ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273185)

ابوالوليد المسلم 03-05-2023 04:22 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (431)
صــ 202إلى صــ 216

7821 - حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ يَفْرَغُ ، فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، مِنَ الْقِرَاءَةِ وَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ : "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ : "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعِيَاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ! اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ كَسِنِيِّ يُوسُفَ ! اللَّهُمَّ الْعَنْ لَحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصِيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ! " . ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ) .
القول في تأويل قوله ( ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ( 129 ) ) [ ص: 203 ]

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : ليس لك يا محمد ، من الأمر شيء ، ولله جميع ما بين أقطار السماوات والأرض من مشرق الشمس إلى مغربها ، دونك ودونهم ، يحكم فيهم بما يشاء ، ويقضي فيهم ما أحب ، فيتوب على من أحب من خلقه العاصين أمره ونهيه ، ثم يغفر له ، ويعاقب من شاء منهم على جرمه فينتقم منه ، وهو الغفور الذي يستر ذنوب من أحب أن يستر عليه ذنوبه من خلقه بفضله عليهم بالعفو والصفح ، والرحيم بهم في تركه عقوبتهم عاجلا على عظيم ما يأتون من المآثم . كما : -

7822 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "والله غفور رحيم " ، أي يغفر الذنوب ، ويرحم العباد ، على ما فيهم .
[ ص: 204 ] القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ( 130 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، لا تأكلوا الربا في إسلامكم بعد إذ هداكم له ، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم .

وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم : أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل ، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه ، فيقول له الذي عليه المال : أخر عنى دينك وأزيدك على مالك . فيفعلان ذلك . فذلك هو "الربا أضعافا مضاعفة " ، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه ، . كما : -

7823 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : كانت ثقيف تداين في بني المغيرة في الجاهلية ، فإذا حل الأجل قالوا : نزيدكم وتؤخرون ؟ فنزلت : " لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " .

7824 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " ، أي : لا تأكلوا في الإسلام إذ هداكم الله له ، ما كنتم تأكلون إذ أنتم على غيره ، مما لا يحل لكم في دينكم .

7825 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " قال : ربا الجاهلية .

7826 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول [ ص: 205 ] في قوله : "لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " ، قال : كان أبي يقول : إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن . يكون للرجل فضل دين ، فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له : تقضيني أو تزيدني ؟ فإن كان عنده شيء يقضيه قضى ، وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية ، ثم حقة ، ثم جذعة ، ثم رباعيا ، ثم هكذا إلى فوق وفي العين يأتيه ، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل ، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضا ، فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين ، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة ، يضعفها له كل سنة أو يقضيه . قال : فهذا قوله : "لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " .

وأما قوله : "واتقوا الله لعلكم تفلحون " ، فإنه يعني : واتقوا الله أيها المؤمنون ، في أمر الربا فلا تأكلوه ، وفي غيره مما أمركم به أو نهاكم عنه ، وأطيعوه فيه "لعلكم تفلحون " ، يقول : لتنجحوا فتنجوا من عقابه ، وتدركوا ما رغبكم فيه من ثوابه والخلود في جنانه ، كما : -

7827 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "واتقوا الله لعلكم تفلحون " ، أي : فأطيعوا الله لعلكم أن تنجوا مما حذركم من عذابه ، وتدركوا ما رغبكم فيه من ثوابه .
[ ص: 206 ] القول في تأويل قوله ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( 131 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين : واتقوا ، أيها المؤمنون ، النار أن تصلوها بأكلكم الربا بعد نهيي إياكم عنه التي أعددتها لمن كفر بي ، فتدخلوا مدخلهم بعد إيمانكم بي ، بخلافكم أمري ، وترككم طاعتي . كما : -

7828 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " واتقوا النار التي أعدت للكافرين " ، التي جعلت دارا لمن كفر بي .
القول في تأويل قوله ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ( 132 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وأطيعوا الله ، أيها المؤمنون ، فيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الأشياء ، وفيما أمركم به الرسول . يقول : وأطيعوا الرسول أيضا كذلك "لعلكم ترحمون " ، يقول : لترحموا فلا تعذبوا .

وقد قيل إن ذلك معاتبة من الله عز وجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خالفوا أمره يوم أحد ، فأخلوا بمراكزهم التي أمروا بالثبات عليها .

ذكر من قال ذلك :

7829 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " [ ص: 207 ] وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون " ، معاتبة للذين عصوا رسوله حين أمرهم بالذي أمرهم به في ذلك اليوم وفي غيره - يعني : في يوم أحد .
القول في تأويل قوله ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ( 133 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "وسارعوا " ، وبادروا وسابقوا "إلى مغفرة من ربكم " ، يعني : إلى ما يستر عليكم ذنوبكم من رحمته ، وما يغطيها عليكم من عفوه عن عقوبتكم عليها "وجنة عرضها السماوات والأرض " ، يعني : وسارعوا أيضا إلى جنة عرضها السماوات والأرض .

ذكر أن معنى ذلك : وجنة عرضها كعرض السماوات السبع والأرضين السبع ، إذا ضم بعضها إلى بعض .

ذكر من قال ذلك :

7830 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "وجنة عرضها السماوات والأرض " ، قال : قال ابن عباس : تقرن السماوات السبع والأرضون السبع ، كما تقرن الثياب بعضها إلى بعض ، فذاك عرض الجنة .

وإنما قيل : "وجنة عرضها السماوات والأرض " ، فوصف عرضها بالسماوات والأرضين ، والمعنى ما وصفنا : من وصف عرضها بعرض السماوات والأرض ، [ ص: 208 ] تشبيها به في السعة والعظم ، كما قيل : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) [ سورة لقمان : 28 ] ، يعني : إلا كبعث نفس واحدة ، وكما قال الشاعر :


كأن عذيرهم بجنوب سلى نعام قاق في بلد قفار


أي : عذير نعام ، وكما قال الآخر :


حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي ، ويب غيرك بالعناق


يريد صوت عناق .

قال أبو جعفر : وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : [ ص: 209 ] هذه الجنة عرضها السماوات والأرض ، فأين النار ؟ فقال : هذا النهار إذا جاء ، أين الليل .

ذكر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره .

7831 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مسلم بن خالد ، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد ، عن يعلى بن مرة قال : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص ، شيخا كبيرا قد فند . قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل ، فناول الصحيفة رجلا عن يساره . قال : قلت : من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا : معاوية . فإذا كتاب صاحبي : "إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، فأين النار ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله! فأين الليل إذا جاء النهار ؟ [ ص: 210 ]

7832 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : [ ص: 211 ] حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن "جنة عرضها السماوات والأرض " ، أين النار ؟ قال : أرأيتم إذا جاء الليل ، أين يكون النهار ؟ "فقالوا : اللهم نزعت بمثله من التوراة ! .

7833 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : أن عمر أتاه ثلاثة نفر من أهل نجران ، فسألوه وعنده أصحابه فقالوا : أرأيت قوله : " وجنة عرضها السماوات والأرض " ، فأين النار ؟ فأحجم الناس ، فقال عمر : "أرأيتم إذا جاء الليل ، أين يكون النهار ؟ وإذا جاء النهار ، أين يكون الليل ؟ " فقالوا : نزعت مثلها من التوراة .

7834 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : أخبرنا شعبة ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بنحوه ، في الثلاثة الرهط الذين أتوا عمر فسألوه : عن جنة عرضها كعرض السماوات والأرض ، بمثل حديث قيس بن مسلم . [ ص: 212 ]

7835 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا جعفر بن عون قال : أخبرنا الأعمش ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال : تقولون : "جنة عرضها السماوات والأرض " ، أين تكون النار ؟ فقال له عمر : أرأيت النهار إذا جاء أين يكون الليل ؟ أرأيت الليل إذا جاء ، أين يكون النهار ؟ فقال : إنه لمثلها في التوراة ، فقال له صاحبه : لم أخبرته ؟ فقال له صاحبه : دعه ، إنه بكل موقن .

7836 - حدثني أحمد بن حازم قال : أخبرنا أبو نعيم قال : حدثنا جعفر بن برقان قال : حدثنا يزيد بن الأصم : أن رجلا من أهل الكتاب أتى ابن عباس فقال : تقولون "جنة عرضها السماوات والأرض " ، فأين النار ؟ فقال ابن عباس : أرأيت الليل إذا جاء ، أين يكون النهار ؟ وإذا جاء النهار ، أين يكون الليل ؟ [ ص: 213 ]

قال أبو جعفر : وأما قوله : "أعدت للمتقين " فإنه يعني : إن الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرضين السبع ، أعدها الله للمتقين ، الذين اتقوا الله فأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم ، فلم يتعدوا حدوده ، ولم يقصروا في واجب حقه عليهم فيضيعوه . كما : -

7837 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " ، أي : دارا لمن أطاعني وأطاع رسولي .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ( 134 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء " ، أعدت الجنة التي عرضها السماوات والأرض للمتقين ، وهم المنفقون أموالهم في سبيل الله ، إما في صرفه على محتاج ، وإما في تقوية مضعف على النهوض لجهاده في سبيل الله .

وأما قوله : "في السراء " ، فإنه يعني : في حال السرور ، بكثرة المال ورخاء العيش [ ص: 214 ] "والسراء " مصدر من قولهم "سرني هذا الأمر مسرة وسرورا "

"والضراء " مصدر من قولهم : "قد ضر فلان فهو يضر " ، إذا أصابه الضر ، وذلك إذا أصابه الضيق ، والجهد في عيشه .

7838 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء " ، يقول : في العسر واليسر .

فأخبر جل ثناؤه أن الجنة التي وصف صفتها ، لمن اتقاه وأنفق ماله في حال الرخاء والسعة ، وفي حال الضيق والشدة ، في سبيله .

وقوله : "والكاظمين الغيظ " ، يعني : والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه .

يقال منه : "كظم فلان غيظه " ، إذا تجرعه ، فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه ، باستمكانها ممن غاظها ، وانتصارها ممن ظلمها .

وأصل ذلك من "كظم القربة " ، يقال منه : "كظمت القربة " ، إذا ملأتها ماء . و "فلان كظيم ومكظوم " ، إذا كان ممتلئا غما وحزنا . ومنه قول الله عز وجل ، ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) [ سورة يوسف : 84 ] يعني : ممتلئ من الحزن . ومنه قيل لمجاري المياه : "الكظائم " ، لامتلائها بالماء . ومنه قيل : "أخذت بكظمه " يعني : بمجاري نفسه . [ ص: 215 ]

و"الغيظ " مصدر من قول القائل : "غاظني فلان فهو يغيظني غيظا " ، وذلك إذا أحفظه وأغضبه .

وأما قوله : " والعافين عن الناس " ، فإنه يعني : والصافحين عن الناس عقوبة ذنوبهم إليهم وهم على الانتقام منهم قادرون ، فتاركوها لهم .

وأما قوله : " والله يحب المحسنين " ، فإنه يعني : فإن الله يحب من عمل بهذه الأمور التي وصف أنه أعد للعاملين بها الجنة التي عرضها السماوات والأرض ، والعاملون بها هم "المحسنون " ، وإحسانهم ، هو عملهم بها ، . كما : -

7839 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "الذين ينفقون في السراء والضراء " الآية : " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " ، أي : وذلك الإحسان ، وأنا أحب من عمل به .

7840 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " ، قوم أنفقوا في العسر واليسر ، والجهد والرخاء ، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل ، ولا قوة إلا بالله . فنعمت والله يا ابن آدم ، الجرعة تجترعها من صبر وأنت مغيظ ، وأنت مظلوم .

7841 - حدثني موسى بن عبد الرحمن قال : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا محرز أبو رجاء ، عن الحسن قال : يقال يوم القيامة : ليقم من كان له على الله أجر . فما يقوم إلا إنسان عفا ، ثم قرأ هذه الآية : " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " . [ ص: 216 ]

7842 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم ، عن رجل من أهل الشام يقال له عبد الجليل ، عن عم له ، عن أبي هريرة في قوله : " والكاظمين الغيظ " : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ، ملأه الله أمنا وإيمانا .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 03-05-2023 04:25 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (432)
صــ 217إلى صــ 231


7843 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "والكاظمين الغيظ " إلى "والله يحب المحسنين " ، ف " والكاظمين الغيظ " كقوله : ( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) [ ص: 217 ] [ سورة الشورى : 37 ] ، يغضبون في الأمر لو وقعوا به كان حراما ، فيغفرون ويعفون ، يلتمسون بذلك وجه الله "والعافين عن الناس " كقوله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) [ سورة النور : 22 ] ، يقول : لا تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة شيئا واعفوا واصفحوا .
القول في تأويل قوله ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ( 135 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أن الجنة التي وصف صفتها أعدت للمتقين ، المنفقين في السراء والضراء ، والذين إذا فعلوا فاحشة . وجميع هذه النعوت من صفة "المتقين " ، الذين قال تعالى ذكره : " وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " ، كما : -

7844 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت البناني قال : سمعت الحسن قرأ هذه الآية : "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " ، ثم قرأ : "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " إلى "أجر العاملين " ، فقال : إن هذين النعتين لنعت رجل واحد .

7845 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، قال : هذان ذنبان ، "الفاحشة " ، ذنب ، "وظلموا أنفسهم " ذنب . [ ص: 218 ]

وأما "الفاحشة " ، فهي صفة لمتروك ، ومعنى الكلام : والذين إذا فعلوا فعلة فاحشة .

ومعنى "الفاحشة " ، الفعلة القبيحة الخارجة عما أذن الله عز وجل فيه . وأصل "الفحش " : القبح ، والخروج عن الحد والمقدار في كل شيء . ومنه قيل للطويل المفرط الطول : "إنه لفاحش الطول " ، يراد به : قبيح الطول ، خارج عن المقدار المستحسن . ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد : "كلام فاحش " ، وقيل للمتكلم به : "أفحش في كلامه " ، إذا نطق بفحش .

وقيل : إن "الفاحشة " في هذا الموضع ، معني بها الزنا .

ذكر من قال ذلك :

7846 - حدثنا العباس بن عبد العظيم قال : حدثنا حبان قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن جابر : "والذين إذا فعلوا فاحشة " ، قال : زنى القوم ورب الكعبة .

7847 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أما "الفاحشة " ، فالزنا .

وقوله : " أو ظلموا أنفسهم " ، يعني به : فعلوا بأنفسهم غير الذي كان ينبغي لهم أن يفعلوا بها . والذي فعلوا من ذلك ، ركوبهم من معصية الله ما أوجبوا لها به عقوبته ، كما : -

7848 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قوله : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، قال : الظلم من الفاحشة ، والفاحشة من الظلم . [ ص: 219 ]

وقوله : "ذكروا الله " ، يعني بذلك : ذكروا وعيد الله على ما أتوا من معصيتهم إياه " فاستغفروا لذنوبهم " ، يقول : فسألوا ربهم أن يستر عليهم ذنوبهم بصفحه لهم عن العقوبة عليها " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، يقول : وهل يغفر الذنوب - أي يعفو عن راكبها فيسترها عليه - إلا الله " ولم يصروا على ما فعلوا " ، يقول : ولم يقيموا على ذنوبهم التي أتوها ، ومعصيتهم التي ركبوها " وهم يعلمون " ، يقول : لم يقيموا على ذنوبهم عامدين للمقام عليها ، وهم يعلمون أن الله قد تقدم بالنهي عنها ، وأوعد عليها العقوبة من ركبها .

وذكر أن هذه الآية أنزلت خصوصا بتخفيفها ويسرها أمتنا ، مما كانت بنو إسرائيل ممتحنة به من عظيم البلاء في ذنوبها .

7849 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبى رباح : أنهم قالوا : يا نبي الله ، بنو إسرائيل أكرم على الله منا! كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه : "اجدع أذنك " ، "اجدع أنفك " ، "افعل "! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " إلى قوله : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بخير من ذلك " ؟ فقرأ هؤلاء الآيات .

7850 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني عمر بن أبي خليفة العبدي قال : حدثنا علي بن زيد بن جدعان قال : قال ابن مسعود : كانت [ ص: 220 ] بنو إسرائيل إذا أذنبوا أصبح مكتوبا على بابه الذنب وكفارته ، فأعطينا خيرا من ذلك ، هذه الآية .

7851 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت البناني قال : لما نزلت : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه " ، بكى إبليس فزعا من هذه الآية .

7852 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني قال : بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم " ، بكى .

7853 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عثمان مولى آل أبي عقيل الثقفي قال : سمعت علي بن ربيعة يحدث ، عن رجل من فزارة يقال له أسماء - : وابن أسماء - ، عن علي قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا نفعني الله بما شاء أن ينفعني [ منه ] ، فحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما من عبد - قال شعبة : وأحسبه قال : مسلم - يذنب ذنبا ، ثم يتوضأ ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله لذلك الذنب [ إلا غفر له ] وقال شعبة : وقرأ إحدى هاتين الآيتين : ( من يعمل سوءا يجز به ) ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) . [ ص: 221 ]

7854 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي وحدثنا الفضل بن إسحاق قال : حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن علي بن ربيعة الوالبي ، عن أسماء بن الحكم الفزاري ، عن علي بن أبي طالب قال : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته . وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من رجل يذنب ذنبا ثم يتوضأ ، ثم يصلي قال أحدهما : ركعتين ، وقال الآخر : "ثم يصلي ويستغفر الله ، إلا غفر له " . [ ص: 222 ]

7855 - حدثنا الزبير بن بكار قال : حدثني سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أخيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب أنه قال : ما حدثني أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سألته أن يقسم لي بالله لهو سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أبا بكر ، فإنه كان لا يكذب . قال علي رضي الله عنه : فحدثني أبو بكر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من عبد يذنب ذنبا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتوضأ ، ثم يصلي ركعتين ، ويستغفر الله من ذنبه ذلك ، إلا غفره الله له .

وأما قوله " ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " ، فإنه كما بينا تأويله .

وبنحو ذلك كان أهل التأويل يقولون :

7856 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق : " والذين إذا فعلوا فاحشة " ، أي إن أتوا فاحشة "أو ظلموا أنفسهم " بمعصية ، [ ص: 223 ] ذكروا نهي الله عنها ، وما حرم الله عليهم ، فاستغفروا لها ، وعرفوا أنه لا يغفر الذنوب إلا هو .

وأما قوله : " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، فإن اسم "الله " مرفوع ولا جحد قبله ، وإنما يرفع ما بعد "إلا " بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد ، كقول القائل : "ما في الدار أحد إلا أخوك " . فأما إذا قيل : "قام القوم إلا أباك " ، فإن وجه الكلام في "الأب " النصب . و "من " بصلته في قوله : " ومن يغفر الذنوب إلا الله " ، معرفة . فإن ذلك إنما جاء رفعا ، لأن معنى الكلام : وهل يغفر الذنوب أحد أو : ما يغفر الذنوب أحد إلا الله . فرفع ما بعد "إلا " من [ اسم ] الله ، على تأويل الكلام لا على لفظه .

وأما قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "; فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويل "الإصرار " ، ومعنى هذه الكلمة .

فقال بعضهم : معنى ذلك : لم يثبتوا على ما أتوا من الذنوب ولم يقيموا عليه ، ولكنهم تابوا واستغفروا ، كما وصفهم الله به .

ذكر من قال ذلك :

7857 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، فإياكم والإصرار ، فإنما هلك المصرون ، الماضون قدما ، لا تنهاهم مخافة الله عن حرام حرمه الله عليهم ، ولا يتوبون من ذنب أصابوه ، حتى أتاهم الموت وهم على ذلك . [ ص: 224 ]

7858 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ؟ قال : قدما قدما في معاصي الله!! لا تنهاهم مخافة الله ، حتى جاءهم أمر الله .

7859 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، أي : لم يقيموا على معصيتي ، كفعل من أشرك بي ، فيما عملوا به من كفر بي .

وقال آخرون : معنى ذلك : لم يواقعوا الذنب إذا هموا به .

ذكر من قال ذلك :

7860 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " ولم يصروا على ما فعلوا " ، قال : إتيان العبد ذنبا إصرار ، حتى يتوب .

7861 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ولم يصروا على ما فعلوا " ، قال : لم يواقعوا .

وقال آخرون : معنى "الإصرار " ، السكوت على الذنب وترك الاستغفار .

ذكر من قال ذلك :

7862 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، أما "يصروا " فيسكتوا ولا يستغفروا . [ ص: 225 ]

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا ، قول من قال : "الإصرار " ، الإقامة على الذنب عامدا ، وترك التوبة منه . ولا معنى لقول من قال : "الإصرار على الذنب هو مواقعته " ، لأن الله عز وجل مدح بترك الإصرار على الذنب مواقع الذنب ، فقال : " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " ، ولو كان المواقع الذنب مصرا بمواقعته إياه ، لم يكن للاستغفار وجه مفهوم . لأن الاستغفار من الذنب إنما هو التوبة منه والندم ، ولا يعرف للاستغفار من ذنب لم يواقعه صاحبه ، وجه .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة " .

7863 - حدثني بذلك الحسين بن يزيد السبيعي قال : حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن عثمان بن واقد ، عن أبي نصيرة ، عن مولى لأبي بكر ، عن أبي بكر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 226 ]

فلو كان مواقع الذنب مصرا ، لم يكن لقوله "ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة " ، معنى لأن مواقعة الذنب إذا كانت هي الإصرار ، فلا يزيل الاسم الذي لزمه معنى غيره ، كما لا يزيل عن الزاني اسم "زان " وعن القاتل اسم "قاتل " ، توبته منه ، ولا معنى غيرها . وقد أبان هذا الخبر أن المستغفر من ذنبه غير مصر عليه ، فمعلوم بذلك أن "الإصرار " غير المواقعة ، وأنه المقام عليه ، على ما قلنا قبل .

واختلف أهل التأويل ، في تأويل قوله : " وهم يعلمون " .

فقال بعضهم : معناه : وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا .

ذكر من قال ذلك :

7864 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما "وهم يعلمون " ، فيعلمون أنهم قد أذنبوا ، ثم أقاموا فلم يستغفروا .

وقال آخرون : معنى ذلك : وهم يعلمون أن الذي أتوا معصية لله .

ذكر من قال ذلك :

7865 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "وهم يعلمون " ، قال : يعلمون ما حرمت عليهم من عبادة غيري .

قال أبو جعفر : وقد تقدم بياننا أولى ذلك بالصواب . [ ص: 227 ]
القول في تأويل قوله ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ( 136 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أولئك " ، الذين ذكر أنه أعد لهم الجنة التي عرضها السماوات والأرض ، من المتقين ، ووصفهم بما وصفهم به . ثم قال : هؤلاء الذين هذه صفتهم "جزاؤهم " ، يعني ثوابهم من أعمالهم التي وصفهم تعالى ذكره أنهم عملوها ، "مغفرة من ربهم " ، يقول : عفو لهم من الله عن عقوبتهم على ما سلف من ذنوبهم ، ولهم على ما أطاعوا الله فيه من أعمالهم بالحسن منها "جنات " ، وهي البساتين "تجري من تحتها الأنهار " ، يقول : تجري خلال أشجارها الأنهار وفي أسافلها ، جزاء لهم على صالح أعمالهم "خالدين فيها " يعني : دائمي المقام في هذه الجنات التي وصفها "ونعم أجر العاملين " ، يعني : ونعم جزاء العاملين لله ، الجنات التي وصفها ، كما : -

7866 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين " ، أي ثواب المطيعين .
[ ص: 228 ] القول في تأويل قوله ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( 137 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " قد خلت من قبلكم سنن " ، مضت وسلفت مني فيمن كان قبلكم ، يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به ، من نحو قوم عاد وثمود وقوم هود وقوم لوط ، وغيرهم من سلاف الأمم قبلكم "سنن " ، يعني : مثلات سير بها فيهم وفيمن كذبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم ، بإمهالي أهل التكذيب بهم ، واستدراجي إياهم ، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم ، ثم أحللت بهم عقوبتي ، وأنزلت بساحتهم نقمي ، فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرا " فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول : فسيروا - أيها الظانون ، أن إدالتي من أدلت من أهل الشرك يوم أحد على محمد وأصحابه ، لغير استدراج مني لمن أشرك بي ، وكفر برسلي ، وخالف أمري - في ديار الأمم الذين كانوا قبلكم ، ممن كان على مثل الذي عليه هؤلاء المكذبون برسولي والجاحدون وحدانيتي ، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي ، وما الذي آل إليه غب خلافهم أمري ، وإنكارهم وحدانيتي ، فتعلموا عند ذلك أن إدالتي من أدلت من المشركين على نبيي محمد وأصحابه بأحد ، إنما هي استدراج وإمهال ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم . [ ص: 229 ] ثم إما أن يؤول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم : من تعجيل العقوبة عليهم ، أو ينيبوا إلى طاعتي واتباع رسولي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7867 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، فقال : ألم تسيروا في الأرض فتنظروا كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح ، والأمم التي عذب الله عز وجل ؟

7868 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن " ، يقول : في الكفار والمؤمنين ، والخير والشر .

7869 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قد خلت من قبلكم سنن " ، في المؤمنين والكفار .

7870 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : استقبل ذكر المصيبة التي نزلت بهم يعني بالمسلمين يوم أحد والبلاء الذي أصابهم ، والتمحيص لما كان فيهم ، واتخاذه الشهداء منهم ، فقال تعزية لهم وتعريفا لهم فيما صنعوا ، وما هو صانع بهم : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، أي : قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي : عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ، فسيروا في الأرض تروا مثلات قد مضت فيهم ، ولمن كان على مثل ما هم عليه من ذلك [ ص: 230 ] مني ، وإن أمليت لهم ، أي : لئلا تظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوي ، للدولة التي أدلتها‌‌ عليكم بها ، لأبتليكم بذلك ، لأعلم ما عندكم .

7871 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول : متعهم في الدنيا قليلا ثم صيرهم إلى النار .

قال أبو جعفر : وأما "السنن " فإنها جمع "سنة " ، "والسنة " ، هي المثال المتبع ، والإمام المؤتم به . يقال منه : "سن فلان فينا سنة حسنة ، وسن سنة سيئة " ، إذا عمل عملا اتبع عليه من خير وشر ، ومنه قول لبيد بن ربيعة :


من معشر سنت لهم آباؤهم ، ولكل قوم سنة وإمامها


[ ص: 231 ]

وقول سليمان بن قتة :


وإن الألى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا


وقال ابن زيد في ذلك ما : -

7872 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن " ، قال : أمثال .
القول في تأويل قوله عز وجل ( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ( 138 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أشير إليه ب "هذا " .

فقال بعضهم : عنى بقوله "هذا " ، القرآن .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 03-05-2023 04:27 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (433)
صــ 232إلى صــ 236




ذكر من قال ذلك :

7873 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا [ ص: 232 ] عباد ، عن الحسن في قوله : " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " ، قال : هذا القرآن .

7874 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة . قوله : " هذا بيان للناس " ، وهو هذا القرآن ، جعله الله بيانا للناس عامة ، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا .

7875 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال في قوله : " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " ، خاصة .

7876 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن جريج في قوله : " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين " ، خاصة .

وقال آخرون : إنما أشير بقوله "هذا " ، إلى قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبه المكذبين " ، ثم قال : هذا الذي عرفتكم ، يا معشر أصحاب محمد ، بيان للناس .

ذكر من قال ذلك :

7877 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق بذلك .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : قوله : "هذا " ، إشارة إلى ما تقدم هذه الآية من تذكير الله جل ثناؤه المؤمنين ، وتعريفهم حدوده ، وحضهم على لزوم طاعته والصبر على جهاد أعدائه وأعدائهم . لأن قوله : "هذا " ، إشارة إلى حاضر : إما مرئي وإما مسموع ، وهو في هذا الموضع إلى حاضر مسموع من الآيات المتقدمة .

فمعنى الكلام : هذا الذي أوضحت لكم وعرفتكموه ، بيان للناس يعني ب "البيان " ، الشرح والتفسير ، كما : - [ ص: 233 ]

7878 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " هذا بيان للناس " ، أي : هذا تفسير للناس إن قبلوه .

7879 - حدثنا أحمد بن حازم والمثني قالا حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن بيان ، عن الشعبي : " هذا بيان للناس " ، قال : من العمى .

7880 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الشعبي ، مثله .

وأما قوله : "وهدى وموعظة " ، فإنه يعني ب "الهدى " ، الدلالة على سبيل الحق ومنهج الدين و ب "الموعظة " ، التذكرة للصواب والرشاد ، كما : -

7881 - حدثنا أحمد بن حازم والمثنى قالا : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن بيان ، عن الشعبي : "وهدى " ، قال : من الضلالة "وموعظة " ، من الجهل .

7882 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن بيان ، عن الشعبي مثله .

7883 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "للمتقين " ، أي : لمن أطاعني وعرف أمري .
[ ص: 234 ] القول في تأويل قوله ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( 139 ) )

قال أبو جعفر : وهذا من الله تعالى ذكره تعزية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أصابهم من الجراح والقتل بأحد .

قال : "ولا تهنوا ولا تحزنوا " ، يا أصحاب محمد ، يعني : ولا تضعفوا بالذي نالكم من عدوكم بأحد ، من القتل والقروح - عن جهاد عدوكم وحربهم .

من قول القائل : "وهن فلان في هذا الأمر فهو يهن وهنا " .

"ولا تحزنوا " ، ولا تأسوا فتجزعوا على ما أصابكم من المصيبة يومئذ ، فإنكم " وأنتم الأعلون " ، يعني : الظاهرون عليهم ، ولكم العقبى في الظفر والنصرة عليهم "إن كنتم مؤمنين " ، يقول : إن كنتم مصدقي نبيي محمد صلى الله عليه وسلم فيما يعدكم ، وفيما ينبئكم من الخبر عما يئول إليه أمركم وأمرهم . كما : -

7884 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري قال : كثر في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم القتل والجراح ، حتى خلص إلى كل امرئ منهم البأس ، فأنزل الله عز وجل القرآن ، فآسى فيه المؤمنين بأحسن ما آسى به قوما من المسلمين كانوا قبلهم من الأمم الماضية ، فقال : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " إلى قوله : "لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " .

7885 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ، يعزي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كما تسمعون ، ويحثهم على قتال عدوهم ، وينهاهم عن العجز والوهن في طلب عدوهم في سبيل الله . [ ص: 235 ]

7886 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ، قال : يأمر محمدا ، يقول : "ولا تهنوا " ، أن تمضوا في سبيل الله .

7887 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ولا تهنوا " ، ولا تضعفوا .

7888 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7889 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : " ولا تهنوا ولا تحزنوا " ، يقول : ولا تضعفوا .

7890 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "ولا تهنوا " ، قال ابن جريج : ولا تضعفوا في أمر عدوكم ، " ولا تحزنوا وأنتم الأعلون " ، قال : انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ، فقالوا : ما فعل فلان ؟ ما فعل فلان ؟ فنعى بعضهم بعضا ، وتحدثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فكانوا في هم وحزن . فبينما هم كذلك ، إذ علا خالد بن الوليد الجبل بخيل المشركين فوقهم ، وهم أسفل في الشعب . فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم فرحوا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم لا قوة لنا إلا بك ، وليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر "! . قال : وثاب نفر من المسلمين رماة ، فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله ، وعلا المسلمون الجبل . فذلك قوله : " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .

7891 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "ولا تهنوا " ، أي : لا تضعفوا "ولا تحزنوا " ، ولا تأسوا على ما أصابكم ، "وأنتم الأعلون " ، [ ص: 236 ] أي : لكم تكون العاقبة والظهور "إن كنتم مؤمنين " إن كنتم صدقتم نبيي بما جاءكم به عني .

7892 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم لا يعلون علينا " . فأنزل الله عز وجل : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " .
القول في تأويل قوله ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله )

قال أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز والمدينة والبصرة : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) ، كلاهما بفتح "القاف " ، بمعنى : إن يمسسكم القتل والجراح ، يا معشر أصحاب محمد ، فقد مس القوم من أعدائكم من المشركين قرح قتل وجراح مثله .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) . [ كلاهما بضم القاف ] . [ ص: 237 ]

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، بفتح "القاف " في الحرفين ، لإجماع أهل التأويل على أن معناه : القتل والجراح ، فذلك يدل على أن القراءة هي الفتح .

وكان بعض أهل العربية يزعم أن "القرح " و "القرح " لغتان بمعنى واحد . والمعروف عند أهل العلم بكلام العرب ما قلنا .

ذكر من قال : إن "القرح " ، الجراح والقتل .

7893 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، قال : جراح وقتل .

7894 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

7895 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، قال : إن يقتلوا منكم يوم أحد ، فقد قتلتم منهم يوم بدر .

7896 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، والقرح الجراحة ، وذاكم يوم أحد ، فشا في أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم يومئذ القتل والجراحة ، فأخبرهم الله عز وجل أن القوم قد أصابهم من ذلك مثل الذي أصابكم ، وأن الذي أصابكم عقوبة . [ ص: 238 ]

7897 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، قال : ذلك يوم أحد ، فشا في المسلمين الجراح ، وفشا فيهم القتل ، فذلك قوله : "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، يقول : إن كان أصابكم قرح فقد أصاب عدوكم مثله يعزي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويحثهم على القتال .

7898 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " ، والقرح هي الجراحات .

7899 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "إن يمسسكم قرح " أي : جراح "فقد مس القوم قرح مثله " ، أي : جراح مثلها .

7900 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : نام المسلمون وبهم الكلوم يعني يوم أحد قال عكرمة : وفيهم أنزلت : " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، وفيهم أنزلت : ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ) [ سورة النساء : 104 ] .

وأما تأويل قوله : " إن يمسسكم قرح " ، فإنه : إن يصبكم . كما : -

7901 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إن يمسسكم " ، إن يصبكم .
[ ص: 239 ] القول في تأويل قوله ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره [ بقوله ] " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، أيام بدر وأحد .

ويعني بقوله : " نداولها بين الناس " ، نجعلها دولا بين الناس مصرفة . ويعني ب "الناس " ، المسلمين والمشركين . وذلك أن الله عز وجل أدال المسلمين من المشركين ببدر ، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين . وأدال المشركين من المسلمين بأحد ، فقتلوا منهم سبعين ، سوى من جرحوا منهم .

يقال منه : "أدال الله فلانا من فلان ، فهو يديله منه إدالة " ، إذا ظفر به فانتصر منه مما كان نال منه المدال منه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7902 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، قال جعل الله الأيام دولا ، أدال الكفار يوم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

7903 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، إنه والله لولا الدول ما أوذي المؤمنون ، ولكن قد يدال للكافر من المؤمن ، ويبتلى المؤمن بالكافر ، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه ، ويعلم الصادق من الكاذب .

7904 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، فأظهر الله عز وجل [ ص: 240 ] نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه على المشركين يوم بدر ، وأظهر عليهم عدوهم يوم أحد . وقد يدال الكافر من المؤمن ، ويبتلى المؤمن بالكافر ، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه ، ويعلم الصادق من الكاذب . وأما من ابتلى منهم من المسلمين يوم أحد ، فكان عقوبة بمعصيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

7905 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، يوما لكم ، ويوما عليكم .

7906 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : " نداولها بين الناس " ، قال : أدال المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .

7907 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، فإنه كان يوم أحد بيوم بدر ، قتل المؤمنون يوم أحد ، اتخذ الله منهم شهداء ، وغلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر المشركين ، فجعل له الدولة عليهم .

7908 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما كان قتال أحد وأصاب المسلمين ما أصاب ، صعد النبي صلى الله عليه وسلم الجبل ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد ! يا محمد! ألا تخرج ؟ ألا تخرج ؟ الحرب سجال : يوم لنا ويوم لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أجيبوه ، فقالوا : لا سواء ، لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار! فقال أبو سفيان : لنا عزى ولا عزى لكم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم . فقال أبو سفيان : اعل هبل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : الله أعلى وأجل! فقال أبو سفيان : موعدكم وموعدنا بدر الصغرى قال عكرمة : وفيهم أنزلت : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " .

7909 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : حدثنا ابن المبارك ، [ ص: 241 ] عن ابن جريج ، عن ابن عباس ، في قوله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، فإنه أدال على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .

7910 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، أي نصرفها للناس ، للبلاء والتمحيص .

7911 - حدثني إبراهيم بن عبد الله قال : أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن ابن عون ، عن محمد في قول الله : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، قال : يعني الأمراء .
القول في تأويل قوله ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ( 140 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء نداولها بين الناس .

ولو لم يكن في الكلام "واو " ، لكان قوله : "ليعلم " متصلا بما قبله ، وكان "وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، ليعلم الله الذين آمنوا . ولكن لما دخلت "الواو " فيه ، آذنت بأن الكلام متصل بما قبلها ، وأن بعدها خبرا مطلوبا ، واللام التي في قوله : "وليعلم " ، به متعلقة . [ ص: 242 ]

فإن قال قائل : وكيف قيل : "وليعلم الله الذين آمنوا " معرفة ، وأنت لا تستجيز في الكلام : "قد سألت فعلمت عبد الله " ، وأنت تريد : علمت شخصه ، إلا أن تريد : علمت صفته وما هو ؟

قيل : إن ذلك إنما جاز مع "الذين " ، لأن في "الذين " تأويل "من " و "أي " ، وكذلك جائز مثله في "الألف واللام " ، كما قال تعالى ذكره : ( فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [ سورة العنكبوت : 3 ] ، لأن في "الألف واللام " من تأويل "أي " ، و "من " ، مثل الذي في "الذي " . ولو جعل مع الاسم المعرفة اسما فيه دلالة على "أي " ، جاز ، كما يقال : "سألت لأعلم عبد الله من عمرو " ، ويراد بذلك : لأعرف هذا من هذا .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : وليعلم الله الذين آمنوا منكم ، أيها القوم ، من الذين نافقوا منكم ، نداول بين الناس فاستغنى بقوله : "وليعلم الله الذين آمنوا منكم " ، عن ذكر قوله : "من الذين نافقوا " ، لدلالة الكلام عليه . إذ كان في قوله : "الذين آمنوا " تأويل "أي " على ما وصفنا . فكأنه قيل : وليعلم الله أيكم المؤمن ، كما قال جل ثناؤه : ( لنعلم أي الحزبين أحصى ) [ سورة الكهف : 12 ] غير أن "الألف واللام " ، و "الذي " و "من " إذا وضعت مع العلم موضع "أي " ، نصبت بوقوع العلم عليه ، كما قيل : "وليعلمن الكاذبين " ، فأما "أي " فإنها ترفع .

قال أبو جعفر : وأما قوله : "ويتخذ منكم شهداء " ، فإنه يعني : " [ ص: 243 ] وليعلم الله الذين آمنوا " وليتخذ منكم شهداء ، أي : ليكرم منكم بالشهادة من أراد أن يكرمه بها .

"والشهداء " جمع "شهيد " ، كما : -

7912 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، أي : ليميز بين المؤمنين والمنافقين ، وليكرم من أكرم من أهل الإيمان بالشهادة .

7913 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة على ابن جريج في قوله : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، قال : فإن المسلمين كانوا يسألون ربهم : "ربنا أرنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ، ونبليك فيه خيرا ، ونلتمس فيه الشهادة "! فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ منهم شهداء .

7914 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، فكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم ، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله .

7915 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، قال : قال ابن عباس : كانوا يسألون الشهادة ، فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ منهم شهداء .

7916 - حدثني عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوما كيوم بدر ، يبلون فيه خيرا ، ويرزقون فيه الشهادة ، ويرزقون الجنة والحياة والرزق ، فلقوا المشركين [ ص: 244 ] يوم أحد ، فاتخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات ) الآية ، [ سورة البقرة : 154 ] .

قال أبو جعفر : وأما قوله : "والله لا يحب الظالمين " ، فإنه يعني به : الذين ظلموا أنفسهم بمعصيتهم ربهم ، كما : -

7917 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " والله لا يحب الظالمين " ، أي : المنافقين الذي يظهرون بألسنتهم الطاعة ، وقلوبهم مصرة على المعصية .
القول في تأويل قوله ( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ( 141 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، وليختبر الله الذين صدقوا الله ورسوله ، فيبتليهم بإدالة المشركين منهم ، حتى يتبين المؤمن منهم المخلص الصحيح الإيمان ، من المنافق . كما : -

7918 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، قال : ليبتلي . [ ص: 245 ]

7919 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

7920 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، قال : ليمحص الله المؤمن حتى يصدق .

7921 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، يقول : يبتلي المؤمنين .

7922 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " وليمحص الله الذين آمنوا " ، قال : يبتليهم .

7923 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " ، فكان تمحيصا للمؤمنين ، ومحقا للكافرين .

7924 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، " وليمحص الله الذين آمنوا " ، أي يختبر الذين آمنوا ، حتى يخلصهم بالبلاء الذي نزل بهم ، وكيف صبرهم ويقينهم .

7925 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " ، قال : يمحق من محق في الدنيا ، وكان بقية من يمحق في الآخرة في النار .

وأما قوله : " ويمحق الكافرين " ، فإنه يعني به : أنه ينقصهم ويفنيهم .

يقال منه : "محق فلان هذا الطعام " ، إذا نقصه أو أفناه ، "يمحقه محقا " ، ومنه قيل لمحاق القمر : "محاق " ، وذلك نقصانه وفناؤه ، كما : -

7926 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 246 ] ابن جريج قال : قال ابن عباس : "ويمحق الكافرين " ، قال : ينقصهم .

7927 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن في قوله : " ويمحق الكافرين " ، قال : يمحق الكافر حتى يكذبه .

7928 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ويمحق الكافرين " ، أي : يبطل من المنافقين قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، حتى يظهر منهم كفرهم الذي يستترون به منكم .
القول في تأويل قوله ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ( 142 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "أم حسبتم " ، يا معشر أصحاب محمد ، وظننتم "أن تدخلوا الجنة " ، وتنالوا كرامة ربكم ، وشرف المنازل عنده "ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم " ، يقول : ولما يتبين لعبادي المؤمنين ، المجاهد منكم في سبيل الله ، على ما أمره به .

وقد بينت معنى قوله : " ولما يعلم الله " ، "وليعلم الله " ، وما أشبه ذلك ، بأدلته فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته . .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 03-05-2023 04:31 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (434)
صــ 246إلى صــ 261





وقوله : " ويعلم الصابرين " ، يعني : الصابرين عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من جرح وألم ومكروه . كما : - [ ص: 247 ]

7929 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " وتصيبوا من ثوابي الكرامة ، ولم أختبركم بالشدة ، وأبتليكم بالمكاره ، حتى أعلم صدق ذلك منكم الإيمان بي ، والصبر على ما أصابكم في .

ونصب " ويعلم الصابرين " ، على الصرف . و "الصرف " ، أن يجتمع فعلان ببعض حروف النسق ، وفي أوله ما لا يحسن إعادته مع حرف النسق ، فينصب الذي بعد حرف العطف على الصرف ، لأنه مصروف عن معنى الأول ، ولكن يكون مع جحد أو استفهام أو نهي في أول الكلام . وذلك كقولهم : "لا يسعني شيء ويضيق عنك " ، لأن "لا " التي مع "يسعني " لا يحسن إعادتها مع قوله : "ويضيق عنك " ، فلذلك نصب . .

والقرأة في هذا الحرف على النصب .

وقد روي عن الحسن أنه كان يقرأ : ( ويعلم الصابرين ) ، فيكسر "الميم " من "يعلم " ، لأنه كان ينوي جزمها على العطف به على قوله : " ولما يعلم الله " .
[ ص: 248 ] القول في تأويل قوله ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ( 143 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ولقد كنتم تمنون الموت " ، ولقد كنتم ، يا معشر أصحاب محمد " تمنون الموت " ، يعني أسباب الموت ، وذلك : القتال "فقد رأيتموه " ، فقد رأيتم ما كنتم تمنونه - و "الهاء " في قوله "رأيتموه " عائدة على "الموت " ، والمعنى : [ القتال ] "وأنتم تنظرون " ، يعني : قد رأيتموه بمرأى منكم ومنظر ، أي بقرب منكم .

وكان بعض أهل العربية يزعم أنه قيل : " وأنتم تنظرون " ، على وجه التوكيد للكلام ، كما يقال : "رأيته عيانا " و "رأيته بعيني ، وسمعته بأذني " .

قال أبو جعفر : وإنما قيل : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، لأن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يشهد بدرا ، كانوا يتمنون قبل أحد يوما مثل يوم بدر ، فيبلوا الله من أنفسهم خيرا ، وينالوا من الأجر مثل ما نال أهل بدر . فلما كان يوم أحد فر بعضهم ، وصبر بعضهم حتى أوفى بما كان عاهد الله قبل ذلك ، فعاتب الله من فر منهم فقال : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، الآية ، وأثنى على الصابرين منهم والموفين بعهدهم .

ذكر الأخبار بما ذكرنا من ذلك :

7930 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، قال : غاب رجال عن بدر ، فكانوا [ ص: 249 ] يتمنون مثل يوم بدر أن يلقوه ، فيصيبوا من الخير والأجر مثل ما أصاب أهل بدر . فلما كان يوم أحد ، ولى من ولى منهم ، فعاتبهم الله أو : فعابهم ، أو : فعيبهم على ذلك . شك أبو عاصم .

7931 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه - إلا أنه قال : "فعاتبهم الله على ذلك " ، ولم يشك .

7932 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أناس من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطى الله أهل بدر من الفضل والشرف والأجر ، فكان يتمنون أن يرزقوا قتالا فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى كان في ناحية المدينة يوم أحد ، فقال الله عز وجل كما تسمعون : "ولقد كنتم تمنون الموت " ، حتى بلغ "الشاكرين " .

7933 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، قال : كانوا يتمنون أن يلقوا المشركين فيقاتلوهم ، فلما لقوهم يوم أحد ولوا .

7934 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : إن أناسا من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطاهم الله من الفضل ، فكانوا يتمنون أن يروا قتالا فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى كان بناحية المدينة يوم أحد ، فأنزل الله عز وجل : "ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، الآية .

7935 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا هوذة قال : حدثنا عوف ، [ ص: 250 ] عن الحسن قال : بلغني أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : "لإن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم لنفعلن ولنفعلن " ، فابتلوا بذلك ، فلا والله ما كلهم صدق الله ، فأنزل الله عز وجل . " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " .

7936 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهدوا بدرا ، فلما رأوا فضيلة أهل بدر قالوا : "اللهم إنا نسألك أن ترينا يوما كيوم بدر نبليك فيه خيرا "! فرأوا أحدا ، فقال لهم : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " .

7937 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أي : لقد كنتم تمنون الشهادة على الذي أنتم عليه من الحق قبل أن تلقوا عدوكم يعني الذين استنهضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على خروجه بهم إلى عدوهم ، لما فاتهم من الحضور في اليوم الذي كان قبله ببدر ، رغبة في الشهادة التي قد فاتتهم به . يقول : " فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أي : الموت بالسيوف في أيدي الرجال ، قد خلى بينكم وبينهم ، وأنتم تنظرون إليهم ، فصددتم عنهم .
[ ص: 251 ]

القول في تأويل قوله ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ( 144 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه ، داعيا إلى الله وإلى طاعته ، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه . يقول جل ثناؤه : فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو فيما الله به صانع من قبضه إليه عند انقضاء مدة أجله ، كسائر رسله إلى خلقه الذين مضوا قبله ، وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم .

ثم قال لأصحاب محمد ، معاتبهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحد : "إن محمدا قتل " ، ومقبحا إليهم انصراف من انصرف منهم عن عدوهم وانهزامه عنهم : أفإن مات محمد ، أيها القوم ، لانقضاء مدة أجله ، أو قتله عدو "انقلبتم على أعقابكم " ، يعني : ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله محمدا بالدعاء إليه ورجعتم عنه كفارا بالله بعد الإيمان به ، وبعد ما قد وضحت لكم صحة ما دعاكم محمد إليه ، وحقيقة ما جاءكم به من عند ربه "ومن ينقلب على عقبيه " ، يعني بذلك : ومن يرتدد منكم عن دينه ويرجع كافرا بعد إيمانه ، [ ص: 252 ] "فلن يضر الله شيئا " يقول : فلن يوهن ذلك عزة الله ولا سلطانه ، ولا يدخل بذلك نقص في ملكه ، بل نفسه يضر بردته ، وحظ نفسه ينقص بكفره " وسيجزي الله الشاكرين " ، يقول : وسيثيب الله من شكره على توفيقه وهدايته إياه لدينه ، بثبوته على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إن هو مات أو قتل ، واستقامته على منهاجه ، وتمسكه بدينه وملته بعده . كما : -

7938 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي في قوله : "وسيجزي الله الشاكرين " ، الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه . فكان علي رضي الله عنه يقول : كان أبو بكر أمين الشاكرين ، وأمين أحباء الله ، وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله .

7939 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن العلاء بن بدر قال : إن أبا بكر أمين الشاكرين . وتلا هذه الآية : " وسيجزي الله الشاكرين " .

7940 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وسيجزي الله الشاكرين " ، أي : من أطاعه وعمل بأمره .

وذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن انهزم عنه بأحد من أصحابه . [ ص: 253 ]

ذكر الأخبار الواردة بذلك :

7941 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " إلى قوله : " وسيجزي الله الشاكرين " ، ذاكم يوم أحد ، حين أصابهم القرح والقتل ، ثم تناعوا نبي الله صلى الله عليه وسلم تفئة ذلك ، فقال أناس : "لو كان نبيا ما قتل "! وقال أناس من علية أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم : "قاتلوا على ما قاتل عليه محمد نبيكم حتى يفتح الله لكم أو تلحقوا به "! فقال الله عز وجل : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، يقول : إن مات نبيكم أو قتل ، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم .

7942 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بنحوه وزاد فيه ، قال الربيع : وذكر لنا والله أعلم ، أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان ، أشعرت أن محمدا قد قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل ، فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم . فأنزل الله عز وجل : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، يقول : ارتددتم كفارا بعد إيمانكم . [ ص: 254 ]

7943 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد إليهم - يعني : إلى المشركين - أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال : "لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم ، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم " . وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، أخا خوات بن جبير .

ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم ، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان . فلما رأى ذلك خالد بن الوليد ، وهو على خيل المشركين ، كر . فرمته الرماة فانقمع . فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه ، بادروا الغنيمة ، فقال بعضهم : "لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "! فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر . فلما رأى خالد قلة الرماة ، صاح في خيله ثم حمل ، فقتل الرماة وحمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل ، تنادوا ، فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم . .

فأتى ابن قميئة الحارثي - أحد بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة - فرمى [ ص: 255 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته ، وشجه في وجهه فأثقله ، وتفرق عنه أصحابه ، ودخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها . وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : "إلي عباد الله! إلي عباد الله! " ، فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه ، فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنيف . فحماه طلحة ، فرمي بسهم في يده فيبست يده .

وأقبل أبي بن خلف الجمحي - وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتله - فقال : يا كذاب ، أين تفر ؟ فحمل عليه ، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في جيب الدرع ، فجرح جرحا خفيفا ، فوقع يخور خوار الثور . فاحتملوه وقالوا : ليس بك جراحة! ، [ فما يجزعك ] ؟ قال : أليس قال : "لأقتلنك " ؟ لو كانت لجميع ربيعة ومضر لقتلتهم! ولم يلبث إلا يوما وبعض يوم حتى مات من ذلك الجرح .

وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فقال بعض أصحاب الصخرة : "ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي ، فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان !! يا قوم ، إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم " . قال أنس بن النضر : "يا قوم ، إن كان محمد قد قتل ، فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم إنى أعتذر إليك مما [ ص: 256 ] يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء "! ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل .

وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس ، حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة . فلما رأوه ، وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه ، فقال : "أنا رسول الله "! ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به . فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا .

فقال الله عز وجل للذين قالوا : إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " .

7944 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن ينقلب على عقبيه " ، قال : يرتد .

7945 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه : أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل! فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل ، فقد بلغ! فقاتلوا عن دينكم .

7946 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع ، أخو بني عدي بن النجار قال : انتهى [ ص: 257 ] أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر ، وطلحة بن عبد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمد رسول الله! قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله! واستقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سمي أنس بن مالك .

7947 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : نادى مناد يوم أحد حين هزم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : "ألا إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى دينكم الأول "! فأنزل الله عز وجل : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، الآية .

7948 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : ألقي في أفواه المسلمين يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فنزلت هذه الآية : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية .

7949 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة ، والناس يفرون ، ورجل قائم على الطريق يسألهم : "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم ، فيقولون : "والله ما ندري ما فعل "! فقال : "والذي نفسي بيده ، لإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، لنعطينهم بأيدينا ، إنهم لعشائرنا وإخواننا "! وقالوا : "إن محمدا إن كان حيا لم يهزم ، ولكنه قتل "! فترخصوا في الفرار حينئذ . فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، الآية كلها . [ ص: 258 ]

7950 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية ، ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق ، قالوا يوم فر الناس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وشج فوق حاجبه وكسرت رباعيته : "قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول "! فذلك قوله : "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " .

7951 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، قال : ما بينكم وبين أن تدعوا الإسلام وتنقلبوا على أعقابكم إلا أن يموت محمد أو يقتل! فسوف يكون أحد هذين : فسوف يموت ، أو يقتل .

7952 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، إلى قوله : " وسيجزي الله الشاكرين " ، أي : لقول الناس : "قتل محمد " ، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوهم أي : أفإن مات نبيكم أو قتل ، رجعتم عن دينكم كفارا كما كنتم ، وتركتم جهاد عدوكم وكتاب الله ، وما قد خلف نبيه من دينه معكم وعندكم ، وقد بين لكم فيما جاءكم عني أنه ميت ومفارقكم ؟ "ومن ينقلب على عقبيه " ، أي : يرجع عن دينه "فلن يضر الله شيئا " ، أي : لن ينقص ذلك من عز الله ولا ملكه ولا سلطانه .

7953 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : قال : أهل المرض والارتياب والنفاق ، حين فر الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم : "قد قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول "! فنزلت هذه الآية . [ ص: 259 ]

قال أبو جعفر : ومعنى الكلام : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفتنقلبون على أعقابكم ، إن مات محمد أو قتل ؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا فجعل الاستفهام في حرف الجزاء ، ومعناه أن يكون في جوابه . وكذلك كل استفهام دخل على جزاء ، فمعناه أن يكون في جوابه . لأن الجواب خبر يقوم بنفسه ، والجزاء شرط لذلك الخبر ، ثم يجزم جوابه وهو كذلك ومعناه الرفع ، لمجيئه بعد الجزاء ، كما قال الشاعر :


حلفت له إن تدلج الليل لا يزل أمامك بيت من بيوتي سائر


فمعنى "لا يزل " رفع ، ولكنه جزم لمجيئه بعد الجزاء ، فصار كالجواب . ومثله : ( أفإن مت فهم الخالدون ) [ سورة الأنبياء : 34 ] و ( فكيف تتقون إن كفرتم ) [ سورة المزمل : 17 ] ، ولو كان مكان "فهم الخالدون " ، "يخلدون " ، وقيل : "أفإن مت يخلدوا " ، جاز الرفع فيه والجزم . وكذلك لو كان مكان "انقلبتم " ، "تنقلبوا " ، جاز الرفع والجزم ، لما وصفت قبل . وتركت إعادة الاستفهام ثانية مع قوله : "انقلبتم " ، اكتفاء بالاستفهام في أول الكلام ، وأن الاستفهام في أوله دال على موضعه ومكانه .

وقد كان بعض القرأة يختار في قوله : ( أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون [ ص: 260 ] ) [ سورة الإسراء : 82 - سورة الصافات : 16 - سورة الواقعة : 47 ] ، ترك إعادة الاستفهام مع "أإنا " ، اكتفاء بالاستفهام في قوله : "أإذا كنا ترابا " ، ويستشهد على صحة وجه ذلك بإجماع القرأة على تركهم إعادة الاستفهام مع قوله : "انقلبتم " ، اكتفاء بالاستفهام في قوله : "أفإن مات " ، إذ كان دالا على معنى الكلام وموضع الاستفهام منه . وكان يفعل مثل ذلك في جميع القرآن .

وسنأتي على الصواب من القول في ذلك إن شاء الله إذا انتهينا إليه .
القول في تأويل قوله ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما يموت محمد ولا غيره من خلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لحياته وبقائه ، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه الله له ، وأذن له بالموت ، فحينئذ يموت . فأما قبل ذلك ، فلن يموت بكيد كائد ولا بحيلة محتال ، كما : -

7954 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " ، أي : إن لمحمد أجلا هو بالغه ، إذا أذن الله له في ذلك كان . [ ص: 261 ]

وقد قيل إن معنى ذلك : وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله .

وقد اختلف أهل العربية في معنى الناصب قوله : "كتابا مؤجلا " .

فقال بعض نحويي البصرة : هو توكيد ، ونصبه على : "كتب الله كتابا مؤجلا " . قال : وكذلك كل شيء في القرآن من قوله : ( حقا ) إنما هو : أحق ذلك حقا " . وكذلك : ( وعد الله ) ( رحمة من ربك ) ، ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) ( كتاب الله عليكم ) ، إنما هو : صنع الله هكذا صنعا . فهكذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا ، فإنه كثير .

وقال بعض نحويي الكوفة في قوله : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " ، معناه : كتب الله آجال النفوس ، ثم قيل : "كتابا مؤجلا " ، فأخرج قوله : "كتابا مؤجلا " ، نصبا من المعنى الذي في الكلام ، إذ كان قوله : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " ، قد أدى عن معنى : "كتب " ، قال : وكذلك سائر ما في القرآن من نظائر ذلك ، فهو على هذا النحو .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 03-05-2023 04:33 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (435)
صــ 262إلى صــ 276





وقال آخرون منهم : قول القائل : "زيد قائم حقا " ، بمعنى : "أقول زيد قائم حقا " ، لأن كل كلام "قول " ، فأدى المقول عن "القول " ، ثم خرج ما بعده منه ، كما تقول : "أقول قولا حقا " ، وكذلك "ظنا " و "يقينا " وكذلك : "وعد الله " ، وما أشبهه . [ ص: 262 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أن كل ذلك منصوب على المصدر من معنى الكلام الذي قبله ، لأن في كل ما قبل المصادر التي هي مخالفة ألفاظها ألفاظ ما قبلها من الكلام ، معاني ألفاظ المصادر وإن خالفها في اللفظ ، فنصبها من معاني ما قبلها دون ألفاظه .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ( 145 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : من يرد منكم ، أيها المؤمنون ، بعمله جزاء منه بعض أعراض الدنيا ، دون ما عند الله من الكرامة لمن ابتغى بعمله ما عنده "نؤته منها " ، يقول : نعطه منها ، يعني من الدنيا ، يعني أنه يعطيه منها ما قسم له فيها من رزق أيام حياته ، ثم لا نصيب له في كرامة الله التي أعدها لمن أطاعه وطلب ما عنده في الآخرة " ومن يرد ثواب الآخرة " ، يقول : ومن يرد منكم بعمله جزاء منه ثواب الآخرة ، يعني : ما عند الله من كرامته التي أعدها للعاملين له في الآخرة "نؤته منها " ، يقول : نعطه منها ، يعني من الآخرة . والمعنى : من كرامة الله التي خص بها أهل طاعته في الآخرة . فخرج الكلام على الدنيا والآخرة ، والمعنى ما فيهما . كما : -

7955 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها " ، أي : فمن كان منكم يريد الدنيا ، ليست له رغبة في الآخرة ، نؤته ما قسم له منها من رزق ، ولا حظ له في [ ص: 263 ] الآخرة ومن يرد ثواب الآخرة نوته منها " ما وعده ، مع ما يجري عليه من رزقه في دنياه .

وأما قوله : " وسنجزي الشاكرين " ، يقول : وسأثيب من شكر لي ما أوليته من إحساني إليه بطاعته إياي ، وانتهائه إلى أمري ، وتجنبه محارمي في الآخرة مثل الذي وعدت أوليائي من الكرامة على شكرهم إياي .

وقال ابن إسحاق في ذلك بما : -

7956 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وسنجزي الشاكرين " ، أي : ذلك جزاء الشاكرين ، يعني بذلك ، إعطاء الله إياه ما وعده في الآخرة ، مع ما يجري عليه من الرزق في الدنيا .
القول في تأويل قوله تعالى ( وكأين من نبي )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك :

فقرأه بعضهم : ( وكأين ) ، بهمز "الألف " وتشديد "الياء " .

وقرأه آخرون بمد "الألف " وتخفيف "الياء "

وهما قراءتان مشهورتان في قرأة المسلمين ، ولغتان معروفتان ، لا اختلاف في معناهما ، فبأي القراءتين قرأ ذلك قارئ فمصيب . لاتفاق معنى ذلك ، وشهرتهما في كلام العرب . ومعناه : وكم من نبي .
[ ص: 264 ] القول في تأويل قوله ( قاتل معه ربيون كثير )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "قتل معه ربيون " .

فقرأ ذلك جماعة من قرأة الحجاز والبصرة : ( قتل ) ، بضم القاف .

وقرأه جماعة أخر بفتح "القاف " و "بالألف " . وهي قراءة جماعة من قرأة الحجاز والكوفة .

قال أبو جعفر : فأما من قرأ ( قاتل ) ، فإنه اختار ذلك ، لأنه قال : لو قتلوا لم يكن لقوله : "فما وهنوا " ، وجه معروف . لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا .

وأما الذين قرأوا ذلك : ( قتل ) ، فإنهم قالوا : إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم ، وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقى من الربيين ممن لم يقتل .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب ، قراءة من قرأ بضم "القاف " : ( قتل معه ربيون كثير ) لأن الله عز وجل إنما عاتب بهذه الآية والآيات التي قبلها من قوله : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) الذين انهزموا يوم أحد ، وتركوا القتال ، أو سمعوا الصائح يصيح : "إن محمدا قد قتل " . فعذلهم الله عز وجل على فرارهم وتركهم القتال فقال : أفإن مات محمد أو قتل ، أيها المؤمنون ، ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم ؟ ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم ، وقال لهم : هلا فعلتم كما كان [ ص: 265 ] أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم من المضي على منهاج نبيهم ، والقتال على دينه أعداء دين الله ، على نحو ما كانوا يقاتلون مع نبيهم ولم تهنوا ولم تضعفوا ، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم ، ولكنهم صبروا لأعدائهم حتى حكم الله بينهم وبينهم ؟ وبذلك من التأويل جاء تأويل المتأولين .

وأما "الربيون " ، فإنهم مرفوعون بقوله : "معه " لا بقوله : "قتل " . وإنما تأويل الكلام : وكأين من نبي قتل ، ومعه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله . وفي الكلام إضمار "واو " ، لأنها "واو " تدل على معنى حال قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أنه اجتزأ بدلالة ما ذكر من الكلام عليها من ذكرها ، وذلك كقول القائل في الكلام : "قتل الأمير معه جيش عظيم " ، بمعنى : قتل ومعه جيش عظيم .

وأما "الربيون " ، فإن أهل العربية اختلفوا في معناه .

فقال بعض نحويي البصرة : هم الذين يعبدون الرب ، واحدهم "ربي " .

وقال بعض نحويي الكوفة : لو كانوا منسوبين إلى عبادة الرب لكانوا "ربيون " بفتح "الراء " ، ولكنه : العلماء ، والألوف .

و "الربيون " عندنا ، الجماعات الكثيرة ، واحدهم "ربي " ، وهم الجماعة .

واختلف أهل التأويل في معناه . [ ص: 266 ]

فقال بعضهم مثل ما قلنا .

ذكر من قال ذلك :

7957 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : الربيون : الألوف .

7958 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، مثله .

7959 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري وابن عيينة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله ، مثله .

7960 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عمرو عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، مثله .

7961 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف عمن حدثه ، عن ابن عباس في قوله : "ربيون كثير " ، قال : جموع كثيرة .

7962 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " قاتل معه ربيون كثير " قال : جموع .

7963 - حدثني حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " قال : الألوف .

وقال آخرون بما : -

7964 - حدثني به سليمان بن عبد الجبار قال : حدثنا محمد بن الصلت [ ص: 267 ] قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " قال : علماء كثير .

7965 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " ، قال : فقهاء علماء .

7966 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية . عن أبي رجاء ، عن الحسن في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " قال : الجموع الكثيرة قال يعقوب : وكذلك قرأها إسماعيل : ( قتل معه ربيون كثير ) .

7967 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " يقول : جموع كثيرة .

7968 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " ( قتل معه ربيون كثير ) " ، قال : علماء كثير وقال قتادة : جموع كثيرة .

7969 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة في قوله : " ربيون كثير " ، قال : جموع كثيرة .

7970 - حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة ، مثله .

7971 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ( قتل معه ربيون كثير ) " قال : جموع كثيرة .

7972 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 268 ]

7973 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ( قتل معه ربيون كثير ) " يقول : جموع كثيرة .

7974 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " ، يقول : جموع كثيرة ، قتل نبيهم .

7975 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن جعفر بن حبان والمبارك ، عن الحسن في قوله : "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير " ، قال جعفر : علماء صبروا وقال ابن المبارك : أتقياء صبر .

7976 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ( قتل معه ربيون كثير " يعني الجموع الكثيرة ، قتل نبيهم .

7977 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قاتل معه ربيون كثير " ، يقول : جموع كثيرة .

7978 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " قال : وكأين من نبي أصابه القتل ، ومعه جماعات .

7979 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير " ، الربيون : هم الجموع الكثيرة .

وقال آخرون : الربيون ، الأتباع . [ ص: 269 ]

ذكر من قال ذلك :

7980 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) " ، قال : "الربيون " الأتباع ، و "الربانيون " الولاة ، و "الربيون " الرعية . وبهذا عاتبهم الله حين انهزموا عنه ، حين صاح الشيطان : "إن محمدا قد قتل " قال : كانت الهزيمة عند صياحه في [ سه صاح ] : أيها الناس ، إن محمدا رسول الله قد قتل ، فارجعوا إلى عشائركم يؤمنوكم! .
القول في تأويل قوله ( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ( 146 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله " ، فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله ، ولا لقتل من قتل منهم ، عن حرب أعداء الله ، ولا نكلوا عن جهادهم " وما ضعفوا " ، يقول : وما ضعفت قواهم لقتل نبيهم " وما استكانوا " ، يعني وما ذلوا فيتخشعوا لعدوهم بالدخول في دينهم ومداهنتهم فيه خيفة منهم ، ولكن مضوا قدما على بصائرهم ومنهاج نبيهم ، صبرا على أمر الله وأمر نبيهم ، وطاعة لله واتباعا لتنزيله ووحيه [ ص: 270 ] " والله يحب الصابرين " ، يقول : والله يحب هؤلاء وأمثالهم من الصابرين لأمره وطاعته وطاعة رسوله في جهاد عدوه ، لا من فشل ففر عن عدوه ، ولا من انقلب على عقبيه فذل لعدوه لأن قتل نبيه أو مات ، ولا من دخله وهن عن عدوه ، وضعف لفقد نبيه .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7981 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا " ، يقول : ما عجزوا وما تضعضعوا لقتل نبيهم "وما استكانوا " يقول : ما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم ، بل قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله .

7982 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا " ، يقول : ما عجزوا وما ضعفوا لقتل نبيهم "وما استكانوا " ، يقول : وما ارتدوا عن بصيرتهم ، قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقوا بالله .

7983 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فما وهنوا " ، فما وهن الربيون " لما أصابهم في سبيل الله " من قتل النبي صلى الله عليه وسلم " وما ضعفوا " ، يقول : ما ضعفوا في سبيل الله لقتل النبي " وما استكانوا " ، يقول : ما ذلوا حين قال رسول الله صلى الله عليه [ ص: 271 ] وسلم : "اللهم ليس لهم أن يعلونا " - و ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) .

7984 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "فما وهنوا " لفقد نبيهم "وما ضعفوا " ، عن عدوهم "وما استكانوا " ، لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم ، وذلك الصبر "والله يحب الصابرين " .

7985 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : "وما استكانوا " ، قال : تخشعوا .

7986 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " وما استكانوا " ، قال : ما استكانوا لعدوهم " والله يحب الصابرين " .
القول في تأويل قوله ( وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ( 147 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وما كان قولهم " ، وما كان قول الربيين - و "الهاء والميم " من ذكر أسماء الربيين - " إلا أن قالوا " ، يعني : ما كان لهم قول سوى هذا القول ، إذ قتل نبيهم وقوله : " ربنا اغفر لنا ذنوبنا " ، يقول : لم يعتصموا ، إذ قتل نبيهم ، إلا بالصبر على ما أصابهم ، ومجاهدة عدوهم ، وبمسألة [ ص: 272 ] ربهم المغفرة والنصر على عدوهم . ومعنى الكلام : وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا . .

وأما "الإسراف " ، فإنه الإفراط في الشيء : يقال منه : "أسرف فلان في هذا الأمر " ، إذا تجاوز مقداره فأفرط .

ومعناه هاهنا : اغفر لنا ذنوبنا : الصغار منها ، وما أسرفنا فيه منها فتخطينا إلى العظام . وكان معنى الكلام : اغفر لنا ذنوبنا ، الصغائر منها والكبائر . كما : -

7987 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قول الله : " وإسرافنا في أمرنا " ، قال : خطايانا .

7988 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وإسرافنا في أمرنا " ، خطايانا وظلمنا أنفسنا .

7989 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد الله بن سليمان قال : سمعت الضحاك في قوله : " وإسرافنا في أمرنا " ، يعني : الخطايا الكبار .

7990 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم قال : الكبائر .

7991 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " وإسرافنا في أمرنا ، قال : خطايانا .

7992 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإسرافنا في أمرنا ، يقول : خطايانا . [ ص: 273 ]

وأما قوله : " وثبت أقدامنا " ، فإنه يقول : اجعلنا ممن يثبت لحرب عدوك وقتالهم ، ولا تجعلنا ممن ينهزم فيفر منهم ولا يثبت قدمه في مكان واحد لحربهم " وانصرنا على القوم الكافرين " ، يقول : وانصرنا على الذين جحدوا وحدانيتك ونبوة نبيك . .

قال أبو جعفر : وإنما هذا تأنيب من الله عز وجل عباده الذين فروا عن العدو يوم أحد وتركوا قتالهم ، وتأديب لهم . يقول : الله عز وجل : هلا فعلتم إذ قيل لكم : "قتل نبيكم " - كما فعل هؤلاء الربيون ، الذين كانوا قبلكم من أتباع الأنبياء إذ قتلت أنبياؤهم . فصبرتم لعدوكم صبرهم ، ولم تضعفوا وتستكينوا لعدوكم ، فتحاولوا الارتداد على أعقابكم ، كما لم يضعف هؤلاء الربيون ولم يستكينوا لعدوهم ، وسألتم ربكم النصر والظفر كما سألوا ، فينصركم الله عليهم كما نصروا ، فإن الله يحب من صبر لأمره وعلى جهاد عدوه ، فيعطيه النصر والظفر على عدوه ؟ . كما : -

7993 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " ، أي : فقولوا كما قالوا ، واعلموا أنما ذلك بذنوب منكم ، واستغفروا كما استغفروا ، وامضوا على دينكم كما مضوا على دينهم ، ولا ترتدوا على أعقابكم راجعين ، واسألوه كما سألوه أن يثبت أقدامكم ، واستنصروه كما استنصروه على القوم الكافرين . فكل هذا من قولهم قد كان وقد قتل نبيهم ، فلم يفعلوا كما فعلتم .

قال أبو جعفر : والقراءة التي هي القراءة في قوله : ( وما كان قولهم ) النصب لإجماع قرأة الأمصار على ذلك نقلا مستفيضا وراثة عن الحجة . [ ص: 274 ] وإنما اختير النصب في "القول " ، لأن "أن " لا تكون إلا معرفة ، فكانت أولى بأن تكون هي الاسم ، دون الأسماء التي قد تكون معرفة أحيانا ونكرة أحيانا ، ولذلك اختير النصب في كل اسم ولي "كان " إذا كان بعده "أن " الخفيفة : كقوله : ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ) [ سورة العنكبوت : 24 ] وقوله : ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا ) [ سورة الأنعام : 23 ] فأما إذا كان الذي يلي "كان " اسما معرفة ، والذي بعده مثله ، فسواء الرفع والنصب في الذي ولي "كان " . فإن جعلت الذي ولي "كان " هو الاسم ، رفعته ونصبت الذي بعده . وإن جعلت الذي ولي "كان " هو الخبر ، نصبته ورفعت الذي بعده ، وذلك كقوله جل ثناؤه : ( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى ) [ سورة الروم : 10 ] إن جعلت "العاقبة " الاسم رفعتها ، وجعلت "السوءى " هي الخبر منصوبة . وإن جعلت "العاقبة " الخبر ، نصبت فقلت : "ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى " ، وجعلت "السوءى " هي الاسم ، فكانت مرفوعة ، وكما قال الشاعر :


لقد علم الأقوام ما كان داءها بثهلان إلا الخزي ممن يقودها


وروي أيضا : "ما كان داؤها بثهلان إلا الخزي " ، نصبا ورفعا على ما قد [ ص: 275 ] بينت . ولو فعل مثل ذلك مع "أن " كان جائزا ، غير أن أفصح الكلام ما وصفت عند العرب .
القول في تأويل قوله ( فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ( 148 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : فأعطى الله الذين وصفهم بما وصفهم ، من الصبر على طاعة الله بعد مقتل أنبيائهم ، وعلى جهاد عدوهم ، والاستعانة بالله في أمورهم ، واقتفائهم مناهج إمامهم على ما أبلوا في الله - " ثواب الدنيا " ، يعني : جزاء في الدنيا ، وذلك : النصر على عدوهم وعدو الله ، والظفر ، والفتح عليهم ، والتمكين لهم في البلاد " وحسن ثواب الآخرة " ، يعني : وخير جزاء الآخرة على ما أسلفوا في الدنيا من أعمالهم الصالحة ، وذلك : الجنة ونعيمها ، كما : -

7994 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا " ، فقرأ حتى بلغ : " والله يحب المحسنين " ، أي والله ، لآتاهم الله الفتح والظهور والتمكين والنصر على عدوهم في الدنيا "وحسن ثواب الآخرة " ، يقول : حسن الثواب في الآخرة ، هي الجنة .

7995 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " وما كان قولهم " ، ثم ذكر نحوه .

7996 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : " فآتاهم الله ثواب الدنيا " ، قال : النصر والغنيمة " وحسن ثواب الآخرة " ، قال : رضوان الله ورحمته . [ ص: 276 ]

7997 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " فآتاهم الله ثواب الدنيا " ، الظهور على عدوهم " وحسن ثواب الآخرة " ، الجنة وما أعد فيها وقوله : "والله يحب المحسنين " ، يقول تعالى ذكره : فعل الله ذلك بهم بإحسانهم ، فإنه يحب المحسنين ، وهم الذين يفعلون مثل الذي وصف عنهم تعالى ذكره أنهم فعلوه حين قتل نبيهم .
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ( 149 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله في وعد الله ووعيده وأمره ونهيه " إن تطيعوا الذين كفروا " ، يعني : الذين جحدوا نبوة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى - فيما يأمرونكم به وفيما ينهونكم عنه - فتقبلوا رأيهم في ذلك وتنتصحوهم فيما يزعمون أنهم لكم فيه ناصحون " يردوكم على أعقابكم " ، يقول : يحملوكم على الردة بعد الإيمان ، والكفر بالله وآياته وبرسوله بعد الإسلام " فتنقلبوا خاسرين " ، يقول : فترجعوا عن إيمانكم ودينكم الذي هداكم الله له "خاسرين " ، يعني : هالكين ، قد خسرتم أنفسكم ، وضللتم عن دينكم ، وذهبت دنياكم وآخرتكم . .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 03-05-2023 04:36 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (436)
صــ 277إلى صــ 291





. [ ص: 277 ]

ينهى بذلك أهل الإيمان بالله أن يطيعوا أهل الكفر في آرائهم ، وينتصحوهم في أديانهم . كما : -

7998 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين " ، أي : عن دينكم : فتذهب دنياكم وآخرتكم .

7999 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا " ، قال ابن جريج : يقول : لا تنتصحوا اليهود والنصارى على دينكم ، ولا تصدقوهم بشيء في دينكم .

8000 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين " ، يقول : إن تطيعوا أبا سفيان ، يردكم كفارا .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ( 150 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : أن الله مسددكم ، أيها المؤمنون ، فمنقذكم من طاعة الذين كفروا . [ ص: 278 ]

وإنما قيل : " بل الله مولاكم " ، لأن في قوله : " إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم " ، نهيا لهم عن طاعتهم ، فكأنه قال : يا أيها الذين آمنوا لا تطيعوا الذين كفروا فيردوكم على أعقابكم ، ثم ابتدأ الخبر فقال : " بل الله مولاكم " ، فأطيعوه ، دون الذين كفروا ، فهو خير من نصر . ولذلك رفع اسم "الله " ، ولو كان منصوبا على معنى : بل أطيعوا الله مولاكم ، دون الذين كفروا كان وجها صحيحا .

ويعني بقوله : " بل الله مولاكم " ، وليكم وناصركم على أعدائكم الذين كفروا ، " وهو خير الناصرين " ، لا من فررتم إليه من اليهود وأهل الكفر بالله . فبالله الذي هو ناصركم ومولاكم فاعتصموا ، وإياه فاستنصروا ، دون غيره ممن يبغيكم الغوائل ، ويرصدكم بالمكاره ، كما : -

8001 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " بل الله مولاكم " ، إن كان ما تقولون بألسنتكم صدقا في قلوبكم " وهو خير الناصرين " ، أي : فاعتصموا به ولا تستنصروا بغيره ، ولا ترجعوا على أعقابكم مرتدين عن دينكم .
[ ص: 279 ] القول في تأويل قوله ( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ( 151 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : سيلقي الله ، أيها المؤمنون " في قلوب الذين كفروا " بربهم ، وجحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ممن حاربكم بأحد " الرعب " ، وهو الجزع والهلع "بما أشركوا بالله " ، يعني : بشركهم بالله وعبادتهم الأصنام ، وطاعتهم الشيطان التي لم أجعل لهم بها حجة وهي "السلطان " التي أخبر عز وجل أنه لم ينزله بكفرهم وشركهم .

وهذا وعد من الله جل ثناؤه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر على أعدائهم ، والفلج عليهم ، ما استقاموا على عهده ، وتمسكوا بطاعته . ثم أخبرهم ما هو فاعل بأعدائهم بعد مصيرهم إليه ، فقال جل ثناؤه : " ومأواهم النار " ، يعني : ومرجعهم الذي يرجعون إليه يوم القيامة ، النار " وبئس مثوى الظالمين " ، يقول : وبئس مقام الظالمين - الذين ظلموا أنفسهم باكتسابهم ما أوجب لها عقاب الله - النار ، كما : -

8002 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين " ، إني سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب الذي به كنت أنصركم عليهم ، بما أشركوا بي ما لم أجعل لهم به حجة ، أي : فلا تظنوا أن لهم عاقبة نصر ولا ظهور عليكم ، ما اعتصمتم واتبعتم أمري ، للمصيبة التي أصابتكم [ ص: 280 ] منهم بذنوب قدمتموها لأنفسكم ، خالفتم بها أمري ، وعصيتم فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم .

8003 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة ، انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق . ثم إنهم ندموا فقالوا : بئس ما صنعتم ، إنكم قتلتموهم ، حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم! ارجعوا فاستأصلوهم! فقذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، فانهزموا . فلقوا أعرابيا ، فجعلوا له جعلا وقالوا له : إن لقيت محمدا فأخبره بما قد جمعنا لهم . فأخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، فأنزل الله عز وجل في ذلك ، فذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وما قذف في قلبه من الرعب فقال : "سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله " .
[ ص: 281 ] القول في تأويل قوله ( ولقد صدقكم الله وعده )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " ولقد صدقكم الله " ، أيها المؤمنون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأحد وعده الذي وعدهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

و"الوعد " الذي كان وعدهم على لسانه بأحد ، قوله للرماة : "اثبتوا مكانكم ولا تبرحوا ، وإن رأيتمونا قد هزمناهم ، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم " . وكان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم النصر يومئذ إن انتهوا إلى أمره ، كالذي : -

8004 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد ، أمر الرماة ، فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال : "لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم ، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم ، " وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، أخا خوات بن جبير . ثم إن طلحة بن عثمان ، صاحب لواء المشركين ، قام فقال : يا معشر أصحاب محمد ، إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة! فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة! أو يعجلني بسيفه إلى النار ؟ فقام إليه علي بن أبي طالب فقال : والذي نفسي بيده ، لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار ، أو يعجلني بسيفك إلى الجنة! فضربه علي فقطع رجله ، فسقط ، فانكشفت عورته ، فقال : أنشدك الله والرحم ، ابن عم! فتركه . [ ص: 282 ] فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لعلي أصحابه : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته ، فاستحييت منه .

ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم ، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان . فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل ، فرمته الرماة ، فانقمع . فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه ، بادروا الغنيمة ، فقال بعضهم : لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم! . فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر . فلما رأى خالد قلة الرماة صاح في خيله ، ثم حمل فقتل الرماة ، ثم حمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل ، تنادوا فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم . .

8005 - حدثنا هارون بن إسحاق قال : حدثنا مصعب بن المقدام قال : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : لما كان يوم أحد ولقينا المشركين ، أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا بإزاء الرماة ، وأمر عليهم عبد الله بن جبير ، أخا خوات بن جبير ، وقال لهم : " لا تبرحوا مكانكم ، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا " . فلما التقى القوم ، هزم المشركون حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهن وبدت خلاخلهن ، فجعلوا يقولون : "الغنيمة ، الغنيمة "! قال عبد الله : مهلا! أما علمتم ما عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأبوا ، فانطلقوا ، فلما أتوهم صرف الله وجوههم ، فأصيب من المسلمين سبعون قتيلا . [ ص: 283 ]

8006 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، بنحوه .

8007 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه " ، فإن أبا سفيان أقبل في ثلاث ليال خلون من شوال حتى نزل أحدا ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن في الناس ، فاجتمعوا ، وأمر على الخيل الزبير بن العوام ، ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي . وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلا من قريش يقال له : مصعب بن عمير . وخرج حمزة بن عبد المطلب بالحسر ، وبعث حمزة بين يديه . وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وقال : "استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك " . وأمر بخيل أخرى ، فكانوا من جانب آخر ، فقال : "لا تبرحوا حتى أوذنكم " . وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير أن يحمل ، فحمل على خالد بن الوليد فهزمه ومن معه ، كما قال : "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، وإن الله وعد المؤمنين أن ينصرهم وأنه معهم .

8008 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني [ ص: 284 ] محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا - في قصة ذكرها عن أحد - ذكر أن كلهم قد حدث ببعضها ، وأن حديثهم اجتمع فيما ساق من الحديث ، فكان فيما ذكر في ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال : "لا يقاتلن أحد ، حتى نأمره بالقتال " . وقد سرحت قريش الظهر والكراع ، في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين ، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال : أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب! وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل ، وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها ، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير ، أخا بني عمرو بن عوف ، وهو يومئذ معلم بثياب بيض ، والرماة خمسون رجلا [ ص: 285 ] وقال : "انضح عنا الخيل بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا! إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك ، لا نؤتين من قبلك " . فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض . واقتتلوا ، حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس ، وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبى طالب ، في رجال من المسلمين . فأنزل الله عز وجل نصره وصدقهم وعده ، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم ، وكانت الهزيمة لا شك فيها .

8009 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده قال : قال الزبير : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند ابنة عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ، ما دون إحداهن قليل ولا كثير ، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه [ ص: 286 ] يريدون النهب ، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا . وصرخ صارخ : "ألا إن محمدا قد قتل "! فانكفأنا ، وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء ، حتى ما يدنو منه أحد من القوم .

8010 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : " ولقد صدقكم الله وعده " ، أي : لقد وفيت لكم بما وعدتكم من النصر على عدوكم .

8011 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " ولقد صدقكم الله وعده " ، وذلك يوم أحد ، قال لهم : "إنكم ستظهرون ، فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئا ، حتى تفرغوا "! فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وعصوا ، ووقعوا في الغنائم ، ونسوا عهده الذي عهده إليهم ، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به .
[ ص: 287 ] القول في تأويل قوله ( إذ تحسونهم بإذنه )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولقد وفى الله لكم ، أيها المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بما وعدكم من النصر على عدوكم بأحد ، حين " تحسونهم " ، يعني : حين تقتلونهم .

يقال منه : "حسه يحسه حسا " ، إذا قتله ، كما : -

8012 - حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن عيسى قال : حدثني عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف في قوله : " إذ تحسونهم بإذنه " ، قال : الحس : القتل .

8013 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه قال : سمعت عبيد الله بن عبد الله يقول في قول الله عز وجل : " إذ تحسونهم " ، قال : القتل .

8014 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 288 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إذ تحسونهم بإذنه " ، قال : تقتلونهم .

8015 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم " ، أي : قتلا بإذنه .

8016 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " إذ تحسونهم " ، يقول : إذ تقتلونهم .

8017 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " إذ تحسونهم بإذنه " ، والحس القتل .

8018 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه " ، يقول : تقتلونهم .

8019 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذ تحسونهم " بالسيوف : أي القتل .

8020 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن : " إذ تحسونهم بإذنه " ، يعني : القتل .

8021 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : " إذ تحسونهم بإذنه " ، يقول : تقتلونهم .

وأما قوله : "بإذنه " ، فإنه يعني : بحكمي وقضائي لكم بذلك ، وتسليطي إياكم عليهم ، كما : - [ ص: 289 ]

8022 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : إذ تحسونهم بإذني ، وتسليطي أيديكم عليهم ، وكفي أيديهم عنكم .
القول في تأويل قوله ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "حتى إذا فشلتم " ، حتى إذا جبنتم وضعفتم "وتنازعتم في الأمر " ، يقول : واختلفتم في أمر الله ، يقول : وعصيتم وخالفتم نبيكم ، فتركتم أمره وما عهد إليكم . وإنما يعني بذلك الرماة الذين كان أمرهم صلى الله عليه وسلم بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشعب بأحد بإزاء خالد بن الوليد ومن كان معه من فرسان المشركين ، الذين ذكرنا قبل أمرهم .

وأما قوله : " من بعد ما أراكم ما تحبون " ، فإنه يعني بذلك : من بعد الذي أراكم الله ، أيها المؤمنون بمحمد ، من النصر والظفر بالمشركين ، وذلك هو الهزيمة التي كانوا هزموهم عن نسائهم وأموالهم قبل ترك الرماة مقاعدهم التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعدهم فيها ، وقبل خروج خيل المشركين على المؤمنين من ورائهم .

وبنحو الذي قلنا تظاهرت الأخبار عن أهل التأويل . [ ص: 290 ]

وقد مضى ذكر بعض من قال : وسنذكر قول بعض من لم يذكر قوله فيما مضى .

ذكر من قال ذلك :

8023 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر " ، أي اختلفتم في الأمر " وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، وذاكم يوم أحد ، عهد إليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بأمر فنسوا العهد ، وجاوزوا ، وخالفوا ما أمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقذف عليهم عدوهم ، بعد ما أراهم من عدوهم ما يحبون .

8024 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناسا من الناس - يعني : يوم أحد - فكانوا من ورائهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كونوا هاهنا ، فردوا وجه من فر منا ، وكونوا حرسا لنا من قبل ظهورنا " . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هزم القوم هو وأصحابه ، قال الذين كانوا جعلوا من ورائهم ، بعضهم لبعض ، لما رأوا النساء مصعدات في الجبل ورأوا الغنائم ، [ ص: 291 ] قالوا : "انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوا الغنيمة قبل أن تسبقوا إليها "! وقالت طائفة أخرى : "بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنثبت مكاننا "! فذلك قوله : " منكم من يريد الدنيا " ، للذين أرادوا الغنيمة " ومنكم من يريد الآخرة " ، للذين قالوا : "نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونثبت مكاننا " . فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، فكان فشلا حين تنازعوا بينهم يقول : "وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة .

8025 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " حتى إذا فشلتم " ، يقول : جبنتم عن عدوكم "وتنازعتم في الأمر " ، يقول : اختلفتم " وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، وذلك يوم أحد قال لهم : "إنكم ستظهرون ، فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئا حتى تفرغوا " ، فتركوا أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وعصوا ، ووقعوا في الغنائم ، ونسوا عهده الذي عهده إليهم ، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به ، فانقذف عليهم عدوهم ، من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون .

8026 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : حتى إذا فشلتم ، قال ابن جريج ، قال ابن عباس : الفشل : الجبن .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 03-05-2023 04:39 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (437)
صــ 292إلى صــ 306




8027 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " ، من الفتح . [ ص: 292 ]

8028 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "حتى إذا فشلتم " ، أي تخاذلتم "وتنازعتم في الأمر " ، أي : اختلفتم في أمري "وعصيتم " ، أي : تركتم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم; وما عهد إليكم ، يعني الرماة "من بعد ما أراكم ما تحبون " ، أي : الفتح لا شك فيه ، وهزيمة القوم عن نسائهم وأموالهم .

8029 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن المبارك ، عن الحسن : "من بعد ما أراكم ما تحبون " ، يعني : من الفتح .

قال أبو جعفر : وقيل معنى قوله : " حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون " حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون وأنه من المقدم الذي معناه التأخير ، وإن "الواو " دخلت في ذلك ، ومعناها السقوط ، كما يقال ، ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) [ سورة الصافات : 103 - 104 ] معناه : ناديناه . وهذا مقول في : ( حتى إذا ) وفي ( فلما أن ) . [ لم يأت في غير هذين ] . ومنه قول الله عز وجل : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ثم قال واقترب الوعد الحق ) [ سورة الأنبياء : 96 - 97 ] . [ ص: 293 ] ومعناه : اقترب ، كما قال الشاعر :


حتى إذا قملت بطونكم ورأيتم أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا
إن اللئيم العاجز الخب


القول في تأويل قوله ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "منكم من يريد الدنيا ، الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب من أحد لخيل المشركين ، ولحقوا بعسكر المسلمين طلب النهب إذ رأوا هزيمة المشركين " ومنكم من يريد الآخرة " ، يعني بذلك : الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم التي [ ص: 294 ] أقعدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا أمره ، محافظة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك من فعلهم والدار الآخرة . كما : -

8030 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا ، والذين بقوا وقالوا : "لا نخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، أرادوا الآخرة .

8031 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس مثله .

8032 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد طائفة من المسلمين ، فقال : "كونوا مسلحة للناس " ، بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها ، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم . فلما لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين ، هزمهم نبي الله صلى الله عليه وسلم! فلما رأى المسلحة أن الله عز وجل هزم المشركين ، انطلق بعضهم وهم يتنادون : "الغنيمة! الغنيمة! لا تفتكم "! وثبت بعضهم مكانهم ، وقالوا : لا نريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم! . ففي ذلك نزل : "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، فكان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يوم أحد . [ ص: 295 ]

8033 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس : لما هزم الله المشركين يوم أحد ، قال الرماة : "أدركوا الناس ونبي الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقوكم إلى الغنائم ، فتكون لهم دونكم "! وقال بعضهم : "لا نريم حتى يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم " . فنزلت : "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " ، قال : ابن جريج ، قال ابن مسعود : ما علمنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ .

8034 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن المبارك ، عن الحسن : " منكم من يريد الدنيا " ، هؤلاء الذين يجترون الغنائم " ومنكم من يريد الآخرة " ، الذين يتبعونهم يقتلونهم .

8035 - حدثنا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي عن عبد خير قال : قال عبد الله : ما كنت أرى أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد : " منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة " .

8036 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن عبد خير قال : قال ابن مسعود : ما كنت أظن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أحدا يريد الدنيا ، حتى قال الله ما قال .

8037 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع [ ص: 296 ] قال : قال عبد الله بن مسعود لما رآهم وقعوا في الغنائم : ما كنت أحسب أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان اليوم .

8038 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ .

8039 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " منكم من يريد الدنيا " ، أي : الذين أرادوا النهب رغبة في الدنيا وترك ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة " ومنكم من يريد الآخرة " ، أي : الذي جاهدوا في الله لم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدنيا رغبة فيها ، رجاء ما عند الله من حسن ثوابه في الآخرة .
القول في تأويل قوله ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ثم صرفكم ، أيها المؤمنون ، عن المشركين بعد ما أراكم ما تحبون فيهم وفي أنفسكم ، من هزيمتكم إياهم وظهوركم عليهم ، فرد وجوهكم عنهم لمعصيتكم أمر رسولي ، ومخالفتكم طاعته ، وإيثاركم الدنيا على الآخرة ، [ ص: 297 ] - عقوبة لكم على ما فعلتم ، "ليبتليكم " ، يقول : ليختبركم ، فيتميز المنافق منكم من المخلص الصادق في إيمانه منكم . كما : -

8040 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم ذكر حين مال عليهم خالد بن الوليد : "ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " .

8041 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن في قوله : "ثم صرفكم عنهم " ، قال : صرف القوم عنهم ، فقتل من المسلمين بعدة من أسروا يوم بدر ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه ، وكان يمسح الدم عن وجهه ويقول : "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم " ؟ فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء ) [ سورة آل عمران : 128 ] ، الآية . فقالوا : أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدنا النصر ؟ فأنزل الله عز وجل : " ولقد صدقكم الله وعده " إلى قوله : " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم " .

8042 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : " ثم صرفكم عنهم ليبتليكم " ، أي : صرفكم عنهم ليختبركم ، وذلك ببعض ذنوبكم .
[ ص: 298 ] القول في تأويل قوله ( ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين ( 152 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ولقد عفا عنكم " ، ولقد عفا الله أيها المخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتاركون طاعته فيما تقدم به إليكم من لزوم الموضع الذي أمركم بلزومه عنكم ، فصفح لكم من عقوبة ذنبكم الذي أتيتموه ، عما هو أعظم مما عاقبكم به من هزيمة أعدائكم إياكم ، وصرف وجوهكم عنهم ، إذ لم يستأصل جمعكم ، كما : -

8043 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن مبارك ، عن الحسن ، في قوله : " ولقد عفا عنكم " ، قال : قال الحسن ، وصفق بيديه : وكيف عفا عنهم ، وقد قتل منهم سبعون ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه ؟ قال : ثم يقول : قال الله عز وجل : "قد عفوت عنكم إذ عصيتموني ، أن لا أكون استأصلتكم " . قال : ثم يقول الحسن : هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الله غضاب لله ، يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فصنعوه ، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم ، فأفسق الفاسقين اليوم يتجرثم كل كبيرة ، ويركب كل داهية ، ويسحب عليها ثيابه ، ويزعم أن لا بأس عليه!! فسوف يعلم .

8044 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " ولقد عفا عنكم " ، قال : لم يستأصلكم . [ ص: 299 ]

8045 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد عفا عنكم " ، ولقد عفا الله عن عظيم ذلك ، لم يهلككم بما أتيتم من معصية نبيكم ، ولكن عدت بفضلي عليكم .

وأما قوله : " والله ذو فضل على المؤمنين " ، فإنه يعني : والله ذو طول على أهل الإيمان به وبرسوله ، بعفوه لهم عن كثير ما يستوجبون به العقوبة عليه من ذنوبهم ، فإن عاقبهم على بعض ذلك ، فذو إحسان إليهم بجميل أياديه عندهم . كما : -

8046 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين " ، يقول : وكذلك من الله على المؤمنين ، أن عاقبهم ببعض الذنوب في عاجل الدنيا أدبا وموعظة ، فإنه غير مستأصل لكل ما فيهم من الحق له عليهم ، لما أصابوا من معصيته ، رحمة لهم وعائدة عليهم ، لما فيهم من الإيمان .
القول في تأويل قوله ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولقد عفا عنكم ، أيها المؤمنون ، إذ لم يستأصلكم ، إهلاكا منه جمعكم بذنوبكم وهربكم " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد " . [ ص: 300 ]

واختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأه عامة قرأة الحجاز والعراق والشام سوى الحسن البصري : ( إذ تصعدون ) بضم "التاء " وكسر "العين " . وبه القراءة عندنا ، لإجماع الحجة من القرأة على القراءة به ، واستنكارهم ما خالفه .

وروي عن الحسن البصري أنه كان يقرأه : ( إذ تصعدون ) بفتح "التاء " و "العين " .

8047 - حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن .

فأما الذين قرأوا : ( تصعدون ) بضم "التاء " وكسر "العين " ، فإنهم وجهوا معنى ذلك إلى أن القوم حين انهزموا عن عدوهم ، أخذوا في الوادي هاربين . وذكروا أن ذلك في قراءة أبي : ( إذ تصعدون في الوادي ) .

8048 - حدثنا [ بذلك ] أحمد بن يوسف قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن هارون .

قالوا : فالهرب في مستوى الأرض وبطون الأودية والشعاب : "إصعاد " ، لا صعود . قالوا وإنما يكون "الصعود " على الجبال والسلاليم والدرج ، لأن معنى "الصعود " ، الارتقاء والارتفاع على الشيء علوا . قالوا : فأما الأخذ في مستوى الأرض والهبوط ، فإنما هو "إصعاد " ، كما يقال : "أصعدنا من مكة " ، إذا ابتدأت في السفر منها والخروج "وأصعدنا [ ص: 301 ] من الكوفة إلى خراسان " ، بمعنى : خرجنا منها سفرا إليها ، وابتدأنا منها الخروج إليها .

قالوا : وإنما جاء تأويل أكثر أهل التأويل ، بأن القوم أخذوا عند انهزامهم عن عدوهم في بطن الوادي .

ذكر من قال ذلك :

8049 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولا تلوون على أحد " ، ذاكم يوم أحد ، أصعدوا في الوادي فرارا ، ونبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله"! .

قال أبو جعفر : وأما الحسن ، فإني أراه ذهب في قراءته : "إذ تصعدون" بفتح"التاء" و"العين" ، إلى أن القوم حين انهزموا عن المشركين صعدوا الجبل . وقد قال ذلك عدد من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8050 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما شد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم ، دخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله"! فذكر الله صعودهم على الجبل ، ثم ذكر دعاء نبي الله صلى الله عليه وسلم إياهم ، فقال : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " . [ ص: 302 ]

8051 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يصعدون في الجبل ، والرسول يدعوهم في أخراهم .

8052 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

8053 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس ، قوله : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد " ، قال صعدوا في أحد فرارا .

قال أبو جعفر : وقد ذكرنا أن أولى القراءتين بالصواب ، قراءة من قرأ : "إذ تصعدون" ، بضم "التاء" وكسر "العين" ، بمعنى : السبق والهرب في مستوى الأرض ، أو في المهابط ، لإجماع الحجة على أن ذلك هو القراءة الصحيحة . ففي إجماعها على ذلك ، الدليل الواضح على أن أولى التأويلين بالآية ، تأويل من قال : "أصعدوا في الوادي ومضوا فيه" ، دون قول من قال : "صعدوا على الجبل" .

قال أبو جعفر : وأما قوله : " ولا تلوون على أحد " ، فإنه يعني : ولا تعطفون على أحد منكم ، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا من عدوكم مصعدين في الوادي .

ويعني بقوله : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكم أيها المؤمنون به من أصحابه"في أخراكم" ، يعني : أنه يناديكم من خلفكم : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله" ! . كما : - [ ص: 303 ]

8054 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، إلي عباد الله ارجعوا ، إلي عباد الله ارجعوا! .

8055 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، رأوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم : "إلي عباد الله"!

8056 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي مثله .

8057 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : أنبهم الله بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وهو يدعوهم ، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم ، فقال : "إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " .

8058 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، هذا يوم أحد حين انكشف الناس عنه .
القول في تأويل قوله ( فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ( 153 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فأثابكم غما بغم " ، يعني : فجازاكم بفراركم عن نبيكم ، وفشلكم عن عدوكم ، ومعصيتكم ربكم "غما بغم" ، يقول : غما على غم .

[ ص: 304 ]

وسمى العقوبة التي عاقبهم بها من تسليط عدوهم عليهم حتى نال منهم ما نال"ثوابا" ، إذ كان عوضا من عملهم الذي سخطه ولم يرضه منهم ، فدل بذلك جل ثناؤه أن كل عوض كان لمعوض من شيء من العمل ، خيرا كان أو شرا أو العوض الذي بذله رجل لرجل ، أو يد سلفت له إليه ، فإنه مستحق اسم "ثواب" ، كان ذلك العوض تكرمة أو عقوبة ، ونظير ذلك قول الشاعر :


أخاف زيادا أن يكون عطاؤه أداهم سودا أو محدرجة سمرا
فجعل"العطاء" القيود . وذلك كقول القائل لآخر سلف إليه منه مكروه : "لأجازينك على فعلك ، ولأثيبنك ثوابك" .

وأما قوله : "غما بغم" ، فإنه قيل : "غما بغم" ، معناه : غما على غم ، كما قيل : ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) [ سورة طه : 71 ] ، بمعنى : ولأصلبنكم على جذوع النخل . وإنما جاز ذلك ، لأن معنى قول القائل : "أثابك الله غما على غم" ، جزاك الله [ ص: 305 ] غما بعد غم تقدمه ، فكان كذلك معنى : "فأثابكم غما بغم" ، لأن معناه : فجزاكم الله غما بعقب غم تقدمه ، وهو نظير قول القائل : "نزلت ببني فلان ، ونزلت على بني فلان" ، "وضربته بالسيف وعلى السيف" .

واختلف أهل التأويل في الغم الذي أثيب القوم على الغم ، وما كان غمهم الأول والثاني؟

فقال بعضهم : "أما الغم الأول ، فكان ما تحدث به القوم أن نبيهم صلى الله عليه وسلم قد قتل . وأما الغم الآخر ، فإنه كان ما نالهم من القتل والجراح" .

ذكر من قال ذلك :

8059 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فأثابكم غما بغم " ، كانوا تحدثوا يومئذ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أصيب ، وكان الغم الآخر قتل أصحابهم والجراحات التي أصابتهم . قال : وذكر لنا أنه قتل يومئذ سبعون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ستة وستون رجلا من الأنصار ، وأربعة من المهاجرين وقوله : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ، يقول : ما فاتكم من غنيمة القوم"ولا ما أصابكم" ، في أنفسكم من القتل والجراحات .

8060 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "فأثابكم غما بغم" ، قال : فرة بعد فرة : الأولى حين سمعوا الصوت أن محمدا قد قتل ، والثانية حين رجع الكفار ، فضربوهم مدبرين ، حتى قتلوا منهم سبعين رجلا ثم انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يصعدون في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم . [ ص: 306 ]

8061 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .

وقال آخرون : "بل غمهم الأول كان قتل من قتل منهم وجرح من جرح منهم . والغم الثاني كان من سماعهم صوت القائل : "قتل محمد " ، صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

8062 - حدثنا الحسين بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " غما بغم " ، قال : الغم الأول : الجراح والقتل ، والغم الثاني حين سمعوا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد قتل . فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل ، وما كانوا يرجون من الغنيمة ، وذلك حين يقول : " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " .

8063 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فأثابكم غما بغم " ، قال : الغم الأول الجراح والقتل ، والغم الآخر حين سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل . فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل ، وما كانوا يرجون من الغنيمة ، وذلك حين يقول الله : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " .

وقال آخرون : "بل الغم الأول ما كان فاتهم من الفتح والغنيمة ، والثاني إشراف أبي سفيان عليهم في الشعب . وذلك أن أبا سفيان - فيما زعم بعض أهل السير - لما أصاب من المسلمين ما أصاب ، وهرب المسلمون ، جاء حتى أشرف عليهم وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب أحد ، الذي كانوا ولوا إليه عند الهزيمة ، فخافوا أن يصطلمهم أبو سفيان وأصحابه .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 03-05-2023 04:41 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (438)
صــ 307إلى صــ 321





[ ص: 307 ]

ذكر الخبر بذلك :

8064 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة . فلما رأوه ، وضع رجل سهما في قوسه ، فأراد أن يرميه ، فقال : "أنا رسول الله!" ، ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ، وفرح رسول الله حين رأى أن في أصحابه من يمتنع . فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا .

فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم ، فلما نظروا إليه ، نسوا ذلك الذي كانوا عليه ، وهمهم أبو سفيان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس لهم أن يعلونا ، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد"! ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم ، فقال أبو سفيان يومئذ : "اعل هبل! حنظلة بحنظلة ، ويوم بيوم بدر "! وقتلوا يومئذ حنظلة بن الراهب ، وكان جنبا فغسلته الملائكة ، وكان حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر وقال أبو سفيان : "لنا العزى ، ولا عزى لكم"! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : "قل الله مولانا ولا مولى لكم"! فقالأبو سفيان : فيكم محمد؟ قالوا : نعم! قال : "أما إنها قد كانت فيكم مثلة ، ما أمرت بها ، ولا نهيت عنها ، ولا سرتني ، ولا ساءتني"! فذكر الله إشراف أبي سفيان عليهم فقال : " فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، الغم الأول : ما فاتهم من الغنيمة والفتح ، والغم الثاني : [ ص: 308 ] إشراف العدو عليهم " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " ، من الغنيمة"ولا ما أصابكم" من القتل حين تذكرون . فشغلهم أبو سفيان .

8065 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني ابن شهاب الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا ، فيما ذكروا من حديث أحد ، قالوا : كان المسلمون في ذلك اليوم - لما أصابهم فيه من شدة البلاء - أثلاثا ، ثلث قتيل ، وثلث جريح ، وثلث منهزم ، وقد بلغته الحرب حتى ما يدري ما يصنع وحتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه ، وأصيبت رباعيته ، وشج في وجهه ، وكلمت شفته ، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص . وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه لواؤه حتى قتل ، وكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي ، وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى قريش فقال : "قتلت محمدا " .

8066 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس : "قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم" كما حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن [ ص: 309 ] إسحاق قال : حدثني ابن شهاب الزهري كعب بن مالك أخو بني سلمة قال : عرفت عينيه تزهران تحت المغفر ، فناديت بأعلى صوتي : "يا معشر المسلمين : أبشروا ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم"! فأشار إلي رسول الله أن أنصت . فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ، ونهض نحو الشعب ، معه علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، والحارث بن الصمة ، في رهط من المسلمين . .

قال : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب ومعه أولئك النفر من أصحابه ، إذ علت عالية من قريش الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا"! فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين ، حتى أهبطوهم عن الجبل . ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بدن ، فظاهر بين درعين ، فلما ذهب لينهض ، فلم يستطع ، جلس تحته طلحة بن عبيد الله ، فنهض حتى استوى عليها . .

ثم إن أبا سفيان حين أراد الانصراف ، أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى [ ص: 310 ] صوته : "أنعمت فعال! إن الحرب سجال ، يوم بيوم بدر ، اعل هبل" ، أي : أظهر دينك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : "قم فأجبه ، فقل : الله أعلى وأجل! لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار"! فلما أجاب عمر رضي الله عنه أبا سفيان ، قال له أبو سفيان : "هلم إلي يا عمر "! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ائته فانظر ما شأنه"؟ فجاءه ، فقال له أبو سفيان : أنشدك الله يا عمر ، أقتلنا محمدا؟ فقال عمر : اللهم لا وإنه ليسمع كلامك الآن! . فقال : أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر! لقول ابن قميئة لهم : إني قتلت محمدا ثم نادى أبو سفيان ، فقال : إنه قد كان في قتلاكم مثلة ، والله ما رضيت ولا سخطت ، ولا نهيت ولا أمرت . [ ص: 311 ]

8067 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق : " فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، أي : كربا بعد كرب ، قتل من قتل من إخوانكم ، وعلو عدوكم عليكم ، وما وقع في أنفسكم من قول من قال : "قتل نبيكم" ، فكان ذلك مما تتابع عليكم غما بغم " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " ، من ظهوركم على عدوكم بعد أن رأيتموه بأعينكم"ولا ما أصابكم" من قتل إخوانكم ، حتى فرجت بذلك الكرب عنكم" والله خبير بما تعملون " ، وكان الذي فرج به عنهم ما كانوا فيه من الكرب والغم الذي أصابهم ، أن الله عز وجل رد عنهم كذبة الشيطان بقتل نبيهم . فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا بين أظهرهم ، هان عليهم ما فاتهم من القوم بعد الظهور عليهم ، والمصيبة التي أصابتهم في إخوانهم ، حين صرف الله القتل عن نبيهم صلى الله عليه وسلم .

8068 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فأثابكم غما بغم " ، قال ابن جريج ، قال مجاهد : أصاب الناس حزن وغم على ما أصابهم في أصحابهم الذين قتلوا . فلما تولجوا في الشعب وهم مصابون ، وقف أبو سفيان وأصحابه بباب الشعب ، فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليهم [ ص: 312 ] فيقتلونهم أيضا ، فأصابهم حزن في ذلك أيضا أنساهم حزنهم في أصحابهم ، فذلك قوله : " فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " قال ابن جريج ، قوله : " على ما فاتكم " ، يقول : على ما فاتكم من غنائم القوم"ولا ما أصابكم" ، في أنفسكم .

8069 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج . قال : أخبرني عبد الله بن كثير ، عن عبيد بن عمير قال : جاء أبو سفيان بن حرب ومن معه ، حتى وقف بالشعب ، ثم نادى : أفي القوم ابن أبي كبشة؟ فسكتوا ، فقال أبو سفيان : قتل ورب الكعبة! ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فسكتوا ، فقال : قتل ورب الكعبة! ثم قال : أفي القوم عمر بن الخطاب؟ فسكتوا ، فقال : قتل ورب الكعبة! ثم قال أبو سفيان : اعل هبل ، يوم بيوم بدر ، وحنظلة بحنظلة ، وأنتم واجدون في القوم مثلا لم يكن عن رأي سراتنا وخيارنا ، ولم نكرهه حين رأيناه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : قم فناد فقل : الله أعلى وأجل! نعم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أبو بكر ، وها أنا ذا! لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ! .

وقال آخرون في ذلك بما : - [ ص: 313 ]

8070 - حدثني به محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " ، فرجعوا فقالوا : والله لنأتينهم ، ثم لنقتلنهم! قد جرحوا منا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلا; فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني ! فبينما هم كذلك إذ أتاهم القوم قد ائتشبوا وقد اخترطوا سيوفهم ، فكان غم الهزيمة وغمهم حين أتوهم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ، من القتل "ولا ما أصابكم" ، من الجراحة"فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا" الآية ، وهو يوم أحد .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، قول من قال : "معنى قوله : " فأثابكم غما بغم " أيها المؤمنون ، بحرمان الله إياكم غنيمة المشركين والظفر بهم ، والنصر عليهم ، وما أصابكم من القتل والجراح يومئذ - بعد الذي كان قد أراكم في كل ذلك ما تحبون - بمعصيتكم ربكم وخلافكم أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم ، غم ظنكم أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قتل ، وميل العدو عليكم بعد فلولكم منهم . .

والذي يدل على أن ذلك أولى بتأويل الآية مما خالفه ، قوله : [ ص: 314 ] " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، والفائت ، لا شك أنه هو ما كانوا رجوا الوصول إليه من غيرهم ، إما من ظهور عليهم بغلبهم ، وإما من غنيمة يحتازونها وأن قوله : " ولا ما أصابكم " ، هو ما أصابهم : إما في أبدانهم ، وإما في إخوانهم .

فإن كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن"الغم" الثاني هو معنى غير هذين . لأن الله عز وجل أخبر عباده المؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه أثابهم غما بغم لئلا يحزنهم ما نالهم من الغم الناشئ عما فاتهم من غيرهم ، ولا ما أصابهم قبل ذلك في أنفسهم ، وهو الغم الأول ، على ما قد بيناه قبل .

وأما قوله : " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، فإن تأويله على ما قد بينت ، من أنه : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم " ، فلم تدركوه مما كنتم ترجون إدراكه من عدوكم بالظفر عليهم والظهور ، وحيازة غنائمهم "ولا ما أصابكم" ، في أنفسكم . من جرح من جرح وقتل من قتل من إخوانكم .

وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه قبل على السبيل التي اختلفوا فيه ، كما : -

8071 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم " ، قال : على ما فاتكم من الغنيمة التي كنتم ترجون "ولا تحزنوا على ما أصابكم" ، من الهزيمة .

وأما قوله : " والله خبير بما تعملون " ، فإنه يعني جل ثناؤه : والله بالذي تعملون ، أيها المؤمنون - من إصعادكم في الوادي هربا من عدوكم ، وانهزامكم [ ص: 315 ] منهم ، وترككم نبيكم وهو يدعوكم في أخراكم ، وحزنكم على ما فاتكم من عدوكم وما أصابكم في أنفسكم ذو خبرة وعلم ، وهو محص ذلك كله عليكم ، حتى يجازيكم به : المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، أو يعفو عنه .
القول في تأويل قوله ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ثم أنزل الله ، أيها المؤمنون من بعد الغم الذي أثابكم ربكم بعد غم تقدمه قبله "أمنة" ، وهي الأمان ، على أهل الإخلاص منكم واليقين ، دون أهل النفاق والشك .

ثم بين جل ثناؤه ، عن"الأمنة" التي أنزلها عليهم ، ما هي؟ فقال"نعاسا" ، بنصب"النعاس" على الإبدال من"الأمنة" .

ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله : "يغشى" .

فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والمدينة والبصرة وبعض الكوفيين بالتذكير بالياء : ( يغشى ) .

وقرأ جماعة من قرأة الكوفيين بالتأنيث : ( تغشى ) بالتاء .

وذهب الذين قرأوا ذلك بالتذكير ، إلى أن النعاس هو الذي يغشى الطائفة من [ ص: 316 ] المؤمنين دون الأمنة ، فذكره بتذكير "النعاس" .

وذهب الذين قرأوا ذلك بالتأنيث ، إلى أن الأمنة هي التي تغشاهم فأنثوه لتأنيث "الأمنة" .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، غير مختلفتين في معنى ولا غيره . لأن "الأمنة" في هذا الموضع هي النعاس ، والنعاس هو الأمنة . فسواء ذلك ، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب الحق في قراءته . وكذلك جميع ما في القرآن من نظائره من نحو قوله : ( " إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل تغلي في البطون" ) [ سورة الدخان : 43 - 45 ] و ( " ألم يك نطفة من مني تمنى" ) [ سورة القيامة : 37 ] ، ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط ) [ سورة مريم : 25 ] . .

فإن قال قائل : وما كان السبب الذي من أجله افترقت الطائفتان اللتان ذكرهما الله عز وجل فيما افترقتا فيه من صفتهما ، فأمنت إحداهما بنفسها حتى نعست ، وأهمت الأخرى أنفسها حتى ظنت بالله غير الحق ظن الجاهلية؟

قيل : كان سبب ذلك فيما ذكر لنا ، كما : -

8072 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين ، فواعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بدرا من قابل ، فقال نعم! نعم! فتخوف المسلمون أن ينزلوا المدينة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال : [ ص: 317 ] "انظر ، فإن رأيتهم قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم ، فإن القوم ذاهبون ، وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا أثقالهم ، فإن القوم ينزلون المدينة ، فاتقوا الله واصبروا" ووطنهم على القتال . فلما أبصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعا عجالا نادى بأعلى صوته بذهابهم . فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فناموا ، وبقي أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم . فقال الله جل وعز ، يذكر حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم إن كانوا ركبوا الأثقال فإنهم منطلقون فناموا : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " .

8073 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : أمنهم يومئذ بنعاس غشاهم . وإنما ينعس من يأمن" يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " .

8074 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، عن أبي طلحة قال : كنت فيمن أنزل عليه النعاس يوم أحد أمنة ، حتى سقط من يدي مرارا قال أبو جعفر : يعني سوطه ، أو سيفه .

8075 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد ، فجعلت ما أرى أحدا من القوم إلا تحت حجفته يميد من النعاس . . [ ص: 318 ]

8076 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي طلحة قال : كنت فيمن صب عليه النعاس يوم أحد .

8077 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك : عن أبي طلحة : أنه كان يومئذ ممن غشيه النعاس ، قال : كان السيف يسقط من يدي ثم آخذه ، من النعاس .

8078 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ذكر لنا ، والله أعلم ، عن أنس : أن أبا طلحة حدثهم : أنه كان يومئذ ممن غشيه النعاس ، قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه ، ويسقط والطائفة الأخرى المنافقون ، ليس لهم همة إلا أنفسهم ، " يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " ، الآية كلها .

8079 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : حدثنا ضرار بن صرد قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، عن أبيه قال : سألت عبد الرحمن بن عوف عن قول الله عز وجل : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا " . قال : ألقي علينا النوم يوم أحد .

8080 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا " ، الآية ، وذاكم يوم أحد ، كانوا يومئذ فريقين ، فأما المؤمنون فغشاهم الله النعاس أمنة منه ورحمة .

8081 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، نحوه .

8082 - حدثنا المثني قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن [ ص: 319 ] أبيه ، عن الربيع ، قوله : " أمنة نعاسا " ، قال : ألقي عليهم النعاس ، فكان ذلك أمنة لهم .

8083 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين قال : قال عبد الله : النعاس في القتال أمنة ، والنعاس في الصلاة من الشيطان .

8084 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا " ، قال : أنزل النعاس أمنة منه على أهل اليقين به ، فهم نيام لا يخافون .

8085 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " أمنة نعاسا " ، قال : ألقى الله عليهم النعاس ، فكان"أمنة لهم" . وذكر أن أبا طلحة قال : ألقي علي النعاس يومئذ ، فكنت أنعس حتى يسقط سيفي من يدي .

8086 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا إسحاق بن إدريس قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا ثابت ، عن أنس بن مالك ، عن أبي طلحة وهشام بن عروة ، عن عروة ، عن الزبير ، أنهما قالا لقد رفعنا رءوسنا يوم أحد ، فجعلنا ننظر ، فما منهم من أحد إلا وهو يميل بجنب حجفته . قال : وتلا هذه الآية : " ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا " .
[ ص: 320 ] القول في تأويل قوله ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "وطائفة منكم" ، أيها المؤمنون"قد أهمتهم أنفسهم" ، يقول : هم المنافقون لا هم لهم غير أنفسهم ، فهم من حذر القتل على أنفسهم ، وخوف المنية عليها في شغل ، قد طار عن أعينهم الكرى ، يظنون بالله الظنون الكاذبة ، ظن الجاهلية من أهل الشرك بالله ، شكا في أمر الله ، وتكذيبا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ومحسبة منهم أن الله خاذل نبيه ومعل عليه أهل الكفر به ، يقولون : هل لنا من الأمر من شيء . كالذي : -

8087 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : والطائفة الأخرى : المنافقون ، ليس لهم هم إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق ، يظنون بالله غير الحق ظنونا كاذبة ، إنما هم أهل شك وريبة في أمر الله : ( يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) .

8088 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : والطائفة الأخرى المنافقون ، ليس لهم همة إلا أنفسهم ، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، ( يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ) قال الله عز وجل : ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) الآية .

8089 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : [ ص: 321 ] " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " ، قال : أهل النفاق قد أهمتهم أنفسهم تخوف القتل ، وذلك أنهم لا يرجون عاقبة .

8090 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " إلى آخر الآية ، قال : هؤلاء المنافقون .

وأما قوله : "ظن الجاهلية" ، فإنه يعني أهل الشرك . كالذي : -

8091 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ظن الجاهلية " ، قال : ظن أهل الشرك .

8092 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " ظن الجاهلية " ، قال : ظن أهل الشرك .

قال أبو جعفر : وفي رفع قوله : "وطائفة" ، وجهان .

أحدهما ، أن تكون مرفوعة بالعائد من ذكرها في قوله : "قد أهمتهم" .

والآخر : بقوله : "يظنون بالله غير الحق" ، ولو كانت منصوبة كان جائزا ، وكانت"الواو" ، في قوله : "وطائفة" ، ظرفا للفعل ، بمعنى : وأهمت طائفة أنفسهم ، كما قال ( والسماء بنيناها بأيد ) [ سورة الذاريات : 47 ] .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



ابوالوليد المسلم 03-05-2023 05:00 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (439)
صــ 322إلى صــ 336




القول في تأويل قوله ( يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك الطائفة المنافقة التي قد أهمتهم أنفسهم ، يقولون : ليس لنا من الأمر من شيء ، قل إن الأمر كله لله ، ولو كان لنا من الأمر شيء ما خرجنا لقتال من قاتلنا فقتلونا . كما : -

8093 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قيل لعبد الله بن أبي : قتل بنو الخزرج اليوم! قال : وهل لنا من الأمر من شيء؟ قيل إن الأمر كله لله! .

وهذا أمر مبتدأ من الله عز وجل ، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لهؤلاء المنافقين : " إن الأمر كله لله " ، يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف يحب .

ثم عاد إلى الخبر عن ذكر نفاق المنافقين ، فقال : " يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك " يقول : يخفي ، يا محمد ، هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك صفتهم ، في أنفسهم من الكفر والشك في الله ، ما لا يبدون لك . ثم أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كانوا يخفونه بينهم من نفاقهم ، والحسرة التي أصابتهم على حضورهم مع المسلمين مشهدهم بأحد ، فقال مخبرا عن قيلهم الكفر وإعلانهم النفاق بينهم : " يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا " ، يعني بذلك ، أن هؤلاء المنافقين يقولون : لو كان الخروج إلى حرب من خرجنا لحربه من المشركين إلينا ، ما خرجنا [ ص: 323 ] إليهم ، ولا قتل منا أحد في الموضع الذي قتلوا فيه بأحد .

وذكر أن ممن قال هذا القول ، معتب بن قشير ، أخو بني عمرو بن عوف .

ذكر الخبر بذلك :

8094 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير قال : والله إني لأسمع قول معتب بن قشير ، أخي بني عمرو بن عوف ، والنعاس يغشاني ، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا !

8095 - حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثني أبي ، عن ابن إسحاق قال : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، بمثله .

قال أبو جعفر : واختلفت القراء في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق : ( قل إن الأمر كله ) ، بنصب"الكل" على وجه النعت ل"الأمر" والصفة له .



وقرأه بعض قرأة أهل البصرة : ( قل إن الأمر كله لله ) برفع"الكل" ، على توجيه"الكل" إلى أنه اسم ، وقوله"لله" خبره ، كقول القائل : "إن الأمر بعضه لعبد الله . .

وقد يجوز أن يكون"الكل" في قراءة من قرأه بالنصب ، منصوبا على البدل .

[ ص: 324 ]

قال أبو جعفر : والقراءة التي هي القراءة عندنا ، النصب في"الكل" لإجماع أكثر القرأة عليه ، من غير أن تكون القراءة الأخرى خطأ في معنى أو عربية . ولو كانت القراءة بالرفع في ذلك مستفيضة في القرأة ، لكانت سواء عندي القراءة بأي ذلك قرئ ، لاتفاق معاني ذلك بأي وجهيه قرئ .
القول في تأويل قوله ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ( 154 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : قل ، يا محمد ، للذين وصفت لك صفتهم من المنافقين : لو كنتم في بيوتكم لم تشهدوا مع المؤمنين مشهدهم ، ولم تحضروا معهم حرب أعدائهم من المشركين ، فيظهر للمؤمنين ما كنتم تخفونه من نفاقكم ، وتكتمونه من شككم في دينكم" لبرز الذين كتب عليهم القتل " ، يقول : لظهر للموضع الذي كتب عليه مصرعه فيه ، من قد كتب عليه القتل منهم ، ولخرج من بيته إليه حتى يصرع في الموضع الذي كتب عليه أن يصرع فيه . .

وأما قوله : " وليبتلي الله ما في صدوركم " ، فإنه يعني به : وليبتلي الله ما في صدوركم ، أيها المنافقون ، كنتم تبرزون من بيوتكم إلى مضاجعكم .

[ ص: 325 ]

ويعني بقوله : " وليبتلي الله ما في صدوركم " ، وليختبر الله الذي في صدوركم من الشك ، فيميزكم بما يظهره للمؤمنين من نفاقكم من المؤمنين .

وقد دللنا فيما مضى على أن معاني نظائر قوله : " ليبتلي الله " و"وليعلم الله" وما أشبه ذلك ، وإن كان في ظاهر الكلام مضافا إلى الله الوصف به ، فمراد به أولياؤه وأهل طاعته وأن معنى ذلك : وليختبر أولياء الله ، وأهل طاعته الذي في صدوركم من الشك والمرض ، فيعرفوكم ، [ فيميزوكم ] من أهل الإخلاص واليقين" وليمحص ما في قلوبكم " ، يقول وليتبينوا ما في قلوبكم من الاعتقاد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من العداوة أو الولاية .

" والله عليم بذات الصدور " ، يقول : والله ذو علم بالذي في صدور خلقه من خير وشر ، وإيمان وكفر ، لا يخفى عليه شيء من أمورهم ، سرائرها علانيتها ، وهو لجميع ذلك حافظ ، حتى يجازي جميعهم جزاءهم على قدر استحقاقهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن إسحاق يقول :

8096 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ذكر الله تلاومهم - يعني : تلاوم المنافقين - وحسرتهم على ما أصابهم ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل : " لو كنتم في بيوتكم " ، لم تحضروا هذا الموضع الذي أظهر الله جل ثناؤه فيه منكم ما أظهر من سرائركم ، لأخرج الذي كتب عليهم القتل إلى موطن غيره يصرعون فيه ، حتى يبتلي به ما في صدوركم" وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور " ، أي لا يخفى عليه ما في صدورهم ، [ ص: 326 ] مما استخفوا به منكم .

8097 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا الحارث بن مسلم ، عن بحر السقاء ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن قال : سئل عن قوله : " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " ، قال : كتب الله على المؤمنين أن يقاتلوا في سبيله ، وليس كل من يقاتل يقتل ، ولكن يقتل من كتب الله عليه القتل .
القول في تأويل قوله ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ( 155 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين ولوا عن المشركين ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وانهزموا عنهم .

وقوله : "تولوا" ، "تفعلوا" ، من قولهم : "ولى فلان ظهره" .

[ ص: 327 ]

وقوله : " يوم التقى الجمعان " ، يعني : يوم التقى جمع المشركين والمسلمين بأحد "إنما استزلهم الشيطان" ، أي : إنما دعاهم إلى الزلة الشيطان .

وقوله"استزل""استفعل" من"الزلة" . و"الزلة" ، هي الخطيئة .

"ببعض ما كسبوا" ، يعني ببعض ما عملوا من الذنوب . "ولقد عفا الله عنهم" ، يقول : ولقد تجاوز الله عن عقوبة ذنوبهم فصفح لهم عنه" إن الله غفور " ، يعني به : مغط على ذنوب من آمن به واتبع رسوله ، بعفوه عن عقوبته إياهم عليها"حليم" ، يعني أنه ذو أناة لا يعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة .

ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين عنوا بهذه الآية .

فقال بعضهم : عني بها كل من ولى الدبر عن المشركين بأحد .

ذكر من قال ذلك :

8098 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه قال : خطب عمر يوم الجمعة فقرأ"آل عمران" ، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها ، فلما انتهى إلى قوله : "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" ، قال : لما كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى ، والناس يقولون : "قتل محمد "! فقلت : لا أجد أحدا يقول : "قتل محمد " ، إلا قتلته! . حتى اجتمعنا على الجبل ، فنزلت : [ ص: 328 ] إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية كلها .

8099 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية ، وذلك يوم أحد ، ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه ، فأنزل الله عز وجل ما تسمعون : أنه قد تجاوز لهم عن ذلك وعفا عنهم .

8100 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية ، فذكر نحو قول قتادة .

وقال آخرون : بل عني بذلك خاص ممن ولى الدبر يومئذ ، قالوا : وإنما عنى به الذين لحقوا بالمدينة منهم دون غيرهم .

ذكر من قال ذلك :

8101 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما انهزموا يومئذ تفرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 329 ] أصحابه ، فدخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها ، فذكر الله عز وجل الذين انهزموا فدخلوا المدينة فقال : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان " ، الآية .

وقال آخرون : بل نزل ذلك في رجال بأعيانهم معروفين .

ذكر من قال ذلك :

8102 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة قوله : "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" ، قال : نزلت في رافع بن المعلى وغيره من الأنصار ، وأبي حذيفة بن عتبة ورجل آخر قال ابن جريج : وقوله : " إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم " ، إذ لم يعاقبهم .

8103 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فر عثمان بن عفان ، وعقبة بن عثمان ، وسعد بن عثمان - رجلان من الأنصار - حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص - فأقاموا به ثلاثا ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : لقد ذهبتم فيها عريضة !!

8104 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " الآية ، [ ص: 330 ] والذين استزلهم الشيطان : عثمان بن عفان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان ، الأنصاريان ، ثم الزرقيان .

وأما قوله : "ولقد عفا الله عنهم" ، فإن معناه : ولقد تجاوز الله عن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ، أن يعاقبهم بتوليهم عن عدوهم . كما : -

8105 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قوله : " ولقد عفا الله عنهم " ، يقول : "ولقد عفا الله عنهم" ، إذ لم يعاقبهم .

8106 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله في توليهم يوم أحد : " ولقد عفا الله عنهم " ، فلا أدري أذلك العفو عن تلك العصابة ، أم عفو عن المسلمين كلهم؟ .

وقد بينا تأويل قوله : "إن الله غفور حليم" ، فيما مضى .
القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاء به محمد من عند الله ، لا تكونوا كمن كفر بالله وبرسوله ، فجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال لإخوانه من أهل الكفر" إذا ضربوا في الأرض " [ ص: 331 ] فخرجوا من بلادهم سفرا في تجارة"أو كانوا غزى" ، يقول : أو كان خروجهم من بلادهم غزاة فهلكوا فماتوا في سفرهم ، أو قتلوا في غزوهم" لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا " ، يخبر بذلك عن قول هؤلاء الكفار أنهم يقولون لمن غزا منهم فقتل ، أو مات في سفر خرج فيه في طاعة الله ، أو تجارة : لو لم يكونوا خرجوا من عندنا ، وكانوا أقاموا في بلادهم ما ماتوا وما قتلوا" ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " ، يعني : أنهم يقولون ذلك ، كي يجعل الله قولهم ذلك حزنا في قلوبهم وغما ، ويجهلون أن ذلك إلى الله جل ثناؤه وبيده .

وقد قيل : إن الذين نهى الله المؤمنين بهذه الآية أن يتشبهوا بهم فيما نهاهم عنه من سوء اليقين بالله ، هم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه .

ذكر من قال ذلك :

8107 - حدثني محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ياأيها الذين آمنو لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية ، قال : هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي .

8108 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى " ، قول المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول .

8109 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون في ذلك : هم جميع المنافقين .

ذكر من قال ذلك :

8110 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " [ ص: 332 ] يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية ، أي : لا تكونوا كالمنافقين الذين ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله والضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله ، ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا : لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا .

وأما قوله : "إذا ضربوا في الأرض" ، فإنه اختلف في تأويله . فقال بعضهم : هو السفر في التجارة ، والسير في الأرض لطلب المعيشة .

ذكر من قال ذلك :

8111 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إذا ضربوا في الأرض " ، وهي التجارة .

وقال آخرون : بل هو السير في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :

8112 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذا ضربوا في الأرض " ، الضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله .

وأصل"الضرب في الأرض" ، الإبعاد فيها سيرا .

وأما قوله : "أو كانوا غزى" ، فإنه يعني : أو كانوا غزاة في سبيل الله .

و"الغزى" جمع"غاز" ، جمع على"فعل" كما يجمع"شاهد""شهد" ، و"قائل""قول" ، . وقد ينشد بيت رؤبة :

[ ص: 333 ]
فاليوم قد نهنهني تنهنهي وأول حلم ليس بالمسفه وقول : إلا ده فلا ده
وينشد أيضا :


وقولهم : إلا ده فلا ده


وإنما قيل : " لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى " ، فأصحب ماضي الفعل ، الحرف الذي لا يصحب مع الماضي منه إلا المستقبل ، فقيل : " وقالوا لإخوانهم " ، ثم قيل : " إذا ضربوا" ، وإنما يقال في الكلام : "أكرمتك إذ زرتني" ، ولا يقال : "أكرمتك إذا زرتني" . لأن"القول" الذي في قوله : "وقالوا لإخوانهم" ، وإن كان في لفظ الماضي فإنه بمعنى [ ص: 334 ] المستقبل . وذلك أن العرب تذهب ب"الذين" مذهب الجزاء ، وتعاملها في ذلك معاملة"من" و"ما" ، لتقارب معاني ذلك في كثير من الأشياء ، وإن جميعهن أشياء مجهولات غير موقتات توقيت"عمرو" و"زيد" . .

فلما كان ذلك كذلك وكان صحيحا في الكلام فصيحا أن يقال للرجل : "أكرم من أكرمك""وأكرم كل رجل أكرمك" ، فيكون الكلام خارجا بلفظ الماضي مع"من" ، و"كل" ، مجهولين ومعناه الاستقبال ، إذ كان الموصوف بالفعل غير مؤقت ، وكان"الذين" في قوله : "لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض" ، غير موقتين ، أجريت مجرى"من" و"ما" في ترجمتها التي تذهب مذهب الجزاء ، وإخراج صلاتها بألفاظ الماضي من الأفعال وهي بمعنى الاستقبال ، كما قال الشاعر في"ما" :


وإني لآتيكم تشكر ما مضى من الأمر واستيجاب ما كان في غد


فقال : "ما كان في غد" ، وهو يريد : ما يكون في غد . ولو كان أراد الماضي لقال : "ما كان في أمس" ، ولم يجز له أن يقول : "ما كان في غد" .

ولو كان"الذي" موقتا ، لم يجز أن يقال ذلك . خطأ أن يقال : "لتكرمن [ ص: 335 ] هذا الذي أكرمك إذا زرته" ، لأن"الذي" هاهنا موقت ، فقد خرج من معنى الجزاء ، ولو لم يكن في الكلام"هذا" ، لكان جائزا فصيحا ، لأن"الذي" يصير حينئذ مجهولا غير موقت . ومن ذلك قول الله عز وجل : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) [ سورة الحج : 25 ] فرد"يصدون" على"كفروا" ، لأن"الذين" غير موقتة . فقوله : "كفروا" ، وإن كان في لفظ ماض ، فمعناه الاستقبال ، وكذلك قوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ) [ سورة مريم : 60 ] وقوله : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) [ سورة المائدة : 34 ] ، معناه : إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم وإلا من يتوب ويؤمن . ونظائر ذلك في القرآن والكلام كثير ، والعلة في كل ذلك واحدة . .

وأما قوله : "ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم" ، فإنه يعني بذلك : حزنا في قلوبهم ، كما : -

8113 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "في قلوبهم" ، قال : يحزنهم قولهم ، لا ينفعهم شيئا .

8114 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

8115 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " ، لقلة اليقين بربهم جل ثناؤه .

[ ص: 336 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير ( 156 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( والله يحيي ويميت ) والله المعجل الموت لمن يشاء من حيث يشاء ، والمميت من يشاء كلما شاء ، دون غيره من سائر خلقه .

وهذا من الله عز وجل ترغيب لعباده المؤمنين على جهاد عدوه والصبر على قتالهم ، وإخراج هيبتهم من صدورهم ، وإن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم وأعداء الله وإعلام منه لهم أن الإماتة والإحياء بيده ، وأنه لن يموت أحد ولا يقتل إلا بعد فناء أجله الذي كتب له ونهي منه لهم إذ كان كذلك ، أن يجزعوا لموت من مات منهم أو قتل من قتل منهم في حرب المشركين .

ثم قال جل ثناؤه : " والله بما تعملون بصير " ، يقول : إن الله يرى ما تعملون من خير وشر ، فاتقوه أيها المؤمنون ، إنه محص ذلك كله ، حتى يجازي كل عامل بعمله على قدر استحقاقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال ابن إسحاق .

8116 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " والله يحيي ويميت " ، أي : يعجل ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء من آجالهم بقدرته .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif






ابوالوليد المسلم 03-05-2023 05:04 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران
الحلقة (440)
صــ 337إلى صــ 351





[ ص: 337 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ( 157 ) )

قال أبو جعفر : يخاطب جل ثناؤه عباده المؤمنين ، يقول لهم : لا تكونوا ، أيها المؤمنون ، في شك من أن الأمور كلها بيد الله ، وأن إليه الإحياء والإماتة ، كما شك المنافقون في ذلك ، ولكن جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الله ، على يقين منكم بأنه لا يقتل في حرب ولا يموت في سفر إلا من بلغ أجله وحانت وفاته . ثم وعدهم على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمة ، وأخبرهم أن موتا في سبيل الله وقتلا في الله ، خير لهم مما يجمعون في الدنيا من حطامها ورغيد عيشها الذي من أجله يتثاقلون عن الجهاد في سبيل الله ، ويتأخرون عن لقاء العدو ، كما : -

8117 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، أي : إن الموت كائن لا بد منه ، فموت في سبيل الله أو قتل ، خير لو علموا فأيقنوا مما يجمعون في الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد ، تخوفا من الموت والقتل لما جمعوا من زهرة الدنيا ، وزهادة في الآخرة . .

قال أبو جعفر : وإنما قال الله عز وجل : " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، وابتدأ الكلام : "ولئن متم أو قتلتم" بحذف جواب"لئن" ، لأن في قوله : [ ص: 338 ] " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " معنى جواب للجزاء ، وذلك أنه وعد خرج مخرج الخبر .

فتأويل الكلام : ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ، ليغفرن الله لكم وليرحمنكم فدل على ذلك بقوله : " لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " ، وجمع مع الدلالة به عليه ، الخبر عن فضل ذلك على ما يؤثرونه من الدنيا وما يجمعون فيها .

وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة ، أنه إن قيل : كيف يكون : " لمغفرة من الله ورحمة " جوابا لقوله : " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم "؟ فإن الوجه فيه أن يقال فيه كأنه قال : ولئن متم أو قتلتم فذلك لكم رحمة من الله ومغفرة ، إذ كان ذلك في سبيلي ، فقال : "لمغفرة من الله ورحمة ، " يقول : لذلك خير مما تجمعون ، يعني : لتلك المغفرة والرحمة خير مما تجمعون .

ودخلت اللام في قوله : "لمغفرة من الله" ، لدخولها في قوله : و"لئن" ، كما قيل : ( ولئن نصروهم ليولن الأدبار ) [ سورة الحشر : 12 ]
[ ص: 339 ] القول في تأويل قوله ( ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ( 158 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولئن متم أو قتلتم ، أيها المؤمنون ، فإن إلى الله مرجعكم ومحشركم ، فيجازيكم بأعمالكم ، فآثروا ما يقربكم من الله ويوجب لكم رضاه ، ويقربكم من الجنة ، من الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته ، على الركون إلى الدنيا وما تجمعون فيها من حطامها الذي هو غير باق لكم ، بل هو زائل عنكم ، وعلى ترك طاعة الله والجهاد ، فإن ذلك يبعدكم عن ربكم ، ويوجب لكم سخطه ، ويقربكم من النار .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق :

8118 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولئن متم أو قتلتم " ، أي ذلك كان" لإلى الله تحشرون " ، أي : أن إلى الله المرجع ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا تغتروا بها ، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه منه ، آثر عندكم منها .

وأدخلت"اللام" في قوله : "لإلى الله تحشرون" ، لدخولها في قوله : "ولئن" . ولو كانت"اللام" مؤخرة إلى قوله : "تحشرون" ، لأحدثت"النون" الثقيلة فيه ، كما تقول في الكلام : "لئن أحسنت إلي لأحسنن إليك" بنون مثقلة . فكان كذلك قوله : ولئن متم أو قتلتم لتحشرن إلى الله ، ولكن لما حيل بين"اللام" وبين"تحشرون" بالصفة ، أدخلت في الصفة ، وسلمت"تحشرون" ، [ ص: 340 ] فلم تدخلها"النون" الثقيلة ، كما تقول في الكلام : "لئن أحسنت إلي لإليك أحسن" ، بغير"نون" مثقلة .
القول في تأويل قوله ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "فبما رحمة من الله" ، فبرحمة من الله ، و"ما" صلة . وقد بينت وجه دخولها في الكلام في قوله : ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) [ سورة البقرة : 26 ] . والعرب تجعل"ما" صلة في المعرفة والنكرة ، كما قال : ( فبما نقضهم ميثاقهم ) [ سورة النساء : 155\ سورة المائدة : 13 ] ، والمعنى : فبنقضهم ميثاقهم . وهذا في المعرفة . وقال في النكرة : ( عما قليل ليصبحن نادمين ) [ سورة المؤمنون : 40 ] ، والمعنى : عن قليل . وربما جعلت اسما وهي في مذهب صلة ، فيرفع ما بعدها أحيانا على وجه الصلة ، ويخفض على إتباع الصلة ما قبلها ، كما قال الشاعر :


فكفى بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمد إيانا


إذا جعلت غير صلة رفعت بإضمار"هو" ، وإن خفضت أتبعت"من" ، فأعربته . فذلك حكمه على ما وصفنا مع النكرات . [ ص: 341 ]

فأما إذا كانت الصلة معرفة ، كان الفصيح من الكلام الإتباع ، كما قيل : "فبما نقضهم ميثاقهم" ، والرفع جائز في العربية .

وبنحو ما قلنا في قوله : "فبما رحمة من الله لنت لهم" ، قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

8119 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " فبما رحمة من الله لنت لهم " ، يقول : فبرحمة من الله لنت لهم .

وأما قوله : "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" ، فإنه يعني ب"الفظ" الجافي ، وب"الغليظ القلب" ، القاسي القلب ، غير ذي رحمة ولا رأفة . وكذلك كانت صفته صلى الله عليه وسلم ، كما وصفه الله به : ( بالمؤمنين رءوف رحيم ) [ سورة التوبة : 128 ] .

فتأويل الكلام : فبرحمة الله ، يا محمد ، ورأفته بك وبمن آمن بك من أصحابك"لنت لهم" ، لتباعك وأصحابك ، فسهلت لهم خلائقك ، وحسنت لهم أخلاقك ، حتى احتملت أذى من نالك منهم أذاه ، وعفوت عن ذي الجرم منهم جرمه ، وأغضيت عن كثير ممن لو جفوت به وأغلظت عليه لتركك ففارقك ولم يتبعك ولا ما بعثت به من الرحمة ، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم ، فبرحمة من الله لنت لهم . كما : -

8120 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، أي والله ، لطهره الله من الفظاظة والغلظة ، وجعله قريبا رحيما بالمؤمنين رءوفا وذكر لنا أن نعت محمد صلى [ ص: 342 ] الله عليه وسلم في التوراة : " ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح" .

8121 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بنحوه .

8122 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، قال : ذكر لينه لهم وصبره عليهم لضعفهم ، وقلة صبرهم على الغلظة لو كانت منه في كل ما خالفوا فيه مما افترض عليهم من طاعة نبيهم .

وأما قوله : "لانفضوا من حولك" ، فإنه يعني : لتفرقوا عنك . كما : -

8123 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : قوله : " لانفضوا من حولك " ، قال : انصرفوا عنك .

8124 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " لانفضوا من حولك " ، أي : لتركوك .
[ ص: 343 ] القول في تأويل قوله ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ( 159 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فاعف عنهم " ، فتجاوز ، يا محمد ، عن تباعك وأصحابك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي ، ما نالك من أذاهم ومكروه في نفسك" واستغفر لهم ، وادع ربك لهم بالمغفرة لما أتوا من جرم ، واستحقوا عليه عقوبة منه . كما : -

8125 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "فاعف عنهم" ، أي : فتجاوز عنهم"واستغفر لهم" ، ذنوب من قارف من أهل الإيمان منهم .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله أمر تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم ، وما المعنى الذي أمره أن يشاورهم فيه؟

فقال بعضهم : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : " وشاورهم في الأمر " ، بمشاورة أصحابه في مكايد الحرب وعند لقاء العدو ، تطييبا منه بذلك أنفسهم ، وتألفا لهم على دينهم ، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم ، وإن كان الله عز وجل قد أغناه بتدبيره له أموره ، وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم .

ذكر من قال ذلك :

8126 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " ، [ ص: 344 ] أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء ، لأنه أطيب لأنفس القوم وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه الله ، عزم لهم على أرشده .

8127 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " وشاورهم في الأمر " ، قال : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء ، لأنه أطيب لأنفسهم .

8128 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وشاورهم في الأمر " ، أي : لتريهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم ، وإن كنت عنهم غنيا ، تؤلفهم بذلك على دينهم .

وقال آخرون : بل أمره بذلك في ذلك . ليبين له الرأي وأصوب الأمور في التدبير ، لما علم في المشورة تعالى ذكره من الفضل .

ذكر من قال ذلك :

8129 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم قوله : " وشاورهم في الأمر " ، قال : ما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشورة ، إلا لما علم فيها من الفضل .

8130 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن إياس بن دغفل ، عن الحسن : ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم .

وقال آخرون : إنما أمره الله بمشاورة أصحابه فيما أمره بمشاورتهم فيه ، مع [ ص: 345 ] إغنائه بتقويمه إياه وتدبيره أسبابه عن آرائهم ، ليتبعه المؤمنون من بعده فيما حزبهم من أمر دينهم ، ويستنوا بسنته في ذلك ، ويحتذوا المثال الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورته في أموره مع المنزلة التي هو بها من الله أصحابه وتباعه في الأمر ينزل بهم من أمر دينهم ودنياهم ، فيتشاوروا بينهم ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملأهم . لأن المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متبعين الحق في ذلك ، لم يخلهم الله عز وجل من لطفه وتوفيقه للصواب من الرأي والقول فيه . قالوا : وذلك نظير قوله عز وجل الذي مدح به أهل الإيمان : ( وأمرهم شورى بينهم ) [ سورة الشورى : 38 ] .

ذكر من قال ذلك :

8131 - حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال : قال سفيان بن عيينة في قوله : " وشاورهم في الأمر " ، قال : هي للمؤمنين ، أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه ، تألفا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرة التي يؤمن عليه معها فتنة الشيطان وتعريفا منه أمته مأتى الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها ، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم ، فيتشاوروا فيما بينهم ، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله . فأما النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الله كان يعرفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صواب ذلك . وأما أمته ، فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك ، على تصادق وتآخ للحق ، وإرادة [ ص: 346 ] جميعهم للصواب ، من غير ميل إلى هوى ، ولا حيد عن هدى ، فالله مسددهم وموفقهم .

وأما قوله : "فإذا عزمت فتوكل على الله" ، فإنه يعني : فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك ، وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك ، فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به ، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك ، أو خالفها"وتوكل" ، فيما تأتي من أمورك وتدع ، وتحاول أو تزاول ، على ربك ، فثق به في كل ذلك ، وارض بقضائه في جميعه ، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم" فإن الله يحب المتوكلين " ، وهم الراضون بقضائه ، والمستسلمون لحكمه فيهم ، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه . كما : -

8132 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ""فإذا عزمت" ، أي : على أمر جاءك مني ، أو أمر من دينك في جهاد عدوك لا يصلحك ولا يصلحهم إلا ذلك ، فامض على ما أمرت به ، على خلاف من خالفك وموافقة من وافقك و"توكل على الله" ، أي : ارض به من العباد"إن الله يحب المتوكلين " .

8133 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فإذا عزمت فتوكل على الله " ، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ، ويستقيم على أمر الله ، ويتوكل على الله .

8134 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " فإذا عزمت فتوكل على الله " ، الآية ، أمره الله إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل عليه .
[ ص: 347 ] القول في تأويل قوله ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 160 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : "إن ينصركم الله" ، أيها المؤمنون بالله ورسوله ، على من ناوأكم وعاداكم من أعدائه والكافرين به" فلا غالب لكم " من الناس ، يقول : فلن يغلبكم مع نصره إياكم أحد ، ولو اجتمع عليكم من بين أقطارها من خلقه ، فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عددهم ، ما كنتم على أمره واستقمتم على طاعته وطاعة رسوله ، فإن الغلبة لكم والظفر ، دونهم" وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده " ، يعني : إن يخذلكم ربكم بخلافكم أمره وترككم طاعته وطاعة رسوله ، فيكلكم إلى أنفسكم"فمن ذا الذي ينصركم من بعده" ، يقول : فأيسوا من نصرة الناس ، فإنكم لا تجدون [ ناصرا ] من بعد خذلان الله إياكم إن خذلكم ، يقول : فلا تتركوا أمري وطاعتي وطاعة رسولي فتهلكوا بخذلاني إياكم" وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ، يعني : ولكن على ربكم ، أيها المؤمنون ، فتوكلوا دون سائر خلقه ، وبه فارضوا من جميع من دونه ، ولقضائه فاستسلموا ، وجاهدوا فيه أعداءه ، يكفكم بعونه ، ويمددكم بنصره . كما : -

8135 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : [ ص: 348 ] إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون " ، أي : إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس لن يضرك خذلان من خذلك ، وإن يخذلك فلن ينصرك الناس"فمن الذي ينصركم من بعده" ، أي : لا تترك أمري للناس ، وارفض [ أمر ] الناس لأمري ، وعلى الله ، [ لا على الناس ] ، فليتوكل المؤمنون .
القول في تأويل قوله ( وما كان لنبي أن يغل )

اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته جماعة من قرأة الحجاز والعراق : ( وما كان لنبي أن يغل ) ، بمعنى : أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم من أموال أعدائهم . واحتج بعض قارئي هذه القراءة : أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطيفة فقدت من مغانم القوم يوم بدر ، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم : "لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها!" ، ورووا في ذلك روايات ، فمنها ما : -

8136 - حدثنا به محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا خصيف قال : حدثنا مقسم قال : حدثني ابن عباس : أن هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " ، نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر ، قال : فقال بعض الناس : أخذها! قال : فأكثروا في ذلك ، فأنزل الله عز وجل : "وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" .

8137 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا [ ص: 349 ] خصيف قال : سألت سعيد بن جبير : كيف تقرأ هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " أو : "يغل"؟ قال : لا بل"يغل" ، فقد كان النبي والله يغل ويقتل .

8138 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس : " وما كان لنبي أن يغل " ، قال : كان ذلك في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر ، فقال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : "فلعل النبي أخذها"! فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " [ قال سعيد : بلى والله ، إن النبي ليغل ويقتل ] .

8139 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خلاد ، عن زهير ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت قطيفة فقدت يوم بدر ، فقالوا : "أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم!" . فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " . [ ص: 350 ]

8140 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مالك بن إسماعيل قال : حدثنا زهير قال : حدثنا خصيف ، عن سعيد بن جبير وعكرمة في قوله : "وما كان لنبي أن يغل" ، قالا يغل قال قال عكرمة أو غيره ، عن ابن عباس ، قال كانت قطيفة فقدت يوم بدر ، فقالوا : أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم"! قال : فأنزل الله هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " .

8141 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا قزعة بن سويد الباهلي ، عن حميد الأعرج ، عن سعيد بن جبير قال : نزلت هذه الآية : " وما كان لنبي أن يغل " ، في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة .

8142 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن سليمان الأعمش قال : كان ابن مسعود يقرأ : ( وما كان لنبي أن يغل ) ، فقال ابن عباس : بلى ، ويقتل قال : فذكر ابن عباس أنه إنما كانت في قطيفة قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلها ، يوم بدر . فأنزل الله : " وما كان لنبي أن يغل " .

وقال آخرون ممن قرأ ذلك كذلك ، بفتح"الياء" وضم"الغين" : إنما نزلت هذه الآية في طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم في وجه ، ثم غنم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم ، يعلمه فيها أن فعله الذي فعله خطأ ، وأن الواجب عليه في الحكم أن يقسم للطلائع مثل ما قسم لغيرهم ، ويعرفه الواجب عليه من الحكم فيما [ ص: 351 ] أفاء الله عليه من الغنائم ، وأنه ليس له أن يخص بشيء منها أحدا ممن شهد الوقعة - أو ممن كان ردءا لهم في غزوهم - دون أحد .

ذكر من قال ذلك :

8143 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " ، يقول : ما كان للنبي أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسم ، ولكن يقسم بالعدل ، ويأخذ فيه بأمر الله ، ويحكم فيه بما أنزل الله . يقول : ما كان الله ليجعل نبيا يغل من أصحابه ، فإذا فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استنوا به .

8144 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : أنه كان يقرأ : " ما كان لنبي أن يغل " ، قال : أن يعطي بعضا ، ويترك بعضا ، إذا أصاب مغنما .

8145 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع ، فغنم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يقسم للطلائع ، فأنزل الله عز وجل : " وما كان لنبي أن يغل " .

8146 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك : "ما كان لنبي أن يغل " ، يقول : ما كان لنبي أن يقسم لطائفة من أصحابه ويترك طائفة ، ولكن يعدل ويأخذ في ذلك بأمر الله عز وجل ، ويحكم فيه بما أنزل الله .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif





الساعة الآن : 12:19 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 342.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 342.45 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.15%)]