رد: مقالات بقلم المرشد العام للأخوان
اقتباس:
ونسال الله القبول |
رد: مقالات بقلم المرشد العام للأخوان
http://www.ikhwanonline.com/images/tools_03.gifhttp://www.ikhwanonline.com/images/tools_04.gifhttp://www.ikhwanonline.com/images/tools_05.gif الدعوة ماضية في طريقها حتى النصر بإذن الله تعالى [15:30مكة المكرمة ] [02/07/2009] http://www.ikhwanonline.com/Data/2009/7/2/asd35.jpg رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد.. فقد جاء الإسلام بأكمل تصور للوجود، وبأرقى وأشمل نظامٍ لتطوير الحياة وإسعاد الخلق، وعمل على هداية البشرية كلها إلى هذا الخير، وتبليغه إلى أسماعها وإلى قلوبها، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض حقائقه على الناس، فقبلته العقول السليمة، وانجذبت إليه الفِطَر المستقيمة، فقامت قيامة الجاهلية وأجلبت بخيلها ورجلها، ولم تدَع نقيصةً إلا حاولت إلصاقها بالدعوة والداعية صلى الله عليه وسلم؛ في خصومة فاجرة، وحرب قذرة مناقضة للأخلاق النبيلة، ولكنَّ جلالَ الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وجمالَ المبادئ التي نادى بها، وحاجةَ البشرية إلى المنهاج والأخلاق التي قدمها؛ دفعت العقلاء إلى الإيمان به، فاندفعت الجاهلية في نصرة باطلها إلى حرب وجودية ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ (ص: 6)، ولم تزَل حربُهم على الإسلام قائمةً حتى ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: من الآية 81)، وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ولم ينتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا وقد دانت الجزيرة العربية كلها بدين الحق، واستظلَّت بظلال التوحيد والعدل. فلمَّا تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعت على الإسلام محنٌ وخطوبٌ لم تجتمع من قبل، فقد ارتدَّت العرب، ونَجَمَ النفاق، وحزن المسلمون حزنًا شديدًا لفقد نبيِّهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم وكثرة عدوِّهم، فتماسك المسلمون وعلى رأسهم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وصبروا وقاموا بأعباء الدعوة إلى الله خيرَ قيام، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أينقصُ الدينُ وأنا حي؟!"، وأبى المسلمون أن يستسلموا لهذه الحوادث ويخذلوا الدعوة، فلم يحافظوا على وضع الإسلام فقط، بل فتحوا فارس والروم. وتبعهم على ذلك أجيال المسلمين من بعدهم، فحملوا الإسلامَ إلى كل مكان، وصحَّحوا المفاهيم، ونشروا في الدنيا الخير والنور، وأُوذوا أشدَّ الإيذاء، فتحمَّلوا ذلك كلَّه في سبيل الله، حتى كَتَبَ الله لهم النصر والتمكين. الدعاة يدركون طبيعة الطريق يُدرك الدعاة إلى الله- وفي القلب منهم الإخوان المسلمون- أن الطريق إلى هداية الناس وشيوع الخير ونشر الفضيلة في الدنيا؛ سيواجِه من الصعوبات والعوائق ما واجَه الأنبياء والصالحين من قبل، فالرسالة هي الرسالة، والضلالات والأهواء هي هي، والعقبات هي العقبات، والقوى الطاغية لا تزال تقوم دون الناس ودون الدعوة، وتفتنهم كذلك عن دينهم بالتضليل وبالقوة. والقرآن يُذكِّر المسلم الصادق بأن الفتنةَ والابتلاء قَدَرٌ لازم ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ (الأنعام: من الآية 53)، وله هدفٌ واضحٌ، وهو تمييزُ الخبيث من الطيب ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)﴾ (محمد)، ولا سكنَ في الجنة إلا لمن صبرَ على هذا الابتلاء ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾ (آل عمران)، ومن ثَمَّ فلا مناصَ أمام حَمَلَةِ رسالة الخير ومشاعل النور من الحلمِ والصبرِ والاحتسابِ، فللباطل جولةٌ ثم يذهب هباءً، والحق له صولةٌ وهو أنفع، وله الثبات والبقاء، فإذا اشتدَّ الأذى وكثُر التهديد لجأ المؤمنون إلى حصن التوكل على الله والصبر على الأذى، وشعارهم: ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾ (إبراهيم). العقبات في طريق الدعوة كثُرت وتنوَّعت العقبات التي واجهت- ولا تزال تواجه- دعوة الحق والخير والهدى والنور، منذ أن بعث الله بها أنبياءَه ورسلَه حتى اليوم وإلى أن تقوم الساعة، ومنها: النظم الطاغية في الأرض التي تصدُّ الناس عن الاستماع إلى الهدى، وتسعى إلى فتنةِ المهتدين وردِّهم عن الحق ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ (إبراهيم: من الآية 13)، ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ (الأعراف: من الآية 88)، وهؤلاء المستكبرون لا يألون جهدًا في الصدِّ عن الإسلام وتشويه الدعاة إليه وممالأة الظالمين الذين يكيدون له ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)﴾ (الأنفال). ومما يؤسف له أن ترفع تلك الدول شعارات الحرية وحقوق الإنسان، وتثور ثائرتهم لما يَعُدُّونه انتهاكًا هنا أو هناك، ثم يدوسون هذه الحقوق ويصمتون صمت القبور إذا كان ضحيتها هم حملة المشروع الإسلامي، بل تتخذ تلك الدول من الإسلام وحَمَلَة دعوته عدوًّا دون أن تتعرَّف إليه وتدرك الخير الذي جاء به، ولو أمعنوا النظر وأنصفوا لرأوا في هذا الدين الكريم خلاصًا للعالم المعاصر من أزماته وحلاًّ لمشكلاته، ولسارعوا إلى قبوله والدخول فيه أفواجًا، ولكن التعصبَ يُعمِي ويُصِمُّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الأنظمة المستبدة التي لا ترى أبعدَ من قوائم الكرسي الذي تجلس عليه، ولا تفكِّر بغير العصا الأمنية التي تجتهد في تضخيمها وتقويتها، ولا تؤمن بغير البطش سبيلاً للبقاء فوق العروش المغتصبة وتكديس الثروات المنهوبة؛ فالمستبدُّ لا يرى إلا نفسه، ولا يبصر إلا مصلحته، ولا يُقَرِّب منه إلا من يتملَّقه ويترضَّاه، ولهذا فإنه في الوقت الذي يتصاغر ويتراجع فيه أمام أعداء الوطن؛ يستأسد على الصالحين المصلحين من بني جلدته، يقدمهم قرابينَ لقوى البغي والاستكبار العالمية، وثمنًا لتسلُّطه على الشعب المغلوب، ويملأ القلوبَ المؤمنةَ الأسى وهي ترى بني جلدتها ودينها يتولَّون أعداءهم ويعادون إخوانهم، ويستسلمون لمن يمكُر بهم، ويكرِّمون من ينافقهم رغبًا أو رهبًا، ويتغوَّلون على مَن ينصحهم ويسعى لخيرهم وخير أوطانهم. ولو راجع هؤلاء أمرَهم، وتدبَّروا العواقبَ، ونظروا بعين الصدق والإنصاف؛ لرأوا أن مصلحتهم وقوتهم في نصرة دينهم، والوقوف في خندق شعوبهم، وأنه لا ملجأَ لهم بعد الله إلا شعوبهم التي ارتضت الإسلامَ دينًا والقرآنَ دستورًا ومنهاجًا؛ فهل يرجعون ويبصرون؟! وإن تعجب فعجبٌ سكوتُ النخب المثقَّفة ودعاة حرية الرأي والفكر والتعبير؛ عن تسلُّط المستبدِّين على الإصلاحيين من الإسلاميين عمومًا والإخوان المسلمين خصوصًا! وهم الذين يملؤون الدنيا صياحًا وبكاءً على الحرية المفقودة إذا صودرت روايةٌ فاجرةٌ، أو حُذفت لقطةٌ مقززةٌ، أو تصدَّى العلماء لتفنيد رأيٍ مشوه زائف، يصادم ثوابت الأمة وقيمها، ويطعن في دينها وحضارتها! وحسبنا الله ونعم الوكيل. التاريخ يؤكد أن النصر للحق وأهله الذي يستعرض حقائق التاريخ يمتلئ يقينًا بزوال الباطل وبقاء الحق ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17).. يُدرك ذلك مَن يستعرض قصص الأمم المختلفة مع رسالات السماء، وما وضعوه من العقبات والفتن في طريق الدعوة إلى الإيمان وفي وجه الحق والهدى، ثم ما انتهى إليه الصراع بينهم وبين الحق من نصرة الحق وأخذ خصومه جميعًا﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)﴾ (العنكبوت). ويضرب الله تعالى لهذه القوى الباغية كلها مثلاً مصوَّرًا يجسِّم وهنَها وتفاهتَها فيقول: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)﴾ (العنكبوت). وقد أدرك كثيرون ممن واجهوا الحق أنهم مغلوبون، وتذكُر لنا كتب السيرة أنه لَما جِيءَ بِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ إلَى النبي صلى الله عليه وسلم، ووقف بَيْنِ يَدَيْهِ، وَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ؛ قَالَ: "أَمَا وَاَللهِ مَا لُمْت نَفْسِي فِي مُعَادَاتِك، وَلَكِنْ مَنْ يُغَالِبْ اللّهَ يُغْلَبْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النّاسُ، لا بَأْسَ قَدَرُ اللّهِ، وَمَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل" (زاد المعاد). فهذا الرجل كان يعلم أنه يقف في الصف المغلوب، وأنه لا سبيلَ لمغالبة الحق، لكنَّ الحقدَ غير المبرَّر هو الذي قاده وقومه إلى الهلاك؛ فهل يعي قادة الغرب دروس التاريخ، ويتخلَّون عن حلم فرض ثقافتهم وسلطانهم على المسلمين، ويتركون سياسة التصادم والاستعمار التي ثبت فشلها، ويتخلَّون عن سياسة إقصاء الحركات الإسلامية أو محاولة تطويعها وتدجينها، بعد أن ثبت لهم استعصاؤها على التطويع أو التطبيع.. لئن وعى قادة الغرب دروس التاريخ فلجؤوا إلى الحوار والتعاون، بدلاً من الإقصاء والتصادم؛ ليكونَنَّ للعالم شأنٌ آخر من بسط الأمن والرخاء. لماذا اليقين بانتصار دعوة الحق؟ يعجب البعض من استمساك المجاهدين في سبيل الله والداعين إلى الخير برسالتهم، رغم عنف الضربات الظالمة التي تُوجَّه إليهم، وقسوة الحرب المجرمة التي تُشَنُّ عليهم، ورمي العاملين في ميدان الدعوة بالسذاجة، ولكننا نؤمن إيمانًا لا شك فيه أن الخير سينتصر، وأن الحق ستعلو رايته، وتنتشر في الدنيا دعوته، ويقيننا نابع مما يلي: 1- أنها دعوة منسجمة مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾ (الروم: من الآية 30)، وفي الحديث القدسي الجليل: "وإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ..." (مسلم). وقد جاءت عقيدة الإسلام وشريعته في القرآن بأسلوبٍ سهلٍ واضح، وهو على قدر ما فيه من بلاغةٍ معجزةٍ؛ فإنه مُيَسَّر للذكر يفهمه العالِم والعامِّيِّ، وإن اختلفت طريقة الإقناع ودرجة الاقتناع باختلاف طاقات الناس ومداركهم، لكن لا يملك العقل الحر والنظر السليم والفطرة الصافية إلا أن تذعن له وتؤمن به. 2- الإيمان العظيم الذي يملأ قلوب الدعاة: إن العقيدة الصحيحة متى استقرت في القلب فإنها تُثمر تحرير النفس من قبول الخضوع للاستبداد، أو الإقامة على الضَّيْم. فالمؤمن يعلم أن الخلق جميعًا لا يملكون لأنفسهم شيئًا، بل ولا يملكون أن يدفعوا عنه شيئًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)﴾ (الحج). ويعلم أن العمر بيد الله، لا ينقص بالإقدام، ولا يزيد بالإحجام، وأنه لا ينجي من الموت فرارُ الفارِّين، ولا يقدِّمه على أوانه ثباتُ المؤمنين ﴿قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ المَوْتِ أَوِ القَتْلِ﴾ (الأحزاب: من الآية 16) ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ﴾ (نوح: من الآية 4). ولذلك فإن الداعية الصادق يقابل الأهوال بشجاعة، ويثبت أمام الخطوب ببسالة؛ لأنه يعلم أن يد الله ممدودة إليه، وهو يقرأ قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (البقرة: من الآية 257). وهو قبل ذلك وبعده مرتبط باليوم الآخر، متعلِّق الهمة بتحصيل الثواب فيه؛ ولذلك ينطلق في دعوته على هدًى من ربه، محتسبًا ما يَلقَى من أذى في سبيل الله، موقنًا بقرب طلوع فجر العدل، ومجيء ساعة الحساب.. يقول للمتربصين:﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)﴾ (التوبة)، ويقول للمخوِّفين: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ﴾ (آل عمران: من الآية 173)، ويقول للمترددين: مَن لم يمتْ بالسيفِ ماتَ بغيرِهِ تعددت الأسبابُ والموت واحد ويتلو على المتأثرين بالشائعات والحروب النفسية التي يجتهد فيها أعداء الله ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ (65)﴾ (يونس)؛ فهل يُتصوَّر أن ينهزم مثل هذا الداعية صاحب العقيدة الصحيحة؟!. 3- الثقة التامة بوعد الله بالنصر والتمكين: إن العقيدة الصحيحة تربِّي في نفوس دعاة الحق والخير الشعورَ بالأمل في الله، والثقةَ في نصره، ومهما توالت النكبات والكوارث على المجتمعات وتسلَّط المستبدُّون على الأمة؛ فإن الثقة في الله تطرد اليأس من قلوبهم، وتدفعهم إلى اقتحام المصاعب مهما اشتدَّت، ومقارعة الحوادث مهما عظمت، وكيف يصيب اليأسُ صاحبَ العقيدة وهو يقرأ: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ...﴾ (القصص)؟! وكيف يصيبه الضعف أمام نازلةٍ من النوازل، وهو يقرأ ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران)؟! وكيف يتراجع أمام أية قوةٍ وهو يقرأ قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ (2)﴾ (الحشر)؟! وكيف يتردد عن المضيِّ في الطريق أو يستطيل المسافة وهو يقرأ قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة)؟! ولذلك فهو على تمام الثقة بتحقيق وعد الله ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ (النور: من الآية 55). 4- معرفتهم بحاجة الدنيا إلى الرسالة التي يحملونها: إن الدعاة الصادقين يدركون أن قارورة الدواء التي تحتاجها البشرية لتتعافى من الداء الذي ألمَّ بها؛ هي في الرسالة التي كلَّفهم الله بحملها ونَدَبَهم إلى نشرها، فالأزمات العالمية المتلاحقة، والفوضى الأخلاقية الضاربة بأطنابها، والحروب الطاحنة بين الشعوب، والنظام العالمي الأعور المختلّ، والتفكك الأسري المفجع، والتفاوت الطبقي المذهل، والعنصرية المقيتة، والطائفية الفاشية في أنحاء العالم.. كل ذلك وغيره لا سبيل للتخلص منه إلا بمنهج الإسلام. والسعادة المفقودة، والأمن العالمي والمحلي المنشود، والعدالة المأمولة، والمساواة بين الناس، وتكريم الإنسان وحفظ إنسانيته؛ لا يمكن أن تتم بشكلٍ سليمٍ ومتوازنٍ إلا في ظلال المنهج الإسلامي الكريم، ولهذا كان من واجب الدعاة الذين انتدبهم الله لهداية الناس وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور؛ أن يستمروا في تقديم هذا الخير للبشرية، وإن غلبها الطيش وانحرف بها الغيُّ عن سلوك سبيل الرشاد. وقد أكد القرآن الكريم هذا الواجب الثقيل الذي كرَّم الله به الأمة الإسلامية ورفع قدرها، فقال تعالى ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 110).. يقول الإمام المجدد حسن البنا رضي الله عنه تحت عنوان (عوامل النجاح): "ومن الحق- أيها الإخوان- أن نذكر أمام هذه العقبات جميعًا؛ أننا ندعو بدعوة الله وهي أسمى الدعوات، وننادي بفكرة الإسلام وهي أقوي الفِكَر، ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: من الآية 138)، وأن العالم كله في حاجة إلى هذه الدعوة، وكل ما فيه يمهِّد لها ويهيِّئ سبيلها، وأننا بحمد الله براءٌ من المطامع الشخصية، بعيدون عن المنافع الذاتية، ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس، ولا نعمل إلا ابتغاء مرضاته، وإننا نترقَّب تأييد الله ونصره؛ فلا غالب له ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾ (محمد: 11). فقوة دعوتنا، وحاجة الناس إليها، ونبالة مقصدنا، وتأييد الله إيانا؛ هي عوامل النجاح التي لا تثبت أمامها عقبة، ولا يقف في طريقها عائق ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾" (يوسف: من الآية 21). أثر المحن والابتلاءات على الصف الإسلامي يُخيَّل إلى كثيرٍ من خصوم الدعوة أن الضغط والقهر ومصادرة حريات الدعاة وأرزاقهم؛ ستصرفهم عن دعوتهم، وستصرف الناس عنهم، وهذا وهمٌ فاسدٌ، فإن الدعاة يقابلون هذه المحن باستعلاء إيماني عظيم، لا يبالون بغير نصرة دينهم، ورفع كلمة الله في الأرض، وينشد شاديهم في داخل السجون ومن وراء القضبان" أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود إذا كنت بالله مستعصمًا فماذا يضيرك كيد العبيد؟! كلمة إلى الإخوان المسلمين إن دعوتنا ماضية في طريقها المرسومة، وخطتها الموفقة، غير عابئة بالتحديات والعقبات، ولا متراجعة أمام العوائق والمثبطات، ولعل من المناسب أن أذكِّركم بكلام إمامنا الشهيد حسن البنا رحمه الله: "... وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحدَّ من نشاطكم، وأن تضع العراقيل في طريقكم، وسيتذرَّع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يُلصقوا بها كل نقيصة، وأن يُظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدِين بأموالهم ونفوذهم: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة: 32)، وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان، فتُسجنون وتُعتقلون، وتُنقلون وتشرَّدون، وتُصادَر مصالحُكم، وتُعطَّل أعمالُكم وتُفتَّش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان.. ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت: 2)، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ....... فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ (الصف:10- 14)، فهل أنتم مصرُّون على أن تكونوا أنصار الله؟!". فلا تهنوا أيها الإخوان، ولا تتراجعوا، واصبروا على الحق الذي أنتم به مؤمنون، وثقوا بالنصر القريب، واسألوا الله تعالى أن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين، وثقوا بأن الدعوة بالغة غاياتها ومراميها ما دام الله معنا، فهو هادينا وناصرنا ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ (الفرقان: من الآية 31). ويقولون متى هو؟! قل عسى أن يكون قريبًا، والله أكبر ولله الحمد.. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. http://www.ikhwanonline.com/images/sections_09.gif http://www.ikhwanonline.com/images/sections_09.gif |
رد: مقالات بقلم المرشد العام للأخوان
نداء إلى شرفاء الأمة في مصر والعالم [ http://ikhwanonline.com/Data/2009/7/9/img3.jpg رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعد.. ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: من الآية 88)، ومثلما كان جزاء أنبياء الله تعالى الذين جاءوا برسالة الإصلاح والعدل هذه التَّكذيب والعسف من جانب أقوامهم؛ فإنَّ جزاء الشُّرفاء من أبناء هذه الأُمَّة، من علمائها وساستها ورموزها الوطنيَّة النَّزيهة، هو الاعتقال والعسف والظلم. إنَّ الإخوان المسلمين عندما نهضوا لأداء رسالتهم الإصلاحيَّة، سعيًا منهم لإنهاض الأُمَّة وإصلاح أحوالها؛ كانوا يعلمون تمامًا مدى صعوبة الطَّريق الذي يسيرون فيه، وما سوف يلاقونه من مشاقّ، مع مساس ما يدْعون إليه من إصلاحٍ وما يصاحبه من فعلٍ إيجابيٍّ بمصالح الكثير من قوى الفساد والاستكبار الدَّاخلي والخارجي، ليسارع نظام البطش والفشل والتسوُّل في الهجوم، مصادرًا حرياتهم، ومروِّعًا أمنهم ومغلقًا أبواب الرِّزق في وجوههم ووجوه أبنائهم وأبناء هذا الوطن؛ ممَّن وَجَدوا في مُؤسَّسات بعض أفراد الإخوان مصدرًا للكسب الحلال في زمنٍ عزَّت فيه الوظائف، وصَعُبَ فيه العيش؛ بسبب فشل الحكومة في توفير الحد الأدنى من العيش لمواطنيها، برغم أنَّ ذلك هو أوَّل أولويَّات أيَّة حكومةٍ تحترم نفسها وشعبها. وفي حقيقة الأمر فعند بحث ما يتعرَّض له الإخوان اليوم من حرب مستعرة فإنَّنا لا يمكننا رده إلى عامل واحدٍ، بل أكثر من عاملٍ وأكثر من طرفٍ، يكوِّنون فيما بينهم تحالف الفساد والاستبداد والغرب (ممثلاً في المشروع الأمريكي الصهيوني) الذي يستهدف الإخوان المسلمين ودعوتهم. العامل الأوَّل آتٍ من الخارج، فحكومتنا باتت تلعب دورًا أساسيًّا في تمرير سياسات التَّحالُف الأمريكيِّ- الصُّهيونيِّ في منطقتنا العربيَّة وفضائِنا الإسلاميِّ، وكان لموقف الإخوان المسلمين في أزمة العدوان الوحشيِّ الصُّهيونيِّ على قطاع غزة في ديسمبر ويناير الماضيَيْن، ودورهم السِّياسيِّ والإعلاميِّ في كشف وقائع الظُّلم الذي يتعرَّض له أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة المحاصر حتى الموت؛ دورٌ كبيرٌ في إزعاج واشنطن وتل أبيب، ولذلك صدرت الأوامر بالتَّحرُّك ضد الإخوان لإخماد صوتهم هذا. كذلك كان للإخوان المسلمين في كلِّ مكانٍ دورهم الكبير في التَّصدي للاستعمار الجديد، ومواجهة قوى الاستكبار العالمي في مساعيها لغزو أمتنا، والاستيلاء على ثرواتها، واتخاذ بعض بلدانها قاعدةً لمشاريعها الاستعماريَّة العالميَّة، ولكن مشاريع الممانعة- والتي كان الإخوان في نسيجها- أفشلت هذه المُخطَّطات، ولذلك أيضًا كان لا بد من الرَّد، وكان الرَّد عن طريق الأتباع والأعوان في مصر وفلسطين وغيرها، ويمكن الرَّبط ما بين ما يجري في مصر من اعتقالاتٍ وعسفٍ بحقِّ الإخوان بما يجري في الضفة الغربيَّة من انتهاكاتٍ بحق عناصر المقاومة الشَّريفة، الذين يقبع منهم خلف قُضبان سجون السُّلطة أكثر من ألف مقاومٍ ومقاوِمةٍ. أما العامل الثاني فهو عاملٌ داخليٌّ، يتعلَّق بالمخاوف الدَّائمة الموجودة لدى النِّظام الحاكم من جهود الإخوان الإصلاحيَّة، وأدوارهم في كشف الفساد ومحاولة معالجة صور الانحراف الموجود في مختلف مفاصل النِّظام وإداراته. كما أنَّ فشل الجهود الدِّعائيَّة الرَّسميَّة في تقديم صورةٍ سلبيَّةٍ مخالفةٍ للحقيقة عن الإخوان أمام الرَّأي العام الداخلي والخارجي؛ دعا أركان النِّظام وسدنته في الأجهزة الإعلاميَّة والأمنيَّة إلى محاولة فاشلةٍ بدورها لتشويه صورة الإخوان النَّاصعة في الدَّاخل والخارج، ووصمهم بما ليس فيهم. اتهامات باطلة ولكنْ دعونا نراجع في هدوءٍ هذه "الاتِّهامات" التي دأب الإعلام الحكومي والأمني على توجيهها إلى الإخوان؛ منهم من قال بأنَّ الإخوان يدعمون الفلسطينيين المحاصرين في غزة (!!)، فهل هذه تهمة؟!، وإنْ كانت كذلك، فالإخوان لا ينكرونها. الاتهام الآخر الموجَّه للإخوان المسلمين، هو غسيل الأموال!!!.. مبدئيًّا فإنَّ كل المبالغ التي قيل إنَّها ضُبِطَت في حوزة الإخوان المعتقلين في القضيَّة الأخيرة لا تزيد في مجموعها- بحسب التَّقارير الحكوميَّة- عن 12 مليون يورو، وهو مبلغٌ لا يكاد يُذكر بجانب الأرقام المهولة التي نهبها رجال الأعمال من البنوك المصريَّة في غضون العقدَيْن الماضيَيْن، والتي قدَّرها خبراء بعشرات المليارات من الجنيهات؛ كان لها تأثيرها السلبي الكبير على احتياطي مصر النقدي من العملة الأجنبيَّة، وعلى خطط التَّنمية الدَّاخليَّة. وبينما تقوم الدَّولة الآن بمصالحة هؤلاء الهاربين بخيرات مصر وإعادتهم إلى البلاد لنهب المزيد من أموالها؛ تعتقل المزيد من رجال الأعمال الشُّرفاء الذين يؤدون دورهم الوطني، اقتصاديًّا واجتماعيًّا، في رفع المعاناة عن أبناء شعب مصر، وتقليص طابور العاطلين والفقراء الذي خلقته عقود من النَّهب والفساد والفشل في الأداء الرَّسمي. مسئوليَّة الشرفاء إنَّ الحيثيَّات التي تحملها القضيَّة الأخيرة ذات دلالاتٍ لا تخفى على أحد، وأولى هذه الدلالات أنَّ حرب النِّظام الحاكم ضد الشُّرفاء من أبنائه وصلت إلى حدِّها الأعلى، وأنَّه لم يُعد هناك استثناءٌ لأحدٍ منها، بما في ذلك الشُّرفاء العاملون على خطوط المواجهة الأولى في أزمات الأُمَّة، وهم مسئولو الإغاثة في اتحاد الأطباء العرب وفي نقابة الأطباء وغيرها من المواقع، والذين كانوا خير سفراء لوطنهم وأمَّتهم. نريد أن نضع بين يدي الجماعة السِّياسيَّة والوطنيَّة في مصر والرَّأي العام المصري مجموعةً من الأمور؛ منها أنَّ الكل معنيٌّ بما يجري، وأن النظام الحاكم دخل منذ فترة في خصومة مع كافة شرائح المجتمع: الطلاب وأساتذة الجامعات والصحفيين والمحامين والأطباء.. إلخ، لا يُستثنى من ذلك أحدٌ. إنَّ القضيَّة عامَّة وليست خاصةً بالإخوان فحسب؛ فاعتقال رموز الجماعة وشرفائها رسالةٌ مُوجَّهةٌ إلى الشعب المصري في محاولةٍ لتفزيعه وتخويفه وإرهابه، ثم هي موجهة أيضًا إلى الجماعة السِّياسيَّة المصريَّة والقوى الوطنية كلها، التي تعاني أحزابها ومُنظماتُها المدنيَّة- بما فيها النَّقابات والمُؤسَّسات الحقوقيَّة- من وطأة سياسات النِّظام وقبضته الأمنيَّة، التي تُكرِّس أوضاعًا بعينها لمصلحة هذا النِّظام، وتسعى لصياغة عنوان المرحلة القادمة الذي يتلخَّص في الانفراد بالقرار وإسكات المعارضة، مع اقتراب مصر من مرحلةٍ مفصليَّةٍ من تاريخها. فالعام القادم 2010م سوف يشهد انتخاباتٍ تشريعيَّةً لاختيار أعضاء مجلس الشَّعب المصريِّ، وأخرى لاختيار نصف أعضاء مجلس الشُّورى، وفي العام الذي يليه تشهد مصر انتخاباتٍ رئاسيَّةً قد تكون واحدةً من أهم الأحداث السِّياسيَّة في تاريخ مصر الحديث، وبالتالي فإن الجماعة الوطنية المصرية مدعوَّةٌ إلى توحيد جهودها في المرحلة القادمة لمواجهة القمع الذي يمارسه النظام لتمرير مخططاته. إنَّ عوامل نجاح جهود الجماعة الوطنيَّة والسِّياسيَّة الشريفة في مصر- إذا ما اتَّحدت- كثيرةٌ، فيكفي عدالة القضيَّة، ويكفي القواسم المشتركة التي تجمع الإخوان مع المعارضة والمستقلين والشُّرفاء من أبناء هذا الوطن، مثل الرَّغبة في تحقيق استقلال الوطن الحقيقي، ورفض الهيمنة والنُّفوذ الأجنبيِّ، والسَّعي إلى تحقيق التَّنمية الحقيقيَّة لصالح المجتمع، وفق مبادئ العدالة الاجتماعيَّة، ومحاربة الفساد، وتحقيق الحٌرِّيَّات العامَّة والإعلاء من قيم الدَّولة المدنيَّة والمواطنة واحترام حقوق الإنسان، في إطار مبادئ الإصلاح السِّياسيِّ والشَّامل. وباء عام!! لقد بذلت الأنظمة الحاكمة في العالم العربيِّ والإسلاميِّ جهدًا كبيرًا لتخويف الرَّأي العام والنَّاس من الشُّرفاء، مستعينةً في ذلك بآلةٍ إعلاميَّةٍ تفاعلت للأسف مع مرامي السُّلطة؛ تحقيقًا لمصالح ضيقةٍ لأقلامٍ سوداء، تمثِّل أقليَّةً ضئيلةً ضالَّة في بحرٍ من أبناء الوسط الإعلاميِّ الشُّرفاء. إنَّ الإخوان المسلمين يثقون في جماهير الشعب المصري والأمة العربية والإسلامية، وإن هذه الجماهير لديها من الوعي والذكاء الاجتماعي وفهم الواقع ما يجعلها تفرق بين الصالح والطالح، بين الطيب والخبيث، وإن الإخوان يبذلون عن طيب خاطر من مقدَّرات حياتهم وأقواتهم وحرياتهم ثمنًا لإصلاح حال الوطن ونهضة الأُمَّة. فليس في تاريخ الإخوان المسلمين ما يُشير إلى تطرُّفٍ أو إلى نزعة عدم وطنيَّة أو نزعةٍ ذاتيَّةٍ، وليس من الإخوان المسلمين من اتُّهِمَ في قضايا فسادٍ أو انتهاكات حقوق إنسانٍ أو في قضايا خيانةٍ عظمى، بل إنَّ خصومهم هم من ينهبون ويفسدون ويضيِّعون ثروات الأُمَّة, وهم الأولى بأنْ يُحاكَمُوا على جرائمهم هذه. إنَّ استثناء الإخوان المسلمين ومحاولة إقصائهم من العمل العام والحياة السِّياسيَّة؛ لا يجلب للوطن والأُمَّة سوى التَّراجُع والمزيد من الخسارة. إنَّ الإخوان المسلمين يمثلون ركيزةً أخلاقيةً وإيمانيةً لازمةً وضروريةً لتماسك ومناعة وأمن واستقرار المجتمع الذي يعيشون فيه. وعلى الرغم من ذلك تُشَنُّ الحرب على الإخوان ويُزُجَّ بالآلاف منهم في السجون، وتتعطل الدِّيمقراطيَّة والتَّنمية، ويتم تشويه سمعة مصر في الخارج؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ومُمارسات النِّظام التَّعسفيَّة ضد كلِّ منافذ العمل الوطني، غير أننا ماضون على درب هذه الدعوة مهما كانت العقبات. واجب الوقت إنَّ ما يجري من مؤامراتٍ يفرض على الجميع أنْ يعمل على شحذ الهِمَمِ، وأنْ يتصدَّى بكلِّ عزم للفساد والقهر والظلم والعدوان، مهما كانت صوره، والشُّعوب بقواها الحيَّة لديها من الطَّاقات الكامنة التي إذا امتلكت إرادة الفعل، ما يجعلها قادرةً على إحداث التغيير المنشود، وأن ذلك ربما يتطلب منها بذلاً وعطاءً وتضحية وفداء. وفي النهاية نقول لرفقاء درب الإصلاح عامةً وللإخوان خاصةً: إن أمتكم على أعتاب مرحلة جديدة، وإن سعي الناس شتَّى، فأما من ثابر وصبر فتلك شيم أصحاب الدعوات الإصلاحية، يستصغرون في سبيل الحق كلَّ ابتلاء مهما كان ألمه، ونذكِّر بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11). أيها الإخوان.. مطلوب منكم مزيدٌ من تلاحم الصف، وحسن صلتكم بربكم، ونشاط يعمُّ القاصي والداني؛ حتى يعلم كل صاحب لبٍّ حقيقة دعوتكم، فتجمع روحكم شتات الأماني، ويواجه حماسكم طوفان اليأس الذي يسعى الاستبداد لزرعه في نفوس أمتكم.. وليكن نصركم لإخوانكم في سجون الظلم ألاَّ تتقهقر مسيرتكم في العمل على إظهار الحقائق للأمة، شارعين في وجه رياح الظلم قول رب العزة جل وعلا: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران: 172)، وإنما النصر صبر ساعة وما ذلك على الله بعزيز. والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، والحمد لله رب العالمين |
رد: مقالات بقلم المرشد العام للأخوان
رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد. فإن الصراعَ بين الحق والباطل قديمٌ وممتَدٌّ، وإن وضوحَ الحق وقوةَ حجته من أهم الأسباب التي تدفع خصومَه إلى منع دعاته من الإعلان عنه والتحرك به؛ خوفًًا من انجذاب القلوب إليه وتعلُّق النفوس به، ولهذا يلجؤون إلى سلاح العزل والفصل بين الدعاة وبين جماهير الناس ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، سواءٌ عن طريق الحبس والاعتقال، أو عن طريق القتل والاغتيال، أو عن طريق التشويه والتشويش والاحتيال، ولا يزال مكرهم مستمرًّا متكررًا ﴿وَإِذْ يَمْكرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِين﴾ (الأنفال: 30). ولكن ثقةَ الدعاة بربهم، وإيمانَهم الكاملَ بدعوتِهم، ويقينَهم بسموِّ مبادئِهم، وإخلاصَهم لأوطانِهم وبني جلدتهم، وصفاءَ علاقتهم بالمخلصين من أمتهم؛ هي عدَّتُهم في مواجهة الشدائد ومغالبة المصاعب والعوائق، وهم يوقنون أنه لا يحيق المكرُ السيِّئُ إلا بأهله، وأن هذا الصراعَ محتومُ النهاية معلومُ العاقبة.. ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيز﴾ (المجادلة: 21). أيها المجاهدون خلف أسوار الاستبداد والقهر والظلم.. إن الاعتداءَ على حرياتكم، والانتقاصَ من حقوقكم، ومصادرةَ أرزاقكم، وتغييبَكم عن أهلكم وأحبَّائكم؛ إنما هو محاولةٌ لمنعكم من الإسهام في إنقاذ أمتكم، فلقد أراد الله أن تستيقظوا وغيرُكم يغِطُّ في نومه، وأن تؤمنوا وسواكم يَهيم في شكِّه، وأن تأملوا ومَنْ دونكم قد تغشَّته سحابةُ اليأس، وأن تتجمَّعوا وغيرُكم قد تشقَّقت عصاه واختلف أمرُه، وأن يلتفَّ الناسُ حولكم، وتنتهي الثقةُ إليكم، ويحُفُّ الأملُ بكم، حين فقد الناسُ أملَهم وثقتَهم، ووجدوا فيكم المنقذَ من الفساد، ورأَوا في دعوتكم طوقَ النجاة من الذلِّ والانكسار، فمنحوكم ثقتَهم، ووضعوا فيكم أملَهم. وشاء الله أن تمر بكم وبالأمة عواصفُ من الظلم، مزَّقتْ من غيركم من الأحزاب والهيئات ما شاء الله لها أن تمزِّق، ولكنها تمرُّ بكم أنتم، فتُقوِّي ولا تُضعِف، وتُثبِّت ولا تُزعزِع، وتزيدكم إيمانًا بنصر الله وثقةً برعايته؛ لأنكم بالحق تنطقون، ولدعوة الله تعملون، فأنتم لذلك على عينه تُصنَعون ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ (الطور: 48). وقد أراد الله أن يظهر أمرُ دعوتكم، فلم تقِف عند حدود مصر، بل جاوزتْها إلى عشرات الأقطار والبلدان، وانفتحتْ لها قلوبُ مئات الملايين من المسلمين والأحرار في هذا العالم؛ بما تحمِله من سُمُوٍّ ونُبلٍ وأخلاقٍ كريمةٍ، وبما تشتمل عليه من مبادئ العدل والحرية والإنصاف والمساواة والإنسانية وحب الأوطان، والتفاني في خدمة الناس، ابتغاءَ وجه الله بلا مَنٍّ ولا أذىً. ثم كان موقفُكم الرائعُ والمشرِّفُ في مواجهة العدوان الصهيوني الفاجر على أهل غزة، فتقدَّمتم لإغاثتهم حين نكَص غيرُكم على عقِبه، وواصلتم الليل بالنهار في إعانة المظلومين المحاصَرين، في جهاد لا يَعرِف الكلل أو الملل، قدَّرتْه لكم جماهيرُ الأمة وقُواها الحية وكلُّ أحرارُ العالم، حتى نصر الله إخوانكم في غزة، وأبطل كيد المجرمين، فـ﴿لاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 139). ولم يكن ذلك كلُّه ليمرَّ على قوى الشرِّ والبغي في الخارج وقوى الفساد والاستبداد في الداخل؛ من غير اجتهادٍ في تعويق مسيرتكم، ودَأَبٍ في تشويه دعوتكم، ومن ثَم لجؤوا إلى هذه الحملة الظالمة المضلِّلة، التي اشترك في تنفيذها جهازُ أمن النظام مع تابعيه من المنسوبين إلى الصحافة والإعلام، في مسعى واضحٍ لتحقيق أهداف صهيوأمريكية غربية من جهة، وأهداف سياسية ضيقة من جهة أخرى أما الأهداف الصهيونية الأمريكية الغربية، فتتمثل في أمرين أساسيين: أولهما: تصفية القضية الفلسطينية.. من خلال إحكام الحصار على رموز العزة في غزة الصامدة، ومنْعِ الأمة من نجدتهم أو تخفيف معاناتهم؛ حتى يستسلموا للمشروع الصهيوني، وهذا ما لن يقبل به الإخوان المسلمون، ولن تقبله الأمة على الإطلاق. أليس من المضحك المبكي أن جمع التبرعات لصالح الشعب الفلسطيني وتقديمها من خلال لجان الإغاثة الإنسانية العربية والعالمية، ومن خلال الهلال الأحمر المصري؛ صار عند حكومة مصر سببًا للاتهام والتجريم، بدلاً من أن يكون سببًا للافتخار والتكريم؟! أليس من المبكي أن تسمح الحكومة المصرية بمرور المدمِّرات الصهيونية عبْر قناة السويس، وفي ذات الوقت تُغلق معبر رفح في وجه أهل غزة المحاصرين؟! أليس عجيبًا ألا يتحرك أحد من الحكام العرب بجديَّة لرفع الحصار الظالم، وحين يتحرك بعض الأحرار من الأوروبيين لكسره، يتمُّ تعويقُهم ومماطلتُهم، فلا يدخلون إلا بعد معاناة وإرهاق؟! فهل يجيبنا أحد.. لحساب مَنْ تقوم الحكومةُ المصريةُ بهذا الدور؟ ولمصلحة مَنْ تعاقِب الذين رفعوا رأسَ مصر عاليًا ووقفوا إلى جانب المضطهدين من إخوانهم؟! لقد صار واضحًا أن الحكومة المصرية بما اخترعته ممَّا يسمَّى بقضية "التنظيم الدولي" إنما تريد منع الإخوان من التصدي للمخطط الغربي الصهيوني لابتلاع فلسطين وتصفية قضيتها، وتريد منع غيرهم من أن يحذو حذوهم في التصدي للمشروع الصهيوني؟! اطمئنوا أيها الأحرار خلف الأسوار.. إن الإخوان المسلمين، ومعهم كلُّ الأحرار في الأمة وفي العالم، مستمسكون بمشروعِهم الحرِّ الرافضِ للمشروع الغربي الصهيوني، ولن يقبلوا بهذا الغرس الشيطاني في فلسطين المباركة، ولن يتوقفوا عن دعم صمود المقاومة والمجاهدين في فلسطين، ولن يتوقف سيلُ الإغاثة للشعب المظلوم في غزة وفي عموم فلسطين؛ حتى تقوم دولة فلسطين الحرة على كامل تراب فلسطين بإذن الله.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21). الهدف الغربي الثاني: هو تمرير المشروع القِيَمي الغربي القائم على التفلُّت من الأخلاق والدين، ونشر الإباحية والشذوذ، ومحو هويَّة الأمة الحضارية والثقافية، وتمرير مقرَّرات مؤتمرات السكان الهادمة للأسرة والمفسِدة للأمة، وهم يدركون أن الإخوان- ومعهم كل مسلم غيور كريم- يقفون حجرَ عثرةٍ أمام هذا المشروع الساقط، ولهذا يعملون على عزلِ الإخوانِ عن ساحةِ التأثير في وعي الأمة، ويعملون على تشويه أهدافهم والتشويش على مقاصدهم. ونحن نؤكد لكم- أيها الشرفاء- أن الإخوان لن يسمحوا بالعبث بأخلاق الأمة وهويَّتها وخصوصيتها الحضارية، وأنهم مستمرون في مشروعهم الإسلامي الراقي، الذي يحظَى بتأييد أغلبية الأمة، ولن يتنازلوا عن شيءٍ من دينهم ومبادئهم بحال من الأحوال، وهم على يقينٍ من توفيق الله لهم، ومن تجاوب الأمة معهم. وخيرٌ للغربيِّين أن يُعيدوا النظر في مواقفهم، ويُعيدوا بناء مواقف عادلة تجاه الأمة، وألا يقفوا في مواجهة دعوة تحمل الخير والسلام والأمن للبشرية جمعاء، وأن يُحسنوا مدَّ جسور الحوار الصحيح مع الأمة؛ بدلاً من الاعتماد على الضغط على الأنظمة المعزولة عن الشعوب. موقفنا من النظام.. وأما النظام الحاكم الذي ارتَضَى أن يخضع للضغوط الصهيوأمريكية، والذي يرى في انتشارِ دعوتِكم والتفافِ جماهيرِ الأمة حول رايتكم تهديدًا لمشروعه القائم على التبعية والاستبداد والفساد؛ فإننا نؤكد الحقائق التالية: - أن الإخوان يدركون واجبهم نحو أمتهم، ولن يتخلَّوا عن مشروعهم الإصلاحي الذي تجاوبت معه الأمة، والقائم على التعبير السلمي البعيد عن العنف المادي أو المعنوي، والداعي إلى مشاركة كافة أبناء الأمة وطوائفها دون استثناء أو إقصاء، والمستند إلى مبادئ الحرية والعدالة والمساواة. - أن الإخوان المسلمين لم يكونوا يومًا- ولن يكونوا بإذن الله- منافسين لأحدٍ على مناصب وكراسيّ ومتاع زائل، وأنهم كما عهدتهم أمتهم لا يبتغون سوى خدمة أمتهم، والعمل على رفعتها ورُقيِّها والنهوض بها؛ لتستعيد مكانتها وموقعَها على المستوى الإقليمي والدولي، وإنهم لن يدَّخروا في سبيل ذلك جهدًا ولا مالاً، ولن يتردَّدوا في تقديم كافة التضحيات من أجل مصر العظيمة. - أن الإخوان المسلمين لن يتغيَّروا ولن يتخلَّوا عن منهجهم السلمي، كائنةً ما كانت الاستفزازاتُ التي يتعرَّضون لها، فوحدةُ الأمة وأمنُها القوميُّ والاجتماعيُّ وعدمُ انكشافها أمام الصهاينة المتربِّصين؛ هو خيارُ الإخوان، مهما كان الثمن الذي يدفعونه من دمائهم وأقواتهم وحرياتهم. - أن الإخوان يتوجَّهون بمشروعهم الإصلاحي للأمة وللنخب الحرة فيها للتعاون في إنقاذ سفينة الوطن من الفساد الذي طال كافة المؤسسات، وللوقوف في وجه الاستبداد الذي أهدر كرامة الأمة وقوَّض عناصر القوة فيها، والذي يسعى لتعطيل كل شيء نافع في هذا الوطن العزيز، بدءًا من العمل الأهلي الخيري التطوعي، وحتى إغاثة المنكوبين من إخواننا في فلسطين. - أن الإخوان المسلمين سيبقون على الدوام مستعدِّين للتعاون مع كلِّ الشرفاء وجاهزين للحوار حتى مع مَن ظلمَهم، لكل ما فيه مصلحة هذا الوطن الغالي، الذي لا يستحق ما يجري له من تقزيم وإفساد، ونرى أن على العقلاء في الحزب الوطني والحكومة- وهم كثرٌ- أن يكون لهم دورٌ في وقف هذا الاندفاع إلى السقوط والهاوية الذي يُجَرُّ إليه الوطنُ جرًّا، وسنظلُّ نمدُّ بالخير للجميع أيديَنا، ونرفع بالدعاء إلى الله أكفَّنا: أن يحفظ بلادنا، وأن يهدي إلى الخير حكَّامنا، وأن يهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا. والله أكبر ولله الحمد.. وصلى الله على سيدنا محمد، النبيِّ الأميِّ، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين. |
رد: الرسائل الاسبوعية للمرشد العام للاخوان(متجدد)
في ذكرى تحويل القبلة المسجد الأقصى يستصرخ المسلمين لتحريره من الصهاينة [18:38مكة المكرمة ] [06/08/2009] http://www.ikhwanonline.com/Data/2009/4/16/img7.jpg رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين الحمدُ لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. يقول الله تعالى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)﴾ (البقرة :142). وعن البراء رضي الله عنه: "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت، وإنه صلَّى- أو صلاها- صلاة العصر وصلَّى معه قوم فخرجَ رجلٌ ممن صلّى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت..". البخاري. لقد أكمل الله نعمته على الأمة الإسلامية بهذا التحول، وأضحت مستقلة المعالم في كل شيء، وبهذا التوجيه كمل ربط قلوب المسلمين بأماكن الله المقدسة، ببيت المقدس وإقليمه، والكعبة وإقليمها، ومن هذا الربط إيحاء بالمحافظة على تلك الأماكن المقدسة، وبالتضحية في سبيل تطهيرها من عبادة غير الله، ومن كل سلطان غير سلطان المسلمين. لقد أيقن المسلمون بهذا التحويل أن الله مستخلفهم في الأرض لينظر كيف يعملون، وتأكدوا- في حينه وقبل فتح مكة وقبل دخول المسجد الأقصى- بأن المسجد الحرام بمكة سوف يطهرونه من الأوثان والأصنام، وأن بيت المقدس سوف يكون وما حوله تبعًا للبيت الأعظم، وأن رسالة الإسلام سوف تسري في الآفاق، ويمتد نورها إلى تلك البقاع. بالإيمان والعمل يتحقق الأمل: وقد حقق الله لهم تلك الآمال بإيمانهم وعملهم وجهادهم فطهروا المسجد الحرام من الأصنام يوم فتح مكة، وبإيمانهم وجهادهم فتحت القدس وبإيمانهم وعملهم أعيد المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين في عهد صلاح الدين. واليوم كأني بالمسجد الأقصى ينادي أمة الإسلام أن خلصوني مما أنا فيه، ومن أيدي الصهاينة الذين يعملون على طمس معالم القدس وعلى تهويدها، كما يسعون في هدم المسجد الأقصى المبارك بحفر الأنفاق من تحته، والخنادق من حوله، حتى يهدموه ويقيموا الهيكل المزعوم على أنقاضه. فهل ينتفض الحكام المسلمون ومن خلفهم شعوبهم ويستجيبون لنداء الأقصى ويهبون للدفاع عن القدس وبيت المقدس وتخليصه من الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدره.. وبالإيمان والعمل والجهاد في سبيل الله سوف تكون لهم الكلمة النافذة في تحديد مصير القدس وفلسطين، وسوف تعود فلسطين حرة في ظل الإسلام العظيم يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، ولا يبقى للصهاينة سلطان ولا هيمنة على تلك الأرض المباركة. تحويل القبلة يعمق جذور الإخلاص والتجرد: وإن في تحويل القبلة حكمة من الله بالغة أراد بها أن تخلص النفوس المؤمنة له؛ وأن تتخلص من كل رواسب ووشائج كانت قبل الإسلام، وأن ينفرد في حسها شعار الإسلام وحده، لا يلتبس به شعار آخر، وأن يتوحد المصدر الذي تتلقى منه لا يشاركه مصدر آخر، وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ (البقرة: من الآية 143). فلقد كان العرب يعظمون المسجد الحرام، فأراد الله- عز وجل- أن يجرد إيمانهم من كل ملابسة تاريخية وعصبية قومية، فلما أسلموا لله صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام، وربط قلوبهم بحقيقةٍ أخرى وهي: أن هذا البيت ميراثهم؛ وأنهم خير أمة أخرجت للناس وأنهم الأمة الوسط الشاهدة على الناس: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143). وما أعظم استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله فلم ينتظروا حتى يتموا صلاتهم.. وإنما تحولوا في الحال حيث أراد الله لهم.. وهكذا شأن المسلم الصادق يدور مع أمر الله حيث دار، وحيثما اتجه فوجهته نحو الله: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)﴾ (البقرة: 115). وهنا نتساءل أما آن للأمة الإسلامية أن تسارع في استجابتها لربها، وأن تولى وجهها نحو خالقها دون سواه، بأن تخلص لربها وشرعه، وأن تتجرد لعقيدتها، وتنخلع مما سواها من العصبيات البغيضة والقوميات المفرقة والأجناس المتنازعة لتصير كما أراد الله لها أمة واحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)﴾ (الأنبياء). أيها المسلمون في كل مكان: احذروا مما يخطط له الصهاينة الآن بخصوص المنطقة العربية وفلسطين فإنهم يدفعون بالحكام للضغط على شعوبهم لقبول السرطان الصهيوني في قلب جسم الأمة العربية والإسلامية، والاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة قومية لليهود، وأن يتم الإعلان عن إنهاء الصراع إلى الأبد بين إسرائيل والعرب، وأن تكون الدويلة الفلسطينية الموعودة ذات الحدود المؤقتة منزوعة السلاح، وأن يكون التطبيع إقليميًّا شاملاً، وأن تحل قضية اللاجئين بعيدًا عن الكيان الصهيوني المغتصب لأرض العروبة والإسلام، وهذه أوهامهم. فكيف يُنهى الصراع إلى الأبد والمحتل لا يزال غاصبًا للأرض، وصاحب الأرض ما زال طريدًا بعيدًا؟ وهل الأشلاء الممزقة بالحواجز والجدار العازل والمستوطنات هي الدولة الموعودة؟ وهل في العالم دولة منزوعة السلاح بجوار كيان غاصب يملك الأسلحة النووية؟ لقد منح الزعماء العرب الصهاينة صك الشرعية فيما لا يملكون ودون أن يستأذنوا أصحاب الأرض، وقد آن الأوان ليدرك هؤلاء الزعماء أنه لا الأمم المتحدة ولا غيرها يملك أن يجعل من الباطل حقًّا.. وأن أصحاب الحق لا يهدءون إلا باسترداد حقهم مهما طال الزمن. وأن الصراع في المنطقة ليس بين الفلسطينيين والصهاينة، ولكنه بين المسلمين في كل أنحاء العالم.. وبين الصهاينة ومن حالفهم. وأن تخاذل الحكام عن نصرة إخوانهم في فلسطين لن يمنع الشعوب المسلمة من نصرة إخوانهم، والوقوف بجانبهم. وأن كل القوانين والأعراف والدساتير لا تمنع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم. وأن المقاومة حق مشروع، وأن مقاومة أصحاب الحق لا يقف أمامها الباطل مهما قويت أسلحته.. ومهما ساندته قوى الأرض مجتمعة. وأن للمسلمين في فلسطين مسجدًا تشد إليه الرحال وهذا يفرض على الحكام المسلمين بل وعلى سائر المسلمين أن يعملوا بكل الوسائل لاسترداد فلسطين والمسجد الأقصى، وأن يجاهدوا بكل السبل لفرض سلطانهم على فلسطين؛ حتى يتمكن المسلمون في كل أنحاء المعمورة من أن يشدوا إليه الرحال كما يشدونها إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي تحقيقًا لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومسجد الأقصى". البخاري. أيها المسلمون الصادقون المرابطون على الثغور.. لقد تجمع اليهود من شتات الأرض باسم حق مزعوم في هيكل موهوم، وأقاموا لهم دولة على مقدساتنا، فهل آن الأوان لتجتمع كلمة المسلمين وتتوحد على حقهم المؤيد بآيات من كتاب الله وبأحاديث من هدي رسول- صلى الله عليه وسلم- وبأسباب الاتحاد بينكم وهي كثيرة، فربكم واحد ورسولكم واحد وكتابكم واحد وقبلتكم واحدة، فاعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا وجددوا إيمانكم وأخلصوا في عبوديتكم لله واستجيبوا لله ورسوله إذا دعاكم لما يحييكم، ولا تخجلوا أو تخافوا من وصمكم بالإرهاب حين تجاهدون في سبيل الله لاسترداد حقكم المغصوب، واعلموا أن الجهاد سبيلكم لخروج المحتل من أرضكم، وعودة مقدساتكم، ونشر الأمن والأمان في ربوع دياركم.. كما أنه الطريق لنيل مرضاة الله، والتمتع بالحياة العزيزة الكريمة. واحذروا أيها المسلمون حكامًا ومحكومين مما يكيده لكم الأعداء إنهم يعملون على توسيع الهوة بينكم كما يعملون على تأجيج نار الصراع بين القوميات المختلفة وإشعال الحروب فيما بينها ليفني بعضهم بعضًا، ويهلك كل منهما الآخر، ولا عاصم لكم من ذلك إلا بقتل هذه العصبية الملعونة، وأن يحل محلها أخوة الإسلام ورابطة الدين، بها نتعانق فننهي الخصومة، وبها نتواد ونتراحم فنطفئ نار العداوة، وبها نتعاطف ونتعاون فنبني أمتنا ونصنع نهضنا ونستعيد مكانتنا، وبها نقف صفًا واحدًا أمام كيد الأعداء ومؤامراته فنحبطها ونردهم على أعقابهم خاسئين.. وبذلك نتمكن من رفع راية الإسلام، ونشر مبادئ الحق.. الذي يخلص البشرية من الظلم والطغيان والاستبداد والفساد، ونشر العدل والرحمة والحرية والمساواة بين البشرية جمعاء دون تفريق بجنس أو قومية أو لون أو طبقة، وإنما الكل سواء في ظل الإسلام.. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء). |
رد: الرسائل الاسبوعية للمرشد العام للاخوان(متجدد)
جزاك الله خيرا
اخي وحبيبي ابو مصعب دمتم وبارك الله فيكم تقبل مروري |
رد: الرسائل الاسبوعية للمرشد العام للاخوان(متجدد)
اقتباس:
|
رد: الرسائل الاسبوعية للمرشد العام للاخوان(متجدد)
http://www.ikhwanonline.com/images/show_07.gif http://www.ikhwanonline.com/images/sections_13.gifhttp://www.ikhwanonline.com/images/sections_13.gif الأمة الواحدة في مدرسة رمضان ] http://www.ikhwanonline.com/Data/2007/9/16/u1img5.jpg رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.. فلم يزل الموفَّقون ينتهزون الفرص الثمينة للفوز بخيرَي الدنيا والآخرة، ولا يتأخَّرون في استثمار ما هيَّأ الله لهم من أسباب الخير، ولذلك تجدهم في رمضان الخير يعمُرون نهارهم بالصيام وليلهم بالقيام، ويسابقون أوقاتهم وينافسون إخوانهم في الذكر والقرآن والطاعات، مستجيبين لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، فِيهِ خَيْرٌ يُغَشِّيكُمُ اللهُ فِيهِ، فَتُنَزَّلُ الرَّحْمَةُ، وَتُحَطُّ الخَطَايَا، وَيُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ، فَيَنْظُرُ اللهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلَائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" (الطبراني). وإذ يتقدم الإخوان المسلمون بالتهنئة للأمة في مشارق الأرض ومغاربها بمطلع هذا الشهر الكريم، ويدعونهم للاستفادة من (مدرسة الثلاثين يومًا)؛ فإنني أشير إلى بعض دروسها المباركة، لعل الله ينفع بها: 1- رمضان شهر الصوم عن المعاصي يدرك أصحابُ العزائم القوية أن الصيامَ تربيةٌ نفسيةٌ ساميةٌ، وتدريبٌ راقٍ على الصبر وكظم الغيظ، وأنه ليس المقصودُ من تشريع الصيام نفسَ الجوع والعطش، بل ما يتبعه من قوةِ الإرادة والسموِّ الأخلاقي والروحي، وكسرِ الشهوات، وتطويعِ النفسِ الأمَّارةِ بالسوءِ للنفسِ المطمئنَّة؛ بمعنى أنه وقايةٌ وحِصنٌ من الوقوع في المعاصي، وواقٍ لصاحبه مما يؤذيه من الشهوات ومن ممارسة شيءٍ من الأقوال أو الأفعال غيرِ اللائقة، وإن اعتدى غيرُه عليه بقوله أو بفعله، على حد قوله صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِم" (متفق عليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أَعِفُّوا الصِّيَامَ؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَلا مِنَ الشَّرَابِ، وَلَكِنَّ الصِّيامَ مِنَ المَعَاصِي، فَإِذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فَجَهِلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَوْ شَتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَاِئٌم" (الطيالسي)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَعَرَفَ حُدُودَهُ، وَتَحَفَّظَ مِمَّا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ كَفَّرَ مَا قَبْلَه" (صححه ابن حبان). فإذا لم يحصل ذلك فإن الله لا ينظر لهذا الصيام نظرَ القبول، على حد قوله صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ- أو كَمْ مِنْ- صَائِمٍ حَظََُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الجُوعُ والْعَطَشُ، ورُبَّ- أو كَمْ مِنْ- قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ" (أحمد وصححه ابن خزيمة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (البخاري)، وبذلك ينصحنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه فيقول: "إذا صمتَ فلْيَصُمْ سَمْعُك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمَحارم، ودَعْ أذى الخاصة، ولْيَكُنْ عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صيامك، ولا تجعلْ يومَ فطرِك وصومِك سواء". فتخيَّل معي كيف يكون حالُ الدنيا لو أن هذا الصومَ الذي أراده الله تحقَّق في حياة الناس أجمعين، أو حتى في حياة المسلمين، فطهَّر النفوس من رذائلها وفسادها، وتعهَّدها بمكارم الأخلاق في رحلةٍ تدريبيةٍ سنويةٍ، مُدّتُها ثلاثون يومًا، تمدُّ القلب بزاد الصبر والثبات والعزم وقوة الإرادة، وتحقق فيه معنى التقوى التي جعلها الله غايةً لهذه الفريضة المباركة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183). فهل يلتفت لهذه المعاني أصحابُ القلوب المؤمنة الحية، فينسجون على منوال أسلافهم من الصالحين، ويملؤون الدنيا نورًا وسلامًا وبركة، ويشيعون فيها أخلاقَ الطُّهْرِ والصفاءِ، وقِيَم الحق والعدل والإخاء، حتى يتحقق لهم النصر والعزة والتمكين؟! وهل يلتفت لتلك المعاني أولئك الذين جعلوا همَّهم نصرةَ الباطل، وقولَ الزور، ورميَ البرآء بالعيوب، واضطهادَ المصلحين، فيراجعون أنفسَهم ومواقفَهم، ويصحِّحون خطأَهم ومنطلقاتِهم، ويمدُّون أيديَهم للتعاون مع المخلصين؛ ليتحقق للأمة ما يليق بها من مكانةٍ لائقةٍ في عالم الناس. 2- رمضان شهر الوحدة والتعاون الوحدة هي شعار هذه الأمة ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ (الأنبياء: من الآية 92)، وشريعة الإسلام الغراء تحرص على تحقيق هذه الوحدة بكل سبيل، والناظرُ إلى العبادات التي فرضها الله على عباده يدرك بيقينٍ أنه يجعل وحدة العبادة وإخلاص العبودية لله أهمَّ سبيل لتحقيق وحدة الأمة، وللصيام من ذلك نصيب كبير، فالجميعُ يبدأ صومَه مع صيحة المؤذِّن للفجر، ويتناول إفطارَه مع صيحته للمغرب، والجميعُ يتحرك لإحياء الليل بالقيام، فضلاً عما يقتضيه الصومُ من توحيد المشاعر والأفكار، يقول الرافعي رحمه الله: "هذا الصومُ فقرٌ إجباريٌّ، تفرضه الشريعةُ على الناس فرضًا؛ ليتساوى الجميعُ في بواطنهم، سواءٌ منهم مَنْ ملك المليون من الدنانير، ومَنْ ملك القرش الواحد، ومَنْ لم يملك شيئًا.. فقرٌ إجباريٌّ يُرَادُ به إشعارُ النفس الإنسانية بطريقةٍ عمليةٍ واضحةٍ كل الوضوح أن الحياة الصحيحة وراء الحياة، لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمِّها حين يتساوى الناسُ في الشعور، لا حين يختلفون، وحين يتعاطفون بإحساس الألم الواحد، لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة، وبهذا يضع الإنسانيةَ كلَّها في حالةٍ نفسيةٍ واحدةٍ، تتلبس بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، ويطلق في هذه الإنسانية كلها صوتَ الروح، يُعَلِّم الرحمةَ ويدعو إليها، فيُشْبِع فيها بهذا الجوع فكرةً معينة هي كلُّ ما في الاشتراكية من الحق". وكم هي ماسّةٌ حاجةُ أمتِنا لهذه المعاني الجليلة في هذه الأيام التي تطاول فيها الأعداءُ، وكثُر فيها السفهاءُ، ولم تسلم فيها الأيدي الآثمةُ- وإن كانت مسلمةً أحيانًا- من الدماء المسلمة في مواطن كثيرةٍ وعزيزةٍ من جسد الأمة، في فلسطين قلب العروبة والإسلام، وفي يمن الإيمان والحكمة، وفي عراق التاريخ والحضارة، وفي سودان الخير، وفي القرن الإفريقي في الصومال، وفي أفغانستان، وباكستان، وتركستان الشرقية، وغيرها على امتداد رقعة أمتنا الإسلامية المحروبة. ولهذا فإن الإخوان المسلمين يحدوهم الأمل أن يكون رمضانُ هذا العام عنوانًا لانطلاق تعاونٍ إسلاميٍّ وعربي لتوحيد الموقف إزاء كل القضايا التي تشغلنا، ولحقْن تلك الدماء التي تسيل وتضميد تلك الجروح التي تنزف، ورأْب تلك الصدوع التي فرَّقت بين أبناء الوطن الواحد، وباعدت بين أبناء القطر الواحد والأمة الواحدة، ويتوجه الإخوانُ بالنداء إلى كل حرٍّ أصيلٍ من صُنَّاع القرار على امتداد عالمنا الإسلامي؛ أن يُسهِم بما استطاع في الإصلاح بين الأشقاء المتخاصمين، والتقريب بين الفرقاء المتباعدين، والعمل على تشكيل موقف عربي وإسلامي موحَّد يعيد للأمة هيبتها وعزتها ومكانتها في العالمين. 3- رمضان شهر الأمل ومواجهة اليأس في هذا الشهر المبارك حصلت الانتصارات الكبرى في تاريخ الأمة، بدءًا من "يوم الفرقان" و"فتح مكة" حتى نصر "العاشر من رمضان" على الصهاينة، وتحرَّرت الإرادةُ المسلمة من عُقَد الخوف واليأس والقنوط، وأدركت أن الصبر مفتاح الفرج، وأن مع العسر يُسْريْن؛ أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ (القمر: 45)، فَقَالَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ جَمْعٍ؟ ذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَانْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ، نَظَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي آثَارِهِمْ مُصْلِتًا بِالسَّيْفِ، يَقُولُ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾، وَكَانَتْ لِيَوْمِ بَدْرٍ... الحديث (الطبراني). لم يكن أكثرُ القرشيين تشاؤمًا يتصور أن جمعَهم سيولِّي الأدبار، وأن مكةَ المكرَّمةَ ستُفْتَح على المهاجرين والأنصار، وأن كلمةَ الله ستعلو بعد أن كان محمد صلى الله عليه وسلم يختبئ في غار، ولكنَّ المؤمنين الصادقين كانوا ينتظرون تحقيقَ موعودِ الله لهم بالنصر، ويوقنون بتحقُّقِه على كل حال، بعد أن قال لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الدِّينُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ والنهار، حَتَّى يَدْخُلَ بَيْتَ الْمَدَرِ، وَبَيْتَ الْوَبَرِ، حَتَّى يُعِزَّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلامَ، وَيُذِلَّ الْكُفَّارَ" (الطبراني)، كما لم يكن أكثرُ الصليبيين تشاؤمًا يتوقَّع أن يخرج من بلاد الشام، فضلاً عن بيت المقدس، بعد أن عَلَوْا فيها عقودًا من الزمان، لكنَّ صلاحَ الدين ومَنْ وراءه من جند الإيمان كانوا مُفْعَمِين بالأمل القويِّ في تطهير بيت المقدس وعموم بلاد الشام من كل أثر لأولئك المعتدين، وقد تحقق ذلك كله في رمضان. ولا يزال رمضانُ والصيامُ يعمل عمله في هذه الأمة التي استعصت على الذوبان، ولا تزال (مدرسة الثلاثين يومًا) تُخَرِّج الأحرارَ الذين لا يبالون بما يَلْقَوْن في سبيل نشر دينهم وعزَّة أوطانهم، ويَكُفُّون عن الشرِّ أيديَهم وألسنتَهم، على الرغم مما يجدون من ظلم ذوي قرباهم وأبناء جلدتهم من الحكام المستبدين وبعض الكتاب غير المنصفين وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً على النفس من وَقْعِ الحُسام المهنَّد ولا تزال ذاتُ المدرسة تُخَرِّج الأبطالَ الذين يقارعون العدو ويَقْرَعونه، من "كتائب القسام" و"سرايا القدس" و"كتائب الأقصى"، وغيرهم من المجاهدين الذين لم ينقطع أملُهم وأملُ الأمة معهم يومًا في نصر الله والفتح، وإنهم لعلى موعدٍ جديدٍ مع دورةٍ تدريبيةٍ جديدةٍ في مدرسة الصيام، تزداد بها روحُهم إشراقًا وأَلَقًا، وإرادتُهم تصميمًا وعزمًا، ونفوسُهم ثقةً وأملاً في النصر العزيز ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء:51). ولا تزال مدرسة الثلاثين يومًا تمدُّ أهلها والملتحقين بها بالدروس النافعة، ولنا عودة إلى بعضها إن شاء الله. كلمة إلى أهل غزة الصامدين أهنئكم وأهنئ كل شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج بالشهر الكريم، وأسأل الله أن يجعل لكم ولكل المظلومين فيه فرجًا ومخرجًا، وأن يجتمع شملُكم جميعًا في الدولة الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وكم ساءنا وساءَ كلَّ حرٍّ غيورٍ ما جرى من أحداثٍ مؤسفةٍ في رفح، وتمنَّينا لو أنَّ السلاح الذي رُفع في هذه الفتنة كان موجَّهًا إلى نحور الصهاينة، ولو أن الدماءَ المسلمة التي سالت كانت قربانًا للنصر على الاحتلال وعُربونًا مقبولاً لإعلان الدولة الحرة على كامل التراب الفلسطيني، ولكن أبى شياطينُ الإنس والجن إلا أن تُطِلَّ الفتنةُ بقرنها، وأن توقَظ من نومها، وأبى اللهُ والمؤمنونَ إلا قطعَ دابرها ووأْدَها في مهدها. وإني أتوجه إلى أبناء شعبنا المجاهد الصامد ألاَّ يقبلوا بأن تختلطَ الأوراقُ وتلتبس الحقائقُ عليهم، وأن يحرِّروا ولاءَهم، فلا يكون إلا لله ورسوله، وأن يحرِّروا أهدافَهم، فلا تكون إلا في خدمة قضية التحرير لوطنهم، وأن يحدِّدوا عدوَّهم فلا يتجاوزوا الصهاينة ومَنْ ظاهرهم وحارب معهم، وأن يتبصَّروا ميدانَ الجهاد الحقيقي فلا يكون غيرَ الأرض التي اغتصبها عدوُّهم، وأن يحتكم الجميعُ إلى منطق الشرع والعقل والحوار، حتى لا يشمتَ بهم أعداؤُهم، ولا يُسَاءَ بهم مُحِبُّوهم وأصدقاؤُهم. وكل عام وأمتنا الإسلامية بألف خير، والله أكبر ولله الحمد وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
رد: الرسائل الاسبوعية للمرشد العام للاخوان(متجدد)
العيد الذي تنتظره الأمة حين تتحرر الأوطان [15:31مكة المكرمة ] [17/09/2009] http://www.ikhwanonline.com/Data/2009/9/15/asd28.jpg الأستاذ محمد مهدي عاكف رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين رمضان يرحل بالآمال والآلام الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد، فها هو رمضان يطوي سجله راحلاً إلى ربه، وقد كان معمورًا بآمالٍ عظام في التغيير والإصلاح للنفوس والأوطان والمجتمعات، تحقق بعضُها، وبقي الكثير مما يأمل المخلصون في تحقيقه، وهكذا تُطْوَى الأعمار، وتفنى الدهور يومًا بعد يوم، ثم يرى الإنسانُ نفسه وجهًا لوجه أمام ربه عز وجل، ليس بينه وبينه ترجمان، ويرى الحياةَ بطولها لم تكن إلا ساعةً من نهار، كما قال الله عز وجل ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ﴾ (الأحقاف: من الآية 35)، ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)﴾ (النازعات) وإذ يَطوي الشهرُ الكريمُ صفحاتِه فإنه يشهد للمجتهدين والصابرين، ويشهد على المقصِّرين والظالمين، وسوف يفتح تلك الصفحات بين يدي الله؛ ليكشف ما أحدث الخلقُ فيه من خير وشر، في يوم لا تفيد فيه ندامةُ النادمين، ولا تنفع فيه شفاعةُ الشافعين فيا تُرى ماذا سيكون حالُ الذين لم يراعوا حرمةَ الشهر الكريم، فاعتقلوا البرآءَ بغير ذنب، واغتالوا فرحةَ أطفالهم وذويهم بالعيد بغير رحمة، وصادروا أموالَهم بالباطل، واعتدوا على أحكام القضاء الواجبة النفاذ ببراءتهم، واستغلوا السلطةَ التي اغتصبوها في إهانة الأمة، وطاردوا الصائمين القائمين، ومنعوا المعتكفين، ومنعوا الأبناء أن يسيروا في جنازة أمهاتهم أو أن يتلقوا العزاء المشروع فيهم، ولم يتورعوا عن مطاردة الجنازات واعتقال من شارك فيها؟، كل ذلك في الوقت الذي سمحوا فيه للمفسدين- حتى في الشهر الكريم- أن يعبثوا بأخلاق الأمة، ويستهزئوا بثوابتها، ويحاولوا تدمير قيمها وميراثها الحضاري كونوا ربانيين لا رمضانيين أيها الإخوان المسلمون، أيها المسلمون أجمعون، يجب أن يكون لنا وقفةٌ مع انصراف الشهر الكريم، نعاهد الله فيها أن نستمر على ما كنا عليه من الخير والطاعة في رمضان، وألا نكون رمضانيين، نعبد الله في رمضان فقط، فإذا مضى رمضانُ عُدْنا للَّهو والعبث، فلقد جعل الله رمضانَ فرصةً ليتعوَّد الإنسان عاداتِ الخير ويستمر عليها من بعده، وتلك هي ثمرةُ الصوم الحقيقة التي تظهر بعد رمضان. وقد كان صلى الله عليه وسلم يداوم على أعمال الخير، ولما سُئِلَ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" (البخاري)، وكان صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ" (مسلم). كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدوامة على ما اعتاد المرءُ من الخير من غير تفريط، فقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه: "يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ" (البخاري). إذا ما المرء صام عن الدنايا فكل شهوره شهر الصيام نحن أمام اختبارٍ بعد رمضان، ينبغي أن نكون فيه عقلاء لا ننقض ما غزلنا، ولا نضيع ما بذلنا فيه جهدنا، ولا ننكث بعهد الله الذي عاهدناه، وقد نبهنا الله عزَّ وجلَّ وحذرنا من هذا السلوك الخاطئ، فقال سبحانه ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ (النحل: من الآية 92)، فلنكن ربانيين لا رمضانيين. هنيئًا بالعيد أيها الإخوان، أيها المسلمون، وإذ نودع شهر الخير والطاعات، فإننا نستقبل العيد الذي جعله الله تبارك وتعالى فرحةً للمسلمين بعد أن أتم عليهم نعمةَ الصيام، وأكملوا عدةَ رمضان، وقد قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: من الآية 185). فالحمد لله الذي أتمَّ علينا النعمة وأكمل لنا العدة، وكل عام وأمتنا الإسلامية بخير، سائلاً الله تبارك وتعالى أن يعيد هذا العيد على الأمة بالعز والنصر والتمكين، وعلى الإنسانية التائهة بالهداية والتوفيق. عِيدَ الْهَنَاءَ فَكُنْ عَلَيْنا نِعمَةً وَمِنَ الْكَرِيمِ فَجِئْنَا بِالإمْدَادِ وَاِحْمِلْ إِِلَى الأَحْبَابِ صَفوَ تَحِيَّتِي مَشْفُوعَةً بِمَحَبَّتي وَوِدَادِي وجديرٌ بنا في هذه المناسبة الكريمة أن نمد إلى إخواننا وجيراننا وأرحامنا أيديَنا بالمصافحة، وألسنتَنا بالكلام الطيب، وقلوبَنا بالحب والصفاء خالية من الأضغان والأحقاد والشحناء والبغضاء.. هذا هو جوهر العيد في الإسلام، فرحٌ بفضل الله، ووصلٌ للناس وللأرحام، وتقويةٌ لأواصر المودَّة، وتفريجٌ لهمّ المهمومين وكرب المكروبين وتيسيرٌ على المعسرين، لتكون فرحةُ العيد فرحةً شاملة للجميع. متى يكون عيدنا الحقيقي؟ ذلك عيدُنا الشرعي نقوم بشعائره؛ امتثالاً لأمر الله، واحتسابًا لما عنده، وإحياءً لشعائره. ولكن متى يكون عيدنا الحقيقي؟: - عيدنا الحقيقي هو يوم تنتصر دعوتُنا، وتنهض دولتُنا، وتعلو بنا كلمة الله في أرضه، وتزول هذه الغشاوة، وتنقشع هذه الغُمة التي تحياها هذه الأمة، وتعود لأمة الإسلام قيادتُها للبشرية، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. - عيدنا الحقيقي حين تنهض أمتنا من كبوتها، ويضع الله عنها إصرها والأغلال التي كبلتها، ويزيح عنها الاستبدادَ الذي أثقل كاهلها، وأخَّرها، وقعد بها عن مسابقة الأمم في ميدان الحضارة الفسيح. - عيدنا الحقيقي عندما يفرح المظلومون القابعون خلف أسوار الاستبداد ظلمًا وعدوانًا بغير محاكمةٍ عادلةٍ، ومن غير جرم اقترفوه، سوى أنهم قالوا ربنا الله، وأرادوا العزَّ لأمتهم، والتمكينَ لدينهم، والخدمةَ لأوطانهم وذويهم، فساء ذلك الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فحالوا بينهم وبين أداء رسالتهم، وحرموا الأمةَ من جهودهم وعطائهم، ومنعوهم من حقوقهم المشروعة، أملاً في إسكات صوتهم أو منعهم من المشاركة في بناء أوطانهم، حين يفرح هؤلاء المظلومون وذووهم بجمع الشمل ونيل حريتهم فهذا هو العيد الحقيقي. - عيدنا الحقيقي حين تتحرر فلسطينُ المباركة أرضُ الرباط، ويتحرر المسجد الأقصى الأسير، ويعود ألوف الأسرى الأبطال إلى بيوتهم وإلى أحضان أسرهم، وتقوم دولةُ فلسطين الحرةُ المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على ثرى فلسطين الطاهر. - عيدنا الحقيقي حين تتحرر أوطاننا تحررًا حقيقيًّا من كل سلطانٍ أجنبيٍّ ظاهرٍ أو خفيٍ، تحت أي مسمى وأي عنوان وأي لافتة، وحين تكون كلمةُ الأمة بيدها، وقراراتُها نابعةً من إرادتها، ومحققةً لمصالحها، وحين تتخلص من معاهدات الذل والعار التي قيدتها ومزقتها. - عيدنا الحقيقي حين يتوقف سيل الدماء النازف من جسد الأمة، وحين يتحول بأس الأمة من الحروب بين الإخوة إلى الحرب ضد أعداء الأمة وخصومها، وحين تقوم الأمة بتحقيق الوحدة الشاملة. فيا أمتنا المسلمة، ويا كل النخب السياسية والثقافية والدينية في أمتنا الإسلامية تعالوا إلى كلمةٍ سواء، أن نتكاتف لإقرار الحريات والحقوق الشرعية والإنسانية والوطنية، ومحاربة الاستبداد المدمر لقوى الأمة الحية، وأن نتعاون للتخلص من سيطرة الأجنبي والخضوع لإملاءاته، فعدوُّنا لن يريد بنا خيرًا، واسترضاءُ الأعداء لن يحقِّق لنا سوى الخسران المبين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)﴾ (آل عمران)، وكونوا على يقينٍ من نصر الله لدينه ودعوته، إذا تحرَّكت الأمة في الاتجاه الصحيح. تهنئة خاصة في ظلال هذا الواقع الذي نسأل الله أن يغيره إلى أحسن حال يتقدم الإخوان المسلمون بخالص التهنئة لعموم المسلمين، ويخصون بالتهنئة: - إخواننا الأبطالَ الذين يتعرضون للظلم في سجون المستبدين بعد محاكماتٍ مسرحية هزلية، وأقول لهم: صبرًا صبرًا فإن مع العسر يسرًا، وثقوا بأن الله لا يغفل عنكم ولا عن جلاديكم ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42)﴾ (إبراهيم). - إخواننا المعتقلين، والذين أُعيد اعتقالهم بغير حق بعد أن برَّأتهم المحاكم الطبيعية، وأكدت خلو ساحتهم من أي فعل يمكن اعتباره جريمة، ونقول لهم: صبرًا فإن حبل الظلم قصير، ولا يغترن أحد بإمهال الله للظالمين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، ثُمَّ قَرَأَ صلى الله عليه وسلم ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾ (هود) (متفق عليه). - إخواننا الأبطالَ الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني الغاصب، والمجاهدين على ثرى فلسطين الطاهرة، ونقول لهم: صبرًا فإن نصر الله قريب ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾ (غافر). - إخواننا المجاهدين بألسنتهم وأيديهم وأموالهم على امتداد ساحة الأمة الإسلامية، ونقول لهم: صبرًا فوعد الله بنصر الحق آتٍ لا ريب فيه ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾ (الروم). وأسأل الله العظيم أن يتقبَّل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن يهيئ لأمتنا من أمرها رشدًا، والله أكبر ولله الحمد. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
رد: الرسائل الاسبوعية للمرشد العام للاخوان(متجدد)
إلى الطلبة والطالبات.. في عامهم الجديد http://www.ikhwanonline.com/Data/2007/6/16/Pic722.jpg رسالة من: محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين http://www.ikhwanonline.com/Data/2007/7/30/Pic1176.jpg الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد. أنتم صناع النهضة والتميُّز لقد كتب الله ألا تنتصر الدعوات ولا تنتشر الأفكار، إلا على سواعد الشباب، وتشهد بذلك سيرةُ النبي صلى الله عليه وسلم.. يخبرنا ابْنُ عَبَّاسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ بَدْرٍ "مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا"، فَتَسَارَعَ إِلَيْهِ الشُّبَّانُ، وَثَبَتَ الشيُوخُ عِنْدَ الرَّايَاتِ. (رواه النسائي). فالشباب اليوم هم أمل أمتنا، وهم الروح التي تُحييها، وهم السواعد التي تبنيها. والطلاب خاصةً هم صنَّاع التفوق والتميُّز، وأدوات التغيير المنشود، وأسباب النهضة المأمولة، ولذلك جعل الله قلوب الشباب وعاءً للعلم، وجعل العلم مستقرًّا في قلوب الشباب، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "ما آتى الله عز وجل عبدًا علمًا إلا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب"، ثم تلا قوله عز وجل: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ (الأنبياء: 60)، وقوله تعالى: ﴿وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم: 12). فالأمة في حاجة إلى كل نجاح دراسي على أيديكم، وإلى كل رحلة علم من إبداعكم، وإلى كل تميز وتفوق في اجتهادكم، ومَن أجدر منكم يا طلاب وفيكم الطاقة المقرونة بنور العلم لتغيير مستقبل أوطاننا، وتوجيه العالم نحو طريق الحق والعدل والمساواة.. ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف: من الآية 13). أوجب واجبات الطلاب وقد طرحت عليكم من قبل عدة أسئلة، واليوم أطرحها ثانيةً، طالبًا من كل شاب وفتاة أن يرسم بإجاباته صورةً واقعيةً لواجباته؛ ليبدأ بعد الوقوف عليها في التحوُّل إلى النهوض واسترداد الحقوق: * أين شباب العالم الإسلامي اليوم على خارطة التأثير في العالم؟! * كيف يرى شباب العالم الإسلامي مكانته على خارطة وطنه؟! * هل ثقافة شباب العالم الإسلامي اليوم ينبوعها هويته الإسلامية أم أنها صادرة عن معين آخر؟! * ما حجم أمل شباب عالمنا الإسلامي في غده؟! أليس بإجاباتكم يا طلاب قد أدركتم بُعْدَ واقعنا اليوم عمَّا نأمل أن تكون عليه أمتنا الساعية للتحرر من قيود الاحتلال والاستبداد والفساد والتبعية، وقد نبَّه الإمام الشهيد البنا كلَّ شاب إلى ذلك، فقال: "وحينئذٍ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشاب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه"، وهذا ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من بطولات الشباب حوله؛ فقال: "بُعثت فخذلني الشيوخ، ونصرني الشباب". واليوم قد حان وقت النصرة لدينكم، دون خوف أو تردُّد، فاستمسكوا بحقوقكم، مهما كان الترهيب عنيفًا، واصدعوا بالحق رغم هذه الأساليب القمعية، وتقدَّموا بأفكاركم غير وجِلين من هذه الأنطمة الديكتاتورية، فإنها إلى زوال، ولن يدوم إلا الحق. نحو خطواتنا العملية ومن أوجب واجبات الطلاب في الانصراف إلى الأمة، هذه الخطوات العملية، التي قدمها- ويقدمها- الإخوان المسلمون، فكرةً وعملاً وتحقيقًا.. فهيَّا من الآن؛ من أجل أن يتحقق حلم الإمام البنا وهو يخاطب الطلاب في مؤتمرهم قائلاً: "ندَع ميدان الكلام إلى ميدان العمل، وميدان وضع الخطط والمناهج إلى ميدان التنفيذ والتحقيق، فالشرق يطالبنا في إلحاح بالأعمال الجدية المنتجة، والدنيا كلها تأخذ بأسباب القوة والاستعداد.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُوْلُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُوْلُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 2-3). * هيَّا إلى فهم الإسلام الذي هو رسالة إنقاذ للأرض وأهلها، والذي يحمل في طياته السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والقانون، فإن كان غير ذلك فما هو إذن؟ وقد أجاب الإمام البنا أمام الطلبة قائلاً: "أهو هذه الركعات الخالية من القلب الحاضر؟ أم هذه الألفاظ؟ ألهذا نزل القرآن نظامًا كاملاً محكمًا مفصلاً؟! ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمْيَن﴾ (النحل: من الآية 89). * هيَّا إلى الإصلاح والتمسك به مهما كانت العقبات؛ فهو حكم الله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: من الآية 50)، وقد أرشدنا إلى ذلك قدوتنا صلى الله عليه وسلم، حينما قال: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وبذلك فمحال أن نسير لغاية غير غاية الإسلام، أو نعمل لفكرة غير فكرة الإسلام الحنيف.. ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ (البقرة: 138). * هيَّا إلى الجهر بدعوة الإسلام، لتكون هي الصوت العالي، فهذه هي طبيعتها التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فهل نحيد عنها؟ أم لا بد أن تمتزج بأعصابنا ودمائنا وأرواحنا وعقولنا، فنكون كالجيل الأول الذي حمل هذه الأمانة وصدع بها.. رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار.. أخلاَّء المسجد، وأنضاء العبادة، وحفظة الكتاب الكريم، وأبناء العلم، وجنود الدعوة، وصنَّاع الحضارة التي ساحت في آفاق الأرض، تحرِّر الشعوب، وتعلِّم الناس، وتغرس الفضائل، فكونوا رسل سلام في مدارسكم وجامعاتكم حتى تكون هذه المعاني حيَّةً في نفوس زملائكم وأساتذتكم وأهليكم. * فأنتم يا شباب من يحافظ على استقلال الأمة وحريتها، ويُعيد مجدها وكرامتها، ويسترد عزتها وسؤددها، لتحتلَّ مكانتها السامية بين الأمم، ومنزلتها الرفيعة بين شعوب الأرض، ولتخليصها من الاحتلال البغيض في فلسطين، الذي ينتهك مقدسات الأمة، ويسعى اليوم لتهويد القدس وهدم مسجدنا الأقصى، أو الاحتلال المهين في العراق وأفغانستان، أو القهر المشين في كشمير وتركستان، أو الضعف العام في سائر بلدان الأمة، والمتمثل اليوم في قتل المسلمين بعضهم بعضًا، واعتقال الأحرار والشرفاء، وتقييد الحريات، وتزوير الانتخابات، والاستئثار بالحكم بلا عقل وبلا ضمير. وليس الطريق إلى تحقيق ذلك إلا باستعداد العدة، واستكمال الإعداد.. ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 60)، وبذلك تستفتحون عهدًا جديدًا نحو بناء أمتنا، وهذا يستلزم تعاونَ الجهود، وتوافرَ القوى، والانتفاعَ بكل المواهب، والعملَ الجادَّ في كل النواحي، فلا تصرفوا جهدًا إلا لتحقيق هدفكم.. لإنقاذ شعوبنا اليوم، وقد باتت تمتلك الحيوية، وأصبحت على استعداد لتقديم ما تملك من نشاط، ولكنها في حاجة إلى من يوجِّهها. * وبذلك تمهِّدون السبيل للانتقال من الضعف والفقر والجهل والرذيلة، التي يكرِّسها الذين لا يريدون صلاحًا أو إصلاحًا، ويفسدون في الأرض، فلا تعيروهم اهتمامًا؛ فأنتم تصنعون النهضة، وواجهوهم بالحكمة، والحكمة تقتضي عدم التوقف أو التقهقر أو الارتداد؛ فإن منعوكم من التعبير عن رأيكم بالمظاهرات فعبِّروا عنها في الفضائيات أو عن طريق الإنترنت، أو الرسائل بأنواعها المختلفة، أو الصدْع بها في أقاربنا وأصدقائنا ومراكز المجتمع ونواديه، أو مخاطبة أهل العقل والفكر والثقافة، فدعوتنا لا تعرف هدمًا أو تخريبًا أو تزويرًا أو تكسيرًا، بل سلمًا وأمانًا وبناءً وإصلاحًا. * وكونوا جبهةً طلابيةً واحدةً، فهي الكفيلة باستعادة الحقوق، واحذَروا التفرُّق والتشرذم، فالعدو المتربِّص بكم ينتظر تمزيقَ الجهود، وتشتيتَ الأعمال، واختلافَ الآراء، وتصارعَ الشئون، وتقطيعَ الصلات، وتنابزَ الوجهات، فالمستقبل يلحُّ عليكم إلحاحًا صارخًا فيكم، بالعمل والسير بأسرع ما يمكن من خطوات، وعرض دعوة الإسلام، في إيمان عميق، وبرهان وثيق، واعتقاد جازم، وليكن شعاركم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 24). وأخيرًا.. اعلموا أن الله معكم ما دمتم قد علمتم واجباتكم، وأدركتم جلال دعوتكم، وأخلصتم دينكم لله تعالى؛ فأنتم قوةُ الأمة، وطاقتها الدافعة، وتقدُّمها العلمي، وعلامةُ وحدتها، وصلابةُ وطنيتها، وأملُ مستقبلها، وأمانُ حاضرها. فانتظروا ساعة الفوز، وترقَّبوا وقت الانتصار.. ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 4-5). والله أكبر ولله الحمد وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين |
الساعة الآن : 11:01 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour