ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الإنشاء (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=76)
-   -   مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=276258)

ابوالوليد المسلم 29-03-2024 04:52 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (83)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى:
(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[البقرة: 102]
السؤال الأول:
في قوله تعالى: (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة:102] لم نسب الله تعالى تعليم السحر لليهود؟
الجواب:
نسب الله تعالى تعليم السحر لليهود؛ لأنهم اشتُهروا في هذا المجال وعُرِفوا به وعُرف بهم حتى غدا سمة من سماتهم , وقد اعتقد المسلمون في المدينة أنّ اليهود سحروا المسلمين فلا يولد لهم؛ ولذلك استبشروا لما وُلِد عبد الله بن الزبير، وهو أول ولد للمهاجرين في المدينة.
السؤال الثاني:
ما السِّحرُ؟
الجواب:
السحر هو مجموعة أشياء تفعلها تفرق بها بين الناس أو تؤذيهم أو تُنسّيهم, كما في آية البقرة [102]، والإنسان مليء بالطاقات الهائلة في الخير والشر, وواجبنا أنْ نتجه إلى الخير ونوجه طاقاتنا إلى الخير ونبتعد عن الشر.
وقال (الحرالي): السحر هو قلب الحواس في مدركاتهاعن الوجه المعتاد لها في صحتها عن سبب باطل لا يثبت مع ذكر الله.
وجاء في التفسير الكبير: والسحر في عُرف الشرع مختصٌ بكل أمر يُخفى سببُه ويُتخيل على غيرحقيقته ,ويجري مجرى التمويه والخداع , ومتى أطلق ولم يقيد أفاد ذمّ فاعله.
ومن وسائل استجلاب الطاقة:
1ـ الصمت: وفي الحديث «إذا رأيتم الرجل يُطيل الصمت فهو يُلقن الحكمة».
2ـ الخلوة والابتعاد عن كثرة الاختلاط مع الناس.
3ـ التأمل.
4ـ طاعة الله.
5ـ التدريب العقلي لإبراز طاقات الإنسان.
السؤال الثالث:
ما دلالة استخدام صيغة الفعل المضارع في قوله تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ) [البقرة:102]؟
الجواب:
هما علّما الناس وانتهى الأمر، الفعل المضارع قد يستخدم ليعبّر به عن الماضي فيما نسميه (حكاية الحال)، كما يُعبّر عن الماضي للمستقبل، كما في قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة:144] وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة:91] فالفعل (تقتلون)، وقال معها: (من قبل).
وحكاية الحال هو أن يُعبّر عن الحال الماضية بالفعل المضارع للشيء المهم كأنْه يجعله حاضراً أمام السامع، واستحضار الصورة في القرآن كثير وفي غير القرآن.
السؤال الرابع:
ما إعراب (مَا) المتكررة في هذه الآية (مَا تَتْلُو) (وَمَا كَفَرَ) (وَمَا أُنْزِلَ) (وَمَا يُعَلِّمَانِ ٍ) (مَا يُفَرِّقُونَ) (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ) (مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ)؟
الجواب:
ـ (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ) [البقرة:102] هذه مفعول به (اسم موصول).
ـ (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) [البقرة:102] هذه نافية.
ـ (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ) [البقرة:102] معطوفة على السحر(اسم موصول).
ـ (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا) [البقرة:102] هذه نافية.
ـ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ) [البقرة:102] هذه مفعول به بمعنى الذي.
ـ (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ) [البقرة:102] هذه نافية.
ـ (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) [البقرة:102] هذه نافية بمعنى ليس، وما دام الجار والمجرور قد تقدم على اسمها فإنها لا تعمل، وقد تكون حجازية، لكن لا نعرفها لوجود (من) الزائدة نحوياً، لأنّ الخبر جار ومجرور.
السؤال الخامس:
ما أهم دروس هذه الآية الكريمة؟
الجواب:
وقفات مختصرة سريعة عند الآية الكريمة:
1ـ الحق سبحانه يقول: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ) [البقرة:102] ولكنّ الشياطين تلت وانتهت، واستحضار اليهود حتى الآن لما كانت تتلوه الشياطين دليل على أنهم يؤمنون به وأنّ هذا الاتباع مستمر حتى الآن فجاء بصيغة المضارع.والفعل (تتلو) أي تقرأ وتتبع , وعبّر بالمضارع إشارة إلى كثرته واستمراره.
2ـ الجن فيهم المؤمن وفيهم الكافر, والشياطين هم مردة الجن المتمردون على منهج الله.
3 ـ قوله: (عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) [البقرة:102] أي: على أيام مُلك سليمان , وهو ابن داود عليه السلام (1032 ـ975) قبل الميلاد , وتولى ملك بني إسرائيل سنة 1014 قبل الميلاد , وقيل أنّ اسم (سليمان) مشتق من السلامة.
4 ـ قوله: (مِنْ أَحَدٍ) لتأكيد الاستغراق.
5ـ كانت الشياطين قبل نزول القرآن يسترقون السمع لكنْ بعد البعثة النبوية امتنع ذلك كله.
6ـ أراد الله أولاً أنْ ينفي تهمة الكفر عن سليمان عليه السلام قبل أنْ يحكي حكاية الشياطين.
7ـ حين أعطى الله سليمان المُلك، كان الشياطين يملأون الأرض بالسحر وكتبه، فأخذ سليمان عليه السلام هذه الكتب، وقيل: إنه دفنها تحت عرشه, فلما مات عثرت الشياطين على هذه الكتب، وقال أولياؤهم من أحبار اليهود: إنّ هذه الكتب من السحر هي التي كان سليمان يسيطر بها على الجن والإنس وإنها كانت منهجه وأشاعوها بين الناس، فأراد الله أنْ يبرىء سليمان من هذه التهمة ومن أنه حكم بالسحر ونشر الكفر، فقال: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) [البقرة:102].
8ـ قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة:102] وصف أهل الكتاب بالعلم على سبيل التوكيد (ولقد) ونفاه في آخر الآية عنهم؛ لأنهم لم يعملوا بعلمهم.وفي هذا فن رفيع من البلاغة وهو تنزيل العالِم منزلة الجاهل , فإنّ صدر الآية يدل على ثبوت العلم في أنه لا نفع لهم في شراء كتب السحر والشعوذة واختيارها على كتب الله , وآخرالآية ينفي عنهم العلم , فإنّ (لو) تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول , نظراً لأنهم لم يعلموا بعلمهم.
9ـ السحر تخيُّلٌ , والشياطين لهم القدرة على التشكل بأي صورة من الصور، ونحن لا نستطيع أنْ ندرك الشيطان على صورته الحقيقية، ولكنه إذا تشكل نستطيع أنْ نراه في صورة مادية, وهو لا يبقى في تشكله إلا لمحة ثم يختفي في ثوان؛ لأنّ قانون التشكل يحكمه، وهذا من رحمة الله بنا، وإلا لكانوا أفزعونا وجعلوا حياتنا جحيماً.
10ـ السحر يؤدي إلى اختلال التوازن في الكون؛ لأنّ الساحر يستعين بقوة أعلى في عنصرها من الإنسان وهو الشيطان، وهو مخلوق من النار خفيف الحركة قادر على التشكل.
11ـ الإنسان عندما يطلب تعلم السحر وكيف يسخر الجن يدعي أنه يفعل الخير في الكون ولكنها ليست حقيقة؛ لأنّ هذا يعينه على الطغيان, والذي يخل بالأمن هو عدم التكافؤ بين الناس, والله سبحانه يريد تكافؤ الفرص ليحفظ أمن وسلامة الكون؛ ولذلك يقول لنا: لا تطغوا وتستعينوا بالشياطين في الطغيان فيفسد أمن الكون.
12ـ شاءت حكمة الله تعالى أنْ يضع في الكون ما يجعل كل مخلوق لا يغتر بذاتيته, فقد اغتر إبليس بذاتيته ورفض أنْ يسجد لآدم ؛ لذلك لمّا أراد الله أنْ يعلم البشر من القوانين ما يجعل هذا العنصر الأعلى - وهو الشيطان - يخضع للأدنى - وهو الإنسان- حتى يعرف كل خلق الله أنه إنْ ميزهم الله في عنصر من العناصر فإنّ هذا ليس بإرادتهم ولكنْ بمشيئة الله سبحانه.
ولذلك أرسل الملكين ببابل هاروت وماروت ليعلما الناس السحر الذي يُخضع الأعلى عنصراً للأدنى.وقال الحرالي: هما مَلَكان جُعلا مَلِكين في الأرض.
و(هاروت وماروت): علمان أعجميان بدليل منع الصرف , ولو كانا من الهرت والمرت ـ أي بمعنى الكسر ـ لانصرفا.و(خَلاق) بفتح الخاء أي النصيب.و(بابل) مدينة قديمة تقع أنقاضها على الفرات قرب الحلة شرق بغداد , والاسم ممنوع من الصرف للعلمية والعُجمة , وكانت (بابل) أكثر البلاد عملاً بالسحر, وكان سحرتُها قد سخّروا العامة وجرّوهم إلى عبادة الكواكب والأصنام فحدث فساد كبير , فأراد الله أن يكشف حقيقة السحر على يد الملكين (هاروت وماروت) فكانا يعلمان الناس أبواب السحرليفرقوا بين السحر والمعجزة , فيعرفوا أنّ الذي يدعي النبوة من السحرة كاذباً , وأنهم سحرة وليسوا أنبياء , فكانا يعلمان الناس بعض أبواب السحر ويقولان: إنما نحن فتنة وابتلاء من الله فلا تكفر بتعلمك السحر واستخدامه ولا تتعلم ما يضر ولا ينفع , مما يؤذي الناس ويفرق بينهم.
13 ـ هذان الملكان كلِّفا بأنْ يعلِّما الناس السحر وأنْ يحذّرا بأنّ السحر فتنة تؤدي إلى الكفر، وأنّ السحر لا ينفع إلا في الشر وفي التفريق بين الرجل وزوجه، وأنّ ضرر السحر لا يقع إلا بإذن الله وقد فعلا ذلك , والفتنة هي الامتحان.
وقوله تعالى: (فَلَا تَكْفُرْ) الفاء هي الفصيحة , و(لا) ناهية , والفعل (تكفر) مضارع مجزوم بلا , أي: إذا شئت اتباع الطريق السوي فلا تكفر بتعلمه.
14 ـ ما قيل: إنّ امرأة جميلة فتنت الملكين قصة غير صحيحة مطلقاً، تتنافى مع طبيعة الملائكة بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم.
15 ـ الله يخبرنا أنْ تعلم السحر يضر ولا ينفع, وتجد من يعمل بذلك يعتمد في رزقه على غيره من البشر، ويظل يبحث عن إنسان يغريه ليأخذ منه ماله, وتجد أنّ حياته وكل أموره غير مستقرة، وكل من يعمل بالسحر يموت فقيراً , ثم يلعنه الله ولا يكون له في الآخرة إلا النار.
16ـ الله سبحانه وتعالى إذا كانت حكمته قد اقتضت أنْ يكون السحر من فتن الدنيا وابتلاءاتها فإنه سبحانه قد حكم على كل من يعمل بالسحر بأنه كافر، ولذلك لا يجب على الإنسان أنْ يتعلم أو يقرأ عن السحر؛ لأنه وقت تعلمه قد يقول: سأفعل الخير، ثم ما يلبث أن يستخدمه في الشر, كما أن الشياطين التي يستعين بها الساحر غالباً ما تنقلب عليه لتذيقه وبال أمره، واقرأ قوله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن:6].
17 ـ للعلم: كان سحرة اليهود يزعمون أنّ الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود , فأكذبهم الله بهذا , وأخبر نبيه محمداً أنّ السحرهو من عمل الشياطين , وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال: (من أتى كاهناً أو عرّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد) حديث حسن ورجاله ثقاة.
اللهم إنك قد أقدرت بعض خلقك على السحر والشر , ولكنك احتفظت لنفسك بإذن الضر فأعوذ بما احتفظت به بما أقدرت عليه بحق قولك: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة:102].
ومن أنواع السحر المعروف قديماً:
1ـ سحر الكلدانيين، وهم قوم يعبدون الكواكب ويعتقدون أنّ أفعال الخير والشر تصدر منها.
2ـ سحر أصحاب الأوهام مع النفس القوية.
3ـ الاستعانة بالأرواح الأرضية، مثل الجن.
4ـ التخيلات والأخذ بالعيون.
5ـ الأعمال العجيبة نتيجة الحيل.
6ـ الاستعانة بخواص استعمال المواد مثل الكبريت والفوسفور وخواص الكهرباء.
7ـ أعمال الخفة والتمويه.
وللعلم فإنّ كلمات منظومة السحر في القرآن هي: [ السحر ـ العين ـ الحسد ـ النفث ].
والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 29-03-2024 04:54 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (84)
مثنى محمد هبيان



﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 100]
السؤال الأول:
في قوله تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) [البقرة:100] لِمَ عبّر الله تعالى عن نقض اليهود للعهد والميثاق بالنبذ؟
الجواب:
النبذ: هو الطرح والإلقاء مع الاحتقار، فما علاقة الطرح بنقض الميثاق؟ لقد جعل الله تعالى العهد والميثاق الذي أقرّ به اليهود بكتاب أحكموا قبضته بيدهم حتى لا يقع، ولكنهم سرعان ما تخلوا عن عهدهم وألقوا هذا الكتاب وطرحوه أرضاً إشارة إلى نقضهم للميثاق.
السؤال الثاني:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ لفظة(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا) واو العطف دخلت عليه همزة الاستفهام الإنكاري , و( واو ) العطف على محذوف بتقدير : أكفروا بالآيات والبينات وكلّما عاهدوا ؟ و( كلّما ) ظرف زمان يتضمن معنى الشرط ويفيد التكرار . والمقصود من هذا الاستفهام الإنكار وإعظام ما يقدمون عليه .
2ـ قوله تعالى : (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا) أي :عهد بعد عهدٍ نقضوه ونبذوه , وأنّ ذلك ليس ببدع منهم , بل هي سجيتهم وعادتهم وعادة سلفهم .
وها نحن نعيش اليوم معاهدات بين اليهود والفلسطينين منذ سنوات طويلة إلى كتابة هذه السطور , وكلّما عاهد فريقٌ منهم عهداً نبذه فريقٌ آخر .
3ـ قوله تعالى : (نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) لأنّ في جملة من عاهد من آمن أو يجوز أن يؤمن , فلمّا لم يكن ذلك صفة جميعهم خصّ الفريق بالذكر .
4ـ ثم لمّا كان يجوز أن يُظن أن ذلك الفريق هم الأقلون بيّن أنهم الأكثرون فقال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) أي أكثر أولئك الفساق لا يصدقون بك أبداً لحسدهم وبغيهم , وهم أيضاً لا يصدّقون بكتابهم ولا يعملون بموجبه ومقتضاه , فوصفهم بعدم الإيمان حالاً ومآلاً .
(وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [البقرة:101]
السؤال الأول:
ما الفرق بين (أُوتُوا الْكِتَابَ) و (آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) في الاستعمال القرآني؟
الجواب:
وردت جملة (أُوتُوا الْكِتَابَ) في القرآن الكريم في ( 18) موضعاً في ( 16) آية , بينما وردت جملة (آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) في (8) مواضع في (8) آيات . والقرآن الكريم يستعمل جملة (أُوتُوا الْكِتَابَ) في مقام الذم , كما في الآيات :[ البقرة 101ـ 145 ـ آل عمران 100ـ النساء 44ـ البينة 4 ] ويستعمل جملة (آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) في مقام المدح , كما في الآيات: [ البقرة 121 ـ 146 ـ الأنعام 20 ـ 89 ـ 114 ـ الرعد 36 ـ القصص 52 ـ العنكبوت 47 ] .
فالقرآن الكريم يستعمل(أُوتُوا الْكِتَابَ) في مقام الذم، ويستعمل (آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) في مقام المدح، وهذا خط عام في القرآن على كثرة ما ورد من (أوتوا الكتاب) و(آتيناهم الكتاب) فحيث قال: (أوتوا الكتاب) فهي في مقام الذم، وحيث قال: (آتيناهم الكتاب) في مقام الثناء والمدح. والقرآن الكريم له خصوصية خاصة في استخدام المفردات وإن لم تجرِ في سنن العربية.
شواهد قرآنية : (أوتوا الكتاب) :
قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [البقرة:101] هذا ذم .
قوله تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البيِّنة:4] هذا ذم .
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) [النساء:44] هذا ذم.
شواهد قرآنية : (آتيناهم الكتاب) :
قوله تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) [البقرة:121] مدح .
قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [الرعد:36] مدح.
والتعبير (أوتوا) في العربية لا يأتي في مقام الذم، وإنما هذا خاص بالقرآن الكريم.
وعموماً فإن الله رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه؛ ولذلك لما كان قوله تعالى: (آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) فيه ثناء وخير نسب الإيتاء إلى نفسه , بينما (أوتوا) فيها ذم، فنسبه للمجهول، نحو قوله تعالى :
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) [الجمعة:5] هذا ذم
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) [الشورى:14] . هذا ذم .
بينما قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) [فاطر:32] فهذا مدح.
والله أعلم .
السؤال الثاني:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ( نَبَذَ فَرِيقٌ) أي رمى رميَ استخفاف بمثل ما يُرمى به وراء الظهر استغناء عنه.
2ـ قوله تعالى: (كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) قيل إنه التوارة , وقيل إنه القرآن :
آ ـ قوله تعالى : (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) لو كان المُراد القرآن لم يكن لتخصيص الفريق معنى , لأنّ جميعهم لا يصدّقون بالقرآن .
ب ـ التوراة فيها دلائل على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام لما فيه من النعت والصفة , وفيه وجوب الإيمان به , ثم عدلوا عنه فكانوا نابذين للتوراة .
3ـ قوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) فيه دلالة على أنهم نبذوه عن علم ومعرفة وليس عن جهل .
قال السُّدّي في معنى الآية : ولمّا جاءهم محمدٌ عليه الصلاة والسلام عارضوه بالتوراة , فاتفقت التوراة والقرآن , فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف , وسِحر هاروت وماروت , كأنهم لا يعلمون ما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 30-03-2024 09:55 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (85)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة: 104]
السؤال الأول:
ما مناسبة نزول هذه الآية عقب آيات السحر؟
الجواب:
نُهيَ المؤمنون عن التلفظ بكلمة (رَاعِنَا) وهذه كلمة تشبه كلمة في العبرانية تعني المسبّة، فقال المنافقون واليهود: كنا نسبّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سرّاً فأعلنوا بها الآن، فأنزل الله تعالى النهي عن هذه الكلمة وكشف عمل اليهود والمنافقين.
لكنْ ما مناسبة نزول هذه الآية عقب آيات السحر؟ لو رجعنا إلى أصل السحر لرأيناه يرجع إلى التمويه وأنّ من ضروب السحر ما هو تمويه الألفاظ، فأذى الشخص بقول أو فعل لا يُعلم مغزاهما كخطابه بلفظ يفيد معنى ومقصود المتكلم به أذى، كما فعل المنافقون بقولهم: (رَاعِنَا) فهم يظهرون معنى ويبطنون غيره.
السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
1ـ اعلم أنّ الله قد خاطب المؤمنين بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في تسعة وثمانين موضعاً من القرآن، وكان يخاطب في التوراة بقوله: (يا أيها المساكين)، فكأنه سبحانه لمّا خاطبهم أولاً بالمساكين أثبت المسكنة لهم آخراً، والمسكنة هي تشديد المحن حيث قال: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) [البقرة:61] وهذا يدل على أنه تعالى لمّا خاطب هذه الأمة بالإيمان أولاً؛ فإنه يعطيهم الأمان من العذاب في النار يوم القيامة.
واسم المؤمن من أشرف الأسماء والصفات، فخاطبنا الله به فنرجو من فضله وكرمه أنْ يعاملنا في الآخرة بأحسن المعاملات , اللهم آمين.
وقوله تعالى في هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هو أول نداء للمؤمنين في سورة البقرة , وفيه يُعلّم اللهُ سبحانه الأمة الإسلامية الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأن لا يتشبهوا باليهود في سوء استخدامهم للألفاظ حال حديثهم مع رسوله عليه السلام في حياته , ومع شرعه ودعوته بعد مماته.
وفي هذا النداء يكشف لنا القرآن شيئاً من أساليب اليهود , ومن سوء أدبهم مع الرسول عليه السلام فيحذرنا أن نكون مثلهم , أو نصنع مثل صنيعهم , كما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (من تشبه بقوم فهو منهم).
2ـ في الآية الكريمة نداء للمؤمنين بأنْ يمتنعوا عن قول (رَاعِنَا) ويقولوا بدلاً عنها (انْظُرْنَا) أي أمهلنا وأنسئنا.
كلمة (رَاعِنَا) في اللغة العربية مشتقة من الرعاية والراعي، وتصبح الكلمة بمعنى: احفظنا وخذ بيدنا وراقبنا وتأنّ بنا حتى نفهم , ومعناها في العبرية: اسمع لا سمعت.
لكن هذه الكلمة عند اليهود في لغتهم العبرانية مأخوذة من الرعونة, ولذلك كانوا إذا سمعوا من صحابة رسول الله كلمة (رَاعِنَا) اتخذوها وسيلة للسباب بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , والمسلمون لا يدرون شيئاً، لذلك أمرهم الله أنْ يتركوا هذه الكلمة حتى لا يجد اليهود وسيلة لستر سبابهم وأمرهم بأن يقولوا: (انْظُرْنَا).
3ـ ثم قال الحق بعدها: (وَاسْمَعُوا) وهنا يشير الله إلى الفرق بين اليهود والمؤمنين، فاليهود قالوا: (سمعنا وعصينا) ولكنّ الله يقول للمؤمنين (وَاسْمَعُوا) سماع طاعة وسماع تنفيذ.
سعد بن معاذ رضي الله عنه سمع واحداً من اليهود يقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (رَاعِنَا) وسعد كان سابقاً من أحبار اليهود ويعرف لغتهم , فلمّا سمع ما قاله فهم مراده فذهب إلى اليهودي وقال له: لو سمعتها منك مرة أخرى لضربت عنقك. فقال اليهودي: أَوَلستم تقولونها لنبيكم؟ أهي علينا حرام وحلال لكم؟ فنزلت هذه الآية.
كلمة (رَاعِنَا) وكلمة (انْظُرْنَا) لهما نفس المعنى , ولكن كلمة (انْظُرْنَا) ليس لها نظير في لغة اليهود التي تعني الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
4ـ ثم قال: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة:104] أي: من يقول: (رَاعِنَا) إساءة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم عذاب أليم، وقدّم الجار والمجرور للحصر.
5ـ كلمة (راعنا) هي فعل أمر, والفاعل ضمير مستترتقديره (أنت) , و(نا) مفعول به , وهذا في الأصل , والمُراد به في الآية الحكاية, فتعرب كلمة أُريد بها لفظها دون معناها في محل نصب مفعول به. وكذلك الأمر في كلمة (انظرنا).
6ـ المفعول به لفعل الأمر: (واسمعوا) لم يذكرمعه المسموع بل أطلقه ليعم ما أمرباستماعه من الخير , بتقدير: اسمعوا كل ما يقوله لكم الرسول عليه السلام من القرآن والأحكام والمسائل.
والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 30-03-2024 09:57 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (86)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى:(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة: 105]
السؤال الأول:
ما دلالة وصف الفضل بالعظيم؟
الجواب:
وُصِف الفوز في القرآن الكريم وكذلك الفضل بأنه عظيم وكبير ومبين.
الفضلُ وُصِفَ بالعظيم في ثماني آيات في القرآن كله, ووصف بالكبير في ثلاث آيات, ووصف بالمبين في آية واحدة.
والخلاصة التي نقدمها في هذا الموضوع ابتداء قبل استعراض الآيات:
1ـ أنّ الوصف إذا كان بلفظ العظيم يكون متصل الإسناد مباشرة باسم الجلالة (الله)، ويكون الوصف متعدداً.
2ـ وعندما تكون الإشارة إلى فضل من الله تعالى بغير إسناد مباشر للفظ الجلالة (الله) يوصف الفضل بالكبير.
3ـ وعندما يكون الأمر دنيوياً ويكون شيئاً مباشراً ظاهراً ملموساً يستعمل كلمة (مبين) في وصف الفضل.
4ـ جاءت كلمة (الفضل) في القرآن معرّفة، أي: (الفضل)، وجاءت نكرة أيضاً ؛ أي: فضل، فإذا كان ما قبلها معرّفاً جاءت معرّفة، وإذا كان ما قبلها نكرة جاءت نكرة.
شواهد قرآنية (الفضل العظيم) 8 آيات:
قوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة:105] فلمّا كان الفضل متصلاً بخبر اسم الجلالة كان استعمال كلمة (العظيم) للفضل.
وكذلك الآيات: آل عمران [74 ,174] النساء [113] الأنفال [29] الحديد [21 ,29] الجمعة [4].
أمّا من حيث المعنى، فلو نظرنا إلى الآيات في قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:105] سنجده سبحانه يختص الرحمة التي هي شيء واسع بمن يشاء، والدليل على سعة الرحمة قوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف:156] وعندما يكون الشيء واسعاً يتناسب معه استعمال كلمة (العظيم)، وعندما يكون الشيء منحصراً تستعمل كلمة (الكبير).
شواهد قرآنية (الفضل الكبير) 3 آيات:
ـ (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر:32].
ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [الشورى:22].
ـ (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا) [الإسراء:87].
شواهد قرآنية (الفضل المبين) 1 آية:
(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) [النمل:16].
السؤال الثاني:
لِمَ عطف الله تعالى قوله (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة:105] على (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [البقرة:105] مع أنّ المشركين كافرون؟
الجواب:
لقد عطف الله تعالى قوله: (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) [البقرة:105] على (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) [البقرة:105] لئلا يقع في الظن أنّ الحسد يقع من أهل الكتاب وحدهم دون غيرهم، فالكفر سبب البُغض والحسد لأيٍّ ما كان وفي أيِّ زمن كان.
السؤال الثالث:
الحرف (مِنْ) تكرر في الآية ثلاث مرات، فما دلالة كل مرة؟
الجواب:
(مِنْ) الأولى للبيان؛ لأنّ الذين كفروا جنس تحته نوعان: أهل الكتاب والمشركون, والثانية: لاستغراق الخير, والثالثة: لابتداء الغاية.
السؤال الرابع:
ما الدروس المستفادة من هذه الآية بشكل مختصر؟
الجواب:
1ـ لمّا بيّن سبحانه في الآيات السابقة حال اليهود والكفار في العداوة والمعاندة حذّر المؤمنين منهم بهذه الآية، فنفى عن قلوبهم الود والمحبة لكل ما يظهر به فضل المؤمنين.
والخيرهو الوحي والرسالة والاصطفاء، وكذلك الرحمة كقوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزُّخرُف:32] والمعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأنْ يوحى إليهم فيحسدوكم ولا يحبوا أنْ ينزل عليكم شيء من الوحي.والكفار يحسدون النبي عليه السلام أنّ الله قد اختصه بالرسالة الخاتمة , وانتقالها إلى العرب من بني إسرائيل , ويتمنون زوال النعمة عنه , كما قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:54].
2ـ ثم بيّن سبحانه أنّ ذلك الحسد لا يؤثر في زوال ذلك، فإنه سبحانه يختص برحمته وإحسانه من يشاء.
3ـ قوله تعالى: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) (الواو) عاطفة على أهل الكتاب , و دخلت (لا) للتأكيد.
4ـ الفعل (اخنص) فعل متعدّ , يقال: خصّه بكذا, واختصّه وخصّصه وأخصّه فاختصّ به.
5ـ قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) الاختصاص عناية تعين المختصَّ لمرتبة ينفرد بها دون غيره , والرحمة عطاءٌ من الله للمرحوم في ظاهره وباطنه , أدناه كشف الضر وكف الأذى , وأعلاه الاختصاص. ورحمة الله وسعت كل شيء.
والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 30-03-2024 09:58 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (87)

مثنى محمد هبيان



قال تعالى:(مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة: 106]
السؤال الأول:
في الآية هناك قراءتان لكلمة (نُنْسِهَا) ما الفرق بينهما؟
الجواب:
قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وأبو جعفر وخَلَف (نُنْسِهَا) وقرأها ابن كثير وأبو عمرو (ننسأها)، فأمّا قراءة (نُنْسِهَا) فهي من النسيان، أي: نُنسي الناس إياها وذلك بأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بترك قراءتها حتى ينساها المسلمون، وقراءة (ننسأها) بمعنى نؤخِّرها، أي نُؤخِّرُ تلاوتها، أو نؤخر العمل بها، مما يؤدي إلى إبطال العمل بقراءتها أو بحكمها.
السؤال الثاني:
ولكن لِمَ قال تعالى: (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) [البقرة:106] ولم يبين بأي شيء هي أفضل وخير من الآية المنسوخة؟
الجواب:
(نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) أُجمِلت جهة الخيرية ولم يُذكر وجه الخير؛ لتذهب نفسك كل مذهب ممكن، فقد ترى أنّ الخيرية في الاشتمال على ما يناسب مصلحة الناس، ويرى غيرك ما فيه رفق بالمكلفين ورحمة بهم في مواضع الشدة وهكذا.
السؤال الثالث:
ما الفرق بين الإنساء والنسيان؟ وما علاقة النسيان بالشيطان؟
الجواب:
1ـ النسيان: خلقه الله في الإنسان؛ لذلك ينسى الشخص من تلقاء نفسه، ويكون عما كان. أمّا السهو فيكون عما لم يكن.
2ـ الإنساء: من أنسى , مثل: أكرم إكراماً.
3ـ لا النسيان ولا الإنساء يختص بالشيطان, لكنْ قد تستطيع أن تُنسي شخصاً أمراً ما بإلهائك إياه ببعض الأمور الأخرى.
4ـ الله تعالى ينسب الإنساء لنفسه كما في قوله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [الحشر:19].
شواهد قرآنية:
ـ آية طه [52] (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى) [طه:52] لا ينسى من تلقاء نفسه.
ـ آية الكهف [63] (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ) [الكهف:63] فتى موسى يتكلم عن نفسه أنّ الشيطان بسبب وساوسه ألهاه فنسي.
ـ آية يوسف [42] (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) [يوسف:42] هذا سرد لما حدث؛ يتكلم عن الشخص الذي ظن أنه ناج, أي: أنّ الشيطان بسبب وساوسه وإلهائه له جعله ينسى موضوع يوسف عليه السلام.
ـ آية البقرة [286]: (إِنْ نَسِينَا) [البقرة:286] عامة من تلقاء أنفسهم.
ـ آية المؤمنون: (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) [المؤمنون:110] أي: أنّ انشغالكم بسخرية المؤمنين أنساكم ذكر الله والإيمان به.
ـ آية البقرة [106] (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة:106] متعلقة بالله تعالى.
السؤال الرابع:
ما اهم دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1ـ هذه الآية تشير إلى الحملة الماكرة التي يشنها اليهود ضد الإسلام بالتشكيك والطعن فيه , وهذا الأمر قديم متجدد , وهو نفسه ما تقوم به الصهيونية العالمية والصليبية العالمية في كل عصر ومِصر , فقد اعتذراليهودعن إيمانهم بالنبي محمد عليه السلام بقولهم: (قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ) [البقرة:91] ويكفرون بغيره , وهم يزعمون أنّ شريعتهم لا تُنسخ , وأنّ محمداَ صلى الله عليه وسلم وصفها بأنها حق , وأنه جاء مصدقاً لها , فكيف يكون شرعه مبطلاً للتوراة !!؟
2ـ أثار تحويل القبلة إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس حسد اليهود للنبي عليه السلام وللإسلام وأهله , فانتهزوا هذه الفرصة للطعن في الإسلام فقالوا: إنّ محمداً يأمر أصحابه بأمر وينهاهم عنه غداً , ويقول لهم اليوم قولاً ويخالفه غداً , فنزلت هذه الآية لتبين أنّ الله ما يرفع من حكمٍ أو يبدله إلا أتى بما هو خير منه وأنفع بما يتفق مع مصلحة العباد , بعد أن يكون الحكم الأول قد أدى وظيفته في الوقت المناسب , ويأت الله بخير من الآية المنسوخة حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية , فهو سبحانه قادر لا يعجزه شيء.
3ـ اليهود يزعمون أنّ التوارة لا تُنسخ , وأنّ ذلك مانعٌ لهم من الدخول في الإسلام , والواقع أنّ التوارة قد نُسخت جزئياً بشريعة عيسى عليه السلام , فرفعت بعض أحكامها وأثبتت أحكاماً أخرى , فهو نسخٌ لها في الجملة. أمّا شريعة محمد عليه السلام فقد أبطلت شريعة عيسى إبطالاً تاماً , وأبطلت أيضاً ما قبلها من سائر الشرائع , فهو رفعٌ كلي لجميع ما سبق من الشرائع , بحيث لا يجوز لأحد أي يعتنق أي شريعة سماوية أو أرضية غير الإسلام.
4ـ النسء تأخير عن وقت إلى وقت , ففيه مدارٌ بين السابق واللاحق بخلاف النسخ , لأنّ النسخ معقب للسابق والنسء مداول للمؤخر , وهو نمطٌ عليٌ خفيُ المنحنى ,ومن أمثاله ما وقع في النسء من نهي النبي عليه السلام عن لحوم الأضاحي , كما جاء في حديث البخاري عن طريق عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال: قلت لعائشة: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع فيه الناس , فأراد أن يُطعم الغنيُ الفقيرَ.(تفسير نظم الدرر).
وأما النسيان والتنسية فمعناه أخفى من النسيء , وهو ما يظهره الله من البيانات على سبيل إدخال النسيان على من ليس شأنه أن ينسء , كالسنن التي أبداها النبي عليه السلام عن تنسيته كما ورد من قوله: (إني لأُنَسّى لأسُنّ) , وقال عليه الصلاة والسلام: (بئسما لأحدكم أن يقول: نَسيتُ , بل هو نُسّي) , ومنه قيامه عليه السلام من اثنتين وسلامه من اثنتين حتى أظهر سنّة ذلك لأمته.
5ـ ورد أنّ النسخ على ثلاثة أنواع:
آ ـ نسخُ الآية والحكم معاً: (أي الآية لم تعد تقرأ وحكمها قد رُفع فليس معمولاً به , كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرمْن فنُسخن بخمس رضعات معلومات).
هذا عند جمهور العلماء , وعند الشافعية لا يرون جواز نسخ القرآن بالسنة.
ب ـ نسخ التلاوة دون الحكم: [ أي الآية نُسخت وبقي الحكم , كحكم الرجم في سورة النور: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله) ] وقيل أنها نُسخت لشناعة وقوع الزنا من الشيخ والشيخة وبقي الحكم معمولاً به , كما ثبت في السنة في رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة مثل ـ ماعز الأسلمي والغامدية ـ
ج ـ نسخ الحكم وبقاء التلاوة: كما في آية تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول آية المجادلة رقم 12 في قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
ومن ذلك نسخت الوصية للوالدين الواردة في آية المواريث في آية النساء 11 وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ نُسخت بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).
والله أعلم.


ابوالوليد المسلم 31-03-2024 10:28 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(88)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى :(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة: 107]
السؤال الأول:
ما فائدة تقديم الجار والمجرور (لَهُ مُلْكُ) [البقرة:107] ؟
الجواب:
هذا يفيد الحصر والقصر، أي: لا أحد يملك السماوات والأرض إلا الله سبحانه وحده .
السؤال الثاني:
ما الفرق بين الملك والملكوت ؟
الجواب:
كلمة المُلك والملكوت كلمتان مشتقتان من (ملك)، وزيادة المبنى تؤدي إلى زيادة المعنى، فبصورةٍ أولية كلمة (الملكوت) هي أوسع من كلمة (المُلك)، وبهذا المعنى استعملت في القرآن الكريم .
فعندما نأتي إلى قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف:185] وعطف الخلق العام (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) [الأعراف:185] كله داخل في ملكوته , فالعطف هنا هو من عطف الخاص على العام، فكل ما خلق هو داخل ضمن عموم كلمة (الملكوت). والملك والملكوت كله لله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:107] .
والفارق بين الملك والملكوت أنّ الله سبحانه يمكن أنْ يعطي من ملكه جلت قدرته لعبيده يتصرفون فيه من سلطان أو مال، فكل ما في الكون هو ملك لله سبحانه وتعالى، فيعطي لهؤلاء العبيد, وهو لا يخرج من ملكية الله سبحانه وتعالى بل هو باقٍ، ويستعمله عبيده على سبيل العارية المردودة والمسترجعة، فله ملك السموات والأرض.
وعندما ننظر لاستعمال الملك والملكوت في القرآن الكريم، نجد أنّ الملك يمكن أنْ يوجه إلى عبيد الله سبحانه وتعالى، أي: إلى البشر، لكن لم يرد في القرآن الكريم أنه أعطي من الملكوت للبشر (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) [آل عمران:26] فالملك ملك الله سبحانه وتعالى ممكن أنْ يُعار بعضه ؛ أي: يُملك على سبيل الإعارة نحو قوله تعالى : (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) [النور:33] أي: هو مال الله .
أمّا الملكوت فهو العز والسلطان، وملكوت الله سلطانه، والملكوت ملك الله خاصة , أي: لا يعطي منه لأحد، والملك داخل في الملكوت، والملكوت عام، فالله عز وجل لم يقل : (تؤتي الملكوت من تشاء) بل (تُؤْتِي الْمُلْكَ) وملك الله عز وجل ما في السموات وما في الأرض، فملكوت الله عز وجل واسع، والملكوت هو هذا الملك الواسع مما لا يمكن أنْ يتخيله الإنسان.
وفي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام:75] الموطن موطن تعجب وموطن عظمة، فقال: نريه ملكوت السماوات والأرض .
وقد وردت كلمة (مَلَكُوتَ) في القرآن الكريم أربع مرات، وليس فيها إشارة إلى إعطائها لأحد، والآيات هي : الأنعام [75] الأعراف [185] المؤمنون[ 88 ] يس [ 83 ]
و(ملكوت) كلمة عربية على وزن فعلوت مثل رهبوت، وفي اللغة :الرهبة والرهبوت وتعني الرهبة العظيمة .
السؤال الثالث:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ لمّا حكَمَ الله بجواز النسخ في الآية السابقة ,عقبه ببيان أنّ ملك السماوات والأرض له لا لغيره , فإذا كان مالكاً لكم , متصرفاً فيكم , فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد , فيأمر عباده وينهاهم كيف يشاء , وعليهم الطاعة والقبول فهو المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه وليس لأحد أن يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام .
2ـ الكلُ مملوكٌ ومربوبٌ لله سبحانه وتعالى , وهو جلّ شأنه يُغير ويبدل وفق حكمته وما تقتضيه الأحوال والمصلحة لهم , فيأمر عباده وينهاهم كما يشاء , وعليهم الطاعة والقبول , ولا حَجْرَ عليه ـ سبحانه ـ في أقداره وأوامره ونواهيه .
3ـ الله سبحانه وليُّ عباده ونصيرهم , فيتولاهم في تحصيل منافعهم , وينصرهم في دفع مضارهم .
4 ـ من عصى الله , فليس لأحد من دونه الله من وليّ يتولاهم , ولانصير يمنعهم من عذاب الله .
5ـ من تأمّل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ , عرف بذلك حكمة الله ورحمته بعباده , وإيصالهم إلى مصالحهم , من حيث لا يشعرون بلطفه .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 31-03-2024 10:29 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (89)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى :(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [البقرة: 108]
السؤال الأول:
في قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ) [البقرة:108] ما المتروك؟ وما المأخوذ ؟
الجواب:
الباء مع الذاهب (بِالْإِيمَانِ) أي: أنّ الإيمان عندهم ذهب بعد أنْ أخذوا محله الكفر .
السؤال الثاني:
قوله تعالى: (ضَلَّ) من منظومة كلمات (التيه)، فما هذه الكلمات ؟
الجواب:
كلمات منظومة (التيه) هي :
ـ تاه: ومنه التيه في الأرض (تيْهان) ، والتيه في العقيدة، (تائه)، وهو المتحير الذي لا يعرف المكان الذي هو فيه ولا كيف يتوجه فهو تائه وتيهان.
ـ ضاع : الضياع يكون بالإهمال وقلة الوعي، نحو قوله تعالى: (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ) [مريم:59] و (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ) [آل عمران:195].
ـ فقدَ : الفقدان هو زوال الشيء عنوة وهو عزيز, والفقد لا يكون إلا لعزيز, والضائع لا يعود، والمفقود يعود وقد لا يعود،: (قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ) [يوسف:71] .
ـ ضلّ : الضلال هو الخروج عن طريق مستقيم واضح إلى طريق متعرج مجهول, وفي القرآن تطلق كلمة (ضلّ والضلال) على الكفر والشرك وتطلق على النسيان (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا) [البقرة:282] وعلى الخطأ اليسير (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [يوسف:8] .
ـ الضلال البعيد : كل ضلال بعيد في القرآن هو كفر وشرك، والضالون مخلدون في النار(إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [الشورى:18] .
ـ الضلال عن سواء السبيل: كان مؤمناً فتحيّر فارتد مشركاً فهو من المرتدين, انظرآية البقرة: ( وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [البقرة:108] .
ـ الضلال المبين: هو آخر فرصة للضال قبل أنْ تأتيه العقوبة، وتطلق على الكافرين المشركين الخالدين في النار. قال تعالى : (لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [مريم:38] .
السؤال الثالث:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ ( أمْ ) عاطفة منقطعة بمعنى ( بل ) , وللعلم فإنّ ( أمْ ) تأتي متصلة ومنقطعة , فالمتصلة تأتي بمعنى ( أي ) نحو : أضربت أخاك أم وبّخته ؟ بمعنى : أي ذلك فعلتَ ؟ وسُميت متصلة لأنّ ما قبلها لا يستغني عما بعدها, وذلك أنها وقعت بين شيئين أو أشياء لا يُكتفى بأحدها , فإنّ طَلبَ التعيين لا يتحقق إلا بأكثر من واحد , وأمّا المنقطعة فتقع بين جملتين مستقلتين وتفيد الاضراب عن الكلام الأول , ومعناها في الغالب ( بل ) .
2ـ الإرادة في الخلق في الفعل ( تريدون ) هو نزوع النفس لبادٍ تستقبله , وعبّر بالفعل المضارع لاحتمال تكرر الأمر مع الزمن .
3 ـ ( سواء السبيل ) هو وسطه وخياره , والغرض التشبيه دون نفس الحقيقة , ووجه الشبه في ذلك أنّ من سلك طريق الإيمان فهو جارٍ على الاستقامة المؤدية إلى الفوز والظفر بالثواب والنعيم , فالمبدل لذلك بالكفر عادل عن الاستقامة فقيل إنه ضلّ سواء السبيل .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 31-03-2024 10:31 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (90)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ)[البقرة:109]
السؤال الأول:
قال هنا في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ) [البقرة:109] وقال في آية البقرة: (مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ) [البقرة:56] بينما لم يذكر (من) في آية آل عمران (بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ) [آل عمران:100] فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
بشكل عام (مِن) للابتداء . تقول مثلاً : سافرت من مكة إلى المدينة , أي ابتداء السفر من مكة . وعندما تذكر ( من ) تكون للفترة أو للمسافة القصيرة لأنها ذكرت الابتداء , وبدون
( من ) يمكن أن تكون للفترة أو للمسافة القصيرة أو الطويلة . انظر إلى قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا ﴾ [فصلت:10] فذكرهنا ( من ) ليدل على أنّ الرواسي ملتصقة بالأرض ليس بينها وبينها فراغ , بينما قال تعالى : (أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ ﴾ [الملك:19] لم يذكرهنا ( من ) لأنّ بينهم وبين السماء مسافة طويلة .
1ـ في آيتي البقرة : (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ٥٥ ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾[البقرة:55ـ56 ] معناها أنّ الله لم يتركهم مدة طويلة ميتين .
2ـ وفي آية البقرة : ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ١٠٩﴾ [البقرة: 109] ذكر الله أنّ كثيراً من الكفار يتمنون لو أنهم ردوا المسلمين من بعد الإيمان كافرين أي بلا مهلة (حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) فهم يتمنون الإسراع في تكفيرهم، وأنْ ينقلوهم فوراً من حالة الإيمان إلى حالة الكفر.
بينما في آية آل عمران (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ) [آل عمران:100] ففيها تحذير للمسلمين من إطاعة الكافرين؛ لأنهم ينفثون فيهم أوهامهم وضلالهم شيئاً فشيئاً حتى يردوهم مع مرور الزمن كافرين, وليس معناه أنهم ينقلونهم فوراً من الإيمان إلى الكفر.
لذلك الأولى مقام تمنٍّ، والثانية مقام تحذير.
والله أعلم.
السؤال الثاني:
لم قال تعالى: (مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109] ولم يقل منهم؟
الجواب:
في قوله تعالى: (مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) [البقرة:109] تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.
السؤال الثالث:
ما أهم الوقفات والدروس في الآية ؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى : ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ) هو تعليل لمعنى الكلام في الآية السابقة رقم 108 وهو : ألا تتبدلوا الكفر بالإيمان , بعد تعليله بالضلال . وكما قال تعالى أيضاً : (مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ) [البقرة:105].
2ـ قوله تعالى : ﴿ لَوۡ يَرُدُّونَكُم) أي : بأجمعكم , وليس قسماً منكم .
3ـ قوله تعالى : ﴿ مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ) جاء بـ ( من ) للتعبير أنّ تمنيهم يريدونه أن يتحقق في زمن يسير .
4ـ قوله تعالى : ﴿ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم) ( حسداً ) مفعول لأجله , وسببه ما آتاكم الله من الخير الهادي إلى الجنة , والحسد قلق النفس من رؤية النعمة على الغير , وقوله تعالى : ﴿ مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم ) هو تأكيد على تأصيل هذا الحسد فيهم وصدوره من أنفسهم أكثر من قوله منهم.
5ـ قوله تعالى : ﴿ مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ ) أي من صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , وأنه خاتم النبيين المرسل إلى الناس جميعاً بشهادة ما طابقه من التوراة .
6 ـ قوله تعالى : ﴿ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ) الفاء في ( فاعفوا ) فاء الفصيحة .
وهنا في الآية بيّن الله للمؤمنين طريقة التعامل مع أهل الكتاب بأن لا يقابلوا الحقد بالحقد ولا السيئة بالسيئة , حتى يأتي الله بأمره , عندما أُمِرَ المسلمون بالقتال بعد أن اشتدت قوتهم وأجلي اليهود عن المدينة , ونُصروا عليهم , والله قدير لا يعجزه شيء .
وللعلم فإنّ ( العفو ) هو ترك العقوبة على الذنب , و( الصفح ) هو الإعراض عنه وعدم مواجهته باللوم ونحوه , لذا فالصفح أبلغ من العفو , ويكون معنى الآية : أيها المؤمنون اتركوا معاقبتهم وأعرضوا عنهم حتى يأذن الله لكم في الانتصار منهم بعد أن تتهيأ أسباب النصر .
والله أعلم .



ابوالوليد المسلم 01-04-2024 05:28 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (91)

مثنى محمد هبيان


قال تعالى :(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة: 110]
السؤال الأول:
أداة الشرط (ما) في الآية ماذا تفيد من معنى ؟
الجواب:
(ما) : أداة شرط وهي أعم من (مَن)، وهي لغير العاقل: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) [آل عمران: ١١٥] ، ولصفات العقلاء نحو: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) [النساء:24] وهي تفيد الزمان نحو: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) [التوبة:7] أي: مدة استقامتهم لكم , كما تكون غير زمانية كما في هذه الآية (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ) [البقرة:110].
السؤال الثاني:
يقول تعالى في هذه الآية: (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110] وفي آية أخرى يقول: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] فهل للتقديم والتأخير لمسة بيانية؟
الجواب:
التقديم والتأخير يأتي لسبب، والسياق قد يكون الحاكم والموضح للأمور، فإذا كان السياق في الكلام أو الآية عن العمل يقدّم العمل على البصر, وإذا كان الكلام ليس في السياق عن العمل أو الكلام عن الله تعالى وصفاته يقدّم صفته.
شواهد قرآنية :
1ـ فمن باب تقديم العمل على البصر، قوله تعالى:
ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110] السياق عن العمل والله بهذا العمل بصير.
ـ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:265] هذا إنفاق وهو عمل فقدّم العمل .
ـ (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:233] الرضاعة عمل فقدّم العمل .
-(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:237] العفو عمل فقدّم العمل.
ـ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [هود:111] توفية العمل فقدّم العمل.
ـ (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود:112] الكلام عن العمل فقدّم العمل .
ـ (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ:11] قدّم العمل.
ـ (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فُصِّلَت:40] قدّم العمل.
2ـ ومن باب تقديم البصر على العمل، قوله تعالى:
ـ (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [البقرة:96] ليس فيها عمل فقدّم صفة من صفاته تعالى .
ـ (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) [المائدة:71] لا يوجد عمل فقدّم صفة من صفاته تعالى .
ـ (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحُجُرات:18] يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.
السؤال الثالث:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
هذه الآية دعوة للمسلمين لاصلاح شؤونهم مع الله ومع الناس , بأن يشتغلوا بإقامة الصلاة وأداء الزكاة , وأعمال البروالخير, ريثما يأذن الله بقتال الكفار ,والله لن يضيع ثواب أعمالكم , فهو سبحانه بصير بجميع أعمالكم .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 01-04-2024 05:30 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (92)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى : (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 111]
السؤال الأول:
في الآية طلب كشف مدى صدق دعواهم وهو نوع من طلب التحقيق، فما دلالة ذلك ؟ وما فرق التحقيق عن التبيين ؟
الجواب:
التحقيق هو كشف مدى صدق الدعوى، وهو يختلف عن التبيين الذي هو لمعرفة صدق الخبر، والفرق بين التبيين والتحقيق أنك في الأول تجعل صاحب الخبر يبيّن , أمّا في الآخر فإنك تجعل صاحب الدعوى يأتي بالبرهان على صحة دعواه كما في هذه الآية.
السؤال الثاني:
ما كلمات منظومة التحري والتحقيق في القرآن الكريم؟
الجواب:
كلمات منظومة التحري والإحاطة والتحقق هي:
التحري:
التحري هو أن تتناول الأمر من جانبه سراً بدون أنْ يشعر بك أحد للوصول إلى اليقين.
وهناك طريقتان للتحرّي، وهما:
أ- طريق التجارب تجربة بعد تجربة. قال تعالى:
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14]، فهم لم يعرفوا من مرة واحدة ولكنهم مروا بتجارب عديدة حتى وصلوا إلى الرشد.
وقال أيضاً: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51].
حيث تحرّى إبراهيم عليه السلام الكوكب والقمر والشمس فأدى به التحري إلى الرشد، وهو أرقى أنواع التفكير العقلي.
ب- استعمال الشك للوصول إلى اليقين، كما في قوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260].
فالتحري يوصل إلى اليقين والذي يؤمن بالدين يتم بعد يقينه بهذا الدين وبأنه هو الدين الصحيح.
الاستخبار:
هو أنْ تكشف خطط العدو وتعرف تصرفاته من بعيد كما فعل الهدهد مع ملكة سبأ {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22] وقوله تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 94]، والخبر يكون من قريب، أمّا الاستخبار والنبأ فيكون من بعيد.
التبيّن:
هو المراقبة من بعيد أو التغلغل في صفوف الآخرين لمعرفة صدق الخبر؛ لأنه لا بدّ من التيقن من صحة الخبر أو كذبه، كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، بمعنى اطلب البيان وهو التفصيل الكامل عمن الذي نقل الخبر.
التحقيق:
هو كشف مدى صدق الدعوى، وهو يختلف عن التبين الذي يكون هو كما أسلفنا لكشف صدق الخبر، والفرق بين التبيين والتحقيق أنك في الأول تجعل صاحب الخبر يبين، وأمّا في الآخر فأنت تجعل صاحب الدعوى يأتي ببرهان على صحة دعوته، قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، فقد طلب تعالى منهم أنْ يأتوه بالبرهان على صدق دعواهم تلك، وعلى صاحب الخبر أنْ يبين عمّا قال بالتفصيل، وعلى صاحب الدعوى أنْ يبرهن عن دعواه بالدليل.
التحسس:
هو معرفة مكان شيء أو شخص غائب أو مفقود، ولابدّ من الانطلاق بالحركة للسؤال عن هذا الغائب أو المفقود في محاولة لإيجاده، ولابدّ من استعمال كافة الحواس حتى تجعل المفقود أو الغائب مشاهداً، كما في قوله تعالى في سورة يوسف {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] .
والفرق بين التحسس والتجسس، أنّ التحسس يكون للصديق أو لمصلحتك، أمّا التجسس فهو محاولة اكتشاف غيب العدو وحركاته وخططه، ويكون ذلك عن طريق استراق السمع ونشر العيون، وهذا يكون لمصلحة الآخرين، وهو نوعان:
- إيجابي مع العدو: كما فعل الهدهد في قصة سبأ، لأنه قد يدفع شر العدو ويفشل خططه، أو قد يعين على مهاجمته.
ـ سلبي مذموم على المسلمين: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] ونهى عنه الرسول ﷺ بقوله: «لا تحسسوا ولا تجسسوا» وهذا من خائنة الأعين، وقد تجسس عمربن الخطاب رضي الله عنه مرة على شاربي خمر فحاججوه فاعتذر منهم.
القصّ والقصص:
هذه كانت موهبة وأصبحت الآن علماً قائماً بذاته، وقد كان السابقون يقصون آثار الناس ويتعرفون على آثار شخص ما من بين آلاف الآثار، وكان هذا العلم يسمى (قصّ الأثر).
أمّا الآن فلدينا بصمة الأصابع، وبصمة الصوت، والشفرة الوراثية، وبصمة الشعر والعين وغيرها، وهذه كلها تطوير لعلم القصّ حتى إنّ الكلاب الآن تستخدم لتقصي الأثر. قال تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} القصص 11 وقال:{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]، أي اتبعوا آثارهم حتى وصلوا إلى المكان المراد.
التوسم:
التوسم من الفراسة وهو من اللامعقول كالقص سابقاً، فالله يعطي من يشاء من عباده بصيرة عظيمة، وهو ناجم في الغالب عن طاعة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [ الحجر: 75].
وكما في قصة الخضر حيث كشف الله تعالى له أنّ الغلام سيكون شقياً، وكذلك في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نادى من فوق المنبر: (يا سارية الجبلَ الجبلَ)، ومن ضمنها أيضا الرؤيا الصالحة، وكمافي الحديث «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».
التنقيب:
هو البحث عن الشيء الثمين في موقع معين، قال تعالى : {وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} [ق: 36].
هذه جملة الأساليب التي يكتشف بها الإنسان بعض الغيب فيصبح مشاهداً، وهي أساس حركة الكون كله من البحث عن المعادن والخصب والمرض والمجرمين وكل الاكتشافات.
السؤال الثالث:
ما أهم الدلالات في هذه الآية؟
الجواب:
1ـ هذه الآية تبين زعم اليهود بأنّ الجنة خُلقت لهم وحدهم, والردُّ على ذلك .
2ـ الهود : جمع هائد , كعائذ وعُوذ , فإنْ قيل : كيف قيل : كان هوداً ؟ على توحيد الاسم وجمع الخبر ؟ والجواب : حمل الاسم على لفظ ( من ) والخبر على معناه .
3ـ إنْ قيل : قوله تعالى على لسان اليهود {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ} أمنية واحدة , وقوله تعالى :
{تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} جمع فما تفسير ذلك ؟ والجواب : أُشير إلى الأماني السابقة :أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خيرٌ من ربهم ـ أمنيتهم أن يردونهم كفاراً ـ أمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم . والمعنى : تلك الأماني الباطلة أمانيهم .
وقيل : إنّ شدة تمنيهم لهذه الأمنية بأن لا يدخل الجنّة غيرُهم وتأصلها في نفوسهم فجُمعت وتوزعت في قلوبهم فلم تترك فراغاً لغيرها .
4ـ قوله تعالى: {هَاتُوا} (هات) بمعنى أحضر . ودلتْ الآية على أنّ المدعي سواء ادعى نفياً أو إثباتاً , فلا بدّ له من الدليل والبرهان , وإلا تكون دعواه باطلة . قال الشاعر :
من ادعى شيئاً بلا شاهد =لا بدّ أن تبطل دعواه
5ـ قوله تعالى : {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} شرط وفعله , والجواب محذوف , والتقدير : فهاتوا برهانكم .
6ـ قرأ أبو جعفر ﮋ أَمَانِيُّهُمْ ﮊ بياء مدّية بعد النون ثم هاء مكسورة , وقرأ باقي القرّاء كقراءة حفص بياء مشددة بعدها هاء مضمومة .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 01-04-2024 05:32 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (93)
مثنى محمد هبيان



قال تعالى :(بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ١١٢) [البقرة: 112]

السؤال الأول:
قال تعالى في هذه الآية: (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] وورد الفعل (أَسۡلَمَ) فيها بالماضي , وفي آية لقمان ورد الفعل بالمضارع (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] فما الفرق بينهما؟
الجواب:
أولاً ـ استعراض الآيات :
آية البقرة (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:112] .
آية لقمان (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22].
ثانياً ـ اختلاف الصيغ بين الآيتين :
نوجز ذلك بالجدول التالي :

https://islamsyria.com/ar/ckeditor/k...8%D9%84(4).jpg

سياق الآيتين يوضح الاستعمال من الناحية اللغوية :
1ـ أسلم، أي: انقاد واستسلم وخضع واتبع وفوّض.
آ ـ معنى (أسلم إلى الله) أي:انقاد له وفوض أمره إليه وسلم نفسه إليه كما يُسلَّم المتاعُ إلى الرجل إذا دُفع إليه، والمراد التوكل عليه والتفويض إليه، و(إلى) هنا هي للغاية.
ب ـ ومعنى: (أسلم وجهه لله) أي: جعل نفسه لله خالصاً، أي: لله فقط ، والاختصاص والوجه بمعنى النفس والذات، فاللام للملك والاختصاص، أمّا (إلى) فهي للغاية؛ لذلك (أسلم له) أعلى من (أسلم إليه).
وقد وردت في عموم القرآن الكريم متصرفات الفعل (أسلم) متعدية باللام، ولم يرد ذلك الفعل متعدياً بإلى إلا في آية لقمان( 22).
2ـ أنه إذا وقع فعل الشرط مضارعاً بعد أداة الشرط فهذا يفيد التكرار غالباً، وإذا وقع بالماضي يفيد وقوع الحدث مرة في الغالب .
المعنى العام للتعبير:
استعمال (إلى) تدل على أنّ الله هو الغاية، والغاية لا بُدّ لها من طريق للهداية يوصّل إليها.
أمّا اللام، فتعني الوصول لله مباشرة دون قطع طريق، وهذا الوصول لا يكون إلا بدرجة عالية من الإخلاص لله.
فمعنى آية لقمان: أنك على الطريق الموصل إلى الله تعالى، وأنك تؤدي ما افترضه عليك.
ومن إسلام الوجه لله قول ملكة سبأ : (وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [النمل:44] فالكلام هنا على لسان ملكة، فلم تقل: أسلمت لسليمان، لكنْ قالت: (وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [النمل:44].
وإسلام الوجه لله أو إخلاص العمل لله عملية دقيقة تحتاج من العبد إلى كثيرٍ من المجاهدة لأنّ النفس لا تخلو من هفوة.
ما سبب اختيار الفعل (أسلم) ؟
1ـ ذكرنا أنّ أهم معاني (أسلم )هو الاتباع والتفويض.
آـ معنى الاتباع :
في آية لقمان [21] قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ) [لقمان:21] فذكر فيها الاتباع للآباء بمعنى أنهم أسلموا قيادة أمرهم إلى الشيطان، فناسب هنا ذكر اتباع الله فقال: (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] .
ب ـ معنى التفويض :
ذكر في آية لقمان [22] أنّ المرء يفوض أمره إلى الله وخاصة في حالة الشدائد، فقال تعالى: (فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ ) [لقمان:22] فكأنها تعصم من الشدائد؛ لأنّ حبل الله متين مأمون انقطاعه؛ ولأنّ النتيجة هي بيد الله وإلى الله عاقبة الأمور .
لذلك ناسب اختيار (يُسلم)
مقارنة بين آية البقرة (112 ) وآية لقمان (22) :
1ـ جاءت لفظة (أَسۡلَمَ) بالماضي في سورة البقرة، وجاءت بصيغة المضارع في آية لقمان ؛ وذلك بسبب :
آ ـ في البقرة جاءت رداً على اليهود والنصارى، كما جاء في قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ) [البقرة:111] فجاء الرد (بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] أي: دخل في الإسلام، وهذا يحدث مرة واحدة في العمر، والباقي أعمال فجاءت في صيغة الماضي.
ب ـ أمّا في آية لقمان فجاء بصيغة المضارع؛ لأنّ معاني الاتباع متعددة والتفويض يتكرر في كل أمر عند الشدائد فناسب فعل المضارع.
2ـ يقدّم القرآن الجار والمجرور على الفعل (أسلم) في مقام التوحيد ونفي الشرك، فيقول: (فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ) [الحج:34] وفي غيره لا يقدم.
شواهد قرآنية :
آـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ) [الحج:34] فقدّم الجار والمجرور (فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ) لأنه تقدمها (فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ) .
ب (وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) [الزُّمَر:54] لم يقدّم الجار والمجرور؛ لأنها ليست في مقام التوحيد.
ج ـ آية لقمان [ 22] لم يقدم الجار والمجرور؛ لأنها ليست في مقام التوحيد.
د ـ وتقديم الجار والمجرور يفيد الحصر كما في قوله تعالى : (ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ) [المُلك:29].
وكذلك في آية الملك قدّم الجار والمجرور على الفعل (وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ ) [المُلك:29] وقدم الفعل (ءَامَنَّا) [المُلك:29] على الجار والمجرور (ءَامَنَّا بِهِۦ) [المُلك:29] وذلك لأنّ الإيمان ليس منحصراً في الإيمان بالله فقط, بل لا بدّ معه من الإيمان بالرسل والملائكة والكتب واليوم الآخر وغيره مما يتوقف عليه صحة الإيمان عليه، بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده لتفرده بالقدرة والعلم القديمين، لذلك قدّم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره؛ لأنّ غيره لا يملك ضراً ولا نفعاً فيتوكل عليه .
لذلك لا يصح من الناحية البيانية أنْ تقول (به آمنا).
3ـ قال في لقمان: (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] بالتعدية بـ (إلى) وقال في البقرة: (أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ) [البقرة:112] والسبب كا ذُكر أعلاه؛ فمعنى (يسلم وجهه إلى الله) أي: يفوض أمره إلى الله ويتوكل عليه، ولذا كان جواب الشرط: (فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] .
بينما معنى (أسلم وجهه لله) أي: دخل في الإسلام واستسلم لوجه الله وانقاد له وجعل نفسه خالصاً له، ولذا كان الجواب: (فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) [البقرة:112].
4ـ قوله تعالى: (وَهُوَ مُحۡسِنٞ) [البقرة:112] أي: يسلم وجهه إلى الله في حالة اتصافه بالإحسان
5ـ قوله تعالى: (وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] :
آ ـ (وَإِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] قدّم الجار والمجرور لتفيد الحصر، وهي رد على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور، والآية تفيد أنّ الأمور جميعها هي صائرة إليه عزّ وجلّ لا إلى غيره، فيجازي الله سبحانه المتوكل عليه أحسن الجزاء، ويجازي ذلك المجادل بما يليق به بمقتضى الحكمة .
ب ـ وأل التعريف في قوله: (ٱلۡأُمُورِ) [لقمان:22] هي للاستغراق.
وبشكل عام وفي كلا الآيتين (من أسلم لله) و(أسلم إلى الله) كلاهما محسن , ولذلك قال القدامى : (أسلم لله) أعلى من (أسلمت إلى الله) كما قال الرازي: واختلف الأجر وكل أجر مناسب لكل واحد، ذاك فوض أمره إلى الله فقد استمسك بالعروة الوثقى، وذاك جعل نفسه خالصاً لله فله أجره عند ربه، وكونه مسلماً دخل في الإسلام. والله أعلم.
السؤال الثاني:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
(بَلَىٰۚ) هو حرف جواب لإثبات ما نفوه من دخول غيرهم الجنة .
2ـ بيّن سبحانه أنّ الأمر ليس كما زعم كل فريق من اليهود والنصارى, من أنّ الجنة تختص بطائفة منهم دون غيرها , وإنما يدخل الجنة كلُ من أخلص دينه لله فأسلم وجهه له , وامتثل لأوامر الله ونواهيه في كل تصرفاته ,وعمل صالحاً , وتوجه خالصاً بقلبه لله تعالى .
3ـ قوله تعالى : (وَهُوَ مُحۡسِنٞ) دلالة الإخلاص لله في عمله الصالح .
4 ـ قوله تعالى : (وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ) أي مما يصيبهم في المستقبل , وقوله تعالى : (وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ) أي :على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
5ـ الآية تشير إلى أنّ العمل المتقبّل له شرطان :
آ ـ أن يكون خالصاً لله من الرياء والشرك .
ب ـ أن يكون موافقاً للشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6 ـ قرأ يعقوب : ( لا خوفَ عليهم) بفتح الفاء , على أنّ ( لا ) نافية للجنس تعمل عمل إنّ , وقرأ الباقون بتنوين الفاء المرفوعة (وَلَا خَوۡفٌ) على أنّ ( لا ) ملغاة نحوياً لا عمل لها , وقرأ حمزة ويعقوب بضم الهاء من ( عليهُم ) وكسرها الباقون (عَلَيۡهِمۡ) . والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 02-04-2024 05:54 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (94)
مثنى محمد هبيان



(وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة: 113]
السؤال الأول:
متى يأتي الفعل(كانوا) أو (كنتم) مع كلمة (يختلفون) و(تختلفون)، كما في الآيات (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] ؟ ومتى لا يأتي الفعل ( كان ) كما في آية يونس 19 ؟ وما سبب ذلك ؟
الجواب:
عندما يقول القرآن: (كَانُوا) أو (كُنْتُمْ) فالكلام عن يوم القيامة، والاختلاف كان في الدنيا كما في قوله تعالى :( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [البقرة:113] فالاختلاف كان في الدنيا, علماً بأنّ (كان) هو فعل ماض ناقص، وأحياناً يأتي تاماً، وله استخدامات كثيرة.
وأمّا قوله تعالى: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] فهذه الآن، وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19] لأنها تقصد الدنيا؛ فلا حاجة للفعل (كان) .
السؤال الثاني:
لماذا أنّث الفعل (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) [البقرة:113] (وَقَالَتِ النَّصَارَى) [البقرة:113] في الآية ؟
الجواب:
القاعدة تقول :
1ـ يجوز تذكير وتأنيث جمع التكسير.
2ـ يونث الفعل مع الكثرة ويذكر مع القلة : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ) [الحُجُرات:14] (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) [البقرة:113] (وَقَالَتِ النَّصَارَى) [البقرة:113] ؛ لأنّ الأعراب كُثر واليهود كُثُر والنصارى كُثر كذلك فأنث , ويذّكر مع القلة كما في قوله تعالى : (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) [يوسف:30].
السؤال الثالث:
ما أهم دروس هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ هذه الآية تفصيلٌ لما ذُكر في الآية السابقة (111) .
2 ـ روي أنّ وفد نجران من النصارى لمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم , فقالت اليهود : ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل , وقالت النصارى لهم نحوه وكفروا بموسى عليه السلام والتواراة .
3ـ الخلاف كان يخصّ الأمور العامة , وما يتصل بالنبوات .
4 ـ قوله تعالى : (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) الواو للحال والكتاب للجنس , أي قالوا ذلك وهم أهل العلم والتلاوة للكتب , وحقّ لمن حمل التوراة والإنجيل أو غيرها من كتب الله أن لا يكفر بالباقي لأنّ كل واحد من الكتابين مصدّق للثاني وشاهد لصحته .
5 ـ قوله تعالى : (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) هم كفّار العرب الذين قالوا إنّ المسلمين ليسوا على شيء , فبيّن تعالى أنه إذا كان قولُ اليهود والنصارى وهم يقرأون الكتاب لا يقبل ولا يُلتفت إليه فقول كفارالعرب أولى ألا يلتفت إليه .
6 ـ هذه الآية رقم ( 113 ) ذكرت المخالفة الرابعة والعشرين (24 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : تكذيب كل من البهود والنصارى للآخر.والله أعلم .
السؤال الرابع:
وردت لفظة ( في ما ) في القرآن الكريم متصلة (فِيمَا) ووردت منفصلة (فِي مَا) فما تعليل ذلك ؟
الجواب:
1ـ وردت لفظة :( في ما ) في القرآن الكريم منفصلة (فِي مَا) في ( 11) موضعاً وهي : [ البقرة240 ـ المائدة 48 ـ الأنعام 145 ـ 165 الأنبياء102 ـ النور 14 ـ الشعراء 146 ـ الروم 28 ـ الزمر 3 ـ 46 الواقعة 61 ] .
كما وردت متصلة (فِيمَا) في ( 24) موضعاً في (23) آية وهي: [ البقرة 113 ـ 213ـ 229 ـ 234 ـ 235 ـ آل عمران 55 ـ 66ـ النساء 24 ـ 95ـ المائدة 93ـ الأعراف 190ـ الأنفال68 ـ يونس 19 ـ 93 ـ النحل124 ـ الحج 69ـ المؤمنون 100ـ القصص 77 ـ السجدة 25 ـ الأحزاب 5 ـ 38 ـ الجاثية 17ـ الأحقاف 26 ].
2ـ في آية البقرة : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: 240] جاءت منفصلة (فِي مَا ) لأنّ لفظ ( ما ) يقع على فرد واحد من أنواع مختلفة من البدلية أو الجمع , يدل على ذلك تنكيره بالآية(مِنْ مَعْرُوفٍ ) ودخول حرف التبعيض عليه , فهو حسي يقسّم , بخلاف قوله تعالى : (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 234 ] فهذا موصول لأنّ ( ما ) واقعة على شيء واحد غير مفصّل , يدلك عليه وصفه(بِالْمَعْرُوفِ) .
3ـ وفي آية الأنبياء : ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 102]
هو مفصول , لأنّ شهوات النفس مختلفة أو مفصّلة في الوجود , وكذلك الأمر في باقي المواضع فتدبرها .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 02-04-2024 06:09 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (95)
مثنى محمد هبيان



(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 114]
السؤال الأول:
ما نوع الاستفهام فى الآية؟
الجواب:
يوجد في هذه الآية استفهام بـ (وَمَنْ) وليس الغرض منه الاستفهام الحقيقي وانتظار جواب، وإنما هو استفهام إنكاري خرج إلى النفي، ومعناه : أي لا أحد أظلمُ ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه.
وللعلم فإنّ إعراب ( من ) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ومعناه النفي .
السؤال الثاني:
ما المساجد المقصودة في الآية حتى جُمِعت؟
الجواب:
نزلت الآية في أهل مكة؛ لأنهم منعوا المسلمين دخول المسجد الحرام , ومع ذلك نرى أنّ الآية قد جُمِع فيها المسجد (مَسَاجِدَ) للتعظيم من شأن المسجد، وهذا واضح كما يقول الفرد في معرض الفخر والتعظيم لنفسه: (نحن نقول) وكذلك كلمة (المساجد) أتت جمعاً ليكون الوعيد شاملاً لكل مخرِّب لمسجد أو مانع العبادة فيه.
السؤال الثالث:
ما الفرق بين استعمال كلمتي (عقاب وعذاب) كما وردتا في القرآن الكريم؟
الجواب:
هذه الكلمات هي من لهجات مختلفة فليس بينها فروق، ويستدلون بكلمة السكين والمُدية.
وأمّا عن كلمتي (العقاب والعذاب ) في القرآن الكريم فهو أنّ :
1ـ كلمة العقاب ومشتقاتها وردت في القرآن في ـ 64ـ موضعاً.
2ـ كلمة العذاب ومشتقاتها وردت في القرآن في ـ370ـ موضعاً.
3ـ الفعل الثلاثي لكلٍ من الكلمتين (عذب) و(عقب)، والحرفان الأول والثالث مشتركان بينما الخلاف في الحرف الثاني.
وحرف الذال من أحرف الرخاوة وفيه امتداد، بينما حرف القاف من أحرف الشدة وفيه سرعة، ويسمى في الدراسات الحديثة حرفاً انفجارياً، وأمّا حرف الذال ففيه طول ورخاوة؛ ولذلك فإن امتداد الذال يكون للدنيا والآخرة.
لذلك نستنتج أنّ كلمة (العقاب) تكون للشيء السريع، والشيء السريع يكون في الدنيا، ومن هنا نجد أنّ الآيات التي تحدثت عن عقوبات الأمم السابقة في الدنيا جاء معها كلمة (العقوبة).
4ـ أي أنّ العقاب فيه شدة وسرعة واستعملها القرآن في الدنيا، بينما استعمل (العذاب) في الدنيا والآخرة.
5ـ ليس في القرآن (سريع العذاب) وإنما (سريع العقاب) كما في قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام:165] والآية وصفٌ لله سبحانه وتعالى, لكنه جلّت قدرته لم يصف نفسه بأنه سريع العذاب.
6ـ العذاب: الفعل (عذّب) والعذاب قد يكون في الدنيا نحو قوله تعالى: (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ) [البقرة:114]، وقد يكون في الآخرة (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114]، وجاء بها بمعنى العقاب (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2] فهذه عقوبة سمّاها عذاباً، ما يدل على أنّ العذاب أوسع من العقاب؛ لأنه يستعمل دنيا وآخرة ويستعمل بمكان العقاب.
شواهد قرآنية على العقاب :
(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) [الأنعام:165].
(ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ) [الحج:60].
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران:137] .
شواهد قرآنية على العذاب :
(لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114] عذاب في الدنيا والآخرة.
(وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) [الحشر:3].
السؤال الرابع:
ما أهم دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1ـ هذه الآية ليست مجرد شرط وجزاء , بل المُراد أنّ منْ الكفار من منع عمارة المساجد وسعى في خرابها , وبيّن الله تعالى جزاء من يعمل مثل ذلك .
2ـ قوله تعالى : (وَسَعَى) أي اجتهد وبذل جهده .
3 ـ قوله تعالى : (وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) يشمل الخراب الحسي ( الهدم والتخريب ) والخراب المعنوي ( منع الذكرين لاسم الله فيها ومنع المصلين والمتعبدين ) وهذا عام لجميع من اتصف بهذه الصفة قديماً وحديثاً .
4 ـ قوله تعالى : (خِزْيٌ) هو الذل والهوان والإذلال والفضيحة .
( مساجد ) جمع مسجِد , وهو اسم لمكان السجود , وكان من حقه أن يأتي على وزن (مفعَل) بفتح العين , لأنّ عين مضارعه مضمومة , ولكنه سُمع بالكسر شذوذاً , ومثل ذلك أيضاً : المطلِع والمشرِق والمغرِب , وفي هذه الحالة السماع أفصح , مع أنه يجوز الفتح . وللمساجد أحكام كثيرة خاصة فيها .
6 ـ هذه الآية رقم ( 114 ) ذكرت المخالفة الخامسة والعشرين (25 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : تخريب اليهود وغيرهم مساجد الله.والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 02-04-2024 06:11 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (96)

مثنى محمد هبيان


(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 115]
السؤال الأول:
قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) [البقرة:115] لِمَ خصّ الله تعالى ملكه بالمشرق والمغرب؟
الجواب:
لم تذكر الآية جهة الشمال والجنوب، وإنما ذكرت فقط المشرق والمغرب؛ لأنّ الأرض تنقسم بالنسبة لمسير الشمس إلى قسمين: قسم يبتدئ من حيث تطلع الشمس، وقسم ينتهي من حيث تغرب الشمس. وخصّ الله المشرق والمغرب بالذكر لأنهما محل الآيات العظيمة فهما مطالع الأنوار ومغاربها فإذا كان مالكاً لها كان مالكاً لكل الجهات وأي جهة توجهتم إليها في الصلاة بأمر الله فإنكم مبتغون وجهه ولم تخرجوا عن ملكه وطاعته واللام في الآية (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) هي لام الاختصاص والله أعلم.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين (ثُمَّ) بالضم، و (فَثَمَّ) بالفتح؟
الجواب:
1ـ ثُمَّ - بالضم-: حرف عطف يفيد الترتيب والتراخي، كما في آية عبس: 21، وآية هود: 52.
2ـ ثَمَّ: ظرف بمعنى هناك، وهو للبعيد بمنزلة هنا للقريب، وقد تلحقها التاء فيقال: ثَمَّة – بالتاء-.
ولذلك من الخطأ الشائع أن يقال: ومن ثُمَّ - بالضم – والصحيح: ومن ثَمَّ - بالفتح.
السؤال الثالث:
وردت لفظة ( أينما ) في القرآن الكريم متصلة {أَيْنَمَا} ومنفصلة {أَيْنَ مَا } فما تعليل ذلك؟
الجواب:
1ـ وردت لفظة ( أينما ) متصلة { أَيْنَمَا} في أربعة مواضع وهي: [البقرة: 115ـ النساء 78 ـ النحل 76 ـ الأحزاب 61 ] ووردت منفصلة {أَيْنَ مَا } في ثمانية مواضع وهي:
[ البقرة 148 ـ آل عمران 112 ـ الأعراف 37 ـ مريم 31 ـ الشعراء 92 ـ غافر 73 ـ الحديد 4 ـ المجادلة 7 ].
2 ـ لفظة {أينما} تكون موصولة إذا كانت ( ما ) غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها نحو: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا} {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} فهذه كلها لم تخرج عن ( أين ) الملكي وهو متصلٌ حساً ولم يختلف فيه الفعل الذي مع (ما ) بينما تفصل ( أين ) عن ( ما) حيث تكون ( ما ) مختلفة الأقسام والأماكن في الوصف الذي بعدها وذلك للتفصيل كما في الآيات الثمانية المبينة أرقامها أعلاه. والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 03-04-2024 06:01 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (97)

مثنى محمد هبيان


(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ١١٦ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ١١٧ ﱠ[البقرة: 116-117]
السؤال الأول:
ما دلالة ختام الآية (116 ) بالوصف بالقنوت فى هذه الآية؟
الجواب:
1ـ القنوت هو الخضوع والانقياد مع الخوف، وهذا الأمر لا يقوم به إلا كل عاقل مبصر؛ فلذلك جمع الله تعالى في هذه الآية كلمة (قانت) جمع مذكر سالم (قَانِتُونَ) وهو مختص بجمع الذكور العقلاء ليبيّن لنا سمة أهل الخشوع والقنوت إنهم أصحاب العقول الراجحة التي تخشى الله عن إرادة وبصيرة.
2ـ والقنوت أصله الدوام، ثم استعمل على أربعة وجوه:
آـ الطاعة: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) [آل عمران:43].
ب ـ طول القيام: لمّا سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت».
ج ـ السكون: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238].
د ـ الدوام.
السؤال الثاني:
ما الإضاءات الفكرية في هذه الآية؟
الجواب:
أراد الله سبحانه أنْ يرد على الذين حاولوا أنْ يجعلوا لله معيناً في ملكه الذين قالوا اتخذ الله ولداً، وجاء الرد في ثلاث نقاط:
آ ـ (سُبْحَانَهُ) أي: تنزه الله أنْ يكون له ولد.
ب ـ (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ).
ج ـ (وَالْأَرْضِ).
فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعاً له فما حاجته للولد؟
1ـ قضية (إنّ لله ولداً) جاءت في القرآن الكريم (19) مرة ومعها الرد عليها؛ لأنها قضية في قمة العقيدة، فقد تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد مرة.
2ـ الله سبحانه يريدنا أنْ نعرف أنّ هذا ادعاء خطير مستنكر، ولقد عالجت سورة مريم هذه المسألة علاجاً واسعاً اشترك فيه انفعال السماوات والأرض والجبال حتى كادت الجبال تخر وكادت الأرض تنشق من هذا الافتراء على الله.
3 ـ السؤال هنا: ما الشبهة التي جعلتهم يقولون: ولد الله؟ النصارى فُتِنُوا في ولادة عيسى عليه السلام؛ لأنّ عنصر الأبوة ممتنع، وكان الأولى أنْ يُفتنوا بولادة آدم؛ لأنه بدون أب ولا أم، ومن العجيب أنّ النصارى لم يذكروا الفتنة في آدم، وذكروا الفتنة فيما فيه عنصر غائب من عنصرين غائبين في آدم.
4ـ الملكية تنافي الولدية، لماذا؟ لأنّ الذي يخلق شيئاً يكون فاعلاً، والفاعل له مفعول، والمفعول لا يكون منه أبداً، هل رأيت واحداً صنع صنعة منه؟ الذي يصنع سيارة أو طائرة هل هي من لحمه ودمه؟ طبعاً لا.
إذن مادام ملكية فلا يقال: إنها من نفس جنس صاحبها، ولا يقال: إنّ الفاعل أوجد من جنسه، وكل فاعل يوجد شيئاً أقل منه.
وقول الله في الآية: سبحانه؛ أي تنزيه له، لماذا؟ لأنّ الولد يُتخذ لاستبقاء حياة والده، فهو يحمل اسمه بعد أنْ يموت ويرث أملاكه، إذن هو من أجل بقاء نوعه، والذي يريد بقاء نوعه لا يكفيه أنْ يكون له ولد واحد.
5ـ إذن فما سبب اتخاذ الولد؟ هل هو معونة؟ الله لا تضعف قوته.. هل هو ضمان للحياة؟ الله حياته أزلية.
إذن كل هذا الكون لم يضف صفة من صفات الكمال إلى الله، بل إنّ الله بكمال صفاته هو الذي أوجده.
6 ـ لو فرضنا جدلاً أنّ لله ولداً، فأين ذرية الولد؟ لم نر ولم نسمع أولاداً لمن زعموا أنه ابن لله.
وماذا استجد على الله وعلى كونه بعد اتخاذ الولد كما يزعمون؟ لم يتغير شيء في الوجود.
إذن فالولد لم يعط الإله أي مظهر من مظاهر القوة؛ لأنّ الكون قبل أنْ يوجد الولد وبعده لم يتغير فيه شيء.
7 ـ ثم إذا كان لله سبحانه زوجة وولد فمن الذي وجد أولاً؟ إذا كان الله وُجِدَ أولاً ثم بعد ذلك أوجد الزوجة والولد فهو خالق وهما مخلوقان.
وإذا كان كل واحد قد أوجد نفسه فهم ثلاثة آلهة!!!
إذن الكمال الأول لله لم يزده الولد شيئاً؛ ومن هنا يصبح وجوده لا قيمة له.
السؤال الثالث:
قوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ولم يكرر اسم الموصول (مَا) كما في آية طه: 6، وآية سبأ: 1، أو في آيات التسبيح؟
الجواب:
1ـ إذا قصد بالسياق قصد الجنس أو الاهتمام بما هو المقصود في الآية لم يكرر ذكر اسم الموصول إلا مرة واحدة، كما في هذه الآية وآية الرحمن: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29].
2ـ والقرآن يكرر اسم الموصول (ما) في مواطن الشمول والإحاطة والتفصيل، كما في آية طه: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى).
فقد كرّر اسم الموصول (ما) في سورة طه؛ لأنّ الموطنَ موطنُ شمولٍ وإحاطةٍ وتفصيل، فقد ذكر أنّ له (مَا فِي السَّمَاوَاتِ) و (وَمَا فِي الْأَرْضِ) و (وَمَا بَيْنَهُمَا) و (وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) بينما أجملَ في سورة النحل فلم يكرر.
3 ـ التفصيل في آيتي سبأ واضحٌ في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ١ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ: 1 - 2] لذا كرّر اسم الموصول، بخلاف آية البقرة حيث لم يفصل فلم يكرر.
4ـ وأمّا تكرار اسم الموصول مع آيات التسبيح فسيتبين في حينه.
السؤال الرابع:
لماذا جاء بـ (ما) في الآية وهي لغير العاقل، ولم يأت بـ (من) وهي للعاقل؟
الجواب:
1ـ جاء بـ (ما) لتتناول جميع الأشياء؛ لأنّ (ما) تشمل صفات العقلاء وتشمل ذوات غير العاقل. بينما (مَن) مختصة بالعقلاء لذلك (ما) أوسع استعمالاً من (مَن).
2ـ يقال: كيف جاء بـ (ما) وهي لغير العاقل، مع قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [البقرة:116] والجواب: كأنه جاء بـ (ما) دون (مَن) تحقيراً لشأنهم.
السؤال الخامس:
قوله تعالى في الآية (اتَّخَذَ) ما الفرق اللغوي بين الفعلين أخذ واتخذ؟
الجواب:
1ـ ورد الفعل ( اتخذ ) في القرآن الكريم في عشرين موضعاً ووردت صيغ أخرى كثيرة مشتقة نحو: [ اتخذت ـ اتخذوا ـ تتخذوا ـ يتخذ ـ....]
وورد الفعل ( أخذ ) في أحد ( 11) موضعاً ووردت صيغ أخرى كثيرة مشتقة نحو:
[ أخذنا ـ أخذناهم ـ يأخذه ـ يأخذونها ـ....].
2ـ الفعل ( أخذ ) بمعنى تناول بيده والأمر منه ( خذ ) و( الأخذ ) المصدر ويستعارفيقال: أخذه بلسانه إذا تكلم فيه بمكروه وجاء بمعنى العذاب في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) [هود:102] وقوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) [الحجر:83] وأصله في العربية الجمع ومنه قيل للغدير: وِخْذ وإخْذ والجمع: وِخاذ وإخاذ.
والاتخاذ: أخذ الشيء لأمر يستمر فيه مثل الدار يتخذها مسكناً ويكون الاتخاذ التسمية والحكم ومنه قوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) [الفرقان:3] أي سموها بذلك وحكموا لها به.
والله أعلم.
السؤال السادس:
ما أهم دلالات الآية (117 )؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) البديع والمبدع بمعنى واحد وهو مثل: أليم بمعنى مؤلم وحكيم بمعنى مُحكم غير أنّ في ( بديع ) مبالغة على استحقاق الصفة في غير حال الفعل على تقدير أنّ من شأنه الإبداع والإبداع الإنشاء على غير مثال سبق ونقيض الإبداع الاختراع على مثال ولهذا السبب فإنّ الناس يسمون من قال أو عمل ما لم يكن قبله
( مبتدعاً ) وخصّ السموات والأرض بالإبداع لأنهماأعظم ما يُشاهد من المخلوقات.
2ـ قوله تعالى: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا) لفظ ( القضاء ) في القرآن يأتي على وجوه منها:
آ ـ بمعنى الخلق: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت:12] يعني خلقهنّ.
ب ـ بمعنى الأمر: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء: 23].
ج ـ بمعنى الحكم: ولهذا يُقال للحاكم: قاضياً.
د ـ بمعنى الإخبار: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ) [الإسراء:4].
هـ ـ بمعنى الفراغ من الشيء: (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ) [هود:44]
3 ـ قوله تعالى: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا) أي إذا خلق شيئاً أو حكم بأن يفعل شيئاً.
4 ـ المُراد من قوله تعالى: (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) هو سرعة نفاذ قدرة الله في تكوين الأشياء أي يوجد وفق ما أراد الله من حال العدم إلى حال الوجود لا يستعصي عليه ولا يمتنع منه. قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].
وللعلم فإنّ الفعل ( كن ) في هذه الآية فعل أمر من كان التامة بمعنى حدث وكذلك الفعل:
( فيكون ) تام بمعنى يحدث.
5 ـ الآية رقم ( 116 ) ذكرت المخالفة السادسة والعشرين (26 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: (قول اليهود: عزير ابن الله) والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 03-04-2024 06:03 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (98)

مثنى محمد هبيان


(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [البقرة: 118]
السؤال الأول:
ما استخدامات كلمة (آية) في القرآن الكريم ؟
الجواب:
كلمة (آية) وردت في القرآن الكريم لخمسة معان؛ وهي :
1 ـ البناء العالي: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء:128].
2 ـ عبرة و موعظة: (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [يونس:92].
3 ـ جملة من القرآن: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) [النحل:101].
4 ـ علامة واضحة: (لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ) [البقرة:118].
5 ـ المعجزة: (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:91].
السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
هذه الآية رقم ( 118 ) ذكرت المخالفة السابعة والعشرين (27 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة , وهي تحمل مضمون : مشابهة اليهود للوثنيين في جرأتهم على الله تعالى , وحيث قال المشركون الجهلة الذين لا علم لهم : لولا يكلمنا الله كما كلّم موسى من قبل , أو تأتينا آية حسية كنزول مَلك من السماء يؤيد دعوى محمد صلى الله عليه وسلم , وقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية أنّ اليهود يشابهون المشركين في هذا , ولو علم الله أنهم يؤمنون لأجابهم .
وقد جاء في أسباب النزول أنّ رافع بن حريملة اليهودي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنْ كنت رسولاً من الله كما تقول , فقل لله ليكلمنا حتى نسمع كلامه , فنزلت الآية .والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 03-04-2024 06:04 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (99)
مثنى محمد هبيان



(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]
السؤال الأول:
ما دلالة كلمة (مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] في هذه الآية؟ ولماذا لم ترد كلمة (ملتيهما)؟
الجواب:
لو قال تعالى: (ملتيهم) لكان المعنى: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتيهما، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتيهما وهذا لا يصح؛ لأنّ اليهود يريدون أنْ يتّبع ملتهم فقط وليس ملتيهما، وكذلك النصارى. وللعلم فإنّ الملّة اسم للشريعة المتّبعة المكونة من العقائد والعبادات والأخلاق.
السؤال الثاني:
لماذا جاء بـ (وَلَا) في قوله: (الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟
الجواب:
1ـ لو قال: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) من دون (لا) لاحتمل ذلك أحد معنيين:
آ ـ أنّ الجميع لا يرضون حتى تتبع ملتهم، بمعنى أنك إذا اتبعت ملة اليهود رضيت عنك اليهود والنصارى.
ب ـ وإذا اتبعت ملة النصارى رضيت عنك اليهود والنصارى، وهذا المعنى لا يصح وهو غير مراد.
2 ـ لذلك يبقى فقط احتمال ثان، وهوما نصت عليه الآية، بمعنى أنه لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، و لن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم.
3ـ ونلاحظ أنّ القرآن كرر النفي؛ وذلك حتى نفهم أنّ رضا اليهود غير رضا النصارى، ولو قال الحق: (ولن ترضى عنك اليهود و النصارى) بدون (لا) لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضى واحد أو متفقون، ولكنهم مختلفون بدليل أن الله قال فيهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ }[البقرة: ١١٣].
السؤال الثالث:
ما الفرق في المعنى بين قوله تعالى: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120] وقوله: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [الشورى:31]؟
الجواب:
التعبير (مِنْ دُونِ اللَّهِ) يعني من غير الله، أمّا التعبير (مِنَ اللَّهِ) أي: ليس لكم ولي من الله ينصركم، ولم يهيء لكم ولياً أو أحداً ينصركم، وليس هنالك نصير من جهة الله ينصركم، من الملائكة أو من غير الملائكة أمّا (من دون الله) فتعني من غير الله، إذن المعنى مختلف تماماً.
السؤال الرابع:
ما الفرق بين (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] وبين (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ) [البقرة:120] في الآيتين: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة:145] وفي الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120]؟
الجواب:
هناك فرقان:
آـ استعمل في الأولى [120] اسم الموصول (الَّذِي) واستعمل (مَا) في الآية الثانية
[ 145].
ب ـ كما استعمل في الآية [ 145] (مِنْ بَعْدِ) واستعمل في الآية [120] (بَعْدَ).
الحكم النحوي: اسم الموصول ( الذي ) يوصف بأنه مختص، و ( ما ) مشترك. والمختص أعرف من المشترك.
أي أنّ ( الذي ) أعرف من ( ما ) لأنّ ( ما ) تكون للمفرد والمذكر والمؤنث والمثنى والجمع، أمّا ( الذي ) فهي خاصة بالمفرد المذكر. إذن ( الذي ) أعرف باعتباره مختص، و(ما) عام.
السياق:
1ـ قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ١٢٠ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ١٢١) [البقرة:120، 121] فقوله تعالى: (يَتْلُونَهُ) [البقرة:121] أي: الكتاب، أي: التوراة والإنجيل إذن صار محدداً، (يَتْلُونَهُ) أي: يتبعون العلم الذي جاء به إذن تحدد الذي بالسياق في هذه الآية.
2ـ جاءت الآية [145] في موضوع تحويل القبلة كما في الآية [144] التي سبقتها (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة:144] هذا مطلق ولم يحدد بشيء فاستعمل ( ما ) في المطلق، واستعمل ( الذي ) في المقيَّد.
3ـ استعمل ( الذي ) في الآية الأولى 120، بينما استعمل ( ما ) في الآية الثانية 145، علماً بأنّ كليهما اسم موصول، لكنّ أحدهما أعرف من الآخر، فاسم الموصول ( الذي ) هو اسم مختص للمفرد المذكر، بينما اسم الموصول ( ما ) هو مشترك يستعمل لذوات غير العقلاء ولصفات العقلاء، أي: أنها تقع على ذاتٍ متصفة بوصف من صفات العقلاء، وهو اسم موصول مشترك في المفرد والمثنى والجمع المذكر والمؤنث فاستعمل ( الذي ) في الأخص، واستعمل
( ما ) في المطلق.
4ـ التعبير (مِنْ بَعْدِ ) من لابتداء الغاية، ابتداء المكان، بداية الشيء من كذا إلى كذا، وتدل على الالتصاق، وأمّا (بَعْدَ ) فتحتمل أنْ هناك فاصلا زمنيا.
أي: أنّ التحذير باتباع أهواء أهل الكتاب يبدأ مباشرة من لحظة مجيء العلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحويل القبلة وليس هناك وقت للانتظار، ولو لم يذكر (من) لاحتمل الموضوع التأخير مدة من الزمن.
وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ) [البقرة:145] السياق في الكلام في تحويل القبلة، وتحويل القبلة متى يؤمر به المسلم؟ عندما تنزل الآية مباشرة ينبغي أنْ يتحول إلى القبلة، ومن سمع بها نفّذها، والذي كان في الصلاة وسمع هذه الآية اتجه مباشرة إلى الكعبة، إذن (من) لابتداء الغاية.
بينما الآية الأولى 120 ليس فيها هذا الشيء فلم يقل (من).
شواهد قرآنية:
آـ (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس:9] أي: أنّ هناك فاصلا يبدأ من أيديهم يمنعهم من الحركة، ولو قال: (بين أيديهم) بدون (من) لاحتمل وجود مسافة بين أيديهم والسد.
ب ـ (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ) [فُصِّلَت:5] أي: أنّ الحجاب لم يترك فاصلاً بينهما.
ج ـ (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا) [فُصِّلَت:10] أي: مباشرة ليس هنالك فاصل، ولو قال: ( فوقًها ) كانت تحتمل القريب والبعيد.
د ـ (أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ) [ق:6] مسافة كبيرة.
هـ ـ (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ) [النساء:154] هناك مسافة بين الطور ورؤوسهم.
السؤال الخامس:
في قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) [البقرة:120] وقوله في آية الأنعام: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) [الأنعام:121] ما سبب الاختلاف في مستوى التوكيد؟
الجواب:
1ـ القاعدة اللغوية: يستعمل القرآن اللام للتوكيد، فقوله: (وَلَئِنِ ) آكد من قوله: (وَإِنْ).
2ـ قال تعالى في آية الأنعام [121]: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ١٢١).
وقال في آية البقرة: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] فأكّد في آية البقرة باللام دون آية الأنعام.
والسبب أنّ آية البقرة تستدعي قدراً زائداً من التوكيد؛ فإنها تحذير للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ترك ملة الإسلام واتباع اليهود والنصارى وهو من أكبر المعاصي، إذ كيف يصح من رسولٍ يتنزل عليه الوحي من ربه أنْ يترك أمر الله إلى ملة أخرى لا يرضاها ربه؟ فاحتاج ذلك إلى قدر من الوعيد أكبر.
أمّا آية الأنعام فهي في الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، لذلك ترى أنّ المعصية في آية البقرة أشد وأكبر فاحتاج ذلك إلى قدر من التوكيد أكبر.
السؤال السادس:
قوله تعالى في هذه الآية: (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ) [البقرة:120] بينما قال في آية الأنعام [51]: (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ ) فزاد (من) المؤكدة في البقرة فما دلالــة ذلك؟
الجواب:
1ـ آية الأنعام (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام:51] هم على كل حال مؤمنون بهذا اليوم وترجى لهم التقوى.
2ـ أمّا آية البقرة فقد ذكرفيها أنّ اليهود والنصارى لن ترضى عن الرسول حتى يترك دينه ويتبع ملتهم، وهذا كفر صريح وانسلاخ من الدين، ولذا عقب عليه بقوله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) [البقرة:120] أي: إنّ فعل ذلك ما له من الله من ولي ولا نصير، فالفرق بين المقامين واضح، فاحتاج الكلام في آية البقرة إلى توكيد نفي الولي والنصير دون آية الأنعام.
3 ـ وكذلك المقام في آية الرعد: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) [الرعد: 37].
السؤال السابع:
ما دلالة ضمير الفصل (هُوَ) في آية البقرة [120] قوله تعالى: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) بينما قال في آية آل عمران [73]: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) وفي آية الأنعام [71] (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)؟
الجواب:
1ـ قال في آية البقرة [120]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.
وقال كذلك في آية الأنعام [71 ]: (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي: قدّم هدى الله، وجاء بضمير الفصل.
بينما قال في آية آل عمران [73]:( إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) فقدّم الهدى ولم يأت بضمير الفصل.
2ـ لعل السبب - والله أعلم - أنّ الآيتين الأوليين في الأديان، فالأولى في اليهودية والنصرانية والثانية في الشرك، فناسب الرد بتقديم الهدى وهو الإسلام، فكأنه قال لهم: إنّ الإسلام هو الهدى الكامل الصحيح التام لا هدايتكم، فناسب تقديمه وحصر الهداية عليه، وجاء بضمير الفصل توكيداً لهذا المعنى.
أمّا الآية الثالثة فهي ليست في الموازنة بين أهل الأديان، وإنما هي رد على تصرف سيِّءٍ ومكر، حيث قالت طائفة من أهل الكتاب: آمنوا بما أنزل على محمد وجه النهار واكفروا آخره وقولوا نحن آمنا به ظناً بأنه حق ولكن استبان لنا أنه باطل فرجعنا عنه إلى ديننا الذي هو الحق لعلهم يرجعون عن دينهم، فنزلت الآية رداً على مكرهم وكيدهم وادعائهم الهدى، فقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) [آل عمران:73] أي: أنّ الهدى أنْ يهديكم الله إلى الدين الصحيح وإلى الحق وليس الهدى أنْ تعملوا مثل هذا المكر والتبييت، والله أعلم.
السؤال الثامن:
ما سبب اختلاف الفاصلة بين آية البقرة [120] (وَلَا نَصِيرٍ) وفاصلة آية الرعد [37] (وَلَا وَاقٍ)؟
الجواب:
آية الرعد [37] هي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ).
1ـ في آية الرعد قال: (وَلَا وَاقٍ) [الرعد:37] والواقي هو الحافظ وهو أعم من النصير؛ لأنّ الواقي قد يكون عاقلاً أو من الجمادات أو غيرها، فالسقف واق والملابس واقية وأمّا النصير فلا يكون إلا عاقلاً قادراً.
2ـ حدد الأهواء وعينها في آية البقرة (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120] ولم يحددها في الرعد بل أطلقها، فجعل العام وهو الواقي مع العام وهو عموم الأهواء مع الاسم الموصول المشترك
( ما ) وجعل الخاص مع الأهواء المحددة مع الاسم الموصول المختص وهو) الذي ).
3ـ النصير ينصر صاحبه على الخصم ويمكّنه منه، وأمّا الواقي فإنه يحفظه منه وقد لا يتمكن من نصره، ولذلك فوجود النصير أتم في النعمة من وجود الواقي.
لذلك جعل نفي النصير وهو النعمة الأتم، مع الوزر الأعظم وهو ترك ملة الإسلام، وجعل نفي الواقي الذي هو دون ذلك مع ما هو أقل وهو إنكار بعض الأحزاب بعض ما أنزل إليه.
4ـ تناسب الفاصلة مع السياق، ففي آية البقرة (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120] فإذا اتبع ملتهم كان منهم، وأهل الملة ينصرون أتباعهم على غيرهم، فنفى النصير عنه.
وأمّا آية الرعد فلم يذكر فيها ذلك، وإنما قال: (وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) [الرعد:36] واتباع البعض قد لا يقتضي النصرة ومحاربة الأعداء من أجل ذلك البعض، لكن ربما يحفظونه إذا وقع في شدة.
5ـ انظر الجدول التالي حيث يتبين تناسب اختيار الكلمات مع تناسب عدد التكرار في السورتين:
السورة تكراركلمة (نصير) تكراركلمة (واق) الآيات
البقرة 2 - 107- 120
الرعد - 2 34- 37
6ـ تناسب الفاصلة في كل سورة والله أعلم.
السؤال التاسع:
ما الدرس المستفاد من قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى) [البقرة:120]؟
الجواب:
كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدخل كيد ولؤم، فيقولون: هادنا، أي: قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا فأراد الله أنْ يقطع على اليهود مكرهم فأخبر رسوله بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك وإنما يريدون أن تتبع ملتهم.
والخطاب وإنْ كان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو أيضاً لأمته إلى يوم القيامة، فلينتبه المسلمون إلى ذلك ولذلك يجب أن نستعيذ بالله من أن نصنع تصرفاً نرضي به اليهود أو النصارى لأنّ ذلك معناه أنني تبعت ملتهم لأنّ الله قال(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) [البقرة:120].
ويجب أن نفرق بين الرضا وبين التعايش لأنّ التعايش يقتضيك أن تتحمل فعل قالبٍ لا بحب قلب بينما الرضا أن ترضى فعل القالب بحب قلب.
ولذلك كان عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع اليهود لا رضى منه عن اليهود وإنما كان تعايشاً وما كان للرسول عليه السلام أن يفعل فعلاً ترضى عنه به اليهود لأنّ النصارى واليهود إنْ رضوا عن واحد فليُحكم بأنه قد فارق ملة الله تعالى بنص الآية والعياذ بالله.
وهذه الآية رقم ( 120 ) ذكرت المخالفة الثامنة والعشرين (28 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: محاولة إخراج المسلمين من دينهم.والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 05-04-2024 06:01 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (100)
مثنى محمد هبيان



(وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [ البقرة: 123 ]
السؤال الأول:
لماذا حذف الجار والمجرور المقدر( فيه ) مع الفعل (تَجْزِي) [البقرة:123] في الآية؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة [48 ] في الحلقة ( 55 ) على موقع رابطة العلماء السوريين المنشورة بتاريخ 28/ 05 / 2020 م.
السؤال الثاني:
قوله تعالى في الآية: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:123]، وقال في آية البقرة [48]:( وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) [البقرة:48] فما سبب هذا الاختلاف؟ ومتى تذكر الشفاعة أو تؤنث؟
الجواب:
1ـ في آية البقرة [48] قوله تعالى (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:48].
آ ـ ذكّر الفعل (يُقْبَلُ) مع الشفاعة؛ لأنّ الشفاعة هنا لمن سيشفع، أي: للشافع وهو مذكر.
ب ـ الشفاعة ليست مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة.
ج ـ إذا فصلت بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي يجوز التذكير والتأنيث، تقول: ذهب إلى الجامعة فاطمة وذهبت إلى الجامعة فاطمة، هكذا إذا كان هناك فصل، لكنْ: ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا: ذهبت فاطمة.
د ـ أمّا المؤنث المجازي، فتقول: طلعت الشمس، وطلع الشمس، ابتداء فهذا مؤنث مجازي.
2ـ في آية البقرة[ 123] أنّث الفعل، فقال: (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:123] ؛لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها وليس الكلام عن الشفيع.
3ـ في آيات يس 23 قوله تعالى (لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) [يس:23] وآية النجم [26] قوله تعالى:( لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) [النجم:26] أنّث الفعل؛ لأنّ المقصود هي الشفاعة نفسها.
السؤال الثالث:
ما خصوصية استعمال القرآن لكلمتي: العدل والقسط؟
الجواب:
1ـ القسط: هو الحظ والنصيب، والقرآن لم يستعمله إلا مع الموازين، وهذا من خصوصية الاستعمال القرآني والقسط يستعمل مع غير الميزان، لكنّ القرآن يستعمله مع الميزان ولا يستعمل العدل مع الميزان، والقسط قد يكون في القسمة وفيه ارتباط بالآلة (قسطاس).
ولذلك في القرآن الكريم لم يستعمل مع الوزن إلا القسط، نحو قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) [الرحمن:9]، وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الإسراء:35] والقسطاس هو ميزان العدل، وأصل كلمة قسطاس عدل، فسموا الميزان قسطاساً؛ لأنه عدل.
2ـ العدل معناه المساواة في الأحكام، وعندنا عَدلٌ وعِدلٌ، فالعِدلُ ـ بكسر العين ـ فهو فيما يُبصر من الأشياء تقول: هذا عِدل هذا، مثل حِملَينِ متساويين.
أمّا العَدلُ ـ بفتح العين ـ فهو أحكام ومساواة في الحكم وفيما لا يُبصر من الأشياء، نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) [المائدة:95] أي: ذوا قسط (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) [المائدة:95] والصيام لا يُبصر (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا ) [الأنعام:70] لم يقل كل قسط، (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) [البقرة:123]. والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 05-04-2024 06:03 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (101)
مثنى محمد هبيان



(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ١٢٤) [ البقرة: 124 ]
السؤال الأول:
ما الدروس المستفادة من هذه الآية؟
الجواب:
1ـ (إذ) معناها اذكر وقت أنْ ابتلى اللهُ إبراهيم بكلمات.
2ـ الابتلاء هو الامتحان، والابتلاء ليس شراً ولكنه مقياس لاختبار الخير والشر وهو من أسس التربية.
3ـ الابتلاء هنا بكلمات، والكلمات جمع كلمة، والكلمة قد تطلق على الجملة، كقوله تعالى: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف:5].
4ـ قال العلماء: إنّ الابتلاءات كانت عشرة، وقالوا: أربعين، منها عشرة في سورة التوبة (الآية112)، وعشرة في سورة المؤمنون (الآيات 1ـ10) وعشرة في الأحزاب (الآية 35) وعشرة في المعارج (الآيات 22ـ34 ).
ونخرج من هذا الجدل بأنْ نقول: إنّ الله ابتلى إبراهيم عليه السلام بكلمات تكليفية (افعل كذا ولا تفعل كذا) فقد ابتلاه في النار فلم يجزع، فأتاه جبريل عليه السلام فيقول: ألك حاجة؟ فيرد إبراهيم: أمّا إليك فلا، وأمّا إلى الله فعلمه بحالي يغنيه عن سؤالي، وابتلي بذبح ابنه الوحيد وهو شيخ كبير فيطيع بنفس مطمئنة. وقيل:هي خصال الفطرة العشرة: المضمضة ـ الاستنشاق ـ السواك ـ قص الشارب ـ غسل البراجم ( عُقد الأصابع ) ـ تقليم الأظافر ـ نتف الإبط ـ حلق العانة ـ الختان ـ غسل مكان البول والغائط.
وكون إبراهيم أدى جميع التكليفات بعشق وحب وزاد عليها من جنسها فقد نجح في الابتلاء ووفّى (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم:37] فكان الله أعز عليه من نفسه وأهله وولده.
5ـ كافأه الله بقوله: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) [البقرة:124] أي: إماماً للبشر، فاستقبل إبراهيم هذه البشرى وأراد أنْ ينقل الإمامة إلى أولاده وأحفاده حتى لا يحرموا من القيم الإيمانية خلال حياتهم، فردّ الله على إبراهيم بقضية إيمانية أيضاً فيها تقريع لليهود الذين تركوا القيم وعبدوا المادة فقال: (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة:124] وعهد الله هو الفاعل الذي يجذب صاحبه.
6ـ في الآية استقراء للغيب أنه سيأتي من ذرية إبراهيم من سيفسق ويظلم، والمقصود بذلك اليهود.
7ـ الرسالة ليست ميراثاً، ومن العجائب أنّ موسى وهارون عليهما السلام كانا رسولين، والرسول الأصيل موسى وجاء هارون ليشد أزره، وشاءت مشيئة الله أنْ تستمر الرسالة في ذرية هارون وليس في ذرية موسى.
8ـ الأنبياء اصطفاؤهم اصطفاء قيم، وأبناؤهم هم الذين يأخذون منهم هذه القيم، وليسوا الذين يأخذون الجنس والدم واللون، وانظر إلى قصة نوح عليه السلام مع ابنه لتتحقق من ذلك.
9ـ إمامة الناس عطاء ألوهية لا يناله إلا المؤمن، أمّا الرزق فعطاء ربوبية يناله المؤمن والكافر؛ لأنّ الله هو الذي استدعانا للحياة جميعاً وكفل لنا الرزق جميعاً.
10 ـ ( إبراهيم ) اسم أعجمي معناه: أبٌ رحيم أو أبو الأمم ينتسب إلى سام بن نوح عليه السلام وُلد حوالي 2000 قبل الميلاد في الأهواز أو (أور ) الكلدانية ثم انتقل به والده إلى حُوران ثم إلى بابل أرض النمرود وتزوج سارة وهاجر بها إلى مصر بسبب الجفاف والقحط الذي أصاب البلاد وأهدى له ملك مصر ( هاجر ) أم إسماعيل وقيل تُوفي إبراهيم سنة 1773 قبل الميلاد وجميع الطوائف من اليهود والنصارى والعرب تعتز بنسبها وصلتها بخليل الرحمن وكلها تؤمن به وبدعوته ورسالته.وقد جاء محمد عليه السلام بما جاء به إبراهيم عليه السلام.
السؤال الثاني:
ما دلالة تأخير لفظ (ربه) فى قوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) [البقرة:124]؟
الجواب:
الابتلاء هو الاختبار، فإن كلّفت شخصاً بشيء فما يكون تكليفك له متضمناً معنى اختيار فعله أو تركه.
وابتلاء الله لإبراهيم تكليف له؛ لأنّ الله كلفه بأوامر ونواهٍ. وفي هذه الآية تقديم ما حقه التأخير، فـ (إِبْرَاهِيمَ) مفعول به، وقد تقدّم على الفاعل (رَبُّهُ) فما الهدف من هذا التقديم؟
المقصود من هذا تشريف سيدنا إبراهيم عليه السلام بإضافة اسم ربه إلى اسمه وهو الهاء في قوله (رَبُّهُ) أي: رب إبراهيم.
السؤال الثالث:
لم سمى الله عز وجل إبراهيم إماماً فى الآية؟
الجواب:
سمّى الله تعالى إبراهيم في هذه الآية إماماً، وقصد بإمامته أنه رسول، فلِمَ عدل عن تسميته رسولاً إلى تسميته إماماً؟
والجواب: ليكون ذلك دالاً على أنّ رسالته تنفع الأمة المرسَل إليها بالتبليغ وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الامتداد، لاسيما وأنّ إبراهيم عليه السلام قد طوّف بالآفاق.
السؤال الرابع:
قوله تعالى (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) [البقرة:124] (من) للتبعيض،فلِمَ خصّ إبراهيم بالدعاء بعض ذريته؟
الجواب:
قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة:124] ولم يقل: ذريتي؛ لأنه يعلم أنّ حكمة الله تعالى تقتضي ألا يكون جميع أبناء الرجل ممن يصلحون لأن يُقتدى بهم، ولذلك لم يسأل الله تعالى ما هو مستحيل عادة، لأنّ ذلك ليس من آداب الدعاء، ولم يجعل الدعاء عاماً شاملاً لكل الذرية بحيث يقول: (وذريتي).
السؤال الخامس:
لماذا نصبت كلمة الظالمين في الآية (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة:124]؟
الجواب:
الظالمين مفعول به والعهد الفاعل، الظالمين مفعول به منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
السؤال السادس:
وردت كلمة (إِبْرَاهِيمَ) في القرآن كله بالياء إلا في سورة البقرة جاءت بدون الياء (إِبْرَاهِمَ) فما دلالة ذلك؟
الجواب:
وردت كلمة (إبراهيم) في القرآن الكريم 69 مرة، منها 15 مرة في سورة البقرة كلها بدون الياء، والباقي 54 مرة بالياء.
وهذا من خط المصحف، والقاعدة تقول: خط المصحف لا يقاس عليه.
والمصحف كتبه عدد كبير من الكتبة، فمرة يرسم حرف العلة ومرة لا يرسم، وأحيانا يكون الرسم لاختلاف القراءات، فيوضع الرسم الذي يجمع القراءات المتواترة، مثل (ملك) في سورة الفاتحة بدون ألف؛ لأنه ورد قراءة متواترة ( ملك يوم الدين) وشروط القراءة الصحيحة أنْ تكون موافقة لرسم المصحف.
وكلمة (إبراهيم) في سورة البقرة ورد فيها قراءتان متواترتان: إحداهما (إبراهام) بدون ياء، والثانية بالياء، فكتبت بالشكل الذي يحتمل القراءتين. والله أعلم.
السؤال السابع:
هل من تفصيل أكثر وأوسع للسؤال السابق؟
الجواب:
كلمة (إبراهيم) اسم أعجمي، والعرب كانت تتصرف في الاسم الأعجمي، وورد في «زاد المسير» أنه في إبراهيم ست لغات، وهي: إبراهيم ـ وهي أشهرها ـ إبراهُم ـ إبراهَم ـ إبراهِم ـ إبراهام ـ إبرهم.
1ـ لقد وردت كلمة (إبراهيم) في القرآن الكريم 69مرة، اختلف القراء في 33 موضعاً منها 15مرة في سورة البقرة كتبت كلها بدون الياء (إبراهم) وذلك في الآيات التالية:
(124ـ125ـ125ـ126ـ127ـ130ـ132ـ133ـ135ـ136ـ140ـ258ـ2 58ـ 258ـ260).
والباقي 54 مرة موزعة على 24 سورة أخرى غير سورة البقرة مكتوبة بالياء إبراهيم وذلك حسب الجدول التالي:
المجموع: 69 مرة، وعدد السور25 سورة.
2ـ حذفوا ياء (إبراهيم) في سورة البقرة فقط، وكتبوها (إبراهم) مع وضع إشارة ياء صغيرة فوق الكلمة لتدل على وجود قراءتين متواترتين.
3ـ رسمت كلمة إبراهيم بلا ياء في المصاحف العراقية والشامية وفي مصحف الإمام، أمّا في باقي المصاحف فرسمت بياء.
وبالتالي فإنّ رسمها بلا ياء في سورة البقرة ليس مجمعاً عليه، ولكنّ المصحف المنتشر برواية حفص ترسم فيه بحذف الياء في سورة البقرة.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في «عقيلة أتراب القصائد»:
والحذفُ في ياءِ ابراهيمَ قيل هنا=شامٌ عراقٌ ونِعمَ العِرقُ ما انتشـرا
أي: حُذِفت ياء (إبراهيم) من الرسم الشامي والكوفي والبصري.
4ـ وسبب ذلك بشكل عام هو وجود قراءتين، لكن بشكل عام نجد أنّ:
آ ـ خط المصحف لا يقاس عليه.
وللعلم فقد حصل تطور في تاريخ الكتابة منذ زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبدأت الكتابة العربية تستقر، ولذلك نرى أكثر من رسم للكلمة، مثل كلمة (لكيلا) فيمكن كتابتها موصولة أو مفصولة، (لكي لا) وكلاهما جائز عند العرب.
ب ـ الإمام عبد الله بن عامر الشامي هو أحد القراء السبعة المشهورين لدى علماء القراءات، ولابن عامر راويان هما: هشام بن عمار الدمشقي، والآخر أحمد بن ذكوان الدمشقي.
أمّا هشام فقرأ كلمة (إبراهيم) بالألف في ثلاثة وثلاثين موضعاً، منها جميع ما في سورة البقرة أي: قرأها (إبراهام) أي: بإبدال الياء ألفاً وأمّا ابن ذكوان فقرأها بالألف وبالياء.
وفي سورة البقرة فقط اجتمع الراويان بالألف هشام وابن ذكوان، فكتبت بدون ياء في سورة البقرة مع وضع ياء صغيرة فوقها للدلالة على القراءة الأخرى.
لذلك نرى أنّ قراءة الياء في المرسوم بها قياسية، وفي محذوفها اصطلاحية كما في كلمة (إسرائيل) و(الداع).
ج ـ كتابة مصحف ابن عامر ومصحف المدينة رواية حفص عن عاصم متقاربة.
د ـ هكذا وصلت إلينا صيغة الكتابة من الصحابة رضوان الله عليهم الذين كتبوا القرآن ولم ينكشف سر ذلك لأحد، والله سبحانه علام الغيوب، والرسم بُني على حكمة ذهبت بذهاب كتبته.
5ـ (للعلم فإنّ التوراة تذكر في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام كان اسمه ( إبراهم ) وكان عمره 86 سنة لما ولدت هاجر ابنه إسماعيل عليه السلام ولمّا بلغ إبراهيم 99 سنة تكلم الله معه وقال له: إنه سيكون أباً لجمهور من الأمم فلا يدعى اسمه بعد ( إبراهم ) بل سيكون اسمه ( إبراهيم ) لأنه سيكثر نسله ويجعله أمماً وبشره بإسحق عليه السلام وبارك له في إسماعيل وإسحق....
ونخلص من ذلك أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام كان له اسمان هما ( إبراهم) وذلك قبل أن يرزقه بالولد وعندما رزقه الله بالولد إسماعيل وإسحق جعل اسمه ( إبراهيم ) بزيادة الياء لأنّ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. وهناك لفتة لطيفة أنّ اسم ( إبراهم) بدون ياء هو في سورة البقرة فقط أي في بداية القرآن الكريم وهو ما يتمشى مع بداية عُمر سيدنا إبراهيم عليه السلام ).
من كتاب( إعجاز رسم القرآن ) لمحمد شملول.
والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 05-04-2024 06:05 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (102)
مثنى محمد هبيان



(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة:133]
السؤال الأول:
لماذا لا يُذكر سيدنا إسماعيل مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في القرآن؟
الجواب:
1ـ هذا السؤال ليس دقيقاً؛ لأنه توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها إبراهيم وإسماعيل ولم يُذكر إسحق، وهناك 6 مواطن ذُكر فيها إبراهيم وإسماعيل وإسحق، وهي قوله تعالى:
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ١٣٣) [البقرة:133].
(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ١٣٦) [البقرة:136].
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ١٤٠) [البقرة:140].
(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ٨٤) [آل عمران:84].
(ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ) [إبراهيم:39].
(إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا) [النساء:163].
2ـ وكل موطن ذُكر فيه إسحق ذُكر فيه إسماعيل بعده بقليل أو معه، مثل قوله تعالى:
(فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا نَبِيّٗا) [مريم:49] و (وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَصَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا) [مريم:54].
إلا في موطن واحد في سورة العنكبوت (وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَ وَءَاتَيۡنَٰهُ أَجۡرَهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ٢٧) [العنكبوت:27].
3ـ وفي قصة يوسف عليه السلام لا يصح أن يُذكر فيها إسماعيل؛ لأنّ يوسف من ذرية إسحق وليس من ذرية إسماعيل.
4ـ وقد ذُكر إسماعيل مرتين في القرآن بدون أن يُذكر إسحق:
آـ في سورة البقرة (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ١٢٥ ) [البقرة:125].
ب ـ (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ١٢٧) [البقرة:127] لأنّ إسحق ليس له علاقة بهذه القصة - وهي رفع القواعد من البيت- أصلاً.
السؤال الثاني:
بعض العلماء يقول: إنّ إسماعيل هو الذبيح، والبعض يعترض ويقول آخرون: (إسحق) فما المختار بين الرأيين؟
الجواب:
ليس هناك أثر صريح صحيح، لكنْ عندما ننظر في الآيات نجد التالي:
1ـ الآية في سورة هود (وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ٧١) [هود:71] هذه المرأة هي زوجة إبراهيم عليه السلام التي كانت عاقراً وكانت كبيرة في السن، وهي امرأته الأولى بُشِّرت بإسحق.
وأمّا المرأة الثانية فهي زوجة إبراهيم وهي التي ولدت له هذا الذي أخذها وإياه وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند البيت المحرم.
وعندما ننظر في الوقائع في الآيات نجد نوعاً من الترجيح أنه إسماعيل الذي ذهب إلى ديار العرب وتزوج منهم وعاش هناك؛ لأنّ الكلام الأول كان عن إسحق.
2ـ وعندما نأتي إلى الآيات في سورة الصافات (فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ١٠١ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ١٠٢) [الصافات:101-102] وبعد أنْ يمضي في القصة وبعد أنْ ينتهي من قصة الذبيح يقول تعالى: (وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ١١٢) [الصافات:112] إذن جاءت البشارة بإسحق بعد البشارة بالذبيح، وإسحق ذكر اسمه في القرآن، وإسماعيل ذكر اسمه في القرآن، فالمرجح أنّ الذبيح هو إسماعيل وليس إسحق.
3ـ ونقول: الذبيح من الصابرين، وعندما ننتقل إلى الآيات (وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰبِرِينَ٨٥) [الأنبياء:85] (سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ) [الصافات:102] من الذي وُصِف بوصف الصبر؟ إسماعيل، بينما إسحق ما وصف بهذا وإنما قال: (وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ٧١) [هود:71] لكن نقول: والمسألة لا يترتب عليها أمر من أمور الدين؛ فالخوض فيها غير مثمر.
4ـ إنه أحد ابني إبراهيم، وعندنا قوله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ١٢٥ ) [البقرة:125].
5ـ وإبراهيم عليه السلام عنده ولدان: إسماعيل وإسحق،ومن ذرية إسحق أنبياء ورسل كثيرون، ومن ذرية إسماعيل نبيٌ واحد هوخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
6ـ من أولاد إسماعيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهؤلاء أبناء عمومتهم "سأبعث من أبناء عمومتهم في فاران" (وفاران هو المكان الذي ترك فيه إبراهيم ولده إسماعيل، وهم يزعمون أنّ فاران في مكان آخر في فلسطين). لوصح الحديث «أنا ابن الذبيحين» لانتهى الحوار، لكنه لم يصح عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
7 ـ إسماعيل: هو الإبن الأكبر لإبراهيم وهو ابن هاجر وُلد في أرض كنعان سنة 1910 قبل الميلاد وهو أكبر من إسحاق بثلاثة عشر عاماً ومعنى اسمه بالعبرية: سمع الله أي استجاب الله دعاءَ أمه توفي بمكة سنة 1773 قبل الميلاد ودُفن بالحجر حول الكعبة.
والله أعلم.
السؤال الثالث:
ما أهم الوقفات مع هذه الآية؟
الجواب:
(جَعَلْنَا الْبَيْتَ) البيت مأخوذ من البيتوتة وهو المأوى الذي تأوي إليه، ولذلك سُميت الكعبة بيتاً؛ لأنها المكان الذي يستريح إليه كل خلق الله.
(مَثَابَةً لِلنَّاسِ) يعني مرجعاً تذهب إليه وتعود، مثل شعور الناس بالشوق للرجوع إلى الكعبة، ولو ظلت جاذبية بيت الله في قلوب الناس مستمرة لتركوا كل شؤون الحياة ليبقوا بجوار البيت، ولذلك كان عمر رضي الله عنه حريصاً على أنْ يعود الناس إلى أوطانهم وأولادهم بعد انتهاء مناسك الحج مباشرة.
(وَأَمْنًا) يعني يؤمّن الناس فيه، حتى كان ذلك قبل الإسلام فيلقى أحدهم قاتل أبيه في بيت الله فلا يتعرض له إلا عندما يخرج، والله لا يخبرنا بأنّ البيت آمِنٌ، ولكنه يطلب منا أنْ نؤمّن من فيه، فالآية تشريع وليس خبراً.
4 ـ (مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ) مَقام: - بفتح الميم- اسم لمكان من قام، أمّا بضمها – مُقام- فهو اسم لمن أقام.
5ـ أمرنا الله أنْ نتخذ من مقام إبراهيم مصلى؛ لأنّ المسلمين كانوا يتحرجون عن الصلاة فيه، فلا يريدون أنْ يكون بينهم وبين الكعبة شيء، فيخلون ذلك المكان الذي فيه مقام إبراهيم.
وقد سأل عمر رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ألا نتخذ من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت هذه الآية.
6ـ في الآية إقرار من الله بوجود مقام إبراهيم في مكانه بين المصلين خلفه وبين الكعبة؛ وذلك لأنّ مقام إبراهيم له قصة تتصل في العبادة (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) [آل عمران:97].
ومقام إبراهيم هو مكان قيامه عندما أمره الله برفع القواعد من البيت، والترتيب الزمني للأحداث هو أنّ البيت وُجد أولاً، ثم بعد ذلك رفعت القواعد ووضع الحجر الأسود في موقعه بيد إبراهيم عليه السلام.
7ـ الله سبحانه لا يريد أنْ يعطينا التاريخ بقدر ما يريد أنْ يعطينا العبرة.
8ـ البيت وُضع للناس، فالناس لم يضعوه ولكنّ الله سبحانه هو الذي حدده والملائكة هم الذين وضعوه بأمر الله، والله مع نزول آدم شرع التوبة وأعدّ هذا البيت ليتوب الناس فيه إلى ربهم وليقيموا الصلاة فيه.
9ـ عندما أراد إبراهيم أنْ يقيم القواعد من البيت كان يكفي أنْ يقيمها على قدر طول قامته، ولكنه لعشقه تكاليف ربه جاء بالحجر ليزيد القواعد بمقدار ارتفاع الحجر.
وإنّ الحجر الذي كان يقف عليه إبراهيم به حُفَرٌ على شكل قدميه، وهما بين قائل: أنّ الحجر تأثر تحت قدمي إبراهيم من خشية الله، وبين قائل: إنّ إبراهيم هو الذي قام بحفر مكانٍ في الحجر على هيئة قدميه ليساعده على توازنه عندما يرفع يده إلى الأعلى خلال العمل.
10ـ وقوله تعالى: (طَهِّرَا بَيْتِيَ) فيه دليل على أنّ البيت زالت معالمه تماماً وأصبح مثل سائر الأرض، فذُبحت فيه الذبائح وألقيت المخلفات، فأمر الله سبحانه أنْ يطهر هو وإسماعيل البيت من كل هذا الدنس ويجعله مكاناً لثلاث طوائف: الطائفين، العاكفين، والركع السجود.
11ـ نلاحظ في هذه الآية أنّ كلمة(لِلطَّائِفِينَ) وردت بألف صريحة لتدل على اتساع حركة الطائفين وظهورهم للناس بينما وردت كلمة(وَالْعَكِفِينَ) بألف متروكة لتوضح أنّ معنى الاعتكاف هو في مكان محدود. والله أعلم.
12 ـ قرأ نافع وهشام وحفص وأبو جعفر بفتح الياء من ( بيتيَ ) وصلاً وأسكنها الباقون.
13 ـ هذه الآية هي أول الآيات عن مناسك الحج والآيات الأربع التي تليها هي أول الآيات التي تتحدث عن بناء البيت الحرام وكونه مثابة للناس وامناً.
14 ـ قوله تعالى: (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) قيل في ذكر الركوع تخصيص للعرب الذين إنما شرع الركوع في دينهم.
السؤال الرابع:
ورد في الآية ذكر للطائفين والعاكفين والركع السجود وورد ذلك أيضاً في آية آل عمران: 43، وآية الحج[26 و 77]، وذكر فيها القائمين لكنْ مع التقديم والتأخير، فهل من توضيح لهذا الأمر؟
الجواب:
أولاً: استعراض الآيات:
(وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ١٢٥ ) [البقرة:125].
(يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ٤٣) [آل عمران:43].
(َإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلۡبَيۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيۡ‍ٔٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ٢٦) [الحج:26].
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩٧٧) [الحج:77].
ثانياً ـ ستكون دراسة الآيات من ناحيتين اثنتين وهما:
آ ـ دراسة الآيات من حيث التقديم والتأخيربحسب الكثرة والقلة.
ب ـ دراسة الآيات من ناحية تعاور أو تناوب المفردات.
الناحية الأولى:
تدرّج في ترتيب المذكورات من القلة إلى الكثرة، وقد قال في البقرة: (وَالْعَاكِفِينَ) [البقرة:125] وفي الحج (وَٱلۡقَآئِمِينَ) [الحج:26].
والعاكفون هم أهل البلد الحرام المقيمون أو الغرباء الذين عكفوا عنده، أي: أقاموا لا يبرحون وقيل هم المعتكفون فيه.
1ـ في آية البقرة [125] الكلام عن بيت الله الحرام، فالطائفون هم ألصق المذكورين بالبيت؛ لأنهم يطوفون حوله، وهم من يقصد البيت حاجاً أو معتمراً فبدأ بهم، ثم تدرّج إلى العاكفين في هذا البيت أو في بيوت الله عموماً، ثم الركع السجود الذين يتوجهون إلى هذا البيت في ركوعهم وسجودهم في كل الأرض، والراكعون أقل من الساجدين؛ وذلك لأنّ لكل ركعة سجدتين، إضافةً أنّ هناك سجوداً ليس له ركوع كسجود التلاوة وسجود الشكر، فتدرج من القلة إلى الكثرة.
2ـ في آية الحج: 77، بدأ بالركوع وهو أقل المذكورات، ثم السجود وهو أكثر، ثم عبادة الرب وهو أعم، ثم فعل الخير، فتدرج من القلة إلى الكثرة.
3 ـ في آية آل عمران:43، كان التدرج معكوساً من الكثرة إلى القلة، فبدأ بالقنوت وهو عموم العبادة، ثم السجود وهو أقل وأخص، ثم الركوع وهو أقل وأخص.
الناحية الثانية: دراسة الآيات من ناحية تعاور أو تناوب المفردات:
فقد قال في البقرة: (وَالْعَاكِفِينَ) [البقرة:125] وفي الحج (وَٱلۡقَآئِمِينَ) [الحج:26].
التعاريف:
العاكفون:
آـ هم أهل البلد الحرام المقيمون.والعكوف الإقبال على الشيء وملازمته والاقتصار عليه.
ب ـ الغرباء الذين عكفوا عنده وجاوروه.
القائمون:
آـ المصلون، أي: الركع السجود، أي: ذكر أهم أركان الصلاة القيام والركوع والسجود.
ب ـ المتمسكون بدين الله الثابتون عليه والعازمون المواظبون على ذلك.
الأدلة على معنى القائمين:
ـ التمسك: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ١١٣) [آل عمران:113].
ـ العزم:
(وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا١٩) [الجن:19] أي: لما عزم.
(إِذۡ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ) [الكهف:14] أي: عزموا فقالوا.
الأدلة على معنى العاكفين:
(فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ) [الأعراف:138] أي: يقيمون.
(ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ ) [طه:97] أي: مقيماً.
(وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِۗ) [البقرة:187] أي مقيمون في المساجد لا يخرجون إلا لضرورة.
آيات البقرة: 126-129
(﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ١٢٦وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ١٢٧رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ١٢٨رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ١٢٩)
جاءت في سياق ذكر أهل البلد الحرام وذرية إبراهيم وإسماعيل، ومن هؤلاء السكان المقيمين في البلد الحرام بُعث النبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم الذي دعا به إبراهيم وإسماعيل فناسب ذكر العاكفين وهم أهل البلد الحرام المقيمون أو المجاورون وعموم من لزم المسجد الحرام.
آية الحج: 26
1ـ ذكر فيها القائمين ولم يذكر العاكفين، ذلك أنه قال قبلها في الآية: [25] (وَٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلۡعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلۡبَادِۚ ) [الحج:25] فجعل العاكفَ فيه وغيرَه سواءً؛ فليس من المناسب أنْ يفرد العاكفين فقال: (وَٱلۡقَآئِمِينَ) والقائمون قد يكونون من العاكفين وغيرهم.
2ـ وذكر بعدها فريضة الحج والحجاج الذين يأتونه من كل فج عميق، ولم يذكر أهل البلد الحرام فقال: (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ٢٧ لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ٢٨ ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ٢٩ ) [الحج:27-28-29].
ومن هؤلاء المذكورين من سيعود إلى أهليهم بعد قضاء فريضة الحج فلا يناسب ذلك ذكر العُكوف والإقامة، وإنما يناسبه القيام الذي من معانيه القيام بأمر الدين والاستمساك به؛ ومن ذلك القيام بالصلاة ومناسك الحج وغيرها من الطاعات.
فناسب ذلك ذكر العاكفين في سورة البقرة والقائمين في سورة الحج، والله أعلم.
فائدة:
قال تعالى في آية البقرة: (لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ١٢٥) [البقرة:125].
وقال في آية الحج: (لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ) [الحج:26].
ولسهولة ضبطهما احفظ ( لا اعتكاف في الحج ).
السؤال الخامس:
ما الفرق بين سُجّد وسجود؟ولِمَ قال: (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ولم يقل: (الركع السُجّد)؟
الجواب:
1ـ الوزن (فُعّل) نحو: رُكَّع وسُجَّد وضُرَّب يدل على الحركة الظاهرة.
2ـ السجود في الأصل مصدر كالخشوع والخضوع، وهو يتناول السجود الظاهر والباطن وهو يطلق على وضع الجبهة بالأرض وعلى الخشوع، كما في آية البقرة (والركع السجود) ولو قال: (السُجّد) لم يتناول إلا المعنى الظاهر، ومنه قوله تعالى: (تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا) [الفتح:29] وهو من رؤية العين التي تتعلق بالظاهر فقط فقصد بذلك الرمز إلى السجود المعنوي والصوري، بخلاف الركوع فإنه ظاهر في أعمال الظاهر دون أعمال القلب.
3ـ وردت كلمة (السُجّد) في القرآن في أحد عشر موطناً، كلها للدلالة على الحركة الظاهرة وهي الآيات:
(تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا) [الفتح:29].
(وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ ) [يوسف:100].
(وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدٗا لِّلَّهِ) [النحل:48].
(وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا) [البقرة:58] ـ [الأعراف:161].
(يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ) [الإسراء:107].
(فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا) [طه:70].
(وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا) [الفرقان:64].
(خَرُّواْۤ سُجَّدٗاۤ وَبُكِيّٗا۩٥٨) [مريم:58].
(خَرُّواْۤ سُجَّدٗاۤ) [السجدة:15].
وكل هذه الآيات بلفظ (السُجّد) للدلالة على الحركة الظاهرة.
4ـ لم يرد لفظ السجود (جمع ساجد) إلا في موضعين هما البقرة 125، والحج 26 للدلالة على السجود الحقيقي؛ وهو الخشوع، وهو مناسب للتطهير في الآية، فإنّ الخشوع يدل على طهارة الباطن وهو مناسب لطهارة البيت وليس المراد به السجود الظاهري.
ومثل ذلك قوله تعالى: (فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ١٥ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ١٦) [التكوير:15-16]فالخُنَّس والكُنَّس هن اللاتي يخنسن ويختفين كثيراً لا مرة واحدة. والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 08-04-2024 06:52 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (103)

مثنى محمد هبيان


(وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ١٢٦)[ البقرة: 126 ]

السؤال الأول:

ما الفرق بين قوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] وقوله تعالى: (رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا ٱلۡبَلَدَ ءَامِنٗا) [إبراهيم:35]؟
الجواب:
الآية الأولى هي دعاء سيدنا إبراهيم قبل أنْ تكون مكة بلداً، فجاء بصيغة التنكير (بَلَدًا) [البقرة:126]، أمّا الآية الثانية فهي دعاء سيدنا إبراهيم بعد أنْ أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله: (ٱلۡبَلَدَ) [إبراهيم:35].
في الآية الثانية المكان صار بلداً وصار فيه ناس، بل أكثر من ذلك جاء إليه من يعبد الأصنام، وقوله تعالى: (وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ) [إبراهيم:35] معناه: أنّ هناك في البلد من القبائل أو من الأعراب الذين سكنوا مع هاجر من كانوا يعبدون الأصنام، فلا يريد لذريته أنْ يتأثروا بهؤلاء فانصب الطلب على الأمن ودفع عبادة الأصنام.
السؤال الثاني:
قوله تعالى في البقرة قال: (ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] بضمير المفرد وفي آية لقمان: 24 بالجمع (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) [لقمان:24] فما الفرق بينهما؟
الجواب:
حتى نفهم المسألة نقرأ سياق آية البقرة؛ لأنّ السياق هو الذي يوضّح (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126] إذن آية البقرة في مكة، وأمّا آية لقمان فهي عامة (نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) [لقمان:24] كلام عام، وليس في بلد معين ولا لأناس معيَّنين.
1ـ آية البقرة هي دعاء على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام لأهل مكة قبل أنْ توجد حيث ذكر (بَلَدًا)، وأمّا آية لقمان فهي عامة و ليست في بلد معين أو أناس معينين، لذلك نجد أنَّ:
آ ـ في آية لقمان حيث توجد الكثرة النسبية جاء فيها بالجمع(نُمَتِّعُهُمۡ) [لقمان:24] (نَضۡطَرُّهُمۡ) [لقمان:24].
ب ـ وفي آية البقرة العدد أقل نسبياً، فجاء بضمير الإفراد (أَضۡطَرُّهُۥ) [البقرة:126] والله هو صاحب البيت (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ) [البقرة:125] وهو يتولى العذاب.
2ـ في آية البقرة جاء فيها قوله تعالى: (وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ) [البقرة:126] وهذا هوطلب الرزق كنوع من التمتيع، وهذا ليس في التبليغ؛ لذلك عندما قال: (وَمَن كَفَرَ) [البقرة:126] كان الجواب (فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا) [البقرة:126].
وأمّا في آية لقمان فقال: (وَمَن كَفَرَ) و(نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا) و(نَضۡطَرُّهُمۡ) كلها بالجمع؛ لأنها تخص التبليغ والدعوة.
3ـ قال في آية لقمان: (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) وفي البقرة: (إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ ) [البقرة:126] والثانية فيها حرق فهي أشد من (إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ) فقد يكون بعصا غليظة مثلاً، والسبب في ذلك أنّ آية البقرة هي في أهل مكة، وفي مكة قد تتضاعف السيئات كما تتضاعف الحسنات، فالمعاصي فيها أكبر ذنباً والعذاب بسبب ذلك أشد؛ لأنّ من أساء في مكة ليس كمن أساء في غيرها، ولذلك شدّد العذاب فقال: (عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) [البقرة:126]. والله أعلم.
4ـ وفي القرآن يراعي هذا الشيء، نحو قوله تعالى: (وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ) [يونس:42] الذين يستمعون أكثر من الذين ينظرون، فقال: يستمعون، هذه تسمى مناسبة، وهذا ما جعل المفعول في لقمان بالجمع، وفي البقرة بالمفرد.
السؤال الثالث:
جاء في الآية لفظة النداء (رَبِّ) [البقرة:126] وفي آيات كثيرة (رَبَّنَا) فهل من معانٍ لهذا النداء؟
الجواب:
1ـ كلمة (رَبَّنَا) هي منادى بإسقاط حرف النداء، والمنادى هو طلب الإقبال، وهو اسم يقع بعد أداة من أدوات النداء، وأدوات النداء تختلف باختلاف المسافة بينك وبين المنادى.
آ ـ فإذا كان المنادى بجوارك تقول: محمدٌ افعل كذا، أي:بدون أداة نداء.
ب ـ فإنْ كان بعيداً قليلاً تقول: أمحمدُ، أي: باستعمال الهمزة.
ج ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: يا محمد، أي: باستعمال الياء.
د ـ فإنْ كان أبعد من سابقه تقول: أيا محمد، أي: باستعمال الهمزة والياء.
2ـ إذا أضيف المنادى إلى ياء المتكلم، جاز حذف الياء والاستغناء عنها بالكسرة، نحو قوله تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا) [طه:114].
3ـ قد يأتي المنادى ويحذف حرف النداء، كقوله تعالى: (رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ) [الحشر:10].
وأنت أيها المؤمن حين تنادي ربك وإنْ لم تكن أنت قريباً من الله فالله قريب منك، ولذلك لا تستخدم أداة النداء لا للقريب ولا للبعيد، ويكفي في هذا القرب قول الله تعالى: (وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ) [ق:16].
وقد ورد في القرآن الكريم لفظ (رَبِّ) كمنادى في خمس وستين آية بدون أداة نداء، أولها في سورة البقرة في الآية [126] على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا) [البقرة:126] إلى قول نوح عليه السلام في سورة نوح: (رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ) [نوح:28].
والله قريب منا بالفعل، وإنْ حدث بُعدٌ فمنك أنت أيها العبد، وأكثر ما يكون العبد قرباً من الله حين يكون مضطراً حتى إنْ كان بعيداً عن الله قبل الاضطرار.
وفي آيتين فقط من كتاب الله نودي الربُّ تبارك وتعالى بأداة النداء، وهذان الموضعان حكاية عن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهما:
(وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا) [الفرقان:30].
(وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ) [الزُّخرُف:88] والسؤال لماذا لم تأتِ أداة النداء إلا من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في نداء ربه؟
والجواب: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شديد الحرص على هداية قومه ونصرة دعوته حتى خاطبه ربه بقوله: لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ [الشعراء:3].
وقد مرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمواقف صعبة لدرجة جعلته يستبطىء نصر الله، كما قال سبحانه في سورة البقرة الآية [214]: وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ٢١٤ [البقرة: ٢١٤] فخاف صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يكون بعُدَ عن ربه، وهذا البعد ما هو إلا مظنة من رسول الله أو اتهامٌ للنفس فلمّا ذهب صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ربه ويشتكي إليه أنّ قومه هجروا القرآن نادى ربه من منزلة البعيد، فقال:(يا رب)، وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم ظن في نفسه التقصير أو الفشل، ورأى أنّ ذلك يُبعده عن ربه، لكنّ الله تعالى أنصفه وأكد نداءه، بل وأقسم به فقال الحق عز وجل: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨ فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ) [الزُّخرُف:88-89].
أي: أقسم بقولك: (إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا٣٠) [الفرقان:30] والله تعالى يقسم بما يشاء على ما يشاء، ولم يقسم بأحد من الخلق إلا برسول الله، في قوله: (لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ) [الحِجر:72] وأقسم الله كذلك بقول رسوله فقال سبحانه: (وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ٨٨) [الزُّخرُف:88].
4ـ بشكل عام يجوز حذف حرف النداء نحو قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] و يلزم ذكر حرف النداء مع ( الله ) ومع اسم الجنس سواء كان نكرة مقصودة أم غير مقصودة واسم الإشارة فإذا ناديت ( الله ) قلت: يا الله وكذلك اسم الجنس نحو: ( يا رجل ) و ( يا هذا ) كما يلزم ذكر حرف النداء في الاستغاثة والتعجب والندبة نحو: يا لخالد ويا للهول.
5ـ من أغراض حذف حرف النداء:
آ ـ الحذف للعجلة بقصد الفراغ من الكلام بسرعة نحو قولك:( خالد احذر )
ب ـ الحذف للإيجاز والاختصار وذلك كما في قوله تعالى: (قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي) [الأعراف:150] فحذف حرف النداء ( يا ) من المنادى (ابن أم ) في حين ذكرها في سورة طه: (قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ) [طه:94] والسبب ـ والله أعلم ـ أنّ السياق في سورة الأعراف سياق إيجاز واختصار بخلاف آيات طه وإليك كلاً من السياقين:
قال الله في سورة الأعراف:
{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ١٥٠ قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ١٥١ } [الأعراف:150-151].
وقال في سورة طه:
{ فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي٨٦ قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ}[طه:86-87].
ثم ذكر موقف هارون عليه السلام: ( وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي) [طه:90] ثم توجه باللوم إلى هارون: { قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ٩٢ أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي٩٣ ) [طه:92-93] فأجابه هارون عليه السلام: { قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي٩٤) [طه:94] ويستمر الكلام.. ولذلك نجد أنّ الكلام في سورة الأعراف كان مختصراً موجزاً وكان الموقف موقف عجلة وإسراع فحذف ( يا) النداء تمشياً مع هذا الحذف والاختصار وأمّا في سورة طه فالسياق سياق إطالة وسؤال ورد ولوم فجاء بـ ( يا ).
ومن الحذف أيضاً قوله تعالى: (يُوسُفُ أَعۡرِضۡ عَنۡ هَٰذَاۚ) [يوسف:29] فقد أرادوا ستر الموضوع والكف عن الخوض فيه فقالوا ذلك بأخصر طريق فحذف حرف النداء تمشياً مع هذا الاختصار والتستر.
ج ـ قد يكون ذكر ( يا ) للزيادة في التنبيه والتقريع كما في قوله تعالى:{ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ١ }[الحج:1]
د ـ قد يكون الحذف لقرب المنادى من المنادي سواء كان قرباً حقيقياً مادياً أم معنوياً فكأنّ المنادى لقربه لا يحتاج إلى واسطة لندائه كأنْ تقول لمن هو قريب جداً منك: ( خالد أتدري ما حلّ بفلان؟) ونحو قوله تعالى: { رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ) [هود:73] وقوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا٣٣ ) [الأحزاب:33]. والله أعلم.
السؤال الرابع:
ما أهم الدعوات التي جاءت على لسان إبراهيم عليه السلام في هذه الآية والآيات التي تليها وتتحدث عن البيت الحرام؟
الجواب:


آ ـ ساق القرآن الكريم في هذه الآية والآيات التي تليها سبع دعوات من جوامع كلم النبوة:
1ـ دعا إبراهيمُ عليه السلام أن يجعل البلد الحرام بلداً آمناً حتى يستطيع الناس أداء الحج والعمرة.
2ـ ودعاه أن يرزق أهل مكة أنواع الثمرات في وقت كانت فيه مكة صحراء قاحلة.
3 ـ ودعاه وهو يرفع قواعد البيت مع ابنه إسماعيل أن يتقبّل منهما عملهما.
4 ـ ودعا ربه أن يثبتهما على الإسلام وهو التوحيد الخالص وأن يُخرج من ذريتهما أمة مسلمة موحدة لربها.
5ـ وسأل ربه أن يبصّره وذريته بمعالم الدين وطرق العبادة ومنها مناسك الحج.
6 ـ وسأل ربه التوبة والتجاوز عن الذنوب.
7 ـ وسأل ربه أخيراً أن يبعث من أهل مكة رسولاً منهم تنطلق رسالته من مكة إلى العالم أجمع ليعلّمهم القرآن والسنة ويطهرهم من الشرك وسوء الأخلاق.
ب ـ قرأ ابن عامر ( فأُمْتِعه ) بسكون الميم وتخفيف التاء على أنه مضارع الفعل (أمتع ) المعدّى بالهمز وقرأ غيرُه(فَأُمَتِّعُهُۥ) بفتح الميم وتشديد التاء مضارع الفعل ( متّع ) المعدّى بالتضعيف.والله أعلم.



ابوالوليد المسلم 08-04-2024 06:55 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (104)
مثنى محمد هبيان



(وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ)[ البقرة: 127 ]
السؤال الأول:
ما فائدة الضمير (أَنتَ) في الآية؟
الجواب:
جاء الخبر(ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ) معرفةً، ووقع بين (إِنَّكَ) والخبر (ٱلسَّمِيعُ) ضمير الفصل (أَنتَ) بقصد المبالغة في كمال الوصفين السميع والعليم له سبحانه وتعالى، ولينزَل سمع وعلم غيره منزلة العدم، ألا ترى أنك لو قلت لرجل: أنت سامع، إذا أردت أنه أحد السامعين، أما إذا عرّفت فقلت: أنت السامع، فهذا يعني أنه السامع لا غيره.
السؤال الثاني:
هل يُضمَرُ القول في القرآن الكريم؟ وما حالات إضمار القول؟
الجواب:
1ـ الأصل أنْ يُذكر فعل القول والمقول، كقوله تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ) [مريم:30] (قَالَ) هي فعل القول، و (إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ) هي المقول.
2ـ قد يُحذف فعل القول ويُذكر القول، كقوله تعالى في آية التوبة والبقرة:
ـ (نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ) [التوبة:127] أي: يقولون: (هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ أَحَدٖ) [التوبة:127] ولم يذكر فعل القول.
ـ (وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ ) [البقرة:127] أي: يقولون: ربنا تقبل منا، بدون ذكر فعل القول.
3ـ قد يُذكر فعل القول ويُحذف المقول، كقوله تعالى في آية يونس:
ـ (قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا) [يونس:77] ؛ وبيان ذلك:
آـ قال موسى: أتقولون للحق لمّا جاءكم، هنا فعل القول والمقول من موسى عليه السلام لقومه، بمعنى: أي ما تقولون في الحق الذي جئت به؟
ب ـ ثم بعد أنْ ذكر فعل القول لقوم موسى وهو (أَتَقُولُونَ) [يونس:77] حذف عنه المفعول به وهو مقولهم لدلالة الحال عليه.
ج ـ ثم قال مرة أخرى: (أَسِحۡرٌ هَٰذَا) [يونس:77] وهذا استفهام على سبيل الإنكار، ثم احتج على أنه ليس بسحر في قوله: (وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ) [يونس:77].
4ـ قد يُذكر مقولان لقائلين مختلفين ويُحذف الفعل لواحد منهما، كقوله تعالى:
ـ (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [النحل:28] ففي الآية مقولان:
آـ (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ) [النحل:28] وهذا مقول الظالمي أنفسهم، وذكر فعل القول (ألقوا) أي: أسلموا وأقروا بالعبودية عند الموت، فقالوا: ما كنا نعمل من سوء، والمراد بالسوء هنا: الشرك.
ب ـ (إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [النحل:28] وهذا مقول الملائكة رداً عليهم وتكذيباً، وأُدمج المقولان، وهو مفهوم من السياق.
5ـ أن يُذكر فعل القول ومقوله، ثم يدمجه مع مقول آخر.
شواهد قرآنية:
آية يوسف: [51ـ52]:
ـ (قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ٥١ ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ) [يوسف: 51 - 52] وتفصيل ذلك:
آ ـ (قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ) [يوسف:51] في الآية فعل القول: قالت، ومقولها: أنا راودته.
ب ـ (ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ) [يوسف:52] هذا مقول يوسف عليه السلام عند أكثر المفسرين.
آية النمل[34]:
ـ (قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ) [النمل:34] وهذا كلام بلقيس، ثم إنه تعالى قال: (وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ) [النمل:34].
آية آل عمران [9]:
ـ (رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِۚ) [آل عمران:9] هذا كلام الداعي، ثم قال: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ) [آل عمران:9].
6ـ أنْ يُذكر فعل القول ولا يُذكر المقول، بل يُذكر فحواه، كقوله تعالى:
ـ (قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ) [إبراهيم:31] أي: أقيموا الصلاة، وهذا فحوى القول.
ـ (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ) [الإسراء:53] أي: يقولوا القول الحسن.
والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 08-04-2024 06:57 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (105)
مثنى محمد هبيان




(رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ) [ البقرة:129 ]
السؤال الأول:
ما دلالة الفرق في الترتيب بين آية سورة البقرة (رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٢٩) [البقرة:129] وآية سورة الجمعة (هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ٢) [الجمعة:2]؟
الجواب:
أولا:
وردت في القرآن الكريم مثل هذه الآيات أربع مرات، ثلاثاً منها عن الله تعالى، ومرة على لسان إبراهيم عليه السلام، وهي الآيات التالية:
1. سورة البقرة: (كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ١٥١) [البقرة:151].
2. آل عمران: (لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ١٦٤ ) [آل عمران:164].
3. سورة الجمعة: (هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ٢) [الجمعة:2].
وعلى لسان إبراهيم عليه السلام:
4. سورة البقرة: (رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٢٩) [البقرة:129].
وهذا يعود إلى ترتيب الأولويات والأهمية في الخطابين، فعندما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أنْ يرسل رسولاً أخَّرَ جانب تزكية الأخلاق إلى آخر مرحلة بعد تلاوة الآيات وتعليمهم الكتاب والحكمة.
أمّا في آية سورة الجمعة وسورة البقرة:151 وسورة آل عمران: فالخطاب من الله تعالى بأنه بعث في الأميين رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكيهم قبل مرحلة يعلمهم الكتاب والحكمة؛ لأنّ الجانب الخُلُقي يأتي قبل الجانب التعليمي، ولأنّ الإنسان إذا كان غير مزكّى في خلقه لن يتلقى الكتاب والحكمة على مُراد الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أهم صفاته أنه على خلق عظيم كما شهد له رب العزة بذلك في قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ٤) [القلم:4].
والتزكية هي ربع المهمّة المحمدية (تلاوة الآيات، تعليم الكتاب، تعليم الحكمة، التزكية).
ثانياً ـ هذا الترتيب في الآية؛ لأنّ آيات القرآن تعلمنا التفكير والمنطق ودقة اللفظ وترتيب الأفكار، والله سبحانه وتعالى رتب هذه الصفات على حسب ترتيب وجودها؛ لأنّ أول تبليغ الرسالة القرآن ثم يكون تعليم معانيه، كما في قوله في موضع آخر: (فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ١٨ ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ١٩ ) [القيامة:18-19] فإذا ما حصلت على علم القرآن انتقلت إلى المرحلة الأخيرة وهي التزكية.
السؤال الثاني:
ما دلالة قوله تعالى: (رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ) [البقرة:129] في الآية؟
الجواب:
كلمة (رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ) [البقرة:129] تَرُدُّ على اليهود الذين أحزنهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العرب، وأنّ الرسالة كان يجب أن تكون فيهم.
ونحن نقول لهم: إنّ جدنا وجدكم إبراهيم، وأنتم من ذرية يعقوب بن إسحاق، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم وأخ لأسحاق، ولا حجة لما تدّعونه من أن الله فضّلكم واختاركم على سائر الشعوب، إنما أراد الله أنْ يسلب منكم النبوة؛ لأنكم ظلمتم في الأرض وعهدُ الله لا يناله الظالمون.
ثم قال الله: (وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَه ) [البقرة:130] فهو سفيه لا يملك عقلاً يميز بين الضار والنافع.
ثم قال: (وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ١٣٠) [البقرة:130] فقد اصطفاه الله في الدنيا بالمنهج وبأنْ جعله إماماً وبالابتلاء، وهو في الآخرة من الصالحين، أي: من الفائزين.
وقد يظن كثير من الناس أنّ مقامات الناس في الدنيا وزخرفها مبرر لأنْ يعتقدوا أنّ لهم منزله عالية في الآخرة.
نقول: لا، فمنازل الدنيا لا علاقة لها بالآخرة، ولذلك قال الله: (وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ) وأضاف: (وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ) لنعلم أنّ إبراهيم عليه السلام له منزلة عالية في الدنيا والآخرة معاً.
السؤال الثالث:
قوله تعالى في هذه الآية [129] (رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ) ) بينما قال في آية آل عمران [164]: (مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ) وفي آية التوبة: 128 (مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ ) فلماذا؟
الجواب:
آية البقرة في سياق دعاء إبراهيم عليه السلام وهو عام.
أمّا في آل عمران والتوبة فهما في سياق ذكر المِنَّة على المؤمنين، فناسب ذكر (مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ) لمزيد الحنُوِّ والمنة، وكذلك{ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٢٨} [التوبة: ١٢٨]
السؤال الرابع:
ما الحكمة في ذكر إبراهيم عليه السلام مع محمد عليه الصلاة والسلام في في الصلوات الإبراهيمية في التشهد الأخير في كل صلاة؟
الجواب:
1ـ إنّ إبراهيم عليه السلام دعا لمحمد عليه السلام حيث قال: (رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ١٢٩) [البقرة:129] فلمّا وجب للخليل على الحبيب حقّ دعاءه له قضى الله تعالى عنه حقه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيامة.
2ـ إنّ إبراهيم عليه السلام سأل ذلك ربه بقوله: {وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ٨٤}[الشعراء: 84] يعني: أبق لي ثناء حسناً في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته.
3ـ إبراهيم عليه السلام كان أب الملة: {مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ} [الحج: 78] ومحمد عليه السلام كان أب الرحمة: {بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٢٨} [التوبة: 128].
4 ـ إبراهيم عليه السلام كان منادي الشريعة في الحج: {وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ} [الحج: 27] وكان محمد عليه السلام منادي الدين: {سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ} [آل عمران: 193] فجمع الله بينهما في الذكر الجميل.
وفي الحديث: ( أنا دعوة أبي إبراهيم وبُشرى أخي عيسى ورؤيا أمي ) أخرجه الحاكم والبيهقي. والله أعلم.








ابوالوليد المسلم 13-04-2024 04:31 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (106)
مثنى محمد هبيان



(وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ١٣٠ إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٣١)[البقرة: 131]
السؤال الأول:
ورد الفعل (أَسۡلِمۡۖ) بالماضي في آية البقرة (131) وفي آية لقمان [22] ورد بالمضارع (وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ) [لقمان:22] فما الفرق بينهما؟
الجواب:
انظرالجواب في آية البقرة ( 112) أو انظر في الحلقة (93 ) على موقع رابطة العلماء السوريين.
السؤال الثاني:
قوله تعالى: (أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [البقرة:131] ما الفرق بين (عالم- عوالم- عالمين- علاّم) في الاستعمال؟
الجواب:
1ـ القاعدة اللغوية:
صيغة الجمع ( فواعل ) هي جمع تكسير، وهي إمّا أنْ تكون:
آ ـ جمعاً لمؤنث بصيغة فاعلة نحو: كافرة وكوافر ـ ساجدة وسواجد ـ نازلة ونوازل.
ب ـ أو جمعاً لغير العاقل بصيغة فاعل، نحو: قارض وقوارض ـ زاحف وزواحف ـ ناقص ونواقص.
2ـ (عالمين):
ومفردها (عالم) ولم تجمع على عوالم في القرآن الكريم حسب القاعدة اللغوية أعلاه والسبب في ذلك أنّ المقصود بها في السياقات القرآنية هو العاقلون، فأحياناً المقصود منها هو عالم الناس وأحياناً عالم الإنس والجن (الثقلان)، وأحياناً عالم الملائكة والشياطين، وأحياناً يتسع معناها فتشمل المخلوقات كافة العاقلين وغير العاقلين لذلك ينبغي أنْ تجمع كلمة (عالم) على (عالمين) إشارةً إلى العاقلين من الإنس والجن والملائكة والشياطين لتمييزها عن العوالم غير العاقلة.
قال الفرّاء وأبو عبيدة: العالم عبارةٌ عما يعقل من (الإنس والجن والملائكة والشياطين) ولا يقال للبهائم: عالم.
3ـ علاّم:
وردت في القرآن الكريم أربع مرات في آيات: ( المائدة 109و 116، التوبة 78، سبأ 48) وهي مبالغة من عالم وقد تكون علاّمة بزيادة تاء التأنيث للمبالغة لكنْ لا تستعمل مع الله تعالى ولم يقل القرآن: علاّمة، لأنّ علم الله لا يترقى بلاغة ولا كمية. والله أعلم.
السؤال الثالث:
ما أهم الدروس في هاتين الآيتين؟
الجواب:
1ـ الآية رقم ( 130 ) ذكرت المخالفة التاسعة والعشرين (29 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة وهي تحمل مضمون: عدول اليهود عن الإيمان بمحمد وهو ( دعوة إبراهيم).والله أعلم.
2 ـ لمّا ذكر الله تعالى في الآيات السابقة فضائل إبراهيم عليه السلام بيّن هنا أنه لا يَعدِلُ عن دين إبراهيم إلا من كان سفيه العقل خائر الرأي والسفاهة وخفة الرأي في مقابلة ما يُراد منه من المتانة والقوة.
3ـ لذلك يا أيها اليهود: إنْ كنتم تفتخرون بالانتساب إلى إبراهيم عليه السلام فإنه هو الذي دعا ربه أن يبعث في هذه الأمة رسولاً منهم فمن يكفر بمحمد فقد كفر بإبراهيم.
ثم بيّن الله منزلته في الدنيا والآخرة فقال: (وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ} وأنه استجاب مسرعاً لوحي ربه حين أمره بالتوحيد فقال: (إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٣١}[البقرة:131].
4ـ المذكور في الآية ( 131 ) هو المزية الخامسة المستحسنة التي حكاها الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام وأمّا المزايا الأربعة الأخرى فقد ذُكرت في الآيات السابقة.
والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 13-04-2024 04:33 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (107)
مثنى محمد هبيان




(وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ١٣٢) [البقرة:132]
السؤال الأول:
ما الفرق بين (وَصَّىٰ) و (أوصى )؟
الجواب:
1ـ الله تعالى يقول: (وَصَّىٰ) بالتشديد إذا كان أمر الوصية شديدا ومهماً، لذلك يستعمل وصّى في أمور الدين، وفي الأمور المعنوية: (وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ١٣٢) [البقرة:132] (وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ ) [النساء:131] .
أمّا (أوصى) فيستعملها الله تعالى في الأمور المادية:( يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ) [النساء:11] .
2ـ لم ترد في القرآن (أوصى) في أمور الدين إلا في مكان واحد اقترنت بالأمور المادية، وهو قول السيد المسيح عليه السلام : (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا٣١) [مريم:31] ، وفي غير هذه الآية لم ترد (أوصى) في أمور الدين، أمّا في هذا الموضع الوحيد فقد اقترنت الصلاة بالأمور المادية، وقد قالها السيد المسيح في المهد وهو غير مكلف أصلاً، وجاء بعدها ذكر الزكاة.
السؤال الثاني:
ما أهم النقاط في الآية؟
الجواب:
1ـ ذكرت هذه الآية الأمر السادس المستحسن التي حكاها الله عن إبراهيم عليه السلام .
2 ـ الضمير ( بها ) في قوله تعالى : (وَوَصَّىٰ بِهَآ) يعود إلى :
آ ـ الملة : (وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ) وهو الأقوى والأولى .
ب ـ أو إلى قوله تعالى : (أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٣١) .
3ـ قوله تعالى : (وَيَعۡقُوبُ) معطوف على إبراهيم ، والمعنى أنه وصّى كوصية إبراهيم .
4 ـ خصّص إبراهيمُ بنيه بالوصية وعمّمها على الجميع لبيان شدة الاهتمام بها وأهميتها ورعايتها، وللعلم فإنّ لفظ ( الوصية ) أوكد من ( الأمر ) لأنّ الوصية تكون عند الخوف من الموت، وفي ذلك الوقت يكون احتياط الإنسان لدينه أشد وأتم ، ومن مات على شيء بُعث عليه.
5 ـ وردت (يابَنيَّ) بفتح الباء ثلاث مرات في القرآن الكريم في سياق الأب الناصح، ووردت (يا بُنيَّ) بضم الباء ست مرات في سياقات مختلفة، لتمثل أعظم وصية من الأب لابنه للتمسك بالدين.
6 ـ قوله تعالى : (فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ) أي : لا يأتيكم الموت إلا وأنتم على الإسلام, لأنّ من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه , فالحياة على الإسلام نعمة ، والموت على الإسلام توفيق. والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 13-04-2024 04:35 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (108)
مثنى محمد هبيان



( أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ) [البقرة: 133]
السؤال الأول:
ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل (حضر، وجاء) في القرآن الكريم مع الموت؟
الجواب:
من الناحية اللغوية:
فعل (حضر):الحضور في اللغة: يعني الوجود، وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء، يقال: كنت حاضراً إذ كلّمه فلان، بمعنى (شاهد وموجود)، وهو نقيض الغياب, ويقال: كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق، أي: كنت موجوداً فيها.
أما المجيء: فهو الانتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء، ولهذا نقول: الله حاضر في كل مكان، وهو دليل وجوده في كل مكان.
وفي القرآن يقول تعالى: (فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ) [الكهف:98] بمعنى: جاء الأمر، وكذلك قوله تعالى: (حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ) [هود:40]. إذن الحضور معناه الشهود، والمجيء معناه الانتقال من مكان إلى مكان.
من الناحية البيانية:
أمّا من الناحية البيانية ففى قوله تعالى في سورة البقرة: (أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ١٣٣) [البقرة:133] وفي المؤمنون: (حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ٩٩) [المؤمنون:99].
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير، وكلمتا (حضر) و(جاء) لكل منها خصوصية أيضاً، فأمّا التعبير (حضر الموت) فيستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود، وأمّا التعبير (جاء) فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
فحضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في آية سورة البقرة، وكأنّ الموت هو من جملة الشهود، والقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت، فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ) [البقرة:180] ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد.
أمّا مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون، حيث يريد هذا الذي جاءه الموت أنْ يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا، فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت.
ويستعمل الفعل (جاء) مع غير كلمة (الموت) أيضاً كالأجل (فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ) [الأعراف:34] وسكرة الموت (وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّ) [ق:19] ولا يستعمل هنا (حضر الموت)؛ لأنه كما أسلفنا (حضر الموت) تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود، أمّا (جاء) فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
السؤال الثاني:
ما دلالة تقديم المفعول به مع ذكر الموت (إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ ) [البقرة:133] وما الفرق بين (حضر) و(جاء) و(أدرك) و(أصاب)؟
الجواب:
1ـ جاء لفظ الموت فاعلاً في 11 موضعاً في القرآن الكريم كله، ويقول العلماء: إنّ تقديم المفعول به وإبعاد الفاعل، هو إمّا للاهتمام بالمقدَّم والتلهف لمعرفة الفاعل، أو لإبعاد شبح الموت، وهو شيء مكروه لكل البشر فالكل لا يحب قدومه.
2ـ انظر الجدول التالي للأفعال التي جاءت مع الموت في القرآن:
https://islamsyria.com/ar/ckeditor/k...8%D9%84(5).jpg
المجموع: 11 موضعاً
الفعل (حَضَرَ)
فعل (حضر) هو من الحضور وهو نقيض الغياب، وقولك: كنت حاضراً معهم، أي: موجوداً، ولهذا نقول: (الله حاضر في كل مكان)، ونلمس بالفعل (حضر) شدة القرب.
واستعمل القرآن الكريم في الآيات حضور الموت للأحكام والوصايا، وكأنّ الموت من جملة الشهود، والقرآن لا يتحدث في آيات (حضر) عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت، لكنّ الكلام هو في الأحكام والوصايا (إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ) [البقرة:180] ووصية يعقوب لأولاده.
الفعل (جَآءَ)
فيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع، والفعل (جاء) معناه الانتقال من مكان إلى مكان، وفي القرآن (فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ) [الكهف:98] بمعنى( لم يكن موجوداً، وإنما جاء الأمر) وكذلك (فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ) [المؤمنون:27].
و مجيء الموت في القرآن يستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية المؤمنون [99] وآية الأنعام [61].
وكذلك يستعمل فعل (جاء) مع غير كلمة الموت كالأجل (فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ) [الأعراف:34] وسكرة الموت (وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ) [ق:19].
الفعل: (يُدۡرِكُ)
أدرك: أي: لحق به وقبض عليه، وفيه صورة الملاحقة، كما في آية النساء( 78 )، حيث تصور الآية من ينتقل من مكان لآخر هرباً من الموت، والموت يسعى وراءه حتى يدركه ولو كان متحصناً في بروج مشيدة. (أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ) [النساء:78]
الفعل: (يَأۡتِيَ)
إتيان الموت: المراد به إتيان أسبابه من وسائل التعذيب و الكلام عن المعذَّب بنار جهنم، كما في آية إبراهيم: (وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ ) [إبراهيم:17].
الفعل: (يَتَوَفَّى ):
كلمة (توفّى) تأتي في القرآن على ثلاثة ألوان:
(ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا) [الزُّمَر:42].
(قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ) [السجدة:11].
(تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا) [الأنعام:61].
فهو سبحانه ينسب الموت له ولملك الموت ولرسله، فأخذ الأرواح وقبضها إلى الله أمراً، وإلى ملك الموت وسيلة وواسطة، وإلى الرسل تنفيذاً.
السؤال الثالث:
لماذا لا يُذكر سيدنا إسماعيل مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في القرآن؟
الجواب:
انظر الجواب في السؤال الأول في الآية [125].
السؤال الرابع:
ما الفرق في الاستعمال القرآني بين الوالد والأب؟
الجواب:
يستعمل القرآن لفظة (الوالدان) للأب المباشر، أي: أبو الولد وأمه، بينما تأتي لفظة (الأب) بمعنى أشمل من الوالد، إذ يندرج في تضاعيفه معنى: الجد والعم والأب الوالد، كما في آية البقرة [133] (أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ١٣٣) [البقرة:133].
لذلك نجد أنّ الأبوة بمعناها الشامل تضمنت: الجد إبراهيم، والعم إسماعيل، والأب الوالد: إسحق.
السؤال الخامس:
في الآية متعاطفان (قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ) [البقرة:133] فما أهم أقسام العطف في اللغة ؟
الجواب:
المتعاطفان يكونان على أقسام:
1ـ عطف الشيء على مغايره،وهو الأصل، نحو: رأيت محمداً وخالداً.
2ـ عطف الشيء على مرادفه، نحو:هذا كذب وافتراء.
3ـ عطف العام على الخاص، آية الحجر 87، ونحو: اشتريت رماناً وفاكهة.
4ـ عطف الخاص على العام: آية البقرة 98، ويأتي لبيان الأهمية، فإنّ جبريل وميكال هم رؤساء الملائكة وليسوا كعمومهم، ومثله آية البقرة 238، وآية الرحمن 68.
5ـ عطف الشيء على نفسه لزيادة الفائدة، كما في آية البقرة 133.
6ـ عطف الصفات بعضها على بعض والموصوف واحد: سورة الأعلى الآيتان 1ـ4، ونحو: مررت برجل فقيه وشاعر وكاتب.
7ـ عطف الاسم على الفعل وبالعكس، والأصل أنْ يعطف الاسم على الاسم والفعل على الفعل.
8ـ قد يعطف الاسم المشبه بالفعل كاسم الفاعل على الفعل وبالعكس، كما في آية الملك 19، وآية الأنعام 95، حيث عطف اسم الفاعل ( وَمُخۡرِجُ) على الفعل ( يُخۡرِجۡ )، وكذلك في آيتي سورة العاديات (3 ـ4) ( فَٱلۡمُغِيرَٰتِ صُبۡحٗا٣ فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا٤ ).
السؤال السادس:
ما أهم النقاط في هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ لمّا حكى الله عن إبراهيم عليه السلام في الآية السابقة أنه بالغ في وصية بنيه في الدين والإسلام، ذكر في هذه الآية أنّ يعقوب وصّى بنيه بمثل ذلك تأكيداً للحجة على اليهود والنصارى، وزيادة في البيان.
2ـ ( أمْ ) هي للاستفهام أو العطف، وتأتي متصلة بما قبلها، وتأتي منقطعة بمعنى ( بل ) على الأغلب.
3 ـ قوله تعالى: (إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ) (إذ ) الأولى وقت الشهادة و( إذ ) الثانية وقت الحضور.
4 ـ الآية دالة على اهتمام الأنبياء بأولادهم وشفقتهم عليهم:
آ ـ فقد سألهم عن ميراث الدين لا الدنيا.
ب ـ سكرات الموت لم تنس يعقوب عليه السلام الدعوة للتوحيد , فقد كان يطمئنُّ على أعظم اهتماماته: مستقبل التوحيد في قلوبهم.
ج ـ ما ألطف جوابهم على أبيهم , أثنوا عليه بالتوحيد, و بروه بالثناء على آبائه أيضا, (قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ) وكان يمكن أن يقولوا: نعبد الله.
د ـ من واجب الآباء تفقد سلامة العقيدة في نفوس أبنائهم , لتكون العقيدة حاجزاً بينهم وبين الانحرافات المختلفة وخاصة الفكرية , والأولاد هم يمثلون المشروع الذي تعيش من أجله وستظهر بصماته حتى في اللحظات الأخيرة من الحياة، ولله درالنفوس الكبيرةالتي تظل تعطي حتى آخر قطرة من اناء الحياة.
5 ـ قوله تعالى: (مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ) لفظ ( ما ) لغير العقلاء، فكيف أطلقه في المعبود الحق ؟ والجواب: لفظ ( ما ) عام في كل شيء , والمعنى: أي شيء تعبدون ؟
ولفظة ( ما ) يمكن أن تستعمل للسؤال عن ذات غير العاقل مثل: ما هذا؟ هذا حصان، ما تأكل؟ آكل كذا، وتستعمل أيضاً لصفات العقلاء مثل:من هذا؟ تقول: خالد، ما هو؟ تقول: تاجر، شاعر.
وفي القرآن:
ـ قوله تعالى: (فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ) هذا صفة عاقل، أي: انكحوا الطيّب من النساء.
ونظير ذلك قوله تعالى: (وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا٧) [الشمس:7] والذي سواها هو الله، وقوله (وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ٣) [الليل:3] من الخالِق؟ الله هو الخالق.
ـ و (ما) قد تكون للسؤال عن حقيقة الشيء (قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ) [الفرقان:60] يسألون عن حقيقته، وفرعون قال: (قَالَ فِرۡعَوۡنُ وَمَا رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢٣ ) [الشعراء:23] يتساءل عن الحقيقة.
ـ وقد يؤتى بها للتفخيم والتعظيم، والتعظيم قد يكون في الخير أو في السوء أو ما يصيبه من السوء.
قال تعالى: (ٱلۡقَارِعَةُ١ مَا ٱلۡقَارِعَةُ٢ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ٣ ) [القارعة:1-2-3] وقال: (وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡيَمِينِ٢٧ ) [الواقعة:27] وقال: (وَأَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلشِّمَالِ٤١) [الواقعة:41].
6 ـ لمّا تقدّم ذكر ( الإله ) في إضافتين:( قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ) بينوا أنّ المُراد فيهما واحداً تحقيقاً للبراءة من الشرك فقالوا: (إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا)
والله أعلم







ابوالوليد المسلم 14-04-2024 02:28 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن(109)



مثنى محمد هبيان




(تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡ‍َٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٣٤)[البقرة: 134]
السؤال الأول:
ما الدروس المستفادة من الآية؟
الجواب:
1ـ المقصود بالآية الأمم التي ذكرهم الله في الآيات المتقدمة، والمعنى أنه ليس لكم نفع سيرتهم ولا أفعالهم.
2ـ الآية دالة على بطلان التقليد، ولو كان التقليد جائزاً لكان كسب المتبوع نافعاً للتابع.
3ـ الآية دالة على ترغيبهم في الإيمان واتباع الرسول محمد ﷺ.
4ـ الآية دالة على أنّ الأبناء لا يثابون على طاعة الآباء، بخلاف قول اليهود بأنّ صلاح آبائهم ينفعهم، قال تعالى: (وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ ) [الأنعام:164] وقوله: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ) [الأنعام:164] وفي الحديث: «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
5ـ الآية تدل على بطلان قول من يقول من اليهود: الأبناء يعذبون بكفر آبائهم.
6ـ الآية تدل على أنّ العبد مكتسِبٌ، وجعل كسبه شبيهاً بكسب الأموال.
السؤال الثاني:
لماذا كررت (تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ ) في الآيتين 134و 141، مع أنّ الآيتين متجاورتان؟
الجواب:
1ـ الآية الأولى وردت إثباتاً لما نفاه أهل الكتاب من دين الإسلام الذي وصّى به إبراهيم ويعقوب.
2ـ وأمّا الثانية فوردت نفياً لما ادَّعَوه من أنّ إبراهيم ومن ذُكر بعده كانوا هوداً أو نصارى.
والمعنى العام: أنّ أولئك فازوا بما تدينوا به من دين الإسلام وعليكم إثم مخالفتهم وما اقترفتم عليهم من التهود والتنصر الذي هم براء منه.
3ـ الآيتان [133 و 134] تقول لليهود: إنّ نسبكم إلى إبراهيم وإسحاق لن يشفع لكم عند الله بما حرفتموه وغيرتموه في التوراة وبما تفعلونه خلاف ما شرّع الله، فاعلموا أنّ عملكم هو الذي ستحاسبون عليه وليس نسبكم.
أما الآية: 141، فقد قالوا: إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق كانوا هوداً أو نصارى.
والله تبارك وتعالى لا يجادلهم وإنما يقول لهم: لنفرض، وهذا فرض غير صحيح، أنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق كانوا هوداً أو نصارى، فهذا لن يكون عذراً لكم؛ لأنّ لهم ما كسبوا ولكم أنتم ما كسبتم، فلا تأخذوا ذلك حجة على الله يوم القيامة.
لذلك فإنّ سياق الآية الأولى يقول: لا شفاعة لكم يوم القيامة في نسبكم إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، بينما سياق الآية الثانية يقول: لا حجة لكم يوم القيامة في قولكم: إنهم كانوا هوداً أو نصارى، فلن ينفعكم نسبكم إليهم ولن يقبل الله حجتكم.والله أعلم.
4 ـ جاء في كتاب كشف المعاني لابن جماعة: قوله تعالى: {تلكَ أمة قد خلت} [البقرة:134-141] كررها مع قرب العهد بالأولى فما فائدة ذلك؟
والجواب: أنّ الأولى: وردت تقريراً لإثبات ما نفوه من دين الإسلام الذي وصّى به إبراهيمُ ويعقوبُ، ومعناه أنّ أولئك أدوا ما عليهم من التبليغ والوصية فلهم أجر ذلك، ولكم من الوزر والإثم بما خالفتموهم ما يعود عليكم وباله.
وأمّا الثانية: فوردت نفياً لما ادعوه من أنّ إبراهيم ومن ذكر بعده كانوا هوداً أو نصارى. ومعناه: أنّ أولئك فازوا بما تدينوا به من دين الإسلام، وعليكم إثم مخالفتهم، وما اقترفتم عليهم من التهود والتنصر الذي هم براء منه. والله أعلم.



ابوالوليد المسلم 14-04-2024 02:30 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن110

مثنى محمد هبيان


(وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ١٣٥ )[البقرة: 135]
السؤال الأول:
قوله تعالى في الآية: (قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ حَنِيفٗاۖ) [البقرة:135] ما معنى (حنيفاً)، وما دلالتها؟
الجواب:
الحَنفُ: هو الميل عن الضلال إلى الاستقامة، والحَنفُ: الميل في المشي عن الطريق المعتاد، وسُمِّيَ دينُ إبراهيم حنيفاً على سبيل المدح للمِلّة؛ لأنّ الناس يوم ظهور ملّة إبراهيم كانوا في ضلالة عمياء، فجاء دين إبراهيم مائلاً عنهم، فلُقّب بالحنيف لقب مدح.
السؤال الثاني:
ما الفرق بين الدين والملة والشريعة ؟
الجواب:
1ـ الملة: اسم لجملة الشريعة ، وأصل الملة في اللغة (الملُّ) وهو التكرار من قولك: طريق مليل، إذا تكرر سلوكه ، لذلك (الملة) تفيد استمرار أهلها عليها ، ويقول أحدنا : مللتُ من الأمر إذا كرره كثيراً . وقد وردت في القرآن الكريم ( 15 ) مرة بعدة صيغ ، منها : [ملتنا ـ ملتهم ـ ملتكم ] لكنها جاءت مفردة: ( ملة إبراهيم ـ ملة آبائي إبراهيم) (8) مرات .
وجاءت الكلمة أيضاً بمعاني الإملاء من قبل الآخرين ، كما في الآيات :
(وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ ) [البقرة:282].
( فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا) [الفرقان:5].
ومن ذلك قولهم : أمليت على فلان ، وكذلك مادة الإملاء في المدارس .وجاء في لسان العرب : قوله تعالى : ( حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ ) [البقرة:120] أي : سنتهم وطريقتهم.
فكلمة ( ملة ) تستعمل في معنيين :
آ ـ طريق يسلكه الناس دائماً .
ب ـ أوامر وضوابط يلتزمها الناس ، وقد تم تلقيها من أناس آخرين كالآباء والأجداد ، سواء بالحق أو الباطل، لذا هناك ملة حق وملة باطل .
2ـ الدين: اسم لما عليه كل واحد من أهله، لذلك يقال: فلان حسن الدِّين، ولا يقال: حسنُ المِلَّةِ. والدين فيه معنى الطاعة والخضوع والإلزام ، والدين ما تُدين به نفسك فتخضع وتطيع .
وإذا أُطلق الدين فهو الطاعة العامة التي يجازى عليها بالثواب، قال تعالى: (إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ) [آل عمران:19] وإذا قُيد اختلفت دلالته، وقد يسمى الدين والملة باسم الآخر في بعض المواقع لتقارب معنييهما، والدين ما يُطاع فيه المعبود، ولكل واحد منا دين.
3ـ الشريعة: لغة : مورد الماء الذي يؤخذ منه، وهي الطريقة المأخوذ فيها إلى الشيء، وسمي الطريق إلى الماء (الشريعة)، وقيل: (الشارع ) لكثرة الأخذ فيه .
ومن هنا جاءت كلمة ( الشريعة ) في الإسلام ، لأنّ الناس تنهل وتأخذ منها كما ينهل الناس من مورد الماء , فهي كالماء للبشر .
4 ـ الملة لا تضاف إلا إلى نبي : ( ملة إبراهيم ) ولا يقال : ملة الله ، بل دين الله .
ويقال : فلان حسن الدين ، ولا يقال : حسنُ الملة . وقيل : كل ملة دين ، وليس كل دين ملة . والله أعلم .
السؤال الثالث:
ما أهم نقاط هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ الآية رقم ( 135 ) ذكرت المخالفة الثلاثين (30 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة ، وهي تحمل مضمون : دعوى أهل الكتاب أنّ الهداية في اتباع دين كل واحد منهما.
2ـ قوله تعالى : (حَنِيفٗاۖ) نصب على الحال من إبراهيم .
3ـ قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) فيه إشارة إلى أنّ كلا الفريقين من اليهود والنصارى مشرك بالله تعالى ، وفيه ثناء على ملة إبراهيم عليه السلام ، وأنها هي الحنيفية السمحة المائلة عن الشرك ، وفيه تعريض لليهود والنصارى بالذم ، وأنهم حرّفوا وبدلوا وأشركوا مع الله غيره .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 14-04-2024 02:32 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن111

مثنى محمد هبيان


( قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ١٣٦ ) [البقرة: 136]
السؤال الأول:
جاء في نفس الآية: (أُنزِلَ) و (أُوتِيَ) فما الفرق بينهما في الدلالة ؟
الجواب:
الإنزال يأتي من السماء ويستعمل للكتب، أمّا الإيتاء فهو يستعمل للكتب وغيره مثل المعجزات؛ لذلك (الإيتاء ) أوسع من (الإنزال) .
في سورة البقرة نجد أنّ حجج موسى عليه السلام لم تكن في الكتاب، وإنما جاءه الكتاب بعدما أُوتي المعجزات .
وجدير بالذكر أنه لم ترد في القرآن كله كلمة ( أنزل ) مطلقاً لموسى عليه السلام، وإنما استعملت معه كلمة (أُوتِيَ) .
أمّا بالنسبة للرسول ﷺ فقد جاء الفعلان : (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ٨٧ ) [الحِجر:87] وقوله : {وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ} [البقرة: ٤] .
السؤال الثاني:
قوله تعالى في آية البقرة [136] (وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ) وفي آية آل عمران [84] (وَٱلنَّبِيُّونَ) بدون الإيتاء، فلماذا ؟
الجواب:
تقدّم آية آل عمران، قوله تعالى: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ) [آل عمران:81] فأغنى عن إعادة إيتائهم ثانياً، ولم يتقدم مثل ذلك في البقرة، فصرح به بإيتائهم ذلك .
السؤال الثالث:
ما الفرق بين (أُنزِلَ إِلَيۡنَا) و(أُنزِلَ عَلَيۡنَا) في آيتي البقرة [136] وآل عمران [84]؟
الجواب:
أولاً : استعراض الآيات :
(قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ١٣٦ ) [البقرة:136].
(قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ٨٤) [آل عمران:84].
ثانياً : البيان :
1ـ الحرف (إلى) يأتي للغاية أو الوصول، والحرف (على) فيه نوع من الاستعلاء، كما في قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦ) [القصص:79].
2ـ آية البقرة [136] فيها دعوة مباشرة لغير المسلمين أنْ يأتوا إلى الإسلام، فهو حديث بشر لبشر فقال المسلمون: (وما أُنزل إلينا) أي: هذا القرآن قد وصل إلينا وتسلمناه وهو خير مما عندكم، فجاءت (إلينا) بمعنى الوصول، ثم عُطف ما بعده عليه، فقال: (وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ) [البقرة:136] .
3ـ آية آل عمران [84] هي في أخذ الميثاق على الأنبياء أنْ يوصوا أتباعهم باتباع النبي محمد ﷺ الذي سيأتي ، وميثاق الله تعالى فيه علو ورفعة، فناسب (وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا) [آل عمران:84] .
4ـ أعاد في آية البقرة كلمة: أوتي (وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ) [البقرة:136] ولم يعدها في آية آل عمران، والسبب أنّ إيتاء النبيين ورد في آل عمران في الآية 81 قوله (لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم) فلم يكررها، بينما هناك لم يذكرها فكررها .
السؤال الرابع:
هل من زيادة في التفصيل في جواب السؤال السابق ؟
الجواب:
قال في آية البقرة: (وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا) وكرر (أُوتِيَ) مرتين.
وفي آية آل عمران: (وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا) ولم يكرر (أُوتِيَ).
أولاً : معنى الأحرف :
(على) موضوعة لكون الشيء فوق الشيء أومجيئه من علو، ومن معاني (إلى) المنتهى أو الانتهاء، كما تقول: سرت من الدار إلى السوق.
ثانياً : البيـــان :
1ـ آية البقرة مصدرةٌ بخطاب المسلمين: (قُولُوٓاْ) فوجب أنْ يختار لهم (إلى)؛ فالمؤمنون لم ينزل الوحي عليهم من السماء، وإنما أُنزل على الأنبياء ثم انتهى من عندهم إليهم، فلمّا كان (قُولُوٓاْ) خطاباً لغير الأنبياء، وكان لأممهم كان اختيار (إلى) أولى من اختيار (على).
ولمّا كانت سورة آل عمران قد صدّرت بما هو خطاب للنبي ﷺ وهو قوله : (قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا) [آل عمران:84] كانت (على) أحق بهذا المكان؛ لأنّ الوحي أنزل عليه.
2ـ أنّ تكرار لفظ (أُوتِيَ) في البقرة يقتضيه التعبير لأكثر من سبب :
آ ـ آية البقرة جاءت في سياق ذكر عدد من الأنبياء وأخبارهم، مثل إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وبنيه وغيرهم من الأنبياء، فلمّا جرى ذكر الأنبياء السابقين ناسب ذلك تكرار الإيتاء لهم، بخلاف آية آل عمران فإنها ليست في مثل هذا السياق .
ب ـ آية البقرة وردت بعد قوله تعالى: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰ تَهۡتَدُواْۗ ) [البقرة:135] فلمّا جرى ذكر هاتين الملتين ناسب ذلك تخصيص نبيهما بالإيتاء.
ج ـ آية آل عمران وردت بعد أخذ الميثاق من النبيين على الإيمان بسيدنا محمد ﷺ إنْ هم أدركوه، قال تعالى: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ٨١) [آل عمران:81] .
كما وردت في سياق التأكيد على الإسلام والإيمان به فقد قال قبلها : (أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ٨٣) [آل عمران:83] وقال بعدها :( وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٨٥ ) [آل عمران:85] فناسب ذلك عدم تكرار الإيتاء للأنبياء فيها؛ وذلك لأنّ السياق فيما أوتي سيدنا محمد لا فيما أوتي الأنبياء الآخرون.
لذلك لمّا كان السياق في البقرة في ذكر الأنبياء ذكر الإيتاء لهم، ولمّا كان السياق في آل عمران في الإيمان بمحمد ودينه وأخذ الميثاق من الأنبياء على الإيمان به ناسب عدم تكرار الإيتاء للأنبياء .
د ـ إنّ مشتقات الإيتاء من نحو: آتى وآتينا وأوتي وغيرها، وردت في سورة البقرة في 34 موضعاً، وفي آل عمران 19 موضعاً، فاقتضى الجو التعبيري تكرار لفظ الإيتاء في البقرة دون آل عمران. والله أعلم .
السؤال الخامس:
في الآية الكثير من حرف العطف (الواو) فهل من فكرة عن حروف العطف في اللغة ؟
الجواب:
حروف العطف تتوسط اسمين أو فعلين، ويكون للاسم أو الفعل الذي يليها نفس حكم الاسم أو الفعل الذي يسبقهما من حيث الإعراب، وهي تسعة أحرف :
1ـ حرف الواو :
وهي لمطلق الجمع، وقد تأتي للترتيب كما في آية البقرة: 136، وآية الوضوء المائدة: 6، وقد تأتي بدون الترتيب، كما في آية البقرة: (قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ) [البقرة:136] فلا شك أنّ ما أنزل إلينا متأخر عما أنزل إلى باقي الآنبياء.
والواو تستعمل مقرونة : بـ( إمّا ) و(لكن) و(لا)، وتستعمل في عطف الشيء على نفسه أو مرادفه أو لعطف العام على الخاص، كما في آية الحجر: 87، والبقرة: 136، ونوح: 28 .
وأمّا عطف الخاص على العام، كما في آية البقرة: 98، والبقرة: 238 ، فلا تختص بها الواو بل قد يشاركها فيه غيرها نحو : مات الناس حتى الأنبياء .
والتقديم والتأخير موضوع هام يرجى الرجوع إليه في باب التقديم والتأخير لبيان تفاصيله وأمثلته.
2ـ حرف الفاء :
وتفيد الترتيب والتعقيب:
وربما لا تفيد الترتيب، بل لعطف مفصّل على مجمل، نحو آية النساء: (فَقَدۡ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكۡبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوٓاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ) [النساء:153] فقوله: (أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَة) هو تفصيل لقوله: (فَقَدۡ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكۡبَرَ مِن ذَٰلِكَ).
ويمكن للفاء في القرآن أنْ لا تفيد التعقيب كما في آيتي الأعلى: (وَٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ٤ فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ٥) [الأعلى: 4-:5] فالغثاء لا يعقب خروج المرعى بل يكون بعده بمدة، كما في آية الزمر: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَلَكَهُۥ يَنَٰبِيعَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ حُطَٰمًاۚ) [الزُّمَر:21] فعبّر عن جعله حطاماً بـ (ثم).
لكنْ يمكن القول : إنّ الأصل في الفاء أنْ تكون للتعقيب، وهذا التعقيب قد يكون حقيقياً (ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقۡبَرَهُۥ٢١ ) [عبس:21] وقد يكون مجازياً الهدف منه تقصير المدة حسب المقام، فقد تقول: الدنيا قصيرة، في مقام، وتقول : الدنيا طويلة، في مقام آخر.
وقد تفيد الفاء الدلالة على السبب، كقوله تعالى: (فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيۡهِۖ ) [القصص:15] وكذلك البقرة [22]، وربما لا تفيد السبب، كما في قوله تعالى: (فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِينٖ٢٦ فَقَرَّبَهُۥٓ إِلَيۡهِمۡ قَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ٢٧) [الذاريات:26-27].
3ـ الحرف (ثُمَّ) :
يفيد الترتيب والتراخي :
والتراخي إمّا للزمان وهي المهلة، أو للتباين في الصفات وغيرها من غير قصد مهلة زمانية.
4 ـ الحرف (حتَّى) :
حرف عطف يفيد الغاية، وحتى للعطف لا تفيد ترتيباً، بل هي كالواو.
5ـ الحرف (أَمْ) :
وهي متصلة ومنفصلة ، والمتصلة تنحصر في نوعين :
آـ أنْ تتقدم عليها همزة يطلب بها وأم للتعيين، نحو: أخالد عندك أم محمد ؟
ب ـ أنْ تتقدم عليها همزة التسوية، كقوله تعالى: (سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ٦) [البقرة:6].
والمنفصلة : تقع بين جملتين مستقلتين وتفيد الإضراب عن الكلام الأول، وقد يكون الاستفهام الذي تفيده إمّا حقيقياً أو غير حقيقي ويراد به الإنكار والتوبيخ، كقوله تعالى: (أَمۡ لَهُ ٱلۡبَنَٰتُ وَلَكُمُ ٱلۡبَنُونَ٣٩) [الطور:39] .
6ـ الحرف (أو) :
وله عدة معان منها :
آـ الشك: نحو قوله تعالى: (قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖ) [المؤمنون:113].
ب ـ الإبهام.
ج ـ التخيير.
د ـ الإباحة: إذا دخلت (لا) الناهية على التخيير أو الإباحة امتنع فعل الجميع، نحو قوله تعالى: {وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا٢٤} [الإنسان: ٢٤].
هـ ـ الإضراب: نحو قوله تعالى: (وَأَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلۡفٍ أَوۡ يَزِيدُونَ١٤٧ ) [الصافات:147] وقيل: (أو) هنا للإبهام أو للتخيير، حسب ما يراه الرائي.
وـ التقسيم: نحو: الناس مسلم أو كافر .
زـ بمعنى الواو: كقوله ﷺ : «اسكن أُحُد، فما عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيد».
7 ـ الحرف (لكن) : تفيد الاستدراك، نحو: ما أقبل محمد لكنْ خالد، وتعطف بعد نفي أو نهي بشرط إفراد معطوفها.
8 ـ الحرف (بل) :
حرف إضراب يدخل على المفردات والجمل ، فإنْ دخلت على جملة كان معنى الإضراب إمّا إبطالياً وإمّا إنتقالياً.
الإضراب الابطالي :
هو أنْ تأتي جملة تبطل معنى الجملة السابقة، كما في آية الأنبياء: (وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادٞ مُّكۡرَمُونَ٢٦) [الأنبياء:26] .
الإضراب الانتقالي :
فهو أنْ تنتقل من غرض إلى غرض آخر مع عدم إبطال الكلام الأول، نحو قوله تعالى في آية الأعلى: (قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ١٥ بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا١٦ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ١٧ ) [الأعلى:14-15-16-17] .
وحرف : (لا بل) فتفيد توكيد الإضراب نحو : جاء محمد لا بل خالد .
9ـ الحرف (لا) :
وتفيد النفي وتعطف بثلاثة شروط:
آ ـ أنْ يسبقها إثبات: أقبل محمد لا خالد .
ب ـ أنْ لا تقترن بعاطف، فإذا قلت: ما جاء محمد ولا خالد، كانت الواو عاطفة و(لا) زائدة تفيد التوكيد.
ج ـ أنْ يتعاند متعاطفاها، نحو : أقبل رجل لا امرأة، بخلاف: أقبلت هند لا امرأة؛ لأنّ هند امرأة .
السؤال السادس:
قوله تعالى في الآية : (لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ) فكيف تمّ عطف ( لا ) النافية على ما قبلها ؟
الجواب:
انظر الجواب في حرف العطف ( لا ) في نهاية السؤال السابق .
السؤال السابع:
في الآية ذكر للأسباط والأبناء، فما منظومة الأبناء والأحفاد والذرية في اللغة والقرآن ؟
الجواب:
البنون :
تُطلق على الأطفال الصغار سواء كانوا أبناءك المباشرين أو أبناء أبنائك فكلهم بنون، وأبناء الأبناء فريقان:
آ ـ الحفيد هو ابن الابن الذي يعيش مع جده.
ب ـ الذين يعيشون بعيداً عن أجدادهم فيسمون بنين إذا كانوا صغاراً، فإذا كبروا يسمون أبناء.
شواهد قرآنية :
(ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ) [الكهف:46] .
حفــد : الحفد: جمع حافد، وهو الخادم المتطوع لخدمة المتقن لحرفته .
الأحفاد هم أولاد الأولاد، ويقال لهم : بنون إذا كانوا صغاراً، وإذا كبروا صاروا أبناء .
شواهد قرآنية : (وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ) [النحل:72].
الأسباط : السبط هو ولد البنت، مقابل الحفيد الذي هو ولد الابن ، فالأصل هم أبناء البنات، وتطلق أيضاً بشكل استثنائي على أحفاد الأنبياء سواء كانوا أبناء بنين أو أبناء بنات، أي: هم ذرية الأنبياء. والسبط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب .
شواهد قرآنية :
(وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ) [البقرة:136].
الذرية: مشتقة من ذرأ، أي: الإيجاد بكثرة، أو من الذَّرِّ: وهو التفريق أي تتفرق الأسر من كثرتها.
النسل: هو الولد لكونه ناسلاً، قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ٨ ) [السجدة:8] .
السلالة : قيل: للوليد سليل؛ لأنه سلّ من أبيه وأمه.
شواهد قرآنية: (وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ١٢) [المؤمنون:12]
السؤال الثامن:
ما أهم نقاط هذه الآية ؟
الجواب:
1 ـ هذه الآية ردٌ على اليهود والنصارى حيت آمنوا بانبيائهم وكفروا بما جاء بعدهم ، وفرّقوا بينهم في الأديان .
وقد اشتملت الآية على ضرورة الإيمان بجميع الرسل وجميع الكتب ، وأن لا يكون المؤمنون مثل اليهود والنصارى الذين قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض. وقد أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا بهذه الكتب ويصدّقوها، ولا يعملوا بما فيها، لأنّ العمل فيها قد انتهى أمده ، وليس في وسع أحدٍ العمل بغير القرآن .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ أهل الكتاب كانوا يقرؤون التوراة بالعبرية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة : (لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا ) صحيح البخاري .
2ـ قوله تعالى : (وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ) أي خاضعون مستسلمون ذليلون منقادون لربكم .والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 17-04-2024 08:46 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن112
مثنى محمد هبيان



(فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ١٣٧ ) [البقرة: 137]
السؤال الأول:
قوله تعالى في الآية: (فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ ) [البقرة:137] لم اختص تعالى أداة الشرط (إن) وليس (إذا)؟
الجواب:
(إنْ) حرف شرط جازم، ولكنه يفيد الشك خلافاً لـ(إذا)، وقد جاء الشرط هنا في الآية بـ (إن) إيذاناً بأنّ إيمانهم غير مرجو وميؤوس منه.
السؤال الثاني:
ما إعراب الضمائر في قوله تعالى (فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ) [البقرة:137] ؟
الجواب:
فسيكفيكهم الله: الكاف مفعول أول؛ لأنّ (كفى) تأخذ مفعولين، (هم) مفعول ثانٍ، (الله) لفظ الجلالة فاعل، أي: فسيكفيك الله إياهم .
وفي قوله تعالى: ( فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ)وَعْدٌ منه سبحانه لعباده المؤمنين الصادقين بحفظهم من كيد أعدائهم ومكرهم .
السؤال الثالث:
لماذا قدّم الله السمع على العلم في الآية ؟
الجواب:
حيث وقع في القرآن تقدم السمع على العلم ؛ وذلك لأنّ السمع يتعلق بما يقرب كالأصوات وهمس الحركات، فإنّ من سمع حسك وخَفِيَّ صوتك أقرَبُ إليك في العادة ممن يقال لك عنه : إنه يعلم، وإنْ كان علم الله متعلقاً بما ظهر وبطن وواقعاً على ما قرب وبعُد، فكان ذكر السمع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم؛ فهو أولى بالتقديم .ويمكن أنْ يقال : إن السمع من وسائل العلم فهو يسبقه .
السؤال الرابع:
ما معنى (الشقاق) في الآية؟
الجواب:
(الشقاق) مأخوذ من الشق، كأنه صار في غير شقٍ صاحبه بسبب العداوة، وقد شقّ عصا المسلمين إذا فرّق جماعتهم وفارقها، ونظيره (المحادّة) وهي أن يكون هذا في حد وذاك في حد آخر، و(التعادي) مثله، لأن يكون هذا في عدوة وذاك في عدوة أخرى، و(المجانبة) أن يكون هذا في جانب وذاك في جانب آخر .
و(الشِقّ) بالكسر نصف الشيء وهو الناحية من الجبل، و(الشقيقة) وجعٌ يأخذ بنصف الرأس والوجه، والشِقّ أيضاً من المشقة ومنه قوله تعالى : (إلا بشق الأنفس)، والشقيق الأخ ،
و(الشِقاق) الخلاف والعداوة . و(الشَقّ) بفتح الشين واحد (الشُقوق) .والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 17-04-2024 08:47 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن113

مثنى محمد هبيان


(صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ) [البقرة: 138]
السؤال الأول:
ما دلالة (صِبۡغَةَ) في الآية ؟
الجواب:
الصبغة هي إدخال لون على شيء بحيث يغيره بلون آخر، والصبغ ينفذ في المصبوغ خاصة إذا كان المصبوغ له شعيرات ومسام كالقطن أو الصوف، أمّا الألياف الصناعية فلا يمكن أنْ تصبغ.
وأمّا الطلاء فهو طبقة خارجية تستطيع أنْ تزيلها مثل طلاء الأظافر للسيدات. قال ﷺ : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»
فكأنّ الإيمان صبغة موجودة بالفطرة، إنها صبغة الله فإنْ كان أبواه مسلمين ظل على الفطرة، وإنْ كان أبواه من اليهود أو النصارى فإنهما يهوِّدانه أو ينصرانه، أي: يأخذانه ويضعانه في ماء ويقولون صبغناه بماء المعمودية.
ويريد الله أنْ يبين أنّ ما يفعلونه من تعميد للطفل لا يعطي صبغة؛ لأنّ الإيمان والدين لا يأتيان من خارج الإنسان وإنما يأتيان من داخله، وبالتالي فإنّ إيمان غير المسلمين هو طلاء خارجي وليس صبغة، وهذا الطلاء من عندهم هم، أمّا ديننا فهو صبغة الله تعالى.
وهل هناك صبغة أحسن من صبغة الله؟ طبعاً: لا؛ لذلك فنحن له عابدون مطيعون لأوامره ومجتنبون لنهيه، هذه هي صبغة الله، إنها الصبغة التي تتخلل الشيء وتصبح هي وهو شيئاً واحداً لا يفترقان.
وقيل : سُمي الدين صبغة لأنّ هيئته تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والوضوء ، قال تعالى : (سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ) [الفتح:29] .
وفي قوله تعالى : (صِبۡغَةَ ٱللَّهِ) استعارة تصريحية شبّه الدين الإسلامي بالصبغة وحذف المشبه وأبقى المشبه به ، وسمّى الله الدين صبغة حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر أثر الصبغ في الثوب.
السؤال الثاني:
ما إعراب (صِبۡغَةَ) ؟
الجواب:
في نصب ( صبغة ) وجوه منها :
- بدل من ( ملة) .
- مفعول به بتقدير: ( الزموا صبغة الله ).
- تمييز.
السؤال الثالث:
ما الفرق في الدلالة بين قوله تعالى في هذه الآية: (صِبۡغَةَ ٱللَّه) وبين قوله تعالى : (فِطۡرَتَ ٱللَّهِ) [الروم:30] ؟
الجواب:
الفطرة جبلّة النفس وخصائص النفس, وهي ما فطرت عليه النفس, قال تعالى:
(فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ) [الروم:30].
وخصائص النفس تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله وأحكام الدين , فإذا أقمت وجهك للدين، أي خضعت لكل أوامره، واجتنبت كل نواهيه , فهذه الأوامر، وهذه النواهي هي نفسها الفطرة التي جبلت عليها, بينما الفطرة كمال في الإنسان.
قال ﷺ : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»
فكأنّ الإيمان صبغة موجودة بالفطرة، إنها صبغة الله فإنْ كان أبواه مسلمين ظل على الفطرة، وإنْ كان أبواه من اليهود أو النصارى فإنهما يهوِّدانه أو ينصرانه، أي: يأخذانه ويضعانه في ماء ويقولون صبغناه بماء المعمودية.
وملخص الفرق في الدلالة بين الفطرة والصبغة :
1ـ الفطرة أن تحب الخير ، لكنّ الصبغة أن تكون خيراً .
2 ـ الفطرة أن تحب الرحمة ، لكنّ الصبغة أن تكون رحيماً .
3ـ الفطرة أن تحب العدل، لكنّ الصبغة أن تكون عادلاً .
فالصبغة أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان .
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 17-04-2024 08:49 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (114)
مثنى محمد هبيان



(قُلۡ أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ) [البقرة: 139]
السؤال الأول:
ما دلالة الاستفهام في هذه الآية ؟
الجواب:
في قوله تعالى: (أَتُحَآجُّونَنَا) [البقرة:139] استفهام ولكنه خرج عن دلالته الأصلية وهو الاستفهام عن شيء مجهول إلى التعجب والتوبيخ.
السؤال الثاني:
قوله تعالى في الآية: (وَلَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ) [البقرة:139] فلِمَ قال تعالى: (لنا أعمالنا) ولم يقل: (أعمالنا لنا) لا سيما أنَّ (لنا) متعلق بخبر محذوف للمبتدأ (أعمالنا)؟
الجواب:
قدّم تعالى الجار والمجرور: (لنا) على قوله: (أعمالنا) للاختصاص، أي: لنا أعمالنا الخاصة بنا ولا قِبَل للآخرين بها، فلا تحاجّونا في أنكم أفضل منا.والمراد من هذا القول النصيحة لهم وإرشادهم للأصلح .
السؤال الثالث:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
المراد بالمحاجّة في هذه الآية هي المجادلة فيما تضمنته بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من نسخ شريعتهم، وفضله وفضل أمته ، وهذا راجع إلى حسدهم، ولا يوجد مجادلة في ذات الله تعالى .
وتكون المجادلة عادة بين خصمين في الأمور الخلافية، وكلٌ منهما يريد نصر حجته وإبطال حجة الطرف الآخر، والمطلوب أن تكون هذه المحاجة بالتي هي أحسن حتى يتضح الحق ويتبين الباطل وتصفو النفوس . والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 17-04-2024 08:51 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (115)

مثنى محمد هبيان


(أَمۡ تَقُولُونَ إِنَّ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ قُلۡ ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَٰدَةً عِندَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ١٤٠) [البقرة: 140]
السؤال الأول:
لماذا لا يذكر سيدنا إسماعيل مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في القرآن ؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة[125].
السؤال الثاني:
ما أهم الدلالات في هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ ( أمْ) عاطفة متصلة معادلة للهمزة ، أو منقطعة بمعنى ( بل ) .
2ـ هذه الآية دعوى أخرى ومحاجّة في رسل الله ، حيث يزعم اليهود أنهم أَوْلى برسل الله المذكورين في الآية من المسلمين ، فردّ الله عليهم بسؤالهم : هل أنتم أصدق أم الله ؟ وهذا لا يحتاج إلى جواب ، فهو في غاية الوضوح والبيان ، ولا أحد أظلم ممن جمع بين كتمان الحق وعدم النطق به، وأظهر الباطل ودعا إليه .
لذلك جدالكم ـ أيها اليهود ـ في نسبة إبراهيم وذريته إلى اليهودية أو النصرانية ليس له مجال ، فلستم بأولى بهؤلاء الرسل الكرام من المسلمين ، وأَولى الناس بهم هم الذين سلكوا طريقهم ولم يحرفوا دينهم ، فإبراهيم لم يكن مشركاً ، ولذلك فإنّ أولى الناس بإبراهيم هو النبي محمد عليه السلام ومن آمن معه .
3ـ كتمانكم للحق وإظهار ضده ظلمٌ عظيم ، وأمركم لا يخفى على رب العالمين .
4 ـ قوله تعالى : (وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ) كلام جامع لكل وعيد .
والله أعلم .
(تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡ‍َٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٤١ ) [البقرة: 141]
السؤال الأول:
لماذا كررت(تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ) في الآيتين 134 و 141 في نفس السـورة ؟
الجواب:
انظر الجواب في الآية [134].
السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية ؟
الجواب:
المعنى العام لهذه الآية : هذه أمةٌ من أسلافكم قد مضت ، فلا تتعلقوا بالمخلوقين ، ولا تغتروا بالانتساب إليهم ، فالعبرة بالإيمان والتقوى ، ومن كفر برسول فقد كفر بسائر الرسل .
وكُررتْ الآية لأنّ الاختلاف موطنُ المحاجّة ، وإذا كان الأمر كذلك فاسلكوا طريق الإيمان بالله وحده وبخاتم الرسل محمد عليه السلام ، واتركوا الاتكال على آبائكم وأجدادكم ، فالإنسان ينتفع بعمله وليس بالانتساب إلى أصله وحسبه ونسبه . والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 19-04-2024 11:25 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (116)
مثنى محمد هبيان



(سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ) [البقرة: 142]
السؤال الأول:
ما فائدة وصفهم بأنهم(مِنَ ٱلنَّاسِ) طالما كان ذلك معلوماً؟
الجواب:
السفهاء جمع سفيه، وهو صفة مشبّهة تدل على أنّ السفه غدا سجيّة من سجايا الموصوف، وهذه الصفة لا تُطلق إلا على الإنسان، فلِمَ قال تعالى: (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ) [البقرة:142] ولم يكتف بـ (سيقول السفهاء)؟ وما فائدة وصفهم بأنهم من الناس طالما كان ذلك معلوماً ؟
إنّ فائدة وصف السفهاء بأنهم من الناس - مع كون ذلك معلوماً - هو التنبيه على بلوغهم الحد الأقصى من السفاهة بحيث لا يوجد في الناس سفهاء غير هؤلاء، وإذا قُسِّم الناس أقساماً يكون هؤلاء قسم السفهاء، وفي هذا إيماء إلى أنه لا سفيه غيرهم للمبالغة في وسمهم بهذه السمة.
ومنذ القدم والناس مراتب.. أصحاب عقول راجحة، ومتوسطي التفكير، وسفهاء، وأشدهم أذى السفهاء: ألسن حادة وعقول خالية.
السؤال الثاني:
ما دلالات هذه الآية؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى : (سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ) اللفظ للمستقبل ، وهو إخبار من الرسول عليه السلام عن ربه فيكون إعجازاً لأنه غيب ، ويكون الجواب حاضراً حين يسمع النبي عليه السلام قول السفهاء فيرد عليهم مباشرة ، ولم يقل : (سيقولون) إظهاراً للوصف الذي استخفهم ، لأنّ السفيه يعمل بغير دليل . و ( السفه ) ضد الحلم وأصله الخفة والطيش.
وقد أعلم الله سبحانه رسوله الكريم عليه السلام بالأمر مسبقاً في سياق تعداد نعمه عليه بما سيحدث من سفهاء الناس وجهّالهم وضعفاء العقول ممن سيعترض على ذلك من لا يعرف مصلحة نفسه ممن اتصف بالسفه والجهل والعناد وقلة العقل .
(ٱلسُّفَهَآءُ) : لفظ عموم دخل عليه الألف واللام ، ويدخل فيه كل من اتصف بالسفه من اليهود ومشركي العرب والمنافقين .
3 ـ ( القِبلة ) هي الجهة التي يستقبلها الإنسان ، وهي من المقابلة ، وإنما سُميت القِبلةُ قِبلةً لأنّ المصلي يقابلها وتقابله .
4ـ قوله تعالى : (مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ) هو استفهام على جهة الاستهزاء والتعجب ، ويقصدون بذلك تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة .
5 ـ قوله تعالى : (قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ) هو الجواب الأول عن تلك الشبهة ، وتقريره أنّ الجهات كلها لله مُلكاً ومِلكاً ، فلا يستحق منها لذاته لأنْ يكون قبلة ، بل إنما تصير قبلة لأنّ الله جعلها قبلة ، وإذا كان الأمر كذلك فلا اعتراض عليه بالتحويل من جهة إلى أخرى ، ولا يجب تعليل أحكام الله تعالى البتة ، وفي هذا إشعار بأنّ الشأن في هذا كله لله في امتثال أوامره فحيثما وجّهَنا توجّهنا .والمؤمن يتلقى أحكام الله بالقبول والتسليم والانقياد .قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ ) [الأحزاب:36] .
6 ـ قوله تعالى : (يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ١٤٢) الله سبحانه يدلّ على ما هو أصلح للعبادة والصراط المستقيم مما يؤدي بصاحبه إلى الجنة .
7 ـ الآية رقم ( 142 ) ذكرت المخالفة الواحدة والثلاثين (31 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة ، وهي تحمل مضمون : التشكيك في الإسلام بسبب تحويل القبلة.والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 19-04-2024 11:26 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (117)
مثنى محمد هبيان



(وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣ ) [البقرة: 143]
السؤال الأول:
لِمَ جاء اسم الإشارة فى صدر الآية فى قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ) [البقرة:143] ؟
الجواب:
صدّرت الآية باسم الإشارة (وَكَذَٰلِكَ) لأنه يدل على البُعد للتنويه إلى تعظيم المقصودين وهم المسلمون، ومن هذا الباب قول أبي تمام:
كذا فليَجِلَّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ فليس لِعَينٍ لم يَفِض ماؤُها عُذرُ
السؤال الثاني:
قوله تعالى (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا) [البقرة:143] ما المقصود بالأمة الوسط؟
الجواب:
(وسطاً) معناها: خياراً أو عدولاً، والوسط بين الإفراط والتفريط يكون خياراً وعدولاً، وعندما تقول: هو من أوسطهم، أي: من خيارهم، وهذا ما ذكره أبو سفيان عندما سُئِلَ عن الرسول ﷺ قال: هو من أوسطنا، أي: من خيارنا وأحسننا. وقوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا) [البقرة:143] أي: خياراً وعدولاً وبين الإفراط والتفريط، وهذا المقصود من معنى الوسطية.
ولذا تأمل سر ورود قوله : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا) في سياق آيات القبلة للإشعار بأنّ الله تعالى اختار هذه الأمة لتكون خير أمة واختار لها خير قبلة.
وللعلم فإنّ كلمة (وسطاً ) في (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا) لم تتبع الموصوف من حيث التذكير والتأنيث، لأنّ كلمة (وسط) في الأصل هي اسم جامد يعني ليس مشتقاً ، وصف به فيبقى على حاله ولا يطابق ، كما لو وصفنا بالمصدر، نقول : رجل صوم وامرأة صوم ، فلا يقال (أمة وسطة )، وليس هو في الأصل وصف مشتق حتى يُذَكّر مثل : طويل وطويلة .
السؤال الثالث:
ذكر العائد في آية الزمر( 18) ، فقال: (هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ) [الزُّمَر:18] ولم يذكره في آية البقرة: (إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ) [البقرة:143]، ولم يذكره أيضاً في آية الأنعام( 90 )، فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
آيتا ( البقرة 143ـ الزمر 18)
1ـ هذا نوع من الحذف، ومن المعلوم أنّ الذِكر يفيد التوكيد، ولذلك يعتبر قوله تعالى (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ) [الزُّمَر:18] آكد من قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ) [البقرة:143]؛ لأنه صرّح بذكر الضمير.
2ـ السياق في آية البقرة هو في تحويل القبلة، بينما السياق في آية الزمر يقتضي التوكيد أكثر؛ لأنها فيمن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وهؤلاء على درجة كبيرة من الهدى، فإنهم لا يكتفون باتباع الحسن وإنما يتبعون الأحسن .
3ـ جاء معها بالفاء (فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓ) [الزُّمَر:18] ولم يأت بــ (ثم)، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، فإنهم بمجرد سماع القول يتبعون الأحسن .
4ـ في آية الزمرالفعل (فَيَتَّبِعُونَ) مضارع (اتبع) بتضعيف التاء،ولم يقل ): يَتْبعون ) بالتخفيف، وهذه مرتبة عظيمة أعلى من مجرد اتباع القبلة؛ لأنّ اتباع القبلة إنما هو من استماع القول في واحد من الأمور المطلوبة .
لذلك فإنّ هداية المذكورين في الزمر أعلى وآكد؛ لأنها تشمل ما ذكره في آية البقرة وغيره مما يريده الله تعالى، ولذا كان التوكيد في الزمر هو المناسب .
آية الأنعام (90 ) :
1ـ وأمّا آية الأنعام (90 ) فهي في جمع ٍ من رسل الله وأنبيائه، وفيهم أولو العزم، ولا شك أنّ هؤلاء أعلى من المذكورين في آية الزمر.
ولكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يذكر الضمير مع فعل الهداية مع أنهم أولى بالتوكيد من غيرهم ؟
الجواب: أنّ الله تعالى ذكر كل أحوال الهداية مع هؤلاء الذين ذكرهم في سياق آية الأنعام، واستعمل كل أنواع التعدية لفعل الهداية، وبيان ذلك:
آ ـ عدّى الفعل إلى المفعول به مباشرة بأسمائهم الظاهرة، فقال: (وَنُوحًا هَدَيۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ) [الأنعام:84] وعطف هؤلاء الرسل والأنبياء على نوح الذي هو مفعول (هدينا).
ب ـ ثم عدّى الفعل إلى ضميرهم أيضاً، فقال: (وَٱجۡتَبَيۡنَٰهُمۡ وَهَدَيۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ٨٧) [الأنعام:87] فقال: (وَهَدَيۡنَٰهُمۡ) [الأنعام:87] وزاد على ذلك الاجتباء .
ج ـ ولم يكتف بذاك، بل قال أيضاً: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ ) [الأنعام:90] وحذف مفعول (هدى) الضمير العائد على الرسل فجعل الكلام عن صورة المطلق فأطلق المعنى، وهذا التعبير يحتمل معنيين:
ـ الأول : (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ ) [الزُّمَر:18] وهو الأظهر.
ـ الثاني : (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ) [الأنعام:90] بهم.
ولا شك أنّ هذا المعنى الثاني أوسع من ذكر الضمير وأمدح لهم، وبذلك يكون ماذكره في آية الأنعام أكثر مما ذكره في آيتي الزمر والبقرة؛ لأنه ذكر فيها الهداية العامة المطلقة وذكر أنه هداهم إلى صراط مستقيم.
2ـ كما أنه تعالى أسند فعل الهداية مع رسل الله مرة بواسطة ضمير التعظيم، فقال: (وَنُوحًا هَدَيۡنَا) [الأنعام:84] وقال: (وَهَدَيۡنَٰهُمۡ) [الأنعام:87] ومرة أسنده إلى اسمه الجليل وهو اسمه العَلَم فقال: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ) [الأنعام:90] .
3ـ هذا علاوة على ما ذكره من التعظيم لأنبيائه ما لم يذكره مع الآخرين، نحو قوله تعالى :
(وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ٨٦) [الأنعام:86] .
(وَٱجۡتَبَيۡنَٰهُمۡ وَهَدَيۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ٨٧) [الأنعام:87] فزاد الاجتباء على الهداية.
(أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَۚ) [الأنعام:89].
وقوله: (فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ ) [الأنعام:90] .
4ـ قد تقول: وَلِمَ لَمْ يحذف الضمير في آية الزمر فيقول مثلاً : (أولئك الذين هدى الله) ليشمل الذين هداهم الله وهدى بهم فيكون أمدح لهؤلاء كما فعل في آية الأنعام ؟
والجواب أنّ ذكر الضمير ههنا من رحمة الله تعالى بنا، ولو حذفه لكانت البشرى لا تنال إلا من هداه الله وهدى به، فيكون ممن جمع بين الأمرين ، ولا تَنال من هداه الله ولم يَهد به، لذلك كان ذكر الضمير أنّ البشرى تنال من هداه الله، وأنّ ذلك كافٍ لأن تناله بشرى ربنا، وهذا من رحمته سبحانه بعباده، والله أعلم.
السؤال الرابع:
ما المقصود بالإيمان فى الآية (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) [البقرة:143] ؟
الجواب:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما وُجّه النبي ﷺ إلى الكعبة،قالوا:يا رسول الله كيف لإخواننا الذين ماتوا وهم يصلّون لبيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ) [البقرة:143] . فالإيمان في الآية أُريد به الصلاة، والله سبحانه عدل عن ذكر الصلاة ولم يقل الصلاة وآثر أن يطلق الإيمان على الصلاة؛ للتنويه بعظم الصلاة وعظم قيمتها، فهي من أعظم أركان الإيمان.
ولذا قوله تعالى :( وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ) يعني : صلاتكم ، وعبّر عن الصلاة بالإيمان لأن تاركها لا ينطبق عليه وصف الإيمان؟.
السؤال الخامس:
ما دلالة التوكيد بـ (إنّ) واللام في هذه الآية:( إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) [البقرة:143] فى سورة البقرة وعدم التوكيد فى سورة النور (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ١٩ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ٢٠ ) [النور:19-20] ؟
الجواب:
التوكيد بحسب ما يحتاجه المقام، مثلاً عندما يذكر الله تعالى النعم التي أنزلها علينا يؤكد ، وإذا لم يحتج إلى توكيد لا يؤكد، ولو احتاج لتوكيد واحد يؤكد بواحد.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) [البقرة:143] أكّد باللام وإنّ.
وقوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ١٩ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ٢٠) [النور:19-20] ما أكّد باللام .
في الآية الأولى كانوا في طاعة: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ) [البقرة:143] ويقولون هذه الآية نزلت لمّا تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة تساءل الصحابة عن الذين ماتوا هل ضاعت صلاتهم؟ وهل ضاعت صلاتنا السابقة؟ سألوا عن طاعة كانوا يعملون بها فأكدّ الله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) [البقرة:143] أمّا في الآية الثانية فهم في معصية: (يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ) [النور: 19] فلا يحتاج إلى توكيد.
وفي تعداد النعم قال في آية الحج: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ٦٥ ) [الحج:65] فأكد مع تعداد النعم .
ولذلك عندما يكونون في طاعة يؤكد ، وعندما يكونون في معصية لا يؤكد.
السؤال السادس:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ) الكاف للتشبيه ، والمعنى :أي ومثل ذلك الجعل العجيب الذي لا يقدر عليه أحد سواه جعلناكم أمة وسطاً .
2ـ قوله تعالى : (لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ) فيه إكرام لأمة محمد عليه السلام وتمييز لها عن سائر الأمم فتقبل شهادتهم على سائر الأمم ، ولا يقبل شهادة الأمم عليهم ، إظهاراً لعدالتهم وكشفاً عن فضيلتهم .
3ـ قوله تعالى : (إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ) اللام للتعليل ، والعلم هو ما يتعلق به تحقق الجزاء والثواب والعقاب ، وإلا فعلم الله أزلي.
4ـ قوله تعالى : (وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ) الواو حالية ، (إنْ) مخففة من الثقيلة وتلزمها اللام ( لَكَبِيرَةً) والغرض منها توكيد المعنى في الجملة ، وتشير الآية إلى المؤمنين المهتدين الذين انتفعوا بهدى الله ، فذكرهم الله على طريق المدح فخصّهم بذلك .
5 ـ قوله تعالى : (إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣) الرأفة مبالغة في رحمة خاصة وهي دفع المكروه وإزالة الضرر ، وأمّا الرحمة فإنها اسم جامع يدخل فيه ذلك المعنى ، ويدخل فيه الإفضال والإنعام، فذكر الرأفة أولا بمعنى أنه لا يضيع ثواب إيمانكم ، ثم ذكر الرحمة لتكون أعم وأشمل .
6 ـ قوله تعالى : (أُمَّةٗ وَسَطٗا) فيه ( كناية ) عن غاية العدالة ، كأنه الميزان الذي لا يميل مع أحد، وفيه ( تورية ) فالمعنى القريب الظاهر للوسط هو التوسط مع ما يعضده من توسط قبلة المسلمين ، ومعناه البعيد هو الخيار .
وللعلم فإنّ آية البقرة رقم ( 143 ) التي نحن بصددها هي الآية الوسط في سورة البقرة المؤلفة من ( 286 ) آية ، فهي تمثل الوسط العددي والكتابي(أُمَّةٗ وَسَطٗا) .
7ـ قدّم ( شهداء ) على صلته وهي ( على الناس ) ، وأخّر ( شهيداً ) على صلته وهي
( عليكم ) لأنّ المنة عليهم في الجانبين ، ففي الأول بثبوت كونهم شهداء ، وفي الثاني بثبوت كونهم مشهوداً لهم بالتزكية، والمقدّم دائماً هو الأهم .
8ـ آية البقرة (143 ) في أمة محمد عليه السلام ، فقدّم كلمة ( الناس ) في الآية بينما أخرّها في آية الحج في قوله تعالى : (لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ ) [الحج: 78] لتقدم ذكر الرسل ، فقد ذكر إبراهيم عليه السلام أولاً ، ثم ذكر الرسول محمد عليه السلام ، وكان قد سبق ذلك أيضاً ذكر الرسل في قوله تعالى : (ٱللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلٗا وَمِنَ ٱلنَّاسِۚ ) [الحج: 75] . والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 19-04-2024 11:28 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (118)
مثنى محمد هبيان



(قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ١٤٤ ) [البقرة: 144]
السؤال الأول:
ما دلالة استخدام ( قد ) في هذه الآية علماً أنها تفيد التقليل؟
الجواب:
( قد ) إذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق، وإذا دخلت على المضارع فلها أكثر من معنى، منها التقليل: (قد يصدق الكذوب)، لكنْ قد تأتي للتكثير والتحقيق مع دخولها على المضارع، غير أن المشهور عند الطلبة أنها إذا دخلت على المضارع تكون للتقليل، وهذا جانب من جوانب معانيها، لكنْ (قد) تكون للتقليل وقد تكون للتحقيق: (قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ) [النور:64] أو للتكثير، ويضربون مثلاً بقوله تعالى: (قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ) [البقرة:144] أي: كثيراً ما تنظر إلى السماء. لذلك ( قد ) في الآية للتكثير بقرينة ذكر التقلب .
2ـ إذن (قد) إذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق، وإذا دخلت على المضارع يكون من معانيها التقليل أو التحقيق أو التكثير.
3 ـ قوله تعالى : (قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ ) قال : (وَجۡهِكَ) ولم يقل : (بصرك ) لزيادة اهتمامه ؛ ولأنّ تقليب الوجه مستلزم لتقليب البصر .
السؤال الثاني:
قوله تعالى في هذه الآية: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ ) عبّر تعالى عن رغبة النبي ومحبته للكعبة بكلمة (تَرۡضَىٰهَاۚ ) دون كلمة (تحبها) أو (تهواها)، فلماذا؟
الجواب:
للدلالة على أنّ ميله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة ميل لقصد الخير، بناء على أنّ الكعبة أجدر بيوت الله التي تدل على التوحيد، ولمّا كان الرضى مشعراً بالمحبة الناتجة عن التعقل اختار كلمة (تَرۡضَىٰهَاۚ ) دون (تحبها) أو (تهواها)، فالنبي ﷺ يربو أنْ يتعلق ميله بما ليس فيه مصلحة راجحة للدين والأمة.
السؤال الثالث:
أكّد القرآن الكريم قضية تحويل القبلة ثلاث مرات في ثلاث آيات متقاربة في الآيات [144، 149، 150]، فما دلالة ذلك ؟
الجواب:
أكّد القرآن الكريم قضية تحويل القبلة ثلاث مرات متقاربة؛ لأنّ تحويل القبلة أحدث هزة عنيفة في نفوس المؤمنين، والله سبحانه يريد أنْ يُذهب هذا الأثر ويؤكد تحويل القبلة تأكيداً إيمانياً؛ لذلك جاء القرآن بثلاث آيات التي هي أقل الجمع لتأكيد الأمر.
1ـ الآية [144] وجاءت للمُتَّجِه إلى الكعبة وهو في داخل المسجد، وفيها إعلام بنسخ استقبال بيت المقدس للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته.
وهذه الآية جاءت استجابة لتقليب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجهه في السماء كأنه يدعوه بلسان الحال، فجاءت هنا في بيان الاستجابة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلسان الحال لا بلسان المقال.
2ـ الآية 149، جاءت للمُتَّجِه وهو خارج المسجد، وكذلك لبيان السبب وهو اتباع الحق، ولذلك قال: (وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ) .
3ـ الآية 150، وجاءت للمتجِه من الجهات جميعاً، لا أنّ ذلك مخصوص بجهة المدينة المنورة فقط.
وهذه الآية هي رد على المنافقين واليهود والنصارى الذين حاولوا التشكيك في الإسلام، كما جاءت للتهوين من ثرثرة غير المسلمين والرد على احتجاجهم، فيقول لهم القرآن: إنّ تحويل القبلة ليس حجة للتشكيك؛ لأنّ الاتجاه إلى المسجد الحرام هو طاعة لأمر الله .
لذلك يقول القرآن: (وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ) [البقرة:149] أي: أنّ ما فعلتموه أيها المؤمنون من تحويل القبلة هو حقٌ جاءكم من الله تبارك وتعالى، فاطمئنوا أنكم على الحق واعلموا أنّ الله سبحانه محيط بكم في كل ما تعملون.
السؤال الرابع:
من أي الأدوات كلمة (حيثما) في قوله تعالى: (وَحَيۡثُ مَا) [البقرة:144] ؟
الجواب:
(حيثما) من أدوات الشرط، وهي تدل على المكان وتلزمها ( ما ) إذا استعملت للشرط ، كما في هذه الآية البقرة (144).
والفرق بين (حيث ) و( من حيث ) في تعبير القرآن أنّ: (حيث) : ظرف مكان مفعول به ملازم للظرفية وهو تعبير عام في القرآن ، أمّا إذا جاءت ( من حيث ) فالتعبير فيه دلالة التحديد للمكان؛ لأنّ ( من ) تفيد ابتداء الغاية كقوله : (مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ٢٥) [الزمر:25] أي من مكان لم يتوقعوه ، أمّا ( حيث ) فالتعبير فيه إطلاق كقوله : (يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ) [يوسف:56] أي حيث أراد.
السؤال الخامس:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ ( الشطر ) اسم مشترك يقع على معنيين : النصف نحو: ( شاطرتك مالي ) ، و تلقاءه وقصده ونحوه.
قال الشاعر :
ألا منْ مبلغٍ عمراً رسولاً=وما تغني الرسالةُ شطرَ عمرو
2ـ معنى :(شطر المسجد) : جهة المسجد ـ منتصف المسجد ـ تلقاء المسجد ـ نحو المسجد .
3ـ قوله تعالى : (وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ) يشمل :
أحباراليهود وعلماء النصارى لعموم اللفظ ، والكتاب هو التوراة والإنجيل .
4 ـ قوله تعالى : ( أنه الحق ) : قيل إنّ قسماً من علماء اليهود كانوا يعرفون في كتب أنبيائهم خبر الرسول وخبر القبلة وأنه يصلي إلى القبلتين .
وهناك قسم منهم يعلمون أنّ الكعبة هي البيت العتيق الذي جعله الله قبلة لإبراهيم وإسماعيل .
وقسم آخر منهم يعلمون صدق نبوة النبي محمد عليه السلام ، ومتى علموا نبوته علموا أنّ كل ما أتى به فهو حق من الله ،ومن ذلك تحويل القبلة .
4 ـ قرأ ابن عمر وحمزة والكسائي ( تعملون ) بالتاء على الخطاب للمسلمين فهو وعد لهم والباقون بالياء (يَعۡمَلُونَ) على أنه راجع إلى اليهود فهو وعيد وتهديد لهم .
للعلم فإنّ أول صلاة صلاها النبي عليه السلام باتجاه الكعبة صلاة الظهر في مسجد بني سلمة
( فسمي مسجد القبلتين ) ، وكانت أول صلاة كاملة صُليت إلى الكعبة بعد التحويل كانت صلاة العصرفي المسجد النبوي كما جاء في حديث البرآء عند البخاري وغيره ،وأمّا في مسجد قُباء فقد وصل الخبرُ في صلاة الفجر التالي كما جاء في الصحيحين . والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 19-04-2024 11:29 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (119)
مثنى محمد هبيان



(وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ) [البقرة: 145]
السؤال الأول:
ما دلالة قوله تعالى في الآية: (وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ) [البقرة:145] ؟
الجواب:
اتباع القبلة مظهرٌ إيماني في الدين، وقوله تعالى (وَلَئِنۡ) فهذا قسم، فكأنّ الحق تبارك وتعالى أقسم أنه لو أتى رسول الله ﷺ أهلَ الكتابِ بكل آية ما آمنوا بدينه ولا اتبعوا قبلته.
ولو كانوا يبحثون حقاً عن الدليل لوجدوه في كتبهم بأنه النبي الخاتم، فكأنّ الدليل عندهم ولكنهم يأخذون الأمر سفهاً وعناداً ومكابرة.
وقوله: (وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ) تفيد بأنّ المسلمين لن يعودوا مرة أخرى إلى الاتجاه نحو بيت المقدس ولن يحولهم الله إلى جهة ثالثة، ولكن يعلمنا الله سبحانه أنّ اليهود والنصارى سيكونون في جانب ونحن سنكون في جانب آخر، وأنه ليس هناك التقاء بيننا وبينهم؛ فالخلاف في القبلة سوف يستمر إلى يوم القيامة.
وقول الحق: (وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ١٤٥) [البقرة:145] المقصود به أمة الرسول ﷺ ولو كان الخطاب في شخصه ﷺ والسياق هو في التحذير من مهادنة أهل الكتاب، وإذا كان الله تبارك وتعالى لن يقبل هذا من رسوله وحبيبه فكيف يقبله من أي فرد من أمة محمد ﷺ؟!!
إنّ الخطاب هنا يمس قمة من قمم الإيمان التي تفسد العقيدة كلها، والله يريدنا أن نعرف أنه لا يتسامح فيها ولا يقبلها حتى ولو حدثت من رسوله - ولو أنها لن تحدث - ولكن لنعرف أنها مرفوضة تماماً من الله على أي مستوى من مستويات الإيمان، حتى في مستوى القمة، فأمة محمد تبتعد عن مثل هذا الفعل تماماً. وللعلم فإنّ تبديل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة هو أول نسخ في القرآن الكريم.
السؤال الثاني:
إنْ قيل: كيف قال الله: (وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ ) [البقرة:145] ولهم قبلتان: واحدة للنصارى والثانية لليهود ؟
الجواب:
لما كانت القبلتان باطلتين مخالفتين لقبلة الحق كانت بحكم الاتحاد في البطلان قبلة واحدة .
السؤال الثالث:
قوله تعالى في هذه الآية: (مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ) [البقرة:145] وقال في الآية(120) :
( بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ) [البقرة:120] ما السبب البلاغي في المغايرة بين التعبيرين (من بعد ما – بعد الذي )؟
الجواب:
انظر الجواب في آية البقرة [120].
السؤال الرابع:
ما الدروس المستفادة من هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ هذه الآية تبين قطعَ الأطماع في اتّباع أهل الكتاب لخاتم النبيين عليه السلام .
2 ـ قوله تعالى : (وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ) جملة اسمية مؤكدة بحرف الجر في سياق النفي ، لاستحالة أن يتابع المؤمن حقًا أعداء الله ولا يأخذ بآرائهم وأفكارهم.
3 ـ إنما قال: (أَهۡوَآءَهُم) بلفظ الجمع؛ تنبيهًا على أنّ لكل واحد منهم هوى غير هوى الآخر، ثم هوى كل واحد منهم لا يتناهى.
4ـ قوله تعالى : (مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ) ليس المقصود نفس العلم ، وإنما الدلائل والمعجزات ، من باب إطلاق اسم الأثر على المؤثر، بغرض المبالغة والتعظيم للعلم . ودلتْ الآية على أنّ توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ) والمُراد أنك لو فعلت ذلك لكنت في منزلة القوم في كفرهم وظلمهم لأنفسهم، والغرض من ذلك التهديد والزجر.( تفسير الرازي ) . والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 19-04-2024 11:31 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن 120
مثنى محمد هبيان



(ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ١٤٦ ) [البقرة: 146]
السؤال الأول :
في هذه الآية عبّر الله تعالى بلفظ المعرفة، وقال: (يَعۡرِفُونَهُۥ) [البقرة:146] ولم يقل: (يعلمونه) لماذا؟
الجواب:
ذلك أنّ المعرفة غالباً ما تتعلق بالذوات والأمور المحسوسة، فأنت تقول عن شيء معين: إنك تعرفه، حينما يكون علمك به أصبح كالمشاهد له، وكذلك كانت معرفة أهل الكتاب بصفات النبي ﷺ فهي لم تكن مجرد علم مستند إلى غيب، بل إنهم يعرفونه ويعرفون صفاته كأنهم يشاهدونه أمامهم قبل بعثته؛ لذلك عبّر بالمعرفة ولم يعبّر بالعلم.
وكذلك قال: (يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ) ولم يقل : (أنفسهم)؛ لأنّ الإنسان لا يعرف نفسه إلا بعد انقضاء برهة من دهره، ويعرف ولده من حين وجوده، ثم في ذكر الابن ما ليس في ذكر النفس؛ فإن ابن الإنسان عصارة ذاته ونسخة صورته.
السؤال الثاني:
قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ) وقال في مواطن أخرى :( أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ)فما دلالة ذلك؟
الجواب:
هناك خط واضح في القرآن الكريم يتمثل في أنه إذا كان المقام مقام مدح وثناء أظهر الله تعالى ذاته ونسب إتيان الكتاب إلى نفسه، فيقول: (ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ) [البقرة:146] ، وإذا كان المقام مقام ذم وتقريع، قال: (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) .
السؤال الثالث:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1ـ هذه الآية بمثابة إعلام للمؤمنين بأنّ علماء أهل الكتاب يعرفون محمداً وما جاء به من الحق وقبلته ودعوته معرفة لا يشكون فيها كما لا يشكون في أبنائهم .
وقد ورد أنّ عمر رضي الله عنه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أعلم به مني بابني ، فقال ولِمَ؟ قال : لأني لست أشك في محمد أنه نبي ، وأمّا ولدي فلعلّ والدته خانت ، فقبّل عمر رأسه .
2ـ إنْ قيل : لم خصّ الأبناء الذكور ؟ فالجواب : لأنّ الذكور أعرف وأشهر وهم بصحبة الآباء ألزم وبقلوبهم ألصق .
3ـ الآية رقم ( 146 ) ذكرت المخالفة الثانية والثلاثين (32 ) لليهود التي ذكرها الله تعالى في سورة البقرة من أصل (32 ) مخالفة ، وهي تحمل مضمون : كفرهم بالنبي محمد عليه السلام مع شدة معرفتهم له. وللفائدة نورد فيما يلي جدولاً يبين تلخيصاً لمخالفات اليهود التي ذكرها الله تعالى في النصف الأول من سورة البقرة وهي (32 ) مخالفة :
والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 21-04-2024 03:20 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (121)
مثنى محمد هبيان



( ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) [البقرة:147]
السؤال الأول:
قال تعالى في هذه الآية من سورة البقرة [147] وفي آية الأنعام [114] وآية يونس [95]: (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) بينما قال في آية آل عمران [60] :( فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠) [آل عمران:60] فما دلالة ذلك؟
الجواب:
القاعدة اللغوية:
يستعمل القرآن الكريم نون التوكيد بهدف التوكيد فيضعها في المكان الذي يحتاج إلى توكيد أكثر .
وهنا أكد الفعل (تكونن) في آية البقرة والأنعام ويونس دون آية آل عمران؛ وذلك لأنّ المقام يقتضي التوكيد في كل موطن أكّد؛ وبيان ذلك :
أولاً ـ الآيات :
آيات البقرة: 142ـ147:
(۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ١٤٢ وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٤٣ قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعۡمَلُونَ١٤٤ وَلَئِنۡ أَتَيۡتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٖ مَّا تَبِعُواْ قِبۡلَتَكَۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٖ قِبۡلَتَهُمۡۚ وَمَا بَعۡضُهُم بِتَابِعٖ قِبۡلَةَ بَعۡضٖۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم مِّنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ إِنَّكَ إِذٗا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ١٤٥ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ١٤٦ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧ )
آيات الأنعام 111ـ 116:
(وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ كُلَّ شَيۡءٖ قُبُلٗا مَّا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَجۡهَلُونَ١١١ وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ١١٢ وَلِتَصۡغَىٰٓ إِلَيۡهِ أَفۡ‍ِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ وَلِيَرۡضَوۡهُ وَلِيَقۡتَرِفُواْ مَا هُم مُّقۡتَرِفُونَ١١٣ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡتَغِي حَكَمٗا وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ مُفَصَّلٗاۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١١٤ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ١١٥ وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ١١٦ )
آيات يونس 94 ، 95:
﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡ‍َٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٩٤ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ٩٥)
آيات آل عمران 59ـ60:
(إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠)
ثانياً ـ البيان :
1ـ آية البقرة في تبديل القبلة وما صاحب ذلك من إرجاف وأقاويل وإعلان حرب نفسية على المسلمين حتى ارتد بعض ضعاف الإيمان، انظر الآيات: 143-144، ثم ذكر أنّ أهل الكتاب لن يتوجهوا إلى قبلة المسلمين مهما جئتهم بالبينات والحجج الواضحة، ثم قرّر أنّ هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، فاحتاج كل ذلك إلى التوكيد، فقال: (ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ١٤٧) [البقرة:147] .
ـ وتقدمها كذلك في آية البقرة: 144 (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ ) فناسب (فَلَا تَكُونَنَّ) فأوجب الازدواج إدخال النون في الكلمة فيصير التقدير :فلنولينك قبلة ترضاها فلا تكونن من الممترين ، والخطاب في الآيتين للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره.
2ـ سياق آية الأنعام في تكذيب الرسول وعدم الإيمان به، انظر الآيات 111 و 116 ، فاحتاج المقام إلى توكيد أنه على الحق وأنه عليه ألا يكون من الممترين فقال: (فَلَا تَكُونَنَّ) .
3ـ آية يونس : لمّا قال: (فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ) احتاج إزالة الشك إلى التوكيد، ثم انظر إلى المؤكدات في السياق:
آ ـ التوكيد باللام وقد : (لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ) .
ب ـ التوكيد بالنون :(فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٩٤) وقوله: (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ) .
ج ـ التوكيد بـ(إنّ) في قوله تعالى: (إنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ٩٦ ) [يونس:96] فاقتضى ذلك التوكيد، إذ السياق كله مؤكد.
4ـ أمّا في آية آل عمران فليس الأمر كذلك، فقد قال: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ٥٩ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ٦٠) [آل عمران:59-60] فلم يحتج الموطن إلى توكيد .
السؤال الثاني:
ما دلالة هذه الآية؟
الجواب:
وجّه الله سبحانه الخطاب لرسوله عليه السلام، والمُراد منه الثقلين الإنس والجن، في كل زمان ومكان، مؤكداً أنّ محمداً هو رسول الله صدقاً وعدلاً، فلا يحصل لكم أيها المؤمنون أي ريبة، ولا تختلفوا كما اختلفت اليهود والنصارى في أمر القبلة، حيث اليهود يستقبلوا بيت المقدس، والنصارى تستقبل مطلع الشمس، وأنت يا محمد تتوجه إلى الكعبة، فلا ترجو موافقتهم لك، والزم قبلتك التي أُمرت بها فإنها الحق .والله أعلم .







ابوالوليد المسلم 21-04-2024 03:21 PM

رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"
 
مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (122)
مثنى محمد هبيان



{ وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ١٤٨} [البقرة: 148]
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب :
1ـ يَصْرِف الله سبحانه أنظار المسلمين عن الانشغال في أمر فتن ودسائس أهل الكتاب ،والمبادرة في استباق الخيرات والإكثار من الخيرات والطاعات .
2ـ لكل أهل ملة قبلة يتوجهون إليها في عباداتهم، وقبلة الإسلام هي الكعبة ، فبادروا بالتوجه إليها .
3 ـ قرأ ابن عامر ( هو مولَّاها ) بفتح اللام المشددة وبعدها ألف ،على أنه اسم مفعول ،وقرأ الباقون كحفص ( هو مولِّيها ) على أنه فاعل .
4 ـ الفاء في الفعل {فَٱسۡتَبِقُواْ} فاء الفصيحة ، أي إذا أردتم معرفة الأصوب فاستبقوا .و( الخيرات ) منصوب بنزع الخافض لأنّ الفعل (استبق) لازم.
5 ـ قوله تعالى : { أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ} فيفصل بين الحق والباطل، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . وفي هذا وعد لأهل الطاعة ووعيد لأهل المعصية.
6ـ قوله تعالى : { وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ} إشارة إلى تنوُّع الناس في أعمالهم وعباداتهم، ما بين صلوات وتعليم ودعوة وإغاثة، وكل ميسر لما خلق له، لكنّ المهم أن يكون المرء سابقًا في المجال الذي يذهب إليه مع مراعاة أنه محاسب، وهنا يُرَبِّينا القرآن لنكون الأوائل دائمًـا ، والسباق إلى الخير قائم منذ قيام الساعة، والناس فيه سابق ومسبوق ، فاحذر أن تختطفك الدنيا فيلتفت قلبك فيتعثر خطوك.
والله أعلم .
السؤال الثاني :
وردت لفظة ( أينما ) في القرآن الكريم متصلة { أَيْنَمَا} ومنفصلة {أَيۡنَ مَا} ،فما تعليل ذلك ؟
الجواب :
1ـ وردت لفظة ( أينما ) متصلة : أَيْنَمَا في أربعة مواضع وهي : [البقرة 115ـ النساء 78 ـ النحل 76 ـ الأحزاب 61 ] ، ووردت منفصلة {أَيْنَ مَا } في ثمانية مواضع وهي :
[ البقرة 148 ـ آل عمران 112 ـ الأعراف 37 ـ مريم 31 ـ الشعراء 92 ـ غافر 73 ـ الحديد 4 ـ المجادلة 7 ].
2 ـ لفظة ( أينما ) تكون موصولة إذا كانت ( ما ) غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها , نحو : { أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا} { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} فهذه كلها لم تخرج عن ( أين ) الملكي , وهو متصلٌ حساً , ولم يختلف فيه الفعل الذي مع (ما ) , بينما تفصل ( أين ) عن ( ما) حيث تكون ( ما ) مختلفة الأقسام والأماكن في الوصف الذي بعدها وذلك للتفصيل , كما في الآيات الثمانية المبينة أرقامها أعلاه . والله أعلم.








الساعة الآن : 01:05 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 398.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 396.54 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (0.44%)]