رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة الكهف الآية 83: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ﴾: يعني يَسألك مُشرِكو قومك - أيها الرسول - عن خبر المَلِك الصالح "ذي القرنين"، ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾: أي سأقرأ عليكم مِن حاله خبرًا يَحمل موعظةً وعِلمًا تتذكرونه وتعتبرونَ به. الآية 84، والآية 85، والآية 86: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ يعني أعطيناه من المُلك والسلطان والعلم ما يُمَكِّنُه من التحكم في مَمالك الأرض ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ﴾: يعني أعطيناه من كل الأسباب والوسائل و"الإمكانيات" التي يتوصل بها إلى ما يريد (مِن فَتْح البلاد ليَنشر فيها العدل والخير، وغير ذلك) ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾: أي فأخَذَ بتلك الأسباب والطرق بجد واجتهاد، وأتْبَعَ السبَبَ سببًا آخر حتى انتهى إلى ما يريد، (وهذا مِن سُنن اللهِ الكونية في تكامل الأشياء، فمَن صَنَعَ "العَرَبة" وتابَعَ الأسباب التي تَوَصَّلَ بها إلى صُنع "العربة"، فإنه يَصنع الطائرة، وهكذا). ♦ واعلم أنّ كلمة "السبب" معناها الحقيقي: (الحَبل)، ولكنها أُطلِقَتْ على كل ما يُتوَصَّل به إلى شيءٍ ما. ♦ فتابَعَ ذو القرنين بين أسباب الغزو والفتح، وسارَ بجنوده ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ﴾: يعني حتى إذا وصل إلى المكان الذي تَغرب فيه الشمس (وهو على ساحل المحيط الأطلنطي): ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾: أي وَجَدَها - في نظر العين - كأنها تغرب في ماءٍ ساخن أو أسود، (وكَوْنها تَغرب في هذا الماء: هو بحسب رؤية العين، وإلاّ فالشمس في السماء، والمحيط في الأرض). ﴿ وَوَجَدَ عِنْدَهَا ﴾ أي عند تلك العين الحَمِئة - في ذلك الإقليم الغربي - ﴿ قَوْمًا ﴾ (كافرين أو فُسّاق)، لأنّ اللهَ تعالى رَخَّصَ له في تعذيبهم - كما سيأتي - فلو أنهم كانوا مؤمنين، ما رَخَّصَ له في تعذيبهم، فـ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾، والمعنى أنّ اللهَ أَذِنَ له في التصرف فيهم (بعد أن يَسَّرَ له أسباب التغلب عليهم)، فخَيَّره سبحانه بين أن يُعَذِّبهم بالقتل أو غيره، وبين أن يُعاملهم بالإحسان، فيُطلِقَ سَراحهم بدون فداء، أو يأخذ منهم الفداء. الآية 87، والآية 88: ﴿ قَالَ ﴾ ذو القرنين لهؤلاء القوم: ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ﴾: يعني أمَّا مَن استمَرَّ على شِركه وكُفره: ﴿ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ﴾ في الدنيا، ﴿ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ﴾: أي ثم يَرجع إلى ربه بعد الموت، فيُعذبه عذابًا فظيعًا في نار جهنم ﴿ وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ ﴾ بربه، فصدَّقَ به ووَحَّدَه ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾، ﴿فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ﴾: أي فله الحُسنى - وهي الجنة - ثوابًا من اللهِ تعالى، ﴿ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾: يعني وسنُحسن إليه، ونُلَيِّن له القول ونُيَسِّر له المعاملة، فلا نُكَلِّفه ما يُرهقه. الآية 89، والآية 90: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ أي: ثم سار ذو القرنين بجنوده ليَفتح المَشرق، مُتَّبِعًا الأسباب التي أعطاه اللهُ إياها في فتح المغرب ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ﴾: يعني حتى إذا وصل إلى المكان الذي تطلع منه الشمس - في نظر العين -: ﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾ أي ليس لهم مساكن تسترهم من الشمس، ولا ثياب يَلبسونها (إذ كانوا قومًا (بِدائيين) لم تساعدهم الأرض التي يعيشون عليها على التحضّر، فلذلك كانوا يَسكنونَ الكهوف والمَغارات والسراديب، ويَسترون عوراتهم بأوراق الشجر وجلود الحيوانات وغير ذلك). الآية 91: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ - أي كذلك كانَ أمْرُهُم كما قصصنا عليك أيها الرسول - ﴿ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ﴾: أي وقد أحاط عِلْمُنا بما عند "ذي القرنين" من الأسباب المادية والإيمانية، حيثما توجَّه وسار. الآية 92، والآية 93، والآية 94: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ أي: ثم واصَلَ طريقه في الغزو والفتح - آخِذًا بالأسباب التي أعطاه اللهُ إياها - ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ﴾ وهما جبليْن عظيميْن يَحجزان ما وراءهما، فـ ﴿ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا ﴾ يعني وجد أمام هذين الجبلين ﴿ قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ﴾ أي لا يَفهمون كلام مَن يخاطبهم إلاّ بشدة وبطء (لأنهم لا يَعرفون لهجةً أخرى غير لَهْجتهم)، فـ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ﴾ وهُما قبيلتيْن عظيمتيْن من بني آدم ﴿ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ بإهلاك الزرع وقتْل البشر والأكل والتدمير والتخريب، ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾: يعني فهل نجعل لك أجرًا ﴿ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾:يعني مُقابل أن تجعل بيننا وبينهم حاجزًا يَمنعهم من الوصول إلينا؟ الآية 95، والآية 96: ﴿ قَالَ ﴾ لهم ذو القرنين: ﴿ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ﴾ يعني ما أعطانيه ربي من المُلك والتمكين هو خيرٌ لي مِن مالكم، ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ من أجسادكم: ﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ أي حاجزًا قويًّا - في المسافة التي بين الجبلين - ليَكون حائلًا بينكم وبينهم. ♦ وقال لهم ذو القرنين: ﴿ آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ﴾: يعني أعطوني قطع الحديد (كل قطعة على قدر الحجر الذي يُستَخدَم في البناء)، فجاؤوا به إليه، فأخذ يضع الحديد ويَبني السد ﴿ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾، يعني حتى إذا ارتفع البناء وأصبح مُساويًا لارتفاع الجبلين: ﴿ قَالَ ﴾ ذو القرنين للعُمّال: ﴿ انْفُخُوا ﴾ أي أشعِلوا النار، وانفخوها على الحديد حتى يَنصهر (ليُصبح أكثر صلابةً وثباتًا)، ﴿ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا ﴾: يعني حتى إذا اشتعلت النار في جميع قطع الحديد، وصار الحديد كله مُنصهرًا: ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾: يعني أعطوني نحاسًا مُذابًا أُفرِغه عليه، فجاؤوا إليه بالنحاس المُذاب، فأفرغه على السد، (ولعل الحكمة من اتحاد الحديد المنصهر مع النحاس المُذاب أنْ تَنتج مادة ثالثة أكثر صلابة تجمع بين قوة الحديد وقوة النحاس). الآية 97، والآية 98: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ﴾: أي فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يصعدوا فوق السد (لارتفاعه ومَلاسته)، ﴿ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾: يعني وما استطاعوا أن يَخرقوه مِن أسفله لقوَّته. ♦ فلمّا نظر ذو القرنين إلى السد - بعد أن أصبَحَ جبلًا شامخًا وحِصنًا حصينًا -: ﴿ قَالَ ﴾: ﴿ هَذَا ﴾ السد هو ﴿ رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ﴾ بالناس، ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي ﴾ بخروج يأجوج ومأجوج عند قُرْب الساعة: ﴿ جَعَلَهُ دَكَّاءَ ﴾: أي جعله اللهُ ترابًا مُساويًا للأرض، ﴿ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾. الآية 99:﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ﴾: أي وتركنا يأجوج ومأجوج - يوم يأتيهم وَعْدُنا - يَذهبون ويَجيئون في اضطرابٍ كمَوج البحر لِكَثرتهم، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بمَن يَموج بعضهم في بعض: الإنس والجن، وذلك يوم القيامة، والله أعلم)، ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾: أي ونُفِخَ في "القرن" نفخة البعث ﴿فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ﴾: أي فجمعنا الخلق جميعًا للحساب والجزاء. الآية 100، والآية 101:﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا ﴾ أي عَرْضًا حقيقيًّا يُشاهدونها فيه عن قُرب، لنُرِيَهم سُوء عاقبتهم، إذ هم ﴿ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ﴾ أي كانت أعينهم لا تستطيع أن ترى آياتي الكونية، وكانت بصائر قلوبهم لا تستطيع أن ترى أدلتي القرآنية، ليَستدلوا بها على أنني وحدي المستحق للعبادة، ﴿ وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ﴾: أي وكانوا لا يَطيقون سماع حُجَجي المُوصلة إلى الإيمان بي وبرسولي، والداعية إلى الهدى والخير. الآية 102:﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ ﴾: يعني هل ظنوا أن يتخذوا عبادي آلهةً - يَعبدونهم بأنواع من العبادات - ليكونوا أولياءَ لهم يُنقذونهم من عذابي؟ (والاستفهام للإنكار والتوبيخ)، يعني: كلا، إنهم سوف يَتبرؤون منهم يوم القيامة، وسوف نُعاقب المشركين على شِركهم وكُفرهم، فـ ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴾: أي أعددنا نار جهنم للكافرين مَنزلًا، (وفي هذا تهديدٌ ووعيد لكل مَن يتخذ الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء آلهة، يَعبدونهم تحت شعار: التقرب إلى اللهِ تعالى، وطلب الشفاعة عنده بهم، والتوسل إليه تعالى بحُبّهم والتقرب إليهم). من الآية 103 إلى الآية 106: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول - مُحَذرًا للناس -: ﴿ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾: يعني هل نُخبركم بأخسر الناس أعمالًا؟ إنهم هم ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾: أي بَطل عملهم وفَسَد، فلم يَنتفعوا به - لأنه لم يكن على هدىً ولا صواب - فبذلك ضيَّعوه بعد أن تعبوا فيه ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾: أي وهُم يظنون أنهم مُحسنون في أعمالهم، (ويدخل في ذلك: المُراؤون بأعمالهم للناس، والعاملون بالبِدَع المُكَفرّة، والمشركون واليهود والنصارى). ﴿ أُولَئِكَ ﴾ هم ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ﴾ أي كفروا بالقرآن وبما فيه من دلائل التوحيد، والأحكام الشرعية التي شَرَعها اللهُ لعباده، وكفروا كذلك بالبعث والجزاء ﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾، أي بَطلت أعمالهم بسبب كُفرهم وريائهم وعملهم بغير ما شَرَعَ اللهُ تعالى، ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾، أي لا نجعل لهم قدْرًا ولا قيمة، ولا نُوزِنُ لهم أعمالهم الباطلة، بل نَحتقرهم ونُذِلّهم (عِلمًا بأنّ الكفار سيُحاسَبون وإنْ لم تُوزَن أعمالهم، لقوله تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ)، فمُحاسبَتهم لإظهار العدالة الإلهية، لا لأنّ لهم أعمالًا صالحة يُجزَون بها، واللهُ أعلم). ♦ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (إنه لَيُؤتَى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يَزن عند اللهِ جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾). ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي أولئك المُحتَقَرون الذليلون ﴿ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا ﴾ أي بسبب أنهم كفروا بوحدانية اللهِ تعالى ﴿ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾، يعني وبسبب أنهم سخروا واستهزؤوا بآيات الله وحُجَجه ورُسُله، فلذلك كان الحُكم عادلًا، والجزاء مُوافِقًا. ♦ ويُلاحَظ أنه تعالى أطلَقَ عليهم لفظ: (ذلك) بدلًا من: (أولئك)، لأنهم بكُفرهم وحبوط أعمالهم أصبحوا لا خيرَ فيهم، ولا وزنَ لهم، فحينئذٍ يُستحسَن أن يُشار إليهم بـ "ذلك"، (أي ذلك المذكور مِن سَفَلة الخَلق)، واللهُ أعلم. الآية 107، والآية 108: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ باللهِ ورسوله، وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ على النحو الذي شَرَعَه اللهُ تعالى، فأدَّوا الفرائض والواجبات، وسارَعوا في النوافل والخيرات، أولئك ﴿ كَانَتْ لَهُمْ ﴾ - في عِلم اللهِ وحُكمه -: ﴿ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾ أي لهم أعلى درجات الجنة وأفضلها منزلًا (وهي الفردوس الأعلى)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (فإذا سألتم اللهَ فسَلُوهُ الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عَرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهار الجنة). ♦ وحتى نَفهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة): فإننا سوف نتخيل أن الجنة عبارة عن صندوق ضخم، فبالتالي تكون الفردوس في منتصف هذا الصندوق ولكنْ في أعلى نقطة فيه، فبذلك تكون أعلى الجنة وأوسط الجنة)، (واعلم أنّ النُزُل هو ما يُعَدّ للضيف مِن إكرامٍ وإنعام). ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ - أي في هذه الجنة - ﴿ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾، أي لا يريدون تحوُّلًا عنها؛ لأنّ نعيمها لا يُمَلّ منه، وصَفْوها لا يُكَدَّر، وسعادتها لا تنقص ولا تُنَغَّض بموتٍ ولا مرض ولا هَم ولا حزن ولا تعب (جعلنا اللهُ مِن أهلها ومَن قال آمين). الآية 109: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول -: ﴿ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي ﴾: يعني لو كان البحر حِبرًا يُكتَب به الكلمات الإلهية التي تحمل العلوم والمعارف: ﴿ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ﴾، ﴿ وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾: يعني ولو جئنا بمِثل البحر بحارًا أخرى مَدَدًا له، (وفي الآية إثبات صفة الكلام للهِ تعالى حقيقةً كما يَليق بجلاله وكماله). ♦ وقد تضمنت هذه الآية ردًّا على اليهود الذين قالوا: (أوتينا التوراة، وفيها عِلم كل شيء)، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية ردًّا عليهم وإبطالًا لمَزاعمهم، وأخبَرهم أنّ عِلمه سبحانه لا يَنتهي، وأنهم لم يُعطَوا من العلم إلا قليلًا. الآية 110: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين الذين يَطلبون منك المعجزات بحسب أهوائهم واقتراحاتهم: ﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ لا أقدر على تحقيق مَطالبكم مِن عند نفسي، والفرق بيني وبينكم هو أنني ﴿ يُوحَى إِلَيَّ ﴾ - مِن ربي - ﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ ﴾، أي معبودكم الحق هو ﴿ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾، وهو اللهُ الواحد الأحد، المستحق وحده للعبادة. ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ ﴾: يعني فمَن كانَ يرجو ثواب ربه، ويخاف عذابه يوم لقائه: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ - وهو كل ما كانَ خالصًا للهِ تعالى، مُوافقًا لشرعه - ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾، فبهذا يكون رجاؤه صادقًا، فإن حُسن الظن بدون العمل لا ينفع، وقد ضَرَبَ ابن القيّم رحمه اللهُ مَثَلًا لمن يَزعمونَ أنهم يُحسنون الظن بربهم ولا يَعملون، كمَثَل رجلٍ له أرض زراعية، لا يضع فيها البذور، ولا يسقيها، ثم يقول: (أنا أحسن الظن بها أنها ستُنبت)! ♦ وفي ختام سورة الكهف نُحب أن نَذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم -: "مَن حَفِظَ عشر آيات من أول سورة الكهف: عُصِمَ من الدَجَّال". [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير"؛ لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
|
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثاني من سورة مريم من الآية 41 إلى الآية 45: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ﴾ يعني: واذكر أيها الرسول لقومك - في هذا القرآن - خبر إبراهيم عليه السلام ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا﴾ أي كثير الصدق، وكانَ ﴿نَبِيًّا﴾ مِن أرفع الأنبياء مَنزلةً عند اللهِ تعالى، (لِذا فهو جدير بالذِكر في القرآن الكريم، ليكون قدوة صالحة للمؤمنين) ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ﴾ آزر: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ﴾ أي لا يَسمعك ولا يراك ﴿وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ يعني: ولا يَدفع عنك ضراً، ولا يَجلب لك نفعاً، فما الفائدة من عبادته؟!، ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾: يعني إنّ اللهَ قد أعطاني من العلم ما لم يُعطِك، (كمعرفة صفاته سبحانه وتعالى، وما أعدَّهُ من النعيم لمن وَحَّده وأطاعه، وما أعدَّهُ من العذاب لمن عَبَدَ غيره وعَصاه)، ﴿فَاتَّبِعْنِي﴾ فيما أدعوك إليه: ﴿أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾: يعني أُرشِدك إلى الطريق المستقيم، الذي يُوصلك إلى السعادة والنجاة، ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾: أي لا تُطِع الشيطان فيما يَأمرك به من عبادة الأصنام، فـ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ أي مُخالِفًا لأوامر اللهِ تعالى، مستكبرًا عن طاعته، ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ﴾ أي يُصيبك ﴿عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ إذا مِتَّ على كُفرك ﴿فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ أي فتكون قريبًا من الشيطان في النار. الآية 46: ﴿قَالَ﴾ أبو إبراهيم: ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ﴾: يعني هل أنت مُعرِض عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ﴾ عن سَبِّها وإظهار عيوبها: ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ بالحجارة، ﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ أي اذهب عني، ولا تكلمني زمنًا طويلاً لكي تنجو مِن عقوبتي. من الآية 47 إلى الآية 50: ﴿قَالَ﴾ إبراهيم لأبيه: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾ أي أمانٌ لك مِن أن يَنالك مني ما تَكره، و ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾: أي سوف أدعو اللهَ لك بالهداية والمغفرة ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ أي كانَ مُكرِماً لي، رؤوفًاً بحالي، يُجيبني إذا دعوته (وهذا قبل أن يَعرف أنّ والده سوف يموت على الشِرك، فلمَّا تبيَّنَ له أنه عدوٌ للهِ تبرَّأَ منه (كما جاء ذلك في سورة التوبة)). ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ﴾ يعني: وسوف أُفارقك - يا أبي - أنت وقومك وأصنامكم التي تعبدونها ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، ﴿وَأَدْعُو رَبِّي﴾ مُخلِصًا له العبادة والدعاء، ﴿عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾: يعني أرجو ألاّ أكون محرومًا من إجابته لدعائي. ♦ ولعله أرادَ بهذا الدعاء أنه سيدعو اللهَ أن يرزقه زوجةً وولداً يَستأنس بهم أثناء هِجرته لقومه، لأنّ اللهَ تعالى قال بعدها: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: يعني فلمَّا فارَقَهم وفارَقَ آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، وهاجَرَ إلى أرض القدس: ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾: أي رَزَقناه بولده إسحاق، ثم رزقناه من إسحاق بحفيده يعقوب ليأنَسَ بهما، ﴿وَكُلًّا﴾ - مِن إسحاق ويعقوب - ﴿جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾ ﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ﴾ أي وهبنا لإبراهيم وإسحاق ويعقوب ﴿مِنْ رَحْمَتِنَا﴾ خيراً كثيراً (من المال والولد، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا)، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾: أي وجعلنا لهم ذِكرًا حسنًا، وثناءً جميلاً باقيًا في جميع أهل الشرائع السماوية (وهذا إكرامٌ من اللهِ تعالى لهم، جزاءً لصِدق إبراهيم وصَبره على هَجْر قومه). الآية 51، والآية 52، والآية 53: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى﴾: أي واذكر أيها الرسول - في هذا القرآن - خبر موسى عليه السلام (تشريفا له وتكريماً) ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾ أي مُختارًا لإبلاغ رسالة اللهِ تعالى إلى خَلْقه (وهي عبادته وحده وذِكره وشُكره)، ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ (ولعل اللهَ تعالى جَمَعَ لموسى هنا بين الرسالة والنُبُوّة إشارةً إلى أنّ رسالته قد بلغتْ مَبلغاً قوياً، واللهُ أعلم). ﴿وَنَادَيْنَاهُ﴾ - وهو في طريقه من أرض "مَدْيَن" إلى أرض "مصر" - ﴿مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ أي من الناحية اليُمنَى لجبل الطور بـ "سيناء" (ولعل المقصود مِن وَصْف جانب الجبل بـ "الأيمن" أي الناحية اليُمنَى لموسى عليه السلام، لأنّ الجبل ليس له يمين وشمال، واللهُ أعلم). ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾: أي قرَّبنا موسى وشرَّفناه بمُناجاتنا له من غير وحي، فصارَ يُكَلِّمنا ويَسمع كلامنا (وفي هذا إثبات لصفة الكلام للهِ تعالى كما يليق بجلاله وكماله)، ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ ليؤيِّده ويُعِينه على تبليغ رسالته، (وقد كان ذلك استجابةً لدعاء موسى عليه السلام، إذ سأل ربه أن يُنعِم على أخيه هارون بالرسالة حين قال: ﴿فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾ أي اجعله رسولاً كما جعلتني، فاستجاب اللهُ دعائه، وأرسَلَ معه هارون إلى فرعون، (واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ مِنْ رَحْمَتِنَا ﴾ أي كانَ هذا برحمةٍ خاصة مِن اللهِ تعالى، إذ النُبُوّة لا يُتوَصَّل إليها بكثرة العبادة، ولكنها هبة إلهية خاصة، يُنعِمُ اللهُ بها على مَن يشاء مِن عباده). الآية 54، والآية 55: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ﴾: أي واذكر أيها الرسول - في هذا القرآن - خبر إسماعيل عليه السلام ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾: أي كانَ صادقًا في وعده، فلم يُخلف وعداً قط ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ﴾ أي كانَ يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة (والمقصود بأهله: أُسرته وقومه مِن قبيلة "جُرهم" الذين عاشَ بينهم في مكة) ﴿وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ أي كان مَرضياً عنه مِن ربه، وذلك بسبب اجتهاده فيما يُرضي اللهَ تعالى من الأقوال والأفعال. الآية 56، والآية 57: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ﴾: أي واذكر أيها الرسول - في هذا القرآن - خبر إدريس عليه السلام ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا﴾ أي كثير الصدق في أقواله وأعماله، وكان ﴿نَبِيًّا﴾ يُوحَى إليه، ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ (فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الرابعة في رحلة الإسراء والمعراج، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم). الآية 58: ﴿أُولَئِكَ﴾ الذين قصصنا عليك خبرهم أيها الرسول، هم ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ بفضله وتوفيقه، فجَعَلهم ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ﴾ (كإدريس عليه السلام)، ﴿وَمِمَّنْ حَمَلْنَا﴾ أي: ومِن ذرية مَن حملناهم ﴿مَعَ نُوحٍ﴾ في السفينة (كإبراهيم عليه السلام) إذ كانَ إبراهيم مِن ذرية نوح، ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ (كإسحاق وإسماعيل عليهما السلام)، ﴿وَ﴾ من ذرية ﴿إِسْرَائِيلَ﴾ (كموسى وهارون وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام) (واعلم أنّ إسرائيل هو يعقوب عليه السلام)، ﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا﴾ أي: وهُم مِن جملة مَن هديناهم للإيمان واخترناهم للنبُوَّة والرسالة. ♦ وهؤلاء الأنبياء كانوا ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ﴾ - المتضمنة للعظات والعِبَر والدلائل والحُجَج -: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾: أي خرُّوا ساجدين - ذُلاً وخضوعًا لربهم - وهم يَبكونَ مِن خشيته سبحانه وتعالى، ومِن أنهم لم يَعبدوه حقَّ عبادته، ولم يَشكروه حقَّ شُكره. من الآية 59 إلى الآية 62: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ أي فجاء مِن بعد هؤلاء الأنبياء ﴿خَلْفٌ﴾ يعني أتباعُ سَوْءٍ، حيثُ ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾: أي تركوا الصلاة كلها، أو فوَّتوا وقتها، أو تركوا أركانها وواجباتها، ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾: أي اتَّبعوا ما يُوافق شهواتهم - وذلك بانغماسهم في الذنوب والمعاصي - ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾: أي فسوف يَلقون عذاباً في جهنم جزاءَ غيِّهم (أي جزاءَ ضلالهم)، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ أي جزاءَ آثامه وذنوبه، (وقد قيل إنّ الغيّ: هو وادٍ في جهنم شديد الحر، واللهُ أعلم). ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ مِن ذنوبه ﴿وَآَمَنَ﴾ باللهِ ورُسُله، وبجميع ما أخبر به الرُسُل من الغيب ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ تصديقًا لتَوبته: ﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ مع المؤمنين ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ أي لا يُنقَصون شيئًا من ثواب حسناتهم، بل يدخلونَ ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ أي جنات الخلود ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ أي وَعَدَهم بها وهي غائبة عن أعينهم - إذ هي في السماء وهم في الأرض - فآمَنوا بها ولم يروها، ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾: يعني إنّ وَعْده سبحانه بهذه الجنة - لعباده المؤمنين - آتٍ لا مَحالة. ♦ وأهلُ الجنة ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾: أي لا يَسمعونَ فيها كلامًا باطلاً ﴿إِلَّا سَلَامًا﴾ أي: لكنهم يَسمعون الملائكة وهي تُسَلِّم عليهم وتُحَيِّيهم (وهذا من النعيم الروحاني في الجنة)، ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا﴾ - من الطعام والشراب الذي تشتهيه أنفسهم - ﴿بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ أي دائماً، إذ كلما طلبوا شيئاً وجدوه أمامهم (اللهم ارزقنا الجنة). الآية 63، والآية 64، والآية 65: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ﴾ - الموصوفة بتلك الصفات - هي ﴿الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ أي نُعطيها عبادنا الذين يتقونَ ربهم (بامتثال أوامره واجتناب نَواهيه). ♦ وقل - يا جبريل - لمحمد: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ﴾ - نحن الملائكة - من السماء إلى الأرض ﴿إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ لنا، فإنه تبارك وتعالى ﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا﴾ أي له سبحانه ِعِلْمُ وتدبير ما يُستقبَل من أمْر آخرتنا، ﴿وَمَا خَلْفَنَا﴾ أي وله أيضاً ما مَضَى من الدنيا (عِلماً وتدبيراً)، ﴿وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ﴾ أي: وله أيضاً ما بين الدنيا والآخرة (وهو الزمن المتبقي من الدنيا إلى يوم القيامة). ♦ فله سبحانه الأمر كله، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ يعني: وما كان ربك ناسيًا لشيءٍ من الأشياء، وما كان ناسياً لك أيها الرسول، إذاً فلا تحزن لتأخّر الوحي عنك، فإنّ ربك إذا شاء أن يُرسِلَ الوحي إليك لأرسَلَه، فهو ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي خالقُ ذلك كله ومُدَبِّر أمْره، ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ وحده - بما شَرَعه لك - ﴿وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾: أي اصبر على طاعته - أنت ومَن اتَّبعك - لأنه سبحانه الذي يستحق العبادة وحده، وهو الذي يستحق أن تتحمل مِن أجْله، فـ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ أي هل تعلم له نظيراً أو مَثيلاً؟ (والجواب لا، فهو سبحانه ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله)، إذاً فاعبده وحده، وتحمَّل في سبيل ذلك ما استطعت، حتى تصل إلى رضاه وجنته. ♦ واعلم أنّ سبب نزول هاتين الآيتين - كما في صحيح البخاري - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: (ما يَمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا)، فنزلت الآية: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ﴾. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة مريم الآية 66، والآية 67: ﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ ﴾ المُنكِر للبعث: ﴿ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ﴾ من قبري؟، فرَدَّ اللهُ عليه قائلاً: ﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴾ أي لم يكن له جسد ولا اسم ولا صفة؟ إذاً فليعلم أن الذي خَلَقه من العدم، قادرٌ سبحانه على أن يَبعثه بعد الموت (لأن إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة). من الآية 68 إلى الآية 72: ﴿ فَوَرَبِّكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ﴾: أي لَنَجمعنَّ هؤلاء المُنكِرين للبعث يوم القيامة، مع الشياطين الذين كانوا يُضلونهم،﴿ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴾ أي باركينَ على رُكَبهم، لا يَقدرونَ على القيام، لشدة ما هم فيه من الخوف، ﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ أي: ثم لَنأخذنَّ مِن كل طائفةٍ - تعاونتْ على الباطل - أشدَّهم تمردًا وعصيانًا للهِ تعالى وظلماً لعباده، فنبدأ بعذابهم، (ولعلَّ اللهَ تعالى ذَكَرَ هنا صفة "الرحمن" لتفظيع تَمَرُّدهم وظُلمهم، لأنّ شديد الرّحمة بالخلق جديرٌ بالشكر له والإحسان، لا بالكفر به والطغيان). ♦ وحتى لا يَزعم أحدٌ منهم أنّ غيره أشدّ عِصياناً منه، فقد أخبر سبحانه أنّه يَعلم ما يَستحقه كل واحد منهم من العذاب، فقال:﴿ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ﴾ أي نحن أعلم بالذين هم أَوْلى بالاحتراق بالنار ومُقاساة حَرّها (فأولئك يدخلون النار قبل غيرهم ثم يَدخل بَقيّتهم بعدهم)، ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ يعني: وما منكم مِن أحدٍ - أيها الناس - إلا وسوف يَمُرّ مِن على الصراط الممدود فوق جهنم، كلٌ بحسب عمله - كما ثبت ذلك في صحيح مسلم - فمَن وقع: هَلَك، ومَن لم يَقع: نَجا، ﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾: أي كانَ ذلك أمرًا قضاه اللهُ سبحانه، ولابد من وقوعه، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ - بامتثال أوامر ربهم والبعد عن مَعصيته - فنُنجيهم من النار (وذلك بمرورهم سالمينَ من على الصراط)، ﴿ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ ﴾: أي ونترك الظالمين لأنفسهمبالكفر والمعاصي - بعدما سقطوا من على الصراط - ﴿ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ أي باركينَ على رُكَبهم في النار، لا يستطيعون الحركة (وذلك من شدة ما يُصيبهم مِن هَولها وعذابها). الآية 73، والآية 74: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾: يعني وإذا تُقرأ على الناس آياتنا الواضحة في حُجَجها ودلائلها - على التوحيد والنُبُوّة والبعث -: ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: ﴿ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ﴾ - منَّا ومنكم - ﴿ خَيْرٌ مَقَامًا ﴾ يعني أفضل مَسكناً ومَنزلةً، ﴿ وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ﴾: يعني وأحسن مَجلسًا ونادياً للاجتماع والتشاور فيه؟ ♦ والمعنى أنهم عندما تُقرأ عليهم آيات القرآن، يَتعزّزون بالدنيا ويقولون: (إنْ كُنّا على الباطل، فلماذا نحن أكثر أموالاً وأكثر أعواناً منكم؟)، وذلك لأنهم كانوا يُقارنون بين دار "الأرقم بن أبي الأرقم" التي يجتمع فيها الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وبين منازل أغنياء مكة ونادي قريش (الذي هو مَجلس مَشورتهم وتبادل آرائهم). ♦ فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ﴾: يعني ولقد أهلكنا - قبل هؤلاء الكفار - كثيرًا من الأمم الذين كانوا ﴿ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴾ أي كانوا أحسن منهم متاعًاوأجمل منظرًا، (إذاً فلا يَغُرَّهم هذا الذي يَتبجَّحون به، فإنه لن يدوم لهم إذا استمروا على العناد ومحاربة الحق). الآية 75: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء الكفار: ﴿ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ ﴾: يعني مَن كان مُصِرّاً على ضلاله، غير مُتِّبع لطريق الهدى: ﴿ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ﴾: أي فاللهُ تعالىيَمُدّ له في ضلاله، (فإنّ مِن عقوبة الضَلالة: الضَلالة بعدها، وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾، فالإزاغة الثانيةكانت عقوبة لهم على زَيغهم، وعلى العكس من ذلك، فإنّ مِن ثواب الهدى: الهدى بعده، كما سيأتي في قوله تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾. ♦ ويَظَلُّونَ على هذا الضلال ﴿ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ ﴾: يعني حتى إذا رأوا - يقيناً - ما توعَّدهم الله به: ﴿ إِمَّا الْعَذَابَ ﴾ العاجل في الدنيا، ﴿ وَإِمَّا السَّاعَةَ ﴾ التي تقوم فيها القيامة: ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ ﴾ - حينئذ - ﴿ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ أي شرٌ منزلةً ومَسكناً ﴿ وَأَضْعَفُ جُنْدًا ﴾ أي أقل أنصاراً (أهُم الكافرون أم المؤمنون؟)، وذلك حين لا يَنفعهم العِلم. الآية 76:﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ ﴾ عباده ﴿ الَّذِينَ اهْتَدَوْا ﴾ إلى دينه ﴿ هُدًى ﴾ على هُداهم، وإيماناً على إيمانهم، وتوفيقاً للعلم النافع والعمل الصالح، ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾: يعني والأعمال الصالحة - وخاصةً قول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) - ﴿ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا ﴾ في الآخرة مِمّا يَتفاخر به المشركون من متاع الدنيا الزائل، ﴿ وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴾: أي خيرٌ مَرجعًا وعاقبة (وهو نعيم الجنة). ♦ والمقصود من الآية أنه إذا كانت تلاوة القرآن تَزيد المشركين كِبراً وعِناداً، فإنّ المؤمنين المهتدين يَزدادونَ بها هِداية ورَشاداً، لأنهم يَرونَ ما تَحمله الآيات من الدلائل والحُجَج والعظات والهدى، فيَزداد إيمانهم، وتزداد هدايتهم بأداء الفرائض واجتناب النَواهي، (وفي هذه الآية تصبيرٌ للرسول والمؤمنين بأنّ ما يَتفاخر به المشركون من المال وأثاث المنازل لا يُساوي شيئاً أمام الإيمان والعمل الصالح، لأنّ المال يَفنى، وثواب الصالحات باقٍ في الجنة). من الآية 77 إلى الآية 80: ﴿ أَفَرَأَيْتَ ﴾ - أيها الرسول - هذا الرجل ﴿ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا ﴾ (وهو العاص بن وائل وأمثاله)؟ إذكَفَرَ بآيات اللهِ وكذَّبَ بها ﴿ وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴾ يعني وقال: سآخذ في الآخرة أموالا وأولادًا!، فرَدَّ اللهُ عليه بقوله: ﴿ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ ﴾ يعني هل نَظَرَ في اللوح المحفوظ فرأى أنه سيُعطَى مالاً وولدًا يوم القيامة؟ ﴿ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ بذلك؟ ﴿ كَلَّا ﴾: أي ليس الأمر كما يَزعم ذلك الكافر، فلا عِلمَ له من الغيب، ولا عهدَ له عندنا، بل ﴿ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ﴾ مِنالكذب والافتراء على اللهِ تعالى ﴿ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ﴾: أي وسنَزيده في الآخرة من أنواع العقوبات، ونُضاعف له العذاب، كما ازدادَ هو في الضلال ﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ﴾: أي وسوف نَسلب منه مالَه وولده - الذي يَفتخر به - ونَرثه بعد موته، ﴿ وَيَأْتِينَا ﴾ يوم القيامة ﴿ فَرْدًا ﴾ لا مال معه ولا ولد. الآية 81، والآية 82: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً ﴾ من الأصنام، فعَبَدوها ﴿ لِيَكُونُوا لَهُمْ ﴾ - في نظرهم الفاسد - ﴿ عِزًّا ﴾ أي شفعاءَ لهم عند اللهِ تعالى، ليَعتزوا بهم ولا يُهانوا، ﴿ كَلَّا ﴾: أي ليس الأمر كما يَزعمون، فلن يكونوا لهم عِزًّا، بل ﴿ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ ﴾: أي ستكفر هذه المعبودات فيالآخرة بعبادة مَن عبدهم (حيث يُنكِرون أنهم أمَروهم بعبادتهم)، ﴿ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ أي وسيكونون شُهداءَ ضِدّهم، بخلاف ما ظنوهُمِن أنهم سيَشفعون لهم. الآية 83، والآية 84: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ أي سلَّطْناهم عليهم ﴿ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾؟ أي تُحَرِّكهم تحريكاً شديداً نحو الشهوات والمعاصي والجرائم والمَفاسد، إذاً فلا تَعجبْ مِن مُسارعتهم إلى الشر والفساد والكفر والضلال، وكذلك ﴿ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ﴾: أي لا تستعجل بطلب العذاب الفوري على هؤلاء الكافرين، فـ ﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ ﴾: أي نَعُدّأعمارهم وأعمالهم ﴿ عَدًّا ﴾ لا تفريطَ فيه ولا تأخير، ثم نُحاسبهم على كل ذلك ونُجازيهم به، (فإنهم كلما ازدادوا ظلماً، ازدادَ عذابهم يوم القيامة). ♦ واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يَستعجل العذاب بقومه إلا في الظروف الخاصة الطارئة، كما حَدَثَ عندما قُتِلَ سبعون مِن حَفَظة القرآن، وأما في غير الظروف الخاصة، فكان يقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يَعلمون)، وكانَ يقول: (أرجو أن يُخرِجَ اللهُ مِن أصلابهم مَن يَعبد اللهَ وحده لا يُشرِك به شيئاً). الآية 85، والآية 86، والآية 87: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ ﴾ أي اذكر - أيها الرسول - يوم القيامة، حينَ نَجمع المتقين ﴿ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ أي وفودًا مُكَرَّمين، تَحُوطُهم الملائكة حتى يَنتهوا إلى ربهم، فيكونوا في جواره في الجنة، ﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾: أي ونَسُوقُ الكافرينَ سَوقًا شديدًا إلى النار مُشاةً عِطاشًا ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ ﴾ أي لا يَشفع بعضهم لبعضٍ كالمؤمنين، ولا يَشفع لهم أحدٌ أبداً، ﴿ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾: يعني إنما يَملك الشفاعة مَنِ اتخذ عند الرحمن عهدًابذلك، وهم المؤمنون بالله ورُسُله، حيثُ يُشَفِّعهم سبحانه في غيرهم، أو يَشفع لهم غيرهم (إنْ هم دخلوا النار بذنوبهم حتى يَخرجوا منها). ♦ ولعل المقصود بعَهد الشفاعة هنا: هو شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، ففي الحديث الصحيح أنّ اللهَ تعالى يقول يوم القيامة: (أخرِجوا من النار مَن قال لا إله إلا الله، وكانَ في قلبه مِن الخير ما يَزِن ذَرَّة) (انظر صحيح الترمذي ج 4 /711). من الآية 88 إلى الآية 95: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي وقال الكافرون: ﴿ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾ (حيثُ قال مُشرِكو العرب: الملائكة بنات الله، وقالت النصارى: عيسى ابن الله، وقال بعض اليهود: عُزَيرٌ ابن الله)، ﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ ﴾ - أيها القائلون - بهذه المَقالة ﴿ شَيْئًا إِدًّا ﴾ أي شيئاً عظيمًا مُنكَرًا ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ﴾ أي يَتشقَّقْنَ مِن فظاعة ذلكم القول، ﴿ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ ﴾لأنّ هذا القول مُغضِبٌ لربها عزّ وجلّ، ﴿ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴾ أي وتَسقط الجبالسقوطًا شديدًا غضبًا للهِ تعالى بسبب ﴿ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ ونَسَبوهُ إليه كَذِباً،﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾:أي لا يَليق بعظمة الرحمن سبحانه أن يتَّخذ ولدًا، لأنّ اتِّخاذ الولد يدل علىالنقص والحاجة، واللهُ تعالى هو المُبَرَّأ من كل النقائص، الغني عن كل خلقه، لأنه رب كل شيء ومالكه، و﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ أي: ما كل مَن في السماوات من الملائكة، ومَن في الأرض من الإنس والجن، إلا سيأتيربه يوم القيامة عبدًا ذليلاً خاضعًا مُقِرّاً له بالعبودية، ﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴾ أي عَلِمَهم واحداً واحداً، فلو كانَ بينهم إلهٌ معه، أو ولدٌ له لَعَلِمَه، (سبحانه وتعالى عما يَصفون)، ﴿ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾: أي وسوف يأتي كل واحد من الخلق إلى ربه يوم القيامة بمفرده، لا مالَ له، ولا ولد معه. الآية 96: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - أولئك ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ أي سيَجعل لهممَحَبّة ومَوَدَّة في قلوب عباده، فيَعيشونَ مُتحابِّينَ فيما بينهم، ويُحبهم ربهم تبارك وتعالى. الآية 97: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾: يعني فإنما يَسَّرنا هذا القرآن بلُغَتك العربية أيها الرسول، حيثُ أنزلناه بلسانك العربي ﴿ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ﴾ بالجنة، ﴿ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾: أي وتخوِّف به المُكَذِّبين - المجادلينَ بالباطل - من النار. الآية 98: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ﴾: يعني ولقد أهلكنا كثيرًا من الأمم السابقة قبل قومك أيها الرسول، فـ ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴾: يعني هل ترى منهم أحدًا، أو هل تسمع لهم صوتًا خفياً؟ (والجوابُ لا)، فكذلك الكفار من قومك، نُهلكهم كما أهلكنا السابقين مِن قبلهم، (وفي هذا تهديدٌ ووعيد بإهلاك المُكَذِّبين المعاندين، كما حدث يوم بدر). [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة طه • من الآية 1 إلى الآية 4: ﴿طه ﴾: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة. ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿لِتَشْقَى ﴾ أي ما أنزلناه عليك لتُرهِق نفسك بما لا طاقة لك به من العمل، (وقد كان هذا رداً على النَضر بن الحارث الذي قال: إن محمداً شَقِيَ بهذا القرآن، لِمَا فيه من التكاليف). ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾: يعني لكننا أنزلناه موعظة يَتذكر بها مَن يخاف عقاب اللهِ تعالى، فيؤدي فرائضه ويَجتنب معاصيه، (واعلم أنّ القرآن قد نزل تذكِرةً، لأن التوحيد مستقر في الفِطرة البشرية، وأما الإشراك فهو دَخيلٌ عليها، لِذا فالقرآن يُثير التوحيد الكامن في فِطرة الإنسان). ♦ وقد نُزِّل هذا القرآنُ ﴿تَنْزِيلًا ﴾ - يعني آية بعد آية، بحسب الأحوال والأحداث - ﴿مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾ وهو اللهُ تبارك وتعالى، خالقُ كل شيئٍ ومالكه ومُدَبِّر أمْره. • الآية 5، والآية 6: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ أي عَلا وارتفع على العرش (استواءً يليقُ بجلاله وعظمته)، ﴿لَهُ ﴾ سبحانه ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ خَلْقًا ومُلْكًاوتدبيرًا وإحاطة، ﴿وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ أي: وكذلك له سبحانه ما تحت التراب (كالمعادن، وغير ذلك مِمّا في باطن الأرض). • الآية 7: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ ﴾ يعني: وإن تُعلِن قولك - أيها الرسول - للناس أو تُخفِهِ عنهم: ﴿فَإِنَّهُ ﴾ سبحانه لا يَخفى عليه شيء، إذ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ أي يَعلم سبحانه السر وما هو أخفى من السر (مِمّا تُحَدِّث به نفسك). • الآية 8: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبودَ بحقٍ إلا هو، ﴿لَهُ ﴾ وحده ﴿الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ الدالَّة على كماله وجلالِه، لا يُشاركه فيها أحدٌ مِن خَلقِه. • من الآية 9 إلى الآية 17: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ يعني: وهل جاءك - أيها الرسول - خبر موسى عليه السلام؟ ﴿إِذْ رَأَى نَارًا ﴾ مُوقدة في الليل - وذلك عندما كان راجعاً بأهله مِن أرض "مَدْيَن" إلى أرض "مصر" - ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ ﴾ أي قال لزوجته - ومَن معها مِن خادم أو ولد -: ﴿امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا ﴾: أي انتظروني هنا، فقد أبصرتُ نارًا مُوقدة، وسأذهب لأراها ﴿لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ﴾: أي لعلي أجيئكم منها بشُعلةٍ تَستدفئون بها وتوقدون بها نارًا أخرى ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ يعني أو أجد عندها هاديًا يَدُلّنا على الطريق (وكانَ قد ضَلّ الطريق إلى مصر بسبب ظُلمة الليل)، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ ﴾ أي فلمّا وَصَلَ موسى إلى تلك النار، ناداه اللهُ تعالى: ﴿يَا مُوسَى ﴾ ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ﴾ أي خالقك ورازقك ومُدَبِّر أمْرك ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ أي اخلع حذائك، فـ ﴿إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾ يعني إنكالآن بوادي "طُوَى" المُبارك المُطَهَّر، (وقد أمَرَه سبحانه بخلع حذائه استعدادًا لمُناجاته). ♦ وقال اللهُ له: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ﴾ - لتُبَلِّغ رسالتي إلى فرعون وبني إسرائيل - ﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ إليك مِنِّي: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾ أي لا معبودَ بحقٍ إلا أنا ﴿فَاعْبُدْنِي ﴾ وحدي، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ أي لتَذكرني فيها، ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ﴾ التي يُبعًثُ فيها الناس مِن قبورهم ﴿آَتِيَةٌ ﴾ لابد مِن وقوعها، ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ أي أُبالغ في إخفائها حتى أكاد أُخفيها عن نفسي،حتى لا يَعلم أحدٌ وقت مجيئها، وذلك ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾ أي بما عَمِلتْ في الدنيا مِن خيرٍأو شر، (فالحكمة من إخفاء الساعة: أن يَعمل الناس وهم لا يدرون متى يموتون ولا متى يُبعَثون، فتكون أعمالهم بإراداتهم، لا إكراهَ عليهم فيها، فيكون الجزاء على أعمالهم عادلاً). ﴿فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾: أي فلا يَصرفنَّك يا موسى عن الإيمان بالآخرة والاستعداد لها مَن لا يُصَدِّق بوقوعهاواتَّبع ما يوافق أهوائه وشهواته ﴿فَتَرْدَى ﴾ أي فتَهلك يا موسى إن أطعتَه. ♦ وقد سأله سبحانه - وهو أعلم -: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ يعني: وما هذه التي تحملها في يمينك يا موسى؟، (واعلم أنّ اللهَ سبحانه قد سأله عن العصا ليُقرِّره بأنّ ما بيده عصاً مِن خشب، فإذا تحولت أمامه إلى حيةٍ تسعى: أيقنَ أنها آية أعطاها له ربه ذو القدرة الباهرة، ليُرسله بها إلى فرعون وملئه). • من الآية 18 إلى الآية 24: ﴿قَالَ ﴾ موسى: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾ أي أعتمد عليها في المشي، ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾: يعني أخبط بها ورق الشجر ليَتساقط فتأكله غنمي، ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ ﴾ أي منافع ﴿أُخْرَى ﴾ (فقد يُعَلِّق بها الزاد والماء، وقد يَقتل بها الأشياء الضارة كالعقارب والحيّات)، (وقد أطال موسى عليه السلام في هذا الجواب طلباً لمَزيد الأُنس بمُناجاة ربّه تبارك وتعالى)، و﴿قَالَ ﴾ اللهُ له: ﴿أَلْقِهَا يَا مُوسَى ﴾ ﴿فَأَلْقَاهَا ﴾ موسى على الأرض ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾: أي فانقلبت العصا - بإذن اللهِ تعالى - وأصبحت ثعباناً عظيماً يمشي على بطنه بسرعة، فخاف موسى وَوَلَّى هاربًا، فـ ﴿قَالَ ﴾ اللهُ له: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ﴾: أي خذ الحية، ولا تَخَفْ منها، فإننا ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾: أي سوف نُعيدها عصًا كما كانت في حالتها الأولى، ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ﴾ أي ضع يدك اليمنى تحت إبطك الأيسر واضمم عليها بعَضُدك: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ ﴾ - رغم اسمرار لون جسمك - ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾: أي من غيربَرَص، لتكون ﴿آَيَةً أُخْرَى ﴾ أي لتكون علامة أخرى مع العصا تدل على أنك رسول من عند الله. ♦ وقد فعلنا ذلك ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴾ أي لكي نُرِيك مِن أدلتنا الكبرى ما يدلُّ على قدرتناوصِدق رسالتك، فـ ﴿اذْهَبْ ﴾ يا موسى - بهاتين الآيتين - ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ أي تجاوَزَ الحد في الكفر، وتجاوَزَ قدْره كبَشَر حتى ادَّعى الألوهية، فادعُهُ إلى توحيد اللهِ وعبادته، واطلب منه أن يُرسل معك بني إسرائيل لتَخرج بهم إلى أرض القدس. • من الآية 25 إلى الآية 35: ﴿قَالَ ﴾ موسى: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ أي وسِّع لي صدري لتحَمُّل أعباء الرسالة ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ أي سَهِّل مُهمتي عليَّ، وأعِنِّي على أدائها كما تحب وتَرضى، ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾: يعني وأطلِق لساني بفصيح الكلام حتى ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ أي ليفهموا كلامي، (وقد قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: كانَ في لسانه عُقدة - يعني صعوبة في النطق - تمنعه من كثير من الكلام)، ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا ﴾ أي مُعيناً ﴿مِنْ أَهْلِي ﴾ وهو ﴿هَارُونَ أَخِي ﴾ ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾: أي شُدَّ به ظهري (والمعنى: قَوِّني به) ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾: يعني أشرِكه معي في النُبُوَّة وتبليغ الرسالة (والمعنى: اجعل هارون رسولاً كما جعلتني)، واجعله عَوناً لي على طاعتك والدعوةِ إليك ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴾ أي لنُنَزِّهك ونَنفي عنك كل ما لا يليقُ بك ﴿وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴾ (وذلك في سِرِّنا، وأثناء دعوة الناس إلى توحيدك، وتعريفهم بصفاتك، وإبلاغهم بأمرك ونهيك، وتذكيرهم بنعمك)، (وفي هذا دليل على فضل التسبيح والذكر، إذ لولا عِلْم موسى بحب اللهِ لهما، لَمَا توَسَّلَ بهما لقضاء حاجته)، ﴿إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ لا يَخفى عليك شيءٌ مِن حالنا، (وهذا توسُّل من موسى إلى اللهِ تعالى بعلمه ليَقبل دعائه). • من الآية 36 إلى الآية 44: ﴿قَالَ ﴾ اللهُ تعالى: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾: أي قد أعطيناك كل ما طلبتَ يا موسى، ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ أي: ولقد أنعمنا عليك نعمةً أخرى حين كنتَ رضيعًا - وكان فرعون يَذبح أبناء بني إسرائيل الذكور - ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴾ أي حين ألهَمْنا أمَّك هذا الإلهام: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ﴾: أي ضعي ابنك موسى بعد ولادته في صندوق ﴿فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾: أي ثم ضعيه في النيل، ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴾ أي: فأمَرَ اللهُ النيل أن يُلقي الصندوق على شاطئ قصر فرعون. ♦ ثم وَضَّحَ سبحانه الحكمة من هذا الأمر فقال: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ﴾ وهو فرعون، حيث تربيتَ يا موسى في بيته، فنجَّيتُك بذلك من القتل، ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ ليُحبك الناس - وخاصةً امرأة فرعون التي مَنَعتْ فرعون وجنوده مِن قتلك - ﴿وَلِتُصْنَعَ ﴾ يعني: ولِتُرَبَّى في بيت فرعون ﴿عَلَى عَيْنِي ﴾ أي تحت بَصَرِي وتحت رعايتي، (وفي الآية إثبات صفة العين لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله). ♦ وأنعمنا عليك مرةً أخرى ﴿إِذْ تَمْشِي ﴾ أي حينَ كانت تمشي ﴿أُخْتُكَ ﴾ تتبعك وأنت في الصندوق ﴿فَتَقُولُ ﴾ لمن أخذوك: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ﴾ أي يُرضِعه لكم ويَرعاه؟ ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ ﴾ بعد ما صِرتَ في أيدي فرعون ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ﴾: أي حتى تفرح بنجاتك من الغرق والقتل ﴿وَلَا تَحْزَنَ ﴾ على فراقك. ﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا ﴾: أي واذكر حين قتلتَ الرجل المصري خطأً ﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ وهو غَمِّ فِعْلك (حينَ استغفرتَنا فغفرنا لك)، وغَمّ خوفك مِن أن تُقتَل (حين تآمَروا ضدك ليقتلوك فنَجَّيناك منهم)، ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾: أي وبذلك ابتليناك ابتلاءً شديداً، فخرجتَ خائفًا إلى أهل"مَدْيَن" ﴿فَلَبِثْتَ ﴾ أي فمَكَثتَ ﴿سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ تَرعى غنم الرجل الصالح عشر سنين، ﴿ثُمَّ جِئْتَ ﴾ - مِن "مَدْيَن" إلى جبل الطور بسيناء - ﴿عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ أي في الموعد الذي قدَّرناه لإرسالك إلى فرعون، ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾: يعني وقد أنعمتُ عليك هذه النعم، وابتليتك هذه الابتلاءات اختيارًا مِنِّي لك، لتكون قادراً على تحَمُّل تبليغ رسالتي، والقيام بأمري ونهيي. ♦ وقال اللهُ له: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ﴾ هارون ﴿بِآَيَاتِي ﴾ الدالة على توحيدي وكمال قدرتي وصِدق رسالتك (وهي العصا واليد)، ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ أي: ولا تَضْعُفا عن مُداومة ذكري (فإنّ فيه عَونكما على أداء رسالتكما)، ﴿اذْهَبَا ﴾ معًا ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ ﴾ فـ ﴿إِنَّهُ طَغَى ﴾ أي تجاوَزَ الحد في الكفر والظلم، ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ أي قولا لطيفًا خالياً من الغِلظة والعنف ﴿لَعَلَّهُ ﴾ بسبب القول اللين ﴿يَتَذَكَّرُ ﴾ ما يَنفعه فيفعله ﴿أَوْ يَخْشَى ﴾ ما يَضُرُّه فيتركه، وبالتالي يَتوب ويُسلِم للهِ تعالى، ويُرسِل معكما بني إسرائيل، (فسبحانَ اللهِ العظيم، إذا كانَ اللهُ تعالى قد أمَرَهما أن يَدعُوا فرعون الكافر بالرفق واللين، فما بالنا بدعوة المسلمين إلى التوبة والاستقامة كيف ينبغي أن تكون؟). • الآية 45: ﴿قَالَا ﴾ أي قال موسى وهارون - بعدما تقابلا -: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا ﴾ أي نخاف أن يُعاجلنا فرعون بالعقوبة قبل أن نَدعوه ونُبَيِّن له، ﴿أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾: يعني أو أن يَتمرد على الحق فلا يَقبله، ويزداد طغيانا وظلماً. • الآية 46، والآية 47، والآية 48: ﴿قَالَ ﴾ اللهُ لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا ﴾ من فرعون، فـ ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا ﴾ بحِفظي ونصري ﴿أَسْمَعُ ﴾ ما تقولانه لفرعون وما يقوله لكما ﴿وَأَرَى ﴾ ما تفعلانه معه وما يفعله معكما، فلذلك سأحفظكما (بمَنع حدوث أيّ فِعل تخافان منه)، ﴿فَأْتِيَاهُ ﴾ أي فاذهبا إليه إذاً ولا تخافا، ﴿فَقُولَا ﴾ له: ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ ﴾: يعني إننا رسولان إليك من ربك، وقد أرسَلَنا إليك لتؤمن به وتُوحِّده، وتُرسِل معنا بني إسرائيل لنَذهب بهم إلى حيث أمَرَنا اللهُ تعالى (إلى أرض أبيهم إبراهيم)، ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أي أطلِق سَراحهم ﴿وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ﴾ أي: ولا تُكلِّفهم ما لا يَطيقون من الأعمال، فإننا ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ ﴾ أي معجزة ﴿مِنْ رَبِّكَ ﴾ تدل على صِدقنا في دَعْوتنا، ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ أي: واعلم أنّ السلامةَ من عذاب الله لمن آمَنَ به واتَّبع هداه. ♦ فاتَّبِع الهدى تَسلم، وإلاّ فأنت مُعرَّض للمَخاوف والهلاك والدمار، فـ ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾: يعني إنّ ربك قد أوحى إلينا أنّ عذابه على مَن كَذَّبَ برسالته، وأعرَضَ عن قبول دَعْوته. • الآية 49: ﴿قَالَ ﴾ فرعون لهما: ﴿فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾، (ولعل فرعون ذَكَرَ موسى فقط ليُذَكِّره بنعمة تربيته في بيته، واللهُ أعلم). • من الآية 50 إلى الآية 55: ﴿قَالَ ﴾ له موسى: ﴿رَبُّنَا ﴾ هو ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ﴾ أي خَلْقه اللائق به على أحسن صُنعٍ ﴿ثُمَّ هَدَى ﴾ أي أرشَدَ كل مخلوق إلى الانتفاع بما خلقه اللهُ له (وهنا قد أفحَمَ موسى فرعون وقطع حُجَّته بما ألهَمَه اللهُ مِن عِلمٍ وبيان) فـ ﴿قَالَ ﴾ فرعون لموسى - ليَصرفه عن تلك الحُجَج خوفاً من الهزيمة أمام مَلَئه -: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ﴾: يعني فما شأن الأمم الماضية التي سبقتْنا إلى الإنكار (كقوم نوح وعاد وثمود)؟ ♦ فعرف موسى أنّ فرعون يريد أن يَصرفه عن الحقيقة، فـ ﴿قَالَ ﴾ له ﴿عِلْمُهَا ﴾: أي عِلْمُ تلك الأمم - فيما فَعَلَت - ﴿عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ﴾ وهو اللوح المحفوظ، وسيَجزيهم سبحانه بأعمالهم، فإنه ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي ﴾ أي لا يُخطئ في أفعاله وأحكامه على عباده ﴿وَلَا يَنْسَى ﴾ شيئًا من أفعالهم، إذ أفعاله سبحانه تدور بين العدل والفضل والحكمة. ♦ ثم عادَ موسى يُذَكِّر فرعون بقضية الخَلق، ليَستدل بها على توحيد اللهِ تعالى، فقال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ﴾ أي جَعَلها مُيَسَّرةً لكم للانتفاع بها - في الزراعة وغير ذلك - وللانتفاع بما عليها من المخلوقات ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا ﴾: أي وجَعَلَ لكم فيها طُرُقًا كثيرة، لتهتدوا بها في الوصول إلى الأماكن التي تقصدونها، ﴿وَأَنْزَلَ ﴾ سبحانه ﴿مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ واحداً ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ﴾ أي أنواعًا مختلفة من النباتات، (وقد كانت هذه الجملة: ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ﴾ هي مِن قول اللهِ تعالى تتميماً لكلام موسى عليه السلام، وتذكيراً لأهل مكة باستحقاق اللهِ وحده للعبادة). ♦ وفي الآية التفات من ضمير الغائب: ﴿ أنزل ﴾ إلى ضمير المتكلم الجمعي: ﴿ أخرجنا ﴾، لِيجعل الأذهان تنتبه إِلَى أَنّ هذَا النبات يُسقَى بماءٍ واحد ولكنه يَختلف في شكله ولونه وطعمه، وكذلك فإنه لَمَّا كان الماءُ واحداً، والنباتُ جَمعاً كثيراً، ناسَبَ ذلك إفراد الفِعل: ﴿أَنْزَلَ﴾، وجَمْع الفِعل: ﴿أَخْرَجْنَا﴾. ﴿كُلُوا ﴾ - أيها الناس - من طيِّبات ما أنبتنا لكم، ﴿وَارْعَوْا ﴾ فيه ﴿أَنْعَامَكُمْ ﴾ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ المذكور - من إنزال المطر وإنبات النبات لِتغذية الإنسان والحيوان - ﴿لَآَيَاتٍ ﴾: يعني لَعلامات على قدرة اللهِ تعالى واستحقاقه وحده للعبادة، ﴿لِأُولِي النُّهَى ﴾ أي يَنتفع بهذه الآيات أصحابا لعقول السليمة (إذ لا يُعقَلُ أبدًا أن يَخلُقَ سبحانه ويُعبَد غيرُه، وأن يَرزُقَ ويُشكَر غيرُه!). ﴿مِنْهَا ﴾ أي مِن الأرض التي يَخرج منها النبات: ﴿خَلَقْنَاكُمْ ﴾ أيها الناس (بخَلق أصلكم الأول - وهو أبيكم آدم - من تراب)، ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ بعد موتكم، ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ أي: ومنها نُخرجكم أحياءً مرة أخرى للحساب والجزاء. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود الربع الثاني من سورة طه • الآية 56، والآية 57، والآية 58: ﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ﴾ يعني أرَيْنا فرعونَ ﴿ آَيَاتِنَا كُلَّهَا ﴾ الدالة على قدرتنا ووجوب توحيدنا وصِدْقِ رسالة موسى ﴿ فَكَذَّبَ ﴾ بها، ﴿ وَأَبَى ﴾ أي امتنع عن قَبول الحق. ♦ ولمَّا رأى فرعون الآيات وشَعَرَ بالهزيمة، أراد أن يَدفعها بالتمويه على الناس، حتى لا يَتَّبعوا موسى في دَعْوته ويَتأثروا بأدلته، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لموسى: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ﴾؟ أي أردتَ أن تُخرج المصريين من مصر، وتسكنها أنت وبنو إسرائيل لتستولوا على خيراتها، (وقد قصد بالسحر هنا: العصا واليد)، وقال فرعون: ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ ﴾ ﴿ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا ﴾ مُحَدّدًا - ليُبارزك فيه السَحَرة - ﴿ لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ ﴾، واجعل مكان المُناظَرة ﴿ مَكَانًا سُوًى ﴾ أي مكاناً مستوياً صالحاً للمبارزة (كأن تكون ساحة كبرى مكشوفة لكل مَن يحضر المناظرة). • الآية 59: ﴿ قَالَ ﴾ موسى لفرعون: ﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ﴾ أي يوم العيد، حين يَتزيَّن الناس ويقعدون عن العمل (وقد كان ذلك اليوم يوم عيد للمصريين)، ﴿ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ يعني: وأطلب منكم أن يَجتمع الناس من كل مكان - لحضور المناظرة - وقت الضحى، (وقد اختار موسى يوم العيد ووقت الضحى، لأنه عَلِمَ أنّ اللهَ تعالى سيَنصره على السَحَرة ويُظهِر الحق، فأحَبَّ أن يكون الوقت مناسباً لكثرة المتفرّجين في وَضَح النهار وقبل اشتداد الحر). • الآية 60: ﴿ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ ﴾: أي فانصرف فرعون - مِن مجلس الحوار بينه وبين موسى وهارون - في كبرياءٍ وعناد ﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ﴾ أي جَمَعَ سحرته ﴿ ثُمَّ أَتَى ﴾ في الموعد المحدد للمناظرة. • الآية 61: ﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَى ﴾ أي قال موسى للسَحَرة - واعظاً لهم -: ﴿ وَيْلَكُمْ ﴾ أي احذروا الهلاك، و ﴿ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ بسِحركم المُخادِع (وذلك بأن تقفوا في وجهى، وتزعموا أنّ معجزاتي هي نوع من السحر، وتنصروا ما أنتم عليه من الباطل) ﴿ فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ﴾: أي حتى لا يُهلككم سبحانه بعذابِ إبادةٍ واستئصال، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾ أي: وقد خَسِرَ مَن كَذَبَ على اللهِ أو كَذَبَ على الناس. • الآية 62، والآية 63، والآية 64: ﴿ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ أي فاختلف السَحَرة فيما بينهم في شأن موسى عندما سمعوا كلامه: (هل صاحب هذا الكلام ساحر أو هو رسولٌ من عند اللهِ حقاً؟)، ﴿ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ﴾: أي تحدّثوا سرًا فيما بينهم ليتفقوا على قولٍ واحد، فـ ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾: يعني إنّ موسى وهارون ساحران ﴿ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴾: أي يريدان أن يَنفردا بصناعة السحر العظيمة (المثالية) التي أنتم عليها، فبذلك تَخرجوا من أرضكم بإهمال الناس لكم وإقبالهم على سِحرهما، (وقد أرادوا بهذا الكلام إثارة الغيرة والتعصُّب لعاداتهم ومَذهبهم ومَصدر عَيشهم)، إذاً ﴿ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ﴾: يعني أحكِموا كيدكم مِن غير اختلافٍ بينكم، ﴿ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ﴾ يعني ألقوا ما في أيديكم مرة واحدة، لتَبْهَروا الأبصار، وتغلبوا سِحر موسى وأخيه، ﴿ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ﴾ أي قد فاز اليوم بحاجته مَن عَلا على خَصمه فغَلَبَه وقَهَرَه. ♦ ويُحتمَل أن تكون هذه الجملة:﴿ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى * فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ﴾هي مِن قول فرعون وملئه، وقد أرادوا بها تشجيع السَحَرة، عندما رأوا اختلافهم وتأثُّرهم بكلام موسى، واللهُ أعلم. • الآية 65: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال السَحَرة: ﴿ يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ﴾ عصاكَ أولاً ﴿ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴾. • من الآية 66 إلى الآية 70: ﴿ قَالَ ﴾ لهم موسى: ﴿ بَلْ أَلْقُوا ﴾ ما معكم أولاً، فألقَوا ما في أيديهم ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾: أي فتخيَّل موسى - مِن قوة سِحرهم - أنّ حبالهم وعِصيَّهم أصبحتْ حياتٍ تمشي، ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ﴾ أي فشعر موسى في نفسه بالخوف (مِن أن يُفتَن الناس بالسَحَرة قبل أن يُلقِي العصا)، فـ ﴿ قُلْنَا ﴾ أي قال اللهُ لموسى: ﴿ لَا تَخَفْ ﴾ مِن سِحرهم ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ﴾ يعني أنت الغالب المنتصر عليهم وعلى فرعون وجنوده، ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ﴾ يعني: وألقِ العصا التي في يمينك: ﴿ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ﴾ أي تبتلع حبالهم وعِصيَّهم، فـ ﴿ إِنَّمَا صَنَعُوا ﴾ يعني إنّ ما صنعوه أمامك هو ﴿ كَيْدُ سَاحِرٍ ﴾ أي مَكْر وتخييل ساحر، لا بقاءَ له ولا ثبات، ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ أي: ولا يفوز الساحر بمطلوبه حيثُ كان. ♦ فألقى موسى عصاه فبلعتْ ما صنعوا، فلمّا شاهد السَحَرة ابتلاع العَصا لكل حبالهم وعِصِيِّهم: عرفوا أنّ ما جاءَ به موسى ليس سِحراً وإنما هو معجزة سماوية، ﴿ فَأُلْقِيَ السَحَرة ﴾ على الأرض ﴿ سُجَّدًا ﴾ للهِ رب العالمين، نتيجةً لانبهارهم مِن عَظَمة المعجزة، و ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾ (إذ لو كانَ هذا سِحرًا ما غُلِبْنا). • الآية 71: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون مُهَدِّداً السَحَرة - ليَدفع عن نفسه شر الهزيمة -: ﴿ آَمَنْتُمْ لَهُ ﴾ يعني هل صدَّقتم موسى وأقررتم له برسالته ﴿ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ ﴾ بذلك؟ ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ﴾: يعني إنّ موسى لَعَظيمُكم ﴿ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ فلذلك اتَّبعتموه، واتفقتم معه على الهزيمة قبل الخروج إلى ساحة المُناظرة، (وقد أراد فرعون بهذا الكلام: التمويه على الناس حتى لا يتَّبعوا السَحَرة ويؤمنوا كإيمانهم). ♦ وقال فرعون للسَحَرة: ﴿ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ﴾ أي بِقَطْع اليد اليُمنَى مع الرجل اليُسرى، أو اليد اليُسرى مع الرجل اليُمنى، ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ ﴾ - بربط أجسادكم - ﴿ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ أي على جذوع النخل، وأترككم مُعَلَّقينَ لتكونوا عِبرةً لغيركم، ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ ﴾ أيها السَحَرة ﴿ أَيُّنَا ﴾ :أنا أو رب موسى ﴿ أَشَدُّ عَذَابًا ﴾ من الآخر ﴿ وَأَبْقَى ﴾ أي: وأدوَمُ عقاباً. • من الآية 72 إلى الآية 76: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال السَحَرة لفرعون: ﴿ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾: يعني لن نُفَضِّلك ونختارك على ما جاءنا به موسى من الآيات الدالة على صِدقه، ﴿ وَالَّذِي فَطَرَنَا ﴾: يعني ولن نُفَضِّل ألوهيتك المزعومة على ألوهية اللهِ الذي خلقنا، ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾: أي فافعل ما أنت فاعل بنا، فـ ﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾: يعني إنما سلطانك فقط في هذه الحياة الدنيا، وعذابك لنا سيَنتهي بانتهائها، وأما الآخرة: فسوف يَحكم اللهُ عليك فيها بالخلود في العذاب الأليم. ♦ وأكَّدوا إيمانهم في غير خوفٍ فقالوا: ﴿ إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ﴾ أي ذنوبنا الماضية ﴿ وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ﴾ في مُعارضة موسى، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ ﴾ لنا منك - في جزاءه لمن أطاعه - ﴿ وَأَبْقَى ﴾ عذابًا لمن عَصاه، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا ﴾ أي كافرًا به: ﴿ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ ﴾ يُعَذَّب بها، ﴿ لَا يَمُوتُ فِيهَا ﴾ فيستريح، ﴿ وَلَا يَحْيَا ﴾ حياةً يَهنأ بها، ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴾ أي لهم المنازل العالية، وهي ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ أي جنات الخلود التي ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري الأنهار من تحت أشجارها وقصورها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ وَذَلِكَ ﴾ النعيم المقيم هو ﴿ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾: أي هو ثواب مَن طَهَّرَ نفسه من الشِرك والمعاصي (وذلك بالإيمان والتوبة والعمل الصالح)، (ولعل هذا الكلام الذي قاله السَحَرة قد تعلَّموه عن طريق الاستماع إلى دعوة موسى وهارون، لأن موسى وهارون أقاما بين المصريين زمناً طويلاً يدعوانهم إلى توحيد اللهِ تعالى والإيمان باليوم الآخر، فلمَّا أيْقَنَ السَحَرة أنّ موسى رسولٌ من عند الله، قالوا هذا الكلام بيقينٍ تام). • الآية 77، والآية 78: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ﴾ أي اخرُج ليلاً ببني إسرائيل من "مصر"، ﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا ﴾: أي فاتِّخِذْ لهم في البحر طريقًا يابسًا، (وذلك بعد أن أمَرَه سبحانه بضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر فرقتين، وأصبح هناك طريقاً يابساً في وسط البحر)، وقال اللهُ له: ﴿ لَا تَخَافُ دَرَكًا ﴾ - هذا وعدٌ لموسى بأنه لن يكون خائفاً من فرعون وجنوده أن يلحقوا بهم، ﴿ وَلَا تَخْشَى ﴾ غرقًا في البحر. ♦ فسار موسى ببني إسرائيل وعَبَرَ بهم في البحر، ﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ﴾، فلمَّا دخلوا البحر ورائهم: أطبَقَ اللهُ تعالى عليهم البحر ﴿ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴾: أي فغمرهم من الماء ما لا يعلمه إلا الله، فغرقوا جميعًا (وذلك بعد أن نجَّى اللهُ موسى وبني إسرائيل). • من الآية 79 إلى الآية 82: ﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ ﴾ بما زيَّنه لهم من الكفر والتكذيب، ﴿ وَمَا هَدَى ﴾ أي: ولم يَهدهم إلى سبيل النجاة، إذ كان يَعِدُهم بقوله: ﴿ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾. ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ وَمَا هَدَى ﴾ هو تأكيد لقوله تعالى: ﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ ﴾، إذ الشيء يؤكَّد بنفي ضِدّه، وهذا كقوله تعالى عن الأصنام: ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾. ♦ وقال اللهُ لبني إسرائيل بعد أن نجّاهم: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ ﴾ فرعون، ﴿ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ﴾: أي وحددنا لكم موعداً - عند الناحية اليُمنَى لجبل الطور بـ "سيناء" - لإنزال التوراة على موسى هِدايةً لكم، (ولعل المقصود من وَصْف جانب الجبل بـ"الأيمن" أي الناحية اليُمنَى لموسى، لأنّ الجبل ليس له يمين وشمال، واللهُ أعلم). ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ ﴾ وهو شيءٌ يُشبهُ الصَّمغ وطَعْمُه كالعسل، ﴿ وَالسَّلْوَى ﴾ وهو طائرٌ يُشبه السّمانى، وقلنا لكم: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾: أي كلوا مِن رِزقنا الطيب، أو: (كلوا من حلال الطعام والشراب)، ﴿ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ ﴾ أي لا يتعدى أحدٌ منكم على حق أخيه في الطعام والشراب، (أو لعل المقصود: لا تكفروا بنعمة اللهِ عليكم، ولا تتركوا شُكره وتَعصوه، ولا تُسرِفوا في تناول الطعام والشراب) ﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ﴾ أي حتى لا يَنزل عليكم غضبي، ﴿ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ﴾: يعني ومَن يَنزل عليه غضبي فقد هَلَكَ وخسر، ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ ﴾ مِن ذنبه وشِركه ﴿ وَآَمَنَ ﴾ باللهِ ورُسُله، وبجميع ما أخبر به الرُسُل من الغيب ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ تصديقًا لتَوبته ﴿ ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ أي استقام على ذلك حتى الموت. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثالث من سورة طه • الآية 83، والآية 84: ﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى ﴾ (يُخبر تعالى أنه سأل موسى عليه السلام - وهو أعلم -: (ما الذي جعلك تترك قومك يا موسى وتأتي قبلهم؟)، (وقد كان هذا بعد أن نَجّى اللهُ بني إسرائيل من فرعون وجنوده، فأمَرَ اللهَ موسى أن يأتي مع بني إسرائيل إلى جبل الطور - وهم في طريقهم إلى أرض القدس - لإنزال التوراة، ولكنّ موسى استعجل في المسير إلى الموعد، فاستخلف أخاه هارون على بني إسرائيل، ليسير بهم ببطء حتى يلحقوا بموسى عند جبل الطور). ♦ واعلم أنّ اللهَ سبحانه قد سأل موسى عن سبب استعجاله ليُخبره بما جرى لقومه مِن بعده، فـ ﴿ قَالَ ﴾ موسى - مُجِيباً ربه سبحانه وتعالى -: ﴿ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي ﴾: يعني إنهم ليسوا ببعيدينَ مِنِّي، وسوف يَلحقونَ بي، ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ أي: واستعجلتُ المجىء إليك ربي، طلباً لرضاك عني. (وفي هذا دليل على مشروعية طلب رضا اللهِ تعالى، ولكنْ بما شَرَعه الله، لأنّ اللهَ تعالى لم يأمر موسى بهذا الاستعجال، ولم يأمره بترك قومه وراءه، ولذلك تَرَتَّبَ على استعجال موسى شَرٌ كبير، كما سيأتي). • الآية 85، والآية 86: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لموسى: ﴿ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ﴾ أي اختبرنا قومك بعد فِراقك لهم، ﴿ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ﴾ بصُنع العجل ودَعْوتهم إلى عبادته وترْك المسير ورائك. ♦ وانتهت المُناجاة، وأعطى اللهُ الألواح التي فيها التوراة لموسى، ﴿ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ ﴾ عليهم، ﴿ أَسِفًا ﴾ أي شديد الحزن على فِعلهم، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ بإنزال التوراة (التي فيها نظام حياتكم وشريعة ربكم، لتَسعدوا بها في الدنيا والآخرة)؟ ﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ﴾ يعني هل استبطأتم وَعْدَ ربكم، فلم تُتِمّواميعاده الذي حَدَّدَهُ لكم، وبدَّلتم دينه وعبدتمالعجل؟!، ﴿ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ - بسبب هذا الفعل القبيح - ﴿ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ﴾ بترْككم المجيء بعدي وعبادة العجل؟! • من الآية 87 إلى الآية 91: ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾ أي لم يكن ذلك بإرادتنا واختيارنا، وما تجرّأنا على فِعل ذلك ﴿ وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا ﴾ أي حَمَلنا معنا - مِن مصر - ﴿ أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ ﴾ أي أثقالا مِن ذهبوحُليِّ قوم فرعون (وهو الذهب الذي استعاره نساء بني إسرائيل من جاراتهنّ المِصريات، بقصد الفرار به)، فشَعَرنا بالذنب مِمّا فعلناه وأردنا التخلص منه ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ في حفرة فيها نار بأمر السامري، (لأن السامري قال لنساء بني إسرائيل: (هذا الذهب الذي عندكنّ لا يَحِلّ لَكُنَّ أخْذه)، ثم حَفَرَ لهنّ حفرة، وأوقد فيها النار، وأمَرَهنّ أن يُلقوا فيها الذهب للتخلص منه، وهو في نيّته أن يَصُوغ الذهب ليَصنع منه العِجل)، ﴿ فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ﴾ يعني: فكما ألقينا الذهب في الحفرة، فكذلك ألقى السامري التراب الذي أخَذَه من تحت حافر فرس جبريل عليه السلام، فألقاهُ على الذهب ﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ﴾: أي فصنع لبني إسرائيل عجلاً له جسم من الذهب، وله صوت كخُوار البقر (فتنةً واختباراً من الله تعالى لهم)، ﴿ فَقَالُوا ﴾ أي فقالالمفتونون به منهم للآخرين: ﴿ هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ﴾ أي قد نَسِيَهُ موسى وأخطأ الطريق إليه، فاعبدوه حتى يأتي موسى، (واعلم أنّ السامري قال لهم: (هذا إلهكم وإله موسى)، ولم يقل لهم: (وإله هارون)، لأن هارون كانَ معهم، فخاف السامري أن يُكَذِّبه هارون، فلم يَنسب العجل إليه). ♦ قال تعالى - مُنكِراً عليهم -: ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا ﴾: يعني أفلا يرى الذين عبدوا العجل أنه لا يُكلمهم ابتداءً، ولا يَرُدُّ عليهم إذا كَلَّموه، ﴿ وَ ﴾ أنه ﴿ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾؟ (إذاً فكيف عبدوه وهو لا يُجيبهم إذا سألوه، ولا يُعطيهم إذا طلبوا منه؟!) (ولكنه الجهل والضَلال واتّباع الهوى). ♦ وقال الذين لم يعبدوا العجل لموسى: ﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ ﴾ - أي مِن قبل رجوع موسى إليهم -: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ ﴾ يعني إنما اختبركم اللهُبهذا العجل؛ ليَظهر المؤمن منكم من الكافر، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ﴾ هو ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ الذي شاهدتم آثار رحمته عندما نجَّاكم من فرعون وجنوده، ﴿ فَاتَّبِعُونِي ﴾ فيما أدعوكم إليه من عبادة اللهِ وحده، ﴿ وَأَطِيعُوا أَمْرِي ﴾ ولا تطيعوا أمْر السامري، فإني خليفة موسى فيكم، فـ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال عُبَّاد العجل لهارون: ﴿ لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ ﴾ يعني: لن نزال مُقيمين على عبادة العجل ﴿ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ﴾. • الآية 92، والآية 93، والآية 94، والآية 95: ﴿ قَالَ ﴾ موسى لأخيه هارون: ﴿ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ ﴾ يعني أيُّ شيء مَنَعَك - حينَ رأيتهم ضلُّوا - مِن أن تلحق بي أنت ومَن معك مِن المُوَحِّدين وتترك هؤلاء المشركين؟ ﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ حينَ قلتُ لك: ﴿ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾؟ ♦ ثم أمسَكَ موسى بلحية هارون ورأسه يَجرُّه إليه، فـ﴿ قَالَ ﴾ له هارون: ﴿ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ﴾ يعني: يا ابن أمي لاتمسك بلحيتي ولا بشعر رأسي، فـ ﴿ إِنِّي خَشِيتُ ﴾ أي خِفتُ إنْ أنا جئتُك ببعض القوم - وهم المُوَحِّدين - وتركتُ الآخرين - وهم عُبَّاد العجل - ﴿ أَنْ تَقُولَ ﴾ لي: ﴿ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ فجئتَني ببعضهم وتركتَ الآخرين، ﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ أي وخفتُ أن تقول لي: (لم تحفظ وصيتي بحُسن رعايتهم مِن بعدي). ♦ وبعد أن عاتَبَ موسى أخاه: التفت إلى السامري المنافق - الذي كان مِن عُبَّاد البقر، وأظهر الإسلام في بني إسرائيل، ولمَّا أُتِيحت له الفرصة، عادَ إلى عبادة البقر فصَنَعَ العجل وعَبَده ودعا إلى عبادته - فـ ﴿ قَالَ ﴾ له موسى في غضب: ﴿ فَمَا خَطْبُكَ ﴾ يعني: فما شأنك ﴿ يَا سَامِرِيُّ ﴾؟ وما الذي دعاك إلى ما فَعَلته؟ • الآية 96: ﴿ قَالَ ﴾ السامري: ﴿ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ﴾: أي رأيتُ ما لم يروه (وهو جبريل عليه السلام راكباً على فرس)، وذلك وقت نَجاتهممن البحر، ﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ﴾: أي فأخذتُ بكَفي ترابا مِن أثر حافر فرس جبريل﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾: أي فألقيتُ حفنة التراب على العجل الذي صنعتُه من الذهب، فأصبح له صوت كخُوار البقر، ﴿ وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ يعني: وكذلك زيَّنت لي نفسي هذا الصنيع. • الآية 97، والآية 98: ﴿ قَالَ ﴾ موسى للسامري: ﴿ فَاذْهَبْ ﴾ تائهاً في الأرض طوال حياتك، ﴿ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ ﴾: يعني فإنّ لك في حياتك أن تعيش ذليلاً حقيراً مهجوراً، تقول لمن أراد أن يَقربك: (لا يَمَسَّني أحد ولا أَمَسُّ أحداً)، فحينئذٍ تَفرّ من الناس ويَفرّ الناس منك عقوبةً لك على جريمتك، فهذا هو بعض عذاب الدنيا، ﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ ﴾ يعني: وإنّ لك عذاباً آخر يوم القيامة، لن يُخْلفك اللهُ إياه،فهو آتٍ وواقع لا مَحالة، ﴿ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ ﴾ المزعوم ﴿ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ﴾: أي الذي ظللتَ مقيماً على عبادته: ﴿ لَنُحَرِّقَنَّهُ ﴾ بالنار، ﴿ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﴾ أي ثم لَنُلقِيَنّ به في البحر -بعد أن نحرقه - حتى لا يُعثَر له على أثر، (وذلك لأنّ قلوب بني إسرائيل كانت متعلقة بعبادة العجل، فأراد موسى عليه السلام إتلافه وحَرْقه وهم يَنظرون إليه، ليزول ما في قلوبهم مِن حُبِّه كما زالَ شَخْصه، ولأنّ في إبقائه فتنة). ♦ ثم قال موسى للذين عبدوا العجل:﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ ﴾ الحق - الذي تجب له العبادة والطاعة - هو ﴿ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبودَ بحقٍ إلا هو، ﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾: أي وَسِعَ عِلمه كلشيء، (وفي هذا ردٌّ على السامري الذي عَبَدَ جماداً لا يَعلَم شيئاً ولا يَقدر على شيئ). • من الآية 99 إلى الآية 104: ﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ﴾: يعني كما قصصنا عليك - أيها الرسول - خبر موسى وفرعون وقومهما، فكذلك نُخبرك بأخبارالسابقينَ لك، ﴿ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ﴾ يعني: وقد أعطيناك مِن عندنا ذِكرى وموعظةً للناس، وهو هذا القرآن العظيم، الذي ﴿ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ﴾ فلم يُصَدِّق به، ولم يَعمل بما فيه: ﴿ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ﴾: يعني فإنه يأتي ربه يومالقيامة يَحمل إثمًا عظيمًا ﴿ خَالِدِينَ فِيهِ ﴾ أي خالدين في ذلك الوزر في النار، حيثُ تُلقَى معهم ذنوبهم في النار، ﴿ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ﴾: يعني وقَبُحَ ذلك الحِمل الثقيل من الذنوب، حيثُ أدخلهم النار يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾: أي يوم يَنفُخ الملَكُ في "القرن" لصيحة البعث، ﴿ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ﴾: أي ونَسُوقُ الكافرين في ذلك اليوم وهمزُرق العيون، سُود الوجوه (وذلك من شدة الأحداث والأهوال)، وهم ﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يَتهامسون فيما بينهم من شدة الخوف، فيقولون: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾: أي ما مكثتم في الحياة الدنيا إلا عشرة أيام،﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ سراً فيما بينهم ﴿إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً﴾ أي يقول أعلمهم وأرجحهم عقلاً في الدنيا: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾ أي ما مكثتم في الحياة الدنيا إلايومًا واحدًا (وذلك لقِصَر مدة الدنيا في نفوسهم يوم القيامة). ♦ واعلم أنه لا تعارُض بين قول اللهِ تعالى - حكايةً عن المجرمين -: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾، وبين قوله تعالى: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾، وبين قوله تعالى: ﴿ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ﴾، وذلك لأنّ فترة بقاء المجرمين في الدنيا لم تكن ساعة ولا يوماً ولا عشراً، ولكنهم عَبَّروا عن ذلك مُقارنةً بطول الوقوف يوم القيامة، ولقِصَر فترة تمتُّعهم في الدنيا، وإنما اضطربت أقوالهم لهَول الصدمة، فكُل واحدٍ منهم وَصَفَ الحالة التي يشعر بها. • من الآية 105 إلى الآية 110: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ﴾: أي يسألك قومك - أيها الرسول - عن مصير الجبال يوم القيامة، ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم: ﴿ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴾: أي يَقتلعهاربِّي من أماكنها ويُفَتِّتها، ثم تُفَرِّقها الرياح، ﴿ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴾: أي فيَترك أماكن الجبال - بعد أن نُسِفَت - مستوية ملساء ﴿ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ﴾ أي انخفاضًا ﴿ وَلَا أَمْتًا ﴾: أي: ولا ارتفاعًا (وذلك بسبب استوائها). ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ ﴾ أي: في ذلك اليوم يتَّبع الناس صوت المَلَك الذي يدعوهم إلى الحساب، ﴿ لَا عِوَجَ لَهُ ﴾: أي لا يستطيعون الهروب من دعوةالداعي، ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ﴾: أي وسكنتْ الأصوات خضوعًا للرحمن ﴿ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ أي فلا تسمعمنها إلا صوتًا خفيًا، ﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ ﴾ أحدًا من الخلق ﴿ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾: يعني إلا إذا أَذِنَ الرحمنُ للشافع،ورَضِيَ عن قوله وشفاعته إكراماً له (ولا تكون الشفاعة إلا للمؤمن المُخلِص)، ففي الحديث أنّ اللهَ تعالى يقول يوم القيامة: (أخرِجوا من النار مَن قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يَزِن ذَرَّة) (انظر صحيح الترمذي ج 4/711)، ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾: أي يَعلم اللهُ تعالى ما بين أيدي الناس مِن أمْر القيامة، إذ يَعلم سبحانه ما سيَحكم به عليهم مِن جنةٍ أو نار، ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ أي: وكذلك يَعلم ما تركوه مِن أعمالٍ في الدنيا، ﴿ وَ ﴾ هم ﴿ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ سبحانه وتعالى. • الآية 111، والآية 112: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ﴾ أي خضعتْ وجوه الخلائق، وذَلَّتْ ﴿ لِلْحَيِّ ﴾ الذي لا يموت، ﴿ الْقَيُّومِ ﴾ أي القائم على تدبير كلِّ شيء، والقائم على كل نفسٍ بما كسبتْ، والمُستغني عمَّن سواه، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾: أي خَسِرَ يوم القيامة مَن جاءَ يَحمل أوزار الشِرك (إذ الظلم المذكور في الآية هو الشِرك، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾، ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا ﴾ بزيادة سيئاته، ﴿ وَلَا هَضْمًا ﴾ بنقص حسناته. • الآية 113: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا ﴾ يعني: وكما أنزلنا عليك تلك الآيات المُشتملة على الوعد والوعيد، فكذلك أنزلنا هذا القرآن بلُغة العرب ليَفهمه قومك ويَهتدوا به، فيَهتدي على أيديهم خَلقاً كثيراً،﴿ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ ﴾: أي نوَّعنا في هذا القرآن أصنافاً من العذاب الدُنيوي والأُخروي ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ أي: لعل قومك يتقونَ ما كان سببا في إهلاك الأمم السابقة (وهو الشرك والتكذيب والمعاصي) ﴿ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾: يعني أو يُحدِث لهم هذاالقرآن تذكرةً، فيَتعظوا ويَعتبروا بهلاك الأمم السابقة، فيتوبوا ويُسلموا، ليَسعدوا في الدنيا والآخرة. • الآية 114: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ ﴾: أي فتنزَّه اللهُ وتبرَّأ عن كل نقص، وتقدَّس عمَّا يقوله المُفترونَ وعمَّا يُشركه المشركون، فهو سبحانه ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ الذي قهر كل مَلِكٍ وجبار، وهو المالك لكل خلقه، المتصرف في كل شيء. ﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾: أي ولا تستعجل - أيها الرسول - بمسابقة جبريل في تَلَقِّي القرآن قبل أنيَفْرَغ هو مِن قراءته، ويُبَيِّن لك ما يَقصده اللهُ تعالى من الآيات المُنَزَّلة عليك، ﴿ وَقُلْ ﴾ داعياً ربك: ﴿ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة طه • الآية 115: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ ﴾ يعني: ولقد وصينا آدم مِن قَبل ألا يأكل من الشجرة، ﴿ فَنَسِيَ ﴾ الوصية ﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾: يعني ولم نجد له عزيمة يُحافظبها على ما أمرناه به، ولم يكن له صبرٌ عمَّا نهيناه عنه. • الآية 116: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ﴾ أي واذكر - أيها الرسول - حينَ قلنا للملائكة: ﴿ اسْجُدُوا لِآَدَمَ ﴾ (سجود تحيةٍوتكريم، وليس سجود عبادةٍ وخضوع)، ﴿ فَسَجَدُوا ﴾ جميعًا ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ ﴾ الذي كان يَعبد اللهَ معهم، فإنه ﴿ أَبَى ﴾ أي امتنع عن السجود (حسداً لآدم على هذا التشريف العظيم). • الآية 117، والآية 118، والآية 119: ﴿ فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا ﴾ - أي إبليس - هو ﴿ عَدُوٌّ لَكَ ﴾ ﴿ وَلِزَوْجِكَ ﴾ أي: وهو عدوٌ أيضاً لزوجتك حواء، ﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ﴾: أي فلا تُطيعاه حتى لا يَتسبب في إخراجكما من الجنة ﴿ فَتَشْقَى ﴾ بالعمل في الأرض (إذ تزرع وتحصد وتطحن وتخبز حتى تتغذى)، (وَاعلم أنّ اللهَ تعالى وَجَّهَ الخطاب إلى آدم فقط في قوله: ﴿ فَتَشْقَى ﴾ لأنّ المقصود من الشقاء هنا: (العمل) كالزرع والحصاد وغيرهما، مما هو ضروري للعيش خارج الجنة، ومعلومٌ أنّ الزوج هو المسئول عن إعاشة زوجته). ♦ وقال اللهُ له: ﴿ إِنَّ لَكَ ﴾ في هذه الجنة ﴿ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا ﴾ أي تأكل فيها فلا تجوع، ﴿ وَلَا تَعْرَى ﴾ يعني: وأن تَلْبَس فيها فلا تَعْرَى، ﴿ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا ﴾ أي لن تعطش في هذه الجنة ﴿ وَلَا تَضْحَى ﴾: يعني ولن يصيبك فيها حر الشمس، (والخطاب - وإن كان لآدم - فحواء تابعة له بحُكم قوامة الزوج على زوجته، ومن الأدب: خطاب الرجل دونَ امرأته إذ هي تابعةٌ له). • الآية 120:﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ ﴾ فـ ﴿ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ يعني هل أدلك على شجرةٍ، إذا أكلت منها أصبحتَ خالداً فلمتَمُت، ومَلَكتَ مُلْكًا لا يَنقطع ولا يَنقص؟ • الآية 121، والآية 122: ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا ﴾: أي فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما اللهُ عنها ﴿ فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا ﴾: أي فانكشفت لهما عوراتهما(بعد أن كانت مستورةً عن أعينهما)، ﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾: يعني أخذا يَنزعان من ورق أشجار الجنة ويلصقانه عليهما،ليَسترا ما انكشف من عوراتهما، ﴿ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ أي: وهكذا خالَفَ آدم أمْر ربه، فضَلَّ بسبب الأكل من الشجرة ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾: أي ثم اختاره اللهُ لنُبُوَّته، وقَبِلَ توبته، وهَداهُ للعمل بطاعته. • الآية 123، والآية 124، والآية 125: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ تعالى لآدم وحواء: ﴿ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ﴾: أي اهبطا من السماء إلى الأرض جميعًا مع إبليس،﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾: يعني (آدم وحواء) يُعادون الشيطان، والشيطان يُعادِيهِما، ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ﴾: يعني وسيأتيكم أنتم وذرياتكم مِنِّي هدىً وبيان ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ﴾ - فآمَنَ به وعَمِلَ بما فيه -: ﴿ فَلَا يَضِلُّ ﴾ في الدنيا، بل يكونُ مهتدياً راشداً، ﴿ وَلَا يَشْقَى ﴾ بعذابي في الآخرة، (قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: ضَمَنَ اللهُ تعالى لمن قرأ القرآن وعَمِلَ بما فيه، ألاّ يَضِلّ في الدنيا ولا يَشقى في الآخرة). ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ﴾ - فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه -: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾: يعني فإنّ له في الدنيا مَعيشةً شاقة - وإنْ كانَ غنياً - فإنه يَشعر بالضيق والهم، كما يُضيَّق عليه قبره ويُعَذَّب فيه، ﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ عن سلوك طريق الجنة، ﴿ قَالَ ﴾ أي فيقول هذا المُعرِض عن ذِكر الله: ﴿ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى ﴾ يوم القيامة ﴿ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴾ فيالدنيا؟ • الآية 126، والآية 127: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ له: ﴿ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ﴾ يعني لأنك قد جاءتك آياتنا الواضحة فأعرضتَ عنها، ولمتؤمن بها، ﴿ وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾: يعني وكما تركتَها في الدنيا، فكذلك تُترك اليوم في النار، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ﴾: يعني وهكذا نُعاقب مَن أسرف على نفسه بالمعاصي فلم يتب منها (﴿ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ﴾ (فنجعل له مَعيشةً ضنكاً في حياته الدنيا وفي قبره)، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ ﴾ ألمًا من عذاب الدنيا ﴿ وَأَبْقَى ﴾ منه لأنه لا يَنتهي ولا يُخَفَّف. • الآية 128: ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ ﴾: يعني أفلم يُبَيَّنْ لقومك - أيها الرسول - كثرة مَن أهلكنا قبلهم من الأممالمُكَذِّبة، الذين ﴿ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾ ويرون آثار هلاكهم، فيَهتدوا بذلك إلى طريق الرشاد؟ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾: يعني إنّ في كثرة تلك الأمموآثار عذابهم لَعِبَرًا وعظات ﴿ لِأُولِي النُّهَى ﴾ أي: لأهل العقول السليمة الواعية، أما الذين عطَّلوا عقولهم ولم يُفَكِّروا بها: فلا يَهتدوا إلى تلك الآيات. • الآية 129، والآية 130: ﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ﴾: يعني ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك بأنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها، ولولا أجلٌ معلوم في اللوح المحفوظ بتأخير العذاب عن أهل مكة: لأصبحَ الهلاك لازماً لهم لا يتأخر عنهم بسبب كفرهم، (واعلم أنّ في الآية تقديم وتأخير، أي: ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك وأجلٌ مُسَمًّى لكان لزاماً: أي لَكانَ العذابُ لازماً لهم)، إذاً ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ أيها الرسول ﴿ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ في حقك (من التكذيب بدَعْوتك، ومِن مُطالبتك بالمعجزات التي يقترحونها، ومِن استعجالهم بالعذاب). ♦ ثم أرشده سبحانه إلى ما يَشرح صدره ويُذهِب هَمَّه فقال: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ أي استعن بالصلاة ذات الذِكر والتسبيح ﴿ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ﴾ أي في صلاة الفجر، ﴿ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ أي: وكذلك سَبِّحبحمد ربك في صلاة العصر (قبل غروب الشمس)، ﴿ وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ ﴾: يعني وكذلك سَبِّحبحمد ربك في ساعات الليل (والمقصود بذلك صلاتَي المغربوالعشاء)، ﴿ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ﴾: يعني وكذلك سبِّحبحمد ربك في صلاة الظهر (التي تقع بين طَرَفَي النهار - أي بين نهاية نصفه الأول وبداية نصفه الثاني)، وقد أمَرَك اللهُ بهذا ﴿ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ أي حتى يُثِيبك على هذهالأعمال بما تَرْضى به في الآخرة من النعيم. • الآية 131: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ﴾أي لا تنظر بعينيك مُتطلِّعاً ﴿ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ﴾: يعني إلى ما مَتَّعْنا به أصنافًا من كفار قريش مِن مُتَع الدنيا، فقد جعلنا لهم ﴿ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (التي سرعان ما تَذبل وتنتهي)، وقد متَّعناهم بهذا المتاع ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ أي لنَختبرهم فيه: (أيَشكرون ربهم بتوحيده وعبادته أم يَكفرون؟) ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ ﴾ أي: ما أعَدَّه اللهُ لك من الأجر والنعيم هو ﴿ خَيْرٌ ﴾ لك مِمَّا متَّعناهم به في الدنيا ﴿ وَأَبْقَى ﴾ منه، حيثُ لا انقطاعَ له ولا نفاد. • الآية 132: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ ﴾ أي أزواجك وبناتك وأتْباعك المؤمنين ﴿ بِالصَّلَاةِ ﴾ (ففيها السعادة وغِنى النفس) ﴿ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾: أي صَبِّر نفسك على أداء الصلاة بخشوع واطمئنان، واعلم أننا ﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ﴾: أي لا نَطلب منك مالاً - لِغِنانا عن ذلك - ولكننا نُكَلِّفك بأداء الصلاة على أكمل وجوهها، و ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ - إذا أخذتَ بأسباب السعي في طلب الرزق -، ولكنْ لا يَشغلك طلب الرزق عن الصلاة، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ أي: والعاقبة المحمودة في الدنيا والآخرة لأهل التقوى (وهم الذين يخافون ربهم بأداء أوامره واجتناب نواهيه). • الآية 133، والآية 134: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي وقال هؤلاء المُكَذِّبون: ﴿ لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ يعني: هَلاَّ يأتينا محمد بمُعجزة مَحسوسة مِن عند ربه (كَعَصا موسى وناقة صالح)، ﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ﴾: يعني ألم يَكفهم أننا أعطيناهمهذا القرآن، المُوافق لِما في الكتب السابقة من الحق، والمُبَشَّر به فيها؟!، (واعلم أنّ البينة: هي الحجة، وهي هنا: محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم، كما قال تعالى: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً ﴾ إذ محمد صلى الله عليه وسلم مَوعودٌ به في الكتب السابقة، وهو أيضاً أميّ، لا يقرأ ولا يكتب، وقد جاء بهذا القرآن الخالد، الذي حَوَى علوم الأولين وقصصهم، واشتمل على كل علمٍ نافع في الدنيا والآخرة، وأعْجَزَ أهل اللغة كلهم - رغم براعتهم في الفصاحة والبلاغة - فأيّ آيةٍ أعظم من هذه؟!). ﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ أي مِن قبل أن نُرسل إليهم رسولا ونُنَزِّلعليهم كتابًا ﴿ لَقَالُوا ﴾ يوم القيامة: ﴿ رَبَّنَا لَوْلَا ﴾ يعني: هَلاَّ ﴿ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا ﴾ من عندك ﴿ فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ ﴾ وشَرْعك ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ أي مِن قبل أن يصيبنا الذل والإهانة بعذابك، ونُفتَضَح بين الأمم يوم القيامة. • الآية 135: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ ﴾ أي: كلٌ مِنَّا ومنكم ينتظر: لمن يكون النصر والفلاح؟، ﴿ فَتَرَبَّصُوا ﴾: أي فانتظروا ﴿ فَسَتَعْلَمُونَ ﴾ يوم القيامة: ﴿ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ﴾ يعني: مَن أهل الطريق المستقيم - وهو الإسلام - ومَنالمهتدي مِنَّا ومنكم إلى الحق؟ [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة الأنبياء الآية 1: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ على أعمالهم، ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ عَمَّا ينتظرهم مِن حسابٍ وجزاء، ﴿ مُعْرِضُونَ ﴾ عن الاستعداد لهذا الحساب بالإيمان والعمل الصالح (بعد ترْك الشرك والمعاصي). الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ يعني: ما مِن شيءٍ يَنزل من القرآن ﴿ مُحْدَثٍ ﴾ أي جديد النزول، مُجَدِّدًا لهم التذكير والموعظة: ﴿ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾: أي كان سَماعهمله سَماع لعبٍ واستهزاء، ﴿ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ يعني: قلوبهم غافلة عن تدبر القرآن، مشغولة بشهوات الدنيا ومَلَذَّاتها، ﴿ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾: أي اجتمع الظالمون من رؤساء قريش على أمْرٍ خَفِيٍّ - ليَصُدُّوا به الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم - فقالوا لهم: ﴿ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾؟ يعني: ما محمد إلا إنسان مثلكم لايَختلف عنكم في شيء، وما تصديقكم لنُبُوَّته إلا مِن أثر سِحرٍ سحَرَكم به ﴿ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ ﴾ يعني فكيف تأتون إلى هذا الساحر ﴿ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ أي: بَصَركم سليم؟، (وقد كَذَبوا في ذلك الادِّعاء الباطل، فإنه لو كانَ ساحراً، لسَحَرَهم لِيؤمنوا به، حتى يستريحَ هو وأصحابه من ذلك الإيذاء والتعذيب الذي يَلقونه منهم، وحتى لا يُخرجوهم مِن بلدهم وديارهم وأموالهم كما فعلوا). ♦ واعلم أن المقصود بوصف القرآن بأنه (مُحدَث) أي حديث النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان يَنزل آية بعد آية وسورة بعد سورة، بحسب الحوادث والأحوال. ♦ فلمَّا أخبر اللهُ رسوله بالكلام الذي قالوه، أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنّ اللهَ الذي عَلِمَ تَحَدُّثهم سِرّاً، يَعلم كل قول في السماء والأرض فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ (سِرّاً كانَ أو علانية)، ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ لِمَا أسررتموه مِن حديثكم، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بأفعالكم وكَيدكم، (وفي هذا تهديدٌ ووعيدٌ لهم). الآية 5، والآية 6: ﴿ بَلْ ﴾ جَحَدَ الكفار بالقرآن، واضطربت أقوالهم فيه بعد أن شعروا بالهزيمة في أن يأتوا بمِثله، فـ ﴿ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ﴾ يعني منهم مَن قال: إنه أحلام مُختلَطة رآها في المنام، ومنهم مَن قال: ﴿ بَلِ افْتَرَاهُ ﴾ أي اختلق محمد القرآن مِن عند نفسه، ومنهم مَن قال: ﴿ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ (أي هذا الذي جاء بهشِعر)، وإذا أراد أن نُصَدِّقه ﴿ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ﴾: أي فليأتنا بمعجزة محسوسة كناقة صالح، وعصا موسىوسائر معجزات الرُسُل مِن قبله. ♦ فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾ يعني: لا توجد قرية - قبل كفار مكة - طلب أهلها المعجزات فآمَنوا بها لمَّا تحققت لهم، بلإنهم كَذَّبوا بها فأهلكناهم، ﴿ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾: يعني أيُؤمن كفار مكة إذا تحققت المعجزات التي طلبوها؟! (والاستفهام للنفي) يعني: كلاإنهم لن يؤمنوا، (إذاً فلا معنى مِن إعطائها لهم ونحن نعلم أنهم لن يؤمنوا). الآية 7: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ إِلَّا رِجَالًا ﴾ أي رُسُلاً من الرجال (لا منالملائكة)، وكنا ﴿ نُوحِي إِلَيْهِمْ ﴾ لِيُبَلِّغوا رسالات ربهم إلى الناس، (وقد كانَ هذا رداً على قولهم: ﴿ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾؟). ♦ وإن كنتم - يا مُشركي قريش - لا تُصَدِّقونَ بذلك ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾: أي اسألوا أهلالكتب السابقة، ليُخبروكم أنّ الأنبياء كانوا بَشَرًا وليسوا ملائكة ﴿ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾، (واعلم أنّ الآية عامة في كل مسألة من مسائل الدين - إذا لم يكن عند الإنسان عِلمٌمنها - أن يَسأل مَن يَعلمها مِن العلماء المُتمكنين في العلم). الآية 8، والآية 9: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ﴾ يعني إننا لم نجعل أولئك الرسل خارجين عن طباع البشر (لا يحتاجون إلى طعاموشراب)، بل جعلناهم أجساداً آدمية تحتاج في بقاءها إلى الطعام والشراب، فلماذا إذاً يَعترض هؤلاء المشركون على كَوْن الرسول صلى الله عليه وسلم بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟! ﴿ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ﴾ لا يموتون، ﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ ﴾ أي: ثم أنجَزنا لهم وأتْباعهم ما وعدناهم به من النصر والنجاة ﴿ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ﴾ على أنفسهم بالكفر والمعاصي. ♦ واعلم أنّ حرف (ثم) المذكور في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ ﴾ هو ما يُعرَف في اللغة بـ (الترتيب الرَتبي)، فكأنّ المعنى: (وأهَمُّ مِمّا ذُكِر أنّنا صَدَقناهم الوعد فأنجيناهم وأهلكنا الذين كَذَّبوهم). الآية 10: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا ﴾وهو هذا القرآن الذي ﴿ فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ أي فيه عِزُّكم وشرفكم في الدنيا والآخرة (إنْ تذكرتمبه)، إذ هو أعظم من المعجزات التي طلبتموها، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾؟ يعني: أفلا تتفكرون فيه بعقولكم، لتؤمنوا به وتعملوا بما فيه؟ من الآية 11 إلى الآية 16: ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً ﴾ يعني: وكثيرٍ مِن أهل القرى قصمناهم - بإهلاكهم وتفتيت أجسامهم - بسبب ظُلمهم وكُفرهم ﴿ وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ﴾ (كانوا خيراً من أولئك الهالكين)، ﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا ﴾ أي فلمَّا رأى الظالمون علامات عذابنا الشديد نازلاً بهم: ﴿ إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ﴾ أي يُسرعون هاربينَ مِنقريتهم. ♦ فنادتهم الملائكة وهم يحاولون الفرار من العذاب:﴿ لَا تَرْكُضُوا ﴾: أي لا تهربوا ﴿ وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ ﴾ أي ارجعوا إلى ما كنتم تتنعمون فيه من اللذات، وارجعوا إلى مساكنكم المُحصَّنة ﴿ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾ أي لعل أحداً يَمُرّ بكم فيَسألكم عَمّا كنتم فيه من النعيم فتُخبِروه، أو لعله يُطلَب منكم شيئًا مِن دُنياكم لتفتدوا به من العذاب، (وهذا كله على سبيلالسُخرية والاستهزاء بهم). ♦ فلمَّا يَئسوا من الهرب وأيقَنوا بنزول العذاب: ﴿ قَالُوا يَاوَيْلَنَا ﴾ يعني يا هَلاكنا (والمقصود أنهم يَدعون على أنفسهم بالهلاك والموت، لمُشاهدتهم عذاب الله نازلاً بهم)، وقالوا: ﴿ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ أي ظلمنا أنفسنا بالشرك والمعاصي والتكذيب والعناد، فعرَّضناها بذلك للخُسران والعذاب، ﴿ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ أي: فما زالت تلك المقالة - وهي الدعاء على أنفسهم بالهلاك واعترافهم بظلمهم - هي دَعْوَتَهم يُرَدِّدونها ﴿ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾: أي لم نُبقِ منهم أحداً قائماً (كأنهم زرعٌ محصود)، وأصبحوا خامدينَ لا حياةَ فيهم (كالنار التي أُخمِدَت). ♦ ثم وَضَّحَ سبحانه أنّ إهلاكه لهذه الأمم المُشركة الظالمة كانَ دليلاً على أنه لم يَخلق الإنسان لعباً وعَبَثاً، بل خَلَقه ليَعبده ولا يُشرك به، ويطيعه ولا يعصيه، وأنه خَلَقَ السماوات والأرض ليُذكَر فيهما ويُشكَر، ولهذا قال: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾، وإنما ليَعلم الناس أنّ الذي خَلَقَ ذلك كله، لا تصلح العبادة إلا له، وأنه سبحانه قادرٌ على أن يُحيى الموتى،لأنّ ذلك أهْوَنُ عليه مِن خَلْق السماوات والأرض. - الآية 17، والآية 18: ﴿ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا ﴾ - من الولد أو الزوجة أو غير ذلك مِمّا نَسَبَهُ إلينا المشركون كَذِباً وافتراءً - ﴿ لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا ﴾: أي لاَتخذناه مِن عندنا لا مِن عندكم﴿ إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ (وهذا يَستحيل في حقنا، لأن اللعب ليس من شأننا)، ولذلك بَرَّأَ سبحانه نفسه مِن ذلك فقال: ﴿ بَلْ ﴾ أي لا يليق بنا اتخاذ الزوجة والولد - لِغِنانا عن ذلك -، وإنما ﴿ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ ﴾ أي نَرمي بالحق (وهو أدلة القرآن) ﴿ عَلَى الْبَاطِلِ ﴾ - وهو افتراء المُضِلِّين - ﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾ أي فيَشُقُّ الحقُ دماغَ الباطل فيُهلِكه ﴿ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ أي: فإذا بالباطل ذاهبٌ مغلوب لا يَبقى منه شيء، ﴿ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ يعني: ولكم - أيها المشركون - العذاب الشديد فيالآخرة، مِن أجْل وَصْفِكم ربكم بغير وَصْفه اللائق به، ومِن أجْل وَصْفكم لرسوله بالسحر والكذب والشعر، وأنتم تعلمون أنه الصادق الأُمِّي، الذي لم يقل الشعر ولم يتعلمه طوال حياته. الآية 19، والآية 20: ﴿ وَلَهُ ﴾ سبحانه جميع ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ مُلكاً وتصرفاً وتدبيراً وإحاطة، (فهذا برهان آخر على بُطلان دعوى أنّ له تعالى زوجة وولداً، إذ هو خالقُ كل شيء ومالكه، فهليُقالُ لِمَن صَنَعَ شيئاً إنه أبو المصنوع؟! لا يوجد قائلٌ بهذا أبداً، (فسبحان مَن لا يحتاجُ إلى زوجةٍ أو ولدٍ كما يحتاج البشر، وسبحان الغني القوي الذي له الصفات العُليا، والاستغناء التام عن خَلْقه وعبيده). ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ ﴾ من الملائكة ﴿ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾ ﴿ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ أي لا يَتعبون فيَتركوا العبادة ليستريحوا، بل إنهم ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾: أي يُسبِّحون اللهَ ليلاً ونهاراً ﴿ لَا يَفْتُرُونَ ﴾: أي لا يضْعُفون عن التسبيح، لأنه يخرج منهم كما يَخرج النَفَس من البشر، فكما أن البشر لا يتعبون من التنفس ولا يَمَلُّون منه ولا يُشغلهم عنه شيء، فكذلك الملائكة لا يَمَلُّون من التسبيح ولا يُشغلهم عنه شيء، (إذاً فكيف يجعلهم المشركون شركاء لله تعالى أو يزعمون أنّ له منهم ولداً وهُم لا يستكبرون عن عبادته ولا يَتعبونَ منها؟!)، (واعلم أن اللفظ: ﴿ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ مأخوذ من الحَسير، وهو (الجَمَل) المُنقطع عن السير بسبب التعب). الآية 21، والآية 22، والآية 23: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ ﴾؟! يعني: هل اتخذ المشركون آلهة عاجزة من أحجار الأرض تقدر على إحياء الموتى؟! (والاستفهام للنفي والإنكار) يعني: كلا إنهم لا يُحيون الموتى، (والذي لا يُحيي الموتى لا يستحق العبادة بحال من الأحوال، أمّا اللهُ تعالى فهو المُتفرِّد بالإحياء والإماتة، وأنتم تعلمون ذلك أيها المشركون، فلقد كنتم أمواتًا وأنتم في العَدم، فأوجدكم سبحانه ونَفَخَفيكم الحياة، فكذلك لا يُعجزه إحياء الناس بعد موتهم). ♦ ثم أبطل سبحانه دعواهم في اتخاذهم آلهةً مع الله تعالى فقال: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾: أي لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله تُدَبِّر شؤونهما، لاَختلَّنظامهما (لأنّ تَعَدُّد الآلهة يَقتضى اختلافهم في الإرادة والأفعال، مِمّا يؤدي إلى فساد نظام الكون)، ومِن هنا كان انتظام الكون قروناً عديدة دليلاً على أنّ خالقه واحد وأنّ العبادة لا تجب إلا له، ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾: أي تَنَزَّهَ اللهُ خالق العرش ومالكه والمُختص به، وتبرَّأَ عَمَّا يَصفه به الكافرون. ♦ ومِن دلائل تفرُّده سبحانه بالخَلق والعبادة أنه ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾: أي لا يُسأل عن قضائه في خَلقه، لأنه المالك المتصرف، ولأنه العليم الحكيم،﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ أي: وجميع خَلقه يَسألهم سبحانه عن أفعالهم، لكونهم عبيدٌ خاضعونَ لتدبيره وأقداره. الآية 24: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً ﴾؟! يعني: بل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة لا تنفع ولا تضر! ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيهاالرسول -: ﴿ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾: أي هاتوا دليلاً على استحقاق هذه الآلهة للعبادة، ﴿ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ﴾: أي فليس في هذاالقرآن (الذي هو ذِكر أُمّتي واتِّعاظها)، ولا في الكتب السابقة دليلٌ على ما ذهبتم إليه، (فالكل يشهد أنه لا إله إلا الله)، ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ﴾: يعني: بل أكثرهم قد أشركوا تقليدًا لآبائهم بغير عِلمٍ أو دليل، ولِذا ﴿ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ عن تأمل أدلة وبراهين القرآن العظيم. الآية 25: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾ أي لا معبودَ بحقٍإلا أنا، ﴿ فَاعْبُدُونِ ﴾: أي فأخلِصوا العبادة لي وحدي أيها الناس. من الآية 26 إلى الآية 29: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي قال المشركون: ﴿ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾ - بزَعْمهم أنّ الملائكة بنات الله - ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾: أي تَنَزَّه اللهُوتقدَّس عن ذلك، ﴿ بَلْ عِبَادٌ ﴾ يعني إنّ الملائكة عبادٌ للهِ تعالى (ومَن كان عبداً لا يكون ابناً ولا بنتاً)، وهُم ﴿ مُكْرَمُونَ ﴾ أي مُقرَّبونَ مُخصَّصونَ بالفضائل الكريمة. ♦ ومِن حُسن طاعتهم وأدبهم مع الله تعالى أنهم ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ﴾ أي لايتكلمون إلا بما يأمرهم به سبحانه (وهذا هو شأن العبد، أنه لا يتقدم سيده بشيء) ﴿ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ أي: وهم ولا يَعملون عملاً حتى يَأذن لهم، وهو سبحانه ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾: أي يَعلم جميع أفعال الملائكة (ما يُستقبَل منها وما مَضى)، ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ أي لا تتقدم الملائكة بالشفاعة إلا لمن رَضِيَ اللهُ عن شفاعتهم له، (ولا يكون هذا إلا لأهل التوحيد)، ﴿ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ أي: والملائكة - مِن أجلخوفهم مِن الله تعالى - يَحذرون أن يُخالفوا أمْره ونَهْيه، ﴿ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ ﴾ يعني: ومَن يَزعم من الملائكة أنه إلهٌ مع اللهِ تعالى - على سبيل الفرض - ﴿ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾، و﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ الذين يَتعدون حدودهم ويتجاوزون قَدْرهم. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسيرالربع الثاني من سورة الأنبياء الآية 30: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ يعني ألم يَعلم الكفار ﴿ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ﴾ أي كانتا مُلتصقتينِ لا فاصَلبينهما ﴿ فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ أي فَصَلناهما بقدرتنا، وأنزلناالمطر من السماء، وأخرجنا النبات من الأرض، ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ ﴿ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ يعني أفلا يُصَدِّقون بما يشاهدونه من الآيات الدالة على استحقاق اللهِ وحده للعبادة، فيعبدوه وحده ولا يُشركوا به؟! الآية 31: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً راسية لتثبيت الأرض ﴿ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ ﴾ أي حتى لا تميل بهم وتتحرك (إذ لو تَحَرَّكَتْ بهم: ما استقامَ العيشُ عليها، ولَتَهَدَّمَ ما عليها وتَساقط)، ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا ﴾ أي جعلنا في الأرض طرقًا واسعة ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ أي ليهتدوا بهذه الطرق في الوصول إلى الأماكن التي يقصدونها، وليهتدوا أيضاً إلى توحيد خالقهم الذي أنعم عليهم بما فيه مصلحتهم. الآية 32: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا ﴾: أي جعلنا السماء سقفًا للأرض، وجعلناها أيضاً محفوظة من السقوط، ومن اختراقالشياطين لها، ﴿ وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ أي: والكفار غافلونعن التفكر في آيات السماء، إذ لو تفكروا فيها لاَستدلوا بها على توحيد اللهِ تعالى وقدرته وعِلمه وحِكمته، (واعلم أن المقصود بآيات السماء: الشمس والقمر والنجوم). الآية 33: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ ﴾ لراحتكم، ﴿ وَالنَّهَارَ ﴾ لتطلبوا فيهالرزق، ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ خَلَقهما سبحانه لإضاءة الأرض، ولتعرفوا الأيام والشهور، وغير ذلك مِن مَنافعكم، ﴿ كُلٌّ ﴾ مِن الشمس والقمر ﴿ فِي فَلَكٍ ﴾ أي في مَدار خاص بهم، ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ أي يَجرونَ في هذا المدار ولا يخرجونَ عنه، (إذ لو خرجتْ الأجرام السماوية مِن مَدارها، لَوَقَعَ التصادم بينهم، ولَحَدَثَ تدميرٌ للعوالم كلها، فسبحان العليم الحكيم القادر). الآية 34: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ - يا محمد - ﴿ الْخُلْدَ ﴾ أي دوام البقاء في الدنيا، ﴿ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾ بعدك؟! لا يكونُ هذا أبداً، (إذاً فلا معنى لأن يَنتظروا بك الموت حتى يتخلصوا مِن دَعْوتك ويَشمتوا بك). الآية 35: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ أي ستذوق مَرارة مُفارقة الروح للجسد، ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ ﴾ يعني: ونختبركم بما تظنونه شراً (كالفقر والمرض)، و بما تظنونه خيراً (كالغِنى والصحة)، وقد جعلنا هذا الابتلاء ﴿ فِتْنَةً ﴾ أي اختباراً يُظهِر الصابر الشاكر من الساخط الجاحد، ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم للحساب والجزاء. الآية 36: ﴿ وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ - أيها الرسول - ﴿ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا ﴾ أي ما يتخذونك إلا استهزاءً وسخرية، إذ يُشيرونَ إليك قائلين:﴿ أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ ﴾: يعني أهذا الرجل هو الذي يَسُبُّ آلهتكم ويَذكر عيوبها؟!، ﴿ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾: يعني: وهُم جاحدونَ بما أنزله الرحمن من القرآنوالهدى. ♦ والمقصود من الآية: كيف يتألمون لذِكر آلهتهم بسوء (وهي تستحق السُوء فعلاً لعَجزها ونَقصها)، ولا يتألمون لجحودهم بإلوهية ربهم الرحمن (الذي يَستحق العبادة وحده)، حتى إنهم أنكروا أن يكون "الرحمن" اسماً لله تعالى؟!، إنّ هذا لَغاية الجهل والغرور وسُوء الفَهم. الآية 37: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾: أي خُلِقَ الإنسان عَجولاً يَستعجل وقوع الأشياء (وإن كانت تحمل له ضرراً)، وقد استعجل المؤمنون عقوبة الله للكافرين، واستعجلت قريشٌ العذابَ تكذيباً وعِناداً، فقال الله لهم: ﴿ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي ﴾: أي سأريكم العذاب الذي وعدتكم به في آياتي القرآنية (ومِن ذلك ما حصل لهم يوم بدر) ﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾، (واعلم أنه قد دخل كثيرٌ منهم في الإسلام بسبب هذا الإمهال، فسبحان الحليم الحكيم). ♦ ولَعَلّ قوله تعالى: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ فيه إشارة إلى تَمَكُن هذا الوصف من الإنسان، إلا مَن رحمه الله وحَلاَّهُ بالحِلم والصبر. الآية 38، والآية 39: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي: متى يحصل هذا العذاب الذي تَعِدُنا به يامحمد، إن كنت صادقاً أنت ومَن اتَّبعك؟، فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي لو يعلمون ما ينتظرهم من العذاب في جهنم ﴿ حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ ﴾ أي عندما لا يستطيعون أن يدفعوا النار عن وجوههم ﴿ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ ﴾ ﴿ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ أي: ولا يجدون لهم ناصرًا يُنقذهم من هذا العذاب، (لو يعلمون ذلك، مااستعجلوا عذابهم، وَلَتابوا مِن شِركهم وعِصيانهم). الآية 40: ﴿ بَلْ تَأْتِيهِمْ ﴾ النار ﴿ بَغْتَةً ﴾ أي فجأة ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ أي فيَتحيَّرون عند ذلك، ويَخافون خوفًا عظيمًا، ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ﴾: أي فحينئذٍ لايستطيعون دَفْعَ العذاب عن أنفسهم ﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ أي: ولا يُمْهَلون للتوبة والاعتذار. الآية 41: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ أي استَهزأ المشركون السابقون بالعذاب الذي وَعَدَتْهم به رُسُلُهم، ولكنّ رُسُلهم صبروا على استهزائهم ﴿ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ أي فأحاط بهم العذاب الذي كانوا يَسخرونمنه، فلم يستطيعوا الفرار، (وفي هذا تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاهُ مِن استهزاء قريش واستعجالهم بالعذاب). الآية 42: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المستعجلين بالعذاب: ﴿ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ يعني: مَن يَحفظكم ويَحرسكم - فيليلكم ونهاركم - مِن عذاب الرحمن إذا نزل بكم؟ (والجواب: لا أحد يستطيع أن يَرُدّ عذاب الله عنكم)، إذاً فلماذا لا تتوبون إليه بتوحيده وطاعته؟ ﴿ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ يعني: بل هم عنمواعظ القرآن وحُجَجه مُعرضون، فلا يَستمعون إليها ولا يتفكرون فيها، (وهذا هو السبب في عدم استجابتهم للحق). الآية 43: ﴿ أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ﴾ أي تَمنعهم مِن عذابنا؟! ﴿ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ﴾: يعني إنَّ آلهتهم لا يستطيعون أن ينصروا أنفسهم،فكيف يَنصرون عابِدِيهم؟ ﴿ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ أي ولا يجدون مَن يُنقذهم مِن عذابنا. الآية 44: ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ ﴾ الكفار ﴿ وَآَبَاءَهُمْ ﴾ بالأموال والبنين ﴿ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ﴾ أي حتى طالت أعمارهم وهُم في هذه النعم، فظنوا أنها لا تزول عنهم، واغترَّوا بإمهال الله لهم، واستمَرّوا على كُفرهم، وأعرَضوا عن تدبرّ حُجَج ربهم، ونسوا ما حدث للمكذبين قبلهم، ﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾؟ أي نُنقِص أرض الكفر، (وذلك بإهلاك قرى الكافرين، وبدخول أهل الجزيرة في الإسلام بلداً بعد الآخر، وبفتحبلاد المشركين وإلحاقها ببلاد المسلمين) ﴿ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾: يعني أيَستطيع كفار مكة الخروج عن قدرة الله تعالىأو الامتناع عن الموت؟! (والجوابُ: لا، بل الله تعالى هو الغالب، حيث مَكَّنَ لرسوله وللمؤمنين فَتْح مكة ودخول كثيرٍ مِن أهلها في الإسلام). الآية 45: ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها الرسول -: ﴿ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ﴾ يعني: إنّ العذاب الذي أُخوِّفكم به هو وَحْيٌ أوحاه اللهُ إليّ وأمَرني بإبلاغه لكم، ﴿ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ ﴾ أي: ولكنّ الكفار لا يسمعون هذا الإنذار سماع تدبُّر وانتفاع، وذلك بسبب حُبِّهم للباطل الذي هم عليه، (لأنّ حُبّ الشيء قد يُعمِي صاحبه حتى لا يرى إلا ما أحَبَّه، ويَصُمَّه بحيث لا يَسمعُ شيئاً غيره). الآية 46: ﴿ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ ﴾ يعني: وإذا أصاب الكفارَ قدْرٌ قليل مِن عذاب الله يوم القيامة ﴿ لَيَقُولُنَّ ﴾ - صارخينَ نادمينَ -: ﴿ يَاوَيْلَنَا ﴾ يعني يا هَلاكنا (والمقصود أنهم يَدعون على أنفسهم بالهلاك والموت حتى يستريحوا من هذا العذاب) ﴿ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ أي ظلمنا أنفسنا بالشرك والمعاصي والتكذيب والعناد، فعرَّضناها بذلك للخُسران والعذاب. الآية 47: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾: أي يضع اللهُ الميزانَ العادل للحساب في يوم القيامة ﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ﴾يعني: وإنْ كان هذا العمل قدْرَ ذرةٍ مِن خير أو شر: يضعها الله في ميزانصاحبها ﴿ وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ أي: وكفى بالله تعالى مُحصِيًا لأعمال عباده، ومُجازيًا لهم عليها. ♦ ويُحتمَل أن يكون اللهُ تعالى قد ذَكَرَ لفظ ﴿ الْمَوَازِينَ ﴾ بصيغة الجمع، إشارة إلى أنّ لكل عبد ميزان خاص به، ويُحتمَل أيضاً أن يكون ميزاناً واحداً توزن فيه أعمال العباد جميعاً، وإنما يَختلف الوزن باختلاف الأعمال الموزونة، واللهُ أعلم. الآية 48، والآية 49: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ﴾: يعني أعطينا موسى وهارون حُجَّةً نَصرناهما بها على عدوهما، وأعطينا موسى كتابًا - وهو التوراة - فَرَقْنا به بين الحق والباطل والشرك والتوحيد، ﴿ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ﴾: أي: وكانت التوراة نورًا وموعظة يَهتدي بها المتقون ﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ﴾ أي الذين يخافون عقابربهم وهُم لا يرونه في الدنيا، فلا يَعصونه بترك واجب ولا بفعل حرام، ﴿ وَهُمْ مِنَ ﴾ أهوال ﴿ السَّاعَةِ ﴾ التي تقوم فيها القيامة ﴿ مُشْفِقُونَ ﴾ أي خائفون حَذِرون. الآية 50: ﴿ وَهَذَا ﴾ القرآن هو ﴿ ذِكْرٌ مُبَارَكٌ ﴾ أي عظيم النفع لمنقرأه وتذكَّر به، وعَمِلَ بأوامره واجتنب نَواهيه، وقد ﴿ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، (وفي هذا ردٌ على قول المشركين في أول السورة: ﴿ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ﴾، فقد أعطى اللهُ تعالى محمداً القرآن كما أعطى موسى التوراة)، ﴿ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾: يعني أتنكرونه أيها المشركونوهو في غاية البلاغة والوضوح؟! [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثالث من سورة الأنبياء الآية 51: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ﴾ يعني أعطينا إبراهيم هُداه، (والمعنى أننا هديناه إلى معرفة ربّه ووجوب عبادته وحده)، وذلك ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي مِن قبل أن نُوحِي إليه ونجعله من الأنبياء، ﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ أي كنَّاعالمين أنه أهْلٌ لإعطائه الرُشد والنبوة، وأنه جديرٌ للقيام بدعوة التوحيد. ♦ ويُحتمَل أن يكون قوله تعالى: ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي مِن قبل موسى وهارون (اللذين ذَكَرَهما اللهُ في الآيات السابقة)، واللهُ أعلم. الآية 52، والآية 53: ﴿ إِذْ قَالَ ﴾ إبراهيم ﴿ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ﴾ المشركين:﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ يعني: ما هذه الأصنام التي صنعتموها، ثم أقمتم على عبادتها؟، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾، ونحن أيضاً نعبدها اقتداءً بهم، (وهذا دليل على جَهْلهم، إذ لم يَذكروا بُرهاناً على صحة عبادتها، بل اكتفوا بالتقليد الأعمى لآبائهم مِن غير دليل). الآية 54، والآية 55: ﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم: ﴿ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي في ضلالٍ واضح بسبب عبادتكم لهذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴾؟ يعني: أهذا القول الذي جئتَنا به حقٌّ وَجِدٌّ، أم كلامك لنا كلام لاعب مستهزئلا يدري ما يقول؟ الآية 56، والآية 57: ﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم: ﴿ بَل ﴾ أي لستُ لاعباً، وإنما ﴿ رَبُّكُمْ ﴾ الذي يَستحق العبادة وحده هو ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ﴾ أي الذي خلقهنَّ على غير مثالٍ سابق ﴿ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ يعني: وأنا مِن الشاهدين على أنه لا رَبَّ لكم غيره، ولا معبودَ بحقٍ سواه، ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ أي سوف أُلحِق بها الضَرَر ﴿ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾: يعني بعد أن تَذهبوا بعيداً عنها وتتركوها وحدها. الآية 58، والآية 59: ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ ﴾ أي: فحَطَّمَ إبراهيم الأصنام وجعلها قطعًا صغيرة، إلا أكبر صنم فيهم فإنه لم يَكسره، بل عَلَّقَ الفأس في عُنُقه ﴿ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾: أي ليَرجع القوم إلى هذا الصنمويسألوه، فعندئذٍ يَتَبيَّن لهم ضَلالهم وعَجْز آلهتهم، وتقوم الحُجَّة عليهم، فيعبدوا اللهَ وحده، ولا يُشركوا به شيئاً. ♦ فلمَّا رجع القوم، ورأوا أصنامهم مُحطَّمة مُهانة، سأل بعضهم بعضًا، فـ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا ﴾؟ ﴿ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين يتعدون حدودهم ويتجاوزون قَدْرهم. الآية 60: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال مَن سمع إبراهيم وهو يحلف بأنه سوف يكيد بالأصنام: ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ أي يَذكر الأصنام بسُوء، وهذا الفتى ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾. الآية 61، والآية 62، والآية 63: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال رؤساؤهم: ﴿ فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ ﴾ أي على مَرأى من الناس (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) أي ليَشهدوا على اعترافه بأنه هو الذي كسر الأصنام، ولكي يَحضروا معاقبته، فيكون عِبرةً لغيره. ♦ فلمَّا أحضروا إبراهيم أمام الناس، (﴿ قَالُوا ﴾) له: ﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾؟ (وهنا حَدَثَ ما أراده إبراهيم مِن إظهار جَهْلهم وقلة عقلهم أمام الناس)، فـ﴿ قَالَ ﴾ لهم - ليَغلبهم بالحُجَّة -: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ﴾ يعني: إنّ هذا الصنم الكبير هو الذي كَسَّرها، ﴿ فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾: أي فاسألوا آلهتكمعن ذلك إن كانت تتكلم. الآية 64، والآية 65: ﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ يَلومونها، إذ كيف يعبدون هذه الأصنام، وهي عاجزة عن أن تدفع عننفسها شيئًا، أو أن تَرُدّ على مَن يسألها؟! ﴿ فَقَالُوا ﴾ أي قال بعضهم لبعض: ﴿ إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ يعني أقرُّوا على أنفسهم بالظلم والشرك، ﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ ﴾ أي رجعوا إلى باطلهم (بعد أن اعترفوا بالحق)، فقالوا لإبراهيم: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾ يعني: كيف نسألها يا إبراهيم، وقد عَلِمتَ أنها لاتتكلم؟ من الآية 66 إلى الآية 69: ﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم - مُحَقِّرًا لشأن أصنامهم -: ﴿ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا ﴾ إذا عبدتموه،﴿ وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴾ إذا تركتم عبادته؟! ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ ﴾: أي قُبحًا لكم ولآلهتكم التي تعبدونها ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾؟ يعني أفلا تتفكرونَ بعقولكم فتُدرِكوا سُوء ما أنتم عليه من الباطل؟ ♦ فلمَّا بَطلتْ حُجَّتهم وظهر الحق، عادوا إلى استعمال سُلطانهم، فـ ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ ﴾ يعني أحرِقوه بالنار انتصاراً لألهتكم التي كَسَرها ﴿ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾: يعني إن كنتم تريدون نَصْرها حقاً، فلمَّا ألقوه في النار: ﴿ قُلْنَا ﴾ أي قال اللهُ تعالى للنار: ﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ (فلم تُصِبه النار بأذى، ولم تَحرِق إلا الحبل الذي ربطوه به)، (فسبحان المَلِك العظيم رب النار، وسبحان مَن خضعتْ المخلوقات لأمْره وقدرته، وسبحان مَن يقول للشيء كُن فيكون). الآية 70: ﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا ﴾ أي أرادوا بإبراهيم الهلاك ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ (حيث أبطل اللهُ كَيدهم، ولم يصيبوه شيء). الآية 71: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا ﴾: أي نَجَّينا إبراهيم ولوطًا من "العراق" (التي كان يسكنها أولئك الكفار)، وأخرجناهما ﴿ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ وهي أرض "الشام"التي بارك الله فيها بكثرة الأشجار والأنهار والثمار، كما بارك فيها بكثرة الأنبياء، (فأقام إبراهيم في "فلسطين"، وأقام لوط في قرية "سَدُوم"). الآية 72، والآية 73: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ ﴾ أي وَهَبنا لإبراهيم ولده ﴿ إِسْحَاقَ ﴾ ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾: أي ووَهَبنا له حفيدهيعقوب زيادةً على طلبه (إذ طَلَبَ ولداً فأعطاه اللهُ إسحاق، وزاده ولداً مِن إسحاق)، ﴿ وَكُلًّا ﴾ مِن إبراهيم وإسحاق ويعقوب ﴿ جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾ أي جعلهم الله صالحين(مؤدين لحقوق الله تعالى وحقوق الناس)، ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ﴾: أي جعلناهم قدوة للناس ﴿ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ أي يدعون الناس إلى توحيد الله وطاعته (وذلك بأمْره تعالى وتكليفه لهم)، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ﴾ أي أوحينا إليهم أن يفعلوا الخيرات (وهو كل أمْرٍ نافع يحبه الله تعالى ويَرضاه)، ﴿ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ ﴾ يعني أمرناهم بأداء الصلاة في أوقاتها (بخشوعٍ واطمئنان) ﴿ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ﴾ لمن يَستحقها، ﴿ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾: أي كانوا مطيعين لله وحده،منقادين له لا لغيره. الآية 74، والآية 75: ﴿ وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ أي أعطيناه النُبُوَّة والحُكم بين المتخاصمين، والعِلم بأحكام الدين ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ﴾ أي التي كان يعمل أهلها الفواحش، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾ أي كانوا قوماً خارجين عن طاعة الله تعالى، ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ ﴾ أي أدخلنا لوطاً ﴿ فِي رَحْمَتِنَا ﴾ الخاصة بعبادنا المؤمنين، والسبب في ذلك: ﴿ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ أي كان من الذين يعملون بأمر الله وطاعته، فاستحق الدخول في تلك الرحمة. الآية 76، والآية 77: ﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ ﴾ أي: واذكر أيها الرسول نوحاً حين نادانا - مِن قبل إبراهيم ولوط - فدعانا بأن ننصره على القوم الكافرين ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ دعائه ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ المؤمنين ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ وهو الغرق، ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾ فلم يُصيبوه بسُوء، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ ﴾ أي كانواأهْلَ قُبْح ﴿ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ بالطوفان. الآية 78، والآية 79، والآية 80: ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ أي: واذكر أيها الرسول خبر داود وابنه سليمان ﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ﴾: أي حين كانا يَحكمان في قضيةالزرع التي عرَضَها خَصمان متنازعان ﴿ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ﴾: أي حين انتشرت غنم أحدهما في زرع الآخر ليلاً فأتلفتالزرع، فحَكَمَ داود بأن تكون الغنم ملْكًا لصاحب الزرع عِوَضاً عَمّا أتلفته، ﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ أي لم يَخْفَ علينا شيءٌ مِن حُكمهم في هذه القضية، ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ﴾: أي فَهَّمنا سليمان مُراعاة مصلحة الطرفين مع العدل، فحَكَمَ على صاحب الغنمبإصلاح الزرع التالف، وفي نفس الفترة يستفيد صاحب الزرع بمنافع الغنم مِن لبنٍوصوف، ثم بعد أن يَتِمّ إصلاح الزرع: تعود الغنم إلى صاحبها والزرع إلى صاحبه. ♦ وحتى لا يظن أحد أن داود عليه السلام كان أقل مِن ولده سليمان في العلم والحُكم، قال تعالى بعدها: ﴿ وَكُلًّا ﴾ - مِن داود وسليمان - ﴿ آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ أي أعطيناهما النُبُوَّة والحُكم بين المتخاصمين والعلم بأحكام الدين، ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ ﴾ أي تُسَبِّح معه إذا سبَّح اللهَ تعالى، ﴿ وَالطَّيْرَ ﴾ أيضاً تُسَبِّح معه،﴿ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ أي قادرينَ على فِعل ما هو أعجب مِن تسخير الجبال والطير ليُسَبِّحوا مع داود ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ﴾ أي عَلَّمه الله صناعة الدروع التي يلبسها المقاتل في الحرب ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ﴾: أي لتحمي المحاربين أثناء المعركة، فلا يؤثر فيهم السلاح، ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ لهذه النعمة التي أجراها الله على يد داود واختصه بها؟، (والغرض من هذا الاستفهام: الأمر، أي فاشكروا اللهَ تعالى على هذه النعمة)، (وفي هذا دليل على جوب شُكر الله تعالى على كل نعمة تُستَجَدّ للعبد). الآية 81: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً ﴾: أي سخَّرنا لسليمان الريح السريعة، لتَحمله ومَن معه من الجنود، فكانت ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ وهي أرض "بيت المقدس" بـ "الشام" التي بارك الله فيها بالخيرات وبكثرة الأنبياء، (فكان عليه السلام يَخرج أول النهار غازياً، ثم تعود به الريح في آخر النهار تَحمل بساطه - الذي هو كأكبر سفينة حربية اليوم - إلى أرض الشام التي كانت مَقَرُّه ﴿ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾ (ومِن ذلك عِلمنا بما فيه مصلحة سليمان). الآية 82: ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ﴾ يعني: وسخَّرنا لسليمان بعض الشياطين، ليستخدمهم فيما يَعْجز عنه غيرهم،فكانوا يغوصون في أعماق البحر ليَستخرجوا له اللآلئ والجواهر، ﴿ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ ﴾ أي: وكانوا يعملون له أعمالاً أقل تعباً من الغوص (كالبناء وصناعة التماثيل والمحاريب وغير ذلك مِمّا أراده منهم)، ﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ أي مَنعهم الله أن يَعصوا أمْره، وكذلك حَفظَ أعمالهم حتى لا يفسدوها، (فقد رُوِيَ أنهم كانوا يريدون أن يُفسدوا ما عملوه - مَكْراً منهم وخِداعاً - حتى لا ينتفع به سليمان عليه السلام، فحَفظه الله مِن ذلك)، واللهُ أعلم. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة الأنبياء • الآية 83، والآية 84: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ أي اذكر أيها الرسول - في هذا القرآن - خبر أيوب عليه السلام، حينَ ابتليناه بمرضٍ عظيم في جسده، وفَقَدَماله وولده، فصبر واحتسب الأجر عند الله تعالى، ونادى ربه - داعياً متضرعاً -: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ أي قد أصابني الضر، ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أي أرحم بي مِن أبي وأمي ومِن كل راحم، فاكشف هذا الضر عني، ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ دعاءه ونداءه، ﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ ورفعنا عنه البلاء، ﴿وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ﴾ أي: رزقناه أولاداً بعدد ما فَقَد (وزِدناه مِثلهم)، وكذلك أعطيناه مالاً كثيراً، (فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أنزل عليه جَرَاداً مِن ذهب) (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 2863). ♦ وقد فَعَلْنا ذلك ﴿رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ بأيوب - بسبب صبره-﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ يعني: وليكون قدوة للعابدين إذا أصابهم البلاء، فيَصبروا مِثله، ويَحتسبوا الأجر عند ربهم، ليُجازيهم بأحسن الجزاء في جنات النعيم، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). • الآية 85، والآية 86:﴿وَ﴾ اذكر في القرآن ﴿إِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ﴾ ﴿كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ أي كل هؤلاء الأنبياء كانوا من الصابرين على طاعة الله تعالى، وعن معاصيه، وعلى أقداره، فبذلك استحقوا الثناء الجميل في القرآن الكريم، ﴿وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا﴾ بأنْ جعلناهم أنبياء، والسبب في ذلك: ﴿إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾: يعني إنهم كانوا مِمَّن صلح باطنهم وظاهرهم، فأطاعوا أمْر ربهم واجتنبوا نَهْيه. • الآية 87، والآية 88:﴿وَذَا النُّونِ﴾ أي: واذكر - أيها الرسول - قصة صاحب الحوت، وهو يونس عليه السلام، ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ أي حين أرسله الله إلى قومهفدَعاهم فلم يؤمنوا، فتوعَّدهم بعذاب الله فلم يتوبوا، ولم يَصبر عليهم كما أمَرَهالله، وخَرَجَ مِن بينهم غاضبًا عليهم، مُغضِباً لربه، ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي ظَنّ أن الله لنيُضَيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضِيق والحبس، والتقمهالحوت في البحر ﴿فَنَادَى﴾ ربه ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾ أي في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ﴾ أي لا معبودَ بحقٍ إلا أنت ﴿سُبْحَانَكَ﴾ يعني حاشاكَ أن تظلم، فإنّ هذا البلاء أستحقه بمعصيتي﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. ♦ واعلم أنّ هذا الذِكر كانَ غرضه الدعاء (وإن لم يُصَرِّح يونس عليه السلام بالطلب)، فقد اعترف بذنبه، وأثنى على ربه، وتوسَّل إليه بتوحيده، فكأنه قال بعد هذا الذِكر: (فنَجِّني يارب مِمّا أنا فيه)، ولذلك قال تعالى بعدها: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ أي استجبنا دعاءه ونداءه، ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾: أي خلَّصناه مِن غَمّ حَبْسه في الظلمات، مع غَمّ نفسه بسبب ذنبه، ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ العاملينَ بشرعنا (إذا تضرعوا إلينا بهذا الدعاء عند شدتهم). • الآية 89، والآية 90:﴿وَ﴾ اذكر خبر ﴿زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ ليرزقه الذرية، فقال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا﴾: أي لا تتركني وحيدًا، لا وارثَ لي يقوم بأمرالدين مِن بعدي، ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ يعني: وأنت خير مَن يَبقى ويَرث، ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ دعاءه ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى﴾ - رغم كِبَر سِنّه - ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾: أي جعلنا زوجته صالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عقيماً، ﴿إِنَّهُمْ﴾أي زكريا ويحيى ووالدته ﴿كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي﴾ فِعل ﴿الْخَيْرَاتِ﴾ - وهي كل عمل يُرضي اللهَ تعالى - ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾: أي كانوا يدعوننا راغبينَ فيما عندنا من النعيم، وخائفينَ مِمّا عندنا من العذاب، ﴿وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ أي خاضعينَ متواضعين، مُتذللين للهِ في عبادتهم. ♦ واعلم أنّ الخُشوع هو الذل والخوف من اللهِ تبارك وتعالى، فالخاشعون ذليلون مِن كَثرة النِعَم، وذليلون أيضاً من كثرة الذنوب، وهم الخائفون من المَلِك الجبار الذي سَيَحكم عليهم بجنة أو بنار. • الآية 91، و الآية 92، والآية 93:﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ أي: واذكر - أيها الرسول - خبر مريم ابنة عِمران التي حَفظت فَرْجها من الحرام، ولمتفعل فاحشةً في حياتها، ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ (والمقصود بالروح هنا هو جبريل عليه السلام، الذي قال اللهُ عنه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾، وقال عنه: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾، فقد أرسل الله جبريل إلى مريم، فنَفخ في جَيْب ثيابها - وهو المكان الذي عند الرقبة - فوصلتْ النفخة إلىرَحِمِها، فخلق اللهُ بتلك النفخة عيسى عليهالسلام، فحملتْ به من غير زوج، ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ أي فكانت هي وابنها آيةً يَستدل بها الناس على قدرة الله تعالى. ♦ وقال الله تعالى للناس: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ يعني: إنّ هؤلاء الأنبياء جميعًا هم أئمتكم، إذ دينهم واحد، وهو الإسلام (الذي هو الاستسلام والانقياد والخضوع لأوامر الله تعالى، وعبادته وحده بما شَرَع) ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ﴾ أي خالقكم ورازقكم ومُدَبّر أمْركم، فلذلك لا يَستحق العبادة غيري ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ أي اعبدوني أيها الناس ولا تشركوا بي أحداً مِن خَلقي، ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ أي: ولكنّ الناس اختلفوا بعد هؤلاء الأنبياء، وجعلوا دينهم مَذاهب تُعادي بعضها بعضاً، وأصبحوا فِرقاً وأحزاباً، وعبدوا المخلوقات والأهواء، و ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾: أي كلهم راجعونَ إلينا ومُحاسَبونَ على أفعالهم، (ومِن ذلك تقطيعهم للإسلام إلى مِلَل مختلفة، كاليهودية والنصرانية وغيرهما). • الآية 94: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ - بإخلاصٍ لله تعالى وعلى النحو الذي شرعه - ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ بالله ورُسُله، وبما أخبرت به الرُسُل من الغيب: ﴿فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ أي لا نُكرانَ لعمله، (والمعنى أننا لن نُضيع عمله ولن نُبطله، بل نَجزيه عليه أحسن الجزاء) ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ أي: وسيَجدهذا العمل مُثبَتٌ في كتابه يوم القيامة، لأن الملائكة تكتب أعماله الصالحة بأمر الله لهم، وسيُجزَى بها في جنات النعيم. • الآية 95:﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ يعني: ولقد حَرَّمَ الله على أهل القرى - التي أهلكها بسبب كُفرهم وظُلمهم - فأولئك حَرَّمَ الله عليهم رجوعهم إلى الدنياليتداركوا أعمالهم السيئة بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح، فقد فات أوان ذلك، وليس لهم إلا الحسرة والندم والعذاب والصراخ. • من الآية 96 إلى الآية 100: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾: أي حتى إذا أَذِنَ الله بفتح سد قبيلتَي يأجوج ومأجوج (وهما قبيلتان عظيمتان موجودتان وراء السد الذي بناه ذو القرنين، والذي سيُفتَح عند اقتراب الساعة)، ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ أي: وحينئذٍ سيَخرجون مُسرعين من كل المرتفعات (وهي الجبال الموجودة بالقرب من أراضيهم) ليأكلوا ويُدَمِّروا. ♦ والراجح أنّ كلمة (حَتَّى) - المذكورة في أول الآية - مرتبطة بالآية التي قبلها، لأنّ امتناع رجوع الأمم الهالكة إلى الدنيا لا يزول حتى تقوم القيامة، ثم يُرجَعونَ إلى ربهم للحساب. ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ أي: وحينئذٍ يكون يوم القيامة قد اقترب وظهرت علاماته وأهواله ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: يعني فإذا بأبصار الكفار مفتوحة مِن شدة الفزع، لا تكاد تَطْرِف، وهم يقولون: ﴿يَا وَيْلَنَا﴾ يعني يا هلاكنا ﴿قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ أي كنا غافلين عن الاستعداد لهذا اليوم ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ (فاعترفوا بذنبهم حيث لا ينفعهم الاعتراف). ♦ وقال الله للمشركين:﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ - مِمَن رَضِيَبعبادتكم له - ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ أي حَطَبها الذي تُوقَد به، ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾: يعني أنتم ومعبوداتكم الباطلة داخلونَ في جهنم جميعاً،و﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ﴾ الذين عبدتموهم من دون الله تعالى ﴿آَلِهَةً﴾ تستحق العبادة: ﴿مَا وَرَدُوهَا﴾: أي ما دخلواالنار معكم أيها المشركون، ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي: كُلٌّ من العابدين والمعبودين - الذين رضوا بعبادتهم - خالدون جميعاً في نارجهنم ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ أي لهم في النار آلامٌ شديدة يدل عليها زفيرهم (وهو التنفس والأنين الشديد)، إذ كلما أصاب العذاب أجسادهم، صرخوا من شدة الألم، ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ يعني: وهُمفي النار لا يَسمعون، وذلك مِن فظاعة العذاب الذي يُلهِبُ أجسادهم، ولكثرة الصُراخ وشدة الأصوات (نسأل الله العافية). • من الآية 101 إلى الآية 104:﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾: يعني إن الذين كَتَبَ الله أنهم من أهل الجنة - بسبب إيمانهم وعملهم الصالح -﴿أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾أي مُبعَدون عن النار، فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبًا منها، و﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾: أي لا يَسمعون صوت لهيبها واحتراق الأجساد فيها، فقد سكنوا منازلهم في الجنة﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ﴾ - مِن نَعيمها ولَذّاتها - ﴿خَالِدُونَ﴾،﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾: أي لا يُقلِقهم الهول العظيم يوم القيامة، بل يَخرجون من قبورهم آمنينَ غير خائفين، ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ عند قيامهم مِن قبورهم لتُبَشِّرهم: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ أي هذا يومكم الذيوَعَدَكم الله فيه بالكرامة والسعادة وحُسن الثواب. ♦ ويَتِمّ لهم ذلك الوعد ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ﴾ - وذلك حين تُبَدَّل الأرض بغيرها والسماوات بغيرها - فحينئذٍ يَطوي سبحانه السماوات السبع بيمينه ﴿كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ أي كما تُطْوَىالورقة على ما كُتب فيها لتدخل في المظروف، ونَبعث الخلائق في ذلك اليوم ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ أي على هيئة خَلْقِنا لهم أول مرة (كماولدتهم أمهاتهم)، وقد وَعَدْنا بذلك ﴿وَعْدًا﴾ حقًا، ﴿عَلَيْنَا﴾ الوفاء به، ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ أي نفعل دائمًا ما نَعِدُ به، ولا يتخلف وَعْدنا أبداً. ♦ واعلم أنّ هذه الآيات: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ...﴾ قد نزلتْ رداً على أحد المشركين عندما قال: (إنْ كانَ ما يقوله محمدٌ حقاً بأننا وآلهتنا في جهنم، فإن الملائكة معنا في جهنم لأننا نعبدهم، وعيسى والعُزَير في جهنم لأن اليهود عبدوا العُزَير، والنصارى عبدوا المسيح)، فأخبر تعالى أنّ مَن عَبَدَه الناس وهو غير راضٍ عن عبادتهم له، وكانَ هو يَعبد اللهَ وحده ويتقرب إليه بالطاعات التي شَرَعها، فهو مِمّن كَتَبَ اللهُ لهم الجنة كالمسيح عليه السلام. • الآية 105:﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ أي كَتَبنا في الكتب المُنَزَّلة بعد أن كَتَبنا في اللوح المحفوظ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ﴾ أي أرض الجنة ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (وهم الذين قاموا بما أمَرَهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم عنه). • الآية 106:﴿إِنَّ فِي هَذَا﴾ القرآن ﴿لَبَلَاغًا﴾ أي عِبرة كافية تَبلُغ بمن يَعمل بها إلى الجنة ﴿لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ أي يَعبدون ربهم، بما شَرَعه لهم. • الآية 107:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾ - أيها الرسول - ﴿إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ أي رحمةً لجميع الخَلق، فمَن آمَنَ بك سَعِد ونجا،ومَن لم يؤمن بك خابَ وخَسر، (واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أيضاً رحمةً لكُفار قريش من عذاب الإبادة والاستئصال الذي أصاب المُكَذبين قبلهم، كما قال تعالى له: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)). • الآية 108:﴿قُلْ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ﴾- مِن ربي - ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ﴾ أي مَعبودكم الحق هو ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ وهو اللهُ الأحد الصمد، المستحق وحده للعبادة ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾؟ (والمعنى: فأسلِموا له، وانقادوا لعبادته). • الآية 109، والآية 110، والآية 111:﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾: يعني فإنْ أعرض هؤلاء المشركون عن الإسلام ﴿فَقُلْ﴾ لهم: ﴿آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾: يعني أبلغتكم جميعًا ما أوحاه الله إليَّ، فأنا وأنتم متساوون في العلم والإنذار، ﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ يعني: ولستُ أدري أقَريبٌ ما تُوعدونَ به من العذاب أم مُؤجَّلٌ إلى يوم القيامة، ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه ﴿يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ﴾: أي يَعلم ما تُعلِنونه من أقوالكم (ومِن ذلك طَعْنكم في الإسلام ونَبِيِّه)، ﴿وَيَعْلَمُ﴾ سبحانه ﴿مَا تَكْتُمُونَ﴾ في نفوسكم مِن عداوتي وإرادة المكر بي (وسوف يُعاقبكم على ذلك). ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ﴾ يعني: ولستُ أدري، لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه هو استدراجٌ لكم ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ أي: وحتىتتمتعوا في الدنيا إلى وقت انتهاء آجالكم، لتغتروا بإمهال الله لكم فتزدادوا كفرًا، فيكون ذلك أعظم لعقوبتكم في جهنم، (واعلم أنّ الاستدراج: هوالأخْذ بالتدريج، واستدراجُ اللهِ تعالى لأهل الضلال - الذين يُصِرُّونعلى المعاصي ولا يتوبون منها -: أنهم كلّما جَدَّدُوا للهِ معصيةً، جَدَّدَاللهُ لهم نعمة، حتى يأخذهم بذنوبهم وهم لا يشعرون، كما قال صلى الله عليه وسلم: )إذارأيتَ اللهَ تعالى يعطي العبدَ من الدنيا ما يحب وهو مُقيمٌ على معاصيه: فإنما ذلك منه استدراج) (انظر صحيح الجامع حديث: 561). • الآية 112:﴿قَالَ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي افصل بيننا وبين قومنا المُكَذِّبين بالقضاءالحق (وذلك بنَصري عليهم في الدنيا)، وقال صلى الله عليه وسلم للكفار: ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ﴾ (وذلك لأنهم أنكَروا أن يكون الرحمن اسماً لله تعالى حين قالوا: (وما الرحمن؟))، وهو سبحانه ﴿الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ أي الذي نستعين به على إبطال ما تَصِفونه - أيها الكفار - منالشرك والتكذيب والافتراء على الله ورسوله. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة الحج الآية 1: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾ أي احذروا عقابَ ربكم، فـ ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ ﴾ أي زلزلة الأرض عند مَجيء الساعةِ ﴿ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ لا يُقْدر قَدْره إلا رب العالمين. الآية 2: ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا ﴾ يعني يوم ترون قيام الساعة: ﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ﴾ أي تَنسى رَضيعها بسبب الكرب الذي نزلبها، ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾: أي تُسْقِط الحامل حَمْلها من الرعب، ﴿ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ﴾ أي غابت عقولهم، فيكونواكالسُكارَى من شدة الهول والخوف، ﴿ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ﴾ من الخمر، ﴿ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ أي: ولكنّ أهوال القيامة - كالحَرّ الشديد وشِدّة الرُعب - قدأفقدتهم عقولهم وإدراكهم. الآية 3، والآية 4: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾ أي: ومِن الكفار ﴿ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ ﴾ أي يُجادلون ويُشَكِّكون في قدرة الله على البعث ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ أي جهلاً منهمبحقيقة هذه القدرة، ﴿ وَيَتَّبِعُ ﴾ هؤلاء الكفار ﴿ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾: أي يَتَّبعون كل شيطان متمرد على أوامر الله تعالى، وهذا الشيطان قد ﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ﴾: أي قضى الله على ذلك الشيطان بأنه يُضِل كل مَن اتَّبعه ﴿ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾:أي يَسوقه إلى عذاب جهنم الموقدة. الآية 5: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ﴾ أي في شَكٍّ ﴿ مِنَ الْبَعْثِ ﴾ بعد الموت، فإليكم ما يُزيل شَكَّكم ويَقطع حِيرتكم: ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ﴾: أي فاعلموا أننا قد خلقنا أباكم آدممن تراب، ثم تناسلت ذريته مِن نطفة (وهي ماء الرَجُل)،﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ أي: ثم يَتحول هذا المَنِيّ بقدرة الله إلى عَلَقة (وهي قطعة من الدم الغليظ متعلقة بالرَحِم)، ﴿ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ أي: ثم تتحول هذه العَلَقة بقدرة الله إلى مُضغة (وهي قطعةلحم صغيرة قَدْر التي تُمْضَغ)، فتكون أحياناً مُخَلَّقة (أي تامة الخَلق تنتهي إلىخروح الجنين حيًا)، وأحياناً تكون غير تامة الخَلق (فتَسقط من الرَحِم)، كل ذلك بأمر الله تعالى ومشيئته. ♦ وقد أخبرناكم بهذا ﴿ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ تمام قدرتنا على الخَلق، ولتعلموا أن الذي ابتدأ خَلْقكم بهذه الصورة قادرٌ على إعادتكم بعد الموت، بل إنَّ إعادة الخَلق أهْوَنُ عليه سبحانه (لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة)، ﴿ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ يعني إننا نُبقِي الجنين في الأرحام - المدة التي نشاؤها - إلىوقت ولادته (فمنهم مَن يُولد قبل تسعة أشهر، ومنهم مَن يُولد بعد ذلك)، ﴿ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ ﴾ من بطون أمهاتكم ﴿ طِفْلًا ﴾ أي أطفالا صغارًا ﴿ ثُمَّ ﴾ نُنَمِّيكم ونُرَبِّيكم ﴿ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ﴾ (وهو وقت الشباب والقوة واكتمال العقل)، ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى ﴾ يعني: وبعض الأطفال يموتون قبل الوصول لفترة الشباب،﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ﴾ يعني: وبعضهم يَكبر حتى يَبلغ أردأ العُمر (وهو سِن الهِرَم)، حيثُ يَفقد الإنسان ما كانَ له مِن قوةٍ وعقل ﴿ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾: أي حتى يَصير لا يَعلم شيئًا مِمَّا كانَ يَعلمه (كما كانَ في طفولته)، (واعلم أنّ اللام التي في قوله تعالى: ﴿ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ ﴾ تسمى: (لام العاقبة) أي ليَصير الإنسان إلى هذه الحالة). ♦ ثم ذَكَرَ سبحانه دليلاً آخر على قدرته على الإحياء فقال: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً ﴾ أي يابسةً مَيِّتة لا نباتَ فيها ﴿ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ ﴾ تراها قد ﴿ اهْتَزَّتْ ﴾ أي تحركت وتشققت ليَخرج منها النبات، ﴿ وَرَبَتْ ﴾ أي ارتفعت وزادت لارتوائها بالماء ﴿ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾: أي أخرجتْ من كلنوع من أنواع النبات الحَسَن الذي يَسُرُّ الناظرين. الآية 6، والآية 7: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ذلك المذكور مِن آيات قدرة الله تعالى، فيه دلالة قاطعة ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾ أي الذي يَستحق العبادة وحده ﴿ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ ﴿ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ ﴾ - التي تقوم فيها القيامة - ﴿ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ﴾ أي لا شك في مَجيئها، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ أي يَبعث الموتى مِن قبورهم لحسابهموجزائهم. الآية 8، والآية 9، والآية 10: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾ أي: ومِن الكفار ﴿ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ ﴾ أي يُجادلون في توحيد الله تعالى واختياره لرسوله محمد صلى الله عليهوسلم مِن بينهم، وجِدالهم هذا يكون ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ أي جهلاً منهم بحكمة الله تعالى في اختياره، ﴿ وَلَا هُدًى ﴾ أي: يُجادلون مِن غير وَحْيٍ مِن الله تعالى، ومِن غير عقلٍ رَشيد، ﴿ وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ أي: يُجادلون مِن غير الاستناد إلى كتاب سماوي مُنير (يعني فيهنورٌ يَكشف الظُلُمات، بِبَيَان الحُجَج وكَشْف الحقائق)، فليس لهذا المُجادل حُجَّة عقلية، ولا حُجَّة مكتوبة في كتابٍ سابق، وإنما هي وساوس من الشيطان يُلقيها إليه ليُجادلكم بها. ♦ وهذا المُجادل يكونُ ﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾: أي لاويًا عُنُقه، مُعرِضًا عن الحق في تَكَبُّر، فليس جِداله لطلب الهدى، بل ﴿ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي ليَصُدّ غيره عنالدخول في دين الله تعالى، فلذلك تَوَعَّده الله بأنّ ﴿ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ﴾: أي له ذلٌ ومَهانة في الدنيا بافتضاح أمْره ﴿ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ (في نار جهنم)، ويُقال له وهو يُعَذَّب فيها: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ أي بسبب ما فَعَلتَه من الشرك والمعاصي، وليس بظلمٍ مِن اللهِ تعالى، لأنّ اللهَ هو الحَكَمُ العدل ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ (فلايَظلمسبحانه أحدًا مِن خَلْقه مِثقال ذرة، وذلك لغِناه وكمال قدرته). الآية 11، والآية 12، والآية 13: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾ أي يَدخل في الإسلام على ضَعفٍ وشكٍّ، فيَعبد اللهَ على تردد، ويَربط إيمانه بدُنياه: ﴿ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ﴾ يعني: فإنْ عاشَفي صحةٍ وسَعَة رِزق: استمَرّ على عبادته، ﴿ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ﴾ يعني: وإنْ حصل له ابتلاءٌ وشِدّة: رَجَعَ عن دينه وتوبته، وبذلك يكون قد ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا ﴾ إذ لا يستطيع أن يُغيِّر ما قُدِّر له فيها، ﴿ وَالْآَخِرَةَ ﴾ خَسِرَها أيضاً بدخوله النار، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ أي ذلك هو الخُسران الواضح. ♦ وذلك الخاسر ﴿ يَدْعُو ﴾ أي يَعبد ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ ﴾ إذا تَرَكَ عبادته ﴿ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ﴾ إذا عَبَده، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ عن الحق، وتراهُ ﴿ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ﴾: أي يَدعو مَن ضَرَرُه يوم القيامة أقرب إليهمِن نَفْعه (لأنه سيَدخل النار بسبب عبادته له، ولن يَدفع عنه شيئًا من العذاب، بعدَ أنْ ظَنّ أنه سيَشفع له عند ربه)، ﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾: أي قَبُحَ ذلك المعبود العاجز الذي اتخذوه نصيرًا مِن دون الله تعالى، ﴿ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾ أي: وقَبُحَ ذلك المُعاشِر والصاحب المُلازم، الذي يَضُرّ مَن التزمه وعَكَفَ على عبادته. الآية 14: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي آمَنوا بالله ورسوله وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ وهي الفرائض والنوافل وأفعال الخير (فأدَّوْها بإخلاصٍ لله تعالى وعلى النحو الذي شَرَعه)، أولئك يُدخلهم اللهُ ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ (ومِن ذلك ثواب أهل طاعته، وعقاب أهل معصيته). الآية 15: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ ﴾ يعني: مَن كان يعتقد أنّ الله لن يَنصر رسوله محمدًا ﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾ (بإظهار دينه والنصر على أعدائه)، ﴿ وَ ﴾ في ﴿ الْآَخِرَةِ ﴾ (بإعلاء درجته وعذابِ مَن كَذَّبه): ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ﴾: أي فلْيَمدُدْ بحبلٍ إلى سقف بيته (لأنّ العَرَب كانت تُسَمِّي كل ما يَعلُوها: سماء)، ﴿ ثُمَّ لِيَقْطَعْ ﴾ ذلك الحبل بعد أن يَخنق به نفسه، ﴿ فَلْيَنْظُرْ ﴾ أى فليَتفكر: ﴿ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ﴾؟ يعني هل ذلك الفِعل سوف يُذهِب ما في نفسه من الغيظ على النبي محمد؟ (والجواب: لا)، فإن الله تعالى ناصرٌ رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم لا مَحالة، (ولعل اللهَ تعالى قد وَصَفَ هذا الفِعل بالكيد، على سبيل الاستهزاء بهذا الكافر، لأنه لم يَكِد به إلا نفسه، واللهُ أعلم). ♦ وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ ﴾ أي فليَصعد بحبلٍ إلى السماء، حتى يَصِل به إلى الأبواب التي ينزل منها النصر فيَسُدَّها - وذلك على سبيل الفرض والتعجيز - فإنّ هذا لن يَمنع نَصْرَ الله لرسوله محمد. الآية 16: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ يعني: وكما وَضَّح اللهُ لعباده أدلة قدرته على البَعث، فكذلك أنزل هذا القرآن، وجعل آياته واضحة في ألفاظها ومَعانيها، تَحمل الهدى والخير، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي ﴾ بهذه الآيات ﴿ مَنْ يُرِيدُ ﴾ هدايته (وذلك بأن يوفقه سبحانه للتفكر فيها، فيَعرف الحق، فيؤمن به، ويَعمل بما فيه من شرائع وأحكام). الآية 17: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ (وهم المسلمون الذين آمنوا بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم)، ﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا ﴾ (وهم اليهود)، ﴿ وَالصَّابِئِينَ ﴾ (والراجح أنهم قومٌ باقون على فِطرتهم (أي على التوحيد) وليس لهم شَرْعٌ مُعَيّن يَتَّبعونه)، ﴿ وَالنَّصَارَى ﴾ (وهم عَبَدة الصليب)، ﴿ وَالْمَجُوسَ ﴾ (وهمعَبَدَة النار)، ﴿ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ (وهم عَبَدَة الأصنام)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يَحكم بين هؤلاء جميعًا ﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ (فيُدخل المؤمنين الجنة، ويُدخل الكافرين النار)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ (إذ شَهِدَ سبحانه على أعمال عباده في الدنيا، وسيُجازيهم بها في الآخرة). الآية 18: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ يعني ألم تعلم - أيها الرسول - ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ من الملائكة ﴿ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ مِن سائر المخلوقات ﴿ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ ﴾ (كل هؤلاء يسجدون له ويخضعون لأمره) ﴿ وَالدَّوَابُّ ﴾ (وهي جميع الحيوانات) ﴿ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ﴾ وهم المؤمنون الذين يسجدون لله تعالى طاعةً واختيارًا، ﴿ وَكَثِيرٌ ﴾ من الناس ﴿ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾ أي وَجَبَ عليه العذاب المُهين - بسبب جحوده وضلاله - ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ يعني: وأيُّ إنسان يُهِنه الله ويُعَذِّبه، فلا يستطيع أحد أنيُكرمه ويُسعِده ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ فمَن شاء أهانه (بعدله وحكمته)، ومَن شاء أكرمه (بفضله ورحمته)، إذ أفعاله سبحانه تدور بين العدل والفضل والحكمة. ♦ وعلى الرغم مِن أن الشمس والقمر والنجوم تَدخل ضِمن قوله تعالى: ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ إلا إنه سبحانه قد أفرَدَها بالذِكر لشُهرتها، ولأنّ هناك مَن كان يَعبد هذه الكواكب، (وهذا ما يُعرَف بعطف الخاص على العام)، وكذلك الحال في قوله تعالى: ﴿ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ﴾، فإنها معطوفة - عطفاً خاصاً - على قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ فِي الْأَرْض ﴾. [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثاني من سورة الحج من الآية 19 إلى الآية 24: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ ﴾: أي هذان فريقان ﴿ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾: أي اختلفوا في توحيد ربهم (وهم أهل الإيمان وأهل الكفر)، ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بتوحيد ربهم ﴿ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ ﴾: أي يُحيط بهم العذاب في هيئة ثياب مُفَصَّلة من نار، يَلْبَسونهافتَشوي أجسادهم، و﴿ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ أي يُصَبُّ على رؤوسهم الماء الساخن، فيُحدِث ثُقباً في رؤوسهم - بسبب شدة غليانه - ثم يَنزِل مِن خلال هذا الثُقب إلىبطونهم، فـ ﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾: أي يُذِيب أمعاءهم وجلودهم فتَسقط مِن شدة الحرارة، ﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ أي تَضربهمالملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد، و﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ ﴾: أي كلما حاولوا الخروج من النار - لشدةغمِّهم وكَرْبهم - ﴿ أُعِيدُوا فِيهَا ﴾ أي تُجبِرهم ملائكة العذاب على العودة إليها ﴿ وَ ﴾ يقولون لهم - توبيخاً - وهم يُعَذَّبون: ﴿ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾. ♦ وأما أهل التوحيد فقد قال تعالى عنهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ ﴾ أي بساتين عجيبة المنظر ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري أنهار الماء واللبن والعسل والخمر من تحت أشجارها، ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ﴾: أي يَتزيَّنون فيها بأساور من ذهب وأساور من لؤلؤ ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾: أي لباسهم المعتاد في الجنة - رجالاً ونساءً - هو الحرير، ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ يعني: لقد هداهم الله في الدنيا إلى القول الطيب (وهو قول كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وسائر الأذكار المشروعة، وكل كلام طيب)، ﴿ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾: أي كما وفقهم سبحانه إلى الثبات على الإسلام، الذي هوطريق الله الحميد (ومعنى الحميد: أي الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على جميع مخلوقاته، ومعنى أن الإسلام هو طريق الله، أي هو الذي يُوصل إلى رضاه وجَنَّته). الآية 25: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بوحدانية الله تعالى، وكَذَّبوا بما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي: ويَمنعونغيرهم من الدخول في دين الله، ﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ أي: ويَصُدّون الرسول والمؤمنين- في عام "الحُدَيبية" - عن دخول المسجد الحرام ﴿ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً ﴾ أي الذي جعلناه مكان تَعَبُّد لجميع المؤمنين على سواء: ﴿ الْعَاكِفُ فِيهِ ﴾ أي سواء الذي جاء إلى مكة ثم أقام فيها للتعبد في المسجد الحرام، ﴿ وَالْبَادِ ﴾ أي: وكذلك القادم إليه للعبادة ثم خرج منه، (وقد يكون المقصود بالعاكف فيه: أي الساكن بمكة، فهؤلاء يتساوون مع غيرهم في ثواب العبادة في المسجد الحرام). ♦ وهؤلاء الكفار - الذين يَمنعون الناس عن دخوله - لهم عذاب أليمٌ في الآخرة، ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ يعني: ومَن يُرِد المَيْل عن الحق في المسجد الحرام- وذلك بأن يَظلم نفسه (بارتكاب شِرك أو معصية)، أو يَظلم غيره - فهذا ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، (فمُجَرَّد إرادة الظلم في الحَرَم تستوجب العذاب، فكيف بمن أتى فيه أعظم الظلم، وهو الشرك بالله تعالى ومَنْع الناس من زيارته؟!) (وفي هذه الآية وجوب احترام الحَرَم وشدة تعظيمه، والتحذير من إرادة المعاصي فيه أو فِعلها). الآية 26، والآية 27، والآية 28: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ أي اذكر أيها الرسول لكفار قريش - المُنتسبين إلى إبراهيم كَذِباً وباطلاً - حين أنزلنا إبراهيم بمكة وبَيَّنّا له مكان البيت(لأنّ مكانه كان غير معروف)، وأمَرنا إبراهيم ﴿ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ﴾ في عبادتي، ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾ أي طَهِّر المسجد الحرام من الشِرك والنجاسات، (وذلك من أجل الطائفين به) ﴿ وَالْقَائِمِينَ ﴾ عنده - وهم المعتكفين فيه - ﴿ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ (وذلك حتى لا يَتأذّوا بأيّ أذى مادي أو معنوي وهم في بيت ربهم). ♦ فاذكر هذا لقومك الذين نَصَبوا الأصنام والتماثيل حول البيت، وحارَبوا كل مَن يقول لا إله إلا الله، ومنعوك وأصحابك عن المسجد الحرام، فأين ذهبتْ عقولهم عندما يَزعمون أنهم على دين إبراهيم وقد كان مُوَحِّداً وهم مُشركون؟! ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾: أي بَلِّغ الناس يا إبراهيم أنّ الحج واجبٌ عليهم، وأعلِن ذلك لهم بأعلى صوتك، فحينئذٍ (يَأْتُوكَ رِجَالًا) أي مُشاةً على أرجلهم ﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ﴾: أي: وسيأتوك رُكبانًا على كل ضامر من الإبل (وهي الناقة خفيفة اللحم مِن كثرة السَّيْر والأعمال، لامن الضَعف والهُزال)، ﴿ يَأْتِينَ ﴾ أي تأتي هذه النِيَاق وهي تَحمل راكبيها ﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾: أي مِن كل طريق بعيد ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾: أي ليَحضروا منافع لهم (مِن مغفرة ذنوبهم،وثواب حَجِّهم وطاعتهم، واستجابة دعائهم والفوز برضا ربهم، وبالربح في تجاراتهم أثناء الحج، وغير ذلك) ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ يعني: وليذكروا اسمالله على ذَبْح ما يَتقربون به من الإبل والبقر والغنم في أيام مُعَيَّنة، وهياليوم العاشر مِن ذي الحجة وثلاثة أيام بعده -على الراجح - شُكرًا لله على نعمه، ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا ﴾ أي كلوا من هذه الذبائح أيها الحَجيج ﴿ وَأَطْعِمُوا ﴾ منها ﴿ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ (وهو الفقير الذي اشتد فقره). الآية 29: ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ﴾ أي: ثم ليُكمِل الحَجيج ما تَبَقَّى لهم من النُّسُك (وذلك بأن يَتحلُّلوا مِن إحرامهم بحَلق شعر الرأس أو تقصيره)، وكذلك يَقصون أظفارهم ويُزيلون ما تراكم مِن الأوساخ في أجسادهم طوال فترة الإحرام، ﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ﴾ يعني: وعليهم أن يُوفوابما أوجبوه على أنفسهم من الذبائح لله تعالى ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ أي: وليَطوفوا - بعد النحر - طواف الإفاضة بالبيت القديم، الذي أعتقه الله مِن تَسَلُّط الجبارين عليه، وهو الكعبة. الآية 30: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ذلك الذي ذكَرناه مِن إكمال النًسُك والوفاء بالنذور والطواف بالبيت، هو مِمّاأوجبه الله عليكم فعَظِّموه ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ ﴾ يعني: ومَن يَجتنب ما حَرَّم اللهُ انتهاكه: ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ يوم يَلقاه. ♦ ولمَّا ذَكَرَ سبحانه الأنعام في الآيات السابقة، أتْبَعَ ذلك بإبطال ما حَرَّمَه المشركون على أنفسهم منها، فقال: ﴿ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ ﴾ يعني: وقد أحَلَّ الله لكم أَكْلَ الأنعام (من الإبل والبقر والغنم)﴿ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ يعني إلا ما حَرَّمه سبحانه عليكم في القرآن (مِن المَيْتة وغيرها). ♦ ولمَّا حَثَّ سبحانه على تعظيم حُرُماته، أتْبَعَ ذلك بالأمر باجتناب أعظم الحرام (وهو الشِرك)، فقال: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ﴾ أي ابتعِدوا عن القذارة (التي هيالأصنام)، ﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ أي: وابتعِدوا عن الكذب (الذي هو الافتراء على الله تعالى)، كتحليل وتحريم ما لم يَأذن به، وإنساب الولد والشريك إليه. الآية 31: ﴿ حُنَفَاءَ لِلَّهِ ﴾ أي كونوا مُستقيمين لله تعالى (بطاعته وإخلاص العمل له)، وعبادته وحده ﴿ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾ ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ أي فمَثَلُ هذا المُشرك - في بُعْدهعن الهدى، وسقوطه من الإيمان إلى الكفر، وتَخَطُّف الشياطينله من كل جانب - كمثل مَن سقط من السماء ﴿ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ﴾ فتُقَطِّع أعضاءه،﴿ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾: يعني أو تأخذه عاصفة شديدة، فتقذفه في مكان بعيد، لا يُعثَر عليه أبداً. الآية 32، والآية 33: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له، هو مِمّا فرضه الله عليكم وأمَركم به فعَظِّموه ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾ يعني: ومَن يَمتثل أوامر الله تعالى ويُعَظِّم مَعالم دينه (والمقصود بها هنا: اختيار أفضل الذبائح) ﴿ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾: أي فهذا التعظيم يَصدر من أصحاب القلوبالتي تتقي اللهَ وتخشاه، ﴿ لَكُمْ فِيهَا ﴾ أي لكم في هذه الذبائح ﴿ مَنَافِعُ ﴾ تنتفعون بها - من الصوف واللبن والركوب - وغير ذلك من المنافع التي لا تَضُرّها ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ يعني إلى أن يأتي وقت ذَبْحها، ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ يعني: ثم تذهبون بهذه الذبائح إلى مكان ذَبْحها (وهو الحرم كله). الآية 34، والآية 35: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا ﴾ يعني: ولكل جماعةٍ مؤمنة- من الأمم السابقة - جعلنا لها مَناسك مِنَ الذبح يَتقربون بها إلى الله تعالى ﴿ لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ أي ليذكروا اسم الله وحده عند ذبح ما رَزَقهم مِن هذه الأنعام، وذلك بأن يقولوا عند الذبح: (بسم الله والله أكبر)، شُكراً لله على نعمه. ♦ وإن اختلفت الشرائع، فكلها متفقة على أصل واحد، وهو إفراد الله وحده بالعبادة، وتَرْك الشِرك به، فلذلك قال تعالى: ﴿ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ وهو الله الأحد الصمد ﴿ فَلَهُ أَسْلِمُوا ﴾ أي انقادوا لأمْره ظاهراً وباطناً ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ أي المتواضعينَ الخاشعينَ الخاضعينَ لأمر ربهم، فهؤلاء بَشِّرهم أيها الرسول بخيرَي الدنيا والآخرة، وهُم ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي خافت قلوبهم مِن عقابه، وبالتالي خافت أن تعصاه، ﴿ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ﴾ مِن بلاءٍ وشدة، مُحتسبين الأجر عند ربهم في الآخرة، فلا يَجزعون ولا يَتسَخَّطون ولكنهم يقولون: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ﴿ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ ﴾ - في أوقاتها بخشوعٍ واطمئنان - ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ - مِن أنواع المال - ﴿ يُنْفِقُونَ ﴾: أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمُستحَبة، (وكذلك يُنفقون مِمَّارزقهم اللهُ مِن عِلمٍ أو صِحَّةٍ أو سُلطة في خدمة المسلمين، فيُعَلِّمونَالناس، ويَسعونَ في قضاء حوائجهم، وغير ذلك). الآية 36: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾: أي جعلنا لكم ذبْح الإبل مِن شعائر الدين التي تتقربون بها إلى الله أثناء حَجِّكم(وكذلك الحال في البقر والغنم، وإنما خَصّ سبحانه الإبل لأنها أفضل في الهَدي لكثرة لحمها)،﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ أي لكم في هذه الإبل منافع (من الأكل وثواب الصدقة)﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا ﴾ أي اذكروا اسم الله عند ذبحها، واذبحوها وهي ﴿ صَوَافَّ ﴾ أي واقفة على ثلاث منقوائمها (على أن تقَيِّدوا يدها اليسرى)، ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ يعني: فإذا سقطت جنوبها على الأرض مَيِّتة: فقد أُحِلَّ لكم أكْلها﴿ فَكُلُوا مِنْهَا ﴾ ﴿ وَأَطْعِمُوا ﴾ منها ﴿ الْقَانِعَ ﴾ - وهو الفقير الذي لميسأل تعففًا - ﴿ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ وهو الفقير الذي يسأل لحاجته واضطراره، ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾أي: وهكذا سَخَّرَ الله لكم الإبل - في الركوب والحلب والأكل - لتشكروه سبحانه - على هذا التسخير - بطاعته وذِكره. الآية 37: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا ﴾ يعني: لن يأخذ اللهُ شيئاً مِن لحوم هذه الذبائح ولا مِن دمائها (لغِناهُ عن ذلك وعدم حاجته إلى ما يَحتاجه البشر)، ﴿ وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ أي: ولكنه سبحانه يَصعد إليه تقواكم له بامتثال أمْره واجتناب نَهْيه، وأن يكون قصدكم بالذبائح: وَجْه الله وحده، ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ أي لتُكَبِّروه سبحانه عند الذبح وبعد الصلوات الخمس في أيام التشريق (شكراً له على هدايته لكم)، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (وهم الذين يُحسنون عبادتهم لربهم، ويُراقبونه في كل أحوالهم، وكذلك يُحسنون معاملة خَلقه)، فهؤلاء بَشِّرهم أيها الرسول بكل خيرٍ وفلاح في الدنيا والآخرة، (واعلم أن الإحسانُ قد قال عنهالنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مُسلِم -: "أنْ تعبُدَ اللهَ كأنك تراه،فإنْ لم تكن تراهُ، فإنه يَراك"). [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثالث من سورة الحج • الآية 38، والآية 39، والآية 40، والآية 41: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي يَدفع سبحانه عنهم اعتداء الكفار وكيد الأشرار، فقد ثَبَتَ في قراءةٍ أخرى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ ﴾ أي كثير الخيانة لأمانته وعهوده، ﴿ كَفُورٍ ﴾ أي جَحودٌ بتوحيد ربه، وجحودٌ لنعمه عليه. ♦ وقد كان المسلمون في أول الأمر ممنوعين من قتال الكفار، مأمورين بالصبر علىأذاهم، فلمَّا اشتد إيذاء المشركين لهم، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وأصبح للإسلام قوة: أَذِنَ الله للمسلمين في القتال؛بسبب الظلم الذي وقع عليهم في أنفسهم وأموالهم وديارهم، كما قال تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ (ولذلك أَذِنَ الله لهم في القتال)، ثم طمأنهم سبحانه بقوله:﴿ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ أي قادرٌ على نَصرهم وإذلالعدوِّهم. ♦ ثم أخبر سبحانه عن سبب نَصْره لهؤلاء المهاجرين فقال: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾: أي أخرجهم الكفار ظلمًا من ديارهم، مع أنهم لم يفعلوا شيئًا ﴿ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾: يعني إلا إنهم أسلموا وقالوا: (ربنا الله وحده، ولن نُشرك به شيئًا في عبادته)، ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾ يعني ولولا ما شَرَعه الله مِن دَفْع الظلم والباطل بالقتال: لَهُزِمَالحقُّ في كل أُمَّة، ولَخُرِّبَت الأرض، و﴿ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ﴾ وهي مَعابد الرُهبان ﴿ وَبِيَعٌ ﴾ وهي كنائس النصارى ﴿ وَصَلَوَاتٌ ﴾ وهي مَعابد اليهود (باللغة العِبرية)، ﴿ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ أي: وكذلك ستتهدم مساجد المسلمين التي يَذكرون الله فيها كثيرًا، (وفي الآية دليل على أنه لا يَجوز لنا هَدْم مَعابد اليهود والنصارى)، ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ يعني: ومَن اجتهد في نُصرة دين الله وعباده المؤمنين، فإنّ الله ناصرهعلى عَدُوِّه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ ﴾ لا يَغلَبه أحد، ﴿ عَزِيزٌ ﴾ لا يَمنعه شيءٌ مِمّا يريد. ♦ وهؤلاء - الذين وعدناهم بنصرنا - هم ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي الذين إذا مَكَنَّا لهم في البلاد ونصرناهم على عدوهم: ﴿ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ أي أدَّوها في أوقاتها (بشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها)، ﴿ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ ﴾ أي أخرَجوا زكاةأموالهم إلى مُستحقيها، ﴿ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ﴾ وهو كل ما أمَرَ الله به مِن حقوقه وحقوق عباده، (وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة)، ﴿ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ (وهو كل ما نَهَى الله عنه ورسوله، بشرط ألاَّ يَتسبب النَهي عن المُنكَر في حدوث مُنكَر أكبر منه)، ﴿ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ أي: وللهِ وحده يَرجع مَصير الخلائق يوم القيامة، فيُجازي كُلاًّ بما عمل، (إذاً فاتقوا اللهَ تعالى وراقِبوه في السر والعَلَن، وتوبوا إليه، وتوكلوا عليه، فإنّ الأمر كله في يديه). • الآية 42، والآية 43، والآية 44: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ ﴾ يعني: وإذا كَذَّبك قومك - أيها الرسول - فلا تحزن ﴿ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ ﴾ ﴿ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ﴾ ﴿ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ﴾ (وهم الذين كَذَّبوا شُعَيبًا عليه السلام)، ﴿ وَكُذِّبَ مُوسَى ﴾ (أي كَذَّبفرعون وقومه موسى عليه السلام)، فهؤلاء الأقوام قد كَذَّبوا رُسُلهم، ولكنّ رُسُلهم صبروا على تكذيبهم وإيذائهم ﴿ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ﴾ يعني: فلم أُعاجِل هؤلاء الكافرين بالعقوبة، بل أمْهلتهم ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ﴾ بالعذاب، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ أي: فكيف كان إنكاري على كُفرهم وتكذيبهم؟ (والاستفهام للتقرير) أي كان إنكاري عليهم عظيمًا بالعذاب والهلاك، (وفي الآية تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاهُ من أنواع التكذيب والعِناد والجحود مِن قومه). • الآية 45: ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ يعني: ولقد أهلكنا كثيرًا من القرى الظالمة الكافرة ﴿ (فَهِيَ خَاوِيَةٌ ﴾؛ أي: فأصبحت فارغة مِنسُكَّانها، وقد تَهدَّمَتْ مَبانِيها،وسقطتْ حِيطانُها وجُدرانها ﴿ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ أي على سُقوفِ بيوتِها، ﴿ وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ﴾ يعني: وكم مِن بئرٍ كانوا يَشربون منها فهي الآن مُعطَّلة لا يُستخرَج منها الماء، ﴿ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴾ أي: وكم مِن قصرٍ مرتفع ماتَ أهله وتركوه مُعَطّلاً مثل البئر. • الآية 46: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا ﴾ - أي هؤلاء المُكذبون من قريش - ألم يَمشوا ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ ليُشاهدوا آثار المُهلَكين قبلهم ﴿ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾: أي فيَتفكروابعقولهم ليَعتبروا بما حدث لهم؟! ﴿ أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾: يعني أو يَسمعوا أخبارهم سماعَ تدبُّر ليَتعظوا؟!، ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ﴾ يعني: فإنّ العَمَى المُهْلِك ليس عَمَىالبصر، ﴿ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ أي: ولكنّ العَمَى المُهْلِك هو عَمَى البصيرة القلبية عن إدراك الحق والاعتبار، (والمعنى أن الخلل ليس في أبصارهم ولكنّ الخلل في قلوبهم التي أعماها الهوى، وأفسدتها الشهوة والتقليد لأهل الجهل والضَلال، ومِن هنا كان على العبد أن يُحافظ على قلبه مِن مُفسِدات القلوب أكثر من مُحافظته على عينيه). • الآية 47: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ﴾: أي يَستعجلك كفار قريش بالعذاب الذي أنذرتَهم به، ﴿ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ (إذ لا بدَّ منوقوع العذاب، وقد عجَّل لهم بعض العذاب في الدنيا في يوم بدر)، ثم أخبَرَهم سبحانه أنّ الزمن الطويل عندهم هو قصيرٌ عند الله تعالى، فقال: ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ ﴾ أي مِن مُدَّة إمهاله لهم ﴿ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ أي مِن سنوات الدنيا. • الآية 48: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ يعني: وكثير من القرى كانت ظالمة (بسبب إصرار أهلها على الكفر)، فأمْهلتهم ولم أعاجلهمبالعقوبة، فاغترّوا بحِلم الله لهم، ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهَا ﴾ بعذابي في الدنيا، ﴿ وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ يعني: وإليَّ مَرجعهم بعد هلاكهم،فأُعَذّبهم بما يَستحقون، (إذًا فلا مَعنى لاستعجال هؤلاء المشركين بالعذاب، فإنهم إنْ لم يُعَذَّبوا في الدنيا، فإنّ مَصيرهم إلى الله تعالى، وسوف يُجازيهم بما كانوا يعملون). • الآية 49، والآية 50، والآية 51: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ ﴾ مِن عذاب اللهِ تعالى لأُخَوّفكم من عقوبة الشرك والمعاصي، ﴿ مُبِينٌ ﴾ أي أُوَضِّح لكمما أُرْسِلتُ به إليكم، ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ وتركوا الشرك والمعاصي ﴿ (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم (إذ يَسترها الله عليهم، ولا يُعاقبهم عليها في الآخرة)،﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ أي: ولهم رِزقٌ حَسَن لا ينقطع وهو الجنة، ﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا ﴾ يعني: وأما الذين اجتهدوا في إبعاد الناس عن الإيمان بآياتنا ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ أي ظانّين أنهم يُعجزوننا، وأننا لن نَقدر على أخْذهم بالعذاب: ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾: يعني أولئك هم أهل النار المُوقدة، إذ يَدخلونها ولا يَخرجونَ منهاأبدًا. • الآية 52، والآية 53، والآية 54: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى ﴾ أي قرأ كتاب الله تعالى لقومه، فإذا قرأه: ﴿ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾: أي ألقى الشيطانُ الوساوسَ والشُكوك للناس أثناء قراءة النبي؛ وذلك ليَصدَّهم عن اتِّباع ما يَقرؤه ﴿ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ﴾ أي لكنّ الله يُبطل كيد الشيطان ويُزيل وساوسه ﴿ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ ﴾ أي يُثبِت آياته الواضحات، فلا تقبل الزيادة ولا النقصان، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بكل شيء (ومِن ذلك عِلمُه بوساوس الشيطان)، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في كل أفعاله (وهذه سُنَّتِه في أنبيائه ورُسُله، ليَتميّز المؤمنون مِن غيرهم). ♦ وقد كان هذا الفِعل مِنَ الشيطان ﴿ لِيَجْعَلَ ﴾ اللهُ ﴿ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ﴾ من الوساوس والشكوك ﴿ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ أي في قلوبهم شكونفاق (وهم المنافقين وضِعاف الإيمان) ﴿ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ (وهم المشركين الذين لا تؤثِّرُ فيهم المواعظ)، (واعلم أنّ الفتنة المذكورة في قوله تعالى: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً ﴾ هي الزيادة في الكفر والضلال والبعد عن الحق)، ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ ﴾ جميعاً ﴿ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ أي في عداوة شديدة لله ورسوله، ومُخالَفة بعيدة عن الحق والصواب. ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: ولكي يَعلم أهل العلم - الذين يُفَرِّقون بعِلمهم بين الحق والباطل - أن القرآن الكريم هوالحق النازل من عند الله تعالى، لا شك فيه، ولا سبيلَ للشيطانإليه، ﴿ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾: أي فيزداد إيمانهم بالقرآن، وتخشع له قلوبهم وتطمئن، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ أي سوف يُوَفِّقهم سبحانه إلى الثبات على الإسلام، ليُنقذهم به من النار، (وذلك بحمايتهم من الشيطان، وإعانتهم على طاعة الرحمن). • الآية 55، والآية 56، والآية 57: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ﴾ أي لا يَزالون في شَكٍّ من القرآن، ويَظَلُّونَ على ذلك ﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾: أي حتى تأتيهمالقيامة فجأةً، وهُم على تكذيبهم، ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾ أي عذابُ يومٍ لا خيرَ فيه، وهو يوم بدر - على الراجح - حينَ هَزَمهم المسلمون وقتلوا زعماءهم، وأسَرُوا كثيرًا منهم. ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يومالقيامة ﴿ لِلَّهِ ﴾ وحده ﴿ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يَقضي بين المؤمنينوالكافرين: ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ يُدخِلهم سبحانه ﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾) الواضحة: ﴿ فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ أي لهم عذابٌ يُذِلُّهم ويُهِينهم في جهنم (فهو عذابٌ للجسد والنفس معًا) (نسأل الله العافية). • الآية 58، والآية 59: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي خَرَجوا من ديارهم طلبًا لرضا ربهم ونُصرة دينه ﴿ ثُمَّ قُتِلُوا ﴾ أي قتلهم المشركون، ﴿ أَوْ مَاتُوا ﴾ مَوتةً (طبيعية) بانتهاء آجالهم أثناء الهجرة: ﴿ لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ﴾ (إذ تكون أرواحهم بعد موتهم في أجواف طيرٍ خُضر تأكل من الجنة حيث شاءت)، (﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾) أي هو سبحانه خير مَن أعطى، و﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ ﴾ يوم القيامة ﴿ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ﴾ وهو الجنة، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ ﴾ بمَن يَخرجفي سبيله، ومَن يَخرج طلبًا للدنيا، ﴿ حَلِيمٌ ﴾ بمن عصاه، فلا يعاجله بالعقوبة. • الآية 60: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ذلك الذي قصصناه عليك، ﴿ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ﴾ يعني: ومَن اعتُدِيَ عليه وظُلِم،فقد أُذِن له أن يَرُدَّ الاعتداء بمِثله، ﴿ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ﴾ يعني: فإذا عاد المعتدي إلىإيذاء المظلوم: ﴿ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ ﴾ أي فإنّ الله سيَنصر المظلوم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ أي يعفو عن الذين يعفون عن الناس، ويَغفر ذنوبهم (وفي هذا إشارة إلى ترغيب المؤمن في العفو عن أخيه إذا ظَلَمه، فإنّ العفو خيرٌ له من المُعاقَبة، وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾. • الآية 61: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ذلك النصر على المظلوم كائنٌ لا مَحالة ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ ﴾ أي بسبب أنّ اللهَ قادرٌ على ما يشاء، ومِنقدرته أنه ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾ أي يُدخِل ما يَنقص من ساعات الليل في ساعات النهار، ﴿ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ أي يُدخِل ما نَقَصَ منساعات النهار في ساعات الليل، فيَطولُ هذا ويَقصُر ذاك، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لكل صوت، ﴿ بَصِيرٌ ﴾ بكل فِعل، لا يَخفىعليه شيء، (فلذلك يَنصر سبحانه مَن يَعلم أنه يَستحق النصر). • الآية 62: ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ذلك المذكور مِن آيات قدرة الله تعالى، لتُوقِنوا ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾ أي الذي يَستحق العبادة وحده ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾ يعني: ولتُوقِنوا بأنّ ما يَعبدهالمشركون من دون الله تعالى هو الباطل الذي لا يَنفع ولا يضرُّ ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾ بذاتِهِ وقهرهعلى جميع مخلوقاتِه، ﴿ الْكَبِيرُ ﴾ في ذاته وصفاته (فهو أكبر وأعظم من كلِّ شيء). [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير"؛ لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة الحج الآية 63، والآية 64: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾ أي تُصبح خَضراء بمايَنبُت فيها من النبات بسبب هذا المطر؟ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ ﴾ بعباده (حيثُ أخرج لهم هذا النبات المتنوع، الذي يأكلون منه هموأنعامهم)، ﴿ خَبِيرٌ ﴾ بمصالحهم ومنافعهم، وهو سبحانه الذي ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ خَلْقًا ومُلْكًاوتدبيرًا وإحاطة، فالكلّ مُحتاجٌإلى تدبيره وإنعامه، (وكُلُّ ما تعبدونه مع الله: هو مِلكٌ لله تعالى فقيرٌ إليه)، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ ﴾ الذي لا يَحتاج إلى شيء ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ أي الذي يَستحق الحمد والثناء في كلحال. الآية 65: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ﴾ (كالبهائم والزروع وغير ذلك، لرُكوبكم وطعامكم وجميع مَنافعكم)؟ ﴿ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ﴾ أي: وسَخَّرَ لكم السفن لتجري فيالبحر بقدرته، وبأمْرِهِ للبحر أن يَحملها رغم ثِقَلها، لتَحملكم مع أمتعتكم إلى حيث تشاؤون من البلاد والأماكن، ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ أي: وهو سبحانه الذي يُمسك السماء حتى لا تقع على الأرض - فيَهلك مَن عليها - إلاإذا أَذِنَ سبحانه لها بذلك، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ حيثُ رَحِمهم بتسخير هذه الأشياءلهم، (إذاً فليعبدوه وحده ولا يُشركوا به). الآية 66: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ﴾ أيها الناس (بأنْ أَوْجدكم من العدم)، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ عند انتهاءأعماركم، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ بعد الموت ليُحاسبكم على أعمالكم، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ ﴾ أي جَحودٌ بآيات ربه الدالة على قدرته ووحدانيته، جحودٌ بنعمه عليه. الآية 67، والآية 68، والآية 69، والآية 70: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ ﴾ من الأمم الماضية ﴿ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾ أي جعلنا لهم عباداتٍ أمرناهم بها فعملوا بها، فلما جاءت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وقامت الأدلة والبراهين على صحتها، وَجَبَ على الجميع أن يَتلقوا ما جاء به بالقبول والتسليم وترْك الاعتراض، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ﴾: أي لا تَتجادل مع مُشركي قريش - أيها الرسول - في شريعتك وما أمَرَك الله به منالذبائح والعبادات، (وذلك لأن المشركين جادلوه في ذبائح الهَدْي أيام التشريق، واعترضوا على تحريم المَيْتة، فأمَره الله تعالى أن يُعرض عن جدالهم لجَهْلهم)، وقال له: ﴿ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ﴾ أي ادعُ إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له واتِّباعأمْره، ﴿ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ﴾ يعني إنك على دينٍ قويم لا اعوجاجَ فيه، ﴿ وَإِنْ جَادَلُوكَ ﴾ يعني: وإن أصرُّوا على مجادلتك بالباطل: ﴿ فَقُلِ ﴾ لهم: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ أي: هو سبحانه عليمٌ بأفعالكم ونِيّاتكم، ومُجازيكم عليها يوم القيامة، (ولا تجادلهم، فإنهم مُعانِدونَ متكبرون). ♦ وقال الله لرسوله: ﴿ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ أي مِن أمْر الدين، فمَن وافَقَ الطريق المستقيم، فهو من أهل النعيم، ومَن ضَلَّ عنه، فهو من أهل الجحيم، ومِن تمام عدله سبحانه، أن يكون حُكمه بعِلم، فلذلك ذَكَرَ إحاطة عِلمه بكل شيء قائلاً لرسوله: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ (ومِن ذلك عِلمه سبحانه بجدالهم لك؟) ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ العلم مُثبَت ﴿ فِي كِتَابٍ ﴾ (وهو اللوح المحفوظ)، ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ أي كتابة العلم وحِفظه والحُكم بين المختلفين ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي سهلٌ عليه سبحانه لأنه على كل شيء قدير، (وفي هذه الآيات إرشادٌ إلى حُسن الرد على مَن جادَلَ جَهلاً وعِناداً واستكبارًا). الآية 71: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾: أي يَعبدون آلهةً لم يُنَزِّل الله بشأنها حُجَّةً تدل علىأنها تستحق العبادة، أو أنها تُقَرِّبهم إليه كما يَزعمون ﴿ وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ في هذا الافتراء إلا الهوى واتِّباع الآباء بغير دليل ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾: أي ليس للمشركين ناصرٌ ينصرهم، أو يَدفع عنهم عذاب الله تعالى في الدنيا ولا في الآخرة. الآية 72: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾: يعني إذا تتلى آيات القرآن الواضحة على هؤلاء المشركين: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ ﴾: أي ترى الكَراهية ظاهرةٌ علىوجوههم، حتى إنهم ﴿ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا ﴾: أي يَكادون يَبطشون بالمؤمنين الذين يَدعونهم إلى الله تعالى، ويَتلون عليهمآياته، ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها الرسول -: ﴿ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ ﴾ يعني: هل أخبركم بما هو أشد كَراهيةً إليكم مِن سَماعالحق ورؤية الداعينَ إليه؟ إنها ﴿ النَّارُ ﴾ التي ﴿ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: أي أعدَّها الله للكافرين في الآخرة ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾. الآية 73، والآية 74: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ ﴾ أي ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً بَيَّنَ فيه عَجْز ما يُعبَد مِن دونه ﴿ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ﴾ أيها الناس وتَدَبّروه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾ يعني لن تَقدر هذه الآلهة المزعومة - ولو اجتمعتْ مع بعضها - على خَلْق ذبابة واحدة، فكيف بخلق ما هوأكبر؟!، ﴿ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا ﴾ يعني: إنْ يأخذ الذباب شيئاً من العِطر أو الطعام الذي يَضعونه لآلهتهم: ﴿ لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ﴾ أي: لا تَقدر هذه الآلهة المزعومة أن تَسترد ما يأخذه الذباب منها، فهل بعد ذلك عَجْز؟!، ﴿ ضَعُفَ الطَّالِبُ ﴾ وهو المعبود من دون الله، (وَالْمَطْلُوبُ) أي: وضَعُفَ المطلوب، وهو الذباب. ♦ وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ أي ضَعُفَ العابد والمعبود (وهُم المشركون وأصنامهم)، واللهُ أعلم. ♦ فهؤلاء المشركون ﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾: أي لم يُعَظِّموا اللهَ حق تعظيمه، إذ جعلوا له شركاء لا تنفع ولا تضر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾: أي هو سبحانه القويالذي خَلَقَ كل شيء وحده، العزيز الذي لا يَمنعه شيءٌ مِمّا أراد (فكيف يكون له شركاء؟!). الآية 75، والآية 76: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي ﴾ أي يَختار ﴿ مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ﴾ ليُبَلِّغوا الأنبياء بالوحي، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾) أي يَختار من الناس رُسُلا لتبليغ رسالاته إلى خَلقه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لأقوال العباد ﴿ بَصِيرٌ ﴾ بنيَّاتهم وأفعالهم، ولذلك يَختار مِنهم مَن يَعلمُ استقامته قولاً وفِعلاً، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾، وهو سبحانه﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾: أي يَعلم ما يُستَقبَل مِن أمْر هؤلاء الرُسُل، وكذلك يَعلم ما مَضى مِن أفعالهم، فلذلك يَختار سبحانه مَن يشاء منهم لرسالاته، (إذاً فكيف يَصِحّ أن يَعترض المشركون على اختيار الله لمحمد صلى الله عليه وسلم؟) ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ أي: وإلى اللهِ وحده يَرجع مَصير الخلائق يوم القيامة، فيُجازي كُلاًّ بما عمل. الآية 77، والآية 78: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾ أي أقيمواصلاتكم، (وإنما خَصّ الركوع والسجود من بين أركان الصلاة لأنهما أشرف أجزائها، وأدَلّ على خضوع العبد لربّه وذُلِّه له)، ﴿ وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ﴾ وحده لا شريك له، وأطيعوا أمْره واجتنبوا نَهْيه (مُعَظِّمينَ له غاية التعظيم، مُتذلِّلينَ إليه غاية الذل، مُحِبِّينَ له غاية الحب)، ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ﴾ (وهو كل أمْرٍ نافع يُحِبُّهُ اللهُ ويَرضاه) ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ يعني: لكي تفوزوا في الدنيا والآخرة، ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ ﴾ أي في سبيل إرضاءه تعالى ﴿ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ أي الجهاد الحق الذي أمَرَكم الله به، وهو جهاد النفس والشيطان، وجهاد الكفار المُعتدين بالنفس والمال (مُخلِصينَ النية لله تعالى) ﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ﴾: أي اختاركم سبحانه لحَمْل هذا الدين وتبليغه إلى جميع الناس، ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾: أي لم يَجعل في شريعتكم تضييقاً ولا تشديداً (كما كان في بعض الأمم قبلكم)، بل وَسَّعَ عليكم في تكاليفها وأحكامها، فجعل التوبة لكل ذنب، وجعل الكفارة لبعض الذنوب، ورَخَّصَ للمسافر والمريض في قصر الصلاة وقضاء الصيام، وجعل التيمم لمن لم يَجد الماء أو عَجَزَ عن استعماله. ♦ فالزموا ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ (وهي عبادة الله وحده لا شريك له)، فـ ﴿ هُوَ ﴾ سبحانه الذي ﴿ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي في الكتب المُنَزَّلة السابقة ﴿ وَفِي هَذَا ﴾ أي: وفي هذا القرآن أيضاً سَمَّاكم المسلمين ﴿ لِيَكُونَ الرَّسُولُ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ ﴾ أي شاهدًا على أنه قد بَلَّغكم رسالةربه، وشاهداً على أنكم قد آمنتم به ﴿ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ أي شهداء على الأمم السابقة أنّ رُسُلهم قد بَلَّغتهم رسالة ربهم (كما أخبركم الله فيكتابه)، ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ بأركانها وشروطها، في خشوعٍ واطمئنان (شُكراً لله تعالى على هذه النعمة)، ﴿ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ لمُستحقيها، ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ ﴾ أي الجؤواإليه سبحانه، واحتموا به من شر أعدائكم ومن شر النفس والشيطان، فـ ﴿ هُوَ مَوْلَاكُمْ ﴾ أي هو سَيِّدكم ومُتوَلِّي أمْركم فاعتمدوا عليه، ﴿ فَنِعْمَ الْمَوْلَى ﴾ أي فهو سبحانه نعم المُعين والحافظ لمن اعتصم به، ﴿ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ لمن طلب نَصْره. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة المؤمنون • من الآية 1 إلى الآية 11: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾: أي قد فاز المُصَدّقون بالله ورسوله، العاملونَ بشرعه، (واعلم أنّ الفلاح المقصود هنا هو الفوز بالجنة والنجاة من النار)، ومِن صفات هؤلاء المؤمنين أنهم: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ أي تَحضُر فيها قلوبهم فلا تنشغل بغيرها، ويكونون في صلاتهم ذليلينَ لربهم (مِن كثرة نعمه عليهم وكثرة ذنوبهم)، (وقد كان السَلَف الصالح إذا قام أحدهم في صلاته يخافُ أن يَلتفت فيها أو أن يُحَدِّث نفسه بشيءٍ من الدنيا وهو بين يدي ربه تبارك وتعالى، بل كان يَنظر إلى الأرض في حياءٍ وخوف، حتى إنّ أحدهم كانَ يقول إذا خرج مِن صلاته: (إنّ مِثلي لا يقومُ بين يديك، ولولا أنك أمَرتني ما فَعَلتُ)). ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ أي يَتركون ما لا خيرَ فيه من الأقوال والأفعال، (ومعنى إعراضهم عن اللغو: أي انصرافهم عنه وعدم التفاتهم إليه)، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ أي مُؤَدُّونَ الزكاةَ لِمُستحِقّيها، ليُطَهِّروا بها نفوسهم وأموالهم، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ أي يَحفظون فروجهم مما حرَّم اللهُ تعالى ﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ﴾ ﴿ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ - من الجواري المملوكات لهم شَرعاً - ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ أي: فلا لومَ عليهم في جماعهنّ؛ لأنّ اللهَ قد أحلَّهنّ لهم، ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ يعني: فمَن طلب التمتع بغير زوجته أو جاريته، فهو من المُتَعَدِّينَ لحدود الله تعالى، المُجاوِزينَ الحلالَ إلى الحرام، المُعَرِّضينَ أنفسهم لغضب اللهِ وعقابه. ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ أي يُحافظونَ على ما كل اؤتمنوا عليه (مِن قولٍ أو عمل أو مال أو غير ذلك)، (ومِن ذلك مُحافظتهم على التكاليف الشرعية التي أمَرَهم اللهُ بها)، وهُم الذين يُوفُّون بكل عهودهم وعقودهم، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ أي يُداوِمونَ على أداء صلاتهم في أوقاتها، وعلى هيئتها الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ﴿ أُولَئِكَ ﴾ المتصفون بهذه الصفات ﴿ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ ﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ﴾ - وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها - ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ (إذ لا يَنقطع نعيمهم ولا يزول). ♦ واعلم أنّ العلماء قد اختلفوا في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الفردوس الأعلى: (فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة)، فقد قال بعضهم: إنّ مَعنى أوسط الجنة أي أفضلها، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾أي خِياراً، وبقوله تعالى: ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ- أي أفضلهم - أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴾، فعلى هذا يكونُ المعنى: (إنها أعلى الجنة وأفضل الجنة)، وقد ذَكَرَ بعضهم قولاً آخر: وهو أننا إذا تخيلنا أن الجنة عبارة عن صندوق ضخم، فبالتالي تكون الفردوس في منتصف هذا الصندوق ولكنْ في أعلى نقطةٍ فيه، فبذلك تكون أعلى الجنة وأوسط الجنة، واللهُ أعلم. • من الآية 12 إلى الآية 16: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ ﴾ - وهو آدم عليه السلام - ﴿ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ﴾ أي مِن طينٍ مأخوذ من جميع الأرض، ثم نَفَخَ اللهُ فيه مِن روحه فصارَ بشراً سوياً، ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً ﴾ أي: ثم تناسلتْ ذريته مِن نُطفة (وهي ماء الرَجُل)، حيث تَخرج النُطفة من ظهور الرجال، ثم تستقر ﴿ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾ أي في مُستَقَرّ مُتمكِّن - مُهَيّأ لحِفظ النُطفة - وهو أرحام النساء، ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾: أي: ثم يَتحول هذا المَنِيّ بقدرة اللهِ إلى عَلَقة (وهي قطعة من الدم الغليظ متعلقة بالرَحِم)، ثم تتحول هذه العَلَقة بقدرة اللهِ إلى مُضغة (وهي قطعة لحم صغيرة قَدْر التي تُمْضَغ في الطعام)، ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ أي: ثم تتحول هذه المُضغة اللينة بقدرة اللهِ إلى عظام، ثم يَكسو اللهُ هذه العظامَ لحمًا. ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ ﴾ أي: ثم يُنشئه اللهُ تعالى خَلقاً آخر غير الذي ابتدأه به (وذلك بعد نَفْخ الروح فيه)، إذ أصبح إنساناً يتحرك بعد أن كانَ جماداً لا حياةَ فيه، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ أي:َ َعَظُمَتْ قدرة اللهِ تعالى الذي أحسن كل شيء خَلَقه، (واعلم أنّ معنى قوله تعالى: ﴿ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ أي أحسن الصانعين، لأنّ كلمة الخَلق تأتي في اللغة بمعنى الصناعة، فاللهُ تعالى يَصنع، والناسُ يَصنعون، واللهُ سبحانه أحسن الصانعين)، ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴾ أي ستموتون أيها البشر بعد انتهاء أعماركم، ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ أي يَبعثكم اللهُ من قبوركم أحياءً للحساب والجزاء. • الآية 17: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾ أي سبع سماواتٍ بعضها فوق بعض، ﴿ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ ﴾ -الذين تحت السماوات -﴿ غَافِلِينَ ﴾ بل كنا حافظينَ لهم مِن أن تسقط عليهم فَتُهلِكهم، وكُنّا نُدَبّر أمورهم ونَعتني بمَصالحهم ومَنافعهم (وبذلك انتظم الكونُ والحياة، وإلاّ لَفَسَدَ كلُ شيء). ♦ ولعل اللهَ تعالى وَصَفَ السماوات بالطرائق لأنها الطُرُق التي تسير فيها الملائكة أو التي تسير فيها الكواكب، ويُحتمَل أيضاً أن يكون معنى طرائق: (أنّ بعضها فوق بعض)، وهذا مِثل قول العرب: (طارَقَ بين ثوبين) أي جَعَلَ أحدهما فوق الثاني، واللهُ أعلم. • الآية 18:﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ﴾ أي بمقدارٍ مُعَيّن (بحسب حاجة الخلائق) ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي جَعَلنا الأرضَ مُستقَرًا لهذا الماء (كالأنهار والمياه الجوفية، وغير ذلك)، ﴿ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾ أي قادرونَ على الذَهاب بهذا الماء، وحينئذٍ ستَهلك البشرية عطشاً (وفي هذا تهديدٌ للظالمين). • الآية 19، والآية 20: ﴿ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ ﴾ - أي بهذا الماء - ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق ﴿ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ﴾ ﴿ لَكُمْ فِيهَا ﴾ أي في تلك الحدائق ﴿ فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ ﴾ تَربَحونَ منها بالتجارة، وتصنعون منها العصائر ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾، (واعلم أنّ اللهَ تعالى قد خَصَّ العنب والتمر من بين باقي الفواكه لمَكانتهما عند العرب وكثرة فوائدهما). ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ﴾ أي: وأنشأنا لكم بهذا الماء شجرةَ الزيتون التي تخرج حول جبل الطُور بـ "سيناء"، والتي ﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ أي يُعصَر منها الزيت فيُدَّهَن، ﴿ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ ﴾ أي يَغمس الآكِلونَ اللقمةَ في هذا الزيت ويأكلونها، (وفي الآية إشارة إلى أنّ أول مَنبَت لشجر الزيتون كان بطُور سيناء، ثم تناقله الناس مِن إقليمٍ إلى آخر). • الآية 21، والآية 22: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ ﴾ - وهي الإبل والبقر والغنم - ﴿ لَعِبْرَةً ﴾ أي لكم فيها عِبرةٌ عظيمة على قدرة اللهِ تعالى، فقد شاهدتم كيف ﴿ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا ﴾ من اللبن (إذ يُخرِجُ اللهُ تعالى مِن بين الدم، ومِن بين القاذورات الموجودة في الكرْش: لَبَنًا خالصاً ليس فيه شيءٌ من الرَوَث أو الدم، لا في لونه ولا رائحته ولا طعمه)، ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ ﴾ - كالصُوف والجلود - ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ ﴿ وَعَلَيْهَا ﴾ أي: على الإبل في البر ﴿ وَعَلَى الْفُلْكِ ﴾ أي: وعلى السفن في البحر: ﴿ تُحْمَلُونَ ﴾ أي تَركبون عليها وتَحملون عليها أمتعتكم، (أفلا تشكرونَ اللهَ تعالى على هذه النعم فتعبدوه وحده ولا تُشركوا به؟!). • الآية 23:﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴾ ليَدعوهم إلى التوحيد وترْك الشِرك، ﴿ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، فـ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ ﴾ يَستحق العبادة ﴿ غَيْرُهُ ﴾، إذِ هو سبحانه الذي يَخلقُ ويَرزق، ويُحيي ويُميت، ويَضر ويَنفع، فأخلِصوا له العبادة، ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾؟ يعني: أفلا تخافونَ عذابَ اللهِ وغضبه، إنْ بَقيتم على ما أنتم عليه؟! • الآية 24، والآية 25: ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ﴾ أي قال الكُبَراء والسادة المُكَذِّبينَ لنوح - ليَصُدُّوا الناسَ عن الإيمان به -: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ﴾: يعني: ما نوحٌ إلا إنسانٌ مِثلكم لا يتميَّز عنكم بشيء، ولا يريد بدعوته إلا الرئاسة عليكم، ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً ﴾ يعني: ولو شاء اللهُ أن يُرسل إلينا رسولاً لأَرسله من الملائكة، ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾: أي لم نَسمع قبل ذلك كلاماً مِثل الذي جاء به نوح، ولم يَقُل به أحدٌ من أجدادنا السابقين، ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ﴾: أي ما هو إلا رجلٌ به مَسٌّ من الجنون ﴿ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ﴾ أي انتظروا حتى يُفيق فيَترك دَعْوته، أو يموت فتستريحوا منه. • الآية 26: ﴿ قَالَ ﴾ نوحٌ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ أي انصرني على كفار قومي; بسبب تكذيبهم لي. • الآية 27: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي اصنع السفينة تحت بَصَرِنا وتحت رعايتنا، ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ يعني: وبتوجيهنا وتعليمنا (إذ لم يكن يَعرف السُفُن ولا كيفية صُنعها)، ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا ﴾ بإهلاكهم ﴿ وَفَارَ التَّنُّورُ ﴾ أي نَبَعَ الماء بقوة من الفرن الذي يُخبز فيه (وكانَ هذا علامة على مَجيء العذاب، لأنّ اللهَ تعالى قد فجَّرَ الأرض عُيوناً من الماء، حتى نَبَعَ الماء من الفرن) ﴿ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ ﴾ أي: فحينئذٍ أدخِلْ في السفينة مِن كل نَوعٍ من أنواع الحيوانات (ذكر وأنثى) ليَبقى النَسل، وأدخل فيها أهلَ بيتك ﴿ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ﴾ يعني إلا مَنِ استحق العذاب لكُفره (كزوجتك وابنك)، ﴿ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ أي لا تطلب مِنِّي صَرْفَ العذاب عن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، ولا تَشفع لهم في تخفيفه عنهم، فـ ﴿ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ بالطوفان لا مَحالة. • الآية 28، والآية 29: ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ﴾ يعني: فإذا عَلَوْتَ السفينةَ واستقرَرْتَ عليها - أنت ومَن معك (آمِنينَ من الغرق): ﴿ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا ﴾ أي: يَسِّر لي النزول المبارك الآمن، ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ أي خيرُ مَن يُنزِلُ الناسَ في المكان الطيب المبارك. ♦ ويُلاحَظ أنّ الله تعالى قال: ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾، ولم يقل: (وأنت وحدك المُنزِل)، لأنه قد يوجد مَن يُنزِلُ شخصاً في مكانٍ مُريح (كأنْ يُسكِنه في بيتٍ مُريح، أو يَستقبله ضيفاً عليه أو غير ذلك)، إذاً فالعبد يُنزل، واللهُ تعالى يُنزِل، واللهُ خيرُ المُنزِلين. • الآية 30: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾: يعني إنّ في إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين لَدلالاتٍ واضحاتٍ على صِدق الرُسُل فيما جاؤوا به، ﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ يعني: ولقد كنا مُختبرينَ الأمم بإرسال الرُسُل إليهم قبل نزول العقوبة بهم. • الآية 31، والآية 32: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ ﴾ أي أنشأنا جيلاً آخر بعد قوم نوح (وهُم هنا قوم عاد، على الراجح من أقوال العلماء)، ﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ - وهو هود عليه السلام - فأمَرَهم ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، فـ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ ﴾ يَستحق العبادة ﴿ غَيْرُهُ ﴾ ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾: يعني أفلا تخافونَ عقاب اللهِ إذا عبدتم معه غيره؟ ♦ واعلم أنّ اللهَ تعالى قال: ﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ ﴾ ولم يقل: (فَأَرْسَلْنَا إليهِمْ)، لأنّ هوداً عليه السلام كان مِن أهل قريتهم، أما عندما أخبر تعالى عن موسى وفرعون فإنه قال: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾، لأنّ موسى عليه السلام لم يكن منهم. • من الآية 33 إلى الآية 38: ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ ﴾ وهم السادةُ والأشرافُ ﴿ مِنْ قَوْمِهِ ﴾ ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بوحدانية اللهِ تعالى ﴿ وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ ﴾ ﴿ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي طَغَوا بما أُنعم اللهُ عليهم في الدنيا من تَرَف العيش، فهؤلاء قالوا لقومهم ليَصُدّوهم عن الإيمان بهُود: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ (أي لا فرقَ بينكم وبينه، فكيف تَرضون أن يكون سَيّداً عليكم يأمركم وينهاكم؟!)، ﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴾ (أي ستَخسرون مَكانتكم بسبب اتِّباعكم له وترْكِكم لآلهتكم)، ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ﴾ مِن قبوركم أحياء؟ كيف تُصَدِّقون هذا؟! ﴿ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ أي بعيدٌ حقًا ما يَعِدكم به، ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾: أي ما حياتنا إلا في هذه الدنيا، ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ أي جيلٌ يموت وجيلٌ يَحيا، فيموت الآباءُ مِنّا ويَحيا الأبناء ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ بعد الموت، ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ أي: ما هذا إلا رجلٌ قد اختلق على اللهِ كذبًا، ولَسنا بمُصَدِّقينَ ما قاله لنا. • الآية 39:﴿ قَالَ ﴾ هودٌ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ﴾ أي انصرني عليهم بسبب تكذيبهم لي. • الآية 40: (﴿ قَالَ ﴾) اللهُ - مُجيبًا لدعوته -: ﴿ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ﴾ أي: بعد زمنٍ قصير سيُصبحون نادمينَ على تكذيبهم. • الآية 41: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ ﴾ أي جاءتهم صيحة شديدة مع ريحٍ شديدة ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ أي بالعدل (بسبب كُفرهم وذنوبهم) فماتوا جميعًا ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً ﴾ أي أصبحوا كغُثاء السَيل (وهي الرَغوة التي تطفو على سطح الماء ثم تتلاشى أو تُرْمَى) (والمعنى أنهم أصبحوا لا حياةَ فيهم ولا فائدةَ منهم)، ﴿ فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ أي هلاكًا لهؤلاء الظالمين وبُعْدًا لهم من رحمة الله. • الآية 42، والآية 43، والآية 44: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ ﴾ أي أنشأنا أُمَمًا آخرين بعد قوم هود (كقوم صالح وقوم شعيب)، ﴿ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا ﴾ أي لا تتجاوزُ أُمَّةٌ أجَلَها فتزيد عليه ﴿ وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾: أي ولا يَتأخرون عن ذلك الوقت لحظة، ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ﴾ إلى تلك الأمم ﴿ تَتْرَى ﴾ أي يَتبَع بعضهم بعضًا، ﴿ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ ﴾ - رغم وضوح المُعجِزات التي يأتي بها الرُسُل -، ﴿ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا ﴾ بالهلاك والدمار، فلم يَبْقَ إلا أخبار هَلاكهم ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾ أي قصصاً يَحكيها مَن بعدهم لتكون عبرةً لهم، ﴿ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي هَلاكًا لقومٍ لا يُصَدِّقونَ الرُسًل ولا يُطيعونهم. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثاني من سورة المؤمنون • من الآية 45 إلى الآية 48: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا ﴾ الدالَّة على أنهما رسولان من عند اللهِ تعالى، وهي الآيات التسع: (العصا واليد والطوفان، والجَراد والقُمَّل والضفادع، والدم ونقصٍ من الثمرات والأنفس)، ﴿ وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ أي أرسلناه بحُجَّةٍ قوية واضحة تَقهر القلوب، فتنقاد لها قلوب المؤمنين، وتقوم بها الحُجّة على المُعانِدين. ♦ ويُحتمَل أن يكون المقصود بالسُلطان المُبِين هنا: (العَصا)، وإنما أُعاد سبحانه ذِكرها بعد أن ذَكَرَ الآيات عموماً، لأنّ العصا كانت أشهر الآيات وأقواها، وبها هُزِمَ السَحَرة، واللهُ أعلم. ♦ فأرسلناه بهذه الآيات ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾ وهم أكابر أتْباعه وأشراف قومه، ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا ﴾ عن الإيمان بموسى وأخيه، ﴿ وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ ﴾ أي كانواقومًا متطاولين على الناس، قاهرينَ لهم بالظلم، ﴿ فَقَالُوا ﴾: ﴿ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴾ ﴿ وَقَوْمُهُمَا ﴾ - مِن بني إسرائيل - ﴿ لَنَا عَابِدُونَ ﴾ أي مُطيعونَ لأمْرنا،ذليلونَ لنا، نستخدمهم فيما نشاء؟!، ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾ فيما جاءا به، ﴿ فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ﴾ بالغرق في البحر. • الآية 49: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾: يعني أعطينا موسى التَوراة ليَهتدي بها قومه إلى الحق، (وذلك بعد إهلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل). • الآية 50، والآية 51، والآية 52، والآية 53: ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً ﴾ أي علامة دالَّة على قدرتنا؛ إذ خَلَقنا عيسى مِن غير أب،﴿ وَآَوَيْنَاهُمَا ﴾ أي أنزلناهما - بعد اضطهاد اليهود لهما - ﴿ إِلَى رَبْوَةٍ ﴾ أي مكانٍ مرتفع من الأرض - آمِنٌ مِن الأذى - ﴿ ذَاتِ قَرَارٍ ﴾ أي صالح للاستقرار عليه (لِمَا فيه من الزروع والثمار)، ﴿ وَمَعِينٍ ﴾ أي: وفيه ماءٌ عذب جارٍ ظاهر للعيون(فسبحان المُنعِم على عباده، المُكرِم لأوليائه). ♦ ثم أخبر تعالى أنه قد أمَرَ جميع الرُسُل بأكل الحلال الطيب فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ أي كلوا من الرزق الحلال، ﴿ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ أي اعملوا الأعمال الصالحة (بأداء الفرائض والإكثار من النوافل) شُكراً لي على نِعَمي. ♦ وقوله تعالى: ﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ فيه وعدٌ مِن الله تعالى بأنه سوف يُثِيبهم على أعمالهم الصالحة، (وفي الآية دليل على أنّ أكْل الحلال عَونٌ للعبد على العملالصالح، وأنّ عاقبة الحرام شديدة الضرر، ومنها رَدّ الدعاء). ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ يعني إنَّ دينكم - يا مَعشر الأنبياء - هو دينٌ واحد، وهو الإسلام (الذي هو الاستسلام والانقياد والخضوع لأوامر الله تعالى، وعبادته وحده بما شَرَع)، فاجتمِعوا عليه ولا تختلفوا، ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ ﴾ أي خالقكم ورازقكم ومُدَبّر أمْركم ﴿ فَاتَّقُونِ ﴾ أي فاتقوني- بفِعل ما أمَرتكم به وترْك ما نَهَيتكم عنه - لتنجوا من عذابي وتدخلوا جنتي. ﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ﴾ أي: ولكنّ الناس اختلفوا بعد هؤلاء الأنبياء، وجعلوا دينهم مَذاهب تُعادي بعضها بعضاً، وأصبحوا فِرقاً وأحزاباً، بعدما أُمِروابالاجتماع على دينٍ واحد، وأصبحَ ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ أي كل حزبٍ منهم مُعجب برأيه، زاعمٌ أنه على الحق وغيره على الباطل، (وفي هذاتحذير من التحزب والتفرق في الدين). ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ زُبُرًا ﴾ أي قِطَعاً، كما قال تعالى وهو يَحكي عن ذي القرنين: ﴿ آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ﴾ أي قِطَعَهُ الضخمة. • الآية 54: ﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ أي فاتركهم أيها الرسول في ضَلالهم حتى يأذنَ اللهُ بعذابهم. • الآية 55، والآية 56: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ﴾ يعني أيظن هؤلاء الكفار أن الأموال والأولاد التي نُعطيها لهم في الدنيا، أيَحسبون أننا بذلك ﴿ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ لِرِضانا عنهم وأنهم يَستحقون هذا الخير؟! كَلاّ ﴿ بَل لَا يَشْعُرُونَ ﴾ أي لا يَشعرون أننا نُعَجِّل لهم ذلك الخيرَ فتنةً لهم واستدراجًا، ليموتوا على هذا الضَلال. • من الآية 57 إلى الآية 61: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ ﴾ - أي مِن أجلخوفهم مِن الله تعالى - ﴿ مُشْفِقُونَ ﴾ أي خائفونَ مما خَوَّفهم اللهُ به، يَحذرون أن يُخالفوا أمْره ونَهْيه،﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) ﴾ ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴾ أي يُخلصونَ عبادتهم للهِ وحده، ولا يُشركونَ معه غيره، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا ﴾: أي يَجتهدونَ في فِعل الطاعات وأعمال الخير ﴿ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾: أي قلوبهم خائفةٌ ألا تُقبَل أعمالهم، وألاتُنَجِّيهم مِن عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ المجتهدون في الطاعة ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾: أي يُسارعون في الطاعات، كَي ينالوا بها أعلى الدرجات، ﴿ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ أي يُسابقون غيرهم فى فِعل ما يُرضي ربهم. • الآية 62: ﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ أي لا يُكَلِّف اللهُ نفسًا إلا ما تطيق من الأعمال، ﴿ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ ﴾ أي عندنا كتابٌ تكتب فيه الملائكة أعمال العباد ﴿ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ ﴾ أي يَشهد عليهم هذا الكتاب يوم القيامة بالصدق والعدل ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ (وفي هذا وعدّ لأولئك المُسارعين في الخيرات بأنّ أعمالهم مكتوبةٌ لهم في كتابٍ لا يُخفي حسنةً من حسناتهم، وفي هذا أيضاً وعيدٌ لأهل الشِرك والمعاصي بأنّ أعمالهم مكتوبةٌ عليهم في كتابٍ صادق، وسوف يُجزَونَ بها إن لم يتوبوا). • من الآية 63 إلى الآية 67: ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا ﴾ يعني: لكنّ قلوب الكفار في ضلالٍ غامر، وفي غفلةٍ عن هذا القرآن وما فيه من الهدى، ﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ﴾ أي لهم مع شِركهم أعمالٌسيئة من كبائر الذنوب - هي أقلّ من الشِرك - ﴿ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ أي يُمْهلهم اللهُ ليَعملوها، فيَزداد بذلك عذابهم (وذلك غضباً مِن اللهِ عليهم بسبب عِنادهم)، ويَظلون على هذه الغفلة والأعمال السيئة ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ ﴾ - والمُترَفون هم المُنَعَّمونَ المتكبرون -، فإذا أذاقهم اللهُ عذابه ﴿ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ﴾ أي يَرفعون أصواتهم،مُستغيثينَ من العذاب الذي أصابهم، فيُقالُ لهم:﴿ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ﴾ أي لا تَصرخوا اليوم ولا تستغيثوا، فـ ﴿ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ ﴾ أي لنيَنصركم أحدٌ من عذاب الله، ولا أمل لكم في النجاة. ♦ وقال اللهُ لهم: ﴿ قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ لتؤمنوا بها ﴿ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ ﴾ أي كنتم تَرجعون إلى الوراء هَرَباً من سماع القرآن، وكنتم ﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ﴾ أي تتكبرون على الناس ببيت اللهِ الحرام، وتقولون لهم: (نحن أهل الحَرَم، فنحن أفضل من غيرنا وأعلى)، وكنتم ﴿ سَامِرًا ﴾ أي تَتَسامرون بالحديث ليلاً حول البيت، ﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ أي تقولون الكلام الهجر - يعني الكلام القبيح - في الرسول والقرآن. • الآية 68: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾: يعني أفلم يتفكروا في القرآن ليَعرفوا صِدقه؟!، ﴿ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾: يعني أم مَنَعَهم من الإيمان أنه جاءهم رسولٌ لم يأت آباءهم الأولين مِثله؟! (وهذا الاستفهام غرضه الإنكار عليهم)، وجواب هذا السؤال: كلا، لقد جاءهم الرسول بالتوحيد الذي جاء به إبراهيم وإسماعيل لآبائهم الاولين، فلماذا الإعراضُ إذاً؟! • الآية 69، والآية 70: ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾ يعني أم مَنَعَهم من اتِّباع الحق أنّ رسولهم محمدًا صلى الله عليه وسلم غير معروفعندهم ﴿ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾؟! ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾: يعني أم حَسِبوهُ مجنونًا؟! ﴿ بَلْ ﴾ أي لقد كَذَبوا في هذه الادّعاءات الباطلة؛ فقد كانوا يَشهدونَ له بالصدق والأمانة، ورَضوا بحُكمه عندما أرادوا إعادة بناء الكعبة - وذلك قبل بعْثَتِهِ صلى الله عليه وسلم -، فكيف إذاً يَقبلونَ حُكمَه ثم يَتهمونه - كَذِباً - بالجُنون؟!، فعُلِمَ أنهم يقولون ذلك على سبيل العِناد، وحتى يَصُدّوا الناسَ عن دِينه، وإنما ﴿ جَاءَهُمْ ﴾ صلى الله عليه وسلم ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ أي يَكرهون الحق (حَسَدًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتكبُّراً عن الانقياد لِما جاءَ به، وحُبّاً للباطل الذي عاشوا عليه). ♦ ولعل اللهَ تعالى قال: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾، ولم يقل: (وكُلُّهم لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، لأنّ القليل من هؤلاء المشركين كانوا يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءهم بالحق، وكانوا يُحبون الدخول فى الاسلام، ولكنْ مَنَعهم مِن ذلك: (الخوف من تَعْيير قومهم لهم بأنهم قد تَرَكوا دين آبائهم)، كما حَدَثَ مع أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، (واعلم أنّ هذا من باب الاحتراس، وهو أسلوبٌ معروف في القرآن، حتى لا يُنقَض الخبر ببعض الأفراد، وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾، وهو مِن إعجاز القرآن وبلاغته، حتى لا يستطيع أحد أن يُعارضه). • الآية 71: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ يعني: ولو شَرَعَ اللهُ لهم ما يوافق أهواءهم الفاسدة: ﴿ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ ﴾ أيجئناهم بما فيه عِزّهم وشَرَفهم، وهو القرآن ﴿ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ (لا يَلتفتون إليه، ولا يتفكرون فيه). • الآية 72: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا ﴾: يعني: أم مَنَعَهم من الإيمان أنك أيها الرسول تسألهم مالاً على دَعْوتك لهمفبَخِلوا به؟! والجواب: لا، لأنك لم تفعل ذلك، ﴿ فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾ يعني: لأنك تعلم أنّ ثوابَ اللهِ وعطاءه خيرٌ لك من المال، فلذلك لم تطلب منهم شيئاً مقابل دَعْوتك لهم، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ أي هو خيرُ مَن أعطى. • الآية 73: ﴿ وَإِنَّكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ أي تدعو قومك وغيرهم إلى دينٍ قويم، وهو الإسلام. • الآية 74: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ ﴾ وما فيها من البعث والحساب، أولئك ﴿ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ أي مائلونَ عن طريق الدين الصحيح إلى غيره من الباطل. • الآية 75:﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ ﴾ كالقحط والجوع وغير ذلك: ﴿ (لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ ﴾): أي لاَستمَرُّوا في كُفرهم وعنادهم ﴿ يَعْمَهُونَ ﴾: أييَتحيَّرون ويَتخبطون في ذلك الضلال. • الآية 76، والآية 77: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ ﴾ أي ابتليناهم بأنواع المصائب ﴿ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ أي: فما خضعوا لربهم، وما دَعَوه مُتضرّعينَ عند نزول البلاء. ♦ ويَظلون على ذلك العِناد﴿ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ﴾ من أبواب جهنم ﴿ ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ ﴿ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ أي يائسونَ منالخَلاص من ذلك العذاب الذي أصابهم. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة المؤمنون • من الآية 78 إلى الآية 83: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾ أي جَعَلَ لكم وسائل الإدراك من الأسماع والأبصار والقلوب، ومع ذلك فـ ﴿ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾. ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي ذَرَأَكُمْ ﴾ أي خَلَقكم ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ ونَشَرَكم في أنحائها، ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ بعد موتكم، ليُجازيكم على أعمالكم، (إذ القادرُ على خَلقكم في هذه الأرض: قادرٌ على خَلقكم في أرضٍ أخرى بعد موتكم)، ﴿ وَهُوَ ﴾ وحده ﴿ الَّذِي يُحْيِي ﴾ من العدم، ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ بعد الحياة، (أليس هذا قادراً على إحيائكم بعد موتكم؟!)، ﴿ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ أي اختَصَّ سبحانه بتعاقب الليل والنهار (وذلك بمجيء أحدهما بعد الآخر، واختلافهما طُولاً وقِصَرًا)، فلا قدرة لأحدٍ أن يُوجِدَ ظُلمة الليل وضوء النهار غير الله تعالى، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ يعني: أفلا تتفكرون بعقولكم لتعرفوا قدرة اللهِ تعالى على البعث واستحقاقه وحده للعبادة، بعدما شاهدتم هذه الآيات؟! ♦ لكنّ الكفار لم يُصَدّقوا بالبعث - رغم هذه الأدلة التي لا يُنكِرها عاقل - ﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ﴾ أي ردَّدوا مَقولة المُنكِرين السابقين، فـ ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ أي خَلْقاً جديداً بعد أن تَحَلَّلتْ عظامنا في تراب الأرض؟! ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ ﴾ يعني: لقد قيل هذا الكلام لآبائنا مِن قبل، فلم نَرَهُ حقيقةً، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي: ما هذا الذي تتحدثون عنه من البعث والحياة الثانية إلا قصص السابقينَ التي لا حقيقةَ لها. • الآية 84، والآية 85: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المُنكِرين للبعث: ﴿ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا ﴾ من المخلوقات ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾؟ ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ أي سيَعترفون حَتمًا بأنها لله، لأنهم يَعلمون أنه سبحانه الخالق المالك، إذاً ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾: يعني أفلا تتذكرونَ فتعلموا أنّ الذي خلق الأرض ومَن فيها قادرٌ على البعث بعد الموت وأنه لا يَستحق العبادةَ غيره؟! • الآية 86، والآية 87: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ الذي هو أعظم المخلوقات وأعلاها؟ ﴿ سَيَقُولُونَ ﴾ حَتمًا: ﴿ لِلَّهِ ﴾ أي: هذه المخلوقات مِلكٌ لله تعالى (إذ هو خالقها ومالكها والمتصرف فيها)، إذاً ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني أفلا تخافونَ عذابه إذا عبدتم معه غيره؟ • الآية 88، والآية 89: ﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يعني: مَن بيده خزائن كل شيء ﴿ وَهُوَ يُجِيرُ ﴾ أي يَحمي مَن طلب حمايته ﴿ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾ يعني ولا يَقدر أحد أن يَحفظ مَن أراد الله إهلاكه، أو يَدفع عنه السُوء الذي قدَّره اللهُ له ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾؟ ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾: أي سيَعترفون حتمًا بأنّ ذلك كلَّه للهِ وحده، إذاً ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ أي كيف تُخْدَعون فتعبدون غير الخالق الرازق؟! وكيف تذهب عقولكم فتُنكرون على الخالق إحياء الأموات، وهو الذي أحياهم ابتداءً ثم أماتهم؟! • الآية 90: ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ يعني: بل جئناهم بالحق الذي أرسلنا به محمدًا صلى الله عليه وسلم - مِن أمْر التوحيد والنُبُوّة والبعث والجزاء - ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما نَسَبوهُ للهِ تعالى من الشَريك والولد. • الآية 91، والآية 92: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ﴾ (لأنه سبحانه رَبُّ كل شيء ومَالكُه، وهو الغني القوي الذي لا يحتاجُ إلى ولدٍ كما يَحتاج البشر)، ﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ﴾ لأنه لو كان هناك أكثر مِن معبود: ﴿ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ﴾ أي سيَنفرد كل معبودٍ بمخلوقاته ﴿ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ أي سيُحارب بعضهم بعضاً كشأن ملوك الدنيا، فبذلك يختلُّ نظام الكون، ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ أي تَنَزَّهَ اللهُ تعالى وتبرَّأ عن وَصْفهم الكاذب بأنّ له شريكًا أو ولدًا، فهو وحده ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي يَعلم كل ما غاب عن خلقه وما شاهدوه (فلو كان معه آلهة أخرى لَعَرَفهم وأخبر عنهم)، ولكنه سبحانه خالقُ كل شيء ومالكه ﴿ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ أي تَقَدَّسَ سبحانه عن الشريك الذي يَزعمون. • الآية 93، والآية 94: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول - داعياً ربك -: ﴿ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ﴾ يعني إنْ أريتَني في هؤلاء المشركين ما تَعِدُهم به مِن العذاب: ﴿ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ أي أخرِجني مِن بينهم وأبعِدني عنهم حتى لا أهلك معهم. • الآية 95: ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴾: يعني وإننا لَقادرون على أن نُنَزِّل عليهم العذاب الذي نَعِدُهم به. • من الآية 96 إلى الآية 100: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ يعني إذا أساءَ إليك أعداؤك أيها الرسول: فلا تقابلهم بالإساءة، ولكنْ قابِل إساءتهم بالإحسان (وذلك بالصفح والإعراض عنهم)، فـ ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾: أي نحن أعلم بما يَصِفُهُ هؤلاء المشركون من الشِرك والتكذيب وسنُجازيهم عليه، (وفي هذا تصبيرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم). ♦ ولَمّا أمَرَ اللهُ رسوله بالتحصُّن مِن أذى المشركين، أمَرَه أيضاً أن يَتحصن من أذى الشياطين فقال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾: يعني أحتمي بك من وساوس الشياطين التي تُفسِد القلب، وأحتمي بك أن يُضِلُّوني عن ديني ﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ يعني: وأحتمي بك يا رب أن يَحضروا في شيءٍ من أموري، حتى لا يُفسدوها عليّ بالخواطر السيئة، (واعلم أنّ هذا التعوُّذ، وإن خُوطِبَ به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أيضاً مُوَجَّه لأمّته، بل هي أحْوَج إليه منه). ♦ ثم يُخبر تعالى عن حال المُحتضِر من الكافرين أو المُفَرِّطين في أمْره قائلاً: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ﴾ أي رأى مَلَك الموت وأعوانه وشاهَدَ ما أُعِدَّ له من العذاب: ﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ أي رُدّني يا ربّ إلى الدنيا وأَخِّر موتي ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ يعني لَعَلِّي أتدارك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة، فقال اللهُ تعالى: ﴿ كَلَّا ﴾ أي لا رجوع أبداً، فـ ﴿ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ﴾ لا تنفعه، لأنه غير صادق فيها، إذ لو رَجَعَ إلى الدنيا لَعادَ إلى ما نَهاه اللهُ عنه، ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ أي سيبقى المَوتى في حاجز يَمنعهم من العودة إلى الحياة حتى يأتي يوم القيامة. ♦ ولعل هذا الكافر خاطَبَ اللهَ تعالى بضمير التعظيم: (ارجعون)، لشدة ما هو فيه من التذلل والخضوع، حتى يُعيده الله إلى الدنيا. ♦ ويُحتمَل أن تكون كلمة (حتى) المذكورة في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ﴾ هي المعروفة بـ (حتى الابتدائية) أي يكون ما بعدها ابتداء كلام جديد، ويُحتمَل أنها متعلقة بقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ - أي من العذاب - لَقَادِرُونَ ﴾، فيكونُ هذا انتقالاً مِن ذِكر قدرته تعالى على تعذيبهم في الدنيا إلى وَصْف ما يَلقونه من العذاب عند موتهم، واللهُ أعلم. • الآية 101: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾ يعني فإذا جاء يوم القيامة، ونَفَخَ المَلَك إسرافيل في القرن (وهو المعروف بالبُوق) نفخةَ القيام من القبور للحساب والجزاء: ﴿ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ﴾: أي فحينئذٍ لا تَفاخُرَ بينهم بالأنساب كما كانوا يَتفاخرون بها في الدنيا، ﴿ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾: أي لا يَسأل أحدٌ أحدًا أن يَحمل عنه ذنوبه. • الآية 102: ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ أي كَثُرَتْ حسناته وثَقُلَتْ بها مَوازين أعماله: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزون بالجنة. • الآية 103، والآية 104، والآية 105: ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ أي قَلَّتْ حسناته في الميزان، ورَجَحَتْ سيئاته، وأعظمها الشرك: ﴿ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ أي أهلَكوا أنفسهم، وأضاعوا حظها من نعيم الجنة، فهُم ﴿ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ أي تَحْرقُ النار وجوههم، ﴿ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ يعني قد احترقت شفاههم، وظهرتْ أسنانهم)، ويقول اللهُ لهم - مُوَبّخاً -: ﴿ أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾؟ (واعلم أنّ هذا التوبيخ - أثناء العذاب - يكون أشد على النفس من عذاب الجسد). • الآية 106، والآية 107: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾ أي غَلَبَتْ علينا لَذّاتنا وأهواؤنا ﴿ وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴾ عن الحق والهدى، ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا ﴾ أي أخرِجنا من النار وأرجِعنا إلى الدنيا، ﴿ فَإِنْ عُدْنَا ﴾ إلى الضلال ﴿ فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ نَستحق العقوبة، (واعلم أنّ الظلم: هو وَضْع الشي في غير مَوضعه، والذي يَعبد غير الله تعالى يَضَع العبادة في غير مَوضعها فلذلك هو ظالم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾. • من الآية 108 إلى الآية 112: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ عَزّ وجَلّ لهم: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ أي امكثوا في النار أذلاء ولا تخاطبوني، (فحينئذٍ يَنقطع دعاؤهم ورجاؤهم)، ويقول اللهُ لهم: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي ﴾ - وهم المؤمنون - ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴾ ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يعني أنت أرحم بنا مِن آبائنا وأمّهاتنا، ومِن كل راحم، ﴿ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ﴾ أي انشغلتم بالاستهزاء بهم ﴿ حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي ﴾ أي حتى نسيتم التذكر والتأمل فيما جاء به القرآن من الذِكر، ﴿ وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ أي كنتم تضحكون مِن عبادتهم ودعائهم وتضرّعهم إلينا، ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا ﴾ أي بسبب صبرهم على طاعتي - مع ما يُلاقونه من اضطهادٍ وسُخرية - ﴿ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ أي الناجونَ من النار المُنَعَّمونَ في الجنة، (وفي الآية دليل على حُرمة السُخرية من المسلم والاستهزاء به والضحك منه). ♦ و﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لهؤلاء المكذبين - وهم في النار -: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴾: أي كم بَقيتم في الدنيا من السنين؟ وكم ضيَّعتم فيها من طاعة الله؟ • الآية 113: ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا ﴾ أي بَقينا فيها ﴿ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ - وهذا بسبب شدة العذاب الذي هُم فيه، حيثُ أنساهم كل ما مَرّ بهم في حياتهم وفي قبورهم - ﴿ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾: أي اسأل مَن كان يَعدّ الشهور والأيام (من الملائكة أو من غيرهم). • الآية 114، والآية 115، والآية 116: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لهم: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾: أي ما مَكثتم إلا وقتًا قليلاً (لو صبرتم فيه على طاعة اللهِ لَفُزتم بالجنة) ﴿ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أنّ هذا الزمن الذي عِشتموه - بالنظر إلى الدار الآخرة - لا يُعتبَر شيئاً يُذكَر، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ - لا أمْرَ ولا نَهْيَ ولا ثواب ولا عقاب - ﴿ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ للحساب والجزاء؟! ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾ أي تَنَزَّهَ اللهُ المَلك المتصرف في كل شيء، وتَقَدَّسَ عن أن يَخلق شيئًا لعباً، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا معبودَ بحقٍ إلا هو ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ أي رَبُّ العرش النفيس (عَظيم القيمَة والمَكانة)، وهذا مِثل قولهم: (الأحجار الكريمة). • الآية 117: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ يعني: ومَن يَعبد مع اللهِ إلهًا آخر، لا حُجَّةَ له على استحقاقه للعبادة ﴿ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾: يعني فإنما جزاؤه عند ربه في الآخرة، ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾: يعني إنّ الكافرينَ لا فلاحَ لهم يوم القيامة. • الآية 118: ﴿ وَقُلْ ﴾ - أيها النبي -: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ ﴾ أي اغفر لي وارحمني، واغفر للمؤمنين والمؤمنات وارحمهم ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يعني أنت خير مَن رَحِمَ المذنبينَ التائبين، إذ تَقبل توبتهم ولا تعاقبهم على ذنوبهم. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة النور • الآية 1: ﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ﴾ يعني: هذه سورةٌ عظيمة - مِن سور القرآن - أنزلناها ﴿ وَفَرَضْنَاهَا ﴾ أي أَوْجَبنا على المسلمين العمل بأحكامها ﴿ وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ أي حُجَجاً واضحة تهدي إلى الحق ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أي لتتعظوا أيها المؤمنون بهذه الآيات، وتعملوا بما في السورةِ من أحكامٍ وأوامر وآداب. • الآية 2: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ - اللذان لم يَسبق لهما الزواج - ﴿ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ (عقوبةُ لهما على فِعلِهما)، (وقد ثَبَتَ في السُنَّة - مع هذا الجلد - التغريب لمدة عام، وهو إخراج الزاني والزانية مِن بَلَدهما لمدة عام)، وأما عقوبة الزاني المتزوج: فقد ثبت في السُنّة أن يُرجَم بالحجارة حتى يموت، ﴿ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ أي لا تَحملكم الرحمةبهما على ترْك العقوبة أو تَخفيفها، حتى لا تُعَطِّلوا حَدَّ اللهِ تعالى وتَحرموهما من التطهير بهذا الحد ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ وتعملونبأحكام الإسلام ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: ولْيَحضر العقوبةَ عددٌ من المؤمنين (ليَعتبروا بما حدث لهما)، (واعلم أنّ الذي يقوم بإقامة الحد هو حاكم البلد أو مَن يَنُوب عنه، واعلم أيضاً أنّ الزانية قُدِّمَت على الزاني في قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ لأنّ الزنى في حق النساء أقبح وأضَرّ بسبب الحمل، ولأن المرأة هي مفتاح الشر غالباً في جريمة الزنى، واللهُ أعلم). • الآية 3: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ﴾ يعني: الزاني لا يَرضى إلا بنكاح زانيةٍ أو مُشركةٍ لا تُقِرُّ بحُرمة الزنى، ﴿ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾: أي وكذلك الزانيةلا ترضى إلا بنكاح زانٍ أو مُشرك لا يُقِرُّ بحُرمة الزنى، (أما العفيفونوالعفيفات فإنهم لا يَرضون بذلك)، ﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ ﴾ النكاح ﴿ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾، (وهذا دليلٌ صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب). • الآية 4، والآية 5: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ أي يَتّهمون نفوساً عفيفة - من النساء والرجال - بالزنا أو مُقَدِّماته ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ - مشهودٌ لهم بالعدل والأمانة - ليَشهدوا معهم علىأنهم رأوا هذه الفاحشة: ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ ﴿ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ﴾، (وعلى هذا فليَحذر المسلم مِن أن يقول لأحدٍ:(يا ابنالزانية) أو ما شابَهَ ذلك)، لأنّ هذا من الكبائر، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ أي الخارجون عن طاعة الله تعالى ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾) أي رجعوا عن اتّهامهم، ونَدموا على أفعالهم، ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ أعمالهم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لذنوبهم ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم،فلا يُعذبهم بعد التوبة، بل يُعيد إليهم اعتبارهم ويَقبل شهادتهم. • الآية 6، والآية 7، والآية 8، والآية 9: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ أي يَتّهمون زوجاتهم بالزنى ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ ﴾ يَشهدون على صحة هذا الاتهام ﴿ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ﴾ ﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ أي: فعَلَى الواحد منهم أن يَشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله: (أشهدُ باللهِأني صادقٌ فيما رَمَيتُها به من الزنى)، ﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ يعني: ويَزيد في الشهادة الخامسة: (الدعاء على نفسهباستحقاقه للعنة الله - أي طَرْدِهِ مِن رحمته - إن كان كاذبًا في قوله). ♦ وبهذه الشهادة تَجِب عقوبة الزنا على الزوجة، ﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ ﴾ يعني: ولكنْ يَدفع عنها هذهالعقوبة ﴿ أَنْ تَشْهَدَ ﴾ - في مُقابل شهادته - ﴿ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ في اتِّهامهلها بالزنى، ﴿ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ يعني: وتزيد في الشهادة الخامسة (الدعاء على نفسهاباستحقاقها لغضب اللهِ إن كان زوجها صادقًا فى اتهامه لها)، فإذا شهد الزوج والزوجة بهذه الشهادة: فإنّ القاضي يُفَرِّق بينهما بالطلاق الذي لا رجعة فيه. • الآية 10: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - ﴿ وَرَحْمَتُهُ ﴾ بهذا التشريع للأزواجوالزوجات ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴾ يعني: ولولا أنّ الله توابٌلمن تاب مِن عباده، حكيمٌ في شرعه وتدبيره: لَفَضَحَ الكاذب مِنهما وعاجله بالعقوبة وأنزَلَ به ما دعاهُ على نفسه، ولكنه سبحانه سَتَرَ عليهم، ليتوب على مَن تاب منهم، وليَرحمهم بهذا التشريع العادل الرحيم. • الآية 11: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ ﴾ يعني إنّ الذين جاؤوا بأقبح الكذب - وهو اتّهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهابالفاحشة - أولئك ﴿ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾: أي جماعةٌ مُنتسبون إليكم أيها المسلمون، ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ﴾ أي لا تحسبوا قولهم الكاذب شرًّا لكم - لِمَا أصابكم مِن الهَمّ والغم والكرب بسبب هذا الاتهام الكاذب - ﴿ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ (لأنه تضمن براءة أم المؤمنين ونَزاهتها، وتكفير سيئاتكم ورفع درجاتكم بسبب صبركم على هذا البلاء العظيم)، ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ﴾ يعني: كُلُّ فردٍ تكلم بالإفك،يأخذ عقابه على قدْر ما قال (هذا إن لم يَتُب، ويعفو اللهُ عنه)، ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ ﴾ يعني: والذي تحمَّل مُعظم الإفك، وأشاعَ الفتنة وتوَرَّط فيها - وهو عبد الله بن أُبَيِّ بن سَلولكبير المنافقين - ﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (وهو الخلود في الدركالأسفل من النار). • الآية 12: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ يعني: هَلّا ظَنّ المؤمنون والمؤمنات ببعضهم خيرًا عند سماعهم لهذا الاتّهام الكاذب ﴿ وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ أي هذا كَذِبٌ واضح على عائشة رضي الله عنها. ♦ واعلم أنّ هذا الخطاب غرضه توبيخ العُصبة الذين تكلموا دونَ تثبت، وفيه تربيةٌ للمسلمين، وإرشادٌ لهم لِمَا ينبغي أن يكونوا عليه من الآداب. • الآية 13: ﴿ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾: يعني هَلاّ جاءَ هؤلاء الكاذبون بأربعة شهود ثِقات ليَشهدوا على صحة قولهم واتهامهم! ﴿ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾. • الآية 14، والآية 15: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ إذ أمْهَلَكم للتوبة، ولميُعَجِّل لكم العقوبة في الدنيا، وسيَرحمكم في الآخرة بقبول توبتكم: ﴿ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: أي لأَصابكم عذابٌ عظيم بسبب ما تحدثتم فيه بتوسُّع وعدم تحفظ ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ أي يَتلقى بعضكم الكذب من بعض، ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ (إذ ليس معكم دليل على صحة قولكم) ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا ﴾: أي تظنون ذلك شيئًا هيِّنًا من صغائر الذنوب﴿ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ أي من كبائر الذنوب، لأنه عِرض مؤمنة (وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، (وفي هذا تحذير لكل مَن يتهاون في إشاعة الباطل، ولكل مَن يَستصغر المعصية)، وقد قال أحد السلف: (لا تنظر إلى صِغَر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة مَن عصيتَ). • الآية 16: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ يعني: وهَلاّ - عند سماعكم لهذا الكذب - ﴿ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا ﴾: أي لا يَحِلُّ لنا الكلام بهذا الكذب - لخَطَره وعِظَم شأنه - ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ أي تنزيهًا لكيارب مِن قول ذلك على زوجة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ أي هذا كذب عظيم الذنب. • الآية 17، والآية 18: ﴿ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ﴾ أي يَنهاكم الله تعالى - مُخَوّفاً لكم - أن تعودوا أبدًا لمِثل هذا الاتهام الكاذب والقول بغير عِلمٍ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ ﴾ المشتملة على مَواعظه وأحكامه الشرعية، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بأفعالكم، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في شرعه وتدبيره. • الآية 19: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ﴾ أي يُحِبّون أن تنتشر الفاحشة ﴿ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ (ومِن ذلك اتهامهم كذباً بالزنى)، أولئك ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا ﴾ بإقامة الحد عليهم وغير ذلك من المصائب، ﴿ وَالْآَخِرَةِ ﴾ أي: ولهمفي الآخرة عذابُ النار إن لم يتوبوا، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ﴾ كَذِبهم، ويَعلم ما يَترتب على إشاعة الفاحشة من العقوبة والآثار السيئة ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾. • الآية 20: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ أي على مَن وقع منكم في حديث الإفك ﴿ وَرَحْمَتُهُ ﴾ بهم، ﴿ وَ ﴾ لولا ﴿ أَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ بعباده المؤمنين، لَمَا بيَّن لهم هذه الأحكام، ولَعَجَّلَ العقوبة لمن وقع في ذلك الذنب العظيم. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثاني من سورة النور • الآية 21: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ أي لا تتَّبعوا طُرُق الشيطان ووساوسه، ﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ ﴾ - أي الشيطان - ﴿ يَأْمُرُ ﴾ مَن يَتَّبعه ﴿ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾) أي يأمره بقبيح الأفعال ومُنكَراتها، (ومِن ذلك تزيينه للفِتَن والمعاصي، والظنون السيئة بالمؤمنين وحب إشاعة الفاحشة بينهم)، لِذا فأغلِقوا عليه كُلَّ بابٍ يأتِيكُم منه، واعتصموا بالله تعالى ليَحفظكم مِن شَرِّه، ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ وَرَحْمَتُهُ ﴾ بكم ﴿ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ﴾ أي ما طَهُرَ أحدٌ منكم مِن ذنبه أبدًا، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ ﴾ - بفضله - ﴿ يُزَكِّي ﴾ أي يُطَهِّر ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾ مِن عباده ويَعصمهم من الشيطان، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لأقوالكم، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بنيّاتكم وأفعالكم (فلذلك يُزَكِّي سبحانه مَن عَلِمَ أنه يستحق هذه التزكية). • الآية 22: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ﴾ يعني: لا يَحلف أصحاب الزيادة منكم فى قوة الدين والسَّعَة في المال أن يَمنعوا النفقة عن الفقراء من أقربائهم﴿ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ بسبب ذنبٍ فعلوه، ﴿ وَلْيَعْفُوا ﴾ عن إساءتهم، ﴿ وَلْيَصْفَحُوا ﴾ أي: ولْيَتجاوزواعنهم ولا يُعاقبوهم (خاصةً أنهم قد تابوا وأُقِيمَ عليهم الحد)، ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾؟ إذاً فتجاوزوا عنهم ليتجاوز الله عنكم ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، (وفي هذا حَثٌّ على العفو، والإعراض عن اللوم والتأنيب)، (واعلم أنّ الصفح أبلغ من العفو، لأن العفو هو عدم المؤاخذة على الخطأ ولكنْ مع بقاء أثره في النفس، أما الصفح فهو التجاوز عن الخطأ مع مَحْو أثره من النفس). ♦ واعلم أنّ هذه الآية نزلتْ في أبي بكر الصِدّيق رضي الله عنه، فقد كان يُنفق على "مِسطَح بن أثاثة" وهو ابن خالته، وكان رجلاً فقيراً من المهاجرين، فلمّا وقع "مِسطَح" في الإفك، غضب عليه أبو بكر وقال: (واللهِ لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال في عائشة)، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ﴾ إلى قوله: ﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾؟ فقال أبو بكر: (واللهِ إني أحب أن يَغفر اللهُ لي)، فعندئذٍ عفا عنه أبو بكر، وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن يمينه التي حلفها، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (كَفِّر عن يمينك ورُدّ الذي كنتَ تعطيه لمِسطَح). • الآية 23، والآية 24، والآية 25: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾: يعني إنّ الذين يَتّهمون بالزنى المؤمنات العفيفات الغافلات عن ذلك الأمر (أي اللاتي لم يَخطر بقلوبهنّ فِعل الفاحشة)، ولا عِلمَ لهنّ بما اتُّهِمنَ به، أولئك الكاذبون في اتّهامهم ﴿ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ أي مَطرودون من رحمة اللهِ في الدنيا والآخرة ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ في نارجهنم يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ﴾ بما نَطَقَتْ، ﴿ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ﴾ تَنطق أيضاً لتَشهد﴿ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ﴾ أي يُعطيهم اللهُ جزاءهم كاملاً على أعمالهم بالعدل، ﴿ وَيَعْلَمُونَ ﴾ في ذلكالموقف العظيم ﴿ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ أي هو سبحانه الحق الواضح (يعني الإله الحق الذي تجب العبادة له وحده). ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾فيه دليلٌ على كُفر مَن سَبَّ زوجة من زوجات النبي صلىالله عليه وسلم أو اتّهمها بسوء، لأنّ اللهَ تعالى قد توَعّده بالطرد من رحمته. • الآية 26: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ﴾ يعني: كل خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مُناسب للخبيث ومُستحقٌ له، ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ يعني: وكلطيِّب من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مُناسب للطيب ومُستحقٌ له، (فالأنبياء لا يُناسبهم إلا كل طيب من النساء - وخصوصاً سيِّدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين - فالذَمُّ في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر هو ذَمٌّ في النبي صلى الله عليه وسلم، إذ مُجَرد كَوْنها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها لا تكونُ إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح)، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ الطيبونوالطيبات ﴿ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ﴾: أي مُبَرّؤون مما يَتّهمهم به الخبيثون، و﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ وهو الجنة، (واعلم أنّ الإمام مالك رحمه الله قد قال: (مَن سَبّ عائشة بالفاحشة فقد كَفَر، لأنّ عائشة بَرّأها اللهُ تعالى)). • الآية 27: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ﴾ أي حتى تستأذنوا في الدخول ﴿ وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ (وصيغة ذلك السلام من السُنّة:السلامُ عليكم أأدخل؟)، فإذا قيل له: (مَن؟)، فعليه أن يَذكر اسمه، ولا يقل: (أنا)، (واعلم أنّ من آداب الاستئذان أن يَطرق الباب طرقاً خفيفاً، وألاَّ يَقف أمام الباب وإنما يقف بجانبه). ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي الاستئذان ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ - لأنّ فيه الوقاية من الوقوع في الإثم - ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ أي لتتذكروا باستئذانكم أنكم مؤمنون، وأنّ الله تعالى هو الذي أمَركم بهذا الاستئذان، حتى لا يحصل لكم ما يَضُرّكم، وبذلك يزداد إيمانكم. • الآية 28: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا ﴾: يعني فإن لم تجدوا أحدًا في بيوت الآخرين ﴿ فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ أي حتى يُوجَد مَن يَأذن لكم، ﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا ﴾ - لأمرٍ اقتضى ذلك - ﴿ فَارْجِعُوا ﴾ وأنتم راضونَ غير ساخطين، لأنّ الرجوع في هذه الحالة ﴿ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ يعني أطهَرلنفوسكم (لأن الإنسان له أحوالٌ يَكره أن يَطَّلع عليها أحد)، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ وسيُجازي كل عاملٍ بعمله (إذاً فأطيعوه في تشريعه لكم بالاستئذان، حتى تَكملوا وتَسعدوا في الدنيا والآخرة). • الآية 29: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ﴾ أي لا حرجَ عليكم ولا إثم في ﴿ أَنْ تَدْخُلُوا ﴾ - بدون استئذان - ﴿ بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ أي ليست مُخَصّصة للسكن، وإنما ﴿ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ﴾ أي جُعِلَت ليَنتفع بها مَن يَحتاج إليها (كالبيوت المُعَدَّة لابن السبيلفي طُرُق المسافرين وغير ذلك من المرافق العامة، فهذه الأماكن فيها منافع وحاجة لمن يدخلها)، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ أي يَعلم سبحانه أحوالكم الظاهرة والخفية، فلذلك شَرَّعَ لكم ما تحتاجونه، وكذلك يَعلم سبحانه ما في أنفسكم فاحذروه، (وفي هذا تحذير لمن يدخل البيوت ولا يُراعي حُرمتها، كالتطلع إلى العورات وغير ذلك)، بل على الإنسان أن يَجلس في مكانٍ لا يَكشف فيه عورة البيت. • الآية 30: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها النبي - ﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ عمَّا لا يَحِلُّ لهم منالنساء والعورات، ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ عمَّا حَرَّم الله من الزنى واللواط وكَشْفالعورات وغير ذلك، ﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ يعني أطهر لهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ (إذاً فلْيُراقبوه سبحانه فيما أمَرهم به ونَهاهم عنه، لأنهم سيَرجعون إليه بعد موتهم، وسيُجازيهم على أعمالهم). ♦ واعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُتبِع النظرةَ النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية) (انظر حديث رقم: 7953 في صحيح الجامع)، والمقصود بالنظرة الأولى هي نظرة الفجأة، لأنه ثَبَتَ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن نظرة الفجأة فقال: (اصرف بصرك) (انظر صحيح سنن أبي داوود ج:2/ 246). • الآية 31: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ عمَّا لا يَحِلُّ لهنّ من العورات، ﴿ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ عمَّا حَرَّم الله، ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾: أي لا يُظهِرنَ زينتهنّ للرجال، ويَتجَنّبنَ التبرج (كوَضْع العِطر والكُحل وغير ذلك)، ويَجتهدنَ في إخفاء مواضع الزينة ﴿ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ يعني إلا الزينة التي لابد من ظهورها للضرورة (كالعَينين للنظر بهما، والكَفّين لتناول شيئ، والثياب الظاهرة التي لابد من ارتدائها (ما لم يكن فيها شيءٌ يؤدي إلى الفتنة بها))، ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ يعني: ولْيُلقِينَ بغطاء رؤوسهنّ على صدورهنّ (حتى يَستُرنَ العُنُق والصدر سِتراً كاملاً). ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾: أي لا يُظْهِرْنَ الزينة الخَفية إلا لأزواجهنّ (إذ يَرَونَ منهنّ ما لا يَرى غيرهم)، ﴿ أَوْ آَبَائِهِنَّ ﴾ يعني: ويُباح لآبائهنّ رؤية بعض الزينة (كالوجه والعُنُق واليدين والساعدين)، واعلم أنّ الأجداد أيضاً يدخلون في لفظ: (آَبَائِهِنَّ)، ﴿ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾: يعني وكذلك آباء أزواجهنّ (وكذلك أجدادهم)، ﴿ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ ﴾ (ويَدخل في ذلك أحفادهنّ)، ﴿ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ﴾ أي أبناء أزواجهنّ (وكذلك أحفادهم)، ﴿ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ ﴾ ﴿ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ ﴾ ﴿ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ﴾ (وسواء كان الأخوة والأخوات الأشِقّاء، أو الذين من جهة الأب، أو الذين من جهة الأم)، ﴿ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ أي نساء أُمَّتِهن (والمقصود: النساء المُسلمات، أما النساء الكافرات فلا يَرَونَ منهنّ إلا الوجه والكفين، وأما غير ذلك فيكون إظهاره لهنّ للضرورة)، ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾ يعني أو العبيد المَملوكون لها مِلكاً تاماً - دونَ أن يكون لها شريكٌ فيه - فلِلمُسلمة أن تكشف وجهها لخادمها المملوك، ﴿ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ﴾ يعني: وكذلك الرجال الذين لا شهوةَ لهم في النساء (مِثل البُلْه - وهم فاقِدي العقل - الذين يَتبعون غيرهم للطعام والشراب فقط)، ﴿ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ﴾ يعني: وكذلك الأطفال الصغار الذين ليس لهم عِلم بأمور عورات النساء، ولم توجد فيهم الشهوة بعد. ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾ أي لا يَضرب النساء عند سَيْرهنّ بأرجلهنّ ﴿ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾: أي ليُسْمِعْن الرجال صوت ما خَفِيَ من زينتهنّ كالخُلخال ونحوه (ومِن ذلك ما يُعرَف في عصرنا بـ (الكعب العالي)، ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ أي ارجعوا أيها المؤمنون إلى طاعة ربكم فيما أمَرَكم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الحميدة، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات القبيحة ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ أي لتفوزوا بخيرَي الدنيا والآخرة. ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ فيه رَدٌّ على مَن يُكَفّر المسلمين بسبب ارتكابهم للذنوب، فإنّ اللهَ تعالى قد أمَرَ المؤمنين بالتوبة من الذنوب، ولم يَنزع عنهم لفظ الإيمان. • الآية 32: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾: أي زَوِّجوا مَن لا زوجَ له - من رجالكم ونسائكم - الأحرار، وأعِينوهم بالمال ليَعِفُّوا أنفسهم عن الحرام، ولا تُعَطِّلوا الزواجَ بطلب المهور الباهظة التي لا قدرةَ للرجال على تَحَمُّلها، فإنّ هذا لا يُرضي اللهَ تعالى، ﴿ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾: أي وكذلك زَوِّجوا الصالحين مِنعبيدكم وجَواريكم، ﴿ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ ﴾ يعني إن يَكُن الراغبون في الزواج للعِفّة فقراء، فلا تَرفضوهم بسبب فقرهم، فقد تَكَفّلَ اللهُ بغِناهم بعد تزويجهم بقوله: ﴿ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عَونهم - وذَكَرَ منهم - الناكح الذي يريد العفاف) (انظر حديث رقم: 3050 في صحيح الجامع)، ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ أي كثيرُ الخير، عظيمُ الفضل، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بحاجة المحتاجين. • الآية 33: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ﴾ يعني: والذين لا يَستطيعون الزواج - لعدم وجود مَن يَقبلهم بسبب فقرهم، أو لعدم وجود الزوجة المناسبة، أو غير ذلك مما يَمنعهم من الزواج - فعليهم أن يَعِفّوا أنفسهم عمَّا حَرَّمَ الله(وذلك بالصبر والصيام، وغض البصر، وبصرف الأفكار الرديئة التي تخطر بقلوبهم وغير ذلك) ﴿ حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بالمال اللازم للزواج، ﴿ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ يعني: والذين يريدون أن يَتحرروا - منالعبيد والجَواري - عن طريق مُكاتَبة أسيادهم (أي التعاقد معهم والاتّفاق على بعض المال)، بحيث يؤدونه إليهم مُقابل حريتهم: ﴿ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ﴾ أي: فعَلَى أسيادهم أنيُكاتبوهم على ذلك إنْ عَلِموا فيهم خيرًا (مِن رُشدٍ وقدرةٍ على الكسب والسداد، وصلاحٍ فيالدين)، ﴿ وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ ﴾ يعني: وعلى الأغنياء أن يُعينوهم بشيئٍ من الزكاةِ وغيرها لسداد هذا المال لأسيادهم، وكذلك على أسيادهم أن يَضَعوا عنهم شيئاً من شروط هذه المكاتبة، (واعلم أنه سبحانه قد رَغَّبَهم في إعطائهم بقوله: ﴿ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ ﴾ أي: فكما أنّ المال مالُ الله، إذاً فأحسِنوا لعباد الله، كما أحسن اللهُ إليكم). ﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾: أي لا يَجوز لكم إكراه جَواريكم على الزنى طلبًا للمال (وكيف تفعلونَ ذلك وهُنّيُرِدْن العفة عن الحرام؟)، (واعلم أنه تعالى قال: ﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾ لأنه لا يُتصَوَّر إكراهها إلا بهذه الحال، وأما إذا لم تُرِدْ تَحَصُّناً فإنها تكون زانية، ويَجب على سيّدها مَنعها مِن ذلك)، ﴿ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ ﴾ على الزنى ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ ﴾ لهنّ ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهنّ (والإثمعلى مَن أكْرههنّ). • الآية 34: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ﴾ - أيها الناس - ﴿ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ﴾ أي آيات مُوَضِّحات للشرائع والأحكام والآداب ﴿ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ يعني: وَوَضَّحنا لكم قصصاًمن أخبار الأمم السابقة، مِمّا فيه عبرة لكم (كقصة يوسف وقصة مريم، وهما شَبيهتان بحادثة الإفك)، ﴿ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الذين يخافونَ عذاب الله تعالى، فيؤدوا أوامره ويَجتنبوا نواهيه، (واعلم أنّ الموعظة هي ما يَتَّعِظ به العبد فيَسلك به طريق النجاة). [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود الربع الثالث من سورة النور • الآية 35، والآية 36، والآية 37، والآية 38: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (يُخبِرُ تعالى أنه لولا نوره وهدايته لَمَا كان في الكون نورٌ ولا هداية، فهو سبحانه نور،وحجابه نور، وكتابه نور، وهدايته نور)، ﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾ - وهو الإيمان والقرآن في قلب المؤمن - ﴿ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ وهي العمود(أو القنديل)الذي يوضع فيه فتيلة المصباح (حتى يَجمع نور المصباح فلا يتفرق)،وهذا ﴿ الْمِصْبَاحُ ﴾ موضوعٌ ﴿ فِي زُجَاجَةٍ ﴾ (لأنها جسمٌ شفاف فتُظهِر الضوء)، وهذه ﴿ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا ﴾ - لصفائها - ﴿ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ أي كوكب مُضيء مُشرِق كالدُّر، ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ يعني: والزيت الذي توقد به فتيلة المصباح قد أُحضِرَ من شجرةٍ مباركة (وهي شجرة الزيتون)، وموقع هذه الشجرة من البستان أنها: ﴿ لَا شَرْقِيَّةٍ ﴾ فقط (بحيث لا ترى الشمس إلا في الصباح)، ﴿ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾ فقط (بحيث لا ترى الشمس إلا في المساء)، بل هي في وسط البستان، حتى تصيبها الشمس في كامل النهار، فلذلك كان زيتها في غاية الجودة، ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا ﴾ من شدة صفائه ﴿ يُضِيءُ ﴾ أي يَشتعل من نفسه ﴿ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ (فإذا مَسَّتْه النار - لإشعال الفتيلة - أضاءَ إضاءةً بليغة). ♦ فهذا النور المجتمع في المصباح هو ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ أي نورٌ منإشراق الزيت على نور من إشعال النار، وقد اختلطت هذه الأنوار في الزجاجة التي في القنديل فصارت كأنوَر ما تكون، (فذلك مَثَل الهدى الذي يُضيء في قلب المؤمن، يكاد يَعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم: زاده هدىً على هدىً ونوراً على نور، وبرهاناً بعد برهان)، ﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾: أي يُوَفق اللهُ مَن يشاء لاتّباع كتابه (مِمّن عَلِمَ صِدقَ نيّته ورغبته في الإيمان)، ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ﴾ ليَفهموا ما يدعوهم إليه، ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (ومِن ذلك عِلمه بعباده وأحوال قلوبهم، ومَن يستحق الهداية منهم ومَن لا يَستحقها) (اللهم اهدنا ولا تُضِلّنا، وثبِّتنا على الحق حتى نَلقاك). ♦ وهذا النور الذي يَهدي اللهُ به عباده موجودٌ ﴿ فِي بُيُوتٍ ﴾ أي في مساجد ﴿ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ﴾: يعني أَمَرَ اللهُ أن يُرْفع شأنها وبناؤها، ﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾ (بالأذان والإقامة والصلاة والتسبيح والدعاء وقراءة القرآن)، ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ﴾: أي يُصلِّيللهِ في هذه البيوت - في الصباح وفي المساء - ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ ﴾ أي لا تُشغِلهم ﴿ تِجَارَةٌ ﴾ أي شراء ﴿ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ (فألسنتهم وقلوبهم ذاكرةٌ غير غافلة) ﴿ وَ ﴾ لا تُشغِلهم دُنياهم عن ﴿ إِقَامِ الصَّلَاةِ ﴾ - في أوقاتها - بخشوعٍ وسكونٍ واطمئنان ﴿ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾ لمُستحقيها، ﴿ يَخَافُونَ يَوْمًا ﴾ وهو يوم القيامة، الذي ﴿ تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ ﴾ بين الرجاء في النجاةوالخوف من العذاب، ﴿ وَ ﴾ تتقلب فيه ﴿ الْأَبْصَارُ ﴾ فتنظر إلى أيّ مصيرٍ تكون؟ ♦ وقد فعل هؤلاء الصالحون ما فعلوه مِن الذِكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة - مُعْرِضين عن كل ما يُشغلهم عن عبادة ربهم - فتأهَّلوا بذلك للثواب العظيم ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ﴾: أي ليَجزيهم اللهُ على جميع أعمالهم بمِثل جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه في الدنيا، ﴿ وَيَزِيدَهُمْ ﴾ سبحانه ﴿ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بمضاعفة حسناتهم، ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ (أي بغير عدد ولا حَدّ)، بل يُعطيه مِنَ الأجر ما لا يَبلغه عمله، وذلك لِوَاسِع فضلِهِ سبحانه. • الآية 39: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ - بتوحيد ربهم - ﴿ أَعْمَالُهُمْ ﴾ التي ظنوها نافعة لهم (كصِلة الأرحام وفِداء الأسرى وغيرها) ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ وهو ما يُشاهَد كالماء على قاع الأرضالمستوية في الظهيرة، ﴿ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ ﴾ أي يَظنُّه العطشانُ ﴿ مَاءً ﴾ ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ (فكذلك الكافر: يظنأن أعماله تنفعه، فإذا كان يوم القيامة لم يجد لها ثوابًا) ﴿ وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ أي حاسبه على كل أعماله، وأعطاه جزاءه عليها كاملاً في جهنم، ﴿ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ فلا يَشغله سبحانه شيءٌ عن آخر، ولا يُتعِبُهُ إحصاءٌ ولا عدد (فما هي إلا لحظات ويكون الكافر في نار جهنم). • الآية 40: ﴿ أَوْ ﴾ مَثَلُ أعمالهم ﴿ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ﴾ أي في بحرٍ عميق ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ﴾: أي يَعلوه موج، و﴿ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾ آخر، و﴿ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ﴾ كثيف، ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ ﴿ إِذَا أَخْرَجَ ﴾ الناظر ﴿ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ من شدة الظلام (فكذلك الكافر: تراكمتْ عليه ظلمات الشرك والضلالوفساد الأعمال)، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا ﴾ - مِن كتابه وسُنّة نَبيِّه - ليَهتدي به ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ أي فماله مِن هادٍ يهديه من الضلال. • الآية 41: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾: يعني ألم تعلم - أيها النبي - ﴿ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (حتى الكافر فإنه - وإنْ لم يُسَبّح اللهَ بلسانه - فإنه يُسَبّحه بحاله، إذ يَشهد بفِطرته أنّ اللهَ سبحانه هو الخالق القادر)، ﴿ وَالطَّيْرُ ﴾ - بصفةٍ خاصة - تراها ﴿ صَافَّاتٍ ﴾ أي تَبسط أجنحتها في السماء لتُسَبِّح ربها (وهذه هي صفة تسبيح الطير)، ﴿ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾ أي: كل مخلوق قد أرشدهاللهُ كيف يُصَلّي له ويُسَبِّحه ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾، (فإذا امتنع المشركون عن توحيد الله وطاعته، فإنّ اللهَ تعالى غَنِيٌّ عن عبادتهم، إذ يُسَبِّح له الملكوت العُلوي والسُفلي). • الآية 42: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾: يعني وإليه سبحانه المَرجع يوم القيامة للحساب والجزاء. • الآية 43، والآية 44، والآية 45: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ﴾ أي يَسوقُ السحابَ إلى حيث يشاء ﴿ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾: أي يَجمع أجزاء السحاب بعدتفرقه ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ﴾ أي يَجعله متراكمًا فوق بعض ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ ﴾ أي المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾ أي مِن بين السحاب ليَحصل به الانتفاع، ﴿ وَيُنَزِّلُ ﴾ سبحانه ﴿ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ﴾: أي يُنَزِّل من السحاب - الذي يشبهالجبال في عظمته - بَرَدًا (وهو حجارة بيضاء كالثلج) ﴿ فَيُصِيبُ بِهِ ﴾ أي بذلك البَرَد ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾ مِن عباده، ليُهلِك به زرعه (بسبب ذنوبه) ﴿ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ﴾ (بفضله ورحمته)، ﴿ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾: أي يكاد ضوء البرق في السحاب يَخطف أبصارالناظرينَ إليه مِن شدته. ♦ ثم وَضَّحَ سبحانه بعض دلائل قدرته، ليُبَيِّن لعباده أنه المُنفرد بالخلق والتدبير، وبأنه وحده المستحق للعبادة، فقال: ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ (وذلك بمَجيء أحدهما بعدالآخر، واختلافهما طُولا وقِصَرًا)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾: يعني إنّ في ذلك لَدلالةً يَعتبر بها أصحاب البصائر على قدرة الله تعالى ووجوب توحيده، ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ﴾ أي مِن نُطفة (وهو ماء الذكَر) ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي ﴾ زحفًا ﴿ عَلَى بَطْنِهِ ﴾ (كالثعابين)، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ ﴾ (كالإنسان)، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ﴾ (كالبهائم)، ﴿ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ (إذْ بعض الحيوانات لها أكثر من أربع)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي قادرٌ على فِعل وإيجاد ما يريد، (ألاَ فاعبدوه وحده ولا تشركوا به). • الآية 46: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا ﴾ في هذا القرآن ﴿ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ﴾ أي علامات واضحات مُرشِدات إلى الحق، ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ أي يُوَفق من يشاء - مِمّن رَغِبَ في الهداية وطَلَبَها وسَلَكَ طُرُقها - إلى طريقٍ مستقيم، وهو الإسلام (اللهم اجعلنا مِن أهله فإنك قدير). • الآية 47: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ أي يقول المنافقون - كَذِباً -: ﴿ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ﴾ ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّى ﴾ أي يُعرِض ﴿ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ﴾ بقلوبهم عن الإيمان بالله وآياته ورسوله ﴿ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ أي مِن بعد تصريحهم بالإيمان والطاعة ﴿ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾. • الآية 48، والآية 49، والآية 50: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ يعني: وإذا دُعوا - في خُصوماتهم - إلى ما في كتاب الله وإلى رسوله ﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾ ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ أي يُعرضوا عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ يعني: وإن يكن الحق في جانبهم: ﴿ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾: أي يأتوا إلى النبي طائعينَمُنقادينَ لحُكمه (لعِلمهم أنه يقضي بالحق)،﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾: يعني هل سَبَبُ ذلك الإعراض ما في قلوبهم من مرض النفاق؟، ﴿ أَمِ ارْتَابُوا ﴾: يعني أم شَكُّوا في نُبُوّة محمد صلىالله عليه وسلم؟، ﴿ أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ﴾: يعني أم يخافونَ أن يكون حُكم اللهِ ورسوله غير عادل؟!، والجواب: (كلا إنهم لايخافون ذلك) ﴿ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ ﴾: يعني بل السبب أنهم هم الظالمون، لأنهم يَعلمون أنّ حُكم الرسول سيكون عادلاً، فلذلك يخافون أن يأخذ منهم ما ليس لهم فيه حقٌ، ويعطيه لخصومهم. • الآية 51: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ ﴾ يعني إلى كتاب الله ﴿ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾ في خُصوماتهم ﴿ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا ﴾ ما قيل لنا ﴿ وَأَطَعْنَا ﴾ مَن دَعانا إلىالتحاكم، وقَبِلنا حُكم رسولنا ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزونَ بجنات النعيم. • الآية 52: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في الأمر والنهي، ﴿ وَيَخْشَ اللَّهَ ﴾ أي يَخَافُ أن يُعاقبه اللهُ على ما مَضَى مِن عُمره في المعصية، ﴿ وَيَتَّقْهِ ﴾: أي يَحذر الوقوع في مَعصيته في المُستقبل: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ بالنجاة من النار ودخول الجنة. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود الربع الأخير من سورة النور • الآية 53: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ أي أقسَمَ المنافقون لك - أيها الرسول - بأغلظ الأيمانٍ بأنك ﴿ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ ﴾ بالخروج للجهاد معك ﴿ لَيَخْرُجُنَّ ﴾ ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ لَا تُقْسِمُوا ﴾ كَذِبًا، ﴿ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ﴾: أي فطاعتكم معروفة أنها باللسان فقط، ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ وسيُجازيكم على أعمالكم. • الآية 54: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - للناس: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني فإن تتولوا (والمعنى: فإن تُعرِضوا عن الطاعة وتَرفضوها): ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ﴾: يعني فإنما على الرسول أن يَفعل ما أُمِرَ به مِن تبليغ الرسالة وبَيانها قولاً وعملاً، ﴿ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ﴾ أي: وعلى الجميع وجوب الانقياد والطاعة، والعمل بشرع اللهِ تعالى، ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ ﴾ صلى الله عليه وسلم ﴿ تَهْتَدُوا ﴾ إلى الحق، ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي البلاغ الواضح لرسالة ربه، وليس عليه هداية القلوب، لأنها بيد اللهِ وحده (إذاً فاطلبوها منه تعالى بصِدقٍ وتضرع). • الآية 55، والآية 56: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ بأنه سبحانه ﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي سيُوَرِّثهم أرض المشركين ويَجعلهم خلفاء فيها بعد أن يَنصرهم عليهم ﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾: يعني كما فعل ذلك مع مَن سَبَقوهم من المؤمنين، ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾ يعني: وسيَجعل دينهم الذي ارتضاه لهم - وهو الإسلام - دينًا عزيزًا ذي مكانةٍ عالية (بأن يُظهِره على سائر الأديان، ويَحفظه من الزوال) ﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾: أي سوف يُبَدِّل سبحانه حالهم من الخوف إلى الأمن. ♦ واعلم أنّ هذه الآية قد نزلت بالمدينةِ والمسلمون خائفون، لا يَقدر أحدهم أن يَنام وسَيْفُهُ بعيدٌ عنه، وذلك بسبب شدة الخوف من الكافرين والمنافقين، حتى أنجز اللهُ لهم وَعْده، فنَصَرهم على أعدائهم واستخلفهم في أرضهم، وبَدَّلَهم بعد خوفهم أمناً، ولقد صَدَقَ النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لأصحابه - كما في صحيح البخاري -: (واللهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمر - أي الإسلام - حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حَضْرَمَوت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون). ♦ ثم وَضَّحَ سبحانه سبب نَصْره وتمكينه لهؤلاء المؤمنين فقال: ﴿ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ ﴿ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ أي بعد ذلك النصر والأمن والتمكين، وجَحَدَ نِعَم الله عليه ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ أي الخارجون عن طاعة الله تعالى. ♦ واعلم أنّ العبادة قد عرَّفها ابن تَيْمِيَة رحمه الله بأنها: (هي اسمٌ جامع لكل ما يُحبه اللهُ ويَرضاهُ من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة)، وعَرَّفها ابن القَيِّم رحمه الله بأنها: (هي كمال الحب مع كمال الذل). ♦ ثم وَضَّحَ لهم سبحانه أهم أركان هذه العبادة فقال: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ أي في أوقاتها (بخشوعٍ واطمئنان) ﴿ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ لمُستحقيها ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ أي ليَرحمكم الله تعالى في دُنياكم وآخرتكم فلا يُعَذبكم فيهما، (وفي هذا إشارة إلى أهمية السُنّة ووجوب اتّباعها وعدم التفريط فيها). • الآية 57: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ ﴾ أيها الرسول أنّ ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾ يعني إنهم لن يُعجزو اللهَ تعالى إذا حاولوا الهرب في الأرض، وإنه سبحانه قادرٌ على إهلاكهم في الدنيا قبل الآخرة (كما حدث ذلك في بدر) ﴿ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ﴾ أي: ومَرجعهم في الآخرة إلى النار ﴿ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾، (واعلم أنّ الآية تَحمل تصبيراً للنبي صلى الله عليه وسلم). • الآية 58: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ﴾ أي مُرُوا عبيدكم وجَواريكم والأطفال الأحرار الذين لم يَبلغوا سن الاحتلام أن يستأذنوا عند الدخول عليكم ﴿ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ﴾ وهي أوقات عوراتكم الثلاثة: ﴿ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ ﴾ لأنه وقت الخروج مِن ثياب النوم ولِبْس ثياب اليقظة، ﴿ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ﴾ وهو وقت خلع الثياب في الظهيرة للاستراحة أو النوم، ﴿ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ﴾ لأنه وقت النوم، فهذه الأوقات هي ﴿ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ﴾ أي يَقِلّ فيها التَسَتُّر، و﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ﴾: يعني أمّا في غير هذه الأوقات فلا حرجَ عليهم ولا عليكم إذا دخلوا بغير إذن (لحاجتهم في الدخول عليكم)، لأنهم ﴿ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي يَدخلون ويَخرجون عليكم للخدمة، ﴿ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ أي: بعضكم لابد أن يدخل على بعض (فأنتم تدخلون عليهم لطلب حاجتكم، وهم يدخلون عليكم للخدمة)، فلذلك لا حرج عليكم في غير هذه الأوقات الثلاثة، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ ﴾ يعني: وكما بيَّن اللهُ لكم أحكام الاستئذان، فكذلك يُبَيِّن لكم الآيات المتضمنة للشرائع والأحكام والحُجَج والآداب، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بما يُصلِح خَلْقه، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تدبير أمورهم. • الآية 59: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ﴾ (وهو سن الاحتلام والتكليف بالأحكام الشرعية): ﴿ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ﴾ - إذا أرادوا الدخول عليكم - في كل الأوقات ﴿ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ أي كما يَستأذن الكبار (لأنهم أصبحوا مُكَلَّفين مِثلهم)، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ ﴾ المتضمنة لأحكامه وشرائعه ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بما يَحتاجه خَلْقه، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تشريعاته لهم، (لِذا فعَلَى عباده أن يُطيعوه فيما يأمرهم به ويَنهاهم عنه). • الآية 60: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا ﴾ يعني: والعجائز من النساء اللاتي قَعَدنَ - أي يَئِسنَ - من الزواج والحمل والحيض لكِبَر سِنِّهِنّ (فلا يَرغبنَ في الرجال للزواج، وكذلك لا يَرغب فيهنّ الرجال) ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ ﴾: أي فليس على هؤلاء النساء إثم في ﴿ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ﴾ أي يَتخَففنَ مِن بعض ثيابهنّ الظاهرة (كالعَباءة التي تكون فوق الثياب، والقناع الذي فوق الوجه، والخمار الذي فوق حجاب الرأس)، بشرط أن يَكُنّ ﴿ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ﴾: يعني غير مُظهِراتٍ للزينة (كالثياب الضيقة أو الشفافة، أو وَضْع الكُحل والعِطر وما يُعرَف بـ "أحمر الشفتين"، وغير ذلك مما هو زينة يَجب سِتره)، ﴿ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ﴾ يعني: ولُبْسهن لهذه الثياب - سِترًا وتعففًا - أمام غير المحارم: أحسن لهنّ. ♦ وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ فيه تحذيرٌ لهؤلاء القواعد من التوسع في الرخصة التي أباحها اللهُ لهنّ، أو جَعْلها وسيلة لما لا يحُمَد عُقباه، فلَفْظ (السميع) لتذكيرهنّ بأنه سبحانه يَسمع ترقيق أصواتهنّ أمام الرجال، وكذلك يَسمع ما تحدثهنّ به أنفسهنّ من المقاصد والنوايا، ولَفْظ (العليم) لتذكيرهنّ بأنه سبحانه يَعلم أحوال وضعهنّ للثياب وتبرجهنّ وغير ذلك. • الآية 61: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾: أي ليس على أصحاب هذه الأعذار إثم ولا حرج في الأكل مِن بيوت المسلمين (لأنهم غير قادرين على التَكَسُّب)، وكذلك لا حرج عليهم في الأكل مع الأصِحَّاء، (وذلك لأن أصحاب الأعذار شعروا بالحرج من الأكل مع الأصِحَّاء، خوفاً من أن يكون الأصِحَّاء يَتَأذّون منهم فآلَمَهُم ذلك، فأنزل اللهُ هذه الآية ليَرفع الحرج عنهم)، ﴿ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - حرجٌ في ﴿ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ ﴾ ﴿ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ ﴾: يعني أو أن تأكلوا من البيوت التي وُكِّلْتم بحِفظها في غياب أصحابها، ﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾: يعني أو أن تأكلوا من بيوت الأصدقاء، و﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾: أي لا حرج عليكم أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين (يعني: كل واحد بمفرده)، إذ كان بعضهم يَتحرج من الأكل بمفرده. ♦ واعلم أنه لا ينبغي أن يُفهم مِن كلمة: (مجتمعِين) أن يأكل النساء مع رجالٍ غير أزواجهنّ ومَحارمهنّ، فإنّ هذا لا يَجُوز، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾)، ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا ﴾ - مسكونة أو غير مسكونة - ﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي: فليُسَلِّم بعضكم على بعضٍ بتحية الإسلام، وهي: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، (أو: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (إذا لم يوجد فيها أحد). ♦ وقد كانت هذه التحية التي شرعها اللهُ لكم ﴿ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ لأنه هو الذي شَرَعها وأمَرَ بها، ﴿ مُبَارَكَةً ﴾ أي تعود بالنفع والخير على الجميع، ﴿ طَيِّبَةً ﴾ أي محبوبة للسامع، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ ﴾ والأحكام ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ أي لتعقلوا هذه الآيات وتعملوا بها. ♦ واعلم أنه قد ثَبَتَ في صحيح مُسلِم دعاء دخول المَنزل، وهو أن يقول المؤمن: "اللهم إني أسألك خير المَوْلَج - (أي: خير المَدخل) - وخير المَخرج، بسم الله وَلَجنا - (أي: دَخَلنا) - وبسم الله خَرَجنا وعلى الله ربنا توكلنا"، ثم يُسَلّم على أهله. • الآية 62: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ حقًا هم ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ ﴿ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾: يعني إذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على أمرٍ جَمَعَهم له في مصلحة المسلمين: ﴿ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾: أي لم يَنصرف أحدٌ منهم حتى يَستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ حقًا، ﴿ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ﴾ أي لأجل بعض حاجتهم ﴿ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ أي ائذَن لمن طلب الانصراف لعذر، ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ﴾ لأنّ عُذرهم قد يكون غير مُبيحٍ للاستئذان، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لذنوب عباده التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم. • الآية 63: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ يعني: لا تقولوا - أيها المؤمنون - عند ندائكم لرسول الله: يا محمد، كما تنادونَ بعضكم، ولكن شرِّفوه، وقولوا: (يا رسول الله)، ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ ﴾ المنافقين ﴿ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ ﴾ ليَخرجوا من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذنه ﴿ لِوَاذًا ﴾ أي يَستر بعضهم بعضاً، ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ صلى الله عليه وسلم ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي تَنزل بهم مِحنة وشر أو أن يُضِلّ اللهُ قلوبهم فيَكفروا ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ في الآخرة، (وفي هذا دليل على أنّ المتجرىء على الاستهانة بسُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم يُخشَى عليه مِن سُوء الخاتمة). • الآية 64: ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ - خَلقاً ومُلكاً وتصرُّفاً وتدبيراً - فهو سبحانه يتصرف كما يشاء، ويَحكم ما يريد (ومِن ذلك أمْرُهُ تعالى بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير من مخالفة أمْره)، ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴾: أي قد أحاط عِلْمه سبحانه بجميع ما أنتم عليه، ﴿ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ ﴾أي جميع الخلق يوم القيامة ﴿ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ﴾ ويُجازيهم على أعمالهم ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. ♦ واعلم أنّ كلمة: (قد) المذكورة في قوله تعالى: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴾، وفي قوله تعالى: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ ﴾ جاءت هنا للتأكيد والتقرير، إذ هي تأتي أحياناً للتقليل، وتأتي أحياناً للتكثير. * وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ * الربع الأول من سورة الفرقان رامي حنفي محمود الآية 1، والآية 2: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ﴾: أي عَظُمَتْ بركات الله تعالى، وكَثُرَتْ خيراته، فهو الذي نَزَّلَ القرآن الفارق بين الحق والباطل ﴿ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ أي ليكون مُخَوِّفًا للإنس والجن من عذاب اللهِ ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ - لغِناهُ سبحانه عن ذلك - ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ أي أعطى كل مخلوق ما يُناسبه من الخَلق، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ﴾ أي أعطاهُ خَلْقه اللائق به على أحسن صُنعٍ ﴿ ثُمَّ هَدَى ﴾ يعني أرشَدَ كل مخلوق إلى الانتفاع بما خَلَقَه له. الآية 3: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا ﴾: أي اتّخذ المشركون معبوداتٍ باطلة لا تستطيع أن تخلق شيئاً (وإنْ صَغُر)، ﴿ وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ يعني: بل هي مصنوعةٌ مِن حجارة، فكيف إذاً يَعبدونها؟!، ﴿ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ (فكيف لها أن تَنفع عابِدِيها أو تَضُرّ مَن لم يَعبدها؟!)، ﴿ وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾: أي لا تستطيع هذه المعبودات أن تَسلب حياة المخلوقات، أو أن تُوجِدهم من العدم، أو أن تُطِيلَ أعمارهم حينَ يأتي أجَلهم، أو أن تبعثهم أحياءً من قبورهم. الآية 4: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ ﴾ أي ما هذا القرآن إلا كَذِبٌ اختلقه محمد ﴿ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ ﴾ ﴿ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ﴾ أي لقد ارتكبوا ظلمًا فظيعًا، وقالوا كذباً قبيحاً؛ فالقرآن لا يستطيع أن يقوله بَشَر (وهُم يَعلمونَ هذا لأنهم أبلغ البشر). الآية 5، والآية 6: ﴿ وَقَالُوا ﴾ عن القرآن: ﴿ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا ﴾ أي قصص الأولين المُسَطَّرة في كُتُبهم، وقد نَقَلَها محمدٌ منهم ﴿ فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾: أي فهي تُقْرَأ عليه صباحًا ومساءً، فرَدّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: يعني إنّ الذي أنزل القرآن هو اللهُ الذي أحاطَ عِلْمه بما في السماوات والأرض، ويَعلم ما يُسِرُّون وما يُعلنون، ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا ﴾ لمن تاب من الشِرك به وجحود رسالته، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بهم حيث لم يُعاجلهم بالعقوبة، (فلولا أنّ رحمته سبقتْ غضبه لأَهلَكَ مَن كَفَرَ به). ♦ ويُذَكِّرني قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ بقول البرُوفِيسُور "يوشيودي كوزان" (مُدير مَرصَد طُوكيُو): (إنَّ هذا القرآن يَصِفُ الكونَ مِن أعلى نقطةٍ في الوجود، فكل شيء أمامه مكشوف، إنَّ الذي قال هذا القرآنَ يرى كل شيء في هذا الكون، فليس هناك شيءٌ قد خَفِيَ عليه). من الآية 7 إلى الآية 9: ﴿ وَقَالُوا ﴾: ﴿ مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ﴾ يعني: ما لهذا الذي يَزعم أنه رسول (يَقصدون محمدًا صلى الله عليه وسلم) يأكل الطعام مِثلنا ﴿ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ لطلب الرزق؟ ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴾ يعني: هَلاّ أرسَلَ اللهُ معه مَلَكًا ليَشهد على صِدقه، ﴿ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ ﴾ من السماء ﴿ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ﴾ أي حديقة عظيمة ﴿ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾ لتكون دليلاً على اعتناء الله به؟، ﴿ وَقَالَ الظَّالِمُونَ ﴾ أي قال السادة لِمَتبُوعيهم: ﴿ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ﴾ أي: ما تَتَّبعونَ إلا رَجُلاً قد أصابه السِحرُ فأصبح مَخدوعاً به، فلا تتأثروا بكلامه ولا تلتفتوا إليه. ﴿ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ ﴾: أي تَعَجَّبْ أيها الرسول مِن قولهم عنك بأنك ساحر، حتى يُلقوا الشُكوك حولك، باحثينَ بذلك عن طريقٍ يُخَلِّصهم مِن دعوة التوحيد، ولكنهم لن يستطيعوا، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَضَلُّوا ﴾ أي ضَلُّوا عن طريق الحق بسبب هذه الأقوال الكاذبة ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ﴾ أي: فلا يَجدونَ طريقاً يَرجعونَ به إلى الحق الذي تَرَكوه، أو يَتمكنوا به مِن صَرْف الناس عن دَعْوَتك (والذي أَوْقعهم في ذلك كِبْرهم وعِنادهم). من الآية 10 إلى الآية 14: ﴿ تَبَارَكَ ﴾ اللهُ العظيم ﴿ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ ﴾ الذي يَطلبونه منك، إذ لو شاء سبحانه لَجَعَلَ لك في الدنيا ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق كثيرة ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ ﴿ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ﴾ عظيمة، ولكنه سبحانه لم يَشأ ذلك في الدنيا، لأنها دارُ عمل، وليست دارُ جزاء وراحة ونعيم، والخير فيما يشاؤه سبحانه. ♦ وما كَذَّبوك لأنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق ﴿ بَلْ كَذَّبُوا ﴾ - عِناداً - ﴿ بِالسَّاعَةِ ﴾ التي تقوم فيها القيامة، ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ﴾ أي نارًا حارة تُوقَد عليهم وتَغلي بهم، و﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ ﴾ هذه النار يوم القيامة ﴿ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾: ﴿ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴾ أي سمعوا صوت غليانها وغَيظها منهم، ﴿ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا ﴾: يعني إذا أُلقوا في مكانٍ شديد الضِيق من جهنم، ﴿ مُقَرَّنِينَ ﴾ يعني: وقد قُيِّدَت أيديهم بالسلاسل إلى أعناقهم: ﴿ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ﴾: أي دَعَوْا على أنفسهم بالهلاك للخَلاص من ذلك العذاب، فحينئذٍ يُقالُ لهم تيئيسًا وتحسيراً: ﴿ لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ﴾ أي لا تَدْعوا اليوم بالهلاك مرة واحدة، بل ادعوا مراتٍ كثيرة، فإنه لا خَلاصَ لكم. الآية 15، والآية 16: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ أَذَلِكَ ﴾ يعني أهذه النار التي وُصِفتْ لكم ﴿ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ ﴾ يعني أم جنة النعيم الدائم ﴿ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ أي التي وَعَدَ اللهُ بها الخائفين من عذابه، ﴿ كَانَتْ ﴾ الجنة ﴿ لَهُمْ جَزَاءً ﴾ على أعمالهم، ﴿ وَمَصِيرًا ﴾ يَرجعون إليه في الآخرة، ﴿ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ﴾ مِن كل ما تشتهيه أنفسهم مِمَّا لَذَّ وطابَ من المطاعم والمشارب والملابس والمراكب وغير ذلك مِمَّا لم يَخطر على قلب بَشَر، (وهذا هو مُنتهَى الإكرام، إذ كَون العبد يَجد كل ما يَشتهي، هو نعيمٌ ليس بعده نعيم)، ﴿ خَالِدِينَ ﴾ أي متاعهم فيها دائم، ﴿ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ﴾ أي كان دخولهم الجنة وعدًا مسؤولاً على ربك - أيها الرسول - يسأله عليه عباده المتقون يوم القيامة قائلين: ﴿ رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ﴾، والملائكة تقول: ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ ﴾، فيُنجز اللهُ لهم وعده، والله لا يُخلف الميعاد. الآية 17: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ ﴾ أي اذكر أيها الرسول يوم يَحشر الله المشركين مع آلهتهم التي كانوا يَعبدونها ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ كالملائكة والأنبياء والأولياء والجن ﴿ فَيَقُولُ ﴾ اللهُ لهؤلاء - الذين عَبَدهم المشركون -: ﴿ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ ﴾ عن طريق الحق، وأمَرتموهم بعبادتكم؟، ﴿ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴾ يعني: أم هم الذين ضَلّوا طريق الحق فعبدوكم مِن عند أنفسهم؟ (واعلم أنّ هذا الاستفهام غرضه التقرير والشهادة على المشركين). الآية 18، والآية 19: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال المعبودون من دون الله: ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ أي تنزيهًا لك يا ربنا عَمَّا فعل هؤلاء، فـ ﴿ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ ﴾ أي لا يَصِحُّ أن نَتَّخِذ تابعينَ لنا نأمرهم بعبادتنا وترْك عبادتك ﴿ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ ﴾ بطول الأعمار وسعة الأرزاق، فانغمسوا في الشهوات والمَلَذّات ﴿ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ﴾ أي حتى نَسوا ذِكْرك وعبادتك وما جاءتهم به رُسُلك، ﴿ وَكَانُوا ﴾ بذلك ﴿ قَوْمًا بُورًا ﴾ أي قومًا هالكينَ خاسرين، فحينئذٍ يُقال للمشركين: ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ ﴾: أي لقد كَذَّبكم الذين عبدتموهم في ادِّعائكم عليهم، ﴿ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا ﴾: أي فها أنتم الآن لا تستطيعون دَفْعًا للعذاب عن أنفسكم، ﴿ وَلَا نَصْرًا ﴾ أي: ولا تجدون مَن يَنصركم فيَمنع عنكم العذاب، ﴿ وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ﴾ أيها الناس، بأن يُشرِك بربه - فيَعبد غيره ويَمُت على ذلك -: ﴿ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴾ أي نُعَذّبه عذابًا شديدًا في جهنم. الآية 20: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ ﴾ - أيها الرسول - أحدًا ﴿ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ﴾ مِثلك ﴿ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ إذاً فلا تهتم بقول المشركين لك: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام)، فإنهم يَعرفون ذلك ولكنهم يُعاندون، ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ ﴾ - أيها الناس- ﴿ فِتْنَةً ﴾ أي ابتلاءً واختبارًا بالغِنى والفقر، والصحة والمرض وغير ذلك (فالفقير يقول: ما لي لا أكون كالغني؟، والمريض يقول: مالي لا أكون كالصحيح؟، وكذلك فإنّ الغني مُبتلَى بإعطاء الفقير، وهكذا). ﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾ يعني: هل تصبرون على هذه الابتلاءات، وتصبرون على القيام بما أوجبه الله عليكم أو لا تصبرون؟، (واعلم أنّ هذا الاستفهام غرضه الحث على الصبر والأمر به، فهو مِثل قوله تعالى - عندما حَرَّم الخمر والميسر -: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾؟ أي: انتهوا عمَّا حرّم الله)، ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ بمن يَسخَط أو يصبر، وبمن يَكفر أو يَشكر، فيَجزي الصابرين أجرهم بغير حساب، ويَجزي الساخطين بما يَستحقون من العذاب. ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ يَحمل تصبيراً للرسول صلى عليه وسلم والمؤمنين، مِن أجل ما يُلاقونه مِن عِناد المشركين وأذاهم. * وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ * رامي حنفي محمود تفسير الربع الثاني من سورة الفرقان الآية 21: ﴿ وَقَالَ ﴾ المُكَذِّبون ﴿ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾ أي الذين لا ينتظرون لقائنا في الآخرة (لأنهم لا يؤمنون بذلك): ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ ﴾ يعني: هَلاَّ أنزل اللهُ علينا الملائكة، لتُخْبِرنا بأنّ محمدًا صادق ﴿ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ﴾ فيُخبرنا بصدق رسالته. ♦ ثم وَضّحَ سبحانه سبب جُرأتهم على هذا القول بقوله: ﴿ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ يعني إنهم أخفوا التكبر عن قبول الحق في أنفسهم المغرورة، فلذلك لجؤوا لتلك المَطالب على سبيل العِناد ﴿ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ﴾ أي تجاوزوا الحدَّ في طغيانهم وكُفرهم. الآية 22: ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ ﴾ - عند الاحتضار، وفي القبر، وفي القيامة - ولكنْ ﴿ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ ﴾: أي لن تبشرهم الملائكة بالجنة، بل ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ لهم: ﴿ حِجْرًا مَحْجُورًا ﴾: أي حرامًا مُحَرمًا عليكم أن تدخلوا الجنة، (واعلم أنّ كلمة (مَحجورًا) هي صفة مؤكِّدة للمعنى). الآية 23: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ﴾ مِن أعمال الخير والبر - كَصِلة الرحم وإطعام الطعام وفَكّ الأَسرَى وغير ذلك - ﴿ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ (وهو الغبار الخفيف الذي يُرَى في ضوء الشمس)، وذلك لأن العمل لا ينفع في الآخرة إلا إذا توفرت في صاحبه هذه الشروط: (الإسلام، وإخلاص العمل لله وحده، واتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم). الآية 24: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم القيامة ﴿ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ﴾ من أهل النار ﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ أي أحسن منزلاً في الجنة، (فراحتهم تامة، ونعيمهم لا يُكَدَّر، وسعادتهم لا تَنقص). ♦ وهنا قد يقول قائل: كيف وَصَفَ اللهُ الجنة بأنها ﴿ أَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ أي مِن النار، ولا خيرَ أصلاً في النار حتى تُقارَن بالجنة؟ • والجواب: أنّ هذا من باب قول العرب: (الشقاء أحب إليك أم السعادة؟) وقد عُلِمَ أن السعادة أحَبُّ إليه. الآية 25: ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ﴾: أي اذكر أيها الرسول يوم القيامة، حينَ تتشقق السماء، ويَظهر من فتحاتها السحاب الأبيض الرقيق الذي يُشبه الضباب، ﴿ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ﴾ من السموات، حتى يُحيطوا بالخلائق في أرض المَحشر، ويأتي اللهُ تبارك وتعالى لفصل القضاء بين العباد، إتيانًا يليق بجلاله وكماله. الآية 26: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ﴾ يعني: المُلْك الحق في هذا اليوم يكونُ للرحمن وحده دونَ غيره، (إذ لم يَبقَ لملوك الأرض شيء من المُلك)، ﴿ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ أي صعبًا شديدًا (لِما فيه من العذاب والأهوال)، (ويُفهَم مِن ذلك أن هذا اليوم يكونُ على المؤمنين غيرَ عسير، بل يكونُ سهلًا خفيفًا عليهم). الآية 27، والآية 28، والآية 29: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ (نَدَمًا وحسرةً على ما قَدَّمَ في حق الله تعالى)، فـ ﴿ يَقُولُ ﴾: ﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ يعني: يا ليتني اتَّبعتُ الرسولَ محمدًا صلى الله عليه وسلم، واتّخذتُ الإسلام طريقًا إلى الجنة، ثم يَتحسَّر قائلاً: ﴿ يَا وَيْلَتَى ﴾ يعني: يا هَلاكِي (والمقصود أنه يَدعو على نفسه بالهلاك والموت، لمُشاهدته لعَظائم الأهوال وما يَنتظره من أصناف العذاب)، ويقول: يا ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ ﴾ الكافر ﴿ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ أي صديقًا أتَّبعه وأُحِبُّه، فـ ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ ﴾ أي عن القرآن وما فيه من الهدى ﴿ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ من ربي، ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ أي يَخذله عند حاجته إليه (والمقصود أنه يُوَرِّطه ثم يتخلى عنه)، (وفي هذه الآيات تحذير من مصاحبة صديق السوء، فإنه يؤدي بصاحبه إلى النار). ♦ واعلم أنّ في هذه الآيات دليل على أنّ العِبرة في القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن الآية نزلتْ في "عُقبة بن أبي مُعَيْط" عندما أسلم، ثم لامَهُ صديقه المُشرِك "أُبَيّ بن خَلَف" على إسلامه، فأطاعه "عُقبة" وارتد عن الإسلام، فهو النادم المتحسر في الآية، ومع هذا فإن الله قال: ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾، ولم يَذكر اسم "أُبَيّ بن خَلَف"، لتَبقى الآية على عمومها في كل زمان. الآية 30: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ ﴾ - شاكيًا لربه ما صَنَعَ قومه -: ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا ﴾ أي هَجَروا القرآن، وتركوا تدبُّره والعمل به وتبليغه، (وفي الآية تخويف عظيم لمن هَجَرَ القرآن ولم يَعمل به). الآية 31: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ يعني: وكما جعلنا لك - أيها الرسول - أعداءً مِن مُجرِمي قومك، فكذلك جعلنا لكل نبيٍّ عدوًّا مِن مُجرِمي قومه، فاصبر كما صَبَرَ هؤلاء الأنبياء ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا ﴾ إلى طريق الفوز والنجاة ﴿ وَنَصِيرًا ﴾ لك على أعدائك، (وفي هذا تصبير للنبي صلى الله عليه وسلم على ما يُلاقيه مِن أذى قومه). الآية 32: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ يعني: هَلَّا أُنزِلَ القرآن على محمد دُفعةً واحدة (كما نَزَلت التوراة والإنجيل)، فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ يعني كذلك أنزلناه آية بعد آية - بحسب الحوادث والأحوال - ﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾: أي لنُقَوِّي به قلبك أيها الرسول، حتى تتحمل أعباء الرسالة، وتزداد به طمأنينةً أنت وأصحابك، (إذ كلما نَزَلَ قرآن: ازدادَ المؤمنون إيمانًا، فقلوبهم تحيا بالقرآن، كما تحيا الأرض بالمطر)، ﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾: أي قرأناه عليك في تمَهُّل، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: أنّ اللهَ أنزله مُرَتَّلًا (أي شيئًا بعد شيء)، ليَتيَسَّر حِفظه وفَهمه والعمل به). الآية 33، والآية 34: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ﴾ أي: لا يأتيك المشركون بشُبهةٍ معينة أو اقتراح معين - كقولهم: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟)، وقولهم: (لولا نُزِّلَ عليه القرآن جُملةً واحدة) - ﴿ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾: يعني إلا جئناك بالجواب الحق - الذي يَقطع حُجَّتهم - وبأحسن بيان له، (وهذا أحد أسباب نزول القرآن شيئًا بعد شيء، أنهم كلما شَكَّكوا في شيء، يَنزل القرآن بإبطال شُبهتهم، وإقامة الحُجة عليهم). ♦ أولئك المشركون هم ﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ ﴾ أي تَسحبهم الملائكة على وجوههم ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾، و﴿ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ أي: هُم شَرُّ الناسِ مَنزلةً ﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ يعني: وهُم أبعد الناس عن طريق الحق. الآية 35، والآية 36: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ وهو التوراة ﴿ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا ﴾ أي جَعَلناهُ مُعِينًا له على تبليغ الرسالة، (والمقصود مِن أنّ هارون وزير أي يَشُدّ أَزْر موسى (يعني يُقوِّيه ويَتحمل معه أعباء الدعوة))، ﴿ فَقُلْنَا ﴾ لهما: ﴿ اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾ (وهُم فرعون وقومه) الذين كذَّبوا بأدلة توحيد الله تعالى التي جاءهم بها يوسف عليه السلام، (كما قال تعالى - حِكايةً عن مؤمن آل فرعون -: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ﴾، فذَهَب موسى وهارون إليهم فكذَّبوهما أيضًا ﴿ فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا ﴾ أي تدميرًا عظيمًا، حيثُ أغرقناهم جميعًا في البحر. الآية 37: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ﴾ أي لَمَّا كذبوا نوحًا عليه السلام؛ (لأن مَن كَذَّبَ رسولاً فقد كَذّبَ الرسُل جميعًا، إذ دعوتهم واحدة وهي التوحيد)، فحينئذٍ ﴿ أَغْرَقْنَاهُمْ ﴾ بالطوفان ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً ﴾ أي عِبرة عظيمة على إهلاك المشركين وإنجاء المُوَحِّدين، ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ ﴾ أي أعَدَّ اللهُ للمشركينَ الظالمين ﴿ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ في جهنم. الآية 38: ﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ ﴾ أهلكناهم عندما كذَّبوا رُسُلهم ﴿ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ ﴾ (وهُم أصحاب البئر الذين قتلوا نَبِيَّهم وألقوه في البئر فأهلكناهم)، ﴿ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ﴾ يعني: وأهلكنا أممًا كثيرة - بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب البئر - لا يَعلمهم إلا الله. الآية 39: ﴿ وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ﴾ يعني: وكل الأمم قد وضَّحنا لهم الأدلة والبراهين، ومع ذلك لم يؤمنوا، ﴿ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ﴾: أي أهلكناهم بالعذاب إهلاكًا عظيمًا. الآية 40: ﴿ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ﴾: أي لقد كان مُشرِكو "مكة" يَمُرُّون في أسفارهم على قرية قوم لوط التي أُهلِكَت بالحجارة من السماء، ﴿ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا ﴾؟! (بلى لقد رأوها)، ﴿ بَلْ ﴾ مَنَعهم من الاعتبار بها أنهم ﴿ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ﴾ أي كانوا لا يَنتظرون مَعادًا يوم القيامة يُجازون فيه على أعمالهم، فلذلك لم تنفعهم المواعظ ولم تؤثر فيهم العِبَر. الآية 41، والآية 42: ﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا ﴾ يعني: إذا رآك هؤلاء المشركون - أيها الرسول - استهزؤوا بك قائلين: ﴿ أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴾ يعني: أهذا الذي يَزعم أن الله بعثه رسولًا إلينا؟ ﴿ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا ﴾ أي لقد قارَبَ أن يَصرفنا عن عبادة أصنامنا بقوة حُجَّته وبيانه ﴿ لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ يعني: لولا أننا ثَبَتْنا على عبادتها، ﴿ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ في الآخرة: ﴿ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ يعني مَن أضَلُّ دينًا؟ أهُم أم محمد صلى الله عليه وسلم؟ الآية 43، والآية 44: ﴿ أَرَأَيْتَ ﴾ أيها الرسول ﴿ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ أي جَعَل طاعته لهواه كطاعة المؤمن لله ﴿ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ حتى تردَّه إلى الإيمان؟! ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ ﴾ القرآنَ سَماعَ تدبُّر ﴿ أَوْ يَعْقِلُونَ ﴾ أي يَتفكرونَ فيه ليَهتدوا؟! ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾ أي: ما هم إلا كالبهائم في عدم الانتفاع بما يسمعونه ﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ يعني: بل هم أضَلُّ طريقًا منها؛ (لأن الأنعام تعرف طريق مَرعاها وتستجيب لنداء راعيها، أما هم فقد جَهلوا ربهم الحق، ولم يستجيبوا لنداء رسوله). الآية 45، والآية 46: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ ﴾ يعني ألم تَرَ إلى صَنِيعِ ربك ﴿ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ﴾ أي مَدَّهُ في الكون (منذ طلوع الفجر إلى شروق الشمس)؟ ﴿ وَلَوْ شَاءَ ﴾ سبحانه ﴿ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ﴾ أي ثابتًا مستقرًّا لا تزيله الشمس، ولكنه جعل أحواله متغيرة (لتُعرَف به ساعات النهار وأوقات الصلوات، وغير ذلك من مصالح العباد)، ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾ أي جعلنا الشمس علامة على وجوده (إذ لولا الشمس: ما عُرِفَ الظل)، ﴿ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾ أي أزَلنا الظل شيئًا فشيئًا بضوء الشمس (إذ كلما ازداد ارتفاع الشمس:ازداد نقصان الظل، حتى يَنتهي ويَحِل مَحَلَّه الظلام)، (وهذا من الأدلة على قدرة الله تعالى وحِكمته، وعنايته بمصالح خلقه، وأنه وحده الذي يَستحق أن يَعبدوه). ♦ واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا ﴾ فيه تشبيهٌ للظل بثوبٍ بَسَطَه صاحبه ثم طَواهُ، فسبحان الخَلاَّق القدير. الآية 47: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾ أي ساترًا يَستركم بظلامه (كما تَستركم الثياب)، ﴿ وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾ أي جعل سبحانه النوم راحةً لأبدانكم ﴿ وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ أي جعل النهار لتنتشروا في الأرض، وتسعوا في طلب رزقكم. ♦ واعلم أنّ المقصود بوصف النهار بالنشور (وهو البَعث) - أنَّ الله جعل النهارَ حياةً بعد وفاة النوم (إذ النوم بالليل كالموت، والانتشار بالنهار كالبعث)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا استيقظ مِن نومه: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور". الآية 48، والآية 49: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ ﴾ (التي تحمل السحاب)، لتكونَ ﴿ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ أي لتُبَشِّر الناس بالمطر (رحمةً منه سبحانه)، ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾، (والماء الطهور هو الماء الطاهر الذي يَتطهر به الناس من النجاسات)، وقد أنزلناهُ ﴿ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ﴾: أي لنُخرج به النبات في مكانٍ يابس ميت، ﴿ وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ أي: ولِنُسْقي بذلك الماء كثيرًا مِمّن خَلَقنا من الحيوانات والناس، (ففي إنزال اللهِ للماء، وفي هداية خَلقه لتناوله، وفي إحياء الأرض المَيتة به، دليلٌ على استحقاق الله وحده للعبادة، وأنه القادرُ على بَعث الخلائق بعد موتهم). الآية 50: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ﴾ أي أنزلنا المطر على أرضٍ دونَ أخرى ﴿ لِيَذَّكَّرُوا ﴾ أي ليَتذكر الذين أنزلنا عليهم المطر نعمة الله عليهم فيشكروه، وليَتذكر الذين مُنِعوا المطر مَعصيتهم، فيُسارعوا بالتوبة إلى ربهم، ليَرحمهم ويَسقيهم، ﴿ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ أي فلم يَقبل أكثر الناس إلا الجحود بنعمنا عليهم، كقولهم: (مُطِرْنا بفضل كوكب كذا وكذا). الآية 51، والآية 52: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ﴾ (يَدعوهم إلى توحيد ربهم ويُنذرهم عذابه)، ولكننا جعلناك - أيها الرسول - مَبعوثًا إلى جميع أهل الأرض، وأَمَرناك أن تُبلغهم هذا القرآن،﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ ﴾ في ترْك شيءٍ مِمّا أرسلناك به، بل ابذل كل جهدك فيتبليغ الرسالة ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾ أي بهذا القرآن وما فيه من الحُجَج والأدلة ﴿ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأن ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة الفرقان • الآية 53: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ أي خَلَطَ البحرين (يعني جَعَلهما يجريان معًا في مكانٍ واحد)، فـ ﴿ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾ أي عذبٌ سائغٌ شُربه، ﴿ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ أي شديد الملوحة لا يُشرَب، ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا ﴾ أي حاجزًا يَمنع كل واحدٍ منهما من إفساد الآخر (رغم أنهما مختلطان)، ﴿ وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴾: أي: وحرامًا مُحَرَّمًا أن يَصلأحدهما إلى الآخر. • الآية 54، والآية 55: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ ﴾ أي خَلَقَ مِن مَنِيِّ الرجل: ﴿ بَشَرًا ﴾ (ذكورًا وإناثًا) ﴿ فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾ أي: فنَشَأ مِن هذا البَشَرقَرابة النَسَب وقَرابة المُصاهَرة (بالزواج)، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: أنه سبحانه أنشأ من هذه النُطفة: ذَكَرًا وأنثى، فالذكَر يُنسَب إليه الأبناء، والأنثى يُصهَر إليها (أي يُتزوَّج منها لتُنجِب الأبناء)، ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ على خَلق ما يشاء، (واعلم أن أصهار الرجل هم أقارب زوجته). ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ يعني: ورغم هذه الأدلة على قدرة الله وإنعامه على خلقه، فإن الكفار يَعبدون من دون اللهِ ﴿ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ إنْ عَبَدوه، ﴿ وَلَا يَضُرُّهُمْ ﴾ إنْ تَرَكوا عبادته، ﴿ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ﴾ أي مُعِينًا للشيطان على معصية الرحمن. • الآية 56، والآية 57: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ إِلَّا مُبَشِّرًا ﴾ للمؤمنين بالجنة ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ للكافرينمن النار، أما هداية القلوب فهي إلى الله وحده، (إذ يَهدي سبحانه مَن طَلَبَ الهداية بصِدق، وسَعَى في تحصيل أسبابها)، (ولا يُضِلُّ سبحانه إلا مَن رَغِبَ في الضلال، وسَعَى إليه وأحَبَّه)، ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لمُشرِكي قومك: ﴿ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾: أي لا أطلب منكم أجرًا على تبليغرسالة ربي ﴿ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ يعني: لكنْ مَن أراد أن يَسلك طريق الحق ويُنفق في سبيل ربه، فإنما هو خيرٌلنفسه. • الآية 58، والآية 59: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ ﴾ أي صاحب الحياة الكاملة (التي تليق بجلاله) ﴿ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ (وكُلُّ حَيٍّ غيره مَسبوقٌ بالعدم ويَلحقه الفَناء)، (واعلم أن التوكل هو الاعتماد على اللهِ تعالى - مع الأخذ بالأسباب - ولكنْ مع تعلق القلببمُسَبّب الأسباب (فالجَوارحُ تعمل والقلوبُتتوكل)، ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾ أي أكثِر مِن قول: (سبحان اللهِ وبحمده)، (وهي تعادل في المعنى: (سبحان الله والحمد لله)، (فأمّا كلمة (سبحان الله): فمَعناها أنك تَنفي عن اللهِ تعالى كل ما لا يَليقُ به، وأمَّا معنى (الحمد لله): أنك تشكرُ اللهَ تعالى على نِعَمه، وتُثنِي على جلاله وكماله)، ﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ أي كفى باللهِ خبيرًا بذنوب خلقه، إذ لا يَخفى عليهشيءٌ منها، وسوف يُحاسبهم عليها ويُجازيهم بها، (وفي هذا تصبيرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم على تكذيب قومه وعِنادهم). ♦ وهو سبحانه ﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ أي عَلا وارتفع على العرش (استواءً يليق بجلالهوعظمته)، وهو سبحانه ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ الذي وَسِعَت رحمته كل شيء، ﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾: أي اسأل أيها النبي بذلك خبيرًا (يَقصد سبحانه بذلك نفسه الكريمة)، أي اسأل ربك عن نفسه، فهو سبحانه الخبير الذي يَعلم صفات نفسه. • الآية 60: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ﴾ - ولا تسجدوا لغيره من المخلوقات - ﴿ قَالُوا ﴾ - مُنكِرينَ مُتجاهلين -: ﴿ وَمَا الرَّحْمَنُ ﴾ يعني ما نعرف الرحمن، ﴿ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾ يعني أتريد أن تفرض علينا طاعتك؟ ﴿ وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾: أي زادهم ذلك الأمر بالسجود بُعْدًا عنالإيمان ونُفورًا منه. • الآية 61: ﴿ تَبَارَكَ ﴾ أي عَظُمَتْ قدرة الرحمن، وكَثُرَ خيره وفَضْله، فهو ﴿ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ﴾؛ أي: مَنازل تسير فيها الكواكب والنجوم،ليُستَدَلّ بها على الطرُقات والأوقات، وغير ذلك مِن مَصالح العباد ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا ﴾ أي شمسًا مضيئة ﴿ وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾. • الآية 62: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾ أي جَعَلهما مُتعاقبَيْن، يَخْلُف أحدهما الآخر ﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ ﴾؛ أي: يَعتبر بما في ذلك من الآيات، فيُؤمن بالخالق المدبِّر الذي يَستحق العبادة وحده، (ومِن ذلك أيضاً أنّ مَن نَسِيَ عملًا بالنهار يعمله حين يَذكره بالليل، ومَن نَسِيَ عملًا بالليل يعمله حين يَذكره بالنهار)، ﴿ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ للهِ تعالى علىنعمه (بالاجتهاد في طاعته ليلًا ونهارًا). • الآية 63: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ﴾ أي عباده الصالحون، (وقد نَسَبَهم سبحانه إلى نفسه لتشريفهم)، كقوله تعالى: (بيت الله، وناقة الله)، ثم وَضَّحَ صفاتهم بأنهم ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ أي يَمشون على الأرض بتواضعٍ ووقار، ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ ﴾ بكلامٍ يؤذيهم: ﴿ قَالُوا سَلَامًا ﴾: أي خاطَبوهم خطابًا يَسْلَمون به منالإثم، ومِن مقابلة الجاهل بجهله، (فلم يَرُدُّوا السيئة بالسيئة، ولكنهم رَدُّوا عليهم بأحسن الكلمات ثم فارَقوهم). • الآية 64: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ أي يَقضون ليلهم بين السجود والقيام، وهُم مُحِبّونَ لربهم (الذي يراهم وهُم قائمونَ له)، ذليلونَ له سبحانه (مِن كثرة نعمه عليهم وكثرة ذنوبهم)، راجونَ رحمته، خائفونَ من عذابه). • الآية 65، والآية 66: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ يعني إنّ عذابها لا يُفارق صاحبه، ﴿ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ يعني إنّ جهنم شَرٌّ مُستقَرًّا وإقامة. • الآية 67: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ﴾ أي لم يَتجاوزوا الحد في العطاء ﴿ وَلَمْ يَقْتُرُوا ﴾: أي لم يُضَيِّقوا فيالنفقة، (﴿ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ أي كان إنفاقهم وَسَطًا بين التبذير والتضييق. • الآية 68، والآية 69، والآية 70: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾ (بل يُخلِصون عبادتهم لله وحده، ويَدعونه في قضاء حوائجهم)، ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ قَتْلها ﴿ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ يعني إلا بالحق الشرعي (كالقِصاص، ورَجْمالزاني المتزوج، وقتل المُرتَد)، واعلم أن تنفيذهذا القِصاص يكون عن طريق وَلِيِّ الأمر (وهو حاكِمُ البلد)، ﴿ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ (بل يَحفظون فروجهم - إلا على أزواجهم أو مامَلَكَتْ أيمانهم - ويَسُدون كل الأبواب التي تقربهم من الفاحشة)، ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾ يعني: ومَن يَفعل شيئًا من هذه الكبائر ﴿ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ أي يَلْقَ في الآخرة عقابَ إثمه، إذ ﴿ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ أي ذليلًا حقيرًا (واعلم أنّ الوعيدبالخلود يكونُ لمن أشرك بالله تعالى) ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ ﴾ مِن هذه الذنوبتوبةً نصوحًا ﴿ وَآَمَنَ ﴾ أنّ اللهَ كان يراه وهو يفعل المعصية، فحينئذٍ يَنكسر قلبه، ويَذِل لربه، ويَستحيي أن يراه مرة أخرى على معصية، ﴿ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ أي داوَمَ على فِعل الأعمال الصالحة بعد توبته، ﴿ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ أي يمحو اللهسيئاتهم ويجعل مكانها حسنات (بسبب توبتهم وندمهم، وكثرة استغفارهم على ما مضى من ذنوبهم)، (فإن مِن علامات التوبة النصوح: أن تَكره الذنب كما أحببته، وأن تستغفر منه إذا ذكرته)، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ لمن تاب إليه، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد أن فعلوا أكبر المعاصي. • الآية 71، والآية 72: ﴿ وَمَنْ تَابَ ﴾ عمَّا ارتكبه من الشرك والذنوب، وندم على ما فعل، وعزم عزمًا صادقًا على عدم العودة إلى الذنوب، ورَدَّ الحقوق لأصحابها ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ بعد التوبة: ﴿ فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ يعني فإنه بذلك يَرجع إلى ربه رجوعًاصحيحًا، فيَقبل توبته ويَغفر ذنوبه. ♦ ثم يُكمِل سبحانه صفات عباد الرحمن قائلاً: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ أي لا يَشهدون بالكذب، ولا يحضرون مجالسه ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ ﴾: يعني إذا مَرُّوا بأهل الباطل مِنغير قصد: ﴿ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ أي مُعرضينَ عنهم، مُنكرينَ لِمَا هم عليه، مُمتنعينَ عن سماع ما لا خيرَ فيه من الأقوال والأفعال أو المشاركة فيه. • الآية 73: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾: يعني إذا وُعِظُوا بآيات القرآن وأدلة وحدانية الله تعالى: ﴿ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾، يعني لم يَسجدوا على الأرض بدون وَعْي أو تدبر، (كما يفعل الكفار الذين يسجدون لاصنامهم)، بل إنهم يَسمعون الآية، ويَفهمون ما تدعو إليه، فحينئذٍ تتفتَّحلها بصائرهم، ويتأثرون بها، فيَخِرُّوا لله ساجدينَ مُطيعين. • الآية 74: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا ﴾ أي اجعل لنا ﴿ مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ أي ماتَفرح به أعيننا، ويكون فيه أُنسنا وسرورنا، ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ أي اجعلنا من الذين يتقون عذابك (بطاعتك واجتناب معصيتك)، واجعلنا قدوةً لهم في الأعمال الصالحة والكلام الطيب. • الآية 75، والآية 76: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ أي المتصفون بهذه الصفات السابقة ﴿ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا ﴾ أي يُثابُون أعلى منازل الجنة(بسبب صَبْرهم على طاعة ربهم) ﴿ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا ﴾ أي في الجنة ﴿ تَحِيَّةً ﴾ من الملائكة ﴿ وَسَلَامًا ﴾ أي حياةً طيبة سالمة مِنَ المُنَغِّصات، ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا ﴾ يَستقرون فيه ﴿ وَمُقَامًا ﴾ يُقيمون به، إذ سعادتها لا تَنقص، ونعيمها لا يُفسِده شيء (كالمَوت والتعب والهَم والحَزَن). • الآية 77: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للمشركين: ﴿ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ﴾ أي لا يُبالي سبحانه بكم ﴿ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾ إياه (إذ كانوا يَدعون اللهَ في الشدة، ويُشرِكونَ به في الرخاء)، ﴿ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾ بالتوحيد والنبوة والبعث ﴿ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾ أي: فسوف يكونُ تكذيبكم مُوجِبًا لعذابٍ يَلزمكم، ويُهلككم في الدنيا والآخرة. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة الشعراء • الآية 1: ﴿ طسم ﴾ سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (طا سين ميم). • الآية 2: ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾: يعني هذه هي آيات القرآن المُوَضِّح لكل شيء. • الآية 3: ﴿ لَعَلَّكَ ﴾ - أيها الرسول - مِن شدة حِرصك على هداية قومك ﴿ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ﴾ أي مُهْلِك نفسك ﴿ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني لأنهم لم يُصَدِّقوا بك ولم يعملوا بهَدْيك، فلا تفعل ذلك، فإنه ليس عليك هدايتهم، وإنما عليك البلاغ وقد بَلَّغتهم. • الآية 4: ﴿ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً ﴾ أي مُعجزة تُرغِمهم على الإيمان (كناقة صالح عليه السلام) ﴿ فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﴾، أي فحينئذٍ ستصير أعناقهم خاضعة ذليلة لهذه المعجزة، لا يستطيعونَ إنكارها، ولكننا لم نشأ ذلك، لأن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب اختيارًا. • الآية 5: ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ يعني: ما مِن شيءٍ يَنزل من القرآن ﴿ مُحْدَثٍ ﴾ أي جديد النزول، مُجَدِّدًا لهم التذكير والموعظة: ﴿ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾، (واعلم أنّ المقصود مِن وَصْف القرآن بأنه (مُحدَث) أي حديث النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان يَنزل آية بعد آية، وسورة بعد سورة، بحسب الحوادث والأحوال). • الآية 6: ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوا ﴾ بالقرآن واستهزؤوا به ﴿ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾: يعني فسوف يَتبين لهم أنَّ ما استهزؤوا به هو الحق والصدق. ♦ فلمّا استهزأ مُشركو قريش بالوعيد: أنزل الله بهم العذاب الذي استهزؤوا به، وأوَّل عذاب نزل بهم: (هزيمتهم يوم بدر وقَتْل زعمائهم، ثم القحط سبع سنين)، ومَن مات منهم على الشرك: فسوف يُعَذَّب في نار جهنم خالدًا فيها أبدًا، ويُقال لهم وهم يُعَذَّبون: (ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تستهزئون). • الآية 7، والآية 8، والآية 9: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾: يعني ألم ينظروا إلى الأرض التي أنبتنا فيها من كل نوع من أنواع النبات الحَسَن المنظر، النافع للناس، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي في إخراج النبات من الأرض المَيّتة ﴿ لَآَيَةً ﴾ واضحة على قدرة الله تعالى على البعث بعد الموت، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قومك أيها الرسول مؤمنين ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يَمنعه مانع مِمَّا أراد، القادر على الانتقام من المُكَذّبين ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين، (إذًا فاصبر على الدعوة إليه، وتوكل عليه سبحانه، فإنه ناصرك ومُذِلّ أعدائك، وإن العاقبة لك وللمؤمنين). • الآية 10، والآية 11: ﴿ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى ﴾: أي اذكر أيها الرسول حين نادَى اللهُ تعالى موسى ﴿ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ وهُم ﴿ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك، وظلموا بني إسرائيل باضطهادهم وتعذيبهم، ﴿ أَلَا يَتَّقُونَ ﴾: يعني ألا يخافون عذاب اللهِ فيَتركوا ما هم عليه من الكفر والضلال؟! • الآية 12، والآية 13، والآية 14: ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ ﴿ وَيَضِيقُ صَدْرِي ﴾ أي يَملؤه الغمُّ بسبب تكذيبهم لي، ﴿ وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي ﴾ بفصيح الكلام، (وقد قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: كانَ في لسانه عُقدة - يعني صعوبة في النُطق - تمنعه من كثير من الكلام)، ﴿ فَأَرْسِلْ ﴾ جبريل بالوحي ﴿ إِلَى هَارُونَ ﴾) ليُعِينني على تبليغ الرسالة، ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ ﴾ في قتْل رجل منهم ﴿ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾. • الآية 15، والآية 16، والآية 17: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لموسى: ﴿ كَلَّا ﴾ يعني إنهم لن يقتلوك، وقد أجَبتُ طلبك في هارون ليكون رسولًا معك ﴿ فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا ﴾ أي بالمعجزات الدالة على صِدقكما، ﴿ إِنَّا مَعَكُمْ ﴾ بالعلم والحفظ والنصرة ﴿ مُسْتَمِعُونَ ﴾ أي أسمع ما تقولانه لفرعون وما يقوله لكما، ﴿ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا ﴾ له: ﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾: يعني إنا مُرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين (لتؤمنوا به وتُوحِّدوه)، وقد أمَرَكَ ﴿ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أي أطلِق سَراحهم ليذهبوا معنا إلى حيث أمَرَنا اللهُ تعالى (إلى أرض أبيهم إبراهيم) ليعبدوا اللهَ فيها. ♦ ولَعَلّ الله تعالى قال: ﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ولم يقل: (إنا رسولا رب العالمين) (رغم أن موسى وهارون اثنان)، لأن كلمة رسول تأتي أحيانًا بمعنى رسالة، فيكون المعنى: (إنا ذو رسالةٍ من رب العالمين)، أو لأن كلمة "رسول" هنا أُريدَ بها الجَمْع، وهذا وارد في لغة العرب، كقول إبراهيم عليه السلام عن الأصنام: ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾، واللهُ أعلم. • الآية 18، والآية 19: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون لموسى - مُمتَنًّا عليه -: ﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا ﴾: يعني ألم نُرَبِّك في منازلنا صغيرًا، ﴿ وَلَبِثْتَ فِينَا ﴾ أي مكثتَ في رعايتنا ﴿ مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴾؟ ﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ ﴾: أي ارتكبت جنايتك التي فعلتها بقتلك رجلاً من قومي ﴿ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ أي من الجاحدين لنعمتي عليك؟ • الآية 20، والآية 21، والآية 22: ﴿ قَالَ ﴾ موسى مُجيبًا فرعون: ﴿ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾: أي فعلتُ ذلك القتل مِن غير قصدٍ، وقبل أن يُعَلِّمني ربي ويَبعثني إليكم رسولاً، (وفي هذا دليل على جواز إطلاق لفظ الضلال على الجهل، كما قال تعالى: ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴾، وقال لهم موسى: ﴿ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ﴾: أي خرجتُ مِن بينكم فارًّا إلى "مَدْيَن"، لمَّا خِفتُ أن تقتلوني بما فعلتُ مِن غير عَمْد، ﴿ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا ﴾ وهي النُبُوّة والعلم ﴿ وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾) ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ يعني: وهل تعتبر تلك التربية نعمةً مِنك عليَّ، وقد جعلتَ بني إسرائيل عبيدًا عندك تستعملهم كما تشاء؟! (والغرض من هذا الاستفهام هو الاستنكار)، حيث بَيَّنَ له موسى أنّ تعبيد بني إسرائيل وذبْح أبنائهم هو السبب الحقيقي في حصوله عليه وتربيته عنده، لأنّ خوف أمه عليه من الذبح هو الذي جعلها تُلقي به في نهر النيل، فكأنه في الحقيقة مَنَّ عليه بتعبيد قومه وذبْح أبنائهم. ♦ ومِن المُفَسِّرين مَن قال: "إنّ هذا اعترافٌ من موسى لفرعون بنعمة التربية، حيث استعبد غيره ولم يَستعبده هو"، واللهُ أعلم. • الآية 23، والآية 24: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ لموسى: ﴿ وَمَا ﴾ هو ﴿ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ الذي تزعم أنك رسوله؟، فـ ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: هو ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ يعني إن كنتم موقنينَ بأنّ كل مخلوق لا بد له من خالق (وهو أمْرٌ لا تنكره العقول). • الآية 25، والآية 26: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون ﴿ لِمَنْ حَوْلَهُ ﴾ مِن أشراف قومه: ﴿ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴾: يعني ألا تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب غيري؟ فـ ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق آباءكم الأولين، فكيف تعبدون مخلوقًا مثلكم، وله آباء قد ماتوا كآبائكم؟! • الآية 27، والآية 28: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون للملأ: ﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ (وَاعلم أنّ وَصْف فرعون لموسى بأنه "رسول" هو على سبيل الاستهزاء، واعلم أيضًا أنه جَعَلَ رسالته إليهم؛ لأنه يظن أنه أكبر مِن أن يُرسَل إليه رسول). ♦ فلم يَلتفت موسى إلى استهزائه، واستمر في دعوتهم إلى التوحيد، فـ ﴿ قَالَ ﴾: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ (واعلم أنه قد خَصّ مَشرق الشمس ومَغربها، لأن فرعون لا يجرؤ أن يَدَّعي التحكم في ذلك، كما قال إبراهيم للنمرود: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾ - فهذا يَستوجب الإيمان بالله وحده - ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ يعني إن كنتم من أهل العقل والتدبر. • الآية 29، والآية 30: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون مُهَدِّدًا موسى: ﴿ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ﴾ يعني أتجعلني من المسجونين، حتى ولو جئتك ببرهان قاطع يدل على صِدقي؟ • الآية 31: ﴿ قَالَ ﴾ له فرعون: ﴿ فَأْتِ بِهِ ﴾ أي بهذا البرهان ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾. • الآية 32، والآية 33: ﴿ فَأَلْقَى ﴾ موسى ﴿ عَصَاهُ ﴾ ﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾ أي فتحولتْ ثعبانًا حقيقيًّا (وليس تمويهًا كما يفعل السَحَرة)، ﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾ أي جذب يده من جيبه ﴿ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ يعني فإذا هي بيضاء كاللبن مِن غير بَرَص، فإذا رَدَّها إلى جيبه عادت سمراء كَسائر جسده. • الآية 34، والآية 35: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون ﴿ لِلْمَلَإِ ﴾ وهُم أشراف قومه الذين يقفونَ ﴿ حَوْلَهُ ﴾: ﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴾ أي واسعُ العلم بالسحرِ، ماهرٌ به، و﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ﴾ (وقد قال فرعون هذا لتحريض الملأ ضد موسى، فزعم أن موسى عليه السلام يريد الاستيلاء على الحُكم والبلاد، ويَطرد أهلها منها بواسطة السحر)، ثم قال لهم فرعون يستشيرهم: ﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُون ﴾ يعني: فَبِماذا تُشيرون عليَّ أيها السادة في أمْر موسى؟ (ولَعَلّ فرعون قال للملأ لفظ: (تأمروني) - مع أنه زعيمهم ورئيسهم - بسبب انهزامه معنويًّا بعدما رأى وضوح آية موسى عليه السلام). • الآية 36، والآية 37: ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ﴾ يعني أخِّر أمْر موسى وهارون، ولا تَعْجَل عليهما قبل اتخاذ ما يَلزم من الاحتياطات، ﴿ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾: أي أرسِلْ في مدائن مصر وأقاليمها جنودًا لـ ﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾ أي ليَجمعوا لك كل ساحر واسع العلم بالسحر، لِيُناظروا موسى. • الآية 38، والآية 39، والآية 40: ﴿ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ ﴾ أي جَمَعهم جنود فرعون ﴿ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ يعني إنهم حُدِّدوا لهم وقتًا معلومًا لمناظرة موسى (وهو وقت الضحى، في اليوم الذي يتفرغون فيه من أشغالهم، ويجتمعون ويتزيَّنون)، ﴿ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ﴾ يعني إنهم شَجَّعوا الناس على الاجتماع لحضور المناظرة، قائلينَ لهم: ﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ يعني إننا نأمل أن يكون الانتصار للسحَرة، فنَثبُت على ديننا. • الآية 41: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ ﴾ يوم المُناظرة: ﴿ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ ﴾: ﴿ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا ﴾ يعني هل ستعطينا مالاً ﴿ إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴾؟ • الآية 42: ﴿ قَالَ ﴾ لهم فرعون: ﴿ نَعَمْ ﴾ لكم ما طلبتم ﴿ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ أي من المُقرَّبين مِنّي في المنصب والجاه إن غَلَبْتُم موسى. • الآية 43: ﴿ قَالَ لَهُمْ مُوسَى ﴾ مُرِيدًا إبطال سِحرهم: ﴿ أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ﴾: يعني ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر. • الآية 44: ﴿ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ ﴾ (فَخُيِّل للناس أنها حَيَّات تَسعى)، ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي قال السحَرة: ﴿ بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ ﴾ يعني: أقسموا بعزة فرعون قائلين: ﴿ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ﴾. • الآية 45: ﴿ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ﴾ حَيّةٌ عظيمة ﴿ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾ أي تبتلع الحبال والعِصِيّ التي ألقاها السحَرة مِن أجل أن يُوهِموا الناس أنها حق وهي باطل. • الآية 46، والآية 47، والآية 48: ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾ للهِ جَلَّ وعَلا، عندما علموا أنّ هذا ليس من تمويه السحَرة، و﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ (ولَعَلّهم قالوا هذه الجُملة حالَ سجودهم، إعلامًا منهم أنهم ما سجدوا لفرعون كما كانَ يفعل المصريون وَقْتَها، وإنّما سجدوا للهِ رب العالمين الذي لا يستحق العبادة غيره). ♦ ويجوز أن يكون تقديم موسى على هارون في هذه الآية من حكاية قول السحَرة، فيكون قد صدر منهم قولان، قدّموا في أحدهما اسم هارون - كما جاء في سورة "طه" - اعتبارًا بكِبَر سنِّ هارون عن موسى، وقدَّموا اسم موسى في القول الآخر اعتبارًا بفضله على هارون بالرسالة وتكليم الله تعالى له مِن غير واسطة. • الآية 49: ﴿ قَالَ ﴾ فرعون مُهَدِّدًا السحَرة - ليَدفع عن نفسه شر الهزيمة -: ﴿ آَمَنْتُمْ لَهُ ﴾ يعني هل صدَّقتم موسى وأقررتم له برسالته ﴿ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ ﴾ بذلك؟ ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ﴾ يعني إنّ موسى لَعَظيمُكم ﴿ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ فلذلك اتَّبعتموه، واتفقتم معه على الهزيمة قبل الخروج إلى ساحة المُناظرة، (وقد أراد فرعون بهذا الكلام: التمويه على الناس حتى لا يتَّبعوا السحَرة ويؤمنوا كإيمانهم). ♦ وقال فرعون للسحَرة: ﴿ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ ما يَنزل بكم من العقاب: ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ﴾ أي بِقَطْع اليد اليُمنَى مع الرجل اليُسرى، أو اليد اليُسرى مع الرجل اليُمنى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ بربط أجسادكم على جذوع النخل وأترككم مُعَلَّقينَ لتكونوا عِبرةً لغيركم. • الآية 50، والآية 51: ﴿ قَالُوا ﴾ أي قال السحَرة لفرعون: ﴿ لَا ضَيْرَ ﴾ أي لا ضرر علينا فيما يصيبنا من عقاب الدنيا، فـ ﴿ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴾: أي راجعون إلى ربنا فيعطينا النعيم المقيم، وسنصبر اليوم على عذابك لِننجو من عذاب اللهِ يوم القيامة، ﴿ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا ﴾ - من الشِرك والسِحر وغير ذلك - مِن أجل ﴿ أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ مِن قومنا. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود الربع الثاني من سورة الشعراء • الآية 52: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ﴾؛ أي: سِرْ ليلاً بمن آمَنَ معك من بني إسرائيل، فاخرجوا من أرض مصر، ﴿ إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴾؛ أي: سوف يَتبعكم فرعون وجنوده ليقتلوكم، فاخرجوا قبل أن يُدركوكم. • الآية 53، والآية 54، والآية 55، والآية 56: ﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾؛ أي: أرسل جنوده ليجمعوا له الرجال من مُدُن مملكته، وذلك حين بَلَغَه مَسير بني إسرائيل. ♦ وكان الجنود يقولون للناس - ليُحَرِّضوهم على بني إسرائيل -:﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ ﴾ الذين فرُّوا مع موسى ﴿ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴾؛ أي: طائفة حقيرة قليلة العدد،﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ﴾ حيث خالَفوا ديننا، وخرجوا بغير إذننا، ﴿ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾؛ أي: مُتيقظونَ مُستعدونَ لهم. • الآية 57، والآية 58، والآية 59: ﴿ فَأَخْرَجْنَاهُمْ ﴾ بقدرتنا وإرادتنا ﴿ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾؛ والمقصود بها: أرض "مصر" التي كانت مليئة بالبساتين وعيون الماء، ﴿ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾؛ أي: وبخزائن المالوالمنازل الجميلة،﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي كذلك كان إخراجنا لهم على تلك الصورة، ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾؛ أي: أورثنا بني إسرائيل نعمًا مُماثِلة للتي كانت لفرعون وقومه؛ لأنّ بني إسرائيل لم يرجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها، ولأنّ الله قال في سورة أخرى: ﴿ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ﴾، وقد قيل: إن المقصود بالوراثة هنا: هو ما استعاره نساء بني إسرائيل مِن حُلِيِّ قوم فرعون عند خروجهم من مصر، واللهُ أعلم. • الآية 60، والآية 61، والآية 62: ﴿ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ﴾؛ أي: لَحِقَ فرعون وجنوده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ﴾؛ أي: رأى كل واحد من الفريقين الآخر: ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾؛ أي: سيُدْرِكنا فرعون وجنودهويقتلوننا، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم موسى - بثبات -: ﴿ كَلَّا ﴾؛ أي: لن يُدركوكم، فـ ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي ﴾ - بحفظه ونصره وعِلمه - ﴿ سَيَهْدِينِ ﴾؛ أي: سيهديني لِمَا فيه نجاتي ونجاتكم. • الآية 63: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ﴾ - فضربه موسى - ﴿ فَانْفَلَقَ ﴾ البحر، ﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾؛ أي: كانت كل قطعة مفصولة من البحر كالجبلالعظيم، وأصبح هناك طريقٌ يابسٌ في وسط البحر. • الآية 64، والآية 65، والآية 66: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ ﴾؛ أي: قرَّبْنا هناك فرعون وقومه حتى دخلوا البحر، ﴿ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ حيثُ استمر البحر على انفلاقه حتى عبروا إلى البر، ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ ﴾؛ أي: أغرقنا فرعون ومَن معهبإطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه. • الآية 67، والآية 68: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الذي حدث ﴿ لَآَيَةً ﴾؛ أي: عِبرة عجيبة تدل على قدرة الله تعالى، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾؛ يعني: وما صار أكثر الذين سمعوا هذاالخبر مؤمنين بك أيها الرسول ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ فَبِعِزّته أَهْلَكَ الكافرين المُكَذّبين، وبرحمته نَجَّىموسى ومَن معه أجمعين. • الآية 69، والآية 70، والآية 71: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ﴾؛ أي: خبر إبراهيم عليه السلام وهو يدعو قومه إلى التوحيد وترْك الشرك ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴾؛ يعني: ما هذا الذي تعبدونه؟ وقد أراد بهذا السؤال أن يَسمع منهم جوابهم حتى يَرُدّ عليه، فيكون ذلك أدعَى للفَهم وقبول الحق، وهو أسلوب حكيم في الدعوة والتعليم: الابتداء بالسؤال، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ نَعْبُدُ أَصْنَامًا ﴾ مِن حجارة ﴿ فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾؛ أي: نظل مُقيمين على عبادتها. • الآية 72، والآية 73: ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم عليه السلام - مُنَبِّهًا لهم على فساد باطلهم -: ﴿ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴾؛ يعني: هل يَسمعون دعاءكم حين تدعونهم؟، ﴿ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ ﴾ إذا عبدتموهم، ﴿ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾؛ يعني:أو يُصيبونكم بضرر إذا تركتم عبادتهم؟ • الآية 74:﴿ قَالُوا بَلْ ﴾؛ أي: لا يكون منهم شيءٌ من ذلك، ولكننا ﴿ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ فقلَّدناهم. • من الآية 75 إلى الآية 89: ﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾ من الأصنام التي لا تسمع ولاتنفع ولا تضر ﴿ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ﴾ الذين قلدتموهم في عبادتهم؟ ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ﴾؛ يعني: فإنّ ما تعبدونهم من دون اللهِ هُمأعداءٌ لي، ﴿ إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾؛ يعني: لكنّي أعبد رب العالمين وحده، إذ هو﴿ الَّذِي خَلَقَنِي ﴾ فيأحسن صورة ﴿ فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾؛ أي: يُرشدني إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾؛ أي: هو الذي يُنعِم عليَّ بالطعاموالشراب ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ ﴿ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ﴾ في الدنيا بقبض روحي ﴿ ثُمَّ يُحْيِينِ ﴾ يوم القيامة، ولا يَقدر على ذلك أحدٌ غيره،﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾؛ يعني: أرجو أن يتجاوز عن ذنبي يوم الجزاء. ♦ وقال إبراهيم داعيًا ربه: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا ﴾؛ أي: امنحني العلم والفَهم في الدين ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ لأعمل عَمَلهم في الدنيا، وأكون معهم في الجنة ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ ﴾؛ أي: اجعل لي ثناءً حسنًا وذِكرًا جميلًا في الذين يأتون مِن بعدي إلى يوم القيامة، ﴿ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ﴾ الذين يَرثونها بالإيمان والتقوى بعد فضلك عليهم ورحمتك بهم، ﴿ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ﴾، وقد كان هذا الدعاء قبل أنيَعرف إبراهيم أنّ والده سوف يموت على الشِرك، فلمَّا تبيَّنَ له أنه عدوٌ للهِ تبرَّأَ منه، كما جاء في سورة التوبة، ﴿ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾؛أي: لا تُذِلّني ولا تفضحني يوم يَخرج الناس من قبورهم للحساب والجزاء ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾؛ أي: سَلِمَ من الشِرك والنفاق،والكِبر والرياء، والحسد والغل، وسائر أمراض القلوب. • الآية 90: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾؛ أي: قُرِّبتْ الجنة للذين اجتنبوا الشِرك والمعاصي، وأقبلوا على طاعة ربهم. • الآية 91، والآية 92، والآية 93:﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴾؛ أي: أُظهِرتْ النار للذين ضَلُّوا عن الهدى، وتجرَّؤوا على مَحارم ربهموكذَّبوا رُسُله، ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ ﴾ - توبيخًا -: ﴿ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ﴾؛ يعني: أين آلهتكم التي كنتم تعبدونها﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ وتزعمون أنهاتشفع لكم عند ربكم؟ ﴿ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ ﴾ بدفع العذاب عنكم ﴿ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ بدفع العذابعن أنفسهم؟ لا شيءَ من ذلك. • الآية 94، والآية 95: ﴿ فَكُبْكِبُوا فِيهَا ﴾؛ أي: جُمِعوا وألقُوا في جهنم ﴿ هُمْ وَالْغَاوُونَ ﴾؛ يعني: هُم والذين أضَلُّوهم من الإنس ﴿ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾؛ يعني: وأعوان إبليس الذين زيَّنوا لهمالشر. • من الآية 96 إلى الآية 102: ﴿ قَالُوا ﴾ - مُعترفين بخطئهم - ﴿ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴾؛ يعني: وهُم يتجادلون ويتنازعون في جهنم مع مَن عَبَدوهم: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾؛ يعني: إننا كنافي الدنيا في ضلالٍ واضح ﴿ إِذْ نُسَوِّيكُمْ ﴾؛ أي: نُساويكم في عبادتنا ﴿ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ المستحق وحده للعبادة،﴿ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ﴾ الذين دَعَونا إلى عبادةغير الله فاتّبعناهم، ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ﴾؛ يعني: فلا أحدَ يَشفع لنا اليوم عند ربنا ﴿ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾؛ أي: صديق مُخلِص، يُهِمُّه أمْرنا ليُخلِّصنا من العذاب، ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ يعني: فيا ليت لنا رجعة إلى الدنيا، فنَصير من المؤمنينَ الناجين. • الآية 103، والآية 104:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾؛ أي: في خبر إبراهيم السابق، وفي دخول المشركين جهنم وحِرمانهم من الشفاعة ﴿ لَآَيَةً ﴾؛ أي: عِبرة لِمن يَعتبر ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾؛ يعني: وما كان أكثر الذين سمعوا هذاالخبر مؤمنين بك أيها الرسول، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ القادر على الانتقام من المُكَذّبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين، واعلم أنّ هذه الجملة قد أعادَ اللهُ ذِكرها في هذه السورة بسبب عناد المشركين وإصرارهم على الشرك، وتكذيبهم بالنُبُوّة والبعث. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الثالث من سورة الشعراء • من الآية 105 إلى الآية 111: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ يعني إنهم كَذَّبوا نوحاً عليه السلام، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل؛ لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ ﴾: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ رسالة ربي (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي) ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ أي احذروا عقاب الله تعالى واقبلوا نصيحتي، فـ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ يعني: كيف نُصَدِّقك وقد اتَّبعك أسافل الناس؟ (وقد قالوا ذلك عندما رأوا أنّ أتْباعه من الفقراء وأصحاب المِهَن الحِرَفيّة البسيطة). • من الآية 112 إلى الآية 116: ﴿ قَالَ ﴾ لهم نوح: ﴿ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾: يعني إنني لستُ مُكلَّفًا بمعرفة أعمالهم، إنما كُلِّفتُ أن أدعوهم إلى الإيمان ﴿ والعبرة عند الله تعالى بالإيمان، وليست بالنَسَب والجاه والحِرَف والصنائع ﴾، ﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ ﴾ أي: ما حسابهم - وجزاؤهم على أعمالهم - ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّي ﴾ المُطَّلِع على النيات والسرائر ﴿ لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ يعني: لو كنتم تشعرون بذلك ما قلتم هذا الكلام، ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني: وليس لي أن أطرد المؤمنين مِن حَولي - كما اقترحتم عليّ - بحُجَّة أنهم فقراء ضعفاء، حتى أُرضِيكم فتَقبلوا الاستماعَ مِنِّي، ﴿ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ يعني: ما أنا إلا نذيرٌ لكممِن عذاب اللهِ تعالى، ﴿ مُبِينٌ ﴾ أي أُوَضِّح لكم ما أُرْسِلتُ به إليكم، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له - مائلينَ عن الحوار إلى التهديد -: ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ ﴾ عن دَعْوتك لنا ﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴾ أي المقتولين رَميًا بالحجارة. • الآية 117، والآية 118، والآية 119، والآية 120: ﴿ قَالَ ﴾ نوحٌ داعياً ربه - بعد أن سَمِعَ تهديدهم -: ﴿ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ﴾ أي أصَرّوا على تكذيبي ﴿ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا ﴾: أي احكم بيني وبينهم حُكمًا تُهلِك به مَن جَحَدَ توحيدك وكذَّب رسولك ﴿ وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ مِمّا تُعَذّب به الكافرين، ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ أي في السفينة المملوءة بأنواع المخلوقات التي حَمَلها، ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ﴾ - أي بعد إنجاء نوح ومَن معه - أغرقنا ﴿ الْبَاقِينَ ﴾ وهُم الذين لم يؤمنوا مِن قومه وردُّوا عليه النصيحة. • الآية 121، والآية 122: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾: أي في خبر نوح عليه السلام، وما كانَ من إنجاء المؤمنين وإهلاك المُكَذّبين ﴿ لَآَيَةً ﴾ أي عبرةً عظيمة لمَن بَعدهم ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم نوح مؤمنين، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامه مِمّن كَفَرَ به وخالف أمْره، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. • من الآية 123 إلى الآية 135: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي: كذَّبت قبيلة عاد رسولهم هودًا عليه السلام، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل ﴿ لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ولأنّ كل رسول كان يأمر قومه بتصديق جميع الرُسُل ﴾، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ ﴾: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي) ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ﴾ يعني أتبنون بكل مكانٍ مرتفع من الأرض ﴿ آَيَةً ﴾ أي بناءً عاليًا (هو آية في الفنّ المعماري)، فتُشرِفون منه، و﴿ تَعْبَثُونَ ﴾ أي تَسخرون مِنَ المارة (مع عِلمكم أنّ ذلك عبثٌ لا يعود عليكم بفائدة؟!)﴿ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾: أي تتخذون قصورًا عالية وحصونًا مَنيعة، كأنكم ستُخَلّدون في الدنيا ولا تموتون، ﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ ﴾ بأحد من الخلق قتلاً أو ضربًا: ﴿ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ أي فعلتم ذلك قاهرينَ ظالمين﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾: أي خافوا عقاب الله تعالى واقبلوا نصيحتي، ﴿ وَاتَّقُوا ﴾ اللهَ ﴿ الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ ﴾: أي الذي أعطاكم نعماً كثيرة لا تَخفى عليكم، فقد﴿ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ﴾ أي أعطاكم الأنعام (من الإبل والبقر والغنم)، وأعطاكم الأولاد، ﴿ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾: أي أعطاكم البساتين المُثمِرة، وفجَّرَ لكم الماء من العيون الجارية، ﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ﴾ - إن أصررتم على ما أنتم عليه من التكذيب والظلم وكُفْر النِّعم - ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾. • الآية 136، والآية 137، والآية 138: ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ﴾ فلن نؤمن لك، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: ما هذا الذي نحن عليه إلا دين الأولين وعاداتهم، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ على ما نفعل. • الآية 139، والآية 140: ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ أي استمَرُّوا على تكذيبه ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ بريح باردة شديدة، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الإهلاك ﴿ لَآَيَةً ﴾ أي عِبرة عظيمة لمن بعدهم، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم عاد مؤمنين (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ القادر على الانتقام من المُكَذّبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. • من الآية 141 إلى الآية 152: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي كذَّبت قبيلة ثمود أخاهم صالحًا في رسالته ودَعْوته، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل؛ لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ ﴾: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ ﴾: يعني أيَترككم ربكم فيما أنتم فيه من النعيم، آمنينَ من العذاب والهلاك؟!، (وهذا الاستفهام إنكاري يَحُثهم على شُكر ربهم على ما هم فيه من النعم)، فإنكم تعيشونَ ﴿ فِي جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق مُثمِرة ﴿ وَعُيُونٍ ﴾ جارية ﴿ وَزُرُوعٍ ﴾ كثيرة ﴿ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ﴾: أي نخلٍ ثَمَرها ناضج لَيّن، ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ﴾ لتسكنوها ﴿ فَارِهِينَ ﴾ أي ماهرينَ بنَحتها، متكبرينَ على الناس بقوتكم وصناعتكم، إذاً ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾: أي خافوا عقوبة الله تعالى واقبلوا نصيحتي﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ الذين يُسرفون على أنفسهم بالمعاصي، وهم ﴿ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ أي جمعوا بين الفساد وترْك الإصلاح. • الآية 153، والآية 154: ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾ أي الذين سُحِروا سِحْرًا كثيرًا، حتى غَلَبَ السِحر على عقولهم، ﴿ مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ فكيف تتميز علينا بالرسالة؟، ﴿ فَأْتِ بِآَيَةٍ ﴾ تدل على صِدق رسالتك ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾. • الآية 155، والآية 156: ﴿ قَالَ ﴾ لهم صالح - بعد أن أتاهم بناقةٍ أخرجها اللهُ له من الصخرة -: ﴿ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ ﴾ أي لها نصيب من الماء في يوم مُعَيَّن ﴿ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ أي: ولكم نصيبٌ منه في يومٍ آخر، (فليس لكم أن تشربوا في يومها ولا هي تشرب في يومكم)، ﴿ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ ﴾ كضَرْبٍ أو قتل أو نحو ذلك ﴿ فَيَأْخُذَكُمْ ﴾ أي يُهلككم ﴿ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾. • الآية 157، والآية 158، والآية 159: ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ أي ذبحوا الناقة ﴿ فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ﴾ على ما فعلوا ﴿ لَمَّا أيقنوا بالعذاب ﴾ فلم يَنفعهم ندمهم، ﴿ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ أي نزل بهم عذاب الله الذي توَعَّدهم به صالح عليه السلام فأهلكهم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الإهلاك ﴿ لَآَيَةً ﴾ أي عبرة لمن اعتبر بهذا المصير، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم صالح مؤمنين، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ المنتقم من أعدائه المُكَذّبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. • من الآية 160 إلى الآية 166: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾: يعني إنهم كَذَّبوا لوطاً عليه السلام، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل؛ لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ ﴾: ﴿ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾: يعني أتنكحون الذكور مِن بني آدم؟!، ﴿ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾ أي: تتركون ما خلق الله لاستمتاعكم وتناسلكم مِن أزواجكم؟!، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ ﴾ - بهذه المعصية - ﴿ عَادُونَ ﴾ أي متجاوزونَ الحلال إلى الحرام. • الآية 167، والآية 168، والآية 169: ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ ﴾ عَمّا تنهانا عنه من إتيان الذكور: ﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ﴾ أي المطرودين من بلادنا، فـ﴿ قَالَ ﴾ لهم لوط: ﴿ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ ﴾ الذي تعملونه ﴿ مِنَ الْقَالِينَ ﴾أي من الكارهين له كرهاً شديدًا، ثم دعا لوطٌ ربه عندما يئس من استجابة قومه قائلاً: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴾: يعني أنقِذني وأنقِذ أهلي مما يعمله قومي مِن هذه المعصية القبيحة، ومِن عقوبتك التي ستصيبهم. • الآية 170، والآية 171، والآية 172، والآية 173: ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ المستجيبين لدعوته ﴿ أَجْمَعِينَ ﴾ ﴿ إِلَّا عَجُوزًا ﴾ (وهي امرأته)، إذ لم تشاركهم في الإيمان، فأصبحتْ ﴿ فِي الْغَابِرِينَ ﴾ أي مع الباقين في العذاب والهلاك، ﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ ﴾: أي نزل بهم أشدُّ أنواع الهلاك والتدمير (وذلك بقلب بلادهم سافلها على عالِيها)، ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ﴾ أي حجارة من السماء كالمطر فأهلكتهم، ﴿ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ أي: قَبُحَ مَطَر مَن أنذرهم رسولهم فلم يستجيبوا له. • الآية 174، والآية 175: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ العقاب الذي نزل بقوم لوط ﴿ لَآَيَةً ﴾ أي عبرة وموعظة يَتَّعظ بها المُكَذّبون، ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم لوط مؤمنين، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب الذي يَقهر المُكَذّبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. - واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأخير من سورة الشعراء • من الآية 176 إلى الآية 184: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي: كذَّب أصحابُ المدينةِ المُلتفَّةِ الشجر رسولهم شعيبًا في رسالته، فكانوا بذلك مُكَذّبين لجميع الرُسُل; لأنّ دعوتهم واحدة وهي التوحيد، ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ﴾: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ يعني ألاَ تخافون عقاب الله تعالى إن عبدتم معه غيره وعصيتموه؟، ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ فيما أُبَلِّغكم به عن الله، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم ﴿وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما أدعوكم إليه، ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ يعني: إنني لا أطلب منكم أجرًا على تبليغ الرسالة (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿إِنْ أَجْرِيَ ﴾ يعني: ما أجري على دَعْوتي لكم ﴿إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ ﴾ أي أتِمُّوا الكيل للناس، ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ﴾ الذين يُنْقِصون الناسَ حقوقهم، ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ أي زِنوا بالميزان العادل﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾ أي لا تُنقِصوا الناسَ حقوقهم فتظلموهم، ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ أي لا تسعوا في الأرض بأنواع الفساد (كالشِرك والمعاصي وأكْلُكُم أموال الناس بالباطل)، ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴾: أي احذروا عقوبة الله الذي خلقكم وخلق الأمم الماضية. ♦ ولَعَلّ الله تعالى قال: (قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ)، ولم يقل: (قَالَ لَهُمْ أخوهم شُعَيْبٌ) كما في باقي القصص السابقة، لأنه لم يكن أخاً لأصحاب الأيكة في النَسَب، فلمّا ذَكَرَ سبحانه قوم "مَدْيَن" في سورةٍ أخرى، قال:) أخاهم شعيباً) لأنه كانَ منهم، واللهُ أعلم. • الآية 185، والآية 186، والآية 187، والآية 188: ﴿قَالُوا ﴾ لشعيب: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾ الذين أصابهم السِحر إصابة شديدة فذهب بعقولهم، ﴿وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ فكيف تتميز علينا بالرسالة؟، ﴿وَإِنْ نَظُنُّكَ ﴾ يعني: وإننا نظن أنك ﴿لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ أي ادع اللهَ أن يُسقط علينا قِطَعَ عذابٍ من السماء لتُهلِكنا بها﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾، فـ ﴿قَالَ ﴾ لهم شعيب: ﴿رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ مِنَ الشرك والمعاصي، وهو أعلم بما تستحقونه من العذاب. • الآية 189: ﴿فَكَذَّبُوهُ ﴾ أي استمَرُّوا على تكذيبه، ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ﴾ يعني: فأصابهم العذاب في يومٍ شديد الحر، حينَ صاروا يبَحثون عن ملجأ يَستظلون به، فأظَلّتهم سحابةً، وَجَدوا لها بردًا ونسيمًا، فلمَّا اجتمعوا تحتها، التهبتْ عليهم نارًا فأحرقتهم جميعًا، ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾. • الآية 190، والآية 191: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الإهلاك ﴿لَآَيَةً ﴾ أي عبرة عظيمة لمن بعدهم، ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ يعني: وما كان أكثر قوم شعيب مؤمنين، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصة مؤمنين بك أيها الرسول)، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ القادر على الانتقام من المُكَذّبين، ﴿الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين. • من الآية 192 إلى الآية 196: ﴿وَإِنَّهُ ﴾ أي هذا القرآن الذي ذُكِرَتْ فيه هذه القصص السابقة ﴿لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أي تنزيلٌ مِن خالق الخلق، ومالك الأمر كله، وقد ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ وهو جبريل عليه السلامالذي نَزَلَ بالقرآن ﴿عَلَى قَلْبِكَ ﴾ أيها الرسول (والمقصود أنه تَلاه عليك حتى وَعَاهُ قلبك حِفظًا وفَهمًا) ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ أي لتكون مِن رُسُل الله (الذين يُخَوِّفون قومهم عذابَ ربهم)، فأنذِر الإنس والجن أجمعين بهذا القرآن، الذي نزل ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ أي بلُغة عربية واضحة المعنى، وفي غاية الفصاحة والبلاغة والبيان، ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ يعني: وإنَّ هذا القرآن لَمذكورٌ ومُبَشَّر به في كتب الأنبياء السابقين. • الآية 197: ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً ﴾ - تَدُلُّهم على أنك رسول الله، وأن القرآن حق - هو ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ وأن يُقِرُّوا بصِحّته (كعبد الله بن سَلام والنجاشي وغيرهما)؟! • الآية 198، والآية 199: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ﴾ يعني: ولو نَزَّلنا هذا القرآن على أحد الأعاجم (الذين لا يتكلمون بالعربية) ﴿فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ﴾ أي: فقرأه هذا الأعجمي على كفار قريش قراءة عربية صحيحة، حتى يكون ذلك آية لهم: ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي لَكَفروا به أيضًا كِبراً وعِنادا، وتحَجّجوا بأيّ عُذرٍ ليَكفروا به. • الآية 200، والآية 201، والآية 202، والآية 203: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ يعني: وكما أدْخَلنا الجحود في قلوب الأمم السابقة (عقوبةً لهم على ظُلمهم وإجرامهم)، فكذلك نَفعل بمُشرِكي قومك بسبب عنادهم وتكذيبهم، إذ هم ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ أي لا يُصَدِّقون بالقرآن - رغم وضوح حُجَّته وقوة بَيانه - وسيَظلون على كُفرهم ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ (وحينئذٍ لن يَنفعم الإيمان)، ﴿فَيَأْتِيَهُمْ ﴾ هذا العذاب ﴿بَغْتَةً ﴾ أي فجأةً ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ أي لا يعلمون به حتى يفاجئهم ﴿فَيَقُولُوا ﴾ عندئذٍ - وهم نادمونَ على ما فاتهم من الإيمان -: ﴿هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ﴾ يعني: هل نحن مُمْهَلون حتى نتوب مِن شِركنا، ونستدرك ما فاتنا؟ • الآية 204: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾؟! يعني: هل غَرَّ هؤلاء إمهال الله لهم، فاستعجلوا نزول العذاب عليهم؟! • الآية 205، والآية 206، والآية 207: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ﴾ بأنْ أطَلنا أعمارهم، ووَسَّعنا في أرزاقهم، فعاشوا سنين طويلة يتمتعون بالدنيا ﴿ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ من العذاب، فهل يَنفعهم ذلك التمتع؟ ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ أي لن يَدفع عنهم ذلك شيئاً من عذاب الله تعالى. • الآية 208، والآية 209: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ ﴾ - قبل مُشرِكي مكة - ﴿إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ ﴾ يعني إلا بعد أن أرسلنا إليهم رُسُلاً يُنذرونهم، ليكون ذلك الإنذار ﴿ذِكْرَى ﴾ (إذ يُذَكِّرهم الرُسُل ويُرشدونهم إلى ما فيه نجاتهم) ﴿وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ (لأننا قد أرسلنا إليهم الرُسُل، ولكنهم عانَدوا واستكبروا واتّبعوا شهواتهم فاستحقوا العذاب). • الآية 210، والآية 211، والآية 212: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ﴾ أي: ما تَنَزَّلَتْ الشياطين بالقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ ﴾: أي لا يَصِحّ منهم (لأنهم يدعون إلى الضلالة وفِعل المنكرات، والقرآن يدعو إلى الهدى وفِعل الصالحات)، ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ أي لا يستطيعونَ أن يَنزلوا بالقرآن أصلاً، والسبب في ذلك: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ﴾ أي محجوبون عن استماع القرآن قبل أن يَنزل من السماء، مَرجومونَ بالشهب. • من الآية 213 إلى الآية 220: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾: أي لا تعبد مع الله معبودًا آخر ﴿فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ ﴿وَأَنْذِرْ ﴾ أيها الرسول ﴿عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ أي حَذِّر الأقرب فالأقرب مِن قومك مِن عذابنا ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أيتواضَعْ للمؤمنين وكُن رحيماً معهم، ﴿فَإِنْ عَصَوْكَ ﴾ يعني: فإن لم يَتّبعك مَن دَعَوتهم إلى التوحيد، ﴿فَقُلْ ﴾ لهم: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ من الشِرك والمعاصي ﴿وَتَوَكَّلْ ﴾ أي اعتمد في كل أمورك ﴿عَلَى الْعَزِيزِ ﴾ الذي لا يَمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد، ﴿الرَّحِيمِ ﴾ الذي لا يَخذل أولياءه المتقين، ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ للصلاة في جوف الليل، ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ يعني: ويرى سبحانه تقلُّبك مع الساجدين في صلاتهم، ﴿إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لتلاوتك وذِكرك، ﴿الْعَلِيمُ ﴾ بنِيّتك وعملك. • الآية 221، والآية 222، والآية 223: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ﴾؟ إنها ﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾: أي تَتَنزل على كل كذَّابٍ كثيرِ الآثام من السَحَرة المجرمين، (وأما محمد صلى الله عليه وسلم فهو أبعد الناس عن الكذب والإثم، فلم يُجَرِّب عليه المشركون كَذِباً قط، ولم يروا منه ذنباً واحداً). ♦ وهؤلاء الشياطين ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ ﴾ أي يَختلسون السمع من كلام الملائكة فيُلقونه إلى الساحر (وهذا قبل أن يُمنَع بينهم وبين استراق السمع بالشهب الحارقة)، (واعلم أنّ الشيطان قد يُلْقي إلى الساحر بعضَ ما سَمِعَه قبل أن يَحرقه الشهاب)، ﴿وَأَكْثَرُهُمْ ﴾ أي الشياطين ﴿كَاذِبُونَ ﴾ إذ يَصْدُق أحدهم في كلمة، ثم يزيد فيها أكثر مِن مائة كذبة (كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم). • الآية 224، والآية 225، والآية 226، والآية 227: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ أي يقوم شِعرهم على الكذب والباطل، ويوافقهم الضالونَ مِن أمثالهم، (فهل الذين اتّبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم ضالون؟! انظروا إليهم واسألوا عنهم، فإنهم أهدى الناس، وأبَرّهم فِعلاً، وأصدقهم حديثاً، فلو كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم شاعراً لكانَ أتْباعه من الضالين، فبهذا بَطُلَ اتهامكم الكاذب، فأنتم تعلمون أنه الصادق الأُمِّي، الذي لم يقل الشعر ولم يتعلمه طوال حياته). ﴿أَلَمْ تَرَ ﴾ أيها النبي ﴿أَنَّهُمْ ﴾ أي الشعراء ﴿فِي كُلِّ وَادٍ ﴾ - من أودية الكلام وفنونه - ﴿يَهِيمُونَ ﴾ أي يذهبون كالهائم على وجهه (الذي لا يعرف أين يذهب)، فيخوضون في كل فن مِن فنون الكذب والباطل، وتمزيق الأعراض، والطعن في الأنساب، وتجريح النساء العفائف، والمبالغة في مدح أهل الباطل، والسخرية من أهل الحق، ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ أي يزعمون أنهم فعلوا كذا وهُم لم يفعلوه. ♦ ثم استثنى اللهُ منهم الشعراء المؤمنين بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ فقالوا الشِعر في توحيد الله تعالى والثناء عليه، والدفاع عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وتكلموا بالحكمة والمواعظ الحسنة، ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ﴾ أي انتصروا للإسلام وأهله بعد أن طَعَنَ فيهم الشعراء الكافرون، فرَدُّوا عليهم بشِعرهم انتصارا ً للحق (كحَسَّان بن ثابت رضي الله عنه وغيره)، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ أي ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي، وظلموا رسول الله باتهامه كذباً بالسِحر والشِعر، فسيَعلم هؤلاء الظالمون ﴿أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ يعنيأيّ مَرجع يرجعون إليه بعد الموت؟ إنَّه جهنم وبئس المصير. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] رامي حنفي محمود تفسير الربع الأول من سورة النمل • الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ طس ﴾ سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، واعلم أن هذه الحروف تُقرأ هكذا: (طا سين)، ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ﴾؛ يعني: هذه هي آيات القرآن المُنَزَّلة على محمد صلى الله عليه وسلم، وهي آيات الكتاب الواضح في مَعانيهِ وأدلته، وحلاله وحرامه، وقد نزلت هذه الآيات لتكون ﴿ هُدًى ﴾؛ أي: مُرشِدةً إلى الحق، ﴿ وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ بالفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة، وهؤلاء المؤمنون هم: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾؛ أي: يُؤَدُّونها في أوقاتها بخشوعٍ واطمئنان، ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ لِمُستحِقيها، ﴿ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾؛ أي: يُصَدِّقون تصديقاً جازماً بالحياة الآخرة، وما فيها من الحساب والجزاء. ♦ واعلم أنَّ الواو التي بين كلمة ﴿ الْقُرْآَنِ ﴾ وبين كلمة ﴿ كِتَابٍ ﴾، تُسَمَّى: (عَطْف بَيان)؛ يعني: عَطْف توضيح، لِتُبَيِّن أنَّ القرآن هو نفسه الكتاب، وليس معناها أنَّ ﴿ الْكِتَاب ﴾ شيءٌ، وأنَّ ﴿ القرآن ﴾ شيءٌ آخر، فكأنَّ المعنى: (تلك آيات القرآن الذي هو هذا الكتاب المُبين)، (فالقرآن هو الكتاب، وقد جَمَعَ الله له بين الاسمين)، وهذا مِثل قول أحدهم: (هذا هو اللقاء الثالث والأخير)، يعني هذا هو اللقاء الثالث، وهو نفسه اللقاء الأخير. • الآية 4، والآية 5: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ﴾؛ أي: حَسَّنَّا لهم أعمالهم السيئة فَفَعلوها؛ (عقوبةً لهم على تكذيبهم وعِنادهم)؛ ﴿ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾؛ أي: يتخبَّطون في حيرتهم وضَلالهم؛ (لا يَعرفون مَعروفاً، ولا يُنكرون مُنكَرًا)، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾؛ أي: لهم العذاب السيِّئ في الدنيا: (قتلًا وأَسْرًا وذُلًّا وهزيمةً)، ﴿ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴾؛ أي: هم أخْسَرُ الناسِ صَفَقةً؛ لأنهم استبدلوا النعيم المُقيم بالعذاب الأليم. • الآية 6: ﴿ وَإِنَّكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾؛ أي: تتلقَّى القرآن مِن عند الله الحكيم في خلقه وتدبيره، الذي أحاط بكل شيء علمًا. • الآية 7: ﴿ إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ ﴾؛ أي: اذكر أيها الرسول قصة موسى عليه السلام، حين قال لزوجته - ومَن معها مِن خادم أو ولد - أثناء مَسيره ليلًا من "مَدْيَن" إلى "مصر" -: ﴿ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا ﴾؛ أي: أبصَرْتُ نارًا من بعيد (حصل لي بها بعض الأنس)، ﴿ سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ﴾ يَدُلُّنا على الطريق، (وكانَ قد ضَلَّ الطريق إلى مصر بسبب ظُلمة الليل)، ﴿ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾؛ يعني: أو آتيكم منها بشُعلة نار ﴿ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾؛ أي: لتستدفئوا بها من البرد. • من الآية 8 إلى الآية 14: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ ﴾؛ يعني: فلمَّا وصل موسى إلى النَّار، ناداه الله تعالى، وأخبره: ﴿ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾؛ يعني: أخبره سبحانه أنه قدَّسَ هذا المكان وبارَكَه، وأنه بارَكَ مَن في النار؛ (وهو موسى عليه السلام) إذ كان يقف في البقعة المباركة التي ناداه الله منها، وأنه سبحانه بارَكَ مَن يقف حول النار مِنَ الملائكة، ﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾؛ أي: تنزيهًا لله رب الخلائق عمَّا لا يليق به. ♦ وقال الله له: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ ﴾ الذي لا يستحق العبادة غيري، ﴿ الْعَزِيزُ ﴾؛ أي: الغالب في انتقامي من أعدائي، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبير أمور خلقي، ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ﴾ - فألقاها موسى - ﴿ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾؛ يعني: فلمَّا رآى عصاه تتحرك في خِفَّة كما تتحرك الحية السريعة المعروفة بالـ (جانِّ) ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾؛ أي: فَرّ هاربًا ولم يَرجع إليها، فطمأنه الله بقوله: ﴿ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ ﴾ من الحية، ولا مِن غيرها؛ ﴿ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾؛ يعني: إني لا يخاف عندي مَن أرسلتهم برسالتي؛ ﴿ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ﴾؛ يعني: لكن مَن تجاوَزَ حدَّه بفِعل ذنبٍ، ﴿ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ﴾؛ أي: ثم تابَ مِن ذنبه (فبدَّل حُسْن التوبة بعد قبح الذنب)، وفَعَل الحسنات لتمحو السيئات؛ ﴿ فَإِنِّي غَفُورٌ ﴾ له ﴿ رَحِيمٌ ﴾ به، فلا ييئس من رحمة الله ومغفرته ﴿ وبهذا طمْأن اللهُ موسى عليه السلام، لأنه كان يشعر بالخوف من الذنب الذي فعله (عندما قتل المصري خطأً)، ﴿ وَأَدْخِلْ ﴾ يا موسى ﴿ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ﴾، ثم أخرِجها: ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ - رغم اسمرار لون جسمك - ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾؛ أي: من غير بَرَص ﴿ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ ﴾؛ أي: في جُملة تسع معجزات؛ وهي: (العصا، واليد، والطوفان، والجَراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، ونقص من الثمرات والأنفس)؛ لتأييدك في رسالتك ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ﴾ ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾؛ أي: كانوا قومًا خارجينَ عن أمْر الله، كافرينَ به. ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً ﴾؛ أي: واضحة - يَستدِل بها أصحاب البصائر على وحدانية اللهِ تعالى، وعلى صِدق نُبُوَّة موسى - ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾؛ أي: هذا سحرٌ واضحٌ، ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا ﴾؛ أي: كذَّبوا بالمعجزات التسع، وأنكروا بألسنتهم أن تكون من عند الله، ﴿ وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ﴾؛ يعني: رغم أن قلوبهم تَيَقَّنتْ أنها من عند الله تعالى، وذلك ﴿ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾؛ أي: اعتداءً على الحق وتكبُّرًا على الاعتراف به، ﴿ فَانْظُرْ ﴾ أيها الرسول ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾؛ أي: كيف كان مصير الذين كفروا بآيات الله، وأفسدوا في الأرض؟ لقد أغرقهم الله في البحر، وجعلهم عِبرةً لمن يَعتبر. • الآية 15: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ﴾؛ يعني: أعطيناهما عِلماً فعَمِلا به، ﴿ وَقَالَا ﴾: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا ﴾ بهذا العلم ﴿ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ (وفي هذا دليل على فضل العلم، وشرف أهله). • الآية 16: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ ﴾ أباهُ ﴿ دَاوُودَ ﴾ في العلم والنُبُوّة والمُلك، ﴿ وَقَالَ ﴾ سليمان لقومه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ﴾؛ أي: عَلَّمَنا اللهُ كلام الطير، ﴿ وَأُوتِينَا ﴾؛ أي: أُعطانا اللهُ تعالى ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يحتاجه الناس، ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾؛ أي: هذا هو الفضل الواضح مِن ربنا علينا. • الآية 17، والآية 18، والآية 19: ﴿ وَحُشِرَ ﴾؛ أي: جُمِعَ ﴿ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ ﴾ في مَسيرةٍ لهم، ﴿ فَهُمْ ﴾ - رغم كثرتهم - ﴿ يُوزَعُونَ ﴾؛ أي: يُسَاقونَ بنظام (إذ كان يقف على كل نوعٍ مَن يُنَظِّم صفوفهم)، وظلوا في مَسيرتهم ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ ﴾: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾؛ ﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾؛ أي: حتى لا يُهلككم ﴿ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ بوجودكم، فسمعها سليمان، وفَهِمَ كلامها؛ ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ﴾؛ لأنّ اللهَ هداها إلى تحذير النمل، واستشعر نعمة الله عليه، ﴿ وَقَالَ ﴾ داعيًا ربه: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي ﴾؛ أي: ألْهِمْني ووفقني ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ﴾، ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ ﴾ عملًا ﴿ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾ مني، ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾؛ أي: في نعيم جنتك مع عبادك الصالحين. • الآية 20، والآية 21: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ﴾؛ أي: تَفَقّد سليمان حال الطير المُسَخَّرة له، وكان عنده هُدهُد متميز معروف، فلم يجده، ﴿ فَقَالَ ﴾: ﴿ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ﴾؟ أسَتَره ساترٌ عني؟ ﴿ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾ عن حضور مجلسي؟ فلمَّا عَلِم أنه غائب قال: ﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾؛ تأديبًا له على غيابه، ﴿ أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ﴾؛ لأنه خالَفَ ما سُخِّر له، ﴿ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾؛ أي: بحُجّة ظاهرة، يُوَضِّح بها سبب غيابه. • من الآية 22 إلى الآية 26: ﴿ فَمَكَثَ ﴾ الهدهد زمنًا ﴿ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾، ثم حضر، فعاتبه سليمان على غيابه وتخلُّفه، ﴿ فَقَالَ ﴾ له الهدهد: ﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾؛ أي: عَلِمتُ ما لم تَعلمه، ﴿ وَجِئْتُكَ مِنْ ﴾ مدينة ﴿ سَبَإٍ ﴾ بـ "اليمن" ﴿ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾؛ أي: بخبر خطير الشأن، وأنا على يقينٍ منه، ﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ﴾؛ أي: تحكم أهل "سبأ"، ﴿ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من أسباب الدنيا، ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ تجلس عليه لإدارة مُلكها، ﴿ وَجَدْتُهَا ﴾ هي، ﴿ وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾؛ أي: حَسَّن لهم أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها؛ ﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾؛ أي: فصَرَفهم بذلك التزيين عن طريق توحيد الله تعالى؛ ﴿ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ إلى الحق. ♦ وقد حَسَّنَ لهم الشيطان ذلك مِن أجل ﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ ﴾؛ أي: حتى لا يسجدوا للهِ ﴿ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ ﴾؛ أي: يُخرج المَخبوء المَستور عن الأنظار ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾؛ كالمطر الذي في السحاب، وكالنبات والمعادن التي في باطن الأرض، ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ﴾ أيها الخلق في صدوركم، ﴿ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾؛ ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: الذي لا يستحق العبادة غيره، ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ الذي هو أعظم المخلوقات. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود الربع الثاني من سورة النمل • الآية 27 إلى الآية 31: ﴿ قَالَ ﴾ سليمان للهدهد: ﴿ سَنَنْظُرُ ﴾؛ أي: سنتأمل فيما جئتَنا به من الخبر عن أهل "سبأ": ﴿ أَصَدَقْتَ ﴾ في ذلك ﴿ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾؟ ثم كَتَبَ سليمانُ خطاباً لملكة سبأ، وقال للهدهد: ﴿ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ﴾؛ يعني: ألقِهِ إلى المَلكة ومَن معها، ﴿ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾؛ أي: تَنَحَّ عنهم قريبًا منهم (بحيث تَسمع كلامهم)، ﴿ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾؛ أي: فتأمَّل ما يَتردد بينهم من الكلام بشأن هذا الكتاب. ♦ فذهب الهدهد، وألقى الكتاب إلى الملكة، فقرأته، وجمعتْ أشراف قومها، و﴿ قَالَتْ ﴾ لهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾؛ يعني: إني وصل إليَّ كتابٌ عظيم القدر مِن شخصٍ عظيم الشأن، ﴿ إِنَّهُ مِنْ ﴾ المَلِك ﴿ سُلَيْمَانَ ﴾، ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ مُفتتَح بـ ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، ومَضمونُ كتابه: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ﴾؛ أي: لا تتكبروا عَمّا دَعَوتكم إليه، ﴿ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾؛ أي: مُنقادينَ لله بالوحدانية والطاعة. • الآية 32: ﴿ قَالَتْ ﴾ الملكة: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ﴾؛ يعني: أشيروا عليَّ في هذا الأمر، فـ﴿ مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾؛ يعني: ما كنتُ لأفصِل في أمْرٍ إلا بحضوركم ومشورتكم. • الآية 33: ﴿ قَالُوا ﴾ لها: ﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾: يعني: نحن أصحاب قوة في العدد والسلاح، وأصحابُ شجاعة وشدة في الحرب، (وهذا تصريح منهم بأنهم مستعدُّون للدفاع عن مَملكتهم)، وقالوا لها: ﴿ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ ﴾؛ فأنتِ صاحبة القرار، ﴿ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾؛ أي: ماذا تأمريننا به؟ فنحن سامعونَ لكِ، مُطيعونَ لأمرك. • الآية 34، والآية 35: ﴿ قَالَتْ ﴾ - مُحَذِّرةً لهم مِن مواجهة سليمان بالعداوة، ومُبيِّنة لهم سوء عاقبة القتال -: ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً ﴾ بجيوشهم ﴿ أَفْسَدُوهَا ﴾؛ أي: خَرَّبوها، ﴿ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾؛ (فيَقتلونهم ويأسرونهم، ويُهِينونهم)، ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾؛ يعني: وهذه هي عادتهم حتى يَخافهم الناس، ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ ﴾؛ يعني: إلى سليمان وقومه ﴿ بِهَدِيَّةٍ ﴾ مشتملة على نفائس الأموال، ﴿ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾؛ أي: فمنتظرةٌ ما يَرجع به الرُسُل الذين أرسلتهم إليه، وعلى ضوء ذلك نتصرف، فإنْ أخَذَ سليمان الهدية فهو صاحب دنيا، وإنْ رَفَضَها فهو صاحب دِين، وعندئذٍ نُقَرِّر ما نفعله معه. • الآية 36، والآية 37، والآية 38: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ ﴾ رسولُ الملكة إلى ﴿ سُلَيْمَانَ ﴾ بالهديَّة ﴿ قَالَ ﴾ له - مستنكرًا عليه الهدية، ومتحدثًا بنعم الله عليه -: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ﴾ تُرضونني به؟! ﴿ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ ﴾؛ أي: فما أعطاني الله مِن النُبُوّة والمُلك خيرٌ مما أعطاكم، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾؛ يعني: بل أنتم الذين تفرحون بالهدية التي تُهدى إليكم؛ لأنكم أهل مُفاخَرة بالدنيا، وقال له سليمان: ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ﴾؛ أي: ارجع إلى قومك ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ﴾؛ أي: لا طاقة لهم بمقاومتها، ﴿ وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا ﴾؛ أي: مِن أرضهم ﴿ أَذِلَّةً ﴾؛ أي: خاضعين، ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾؛ أي: مُهانون (إن لم ينقادوا لدين الله وحده، ويتركوا عبادة مَن سواه). ♦ فلمّا ذهب رسول الملكة ﴿ قَالَ ﴾ سليمانُ مخاطبًا أشراف دولته، ومَن سَخَّرهم الله له من الجن والإنس: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا ﴾؛ أي: بعرش الملكة ﴿ قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾؟ • الآية 39: ﴿ قَالَ عِفْريتٌ ﴾؛ أي: مارد قويٌّ ﴿ مِنَ الْجِنِّ ﴾: ﴿ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ﴾؛ أي: قبل أن تقوم من مجلسك هذا، ﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ ﴾؛ أي: قويٌّ على حَمْله، ﴿ أَمِينٌ ﴾ على ما فيه من الجواهر وغيرها، (فسبحان الله العظيم، إذا كانت هذه هي قدرة مخلوق، فكيف بقدرة خالقه سبحانه وتعالى؟!). • الآية 40: ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ﴾، (وقد قيل: إنّ هذا الرجل كان يَعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب)، فقال لسليمان عليه السلام: ﴿ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾؛ أي: قبل ارتداد أجفانك إذا تحرَّكَتْ للنظر في شيء، فأذِنَ له سليمان، فدعا اللهَ تعالى فأتى بالعرش، ﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ ﴾ سليمانُ لمن حوله: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ﴾؛ أي: ليختبرني: ﴿ أَأَشْكُرُ ﴾ - اعترافًا بنعمته عليَّ - ﴿ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ بترك الشكر؟ ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾؛ يعني: فإنَّ ثواب ذلك الشكر يَرجع إليه في الآخرة، ﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾؛ أي: جَحَدَ النعمة، وتَرَكَ الشكر: ﴿ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ﴾ عن شُكره، ﴿ كَرِيمٌ ﴾؛ إذ يَعُمّ بخيره الشاكر والكافر في الدنيا، ثم يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة. • الآية 41: ﴿ قَالَ ﴾ سليمان لمن عنده: ﴿ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا ﴾؛ أي: غيِّروه إلى حالٍ تُنكِره إذا رأته، ﴿ نَنْظُرْ ﴾؛ أي: حتى نرى: ﴿ أَتَهْتَدِي ﴾ إلى معرفة عرشها، ﴿ أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴾؟ • الآية 42، والآية 43: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ ﴾ الملكة إلى سليمان ﴿ قِيلَ ﴾ لها: ﴿ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾؟ ﴿ قَالَتْ ﴾: ﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾؛ يعني: إنه يُشبهه، (فظهر لسليمان أنها أصابت في جوابها بعد أن علمتْ قدرة الله تعالى، وصِدق نُبُوّة سليمان)، فقال سليمان في نفسه: ﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ ﴾؛ أي: باللهِ تعالى وقدرته ﴿ مِنْ قَبْلِهَا ﴾، ﴿ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾؛ أي: كنا مُنقادينَ لأمر الله، مُتَّبعينَ لدين الاسلام، ﴿ وَصَدَّهَا ﴾؛ أي: مَنَعَها عن عبادة الله وحده ﴿ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾؛ ﴿ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾؛ يعني: إنها كانت كافرة، ونشأتْ بين قوم كافرينَ، واستمرتْ على دينهم، وإلا فإنّ لها من الذكاء ما تعرف به الحق من الباطل، ولكنّ العقائد الباطلة تُذهب بصيرة القلب. • الآية 44: ﴿ قِيلَ لَهَا ﴾: ﴿ ادْخُلِي الصَّرْحَ ﴾؛ أي: ادخلي القصر، (وكانت ساحته مِن زجاجٍ تحته ماء)، ﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ﴾؛ أي: ظنَّتْ أنه ماء ذات أمواج، ﴿ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ﴾ لتخوض الماء، فـ﴿ قَالَ ﴾ لها سليمان: ﴿ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ﴾؛ يعني: إنه قصرٌ أملس من زجاجٍ صافٍ والماء تحته، فأدركتْ عظمة مُلك سليمان، و﴿ قَالَتْ ﴾: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ بما كنتُ عليه من الشرك، ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾؛ أي: دخلتُ منقادة - تابعة لسليمان - في دين رب العالمين. • الآية 45، والآية 46: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، فلا يوجد مَن يستحق العبادة غيره، فلمّا جاءهم صالحٌ بدعوة التوحيد: ﴿ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴾؛ أي: صار قومه فريقين: أحدهما مؤمن بدَعْوته، والآخر كافر بها، وكُلٌّ من الفريقين يَزعم أنه على الحق، فـ﴿ قَالَ ﴾ صالح عليه السلام للفريق الكافر: ﴿ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾؛ يعني: لماذا تُسارعون بالكفر والأعمال السيئة التي تجلب لكم العذاب، وتؤخرون الإيمان والأعمال الحسنة التي تجلب لكم الرحمة؟، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: لماذا تطالبونني بإنزال العذاب - الذي أنذرتُكم به - ليكون دليلًا لكم على نُبُوَّتي، بدلًا مِن أن تَطلبوا إنزال الرحمات والبركات وسعة الرزق، مع إنَّ ذلك سيكونُ دليلًا أيضًا على نُبُوَّتي - بعد أن أطلبها لكم مِن اللهِ تعالى - وأفضل لكم مِن طلب العذاب والهلاك؟!) ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾؛ يعني: هَلَّا تَطلبون مغفرة الله تعالى وتتوبون إليه حتى يرحمكم، (وفي هذا دليل على أن الاستغفار سبب من أسباب الرحمة). • الآية 47: ﴿ قَالُوا ﴾؛ أي: قال له الفريق الكافر: ﴿ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ﴾؛ أي: تَشاءَمْنا بك وبمن دخل في دينك، فـ﴿ قَالَ ﴾ لهم صالح: ﴿ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ﴾؛ يعني: إنَّ ما أصابكم مِن خيرٍ أو شر، هو مُقدَّر عليكم من الله تعالى، وليست القضية قضية تشاؤم، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾؛ أي: تُخْتَبرون بالسَرّاء والضَرّاء والخير والشر. • الآية 48، والآية 49: ﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ﴾؛ (أي: في مدينة صالح - وهي "الحِجْر" - الواقعة شمال غرب الجزيرة العربية)، فكانَ فيها ﴿ تِسْعَةُ رَهْطٍ ﴾؛ أي: تسعة رجال ﴿ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾؛ أي: جمعوا بين الفساد وترْك الإصلاح، وهم الذين اشتركوا في ذبْح الناقة، فـ﴿ قَالُوا ﴾؛ أي: قال هؤلاء التسعة بعضهم لبعض - في اجتماعٍ خاص -: ﴿ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ﴾؛ أي: ليَحلف كل واحد منكم بالله: ﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾؛ أي: لنَأتينَّ صالحًا فجأةً في الليل، فنقتله ونقتل أتْباعه، ﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ﴾؛ أي: لوليِّ الدم مِن أقرباء صالح - وهو الذي يطالب بالثأر له -: ﴿ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ﴾؛ أي: ما حَضَرنا قتْلهم، ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾، (وقد أرادوا قَتْل صالح وأتْباعه، مُعتقدينَ أنهم بذلك سوف يَمنعون وقوع العذاب الذي وَعَدَهم به بعد ثلاثة أيام مِن ذبْح الناقة). • الآية 50، والآية 51: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا ﴾؛ أي: دبَّروا هذه الحيلة الدنيئة؛ (حيثُ جاءوا إلى صالح وهو يصلي ليلًا تحت الجبل ليقتلوه)، ﴿ وَمَكَرْنَا مَكْرًا ﴾؛ أي: دَبَّرنا طريقة لنجاته وإهلاك الظالمين؛ (حيث أسقط اللهُ عليهم صخرة من الجبل فأهلكتْ التسعة كلهم)، وهكذا مَكَرَ اللهُ بهم ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾؛ أي: وهُم لا يتوقعون أنه يُدَبِّر لهم طريقًا لهلاكهم، جزاءً لهم على كَيدهم بنَبيِّهم. ♦ ثم أهلك اللهُ القوم كلهم بالصيحة - وذلك بعد مرور ثلاثة أيام مِن ذبْح الناقة - كما وَعَدهم صالح، فماتوا في ديارهم، ﴿ فَانْظُرْ ﴾ أيها الرسول ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ﴾؛ يعني: كيف كان مصير غَدْر هؤلاء الرجال بنَبيِّهم صالح ﴿ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾. • الآية 52، والآية 53: ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً ﴾؛ أي: خالية ليس فيها أحد؛ إذ أهلكهم اللهُ ﴿ بِمَا ظَلَمُوا ﴾؛ أي: بسبب ظُلمهم لأنفسهم (بشِركهم وتكذيب نَبِيِّهم)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾؛ أي: في إهلاك الرجال التسعة، وتدمير أهل ثمود المشركين ﴿ لَآَيَةً ﴾؛ أي: عِبرة ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: يَعلمون أنَّ هذه سُنَّتنا فيمَن يُكَذِّب رُسُلنا، فهؤلاء هم الذين يَعتبرون بآياتنا، ﴿ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾؛ أي: كانوا يتقون عذاب ربهم بالتوحيد والعمل الصالح. ♦ وفي هذه الآيات إثبات صفة المَكْر للهِ تعالى على النحو الذي يَليقُ بجلاله وكماله؛ لأنه مَكْرٌ بحق، وفي مقابلة مَكْر الماكرين، وقد كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: ((وامكُر لي، ولا تمْكُر عَلَيّ))؛ (انظر صحيح الترمذي: 355)، ومِمَّا يَجب أن يُعلَم أنَّ أفعالَ اللهِ تعالى لا تُشبه أفعال العباد، لأنّ ذاتَهُ سبحانه لا تُشبه ذَواتِهم. • الآية 54، والآية 55: ﴿ وَلُوطًا ﴾؛ أي: اذكر أيها الرسول خبر لوط عليه السلام ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾: ﴿ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ﴾؛ يعني: أتفعلون هذه الفعلة المُنكَرة التي بَلغتْ نهاية القبح ﴿ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾؛ أي: تُبصرون قُبحها؟! (إذ كانوا يأتونها في أنْدِيَتهم علانيةً بلا سِترٍ أو حجاب)، ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ﴾؛ أي: تنكحون الرجال للشهوة عِوَضًا عن النساء؟! ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾؛ أي: تجهلونَ حقَّ الله عليكم، فلذلك خالفتم أمْره بهذه الفعلة القبيحة التي لم يَسبقكم بها أحد من العالمين. • الآية 56: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ - بعد أن أنكر عليهم فِعلهم - ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾ لبعضهم - سُخريةً واستهزاءً -: ﴿ أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ﴾؛ فـ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾؛ أي: يتنزهون عن فِعل الفواحش. • الآية 57: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ - المستجيبين لدعوته - من العذاب الذي سيَقع بقومه؛ ﴿ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾؛ أي: حَكَمنا عليها أن تكون من الباقين في العذاب؛ لأنها كانت عونًا لقومها على أفعالهم القبيحة. • الآية 58: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ﴾؛ أي: حجارة صَلبة شديدة الحرارة، نزلتْ عليهم كالمطر من السماء، ﴿ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾؛ أي: قَبُحَ مطر مَن أنذرهم رسولهم، وقامت عليهم الحُجّة، فلم يستجيبوا له. * وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود تفسير الربع الثالث من سورة النمل • الآية 59: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ أي الثناء على اللهِ تعالى بصفاته الكاملة، والشكر له على نِعَمِهِ الظاهرة والباطنة، ﴿ وَسَلَامٌ ﴾ منه، وأمانٌ ﴿ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ أي الذين اختارهم لرسالته، ثم اسأل مُشرِكي قومك أيها الرسول: ﴿ آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ يعني: هل اللهُ الذي يَملك النفع والضر خيرٌ أم هذه الآلهة الباطلة التي يَعبدونها من دونه، والتي لا تملك لأنفسها ولا لعابدِيها نفعًا ولا ضرًا؟! • الآية 60: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ أي اسألهم: مَن خلق السموات والأرض؟، (وهذا التفسير باعتبار أنّ (مَن) هنا للاستفهام، ويُحتمَل أن تكون (مَن) بمعنى (الذي)، وعلى هذا يكون المعنى: (هل الأصنام التي لا تخلق ولا ترزق ولا تنفع ولا تضر خيرٌ أم الذي خلق السماوات والأرض) ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ ﴿ فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ أي ذات منظر حَسَن يَسُرّ الناظرين، ﴿ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ﴾ لولا أنّ الله أنزل عليكم الماء من السماء، وأخرج لكم الأشجار بقدرته،﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال حتى يُعبَد معه؟! ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ أي يُساوون اللَهَ بغيره في العبادة والتعظيم والمحبة والخوف، (إذ معنى يَعدلون:أي يُساوون، فهي مأخوذة من العدل والمُساواة)، فالذين كفروا يعبدون مع اللهِ أصناماً ومخلوقاتٍ لم يُساووا اللهَ في شيءٍ من الكمال، بل هم فقراء عاجزونَ ناقصونَ مِن كل وجه. ♦ واعلم أنّ الله تعالى قال: ﴿ فَأَنْبَتْنَا ﴾ بضمير الْمُتكَلِّم الْجَمْعِي، بعد أن قال: ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ ﴾ بضمير الْواحد الْمُفْرَد - وهو ما يُعرَف في اللغة بأسلوب الالتفات - لِيجعل الأذهان تلتفت إِلَى أهمية ما هو آتٍ، فَتَتَنبَّه إلى أَنّ هذَا الإخراج البديع والصُنع المُتقَن هو مِن فِعل البديع الْخَلاَّق جَلَّ وعَلا، ولَمَّا كان الماءُ واحداً، والنباتُ جَمعاً كثيراً: ناسَبَ ذلك إفراد الفِعل ﴿ أَنْزَلَ ﴾، وجَمْع الفِعل: ﴿ أَنْبَتْنَا ﴾، ومعلومٌ أن الشخص إذا قال: ﴿ فَعَلْنَا ﴾ أَرادَ الإفَادة بتعظيم نَفسِهِ (إذا كانَ مقامُهُ أهلاً لذلك)، كما يقول المَلِك أو الأمير في خطابه: (قرَّرْنا نحن، أو أمَرْنا نحن بكذا وكذا). • الآية 61: ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا ﴾ يعني: مَن الذي جعل لكم الأرض مُستقَرًا لكم ﴿ وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا ﴾ لِشُربكم ومَنافعكم،﴿ وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً راسيةً لتثبيت الأرض ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ - العذب والملح - ﴿ حَاجِزًا ﴾ حتى لا يُفسد أحدهما الآخر؟ ﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال حتى يُعبَد معه؟! ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون قَدْر عظمة الله، وأنّ عبادته سبحانه هي الحق، وعبادة غيره باطلة، فهم يُشركون بربهم تقليدًا لآبائهم من غير علمٍ أو دليل. • الآية 62: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ يعني: مَن الذي يُجيب المكروب إذا دعاه ﴿ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ الذي نزل به، ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾ أي جَعَلكم تَخلُفون مَن قبلكم؟ ﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال وأنعم عليكم بهذه النعم حتى تعبدوه معه؟! ﴿ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ أي قليلاً ما تتعظون، فلذلك أشركتم بالله غيره في عبادته. • الآية 63: ﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ ﴾ يعني: مَن الذي يُرشدكم إذا ضللتم ﴿ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾؟﴿ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ يعني: ومَن الذي يُرسل الرياح الطيبة التي تبشر الخلق بقرب نزولرحمة الله (وهي المطر)، إذ تثيره الرياح بإذن الله تعالى ليَرحم به عباده، فيَسقيهم ويُحيي به أرضهم الميتة؟ ﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال وأنعم عليكم بهذه النعم حتى تعبدوه معه؟! ﴿ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾. • الآية 64: ﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ يعني: مَن الذي يُنشئ المخلوقات من العدم، ثم يُميتهم، ثم يُعيدهم كهيئتهم قبل أن يُميتهم؟ (فإذا كنتم تعترفون بأنّ الله هو الذي خلقكم من العدم، إذاً فاعلموا أنّ الذي ابتدأ خَلْقكم بهذه الصورة قادرٌ على إعادتكم بعد الموت، بل إنَّ إعادة الخَلق أهْوَنُ عليه سبحانه (لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة)، ﴿ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ بإنزال المطر، ﴿ وَالْأَرْضِ ﴾ بإنبات الزرع وإخراج المعادن؟﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال وأنعم عليكم بهذه النعم حتى تعبدوه معه؟! ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ على استحقاق غيره للعبادة ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾. • الآية 65، والآية 66: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ أي: لا أحد - مِمّن في السماوات الأرض - يَعلم ما انفرد الله بعلمه من الغيب (ومن ذلك موعد قيام الساعة) ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾: أي لا يعلم أحدٌ من الخلق متى سيَبعثهم الله مِن قبورهم أحياءً للحساب والجزاء؟ ﴿ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ ﴾ أي تكامَلَ عِلمهم في الآخرة، فأيقنوا بها عندما رأوا أهوالها (وذلك حين لا ينفعهم الإيمان والندم)، ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ﴾ وهُم في الدنيا، ﴿ بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ﴾ يعني: بل عَمِيَتْ عنها بصائرهم، رغم قيام الحُجّة عليهم. • الآية 67، والآية 68: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: ﴿ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾ أي سنخرج مِن قبورنا أحياءً كهيئتنا هذه، بعد أن تَحَلَّلتْ عظامنا في تراب الأرض؟! ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ﴾يعني: لقد قيل هذا الكلام لآبائنا مِن قبل، فلم نَرَهُ حقيقةً، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي: ما هذا الذي تتحدثون عنه من البعث والحياة الثانية إلا قصص السابقينَ التي لا حقيقةَ لها. • الآية 69: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المُنكِرين للبعث: ﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأجسادكم وقلوبكم، وتأمَّلوا في الهالكينَ كعادٍ وثمودَ وفي ديارهم﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ أي: كيف كان مصير المُكَذّبين للرسل؟ (فإنكم لن تجدوهم إلا مُعَذَّبين، قد فرَغَتْ ديارهم، وذهب عِزُّهم ومُلْكُهم، وزالَ نعيمهم وفخرهم، أليس في هذا أعظم دليل علىصِدْق ما جاءت به الرُسُل؟). • الآية 70: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ أي لا تحزن يا محمد على إعراض المشركين عنك وتكذيبهم لك، ﴿ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ أي: لا يَضِقْ صدرك مِن كَيدهم لك، ولا تهتم به، فإنّ اللهَ ناصرك عليهم. • الآية 71، والآية 72: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي: متى يحصل هذا العذاب الذي تَعِدُنا به يا محمد، إن كنت صادقاً أنت ومَن اتَّبعك؟، ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ ﴾ أي اقترب لكم ﴿ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ من العذاب، (وأوَّل عذاب نزل بهم: هزيمتهم يوم بدر وقَتْل زعمائهم، ثم القحط سبع سنين، ومَن مات منهم على الشِرك: فسوف يُعَذَّب في نار جهنم خالداً فيها أبداً). • الآية 73، والآية 74: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ﴾ بترك مُعاجلتهم بالعقوبة رغم مَعصيتهم وشِركهم، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ أي لا يَشكرونَ اللهَ على ذلك الإمهال بأن يتوبوا ويَنتهوا عَمّا هم فيه، بل يَزيدهم هذا الإمهال طغياناً ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ أي يعلم ما تخفيه صدور خلقه من النيات والخواطر، ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ أي: ويعلم سبحانه ما يُظهرونه من الأقوال والأفعال، وسيُجازيهم على ذلك كله. • الآية 75: ﴿ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ ﴾ أي: ما مِن حادثةٍ غائبة (والمقصود: ما مِن شيءٍ غائب عن حَواسّ الخلق) ﴿ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ ﴿ إِلَّا ﴾ مُثبَتٌ ﴿ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ أي في كتابٍ واضح عند الله تعالى، أحاطَ به علمه وكَتَبَه قلمه (وهو اللوح المحفوظ). • الآية 76، والآية 77: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ أي يُخبرهم بالحق في أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها، ﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى ﴾ يعني: إنّ هذا القرآن هادٍ من الضلال (إذ هو أعظم دليل على صِدق البعث والتوحيد والنُبُوّة) ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي نجاةٌ لهم من العذاب (فهو رحمةٌ لمن صدَّق به وعمل بهُداه). • الآية 78، والآية 79: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ ﴾ أي يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل وغيرهم ﴿ بِحُكْمِهِ ﴾ يوم القيامة (فينتقم من الكاذبين المُعاندين، ويُثِيب الصادقين المحسنين) ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب الذي لا يُرَدُّ قضاؤه، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بمن على الحق ومن على الباطل (فلذلك لن يكونَ حُكمه إلا عادلاً)، وبُناءً على عِزّته سبحانه وعِلمه: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ أي اعتمد عليه في كل أمورك، وثِق بنصره وحِفظه، فـ ﴿ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ أي على الحق الواضح الذي لا شك فيه، والعاقبة الحَسَنة لك ولأتْباعك. • الآية 80، والآية 81: ﴿ إِنَّكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ أي لا تقدر على إسماع مَن طَبَعَ الله على قلوبهم فأماتها (بسبب تراكُم الشرك والمعاصي عليها)، ﴿ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ﴾ يعني إنك لا تَقْدر على إسماع الصُمّ (الذين فقدوا حاسة السمع)، فكذلك أنت لا تقدر على هداية هؤلاء المشركين - إلا أن يشاء الله هدايتهم - لأنهم كالصمٌّ، حيثُ لا يسمعونك سماع تدبُّر وانتفاع، وخصوصًا ﴿ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ يعني إذا كانوا مُعرِضينَ عنك، ﴿ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ﴾ يعني لن تهدي مَن أعماه الله عن الهدى والرشاد، بسبب الكِبر والعناد، ﴿ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا ﴾ أي لا يُمْكنك أن تُسمِع إلا مَن يُصَدِّق بآياتنا ﴿ فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ أي مُستجيبونَ لِمَا دَعَوتَهم إليه، مُنقادونَ للحق، غير مُتَّبعينَ لأهوائهم وشهواتهم. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود الربع الأخير من سورة النمل • الآية 82: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ يعني: إذا وَجَبَ العذاب عليهم - لاستمرارهم في المعاصي والطغيان، وإعراضهم عن شرع الله وحُكمه -: ﴿ أَخْرَجْنَا لَهُمْ ﴾ في آخر الزمان علامة من علامات الساعة الكبرى، وهي: ﴿ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ بكلامٍ يفهمونه، فتُخبرهم ﴿ أَنَّ النَّاسَ ﴾ - أي المُنكرين للبعث منهم - ﴿ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ أي كانوا لا يُصَدّقون بالقرآن ولا يعملون به (رغم وضوحة وقوة حُجَّته وخلوده إلى قيام الساعة). • الآية 83، والآية 84، والآية 85: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ﴾ أي اذكر أيها الرسول لقومك يوم القيامة، يوم نَجمع مِن كل أُمَّةٍ جماعةً ﴿ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا ﴾ وأدلتنا الواضحة، ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ أي يُجمَعون، ثم يُساقون بنظامٍ إلى موقف الحساب ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوا ﴾ للعرض على ربهم ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي ﴾ التي أنزلتُها على رُسُلي، وبالآيات الدالة على استحقاقي وحدي للعبادة وعلى قدرتي على البعث ﴿ وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا ﴾ أي لم تحيطوا عِلمًا ببُطلانها حتى تُعرضوا عنها وتُكَذِّبوا بها؟!، ﴿ أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾؟ ﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا ﴾ أي وجب عليهم حُكم الله بعذابهم بسبب ظلمهم وتكذيبهم ﴿ فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ ﴾ أي لا يَنطقون بحُجِّةٍ يَدفعون بها العذاب عن أنفسهم. • الآية 86: ﴿ أَلَمْ يَرَوْا ﴾ أي هؤلاء المُكَذِّبون ﴿ أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ أي يَنامون فيه ليستريحوا من التعب في طلب الرزق، ﴿ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾ أي يُبصِرون فيه (للسعي في معاشهم)؟، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي في اختلاف حال الناس في الليل والنهار، وفي عناية الله تعالى بمصالح خلقه ﴿ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على أن الله هو المستحق وحده للعبادة، ثم خَصَّ سبحانه الذين ينتفعون بهذه الآيات بقوله: ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بكمال قدرة الله تعالى ووحدانيَّته وعظيمِ نعمه. • الآية 87: ﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾ أي اذكر أيها الرسول يوم يَنفخ المَلَك في "القرن" (وهو المعروف بـ "البوق") ﴿ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ فزعًا شديدًا مِن هَوْل النفخة، ﴿ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ أن يحفظه من الفزع، ﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ يعني: وكل مخلوقٍ يأتي إلى ربه طائعاً ذليلاً. • الآية 88: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ﴾ أي تظنها واقفة مستقرة ﴿ وَهِيَ ﴾ في الحقيقة ﴿ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ أي تسير سَيرًا بطيئاً مِثل سَيْر السحاب بسبب دوران الأرض (إذ تدور الجبال مع الأرض أثناء دورانها، والناظر إليها يظنها ثابتة) (فسبحان مَن عَلَّمَ محمداً صلى الله عليه وسلم - النبي الأُمِّيّ - هذه الحقيقة)، انظروا ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ ﴿ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ (فكما أنه سبحانه يَعلم حركة هذه الجبال، وكما أنه أخبركم عن هذه الحركة الخفية ولم تتأكدوا منها إلا بأدق الأجهزة، فكذلك يعلم سبحانه كل فِعلٍ تفعلونه، وكل كلمةٍ تنطقونها، وكل فكرةٍ تخطر ببالكم، فيَنبغي عليكم أن تستشعروا مراقبة الله لكم، لأنه سبحانه سيُحاسبكم على أعمالكم). • الآية 89: ﴿ مَنْ جَاءَ ﴾ يوم القيامة ﴿ بِالْحَسَنَةِ ﴾ أي بتوحيد الله تعالى، وبالأعمال الصالحة (الخالصة لوجهه، والمُوافِقة لشَرعه): ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾ إذ تُضاعَف له أعماله عشرة أضعاف، ﴿ وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ ﴾ أي هُم آمنونَ من الخوف يوم القيامة، إذ تتلقاهم الملائكة لتُبَشّرهم بالجنة. • الآية 90، والآية 91، والآية 92: ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ أي بالشرك والمعاصي يوم القيامة: ﴿ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾ أي: فجزاؤهم أن يَكُبَّهم الله على وجوههم في النار، ويُقال لهم - توبيخاً - وهم يُعَذّبون: ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾؟ ♦ وقل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ ﴾ وهي "مكة"، فهو سبحانه ﴿ الَّذِي حَرَّمَهَا ﴾ أي حَرَّم على خلقه أن يَسفكوا فيها دمًا حرامًا، أو يظلموا فيها أحدًا، أو يصيدوا صيدها، أو يقطعوا شجرها، ﴿ وَلَهُ ﴾ سبحانه ﴿ كُلُّ شَيْءٍ﴾ - خلقاً وملكاً وأمراً - كما قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾، ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ أي المنقادينَ لأمره سبحانه، المُسارعينَ في طاعته، ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ ﴾ ليَهتدي به الناس، ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى ﴾ بما فيه وعَمِلَ به: ﴿ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ﴾ لأنّ ثواب ذلك سيعود عليه وحده، ﴿ وَمَنْ ضَلَّ ﴾ عن الحق بعد وضوحه: ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ (الذين يُخَوِّفون قومهم عذاب ربهم)، وأما هداية القلوب فهي إلى الله وحده (إذ يهدي سبحانه مَن طلب الهداية بصِدق وسَعَى في تحصيل أسبابها، ولا يُضِلُّ سبحانه إلا مَن رغب في الضلال وسعى إليه وأحَبَّه). • الآية 93: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ أي الثناء على اللهِ تعالى بصفاته التي كلُّها كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، ﴿ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ ﴾ في أنفسكم وفي السماء والأرض ﴿ فَتَعْرِفُونَهَا ﴾ مَعرفةً تَدُلُّكم على الحق وتبيِّن لكم الباطل ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾، وسيُجازيكم على أعمالكم. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود الربع الأول من سورة القصص • الآية 1: ﴿ طسم ﴾ سبق الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (طا سين ميم). • الآية 2: ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ أي: هذه هي آياتُ الكتاب المُوَضِّح لكل ما يحتاجه العباد في دُنياهم وأُخراهم. • الآية 3: ﴿ نَتْلُوا عَلَيْكَ ﴾ أيها الرسول - في هذه السورة - ﴿ مِنْ نَبَإِ ﴾ أي مِن خَبَر ﴿ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ ﴾ أي بالصدق ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يُصَدِّقون بهذا القرآن ويعملون بهُداه. • الآية 4: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا ﴾ أي تَكَبَّر وطغى ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي في أرض مصر ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾ أي طوائف متفرقة، يُعادي بعضها بعضاً، وكانَ فرعون ﴿ يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ﴾ - وهُم بنو إسرائيل - إذ كان ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ الذكور (حتى لا يأتي منهم مَن يَستولي على مُلْكه)، ﴿ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ﴾ أي يَترك بناتهم أحياءً ذليلات للخِدمة والإهانة ﴿ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ الذين ارتكبوا الجرائم العظيمة، حتى ادَّعى الألوهية من دون الله تعالى. • الآية 5، والآية 6: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ﴾ أي نُنعِم ﴿ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ فنُنَجِّيهم من ذلك العذاب والأسْر ﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ﴾ أي قادةً في الخير ودُعاةً إليه ﴿ وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ أي يرثون الأرض بعد هلاك فرعون وقومه، ﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ ﴾ أي نُهَيّئ لهم - من الأسباب الدنيوية - ما يُصبحون به متمكنينَ ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾: أي نجعل فرعون وهامان وجنودهما يرون من هذه الطائفة المُستضعَفة ما كانوا يخافونه مِن ذهاب مُلكهم على يد مولودٍ منهم (وهو موسى عليه السلام). • الآية 7، والآية 8: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ﴾ أي ألْهمناها حين ولدتْ موسى ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ وأنتِ مطمئنة، ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ أن يذبحه فرعون - كما يُذَبِّح أبناء بني إسرائيل -: ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾ أي ضعيه في صندوقٍ وألقيه في النيل ﴿ وَلَا تَخَافِي ﴾ من فرعون وقومه أن يقتلوه، ﴿ وَلَا تَحْزَنِي ﴾ على فِراقه، فـ ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾، فوضعته في صندوق وألقته في النيل ﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ ﴾ أي عثر عليه أعوان فرعون وأخذوه ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ ﴾ أي: ليصير موسى لهم ﴿ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ لأنّ إهلاكهم سيكون على يده، (واعلم أنّ اللام التي في قوله تعالى: (لِيَكُونَ لَهُمْ) تُسَمَّى لام العاقبة)، ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ أي كانوا ظالمينَ آثمين. • الآية 9: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ﴾ لفرعون: هذا الطفل ﴿ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ﴾ أي سيكون مصدر سرور لي ولك، ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا ﴾ أي لعلنا نستفيدُ مِن خِدمته، ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾: يعني أو نُقيمه عندنا مقام الولد (وقد قالت ذلك لأنه لم يكن لها ولد)، ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾: أي لا يُدرك فرعون وأعوانه أنّ هلاكهم سيكون على يد هذا الطفل. • الآية 10: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ﴾ يعني أصبح قلبها خاليًا من كل شيء في الدنيا إلا مِن هَمِّ موسى وذِكره، ﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ أي لقد قاربت أن تُظهِر للناس أنها ألقته في النيل (وذلك من شدة الحزن عليه) ﴿ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ﴾ يعني لولا أننا ثبتناها فصبرتْ ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي لتكون من الموقنين بوعد الله لها. • الآية 11: ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ ﴾ - حين ألقته في النيل -: ﴿ قُصِّيهِ ﴾ أي تَتَبَّعي أثر الصندوق الذي فيه موسى، فسارت أخته على شاطئ النهر وهي تنظر إلى الصندوق، حتى انتهى إلى قصر فرعون ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ﴾ أي أبصرتْ موسى عن بُعْد وهو في يد الجنود ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ أي لا يعرفون أنّ هذه البنت التي تنظر إليه من بعيد هي أخته. • الآية 12: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾ أي منعناه من قبول جميع المُرضِعات اللاتي أحضرهُنّ له فرعون، وذلك ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي مِن قبل أن نردَّه إلى أمه ﴿ فَقَالَتْ ﴾ لهم أخته - وكانت تأتي وتقف قريباً من القصر لتتابع أخباره -: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ﴾ أي يُحسنون تربيته وإرضاعه؟ ﴿ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ أي مُشفقون عليه، لا يَمنعون عنه ما ينفعه، فوافقوها على ذلك. • الآية 13: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ ﴾ ووَفينا إليها بالوعد ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ﴾ أي حتى تفرح بنجاته من الغرق والقتل ﴿ وَلَا تَحْزَنَ ﴾ على فراقه ﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ أي أكثر الناس ﴿ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أن الله لا يخلف الميعاد. • الآية 14: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ يعني: ولمَّا وَصَلَ موسى إلى مُنتهى قوته في شبابه ﴿ وَاسْتَوَى ﴾ أي كَمُلَ عقله: ﴿ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا ﴾ أي عَلَّمناهُ كيف يَحكم بين الناس، وأعطيناه الحِكمة في القول والعمل، ﴿ وَعِلْمًا ﴾ وهو الفِقه في دين إبراهيم عليه السلام (وهو الإسلام)، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ يعني: وكما أعطينا موسى هذا العطاء (جزاءً له على إحسانه)، فكذلك نُعطي المحسنين عِلماً نافعاً جزاءً لهم على إحسانهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ أي عِلماً ونوراً تُفرِّقون بهِ بين الحق والباطل والحلال والحرام. • الآية 15: ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ ﴾ أي دخل موسى مدينة فرعون، (والظاهر أنه كان غائباً عن المدينة لأمرٍ اقتضى ذلك)، فدخلها ﴿ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ أي دخلها في وقت الظهيرة (الذي كان ينام فيه الناس)، ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ ﴾: ﴿ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾: يعني أحدهما من قوم موسى (من بني إسرائيل)، والآخر (مصري) من قوم فرعون، (وقد كانَ فرعون وقومه أعداءً لبني إسرائيل، لأنهم كانوا يُذيقونهم أشد العذاب) ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ أي طلب الرجل الإسرائيلي أن ينصره موسى على القبطي ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ أي: فضرب موسى القبطي بقبضة يده فمات، فحينئذٍ ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ لأنه هو الذي هيَّج غضبي، حتى ضربتُ الرجل فمات، ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي الشيطان ﴿ عَدُوٌّ ﴾ لابن آدم، ﴿ مُضِلٌّ ﴾ عن سبيل الرشاد، ﴿ مُبِينٌ ﴾ أي عداوته واضحة للإنسان، (وقد حدث ذلك القتل الخطأ قبل أن يكون موسى عليه السلام نبياً). • الآية 16: ﴿ قَالَ ﴾ موسى - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ بقتل النفس التي حَرّمتَ قتْلها ﴿ فَاغْفِرْ لِي ﴾ ذلك الذنب، ﴿ فَغَفَرَ ﴾ اللهُ ﴿ لَهُ ﴾ ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ ﴾ لذنوب عباده التائبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بهم، فلا يُعذبهم بذنبٍ تابوا منه. • الآية 17: ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ﴾ أي: بسبب إنعامك عليَّ بالتوبة والهداية والعلم: ﴿ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ أي لن أكون مُعينًا لأحد على معصيته وإجرامه بعد ذلك، (ومِن ذلك أيضاً أنه سيَعتزل فرعون وملئه، لأنهم ظالمونَ مجرمون). • الآية 18: ﴿ فَأَصْبَحَ ﴾ موسى ﴿ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ أي يُراقب الأخبار التي يتحدث بها الناس في أمْره وأمْر قتيله، ﴿ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ﴾ أي: فرأى صاحبه بالأمس يُقاتل قبطيًا آخر، ويَستغيثه بأعلى صوته، فـ ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى ﴾: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴾: يعني إنك ضالٌ واضح الضَلالة (لأنك قاتلتَ بالأمس، واليوم تقاتل أيضاً). • الآية 19: ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ ﴾ أي موسى ﴿ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا ﴾ - وهو القبطي - بسبب كثرة استغاثة الإسرائيلي بموسى: ﴿ قَالَ ﴾ له القبطي: ﴿ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ﴾؟ ﴿ إِنْ تُرِيدُ ﴾ أي: ما تريد ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا ﴾ أي طاغية، تضرب وتقتل كما تشاءُ ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ ﴿ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ الذين يُصلحون بين المتخاصمين. ♦ وقد قال بعض المُفَسِّرين: (إنّ الذي قال هذه الجملة: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ) هو الإسرائيلي وليس القبطي، لأنه خاف مِن هجمة موسى - ظانّاً أنه يريده هو - وذلك بعد أن قال له: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴾، فلمّا سمع القبطي مَقالة الإسرائيلي نَقَلها إلى القصر، لأنه كان من عُمّال القصر)، واللهُ أعلم. • الآية 20، والآية 21: ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ﴾ أي مِن آخر المدينة ﴿ يَسْعَى ﴾ أي يَمشي مُسرِعاً، فـ ﴿ قَالَ ﴾: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ ﴾ وهُم أشراف قوم فرعون ﴿ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ﴾ أي يَتشاورون في أمْرك، ويُطالب بعضهم بقتلك ﴿ فَاخْرُجْ ﴾ من هذه المدينة ﴿ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ ﴿ فَخَرَجَ ﴾ موسى ﴿ مِنْهَا ﴾ أي من مدينة فرعون ﴿ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ أي ينتظر أن يُدركه جنود فرعون ليأخذوه، فـ ﴿ قَالَ ﴾ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ (وقد وَصَفهم موسى بالظلم لأنهم مُشركون، ولأنهم أرادوا قتله قِصاصاً عن قتلٍ خطأ، وهذا ظلم). • الآية 22: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَن ﴾ يعني: ولمّا قَصَدَ موسى بلاد "مَدْيَن" وخرج مِن مُلك فرعون وسلطانه: ﴿ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ يعني: أرجو ربي أن يرشدني إلى خير طريق إلى بلاد "مَدْيَن" حتى لا أَضِلّ فأهلَك، (فاستجاب اللهُ له، وهَداه الطريق السَوِيّ، الذي أوصله إلى بلاد مَدْيَن سالماً). • الآية 23، والآية 24: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ ﴾ أي عندما وَصَلَ ﴿ مَاءَ مَدْيَن ﴾ - وهي بئرٍ يَسقي منها أهل مَدْيَن -﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ﴾ أي جماعة ﴿ مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ﴾ بهائمهم، ﴿ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ ﴾ أي وجد امرأتين - منفردتين عن الناس - ﴿ تَذُودَانِ ﴾ أي تمنعان غنمهما عن الماء لعَجزهما عن مزاحمة الرجال، فلمّا رآهما موسى عليه السلام رَقَّ لهما، و﴿ قَالَ ﴾: ﴿ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ يعني: ما شأنكما؟ ﴿ قَالَتَا ﴾: ﴿ لَا نَسْقِي ﴾ مَواشينا ﴿ حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ﴾ يعني حتى يَصرف الرُعاة مَواشيَهم عن الماء، ويَبقى الماء لنا وحدنا، ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ لا يستطيع أن يَسقي ماشِيَته. ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ﴾ ماشِيَتهما، ﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ أي ذهب إلى ظل شجرة ليَستظلَّ بها ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾: يعني إني مُحتاجٌ إلى الخير الذي اعتدتُ أن تُنزِله إليّ (والمقصود: إنني مُحتاجٌ إلى أيّ خيرٍ تسوقه إليَّ - كالطعام وغيره - وكان قد اشتد به الجوع). • الآية 25: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا ﴾ أي إحدى المرأتين اللتين سقى لهما، وكانت ﴿ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ أي تسير إليه في حياء، فـ ﴿ قَالَتْ ﴾ له: ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ﴾ أي حَكى له قصصه مع فرعون وقومه: ﴿ قَالَ ﴾ له أبوها: ﴿ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ إذ لا سُلطانَ لهم بأرضنا. • الآية 26: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ﴾ لأبيها: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ﴾ أي اجعله أجيراً عندك ليَرعى ماشيتك (بالأجرة)، فـ ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ ﴾ على حِفظ ماشِيَتك، ﴿ الْأَمِينُ ﴾ الذي لا تخافُ خيانته. ♦ وقد قيل إنها وَصَفته بالقوة لأنه رفع صخرةً كانت على البئر - لا يرفعها إلا عدد من الناس - فرفعها موسى وحده، ووَصَفته بالأمانة لأنه كان يغض بصره عن النظر إليها. • الآية 27: ﴿ قَالَ ﴾ الشيخ لموسى: ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ ﴾ أي أزوِّجك ﴿ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾ ﴿ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾: يعني على أن تكون أجيرًا لي في رَعْي ماشِيَتي ثماني سنين مقابل زواجك لها، ﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ يعني: فإنْ أكملتَ عشر سنين، فهذا إحسانٌ من عندك، ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾ بجَعْل الشرط عشر سنين، و﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ في حُسن الصحبة والوفاء بما قلتُ. ♦ واعلم أنّ لفظ "الحِجَج" (المذكور في الآية) مُشتَقّ من "الحج"، لأن الحج يقع كل سنة، فأراد بالثماني حِجَج: ثماني سنوات. • الآية 28: ﴿ قَالَ ﴾ له موسى: ﴿ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ﴾ يعني: ذلك الذي قلتَه قائمٌ بيني وبينك (فأنا أوفي بشرطي وأنت توفي بشرطك)، ﴿ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ﴾ يعني أيّ المدتين قضيتُها في العمل: ﴿ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ﴾: أي لا أُطالَب بزيادة عليها، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ أي يُراقبنا سبحانه، ويَعلم ما تعاقدنا عليه، وهو خير الشاهدين، (واعلم أنّ الوكيل: هو الذي يُوَكَّل إليه الأمر، وقد أراد موسى هنا أنه وَكَّلَ إليه سبحانه الوفاء بما تعاقدا عليه، حتى إذا أخَلَّ أحدهما بشيءٍ كان اللهُ مؤاخذه). [1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود الربع الثاني من سورة القصص • الآية 29: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ ﴾ يعني: فلمَّا أكمل موسى المدة المتفق عليها (وهي ثَمان أو عشر سنوات)، ﴿ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ﴾ إلى أرض "مصر" لزيارة والدته وإخوته: ﴿ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا ﴾ أي رأى نارًا من جانب جبل الطور بسيناء، فـ ﴿ قَالَ لِأَهْلِهِ ﴾ أي قال لزوجته - ومَن معها مِن خادم أو ولد -: ﴿ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا ﴾: أي انتظروني هنا، فقد أبصرتُ نارًا مُوقدة، وسأذهب لأراها ﴿ لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ﴾ يَدُلّنا على الطريق (وكانَ قد ضَلّ الطريق إلى مصر بسبب ظُلمة الليل)، ﴿ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ ﴾ يعني أو آتيكم منها بشعلة من النار ﴿ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ أي لتستدفئوا بها. • الآية 30، والآية 31، والآية 32: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ ﴾ يعني: فلمّا وَصَلَ موسى إلى تلك النار، ناداه اللهُ تعالى ﴿ مِنْ شَاطِئِ ﴾ أي مِن جانب ﴿ الْوَادِ الْأَيْمَنِ ﴾ أي الوادي الذي عن يمين موسى ﴿ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ ﴾ أي في قطعة الأرض المباركة (وهي الوادي المقدس "طُوَى")، ﴿ مِنَ الشَّجَرَةِ ﴾ أي من ناحية الشجرة (وقد كانت الشجرة الوحيدة في هذا المكان)، فناداه سبحانه ﴿ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾ يعني: وأمَرَه اللهُ أن يُلقِ عصاه، فألقاها موسى على الأرض، ﴿ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ يعني: فلمّا رأى عصاه تتحرك في خِفّة كما تتحرك الحية السريعة المعروفة بالـ (جانّ): ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ أي فَرّ هاربًا ولم يَرجع إليها، فطمأنه اللهُ بقوله: ﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ ﴾ على العصا ﴿ وَلَا تَخَفْ ﴾ من الحية ولا من غيرها، فـ ﴿ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ ﴾ من كل مكروه، ﴿ اسْلُكْ ﴾ يعني أدخِل يا موسى ﴿ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ﴾ ثم أخرِجها: ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ ﴾ - رغم اسمرار لون جسمك - ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ أي من غير بَرَص ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ﴾: أي اضمم إليك يدك - بأن تضعها على صدرك - ليذهب خوفك من الحية، وتعود يدك عادية لا نور فيها، ﴿ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ ﴾ يعني: فهاتان المعجزتان: (تحوُّل العصا إلى حية، وجَعْلِ يدك بيضاء تلمع من غير بَرَص)، هُما آيتان ﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾ تَدُلاّن على صِدق رسالتك ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ﴾ ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ أي كانوا قومًا خارجينَ عن أمْر الله، كافرينَ به. • الآية 33، والآية 34: ﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا ﴾ - وهو القبطي الذي قتلته خطأً - ﴿ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾ ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا ﴾ يعني أفصح مِنّي نُطقًا، (وقد قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: كانَ في لسانه عُقدة - يعني صعوبة في النطق - تمنعه من كثير من الكلام)، ﴿ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ ﴾ أي اجعل هارون رسولاً مِثلي، ليكونَ ﴿ رِدْءًا ﴾ أي عونًا لي على تبليغ الرسالة ﴿ يُصَدِّقُنِي ﴾ أي يوَضِّح لهم ما أخاطبهم به، فيكون ذلك تصديقاً منه لي، ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ إن لم يُعينني أخي هارون. • الآية 35: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ لموسى: ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ﴾ أي سنقوِّيك بأخيك هارون، ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ﴾ أي حُجّة قوية على فرعون وقومه ﴿ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾ بسوء (بسبب رهبتهم من قوة الآيات)، ﴿ بِآَيَاتِنَا ﴾ أي: بسبب آياتنا، سوف تكونان ﴿ أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ أي المنتصرون على فرعون وقومه بقوة الحُجّة. • الآية 36: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ ﴾ أي واضحات، تشهد لهم بصِدق ما جاء به موسى مِن عند ربه: ﴿ قَالُوا ﴾ لموسى: ﴿ مَا هَذَا ﴾ - الذي جئتنا به - ﴿ إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى ﴾ أي سِحراً افتريتَه كذبًا وباطلاً ﴿ وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾: أي لم نَسمع قبل ذلك كلاماً مِثل الذي تدعونا إليه، ولم يَقُل به أحدٌ من أجدادنا السابقين. • الآية 37: ﴿ وَقَالَ مُوسَى ﴾ لفرعون: ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ ﴾ يعني: ربي أعلم بمَن على الحق مِنَّا (وهو الذي جاء بالآيات الواضحة من عند ربه)، ﴿ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ﴾ أي: ويعلم سبحانه مَن الذي ستكون له العاقبة الحسنة في الدار الآخرة، ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ يعني: إنه لا يفوز برضوان اللهِ وجَنَّتِه مَن تجاوز حَدَّهُ، فأشركَ مع اللهِ غيره. • الآية 38: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ﴾ لأشراف قومه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾، ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ ﴾ يعني أشْعِل نارًا على الطين حتى يصبح صلباً متماسكاً ﴿ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا ﴾ أي ابْنِ لي بناء عاليًا ﴿ لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ﴾ يعني: لعلي أقف عليه وأنظر إلى معبود موسى الذي يدعونا إلى عبادته ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ ﴾ أي أظن أنّ موسى ﴿ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾، (واعلم أنّ هامان هو أحد وزراء فرعون، وقيل إنه رئيس وزرائه، واللهُ أعلم). • الآية 39، والآية 40: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ ﴾أي تعاظموا في الأرض التى خلقناها لهم، وتكبروا عن تصديق موسى واتِّباعه ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ إذ لا حقّ لهم في ذلك الاستكبار (لأنّ أدلة موسى واضحة)، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ بعد مَوتهم، ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ﴾ أي ألقيناهم جميعًا في البحر وأغرقناهم، ﴿ فَانْظُرْ ﴾ أيها الرسول ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ أي: كيف كان مصير هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بربهم؟ • الآية 41، والآية 42: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ أي جعلنا فرعون وقومه قادةً إلى النار (إذ يَقتدي بهم أهل الباطل في الكفر والمعاصي المُوجِبة لدخول النار) ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ أي لا يَنصرهم أحد من عذاب ربهم (بسبب كفرهم وتكذيبهم لرسولهم) ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ﴾ أي طرداً من رحمتنا (انتهت بِهِم إلى الغرق والخسران)، وأخبارهم القبيحة قد وصلتْ إلى كل جِيل، فيَلعنهمالمؤمنون ويَذمُّونهم، ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴾ الذين تُستقذَر أفعالهم، المطرودينَ من رحمة ربهم. • الآية 43: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ - وهو التوراة - ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى ﴾ أي مِن بعد ما أهلكنا فرعون وقومه والأمم التي قبلهم - كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب "مَدْيَن" -، إذ لم يَنزل عذابٌ بأمةٍ بأكملها بعد نزول التوراة، وقد كانت التوراة ﴿ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ ﴾ أي يُبصِر بها بنو إسرائيل ما ينفعهم وما يضرهم، ﴿ وَهُدًى ﴾ أي إرشاداً لهم إلى الحق ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ لمن عَمِلَ بها منهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي ليتذكروا نِعَم الله عليهم، فيشكروه بالإيمان به وبرُسُله، وبطاعته وطاعة رُسُله. • الآية 44، والآية 45: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ ﴾ أي: ما كنتَ أيها الرسول بجانب الجبل - الذي غَرْب موسى - عندما وقف عند النار ﴿ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ ﴾ أي حين كلَّفناه بتبليغ الرسالة إلى فرعون وقومه، ﴿ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ أي لم تحضر شيئاً من ذلك حتى تعلمه وتُخبِر الناس به ﴿ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا ﴾ أي أممًا بعد موسى وعيسى ﴿ فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ﴾ أي مكثوا زمنًا طويلاً فنسوا عهد ربهم وتركوا أوامره، فلذلك بعثناك للناس رسولاً، وأوحينا إليك خبر موسى وغيره لتُذَكِّرهم به، وتُخَوِّفهم من عذاب ربهم إن لم يؤمنوا، ﴿ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا ﴾ أي مُقيمًا ﴿ فِي أَهْلِ مَدْيَن ﴾ حتى تعرف قصة موسي والشيخ الكبير وتخبر بها، ولكنك ﴿ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا ﴾ أي تخبر أهل مكة بهذه القصة عن طريق الوحى، ﴿ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ حيثُ جعلناك رسولاً، وأوحينا إليك أخبارهم، لتكون شاهدة على صِدق رسالتك. • الآية 46: ﴿ وَمَا كُنْتَ ﴾ أيها الرسول ﴿ بِجَانِبِ ﴾ جبل ﴿ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ﴾ أي حين نادينا موسى، حتى تخبر الناس بذلك الأمر ﴿ وَلَكِنْ ﴾ إرسالك للناس كانَ ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ ﴿ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ (والمقصود بهم أهل مكة ومَن جاء بعدهم) ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي ليَتعظوا بالقرآن فيؤمنوا به ويهتدوا، ليَنجوا به ويَسعدوا. • الآية 47، والآية 48: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ يعني: وإذا نزل بهؤلاء الكفار عذابٌ - قبل بِعثتك إليهم - بسبب شِركهم ومعاصيهم﴿ فَيَقُولُوا ﴾ أي فسوف يقولون عندئذٍ: ﴿ رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا ﴾ يعني: هَلاّ أرسلتَ إلينا رسولاً قبل هذا العذاب الذي أصابنا ﴿ فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ ﴾ المُنزَّلة في كتابك، ﴿ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، (فلولا قولهم هذا لَعاجلناهم بالعذاب وما أرسلناك إليهم رسولاً، إذاً فما لهم لا يؤمنون ويشكرون؟!). ♦ واعلم أنّ حرف (لولا) المذكور في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ يُسَمّى (حرف امتناع)، أي امتنع إنزال العذاب بهم لأنهم سيقولون: ﴿رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا﴾، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾. ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا ﴾ - وهو محمد صلى الله عليه وسلم وما معه من القرآن - ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى ﴾ يعني: هَلاّ أعطاه الله مِثل ما أعطى موسى من المعجزات الحِسِّيّة، والتوراة التي نزلتْ دُفعة واحدة، فرَدّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ﴾ حينَ ﴿ قَالُوا ﴾ عن التوراة والقرآن: ﴿ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ﴾: يعني إنهما سِحران تعاوَنا في سِحرهما، ﴿ وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ ﴾ منهما ﴿ كَافِرُونَ ﴾ (فكيف إذاً يُطالبونك بذلك؟!). • الآية 49: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا ﴾ أي أكثر هداية من التوراة والقرآن حتى ﴿ أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في زَعْمكم. • الآية 50: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ﴾ في الإتيان بهذا الكتاب الذي طلبتَهُ منهم، ولم تَبقَ لهم حُجّة: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾ يعني: ومَن أشدّ ضلالاً ﴿ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ يعني بغير وحي أو عقل أو كتاب منير ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ أي لا يوفِّقهم لإصابة الحق. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود الربع الثالث من سورة القصص • الآية 51: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ﴾ أي فصَّلنا القرآن لقومك أيها الرسول، وبَيَّنّا فيه الأدلة والحُجَج، وواصَلنا نزوله شيئاً فشيئاً بحسب الحاجة إليه ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي ليَتعظوا به فيؤمنوا (فيَنجوا من العذاب ويَدخلوا الجنة). ♦ ويُحتمَل أن يكون معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ) أي وَصَّّلنا لهم القول بأخبار الأولين، وما نزل بهم من عذاب الله لمّا كَذّبوا رُسُله وأنكروا توحيده، (لأن الآيات السابقة كانت تتحدث عن إهلاك فرعون وقومه لمّا كَذّبوا موسى)، واللهُ أعلم. • الآية 52، والآية 53، والآية 54، والآية 55: ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ﴾ يعني: الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل (وهم اليهود والنصارى الذين لم يُبَدِّلوا، ولم يُحَرّفوا كتابهم) ﴿ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ أي مِن قبل القرآن ﴿ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام، ﴿ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ هذا القرآن ﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ ﴾ ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا ﴾ ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ أي كنا قبل نزوله مسلمين مُوَحّدين، نعبد الله بما شَرَعَ على لسان موسى وعيسى عليهما السلام (إذ دين الله واحد، وهو الإسلام)، ﴿ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾ أي يُعطيهم الله ثواب عملهم مرتين: (مرة على الإيمان بكتابهم، ومرة على إيمانهم بالقرآن)، وذلك ﴿ بِمَا صَبَرُوا ﴾أي بسبب صَبْرهم على الإيمان بالقرآن، إذ لم يُزَعزعهم عن ذلك رئاسة ولا دنيا (كما حدث مع غيرهم). ♦ ثم ذَكَرَ سبحانه بعض صفات هؤلاء المؤمنين بقوله: ﴿ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ أي يَدفعون السيئةَ بالحسنة فتمحوها (والمعنى أنهم يَتوبون من المعاصي، ويَجتهدون في فِعل الطاعات، حتى يَمحو الله بها السيئات، وكذلك يكونون حَلِيمينَ على الجُهَلاء، صابرينَ على مَن يؤذونهم، فيُقابلون إساءتهم بالقول الطيب)، ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمُستحَبة، (وكذلك يُنفقون مِمَّا رزقهم اللهُ مِن عِلمٍ أو صِحَّةٍ أو سُلطة في خدمة المسلمين، فيُعَلِّمونَ الناس، ويَسعونَ في قضاء حوائجهم)، ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ ﴾ يعني إذا سمعوا الباطل من القول: ﴿ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾ ﴿ وَقَالُوا ﴾ لأهل الباطل: ﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا ﴾ أي لنا ثوابها، فلا نتركها أبداً، ﴿ وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ وإثمها عليكم، ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ فنحن لا نُشغِل أنفسنا بالرد عليكم، ولا تسمعون منَّا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمِثل جهلكم; لأننا ﴿ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ أي لا نريد صُحبة الجاهلين ولا نحب طريقهم، (وفي هذا إرشادٌ إلى حُسن الرد على الجهلاء من أهل الباطل). • الآية 56: ﴿ إِنَّكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ (والمقصود بهذه الهداية: هداية التوفيق)، وإنما عليك فقط بيان الطريق المستقيم، كما قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (أي هِداية الإرشاد والبيان) ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾لأنه سبحانه الأعلم بخلقه، ولهذا قال: ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ أي الذين يستحقون الهداية، ويطلبونها من ربهم بصدق فيهديهم. • الآية 57: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي قال كفار "مكة" للرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ ﴾ يعني إن نتَّبع الحق الذي جئتَنا به، ونتبرأ من الأصنام: ﴿ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ أي بالقتل والأسْر والسرقة، وتتجرأ علينا قبائل العرب، (وقد كان هذا اعتذارٌ اعتذر به بعض رجال قريش فقالوا - ما مختصره -: (نحن نعرف أن ما جئتَ به حق، ولكننا نخشى إن آمنا بك واتّبعناك أن يتجرأ علينا العرب ويتخطفوننا كما هو حاصلٌ لغيرنا، وبذلك تسُوء أحوالنا). ♦ فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا ﴾: يعني ألم نجعلهم متمكنين في بلدٍ آمِن (حَرَّمنا على الناس سفك الدماء فيه والصيد والسرقة)، و ﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ﴾ أي يُحمَل إليه ﴿ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ مِن مختلف البلاد في موسم الحج، وأثناء رِحلتَي قريش إلى الشام واليمن، وقد كان ذلك ﴿ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ﴾ أي مِن عندنا، (أليس هذا كافياً في أن يعلموا أن الذي جعل لهم حرماً آمناً قادرٌ على أن يُؤَمِّنهم إذا أسلموا؟!) ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون قَدْر هذه النعم، فيشكروا اللهَ عليها بتوحيده وطاعته. • الآية 58: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ ﴾ يعني: وكثير من القرى المُكَذِّبة أهلكناها حين ﴿ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ أي حين أَلْهَتهم مَعيشتهم عن الإيمان بالرُسُل، فلم يشكروا ربهم، بل كفروا وطَغَوا في المعاصي فأهلكناهم، ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ ﴾ خالية - كديار عاد وثمود وقوم لوط - ﴿ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ (كالمسافرين الذين ينزلون بها ساعةً ثم يغادرونها)، ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ أي الوارثين لهذه الديار، فلم نُورثها أحداً بعدهم، وتركناها خالية لم تُسكَن، (ألاَ يَذكر كفار قريش هذا، فيَعلموا قدرتنا، ويَتّقوا عذابنا، ويستقيموا على منهج الحق الذي جاءهم؟). • الآية 59: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى ﴾ - أي القرى الظالمة المُشرِكة - ﴿ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا ﴾ - أي في أعظم مُدُنها (وهي العاصمة) - ﴿ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا ﴾ ويُعَلّمهم، ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ أي ظالمونَ لأنفسهم بالكفر والمعاصي. • الآية 60: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ - من الأموال والأولاد وغير ذلك - ﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾: يعني فإنما هو متاعٌ تتمتعون به في هذه الحياة الدنيا، وزينةٌ تتزينون بها ثم تزول سريعاً، أو تموتون عنها وتتركونها لغيركم، ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ أي: ما أعَدَّه اللهُ لأهل طاعته من النعيم، هو ﴿ خَيْرٌ ﴾ مِن مُتَع الدنيا الفانية التي تصحبها المُنَغِّصات ﴿ وَأَبْقَى ﴾ منها، حيثُ لا انقطاعَ لها ولا مُنَغِّصات، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ أيها المُغترون بزينة الدنيا، فتقدِّموا ما يَبقى على ما يَفنى؟! ♦ وفي هذا تذكيرٌ لقريش التي فَضَّلتْ الدنيا على الآخرة، فرفضت الدخول في الإسلام خوفاً من أن يُؤَثِّر ذلك على حياتها الاقتصادية والأمنية كما زعمتْ. • الآية 61: ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ ﴾ على طاعته ﴿ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ - وهو الجنة - ﴿ فَهُوَ لَاقِيهِ ﴾ يوم القيامة، فهل يتساوى هذا ﴿ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (ففَضَّل لذة عاجلة على لذة دائمة) ﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ أي من المُحضَرين للعذاب؟ لا يستويان أبداً، إذاً فليَختر العاقل لنفسه ما هو أوْلى بالاختيار. • الآية 62، والآية 63: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه - يوم القيامة - ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي فعبدتموهم معي؟!، فحينئذٍ تبَيَّنَ لهم أنّ ما عبدوه كان باطلاً، وأَقَرّوا على أنفسهم بالضلال، فـ ﴿ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ أي قال الذين وَجَبَ عليهم العذاب - وهم الشياطين ورؤساء الضلال - مُتبرئينَ مِمّن عَبَدوهم: ﴿ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ ﴾ - وأشاروا إلى أتْباعهم - هم ﴿ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا ﴾ أي الذين أضللناهم،وقد ﴿ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ يعني دعوناهم إلى الضَلالة التى كنا عليها فأطاعونا، ولم نُكْرِههم على ذلك، ﴿ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ﴾ مِن أن نكون قد أجبرناهم على الضلالة، وتبرَّأنا مِن أن نكون نحن الشركاء المزعومين، وإنما كنا مُضِلِّين فقط، ﴿ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ (بل كانوا يعبدون أهوائهم وشهواتهم) (إذ لا يقدر أحد من الإنس أو الجن في هذا الموقف أن يقول: (إنّ هذا كان يعبدني)). • الآية 64: ﴿ وَقِيلَ ﴾ للمشركين يوم القيامة: ﴿ ادْعُوا ﴾ أي نادوا ﴿ شُرَكَاءَكُمْ ﴾ الذين كنتم تعبدونهم من دون الله، ليُخَلِّصوكم مما أنتم فيه ﴿ فَدَعَوْهُمْ ﴾ أي نادوهم بالفعل ﴿ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ﴾ لأنّ كل معبود قد تبَرّأ مِمّن عَبَده، ﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ فاشتدت حسرتهم، ﴿ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ يعني: (لو أنهم كانوا مهتدينَ إلى الحق في الدنيا، لَمَا عُذِّبوا في الآخرة). • الآية 65، والآية 66: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾؟ هل آمَنتم بهم واتَّبعتموهم أم كَذَّبتموهم وحاربتموهم؟، ﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ ﴾: أي خَفِيَتْ عليهم الحُجَج التي يُمكِنهم أن يَحتجُّوا بها ﴿ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ أي لا يسأل بعضهم بعضًا عن إجابةٍ يُجيبون بها على سؤال ربهم. • الآية 67: ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ ﴾ مِن شِركه وذنبه، ﴿ وَآَمَنَ ﴾ بالله ورسوله والدار الآخرة، ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ فأخلص العبادة لله وحده، وعمل بما أمَرَ الله ورسوله: ﴿ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ أي الفائزين بجنات النعيم (فهل من تائب؟)، (واعلم أنّ كلمة (عسى) وكلمة (لَعَلّ) إذا جاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد الوجوب وتأكيد الوقوع). • الآية 68: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَيَخْتَارُ ﴾ أي يَختار مَن يشاء مِن خَلقه لرسالته، ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ أي ليس لأحد منهم الاختيار، لأنهم لم يخلقوا شيئاً، ولأنه سبحانه هو الأعلم بمَن يَستحق الاختيار، ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ (وفي الآية رَدٌّ على المشركين الذين اعترضوا على اختيار الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مِن بينهم). • الآية 69: ﴿ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ أي يعلم سبحانه ما تخفيه صدور خلقه من النيات والخواطر، ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ أي: ويعلم سبحانه ما يُظهرونه من الأقوال والأفعال، وسيُجازيهم عليها. • الآية 70: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبود بحقٍ إلا هو، ﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ ﴾: أي له سبحانه الشكر والثناء الجميل في الدنيا (على نعمه الظاهرة والباطنة)، وفي الآخرة (على إدخاله المؤمنين جنته)، إذ يَحمده أهل الجنة بقولهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾، وبقولهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾، ﴿ وَلَهُ ﴾ سبحانه ﴿ الْحُكْمُ ﴾ أي القضاء العادل بين عباده في الدنيا والآخرة، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم للحساب والجزاء. • الآية 71: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول للناس -: ﴿ أَرَأَيْتُمْ ﴾ يعني أخبروني ﴿ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا ﴾ أي دائمًا ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ ﴾ تستضيئون به لطلب رزقكم؟! لا أحد ٌغير الله تعالى، (إذاً فكيف تشركون به؟!) ﴿ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾ يعني ألاَ تسمعون القرآن سماع تدبر وانتفاع؟! • الآية 72: ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا ﴾ أي دائمًا ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ﴾ أي تستقرون فيه وتنامون؟! لا أحدٌ غير الله تعالى، (إذاً فكيف تشركون به؟!)، ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾: يعني ألاَ ترون هذه الآيات، وما تحمله من دلالات، على أنه لا معبودَ بحقٍ إلا رب السماوات؟!، (وفي الآيات إشارة علمية إلى أن السماع يكون مع السكون وقلة الضجيج، وأن الإبصار يكون مع الضوء، ولا يتم أبداً مع الظلام). • الآية 73: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ بكم - أيها الناس - أن ﴿ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ أي جعلهما يَخلف أحدهما الآخر لمصالحكم ومنافعكم، فجعل ظلام الليل ﴿ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ وترتاح أجسادكم من التعب في طلب الرزق بالنهار، ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي: وجعل لكم ضياء النهار لتطلبوا فيه معايشكم، ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ أي لتشكروه سبحانه على هذه النعم (بالاجتهاد في طاعته ليلاً ونهاراً). • الآية 74، والآية 75: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه - يوم القيامة - ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي، فعبدتموهم معي؟!، (واعلم أنّ الله تعالى قد أعاد ذِكر هذا الموقف، ليَذكر فيه حالاً لم تُذكَر في الآيات السابقة، وهي: (إشهاد الأنبياء على أُمَمهم)، كما قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا ﴾ أي أخرَجنا ﴿ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ﴾ من الأمم المكذبة ﴿ شَهِيدًا ﴾ - وهو نَبِيُّهم - ليَشهد عليهم، ﴿ فَقُلْنَا ﴾ لهم: ﴿ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ على صحة ما أشركتم به في عبادة ربكم؟، ﴿ فَعَلِمُوا ﴾ حينئذٍ ﴿ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ﴾ أي تبَيَّنَ لهم أن العبادة الحق لله وحده، وأنه سبحانه له الحُجّة البالغة عليهم، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ أي ذهب وغاب عنهم ما كانوا يَزعمونه كَذِباً مِن شفاعة آلِهَتهم لهم عند ربهم. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود الربع الأخير من سورة القصص • الآية 76، والآية 77: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ﴾ أي ظَلَمهم وتَكَبَّر عليهم، (ويبدو أنّ فرعون كانَ قد أسند إليه إمارة على بني إسرائيل فأطغته عليهم)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ ﴾ شيئًا عظيمًا، ﴿ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ﴾ يعني: حتى إنَّ مفاتحه ﴿ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ أي يَثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ﴾ أي قال له بعض قومه من بني إسرائيل - وهم يَعِظونه -: ﴿ لَا تَفْرَحْ ﴾ مُتكَبّراً بما أنت فيه من المال ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ أي لا يحب المتكبرينَ مِن خلقه، الذين لا يشكرونه على نعمه، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ ﴾: أي اطلب ثواب الدار الآخرة بما أعطاك الله من المال (وذلك باستخدامه في طاعة الله، وأن تعمل فيه بما ينجيك من عقابه) ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾: أي لا تترك حظك من الدنيا (بأن تتمتع فيها بالحلال الطيب دونَ إسراف)، ﴿ وَأَحْسِنْ ﴾ إلى الناس بالصدقة ﴿ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ بهذه الأموال الكثيرة، ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي لا تكن هِمَّتُك أن تُفسد في الأرض (باستخدام هذه النعم في المعاصي والإساءة إلى الخَلق) ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾. • الآية 78: ﴿ قَالَ ﴾ قارون للذين وعظوه: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾: يعني إنما أُعطيتُ هذه الكنوز بما عندي من العلم والقدرة، (أو لعل المقصود: على عِلمٍ عندي بأن الله يعلم أني أستحق ذلك فأعطانيه)، فرَدّ الله على ذلك الادِّعاء بقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ ﴾ أي من الأمم ﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾ للأموال؟!، فما المانع من إهلاك قارون كما أهلكناهم؟!، (ولو كان كثرة المال دليلاً على حب الله لأصحابه ورِضاهُ عنهم، ما أهلك عاداً وثمود وغيرهم، وقد كانوا أشد منه قوة وأكثر مالاً ورجالاً)، ﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ (والمعنى أن العبد إذا أكثر من الإجرام بالشرك والكبائر: وَجَبَ عليه العذاب، فلا يُسأل عن ذنوبه سؤال حساب، وإنما يُسْألُ عنها سؤال توبيخ وتقرير وافتضاح، ثم يَدخل النار بغير حساب). • الآية 79: ﴿ فَخَرَجَ ﴾ قارون ﴿ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ - ليُظهِرَ لهم عظمته وكثرة أمواله -، فلمّا رأوه: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾: ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾ من المال والزينة والجاه، ﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ أي ذو نصيب عظيم من الدنيا. • الآية 80: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ (وهم العالِمونَ بشرع الله تعالى، العارفونَ بحقائق الأمور)، قالوا للذين يريدون الدنيا: ﴿ وَيْلَكُمْ ﴾ أي احذروا الهلاك ولا تغتروا بالدنيا، فـ ﴿ ثَوَابُ اللَّهِ ﴾ - وهي الجنة - ﴿ خَيْرٌ ﴾ مِمّا أُعطِيَ قارون، وسيُعطيها سبحانه ﴿ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ ﴿ وَلَا يُلَقَّاهَا ﴾ أي لا يَتَقَبَّل هذه النصيحة، ولا يُوَفَّق للعمل بها ﴿ إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ الذين جاهدوا أنفسهم، وصبروا على طاعة ربهم. • الآية 81: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ انتقاماً مِنّا لظُلمه وكبريائه ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ يعني لم تكن له جماعة يَمنعونه مِن عقاب اللهِ حينَ نَزَلَ به﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ أي: وما كان قارون مُمتنعًا بنفسه وقوّته (لأنّ مَن خَذَله اللهُ فلا ناصرَ له). • الآية 82: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ ﴾ - نادمينَ مُعتبِرين -: ﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ﴾ يعني نتعجبُ مِن أنّ الله ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ﴾ أي يُوَسِّع الرزق ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ أي يُضَيِّقه على مَن يشاء منهم (بحسب حِكْمته البالغة؛ إذ هو سبحانه الأعلمُ بما يُصلِح عباده مِن الفقر والغنى)، ﴿ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ يعني: لولا أنّ الله أنعم علينا فلم يُعاقبنا بما قلنا ﴿ لَخَسَفَ بِنَا ﴾ كما فعل بقارون، ﴿ وَيْكَأَنَّهُ ﴾ يعني نتعجب مِن أنه ﴿ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ يعني إنهم لا يُفلحون في الدنيا ولا في الآخرة. • الآية 83: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ ﴾ - وهي هنا: الجنة - التي أخبر اللّه بها في كُتُبه، والتي جمعتْ كل نعيم، واندفع عنها كل ما يُفسِد نعيمها أو ينغصه: ﴿ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا ﴾ أي لا يريدون تكبرًا على الناس ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ التي خلقها الله لهم ﴿ وَلَا فَسَادًا ﴾ فيها بالشرك والمعاصي، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ ﴾ المحمودة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الذين اتقوا عذاب الله تعالى، ففعلوا الطاعات، وتركوا المُحَرّمات. ♦ واعلم أنّ الله تعالى قد ابتدأ هذه الآية ابتداءً مُشَوِّقاً، حيثُ ابتدأها بالإشارة إلى شيئٍ غير مذكور في الآيات السابقة - وهو الجنة - ليَنتبه السامع إلى أهمية المُشار إليه وعُلُوّ شأنه. • الآية 84، والآية 85: ﴿ مَنْ جَاءَ ﴾ يوم القيامة ﴿ بِالْحَسَنَةِ ﴾ أي بتوحيد الله تعالى، وبالأعمال الصالحة (الخالصة لوجهه، والموافِقة لشَرعه): ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾ إذ تُضاعَف له أعماله عشرة أضعاف، ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ أي بالشرك والمعاصي: ﴿ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ يعني لا يُجزَون إلا مِثل أعمالهم، ولا تُضاعَف عليهم (وذلك لعدل الله تعالى ورأفته بعباده). ♦ ثم يقول تعالى - مُبَشِّرَّاً نَبِيَّهُ بالعودة إلى مَكَّة فاتحاً مُنتَصِراً -: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ ﴾: يعني إنّ الذي أنزل عليك القرآن وفَرَضَ عليك تبليغه والتمسُّك به: ﴿ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾: أي سوف يَرُدّك إلى المكان الذي خرجتَ منه، وهو "مكة" (إذ "معاد" هي اسم من أسماء مكة)، (وكانَ هذا الكلامُ يَستحِيلُ أن يَصدُرَ مِن أحدٍ في هذا الوقت بهذا اليَقِين إلا في حالةٍ واحدة: وهي أنْ يكونَ قائلُ القرآن متأكداً مِن أنَّ هذا سوف يَحدث في المستقبل، وكانَ يمتلك القدرة على تحقيق ما قال، فالذي قال هذا الكلام هو القادر، الذي يَعلمُ أنَّ ذلك سوف يَحدث يَقِيناً، وهو اللهُ سبحانه وتعالى). ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى ﴾ (وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالحق الواضح من عند ربه)﴿ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي: في ضلالٍ واضحٍ (وهم المشركون الذين تركوا عبادة الخالق الرازق المستحق وحده للعبادة، وعبدوا آلهةً باطلة لا تخلق ولا ترزق ولا تنفع ولا تضر). • الآية 86: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ ﴾ يعني: ما كنتَ تنتظر - أيها الرسول - ولا تتوقع نزول القرآن عليك، ﴿ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ يعني: لكنّ الله أنزله عليك رحمةً بك وبالعالمين، ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ﴾ أي لا تكن عونًا لأهل الشِرك على باطلهم (بموافقتهم على اقتراحاتهم، وعدم تبليغ ما فيه عيبٌ لآلهتهم)، وذلك لأنهم قالوا له: (لو أتَيْتَنا بكتابٍ ليس فيه سَبُّ آلهتنا لاتَّبعناك). • الآية 87، والآية 88: ﴿ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ ﴾ أي لا تجعل هؤلاء المشركين يَصرفَونك - باقتراحاتهم وأذاهم - عن تبليغ آيات الله ﴿ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ ﴾ أي بعد أن شَرّفك الله بإنزالها عليك. ♦ وقد بَلَّغَ الرسول صلى اللهعليهوسلم رسالة ربه كاملة، تقول السيدة عائشة رضي اللهُ عنها: (لو كانَ النبي صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي، لَكَتَمَ هذه الآية: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾. ﴿ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ﴾ أي ادعُ إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له واتِّباع أمْره ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الذين يعبدونَ مع الله غيره من مخلوقاته، بل تبرّأ منهم، ولا تَرضَ بشِركهم وادعهم إلى توحيد ربهم، ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾ لأنه ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا معبود بحقٍ إلا الله تعالى، ولا يَستحق العبادة غيره، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ يعني إلا ذاته سبحانه (لأنّ بقاء وجهه سبحانه يَستلزم بقاء ذاته كلها، لأنه سبحانه الحي الذي لا يموت)، ﴿ لَهُ الْحُكْمُ ﴾ أي له القضاء العادل بين عباده في الدنيا والآخرة ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم للحساب والجزاء، (وفي هذهالآية إثباتُ صفة الوجه لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله، وفيها أيضاً دليل على فناء كل شيء إلا الله تعالى وما ورد الدليل بعدم فنائه، وهم ثمانية أشياء: (العرش والكرسي، والنار والجنة، واللوح والقلم والأرواح، وعُجب الذَنَب (وهو الجزء الذي يتبقى من الإنسان بعد موته ولا يتحلل). [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود الربع الأول من سورة العنكبوت • الآية 1: ﴿ الم ﴾: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أولسورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (ألِف لام ميم). • الآية 2: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾؟! يعني: هل ظنوا أن يَتركهم الله بلا ابتلاء ولا اختبار بعد أن قالوا: آمَنّا؟! كلا، لابد لهم من الاختبار حتى يَتميز المؤمن الصادق مِن غيره. • الآية 3: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ أي اختبرناهم بإرسال الرُسُل وأنواع الابتلاءات (كالقتال والشدائد وغير ذلك)،﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ ﴾ بهذه الابتلاءات - عِلمًا ظاهرًا للخَلق -: ﴿ الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾ في إيمانهم، والصابرينَ على قضاء ربهم، ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ في ادِّعائهم للإيمان، الساخطينَ على قضاء ربهم (حتى يَتميز كلُّ فريق عن الآخر في الجزاء). • الآية 4: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ - مِن شِركٍ وغيره - ﴿ أَنْ يَسْبِقُونَا ﴾؟! أي يَفوتوا مِنّا ويَهربوا؟! كلا، إنهم لن يُفلتوا من عذابنا أبداً، ﴿ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ أي: قَبُحَ هذا الحُكم الذي يَحكمون به على الأمور (وهو ظَنُّهم أنهم سيَهربون من عذاب ربهم). • الآية 5:﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو ﴾ أي يَنتظر ﴿ لِقَاءَ اللَّهِ ﴾ في الآخرة، ويَطمع في ثوابه: ﴿ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ ﴾ - الذي أجَّله لبَعث خلقه- ﴿ لَآَتٍ ﴾ أي سيأتي لا مَحالة، (ألاَ فليَستعد المؤمن للقاء ربه بالتوبة النصوح، وكثرة الندم والاستغفار، ومجاهدة النفس والشيطان، والإكثار من صالح الأعمال)، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ السَّمِيعُ ﴾ لأقوال عباده، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بأفعالهم ونِيّاتهم. • الآية 6: ﴿ وَمَنْ جَاهَدَ ﴾ أي جاهَدَ في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، وجاهَدَ نفسه (بإلزامها بالطاعة ومُخالفتها في المعصية):﴿ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾ لأنّ ثواب تلك المجاهَدة سيعود عليه وحده، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ يعني إنه سبحانه غَنِيٌّ عنأعمال خَلقه، فلا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، ورغم ذلك فقد تفَضَّلَ الكريم الرحيم على عباده المؤمنين، بقوله - في آخر هذه السورة -: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾. • الآية 7: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ باللهِ ورسوله، وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب، ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ أي سنمحو عنهم خطيئاتهم،﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ﴾ على أعمالهم الصالحة ﴿ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ أي بمِثل جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه في الدنيا، (واعلم أنّ الجزاء يكون بحسب أحسن عمل عملوه مِن كل نوع، ففي الصلاة يُعطَى جزاء أفضل صلاة صَلاَّها، وفي الصدقات بأفضل صدقة أعطاها وهكذا). • الآية 8: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ يعني وَصّيناه أن يُبِرّهما، وأن يُحسِن إليهما بالقول والعمل، ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ ﴾ أي بَذَلا جهدهما معك أيها الإنسان ﴿ لِتُشْرِكَ بِي ﴾ في عبادتي ﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ أي ما ليس لك به دليل على استحقاقه للعبادة (وليس لأحدٍ علم أو دليل على صحة الشِرك، لأنّ الله تعالى هو الخالق الرازق المستحق وحده للعبادة)، ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ في دَعْوتهما لك إلى الشِرك (وكذلك الحال في سائر المعاصي، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ﴿ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ أيها الآباء والأبناء ﴿ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾وأجازيكم على أعمالكم، (لِذا فأحسِنوا إلى والديكم، ولكنْ قدِّموا طاعتي على طاعتهما). • الآية 9: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴾ أي سوف نُدخلهم في مُدخَل الصالحين وهو الجنة. • الآية 10: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ ﴿ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ﴾: يعني إذا آذاه المشركون مِن أجل دِينه: ﴿ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾: أي جعل تعذيب المشركين له كعذاب الله يوم القيامة (في الشدة والألم)، ولم يَصبر على أذاهم، فارتدَّ عن إيمانه، ووافَقَ المشركين على شِركهم، ﴿ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾ لأهل الإيمان به: ﴿ لَيَقُولُنَّ ﴾ هؤلاء المُرتَدّونَ عنإيمانهم: ﴿ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - نَنصركم على أعدائكم، فرَدّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ﴾؟! بلى، إنه سبحانه يَعلم ما في صدور خلقه من الإيمان والنفاق، (إذاً فما يَخدع هؤلاء المنافقون إلا أنفسهم وما يشعرون). • الآية 11: ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ ﴾ بهذه الشدائد - عِلمًا ظاهرًا للخَلق - ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي صَدَقوا في إيمانهم وعملوا بشرع ربهم،﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴾ الذين يُظهرونَ للناس الإيمان، ويُخفون الكفر وعداوتهم للمسلمين، ثم يُجازي كل فريق منهم بما يَستحق. • الآية 12، والآية 13: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ مِن قريش ﴿ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ منهم: ﴿ اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا ﴾ أي اتركوا دين محمد، واتّبعوا ديننا، ﴿ وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ﴾ يعني: وإنْ كان هناك بَعْث وجزاء كما يقول محمد، فنحن مستعدون أن نتحمل عنكم خطاياكم ونُجازَى بها، فأكذبهم اللهُ تعالى بقوله: ﴿ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ أي لن يستطيعوا أن يُنقِصوهم شيئاً من آثامهم يوم القيامة، ﴿ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما قالوا، ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾: أي سوف يَحملَون ذنوبهم، وذنوب الذين كَذَبوا عليهم وأضَلُّوهم عن الإسلام (دونَ أن يَنقص شيئٌ من ذنوب تابعِيهم) ﴿ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾: أي سوف يسألهم الله عما كانوا يختلقونه من الأكاذيب. • الآية 14، والآية 15: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴾ ليَدعوهم إلى التوحيد وترْك الشرك ﴿ فَلَبِثَ فِيهِمْ ﴾ أي مَكَثَ فيهم ﴿ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ﴾ يعني تسعمائة وخمسون سنةً يدعوهم إلى الله تعالى، فلم يَستجب له أكثر قومه ﴿ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ ﴾ أي أغرقهم الله بالطوفان ﴿ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ لأنفسهم بكُفرهم وطغيانهم، ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ﴾: أي أنجينا نوحًا والذين اتَّبعوه (وهُم الذين كانوا معه على السفينة) ﴿ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً ﴾ أي جعلنا حادثة الطوفان عبرة وعِظة - وكذلك تَرَكنا السفينة على جبل الجُودي - لتكون آيةً ﴿ لِلْعَالَمِينَ ﴾ في إنجاء المؤمنين وإهلاك المُكَذّبين. • الآية 16، والآية 17: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ أي اذكر أيها الرسول لقومك خبر إبراهيم عليه السلام وهو يدعو قومه إلى التوحيد وترْك الشرك ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، فلا يوجد مَن يستحق العبادة غيره، ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم، ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا ﴾ أي أصنامًا من الحجارة لا تنفع ولا تضر، ﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ﴾ أي تَفترونَ كَذِبًا بتسميتكمإياها آلهة، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا ﴾ ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ ﴾ أي اطلبوا الرزق مِن عند الله، لا مِن عند أصنامكم، ﴿ وَاعْبُدُوهُ ﴾ أي أخلِصوا له العبادة ﴿ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾ نعمته عليكم، ﴿ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم، فيجازيكم على أعمالكم. • الآية 18: ﴿ وَإِنْ تُكَذِّبُوا ﴾ - أيها الناس- رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما دعاكمإليه: ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ أي كَذَّبوا رسلهم، فنَزَلَ بهم عذاب ربهم، ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي البلاغ الواضح لرسالةربه، وقد فَعَل. • الآية 19: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا ﴾: يعني ألم يعلم هؤلاء المشركون ﴿ كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ أي يُنشئ المخلوقاتمنالعدم، ثم يُميتهم، ثم يُعيدهم كهيئتهم قبل أن يُميتهم؟ (فإذا كانوا يعترفون بأنّ الله هو الذي خلقهم من العدم، إذاً فليعلموا أنّ الذي ابتدأ خَلْقهم بهذه الصورة قادرٌ على إعادتهم بعد الموت) ﴿ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ (لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة). • الآية 20: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للذين يُنكِرون البعث: ﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأجسادكم وقلوبكم، ﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾ أي انظروا كيف أنشأالله الخلق، ولم يَصعُب عليه إنشاؤه؟ ﴿ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ ﴾: أي فكذلك لا يَصعُب عليه إعادةإنشائه النشأة الآخرة يوم القيامة ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. • الآية 21: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ - مِمّن أصَرّ على المعاصي ولم يَتُب منها، ﴿ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ - مِمّن تاب وآمن وعمل صالحًا ﴿ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ يعني: وإليه ترجعون بعد موتكم، فيُجازي كُلاً بعمله. • الآية 22: ﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ يعني: ولنتُعجِزوا ربكم أيها العُصاة، إذا ظننتم أنكم ستهربون من عذابه ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ (فأينما تكونوا يأتِ بكم سبحانه) ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ﴾ يَنفعكم ويَتولى أموركم، ﴿ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ يَنصركم من عذاب ربكم. • الآية 23، والآية 24: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ ﴾ أي كفروا بالقرآن - رغم وضوحه وقوة حُجَّته - وكفروا كذلك بالبعث والجزاء ﴿ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي ﴾ أي لن يَطمعوا في رحمتي عندما يَرون عذابي ﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. ♦ واعلم أنّ هذه الآيات السابقة كانت مُعترضة أثناء قصة إبراهيم مع قومه، وفي هذا دليل على جَواز الاعتراض أثناء الكلام إذا حَسُنَ مَوقعه (كإقامة حُجَّة، أو إبطال باطل، أو التنبيه على أمْرٍ مُهِمّ). ♦ ثم يُكمِل سبحانه قصة إبراهيم وقومه قائلاً: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ - بعد أن أنكَرَ عليهم شِركهم - ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾ لبعضهم -: ﴿ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ ﴾ - فألقوه في نارٍ عظيمة - ﴿ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ﴾ وجَعَلها بردًا وسلامًا عليه، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي فيإنجاء إبراهيم من النار ﴿ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على قدرة الله تعالى وعنايته بأوليائه الموحدين، وخذلانه للكفرة المشركين، ثم خَصَّ سبحانه الذين يَنتفعون بهذه الآيات بقوله: ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بآيات الله ويعملون بشرعه. • الآية 25: ﴿ وَقَالَ ﴾ إبراهيمُ لقومه: ﴿ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا ﴾ أي عبدتم من دون الله آلهة باطلة، تعلمون أنها أحجارٌ صنعتموها بأيديكم، فلم تعبدوها عن اقتناع، وإنما جعلتموها ﴿ مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي أحببتم بعضكم من أجل الاجتماع على عبادتها، وإقامة الأفراح حولها ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ أي يتبرأ بعضكم من بعض ﴿ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ ﴿ وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ ﴾ أي مصيركم جميعًا إلى النار ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ يَمنعونكم من دخولها، ويُنقذونكم مِن حَرّها وعذابها. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله
سلسلة كيف نفهم القرآن؟* رامي حنفي محمود الربع الثاني من سورة العنكبوت • الآية 26: ﴿ فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ أي صَدَّق لوطٌ إبراهيمَ واتَّبع دِينه (وذلك قبل أن يُوحَى إلى لوط بالنُبُوّة)، ﴿ وَقَالَ ﴾ إبراهيم: ﴿ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ﴾: يعني إني تاركٌ أرض قومي بالعراق، وذاهبٌ إلى الأرضالمباركة - وهي "الشام" - حيث أعبد ربي فلا أُفتَن في ديني، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ هُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب الذي لا يمنعه شيئٌ مما يريد، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ فيتدبيره وصُنعه، (ومَن كان عزيزاً (غالباً)، حكيماً (لا يأمر عباده إلا بما فيه الخير لهم): إذاً فهو لن يُضَيِّعني). • الآية 27: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ﴾ ولدًا، ﴿ وَيَعْقُوبَ ﴾ حفيدًا، ﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴾: أي جعلنا في ذريتهالأنبياء والكتب (إذ كل الأنبياء الذين جاءوا من بعده كانوا من ذريته، وكل الكتب التي نزلتْ بعده نزلتْ على ذريته)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ ﴾ - على إيذائه في سبيل دَعْوتنا - ﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾ (كالولدالصالح، والثناء عليه من أهل الشرائع السماوية واقتداءهم به، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا)، ﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ الذين لهم أعلى الدرجات في الجنة. • الآية 28، والآية 29، والآية 30: ﴿ وَلُوطًا ﴾ أي اذكر أيها الرسول خبر لوط عليه السلام ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾: ﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ﴾ أي تفعلون هذه الفعلةالمُنكَرة التي بَلغتْ نهاية القُبح، والتي ﴿ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ أي ما فعلها أحدٌ قبلكم من المخلوقين!﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ ﴾ (تاركينَما أحَلَّه اللهُ لكم مِن نسائكم)،﴿ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ﴾ أي تقطعونطريق المسافرين (فتَعتدون عليهم بعمل الفاحشة معهم، وسَلْب أموالهم) ﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾ أي تأتون الأفعال المُنكَرةفي مَجلسكم (كالسخرية من الناس، وقذف المارّة بالحَصى، وإيذائهم بما لا يليق من الأقوال والأفعال)؟! ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ - بعد أن أنكر عليهم أفعالهم - ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾ له: ﴿ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ ﴾ الذي تعِدنا به ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ فـ ﴿ قَالَ ﴾ لوطٌ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ (بإنزال عذابك عليهم، لإصرارهم على الكفر والفواحش). • الآية 31: ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ﴾ أي جاءت له الملائكة على صورة بَشَر (ليُبَشِّروه بإنجاب ولده إسحاق، وبحفيده يعقوب من إسحاق)، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ﴾ وهيقرية قوم لوط، ﴿ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ أي ظلموا أنفسهم بكفرهم ومعصيتهم لله. • الآية 32: ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم للملائكة: ﴿ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ﴾ (وهو ليس مِن الظالمين مِثلهم)، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له:﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا ﴾﴿ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾ - المُستجيبين لدَعْوته - من العذاب الذي سيقع بقومه ﴿ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ أي حَكَمَ اللهُ عليها أن تكون منالباقين في العذاب; لأنها كانت عونًا لقومها علىأفعالهم القبيحة. • الآية 33، والآية 34، والآية 35: ﴿ وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا ﴾ لإخباره بإهلاك قومه: إذا بِهِ قد ﴿ سِيءَ بِهِمْ ﴾ أي أصابه الغَمّ لمَجيئهم ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ﴾ أي عَجَزَ عن تدبير خَلاصهم (لأنهم جاءوا له في صورة شباب في غاية الجمال، فخاف عليهم مِن قومه أن يُريدوا بهم الفاحشة، ولم يكن يعلمأنهم ملائكة)، ﴿ وَقَالُوا ﴾ له: ﴿ لَا تَخَفْ ﴾ علينا، فإنّ قومك لن يصلوا إلينا،﴿ وَلَا تَحْزَنْ ﴾ على مَن سيَهلك مِن أهلك مع القوم الظالمين، فـ ﴿ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ ﴾ المستجيبين لدَعْوتك ﴿ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ أي حَكَمَ اللهُ عليها أن تكون منالباقين في العذاب، ﴿ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا ﴾ أي عذابًا ﴿ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ أي بسبب معصيتهم لله وارتكابهمللفواحش، ثم قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً ﴾ يعني أبقينا مِن ديار قوم لوط آثارًا واضحة تدل على قدرتنا على إهلاك الفاسقين، وقد كانت هذه العبرة والعظة ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي يَعقلون العِبَر، فيَنتفعوا بها، فيُوَحِّدوا اللهَ ويطيعوه. • الآية 36، والآية 37: ﴿ وَإِلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ﴾ يعني: ولقد أرسلنا إلىقبيلة"مَدْيَن" أخاهم شُعيباً، ﴿ فَقَالَ ﴾ لهم: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾وحده، فلا يوجد مَن يَستحق العبادة غيره، ﴿ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ ﴾ أي آمِنوا بيوم القيامة، وتوقعوا مجيئه، وخافوا مما فيه مِن أهوالٍ وأحوال، فإنّ ذلك يساعدكم على التقوى، ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ أي لا تَسعوا في الأرض بأنواع الفساد (كالشرك والمعاصيوأكْلُكُم أموال الناس بالباطل)،﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ فيما جاءهم به ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾ أي الزلزلةالشديدة، (وقد كانت هذه الزلازل مصحوبة بصيحة شديدة خلعتْ قلوبهم، لأن الله تعالى قال في سورة هود: (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ))، ﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ أي باركينَ على رُكَبهم، مَيّتينَ لا حِراكَ لهم. • الآية 38: ﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ ﴾ أهلكناهم لمّا كَذّبوا رُسُلهم، ﴿ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ ﴾ خَلاؤها منهم، وحلول عذابنا بهم، ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي: وقد حَسَّن لهم الشيطان أعمالهم القبيحة التي كانوا يعملونها ﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ أي صَرَفهم بذلك عن طريق توحيد الله تعالى والإيمان برُسُله، ﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ أي كان عندهم بصائر بمعرفة الحق من والباطل والخير من الشر - لأنّ رُسُلهم قد عَلَّمَتهم - ولكنهم فَضّلوا أهواءهم على عقولهم فهَلَكوا. ♦ واعلم أنّ كلمة "مُستبصِرين" أصْلها "مُبصِرين"، والسِين والتاء هنا للتأكيد، مِثل كلمة "استكبر" بمعنى تَكَبَّر، و"استَحَبّ" بمعنى أَحَبّ، و"استجاب" بمعنى أجاب، (على العكس من السين والتاء التي تدل على الطلب)، مِثل كلمة "استغفر" بمعنى طَلَبَ المغفرة، و"استطعَمَه" بمعنى منه طلب الطعام. • الآية 39: ﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ﴾ أهلكناهم لمَّا كَذَّبوا موسى، ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالأدلة الواضحة على صِدق رسالته، (فأمَّا ما جاءَ به موسى من الآيات إلى فرعون وهامان: فهي المعجزات التسع التي تحداهم بها، وأمّا ما جاء به موسى لقارون فهو نَهْيه عن الظلم والتكبر على الناس)، (واعلم أنّ قَارون مِن بني إسرائيل، ولكنه كَذَّبَ موسى)، ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ أي تعاظَم قارون وفرعون وهامان في أرض مصر، وتكَبَّروا عن تصديق موسى واتِّباعه، ﴿ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ﴾ أي: ما كانوا ليفوتوا مِنّا ويَهربوا، بل كنا قادرينَعليهم فأهلكناهم. • الآية 40: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ﴾يعني أخذنا كل واحد من المذكورين بعذابنا (بسبب شِركهم وذنوبهم)، ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ﴾ أي حجارة صَلبة شديدة الحرارة (وهم قوم لوط)، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بالحاصب هنا: الريح الشديدةالتي تحمل الحَصباء - وهي الحَصا الصغار - وعلى هذا يكون المقصود هنا قوم عاد وليس قوم لوط، باعتبار أن قوم لوط قد ذُكِرَ عذابها تفصيلاً في الآيات السابقة، واللهُ أعلم)، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ﴾ كثمود وقومشعيب، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ ﴾ كقارون، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ﴾ كقوم نوحوقوم فرعون، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ ويُهلكهم بغير ذنب، ﴿ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ بكفرهم ومَعاصيهم، وتَنَعُّمهم بنِعَم ربهموعبادتهم غيره (فبذلك استحقوا العذاب). • الآية 41: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ يعني: مَثَلُ الذين اتّخذوا آلهةً باطلة، يَرجونَ نَصرها مِن دون الله تعالى ﴿ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ﴾ يعني كمثل أنثى العنكبوت التيصنعتْ لنفسها بيتًا ليَحفظها، فلم يَنفعها عند حاجتها إليه، (فكذلكالمشركون، يَعبدون أصنامهم، راجينَ نفعها وشفاعتها لهم عند ربهم، فلم تنفعهم حين نزل بهم العذاب)، ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ ﴾ يعني أضعف البيوت وأحقرها شأناً ﴿ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لو كانوا يعلمون أنّ آلهتهم الباطلة لا تنفعهم بشيء - كما لم ينفع العنكبوت بيتها بشيء - ما اتّخذوهم أولياء من دون الله، الذي بيده كل شيء. ♦ ومِن لطيف ما يُذكَر أنّ العِلم قد اكتشف حديثاً أنّ التي تَبني بيت العنكبوت هي أنثى العنكبوت وليس الذَكَر، وهذا ما صَرَّحَ به القرآن في لفظ: (اتَّخَذَتْ بَيْتًا)، إذ التاء المذكورة هي تاء التأنيث. • الآية 42: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ يعني إنّ الله سبحانه يَعلم ما يُشركون به من الآلهة المزعومة، التي ليست بشيءٍ في الحقيقة، بل هيمجرد أسماء سَمَّوها آلهة، لا تنفعهم ولا تضرهم، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامه مِمّن أشرك به، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيره وصُنعه. • الآية 43: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ ﴾ - كمَثَل الآلهة الباطلة وبيت العنكبوت - ﴿ نَضْرِبُهَا ﴾ أي نجعلها ﴿ لِلنَّاسِ ﴾ ليَنتفعوا بها ويتعلموا منها، ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ يعني: وما يَعقل الحكمة من هذه الأمثال إلاالعالِمونَ بآيات الله وشَرْعه. • الآية 44: ﴿ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ أي خَلَقهم سبحانه ليُذكَرَ فيهما ويُشكَر، وليَستدِل بهم العباد على عَظَمة خالقهم، وعلى قدرته على إحياء الموتى(لأنّ ذلك أهْوَنُ عليه مِن خَلْق السماوات والأرض)، وبأنهالخالق القادر المستحق وحده للعبادة،﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾. • الآية 45: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾: أي اقرأ أيها الرسول ما أوحاه اللهُ إليك من القرآن (تَعَبُّداً به، وتعليماً للمؤمنين، ودعوةً للناس إلى ربهم)، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ يعني أَدِّها بشروطها وأركانها، في خشوعٍ واطمئنان ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ يعني: إنّالصلاة الخاشعة تَنهى صاحبها عن الوقوع في المعاصي; لأنّالمُحافِظ الصلاة الخاشعة يَستنير قلبه، ويزداد إيمانه، وتَقوىرغبته في الخير، وتنعدم رغبته في الشر، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾: يعني إنّ ذِكر الله تعالى - في الصلاة وغيرها -أعظم وأفضل من كل شيء، ((ويُحتمَل أيضاً أن يكون المعنى: أنّ ذِكر الله تعالى، بالقلب واللسان في كل الأحيان، أكبر (في النهي عن الفحشاء والمنكر) من الصلاة، واللهُ أعلم)، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ وسيُجازيكمعلى أعمالكم. ♦ فإذا قال قائل: (إنّ صلاتي لا تَنهاني عن الفحشاء والمُنكَر، فما السبب؟). السبب أنك لم تُصَلِّ الصلاة التي يُحبها ربُنا ويَرضاها حتى تنهاك عن الفحشاء والمنكر. ♦ هذا، وقد ذكَرَ العلماء بعض المعاني الإيمانية التي تعينك على أداء صلاة خاشعة بإذن الله تعالى، فمِن هذه المعاني: حضور القلب (وذلك بأن تجعل هَيْبَةَ اللهِ ومَحبته تقهر جميع المَحَابّ والمَهَامّ التي في قلبك)، ومِنها: الحَيَاء (وذلك بأن تستشعر أنك مملوءٌ بالنعم، وفي نفس الوقت مملوءٌ بالذنوب)، ونَضرب على ذلك مثالاً: (فقد اكتشف الطب حديثاً - بالمِجهَر الإلكتروني - أنَّ العين تحتوي على (500 مليون خلية) حتى تستطيع الإبصار، ثم تأخذُ أنت هذه الـ (500 مليون خلية)، وتنظر بها إلى ما حَرَّمَهُ اللهُ) (يعني تعصَاه بنعمته). ♦ ومِنها: الحب (وذلك بأن تستشعر نِعَم الله تعالى عليك، وإمهاله لك، وتوفيقك لطاعته، رغم كثرة ذنوبك)، ومِنها: الافتقار إلى الله تعالى (بمعنى أن تتبرأ من حَولِك وقوتك إلى حَول الله وقوته)، ومنها: التعظيم (وذلك بأن تستشعر قول الله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ﴿وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾، وكذلك تستشعر قوله تعالى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ) أي نقتلعها مِن أماكنها، ثم نجعلها هباءً منثوراً، (فحينئذٍ تستشعر أنّ جنايتك عظيمة، لأنك عصيتَ عظيماً، وهو عليك قادر). ♦ فعليك أخي الحبيب - حتى تنهاك صلاتك عن المعاصي - أن تصلي لربك بحُبٍّ ورجاء، وذُلٍّ وتعظيم، وخوفٍ وحياء. [*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن. |
الساعة الآن : 02:14 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour