ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:16 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب تقصير الصلاة فى السفر
(كتاب الكسوف)
(276)

- (باب القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف) إلى (باب الأمر بالاستغفار في الكسوف)
من يسر هذا الدين وتمامه أن الله عز وجل جعل لكلِّ نازلةٍ وحادثة ما يناسبها، ومن ذلك كسوف الشمس والقمر، فقد شرع لها صلاةً خاصة بها، يطوّل فيها القيام والركوع والسجود، ويكثر فيها من الذكر والدعاء والاستغفار، وتكون فيها خطبة يؤمر فيها بالتوبة والتذكير بوعد الله ووعيده.
القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف


‏ شرح حديث عائشة: (إن النبي خرج مخرجاً فخسف بالشمس ... فلما انصرف قعد على المنبر ...)
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب القعود على المنبر بعد صلاة الكسوف. أخبرنا محمد بن سلمة عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد: أن عمرة حدثته: أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرجاً فخسف بالشمس، فخرجنا إلى الحجرة، فاجتمع إلينا نساء، وأقبل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ضحوة، فقام قياماً طويلاً، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقام دون القيام الأول، ثم ركع دون ركوعه، ثم سجد، ثم قام الثانية فصنع مثل ذلك، إلا أن قيامه، وركوعه دون الركعة الأولى، ثم سجد، وتجلت الشمس، فلما انصرف قعد على المنبر فقال فيما يقول: إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال)، مختصر].
يقول النسائي رحمه الله: باب قعود الإمام على المنبر في الكسوف. مراد النسائي من هذه الترجمة هو وجود الخطبة من رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد صلاة الكسوف، وقعوده على المنبر، والقعود يحتمل أن يكون جلس، ويحتمل أن يكون قائماً، أو أنه حصل منه الجلوس، ثم حصل منه القيام، والمعروف عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً، وسيأتي في الاستسقاء أنه جلس على المنبر، ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يخطب قائماً، ويرفع يديه، ويبالغ في الرفع، أي: في الاستسقاء، فهنا فيه التعبير بالقعود، وهو الذي جاء في الحديث، ويحتمل أن يكون على ظاهره، ويحتمل أن يكون المراد بذلك أنه صار إلى المنبر، وخطب الناس، والمعروف من عادته عليه الصلاة والسلام في خطبته أنه كان يخطب قائماً صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد النسائي حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد مر في بعض الطرق المتقدمة، وأورده هنا لما اشتمل عليه من ذكر القعود على المنبر، وهو أيضاً يدل على أن الكسوف للشمس حصل في الضحى، وفيه: صفة صلاة الكسوف على الهيئة المعروفة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، التي هي ركعتان في كل ركعة واحدة ركوعان، وسجدتان، وفيه: من موضوع الخطبة: [(أن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال)]، وقد مر أحاديث، أو طرق متعددة عن عائشة، وغيرها، وفيها جزئيات من تلك الخطبة، أو قطع من تلك الخطبة، وهي بمجموعها تكون كثيرة، ولكنها متفرقة في الأحاديث، وكل حفظ ما لم يحفظه الآخر، وكل أثبت ما لم يثبته الآخر، وبعضها اتفقت عليه الروايات، لاسيما ما جاء فيه من قوله: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم).
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرجاً فخسف بالشمس ... فلما انصرف قعد على المنبر ...)
قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة]. هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن الحارث].
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أن عمرة].
هي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، تابعية أكثرت من الرواية عن عائشة، وهي ثقة، حديثها عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثته أن عائشة].
هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، وهي واحدة من سبعة أشخاص من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، عرفوا بكثرة الرواية عنه عليه الصلاة والسلام، ستة رجال، وامرأة واحدة، الستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عن الجميع، وأما المرأة فهي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وهذا الإسناد فيه ستة أشخاص، نصفه الأعلى مدنيون، وهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعمرة، وعائشة، ونصفه الأسفل مصريون، وهم: محمد بن سلمة المرادي، وعبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث، فنصفه الأدنى أو الأسفل مصريون، ونصفه الأعلى مدنيون.
كيف الخطبة في الكسوف


شرح حديث عائشة: (... إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ...) من طريق أخرى

وقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الخطبة في الكسوف.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبدة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقام فصلى فأطال القيام جداً، ثم ركع فأطال الركوع جداً، ثم رفع فأطال القيام جداً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم رفع رأسه فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ففرغ من صلاته، وقد جلي عن الشمس، فخطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس، والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا، وتصدقوا، واذكروا الله عز وجل، وقال: يا أمة محمد! إنه ليس أحدٌ أغير من الله عز وجل أن يزني عبده، أو أمته، يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي كيف الخطبة؟ يعني: كيف تكون الخطبة؟ وما هو موضوع الخطبة؟ على أي شيء تشتمل الخطبة؟ خطبة الكسوف كما جاء في الروايات المختلفة تتضمن ما يتعلق بالمناسبة، وهو حصول كسوف الشمس، والقمر، ولكن ذلك ليس على ما هو معتاد في الجاهلية من أنهم يعتقدون أن الكسوف لموت العظماء، وإنما هو بأمر الله عز وجل، وتدبيره، وتصرفه في الكون كيف يشاء، فإن الشمس، والقمر مخلوقان من مخلوقات الله، وآيتان من آيات الله، يصرفهم الله كيف يشاء، فهو يجعلهما مضيئين يستفيد الناس من ضوئهما، وإذا شاء أن يطرأ عليهما التغير، وتحول حالهما من إضاءة وإشراق إلى اسوداد، وعدم ظهور النور، فهو سبحانه، وتعالى على كل شيء قدير، فهو.. الخطبة تتعلق بالمناسبة، وبيان (أن الشمس، والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته).
وتشتمل أيضاً على بيان كونه رأى الجنة، والنار، وعرضتا عليه، وهو يصلي بالناس الكسوف، ورأى عناقيد العنب متدلية، (وأراد أن يأخذ عنقوداً فترك، ولو أخذ منه لأكل الناس ما بقيت الدنيا) إلى نهاية الدنيا، وهذا يدل على الترغيب في نعيم الآخرة، والاستعداد لذلك بالأعمال الصالحة، ثم أيضاً بيان التخويف من النار، وما شاهده فيها، وأنه رأى فيها المرأة التي تعذب بسبب الهرة التي حبستها، (لا هي أطعمتها، ولا سقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، وكذلك رأى فيها سارق المحجن، (الذي يسرق الحجيج بمحجنه، وهي العصا المحنية الرأس فإذا فطن له الناس قال: علق بمحجني، وإذا لم يتنبه إليه الناس أخذه، ومضى)، ورأى كذلك سارق بدنتي الرسول عليه الصلاة والسلام اللتين أهداهما إلى الحرم، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي الذي سيب السوائب، ورأى فيها النساء، وأنهن أكثر أهل النار، فهذا مما اشتملت عليه خطبة رسول الله، وكذلك مما اشتملت عليه قوله: [(لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته)].
وقوله: [(لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)]، كما جاء في هذه الرواية، وقد سبق أن مر في بعض الروايات الأخرى، وأن فيه إثبات الغيرة لله عز وجل على وجه يليق بكماله، وجلاله، وفيه: أن الله تعالى يطلع نبيه على ما شاء من الغيب، وأنهم لو اطلعوا على ما اطلع عليه لكثر بكاؤهم، ولقل ضحكهم، وقد أطلعه الله على أمور مغيبة، ومن ذلك: أنه أطلعه على الجنة، والنار، والناس يصلون الكسوف، ورأوا اليد الممدودة يده صلى الله عليه وسلم، وقد مدها ليتناول شيئاً، ولكنهم ما رأوا الذي مدت إليه، ورأوه تأخر، ورجع القهقرى، وهو في الصلاة، وما علموا، لماذا تقهقر وتأخر؟ وقد بين ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأنه تقدم ليأخذ عنقوداً، وترك، ولو أخذ لأكل الناس ما بقيت الدنيا، وتأخر لما رأى النار، وما فيها من المعذبين، ورآها يحطم بعضها بعضاً.
فهذا مما اشتملت عليه خطبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والخطبة بعد الكسوف، المناسب فيها أن يكون فيها تخويف، وأن يكون فيها تحذير من الذنوب، والمعاصي، وأن الناس يقبلون على الله عز وجل، وتذكير بالجنة، والنار، وتذكير بما اشتملت عليه خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس بعد أن صلى صلاة الكسوف.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ...) من طريق أخرى
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، ولم يظفر بهذا اللقب إلا جماعة قليلون، منهم إسحاق هذا، والثوري، وشعبة، والبخاري، والدارقطني، وآخرون هم قليلون، وصفوا بهذا الوصف الذي هو من أعلى الأوصاف، وأرفع صيغ التعديل.
[حدثنا عبدة].
هو: عبدة بن سليمان الكلابي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن عروة].
هو: هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو: عروة بن الزبير بن العوام، أحد الثقات الفقهاء، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
عندما يقال في مسألة من المسائل: قال بها الفقهاء السبعة، فإن المراد بهم سبعة في المدينة في عصر التابعين، منهم عروة بن الزبير هذا، وهم ستة متفق على عدهم في السبعة، والسابع مختلف فيه، عروة بن الزبير هذا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، والكتاب اسمه إعلام، وليس أعلام، ليس كتاب تراجم حتى يقال له: أعلام، وإنما هو إعلام وإخبار الموقعين، أي: المفتين المخبرين بشرع الله، والمبينين لشرع الله، ولهذا ذكر في أوله جماعة من المعروفين بالفتوى من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتابعين ومن بعدهم في الأقطار المختلفة في الحجاز، واليمن، والشام، والعراق، ومصر، فذكر الفقهاء في تلك البلاد، ولما جاء عند المدينة ذكر الفقهاء من الصحابة، وذكر الفقهاء في عصر التابعين، وذكر الفقهاء السبعة في المدينة، وذكرهم، وسابعهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، سابع الفقهاء السبعة على ما ذكره ابن القيم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثم ذكر بيتين من الشعر، البيت الثاني يشمل الفقهاء السبعة، وهو قول الشاعر:
إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة
فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
والسابع هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على أحد الأقوال، وحديث عروة بن الزبير بن العوام أخرجه أصحاب الكتب الستة.
يروي عن خالته عائشة رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها.
شرح حديث سمرة: (أن النبي خطب حين انكسفت الشمس ...)
وقال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأسود بن قيس عن ثعلبة بن عباد عن سمرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حين انكسفت الشمس، فقال: أما بعد)].أورد النسائي حديث سمرة بن جندب، وفيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(أما بعد)]، والحديث سبق أن مر، وفيه: ثعلبة بن عباد البصري، وهو مقبول، وروايته لا يعول عليها إلا إذا اعتضد، لكن [(أما بعد)]، هذا هو المعروف في خطب رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: [(أما بعد)]، إذا حمد الله، وأثنى عليه، قال: [(أما بعد)]، ثم أتى بما يريده من الكلام الذي هو موضوع الخطبة، فالحديث ضعيف الإسناد، ولكن قول: [(أما بعد)]، في الخطب، هذا هو المعروف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول في خطبه: [(أما بعد)]، أي: بعد أن يذكر الحمد، والثناء على الله عز وجل بما هو أهله، الذي هو مقدمة الخطبة، وافتتاح الخطبة، عندما يدخل في الموضوع يقول: [(أما بعد)]، فإنه كذا وكذا.
تراجم رجال إسناد حديث سمرة: (أن النبي خطب حين انكسفت الشمس ...)
قوله: [أخبرنا ابن سليمان].هو الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا أبو داود الحفري].
هو عمر بن سعد الكوفي، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود بن قيس].
هو الأسود بن قيس الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ثعلبة بن عباد].
هو ثعلبة بن عباد البصري، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن الأربعة.
وعباد بكسر العين، وحذف الفتحة والتشديد الذي على الباء، وهي عِباد.
[عن سمرة].
هو سمرة بن جندب، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

يتبع



ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:16 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
الأمر بالدعاء في الكسوف


شرح حديث أبي بكرة: (كنا عند النبي فانكسفت الشمس ... فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)

وقال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالدعاء في الكسوف.
أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يزيد وهو ابن زريع حدثنا يونس عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس، فقام إلى المسجد يجر رداءه من العجلة، فقام إليه الناس، فصلى ركعتين كما يصلون، فلما انجلت خطبنا فقال: إن الشمس، والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، وأنهما لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتم كسوف أحدهما فصلوا، وادعوا حتى ينكشف ما بكم)].
أورد النسائي، وهو الدعاء في الكسوف، فالمقصود من هذا: أنه عندما يحصل الكسوف يحصل الدعاء في الصلاة وفي غير الصلاة، وقد أورد النسائي حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كسفت الشمس قام يجر رداءه من العجلة، هذا فيه أن جر الرداء كان عندما قام مسرعاً من العجلة، وإذا ردائه يسحب، يعني يصل إلى الأرض؛ لأنه قام مسرعاً، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه النهي عن جر الثياب، وعن إطالة الثياب، وقال: (ما أسفل من الكعبين فهو في النار)، ولكن قوله هنا: [(من العجلة)]، يفيد بأن هذا الجر حصل بسبب العجلة، فصاحب الرداء عندما يقوم يكون طرفه في الأرض، فيسحبه حتى يتناوله بعد ذلك، ويجعله على كتفيه، وينتهي الجر، لكن كونه أسرع، وقام مسرعاً، ورداؤه غير مستقر على كتفيه، صار يجره، ولهذا قال: [(من العجلة)]، أي: يجر رداءه من العجلة، وليس معناه أنه كان يطيل الرداء، وأنه يجر رداءه، وأن عادته كذلك، لا، وإنما كما هو معلوم عندما يكون الإنسان جالساً، ثم يكون الرداء غير مستقر عليه، ثم يقوم مسرعاً، فإنه يكون طرفه يسحب في الأرض حتى يتناوله، ويجعله مستقراً على كتفيه، وهنا قوله: [(من العجلة)]، يفيد بأن هذا الجر حصل لهذه المناسبة المفاجأة التي حصل فيها حصول الكسوف، وأنه قام مسرعاً عليه الصلاة والسلام، ثم صلى بالناس وخطبهم الخطبة، وذكر أنه إذا حصل أنهم يصلون، ويدعون حتى ينكشف ما بهم، والمقصود من ذلك إثبات الدعاء في الكسوف، في الخطبة، وفي غير الخطبة.
تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة: (كنا عند النبي فانكسفت الشمس ... فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)
قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو الفلاس، وهو لقبه، وهو محدث، ناقد، ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يزيد وهو ابن زريع].
ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكلمة: (هو ابن زريع) الذي قالها من دون عمرو بن علي؛ لأن عمرو بن علي ما زاد في روايته على قوله: يزيد، لكن النسائي، أو من دون النسائي هو الذي أتى بكلمة (هو ابن زريع) وذكر نسبه، وهو أنه ابن زريع، وأتى بكلمة (هو) حتى يعلم بأنها ليست من التلميذ، وإنما زادها من دون التلميذ، وهذا من عناية المحدثين، ودقتهم، وأنهم إذا زادوا شيئاً من أجل التوضيح، فيأتون بالشيء الذي يدل على أنه ليس من التلميذ، ولو أن من دون التلميذ أتى به، قال: يزيد بن زريع لفهم أن هذا كلام التلميذ، والتلميذ هذا ما قال: يزيد بن زريع، قال: يزيد فقط، لكن من دونه أتى بالتوضيح وأتى بكلمة (هو)، ومثلها كلمة (يعني) التي تأتي في بعض الروايات.
[حدثنا يونس].
هو ابن عبيد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، البصري، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكرة].
هو نفيع بن الحارث، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الأمر بالاستغفار في الكسوف


شرح حديث أبي موسى: (خسفت الشمس فقام النبي فزعاً ... فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالاستغفار في الكسوف.
أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي عن أبي أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: (خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يخشى أن تكون الساعة، فقام حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيام، وركوع، وسجود، ما رأيته يفعله في صلاته قط، ثم قال: إن هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد، ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره، ودعائه، واستغفاره)].
أورد النسائي، هذه الترجمة وهي: الاستغفار في الكسوف، الاستغفار هو من الدعاء؛ لأن الدعاء عام ويدخل فيه الاستغفار؛ لأن الاستغفار طلب المغفرة، وطلب المغفرة دعاء، وهنا جاء التنصيص عليه من ذكر الخاص بعد العام، ولهذا جاء في الحديث نفسه: (ذكر الله، ودعائه، واستغفاره)، واستغفاره هو من ضمن الدعاء، إلا أن الدعاء عام، والاستغفار خاص، وهو جزء منه، فهذه الترجمة بعد الترجمة السابقة أخص منها؛ لأن الدعاء يشمل الاستغفار، وغير الاستغفار، وأما الاستغفار هو نص في الاستغفار، وهو طلب المغفرة من الله عز وجل.
وقد أورد النسائي فيه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الذي فيه: أنه لما انكسفت الشمس قام مسرعاً يخشى أن تكون الساعة، قامت، وأن الساعة ستقوم، وقوله: [(يخشى أن تكون الساعة)]، يحتمل أن يكون هذا عن علم عن رسول الله، وأنه يخشى، ويكون ذلك قبل أن يعلم بالأمور التي تكون بين يديها، ومعلوم أنها لم تقع، ومثل ذلك ما جاء في قصة الدجال عندما قال: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا) كذا، (وإن لم يخرج فكل حجيج نفسه)، معناه أن الرسول ما كان يدري شيئاً عن وقت خروجه، ثم إنه أُطلع على ذلك، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ما كان عنده علم بتلك المقدمات التي تكون بين يدي الساعة وهي لم تقع، ويحتمل أن يكون هذا الراوي أو الصحابي، ظاناً، ومعلوم أن ظنه منه، ولا يلزم أن يكون ما ظنه صحيحاً، فقد يظن شيئاً ولا يكون صحيحاً، والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يخشى أن تقوم الساعة، فهو يحتمل أن تكون الخشية حصلت من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبي موسى على علم بذلك، أو أنه حصل منه الظن، أنه يخشى أن تكون الساعة، ثم صلى بالناس، وخطبهم، وقال: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائه، واستغفاره)، والمقصود من الترجمة هو قوله: [(واستغفاره)]، وهو من ذكر الخاص بعد العام الذي هو الاستغفار.
تراجم إسناد حديث أبي موسى: (خسفت الشمس فقام النبي فزعاً ... فإذا رأيتم من ذلك شيئاً فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره)
قوله: [أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي]. هو الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[عن أبي أسامة].
هو حماد بن أسامة، مشهور بكنيته أبو أسامة، وكنيته توافق اسم أبيه، وقد عرفنا فيما مضى أن هذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهي معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف، بأن يظن أن ابن صحفت إلى أبو، فيما إذا قيل: حماد بن أسامة أو حماد أبو أسامة. فهو مشهور بالكنية أبو أسامة، واسمه حماد بن أسامة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن بريد].
هو ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة، يخطئ قليلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من الذين تكلم فيهم من رجال البخاري، وقد أورد الحافظ ابن حجر ترجمته في مقدمة الفتح، وذكر ما قيل فيه، وقال: إن أحمد قال: له أحاديث مناكير، ثم قال الحافظ ابن حجر: والإمام أحمد، وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة، وليس إذا قيل: له مناكير، معناه أن حديثه منكر، وإنما يأتي بأحاديث هي من قبيل الفرد المطلق، ومن المعلوم أن الفرد المطلق إذا كان صاحبه ممن يحتمل تفرده، فإنه يعول عليه، وإنما الذي لا يفيد هو من لا يعول عليه عند التفرد، يحتاج إلى من يعضده، فقوله: له مناكير، قال الحافظ ابن حجر: الإمام أحمد، وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة، يعني ليس معناه أن الحديث منكر، وأن أحاديثه تكون منكرة، وإنما هذا اصطلاح لبعض المحدثين، ومعرفة الاصطلاح، أو اصطلاحات المحدثين هذه مهمة؛ لأن من لا يعرف يعتبر هذا تضعيف، مع أنه ليس بتضعيف، وإذا فهم أن المراد بالمناكير الأفراد المطلقة، فمعناه ليس تضعيفاً، المنكر هو مخالفة الضعيف للثقة، هذا هو المنكر في الاصطلاح المشهور، لكن يأتي ذكر الأحاديث المناكير، وله أحاديث مناكير، وليس معنى ذلك أنها منكرة بحيث أنه لا يعول عليها، وإنما هي أفراد مطلقة، أي: تفرد بأحاديث، ومن المعلوم أن الثقة إذا تفرد بأحاديث، وهو يعتمد عليه، فتفرده لا يؤثر، وكم من حديث في الصحيح هو من الغرائب في الصحيح، أي: التي جاءت من طريق واحد، وأقرب مثالاً على ذلك: فاتحة البخاري، وخاتمة البخاري، أول حديث في صحيح البخاري وآخر حديث في صحيح البخاري، فإنهما غريبان، ما جاء إلا من طريق واحد، (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، هذا ما جاء إلا عن عمر، ولا رواه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، وما رواه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي، وما رواه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم انتشر بعد يحيى بن سعيد الأنصاري حتى قيل: إنه بلغ إلى سبعين، أو سبعمائة أخذوا عن يحيى بن سعيد الأنصاري، فكثر بعد ذلك، لكن من فوق هو غريب، معناه أنه فرد جاء من طريق واحد ما جاء بأكثر من طريق، آخر حديث في البخاري: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، جاء عن أبي هريرة، ولا روى عن أبي هريرة إلا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، ورواه عن أبي زرعة إلا عمارة بن القعقاع، يعني: ما جاء إلا من طريق واحد، فهذان الحديثان، وهما فاتحة البخاري، وخاتمة البخاري، هما من الأحاديث الغريبة، الأفراد المطلقة، من الأفراد المطلقة لما ما جاءت إلا من طريق واحد، ومنها حديث: (النهي عن بيع الولاء وهبته)، أيضاً ما جاء إلا من طريق واحد عن ابن عمر، وكذلك حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، هو في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر، لكنه في غير الصحيح موجود عن أبي هريرة، ولهذا لما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: وهذا من غرائب الصحيح، وقد خلى منه مسند الإمام أحمد على سعته، وقد خلى منه، أي: حديث ابن عمر مسند الإمام على سعته، مسند الإمام أحمد، فيه أربعون ألف حديث، وليس فيه حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس).
حكم التفرد والإتيان بالغرائب إذا كان الراوي ممن يحتمل تفرده
فالحاصل أن الأفراد المطلقة هذه ليست ضعيفة، ولا يضعف من تفرد بها، وإنما الأفراد، والغرائب تؤثر إذا كان الشخص لا يحتمل تفرده، ولا يعول عليه منفرداً، هذا بريد بن عبد الله بن أبي بردة في ترجمته هذه الكلمة، وهذا من الاصطلاح، ومن جنس ذلك كلمة (لا بأس به) عند يحيى بن معين، تعادل ثقة، وهذا اصطلاح يحيى بن معين يختلف عن غيره، وكلمة (لا بأس به) تعادل صدوق عند غير يحيى بن معين، وأما عند يحيى بن معين فتعادل ثقة، والحاصل أن الاصطلاح إذا عرف ما يظن تضعيف، أو أنه تقليل من قيمة الشخص، لا يؤثر ذلك، بريد بن عبد الله بن أبي بردة يروي عن جده أبي بردة؛ لأن بريد هو حفيد أبي بردة الذي يروي عنه هنا؛ لأنه بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى، فهي رواية حفيد عن جده، وذلك الجد يروي عن أبيه الذي هو أبو موسى الأشعري؛ لأن أبا بردة هو ابن أبي موسى الأشعري، وبريد هو حفيد أبي بردة؛ لأن بريد اسم أبيه عبد الله، فهو يروي عن جده أبي بردة بن أبي موسى، فهي من رواية حفيد عن جد، وذلك الجد يروي عن أبيه، فهو من رواية الأبناء عن الآباء، فيه رواية حفيد عن جد، ورواية ابن عن أبيه، هذا الإسناد، فيه رواية حفيد عن جده، ورواية ابن عن أبيه، فالحفيد هو بريد، والجد هو أبو بردة، والابن الذي يروي عن أبيه أبو بردة، والأب الذي يروي عنه الابن هو أبو موسى الأشعري، وأبو بردة اسمه قيل: عامر، وقيل: الحارث، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي موسى الأشعري].
وهو: عبد الله بن قيس، مشهور بكنيته أبو موسى الأشعري، اسمه عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة


فضل العالم على العابد
السؤال: فضيلة الشيخ، ما صحة ما يروى: نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل؟الجواب: لا أعلم عن هذا شيئاً، لكن الذي جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه اشتمل على خمس فضائل من فضائل أهل العلم، يقول في هذه الجمل الخمس: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، وهذه القطعة موجودة في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم، الذي أوله: (من نفس عن مسلمٍ كربة)، وآخره: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، وفي أثنائه (ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، أما حديث أبي الدرداء فأوله: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً)، وقد شرحه ابن رجب في جزء الذي هو حديث أبي الدرداء، (من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء -هذه الثالثة-، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، والخامسة: وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً، ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذه بحظٍ وافر)، فقوله عليه الصلاة والسلام: (وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب)، هذا يبين فضل العلم على العبادة، وذلك أن العلم فيه العبادة على بصيرة، وفيه معرفة الحق، والهدى ليصير الإنسان في نفسه على هدى، وليدل غيره على بصيرة، ويدعو غيره على بصيرة، كما قال الله عز وجل: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )[يوسف:108]، أما العابد فنفعه يخصه، ولا يتعداه إلى غيره؛ لأن صلاته له ما يتعدى نفعها، وأما العلم فنفعه يتعدى، أولاً: كون الإنسان يعبد الله على بصيرة، وأيضاً كونه يدعو غيره على بصيرة، وإذا دعا غيره على بصيرة، واستفاد من دعوته، وتوجيهه، وإرشاده، فيكتب له مثل أجور الذي استفاد من علمه، وتوجيهه، وإرشاده، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً).
مدى محرمية الأبناء لخالة أبيهم
السؤال: فضيلة الشيخ، هل أبنائي محرماً لخالتي أخت أمي؟
الجواب: خالة الإنسان خالة لأبنائه، وأبناء أبنائه، وأبناء بناته، كلهم مهما نزلوا فهي خالة لهم، ومن تكون خالةً لك فهي خالةً لجميع ما تحدر منك، سواءً من أبنائك، أو بناتك.
معنى قعود النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر
السؤال: فضيلة الشيخ، نرجو منكم إعادة شرح قعود النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر؟ الجواب: أنا أقول: إن ذكر القعود هنا في صلاة الكسوف ليس بواضح، وكذلك مثل ما جاء في الاستسقاء: أنه جلس على المنبر، وإنما يمكن أن يكون المراد به أنه صار على المنبر، كونه عبر بالقعود، لا يلزم منه أن يكون ذلك عن جلوس، وقد يحتمل أن يكون عن جلوس، لكن الواضح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب قائماً، ورفع يديه، حتى رؤي بياض إبطيه، وحول رداءه، واستقبل القبلة، كل هذا يفيد أنه كان عن قيام، وليس عن جلوس.





ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:18 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الإستسقاء)
(277)

كتاب الاستسقاء - (باب متى يستسقي؟) إلى (باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء)


كتاب الاستسقاء، متى يستسقي الإمام



شرح حديث: (جاء رجل فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الاستسقاء، متى يستسقي الإمام.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله عز وجل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال: اللهم على رؤوس الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب)].
يقول النسائي رحمه الله: كتاب الاستسقاء، النسائي رحمه الله ذكر الكسوف، وصلاة الكسوف من الصلوات التي تحصل بمناسبات غير معلومة، وإنما بوجود الكسوف، فشرعت الصلاة، فأتى النسائي رحمه الله بكتاب الكسوف، ثم عقبه بكتاب الاستسقاء، وهي أيضاً صلاةً ليست ثابتة معلومة، وإنما تأتي على حسب الأحوال والمناسبات، حيث يكون الجدب، وحيث يكون القحط، يحصل الاستسقاء، فأورد النسائي رحمه الله هذا الكتاب مع الكتاب السابق؛ لأنها كلها تتعلق بمناسبات غير ثابتة، وليست في أوقات معينة، وإنما أوقاتها على حسب المناسبات، حيث يوجد الكسوف توجد الصلاة، وحيث يوجد القحط توجد الصلاة، والاستسقاء هو: طلب السقي، وهو دعاء الله عز وجل بأن يسقي الناس، وأن ينزل عليهم الغيث، هذا هو المراد بالاستسقاء، طلب السقي.
ثم أورد النسائي باب متى يستسقي الإمام، وأورد فيه حديث أنس بن مالك: أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا في خطبة الجمعة، لما طلب منه رجل أن يستسقي، وذكر الأمور التي وقع فيها الناس، والتي هي حاصلة، وهي أنها هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فطلب منه أن يستسقي، فرفع يديه عليه الصلاة والسلام ودعا، وسأل الله عز وجل أن يسقي الناس، وهذا هو الاستسقاء.
فمتى يستسقي الإمام؟ إذا وجدت الحاجة التي تدعو إلى ذلك، وهي القحط والجدب، فإنه عند ذلك يحصل الاستسقاء، ويحصل استسقاء الإمام، والاستسقاء يكون في خطبة الجمعة، ويكون بالإتيان بالصلاة التي هي صلاة الاستسقاء، والخطبة فيها ودعاء الله عز وجل، والحديث الذي أورده النسائي يتعلق بخطبة الجمعة، وأن الاستسقاء فيها يكون عند الحاجة.
أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً دخل والنبي عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة، فسلم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! ادع الله أن يغيثنا، هلكت الأموال، وانقطعت السبل)، يعني: هلكت الأموال لحصول القحط والجدب، بمعنى: أنها لم تجد شيئاً تأكله، فكان ذلك سبباً في هلاكها وموتها، قلة الطعام، وقلة الرعي، (وانقطعت السبل)، ما كان عند الإبل القدرة بسبب الهزال، وعدم وجود الطعام، فلا يتمكنون من السفر عليها، والانتقال من مكان إلى مكان لجلب الأرزاق، ولجلب الطعام، وما يحتاج الناس إليه، فالسبل انقطعت لضعف الرواحل، وعدم قدرتها على قطع المسافات، مع عدم وجود ما يقيتها، وهلكت الأموال بسبب قلة الطعام، وقلة الرعي، وأن ذلك كان من أسباب موت تلك الأموال التي هي الإبل والبقر والغنم، (فادع الله أن يغيثنا)، فرفع يديه رسول الله عليه الصلاة والسلام ودعا، وأنزل الله عز وجل الغيث، واستمر من الجمعة إلى الجمعة، والأمطار تتوالى، والأمطار تهطل على المدينة، فلما جاءت الجمعة الثانية، وكان عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة، دخل رجل وقال: (يا رسول الله! تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت الأموال)، فادع الله أن يمسك عنا الماء، فالنبي عليه الصلاة والسلام دعا وقال: (اللهم على الآكام، والأودية، ومنابت الشجر)، وفي بعض الروايات: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب، والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)، فقوله: (تهدمت البيوت) يعني: بسبب توالي الأمطار عليها، وكونها من الطين الذي إذا كثر عليه المطر ذاب، وحصل التهدم بسبب كثرة ما يقع، وما ينزل من المطر، لكونه استمر أسبوعاً كاملاً، (وهلكت الأموال) بسبب حصول البرد الذي يحصل مع كثرة الأمطار، وذلك البهائم وعدم تمكنها من الخروج لترعى، وانقطعت السبل، ما يأتي بالأرزاق والأموال، ويجلبها عليهم لتوالي نزول الأمطار، وكثرة نزوله، فالنبي عليه الصلاة والسلام سأل الله عز وجل (فانجابت السحب عن المدينة كانجياب الثوب عن صاحبه)، أي: مثل ما ينزع الثوب عن صاحبه، ولا يبقى عليه إذا نزع، فكذلك انجابت السحب عن المدينة، فلم يكن عليها شيء.
الحاصل: أن الترجمة وهي: متى يستسقي الإمام، هي عند الحاجة إذا طلب السقي، وأنها تكون بالجمعة، وبغير الجمعة، أي: صلاة الاستسقاء، وفيه حصول جواز الكلام من الإمام، ومن يكلمه الإمام؛ لأن هذا الرجل خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وناداه، فطلب منه أن يدعو، فهذا فيه جواز الكلام مع الإمام، وكلام الإمام مع المأمومين؛ لأن هذا الحديث فيه حصول الكلام من المأمومين أو بعض المأمومين مع الإمام، وذلك سائغ، وأما كلام الإمام فقد جاء في أحاديث أخرى التي فيها: (أن رجلاً دخل ولم يصل ركعتين، فقال له الرسول: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين)، وفيه أنه عندما يحصل الشدة، والقحط، والجدب، يفزع إلى الله عز وجل بالدعاء، وكذلك أن خطبة الجمعة يستسقى بها، ويحصل الاستسقاء بخطبة الجمعة؛ لأن الحديث يتعلق بخطبة الجمعة؛ ولأنه كان في خطبة الجمعة، وفيه حصول استجابة الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام، حيث أنزل الله الغيث، وأنزل المطر، وتوالت الأمطار، من الجمعة إلى الجمعة أسبوعاً كاملاً، ثم طلب منه أن يدعو بإمساك الماء، فلم يدع بإمساك الماء، وإنما سأل سؤالاً فيه أدب، وفيه الاحتياج إلى الله عز وجل، وأن يجعل الأمطار لا تكون على المدينة، وإنما تكون على الآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، وفي بعضها قال: (اللهم حوالينا ولا علينا)، فهذا من الأدب في الدعاء، وأن الله عز وجل ليس من المناسب أن يطلب منه الإمساك، وأن يقول: اللهم أمسك عنا المطر، اللهم أوقف عنا المطر، وإنما يدعو بهذا الدعاء الذي فيه الأدب، والاحتياج إلى الله عز وجل، (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب، والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)، والآكام، قيل: هي الأماكن المرتفعة الجبل الصغير، أو التل، أو من الرمل، أو المكان المرتفع من الأرض، فهذه يقال لها: آكام.
قوله: [عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله عز وجل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال: اللهم على رؤوس الجبال والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب)].
فانجابت السحب على المدينة انجياب الثوب، وهذا بدعاء الرسول عليه الصلاة والسلام، دعا أولاً وكان ليس هناك أي قزعة في السماء، فتلبدت السماء بالغيوم، ونزل المطر وهم لم يصلوا إلى بيوتهم، بل وهم في المسجد، واستمرت حتى الجمعة الثانية، ولما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجعله الله عز وجل على الآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، انجابت عن المدينة، وتفرقت، وتقطعت تلك السحب حتى صارت السماء صحواً، وكان ذلك (كانجياب الثوب)، أي: كما ينزع الثوب عن صاحبه، فيبقى ليس عليه شيء، انجابت تلك السحب عن المدينة حتى لم يكن عليها شيء، وإنما السماء بادية لها.
تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله ...)
قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، يروي عن..
[عن مالك].
هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، المشهور، الإمام، الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك].
هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر وهو صدوق، يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه، هؤلاء هم: الذين أخرجوا لـشريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو غير شريك بن عبد الله القاضي؛ لأن هذا طبقته متقدمة يروي عن الصحابة، وأما شريك القاضي فهو متأخر، من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، يروي عنه قتيبة، ويروي عنه غيره، فهو متأخر الطبقة عن هذا، أما هذا فهو متقدم، هذا الذي هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر متقدم يروي عن أنس بن مالك، وهو من التابعين، يروي عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي روى حديث المعراج الطويل، الذي أورده البخاري في آخر الصحيح، وكان فيه أوهام، لأنه انفرد بها عن غيره، وتعتبر من أوهامه، وقد ذكرها ابن حجر، وذكرها ابن كثير، في تفسير سورة الإسراء في أولها؛ وهو من أحاديث البخاري التي وجد فيها أوهام، وأنكرت على شريك هذا، وهي من الأحاديث التي ليس عنها جواب في صحيح البخاري؛ لأن أكثر الأحاديث التي انتقدت على البخاري أجيب عنها، والحق في أغلبها مع البخاري، لا مع من اعترض عليه وانتقده، ولكن هذا الحديث مما انتقد، ولم يكن له جواب؛ لأن شريكاً انفرد بأمور لم يتابع عليها، فعدت من أوهامه، وقد جمعها ابن كثير في أول تفسير سورة الإسراء، وكذلك أشار إليها الحافظ ابن حجر وذكرها غيره، ومسلم رحمه الله ما أورد حديث شريك، بل أورد حديث أنس، من طريق ثابت البناني، ثم ذكر الإسناد من طريق شريك، ولم يذكر لفظه، بل قال: فقدم وأخر، وزاد ونقص، على حديث ثابت البناني؛ لأنه ما أورد لفظ شريك بن عبد الله بن أبي نمر، بل أورد رواية ثابت البناني عن أنس، وأحال عليها عندما جاء في رواية شريك، ولم يذكر لفظها، وأما البخاري فساقها بلفظ شريك بن عبد الله بن أبي نمر هذا، وصار فيها أوهام اختص بها، فاعتبرت من أغلاطه، وأوهامه، أي: أوهام شريك.
[عن أنس بن مالك].
وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء السبعة تميزوا عن غيرهم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالإكثار من رواية الأحاديث، عنه عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
وهذا الإسناد من رباعيات النسائي؛ لأن أعلى ما يكون عند النسائي الأسانيد الرباعية التي يكون فيها بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، وكانت وفاة النسائي سنة ثلاثمائة وثلاث، استكمل القرن الثالث، ومات في أوائل الرابع، وبينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أعلى ما يكون أربعة أشخاص، وهذا من الأسانيد العالية عند النسائي التي هي أعلى ما يكون، والنسائي، ومسلم، وأبو داود أعلى ما عندهم الرباعيات، هؤلاء الثلاثة من الأئمة الستة، أعلى ما عندهم الرباعيات، والبخاري عنده ثلاثيات، اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، بين البخاري، وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام ثلاثة أشخاص، وكانت وفاة البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، والترمذي، عنده حديث واحد ثلاثي، وأما ابن ماجه، فعنده خمسة أحاديث ثلاثية، كلها بإسناد واحد وهو ضعيف؛ لأن الخمسة كلها بإسناد واحد، فإذاً: أصحاب الكتب الستة، ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، البخاري، والترمذي، وابن ماجه، وثلاثة ليس عندهم ثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، وهم مسلم، وأبو داود، والنسائي.

خروج الإمام إلى المصلى للاستسقاء
شرح حديث: (إن رسول الله خرج إلى المصلى يستسقي ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [خروج الإمام إلى المصلى للاستسقاء. أخبرني محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا المسعودي عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم قال سفيان: فسألت عبد الله بن أبي بكر، فقال: سمعته من عباد بن تميم يحدث أبي: أن عبد الله بن زيد الذي أري النداء قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين )، قال أبو عبد الرحمن: هذا غلطٌ من ابن عيينة، وعبد الله بن زيد الذي أُري النداء هو عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهذا عبد الله بن زيد بن عاصم].
أورد النسائي: خروج الإمام إلى المصلى للاستسقاء، أي: مصلى العيد، مصلى الاستسقاء أو مصلى العيد، الأماكن التي تكون في الخلاء، وتكون مواضع يصلى بها الاستسقاء، ويصلى بها العيدين، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المصلى وقلب رداءه، وصلى بالناس ركعتين، ففيه الخروج إلى المصلى، وأنه يستحب الخروج إلى المصلى، حيث يحصل التمكن من ذلك، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى المصلى للاستسقاء، كما أنه يخرج إلى المصلى للعيدين، ففيه أنه كما يستسقى في خطبة الجمعة، كذلك يستسقى في الخروج إلى المصلى، وإيجاد الصلاة المشروعة للاستسقاء، وحصول الدعاء في الخطبة، كما يدعى في خطبة الجمعة يدعى في خطبة الاستسقاء، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وهذا، استسقى في خطبة الجمعة، واستسقى في خروجه إلى المصلى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والحديث من رواية عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري، وليس من رواية عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أُري الأذان، هو: عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وأما عبد الله بن زيد بن عاصم، فهذا شخص آخر غير ذاك، وهذا مما يسمونه في علم المصطلح المتفق والمفترق، وهي: أن تتفق أسماء الرواة، أو أسماء آبائهم، وتختلف أشخاصهم.
والحديث جاء عند النسائي في هذا الإسناد أنه عبد الله بن زيد الذي أري الأذان؛ ولهذا عقب عليه النسائي: بأن هذا خطأ من ابن عيينة؛ لأن الذي أُري الأذان ليس هذا، وإنما هو: عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وإنما هذا الذي روى حديث الاستسقاء هو: عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، هذا غير ذاك، ولهذا قال: هذا خطأً من ابن عيينة، أخطأ فنسب هذا الذي روى حديث الاستسقاء أنه عبد الله بن زيد الذي أُري الأذان، وليس الواقع كذلك، بل الذي أُري الأذان هو: عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهذا عبد الله بن زيد بن عاصم، الذي يروي عن عباد بن تميم، وهو ابن أخيه لأمه.

يتبع


ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:18 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله خرج إلى المصلى يستسقي ...)
قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة الهلالي، المكي، وهو ثقة، حجة، فقيه، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. يروي عن أبي بكر.
[عن المسعودي].
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي الكوفي، وهو صدوق، اختلط قبل موته، وقال عنه الحافظ: ضابطه أنما حدث عنه في بغداد فبعد الاختلاط، ومن المعلوم أن المختلط: ما حدث عنه بعد الاختلاط، فإنه لا يعول عليه، وما حدث عنه قبل الاختلاط، فهو المعول عليه، وما جهل، هل كان بعد الاختلاط أو قبله؟ فإنه أيضاً لا يعول عليه، ولا يعتمد على شيء مما رواه، إلا إذا عُرِف أنه قبل الاختلاط؛ لأنه يكون بذلك سلم مما حصل له، وهو الاختلاط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي بكر].
هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وقيل: اسمه كنيته أبو بكر، لا يعرف له اسم، بل هذا الذي يعرف به، وقيل: إن كنيته أبو محمد، واسمه أبو بكر، أي: بلفظ الكنية، وكنيته أبو محمد، وقيل: إن كنيته واسمه سواء، فهو أبو بكر اسم وكنية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن تميم].
هو عباد بن تميم بن غزية الأنصاري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قال سفيان: فسألت عبد الله بن أبي بكر].
ثم ذكر إسناداً آخر عن سفيان يرويه عنه محمد بن منصور، نا سفيان، أخبرنا سفيان، وكلمة (نا) إذا جاءت فهو يشير إلى اختصار أخبرنا، أخبرنا سفيان.
قال سفيان: سألت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم؛ لأن الذي روى عنه في الإسناد السابق هو: أبو بكر، يروي سفيان عن المسعودي عن أبي بكر، وهنا يروي سفيان عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، قال: سألت عبد الله بن أبي بكر:
فقال: سمعته من عباد بن تميم يحدث أبي]، كلمة (عن) زائدة، يحدث أبي؛ لأن الإسناد الذي مضى أبو بكر، يروي عن عباد بن تميم، وهنا عبد الله بن أبي بكر، يروي عن عباد بن تميم، عن الذي يروي عن أبيه، ولكنه سمعه يحدث أباه، كان عباد بن تميم يحدث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعنده ابنه عبد الله، فكل منهما أخذ الحديث، فالحديث جاء من طريقين: من طريق سفيان عن المسعودي عن أبي بكر بن حزم عن عباد بن تميم، والطريق الثانية: سفيان يرويه عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم، أي: أعلى من الطريق السابقة؛ لأن الطريق السابقة بين سفيان وبين عباد شخصان، وهنا بين سفيان، وبين عباد شخص واحد، ومن الطريق الثانية التي أخرجها البخاري كما رواها عن علي بن المديني، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، فهي عالية، أعلى من الطريق الأولى التي فيها المسعودي، عن أبي بكر بن محمد بن حزم، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهو يروي عن ابن تميم، وهنا يلتقي الإسنادان؛ لأن الإسنادين التقيا عند عباد بن تميم، وعلى هذا، فأبو بكر بن محمد بن حزم، وابنه عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، كل منهما اشتركا في الرواية عن عباد بن تميم بن غزية المازني.
[عن عبد الله بن زيد بن عاصم].
صحابي مشهور، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهذا اللفظ الذي ورد قال: (سمعته يحدث أبي)، فيه أن الراوي عندما يسمع غيره يحدث غيره، فإنه يمكن أن يروي عنه، ولو لم يكن يحدثه هو، بل سمعه يحدث غيره، فيروي عنه، ولو كان المقصود بالتحديث هو ذاك، أو الذي يحدث الآخر؛ لأن عباد بن تميم يحدث أبا بكر وابنه حاضر، فروى عن عباد بن تميم، وسمعه يحدث أباه، وقد سبق أن مر بنا: أنه لا يلزم في الرواية، أن يكون المحدث أراد أو قصد تحديث الذي يروي عنه، بل إذا سمعه يحدث غيره، فله أن يروي عن غيره، فقد سبق بنا قصة الحارث بن مسكين، مع النسائي، وأن للنسائي مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة كان بينه وبينه تراضي، فكان يسمح له بأن يأخذ عنه، وأن يحضر مجلسه، ويحدث عنه، فكان يقول: أخبرنا، يقول النسائي عندما يروي ما كان من هذا القبيل: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وكان في وقت من الأوقات، حصل بينه وبينه شيء من سوء التفاهم والوحشة، فمنعه أن يحضر مجلسه، فكان يأتي، ويجلس وراء الستار، ويسمع الحديث، فيحدث عنه، ولكنه لا يقول: أخبرني؛ لأنه ما قصد إخباره، وإنما يقول: الحارث بن مسكين، قراءةً عليه وأنا أسمع، وقد سبق أن مر بنا قريباً الإسناد الذي فيه من هذا القبيل، والذي قال فيه أبو بكر بن السني: قال أبو عبد الرحمن، قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع؛ لأن هذه الحالة من الحالات التي ما كان أُذن له، لكن من حيث الرواية يجوز لمن سمع محدثاً يحدث أن يأخذ عنه، يقول: سمعت فلان يقول: كذا وكذا، أو قال: فلان كذا، وإن لم يقصد تحديثه، ما دام أنه وجد السماع، وحصل السماع، فهنا يقول: سمعت عباد بن تميم يحدث أبي، ما كان يحدثه وإنما يحدث أباه، وهو روى بالإسناد، وهو الذي اعتمده البخاري، وهي رواية عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن تميم، وأنه سمعه يحدث أباه.

الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج
شرح حديث: (خرج رسول الله متضرعاً متواضعاً متبذلاً ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور ومحمد بن المثنى عن عبد الرحمن عن سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء؟ فقال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متضرعاً، متواضعاً، متبذلاً، فلم يخطب نحو خطبتكم هذه، فصلى ركعتين)].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: باب الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج، وكذلك غيره يخرجون كذلك؛ لأن الأشياء التي يفعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام يقتدى به فيها، إلا إذا عرف أنها من خصائصه، فعند ذلك لا يتابعه غيره في ذلك، والحال التي يكون عليها كونه يخرج متواضعاً، متخشعاً، متبذلاً، أي: لا يكون لابساً الألبسة التي فيها الهيئة والجمال والزينة، هذا هو معنى التبذل، وكونه متبذلاً، هذا بيان للحالة، أو مقصود الحالة التي يكون عليها عندما يخرج في الاستسقاء.
ثم أورد النسائي حديث ابن عباس أن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، وهنا أبهمه وقال: فلان، وهذا يسمى المبهم، وهو: أن يقال: فلان أو يقال: رجل، وأما المهمل أن يذكر اسمه، ولكنه لا ينسب، مثلما إذا قيل: سفيان، ولم يقال: ابن عيينة، ولا الثوري، هذا يقال له: مهمل، وأما إذا ذكر شخص بغير لفظ يدل عليه، ليس فيه ذكر اسمه، وإنما قيل: رجل، أو فلان، أو امرأة، أو ما إلى ذلك، هذا يسمى المبهم، وقد جاء في بعض الروايات، أنه الوليد بن عقبة أمير المدينة أرسله إلى ابن عباس يسأله؛ ولهذا جاء في بعض الروايات عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة أنه قال: سألت ابن عباس، وفي بعضها قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله، وكلها صحيحة؛ لأنه هو الذي سأله، وتولى المباشرة للسؤال؛ ولهذا قال: سألته، وقد أُرسل ليسأل، فكونه أرسله، وفي بعضها أنه قال: إني سألته ولم يقل: أرسلني، فالنتيجة واحدة، هو: وجود السؤال منه، ولكنه مندوباً عن غيره أو موكلاً في السؤال ليسأل ابن عباس، فسأله، فأجابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج (متضرعاً، متواضعاً، متبذلاً، فلم يخطب نحو خطبتكم هذه، فصلى ركعتين).
قوله: [(فصلى ركعتين)].
والمقصود هنا بيان الهيئة التي يكون عليها، وهو إنه متضرع، متواضع، متبذل، وهو المقصود من إيراد هذا الحديث، والحديث، سيأتي من طرق أخرى، وفيه أنه دعا، واستسقى عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله متضرعاً متواضعاً متبذلاً ...)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور ومحمد بن المثنى].هو المروزي الملقب بـالكوسج، وهو ثقة، حافظ، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، والذين في الكتب الستة ممن يقال له: إسحاق بن منصور شخصان، هذا الذي هو: الكوسج، وإسحاق بن منصور السلولي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن المثنى].
هو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرةً وبدون واسطة، ومثله محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن].
هو ابن مهدي البصري، ثقة، ناقد، عالم بالرجال والعلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، إمام، حجة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة].
هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة، وهو مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو إسحاق بن عبد الله بن كنانة، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[قال: أرسلني فلان إلى ابن عباس].
هو يروي عن ابن عباس؛ لأنه هو الذي سأل ابن عباس أما فلان الذي لم يذكره، سواءً عرف، أو لم يعرف؛ لأنه ليس من رواة الإسناد؛ لأن الإسناد: هو إسحاق يروي عن ابن عباس، وهو الذي سأله، وهو الذي حدث عن ابن عباس، وإنما ذاك هو كان السبب في السؤال، أو هو الذي أرسل من أجل السؤال، وهو الذي سأله والذي أجابه، أجاب ابن عباس فسمع الجواب، فهو يحدث عن ابن عباس، وقد سمع منه الجواب الذي أجاب به عندما سئل عن الهيئة، أو الحالة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما خرج يستسقي.
وعبد الله بن عباس، هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحديث من رواية هشام بن إسحاق، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وجاء من طرق أخرى ما تشهد له، فهو حديث ثابت، ومعتبر؛ لأنه قد توبع على ذلك، ووجد ما يعضده، والمقبول حديثه يقبل إذا اعتضد، وإذا جاء ما يشهد له.
شرح حديث: (أن رسول الله استسقى وعليه خميصة سوداء ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء)].أورد النسائي هذا الحديث عن عبد الله بن زيد بن عاصم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء)، فهذا يبين الهيئة التي كان عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، والخميصة هي: كساء، وهنا قال: سوداء، فهذا يبين اللباس الذي كان على رسول الله عليه الصلاة والسلام لما خرج يستسقي، الحديث الأول بين أنه كان متخشعاً، متضرعاً، متواضعاً، متبذلاً وهنا قال: (عليه خميصة سوداء).

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله استسقى وعليه خميصة سوداء ...)
قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره.
[حدثنا عبد العزيز].
هو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن غزية].
لا بأس به، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وكلمة لا بأس به كما ذكر ذلك الحافظ في التقريب تعادل صدوق، ومثلها لا بأس به، وليس به بأس، هذه في درجة واحدة، وهي دون الثقة، ممن يكون حديثه إذا انفرد حسناً لذاته.
[عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد].
وقد مر ذكرهما.

باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء

شرح حديث: ( خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً متضرعاً فجلس على المنبر ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء. أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: (سألت ابن عباس عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء؟ فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً، فجلس على المنبر فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيدين)].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: جلوس الإمام على المنبر في الاستسقاء، أي: كون الاستسقاء فيه خطبة، تشتمل على الذكر والدعاء وطلب السقي، وقد أورد فيه النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي فيه: أن إسحاق بن عبد الله بن كنانة سأل ابن عباس، وهنا قال: سألت ابن عباس، وهناك قال: أرسلني فلان أسأل ابن عباس، وهنا ما ذكر المرسل، وإنما قال: إنني سألت ابن عباس، فقال: (إن النبي عليه الصلاة والسلام خرج متواضعاً، متضرعاً، متبذلاً، فجلس على المنبر، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير، وصلى ركعتين كصلاة العيد)، وهذا فيه بيان أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيدين، وهنا قال: جلس على المنبر، ويحتمل أن يكون المقصود: من ذلك كونه كان على المنبر وخطب، ويحتمل أن يكون الجلوس المعروف من هديه عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً، أن خطبه التي تكون في المجامع العامة مثل الجمع، ومثل التي يجتمع فيها الناس، أنه يكون قائماً حتى يراه الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهنا قال: جلس فيحتمل أن يكون المقصود: بالجلوس معناه، وأنه جلس على المنبر، وأن يكون أنه صار على المنبر وخطب الناس.
تراجم رجال إسناد حديث: ( خرج رسول الله متبذلاً متواضعاً متضرعاً فجلس على المنبر...)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد].
هو محمد بن عبيد بن محمد المحاربي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا حاتم بن إسماعيل].
صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن إسحاق عن أبيه عن ابن عباس].
وقد مر ذكر الثلاثة. فهشام مقبول، حديثه عند أصحاب السنن الأربعة، وأبوه صدوق، حديثه عند أصحاب السنن الأربعة.



ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:19 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الإستسقاء)
(278)

(باب تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء) إلى (باب كيف يرفع يديه في الاستسقاء؟)


شرع للمسلم عند انقطاع المطر أن يصلي صلاة الاستسقاء، وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يفعلها؛ فكان إذا خطب بالناس استقبل القبلة ودعا، وحول ظهره ورداءه، ورفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.
تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء

شرح حديث: (خرج مع رسول الله يستسقي فحول للناس ظهره ودعا ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء.
أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم أن عمه حدثه أنه: (خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، فحول رداءه وحول للناس ظهره ودعا، ثم صلى ركعتين فقرأ فجهر)].
يقول النسائي رحمه الله: باب تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء. ويريد بهذه الترجمة رحمه الله تعالى أن الإمام عندما يخطب الناس ويذكرهم في الاستسقاء يتحول إلى القبلة، ويحول رداءه إذا أراد أن يدعو، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه: [أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي فحول رداءه وحول للناس ظهره ودعا، ثم صلى ركعتين وقرأ فجهر]. فالحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف من جهة أنه يستقبل القبلة، ويستدبر المأمومين، ويدعو، وعند هذه الحال يحول رداءه، فيجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين. ففيه: مشروعية التحول إلى القبلة، واستقبالها في الدعاء. وفيه: تحويل الرداء؛ وجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين بدون تنكيس، وإنما بتحويل ما يكون على اليمين على الشمال، وما كان على الشمال على اليمين. وفيه: أن صلاة الاستسقاء ركعتين، وأن فيها قراءة، ويجهر بالقراءة، وصلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد. وفيه: أنه بعدما استسقى ودعا، وحول إلى الناس ظهره، وحول رداءه، أنه صلى ركعتين.
وهذا قد يفهم منه أن صلاة الاستسقاء إنما تكون بعد الدعاء، وبه قال بعض العلماء، ومنهم من يقول: بأن صلاة الاستسقاء تقدم على الخطبة كما يكون في العيدين، ومعلوم أن الحديث الذي فيه عن أبي سعيد الخدري، وإنكاره على مروان أنه قدم الخطبة على الصلاة، فهذا اللفظ في هذا الحديث استدل به بعض أهل العلم على أن صلاة الاستسقاء تؤخر فيها الصلاة عن الدعاء والخطبة، ومن العلماء من قال: إن الصلاة تقدم كما هو بالنسبة للعيدين، ولكن هذا الذي جاء في هذا الحديث يدل على الجواز.
تراجم رجال إسناد حديث: (خرج مع رسول الله يستسقي فحول للناس ظهره ودعا ...)
قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. أي: أخرج له أصحاب السنن إلا الترمذي.
[حدثنا الوليد].
هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، المشهور بـابن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، فاضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وقصي وزهرة أخوان، وهما أبناء كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب فيقال: الزهري، وأيضاً مشهور بالنسبة إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو جد جده، والزهري محمد بن مسلم ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته بتدوين السنة، وفيه يقول السيوطي في الألفية:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
والمراد بالتدوين: التدوين بتكليف من ولي الأمر، وإلا فإن التدوين بجهود فردية، وبأعمال شخصية كان موجوداً من قبل، فإن الصحابة فيهم من كان يكتب، وكذلك في التابعين قبل خلافة عمر بن عبد العزيز، ولكن الذي فعله عمر هو اجتهاد السلطان ولي الأمر، وتكليفه لبعض الناس بأن يقوم بجمع السنة، وكان عمر بن عبد العزيز قد كلف الزهري بهذه المهمة العظيمة.
[عن عباد بن تميم].
هو عباد بن تميم المازني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أن عمه].
هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري، وهو عمه أخو أبيه لأمه؛ أخو تميم لأمه، فهذه هي جهة العمومة التي بينه وبينه، وقد مر في الأحاديث التنصيص على اسمه، وهو أنه يروي عن عبد الله بن زيد بن عاصم، وهنا قال: عن عمه، والمراد به: عبد الله بن زيد بن عاصم، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

تقليب الإمام الرداء عند الاستسقاء

شرح حديث: (أن النبي استسقى وصلى ركعتين وقلب رداءه) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله: [تقليب الإمام الرداء عند الاستسقاء.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وصلى ركعتين، وقلب رداءه)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي تقليب الإمام الرداء عند الدعاء عند الاستسقاء، والمراد من هذه الترجمة: تحويل الرداء بحيث يكون ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه الذي تقدم، ولكنه أورده من طريق أخرى، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج للاستسقاء صلى ركعتين، وحول رداءه ودعا.
وقيل: إن هذا العمل فيه تفاؤل بأن يقلب الله من حال إلى حال؛ أي: من حال الجدب والقحط إلى الخصب والرخاء، والحديث دال على ما ترجم له المصنف من التحويل، وقلب الرداء، وجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي استسقى وصلى ركعتين وقلب رداءه) من طريق ثانية
قوله: [أخبرنا قتيبة]. هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هنا غير منسوب، وهو يسمى المهمل في علم المصطلح؛ كونه يذكر الشخص ولا ينسب، فيكون محتملاً لعدة أشخاص، وسفيان هو ابن عيينة؛ لأن قتيبة لا يروي إلا عن ابن عيينة، ولا يروي عن الثوري، ليس له روايةً عن الثوري، وليس الثوري من مشايخه، والثوري متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة مائة وواحد وستين، وقتيبة ولد سنة مائة وخمسين في السنة التي مات فيها أبو حنيفة، وولد فيها الشافعي، وأما سفيان بن عيينة فكانت وفاته بعد التسعين ومائة؛ مائة وسبع وتسعين، أو قريب من ذلك، فهو عندما يأتي قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة، ولا يراد به الثوري، فالإهمال ليس فيه إشكال ولا فيه لبس؛ لأن قتيبة ليس من مشايخ الثوري، بل من مشايخ ابن عيينة، وسفيان بن عيينة الهلالي المكي ثقة، ثبت، حجة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي بكر].
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن تميم].
قد سبق أن مر بنا هذا الإسناد، وأن سفيان روى الحديث من طريقين: من طريق عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم، ومن طريق أبي بكر الذي هو والد عبد الله، وكل من أبي بكر وابنه عبد الله يرويان عن عباد بن تميم، وعباد بن تميم وعمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني مر ذكرهما.


متى يحول الإمام رداءه
شرح حديث: (خرج رسول الله فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة ...) من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله: [متى يحول الإمام رداءه. أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة)].
أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي متى يحول رداءه في الاستسقاء؟ أي: ما هو الوقت الذي يحول فيه الرداء؟ أو ما هي الحالة التي يحول عندها الرداء؟ وأورد فيه حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني من طريق أخرى، وفيه أنه استسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة؛ أي: أنه عندما استقبل القبلة وتحول من جهة المأمومين إلى جهة القبلة، وحول إليهم ظهره، في تلك الحال حول رداءه، إذاً: حول رداءه عندما استقبل القبلة، وولى ظهره للمأمومين، فهذه هي الحال التي تحول فيها الرداء، أو الوقت الذي يحول فيها الرداء، بحيث يجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين.
تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة ...) من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا قتيبة].
مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، أحد الثقات الأثبات، الذي قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: رأس المتقنين؛ أي: أنه قمة في الإتقان والحفظ، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
ومذاهب أهل السنة أربعة، ليس من مذاهب أهل الحق سوى هذه الأربعة، التي تنتسب إلى السنة، وليس وراءها مذاهب أخرى؛ كمذاهب المبتدعة الآخرين الذين يقولون: إن مذاهبهم مثل مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، لا، ليس الأمر كذلك، بل هذه مذاهب أهل السنة، أي: الأئمة الذين جمعت مذاهبهم وأقوالهم، ولا يعني ذلك أن غيرهم من الأئمة والعلماء ليسوا من أهل الاجتهاد، وليسوا من أهل العلم، بل ما أكثر العلماء في زمانهم، وقبل زمانهم، الذين هم مثلهم، ولكن الفرق بين هؤلاء وغيرهم: أن هؤلاء حصل لهم أتباع عنوا بفقههم، وتركيبه، وتنظيمه، وأما غيرهم فما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء، وإلا فإن الكل أئمة أجلة منهم: سفيان الثوري، ومنهم إسحاق بن راهويه، ومنهم الليث بن سعد، ومنهم الأوزاعي، فهم أئمة كثيرون، وهم من أهل الاجتهاد، وأهل الفقه.
وإنما قيل لهذه المذاهب الأربعة: المذاهب الأربعة؛ لأن الأئمة الأربعة حصل لهم أتباع عنوا بفقههم، ولكن لا يعني أن الحق لا يعدوهم، وأنه يجب أو يلزم تقليد واحد منهم، بل الواجب هو البحث عن الحق، والبحث عن الدليل، والسؤال عن الدليل، وهذا به الأخذ بوصايا الأئمة الأربعة؛ لأن كل واحد منهم حث على أن تتبع السنة، وإذا وجد له قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فإن العبرة بالحديث وليس بقوله.
فكل واحد من الأئمة جاء عنه نصوص جميلة، نصوص واضحة جلية يوصون بها باتباع السنن، والأخذ بما ثبتت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان مما نقل عن الإمام الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان، لكن لا يعني هذا أن يحصل جفاء للأئمة، وإعراض عن فقههم، والنيل منهم، أبداً، وإنما الواجب هو محبتهم، والثناء عليهم، وتقديهم، وإجلالهم، والاستفادة من علمهم، ومعرفة أنهم لا يعدمون الأجر أو الأجرين، من اجتهد منهم فأصاب فله أجران: أجر على الاجتهاد، وأجر على الإصابة، ومن اجتهد منهم فأخطأ، فخطؤه مغفور، وله أجر على اجتهاده، هذا هو الواجب في حق الأئمة، لا غلو، ولا جفاء، لا يقال: إن مذهب فلان هو الحق الذي لا شك فيه، وأنه هو الذي معه الدليل، وأنه هو قوله الذي يعتمد وغيره ليس كذلك، لا يقال هذا، وإنما يقال: كل واحد منهم يخطئ ويصيب، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط، فطرفا الحق وسط بينها، هذا هو الواجب في حق الأئمة رحمة الله عليهم.
ولهذا يقول الطحاوي رحمة الله عليه في عقيدة أهل السنة: وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. فقوله: فأهل الخبر والأثر -الذين هم المحدثون- أو من أهل الفقه والنظر -الذين هم الفقهاء- لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
ثم إن الذي يذكرهم بسوء، ويجفو فيهم، ويتكلم فيهم بما لا ينبغي، هذا لا يضرهم شيء، وإنما يضر نفسه، ويجني على نفسه، ويجلب الإثم على نفسه، وإنما الحق هو الاعتدال والتوسط؛ محبتهم، وتقديرهم، وإجلالهم، والرجوع إلى كتبهم، والاستفادة من علمهم.
والإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه كان يحدث في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان مما قاله: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المعصوم، هو الذي لا بد من توحيده في المتابعة.
ويقول شارح الطحاوية: إن هناك توحيدين لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول، وتوحيد المرسل، توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتوحيد المرسل وهو الله عز وجل بالعبادة، وإخلاص العبادة لله عز وجل، وهذا هو معنى الكلام المأثور عن بعض العلماء: أن دين الإسلام مبني على ركنين أساسيين لا بد منهما: أن تكون العبادة لله خالصة، وأن تكون لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام موافقة، وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، وذلك بإخلاص العبادة لله وحده، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، فهو الذي يجب اتباعه، والأخذ بما جاء عنه، وأن الحق معه، وأنه هو المعصوم عليه الصلاة والسلام، إذاً: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول، وتوحيد المرسل؛ توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتوحيد المرسل -وهو سبحانه وتعالى- بإفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
[عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم].
قد مر ذكرهم.

يتبع

ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:20 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
رفع الإمام يده
شرح حديث: (رأى رسول الله في الاستسقاء ... ورفع يديه) من طريق الرابعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [رفع الإمام يده.أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو تقي الحمصي حدثنا بقية عن شعيب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه أنه: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء استقبل القبلة، وقلب الرداء، ورفع يديه)].
النسائي أورد هذه الترجمة، وهي رفع اليدين في الاستسقاء؛ أي: أنه يرفع يديه في الاستسقاء عندما يدعو، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه من طريق أخرى، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى قلب رداءه، واستقبل القبلة، ورفع يديه، ففيه دليل على رفع اليدين في الاستسقاء في الدعاء، وأن النبي عليه الصلاة والسلام رفع يديه بذلك، وهذا من المواطن التي ترفع فيها الأيدي في الدعاء، وفيه أيضاً الذهاب إلى المصلى، وكان لا يرفع يديه في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ولكنه عندما استسقى في الجمعة، وفي خطبة الجمعة، رفع يديه، فدل هذا على أنه عند الاستسقاء، سواءً كان في خطبة الجمعة، وسواءً كان ذلك في الدعاء في المصلى، فترفع الأيدي، وأن ذلك سنة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (رأى رسول الله في الاستسقاء ... ورفع يديه) من طريق رابعة
قوله: [أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو تقي الحمصي].صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شعيب].
هو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه].
هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم.
كيف يرفع
شرح حديث: (... فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه)

قال المصنف رحمه الله: [كيف يرفع.أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى بن سعيد القطان عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه)].
أورد النسائي هذه الترجمة: كيف يرفع؛ أي: كيف يرفع اليدين في الاستسقاء، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه إلا في الاستسقاء، فإنه رفعهما حتى رؤي بياض إبطيه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على ثبوت رفع اليدين في الاستسقاء، وعلى بيان الكيفية، وأنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.
وقوله: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء] أي: هذا فيه نفي رفع اليدين في غير الاستسقاء، ولكنه قد جاء في أحاديث كثيرة ثبوت رفع اليدين في مواضع، فيمكن أن يوفق بين ما جاء في هذا الحديث، وبين ما جاء في غيره: أن أنساً رضي الله تعالى عنه قال: [كان لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء أن النفي] هنا على اعتبار علمه، وأنه لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلا في الاستسقاء، وغيره علم رفع اليدين في مواضع جاءت في الأحاديث المختلفة المتعددة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيحمل النفي على حسب علمه، ولا ينافي كون غيره أثبت ذلك، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ، فيحمل على هذا.
أو يحمل على أن أنساً رضي الله عنه لم يرد بقوله: [كان لا يرفع يديه]، مجرد الرفع، وإنما أراد الوصف الذي أشار إليه بقوله: [فإنه كان يرفعهما]، أي: أنه يبالغ في رفعهما، فيكون النفي محمولاً على نفي الصفة الخاصة، وليس لمجرد الرفع، وبهذا يوفق بين هذا الحديث وغيره من الأحاديث، ثم أيضاً دعاء الاستسقاء جاء فيه صفة تخصه، فلعل هذا أيضاً مما أشار إليه أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان عندما يرفع يديه في الأدعية المختلفة فيجعل بطونها إلى السماء، وأما في الاستسقاء فإنه يجعل ظهورها إلى السماء وبطونها إلى الأرض، فتكون على هذا الدعاء في الاستسقاء ورفع اليدين في الاستسقاء، له خصيصة يتميز بها عن سائر الأدعية، وذلك أنه لم يثبت في حديث من الأحاديث أن ظهور الأكف تكون إلى السماء، وبطونها إلى الأرض إلا في الاستسقاء، فيكون هذا مما لم يحصل، ولم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا في الاستسقاء، فتكون الهيئة الخاصة هي التي أشار إليها أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أي: المبالغة في الرفع.
ولعل آخر الحديث يشعر إلى ما أراده أنس بن مالك من النفي؛ لأن قوله: [فإنه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه]، يوضح أنه يقصد أن النفي لهذه الهيئة، وإلا كان يمكنه أن يقول: أنه ما كان يرفع يديه إلا في الاستسقاء، ولكنه قال: فإنه كان يرفع حتى كذا، إذاً هو يشير إلى هيئة خاصة.
تراجم رجال إسناد حديث: (... فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه)
قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف]. هو النسائي، أي: هو من بلد النسائي، وهو شيخ النسائي، وهو من أهل بلده، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن يحيى بن سعيد القطان].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو محدث، ثقة، ثبت ،ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكلامه في الرجال كثير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، كثير التدليس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وهو من أثبت الناس في قتادة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء السبعة هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث آبي اللحم: (أنه رأى رسول الله عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن عبد الله عن عمير مولى آبي اللحم عن آبي اللحم رضي الله تعالى عنه أنه: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو)].أورد النسائي حديث آبي اللحم الغفاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام: [أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحجار الزيت يستسقي وهو مقنعٌ يديه يدعو]، يعني: رافع يديه يدعو، فالشاهد للترجمة قوله: [يكفيه يدعو] وهو مقنع.
تراجم رجال إسناد حديث آبي اللحم: (أنه رأى رسول الله عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو)
قوله: [أخبرنا قتيبة].
قد مر ذكره.
[حدثنا الليث].
هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، إمام، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد بن يزيد].
هو الجمحي المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي هلال].
هو مصري أيضاً، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن عبد الله].
هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، وهو ثقة مكثر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو كثيراً ما يأتي ذكره منسوباً إلى جده الهاد، فيقال: ابن الهاد، وكثيراً ما يأتي ذكره في الأحاديث: ابن الهاد، وأحياناً يأتي ذكره باسمه واسم أبيه، كما جاء هنا..
[عن عمير مولى آبي اللحم].
هو صحابي شهد خيبر، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن آبي اللحم].
آبي اللحم، كلمة (آبي) هذه على وزن فاعي؛ أبى يأبى فهو آب على وزن فاعي آبي، وهو بمعنى: من يأبى الشيء لا يريده، ويمتنع منه، ويقال له: آبي اللحم، يعني إنه لا يريد اللحم، أو ممتنع عن اللحم، وقالوا في سبب تسميته: أنه كان يأبى اللحم الذي يذبح للأصنام، فقيل له: آبي اللحم، وصار لقباً له، واسمه خلف، وقيل: غير ذلك، وهو غفاري، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.

شرح حديث: (فرفع يديه حذاء وجهه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن سعيد وهو المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سمعه يقول: (بينا نحن في المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! تقطعت السبل، وهلكت الأموال، وأجدب البلاد، فادع الله أن يسقينا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حذاء وجهه، فقال: اللهم اسقنا! فوالله ما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى أوسعنا مطراً، وأمطرنا ذلك اليوم إلى الجمعة الأخرى، فقام رجلٌ لا أدري هو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: استسق لنا أم لا، فقال: يا رسول الله! انقطعت السبل، وهلكت الأموال من كثرة الماء، فادع الله أن يمسك عنا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا، ولكن على الجبال، ومنابت الشجر، قال: والله ما هو إلا أن تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، تمزق السحاب حتى ما نرى منه شيئاً)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: [أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وطلب منه أن يستسقي، فرفع يديه قبل وجهه، واستسقى]، ومحل الشاهد قوله: [حذاء وجهه]؛ لأن فيه كيفية رفع اليدين، أو الدلالة على ما ترجم له، وهي: كيف يرفع، ثم إن الله أنزل المطر، وهم في المسجد، واستمر المطر إلى الجمعة الأخرى، حتى لما كان يخطب في الجمعة الثانية، وإذا رجل يقول: [ادع الله أن يمسك السماء عنا]، وقال: [لا أدري هل هو الرجل الأول أو غيره؟] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [اللهم حوالينا ولا علينا، ولكن على الجبال، ومنابت الشجر]، فهذا فيه الأدب في الدعاء، ما قال: اللهم أمسك عنا الماء، وإنما قال: [اللهم حوالينا ولا علينا]، يعني: المطر يبقى وينزل، ولكنه ما يكون على بلدنا، وإنما يكون في البراري والفلوات، وعلى منابت العشب، وعلى بطون الأودية والآكام، ومنابت الشجر، فهذا هو الأدب مع الله عز وجل، وكون الإنسان لا يستغني عن رحمة الله، وعن فضل الله، لا يطلب رفعه، ولكنه يقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على بطون الأودية، ومنابت الشجر.
فتقطع السحاب، وتقشع، وصارت السماء صحواً بعد أن دعا رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجمعة الثانية، والحديث سبق أن مر، ولكنه أورده هنا من أجل الاستدلال به على الرفع، وأنه قبل وجهه عندما رفع يديه يستسقي في خطبة الجمعة.
تراجم رجال إسناد حديث (فرفع يديه حذاء وجهه ...)
قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد].
هو التجيبي المصري، ولقبه زغبة، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[أخبرنا الليث].
قد مر ذكره.
[عن سعيد وهو المقبري].
سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر].
شريك بن عبد الله بن أبي نمر صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
[عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه]
قد مر ذكره.


ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:21 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الإستسقاء)
(279)

- (باب ذكر الدعاء) إلى (باب الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء)


ذكر الدعاء

شرح حديث: (أن رسول الله قال: اللهم اسقنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الدعاء.أخبرنا محمد بن بشار حدثني أبو هشام المغيرة بن سلمة حدثني وهيب حدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم اسقنا)].
يقول النسائي رحمه الله: ذكر الدعاء، أي: ذكر الدعاء في الاستسقاء، أي: صيغته ولفظه، أو ما ورد فيه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من الأدعية، هذا هو المقصود بهذه الترجمة، وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام استسقى فقال: (اللهم اسقنا).
قوله: (اللهم اسقنا)، هذا دعاء، وهو دعاء بطلب السقيا، وهذا هو الذي يطابق، ويوافق الاستسقاء؛ لأن الاستسقاء هو: طلب السقيا، كما أن الاستغفار طلب المغفرة، وما إلى ذلك، فالألف والسين والتاء تدل على الطلب، فالاستسقاء هو طلب السقيا.
والسقيا: الغيث، ونزول المطر، الذي منه يشرب الناس، وتشرب دوابهم، وينبت النبات، وينبت فيه العشب والكلأ الذي يكون للمراعي، وينبت فيه الزرع الذي هو قوت الناس، فكل هذا يدخل تحت هذا الطلب الذي هو: (اللهم اسقنا).
و(اللهم) هي بمعنى يا الله، ولكن الياء حذفت من الأول، وعوض عنها الميم التي في الآخر، فيقال: اللهم، يعني بدل (يا ألله اسقنا)، (اللهم اسقنا)، فيا اللهم اسقنا بمعنى: يا الله.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله قال: اللهم اسقنا)
قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو البصري، الملقب بندار، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وبدون واسطة، وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ويشاركه في سنة الوفاة، وفي كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن المثنى العنزي، فهؤلاء ثلاثة ماتوا في سنة واحدة، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو هشام المغيرة بن سلمة].
هو بصري، ثقة، ثبت، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثني وهيب].
هو ابن خالد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى بن سعيد].
هو الأنصاري المدني، وهو من صغار التابعين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن أنس بن مالك.
وأنس بن مالك من صغار الصحابة، الذين عمروا وأدركهم صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي روى عنه البخاري الحديث الأول في صحيحه: (إنما الأعمال بالنيات)، الذي هو فرد إلى يحيى بن سعيد؛ لأنه رواه عن عمر رضي الله عنه، ورواه عن عمر علقمة بن وقاص الليثي، وهو من كبار التابعين، ورواه عن علقمة بن وقاص الليثي محمد بن إبراهيم التيمي، وهو من أوساط التابعين، ورواه عن محمد بن إبراهيم التيمي يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو من صغار التابعين، فالحديث اجتمع فيه ثلاثة من التابعين: واحد من الكبار، وواحد من أوساطهم، وواحد من صغارهم.
[عن أنس بن مالك].
وأما أنس بن مالك رضي الله عنه فهو خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، خدمه عشر سنوات، منذ قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة حتى توفاه الله، وأكثر من الرواية عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد، وأم المؤمنين عائشة، فهؤلاء سبعة، عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (اللهم أسقنا) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت عبيد الله بن عمر، وهو العمري عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام إليه الناس فصاحوا فقالوا: يا نبي الله! قحطت المطر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا، قال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال: وأيم الله ما نرى في السماء قزعةً من سحاب، قال: فأنشأت سحابة فانتشرت، ثم إنها أمطرت، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى وانصرف الناس، فلم تزل تمطر إلى يوم الجمعة الأخرى، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب صاحوا إليه فقالوا: يا نبي الله! تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، فادع الله أن يحبسها عنا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فتقشعت عن المدينة، فجعلت تمطر حولها، وما تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل)].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، الذي فيه استسقاء الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة، وأنه كان يخطب، فطلب منه الناس أن يستسقي، وأن يطلب من الله عز وجل أن يسقيهم، وأن ينزل عليهم الغيث؛ لأنه قد حصل القحط، وانقطاع السبل، وهلاك الأموال بسبب قلة الأمطار التي يحصل معها الجدب، وعدم النبات في الأرض، فلا يستطاع أن يسافر على الإبل، لوجود الجدب في الطريق، وعدم وجود شيء يقيتها وينفعها، فاستسقى عليه الصلاة والسلام في خطبته، ثم أنزل الله عز وجل المطر، وتجمعت السحاب، واستمر نزول المطر إلى الجمعة الثانية، ولما خطب عليه الصلاة والسلام في الجمعة الثانية، طلبوا منه أن يسأل الله عز وجل أن يحبس المطر عنهم، وقالوا: إنها تهدمت البيوت، أي: من كثرة المطر، فسأل الله عز وجل أن يجعلها حواليهم ولا عليهم، فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا)، وهذا من آدابه عليه الصلاة والسلام في السؤال، فلم يسأل الله عز وجل أن يمسك الماء، وأن يحبس الماء عنهم، وإنما طلب منه أن يصرف ذلك عن المدينة، وعن بيوتها وبنائها، وأن يكون ذلك في منابت الشجر، وفي بطون الأودية، وحواليهم ولا عليهم، فانقشعت تلك السحب، وتمزق السحاب وتفرق، وصار يمطر حوالي المدينة، ولا يمطر عليها، وصار الذي فوق المدينة صحو، والذي حواليها سحاب يمطر، حتى قال: (فنظرت إليها وإذا هي مثل الإكليل)، الإكليل هو: المحيط بالشيء، ويكون في وسط الدائرة، أي: أن السحاب صارت حوالي المدينة، من جميع جوانبها كالدائرة حولها، والمدينة ليس عليها شيء من السحاب، وهذا هو المقصود بالإكليل، ولهذا يقال لما يوضع على الرأس مما يحيط بجوانبه: إكليل، وكذلك يقال في الورثة: (كلالة) الذين هم من ليس له ولد ولا والد، قالوا: لأن الورثة أحاطوا به كإحاطة الإكليل؛ لأنهم ليسوا من أصول ولا فروع، وإنما هم حواشي وجوانب أحاطوا به من جهاته المختلفة، شاركوا الميت في أبيه، أو في أبي أبيه، فصاروا محيطين به.
وفي هذا الحديث بيان أن الصحابة سألوا منه عليه الصلاة والسلام الدعاء، وأن يستسقي، وفي بعض الطرق التي تقدمت، والتي ستأتي أنه شخص واحد الذي طلب الدعاء، وطلب الاستسقاء من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيحتمل أن يكون واحد بدأ، والباقون تكلموا معه مؤيدين ومقرين بما طلب، وأن هذا هو الواقع، فيكون نسب إلى الشخص في بعض الأحيان؛ لأنه هو الذي بدأ هذا، ونسب إلى الجميع؛ لأنهم وافقوه، وأقروه، ولم يعترضوا عليه؛ لأن هذا أمر مشترك، وحاجة الجميع إليه، والقحط قد حصل، وهم يطلبون الغيث والاستسقاء، فيكون هذا هو التوفيق بين ما جاء في بعض الروايات، من ذكر الواحد، وما جاء في بعضها، من ذكر الجماعة.

تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم أسقنا) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وقد مر ذكر محمد بن عبد الأعلى يروي كثيراً عن خالد بن الحارث البصري، لعل جلَّ ما ورد أو إن جل ما ورد فيه محمد بن عبد الأعلى، يروي عن خالد بن الحارث البصري، لكنه يأتي يروي عن غيره كما هنا.
[حدثنا المعتمر].
هو ابن سليمان بن طرخان التيمي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وليس في رجال الكتب الستة، من يسمى (معتمراً) سواه، فهو الذي يسمى بهذا الاسم وحده، ممن هم من رجال الكتب الستة، أما بالنسبة لغير الرواة، يعني مثل الآباء، فهناك منصور بن المعتمر، وهو كوفي من طبقة الأعمش.
[سمعت عبيد الله بن عمر وهو العمري].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ينتهي نسبه إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ويقال له: العمري، وكلمة (العمري) هذه ليست مما جاء عن المعتمر بن سليمان، بل الذي أتى بها هو من دون المعتمر بن سليمان، أتى بها للتوضيح والبيان، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، هو الذي يقال له: المصغر؛ لأن له أخاً اسمه عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، ويقال له: المكبر، ذاك ضعيف، وأما المصغر فهو ثقة.
وحديث عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر عند أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وقد تقدم ذكره.

شرح حديث: (اللهم أغثنا) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا شريك بن عبد الله عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، وقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحابة ولا قزعة، وما بيننا وبين سلعٍ من بيت ولا دار، فطلعت سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت وأمطرت، قال أنس: ولا والله ما رأينا الشمس سبتاً، قال: ثم دخل رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله! عليك، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: سألت أنساً: أهو الرجل الأول؟ قال: لا)].وهنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى، وقد تقدم هذا الحديث الذي فيه ذكر السؤال من رجل دخل المسجد، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي، وقد تقدم ذكره فيما يتعلق برفع اليدين في الاستسقاء، وفي الدعاء في الاستسقاء، وهنا أورده لبيان الدعاء الذي كان يدعو به رسول الله عليه الصلاة والسلام في الاستسقاء، ومنه قوله: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)، وقد مر فيما مضى أنه قال: [(اللهم اسقنا)]، وأنشأ الله عز وجل سحابة، وما كان في السماء من سحابة ولا قزعة، وهي: القطع الصغيرة من السحاب، فأنشأ الله سحابةً مثل الترس، قيل: إن التشبيه إنما هو في الاستدارة والكثافة، وقيل: إنه في الصغر، أي: في صغرها، وإنها سحابة صغيرة مستديرة مثل الترس، فلما كانت في الوسط توسعت، وامتدت حتى تلبدت السماء بالغيوم، وأمطرت، واستمر المطر إلى الجمعة الأخرى، ثم طلب رجل من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو بأن يمسكها، أي: يحبس السماء عنهم؛ لأنه قد حصل لهم أضرار باستمرار نزوله وهطوله، فرفع يديه إلى السماء وقال: [(اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)]، فتقطع ذلك السحاب، وطلعت الشمس، وصار المطر حوالي المدينة، وليس على المدينة بدعاء رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالحاصل: أن الحديث مشتمل على الدعاء في صلاة الاستسقاء.

تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم أغثنا) من طريق ثالثة
قوله: [أخبرنا علي بن حجر]. هو ابن إياس السعدي المروزي، ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم.
[حدثنا إسماعيل بن جعفر].
إسماعيل بن جعفر البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك بن عبد الله].
هو ابن أبي نمر، وليس شريك بن عبد الله القاضي؛ لأن شريك بن عبد الله القاضي، متأخر في الطبقة، وهو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، يعني: قتيبة، شيخ النسائي، يروي عن شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، فـشريك بن عبد الله هذا طبقته عالية، وهو يروي عن الصحابة، يروي عن أنس بن مالك، فهو شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وقد مر ذكره في بعض الروايات عن أنس رضي الله تعالى عنه، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
[عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
وقد مر ذكره.
وهذا الإسناد من الرباعيات عند النسائي؛ لأن فيه علي بن حجر يروي عن إسماعيل بن جعفر، وإسماعيل بن جعفر يروي عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر يروي عن أنس بن مالك، فهؤلاء أربعة بين النسائي، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي، ليس عند النسائي أعلى من الرباعيات، وأصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وهم: البخاري، عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي، وعنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه، وعنده خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد، وذلك الإسناد ضعيف، أما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فليس عندهم ثلاثيات أصلاً، بل أعلى ما عندهم الرباعيات.

يتبع


ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:23 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث: (خرج رسول الله يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو ثم صلى ركعتين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة بعد الدعاء.حدثنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا اسمع عن ابن وهب عن ابن أبي ذئب ويونس عن ابن شهاب أخبرني عباد بن تميم: أنه سمع عمه -وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فحول إلى الناس ظهره يدعو الله، ويستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين، قال ابن أبي ذئب في الحديث: وقرأ فيهما)].
وهنا أورد النسائي الصلاة بعد الدعاء، أي: الصلاة للاستسقاء بعد الدعاء. المقصود من هذه الترجمة: أي: بيان صلاة الاستسقاء، وأنه يصلى للاستسقاء، ويدعى في الاستسقاء، والترجمة هنا على أن الصلاة بعد الدعاء، أي: بعد أن يدعو الإمام ويستسقي تحصل الصلاة، وبهذا استدل بعض أهل العلم كما تقدم، وبعضهم يقول: إن صلاة الاستسقاء هي مثل صلاة العيد، وصلاة العيد مقدمة على الخطبة، ويقول: إن ما جاء في بعض الأحاديث من قوله: [(ثم صلى)]، أن هذا لبيان الجواز، وأنها ليست كالعيد، يعني: الصلاة قبل الخطبة، فقد أنكر أبو سعيد الخدري على مروان بن الحكم، كونه بدأ بالخطبة قبل الصلاة، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي، ثم يخطب، فمن العلماء من قال: إن صلاة الاستسقاء هي مثل صلاة العيد في جميع أفعالها وصفاتها، إلا أنها خطبة واحدة، بخلاف صلاة العيد فإنها خطبتان.
ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً يستسقي، فحول إلى الناس ظهره يدعو الله، ويستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين)].

تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو ثم صلى ركعتين)
قوله: [حدثنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه]. ثنا الحارث بن مسكين، وهذه صيغة مختصرة لـ(حدثنا)، والصيغ التي تختصر عند العلماء هي: حدثنا وأخبرنا، فإن حدثنا تختصر إلى ثلاث صيغ، فيقال فيها: دثنا، ويقال: ثنا، ويقال: نا، وأما أخبرنا فيقال فيها: أنا، وأبنا، وأخنا، وأما غيرها فإنها لا تختصر، لا أنبأنا ولا غيرها، فمن المباحث التي مرت بنا في كتابة الحديث في ألفية السيوطي أن هاتين الصيغتين هما اللتان حصل لهما الاختصار في الحروف، والرمز لبعض الحروف عن الكل، فدثنا، وثنا، ونا لحدثنا، وأنا، وأرنا، وأبنا، وأخنا، هذه لأخبرنا، وهنا قال: حدثنا.
ثم المعروف في اصطلاح كثير من المحدثين التفريق بين حدثنا وأخبرنا، وأن حدثنا تستعمل فيما إذا سمع من لفظ الشيخ، وإذا قرئ على الشيخ فيقال: أخبرنا، لكن بعض العلماء يسوي بين التحديث والإخبار، فيأتي بأخبرنا، وحدثنا، في مقام السماع، كما هو الكثير عند النسائي، أكثر ما عند النسائي أخبرنا، وهنا قال: (حدثنا)، مع أن الذي حصل هو قراءة عليه؛ لأنه قال: قراءةً عليه وأنا أسمع، يعني: ما حدث هو وسمعوا منه، فهذا على الاصطلاح الذي هو التسوية بين حدثنا وأخبرنا، وبعض المحدثين وبعض العلماء، يسوي بينهما، فيستعمل حدثنا فيما إذا كان سمع من لفظ الشيخ، ويستعمل أخبرنا فيما سمع من الشيخ، ومنهم من يفرق بين حدثنا فيطلقه على ما سمع من لفظ الشيخ، وأخبرنا على ما قرئ على الشيخ وهو يسمع، وهذا الذي معنا من هذا القبيل، مما فيه لفظ التحديث، ولكنه ليس في السماع، وإنما هو في القراءة على الشيخ.
وأنا ذكرت لكم فيما مضى أن النسائي أحياناً يقول: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه، وأحياناً يقول: قال الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وقد مر بنا قريباً، حديث قال فيه أبو بكر بن السني، الذي هو راوية كتاب النسائي، يقول: قال أبو عبد الرحمن، -يعني: النسائي-: قال الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، يعني ما قال: أخبرنا، وإنما قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، والحارث بن مسكين، مصري ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب ويونس].
ابن أبي ذئب، هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وأما يونس، فهو ابن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، يعني: أن الحارث بن مسكين يروي عن شيخين.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبيد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو إمام، جليل، ومحدث، فقيه، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عباد بن تميم].
هو عباد بن تميم بن غزية المازني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني].
وهو أخو أبيه لأمه، وهو أخو تميم، يعني: عبد الله، وتميم أخوان من أم، وعبد الله بن زيد بن عاصم صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن أبي ذئب في الحديث: وقرأ فيهما].
لأن الحديث جاء من طريق شخصين، عبد الله بن وهب، يروي عن ابن أبي ذئب، وعن يونس بن يزيد الأيلي، هذا اللفظ الذي ذكره، الأول هو لفظ يونس، وأما ابن أبي ذئب، فعنده زيادة ليست عند يونس، وهي: أنه قرأ فيهما.

كم صلاة الاستسقاء
شرح حديث: (أن النبي خرج يستسقي فصلى ركعتين ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كم صلاة الاستسقاء:أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى عن أبي بكر بن محمد عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فصلى ركعتين، واستقبل القبلة)].
وهنا أورد النسائي هذه الترجمة: كم صلاة الاستسقاء، أي: كم ركعات صلاة الاستسقاء؟ هي ركعتان، المقصود منه أنها ركعتان، ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أنه خرج يستسقي وصلى ركعتين، أي: عدد الركعات اثنتان، ولهذا قال: كم؟ والمقصود منه: بيان العدد، ليس المقصود الكيفية، وإنما المقصود عدد الركعات، وأنها ركعتان، هذا هو المقصود من هذه الترجمة.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي خرج يستسقي فصلى ركعتين...)
قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو الفلاس، الثقة، الناقد، المتكلم في الرجال كثيراً، جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو كذلك ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن محمد].
هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأبو بكر قيل: إنها هي اسمه، وأنه ليس له اسم، وقيل: إن اسمه وكنيته واحد، وقيل: إن كنيته أبو محمد، واسمه أبو بكر، فهو من الأسماء التي على صيغة الكنى، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن تميم].
مر ذكره، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن زيد].
الذي هو عمه أخو أبيه لأمه، وقد مر ذكر عباد وعمه عبد الله بن زيد.


كيف صلاة الاستسقاء
شرح حديث: (... فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف صلاة الاستسقاء.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: (أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس أسأله عن الاستسقاء؟ فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما منعه أن يسألني؟ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعاً متبذلاً متخشعاً متضرعاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين، ولم يخطب خطبتكم هذه)].
هنا أورد النسائي كيف صلاة الاستسقاء، الترجمة السابقة هي لعدد الركعات، كم يصلي؟ ركعتين، وهنا: لبيان الكيفية، بعد أن أثبت أنها ركعتان، عقد هذه الترجمة، لبيان كيفية صلاة هاتين الركعتين، وأنها كالعيد، يعني يعمل فيها ما يعمل في صلاة العيد.
وأورد النسائي حديث عبد الله بن عباس: أن إسحاق بن عبد الله بن كنانة أرسله أمير من الأمراء، إلى ابن عباس يسأله، وقال: ما منعه أن يسألني؟ ثم أجابه، أي: أجاب الرسول الذي أرسل إليه، وهو إسحاق بن عبد الله بن كنانة، بقوله: (خرج الرسول صلى الله عليه وسلم متضرعاً، متخشعاً، متضرعاً، متبذلاً، وصلى ركعتين كصلاة العيد، ولم يخطب كخطبتكم هذه).
تراجم رجال إسناد حديث: (... فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين ...)

قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان]. هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له شيئاً.
[قال: حدثنا وكيع].
هو ابن الجراح الكوفي، ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
وسفيان هنا غير منسوب مهمل، والمراد به الثوري؛ لأن وكيعاً إذا روى عن سفيان غير منسوب، فالمراد به الثوري؛ لأنه مكثر من الرواية عنه، وليس ابن عيينة؛ لأنه مقل من الرواية عنه، وإذا جاء مهملاً حمل على من للراوي أو للتلميذ إكثار عنه، ثم أيضاً: هو من أهل بلده من الكوفة، يعني: سفيان الثوري كوفي، ووكيع بن الجراح كوفي، فهو مكثر عنه، ومن أهل بلده، ولهذا قال الحافظ في فتح الباري: عندما يأتي وكيع يروي عن سفيان، وهو غير منسوب فهو الثوري؛ لأنه معروف بالإكثار عن الثوري، ومقل من الرواية عن ابن عيينة، وسفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، حجة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها.
[عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة].
مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو إسحاق بن عبد الله بن كنانة، وهو الذي أرسله أمير من الأمراء، ليسأل ابن عباس، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستسقاء، وأبوه إسحاق صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[إلى ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم من صغار الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، هؤلاء العبادلة الأربعة إذا قيل: العبادلة الأربعة، وفي الصحابة ممن يسمى عبد الله كثير، مثل عبد الله بن زيد بن عاصم هذا، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن أبي بكر، وكثير من الصحابة يسمون عبد الله، إلا أن لقب العبادلة الأربعة يطلق على أربعة من صغار الصحابة، عاشوا وأدركهم من لم يدرك كبار الصحابة، وهم هؤلاء الأربعة، وابن عباس أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين أشرت إليهم قريباً.
والحديث سبق أن مر بنا، وهذا مقبول جاء ما يعضده، وأنه يرتفع إلى الحسن.


الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء
شرح حديث: (أن النبي خرج فاستسقى فصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة ...) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء.أخبرنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج، فاستسقى، فصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء، أي: أن القراءة يجهر فيها؛ لأنه أثبت فيما مضى أنها ركعتان، وأنها كصلاة العيد، وهنا أثبت بأن القراءة يجهر بها، وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه فيه التنصيص على ذلك، وأنه جهر فيهما بالقراءة، يعني: صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، فهو دال على ما ترجم له المصنف.
قوله: [محمد بن رافع].
هو النيسابوري القشيري، فهو -أي: محمد بن رافع- مثل مسلم في النسب، وفي البلد، فـمسلم قشيري، وهو قشيري، وأيضاً هو نيسابوري، ومسلم نيسابوري، وهو من شيوخ الإمام مسلم الذين أكثر من الرواية عنهم، ومن طريقه أخرج صحيفة همام بن منبه، فمسلم في صحيحه روى أحاديث كثيرة من صحيفة همام، فكل ما رواه مسلم من الصحيفة من طريق شيخه محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وأما البخاري ينسب إلى الجعفيين، وهو مولىً لهم، ولهذا عندما يذكر بعض العلماء، البخاري، ومسلم، ومنهم ابن الصلاح لما ذكرهم في المقدمة، قال عند ذكر البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردبة البخاري الجعفي مولاهم، ومسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري القشيري من أنفسهم، معناه: أنه منهم أصلاً، من القبيلة أصلاً، ونسباً، ونسلاً، وليس مولى.
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فإنه لم يخرج له شيئاً، وهذا مثل إسحاق بن راهويه، وإسحاق بن راهويه أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا يحيى بن آدم].

هو يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان الثوري، وقد تقدم ذكره.
[عن ابن أبي ذئب].
وقد مر ذكره.
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن عباد بن تميم عن عمه]
وهو عبد الله بن زيد بن عاصم.
وقد مر ذكر هؤلاء.





ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:24 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الإستسقاء)
(280)

- كتاب الاستسقاء - (باب القول عند المطر) إلى (باب رفع الإمام يديه عند مسألة إمساك المطر)


من شكر الله سبحانه على نعمة المطر ألا ينسب نزوله إلى الكواكب، وإنما يقال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فإذا نزل المطر شرع للمسلم أن يقول: اللهم صيباً نافعاً، وإذا اشتد نزوله شرع للإمام سؤال الله رفعه، ويقول: اللهم حوالينا لا علينا.
القول عند المطر شرح حديث: (اللهم اجعله صيباً نافعاً ...)

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [القول عند المطر. أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمطر قال: اللهم اجعله صيباً نافعاً)].
يقول النسائي رحمه الله: القول عند المطر؛ أي: ما يقال عند نزول المطر، أو الدعاء الذي يشرع، أو الذكر الذي يذكر عند نزول المطر. وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا نزل المطر: اللهم اجعله صيباً نافعاً]؛ أي: يدعو بأن يجعل الله هذا المطر الذي نزل صيباً نافعاً، فهذا مما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يقوله الإنسان عند نزول المطر، وهو أن يدعو بهذا الدعاء، وقد جاء في بعض الأحاديث الثناء على من قال: (مطرنا بفضل الله ورحمته) كما جاء في الحديث الذي قال الله عز وجل: (أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب)، ففيه مدح من يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، وأن ذلك اعتراف من الإنسان بالتفضل من الله عز وجل عليه، وبرحمته بإنزال المطر، فذلك مما يقال عند نزول المطر، والذي أورده النسائي، هذا الحديث المشتمل على هذا الدعاء: [اللهم اجعله صيباً نافعاً].
تراجم رجال إسناد حديث: (اللهم اجعله صيباً نافعاً ...)
قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر].
هو ابن كدام الكوفي، وهو ثقة، ثبت، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن المقدام بن شريح].
ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو شريح بن هانئ الكوفي، وهو ثقة كذلك، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السن الأربعة، وهو مخضرم، أي: من الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يرو النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك في قرآن يتلى في سورة النور، وقد حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي من أوعية السنة وحفظتها، لا سيما الأحاديث التي تتعلق بين الرجل وأهل بيته، والتي لا يطلع عليها إلا النساء، فهذا مما حفظته، وكذلك حفظت غيره، فهي أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم ستة رجال، وامرأة واحدة؛ فالستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، والمرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وابن القيم رحمه الله لما ذكر في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، عند ذكر الآل، ذكر ترجمةً مختصرة لكل أمهات المؤمنين، ذكر لها بمناسبة ذكر الآل، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ترجمةً مختصرة، ولما جاء عند عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ذكر شيئاً من تواضعها، ومع علو منزلتها، ورفعة مكانتها، رضي الله عنها وأرضاها، وذكر مما جاء في تواضعها: أنها لما أنزل الله عز وجل براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في أوائل سورة النور، قالت: كنت أقول في نفسي: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام يرى في منامه رؤيا يبرئني الله بها، قالت: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى، يعني ما كنت أظن أنه ينزل فيّ قرآن؛ لأنني أهون من ذلك، تقول هذا تواضعاً منها رضي الله عنها وأرضاها، وكانت تتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا، -ورؤيا الأنبياء وحي- لكن الله عز وجل أنزل فيها قرآن يتلى، فكانت من تواضعها تقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله عز وجل فيّ آيات تتلى، ابن القيم رحمه الله يعلق على هذا فيقول: أين هذا ممن يصوم يوماً من الدهر، أو يصلي ركعةً من الليل، ثم يقول: أنا كذا، وأنا كذا، وأنا كذا، يعني يذكر أعماله، وهذه أم المؤمنين يحصل لها ما يحصل من الشرف، ثم تقول هذه المقالة الدالة على تواضعها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وكتاب (جلاء الأفهام) بالمناسبة هو من خير ما ألف في الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان ما جاء فيها من الأحاديث، وما اشتملت عليه من الفقه، وما يستنبط منها من الأحكام، وهو كتاب واسع ومفيد اسمه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام).
وقد ذكر السخاوي في كتابه (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم)، ذكر في آخره جملة من الكتب التي ألفت في الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكرها، وهي عدة، وخامسها في الذكر كتاب ابن القيم (جلاء الأفهام)، ثم قال بعد أن ذكرها قال: وفي الجملة فخامسها هو أفيدها وأعظمها فائدة، يعني: كتاب ابن القيم؛ لأن ترتيبه الخامس بين الكتب التي ذكرها في آخر كتابه (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم)، وهو كتاب مفيد في بابه، ومن أحسن الكتب التي ألفت في موضوعه، واسمه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم).


كراهية الاستمطار بالكوكب
شرح حديث: (ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون: الكوكب وبالكوكب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كراهية الاستمطار بالكوكب. أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: (ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب وبالكوكب)].
أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: كراهية الاستمطار بالكوكب؛ أي: إضافة المطر إلى الكوكب، وحصول المطر من الكوكب.
وإضافة المطر إلى الكوكب ينقسم إلى قسمين: إضافة إليه على أن الكواكب لها تأثير، وأنها مؤثرة، فهذا كفر مخرج من الملة، فمن يجعل الكواكب مؤثرة، وأنها لها تأثير في الحوادث، ونزول المطر، فهذا كفر؛ لأن فيه إضافة الفعل إلى غير الله سبحانه وتعالى، وأن الكواكب مؤثرة، بل المؤثر هو الله عز وجل.
وأما إذا أريد به إضافته إلى حصول المطر من الله عز وجل في نوء كذا، أي: في النوء الفلاني، وفي وقت طلوع النجم الفلاني، فهذا ليس كفراً مخرجاً من الملة، ولكنه فيه كفر النعمة، والأولى للإنسان ألا يأتي بذلك، وإنما يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته كما جاء في الحديث: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، وإن قال: تفضل الله علينا في المطر في الوقت الفلاني، أو في الشهر الفلاني، لا بأس بذلك، المهم أن يضيف الأمر إلى تفضل الله، وأنه حصل في الوقت الفلاني إذا أراد أن يذكر ذلك.
قوله: [ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريقٌ منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب وبالكوكب]، يعني: المقصود من ذلك: نعمة المطر؛ لأن الحديث يتعلق بإنزال المطر؛ لأنهم يضيفون ذلك إلى الكوكب، فالحديث قدسي من الأحاديث القدسية التي فيها الكلام مضاف إلى الله عز وجل من جهة أنه هو المتكلم به.
والحديث القدسي هو: ما يأتي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام مسنداً إياه إلى الله عز وجل؛ بأنه يضيفه إلى الله عز وجل، وأن يسبقه قول: قال الله عز وجل، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه أنه قال، فهذا هو الحديث القدسي، وهل هو من كلام الله عز وجل أو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟ معلوم أن الضمائر تفيد أنه الله تعالى هو المتكلم به؛ لأنه قال: [أصبح من عبادي]، ولا يقول أحد: أصبح من عبادي إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأن العباد عبيد الله، وهم مضافون إلى الله، فإذا قال: أصبح من عبادي، معنى هذا أنه كلام الله؛ لأنه قال: عبادي.
لكن هذا هو نفس الكلام لفظه كلام الله؟ لو علمنا بأن الحديث هو كما نطق به رسول الله عليه الصلاة والسلام، نقول: هو كلام الله، أما والحديث تدخله الرواية بالمعنى، وتأتي الألفاظ فيه مختلفة، والرواة يأتون به بصيغ متعددة، فإنه لا يقال: إنه كلام الله وقد تعددت صيغه، وتعددت ألفاظه، وقد دخلته الرواية بالمعنى، لكن الحروف أو الضمائر هي ترجع إلى الله عز وجل، فلو تحقق بأن اللفظ لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يدخله رواية بمعنى، يقال: كلام الله، ولكن حيث توجد الألفاظ للحديث الواحد بألفاظ متعددة، هذا يفيد بحصول الرواية بالمعنى، وإذا دخلته الرواية بالمعنى فلا يقال: إن لفظه كلام الله، ما دام دخلته الرواية بالمعنى؛ بخلاف القرآن، فإن القرآن لفظه كلام الله سبحانه وتعالى ومعناه أيضاً، وليس كلامه الألفاظ دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، بل حروفه ومعانيه كلام الله عز وجل، وقاله الله عز وجل.
قوله: [ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب وبالكوكب].
أي: يضيفون ذلك إلى غير الله عز وجل، وقد ذكرت أن فيه تفصيلاً بين أن يكون إسناد التأثير إلى الكواكب، فهذا كفر بالله، مخرج من الملة، وإذا أريد به إضافته إلى الله عز وجل، ولكنه حصل في الوقت الفلاني، وفي النوء الفلاني، فإن هذه العبارة خلاف الأولى، والأولى أن يقال كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي الذي جاء عن زيد بن خالد الجهني، وكان في عام الحديبية: (فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب).

تراجم رجال إسناد حديث: (ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون: الكوكب وبالكوكب)


قوله: [أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو].هو عمرو بن سواد ابن الأسود بن عمرو المصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مصري أيضاً.
[أخبرني يونس].
هو ابن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبيد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، ثبت، إمام، حجة، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقيه، من صغار التابعين وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، في عصر التابعين، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة في عصر التابعين في المدينة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال؛ قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
[عن أبي هريرة].
رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً.
وهذا الإسناد فيه ستة أشخاص؛ ثلاثة مصريون، وثلاثة مدنيون، فنصفه الأسفل مصريون، ونصفه الأعلى مدنيون، فـعمرو بن سواد، وعبد الله بن وهب، ويونس بن يزيد الأيلي المصري هؤلاء ثلاثة مصريون، ونصفه الأعلى مدنيون؛ وهم الزهري، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وأبو هريرة.

يتبع


ابوالوليد المسلم 17-03-2022 02:25 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث: (... ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك الذي كفر بي وآمن بالكوكب) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني قال: (مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم تسمعوا ماذا قال ربكم الليلة؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح طائفةٌ منهم بها كافرين، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذاك الذي آمن بي وكفر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك الذي كفر بي وآمن بالكوكب)].أورد النسائي حديث زيد بن خالد الجهني، وهو: زيد بن خالد الجهني، وليس يزيد، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمعنى الذي قبله، قال: [ألم تسمعوا ما قال الله عز وجل الليلة؟].
وفي قوله: [الليلة]، ما قال الله: الليلة، وهذا يدل على أن الله تعالى يتكلم إذا شاء كيف شاء، وأن كلام الله عز وجل لا ينحصر، وليس له بداية، وليس له نهاية، فكلام الله غير محصور بكلام معين محدد؛ لأن الله لا بداية لكلامه، ولا نهاية لكلامه، فهو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر ليس بعده شيء، فكلامه غير منحصر، والله عز وجل يتكلم إذا شاء كيف شاء ومتى شاء، تكلم بلا بداية، ويتكلم بلا نهاية، كلم موسى في زمانه، وسمع موسى كلام الله من الله، وقال الله عز وجل: https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifوَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[النساء:164]، https://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ https://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأعراف:143]، فقال: سمع كلام الله من الله، وسمعه محمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج، وفرض الله عليه خمسين صلاة ثم خففت إلى خمس، فهو كليم كما أن موسى كليم، وهو خليل كما أن إبراهيم خليل، فاجتمع فيه ما تفرق في غيره، عليه الصلاة والسلام.
وكذلك جاء في الحديث: [ألم تسمعوا ما قال الله في هذه الليلة؟]، يعني: هذه الليلة قال كذا وكذا؛ تكلم بهذا الكلام في تلك الليلة التي نزل فيها المطر، قال: [ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح طائفةٌ منهم بها كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا فأما من آمن بي وحمدني على سقياي].
وجاء في بعض الروايات: (فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب)، وقد ذكرت أن الإيمان بالكوكب فيه تفصيل؛ فإذا كان قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، إن كان للتأثير، وأسند التأثير إلى الكواكب، فهذا هو الكفر المخرج من الملة، وإن كان المطر من الله، ولكن الله تعالى جعله ينزل في الزمن الفلاني، وفي الكوكب الفلاني، ووجود الكوكب الفلاني، فهذه العبارة؛ وهي قوله: [مطرنا بنوء كذا وكذا]، هي خلاف الأولى، وخير منها وأفضل أن يقول الإنسان: مطرنا بفضل الله ورحمته، وإن قال: في الشهر الفلاني أو في النوء الفلاني، ما فيه بأس، بعد أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
تراجم رجال إسناد حديث: (... ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك الذي كفر بي وآمن بالكوكب) من طريق أخرى
قوله: [أخبرنا قتيبة].
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة؛ لأن قتيبة ليس له رواية عن سفيان الثوري، وإنما كل ما يأتي عن سفيان فالمراد به: ابن عيينة، وليس لـقتيبة رواية عن الثوري، بل قتيبة عمره لما مات الثوري عشر سنوات، ويمكن أن يروي من عمره عشر سنوات، كما عرفنا أن بعض الصحابة توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وفيهم من عمره ثمان سنوات، ومع ذلك له رواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن يمكن أن يكون هذا في بلد وهذا في بلد، وهذا صغير وما حصل له يلتقي بهذا الشيخ، فلم يأخذ عنه، لكن المعروف أن قتيبة ما روى عن سفيان الثوري، فكل ما جاء قتيبة عن سفيان فالمراد به ابن عيينة، وابن عيينة قد مر ذكره.
[عن صالح بن كيسان].
هو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، ثبت، فاضل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله].
هو ابن عتبة بن مسعود الذي مر ذكره قريباً.
[عن زيد بن خالد الجهني].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (لو أمسك الله المطر عن عباده ... يقولون: سقينا بنوء المجدع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن عمرو عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أمسك الله عز وجل المطر عن عباده خمس سنين ثم أرسله لأصبحت طائفةٌ من الناس كافرين، يقولون: سقينا بنوء المجدع)].أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [لو أمسك الله المطر عن عباده خمس سنين، ثم أنزله عليهم، لأصبح طائفةٌ منهم به كافرين يقولون: مطرنا بنوء المجدع] والمجدع: نجم من النجوم، اسمه مجدع، والحديث بهذا اللفظ فيه ذكر الخمس السنين، وفيه ذكر تسمية النوء الذي قالوا: مطرنا بنوء كذا، هذا مما جاء في هذه الطريق، ولكن الطرق الأخرى -التي في الصحيحين وفي غيرها- ليس فيها ذكر هذه التسمية؛ الذي هو النوء، وذكر الخمس السنين، وإنما فيها: (أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر)، كما جاء في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: (فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب)، فهذا هو الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وأما هذه الرواية فقد جاءت من طريق رجل لا يقبل حديثه إلا إذا اعتضد، ووجد له متابع، وليس له متابع، فتكون هذه الرواية غير صحيحة؛ لأنه لم يأت متابع له فيما جاء فيه من هذه الألفاظ؛ التي هي: نوء كذا، وكونه خمس سنين، هذا ما جاء إلا من هذه الطريق، ولكن إضافة المطر إلى النوء جاء في الأحاديث الصحيحة التي مرت.

تراجم رجال إسناد حديث: (لو أمسك الله المطر عن عباده ... يقولون: سقينا بنوء المجدع)

قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء].
هو البصري، وهو لا بأس به، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
وكلمة (لا بأس به) تعادل صدوق، أي: أن حديثه مما يكون حسناً لذاته؛ لأن صدوق، ولا بأس به، وليس به بأس هي في درجة واحدة، إلا عند يحيى بن معين فإنها تعادل ثقة، وهذا من اصطلاحه هو، أما في اصطلاح المحدثين فإن كلمة (لا بأس به) عندهم تعني: من يقل عن الثقة، ولكن حديثه معتمد، وحديثه من قبيل الحسن، فهو مثل صدوق عندهم.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة، وقد مر ذكره.
[عن عمرو].
هو عمرو بن دينار، وهذا الذي هو عبد الجبار بصري نزل مكة، فهو أصله بصري، ولكنه نزل مكة، يروي عن سفيان بن عيينة وهو مكي، وسفيان يروي عن عمرو وهو ابن دينار، وهو مكي، ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عتاب بن حنين].
هو أيضاً مكي، مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو صحابي مشهور، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.


مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره
شرح حديث: (... اللهم حوالينا ولا علينا ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا حميد عن أنس قال: (قحط المطر عاماً، فقام بعض المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم جمعة، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قحط المطر، وأجدبت الأرض، وهلك المال، قال: فرفع يديه، وما نرى في السماء سحابة، فمد يديه حتى رأيت بياض إبطيه يستسقى الله عز وجل، قال: فما صلينا الجمعة حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع إلى أهله، فدامت جمعة، فلما كانت الجمعة التي تليها قالوا: يا رسول الله! تهدمت البيوت، واحتبس الركبان، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرعة ملالة ابن آدم، وقال بيديه: اللهم حوالينا ولا علينا، فتكشطت عن المدينة)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره، والمقصود بالمسألة: كونه يسأل الله عز وجل ويدعوه أن يمنع المطر عنهم، وأن يجعله فيما حواليهم، والمقصود بالمسألة السؤال، أي: سؤال الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره.
وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه: أنهم لما قحطوا، وحصل الجدب، وطلب بعض المسلمين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو، فرفع يديه ودعا، وأنزل الله الغيث، ومطروا وهم في المسجد، وكثر المطر، حتى أهم الشاب القريب الدار رجوعه إلى المنزل، فهو يجد صعوبة في كونه ينزل؛ من تتابع المطر وكثرة هطوله، يعني أهمه ذلك، ويجد فيه مشقة كونه يصل إلى البيت مع كثرة المطر وشدة هطوله، واستمر المطر إلى الجمعة الأخرى، ثم طلب منه بعض المسلمين أن يدعو لهم برفع المطر ومنعه، فرفع يديه ودعا وقال: [اللهم حوالينا ولا علينا]، [فتكشطت]، يعني: تقطعت، وانزاحت السحب عن المدينة، حتى صارت حولها كما جاء مبيناً في بعض الروايات المتقدمة: فصار كالإكليل، يعني: محيطاً بالمدينة السحب، تمطر حواليها ولا تمطر عليها.
والمقصود من ذلك: أنه عندما يكثر المطر، ويحصل للناس ضرر بكثرته، فإن الإمام يدعو بهذا الدعاء الذي دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول: [اللهم حوالينا ولا علينا].

تراجم رجال إسناد حديث: (... اللهم حوالينا ولا علينا ...)

قوله: [أخبرنا علي بن حجر].
هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو ابن جعفر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهناك إسماعيل بن علية؛ لأن هذا من شيوخه إسماعيل بن جعفر، وإسماعيل بن علية الذي هو: علي بن حجر، فإذا كان الأمر كذلك: فـإسماعيل بن علية هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، البصري، وهو ثقة، يدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


رفع الإمام يديه عند مسألة إمساك المطر
شرح حديث: (فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا ...) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع الإمام يديه عن مسألة إمساك المطر.أخبرنا محمود بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو عمرو الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (أصاب الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقام أعرابيٌ فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، وما نرى في السماء قزعة، والذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو قال: غيره، فقال: يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، حتى صارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي، ولم يجئ أحد من ناحيةٍ إلا أخبر بالجود)].
هنا أورد النسائي رفع الإمام يده في مسألة إمساك المطر؛ لأن الترجمة السابقة: مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره.
وقوله: [والذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال].
أي: كان يرفع يديه فما أنزلهما حتى نزل المطر.




الساعة الآن : 05:35 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 184.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 184.26 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.27%)]