-2025 05:07 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مـن روائع البيان في سور القرآن (182)


مقالات شرعية مثنى محمد هبيان



﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217]
السؤالالأول:
ما دلالة الآيات التي بدأت مثل هذه الآية بقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ ؟.
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة 189.
السؤالالثاني:
ما دلالة قوله تعالى في الآية: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ؟
الجواب:
أثير انتباهك أخي المؤمن إلى هذه اللفتة الإلهية، فالله تعالى أخبرنا بأنّ الكافرين مستمرُّون على زعزعةِ إيماننا وإخراجِنا من دوحةِ الإسلام ما قُدِّر لهم ذلك، ولاحظ قوله تعالى: ﴿إِنِ اسْتَطَاعُوا فقد قيّد قُدرَتهم على إخراجِكَ من الدين، بقوله: ﴿إِنِ اسْتَطَاعُوا وهذا احتراسٌ لئلا يظنَّ السامع أنّ المؤمن سهلٌ إخراجُه عن إيمانِه، فاستعملَ تعالى حرفَ الشَّرطِ ( إنْ ) وهو يدلُّ على الشَّكِّ لا اليقينِ ليطمئن أنّ استطاعتهم في ذلك ولو على آحاد المسلمين أمر بعيد المنال لهم؛ لقوة الإيمان التي تتغلغل في القلب فلا يفارقه.
السؤالالثالث:
قوله تعالى في الآية: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ لِمَ استعمل (الفاء) بدل (ثم)؟
الجواب:
استعمل حرف العطف (الفاء) في قوله: ﴿فَيَمُتْ وهو حرف يفيد الترتيب والتعقيب ولم يستعمل (ثم) التي تفيد التراخي والمهلة في الزمن؛ أي قال: ﴿فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ولم يقل: (ثم يمت وهو كافر). فما السبب؟ ونحن نعلم أنّ معظم المرتدين لا تحضر آجالهم عقب الارتداد بل قد يعمّر المرتد طويلاً، والفاء تفيد الترتيب، والتعقيب: أنْ يقع الأمران متعاقبين متتاليين، فما وجه استعمال الفاء إذن؟ في هذا ارتباط بديع يتمثل في أنّ المرتد يُعاقب بالموت عقوبة شرعية، فإنْ ارتدّ يُقتل حدّاً. والله أعلم .
السؤالالرابع:
لماذا جاءت ﴿يَرْتَدِدْ بفك الإدغام؟
الجواب:
فكّ الإدغام يكون مع الجزم، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217] وهذا يسري على جميع المضعّفات في حالة الجزم إذا أُسند إلى ضمير مستتر أو اسم ظاهر.
السؤالالخامس:
كلمة (قتال) تعرب بدلاً في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[البقرة:217]، فهل البَدَل يفيد التوكيد؟
الجواب:
للبدل أنواع منها: الاشتمال والتخصيص والمدح والذمّ والتوكيد والتفخيم والإيضاح و غيره.
وفي قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217] ( قتال ) تُعرب بدل اشتمال، ولا يجوز إعرابها عطف بيان، لأنهما اختلفا تنكيراً وتعريفاً وفُقِد الشرط.
السؤالالسادس:
هل كل ما جاء عطف بيان يُعرب بدلاً؟
الجواب:
1ـ عطف البيان هو قريب من البدل، تقول مثلاً: أقبل أخوك محمد، (محمد) يمكن أنْ تُعرب بدلاً أو عطف بيان.
لكنْ هنالك مواطن ينفرد فيها عطف البيان عن البدل، وقسم من النحاة يذكرون الفروق بين عطف البيان والبدل، ثم يقول أشهر النحاة بعد ذكر هذه الفروق:" لم يتبين لي فرق بين عطف البيان والبدل".
2ـ عطف البيان على أي حال قريب من البدل، ويصح أنْ يُعرب بدلاً إلا في مواطن:
آـ عطف البيان لا يمكن أنْ يكون فعلاً، بينما البدل قد يكون فعلاً.
ب ـ عطف البيان لا يمكن أنْ يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابعا لضمير)، بينما البدل يصح أنْ يكون كذلك.
ج ـ عطف البيان لا يمكن أنْ يكون جملة ولا تابعاً لجملة، بينما البدل يمكن أنْ يكون كذلك.
وهناك مسألتان أساسيتان يركزون عليهما:
1. البدل على نيّة إحلاله محل الأول.
2. البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية.
فإذا قلنا: (يا أيَّها الرجلُ غلامُ زيد) لا يمكن أنْ يكون (غلام) بدلاً، لأننا لو حذفنا (الرجل) تصير الجملة: يا أيها غلام زيد، وهذا لا يصحّ.
السؤالالسابع:
قال هنا في الآية 217: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وقال في الآية 191: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
فما سبب ذلك؟ وما دلالته ؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة 191.
السؤالالثامن:
ما الدروس المستفادة من هذه الآية باختصار ؟
الجواب:
1ـ الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم هم المشركون ليعيِّروه بذلك بأنهم استحلوا القتال في الشهر الحرام والمسجد الحرام، وهذا هو قول الأكثرية من المفسرين.
وقيل: إنهم المسلمون سألوا الرسول عن ذلك ليعلموا الحكم، فأخبرهم الله أنّ الصد عن سبيل الله وإخراج أهل الحرم منه والفتنة في الدين أكبر من القتل والقتال في الشهر الحرام وفي الحرم.
2ـ المعنى المختصر للآية: لمّا كان الأمر بالقتال في الآية السابقة شاملاً عاماً لجميع الأشهر دون تحديد ، بيّن الله سبحانه في هذه الآية أنّ القتال في الشهر الحرام على سبيل الدفع جائز.
3ـ قوله تعالى في آية البقرة 217: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا أي: سوف يبقون محاولين ردكم عن الإسلام، وقوله: (إنْ استطاعوا) استبعاد لاستطاعتهم.
4ـ لما بيّن تعالى غرضهم من تلك المقاتلة وهو أنْ يرتد المسلمون عن دينهم، ذكر بعده وعيداً شديداً على الردة، فقال في نفس الآية217: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ.
السؤالالتاسع:
نكّرت كلمة ﴿قِتَالٞفي الآية مرتين فما دلالة ذلك؟ وما إعراب ﴿قِتَالٖ؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿قِتَالٖ بدل اشتمال، وخفض على البدل من الشهر الحرام، ومثله قوله تعالى: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج:4-5].
2ـ قوله تعالى: ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ فيه مسألتان:
آـ قتال مبتدأ وهو نكرة خُصصت بقوله ﴿فِيهِ و ﴿كَبِيرٞۚ خبر ومعنى كبير هنا هو عظيم.
ب ـ نكّر القتال في المرتين، واللفظ النكرة إذا تكرر كان المراد بالثاني غير الأول، نحو: رأيت رجلاً وأكرمت رجلاً، فالرجل الثاني غير الأول.
والقوم أرادوا بسؤالهم ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ أي ذلك القتال المعين الذي أقدم عليه عبد الله بن جحش فقال الله: ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وفيه تنبيه على أنّ القتال الكبير ليس هو الذي سألتم عنه؛ لأنّ هذا القتال كان الغرض منه نصرة الإسلام وإذلال الكفر، بل هو قتال آخر يهدف لهدم الإسلام وتقوية الكفر، فعبّر سبحانه بالتنكير في المرتين ليبين الفرق بين القتالين وأنهما ليسا متماثلين، ولو عرف الثاني لبطلت هذه الفائدة الجليلة.
3ـ وقوله تعالى: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ كلها مرفوعة بالابتداء، والخبر: ﴿أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ .
والمعنى أنّ القتال الذي سألتم عنه وإنْ كان كبيراً إلا أنّ هذه الأشياء أكبر منه.
السؤالالعاشر:
على أي شيء عطف قوله تعالى ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ في الآية ؟
الجواب:
1ـ عَطْف قوله تعالى ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ذكروا فيه وجوهاً:
آـ عطف على الهاء في ﴿ بِهِۦ .
ب ـ عطف على ﴿ سَبِيلِ ٱللَّهِ وهو قول الأكثرية، وهذا متأكد بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ ٢٥[الحج: 25].
ج ـ عطف على ﴿ٱلشَّهرِ ٱلحَرَامِ بتقدير: يسألونك عن قتال في الشهر الحرام والمسجد الحرام.
د ـ بتقدير إضمار حرف جر، أي بتقدير: وكفر به وبالمسجد الحرام .
2ـ وعند البصريين وهو ما اختاره الزجاج أنّ قوله تعالى: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ كلها مرفوعة بالابتداء، والخبر ﴿أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ .
والمعنى: أنّ القتال الذي سألتم عنه وإنْ كان كبيراً إلا أن هذه الأشياء أكبر منه.
السؤالالحاديعشر:
ما الصدُّ؟ وما الفتنة المذكورة في الآية ؟
الجواب:
1ـ الصد: هو الصد عن الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو صدّ المسلمين بشكل عام.
2ـ الفتنة: هي الكفر أو ما كانوا يفتنون به المسلمين عن دينهم بالشبهات والتعذيب والإشاعات.
السؤالالثانيعشر:
قوله تعالى في الآية: ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ما أصل الحبط في اللغة ؟
الجواب:
أصل الحبط في اللغة: أنْ تأكل الإبل شيئاً يضرها فتهلك، والمراد من إحباط العمل، أي: بطلانه لفساده.
السؤالالثالثعشر:
ما دلالة الصيغة الاسمية في قوله تعالى في الآية: ﴿وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ؟
الجواب:
جاء بالصيغة الاسمية للعذاب في الآخرة للدلالة على الاستمرار والثبات، وقال تعالى: ﴿هم لتخصيصهم ولتأكيد خلودهم في النار. والله أعلم.











ابوالوليد المسلم 17-04-2025 05:10 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (183)


مقالات شرعية مثنى محمد هبيان


﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[البقرة: 218]
السؤالالأول:
قال تعالى عن المهاجرين: ﴿هَاجَرُواْ ولم يقل: (هجروا) مثلاً فهل من فرق بين اللفظين؟
الجواب:
استعملالقرآنكلمة(هاجروا) دون(هجروا)؛لأنّ(هاجر) تنشأعنعداوةبينالجانبين،فكلٌّمنالمنتقِلوهمأصحابالنبي صلى الله عليه وسلم والمنتقَل عنهم وهم المشركون في مكة، كلٌّ قدهجرالآخروقلاهوطلببُعده.
السؤالالثاني:
ما دلالة قوله تعالى في الآية: ﴿أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ؟
الجواب:
عددت الآية ثلاثة أصناف من الناس:
1- ﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ 2- ﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ 3- ﴿ وَجَٰهَدُواْ .
والذين آمنوا إيماناً خالصاً لوجه الله وهاجروا لنصرة الدين وجاهدوا لإعلاء كلمة الإسلام، هؤلاء قد فعلوا كل ذلك وهم يرجون رحمة الله .ولا شك أنّ هذه الأمور الثلاثة هي مدار العبادة وعُنوان السعادة .
ولقائل يسأل: أليست الرحمة مسألة يقينية عندهم؟
والجواب: ليس للعبد عند الله أمر متيقن، فما أدراك أنك لم تُحسن التوبة أو أنك لم تتيقن من استحضار نية الإخلاص لله في عملك ، أو حدثتك نفسك بشيء أفسد عليك عملك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق وسيد الموصولين بربهم يقول: «اللهمإنيأعوذبكمنعلملاينفعوعمللايُرفعودعاءلايُسمع».[ رواه النسائي في صحيحه 5470 ] .وعظمة الرب أنك تدعوه خوفاً وطمعاً، إنْ رغبت فيه ولم ترهبه فأنت ناقص الإيمان، وإنْ رهبت فيه ولم ترغب فإيمانك ناقص أيضاً، لذلك لا بدّ من تلازم الرهبة والرغبة.
ولقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ دخول الجنة لا يكون بالأعمال وحدها ولكن بفضل الله ورحمته ومغفرته، فهو يقول: « لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ الجَنَّةَ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ». [ صحيح مسلم 2816] .
لذلك فالمؤمن يرجو رحمة ربه، ولا يشترط على الله وهو يتجه بعمله خالصاً لله ويرجو التقبل والمغفرة والرحمة.
السؤالالثالث:
ما دلالة الفرق في رسم كلمتي : ﴿ هَاجَرُواْ بالألف الصريحة و﴿ وَجَٰهَدُواْ بحذف الألف الوسطية في الآية ؟
الجواب:
ورد الفعل ﴿ هَاجَرُواْو﴿ يُهَاجِرُواْ وملحقاته في القرآن الكريم (17) مرة كلها بالألف الصريحة ، ويوحي وجود الألف الوسطية في الفعل أنّ الهجرة تستلزم الانتقال والانفصال عن المكان ، فكأنّ وجود الألف الوسطية الفاصلة في منتصف الكلمة تعبر عن هذا الانفصال .
أمّا الفعل﴿ وَجَٰهَدُواْ و﴿ يُجَٰهِدُواْ وملحقاته فقد ورد في القرآن الكريم حوالي (27) مرة كلها بدون ألف ، و يوحي عدم وجود ألف وسطية في الفعل بأنّ الجهاد لا يعني فقط القتال والانتقال إلى مكان المعركة ، إنما يعني في الدرجة الأولى قرب وارتباط فريضة الجهاد إلى قلب المؤمن ، إضافة إلى جهاد النفس ، الذي بينه حديث الرسول عليه السلام في جهاد النفس ، والله أعلم .
السؤالالرابع:
ما دلالة رسم كلمة ﴿ رَحمَتَ الواردة في الآية بالتاء المفتوحة ، علماً أنها رسمت بالتاءالمربوطة
﴿ رَحمَةًۚ في مواضع أخرى من القرآن الكريم ؟
الجواب:
وردت كلمة﴿ رَحمَةًۚ بالتاء المربوطة (72) مرة في القرآن الكريم ، ووردت ﴿رَحمَتَ بالتاء المفتوحة (7) مرات فقط في القرآن الكريم في الآيات :[ البقرة 218 ـ الأعراف 56 ـ هود 73 ـ مريم 2 ـ الروم 50 ـ الزخرف 32 (مرتان ) ] .
وعندما ترد﴿ رَحمَتَ بالتاء المفتوحة ، فإنّ ذلك يعني خصوصية هذه الكلمة وأهميتها ودلالتها غير العادية حين تدبر الآية التي وردت بها والسياق المحيط بها وتعني الرحمة الخاصة لبعض الخلق ،وهم الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله ، والمحسنون ، وأهل البيت ، وزكريا ، وإحياء الأرض بعد موتها . أمّا بالتاء المربوطة﴿ رَحمَةًۚ فهي توحي بالرحمة العامة .
ومن الجدير بالذكر أنّ جميع السور التي جاءت فيها كلمة بالتاء المفتوحة ﴿ رَحمَتَ يوجد في أولها الحروف المقطعة ، وكأنّ هذه الحروف المقطعة قد يكون من ضمن معانيها الرحمة الخاصة لعباد الله المؤمنين .
وللعلم فإنّ كلمتي :﴿ رَحمَتَ ٱللَّهِۚ و﴿ رَحمَتِ رَبِّكَ معاً عددها (7) في القرآن الكريم كله ، وهو يساوي عدد كلمة﴿ رَحمَتَ بالتاء المفتوحة .
وشبيه بهذا رسم كلمة: [﴿لَعنَةَ ﴿ لَّعنَتَ ] و كلمة: [﴿ٱمرَأَةٞ ﴿ ٱمرَأَتُ ]و كلمة: [﴿كَلِمَةٞ ﴿ كَلِمَتُ ]. والله أعلم .











ابوالوليد المسلم 17-04-2025 05:13 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (184)


مقالات شرعية مثنى محمد هبيان



الحكم التشريعي الثالث عشر : التدرج في تحريم الخمر
الحكم التشريعي الرابع عشر : إصلاح مال اليتيم

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ 219 فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ220 [البقرة: 219-220]

السؤالالأول:
ما أهم دلالات هاتين الآيتين ؟
الجواب:
فيالآية( 219 ) قرأحمزةوالكسائي( إثمكثير) بالثاءالمثلثة، والكثرةباعتبارالآثمينمنالشاربينوالمقامرين، وقرأالباقون( إثمكبير) بالباءالموحدة.
2 ـهذهالآيةهيسؤالالصحابةالرسولعليهالسلامعنالخمرشرباًوبيعاًوشراءوتعاطياً.
3 ـالخمرمنالمخامرةوهيالمخالطة، وسُميتالخمرخمراًلأنهاتخالطالعقلوتسترهوتخفيه، وكأنّالخمريواريمابينالعقلالمستبصرمنالإنسانوبهيميتهالعجماء، وأمّااشتقاقالميسرفهومناليسرفيكسبالمالمنغيركدّولاتعب، أوهومناليسار وهوالغنى.
4 ـتحريمالخمركانعلىسبيلالتدرج، ونزلتحريمالخمر فيأربعآياتتمثلأربعمراحلفيطريقالتحريم:
آـقولهتعالى: ﴿وَمِنثَمَرَٰتِٱلنَّخِيلِوَٱلۡأَعۡنَٰبِتَتَّخِذُونَمِنۡهُسَكَرٗاوَرِزۡقًاحَسَنًاۚإِنَّفِيذَٰلِكَلَأٓيَةٗلِّقَوۡمٖيَعۡقِلُونَ٦٧[النحل: 67] فوصفالرزقبأنهحسن، فأثنىعليه، وسكتعنالخمر، وفيهذاتعريضبالذمغيرمباشر.
بـقولهتعالى: ﴿ يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗكَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ٢١٩ [البقرة: 219] فبيّناللهسبحانهأنّفيالخمروالميسرمنافعدنيوية، لكنهكسبحرامغيرمشروع، والإثمأكبرمنالنفع.
جـقولهتعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ [النساء: 43] فمنعشربالخمرفيالصلاة، والصلواتالخمستتخللالليلوالنهار.
دـقولهتعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ٩٠إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ٩١[المائدة: 90-91] فلمّانزلتهذهالآيةقالالصحابةوفيهمعمر: انتهيناربناانتهينا. وكانذلكبعدغزوةالأحزاببأيام، وتركواالخمرمنفورهم.
5 ـوقدلعنالإسلامفيالخمرعشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولةإليه، وبائعها، ومبتاعها، وواهبها، وآكلثمنها.
6 ـالآية( 220 ) : فيهاأمرمناللهأنيفعلالمسلمونالخيرللأيتامدائماً، وأنيصلحواأموالهم: حفظاًوصيانةواستثماراًوتنمية.
7 ـقولهتعالى: ﴿ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚالإعناتالحملُعلىمشقةلاتطاق، أي: ولوشاءاللهلكلّفكممايشتدعليكم.
8 ـقولهتعالى: ﴿ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ فيهوعيدلمنيفسدأموالاليتامىوأوضاعهموشؤونهم.

السؤالالثاني:
لِمَ قال تعالى: ﴿ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ ولم يقل: إصلاحهم في الآية ؟
الجواب:
انظر إلى عظيم عناية الله تعالى ولطفه بعباده الضعفاء. ويتجلّى هذا اللطف في قوله تعالى: ﴿ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ حيث قال: ﴿ لَّهُمۡ ولم يقل: إصلاحهم، لئلا يظن الإنسان أنه ملزم بإصلاح جسده ورعاية جسمه والعناية به وحسبُ ثم يهمل ما عداه، لا. فأنت أيها الكافل اليتيم مأمور بإصلاح ذاته وروحه وعقيدته وخلقه وكل ما يتعلق به.

السؤالالثالث:
قوله تعالى: ﴿ ٱلۡعَفۡوَۗ جاء فيه قراءتان، بالنصب وبالرفع، فما إعراب كل حالة ؟ وهل الفعل ( يسألونك ) يتعدى إلى مفعولين أم إلى مفعول واحد؟
الجواب:
1ـ الفعل ( يسألونك ) قد يتعدى لمفعولين إذا كان السؤال بمعنى طلب المال ، نحو : (من سأل الله شيئاً أعطاه ) ، وأما إذا كان السؤال استفهاماً فإنه يتعدى إلى مفعول واحد، كما في قول الله : ( يسألونك عن الساعة ).

2 ـ قرأ أهلُ الحرمين وأهلُ الكوفة بالنصب ، وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر وابن أبي اسحاق ( قل العفوُ ) بالرفع. قال أبو جعفر: إنْ جعلتَ "ذا" بمعنى (الذي) كانَ الاختيارُ الرفعَ وجاز النصبُ، وإنْ جعلتَ (ما) و(ذا) شيئاً واحداً كان الاختيارُ النصبَ وجاز الرفعُ، وحكى النحويون: ماذا تعلمتَ أنحواً أم شعراً؟ بالنصب والرفع على أنهما جَيدانِ حَسَنانِ ، إلا أنّ التفسير في الآية يدلّ على النصب. قال ابن عباس: (العفو) ما يفضل عن أهلك، فمعنى هذا: ينفقون العفو، وقال الحسن: المعنى: قل أنْفقُوا العفو.
فالرفع على تقدير (ما) اسم استفهام مبتدأ ، و(ذا) اسم موصول بتقدير : ما الذي ينفقونه ؟ والجواب: العفوُ، يعني: هو العفوُ. وأمّا النصبُ فعلى تقدير: (ماذا) اسم استفهام في محل نصب (مفعول به مقدم) بتقدير: ( أي شيء ينفقون ) ، فتكون كلمة ( العفوَ ) تعني : (قل أنفقوا العفوَ) ، أو: (قل تنفقون العفوَ) ، أي أنّ الرفع أو النصب مبني على إعراب الجملة التي قبلها، لأنّ الجواب مبني على السؤال ، فهنا كلمة: (ما) مفعولية أو استفهامية، وهي التي فُسرت بكلمة (العفو) ، فالسؤال كان : ما الذي ينفق ؟ وكان الجواب : ( العفو) ، فلما كانت تفسيراً لها كان لها حكمها في الإعراب ، فإنْ نَصبتَ ( ماذا ) فانصب ( العفوَ ) وإنْ رَفعتَ ( ماذا ) فارفع ( العفوُ ) ، وباختصار: إمّا مفعول به منصوب على قراءة الفتح ، أو خبر مرفوع على قراءة الرفع ، والله أعلم .











ابوالوليد المسلم 17-04-2025 05:15 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (185)


مقالات شرعية مثنى محمد هبيان



الحكم التشريعي الخامس عشر : زواج الوثنيات واهل الكتاب
﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)﴾ [البقرة: 221]
السؤالالأول:
ماذا تفيد اللام في قوله تعالى في الآية ﴿ وَلَأَمَةٞ ﴿ وَلَعَبۡدٞ ؟
الجواب:
قد تدخل اللام على المبتدأ وتسمى لام الابتداء وهي تفيد التوكيد كما في هذه الآية.
السؤالالثاني:
قوله تعالى في الآية: ﴿ ءَايَٰتِهِۦ وفي آيات أخرى يقول: ﴿ ٱلۡأٓيَٰتِ [البقرة:118] فما الفرق ؟
الجواب:
كلمة (الآيات) عامة من حيث اللغة ، وأمّا (آياته) فخاصة حيث الإضافة إلى ضمير الله سبحانه وتعالى فيها تشريف وتعظيم.
لمزيد من التفصيل انظر الجواب في السؤال الرابع في آية البقرة 187 .
السؤالالثالث:
ما دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ تحدثت سورة البقرة في اثنتين وعشرين آية ابتداء من هذه الآية وحتى الآية ( 243 ) عن بعض أحكام الزواج والمعاشرة والإيلاء والطلاق والعِدّة والنفقة والرضاعة وغير ذلك من شؤون الأسرة ، وبدأ الحديث عن موضوع الزواج .
2ـ كان المسلمون مختلطين مع المشركين الوثنيين آنذاك في المدينة ، ولربما رغب أحد المسلمين بالزواج منهم أو العكس ، فنزلت هذه الآية لتبين الحكم .
3 ـ النكاح في الأصل هو الوطء ، ثمّ غلب على عقد النكاح .
4 ـ هذه الآية تحرم زواج المسلم من الوثنية ومن في حكمها ، كالبوذية والسيخية وعابدة البقر، ونحو ذلك ممن لا يؤمنون برسالة سماوية ، ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر .
5ـ هناك فرق بين الوثنية وأهل الكتاب ، وكلاهما يُوصف بالشرك والكفر .
6 ـ خصصت آية المائدة في إباحة الزواج من نساء أهل الكتاب ، بقوله تعالى : ﴿وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ [المائدة:5] .
7 ـ قوله تعالى في الآية : ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ بفتح التَّاء هنا، وبضمها في قوله:﴿وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ [البقرة: 221]لأنّ الأول من ( نَكَحَ ) وهو يتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، والثاني من ( أنْكَحَ ) وهو يتعدَّى إلى اثنين، الأول في الآية ( المشركين )، والثاني محذوفٌ وهو ( المؤمنات )، أي لا تنكحوا المشركين النساء المؤمنات حتى يؤمنوا.
8 ـ بشكل عام يحرم على المسلمة أن تتزوج المشرك ، ويحرم على المسلم أن يتزوج مشركة ، وأباح له الزواج بنساء أهل الكتاب .
9 ـ قوله تعالى : ﴿أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ٢٢١ فالله يدعو عباده إلى الدين الحق المؤدي بهم إلى مغفرة الذنوب وإلى الجنة . والله أعلم .








ابوالوليد المسلم 06-05-2025 04:38 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (186)





مثنى محمد هبيان







الحكم التشريعي السادس عشر : تجنّب النساء في المحيض
﴿وَيَسۡ‍َٔلُونَكَعَنِٱلۡمَحِيضِۖقُلۡهُوَأَذٗىفَٱعۡتَزِلُواْٱلنِّسَآءَفِيٱلۡمَحِيضِوَلَاتَقۡرَبُوهُنَّحَتَّىٰيَطۡهُرۡنَۖفَإِذَاتَطَهَّرۡنَفَأۡتُوهُنَّمِنۡحَيۡثُأَمَرَكُمُٱللَّهُۚإِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلتَّوَّٰبِينَوَيُحِبُّٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢[البقرة: 222 ]
السؤالالأول:
ما الوجه البلاغي لكلمة (أذى) في الآية: ﴿وَيَسۡ‍َٔلُونَكَعَنِٱلۡمَحِيضِۖقُلۡهُوَأَذٗى﴾ ؟
الجواب:
انظر إلى هذه الدقة والإعجاز العلمي، فقد أطلق الله سبحانه وتعالى الأذى ولم يقيّده، فقال (هو أذى) ولم يقل (هو أذى لكم) أو (لهنّ) فهل لهذا التعبير من سبب؟ نعم لأنّ جماع المرأة أثناء حيضها أذى للرجل يسببه الدم الفاسد، وفيه أذى للمرأة ومرض، وفيه أذى للطفل، والأطباء يقولون: إنّ الجنين إذا تكوّن بجماع خلال الحيض قد يصاب بمرض الجذام.
السؤالالثاني:
ما دلالة المتطهّرين في قوله تعالى في هذه الآية: ﴿إِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلتَّوَّٰبِينَوَيُحِبُّٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢﴾ ؟
الجواب:
الذي يبدو والله أعلم أنّ ﴿ٱلۡمُطَهَّرُونَ٧٩[الواقعة:79] هم الملائكة؛ لأنه لم ترد في القرآن كلمة (المطهرين) لغير الملائكة، (والمُطهّر) اسم مفعول وهي تعني: مُطهّر من قِبَل الله تعالى.
وبالنسبة للمسلمين يقال لهم: (متطهرين أو مطّهّرين) كما في هذه الآية، و(متطهرين) هي بفعل أنفسهم، أي: هم يطهرون أنفسهم.
السؤالالثالث:
قال تعالى في هذه الآية البقرة: 222 ﴿ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ﴾ بالتاء، وقال في آية التوبة: 108 ﴿ٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨﴾ بالتشديد. فما الفرق؟
الجواب:
قال في آية البقرة:﴿ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢﴾ وفي آية التوبة ﴿ٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨﴾ وذلك:
1 ـ آية البقرة 222:
آ ـ هي في الطهر من الحيض والتطهر منه وهو متكررٌ متطاولٌ في العمر، فجاء به على صيغة الفك لأنها أطول.
ب ـ كذلك التطهر هنا أمر بدني للنساء والرجال، فالنساء ينبغي أن يتطهرن من الحيض والرجال ينبغي أن يعتزلوا النساء حتى يتطهرن .
ج ـ الآية في عموم المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين.
2ـ آية التوبة 108:
آ ـ التطهر فيها منظور به إلى التطهر القلبي؛ لأنها نزلت في المنافقين الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وهذا من فساد الباطن وسوء السريرة ودنس القلب، كما قال الله ﴿فِيقُلُوبِهِممَّرَضٞفَزَادَهُمُٱللَّهُمَرَضٗاۖ[البقرة:10] وأمر الله رسوله بترك ذاك المسجد .
ثم ذكر بإزاء أولئك المنافقين أصحاب القلوب الدنسة رجالاً آخرين هم أصحاب القلوب الطاهرة، فقال فيهم: ﴿فِيهِرِجَالٞيُحِبُّونَأَنيَتَطَهَّرُواْۚوَٱللَّهُيُحِبُّٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨﴾ ومعناه: أنه يحب الذين يبالغون في التطهر .
ب ـ الآية هي في صحابة رسول الله .
3ـ لذلك استعمل الصيغة الطويلة في المدة المتطاولة فاستعمل ﴿ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢﴾ للبدن ، بينما استعمل ﴿ٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨﴾ للقلب، وهو أبلغ وخاصة مع الصحابة؛ لأنهم أكمل الناس طهارة ظاهراً وباطناً.
4 ـ قد تقول: ولكنّ الله قال: ﴿فِيهِرِجَالٞيُحِبُّونَأَنيَتَطَهَّرُواْۚ[التوبة:108] فجاء بالفك ولم يقل (يطّهروا)؟ والجواب: أنّ الله جمع لهم بين التطهُّرَين القلبي والبدني، وذلك أبلغ وأمدح من أنْ يذكرهما بنوع واحد فإنه يحب المتطهرين جميعاً.
السؤالالرابع:
من الذين يحبهم الله تعالى؟
الجواب:
من يحبهم الله تعالى:
﴿إِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلتَّوَّٰبِينَوَيُحِبُّٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢ [البقرة:222].
﴿فَإِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلۡمُتَّقِينَ٧٦ [آلعمران:76].
﴿وَٱللَّهُيُحِبُّٱلۡمُحۡسِنِينَ١٣٤ [آلعمران:134].
﴿وَٱللَّهُيُحِبُّٱلصَّٰبِرِينَ١٤٦ [آلعمران:146].
﴿إِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلۡمُتَوَكِّلِينَ١٥٩ [آلعمران:159].
﴿إِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلۡمُقۡسِطِينَ٤٢ [المائدة:42].
﴿وَٱللَّهُيُحِبُّٱلۡمُطَّهِّرِينَ١٠٨ [التوبة:108].
﴿إِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلَّذِينَيُقَٰتِلُونَفِيسَبِيلِهِۦصَفّٗاكَأَنَّهُمبُنۡيَٰنٞمَّرۡصُوصٞ٤[الصف:4].
اللهم اجعلنا ممن تحبهم يا رب العالمين، وكذلك كل من يقول: آمين .
السؤالالخامس:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
1ـ كان اليهود يعزلون النساء إذا حاضت ويعتبرونها نجسة ، فلا يخالطوها ولا يأكلون أو يشربون معها مدة الحيض ، وكان النصارى لا يفرّقون بين المرأة وهي حائض أو غير حائض ، فيفعلون معها كل شيء حتى الجماع ، وحيث كان المسلمون قد امتزجوا باليهود في المدينة المنورة فقلدوهم في كثير من الأشياء ، فأنزل الله تعالى يبيّن أنه لا يحرم على الحائض إلا الجماع فقط ، كما حرّم الإسلام إتيان المرأة في دبرها .
2ـ يحرم على الحائض والجنب والنفساء : الصلاة والصوم ، ودخول المسجد ومس المصحف وحمله ، والطواف بالبيت ، وتفعل المرأة كل هذه الأمور بعد أن تطهر وتغتسل ، والصلاة لا تُقضى تخفيفاً ورحمة من الله لها لتكررها كل شهر ، والصوم يُقضى لأنه يأتي مرة واحدة بالعام .
3ـ ختم الله الآية بقوله:﴿إِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلتَّوَّٰبِينَوَيُحِبُّٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢﴾ أي يحب كثيري التوبة والاستغفار، وجاء بالتشديد لاحتمال تكرر المخالفات ، ويحب أيضاَ المتطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والأقذار .
4 ـ يستنتج من قوله تعالى : ﴿إِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلتَّوَّٰبِينَوَيُحِبُّٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢﴾ أنه ليس هناك نظام أرضي اهتم كل هذا الاهتمام بجمال الجسم وطهارته مثل الإسلام! وإنّ نقاء المسلمين البدني شارة تميزوا بها بين الشعوب الأخرى.( الغزالي ) .
5 ـ قال النبي عليه السلام في حديث ابن عمر : ( مَنْتوضَّأَفأحْسَنَالوضوءَ،ثُمَّقال : أشهَدُأنلَّاإلهَإلَّااللهُوحدَهُلَاشريكَلَهُ،وأنَّمحمدًاعبدُهُورسولُهُ،اللهمَّاجعلْنِيمِنَالتوَّابينَ،واجعلْنِيمنَالمتطهِّرينَ،فُتِحَتْلَهُثمانيةُأبوابِالجنَّةِ،يدخلُمِنْأيِّهَاشاءَ) [ أخرجهمسلم 234 ] .
6 ـ ما أجمل صوت أنين التائبين وما أعظم دموعهم على خدهم، يكفي التائبين فخراً قول الله فيهم : ﴿إِنَّٱللَّهَيُحِبُّٱلتَّوَّٰبِينَوَيُحِبُّٱلۡمُتَطَهِّرِينَ٢٢٢﴾ والله أعلم .









ابوالوليد المسلم 06-05-2025 04:47 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (188)


مثنى محمد هبيان






الحكم التشريعي الثامن عشر : أحكام الأيْمَان
﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224]
السؤالالأول:
ما دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ المعنى العام : أيها المسلمون لا تجعلوا حَلفكم بالله مانعاً لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس ، فتحتجوا أنكم أقسمتم بالله ألا تفعلوه ، بل على الحالف أنْ يعدل عن حلفه ، ويفعل أعمال البر ، ويكفّر عن يمينه .
2 ـ القسم يعني تعظيم المقسم به ، وتأكيد المقسم عليه . وقد أمر الله في هذه الآية بحفظ الأيْمَان وعدم ابتذالها في كل صغيرة أو كبيرة ، وألا تحلفوا عن الامتناع عن أعمال البر والتقوى .
3 ـ ﴿ عُرْضَةً بالضم ، هو ما يُعرض ويُنصب ،ويُقال : هو عُرضة لكذا .
4 ـ قوله تعالى : ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي لجميع الأصوات ﴿ عَلِيمٌ بالمقاصد والنيات ، ومنه سمعه وعلمه بمقاصد الحالفين ، أخير أم شر ، وفي هذا تحذير بأنّ أعمالكم ونيّاتكم قد استقر علمها عند الله . والله أعلم .








ابوالوليد المسلم 06-05-2025 04:50 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 190)


مثنى محمد هبيان





الحكم التشريعي التاسع عشر : الإيلاء
﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 226-227]
السؤالالأول:
قوله تعالى في الآية: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) الإيلاء أريد به الحلف، فلِمَ قال تعالى: ﴿يُؤلُونَ ولم يقل: (يحلفون) أو (يقسمون)؟
الجواب:
لأنّ الإيلاء هو حلف ويمين، ولكنه يقتضي التقصير في حق المحلوف عليه، وهو مشتق من (الألو) وهو التقصير، والإيلاء فيه إجحاف وتقصير في حق المرأة التي حلف زوجها أنْ لا يقربها.
السؤالالثاني:
لِمَ عدّى الفعل ﴿يُؤلُونَ بـ (من) فقال: ﴿مِن نِّسَآئِهِمۡ فلِمَ لمْ يقل: (يؤلون على نسائهم)؟
الجواب:
لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد أنْ يضعك في صورة مشهد هذا اليمين، فالرجل حلف أنْ يبتعد عن زوجه؛ ولذلك عدّى الفعل (يؤلون) بحرف جرٍّ يناسب البُعد وهو (من)، وتفهم معنى الابتعاد فكأنه قال: للذين يؤلون متباعدين عن نسائهم. والإيلاء هو حلف ويمين ولكنه يقتضي التقصير في حق المحلوف عليه، وهو مشتق من (الألو) وهو التقصير، والإيلاء أيضاً فيه إجحاف وتقصير في حق المرأة التي حلف زوجها أن لا يقربها.

السؤالالثالث:
ما المعنى العام للآيتين ؟
الجواب:
1ـ الإيلاء مثل اليمين أو القسم أو الحلف، ويقصد صاحبها يميناً على ترك الوطء والمجامعة لزوجته.
وقد كان الإيلاء في الجاهلية طلاقاً، ثم إنّ أهل الإسلام فعلوا ذلك فأزال الله تعالى ذلك وأمهل الزوج مدة أربعة أشهر ليتروى ويتأمل، فإنْ رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها وإلا فارق المرأة.
2ـ قال: ﴿ مِن نِّسَآئِهِمۡ وفيها معنى البعد، فكأنه قيل: يبعدون من نسائهم.
3ـ قوله تعالى: ﴿ فَإِن فَآءُو أي: إنْ رجعوا، فالفيء هو رجوع الشيء إلى ما كان عليه من قبل، ولهذا قيل لما تنسخه الشمس من الظل ثم يعود: فيءٌ .
ولذلك معنى ﴿ فَإِن فَآءُو أي: رجعوا عما حلفوا عليه من ترك جماع نسائهم. والرجوع يكون بالقول باللسان أو الجماع ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ لما وقع من الحلف رحيم بهم حيث لم يؤاخذهم على سوء فعلهم ، ولا كفارة عليه بسبب ذاك اليمين .
4 ـ قوله تعالى :﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ أي عقدوا عزمهم على الطلاق والاستمرار في اليمين ، وامتنعوا عن الرجوع لعدم رغبتهم مع ترك الجماع ، وهذه تعتبر الطلقة الثانية ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ لأقوالهم ﴿ عَلِيمٞ بمقاصدهم وسيجازيهم على ذلك ، وفي هذا تهديد ووعيد لمن قصد بذلك المضّارة .
5 ـ قوله تعالى : ﴿وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ٢٢٧ فإن قلتَ: عزمُهم الطَّلاق ممَّا يُعلم لا ممَّا يُسمع، فكيف قال: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ ؟ قلتُ: العازم على الشيء يُحدِّث به نفسه، وحديث النَّفس ممَّا يسمعه الله ويسمع وسوسة الشيطان، مع أنّ الغالب في عزم الطلاق المقاولة والتحدث مع الزوجة. والله أعلم .
السؤال الرابع:
ما دلالة رسم كلمة ﴿ فَآءُو بدون ألف في القرآن الكريم ؟
الجواب:
وردت كلمة﴿ فَآءُو مرة واحدة في القرآن الكريم بدون ألف في هذه الآية ، والنقص يشير إلى الإسراع في العودة عن الإيلاء ، وألا يكون هناك طلاق كما في الآية اللاحقة (البقرة : 227 ) . والله أعلم .








ابوالوليد المسلم 17-06-2025 06:46 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 192)


مثنى محمد هبيان



الحكم التشريعي الحادي والعشرون: الطلاق الرجعي
الحكم التشريعي الثاني والعشرون: الخُلْعُ وأدلته
﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ٢٢٩
[البقرة: 229]

السؤال الأول:
قوله تعالى: ﴿ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا لِمَ لمْ يقل: مالاً؟
الجواب:
وردت كلمة ( شيء) نكرة، وهو لفظ عميق الدلالة على النكرة، فدلّ استعمال كلمة ﴿ شَيۡ‍ًٔا على تحذير الأزواج من أخذ أقل القليل، بخلاف لو استعمل لفظ (المال) فإنه في هذه الحالة قد يفهم أنه يحذره من أخذ المال ويسمح له بأخذ ما سواه.

السؤال الثاني:
شبّه الله تعالى أوامره بالحدود، فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
قوله تعالى في الآية: ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ انظر كيف شبه الله سبحانه وتعالى أوامره بالحدود؛ لأنّ (الحد) هو الفاصل بين أملاك الناس، وكذلك أحكام الله تعالى هي الفاصلة بين الحلال والحرام والحق والباطل.
والقاعدة أنّ الله تعالى يستعمل ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ [البقرة:187] في النواهي كما في آية البقرة 187، ويستعمل ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ [البقرة:229] مع الأوامر كما في هذه الآية .

السؤال الثالث:
قوله تعالى: ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ جاءت بالصيغة الاسمية، فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى في آية البقرة 229: ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ جاء بالطلقة الثالثة بالرفع؛ وذلك لأنها الطلقة الأخيرة والحكم معها يكون على وجه الدوام، وهو إمّا الإمساك بالمعروف أو التسريح الذي لا رجعة فيه؛ لذلك لم يقلها بالنصب؛ وذلك لأنّ النصب موقوت، فناسب الصيغة الاسمية التي تدل على الثبات والدوام .
والطلقة الثالثة هي التي سُئل عنها النبي عليه الصلاة السلام لمّا نزل قول الله تعالى : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فقيل : أين الثالثة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ﴿ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وهذه هي البينونة الكبرى التي لا رجعة فيها . (رواه الدار قطني في السنن) .
وفي قوله تعالى :﴿ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ خُلُقٌ عظيمٌ لو تمثله المسلم في كل تسريح ومفارقة بينه وبين من يخالفه من زوجة أو شريك أو عامل أو صاحب.
2 ـ ولذلك في سورة محمد قال تعالى: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ [محمد:4] جاء بـ ﴿فضرْبَ [محمد:4] منصوباً وذلك على تقدير الفعل، أي: فاضربوا ضربَ، ولم يأت بالرفع وذلك لأنه موقوت بالمعركة وليس أمراً دائماً، فجاء بالصيغة الفعلية التي تدل على الحدوث والتجدد .

السؤال الرابع:
قوله تعالى في آية البقرة 228: ﴿ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فجاء بـ الذي، وفي آية البقرة 229 قال: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا فجاء بـ (ما). فما الفرق ؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة 228.

السؤال الخامس:
قوله تعالى: ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ما الحد؟ وما الكلمات التي جاءت شبيهة بهذه الكلمة في القرآن الكريم ؟
الجواب:
الحد:
هو الطرف الذي يميز الشيء عن غيره فلا يختلط به؛ كحد الأرض.
شواهد قرآنية:
﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ [البقرة:229] .
الطَّرَف:
بداية الشيء ونهايته ولا يمكن فصله عنه.
شواهد قرآنية:
﴿ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ [طه:130]
﴿ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ [الأنبياء:44]
الحَرف:
طرف الشيء العالي المُدبَّب وهو حادٌّ كالسكين يصعب الوقوف عليه، وإن وقفت يصعب التماسك وتتعرض للسقوط .
شواهد قرآنية:
﴿ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ [الحج:11] .
الرجـــا: هو عكس (الحرف) بالمعنى ، وجمعها (أرجاء)، فهو واسعٌ يمكن الجلوس عليه أو تبني فيه.
شواهد قرآنية:
﴿ وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ [الحاقة:17]، فالملائكة حول العرش في غاية الراحة والسعة.
الحافـــة:
هو مانع يمنعك من السقوط على الطرف .

السؤال السادس:
ما دلالات قوله تعالى : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ٢٢٩ ؟
الجواب:
1 ـ لا ينبغي للرجل أن يُضّار المرأة ويضايقها كي يلجئها إلى طلب الطلاق أو تفتدي نفسها منه برد المهر، أو شيء من المال، طلباً للطلاق .
2ـ الخُلع : أن تخلع المرأة نفسها بأن ترفع أمرها إلى القاضي ، وتبين له الأسباب الموجبة التي جعلتها لا تطيق العيش معه ، والإسلام في هذه الحالة يطلب منها أن تردّ له مهره أو تفدي نفسها منه على شيء من المال .
3 ـ الخُلع طلاقٌ بائنٌ عند جمهور العلماء .
4 ـ قوله تعالى : ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ أي الفاصلة بين الحرام والحلال ، والإسلام يسمي الخُلع أو الطلاق أو الرجعة حدود الله﴿ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ٢٢٩ لأنفسهم بتعريضها لعذاب الله بسبب الظلم الذي وقعت فيه .
5 ـ الظلم ثلاثة أنواع :
آ ـ ظلمٌ من العبد لربه فيما دون الشرك بالله ، وهو راجع إلى مشيئة الله إنْ شاء عفا وإنْ شاء عذّب .
ب ـ الظلم الأكبر هو الشرك بالله ، وصاحبه مخلد في العذاب والنار إنْ مات عليه ، أمّا إنْ تاب قبل الغرغرة والموت فإنّ الله يتوب عليه .
ج ـ وظلمٌ متعلق بحقوق العباد لا يترك الله منه شيئاً . والله أعلم .

السؤال السابع:
ما دلالة كتابة كلمة ﴿ ٱلطَّلَٰقُ بحذف الألف من وسط الكلمة في آيتي سورة البقرة [ 228ـ 229 ] ؟
الجواب:
وردت كلمة ﴿ ٱلطَّلَٰقُ بحذف الألف من وسط الكلمة في آيتي سورة البقرة
[ 227ـ 229 ] ، ويوحي حذف الألف من وسط الكلمة أن تنكمش الكلمة ، وبالتالي تكون ضيقة المبنى بأن يكون الطلاق في أضيق الحدود ، كما يوحي حذف الألف أنه ما زال هناك ارتباط بين الزوجين في فترة العدة .
ويوحي رسم كلمة﴿ مَرَّتَانِۖ بالألف الصريحة على ضرورة وقوع المرتين مرة بعد مرة ، وجاءت الألف في وسط الكلمة كألف فارقة لكل مرة على حدة . ومن لطائف القرآن الكريم التناسب العددي بين قوله تعالى :﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ وبين أنّ كلمة ﴿ ٱلطَّلَٰقُ قد جاءت مرتين في القرآن الكريم كله . والله أعلم .





ابوالوليد المسلم 17-06-2025 06:50 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 193)


مثنى محمد هبيان



الحكم التشريعي الثالث والعشرون : الطلاق البائن بينونة كبرى
﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ٢٣٠﴾ [البقرة: 230]

السؤالالأول:
ما طريقة الاستعمال القرآني لفعل الشرط ؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة 191.

السؤالالثاني:
قوله تعالى في الآية: ﴿إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ استعمل (إنْ) ولم يؤكد، فلماذا لم يؤكد الموضوع ؟
الجواب:
لم يؤكد في الآية بـ (إنّ) المؤكدة؛ لأنه ليس المقصود بالظن ههنا اليقين وإنما الرجحان فقط.
لمزيد من المعلومات حول الفعل ( ظنّ) انظر آية البقرة 46.

السؤالالثالث:
ما دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ إذا طُلقت المرأةُ الطلقة الثالثة فقد بانت من زوجها بينونة كبرى ، ولا يحل لها أن ترجع إليه إلا إذا انقضت عدتُها ، وتزوجت شخصاً آخر زواجاً شرعياً صحيحاً يطؤها فيه ، وتقيم مع الزوج الثاني معاشرة الأزواج ، وبغير نية التحليل للزوج الأول ، فإنْ ساءت العشرة بينهما لسبب من الأسباب ففارقها وانتهت عدتها ، ففي هذه الحالة يمكنها أن تعود إلى الزوج الأول إنْ رغبا في ذلك .
2ـ قوله تعالى :﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ يعود إلى الزوج الثاني . والمعنى : إنْ طلقها الزوج الثاني أو مات فلا حرج على زوجها الأول أن يتزوجها بعقد ومهر جديدين ، إنْ غلب على ظنهما استقامة الحياة الزوجية في حدود ما شرع الله من أحكام وحقوق وواجبات وهُمَا المنتفعان بها .
3 ـ هذه الآية تتضمن الحكم التشريعي الثالث والعشرين المتعلق بالطلاق البائن بينونة كبرى .
والله أعلم .








ابوالوليد المسلم 17-06-2025 06:54 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 194)


مقالات شرعية مثنى محمد هبيان





الحكم التشريعي الرابع والعشرون : عَضْلُ الزوج للمرأة
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 231]

السؤالالأول:
مادلالاتهذهالآية؟
الجواب:
لايجوزللزوجأنيُضارالمرأة، فلايُسرّحهاولايمسكها، ولايُحسنمعاملتها، ولايُنفقعليهاحتىيُلجئهاإلىطلبالطلاق، أولدفعشيءمنمالهالتفدينفسهابه.
لذاعليكمأيهاالأزواجإذاطلقتمالنساءطلاقاًرجعياً، فقاربنَانتهاءالعدة، فإمّاأنتراجعوهنمعالقيامبحقوقهنّوالإحسانلهنّ، وإمّاأنْتتركوهنّبلارجعةولاضرر.
2 ـجعلاللهالطلاقحلاًلحياةتستحيلفيهاالعشرةبينالأزواج، وهذامننعماللهعلىعباده، وخصّبهاهذهالأمةدونغيرها. والطلاقمنآياتاللهوقدنهاناسبحانهأننتلاعببالطلاقأوالرجعةعلىوجهغيرصحيح.
قولهتعالى:﴿وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗاۚ أيلاتتلاعبوابأحكامالله، وتتهاونوافيأوامرهونواهيهفتظلمواأنفسكموغيركمفتتعرضوالعقابالله.
جاءفيالموطأأنّرجلاًقاللابنعباس: إنيطلقتامرأتيمئةطلقة، فقاللهابنعباس: طُلقتْمنكلثلاث، وسبعوتسعوناتخذتَبهاآياتاللههزواً.
4 ـ قوله تعالى :﴿ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚتربية قرآنية تؤكد على أنّ الاعتداء على الآخرين هو ظلم للنفس ؛ بتعريضها لسخط الله وغضبه .

السؤالالثاني:
ماهوالفرقبين(استهزأبـ)،و(سخرمن)؟
الجواب:
الاستهزاءأعممنالسخرية، والسخريةخاصةبالأشخاصولمتردفيالقرآنإلاللأشخاص،أماالاستهزاءفعامٌّ،وردفيالأشخاصوغيرالأشخاص.
شواهدقرآنية:
ـ﴿ وَإِذَا نَادَيۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوٗا وَلَعِبٗاۚ [المائدة:58] الصلاةليستشخصاً،وإنماأقاويلوأفاعيل.
ـ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗا[البقرة:231] .
ـ﴿ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ٦٥ [التوبة:65] إذنالاستهزاءعامفيالأشخاصوفيغيرالأشخاص.
أمّاالسخريةففيالأشخاصتحديداًولمتردفيالقرآنإلافيالأشخاصكقولهتعالى:
﴿ وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأٞ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ٣٨ [هود:38].
إذنالاستهزاءعام،ومعنىالاستهزاءهوالسخرية،هميقولون: المزاحفيخفيةوهوجانبمنالسخرية.

السؤالالثالث:
ما دلالة رسم كلمة ﴿ نِعۡمَتَ الواردة في الآية بالتاء المفتوحة ، علماً أنها رسمت بالتاء المربوطة
﴿ نِعۡمَةَ في مواضع أخرى من القرآن الكريم ؟
الجواب:
وردت كلمة﴿ نِعۡمَةَ بالتاء المربوطة (25) مرة في القرآن الكريم ، ووردت ﴿ نِعۡمَتَبالتاء المفتوحة (11) مرة فقط في القرآن الكريم في الآيات :[ البقرة 231 ـ آل عمران 103 ـ المائدة11 ـ إبراهيم 28 ـ 34 ـ النحل 73 ـ 83 ـ 114 ـ لقمان 31 ـ فاطر3 ـ الطور 29] .
وعندما ترد﴿ نِعۡمَتَ بالتاء المفتوحة ، فإن ذلك يعني خصوصية هذه الكلمة وأهميتها ودلالتها غير العادية حين تدبر الآية التي وردت بها والسياق المحيط بها ، والنعم الخاصة التي وهبها الله للمؤمنين ، كما تدل على النعم المفتوحة التي لا يمكن إحصاء عددها . أمّا بالتاء المربوطة فهي تتحدث عن النعم العامة الظاهرة للبشر جميعاً .
وشبيه بهذا كلمة: [﴿لَعۡنَةُ﴿لَّعۡنَتَ] و كلمة: [﴿ٱمۡرَأَةٌ﴿ٱمۡرَأَتَ]و كلمة: [﴿كَلِمَةٞ﴿كَلِمَتُ].
والله أعلم .








ابوالوليد المسلم 17-06-2025 06:58 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 195)


مقالات شرعية مثنى محمد هبيان




الحكم التشريعي الخامس والعشرون : عَضْلُ الأولياء للمرأة
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 232]

السؤالالأول:
قوله تعالى في الآية: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] استعمل (العضل) بمعنى المنع والحبس، وهو لفظ أغرب بالدلالة من المنع، فما سبب اختيار هذه الكلمة؟
الجواب:
إنّ المنع قد يحتمل أمرين: منعاً بحقٍّ ومنعاً بغير حَقٍّ، أمّا العضل فهو منع ولكنه دون حق أو إصلاح . فنهى الوليّ عن منع المرأة في العودة إلى زوجها دون وجه إصلاح، لذا كان اختيار كلمة تعضُلوهن دون تمنَعوهن.

السؤالالثاني:
ما الفرق بين ﴿ ذَٰلِكَ و﴿ذَٰلِكُمۡ في الاستعمال القرآني ؟
الجواب:
1ـ الكاف في ﴿ ذَٰلِكَ حرف خطاب، وحرف الخطاب في (ذلك) و(تلك) و(أولئك) قد يطابق المخاطب: نحو: ذلك، ذلكما، ذلكنّ حسب نوع المخاطب المشار إليه.
2ـ حرف الخطاب في اسم الإشارة فيه لغتان، وكلاهما جائز لغوياً:
آ- أنه يجعل مطابقاً للمخاطب إذا كان مفرداً أو مفردة أو مثنى أو جمع ذكور أو إناث.
ب- ولك أن تجعله بلفظ واحد وهو الإفراد والتذكير أياً كان المخاطَب .
3ـ لكن يبقى: كيف استعملها القرآن بيانياً؟
والجواب: أنه مرة يستعملها مفرداً ومرة يستعملها جمعاً. فلماذا؟
هنالك أسباب عدّة لهذا الأمر من جملتها:
آـ أنْ يكون في مقام التوسع والإطالة في التعبير وزيادة التفصيل، فيأتي بالحرف المناسب للجمع؛ لأنّ ﴿ ذَٰلِكُمۡ أكثر من ﴿ ذَٰلِكَ من حيث الحروف، وإذا كان في مقام الإيجاز يأتي بكل ما في الإيجاز لغة .
شواهد قرآنية: قوله تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[الأنعام: 99] الآية فيها تفصيل فقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فجمع ﴿ ذَٰلِكُمۡ حتى تتلاءم مع ما قبلها.
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل:12] استعمل ( ذلك ) لأنّ المقام مقام إيجاز.
ب ـ في مقام التوكيد يأتي بما هو أكثر توكيداً فيجمع، وإذا كان المقام أقل توكيداً يُفرِد.
شواهد قرآنية: قوله تعالى:
ـ ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:232] هذا حُكمٌ في الطلاق، قال: ﴿ ذَٰلِكُمۡ .
ـ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المجادلة:12] هنا قال ﴿ ذَٰلِكَ [المجادلة:12].
لكن أيُّ الحُكمين آكد وأدوم؟ بالطبع الطلاق آكد وأدوم؛ لأنه حكمٌ عامٌ إلى قيام الساعة يشمل جميع المسلمين ،أمّا الآية الثانية فهي للأغنياء ثم ما لبث أياماً قليلة ونسخ الحكم، حيث قال تعالى: ﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [المجادلة:13]، فالآية الأولى آكد والحكم فيها عام مستمر، أمّا الثانية فالحكم متعلق بجماعة من المسلمين ثم ألغي، فالآية الأولى آكد فقال: ﴿ ذَٰلِكُمۡ ومع الأقل قال:
﴿ ذَٰلِكَ .
وكذلك إذا كان عندنا مجموعتان إحداهما أوسع من الأخرى يستعمل للأوسع ضمير الجمع وللأقل ضمير الإفراد.

السؤالالثالث:
قال في آية البقرة 232: ﴿ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ وفي آية الطلاق 2: ﴿ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ [الطلاق:2] فلماذا؟
الجواب:
1ـ في آية البقرة حيث قال: ﴿ ذَٰلِكَ فالخطاب للنبي وقُدِّمَ تشريفاً له، ثم عمَّم، فقال:
﴿ ذَٰلِكُمۡ أَزۡكَىٰ لَكُمۡ وَأَطۡهَرُۚ [البقرة:232] .
وفي آية الطلاق: الخطابُ له وللأُمَّةِ جميعاً، وقدّم تشريفَه بالنداءِ لقوله: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1].
2ـ في اللغة العربية جائز توحيد الكاف ﴿ ذَٰلِكَ وجائز التثنية، والقرآن جاء بالحالتين:
شواهد قرآنية:
﴿ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ [يوسف:37].
﴿ قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ [يوسف:32].

السؤالالرابع:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
العَضَل: هوالحبسوالتضييقوالمنع، يُقال: هذامرضٌعُضال، وأعضلالأمرأي: اشتد.
الخطابفيالآيةعام، موجهلأولياءالأمورجميعاًألايمنعوابناتهنّوأخواتهنّومنلهمولايةعليهنمنالزواجممنيرغبنَفيه، أوالعودةإلىالزوجالأولإذاأرادتالرجعة، وهذاهوالعضَل، أيالمنعمنالرجعةأوالتزوج.
هذهالآيةخطابمناللهلأولياءالمرأةالمطلقةدونالثلاث، إذاانتهتعدتها، وأرادتالعودةإلىزوجها، وهذاهوالمُرادالأساسفيالآيةلقولهتعالى: ﴿ يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ أييردنالرجعةإلىمنطُلقتمنهطلاقاًرجعياً، كمايمكنأنيكونالخطابأيضاًموجهاًلأولياءالأموركماذكرنافيالفقرةالسابقة.
4 ـقولهتعالى: ﴿ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ٢٣٢فهويعلمصلاحكموأنتملاتعلمونذلك .
واللهأعلم.



ابوالوليد المسلم 18-08-2025 02:25 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 196)


مثنى محمد هبيان



الحكم التشريعي السادس والعشرون : الرّضاعة والحضانة

﴿۞وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233]

السؤالالأول:
ما اللمسة البيانية في استعمال ﴿ وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ بالجمع و﴿ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ بالإفراد في آية سورة البقرة؟
الجواب:
1ـ حُكماً أنّ المولود للآباء والأب مولود له؛ لأنّ الولد يُنسَبُ للأبِ، فهو له وليس للأم، والأب هو المسؤول عنه والذي يتكفله ويرعاه، فهو ليس مولوداً للأمِّ، وإنما مولودٌ للأب، فالأمُّ والدةٌ والأبُ مولود له.
2ـ الأمر الآخر محتملٌ أنْ يكون للمولودِ له، وهو الأب ، أكثَرُ من زوجةٍ، فقال تعالى: ﴿ وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ بالجمع لتشمل كل الزوجات، وقال: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ خاصة بواحدة من الزوجات.

السؤالالثاني:
قوله تعالى: ﴿ وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ بدون (على) كما في تتمة الآية ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ فلماذا ؟
الجواب:
قال تعالى ﴿وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ ولم يقل: (على الوالدات)؛ لأنهن لسن مكلَّفاتٍ بإرضاعِ الولدِ فيُمكِنُ لهن ألا يُرضعن أولادهن أو أنْ يأتين بمرضعةٍ، وهن لسن مكلَّفات شرعاً بإرضاع الولد، لكنه تعالى قال: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ لأن هذا واجب الأبِ، فجمع سبحانه البيان والشرع والحكم.

السؤالالثالث:
قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لِمَ لم يقل: (على الوالد رزقهنّ)؟
الجواب:
في هذا إيحاء للأب وتذكيرٌ له بأنّ هذا الولد لك، وهذه المنافع التي تقدمها لزوجك المطلَّقة منجرّةٌ إليك، وهذا الطفل مآله إليك، فأنت الأجدر لإعاشته ولتهيئة أسباب الحياة الكريمة له ولأمه.

السؤالالرابع:
قوله تعالى في الآية: ﴿ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ لِمَ لمْ يقل: ولا (والد بولده) بدل (ولا مولود له بولده) ؟
الجواب:
الرجل المولود له يُنسب إليه الولد ﴿ ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ هو ابنه استحقاقاً ويُدعى باسم أبيه وينسب له ويلتحق به في النسب له، أمّا الوالد فهو مثل والدة لكنْ يختلف الحكم الشرعي ،فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أنْ تَتْرُكَ رَضَاعَة ابْنِها إلى مُدَّتِهَا (سَنَتَينِ) لِلإِضْرَارِ بِالزَّوْجِ، وَلَيْسَ لِلْزَّوْجِ أنْ يَنْتَزِعَ الوَلَدَ مِنْ أمِّهْ قَبْلَ أنْ تَتِمَّ مُدَّةَ رَضَاعَتِهِ لِلإِضْرَارِ بِهَا وَإيذَائِه ، واللام في ﴿ ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ) هذه لام الاستحقاق.
ولو قال: (لا تضار والدة بولدها ولا والد بولده) يكون الحكم واحداً، بينما ﴿ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ هذا حكم آخر.
هو وُلِد له حكماً وشرعاً وعرفاً فينتسب لأبيه ويلتحق بأبيه (وُلِدَ له)، ولو قال: ولا والد بولده، لصار الحكم واحداً، فلما تغير الحكم تغيرت الصيغة .
وفي قوله تعالى :﴿ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ إيحاء للأب وتذكير له بأنّ هذا الولد لك ، وهذه المنافع التي تقدمها لزوجك المطلقة منجرّة إليه ،وهذا الطفل مآله إليك ، فأنت الأجدر لإعاشته ولتهيئ أسباب الحياة الكريمة له ولأمه.

السؤالالخامس:
ما الفرق بين الحول والسنة والعام والحِجَجِ ؟
الجواب:
أشهر ما قيل فيها:
1ـ السنة: تستعمل للقحط، وأمّا العام فيستعمل: للخصب والرخاء .
* شواهد قرآنية :
﴿ وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ [الأعراف:130].
بمعنى أصابهم القحط.
﴿ ثُمَّ يَأۡتِي مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ عَامٞ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعۡصِرُونَ٤٩ [يوسف:49].
بمعنى الخصب والرخاء.
﴿ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا [العنكبوت:14].
ألف سنة فيها شدة، وارتاح خمسين عاماً.
2ـ الحول: هو من التحول وانقلاب الشمس وحدوث صيف وشتاء، ولمّا صار صيفاً وشتاء صار حولاً وتحولاً، ومن معاني ( الحول ) الحجز والمنع يقال : ( حال الأمر بين الشيئين) واستعمله القرآن في الطلاق والموت فقط، فالموت تحولٌ وحاجزٌ بين الزوجين، والطلاق تحولٌ وحاجزٌ بين الزوجين.
* شواهد قرآنية :
﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ [البقرة:240].
السياق في الموت.
﴿ وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ [البقرة:233].
السياق في المطلقات، والطلاق تحول في الحياة.
ومن غرائب الدقة والاستعمال في القرآن مع كلمة ( الحول ) أنّ الحياة تحولت، فهذه أصبحت مطلقة والأخرى توفي عنها زوجها، فصار تحولاً وتغيراً في الحياة .
3ـ الحجج: الحجة بمعنى السنة، والحج يأتي مرة في السنة فيأتي الحاج لزيارة البيت الحرام ويقوم بمناسك معينة، ثم يعود الزائر إلى بيته .
وموسى عليه السلام التجأ زائراً إلى مدين وليس إقامة فيها ثم عاد بعد سنوات؛ ولذلك ناسب لفظ (حجج)، ولا تدل كلمة سنة أو عام على الزيارة: ﴿ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖۖ [القصص:27].

السؤالالسادس:
ما الفرق بين ﴿ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ و ﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ في القرآن الكريم ؟
الجواب:
( لا جناح عليكم ) جملة اسمية تدل على الثبوت والدوام، بينما ( ليس عليكم جناح ) جملة فعلية تدل على التجدد والانقطاع، و الجملة الاسمية أقوى من الفعلية ، وتستعمل الأولى في سياق العبادات والحقوق والعلاقات الأسرية ، وتستعمل الثانية في سياق والآداب والأخلاق وفضائل الأعمال .

السؤالالسابع:
ما دلالة الفرق بين كتابة كلمتي ﴿فِصَالًا بالألف الصريحة و ﴿ وَفِصَٰلُهُۥ مع حذف الألف في القرآن الكريم ؟
الجواب:
1ـ وردت كلمة﴿ فِصَالًا بالألف الصريحة مرة واحدة في القرآن الكريم كله في آية البقرة233 ، وهي تبين رغبة الوالدين في عدم إتمام الرضاعة للطفل لمدة سنتين ، وإيقاف الرضاعة من الأم ، أي فصله عن الرضاعة وعن أمه .
2ـ أمّا حينما يتكلم القرآن عن﴿ وَفِصَٰلُهُۥ الرضيع عن أمه فصالاً طبيعياً فترد هذه الكلمة بشكل خاص ، بدون ألف لتوحي بالتصاق الطفل بأمه حتى لو بَعُدَ عن ثديها ، وقد جاءت هذه الكلمة مرتين في القرآن كله ، وهما :
﴿ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ [لقمان:14].
﴿ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ [الأحقاف:15].
والله أعلم .

السؤالالثامن:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ حكم الرضاعة : هذه الآية تتكلم عن حالة خاصة لحكم الرضاعة ، وهي حالة المرأة المطلقة وعندها رضيع ، ويتعذر عليها الزواج وهي مرضعة ، ويقلل هذا الرضاع من رغبة الناس فيها ، ويلحق بالرضيع ضرر من جراء ذلك ، فالمُراد خصوص الوالدات المطلقات .
2ـ الرضاعة التي يترتب عليها حكم شرعي هي التي تكون في سن الحولين ، السنة الأولى والسنة الثانية من عمر الطفل ، ولا عبرة برضاع الكبير الذي فوق هذه السن ، لقوله تعالى :﴿ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ [لقمان:14].
3 ـ حكم الحضانة : في حالة المرأة المطلقة ولها طفل رضيع يتعذر عليها الزواج بسببه ، ويعزف عنها الخُطّاب ، هي غير ملزمة برضاعه ، وعلى والد الطفل إنْ كانت الأم المرضعة مطلقة ، أن يقوم بواجب نفقة الحضانة لهذه الأم ، فيتكلف أعباء السكن والنفقة والكسوة وغير ذلك لها ولرضيعها .
4 ـ لا يحل للوالدين أن يجعلوا المولود وسيلة للمضارة بينهما ، فلا يُنزَع الولد من أمه ، ولا تُجبر الأم على الرضاع إذا قبِل المولودُ الرضاع من غيرها ، ولا يُرهق الأب بالنفقة الزائدة ، والقاعدة العامة هي : لا ضرر ولا ضرار .
5 ـ إذا مات الأب انتقلت النفقة إلى وارث الأب .
6 ـ تجب الرضاعة على الأم في أربع حالات :
آ ـ إنْ كان أبوه قد مات ، وليس له غير أمه .
ب ـ إنْ كان الطفل لا يقبل ثدياً آخر غير ثدي أمه .
ج ـ إنْ كان الزوج عاجزاً لا يستطيع أن يؤجّر امرأة أخرى كي ترضعه .
د ـ إنْ كانت المرأة لم تزل في عصمة الرجل أو كانت في أثناء العدة .
وفي غير هذه الحالات الأربع فالرضاع مندوب في شان الأم المطلقة أو الأرملة ، ولا يجوز استئجار الأم ما دامت زوجة أو معتدة .
7 ـ قوله تعالى في ختام الآية : ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ٢٣٣ أي خافوا الله واعلموا أنه مطّلع عليكم، وسيجازيكم عليها . والله أعلم .











ابوالوليد المسلم 18-08-2025 02:27 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 197)


مقالات شرعية مثنى محمد هبيان



الحكم التشريعي السابع والعشرون : عِدة المتوفّى عنها زوجها وحِدادُها

﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤﴾ [البقرة: 234]

السؤالالأول:
قوله تعالى في الآية: ﴿فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ ما دلالة إضافة الأجل إلى النساء؟
الجواب:
انظر أخي المؤمن كيف أضاف ربنا تعالى (الأجل) إلى النساء المعتدّات، فقال: ﴿فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ ولم يقل: (إذا بلغن الأجل) إيحاءً بأنّ مشقة هذا الأجل واقعة على المعتدّات، فهن الصابرات والمتعبدات بترك الزينة والتزام بيت الزوجية وفي هذا مشقة؛ ولذلك أضاف الأجل إليهن لإزالة ما عسى أنْ يكون قد بقي في نفوس الناس من استفظاع تسرّع النساء إلى التزوج بعد عدّة الوفاة؛ لأنّ أهل الزوج المتوفى قد يتحرجون من ذلك، فنفى الله تعالى هذا الحرج.

السؤالالثاني:
قوله تعالى: ﴿يُتَوَفَّوۡنَ بصيغة ما لم يُسمَّ فاعله ، فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
الفعل في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ من الأفعال التي التزمت العرب فيها البناء للمجهول، فنقول: تُوُفِّيَ فلانٌ، ولا نقول تَوَفَّى فلانٌ، وقد حدث ذات يوم أنّ علياً رضي الله عنه كان يشيع جنازة فقال له قائل: من المتوفِّي؟ بلفظ اسم الفاعل سائلاً عن المُتَوَفَّى، فأجاب عليٌّ بقوله: (الله) ولم يجبه كما يقصد بأنه مات فلان؛ لِيُنَبِّهه على خطئه.

السؤالالثالث:
افتتحت الآيتان (234) و (240) في سورة البقرة بنفس العبارة ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا فما الفرق بين ختامي الآيتين مع أنهما تتحدثان عن المتوفى عنها زوجها؟
الجواب:
منطوق الآيتين يوضِّح الأمر:
1ـ الآية الأولى 234 ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ يعني خبير بما شرع ويعلم وجه الحكمة في اختيار التوقيت، ويتبين الحمل بعد أربعة أشهر كما في الحديث: « يجمعخلقأحدكمفيبطنأمهأربعينيومانطفةً،ثميكونعلقةمثلذلك،ثميكونمضغةمثلذلك،ثميرسلإليهملكفينفخفيهالروح» [صحيح البخاري 3208 ـ صحيح مسلم 2643 ] .
وربنا يعلم سبب اختيار التوقيت ولماذا اختار الخبير هذا التوقيت، وهذا يحتاج إلى خبرة ومعرفة حتى يعطي الحكم لماذا أربعة أشهر وعشراً، ويحتاج أيضاً إلى خبرة في المجتمع، لكن هل يعني ذلك أنْ تبقى المرأة هكذا؟
والجواب أنه بعد العدة إذا أرادت أنْ تخرج المرأة فلا بأس؛ لأنّ بقاءها قد يكون فيه فتنة، أو فيه أمر نفسي، أو فيه شيء.
ولذلك مضمون الآية 234 هو الوصية للمرأة بأنْ تتربص بنفسها أربعة أشهر وعشرة أيام، وهذه هي عدة المتوفى عنها زوجها .
2ـ الآية الثانية: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ [البقرة:240] في هذه الآية وصّى ربنا الأزواج بألّا يُخرجوا أزواجهن من بيوتهم، وهي وصية لمن يتولى الأمر لأنّ الأزواج قد ماتوا، فتبقى المرأة في البيت، وقد يقولون لها: اُخرجي من البيت لأنّ زوجك مات وخرج فينبغي أنْ تخرجي أنتِ. والقرآن يقول: لا، إياكم ألا تراعوا هذه الوصية، ويمكن أنْ يحدث هذا عندما يريد أهل المتوفى أنْ ينتفعوا من البيت.
فمضمون الآية الثانية الوصية لأهل المتوفى بألا تُخرج المرأة من مسكنها، وإنما تخرج بنفسها ﴿ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1] أي: لا تجبر على الخروج ولا تُخرج من البيت قسراً ولها أنْ تبقى إلى الحول، وربنا عزيزٌ ينتقم ممن خالف هذا الأمر.
3ـ فالمسألة في الآية الأولى متعلقة بالمرأة، والثانية متعلقة بمن يُخرج المرأة، فلمّا كان الحكم متعلقاً بالمرأة كان هذا يحتاج إلى خبرة، فقال: ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ وأمّا الآية الثانية فقال: ﴿وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ كأنه تهديد لمن يخرج المرأة فينتقم الله ممن خالف الوصية .
و(حكيم) تشمل الحُكم والحِكمة، وهي بمثابة ردع وتحذير لمن يحاول أن يُخرج المرأة، فإذا كنت تحكم هذه المرأة فاعلم أنّ الله عزيز حكيم، فالآية الثانية تهديد لمن يخرج المرأة، أما ما يتعلق بحمل المرأة واستبراء الرحم فيحتاج إلى خبرة.
ولذلك وإن تشابهت الآيتان فإنّ السياق مختلف . والله أعلم .

السؤالالرابع:
ما الفرق بين قوله تعالى في آية البقرة 234﴿فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وآية البقرة 240 ﴿فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ ؟
الجواب:
يجب أنْ نلاحظ دلالة التعريف والتنكير، فالمعرفة في اللغة: هي ما دلّ على شيء معين، والنكرة: ما دلّ على شيء غير معيّن.
1ـ في الآية الأولى قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ [البقرة:234] و(المعروف) في الآية يقصد به الزواج بالذات؛ لأنّ الآية بعدها ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ٢٣٥ [البقرة:235] .
فلمّا جاء بالزواج جاء بالباء ﴿ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وهي الدالّة على المصاحبة والإلصاق، وهذا هو مفهوم الزواج بمعناه المصاحبة والإلصاق.
2ـ أمّا الآية الثانية فقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ [البقرة:240] فهي عامة ويقصد بـ ﴿مَّعۡرُوفٖۗ [البقرة:240] هنا كل ما يُباح لها.
وباختصار :الآيتان :﴿فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ و ﴿فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ الحديث في الآية الأولى عن المرأة التي توفي عنها زوجها ، والباء في الآية للإلصاق ، وأقرب معروف للمرأة هو الزواج . أمّا ( من) في الآية الثانية فهي للتبعيض ، و( معروف ) في الآية نكرة عامة لأي معروف ، والآية الأولى ناسخة للثانية .والله أعلم .

السؤالالخامس:
ختمت الآية ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ فما دلالة تقديم العمل على الخبرة في الآيات؟
الجواب:
1ـ هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم:
آـ إذا كان السياق في عمل الإنسان قدّم عمله ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ [البقرة:234].
ب ـ أمّا لو كان السياق في غير العمل أو كان في الأمور القلبية أو كان الكلام عن الله سبحانه وتعالى قدّم صفة الله (خبير): ﴿ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٥٣ [آل عمران:153].
شواهد قرآنية: على تقديم العمل:
ـ ﴿ إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّ‍َٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٧١[البقرة:271] هذا عمل، فلما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله فقال: ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ [البقرة:271] .
ـ ﴿ وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ١٠ [الحديد:10] هذا عمل قتال وإنفاق، فلما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله. فقال: ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ١٠ [الحديد:10] .
ـ ﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ [البقرة:234] هذا عمل فقدّم ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ [البقرة:234] .
ـ ﴿ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧
فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٨ [التغابن:7-8] هذا عمل أيضاً.
شواهد قرآنية: على تقديم الخبرة :
ـ ﴿ وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ٨٨ [النمل:88] هذا ليس عمل الإنسان فقدّم الخبرة على العمل وقال: ﴿ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ٨٨ [النمل:88].
ـ ﴿ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٨ [الحشر:18] أمر قلبي غير ظاهر.
2ـ هذا على وجه العموم، فإذا كان الأمر في عمل الإنسان قدّم العمل، وإذا كان في غير عمل الإنسان أو في الأمور القلبية أو عن الكلام عن الله سبحانه وتعالى قدّم (خبير).
والعرب كانت تعي هذه المعاني وتلك القواعد البلاغية، والبليغ هو الذي يراعي صوغ العبارة ويتفنن في مراعاة البلاغة، والعرب كانوا يتفاوتون في البلاغة، لكنهم كلهم كانوا يتكلمون كلاماً فصيحاً من حيث صحة الكلام، حتى كلام المجانين عندهم؛ لأنّ المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين؛ لأنّ كلامهم يجري على نسق اللغة، قال : «أناأفصحمننطقبالضاد» [ الفوائد المجموعة 327 ـ لا أصل له ومعناه صحيح ]

السؤالالسادس:
هل كانت هناك عدة للمرأة قبل الإسلام ؟ وما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ كان الرجل إذا مات عن امرأة أنفق عليها من ماله حولاً كاملاً وهي في عِدَّته ما لم تخرج، فإنْ خرجتْ انقضت العدة ولا شيء لها، ثم نسخ الله هذا الحكم بآية البقرة رقم 234، فصارت
﴿ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ ناسخة للحول.
2ـ المعنى العام للآية : الذين يموتون منكم ويذرون زوجات بعدهم ، يجب عليهن التربص بأنفسهن والانتظار مدة أربعة أشهر وعشرة أيام ، لا يخرجن من منزل الزوجية ، ولا يتزينّ ، ولا يتزوجن، حتى إذا انتهت مدة العدة ، فلا إثم عليكم يا أولياء النساء فيما يفعلن في أنفسهن من الخروج والتزين والزواج على الوجه المقرر شرعاً ، والله سبحانه خبير بأعمالكم الظاهرة والباطنة ، وسيجازيكم عليها . والله أعلم.

السؤالالسابع:
وردت كلمة ﴿ أَزۡوَٰجٗا في الآية، فما الفرق بين الزوج والبعل ؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة 35.

السؤالالثامن:
وردت كلمة ﴿فِيمَامتصلة في آية البقرة 234 ، بينما جاءت في الآية 240 منفصلة ﴿فِي مَا، فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
لدينا تعبيران ( في ما ) و ( فيما ) فالأول المنفصل يرد دائماً في الحديث عن أمور منفصلة ، وأمّا الثاني المتصل فيتحدث عن أمور متصلة، والآيتان 234 و240 توضحان الأمر :
1ـ الآية الأولى (234) تتحدث عن عدة المرأة الأرملة، وأنه عند انتهاء أجل العدة فإنه من حق المرأة أنْ تتزوج ، ولا تتحدث الآية عن انفصال الزوجة عن بيت زوجها ، ولهذا جاء تعبير ﴿ فِيمَا ﴾ متصلاً، ثم جاء تعبير ﴿ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗمتصلاً أيضاً ليدل على معروف واحد ، وهو حق الأرملة في الزواج بعد انتهاء عدتها .
أمّا الآية الثانية (240) فقد تحدثت عن مكث الزوجة في بيت الزوجية حتى يحول عليها الحول ، وتستحق أثناء هذه المدة نفقة من مال زوجها ، أمّا إذا قررت الانفصال عن بيت زوجها﴿ فَإِنۡ خَرَجۡنَ ﴾ فإنّ من حقها أنْ تفعل في نفسها ما تشاء مما هو معروف ﴿ مِن مَّعۡرُوفٖۗ ﴾ كالزواج أو التجارة أو التعلم، أو أي شيء من الأشياء التي تندرج تحت مفهوم المعروف ، ولأنها انفصلت عن بيت زوجها فقد اقتضى رسم هذا التعبير منفصلاً ﴿ فِي مَا ﴾ ثم اقتضى تنوع المعروف رسماً منفصلاً أيضاً: ﴿ مِن مَّعۡرُوفٖۗ ﴾ .

2ـ ونلاحظ أيضاً في أداة الشرط في الآية الأولى ﴿ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ استخدام الأداة ( إذا ) حيث أنها تفيد حتمية وقوع الشرط لأنّ العدة لا بدّ لها وأنْ تنتهي حتماً.
أمّا في الآية الثانية فإنّ أداة الشرط كانت ﴿ فَإِنۡ خَرَجۡنَ ﴾ باستخدام ( إنْ ) والتي تفيد احتمال وقوع الشرط بنسبة 50% فقط أي أنّ بعض النساء قد يخرجن وبعضهن قد لا يخرجن .
ومن المعلوم لغة أنّ أدوات الشرط الثلاث ( إذا ، إنْ ، لو ) تختلف إحداها عن الأخرى في المعنى ، فالأولى تستعمل عند حتمية الحدوث ، والثانية ظنية الحدوث ، والثالثة مستحيلة الحدوث ، قال تعالى :

﴿ إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ١[ النصر: ١]. أي متى جاء نصر الله والفتح ، أي أنه آتٍ حتماً .
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ٦[الحجرات: ٦]. أي أنه قد يأتي ، وقد لا يأتي .
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ٩١[آل عمران: ٩١] .أي أنه مستحيل الحدوث .
لمزيدمنالتفصيل، انظرأيضاًآيةالبقرة113 .


السؤالالتاسع:
قوله تعالى في الآية: ﴿أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ ما دلالة قوله﴿وَعَشۡرٗاۖ ولم يقل ( وعشرة ) ؟
الجواب:
1ـ القاعدة النحوية أنّ العدد 10 يكون على عكس المعدود إذا كان مفرداً ، ومن نوع المعدود إنْ كان مركباً ، وأما الثلاثة إلى التسعة فإنها تخالف المعدود تذكيراً وتأنيثاً ، والواحد والاثنان يوافقان المعدود ، نحو : حضر عشْرةُ رجال ـ قابلت عَشَرَ سيدات ـ مكثنا في مكة أربعة عشَرَيوماً وخمس عشْرةليلة ، رأيت أحد عشرطالباً وإحدى عشرةطالبة .
والعدد 10 يكون معرباً إذا كان مفرداَ ، ويكون دائما مبنياً على الفتح إذا كان مركباً .
والأصل أن يكون حرف الشين في العدد 10 مفتوحاً ( عشَر) ويجوز تسكين الشين إذا اتصلت بها التاء ( عشْرة) .
2ـ العرب تقول في الأيام خاصة : إذا لم تُذكر الأيام، وفُهمت من السياق يؤتي باللفظ بها من غير تاء، فتقول: صمت ثلاثاً، ولو قلت: صمت ثلاثة، لكان هذا خارج كلام العرب.
3 ـ في آية البقرة 196 ﴿فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذُكرت الأيام فجاءت حسب القاعدة.
4 ـ في آية سورة طه﴿يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا١٠٣ لم تُذكر الأيام صراحة وإنما فهمت من السياق، فجاءت ﴿عَشۡرٗا فجاءت من غير تاء.
5 ـ قال : «منصامرمضانوأتبعهستاًمنشوالكانكصيامالدهركله» [ أخرجه مسلم 1164 ] لم تُذكر الأيام فجاءت من غير تاء ( ستاً ).
6 ـ في آية البقرة 234 ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ لو قال: (وعشرة) بدل ( وعشراً) لعادت على الأشهر، ولفُهمت أنّ المدة هي (14) شهراً. والله أعلم .








ابوالوليد المسلم 18-08-2025 02:29 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 198)



مثنى محمد هبيان



الحكمالتشريعيالثامنوالعشرون: التعريضللمتوفىعنهازوجُهابالخِطبة
﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ٢٣٥﴾ [البقرة: 235]

السؤالالأول:
لم قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ [البقرة:235] ولم يقل: ولا تعقدوا النكاح؛ حتى يكون اللفظ صريحاً في النهي عن العقد؟
الجواب:
أراد ربنا سبحانه وتعالى أنْ يبين حرمة نكاح المعتدة أثناء عدة المرأة بقوله: ﴿ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وفي هذه الآية نهي عن عقد دون عزم؛ لأنّ العزم يدل على التصميم، وإذا ما نُهي المؤمن عن التصميم والإرادة كان هذا النهي أبلغ من نهي العمل وهو (ولا تعقدوا) .
والمرء إذا صمم على أمرٍ ما نفّذه، ولذلك كان النهي عن العزم أبلغ في النهي عن المعزوم عليه، ومن هذا الباب قوله تعالى: ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ [البقرة:187] فقد نُهي عن القرب؛ لأنه أبلغ من النهي عن الوقوع في المحظور.

السؤالالثاني:
ما دلالة استعمال كلمة ﴿ حَلِيمٞ بعد ﴿ غَفُورٌ في الآية ؟
الجواب:
آـ لم نعتد كثيراً في القرآن الكريم على لفظ ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞوإنما الوارد على الأكثر في القرآن صيغة ﴿ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ، فقد وردت صيغة ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ في القرآن في 6 مواضع فقط، بينما وردت صيغة ﴿ غَفُورٞ رَّحِيمٌ64 مرة في القرآن.
أما الآيات التي جاءت فيها صيغة ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ فهي:
1. ﴿ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ٢٢٥ [البقرة:225].
2.﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ [البقرة:235].
3. ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ١٥٥ [آل عمران:155] .
4.﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡ‍َٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡ‍َٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ١٠١ [المائدة:101] .
5. ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا٤٤ [الإسراء:44] .
6. ﴿۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا ٤١ [فاطر:41] .
ب ـ الحليم: الحِلمُ لغوياً: الأناة والتعقل، والحليم هو الذى لا يسارع بالعقوبة، بل يتجاوز الزلات ويعفو عن السيئات، و(الحليم) من أسماء الله الحسنى بمعنى: يؤخر العقوبة عن بعض المستحقين ثم يعذبهم، وقد يتجاوز عنهم، وقد يعجل العقوبة لبعضٍ منهم .
قال تعالى: ﴿ وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ [فاطر:45] . وقال تعالى عن سيدنا إبراهيم: ﴿ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٞ مُّنِيبٞ٧٥ [هود:75]، وعن إسماعيل ﴿ فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ١٠١) [الصافات:101] .
وروى أنّ إبراهيم عليه السلام رأى رجلا مشتغلا بمعصية فقال: (اللهم أهلكه) فهلك، ثم رأى ثانياً وثالثاً فدعا فهلكوا، فرأى رابعاً فهمّ بالدعاء عليه، فأوحى الله اليه: (قف يا إبراهيم، فلو أهلكنا كل عبد عصى ما بقى إلا القليل، ولكن إذا عصى أمهلناه، فإن تاب قبلناه، وإنْ أصرّ أخرنا العقاب عنه، لعلمنا أنه لا يخرج عن ملكنا) .
ج ـ وإذا أخذنا الآية 235 من سورة البقرة ورجعنا إلى سياق الآيات نجد أنّ الله تعالى يُحذّر من بعض التجاوزات التي تحصل في الحياة الزوجية، وقد ينتهي الأمر إلى الطلاق، وقد يكون هناك أولاد. ولو عجّل الله تعالى العقوبة لأصحاب الذنوب ما بقي من الناس أحد،﴿ وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا٤٥ [فاطر:45] فالله تعالى يؤخّر العقوبة من باب الحِلم، وهو صفة من صفاته سبحانه وتعالى، ومن أسمائه تعالى الحليم لأنه يُعطي الفرصة لإصلاح الأوضاع، وقد يكون قد حصل بعض التقصير أو بعض الذنوب بين الناس فتسوء أخلاقهم وتضعف ضمائرهم، والله تعالى سبحانه يعطي الناس فرصة للعودة عما حصل منهم.
د ـ والمقصود من قوله تعالى في هذه الآية: ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ أنه لا يغرَّنّك أيها الزوج حِلمُ الله تعالى عليك فتتمادى في البطش بزوجتك وبما يحلم الله تعالى عليك، فإنه لا ينسى عملك: ﴿ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ٢٣٥ فكلمة ﴿ حَلِيمٞ هنا جاءت كتهديد بالعذاب، ولا يؤخذ من كلمة ﴿ حَلِيمٞ هنا التبشير بالرحمة؛ لأنها لو كانت كذلك لجاءت بصيغة (غفور رحيم).
هـ ـ ونلاحظ أنّ المولى تعالى في الآية 235 من سورة البقرة والتي ختمت بقوله تعالى ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ يأتي فيها بالأفعال المضارعة، وهذا ليدل على أنّ هذه الأمور متجددة الحصول، ونحن نقع فيها والبعض عليها الآن ﴿ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ ﴿ تُوَاعِدُوهُنَّ ﴿ تَقُولُواْ ﴾﴿ تَعۡزِمُواْ ﴿ يَبۡلُغَ ﴿ يَعۡلَمُ
﴿ فَٱحۡذَرُوهُۚ .
ولو تأملنا في كل الآيات التي خُتمت بقوله تعالى ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞنجد أن السياق فيها كان تحذيراً للذي لا يرتدع عن تجاوز حدود الله تعالى، ولا يخاف بطشه سبحانه وتعالى.

السؤالالثالث:
ما أهم الدروس في الآية ؟
الجواب:
1ـ الله سبحانه وتعالى يريد أنْ يجعل للعواطف تنفيساً، والتنفيس ليس مجرد تعبير عن العاطفة ولكنه رعاية للمصلحة، وكأنّ الحق يقول لنا: (أنا أمنعكم أنْ تخطبوا النساء في العدة أو تقولوا كلاماً صريحاً ولكن لا مانع من التلميح من بعيد) .
2ـ يقول الحق: ﴿ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ أي: أنّ الله يعلم أنّ تلك المرأة التي مات زوجها عنها أو طلقها فقد أصبحت أملاً بالنسبة لك، فلو أنه ضيق عليك لعوّق عواطفك ولضاعت منك الفرصة لأن تتخذها زوجة، لذلك أباح التعريض: ﴿ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا فالمواعدة بالسر أمر منهي عنه، أو يقول لها: تزوجيني، لكنّ المسموح به التعريض بأدب كالثناء وغيره، والمرأة تملك شفافية وألمعية تلتقط بها معنى الكلام ومراده.
3ـ ولا يصح العزم على الزواج إلا بعد انتهاء العدة، ومعنى العزم: أنْ تفكر في المسألة في نفسك حتى تستقر على رأي أكيد، ثم لك أنْ تقبل على الزواج على أنه أمر له ديمومة وبقاء لا شهوة طارئة.
لذلك الزواج القائم على غير روية والمعلق على أسباب مؤقتة كقضاء الشهوة لا يستمر ولا ينجح.
والذين يبيحون زواج المتعة مصابون في تفكيرهم؛ لأنهم يتناسون عنصر الديمومة في الزواج، والنكاح الأصيل لا يُقيَّد بمدة، والأصل فيه العمر كله، لذلك فنكاح المتعة ليست مسألة زواج وإنما المسألة هي تبرير زنى .
4 ـ لذلك فعقدة النكاح تمر بثلاث مراحل تعطي للطرفين فرصتهما للتفكير العميق:
آ ـ التعريض أو التلميح.
ب ـ العزم الذي لا يصح إلا بعد انتهاء فترة العدة.
ج ـ العقد.
والله أعلم .








ابوالوليد المسلم 18-08-2025 02:31 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 199)

مثنى محمد هبيان



الحكم التشريعي التاسع والعشرون : متعة المطلقة قبل تسمية المهر وقبل الدخول بها

﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ [البقرة: 236]

السؤالالأول:
ما الفرق بين ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦ و ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١ في آيتي البقرة 236و241 على الترتيب ؟
الجواب:
1ـ الآية الأولى 236 هي في حالة المرأة المعقود عليها وطُلّقت قبل أنْ يتم الدخول بها أو لم تُفرض لها فريضة، أي: لم يحدد مهرها ، وللعلم فإنّ خلو العقد من المهر لا يؤثر على العقد ، ويثبت للمرأة مهر المثل ، والله أعلم .
أمّا الآية الثانية 241 فهي في حالة المرأة التي عُقد عليها ثم طُلّقت وقد تم الدخول بها.
2ـ ففي الحالة الأولى الرجلُ طلَّقَ المرأةَ لكنه لم يدخل بها ولم يستفد منها أو يتمتّع بها ولم يحصل بينهما مسيس، فعندما يدفع النفقة يكون هذا من باب الإحسان، والقرآن الكريم لم يحدد القدر بل تركه مفتوحاً كلٌّ حسب سعته، لذا خُتمت الآية بقوله تعالى: ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦ [البقرة:236] .
بينما لو دخل عليها واختلى بها وحدث المسيس وخدمته وأسعدته ثم طلّقها فيدفع لها، ولو لم يدفع لها سيدخل النار، لذا ختمت الآية بـ ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١ [البقرة:241] أي (الذين يتّقون العذاب يوم القيامة).

السؤالالثاني:
ماذا تعني كلمة ﴿ حَقًّا في الآية ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦ [البقرة:236]؟ وما إعراب: ﴿حَقًّا؟
الجواب:
1ـ كلمة ﴿حَقًّا تعني حقاً حقَّقه القرآن للمرأة وليس لأحد أنْ يتجاوزه، ولا تقول المرأة لا أريده إنما تأخذه وتتصدق به إنْ شاءت.
2ـ و(حقاً) هنا في الآيتين 236و 241 تفيد توكيد مضمون الجملة؛ لأنه تعالى لمّا أمر بالتمتيع وهو إعطاء قسم من المال للمرأة المطلقة على حسب الأحوال في الغنى والفقر، أراد أنْ يبين أنّ ذلك حق لهن، فأكّده بقوله ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦ و ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١﴾ .
3ـ حقاً: مفعول مطلق منصوب.

السؤالالثالث:
ما أهم الدروس في الآية ؟
الجواب:
هذهالآيةذكرتْحكمَمتعةالمطلقةالتيلميُسمّلهاالمهر، وقبلالدخولبها، وقيلإنّهذهالآيةنزلتفيرجلمنالأنصارتزوجامرأةمنبنيحنيفة، ولميُسمّصداقها، ثمطلقهاقبلأنيمسها، فقاللهالنبيعليهالسلام: ( متعهابقلنسوتك) [ الكافي الشاف رقم 38 ] .
وكأنّعدمتسميةالمهرليسشرطاًفيالنكاح،بلإذاتزوجتهولميفرضفيهذاالزواجمهرفقدثبتلهامهرالمثلوالعقدصحيح، ودليلذلكأناللهسبحانهوتعالىيقول:﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ ومعنىهذاأنهاكانتزوجةولميحدثدخولللزوجبها.
هذاالطلاققديحرجالمرأة، وقديسيءإلىسمعتها، ويتحدثالناسعنها: لماذاتركها؟هلفيهاعيبمثلاً؟فأمرالإسلامفيهذهالحالةأنيمتعها، أييعطيهاشيئاًمنالمالكهديةأوسدنفقة، جبراًلخاطرها، وتطيباًلها، وصيانةلعرضها، لكيتذكربالكلامالحسنبينالناس.
3ـ قوله تعالى : ﴿ تَمَسُّوهُنَّ ما هو المس؟ لدينا في اللغة : (مسّ ـ لمَسَ ـ ملامسة ) فالإنسان قد يمس شيئاً بسرعة، ولكنّ الماسّ لا يتأثر بالممسوس، أي لم يدرك طبيعته أو حاله هل هو خشن أو ناعم؟ دافئ أو بارد، وإلى غير ذلك.
أمّا اللمس فلابدّ من الإحساس بالشيء الملموس، وأمّا الملامسة فهي حدوث التداخل بين الشيئين. إذن عندنا ثلاث مراحل: الأولى هي: مس. والثانية: لمس. والثالثة: ملامسة.
إذن : كلمة (المس) هي أخف من (اللمس )، وأيسر من أنْ يقولَ: لامستم أو باشرتم، ونحن نأخذ هذا المعنى هنا في الآية؛ لأنّ هناك سياقاً قرآنياً في مكان آخر قد جاء ليكون نصاً في معنى آخر، نستطيع من سياقه أن نفهم المعنى المقصود بكلمة (المس) ، فقد قالت السيدة مريم:﴿ قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا٢٠ [مريم:20]
إنّ القرآن الكريم يوضح على لسان سيدتنا مريم أنّ أحداً من البشر لم يتصل بها ذلك الاتصال الذي ينشأ عنه غلام ، والتعبير في منتهى الدقة، ولأنّ الأمر فيه تعرض لعورة وأسرار؛ لذلك جاء القرآن بأخف لفظ في وصف تلك المسألة وهو المس، وكأنّ الله سبحانه وتعالى يريد أنْ يثبت لها إعفافاً حتى في اللفظ، فنفى مجرد مس البشر لها، وليس الملامسة أو المباشرة برغم أنّ المقصود باللفظ هو المباشرة؛ لأنّ الآية بصدد إثبات عفة مريم.
ولنتأمل أدب القرآن في تناول المسألة في آية البقرة التي نحن بصددها؛ فكأن الحق سبحانه وتعالى يعبر عن اللفظ بنهاية مدلوله وبأخف التعبير.
4ـ الحق يقول: ﴿ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ ومعروف أنّ (أَوْ) عندما ترد في الكلام بين شيئين فهي تعني (إمّا هذا وإمّا ذاك)، فهل تفرض لهن فريضة مقابل المس؟
إنّ الأصل المقابل في﴿ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ هو: ( أن تمسوهن )، ومقابل ﴿ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ هو: (أن لا تفرضوا لهن فريضة) . وكأنّ الحق عزّ وجلّ يقول: لا جناح عليكم إنْ طلقتم النساء ما لم تمسوهن سواء فرضتم لهن فريضة أو لم تفرضوا لهن فريضة. وهكذا يحرص الأسلوب القرآني على تنبيه الذهن في ملاحظة المعاني.
5ـ ولنا أن نلاحظ أنّ الحق قد جاء بلفظة (إنْ)﴿ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ في احتمال وقوع الطلاق، و(إنْ) كما نعرف تستخدم للشك، فكأنّ الله عز وجل لا يريد أن يكون الطلاق مجترءاً عليه ومحققاً، فلم يأت بـ (إذا)، بل جعلها في مقام الشك حتى تعزز الآية قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أبغضالحلالإلىاللهالطلاق»[رواه أبو داود 2178].
6ـ ثم يقول الحق عز وجل بعد ذلك: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦ أي إنّك إذا طلقت المرأة قبل الدخول، ولم تفرض لها فريضة فأعطها متعة. وقال بعض العلماء في قيمة المتعة: إنها ما يوازي نصف مهر مثيلاتها من النساء ، وما دام لم يُحَّدد لها مهرٌ فلها مثل نصف مهر مثيلاتها من النساء. ويقول الحق:﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦ أي ينبغي أن تكون المتعة في حدود تناسب حالة الزوج؛ فالموسع الغني: عليه أن يعطي ما يليق بعطاء الله له، والمقتر الفقير: عليه أن يعطي في حدود طاقته.
وقول القرآن: ﴿ ٱلۡمُوسِعِ مشتق من الفعل (أوسَعَ) واسم الفاعل (موسِع) واسم المفعول (موسَع عليه)، فأي اسم من هؤلاء يطلق على الزوج؟ إنْ نظرت إلى أنّ الرزق من الحق فهو (موسع عليه)، وإنْ نظرت إلى أنّ الحق يطلب منه أن توسع حركة حياتك ليأتيك رزقك، وعلى قدر توسيعها يكون اتساع الله لك، فهو (موسع).
إذن فالموسع: هو الذي أوسع على نفسه بتوسيع حركة أسبابه في الحياة، بينما الإقتار هو الإقلال، وعلى قدر السعة وعلى قدر الإقتار تكون المتعة.
والحق سبحانه وتعالى حينما يطلب حكماً تكليفياً لا يقصد إنفاذ الحكم على المطلوب منه فحسب، ولكنه يوزع المسؤولية في الحق الإيماني العام؛ فقوله: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ يعني إذا وُجد من لا يفعل حكم الله فلابدّ أن تتكاتفوا على إنفاذ أمر الله في أنْ يمتع كلُ واحد طلَّق زوجته قبل أن يدخلَ بها. والجمع في الأمر وهو قوله: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ دليل على تكاتف الأمة في إنفاذ حكم الله.
7ـ آية البقرة (236 ) هي كقوله تعالى : ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا٤٩[الأحزاب: 49] وقد تزوج النبي عليه السلام أميمة بنت شراحيل ، فلمّا دخلت عليه بسط إليها يده ، فكأنها كرهت ذلك ، فأمر بتجهيزها ومتعتها .
8ـ باختصار : إنْ طلق الرجلُ المرأةَ قبل أن يسمي لها مهراً ، وكان قد عقدَ عليها ، ولكنه لم يدخلْ بها ، فعليه متاعٌ بالمعروف ، ولا عدة عليها .
والله أعلم .



ابوالوليد المسلم 18-08-2025 02:36 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 

مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 200)


مثنى محمد هبيان



الحكمالتشريعيالثلاثون: متعةالمطلقةبعدتحديدالمهروقبلالدخولبها
﴿وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ٢٣٧﴾ [البقرة: 237]

السؤالالأول:
جاء فعل الشرط في هذه الآية 237 بصيغة الماضي ﴿وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ وكذلك في آية البقرة 230. فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
1ـ التعبير بفعل الشرط بالفعل الماضي قد يفيد افتراض حصول الحدث مرة واحدة أو قليلاً، بينما الفعل المضارع يفيد تكرر الحدث وتجدده.
2ـ لذلك جاء بصيغة الماضي مع أحوال الطلاق؛ لأنّ الطلاق لا يتكرر كثيراً كتكرر الصدقة حيث قال: ﴿وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ٢٣٧ وفي الصدقات قال كما في آية البقرة: ﴿ إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ [البقرة:271] بصيغة الفعل المضارع.

السؤالالثاني:
ما معنى ﴿أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚفي الآية ؟
الجواب:
1ـ هذه الآية في حالة طلاق الرجل للمرأة المعقود عليها، لكنه لم يتم المسيس بها وحُدد مهرها فلها نصف المهر المسمّى، وهناك استثناء وهو أنْ تعفو المرأة ﴿إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ [البقرة:237] .
2ـ أما قوله تعالى: ﴿أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ[البقرة:237] فاختلف فيها المفسرون، فقال بعضهم: إنّ الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ المرأة، وأمّا البعض الآخر فقال: إنّ الذي بيده عقدة النكاح هو الرجل المطلِّق، وهذا يوازن المعنى في الآية أكثر؛ لأنّ الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح (وبدون إيجاب وقبول لا يكون هناك عقدة نكاح) .
ومعنى أنْ يعفو الذي بيده عقدة النكاح أو الزوج كما قلنا: هو أنْ يعفو الزوج المطلِّق عن القسم الثاني من المهر المسمّى ويعطي المرأة المطلَّقة كامل المهر، فيكون شهماً كريماً معها، والله تعالى سيكافئه على ذلك إن شاء الله.
3ـ والله تعالى يقول: ﴿وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ فالقرآن انتصر لصالح الزوجة، فلو عفا الزوج يكون أفضل، فالخطاب في قوله: ﴿أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚهو للمطلِّقين وليس للمطلقات، والأنسب أنْ يعفو الزوج إذا أراد أنْ يكون من الأتقياء يوم القيامة؛ لأنّ الزوج يعمل وسيحصل على مالٍ غيره، أمّا الزوجة فهي التي تحتاج لمن يعوّضها ويؤنسها ويجبر خاطرها.
4ـ قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ هذا خطاب للرجال والنساء جميعاً، إلا أنّ الغلبة للذكور إذا اجتمعوا مع الإناث؛ لأن الذكورة أصل والتأنيث فرع، هذا في اللفظ .

السؤالالثالث:
ما معنى كلمة (العفو) لغة وشرعاً ؟
الجواب:
كلمة (العفو) هي من الألفاظ المستحبة في الشريعة، وهي تعني ما زاد على الشيء، كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَسۡ‍َٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ [البقرة:219] أي: أنفقوا من المال الزائد على حاجتكم.

السؤالالرابع:
ما معنى قوله تعالى في الآية: ﴿ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ ؟
الجواب:
الفضل هو الزيادة، أي: لا تكونوا دقيقين في الحساب، بينما العدل : أخذ الواجب وإعطاء الواجب . والفضل أيضاً : إعطاء ما ليس بواجب ، والتسامح في الحقوق .
روي أنّ أحد الصحابة تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها ، وأعطاها الصداق كاملاً ، فقيل له في ذلك فقال : أنا أحق بالعفو منها .

السؤالالخامس:
ماذا تفيد اللام من معنى في قوله تعالى: ﴿ لِلتَّقۡوَىٰۚ ؟
الجواب:
اللام في ﴿ لِلتَّقۡوَىٰۚ بمعنى (إلى).

السؤالالسادس:
ما إعراب ﴿ أَن يَعۡفُونَ ﴿ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ﴿ وَأَن تَعۡفُوٓاْ في الآية ؟
الجواب:
1- إعراب الفعل: ﴿ أَن يَعۡفُونَ أنْ حرف ناصب و (يعفون) فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب، ونون النسوة: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والمصدر: (أنْ يعفون) في محل نصب مستثنى.
2ـ إعراب ﴿ أَوۡ يَعۡفُوَاْ يعفو: فعل مضارع منصوب معطوف على ما قبله.
3ـ إعراب ﴿ وَأَن تَعۡفُوٓاْ تعفوا: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير فاعل ، والمصدر: (أنْ تعفوا) في محل رفع خبر مقدم.

السؤالالسابع:
ما أهم النقاط والدروس في الآية ؟
الجواب:
1 ـ للزوجة أنْ تعفو عن نصف مهرها وتتنازل عنه لزوجها .
2ـ قول الحق: ﴿ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ المقصود به الزوج وليس الولي، والولي ليس له أنْ يعفو في مسألة مهر المرأة؛ لأنّ المهر من حق الزوجة .
3 ـ يقول الحق: ﴿ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ ؛ لأن من الجائز أنْ يظن أحد الطرفين أنه مظلوم وإنْ أخذ النصف الذي يستحقه، لكنْ إذا لم يأخذ شيئاً فذلك أقرب للتقوى وأسلم للنفوس؛ ولذلك يقول الحق بعد ذلك: ﴿ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ .
4 ـ للفائدة : هذا جدول يلخص أقسام المطلقات وهي أربعة أقسام :


السؤالالثامن:
ما دلالة رسم كلمة ﴿ تَعۡفُوٓاْ بزيادة الألف في الآية ، علماً أنها وردت بصيغة ﴿ يَعۡفُوَ بشكلها العادي في مواطن أخرى ؟
الجواب:
وردت كلمة ﴿ تَعۡفُوٓاْ للمفرد (5) مرات في القرآن الكريم ، أربعة منها بصيغة بزيادة الألف ،في الآيات :[ البقرة 237 ـ المائدة 15 ـ الشورى 25 ـ30 ]، وواحدة فقط بالصيغة العادية في قوله تعالى : ﴿فَأُوْلَٰٓئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورٗا٩٩ [النساء:99] . وهي خاصة بفئة معينة وهم المستضعفون من الرجال والنساء والولدان حسب ما ذكرت آية النساء 98 . والله أعلم .



ابوالوليد المسلم 02-09-2025 03:09 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير ( من روائع البيان في سور القرآن )


(الحلقة 201)


مثنى محمد هبيان



﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ٢٣٨ [البقرة: 238]

السؤالالأول:
قال تعالى: ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ الآية تحث على الصلاة وقد توسطت آيات الطلاق والوفاة، فما دلالة هذا؟ وما دلالة ورود الأمر بالصلاة بين آيات خطاب بني إسرائيل أو آيات الجهاد أو آيات الطلاق ؟
الجواب:
إنّ المشكلات بين الزوجين وأحداث الطلاق أو الوفاة قد تؤدي إلى أنْ يحيف أحد الزوجين على الآخر، وقد يؤدي هذا إلى ظلم الآخر، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فأمر الله تعالى بالصلاة حتى لا يحيف أحدهما أو يظلم الآخر ويذكّره بالعبادة، وقد ينتصر أحد الزوجين لنفسه فأمره الله تعالى بالصلاة حتى لا يقع في ذلك، ونذكر أنّ الله تعالى أمر بالصلاة في أحداث أكبر من ذلك عند فقد الأمن، وفي حالة الخوف أمر تعالى بالصلاة أيضاً ﴿ وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا١٠١ [النساء:101] .
وكذلك الأمر بالصلاة بين آيات الطلاق له سببان: أولاً حتى لا ينشغل الزوجان بالمشكلات العائلية عن الصلاة فيتركوها، والثاني لئلا يحيف أحدهما على الآخر .
يرجى مراجعة جواب السؤال الثالث في آية البقرة 45، وذلك لمزيد من المعلومات.

السؤالالثاني:
ما دلالة عطف الجمع ﴿ حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ على المفرد ﴿ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ في الآية؟
الجواب:
1ـ هذا يسمى في اللغة عطف الخاص على العام، فالصلاة الوسطى مشمولة في الصلوات، لكن ذُكرت وحدها لأهميتها .
2ـ وقيل: إنّ الآية فيها جمع وإفراد؛ لأنها تدل على الفروض ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ والنوافل ﴿ ٱلصَّلَوَٰتِ ،
وكما قال تعالى في آية البقرة 232: ﴿ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ وفي آية الطلاق 2: ﴿ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ
وترك الصلاة عاقبته وخيمة وأمره خطير جداً، والرسول لن يشفع يوم القيامة لتارك الصلاة وإنما سيشفع لمن استحق الشفاعة، ولن تنفع تاركَ الصلاة شفاعةُ الشهداء والصديقين والصالحين ﴿ فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ٤٨ [المدَّثر:48] فعلى كل تارك للصلاة أنْ يبادر ويسارع بالتوبة ويبتعد عن التسويف؛ لأنّ الأمر في منتهى الخطورة .

وفي الحديث « اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حياتَك قبلَ موتِك، وصحتَك قبلَ سقمِك، وفراغَك قبلَ شغلِك، وشبابَك قبلَ هرمِك، وغنَاك قبلَ فقرِك » [ الجامع الصغير 1205 ] والناس يوم القيامة ستندَمُ على ساعةٍ مرت عليهم لم يذكروا الله تعالى أو يقوموا بعبادة لله أو يتنافسوا في طاعة الله، وفي الحديث عن رسول الله : « ما من أحدٍ يموتُ إلَّا ندِم . قالوا : وما ندامتُه يا رسولَ اللهِ ؟ قال : إن كان مُحسِنًا ندِم ألَّا يكونَ ازداد ، وإن كان مُسيئًا ندِم ألَّا يكونَ نزَع ». [أخرجه الترمذي 2403].
3 ـ هذه الآية فيها ثلاثة أوامر وهي :
آ ـ وجوب المحافظة على الصلاة بشكل عام .
ب ـ وجوب المحافظة على صلاة العصر بشكل خاص .
ج ـ وجوب الخشوع في الصلاة ، وهو معنى : ﴿ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ٢٣٨﴾ .
4ـ الصلاة عماد الدين ، فاصطبري يا أبدانُ على إدامة التطهُّرِ بنهر النور، فإنَّ غُصْنًا ينبت في جوار الغدير لا يجفُّ أبدًا! إنْ لم ينل من فيضه نال من طلِّه، وإن لم يَرِدْ من ربيعه وَرَدَ من نَداه!

السؤالالثالث:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ في الآية ؟
الجواب:
بلغ عدد تفسيرات العلماء لمعنى الصلاة الوسطى حوالي 20 تفسيراً، منها: صلاة العصر ـ صلاة الجمعة ـ صلاة كانت مفروضة سابقاً .
ولكن هناك رأي آخر: أنّ الصحابة لم يسألوا عن هذه الآية فاعتبروا أن كل صلاة هي صلاة وسطى .
وبعضهم قال: بما أنّ عدد الصلوات في اليوم خمسة، والله يقلب الليل والنهار، أي: لا توجد نقطة ابتداء أو انتهاء كالدائرة، وتصبح أي صلاة هي صلاة وسطى؛ لأنه تسبقها صلاتان وتتبعها صلاتان فهي وسطى من حيث الوصف، وتفيد الأفضلية والخيرية (كنتم أمة وسطاً) فالوسطى هي الصلاة الفاضلة .
وكلمة ( الوسطى ) من الناحية اللغوية تعني ( الفضلى ) أي للأفضل : للأوسط ، وليست من الوسط الذي معناه التوسط بين شيئين ، لأنّ وزن ( فعلى ) معناها التفضيل ، ولا يُبنى للتفضيل إلا ما كان قابلاً للتفاوت زيادة ونقصاً ، وكلمة (الوسط ) بمعنى الخيار تقبل الزيادة والنقص ، بعكس التوسط بين الشيئين فإنه لا يقبلهما ،ولذلك لا يجوز أن يُبنى منه أفعل التفضيل .
وفريق آخر من العلماء قال: إنّ الله أخفاها لفضيلة خاصة تتحرك بين الصلوات حرص الله على إخفائها حتى يتحرك الناس ويحافظوا على كل الصلوات، كما أخفى تعالى اسمه الأعظم حتى لا يترك الناس بقية أسمائه، وكما أخفى ليلة القدر حتى يجتهد الناس في كل ليالي رمضان، وكما أخفى ساعة الاستجابة في يوم الجمعة حتى يتحرك الناس بالدعاء والعبادة طوال اليوم .
وفريق قال: إنّ الآية فيها جمع وإفراد، فالصلاة تدل على الفروض، والصلوات تدل على النوافل، والله أعلم .

السؤالالرابع:
ما دلاة كلمة ﴿ وَقُومُواْ بعد كلمة (الصلاة) ؟
الجواب:
جاءت كلمة ﴿ وَقُومُواْ في آية البقرة 238 بعد كلمة الصلاة ولم يختر سبحانه الركوع أو السجود؛ لأنّ كلمة القيام تتناسب مع قيام الرجل على بيته وأهله ﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ [النساء:34] وقوامون، أي: قائمون بالحفظ على شؤونهم وخدمة أمورهم، وكما أمرنا الله بالحفاظ على نسائنا أمرنا بالحفاظ على الصلاة، وهذا من تناسق القرآن .
وعندما تجد زوجاً قانتاً خاشعاً فلا يمكن أنْ يكون جبّاراً على زوجته، وإنْ كان جبّاراً فاعلم أنّ الزوج هذا لم يستكمل صلاته بالخشوع والقنوت، فلو صلى حقيقةً ما تجاسر على زوجته وما تكبر، قال تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ [العنكبوت:45].

السؤالالخامس:
ما دلالة رسم كلمة (الصلوة) و(الزكوة) في القرآن بـ(الواو) ؟
الجواب:
هذا رسم المصحف وهو قائم على أمرين:
1ـ أنّ أصل الألف فيهما واو من: صلى /يصلو ـ زكى/يزكو، وأنّ جمع صلاة صلوات.
2ـ أنه في بعض القراءات تُفخَّمُ فتُمال إلى الواو؛ لذا تكتب بالواو لأصلها وللقراءة.
3ـ أمّا كلمة (السموات) فهي أيضاً من خط المصحف، علماً بأنه حين كُتب المصحف كانت حروف العلة [ الواو ـ الألف ـ الياء] لا تُرسم مثل الآن ثم تغير الخط لاحقاً.
4ـ ذكر ( الداني ) في كتابه ( المقنع في رسم مصاحف الأمصار ) أنه رُسمت في كل المصاحف الألف واواً على لفظ التفخيم ، ومراد الأصل في أربعة أصول مطردة ، وأربعة أحرف متفرقة ، فالأربعة أصول هي : ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ،﴿ ٱلزَّكَوٰةَ ، ﴿ ٱلۡحَيَوٰةَ ،﴿ ٱلرِّبَوٰاْ ، والأربعة أحرف هي :
﴿ بِٱلۡغَدَوٰةِ ،﴿ كَمِشۡكَوٰةٖ ،﴿ ٱلنَّجَوٰةِ ،﴿ وَمَنَوٰةَ غير أنّ كلمات ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ،﴿حَيَوٰةٖ ،﴿ٱلرِّبَوٰاْ وردت في بعض الآيات القرآنية برسمها العادي مما يوحي بأنّ اختلاف الرسم جاء لأغراض شريفة سامية تعزز المعنى وتعطي للكلمة القرآنية آفاقها الواسعة .وللعلم فإن هذه الكلمات الآنفة الذكر كلها تحمل معنى الزيادة والبركة والنماء والتكاثر.
آ ـ من ذلك كلمة ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ حيث وردت بهذا الشكل في جميع آيات القرآن الكريم وعددها ( 67) مرة مختلفة عن الكتابة العادية ، ويوحي هذا الرسم بأهمية الصلاة الشرعية وأنها عماد الدين ، وأنها الصلة بين العبد وربه ، مثل أن تضع خطاً تحت كلمة معينة في كتاب تقرأه لتميز هذه الكلمة عن غيرها لأهميتها .
ويعني وجود حرف ( و ) بدلاً من حرف الألف الوسطي في كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ حيث أنّ حرف الألف يدل على الانقطاع والفصل ، أمّا حرف ( و ) فيدل على العطف والاستمرار ، والصلاة كركن شرعي لا ينقطع أبداً في حياة المسلم ، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، وثقلت كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ لبيان ثقل مكانة الصلاة في الإسلام ، وللتفخيم والتعظيم ، وتأتي صيغة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ مع الواو عندما تدل الكلمة على المعنى الكلي الجامع، بينما تأتي بدون واو مع الصيغة الجزئية نحو: ( صلاتك ـ صلاته ) .
كذلك حين تنسب الصلاة إلى الأنبياء في جدلهم مع أقوامهم فإنها تأتي أيضاً بصورتها الخاصة كما في الآيات :
﴿ وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ١٠٣ [ التوبة: 103].
﴿ قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ [ هود: 87].
أمّا عند تخصيص الكلمة نحو اتصال كلمة ( الصلاة ) بضمير الغائب أو ضمير المتكلم ، أو ضمير المخاطب، فتأتي بصورتها العادية ، حيث وردت تسع مرات :
﴿ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥ [ النور: 41].
﴿ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا [ الإسراء: 110].
﴿ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ٩٢ [ الأنعام: 92].
﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ [ الأنفال: 35].
﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ٢ [ المؤمنون: 2].
﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ٢٣ [ المعارج: 23].
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ٣٤ [ المعارج: 34].
﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ٥ [ الماعون: 5].
﴿ قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٦٢ [ الأنعام: 162].
وللعلم فقد تحور (الألف) إلى (واو) في ( 184) موضع في القرآن الكريم .
ب ـ وردت كلمة ﴿ ٱلزَّكَوٰةَ بهذه الصورة مثل كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ لتبين عظم ركن الزكاة في الإسلام وأهميته، مما جعل سيدنا أبا بكر الصديق يحارب مَن منع الزكاة .
وقد وردت كلمة ﴿ ٱلزَّكَوٰةَ في القرآن الكريم (32) مرة ، ولم ترد مطلقاً بالصورة المعتادة . والله أعلم .








ابوالوليد المسلم 02-09-2025 10:56 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن)


(الحلقة 203)


مثنى محمد هبيان



الحكمالتشريعيالحاديوالثلاثون: مُتعةالمُتوفّىعنهازوجها

﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ٢٤٠﴾ [البقرة: 240]

السؤالالأول:
نكّر كلمة ﴿ مِن مَّعۡرُوفٖۗ في هذه الآية وعرّفه ﴿ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ في آية البقرة 234، فما السبب ؟
الجواب:
انظر الجواب في الآية 234.

السؤالالثاني:
الآيتان 234 و 240 متشابهتان في موضوع الوفاة ومختلفتان في الفاصلة، فلماذا؟
الجواب:
انظر الجواب في الآية 234.

السؤالالثالث:
ما الفرق بين الحول والعام والسنة والحجج ؟
الجواب:
انظر الجواب في الآية 233.

السؤالالرابع:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
دلتْالآيةعلىأمرين:
آـ أنّ للمرأة المتوفى عنها زوجُها حق النفقة والسكنى من مال الزوج سنة كاملة .
ب ـ أنّ لها متعة سنة كاملة لا تُلزم بالخروج من البيت أثناءها .
2 ـ أكثر المفسرين أنّ هذه الآية منسوخة بآية عدة المُتوفى عنها زوجُها ، وكذلك نسخُ عدة الحول بأربعة أشهر وعشرة أيام ، وقيل بعدم النسخ ، وقيل بالجمع بينهما .والله أعلم .

السؤال الخامس:
وردت لفظة ( في ما ) في القرآن الكريم متصلة ﴿ فِيمَا ووردت منفصلة ﴿ فِي مَا فما تعليل ذلك ؟
الجواب:
انظرالجوابفيآيتيالبقرة( 113 ، 234 ).

السؤالالسادس:
ما إعراب كلمة ﴿ وَصِيَّةٗ في الآية ؟
الجواب:
كلمة ﴿ وَصِيَّةٗ في الآية مفعول مطلق بمعنى: يوصي وصية.

﴿وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٢٤٢﴾ [البقرة: 241-242]
السؤالالأول:
قال في هذه الآية: ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١ وقال في الآية 236: ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦ فلماذا ؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة 236.
السؤالالثاني:
ما دلالة هاتين الآيتين ؟
الجواب:
1ـ بيّن الله سبحانه في الآية (241 ) حكم المتعة( النفقة ) بالنسبة لجميع المطلقات ، وأنّ لهنّ نفقة العدة وهي حقٌ واجبٌ على الأزواج ، وليس فيه عطف وإحسان كما في من طُلقت قبل تحديد المهر ، فتدفع للمطلقات النفقة وجوباً ، كلٌ على قدر مستواه ودخله الاقتصادي . وإذا كانت هذه رعاية المطلقات فكيف الشأن برعاية الزوجات.
2ـ هذه المتعة ( النفقة ) هي غير مؤخر صداقها الذي يكون في بعض بلاد المسلمين ، فهي تستحق المهر كاملاً عاجله وآجله ، لأنها مدخول بها .
3ـ ختمت الأية بقوله تعالى :﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١ الذين يخافون الله فهو واجب ، وختمت الآية السابقة :﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦ فكأنّ آية البقرة ( 236 ) ندبٌ لأنّ الإحسان يعني التبرع بما ليس واجباً ، وآية البقرة (241 ) واجب .
4 ـ ختم الله الآية (242 ) بقوله : ﴿لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٢٤٢ بعد أن بيّن الله أحكامه المتعلقة بالأولاد والأزواج لكل ما فيه صلاح الدين والدنيا ، لعلّنا نعقل عن الله أمره ونهيه ونعمل بموجبهما . والله أعلم .









ابوالوليد المسلم 02-09-2025 10:59 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن)


(الحلقة 204)


مثنى محمد هبيان



﴿۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ٢٤٣ [البقرة: 243]

السؤالالأول:
في بعض الآيات الخطاب للرسول بصيغة ﴿ أَلَمۡ تَرَ والرسول لم يرها، فما دلالة هذا الخطاب؟
الجواب:
﴿ أَلَمۡ تَرَ في اللغة العربية تأتي بمعنيين:
آـ السؤال عن الرؤية البصرية والرؤية القلبية نحو: ألم تر خالداً اليوم؟ ألم تر الأمر كما أراه؟ هذا معنى .
ب ـ والمعنى الآخر: للتعجُّب، نحو ألم تعلم؟ ألم ينتهِ علمك؟ هذه الصيغة تأتي للتعجب سواء رآه أو لم يسبق له رؤيته.
شواهد قرآنية:
ـ ﴿ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ [الملك:19] ألم تعجب من هذا؟ ألم تعجب مما يفعله الرحمن؟ وهم يرون ذلك.
ـ ﴿ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَمۡ أَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ٧ [الشعراء:7]
هذه رؤيا مشاهدة لكن فيها تعجباً.
ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ [البقرة:243] ألم ينته إلى علمك؟ ألم تسمع منهم؟ ألا تتعجب من أولئك؟
ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ [البقرة:258] أي: ألا تعجب من هذا المتكبر وكيف كان يحاوره إبراهيم؟
ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ [البقرة:246] هي للتعجُّب، والقصد منها التعجُّب و ليلفت نظر السامع الذي يحدثه وكذلك المخاطب إلى أمر يدعو إلى التأمل والعجب من الحالة أو من قدرة الله أو ما إلى ذلك.
السؤالالثاني:
ما الفرق بين آلاف وألوف ﴿ وَهُمۡ أُلُوفٌ في القرآن؟
الجواب:
(الألف): هو العدد المعروف وجمعه (ألوف وآلاف) .
ـ آلاف من أوزان القِلّة (أفعال) لذا هو جمع قلة. وأوزان القِلّة هي: [أفعُل، أفعال، أفعِلة، فِعلة].
وجمع القلة من الثلاثة إلى العشرة، فإنْ تجاوزها دخل في الكثرة .
ـ (ألوف): جمع الكثرة.
لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ١٢٤ [آل عمران:124] .
ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ [البقرة:243] قال بعضهم: قطعاً أكثر من عشرة آلاف، وقسم أوصلهم إلى أربعين ألفاً.
السؤالالثالث:
في قوله تعالى: ﴿ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ [البقرة:243] ثم حرف عطف، فعلى أي شيء عطف؟
الجواب:
قد يحذف أحد المتعاطفين للدلالة عليه كما في هذه الآية، والتقدير: موتوا، فماتوا ثم أحياهم .
السؤالالرابع:
ما دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1ـ المعنى العام : ألم تعلم ـ أيها الرسول ـ قصة الذين فرّوا من أرضهم ومنازلهم ، وهم ألوف كثيرة ، خشية الموت من قتال العدو ، أو من مرض الطاعون ، فأماتهم الله دفعة واحدة عقوبة لهم ، ثم أحياهم بعد مدّة ليستوفوا آجالهم ، وليتعظوا ويتوبوا بأنّ الفرار لا يمنع من الموت .
2ـ في الآية دليل على البعث بعد الموت .
3ـ المراد بالاستفهام ﴿ أَلَمۡ تَرَ التقرير المشوب بالتعجب لمعرفة القصة.
4ـ المجاز المرسل في قوله تعالى : ﴿ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ والعلاقة هي اعتبار ما يؤول إليه هذا مرض الطاعون الذي اجتاحهم .
5 ـ الطباق بين الإماتة والإحياء .
6 ـ الإيجاز بالحذف في قوله:﴿ مُوتُواْ وقوله :﴿ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ فقد حذف تقدير : فماتوا للاستغناء عن ذكره للتنبيه أنّ كل شيء لا يتخلف عن إرادته تعالى .
7 ـ قوله تعالى :﴿ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إنْ قلتَ: هذا يقتضي موتَهُم مرتيْن، وهو منافٍ للمعروف أنّ موت الخلق مرةٌ واحدة؟ قلتُ: لا منافاة إذِ الموتُ هنا عقوبة مع بقاء الأجل، كما في قوله تعالى في قصة موسى ﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦[البقرة: 56]، وثمَّ موتٌ بانتهاء الأجل، ولأنَّ الموت هنا خاصٌّ بقومِ، وثمَّ عامٌ في الخلق كلِّهم، فيكون ما هنا مستثنى إظهارَاً للمعجزة.
8ـ قوله تعالى: ﴿ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ٢٤٣ إنما ذكر لفظ (الناس) هنا في (البقرة) وفي ( يوسف ) و( غافر ) وتركه في ( يونس ) و ( النَّمل ) لأنَّ ما في الثلاثة الأولى، لم يتقدمه كثرة تكرر لفظ ( الناس ) فناسب الإِظهار، وما في ( يونس ) تقدَّمه ذلك فناسب الإِضمار، لئلا تزيد كثرة التكرار، وما في (النمل ) تقدَّمه إضمار الموحَى إليه ومخاطبته فناسب الِإضمار. والله أعلم .









ابوالوليد المسلم 02-09-2025 11:01 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن)


(الحلقة 205)


مثنى محمد هبيان



﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥ [البقرة: 245]

السؤالالأول:
قوله تعالى ﴿ قَرۡضًا حَسَنٗا فهل هناك قرض سيئ؟
الجواب:
انظر كيف وصف الله سبحانه وتعالى القرض بالحسن؛ لأنّ الله تعالى مطّلع على القلوب ولا يقبل الله تعالى إلا المال الحلال الصرف، ولا يرضى بالمال إلا إذا كان نقياً خالصاً من شوائب الرياء والمنّ.
السؤالالثاني:
ما فائدة ﴿ حَسَنٗا بعد ﴿ قَرۡضًا في الآية ﴿ قَرۡضًا حَسَنٗا ؟
الجواب:
1ـ في جميع القرآن لم يذكر القرض إلا ووصفه بالحسن.
2ـ المقصود بالقرض الحسن:
آـ في الشخص أنْ يكون من دون مَنٍّ، وعن طيب نفس وبشاشة وجه.
ب ـ وفي المال ينبغي أنْ يكون في المال الحلال الطيب الكريم .
ج ـ وألا يبتغي الخبيث ﴿ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] .
د ـ ثم في الجهة أنْ يتحرى أفضل الجهات .
هذا هو القرض الحسن يكون من كريم المال وحلاله ويكون من دون مَنٍّ ويكون في أفضل الجهات التي فيها نفع للمسلمين، ولذلك لا تجده في القرآن إلا موصوفاً بالحسن، ولا تجد القرض إلا لله.
3ـ الصدقة أطلقها، لكن القرض لم يأت إلا قرضاً حسناً ومع الله تعالى ﴿ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا [الحديد:18] حتى يفرّق بين القرض الذي هو في المعاملات، والقرض الذي هو عبادة مع الله.
4ـ الإقراض قد يكون بين الناس في المعاملات ولكنّ المقصود هنا هو العبادات، ولذلك دائماً يقول: ﴿ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ [الحديد:18] ولو قال: أقرضوا، لم تختص بالعبادة وإنما بالمعاملة بين الناس .
5ـ ولذلك الصدقة دائماً عبادة، أمّا الإقراض فليس دائماً عبادة فقد يكون في المعاملة والتعامل بين الناس وليس له علاقة بالعبادة.
6ـ ولذلك هنالك أمران في القرآن: أنه وصف القرض بالحسن، والآخر أنه لله تعالى. وهذان الأمران في جميع القرآن، ولم يرد الإقراض إلا بهذين: أنه حسن وأنه لله تعالى فقط، ولهذا كان ثوابه من الله عز وجل المضاعفة.
السؤالالثالث:
في سورة البقرة قال تعالى: ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥ وفى آية الحديد 11 قال: ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١ [الحديد:11] واختلفت خاتمتا الآيتين، فما الفرق بين الآيتين؟

الجواب:
1ـ في سورة البقرة قال تعالى: ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ أي: ذكر الكم، وفي الحديد ذكر المضاعفة مع الأجر ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١ أي ذكر الكم: فيضاعفه له، وذكر الكيف: وله أجر كريم، فزاد هنا بالأجر الكريم، وهو الحسن البالغ الجودة.
2ـ سورة الحديد مطبوعة بطابع الإيمان والإنفاق، بينما قال في سورة البقرة: ﴿ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ ويقبض معناه يضيّق الرزق ويمسك.
وهنا في الدنيا يحتمل أنّ الشخص يناله قبض أو بسط، وصاحب المال يحتمل أنْ يصيبه قبض، فهذا الذي يصيبه القبض والتضييق في الرزق يحتاج إلى المال .
ولذلك لمّا قال تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ هذا محتاج إلى المال، فقال: ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ فأنت عليك أن تنفق حتى لا يصيبك القبض وحتى يأتيك البسط، وهذا من باب تبصيره في الأمر، وفيها تهديد بالقبض .
أمّا في سورة الحديد فليس فيها تهديد بالقبض، فقال تعالى في الحديد: ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١ [الحديد:11] .
3ـ وفي سورة البقرة، قال تعالى في آية أخرى: ﴿ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ٢٦١ [البقرة:261] وهذا في مقام التكثير، فناسب التكثيرُ التكثيرَ في السورة.
السؤالالرابع:
ما اللمسة البيانية في قوله تعالى ﴿ قَرۡضًا حَسَنٗا ؟
الجواب:
1ـ قسم ذهب إلى أنّ الصدقة غير القرض.
2ـ وقسم قال: القرض هو تطوع ولا يدخل في باب الفروض، والصدقة في الواجب. وربنا تعالى سمّى الزكاة صدقة، لكنْ هي ليست مقصورة على الزكاة فقط وإنما هي عبادة عامة الزكاة واحدة منها، لكنّ قسماً من الصدقة هو فروض كصدقة الفطر وبعض الصدقات.
3ـ وقسم قال: القرض هو أعمّ من الصدقة، يدخل في الفروض وغير الفروض(ما كان تطوعاً وغير تطوع)، فإذا كان الأمر كذلك فهو من باب عطف العام على الخاص.
4ـ وقسم يقول: الصدقة هي في الفروض، والقرض هو في التطوع .
5ـ والذي يبدو- والله أعلم- أنّ القرض في التطوع يختلف عن الصدقة، لأننا نلاحظ أنّ القرآن الكريم يذكر القرض الحسن بعد الزكاة في مواطن، وقد يأمر به بعد الأمر بالزكاة كما في قوله تعالى: ﴿ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا [المائدة:12] فذكر الزكاة ثم ذكر القرض الحسن والزكاة فرض، فقال بعدها: ﴿ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ [المائدة:12] .
وفي آية أخرى قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ [المزَّمل:20] .
كما يبدو - والله أعلم - أنه لمّا عطفها على الزكاة والزكاة فرض، صار القرض من باب التطوع، أي من باب المندوبات، وليس كل المندوبات فروضاً، لكن علمنا أنّ الزكاة فرض وعطفها على الزكاة فلا يأخذ نفس الحكم؛ لأنه ليس بالضرورة أنْ يأخذ المعطوف نفس الحكم خاصة في المندوبات، فربما يكون قد عطف مندوباً على فرض.
6ـ ثم تسميته (قرض) المُقرِض ليس ملزماً بالإقراض، والقرض في اللغة إعطاء مال تحديداً ويتوقع استرداده، أمّا الزكاة فلا تُردّ.
ولذلك لمّا قال تعالى: ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فرب العالمين سيرده عليه بأضعاف كثيرة ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ والمقرِض ليس ملزماً بالإقراض، فإذا أردت الاقتراض من أحد فهو ليس ملزماً بإقراضك، وعندما قال ربنا: ﴿ قَرۡضًا معناه أنه ليس ملزماً، ومعناه أنه من باب التطوع، بخلاف التصدق؛ لأن منه ما يلزم.
وقوله تعالى في أكثر من موضع: ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا كأنه من باب الترغيب، فتسميته قرضاً هو من باب الترغيب، وليس من باب الإلزام.
السؤالالخامس:
ما إعراب كلمة ﴿ قَرۡضًا في الآية ؟
الجواب:
إعراب ﴿ قَرۡضًا فيه وجهان: إذا كان المقصود مالاً تحديداً يكون مفعولاً به، وإذا كان مصدراً فيكون مفعولاً مطلقاً.
السؤالالسادس:
ما الفرق بين الحسنة والقرض ؟
الجواب:
ورد في الحديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله «رأيتُليلةأُسريبيعلىبابالجنةمكتوباً: الصدقةبعشرأمثالها،والقرضبثمانيةعشر،فقلت: ياجبريل،مابالالقرضأفضلمنالصدقة؟قال: لأنّالسائليسألوعنده،والمستقرضلايستقرضإلامنحاجة» [أخرجهابنماجه 2431 ].
وتفسير ذلك: أنك لو تصدقت بدرهم فقد عملت حسنة تُضاعف لك إلى عشر حسنات حسب قوله تعالى: ﴿ مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ [الأنعام: 160]لكن هل يردّ السائل الدرهم إليك؟ بالطبع لا.
أمّا القرض فإنك تقرض درهماً مثلاً لشخص، فيكون بذلك عشر حسنات، وعندما يرد لك هذا القرض تكون في حقيقة الأمر قد أخذت تسعة، والتسعة حسب قوله تعالى في آية الحديد ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١ [الحديد:11] تُضاعف فتكون ثمانية عشر، والله أعلم.
السؤالالسابع:
ما الفرق بين خاتمتي الآيتين البقرة 245 ﴿ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥ والحديد 11 ﴿ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١ ؟
الجواب:
1ـ آية سورة البقرة واقعة في سياق القتال والموت ﴿۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ٢٤٣ [البقرة:243] بعدها قال: ﴿ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ٢٤٤مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥ [البقرة:244-245] والإقراض معلّق على نية تجهيز الجيوش ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ [البقرة:246] فالآيات في الموت، والقتال والموت والقتل مظنّة الرجوع إلى الله تعالى، فقال: ﴿ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥ وهي مناسبة لذكر الموت والقتال.
2ـ أمّا في سورة الحديد، فالكلام في الإنفاق وليس في الموت والقتال، ولمّا كان الكلام في غير هذا السياق في سورة الحديد قال: ﴿ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١ [الحديد:11] .
السؤالالثامن:
ما الفرق بين استعمال ﴿ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥ في آية البقرة 245 و﴿ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٢٤ في آية الملك 24؟ وما دلالة كل تعبير منهما ؟
الجواب:
1ـ الآية الأولى في سورة البقرة تتكلم عن الجانب المالي وعن القرض، والمال يذهب ويجيء، والله سبحانه وتعالى يقبضه ويبسطه، فيناسب الكلام عن البسط والقبض الذهاب والإياب، وذهاب المال وإيابه يناسبان كلمة الرجوع، أنتم وأموالكم ترجعون إلى الله؛ لأنّ فيها قبضاً وبسطاً ففيها رجوع، فناسب ﴿ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥ .
2ـ وأمّا آية الملك 24 ﴿ قُلۡ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٢٤ ففيها كلمة ﴿ ذَرَأَكُمۡ [المُلك:24] وذرأ بمعنى: نشر، يذرؤكم في الأرض، أي: يبثّكم وينشركم في الأرض. هذا الذَّرءُ والبثُّ يحتاج إلى جمع وأنْ يجمَع، والحشر فيه معنى الجمع. والذي يناسب الشيء المنثور الموزع في الأرض كلمة الحشر وليس الرجوع؛ لأنّ الحشر فيه معنى الجمع، واللفظة المناسبة لـ ﴿ ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ [المُلك:24]؛ أي (بثّكم) تعبير ﴿ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٢٤ [المُلك:24].
السؤالالتاسع:
وردت ﴿ وَيَبۡصُۜطُ بالصاد مرة واحدة في كل القرآن في سورة البقرة، بينما سائر ما في القرآن
﴿ يَبۡسُطُ [الرعد:26] بالسين في أكثر من عشرة مواضع، فلماذا ؟
الجواب:
1ـ بشكل عام حرف الصاد أقوى من حرف السين؛ وذلك أنّ:
آـ حرف الصاد له أربع صفات قوية: [ الاستعلاء والإطباق والإصمات والصفير] وله صفتان ضعيفتان هما: [الهمس والرخاوة ].
ب ـ حرف السين له صفتان قويتان فقط، هما: [الإصمات والصفير] وله أربع صفات ضعيفة، هي: [الهمس والرخاوة والاستفالة والانفتاح ].
2 ـ البسط في آية البقرة مطلق عام لا يختص بشيء دون شيء، فالله هو القابض الباسط في النعم والأرزاق والأعمار والآجال والملك والصدور والتقتير والتوسيع، يسلب قوماً ويعطي قوماً، ويقبض الصدقات ويخلف البذل، فهو بسط مطلق غير مقيد.
3 ـ بينما في الآيات الأخرى ترى البسط مقيَّداً بالرزق أو بغيره مثل الغيث في الروم: 48.
4 ـ البسط المطلق أقوى وأعم من البسط المقيد، فجاء بالصاد في الأقوى وجاء للمقيد بالسين .
السؤالالعاشر:
قوله تعالى: ﴿ يُقۡرِضُ بالفعل المبني للمعلوم، ولم يقل إقراضاً بصيغة المصدر بل قال: ﴿ قَرۡضًا فما السبب ؟
الجواب:
(قرضاً) مصدر من الفعل الثلاثي (قرض) بينما نقول: (أقرض إقراضاً) فجمع بين المعنيين، وهذا من باب التوسع في المعنى .
ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا٨ [المزَّمل:8] وقوله تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا١٧ [نوح:17] .
السؤالالحاديعشر:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
ذكر الله في الآية السابقة (244 ) أهمية الجهاد بالنفس في سبيل الله وأنّ الجهاد طريق عزّة الأمة وحياتها فقال :﴿ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ٢٤٤ [البقرة:244].
وذكر هنا في هذه الآية أهمية الجهاد بالمال لدعم الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام والدعوة إلى الله وحماية المجتمع المسلم من شرور أعدائه . والله أعلم .









ابوالوليد المسلم 27-09-2025 09:59 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير ( من روائع البيان في سور القرآن ) (الحلقة 206)


مثنى محمد هبيان



﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ٢٤٦﴾ [البقرة: 246]

السؤال:
لِمَ قال ربنا: ﴿ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ولم يقل (إلى قوم بني إسرائيل) أو (الجمع من بني إسرائيل)؟ وما دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1 ـ هذا من بديع القرآن واستعمالاته المعجزة، ولو عدنا إلى معنى الملأ، ومعنى القوم أو الجمع، لعلمنا سبب اختيار هذا اللفظ دون غيره، فنحن نعلم أنّ بني إسرائيل كانوا خارجين على حدود الله ولم يشذ أحد منهم، فناسب هذا الاجتماع المطلق على الرأي استعمال كلمة الملأ، التي تعني الجماعة الذين أمرهم واحد، ألسنا نقول: تمالأ القوم، عندما نقصد جماعة اتفقت على شيء؟ وهذا المعنى لا تفيده إلا كلمة (الملأ).
2ـ ( الملأ ) الأشراف والوجوه من الناس ، وهو اسم للجماعة ، ولا واحد له من لفظه ، والجمع : أملاء ، مثل : سبب وأسباب .
3 ـ قيل : إنّ المعاصي كثرت في بني إسرائيل ، ثم غلب عليهم عدو لهم فسبى ذراريهم ، فسألوا نبيهم أن يولي عليهم ملكاً يجتمعون تحت قيادته ، ويقاتلون أعداءهم ، فقال لهم نبيهم : هل الأمر كما أتوقعه إنْ فُرض عليكم القتال في سبيل الله أنكم لا تقاتلون ؛ فإني أتوقع جبنكم وفراركم من القتال !!! فقالوا مستنكرين توقع نبيهم : وأي مانع يمنعنا من القتال في سبيل الله ، وقد أخرَجَنا عدُونا من ديارنا ، وأبعدنا عن أولادنا بالقتل والأسر ؟ فلمّا فرض الله عليهم القتال مع الملك الذي عينه لهم جَبُنوا وفرّوا من القتال ، إلا قليلاً منهم ثبتوا بفضل الله، وهم الذين عبروا النهر وقيل عددهم (313 ) على عدد أهل بدر ، وسيأتي ذكرهم ، والله عليم بالظالمين الناكثين عهودهم .
4 ـ هذه الآية تمثل تخاذل بني إسرائيل عن قتال العدو .
5 ـ قوله تعالى :﴿ أَلَمۡ استفهام تقريري ، وقوله تعالى :﴿ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ أي من بعد موته . والله أعلم .


﴿وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكٗاۚ قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ وَلَمۡ يُؤۡتَ سَعَةٗ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ٢٤٧﴾ [البقرة: 247]

السؤالالأول:
ما الفرق بين الجسم والجسد ؟
الجواب:
الجسم: يطلق على البدن الذي فيه حياة وروح وحركة.
الجسد: يطلق على التمثال الجامد أو بدن الإنسان بعد وفاته وخروج روحه .

السؤالالثاني:
كلمة ﴿بَسۡطَةٗ بالسين وردت في آية سورةالبقرة 247 ﴿بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ بينما وردت كلمة ﴿بَصۜۡطَةٗۖ بالصاد في آية الأعراف 69 ﴿وَزَادَكُمۡ فِي ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗۖ فما السبب ؟
الجواب:
1ـ حرف الصاد أقوى من حرف السين، حيث إنّ حرف الصاد له ست صفات؛ أربعة منها قوية وهي: (الاستعلاء و الإطباق و الإصمات والصفير) وصفتان ضعيفتان (الهمس والرخاوة)، بينما حرف السين له صفتان قويتان فقط؛ وهما (الإصمات والصفير)، وأربعة ضعيفة؛ وهي (الهمس والرخاوة والاستفال والانفتاح). فالسين للسعة الجزئية وعلة التقييد ، والصاد للسعة الكلية ومعنى الإطلاق .
2 ـ آية البقرة هي في وصف طالوت، وآية الأعراف هي في وصف قبيلة عاد قوم هود، وطالوت إنما هو شخص واحد، وأمّا عاد فهي قبيلة، فكان السين الذي هو أضعف أليق بالشخص الواحد، والصاد الذي هو أقوى وأظهر أليق بالقبيلة .

السؤالالثالث:
ما دلالة قوله تعالى في الآية: ﴿وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ ؟ وما أهم دلالات الآية ؟
الجواب:
1 ـ قدّم الله سبحانه البسطة في العلم على البسطة في الجسم ، وفي هذا تنبيه على أنّ الفضائل العلمية والنفسية أعلى وأشرف وأكمل من الفضائل الجسمانية .
2 ـ ( طالوت ) ومثله ( جالوت ) ، اسمان أعجميان امتنعا من الصرف للعلمية والعجمة .
3 ـ قوله تعالى :﴿قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ استفهام من اليهود كيف يكون له أحقية الملك وهو ليس من سبط الملوك ؟ فقد كان أبوه عاملاً بسيطاً ، وهذا يمثل في اليهود العنصرية والطبقية منذ أبعد الآماد .
4 ـ ثم أضافوا إلى الطبقية والعنصرية عاملاً آخر وهو حب المال والتعويل عليه في الأرجحية : ﴿وَلَمۡ يُؤۡتَ سَعَةٗ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ .
5 ـ بنو إسرائيل نسوا بأنّ الصفات الحقيقية هي :
آ ـ ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَيۡكُمۡ فلزمكم الانقياد لذلك .
ب ـ ﴿وَزَادَهُۥ بَسۡطَةٗ فِي ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ أي فضّله عليكم بقوة الرأي ، وقوة الجسم اللذين بهما تتم أمور الملك .
ج ـ ﴿وَٱللَّهُ يُؤۡتِي مُلۡكَهُۥ مَن يَشَآءُۚ فالله مالك الملك ، وله أن يؤتيه من يشاء .
د ـ ﴿وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ أي فضله يؤتيه من يشاء ،ليس له رادّ ، وهو واسع الفضل والكرم ، وعليم بمن يستحق الفضل فيضعه فيه .
6 ـ قيل : إنّ طالوت كان أعلمَ بني إسرائيل بالحرب والديانات في وقته ، وكان أطول الناس وأقواهم جسداً . وقيل : كان ذلك حوالي سنة (1095 ) قبل الميلاد .
والله أعلم .










ابوالوليد المسلم 27-09-2025 10:01 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير ( من روائع البيان في سور القرآن ) (الحلقة 207)


مثنى محمد هبيان



تابوت العهد
﴿وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٢٤٨﴾ [البقرة: 248]
السؤالالأول:
ما معنى الآية؟
الجواب:
جعل رب العالمين كل سعد وخير بني إسرائيل في ذاك التابوت، وهو صندوق كبير مستطيل يحتوي على آثار موسى وهارون، وعمامة هذا ونعال ذاك، والعصا والشعر والأظافر، وكثير من الأمور الأخرى، وكان بنو إسرائيل يتبرّكون بهذا التابوت، وكلما حاربوا أعداءهم من الوثنيين والملحدين قدّموا التابوت بين أيدي الجيش، فينتصر الجيش.
ثم استطاعت العماليق وهم أعداؤهم أنْ يسرقوا هذا التابوت 500 سنة، وظل العماليق يُشبعون بني إسرائيل ضرباً وخسارة، ولهذا كان بنو إسرائيل ما إنْ يقاتلهم العدو إلا ويُهزَمون ؛ لأنّ التابوت قد ذهب منهم، حتى أرسل الله لهم نبياً وقال: ﴿ وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٢٤٨ [البقرة:248] .
وبنو إسرائيل لا يصدقون بسهولة ﴿ وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكٗاۚ قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ [البقرة:247] قالوا: ما هذا؟ نحن لا نقبل به . قال: لا بأس، معجزته أنّ الله سوف يأتي بالتابوت بين يديه، قالوا: مستحيل أنْ يحدث ذلك.
وفعلاً جاءت الملائكة تحمله، و ما كانوا يرون الملائكة، فقط سيدنا طالوت هو الذي كان يراهم، فكانت الملائكة تحمل التابوت كأنه طائر وحده حتى وضعوه بين يدي طالوت، فآمن به بنو إسرائيل .
وبقي بنو إسرائيل ينتصرون على العماليق وغيرهم ببركة آثار موسى عليه السلام .
وللعلم أنّ كُتّاب المصاحف لم يختلفوا إلا في لفظ ( التابوت ) هل يكتبوه بالتاء المفتوحة ، أم بالتاء المربوطة ، فرفعوا اختلافهم إلى الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنه فقال : اكتبوه ( التابوت ) بلغة قريش ، فإنّ القرآن نزل بلسانهم .
السؤالالثاني:
وردت كلمة (بقيَّت) في سورة هود مكتوبة بالتاء المفتوحة ، فهل جاء لها رسم بالتاء المربوطة ( بقية) ؟
الجواب:
كلمة (بقية) وردت في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم:
آـ في سورة البقرة: ﴿ وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٢٤٨ [البقرة:248] هذه رسمت بالهاء أو التاء المربوطة كما يقال.
ب ـ في سورة هود: ﴿ فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ١١٦ [هود:116] رسمت بالهاء.
ج - وفي السورة نفسها ﴿ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ٨٦ [هود:86] وردت بالتاء. وهذا راجع إلى مسألة رسم المصحف.
وخط المصحف توقيفيٌّ، ونحن لو تأملنا في هذا المرسوم وفي اختلافاته فليس من السهل أنْ نجد ضابطاً لذلك، وهناك من يقول: إنّ هناك أسراراً غير أنّا لا نعرف هذه الأسرار.
ومثل ذلك كلمة ﴿ رَحۡمَتَ [البقرة: 218]بالتاء المفتوحة وكتبت ﴿ رَحۡمَةًۚ [آل عمران: 8] بالتاء المربوطة. والله أعلم .

السؤالالثالث:
ما المعنى الخاص المميز لكلمة ( سكينة ) في هذه الآية ؟
الجواب:
كل ما جاء من لفظة ( سكينة ) في القرآن فهي طمأنينة للقلب ، كما في قوله تعالى : ﴿ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٤ [الفتح: 4] ، إلا التي في آية سورة البقرة : ﴿فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ [البقرة:248] فإنه يعني شيئاً من الأشياء الموجودة في التابوت من آثار موسى وهارون عليهما السلام إضافة إلى الطمأنينة والسكون. والله أعلم .
لمزيد من المعلومات حول النظائر المشابهة انظر آية البقرة (14) .









الساعة الآن : 06:58 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 505.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 503.69 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.35%)]