رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 416 الى صـ 420 الحلقة (82) والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة. وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر. وذلك حقيقة الصوم..! وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة. وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدتها. واستفراغ المواد الردية المانعة له من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها. ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات. فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى في تتمة الآية: لعلكم تتقون وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « الصوم جنة » . وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وجاء هذه الشهوة. وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدي، وأعظم [ ص: 416 ] تحصيلا للمقصود، وأسهله على النفوس. ولما كان فطم النفس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة ; لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج. وكان فرضه السنة الثانية من الهجرة. فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسعة رمضانات. وفرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينا. ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم، وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة - إذا لم يطيقا الصيام - فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينا - كما سيأتي بيانه - وكان للصوم رتب ثلاث: أحدها: إيجابه بوصف التخيير. والثانية: تحتمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة، وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة..! كما أفاده ابن القيم في زاد المعاد. وقوله تعالى: كما كتب على الذين من قبلكم تأكيد للحكم، وترغيب فيه، وتطييب لأنفس المخاطبين به، فإن الشاق إذا عم سهل عمله. والمماثلة إنما هي في أصل الوجوب لا في الوقت والمقدار، وفيه دليل على أن الصوم عبادة قديمة. وفي التوراة، سفر عزرا، الإصحاح الثاني، ص 750: (21) وناديت هناك بصوم على نهر أهوا، لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقا مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل مالنا. وفي سفر إشعياء، الإصحاح الثامن والخمسون ص 1062: (3) يقولون: لماذا صمنا ولم ننظر. ذللنا أنفسنا ولم نلاحظ. ها إنكم في يوم صومكم توجدون مسرة وبكل أشغالكم تسخرون. (4) ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر. لستم تصومون، كما اليوم، لتسميع صوتكم في العلاء. (5) أمثل هذا يكون صوم أختاره، يوما يذلل الإنسان فيه نفسه، يحني كالأسلة رأسه، ويفرش تحته مسحا ورمادا. هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب؟... إلخ. [ ص: 417 ] وفي سفر يوئيل، الإصحاح الأول، ص 1299: * 14 * قدسوا صوما. وفي الإصحاح الثاني، ص 1300: * 12 * ولكن الآن يقول الرب: ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. * 13 * ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وارجعوا إلى الرب إلهكم ; لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة... * 15 *.. قدسوا صوما نادوا باعتكاف. * 16 * اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة. وفي سفر زكرياء، الإصحاح الثامن ص 1347: * 19 * هكذا قال رب الجنود: إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجا وفرحا وأعيادا طيبة. فأحبوا الحق والسلام. وفي إنجيل متى، الإصحاح السادس ص 11: * 17 * وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك. * 18 * لكي لا تظهر للناس صائما، بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية. الإصحاح السابع عشر ص 32: لما رأى عيسى عليه الصلاة والسلام فتى وأخرج منه الشيطان قال لأصحابه: * 21 * وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم. وفي الإصحاح الرابع ص 6: * 2 * فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيرا أي: المسيح عليه السلام. وفي رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس، الإصحاح السادس ص 295: * 4 * بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله في صبر كثير، في شدائد، في ضرورات، في ضيقات. * 5 * في ضربات، في سجون، في اضطرابات، في أتعاب، في أسهار، في أصوام. [ ص: 418 ] وفي الإصحاح الحادي عشر ص 301: * 27 * في تعب وكد، في أسهار مرارا كثيرة، في جوع وعطش، في أصوام مرارا كثيرة، في برد وعري. هذا، ومتى أطلق الصوم في كل شريعة، فلا يقصد به إلا الامتناع عن الأكل كل النهار إلى المساء، لا مجرد إبدال طعام بطعام. وقوله تعالى: لعلكم تتقون أي: تجعلون بينكم وبين سخطه تعالى وقاية بالمسارعة إليه، والمواظبة عليه، رجاء لرضاه تعالى ; فإن الصوم يكسر الشهوة، فيقمع الهوى، فيردع عن مواقعة السوء. القول في تأويل قوله تعالى: [184] أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون . أياما معدودات نصب على الظرف، أي: كتب عليكم الصيام في أيام معدودات، وهي أيام شهر رمضان، كما بينها تعالى فيما بعد، بقوله: شهر رمضان الذي أنـزل فيه القرآن فمن كان منكم مريضا أي: مرضا يضره الصوم، أو يعسر معه. والمرض: السقم، وهو نقيض الصحة واضطراب الطبيعة بعد صفائها واعتدالها: أو على سفر أي: فافطر: فعدة أي: فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر: من أيام أخر غير المعدودات المذكورة. وإنما رخص الفطر في حال المرض والسفر لما في ذلك من المشقة. وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في أعظم الغزوات وأجلها: في غزوة بدر، [ ص: 419 ] وغزوة الفتح. قال عمر بن الخطاب: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين: يوم بدر والفتح، فأفطرنا فيهما. تنبيهات: الأول: ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر، كما خير بعض الصحابة بين الصوم والفطر. ففي الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة. وقوله: في بعض أسفاره: وقع في إحدى روايتي مسلم، بدله في شهر رمضان. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم. وفي رواية: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما غابت الشمس قال لرجل: « انزل فاجدح لنا..! » فقال: يا رسول الله! لو أمسيت. قال: « انزل فاجدح لنا » . قال: « إن عليك نهارا » . فنزل، فجدح له، فشرب، ثم قال: « إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا - وأشار بيده نحو المشرق - فقد أفطر الصائم » رواه الشيخان. واللفظ لمسلم. [ ص: 420 ] وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس، فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان. فكان ابن عباس يقول: قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر. رواه الشيخان. واللفظ للبخاري. وعن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري فسألته عن الصوم في السفر، فقال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم » . فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر. ثم نزلنا منزلا آخر فقال: « إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا » . وكانت عزمة فأفطرنا. ثم قال لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر، رواه مسلم. وعن عائشة: أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام - فقال: « إن شئت فصم وإن شئت فأفطر » . رواه البخاري. https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 441 الى صـ 445 الحلقة (87) قال القاسم: فالتمستها فإذا هي آية الحي القيوم. وفي " جامع الترمذي " و " صحيح الحاكم " من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط، إلا استجاب الله له» . قال الترمذي: حديث صحيح. وفي " صحيح الحاكم " أيضا من حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: « ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم أمر مهم فدعا به يفرج الله عنه؟! دعاء ذي النون» . وفي " صحيحه " أيضا عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 440 ] وهو يقول: « هل أدلكم على اسم الله الأعظم؟ دعاء يونس» . فقال رجل: يا رسول الله! هل كان ليونس خاصة؟ فقال: « ألا تسمع قوله: فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك، أعطي أجر شهيد. وإن برأ، برأ مغفورا له! » . وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: « لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم » . وفي " مسند الإمام أحمد ": من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين. وفي " مسنده " أيضا من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك. أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ; أن تجعل القرآن العظيم [ ص: 441 ] ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي.... إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا» فقيل: يا رسول الله! ألا نتعلمها؟ قال: « بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها» . وقال ابن مسعود: ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث بالتسبيح. ثم قال ابن القيم: وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم، فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله، أو حسنة تقدمت منه، جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته. أو صادف الدعاء وقت إجابة، ونحو ذلك، فأجيبت دعوته. فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء، فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي. وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، فانتفع به، فظن غيره أن استعمال هذا الدواء بمجرده كاف في حصول المطلوب كان غالطا. وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس. ومن هذا، قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب. فيظن الجاهل أن السر للقبر. ولم يعلم أن السر للاضطرار وصدق اللجأ إلى الله. فإذا حصل لك في بيت من بيوت الله كان أفضل وأحب إلى الله... ثم قال ابن القيم: والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح. والسلاح بضاربه لا بحده فقط! فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو..! ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة، تخلف التأثير..! فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة ; لم يحصل التأثير..!. ثم قال ابن القيم: وهنا سؤال مشهور، وهو: أن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه، دعا به العبد أو لم يدع، وإن لم يكن قد قدر لم يقع، سواء سأله العبد أو لم يسأله. فظنت طائفة صحة هذا السؤال، فتركت الدعاء وقالت: لا فائدة فيه! وهؤلاء - مع فرط جهلهم وضلالهم - يتناقضون. فإن طرد مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب. [ ص: 442 ] فيقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قدر لك فلا بد من وقوعهما. أكلت أو لم تأكل. وإن لم يقدرا لم يقعا. أكلت أو لم تأكل. وإن كان الولد قدر لك، فلا بد منه، وطأت الزوجة والأمة أو لم تطأهما، وإن لم يقدر لم يكن. فلا حاجة إلى التزويج والتسري. وهلم جرا... فهل يقال: هذا عاقل أو آدمي؟ بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها قوامه وحياته. فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا. وتكايس بعضهم، وقال: الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض. يثيب الله عليه الداعي من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما..! ولا فرق - عند هذا الكيس - بين الدعاء والإمساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب. وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت، ولا فرق.... وقالت طائفة أخرى أكيس من هؤلاء: بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه أمارة على قضاء الحاجة، فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له، وأمارة على أن حاجته قد قضيت... وهذا كما إذا رأيت غيما أسود باردا في زمن الشتاء. فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر.... قالوا: وهكذا حكم الطاعات مع الثواب، والكفر والمعاصي مع العقاب، هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب، لا أنها أسباب له..! وهكذا - عندهم - الكسر مع الانكسار، والحرق مع الإحراق، والإزهاق مع القتل، ليس شيء من ذلك سببا البتة، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه إلا بمجرد الاقتران العادي لا التأثير السببي. وخالفوا بذلك، الحس والعقل والشرع وسائر طوائف العقلاء. بل أضحكوا عليهم العقلاء.... والصواب أن ههنا قسما ثالثا غير ما ذكره السائل، وهو: إن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجردا عن سببه ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور. وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، [ ص: 443 ] وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه. وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال، ودخول النار بالأعمال. وهذا القسم هو الحق، وهذا الذي حرمه السائل ولم يوفق له. وحينئذ، فالدعاء، من أقوى الأسباب. فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء، لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب، وجميع الحركات والأعمال ; وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب! ولما كان الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالله ورسوله وأفقههم في دينه، كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم. وكان عمر رضي الله عنه يستنصر به على عدوه، وكان أعظم جنده، وكان يقول للصحابة: لستم تنصرون بكثرة وإنما تنصرون من السماء! وكان يقول: إني لا أحمل هم الإجابة ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه.... فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الإجابة، فإن الله سبحانه يقول: ادعوني أستجب لكم وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان وفي " سنن ابن ماجه" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من لم يسأل الله يغضب عليه » . وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته، وإذا رضي الرب تبارك وتعالى فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه... وقد ذكر الإمام أحمد في كتاب " الزهد " أثرا: أنا الله لا إله إلا أنا، إذا رضيت باركت وليس لبركتي منتهى. وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد، وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم - على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها - على أن التقرب إلى رب العالمين، وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خلقه، من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير ; وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة [ ص: 444 ] لكل شر... فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمة الله بمثل طاعته والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه. وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة، وحصول السرور في الدنيا والآخرة - في كتابه - على الأعمال، ترتب الجزاء على الشرط، والمعلول على العلة، والمسبب على السبب. وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع، فتارة يرتب الحكم الخبري الكوني والأمر الشرعي على الوصف المناسب له، كقوله تعالى: فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وقوله: فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين وقوله: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا وقوله: إن المسلمين والمسلمات - إلى قوله -: والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما وهذا كثير جدا..! وتارة ترتبه عليه بصيغة الشرط والجزاء: كقوله تعالى: إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم وقوله: وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا [ ص: 445 ] وقوله: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونظائره... وتارة يأتي بلام التعليل: كقوله: ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب وقوله: لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وتارة يأتي بأداة كي التي للتعليل، كقوله: كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 446 الى صـ 450 الحلقة (88) وتارة يأتي بباء السببية كقوله تعالى: ذلك بما قدمت أيديكم وقوله: ( بما كنتم تعملون ) ، [ ص: 446 ] و: بما كنتم تكسبون وقوله: ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وتارة يأتي بالمفعول لأجله ظاهرا أو محذوفا، كقوله: فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى وكقوله تعالى: أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين وقوله: أن تقولوا إنما أنـزل الكتاب على طائفتين من قبلنا أي: كراهة أن تقولوا. [ ص: 447 ] وتارة بفاء السببية كقوله: فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم وقوله: فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية وقوله: فكذبوهما فكانوا من المهلكين ونظائره. وتارة يأتي بأداة لما الدالة على الجزاء، كقوله: فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ونظائره. وتارة يأتي بإن وما عملت فيه، كقوله: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات وقوله في ضد هؤلاء: إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين وتارة يأتي بأداة لولا الدالة على ارتباط ما قبلها بما بعدها، كقوله: فلولا أنه كان من المسبحين في بطنه إلى يوم يبعثون وتارة يأتي بـ " لو " الدالة على الشرط، كقوله: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم [ ص: 448 ] وبالجملة: فالقرآن - من أوله إلى آخره - صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر والأحكام الكونية والأمرية على الأسباب، بل ترتب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال. ومن تفقه في هذه المسألة، وتأملها حق التأمل، انتفع بها غاية النفع، ولم يتكل على القدر جهلا منه وعجزا وتفريطا وإضاعة ; فيكون توكله عجزا، وعجزه توكلا..! بل الفقيه - كل الفقيه - الذي يرد القدر بالقدر، ويدفع القدر بالقدر، ويعارض القدر بالقدر. لا يمكن للإنسان أن يعيش إلا بذلك..! فإن الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر. والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر.... وهكذا من وفقه الله وألهمه رشده يدفع قدر العقوبة الأخروية بقدر التوبة والإيمان والأعمال الصالحة... فهذا وزن القدر المخوف في الدنيا وما يضاده، فرب الدارين واحد، وحكمته واحدة، لا يناقض بعضها بعضا، ولا يبطل بعضها بعضا. فهذه المسألة من أشرف المسائل لمن عرف قدرها، ورعاها حق رعايتها... والله المستعان. ولكن يبقى عليه أمران بهما تتم سعادته وفلاحه: أحدهما: أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير ويكون له بصيرة في ذلك بما شهده في العالم، وما جربه في نفسه وغيره، وما سمعه من أخبار الأمم قديما وحديثا. ومن أنفع ما في ذلك: تدبر القرآن، فإنه كفيل بذلك على أكمل الوجوه، وفيه أسباب الخير والشر جميعا مفصلة مبينة ; ثم السنة، فإنها شقيقة القرآن وهي الوحي الثاني. ومن صرف إليهما عنايته اكتفى بهما من غيرهما، وهما يريانك الخير والشر وأسبابهما، حتى كأنك تعاين ذلك عيانا... وبعد ذلك، فإذا تأملت أخبار الأمم، وأيام الله في أهل طاعته وأهل [ ص: 449 ] معصيته، طابق ذلك ما علمته من القرآن والسنة، ورأيته بتفاصيل ما أخبر الله به ووعد به. وعلمت من آياته في الآفاق ما يدلك على أن القرآن حق، وأن الرسول حق، وأن الله ينجز وعده لا محالة..! فالتاريخ تفصيل لجزئيات ما عرفنا الله ورسوله من الأسباب الكلية للخير والشر... انتهى. وقوله تعالى: فليستجيبوا لي أي: إذا دعوتهم للإيمان والطاعة، كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم: وليؤمنوا بي أمر بالثبات على ما هم عليه: لعلهم يرشدون أي: راجين إصابة الرشد وهو الحق. تنبيهان: الأول: قال الراغب: أوثر فليستجيبوا على فليجيبوا للطيفة، وهي: أن حقيقة الاستجابة طلب الإجابة، وإن كان قد يستعمل في معنى الإجابة. فبين أن العباد متى تحروا إجابته بقدر وسعهم فإنه يرضى عنهم. إن قيل: كيف جمع بين الاستجابة والإيمان، وأحدهما يغني عن الآخر، فإنه لا يكون مستجيبا لله من لا يكون مؤمنا؟ قلنا: استجابته ارتسام أوامره ونواهيه التي تتولاه الجوارح، والإيمان هو الذي تقتضيه القلوب. وأيضا فإن الإيمان المعني ههنا هو الإيمان المذكور في قوله: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله الآية. الثاني: قدمنا عن الراغب سر وصل هذه الآية بما قبلها، ووجه التناسب. وثمت سر آخر قاله الحافظ ابن كثير، وعبارته: وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد [ ص: 450 ] في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر. كما روى أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة » . فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا. وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد... » وكان عبد الله يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي... وروى الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين » . https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 451 الى صـ 455 الحلقة (89) القول في تأويل قوله تعالى: [187] أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون . [ ص: 451 ] وقوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إرشاد إلى ما شرعه في الصوم - بعد بيان إيجابه على من وجب عليه، وحاله معه حضرا أو سفرا، وعدته من إحلال غشيان الزوج ليلا. وكأن الصحابة تحرجوا عن ذلك ظنا أنه من تتمة الصوم، ورأوا أن لا صبر لأنفسهم عنه، فبين لهم أن ذلك حلال لا حرج فيه. وقد روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم إيذانا بأنه أحله ولم يحرمه ; إذ لم يشرع من فضله ما فيه إعنات وحرج. و " الرفث ": أصله قول الفحش. وكنى به هنا عن الجماع وما يتبعه، كما كنى عنه في قوله: فلما تغشاها وقوله: فأتوا حرثكم فالله تعالى كريم يكني. وإيثار الكناية عنه - هنا - بلفظ الرفث الدال على معنى القبح - عدا بقية الآيات - استهجانا لما [ ص: 452 ] وجد منهم قبل الإباحة، كما سماه اختيانا لأنفسهم. والكناية عما يستقبح ذكره بما يستحسن لفظه من سنن العرب. وللثعالبي في آخر كتابه " فقه اللغة " فصل في ذلك بديع. ثم إن المستعمل الشائع: رفث بالمرأة - بالباء - وإنما عدي هنا بإلى لتضمنه معنى الإفضاء، كما في قوله: وقد أفضى بعضكم إلى بعض هن لباس لكم وأنتم لباس لهن قال الراغب: جعل اللباس كناية عن الزوج لكونه سترا لنفسه ولزوجه أن يظهر منهما سوء، كما أن اللباس ستر يمنع أن يبدو منه السوأة. وعلى ذلك كنى عن المرأة بالإزار، وسمي النكاح حصنا لكونه حصنا لذويه عن تعاطي القبيح. وهذا ألطف من قول بعضهم: شبه كل واحد من الزوجين - لاشتماله على صاحبه في العناق والضم - باللباس المشتمل على لابسه، وفيه قال الجعدي: إذا ما الضجيع ثنى عطفها تثنت فكانت عليه لباسا وقال الزمخشري: فإن قلت: ما موقع قوله: هن لباس لكم ؟ قلت: هو استئناف كالبيان لسبب الإحلال، وهو أنه إذا كانت بينكم وبينهن مثل هذه المخالطة والملابسة، قل صبركم عنهن، وصعب عليكم اجتنابهن ; فلذلك رخص لكم في مباشرتهن. علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم استئناف آخر مبين لما ذكر من السبب، وهو اختيان النفس، أي: قلة تصبيرها من نزوعها إلى رغيبتها. ومنه: خانته رجلاه، إذا لم يقدر على المشي. أي: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم، لو لم يحل لكم ذلك [ ص: 453 ] فأحله رحمة بكم ولطفا، وفي الاختيان وجه آخر وهو: أنه عنى به مخالفة الحق بنقض العهد، أي: كنتم تظلمونها بذلك - بتعريضها للعقاب - لو لم يحل ذلك لكم. قالوا: والاختيان أبلغ من الخيانة - كالاكتساب من الكسب - ففيه زيادة وشدة. ثم أشار تعالى إلى لطفه بالمؤمنين بتخفيفه ما كان يغلهم ويثقلهم ويخونهم لولا رحمته، بقوله: فتاب عليكم أي: عاد بفضله وتيسيره عليكم برفع الحرج في الرفث ليلا: وعفا عنكم أي: جاوز عنكم تحريمه، فالعفو بمعنى التوسعة والتخفيف: فالآن باشروهن قال أبو البقاء: حقيقة الآن: الوقت الذي أنت فيه ; وقد يقع على الماضي القريب منك، وعلى المستقبل القريب وقوعه، تنزيلا للقريب منزلة الحاضر وهو المراد - هنا - لأن قوله: فالآن باشروهن أي: فالوقت الذي كان يحرم عليكم الجماع فيه من الليل قد أبحناه لكم فيه ; فعلى هذا " الآن " ظرف ل " فباشروهن ". وقيل: الكلام محمول على المعنى، والتقدير: فالآن قد أبحنا لكم أن تباشروهن. ودل على المحذوف لفظ الأمر الذي يراد به الإباحة. فعلى هذا الآن على حقيقته. وأصل " المباشرة " إلصاق البشرة بالبشرة. كني بها عن الجماع الذي يستلزمها: وابتغوا ما كتب الله لكم تأكيد لما قبله، أي: ابتغوا هذه الرخصة التي أحلها لكم. و " كتب " هنا، إما بمعنى جعل كقوله: كتب في قلوبهم الإيمان [ ص: 454 ] أي: جعل، وقوله: فاكتبنا مع الشاهدين فسأكتبها للذين يتقون أي: أجعلها. أو بمعنى قضى، كقوله: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا أي: قضاه، وقوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز وقوله: لبرز الذين كتب عليهم القتل أي: قضي. قال الراغب: في الآية إشارة في تحري النكاح إلى لطيفة. وهي: أن الله تعالى جعل لنا شهوة النكاح لبقاء نوع الإنسان إلى غاية! كما جعل لنا شهوة الطعام لبقاء أشخاصنا إلى غاية! فحق الإنسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل الله له على حسب ما يقتضيه العقل والديانة. فمتى تحرى به حفظ النفس وحصن النفس على الوجه المشروع، فقد ابتغى ما كتب الله له. وإلى هذا أشار من قال: عنى الولد. [ ص: 455 ] وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر أباح تعالى الأكل والشرب - مع ما تقدم من إباحة الجماع - في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل. وشبها بخيطين: أبيض وأسود، لأن أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من غبش الليل، كالخيط الممدود. قال أبو دؤاد الإيادي: فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 486 الى صـ 490 الحلقة (96) وقال الإمام مالك في " الموطأ ": من حبس بعدو فجال بينه وبين البيت، فإنه يحل [ ص: 486 ] من كل شيء وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس، وليس عليه قضاء. قال: فهذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو، كما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك أي: فمن كان منكم - معشر المحرمين - مريضا مرضا يتضرر معه بالشعر ويحوجه إلى الحلق، أو كان به أذى من رأسه - كجراحة وقمل - فعليه إن حلق، فدية من صيام أو صدقة أو نسك. وقد نزلت هذه الآية في كعب بن عجرة الأنصاري رضي الله عنه قال: حملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: « ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ بك هذا..! أما تجد شاة؟ » قلت: لا! قال: « صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك » . فنزلت في خاصة وهي لكم عامة، رواه الشيخان وغيرهما، واللفظ للبخاري. وروى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون، وقد حصرنا المشركون، وكانت لي وفرة، فجعلت الهوام تساقط على وجهي. فمر علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « أيؤذيك هوام رأسك؟ » قلت: نعم. فأمره أن يحلق. قال: ونزلت هذه الآية. قال ابن عباس: إذا كان " أو أو " فأية أخذت أجزأ عنك. وعامة العلماء: أنه يخير في هذا المقام: إن شاء صام وإن شاء تصدق بفرق - وهو ثلاثة آصع، لكل مسكين نصف صاع وهو مدان - وإن شاء ذبح شاة وتصدق بها على الفقراء، أي: ذلك فعل أجزأه. ولما كان لفظ القرآن في بيان [ ص: 487 ] الرخصة، جاء بالأسهل فالأسهل. ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة، بذلك أرشده أولا إلى الأفضل، فقال: « أما تجد شاة؟ » فكل حسن في مقامه، ولله الحمد والمنة. أفاده ابن كثير. تنبيه: استفيد من الآية أحكام: الأول: جواز الحلق من المحرم واللبس للمخيط للضرورة، ووجوب الفدية عليه، وذلك لبيان سبب النزول. الثاني: تحريم الحلق ولبس المخيط لغير عذر، وهذا مأخوذ من المفهوم ; لأنه مصرح به، وذلك إجماع. الثالث: أن الفدية الواجبة تكون من أجناس الثلاثة، وهي: الصيام أو الصدقة، أو النسك، وقد ورد بيانها في حديث كعب. الرابع: أن الفدية واجبة على التخيير كما بينا. قال الراغب: وظاهر الآية يقتضي أنه لا فرق بين قليل الشعر وكثيره، بخلاف ما قال أبو حنيفة رحمه الله، حيث لم يلزم إلا بحلق الثلث. وغيره لم يلزم إلا بحلق الربع. لطيفة: أصل النسك العبادة، وسميت ذبيحة الأنعام نسكا ; لأنها من أشرف العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى. قال أبو البقاء: والنسك - في الأصل - مصدر بمعنى المفعول ; لأنه من نسك ينسك، والمراد به ههنا المنسوك، ويجوز أن يكون اسما لا مصدرا، ويجوز تسكين السين. انتهى. فإذا أمنتم أي: كنتم آمنين من أول الأمر، أو صرتم بعد الإحصار آمنين: فمن تمتع بالعمرة أي: بإحرامه بها في أشهر الحج ليستفيد الحل حين وصوله إلى البيت، ويستمر حلالا في سفره ذلك: إلى الحج أي: إلى وقت الإحرام بالحج: فما [ ص: 488 ] أي: فعليه ما: استيسر أي: تيسر: من الهدي من النعم، يكون هذا الهدي لأجل ما تمتع به بين النسكين من الحل. وفي " النهاية " صورة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فإذا أحرم بالعمرة بعد إهلاله شوالا فقد صار متمتعا بالعمرة إلى الحج وسمي به ; لأنه إذا قدم مكة، وطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة. حل من عمرته وحلق رأسه، وذبح نسكه الواجب عليه لتمتعه، وحل له كل شيء كان حرم عليه في إحرامه من النساء والطيب، ثم ينشئ بعد ذلك إحراما جديدا للحج وقت نهوضه إلى منى، أو قبل ذلك، من غير أن يجب عليه الرجوع إلى الميقات الذي أنشأ منه عمرته، فذلك تمتعه بالعمرة إلى الحج، أي: انتفاعه وتبلغه بما انتفع به من حلق، وطيب، وتنظف، وقضاء تفث، وإلمام بأهله إن كانت معه. قال الإمام ابن القيم في " زاد المعاد ": وكان من هديه صلى الله عليه وسلم ذبح هدي العمرة عند المروة، وهدي القران بمنى. وكذلك كان ابن عمر يفعل. ولم ينحر صلى الله عليه وسلم قط إلا بعد أن حل، ولم ينحره قبل يوم النحر ولا أحد من الصحابة البتة. فمن لم يجد الهدي: فصيام ثلاثة أيام في الحج أي: بعد الإحرام وقبل الفراغ من أعماله، والأولى سادس ذي الحجة وسابعه وثامنه. قال الراغب: إن قيل: كيف قال: في الحج ومتى أحرم يوم عرفة لا يمكنه صيام ثلاثة أيام في الحج لأنه منهي عنه في يوم النحر وأيام التشريق؟! قيل: الواجب على المتمتع أن يحرم بالحج على وجه يمكنه الإتيان بالصيام لثلاثة أيام. وذلك بتقديم الإحرام قبل يوم عرفة. وقد قال ابن عمر وعائشة: يصوم أيام التشريق، ويحملان النهي على صوم أيام منى على غير المتمتع. وسبعة إذا رجعتم أي: إلى أهليكم، أو إذا أخذتم في الرجوع بعد الفراغ من أعمال الحج. قال الراغب: وإطلاق اللفظ يحتمل الأمرين جميعا، فيصح حمله عليهما. [ ص: 489 ] إلا أن الذي يرجح الوجه الأول ما روي في الصحيحين من حديث ابن عمر الطويل وفيه: « فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله » . تلك عشرة فذلك حساب، أي: إجمال بعد تفصيل، وفائدتها: أن لا يتوهم أن الواو بمعنى أو وأن الكلام على التخيير. بل المجموع بدل الهدي..! وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا، فيحاط به من وجهين فيتأكد العلم، وفي المثل: علمان خير من علم. فإن أكثر العرب لا يعرف الحساب. فاللائق الخطاب الذي يفهمه الخاص والعام. وهو ما يكون بتكرار الكلام وزيادة الإفهام... وفائدة ثالثة: وهو أن المراد بالسبعة: هو العدد دون الكثرة فإنه يطلق لهما... وفائدة رابعة: أشار لها الراغب وهو: إن قوله: تلك عشرة كاملة استطراد في الكلام، وتنبيه على فضيلة علم العدد، ولذا قيل: العدد أول العلوم وأشرفها. أما أنه أول، فلأن ما عداه معدول منه، وبه يفصل ويميز. وأما كونه أشرف، فلأنه لا اختلاف فيه ولا تغير، بل هو لازم طريقة واحدة، فذكر العشرة ووصفها بالكاملة ; إذ هي عدد كمل فيه خواص الأعداد، فإن الواحد مبدأ العدد، والاثنين أول العدد، والثلاثة أول عدد فرد، والأربعة أول عدد زوج محدود - أي: مجتمع من ضرب عدد في نفسه - والخمسة أول عدد دائر، والستة أول عدد تام - أي: إذا أخذ جميع أجزائه لم يزد عليه ولم ينقص منه - والسبعة أول عدد أول - أي: لا يتقدمه عدد بعده - والثمانية أول عدد زوج الزوج - والتسعة أول عدد مثلث، والعشرة أول عدد ينتهي إليه العدد ; لأن ما بعده يكون مكررا بما قبله، فإذن العشرة هي العدد الكامل... [ ص: 490 ] كاملة صفة مؤكدة لـ (عشرة) تفيد المبالغة في المحافظة على العدد، ففيه زيادة توصية لصيامها، وأن لا يتهاون بها، ولا ينقص من عددها، كأنه قيل: تلك عشرة كاملة، فراعوا كمالها ولا تنقصوها ذلك أي: وجوب دم التمتع أو بدله لمن لم يجد: لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أي: بل كان أهله على مسافة الغيبة منه. وأما من كان أهله حاضريه - بأن يكون ساكنا في مكة - فهو في حكم القرب من الله، فالله تعالى يجبره بفضله. هذا، وقال بعض المجتهدين: إن ذلك إشارة إلى التمتع المفهوم من قوله: فمن تمتع وليست للهدي والصوم، فلا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده. وروى ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: يا أهل مكة! لا متعة لكم أحلت لأهل الآفاق وحرمت عليكم، إنما يقطع أحدكم واديا أو قال: يجعل بينه وبين الحرم واديا - ثم يهل بعمرة..! وروى عبد الرزاق عن طاووس قال: المتعة للناس لا لأهل مكة. ثم قال وبلغني عن ابن عباس مثل قول طاووس، والله أعلم. والأهل: سكن المرء من زوج ومستوطن. والحضور: ملازمة الموطن. واتقوا الله - في الجناية على إحرامه -: واعلموا أن الله شديد العقاب لمن جنى على إحرامه أكثر من شدة الملوك على من أساء الأدب بحضرته. وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة وإدخال الروعة. https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 491 الى صـ 495 الحلقة (97) تنبيهات: الأول: في قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة الآية، دليل على مشروعية التمتع، كما جاء في الصحيحين عن عمران بن حصين قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع [ ص: 491 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء. وروى مالك في " الموطأ " عن عبد الله عن عمر أنه قال: والله! لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة..!. وفي الصحيحين: « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة » . يعني كما فعل أصحابه صلى الله عليه وسلم عن أمره. الثاني: قال ابن القيم في " زاد المعاد ": قد ثبت أن التمتع أفضل من الإفراد لوجوه كثيرة: منها: أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بفسخ الحج إليه، ومحال أن ينقلهم من الفاضل إلى المفضول الذي هو دونه. ومنها: أنه تأسف على كونه لم يفعله بقوله: « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها متعة» . ومنها: أنه أمر به كل من لم يسق الهدي. ومنها: أن الحج الذي استقر عليه فعله وفعل أصحابه، القران ممن ساق الهدي، والتمتع لمن لم يسق الهدي. ولوجوه كثيرة غير هذه..!. الثالث: قال الراغب لا يجب الدم أو بدله في التمتع إلا بأربع شرائط: إيقاع العمرة في أشهر الحج والتحلل منها فيه. والثاني: أن يثني الحج من سنته. والثالث: أن لا يرجع إلى الميقات لإنشاء الحج. الرابع: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام. [ ص: 492 ] القول في تأويل قوله تعالى: [197] الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب . الحج أي: أوقات أعماله أشهر وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة. أي: عشره الأول. نزل منزلة الكل لغاية فضله. قال الثعالبي: وقد جاء في تفسير أشهر الحج وعشر ذي الحجة - وفي بعضها تسع - فمن عبر بالتسع أراد الأيام، ومن عبر بالعشر أراد الليالي، ولقوله صلى الله عليه وسلم: « الحج عرفة » . وقد تبينت أنه يفوت الوقوف بطلوع الفجر. وقوله: معلومات أي: قبل نزول الشرع عند الناس، لا يشكلن عليهم. وآذن هذا أن الأمر بعد الشرع على ما كان عليه: فمن فرض أي: أوجب على نفسه: فيهن الحج بإحرامه: فلا رفث أي: فمقتضى إحرامه أن لا يوجد جماع ولا مقدماته ولا فحش من القول: ولا فسوق أي: خروج عن حدود الشريعة بارتكاب محظورات الإحرام، وغيرها كالسباب والتنابز بالألقاب: ولا جدال أي: مماراة أحد من الرفقة والخدم والمكارين: في الحج أي: في أيامه، بل ينبغي أن يوجد فيها كل خير من خيرات الحج، والإظهار في مقام الإضمار لإظهار كمال الاعتناء بشأنه، والإشعار بعلة عدم الحكم ; فإن زيارة البيت المعظم، والتقرب بها إلى الله عز وجل، من موجبات ترك الأمور المذكورة، وإيثار النفي للمبالغة في النهي ; والدلالة على أن ذلك حقيق بأن لا يكون، فإن ما كان منكرا مستقبحا في نفسه، ففي تضاعيف الحج أقبح: كلبس الحرير في الصلاة. لطيفة: قال بعضهم: النكتة في منع هذه الأشياء على أنها آداب لسانية: تعظيم شأن الحرم، [ ص: 493 ] وتغليظ أمر الإثم فيه، إذ الأعمال تختلف باختلاف الزمان والمكان، فللملأ آداب غير آداب الخلوة مع الأهل. ويقال في مجلس الإخوان ما لا يقال في مجلس السلطان. ويجب أن يكون المرء في أوقات العبادة والحضور مع الله تعالى على أكمل الآداب، وأفضل الأحوال، وناهيك بالحضور في البيت الذي نسبه الله سبحانه إليه..! وأما السر فيها على أنها محرمات الإحرام، فهو أن يتمثل الحاج أنه بزيارته لبيت الله تعالى مقبل على الله تعالى، قاصد له، فيتجرد عن عاداته ونعيمه، وينسلخ من مفاخره ومميزاته على غيره، بحيث يساوي الغني الفقير، ويماثل الصعلوك الأمير، فيكون الناس من جميع الطبقات في زي كزي الأموات، وفي ذلك - من تصفية النفس، وتهذيبها، وإشعارها بحقيقة العبودية لله، والأخوة للناس - ما لا يقدر قدره، وإن كان لا يخفى أمره... وما تفعلوا من خير يعلمه الله حث على الخير عقيب النهي عن الشر، وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن، ومكان الفسوق البر والتقوى، ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة..! وقد روي فيمن حج ولم يرفث ولم يفسق أنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه! وذلك، لأن الإقبال على الله تعالى بتلك الهيئة، والتقلب في تلك المناسك على الوجه المشروع، يمحو من النفوس آثار الذنوب وظلمتها. ويدخلها في حياة جديدة: لها فيها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت..!: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى [ ص: 494 ] روى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون! فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى أي: وتزودوا ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم عن الناس، واتقوا الاستطعام وإبرام الناس والتثقيل عليهم: فإن خير الزاد التقوى أي: الاتقاء عن الإبرام والتثقيل عليهم..!. وقال ابن عمر: إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر. وكان يشترط على من صحبه الجودة.. نقله ابن كثير. ويقال: في معنى الآية: وتزودوا من التقوى للمعاد. فإن الإنسان لا بد له من سفر في الدنيا، ولا بد فيه من زاد، ويحتاج فيه إلى الطعام والشراب والمركب ; وسفر من الدنيا إلى الآخرة، ولا بد فيه من زاد أيضا وهو تقوى الله، والعمل بطاعته، واتقاء المحظورات..! وهذا الزاد أفضل من الزاد الأول، فإن زاد الدنيا يوصل إلى مراد النفس وشهواتها، وزاد الآخرة يوصل إلى النعيم المقيم في الآخرة..! وفي هذا المعنى قال الأعشى: إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا..! وثمة وجه آخر: وهو أن قوله تعالى: وتزودوا أمر باتخاذ الزاد، هو طعام السفر، وقوله: فإن خير الزاد التقوى إرشاد إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى إليها بعد [ ص: 495 ] الأمر بالزاد للسفر في الدنيا، كما قال تعالى: وريشا ولباس التقوى ذلك خير لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشدا إلى اللباس المعنوي وهو الخشوع والطاعة، وذكر أنه خير من هذا وأنفع. واتقون يا أولي الألباب أي: اتقوا عقابي وعذابي في مخالفتي وعصياني يا ذوي العقول والأفهام! فإن قضية اللب تقوى الله، ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لا لب له..! كما قال تعالى: أولئك كالأنعام بل هم أضل وقد قرئ بإثبات الياء في: {اتقون } على الأصل، وبحذفها للتخفيف ودلالة الكسرة عليه. https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 511 الى صـ 515 الحلقة (101) [ ص: 511 ] وقال الحاكم: هذه الآية تدل على أن من أكبر الذنوب عند الله أن يقال للعبد: اتق الله! فيقول عليك نفسك.... قال الزمخشري: ومنه رد قول الواعظ. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ولما أتم تعالى الإخبار عن هذا الفريق من الناس الضال، أتبعه بقسيمه المهتدي. ليبعث العباد على تجنب صفات الفريق الأول، والتخلق بنعوت الثاني فقال: القول في تأويل قوله تعالى: [207] ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد . ومن الناس من يشري نفسه أي: يبيعها ببذلها في طاعة الله: ابتغاء مرضات الله أي: طلب رضاه: والله رءوف بالعباد حيث أرشدهم لما فيه رضاه، وأسبغ عليهم نعمة ظاهرة وباطنة، مع كفرهم به، وتقصيرهم في أمره. لطيفة: قال بعضهم: كان مقتضى المقابلة للفريق الأول أن يوصف هذا الفريق بالعمل الصالح مع عدم الدعوى والتبجح بالقول، أو مع مطابقة قوله لعمله، وموافقة لسانه لما في جنانه! والآية تضمنت هذا الوصف وإن لم تنطق به. فإن من يبيع نفسه لله، لا يبغي ثمنا لها غير مرضاته، لا يتحرى إلا العمل الصالح، وقول الحق والإخلاص في القلب، فلا يتكلم بلسانين، [ ص: 512 ] ولا يقابل الناس بوجهين، ولا يؤثر على ما عند الله عرض الحياة الدنيا... وهذا هو المؤمن الذي يعتد القرآن بإيمانه... وقد أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وابن أبي حاتم ورزين عن سعيد بن المسيب قال: أقبل صهيب مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته، وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش! لقد علمتم أني من أرماكم رجلا. وايم الله! لا تصلون إلي حتى أرمي كل سهم معي في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا: نعم! فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: « ربح البيع، أبا يحيى! ربح، أبا يحيى...! » ونزلت: ومن الناس من يشري نفسه الآية. وأخرج الحاكم في " المستدرك " نحوه من طريق ابن المسيب عن صهيب موصولا. وأخرجه أيضا من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس. وفيه التصريح بنزول الآية، وقال: صحيح على شرط مسلم وروي أنها نزلت في صهيب وغيره، كما روي في نزول الأولى روايات ساقها بعض المفسرين. ولا تنافي في ذلك، لأن قولهم: نزلت في كذا، تارة يراد به أن حالا ما كان سببا لنزولها، بمعنى أنها ما نزلت إلا لأجله، وهذا يعلم إما من إشعار الآية بذلك، أو من رواية صح سندها صحة لا مطعن فيه. وتارة يراد به أنها نزلت بعد وقوع شأن ما تشمله بعمومها. فيقول الراوي عقيب حدوث ذلك الشأن: نزلت في كذا، والمراد: أنها تصدق عليه لا أن ذلك الشأن كان سببا للنزول... وما روي في هذه الآية من هذا القبيل. وإلى هذا النوع أشار الزركشي في " البرهان " بقوله: قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها. فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع.... [ ص: 513 ] وقد قدمنا أن سبب النزول مما يدخله الاجتهاد. وأن لا يعول منه إلا على ما صح سنده. وما نزل عنه وارتقى عن درجة الضعف بتفقه فيه.. فاحرص على هذا التحقيق. وقد أسلفنا في المقدمة البحث فيه مستوفى. وبالله التوفيق. القول في تأويل قوله تعالى: [208] يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين . يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم - بكسر السين وفتحها مع إسكان اللام، فيهما قراءتان سبعيتان - أي: في الإسلام. قال امرؤ القيس بن عابس: فلست مبدلا بالله ربا ولا مستبدلا بالسلم دينا ومثله قول أخي كندة: دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرينا قال الرازي: أصل هذه الكلمة من الانقياد. قال الله تعالى: إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين والإسلام إنما سمي إسلاما لهذا المعنى. وغلب اسم السلم على الصلح وترك الحرب. وهذا أيضا راجع إلى هذا المعنى، لأن عند الصلح ينقاد كل واحد لصاحبه ولا ينازعه فيه. ومعنى الآية: ادخلوا في الاستسلام والطاعة، أي: استسلموا لله وأطيعوه ولا تخرجوا عن شيء من شرائعه: كافة حال من الضمير في ادخلوا: ولا تتبعوا خطوات الشيطان أي: طرقه التي يأمركم بها فـ: إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [ ص: 514 ] و: إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وضم الطاء من خطوات وإسكانها لغتان: حجازية وتميمية. وقد قرئ بهما في السبع إنه لكم عدو مبين ظاهر العداوة أو مظهر لها. أي: بما أخبرناكم به في أمر أبيكم آدم عليه السلام وغيره، مما شواهده ظاهرة. القول في تأويل قوله تعالى: [209] فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم . فإن زللتم أي: عن الدخول في السلم: من بعد ما جاءتكم البينات أي: الآيات الظاهرة على أن ما دعيتم إلى الدخول فيه هو الحق: فاعلموا أن الله عزيز غالب لا يعجزه الانتقام ممن زل، ولا يفوته من ضل: حكيم لا ينتقم إلا بحق. وقوله: فاعلموا إلخ نهاية في الوعيد ; لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب. وربما قال الوالد لولده: إن عصيتني فأنت عارف بي وأنت تعلم قدرتي عليك وشدة سطوتي. فيكون هذا الكلام - في الزجر - أبلغ من ذكر الضرب وغيره. فظهر تسبب الجزاء في الآية بما أشعر به من الزجر والتهديد على الشرط المشير إلى ذنبهم وجرمهم. هذا، ومن الوجوه المحتملة في الآية، أن يكون السلم المذكور فيها معناه: الصلح والمسالمة وترك المنازعة والاختلاف. فمعنى: ادخلوا في السلم كونوا متوافقين ومجتمعين في نصرة الدين، ولا تتبعوا خطوات الشيطان بأن يحملكم على طلب الدنيا والمنازعة مع الناس. فتكون الآية حينئذ كقوله تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [ ص: 515 ] وقوله: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقوله: أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه والله أعلم. https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 561 الى صـ 565 الحلقة (111) القول في تأويل قوله تعالى: [222] ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين . ويسألونك عن المحيض وهو الدم الخارج من الرحم على وجه مخصوص في وقت مخصوص. ويسمى الحيض أيضا. أي: هل يسبب ويقتضي مجانبة مس من رأته؟: قل هو أذى أي: الحيض شيء يستقذر ويؤذي من يقربه، نفرة منه وكراهة له فاعتزلوا النساء في المحيض أي: فاجتنبوا مجامعتهن في زمنه. قال الراغب: في قوله تعالى: هو أذى تنبيه على أن العقل يقتضي تجنبه، كأن قيل: الحيض أذى وكل أذى متحاشى منه. ولما كان الإنسان قد يتحمل الأذى ولا يراه محرما، صرح بتحريمه بقوله: فاعتزلوا النساء روى الإمام أحمد ومسلم عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: أن اليهود كانوا إذا حاضت [ ص: 561 ] المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت. فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اصنعوا كل شيء إلا النكاح » . فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول! إن اليهود تقول كذا وكذا، فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما. فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما. ولا تقربوهن حتى يطهرن تأكيد لحكم الاعتزال، وتنبيه على أن المراد به عدم قربانهن، لا عدم القرب منهن، وكنى بقربانهن، المنهي عنه، عن مباضعتهن. فدل على جواز التمتع بهن حينئذ فيما دون الفرج. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض. وفيهما عنها أيضا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن. وروى مسلم عنها أيضا قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 562 ] فيضع فاه على موضع في فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في. وفي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن ميمونة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض. وفي لفظ له: كان يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب. وقوله: حتى يطهرن بيان لغاية الاعتزال. وقد قرئ في السبع: بفتح الطاء والهاء مع التشديد، وبسكون الطاء وضم الهاء مخففة. والقراءة الأولى تدل صريحا على أن غاية حرمة القربان هو الاغتسال، كما ينبئ عنه قوله تعالى: فإذا تطهرن إلخ. والقراءة الثانية وإن دلت على أن الغاية هو انقطاع الدم - بناء على ما قيل: إن الطهر انقطاع الدم، والتطهر الاغتسال - إلا أنه لما ضم إليها قوله تعالى: فإذا تطهرن صار المجموع هو الغاية ; وذلك بمنزلة أن يقول الرجل: لا تكلم فلانا حتى يدخل الدار، فإذا طابت نفسه بعد الدخول فكلمه! فإنه يجب أن يتعلق إباحة كلامه بالأمرين جميعا، وكذلك الآية - لما دلت على وجوب الأمرين - وجب أن لا تنتهي هذه الحرمة إلا عند حصول الأمرين، فمرجع القراءتين واحد كما بينا. وقد روى مسلم عن عائشة: أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال: [ ص: 563 ] « تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر، فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها - والفرصة بالكسر: قطعة من صوف أو قطن أو غيره - تتبع بها أثر الدم » . ثم آذن تعالى أن التطهر شرط في إباحة قربانهن، لا يصح بدونه، بقوله سبحانه: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله أي: فجامعوهن من المكان الذي أمركم الله بتجنبه في الحيض وهو القبل، ولا تتعدوه إلى غيره إن الله يحب التوابين من الذنوب: ويحب المتطهرين أي: المتنزهين عن الفواحش والأقذار، كمجامعة الحائض والإتيان فيغير المأتى. وفي ذكر التوبة إشعار بمساس الحاجة إليها - بارتكاب بعض الناس لما نهوا عنه - وتكرير الفعل لمزيد العناية بأمر التطهر. القول في تأويل قوله تعالى: [223] نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين . نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم روى الشيخان عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول. قال: فأنزلت: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم [ ص: 564 ] وعند مسلم عن الزهري: إن شاء مجبية، وإن شاء غير مجبية، غير أن ذلك في صمام واحد. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: هذه الزيادة يشبه أن تكون من تفسير الزهري، لخلوها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر، مع كثرتهم. والمجبية كملبية: المنكبة على وجهها، والصمام الواحد: الفرج، وقوله تعالى: حرث لكم الحرث: إلقاء البذر في الأرض، هذا أصله ; والكلام إما بحذف المضاف، أي: مواضع حرث، أو المصدر بمعنى المفعول، أي: محروثات. وإنما شبهن بذلك لما بين ما يلقى في أرحامهن وبين البذور من المشابهة. من حيث إن كلا منهما مادة لما يحصل منه. ولما عبر تعالى عنهن بالحرث عبر عن مجامعتهن بالإتيان كما تقدم، فقال: فأتوا حرثكم أنى شئتم أي: فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم، لا تحظر عليكم جهة دون جهة. والمعنى: جامعوهن من أي جهة شئتم ولا تبالوا بقول اليهود. وفي تخصيص الحرث بالذكر تعميم جميع الكيفيات الموصلة إليه. قال الزمخشري: وقوله تعالى: هو أذى فاعتزلوا النساء -: من حيث أمركم الله -: فأتوا حرثكم أنى شئتم من الكنايات اللطيفة، والتعريضات المستحسنة. وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة، على المؤمنين أن يتعلموها، ويتأدبوا بها، ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم. وقد ورد - في سبب نزول هذه الآية - رواية أخرى أخرجها أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال: كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم. وكان من أمر أهل الكتاب أنهم لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة. فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم. وكان هذا الحي من قريش [ ص: 565 ] يشرحون النساء شرحا منكرا، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات. فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار. فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك، وإلا فاجنبني، حتى سرى أمرهما. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد. تنبيه: ما ذكرناه من الروايات هو المعول عليه عند المحققين. وثمة روايات أخر تدل على أن هذه الآية إنما أنزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهن. قال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها، ثم قرأ: نساؤكم حرث لكم ثم قال: فأي شيء أبين من هذا؟ هذه حكاية الطحاوي نقلها ابن كثير. وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: قال ابن القاسم: ولم أدرك أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه، والمدنيون يروون فيه الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم. يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد. أما حديث ابن عمر فله طرق. رواه عنه نافع، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، وزيد بن أسلم، وسعيد بن يسار، وغيرهم. أما نافع فاشتهر عنه من طرق كثيرة جدا، منها: رواية مالك، وأيوب، وعبيد الله بن عمر العمري، وابن أبي ذئب، وعبد الله بن عون، وهشام بن سعد، وعمر بن محمد بن زيد، وعبد الله بن نافع، وأبان بن صالح، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة. https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 576 الى صـ 580 الحلقة (114) وقد ذم الله تعالى من أكثر الحلف بقوله: ولا تطع كل حلاف مهين وقال تعالى: واحفظوا أيمانكم والعرب كانوا يمدحون المرء بالإقلال من الحلف كما قال كثير: قليل الألايا حافظ ليمينه وإن سبقت منه الألية برت والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان: أن من حلف في كل قليل وكثير بالله، انطلق لسانه بذلك. ولا يبقى لليمين في قلبه وقع. فلا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة. فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين. وأيضا، كلما كان الإنسان أكثر تعظيما لله تعالى كان أكمل في العبودية. ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية. وأما قوله تعالى بعد ذلك: أن تبروا وتتقوا فهو علة للنهي. أي: إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، لأن الحلاف مجترئ على الله، غير معظم له، فلا يكون برا متقيا، ولا يثق به الناس، فلا يدخلونه في وساطتهم وإصلاح ذات بينهم، والله أعلم. [ ص: 577 ] القول في تأويل قوله تعالى: [225] لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم . لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أي: لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية - إذا لم تقصدوا هتك حرمته - وهي التي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا قصد إليها. كما ينبئ عن ذلك قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان وهو المعني بقوله عز وجل: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم أي: تعمدته قلوبكم فاجتمع فيه، مع اللفظ، النية. يعني: ربط القلب به لفوات تعظيم أمره، ولهتك حرمته بنقض اليمين المقصودة. روي عن عائشة أنها قالت: أنزلت هذه الآية في قول الرجل: لا والله، وبلى والله! أخرجه البخاري ومالك وأبو داود، وهذا لفظ البخاري. وقد نقل ابن المنذر نحو هذا عن ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما من الصحابة والتابعين. ولفظ رواية ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إنما اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل: لا والله! وبلى والله! فذاك لا كفارة فيه. إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله. [ ص: 578 ] ويروى في تفسير لغو اليمين: هو أن يحلف على الشيء يظنه، ثم يظهر خلافه. ويروى: أن يحلف وهو غضبان: ويروى غير ذلك، كما ساقها ابن كثير، مسندة. وقد ظهر - للفقير - أن لا تنافي بين هذه الروايات، لأن كل ما لا عقد للقلب معه من الأيمان فهو لغو بأي صورة كانت وحالة وقعت. فكل ما روي في تفسير الآية فهو مما يشمله اللغو. والله أعلم. والمراد من المؤاخذة: إيجاب الكفارة. كما بين ذلك في آية المائدة: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته والله غفور يعني: لعباده فيما لغوا من أيمانهم فلم يؤاخذهم به: حليم يعني في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة تربصا بالتوبة. والجملة تذييل للحكمين السابقين. فائدته الامتنان على المؤمنين، وشمول مغفرته وإحسانه لهم. القول في تأويل قوله تعالى: [226 - 227] للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم . للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم اشتملت هذه الآية على حكم الإيلاء، وهو لغة: الامتناع باليمين، وخص في عرف الشرع: بالامتناع باليمين من وطء الزوجة. ولهذا عدى فعله بأداة من تضمينا له معنى، يمتنعون من نسائهم: وهو أحسن من إقامة " من " مقام " على ". وجعل سبحانه للأزواج مدة أربعة أشهر يمتنعون فيها من نسائهم بالإيلاء، فإذا مضت فإما أن يفيء وإما أن يطلق. [ ص: 579 ] وقد اشتهر عن علي وابن عباس رضي الله عنهم: أن الإيلاء إنما يكون في حال الغضب دون الرضا، كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه وظاهر القرآن مع الجمهور. وقد تناظر في هذه المسألة محمد بن سيرين ورجل آخر. فاحتج على محمد بقول علي كرم الله وجهه، فاحتج عليه محمد بالآية فسكت. وقد اتفق الأئمة على أن المولى إذا فاء إلى المواصلة لزمته كفارة يمين، وإنما ترك ذكرها هنا ; لأنها معلومة من موضع آخر في التنزيل العزيز. فعموم وجوب التكفير ثابت على حالف. قال العلامة صديق خان في " تفسيره ": اعلم أن أهل كل مذهب قد فسروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم، وتكلفوا بما لا يدل عليه اللفظ ولا دليل آخر، ومعناها ظاهر واضح، وهو أن الله جعل الأجل لمن يولي أي: يحلف من امرأته أربعة أشهر ثم قال مخبرا لعباده بحكم هذا المولي بعد هذه المدة: فإن فاءوا أي: رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح: فإن الله غفور رحيم أي: لا يؤاخذهم بتلك اليمين، بل يغفر لهم ويرحمهم ; وإن عزموا الطلاق أي: وقع العزم منهم عليه والقصد له: فإن الله سميع لذلك منهم: عليم به. فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة. فمن حلف أن لا يطأ امرأته - ولم يقيد بمدة، أو قيد بزيادة على أربعة أشهر - كان علينا إمهاله أربعة أشهر. فإذا مضت فهو بالخيار: إما رجع إلى نكاح امرأته، وكانت زوجته بعد مضي المدة كما كانت زوجته قبلها، أو طلقها، وكان له حكم المطلق لامرأته ابتداء. وأما إذا وقت بدون أربعة أشهر: فإن أراد [ ص: 580 ] أن يبر في يمينه اعتزل امرأته التي حلف منها حتى تنقضي المدة. كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آلى من نسائه شهرا. فإنه اعتزلهن حتى مضى الشهر. وإن أراد أن يطأ امرأته قبل مضي تلك المدة التي هي دون أربعة أشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة. وكان ممتثلا لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: « من حلف على يمين فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه » . قال الحرالي: وفي قوله تعالى: فإن الله سميع عليم تهديد بما يقع في الأنفس والبواطن من المضارة والمضاجرة بين الأزواج في أمور لا تأخذها الأحكام، ولا يمكن أن يصل إلى علمها الحكام، فجعلهم أمناء على أنفسهم فيما بطن وظهر. ولذلك رأى العلماء أن الطلاق أمانة في أيدي الرجال، كما أن العدد والاستبراء أمانة في أيدي النساء. فلذلك انتظمت آية تربص المرأة في عدتها بآية تربص الزوج في إيلائه. قال الإمام ابن كثير: وقد ذكر الفقهاء وغيرهم - في مناسبة تأجيل المولي بأربعة أشهر - الأثر الذي رواه مالك عن عبد الله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني إلا خليل ألاعبه https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/36.jpgفوالله! لولا الله، أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 596 الى صـ 600 الحلقة (118) فصل وقال الإمام ابن القيم - أيضا - في " أعلام الموقعين ": إن المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وزمن أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة. كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس. فروى مسلم في " صحيحه" عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة. فلو أمضيناه عليهم ; فأمضاه عليهم. وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا. قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقها؟ قال: طلقها ثلاثا، قال: فقال: في مجلس واحد؟ قال نعم. قال: فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت، قال: فرجعها. كان ابن عباس يرى: إنما الطلاق عند كل طهر. وقد صحح الإمام أحمد هذا الإسناد وحسنه. ثم إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يخف عليه. أن هذا هو السنة، وأنه توسعة من الله لعباده إذ جعل الطلاق مرة بعد مرة. وما كان مرة بعد مرة لم يملك المكلف إيقاع كله جملة واحدة. كاللعان فإنه لو قال: أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين، كان مرة واحدة. ولو حلف في القسامة وقال: أقسم بالله خمسين يمينا إن هذا قاتله، كان يمينا واحدة. ولو قال المقر بالزنا: أنا أقر أربع مرات أني زنيت، كان مرة واحدة. فمن يعتبر الأربع لا يجعل ذلك [ ص: 596 ] الإقرار إلا واحدا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» . فلو قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يحصل له هذا الثواب حتى يقولها مرة بعد مرة. وكذلك قوله: « من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمده ثلاثا وثلاثين وكبره ثلاثا وثلاثين» .. الحديث، لا يكون عاملا به حتى يقول ذلك مرة بعد مرة، لا يجمع الكل بلفظ واحد.. وكذلك قوله: « من قال في يوم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي» . لا يحصل هذا إلا بقولها مرة بعد مرة. وهذا كما أنه في الأقوال والألفاظ فكذلك هو في الأفعال سواء. كقوله تعالى: سنعذبهم مرتين إنما هو مرة بعد مرة. وكذا قول ابن عباس: رأى محمد ربه بفؤاده مرتين، إنما هو مرة بعد مرة. وكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 597 ] « لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» . فهذا هو المعقول من اللغة والعرف. فالأحاديث المذكورة، وهذه النصوص المذكورة وقوله تعالى: الطلاق مرتان كلها من باب واحد ومشكاة واحدة. والأحاديث المذكورة تفسر المراد من قوله تعالى: الطلاق مرتان فهذا كتاب الله، وهذه سنة رسوله، وهذه لغة العرب، وهذا عرف التخاطب، وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة كلهم معه في عصره، وثلاث سنين من عصر عمر رضي الله عنه، على هذا المذهب، فلو عدهم العاد لزادوا على الألف قطعا. ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم، ولم تجمع الأمة - ولله الحمد - على خلافه. بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن، وإلى يومنا هذا. فأفتى به من الصحابة ابن عباس والزبير وابن عوف. وعن علي وابن مسعود روايتان، ومن التابعين عكرمة وطاوس. ومن تابعيهم: محمد بن إسحاق وغيره. وممن بعدهم داود إمام أهل الظاهر، وبعض أصحاب مالك، وبعض الحنفية، وأفتى بعض أصحاب أحمد - حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه - قال: وكان الجد يفتي به أحيانا. والمقصود أن هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم. ولم يأت بعده إجماع يبطله. ولكن رأى أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق، وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة، فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم، ليعلموا أن أحدهم، إذا أوقعه جملة، بانت منه المرأة وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، نكاح رغبة يراد للدوام لا نكاح تحليل، فإنه كان من أشد الناس فيه، فإذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق. فرأى عمر هذا مصلحة لهم في زمانه. ورأى أن ما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق وصدرا من خلافته - كان اللائق بهم، لأنهم لم يتتابعوا فيه. وكانوا يتقون الله في الطلاق. وقد جعل الله لكل من اتقاه مخرجا. فلما تركوا تقوى الله وتلاعبوا بكتاب الله وطلقوا على غير ما شرعه الله ألزمهم بما التزموه عقوبة لهم. فإن الله سبحانه إنما شرع الطلاق مرة بعد مرة. ولم يشرعه كله مرة واحدة. فمن جمع الثلاث في مرة واحدة فقد تعدى [ ص: 598 ] حدود الله، وظلم نفسه، ولعب بكتاب الله. فهو حقيق أن يعاقب ويلزم بما التزمه، ولا يقر على رخصة الله وسعته، وقد ضيعها على نفسه. ولم يتق الله ويطلق كما أمره الله وشرعه له، بل استعجل فيما جعل الله له الأناة فيه، رحمة وإحسانا. واختار الأغلظ والأشد. فهذا ما تغيرت به البلوى لتغير الزمان، وعلم الصحابة رضي الله عنهم حسن سياسة عمر وتأديبه لرعيته في ذلك، فوافقوه على ما ألزم به، ثم قال: فلما تغير الزمان، وبعد العهد بالسنة وآثار القوم، وقامت سوق التحليل ونفقت في الناس، فالواجب أن يرد الأمر إلى ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته من الإفتاء بما يعطل سوق التحليل ويقللها ويخفف شرها. وإذا عرض على من وفقه الله وبصره بالهدى وفقهه في دينه. مسألة كون الثلاث واحدة ومسألة التحليل، ووازن بينهما - تبين له التفاوت، وعلم أي المسألتين أولى بالدين وأصلح للمسلمين. ثم قال عليه الرحمة: ويمتنع في هذه الأزمنة معاقبة الناس بما عاقبهم به عمر رضي الله عنه من وجهين: أحدهما: أن أكثرهم لا يعلم أن جمع الثلاث حرام، لا سيما وكثير من الفقهاء لا يرى تحريمه، فكيف يعاقب من لم يرتكب محرما عند نفسه؟ الثاني: أن عقوبتهم بذلك تفتح عليهم باب التحليل الذي كان مسدودا على عهد الصحابة رضي الله عنهم. والعقوبة - إذا تضمنت مفسدة أكثر من الفعل المعاقب عليه - كان تركها أحب إلى الله ورسوله. ولا يستريب أحد في أن الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وصدر من خلافة عمر أولى من الرجوع إلى التحليل، والله الموفق. [ ص: 599 ] فصل وأما طلاق الغضبان ففي " أعلام الموقعين " ما نصه: إن اللفظ إنما يوجب معناه لقصد المتكلم به. والله سبحانه رفع المؤاخذة عمن حدث نفسه بأمر بغير تلفظ أو عمل، كما رفعها عمن تلفظ من غير قصد لمعناه ولا إرادة. ولهذا لم يكفر من جرى على لسانه لفظ الكفر سبقا من غير قصد، لفرح أو دهش أو غير ذلك، كما في حديث الفرح الإلهي بتوبة العبد، وضرب مثل ذلك: من فقد راحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة فأيس منها ثم وجدها فقال: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، ولم يؤاخذ بذلك وكذلك إذا أخطأ من شدة الغضب لم يؤاخذ. ومن هذا قوله تعالى: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم قال السلف: هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله في حال الغضب، لو استجابه الله تعالى لأهلكه وأهلك من يدعو عليه، ولكنه لا يستجيبه لعلمه أن الداعي لم يقصده. ومن هذا رفعه صلى الله عليه وسلم حكم الطلاق عمن طلق في إغلاق. قال الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية حنبل: هو الغضب. [ ص: 600 ] وبذلك فسره أبو داود. وهو قول القاضي إسماعيل بن إسحاق - أحد أئمة المالكية ومقدم فقهاء أهل العراق منهم - وهي عنده من لغو اليمين أيضا. فأدخل يمين الغضبان في لغو اليمين وفي يمين الإغلاق. وحكاه شارح أحكام عبد الحق عنه - وهو ابن بريرة الأندلسي - قال: وهذا قول علي وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهما من الصحابة: أن الأيمان المنعقدة كلها في حال الغضب لا تلزم. وفي " سنن الدارقطني " بإسناد فيه لين من حديث ابن عباس يرفعه: لا يمين في غضب، ولا عتاق فيما لا يملك. وهو، إن لم يثبت رفعه، فهو قول ابن عباس. وقد فسر الشافعي (لا طلاق في إغلاق) بالغضب، وفسره مسروق به. فهذا مسروق والشافعي وأحمد وأبو داود والقاضي إسماعيل كلهم فسروا الإغلاق بالغضب. وهو من أحسن التفسير. لأن الغضبان قد أغلق عليه باب القصد لشدة غضبه. وهو كالمكره. بل الغضبان أولى بالإغلاق من المكره، لأن المكره قد قصد رفع الشر الكثير بالشر الذي هو دونه، فهو قاصد حقيقة. ومن ههنا أوقع عليه الطلاق من أوقعه. وأما الغضبان فإن انغلاق باب القصد والعلم عنه كانغلاقه عن السكران والمجنون. فإن غول العقل يغتاله الخمر بل أشد. وهو شعبة من الجنون، ولا يشك فقيه النفس في أن هذا لا يقع طلاقه. ولهذا قال حبر الأمة - الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، بالفقه في الدين: إنما يقع الطلاق من وطر. ذكره البخاري في صحيحه، أي: عن غرض من المطلق في وقوعه. وهذا من كمال فقهه رضي الله عنه، وإجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ; إذ الألفاظ إنما تترتب عليها موجباتها لقصد اللافظ بها. https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/36.jpg |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
| الساعة الآن : 01:41 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour