رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (73) كتاب الطهارة- (تابع باب ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد) إلى (باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها) أجاز الشرع الاغتسال بما فضل من الماء بعد اغتسال الجنب منه على الصحيح من أقوال أهل العلم وهو الذي دلت عليه الأدلة.ويجوز أيضاً الوضوء والاغتسال في أواني الطبخ مثل الوعاء الذي يعجن فيه وإن بقي فيه آثار العجين. تابع ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد شرح حديث أم سلمة: (رأيتني ورسول الله نغتسل من مركن واحد..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن سعيد بن يزيد سمعت الأعرج يقول: حدثني ناعم مولى أم سلمة رضي الله عنها: (أن أم سلمة رضي الله عنها سئلت: أتغتسل المرأة مع الرجل؟! قالت: نعم، إذا كانت كيسة، لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من مركن واحد نفيض على أيدينا حتى ننقيهما، ثم نفيض عليها الماء)، قال الأعرج: لا تذكر فرجاً ولا تباله].في الترجمة السابقة التي عقدها النسائي وهي: اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، فقد مر فيه عدة أحاديث، وبقي منها هذا الحديث وهو حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أنها سئلت: (أتغتسل المرأة مع الرجل؟ قالت: نعم، لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسل من مركنٍ واحدٍ نفيض على أيدينا حتى ننقيهما، ثم نفيض عليها الماء)، هذا الحديث كغيره من الأحاديث السابقة التي جاءت عن عدد من أزواج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يذكرن فيه أنهن كن يغتسلن مع رسول الله عليه الصلاة والسلام من إناء واحد، يغترفان منه، فيغترف منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وتغترف منه زوجته، أو إحدى زوجاته، فقد جاء ذلك عن عائشة، وعن ميمونة، وعن أم سلمة، فكل هذه أحاديث أوردها النسائي في هذا الباب، وقد أورد حديث عائشة من طرق متعددة، وكلها تدل على ما ترجم له المصنف وهو: اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وأنه لا بأس بذلك ولا مانع منه، وقد فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وكذلك أم سلمة رضي الله عنها، لما سئلت: أتغتسل المرأة مع الرجل؟! قالت: نعم، إذا كانت كيسة، ثم فسر الأعرج وهو أحد رواة الحديث كونها كيسة بقوله: (إنها لا تذكر فرجاً، ولا تباله)، يعني: هذا لفظ مطلق يشمل ذكر فرجها وفرج رسول الله عليه الصلاة والسلام، (ولا تباله) يعني: ولا تتباله، يعني: يظهر منها ما لا ينبغي أن يظهر مما يعد من البله، هذا هو تفسير (الكيسة) كما فسرها بذلك الأعرج أحد رواة هذا الحديث، والذي جاء إسناده في هذا الحديث. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (رأيتني ورسول الله نغتسل من مركن واحد..) قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، خرج له الترمذي، والنسائي، وقد مر ذكره كثيراً، وإذا جاء ذكره فإنه يروي عن عبد الله غير منسوب، وهو مهمل؛ ولكنه محمول على عبد الله بن المبارك كما عرفنا ذلك مراراً، وقد قيل في ترجمة سويد بن نصر: أنه راوية عبد الله بن المبارك، فهو مروزي، وعبد الله بن المبارك مروزي، فإهماله لا لبس فيه ولا إشكال فيه، بل هو محمول على أنه عبد الله بن المبارك الذي يروي عنه راويته سويد بن نصر المروزي.[عن عبد الله].وهو عبد الله بن المبارك إمام، محدث، حجة، فقيه، جواد، مجاهد، قال ابن حجر في التقريب بعد أن ذكر جملةً من صفاته قال: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن يزيد]. سعيد بن يزيد هذا ثقة عابد، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.[سمعت الأعرج].وهو: عبد الرحمن بن هرمز هذا اسمه واسم أبيه، والأعرج لقب له، وأحياناً يأتي ذكره مجموعاً قد جمع بين اسمه ولقبه، وأحياناً يذكر اسمه بدون اللقب، وأحياناً اللقب بدون الاسم، فـعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثني ناعم مولى أم سلمة].وناعم مولى أم سلمة ثقة فقيه، خرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.[أن أم سلمة...]. وأم سلمة هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي: هند بنت أبي أمية، وقد مر ذكرها كثيراً، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب شرح حديث: (نهى رسول الله أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب:أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن حميد بن عبد الرحمن: لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة رضي الله عنه أربع سنين، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعاً)].ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن الاغتسال بفضل الجنب، فقيل: إن المراد بفضل الجنب: هو ما يتساقط من أعضائه، وقيل: إنه ما يبقى في الإناء بعد اغتساله منه، وهذا هو الأوضح من حيث ما يشعر به لفظ الحديث، ومن حيث ذكر الفضل، وذكر الاغتراف في آخره؛ لأن قوله: (الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل)، أي: الذي يبقى؛ لأن الفضل هو البقية، وليس المتساقط الذي يتساقط، وكذلك أيضاً قال: (وليغترفا جميعاً)، معنى أنهما يغتسلان معاً، ولا يغتسل هذا بما يبقيه هذا، أو هذا بما يبقيه هذا، فالاغتسال بفضل الجنب الذي يبقى في الإناء بعد اغتساله منه، هذا هو فضله، أي: بقيته التي تبقى بعد استعماله، واغتساله منه، ولهذا أورد فيها النسائي هذا الحديث. قوله: (لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين، يعني: أنه صحب الرسول صلى الله عليه وسلم أربع سنوات، كما كان أبو هريرة قد صحبه أربع سنوات؛ لأن أبا هريرة إنما أسلم في السنة السابعة عام خيبر، والرسول صلى الله عليه وسلم توفي في أول السنة الحادية عشرة، فيكون مدة صحبته أربع سنوات، وهذا الرجل مبهم، أبهمه الراوي، والقاعدة المعروفة عند العلماء: أن المجهول من الصحابة في حكم المعلوم، لا تؤثر جهالته ولا تضر؛ ذلك لأنهم كلهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يؤثر كون الصحابي مجهولاً؛ لأن الجهالة لا تؤثر، وإنما تؤثر فيمن دونهم، كما ذكر الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية قال: إن كل راو دون الصحابي لا بد من معرفة حاله من الثقة والعدالة والضعف، إلا الصحابة، فإنهم لا يحتاجون إلى معرفة أحوالهم؛ لأنهم يكفيهم ما حصل لهم من تعديل الله عز وجل وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، وثناء الله عز وجل وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فيكفي في الرجل أن يذكر بأنه صحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم يعرف شخصه، وإن لم تعرف عينه، وإنما يكفي أن ينسب إلى صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يقال فيه: أنه صحب الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا شرف عظيم وفضل عظيم حصل لهم، ما شاركهم فيه أحد، ولا ظفر به أحد سواهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فهذا الرجل الذي صحب النبي عليه الصلاة والسلام روى هذا الحديث المشتمل على ثلاث جمل، وهي: الجملة الأولى: النهي عن الامتشاط كل يوم، يعني: كون الإنسان يسرح شعره ويجمله في كل يوم، فإنه ينبغي ألا يكثر من ذلك، وإنما يستعمله يوماً بعد يوم، أو أكثر من ذلك؛ لكنه لا يستعمل ذلك بصفة دائمة، والمقصود من ذلك التنزيه والابتعاد عن الترفه، وأن يكون على هذا الوصف، ومن المعلوم أن الجمال مطلوب، وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (إن الله جميل يحب الجمال)، فالزينة مطلوبة؛ لكن لا يشتغل بها ويفتتن بها، وكون الإنسان لا يكون همه إلا التجمل، وأن يكون هذا شغله، فقد جاء النهي في ذلك. الجملة الثانية: أن يغتسل الرجل في مستحمه، وقد سبق أن مر حديث في هذا الموضوع وفي باب خاص، وهو: النهي عن الاغتسال في المستحم، وفيه: أن عامة الوسواس منه، فقد تقدم أن الحديث الذي ورد في ذلك فيه كلام، والجملة الأولى منه، وهي: (النهي عن الاغتسال في المستحم) وقد جاء شاهد يؤيدها وهو هذا الحديث الذي معنا، الذي فيه ذكر النهي عن الاغتسال في المستحم، وليس فيه ذكر: (فإن عامة الوسواس منه) فكانت الجملة الأولى من ذلك الحديث لها شاهد يقويها، وهو هذا الحديث الذي معنا، والجملة الثانية وهي: (فإن عامة الوسواس منه) ليس لها شاهد كما للجملة السابقة، وشاهدها هذا الحديث، فتكون تلك الجملة لم تثبت؛ لأن الإسناد التي وردت فيه لا يعتمد عليه في حال الانفراد؛ ولكن الجملة الأولى جاء هذا الحديث أو جاءت بهذا الإسناد الذي معنا، فهو عاضد لها، وهو مؤيد لها، وقد عرفنا فيما مضى: أن النهي عن البول في المستحم، وهو مكان الاستحمام، أن المقصود من ذلك: إذا كان البول يستقر ويبقى، وليس له مجرى يذهب معه ويجري، أما إذا كان له مجرى ولا يستقر ولا يبقى فإنه في هذه الحالة لا بأس به، وإنما المحظور أن يكون البول يحتبس، وأن يكون في مكان لا يذهب في الأرض، فيؤدي ذلك إلى وصوله إلى المستحم وإلى جسده، فيلحقه بذلك ضرر، هذا هو وجه المنع منه، ومن المعلوم أنه إذا وجد البالوعات التي يجري فيها البول، ويجري فيها الماء، فإنه لا مانع من ذلك، ولا محظور فيه، وإنما المحظور فيما إذا كان البول يستقر، فيكون في مكان صلب لا تشربه الأرض، وليس له بالوعة يجري فيها، فهذا هو الذي يترتب عليه مضرة، ويترتب عليه احتمال وصول النجاسة إلى المستحم في ذلك المكان الذي بال فيه.والجملة الثالثة: نهي الرسول عليه الصلاة والسلام أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، وأن يغترفا جميعاً، وهذه الجملة فيها محل الشاهد، وقد جاءت أحاديث تدل على خلاف ما دلت عليه تلك الجملة، وهي حصول اغتسال الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، فيكون ما جاء في الحديث هنا إما على خلاف الأولى، وإما الحكم في ذلك أنه سائغ، والقول بكونه سائغ هو قول الجمهور، وقد قال بعض الفقهاء بما دل عليه هذا الحديث من النهي عن الاغتسال بفضل الجنب. تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعاً) قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد الذي مر ذكره كثيراً، وهو أحد شيوخ النسائي الذين أكثر عنهم، بل هو أول شيخ روى عنه النسائي في سننه، وما أكثر ما يأتي ذكر قتيبة بن سعيد في أسانيد النسائي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة كما عرفنا ذلك مراراً.[حدثنا أبو عوانة]. وأبو عوانة هذه كنية اشتهر بها وهو: الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن داود الأودي]. وهو داود بن عبد الله الأودي الزعافري الكوفي أبو العلاء، وهو ثقة، خرج حديثه الجماعة.[عن حميد بن عبد الرحمن]. وممن يسمى بحميد بن عبد الرحمن: حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وهنا هو الحميري، فقد جاء تعيينه، ونسبته في سنن أبي داود، حيث قال في الإسناد: حدثنا حميد الحميري، فإذاً: هذا الإهمال الذي حصل فيه، والذي يحتمل أن يكون ابن عوف وأن يكون الحميري، جاء في سنن أبي داود نسبته وتعيينه، وأنه الحميري، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، ثقة فقيه خرج له الجماعة. [لقيت رجلاً].أي: من الصحابة، عرفنا أن المجهول منهم معلوم، وأنها لا تؤثر الجهالة فيهم، وإنما تؤثر الجهالة فيمن دونهم، ولهذا يكفي كل واحد منهم أن يقال عنه: إنه صحابي، ولا يحتاج إلى وصف آخر، ولا يحتاج إلى تعديل المعدلين، وتزكية المزكين، وتوثيق الموثقين؛ لأن تعديل الله عز وجل إياهم، وتعديل الرسول صلى الله عليه وسلم كاف لهم، فلا يحتاجون معه إلى شيء رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. لا مطعن في روايات أبي هريرة مع كثرتها، وكونه روى الكثير من الأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام في مدة قصيرة، فيقال: إن هناك عوامل ساعدت أبا هريرة رضي الله عنه على الإكثار من الحديث، منها: ملازمته للرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه كان يشاركه في الأكل من طعامه إذا أكل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكون كثير من الصحابة كانوا يشتغلون في حرفهم وتجاراتهم، ويأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أحيان، وأما هو فهو ملازم له، وقد جاء ذلك عنه، ثم أيضاً ما جاء من دعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم له، فكان من أوعية العلم، ومن حفاظ الحديث، بل هو أكثر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام حديثاً، ثم مما ساعده على كثرة الأخذ عنه وكثرة الاستفادة منه أنه عُمر وعاش بعد زمن الخلفاء الراشدين، وبعدهم بمدة طويلة، وأيضاً هو في المدينة، وكانت المدينة مقصد الناس الذين يأتون لزيارة هذا المسجد، وكذلك الذين يأتون للحج والعمرة ويزورون هذه المدينة، فكان ذلك الصحابي الجليل ممن بقي في المدينة، والناس يقصدونها ويأخذون عنه روايته، ولذلك كثر الأخذ منه.ومن المعلوم أن مراسيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم حجة؛ لأنهم لا يأخذون إلا عن الصحابة، فيوجد أحاديث منها ما سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لملازمته، ومنها ما يسمعه من بعض الصحابة، ومراسيل الصحابة كلها حجة، فلا يطعن في أبي هريرة إلا من ابتلاه الله عز وجل، وشاء الله عز وجل أن يسعى في إضرار نفسه وفي إيذاء نفسه. والذين يطعنون فيه هم الرافضة، وكذلك أيضاً بعض الناس الذين قد يحصل منهم أحياناً النيل من روايات أبي هريرة، فهذا لا يسوغ ولا يجوز أن يطعن في رواياته، والأمة قد قبلتها والصحابة قد قبلوها، واعتمدوا عليها، وقد جاء في فتح الباري في شرح حديث المصرات، أن بعض الحنفية قدح أو تكلم في الحديث، لكونه من رواية أبي هريرة، فقال: إن أبا هريرة ليس فقيهاً مثل ابن مسعود، ثم إن الحافظ ابن حجر علّق على هذا الكلام فقال: وقائل هذا الكلام ما آذى إلا نفسه، يعني: ضرر كلامه يرجع إليه؛ لأنه تكلم في صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو لا يضره بذلك، وإنما رجعت مضرته إلى نفسه، ثم نقل عن أبي المظفر السمعاني في كتاب له اسمه الاصطلام، وهو يرد فيه على أبي زيد الدبوسي من الحنفية، فقال فيه أبو المظفر السمعاني: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله، يعني: من قدح في أحد من الصحابة، فهو ينادي على نفسه بأنه آذى نفسه، وأنه أقدم على ما يعود عليه بالمضرة، ولا يضر أبا هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه شيئاً.إذاً: فكون أبي هريرة رضي الله عنه في المدة التي صحب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت مدة قليلة تبلغ أربع سنوات، وأحاديثه مع ذلك كثيرة، فلا يقدح ذلك في رواياته للأسباب التي أشرت إلى بعضها، والتي منها كونه ملازماً للرسول صلى الله عليه وسلم، وكون الرسول دعا له، وكونه ممن بقي في المدينة، وكونه تأخرت وفاته إلى حوالي سنة ستين من الهجرة، يعني أنه عاش وحصل اتصال الناس به، وكونه في المدينة والناس يردون إليها، فيأخذون منه ويعطونه، فحصل بذلك أسباب تدل على سبب كثرة حديثه، وعلى سعة حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فلا ينبغي أن يقدح فيه ولا أن يتكلم فيه، بل الواجب هو الابتعاد عن الكلام فيه وفي أحاديثه، وأن تكون القلوب مليئةً بمحبة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تكون الألسنة نظيفة وسليمة من النيل منهم، فإذا ذُكروا فإن الإنسان لا يذكرهم إلا بخير، وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت)، وإذا كان الكلام في آحاد الناس العاديين يعد من الغيبة، وهو محرم وممنوع، فكيف لو كان الكلام في سادات هذه الأمة، وفي خيار هذه الأمة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؟! ثم إن من يريد الخير لنفسه، ومن هو ناصح لنفسه، فإنه يحرص كل الحرص على أن يكون مليء القلب بحبهم، رطب اللسان بذكرهم بالجميل اللائق بهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وفضلهم على الأمة عظيم، وإحسانهم إليها كبير؛ لأن الخير والهدى إنما وصل إلى الناس كلهم عن طريقهم وبواسطتهم، فما عرفنا القرآن والسنة إلا عن طريق الصحابة، وما عرفنا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريقهم، ولم تعرف الأمة كلها -من بعد الصحابة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- الحق والهدى إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
الرخصة في الاغتسال بفضل الجنب شرح حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد يبادرني وأبادره...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في ذلك:أخبرنا محمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن عاصم ح وأخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن عاصم، عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، يبادرني وأبادره، حتى يقول: دعي لي، وأقول أنا: دع لي)، قال سويد: ( يبادرني وأبادره فأقول: دع لي دع لي )].ذكر النسائي هذه الترجمة بعد الترجمة السابقة، وهي: الرخصة في ذلك، يعني: كونه يغتسل أحد الاثنين الرجل، أو المرأة بفضل الآخر، ثم أورد تحتها حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إنها كانت تغتسل هي والرسول صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تبادره ويبادرها، وتقول: دع لي، دع لي)، ومحل الشاهد من كون الاغتسال من المرأة بفضل الرجل، أو الرجل بفضل المرأة: أن أحدهما يفرغ وينتهي من الاغتسال قبل الآخر الذي يغتسل، فبعد أن فرغ صاحبه حصل منه استعمال ما تبقى من الآخر، فإذاً فيه اغتسال أحد الاثنين بفضل الآخر.ومن المعلوم أن كونهما يغترفان -يعني: كل واحد يغترف- فليس فيه فضل؛ لأن الماء موجود للجميع؛ لكن من انتهى أولاً فإن الذي يكون بعده إنما يستعمل فضل الآخر.قوله: [عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، يبادرني وأبادره، حتى يقول: دعي لي، وأقول أنا: دع لي)، قال سويد: ( يبادرني وأبادره، فأقول: دع لي دع لي )].يعني: أن النسائي ذكر الحديث عن شيخين، وكأنه ساق الحديث بلفظ الشيخ الأول الذي هو محمد بن بشار، ثم بعد ذلك أتى بلفظ الشيخ الثاني وهو سويد بن نصر، يعني: أتى بلفظه في آخر الحديث؛ لأن اللفظ لم يكن متحداً، ولم يكن متفقاً. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد يبادرني وأبادره...) قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو بندار، وهو ثقة، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة.[عن محمد].محمد هنا غير منسوب يروي عن شعبة ، وإذا جاء محمد يروي عن شعبة وهو غير منسوب فإنه محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وشعبة هو أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عاصم].وهو: ابن سليمان الأحول، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ح وأخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله].هنا حول الإسناد إلى سويد بن نصر المروزي الذي مر ذكره قريباً، وهو ثقة، حديثه عند الترمذي، والنسائي.وعبد الله غير منسوب وهو ابن المبارك، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة كما مر آنفاً.[أخبرنا محمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن عاصم].فالإسناد الأول أنزل من الثاني؛ لأن الإسناد الأول فيه ثلاثة بين النسائي وبين عاصم، وأما الإسناد الثاني ففيه اثنان بين النسائي وبين عاصم الأحول؛ لأن الأول محمد بن بشار، وغندر، وشعبة، ثم شعبة يروي عن عاصم الأحول، والإسناد الثاني سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن عاصم الأحول، فصار الإسناد الثاني أقل عدداً من الإسناد الأول، والإسناد الأول يعتبر أنزل لزيادة رجل فيه.[عن معاذة].هي: معاذة العدوية، تابعية أكثرت من الرواية عن عائشة، وروت عنها كثيراً، وهي ثقة، حديثها عند أصحاب الكتب الستة، وهي التي جاء في الحديث أنها سألت عائشة رضي الله عنها، قالت: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت لها: أحروريةٌ أنت؟! قالت: لا؛ ولكني أسأل، قالت: كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة)، هي التي سألت عائشة هذا السؤال وأجابتها بذلك الجواب.قوله: [عن عائشة]. وهي: عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، المبرأة مما رميت به بآيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وهي أكثر الصحابيات روايةً للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكرها كثيراً. ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها شرح حديث أم هانئ: (إن رسول الله اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيهاأخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين)].أورد النسائي رحمه الله: الاغتسال في القصعة التي فيها أثر العجين، وأورد النسائي حديث أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها قريباً في قصة الاستتار عند الاغتسال، وحديثها عند البخاري، ومسلم وغيرهما: ( أنها في عام الفتح جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل، فقال: من هذه؟ قالت: أم هانئ، فقال: مرحباً بـأم هانئ، ثم ذكرت رجلاً أجارته، وأمنته، وعلي رضي الله عنه وأرضاه كان يريد أن يقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ )، وقد مر أن لها ستاً وأربعين حديثاً، منها حديث واحد اتفق عليه البخاري، ومسلم، وهو ذاك الحديث الذي مر في قصة مجيئها إليه في عام الفتح، وهو يغتسل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهنا تروي ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو وميمونة كانا يغتسلان من قصعة فيها أثر العجين ). يعني: أن الوعاء الذي فيه الماء الذي يغتسل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة رضي الله عنها، كان فيه أثر العجين، يعني قد علق به العجين وفيه ماء، وعليه الأثر، ففي هذا دليل على أن مثل ذلك سائغ؛ وأن كونه يتوضأ في الإناء الذي يؤكل فيه، أو الذي يعجن فيه، أو الذي يشرب منه عند الحاجة، أنه لا بأس بذلك، ولا يقال: ما كان يستعمل للشرب لا يجوز استعماله في أمور أخرى، بل يجوز كما جاء في هذا الحديث؛ لأن هذا الذي يستعمل للعجن الذي هو قصعة فيها أثر العجين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجه أم المؤمنين ميمونة يغتسلان من ذلك الإناء، فهو دال على جواز ذلك، وأنه لا مانع منه، وقد فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث أم هانئ: (إن رسول الله اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين) قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، وقد تقدم في الإسناد الذي قبل هذا. [حدثنا عبد الرحمن]. وهو ابن مهدي، الثقة الإمام المحدث، الذي مر ذكره كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا إبراهيم بن نافع]. إبراهيم بن نافع ثقة، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن أبي نجيح]. وهو عبد الله بن أبي نجيح، وقد مر ذكره، وخرج له الجماعة. [عن مجاهد]. وهو مجاهد بن جبر المحدث، المفسر، المشهور، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى.[عن أم هانئ]. وأم هانئ مر ذكرها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.إذاً فإسناد الحديث فيه أولاً محمد بن بشار، ثم عبد الرحمن بن مهدي، ثم إبراهيم بن نافع، ثم عبد الله بن أبي نجيح، ثم مجاهد، ثم أم هانئ، وهؤلاء الستة حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، ومن دون الصحابية كلهم من الثقات. الأسئلة حكم الأوامر الشرعية الواردة في باب الآداب والإرشاد السؤال: يا شيخ! ما صحة قول بعض العلماء: بأن الأوامر إن كانت في باب الآداب فهو محمول على الاستحباب؟الجوا ب: هذا صحيح؛ لكن هل هو مطرد دائماً وأبداً؟ لا أدري؛ لكن الغالب عليها أن هذا للاستحباب؛ لأنهم يقولون: للإرشاد، فهو للاستحباب. علاقة التشريع بغير ما شرع الله بالشرك السؤال: هل هناك شرك يدخل في شرك الحاكمية؟الجواب : قضية شرك الحاكمية، أولاً الحاكمية هي داخلة في توحيد الألوهية، فمن جعل مع الله شريكاً في حكمه، بحيث يشرع من الدين ما لم يأذن به الله، فهذا شرك وكفر، ومن قال: إن غير الله عز وجل يشرع كما يشرع الله، فلا شك أن هذا كفر بالله عز وجل؛ لأنه جعل التشريع لغيره، مع أن التشريع إنما هو له سبحانه وتعالى فيما أوحاه إلى رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. الفرق بين الكمال الواجب والكمال المستحب في باب التوحيد السؤال: نرجو من فضيلة الشيخ توضيح هذه العبارة: ما ينافي كمال التوحيد الواجب، وما ينافي كماله المستحب.الجواب: الذي ينافي كمال التوحيد الواجب هو الذي يعاقب من أخل به، ويأثم من أخل به، وهو الذي يأتي فيه نفي الإيمان؛ لأن نفي الإيمان لا يأتي إلا لشيء هو كمال واجب، فلا ينفى الإيمان عن كمال مستحب؛ لأن الكمال الواجب هو الذي يأثم الإنسان إذا حصل منه إخلال؛ لأنه واجب، وأما الكمال المستحب فلا يأثم الإنسان في تركه؛ فكما هو معلوم لو ترك الإنسان التصدق، فإنه لا يأثم؛ لأنه ما ترك واجباً، وإنما ترك كمال المستحب فهذا هو الفرق بين الكمال الواجب، والكمال المستحب، فالكمال الواجب لا يأتي نفي الإيمان عن أحد إلا فيما هو كمال للواجب، فلا يأتي فيما هو كمال المستحب، والكمال المستحب هو الذي إذا حصل من الإنسان زاد فضله ونبله، وإذا ما حصل منه شيء؛ فإنه لا يأثم، مثل الأمور المستحبة التي من فعلها فإنه يثاب عليها، ومن لم يفعلها فإنه لا يعاقب على تركها. معنى حديث ابن عباس: (احفظ الله تجده تجاهك) السؤال: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احفظ الله تجده تجاهك)، قال شارح الحديث: أي: تجده معك بالحفظ، والإحاطة، والتأييد، والإعانة، فهل الواجب والصحيح أن نقول بمثل ذلك؟ الجواب: هذا حديث ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم لـابن عباس (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، ومن المعلوم أن الله عز وجل تجاه الإنسان، وأن الإنسان أينما توجه فوجهه إلى الله عز وجل كما قال: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، فأينما توجه الإنسان فالله تعالى أمامه، وبيان ذلك أن السماوات والأرض ومن فيهما مثل الخردلة في كف الواحد منا، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل:60]، فمن يكون في داخل الخردلة والله تعالى محيط بها، وهي في قبضة الله عز وجل ليست شيئاً، فأينما توجه فالله سبحانه وتعالى أمامه، فيحتمل أن يكون معنى هذا الحديث هو هذا، وأن الله عز وجل معه وأنه مطلع عليه، وأيضاً هناك معنىً آخر، وهو أنه يجد ثمرة ذلك، وثواب حفظ الله عز وجل يجده أمامه وتجاهه في الدار الآخرة، وكل هذا صحيح، فهذا حاصل وواقع في الدار الآخرة، وهو أنه يجد ثواب ذلك، فكل من المعنيين ممكن، وهما حاصلان ولا تنافي بينهما. إنكار المشركين لتوحيد الأسماء والصفات السؤال: هل من المشركين من أنكر توحيد الأسماء والصفات جهلاً أو عناداً؟ وكيف ذلك؟ الجواب: نعم، جاء ذلك في القرآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب في صلح الحديبية قال: (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. قالوا: لا تكتب، اكتب: باسمك اللهم)، وقد جاء في القرآن: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110]، فهم كانوا ينكرون ذلك، لا يصفونه بهذا ويقولون: يكتب باسم الله فقط، أو باسمك اللهم. بيان ركني توحيد الألوهية السؤال: ذكر بعض أهل العلم أن لتوحيد الإلوهية ركنين هما: الصدق والإخلاص، فهل هذه فقط هي أركان توحيد الإلوهية؟ الجواب: توحيد الألوهية له ركنان، وهما: الإخلاص والمتابعة، ومن المعلوم أن الصدق هو داخل في الإخلاص؛ لأن من أخلص لله عز وجل فهو صادق؛ لكن الشرطين اللذين لا بد منهما في توحيد الألوهية وفي أي عمل من الأعمال يرجى الثواب فيه من الله عز وجل، هما: الشرط الأول: تجريد الإخلاص لله وحده، فلا يجعل مع الله شريكاً في العبادة، الشرط الثاني: وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد الله بالبدع والمحدثات والمنكرات، وإنما يعبد الله عز وجل بأن تكون العبادة له خالصة، وأن تكون لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مطابقة وموافقة، كما جاء عن فضيل بن عياض في تفسير قول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف:110]، قال: العمل المقبول هو الأخلص الأصوب، قيل: ما الأخلص الأصوب؟ قال: الأخلص ما كان لله، والأصوب ما كان على السنة. فإذاً لا بد في كل عمل من الأعمال يتقرب به إلى الله عز وجل أن يكون مشتملاً على هذين الشرطين: الشرط الأول: الإخلاص لله وحده، فلا يشرك مع الله غيره في العبادة. والشرط الثاني: أن يكون وفقاً للسنة، ولا يكون مبنياً على بدع ومحدثات؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).فهذان هما ركنا العمل المقبول عند الله عز وجل، وهو معنى أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فأشهد أن لا إله إلا الله المقصود بها: الإخلاص لله وحده، وأشهد أن محمداً رسول الله تعني: متابعته عليه الصلاة والسلام، وألا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته، ولهذا جاء في الثلاثة الأصول للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في تفسيره: أشهد أن محمداً رسول الله قال: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، يعني: المتابعة، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]. بعض مصطلحات المحدثين في الجرح والتعديل السؤال: ما رأي فضيلة الشيخ أننا إذا مررنا ببعض المصطلحات نحو ثقة، أو ثقة ثبت، أو صدوق، ونحو ذلك من العبارات، أن يوضح لنا فضيلة الشيخ معناها؟ وماذا تأثيرها على الإسناد؟ لأن بعضنا لا يتيسر له حضور درس المصطلح، وجزاكم الله خيراً. الجواب: ألفاظ التعديل عندهم أن اللفظة إذا تكررت، سواءً بلفظها أو بمعناها، فهذه زيادة في التوثيق، ومن حصل له الوصفان فهو أعلى ممن حصل له وصف واحد، فمن قيل فيه: ثقة ثبت، أو ثقة حجة، فهو أعلى ممن قيل فيه: ثقة فقط؛ لأن درجات التعديل أولاً ما فيه مبالغة كأن يقال: إليه المنتهى بالتثبت، أو يقال: أمير المؤمنين في الحديث، فهذه تعتبر في القمة، ثم يلي ذلك ما كان بوصفين، يعني سواءً كانا مترادفين: كثقة ثقة، أو ثقة ثبت، أو ثقة حافظ، أو ثقة حجة، فما كان في الجمع بين وصفين، فهو أعلى ممن لم يحصل له إلا وصف واحد، ثم يليه ما كان في وصف واحد مثل: ثقة، ثم دون ذلك صدوق، وقد يكون عند بعض الأشخاص الوصف ولكن عنده نقص فيه، لكن هذا النقص يتفاوت، منه ما يقال فيه: يهم، ومنه ما يقال: كثير الأوهام، أو يهم كثيراً، وهو أشد من قول: صدوق يهم، أو صدوق له أوهام، فصدوق يهم، وصدوق له أوهام، هذه أخف من قول: يهم كثيراً، وكذلك صدوق أيضاً، يأتي معها مثل ذلك الوصف. الاستدلال بإجماع العلماء الموافق لمعنى حديث ضعيف السؤال: هناك بعض الأحاديث الضعيفة كحديث: (الماء طهور إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه)، فهذه الزيادة ضعيفة؛ ولكن العلماء أجمعوا على معناها، فكيف يجمع العلماء على حديث ضعيف؟ وما الضابط في مثل ذلك؟ الجواب: نعم، الزيادة هذه ضعيفة، وهي من رواية رشدين بن سعد المصري، وهو ضعيف وفيه غفلة، فلا يعول عليها؛ لكن معناها أجمع عليه العلماء، وقد اختلف العلماء في الإجماع: هل يكون مستنداً إلى نص؟ أو يكون هو نفسه حجة بدون أن يستند إلى نص؟ فمن العلماء من قال: إنه لا يكون الإجماع إلا مستنداً إلى نص، قد يعلم ذلك وقد لا يعلم، وقد يعرفه البعض، وقد لا يعرفه البعض، وذلك النص قد يكون دليلاً، وقد يكون قياساً، وقد يكون عموماً، المهم أن يكون له أساس من الشرع، وأساس من الدين، وهذا الحديث من هذا القبيل؛ لأن ما غلب على لونه، وريحه، وطعمه، أي: من النجاسة، فهذا يؤثر فيه مطلقاً، سواءً كان قليلاً أو كثيراً؛ لكن الماء القليل الذي دون قلتين ينجس ولو لم يتغير لونه، وطعمه، وريحه؛ لأنه لا يدفع الحدث ولا يحمله، كما جاء في الحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، يعني: إن الماء القليل يؤثر فيه الخبث، والماء الكثير لا يؤثر فيه الخبث، فإذا غير اللون، والطعم، والريح، سواءً كان قليلاً، أو كثيراً فهذا يعتبر نجساً.فكما قلت: بعض العلماء يقول: إن الإجماع يكون مستنداً إلى نص، وليس بلازم أن يكون هذا النص مستنداً للإجماع، بل قد يكون غيره؛ لكن المسألة إجماعية، ومن ذلك حديث: (كل قرض جر نفعاً فهو رباً)، الحديث في هذا ضعيف جداً، قال عنه الحافظ في البلوغ: إسناده واهٍ، ومع ذلك أجمع العلماء على أن (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه معارج الوصول إلى معرفة أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، قال في هذا الكتاب، ونقل عن ابن حزم أنه قال: ما من مسألة أُجمع عليها إلا وهي مستندة إلى نص، إلا مسألة القراض، فقال ابن تيمية رحمه الله: وهذه المسألة أيضاً مستندة إلى نص؛ لأن القراض كان معروفاً في الجاهلية، وكانوا يتعاملون به، ويدفع بعضهم المال للآخر على أن يعمل فيه، وبينهم الربح على نسبة يتفقان عليها، فكان شيئاً معمولاً به في الجاهلية، فجاء الإسلام وأقره، وإقرار الإسلام لعمل من أعمال الجاهلية، معناه: أنه حكم شرعي بحصول الإقرار؛ لأن من أعمال الجاهلية ما جاء الإسلام بمنعه وبإبطاله، ومنها ما جاء الإسلام بإقراره، مثل: مسألة المضاربة، ومثله الذي في النكاح، كما جاء في حديث عائشة: كانت المرأة في الجاهلية يزوجها وليها ولا تزوج نفسها، وإنما وليها هو الذي يتولى زواجها، فهذا حكم كان في الجاهلية، فجاء الإسلام وأقره، فمن أعمال الجاهلية -مما كان معروفاً في الجاهلية- وجاء الإسلام بإقراره ومشروعيته، فكان ثابتاً بمجيئه في الإسلام، وإقرار ذلك العمل، والمضاربة من هذا القبيل. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (74) - (باب ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة) إلى (باب إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده) لا يجب على المرأة نقض شعرها في الغسل إلا الحائض عند إرادة الإحرام فإنه يجب عليها أن تنقض شعرها، ويجب على الجنب أن يزيل الأذى والأوساخ التي علقت به سواء في يده أو جسده. ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة شرح حديث أم سلمة في ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة. أخبرنا سليمان بن منصور عن سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضها عند غسلها من الجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضين على جسدك)]. يقول النسائي رحمه الله: باب ذكر ترك نقض المرأة رأسها عند الاغتسال من الجنابة. هذه الترجمة معقودة لبيان أن المرأة لا يلزمها ولا يجب عليها أن تنقض ضفائرها عند إرادة الاغتسال من الجنابة، بل لها أن تبقيها وأن ترويها بالماء، وأن تصب عليها الماء حتى تروى، وأما نقضها فإن ذلك ليس بلازم، هذا هو مقصود الترجمة التي عقدها النسائي رحمه الله، وقد أورد تحتها حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنها كانت تشد ضفر رأسها، أفتنقضها عند الاغتسال من الجنابة؟ فقال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين الماء -أي على جسدك)، فكونها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقض شعر رأسها عند الاغتسال من الجنابة وأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكفيها أن تحثو عليه ثلاث حثيات يدل على أن نقض شعر الرأس ليس بلازمٍ للمرأة، بل لها أن تغتسل وضفائر شعرها مشدودة؛ لكن ترويها بالماء، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو أن المرأة لا تحتاج ولا يلزمها أن تنقض شعر رأسها عند الاغتسال من الجنابة. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند اغتسالها من الجنابة قوله: [أخبرنا سليمان بن منصور].هو سليمان بن منصور البلخي، ويلقب زرغندة، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي، وقد مر ذكره فيما مضى.[عن سفيان]. وسفيان هنا غير منسوب، ويحتمل سفيان بن عيينة ويحتمل سفيان الثوري، وفي ترجمة أيوب بن موسى قيل: إنه روى عنه السفيانان، وفي ترجمة سليمان بن منصور كما في تهذيب التهذيب: إنه روى عن ابن عيينة، فيكون هذا المهمل الذي لم ينسب هو: سفيان بن عيينة، ولم يذكر الثوري، وابن عيينة ثقة حجة إمام، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً، وقد صرح بأنه ابن عيينة كما عند مسلم وأبي داود.وإذا كان قد صرح به في الأسانيد، فهذه من الطرق التي يعرف بها، أو بل هي من أهم وأفضل الطرق التي يعرف بها تعيين المهمل، وذلك أن ينظر في الأسانيد، فإذا كان مصرحاً بتسميته في بعضها فيكون ذلك واضحاً في بيان المراد، ومن الطرق الأخرى -وهي التي أشرت إليها-: أن ينظر في التلاميذ والشيوخ؛ لأنه في ترجمة سليمان بن منصور ما ذكروا أن من شيوخه الثوري، وإنما ذكروا ابن عيينة من شيوخه.[عن أيوب بن موسى].وهو أيوب بن موسى، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سعيد بن أبي سعيد].وهو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وقد مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن رافع].وهو المدني، وكنيته أبو رافع، فيذكر بكنيته ويذكر باسمه، وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأن أبا رافع، هو عبد الله بن رافع، فكنيته توافق اسم أبيه، فقد ذكرت مراراً أن من الأمور المهمة في علم المصطلح، معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وذلك لدفع احتمال التصحيف فيما إذا كان مشهوراً أو من بعض الناس يعرفه مشهوراً بنسبه، ثم يذكر بكنيته مع اسمه، فمن لا يعرف يظن أن ذلك تصحيف، فكونه مشهوراً بأنه عبد الله بن رافع، قد يأتي في بعض الأسانيد: عبد الله أبا رافع، فيظن بعضهم أن كلمة أبو مصحفة عن ابن؛ لكن من عرف أن كنيته أبو رافع، وهو عبد الله بن رافع، يعلم أنه لا تصحيف، وأنه إن جاء بابن فهو على النسب، وإن جاء بلفظ أبي فهو على الكنية ولا لبس في ذلك، وهو ثقةٌ، وخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن أم سلمة].وهي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها كثيراً، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. ذكر الأمر بذلك للحائض عند الاغتسال للإحرام شرح حديث عائشة في أمر الحائض بنقض شعر رأسها عند الاغتسال للإحرام قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الأمر بذلك للحائض عند الاغتسال للإحرام. أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا أشهب عن مالك: أن ابن شهاب وهشام بن عروة حدثاه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فأهللت بالعمرة، فقدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج ودعي العمرة، ففعلت، فلما قضينا الحج، أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك). قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث غريب من حديث مالك عن هشام بن عروة لم يروه أحد إلا أشهب]. أورد النسائي رحمه الله ترجمة وهي: الأمر بذلك للحائض عند الاغتسال للإحرام، أي: أمر الحائض عند الاغتسال للإحرام بنقض شعر رأسها عند ذلك الاغتسال، وقد أورد فيه حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضها في قصة حجها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وأنها أحرمت بالعمرة مثل أمهات المؤمنين؛ لأنهن أحرمن بالعمرة متمتعات، ولما كانوا في الطريق حاضت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ثم إنه جاء وقت الحج والحيض عليها، ولم تطف بالبيت ولم تسع بين الصفا والمروة للعمرة، ومعنى ذلك أن الحج قد وصل، وهي لم تنتهي من عمرتها، فأمرها الرسول عليه الصلاة والسلام أن تنقض شعرها وتمتشط وتستعد للإحرام، فتدخل الحج على العمرة، فتحرم بالحج وتكون قارنة؛ لأن الإحرام بالعمرة باق، وهو غير منتهي، بل هو باق في ذمتها، ولم يحصل لها ذلك لعدم طهارتها من الحيض، فلما جاء الحج أمرها رسول الله عليه الصلاة والسلام أن تحرم بالحج فتدخله على العمرة.فلما فرغ الناس من الحج طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتمر، وأبدت رغبتها الشديدة في ذلك وتأثرها لعدم تمكنها من الإتيان بالعمرة المستقلة، كالذي حصل لأمهات المؤمنين اللاتي كن محرمات بعمرة، ولم يحصل لهن ما حصل لها، فتمكنَّ من أداء العمرة وحدها، وطفن طوافين وسعين سعيين، طواف وسعي للعمرة وطواف وسعي للحج، أما عائشة فلم تطف إلا طوافاً واحداً، وسعياً واحداً وهو لحجها وعمرتها، لكنها رأت أن لم يحصل منها زيادة في العمل الذي حصل من غيرها من المعتمرات المتمتعات اللاتي لم يحصل لهن ما حصل لها من الحيض، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (يكفيك طوافك وسعيك لحجك وعمرتك)؛ لأنها كانت قارنة، والقارن طوافه وسعيه بعدما يأتي من عرفة لحجه ولعمرته، فهي كذلك مثل قارنيه، طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة لحجها وعمرتها، فقالت: يرجع الناس بطوافين وسعيين، وأرجع بطواف واحد وسعي واحد، قال: (إنما ذلك لحجك وعمرتك)، فألحت عليه، فأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يذهب معها إلى التنعيم فاعتمرت، وأتت بعمرة مستقلة. والرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه لم يذهبوا إلى العمرة، بل لم يأت عبد الرحمن الذي ذهب معها بعمرة، إذاً: فهذا يدل على أن العمرة في حق الحجاج الذين يأتون للحج ويعتمرون من التنعيم ويكررون ذلك، أنه لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول ما فعله ولا فعله أصحابه، وإنما أذن لـعائشة لما ألحت بسبب أنه فاتها ما حصل لأمهات المؤمنين من أنهنّ طفن وسعين للعمرة عندما دخلن مكة وطفن وسعين للحج بعد الحج، فكان عملها في نظرها لا يتفق مع عمل أمهات المؤمنين اللاتي طفن طوافين وسعين سعيين.والمقصود من الحديث هو: كون الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنقض شعرها عند إرادة الإحرام للحج وإرادة الاغتسال له، وهذا يدل على ما ترجم له المصنف. والمقصود بكونها تدع العمرة ليس معناه أنها ترفضها وتلغيها؛ لأن الإحرام قد وجد، ولا يتخلص من الإحرام بعد وجوده إلا في النهاية؛ لأن الله عز وجل يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فإذا أحرم إنسان بحج أو عمرة فعليه أن يتمه ولو كان ذلك نفلاً، وليس له أن يرفضه وأن يتركه، وإنما قوله: (دعي العمرة)، يعني: دعي أعمالها من طواف وسعي؛ لأنها حائض، والحائض لا يمكنها أن تطوف وتسعى، إذاً فالإحرام بالعمرة موجود ومستمر، وإنما أضيف إليه الإحرام بالحج، فصار الحج أو الإحرام بالحج مضموماً إلى الإحرام بالعمرة الذي كان موجوداً من قبل.وأما قوله: (دعي عمرتك)، يعني: تدع أعمالها، بمعنى أنها لا تستمر فيها لأن الحج قد وصل، ولو استمرت في انتظارها فقد يفوتها الحج، والحج هو يوم عرفة، ومن فاته الوقوف فاته الحج، فقوله: (دعي العمرة)، يعني: دعي أعمالها، ولا تستمر بها وحدها حتى تطوف وتسعى؛ لأنه يترتب على ذلك فوات الحج، فهذا هو المقصود بأمرها بأن تدع عمرتها، وذلك أنه فيما بعد قال: (طوافك وسعيك لحجك وعمرتك)، يعني: أنها قارنة. [(قالت: ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك)]. يعني: التي كانت فاتتها، حيث أنها لم تعمل أعمالها مستقلة، وإلا فإنها قد اعتمرت، وعمرتها هذه الثانية؛ لأن عائشة اعتمرت في تلك السفرة مرتين: مرة العمرة المقرونة مع الحج، ومرة هذه التي جاءت بعد الحج، وكونها مكانها، يعني: من حيث إنها طافت طوافاً مستقلاً، وسعت سعياً مستقلاً، وليس معنى أن تلك ألغيت وأن هذه عوض عنها وأنها تحل محلها؛ لأن العمرة التي أحرمت بها من ذي الحليفة قد أُدخل عليها الحج، فحصل الطواف والسعي للحج والعمرة معاً؛ ولكن العمرة التي حصلت لأمهات المؤمنين، وكونهن طفن طوافاً مستقلاً وسعياً مستقلاً، فهذا هو الذي حصل لها بهذه العمرة فيما بعد، وبهذا تكون عائشة رضي الله عنها اعتمرت في تلك السفرة مرتين: الأولى: العمرة المقرونة مع الحج، والثانية: هذه العمرة التي جاءت بعد الحج. قوله: [قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث غريب من حديث مالك عن هشام بن عروة لم يروه أحد إلا أشهب]. أي إن أشهب انفرد بروايته عن مالك من حديث عروة، وهو معروف عن مالك عن الزهري ومشهور بهذا، وأكثر أصحاب مالك رووه عنه من طريق الزهري؛ لكن روايته عن مالك عن هشام بن عروة لم يحصل إلا عن طريق أشهب، فهو غريب بهذا الاعتبار، أي: باعتبار تفرد أشهب به عن مالك، ولا يؤثر ذلك على صحة الحديث شيئاً، بل الحديث ثابت من ذلك الطريق، وهو أيضاً عنده طريق أخرى، وهو أنه يرويه عن مالك عن هشام بن عروة عن عروة. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في أمر الحائض بنقض شعر رأسها عند الاغتسال للإحرام قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].وهو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم والنسائي وابن ماجه . [عن أشهب]. هو أشهب بن عبد العزيز بن داود المصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أبو داود والنسائي. [عن مالك]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن حارث بن زهرة بن كلاب، مشهور بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب فيقال: الزهري، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب فيقال له: ابن شهاب، وهو جد وليس قريباً، وإنما هو جد جده، إذاً فهو مشهور بنسبته إلى شهاب وإلى جده زهرة بن كلاب الذي هو أخو قصي بن كلاب، وعند ذلك يلتقي مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم. و الزهري هو إمام محدث، فقيه مشهور، ومكثر من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو الذي قام بتدوين السنة بتكليفٍ من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، والذي يقول فيه السيوطي في ألفيته: أول جامع الحديث والأثرابن شهابٍ آمرٌ له عمر[وهشام].هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عروة بن الزبير].عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة].هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها من الإفك في آياتٍ تتلى من كتاب الله عز وجل، ومناقبها جمة، وفضائلها كثيرة، وهي من أوعية العلم وأوعية السنة، وقد حفظت الكثير من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي الصحابية الوحيدة التي اشتهرت بكثرة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي واحدة من سبعة رواة زادت أحاديثهم على ألف حديث، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته في بيتين من الشعر، حيث يقول: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبيوقد مر ذكرها كثيراً رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلهما الإناء شرح حديث: (إن رسول الله كان إذا اغتسل من الجنابة... فيصب على يديه قبل أن يدخلهما الإناء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلهما الإناء.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا الحسين عن زائدة حدثنا عطاء بن السائب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثتني عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة وضع له الإناء، فيصب على يديه قبل أن يدخلهما الإناء، حتى إذا غسل يديه أدخل يده اليمنى في الإناء، ثم صب باليمنى وغسل فرجه باليسرى، حتى إذا فرغ صب باليمنى على اليسرى فغسلهما، ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، ثم يصب على رأسه ملء كفيه ثلاث مرات، ثم يفيض على جسده)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: غسل الجنب يديه قبل إدخالهما في الإناء عند الاغتسال من الجنابة، ومراده من هذه الترجمة: أن الجنب إذا أراد أن يغتسل، فإنه يفرغ على يديه من الإناء ولا يغمسهما في الإناء قبل غسلهما، بل يفرغ عليهما بحيث يصغي الإناء حتى يصب فيغسلهما، هذا هو المقصود من الترجمة. وقد عرفنا فيما مضى أن غسل الأيدي خارج الإناء مطلقاً مطلوب ومستحب في جميع الأحوال، يعني: كون الإنسان يريد أن يغتسل فإنه قبل أن يدخل يديه في الإناء يغسلهما بدون أن يدخل اليد في الماء، وإنما يميل الإناء حتى يصب على يده فيغسلهما، ثم بعد غسلهما يدخل يده اليمنى في الإناء ويستخرج الماء بها، ويصبه على يده اليسرى أو يجمع به في يديه جميعاً، إلا فيما يتعلق بالقيام من نوم الليل، فهذا ورد فيه الحديث الذي سبق أن مر، وهو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يغسلهما ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء، حيث قال: (إذا قام أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثاً)، وهو أول حديث في سنن النسائي.وقد اختلف العلماء في حكمه؛ فمنهم من قال: إن الغسل خارج الإناء واجب، ومنهم من قال: إنه مستحب، أما ما عدا ذلك، أي: ما عدا غسل اليدين بعد القيام من النوم، فإنه مستحبٌ في جميع الأحوال، حتى ولو كان الإنسان متحقق نظافة اليدين، فإنه يغسلهما عند إرادة الوضوء أو إرادة الاغتسال قبل أن يدخلهما في الإناء. وقد أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها وصفت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إذا أراد أن يغتسل وضع له إناؤه، فيدخل يديه فيغسلهما، ثم بعد ذلك يدخل يده اليمنى ويأخذ بها الماء ويصبه على يده اليسرى، ثم يغسل بها فرجه. تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان إذا اغتسل من الجنابة... فيصب على يديه قبل أن يدخلهما الإناء...) قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان]. هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو من شيوخ النسائي، وقد أكثر عنه النسائي، وهو ثقة، ولم يخرج حديثه إلا النسائي.[حدثنا الحسين]. هو الحسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن زائدة]. هو زائدة بن قدامة الثقفي أبو الصلت، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن عطاء بن السائب].هو عطاء بن السائب الكوفي الثقفي، وهو صدوق، اختلط حديثه، خرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن سابعهم اختلف فيه: هل هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؟ أو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؟ أو سالم بن عبد الله بن عمر؟ والستة الباقون متفق عليهم، ولا خلاف في عدهم ضمن الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، في عصر التابعين. [عن عائشة]. وقد مرَّ ذكرها قريباً. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
ذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء شرح حديث عائشة في غسل النبي يديه ثلاثاً في غسل الجنابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء. أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد أخبرنا شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي سلمة قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرغ على يديه ثلاثاً، ثم يغسل فرجه، ثم يغسل يديه، ثم يمضمض ويستنشق، ثم يفرغ على رأسه ثلاثاً، ثم يفيض على سائر جسده)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة باب: ذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وذكر عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، فالترجمة السابقة هي لذكر الغسل ومشروعيته، وهذه الترجمة لذكر عدده، وقد أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه: ( إن الرسول صلى الله عليه وسلم يفرغ على يديه ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء، ثم يغسل فرجه، ثم يغسل يديه بعد غسل فرجه، ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يحثو على رأسه ثلاثاً، ثم يفيض الماء على سائر جسده ). والمقصود من الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يفيض على يديه من الإناء عند الاغتسال من الجنابة قبل أن يدخلهما في الإناء، ثم يفرغ على يديه ثلاثاً، بمعنى أنه يميل الإناء الذي يتوضأ به حتى يصب على اليد خارج الإناء فيغسلهما ثلاثاً، فإذاً فيه: مشروعية غسل اليدين ثلاثاً، وذلك مستحب. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في غسل النبي يديه ثلاثاً في غسل الجنابة قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو شيخ النسائي كما في الإسناد المتقدم.[عن يزيد]. يزيد هنا غير منسوب، وهو: يزيد بن هارون، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة]. وهو شعبة بن الحجاج الذي مر ذكره كثيراً، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وبقية الإسناد هو الإسناد المتقدم قبل هذا. إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه شرح حديث عائشة في إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه قال المصنف رحمه الله تعالى: [إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه. أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا النضر أخبرنا شعبة حدثنا عطاء بن السائب قال: (سمعت أبا سلمة أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فسألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة؟ فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالإناء، فيصب على يديه ثلاثاً فيغسلهما، ثم يصب بيمينه على شماله فيغسل ما على فخذيه، ثم يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق، ويصب على رأسه ثلاثاً، ثم يفيض على سائر جسده)]. ذكر النسائي ترجمةً أخرى وهي: إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه، وأورد فيه حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام بعدما يفرغ على يديه ثلاثاً، يغسل فرجه وما علق بفخذيه من أثر الجنابة، ثم يغسل يديه، يعني: بعدما علق بهما من ذلك الأثر فيغسلهما ثم يتمضمض.والمقصود أن الترجمة يراد بها: أنه بعد غسل اليدين يغسل ما أصاب جسده من أثر الجنابة، يعني: يغسل فرجه وما أصاب جسده إذا كان قد أصابه شيء من أثر الجنابة. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إزالة الجنب الأذى عن جسده بعد غسل يديه قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان، وهو ثقة، وخرج حديثه الجماعة إلا أبا داود.[حدثنا النضر]. وهو النضر بن شميل، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أخبرنا شعبة]. أخبرنا شعبة، وعند ذلك يتفق مع الإسناد الذي قبل هذا. إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده شرح حديث عائشة في إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عمر بن عبيد عن عطاء بن السائب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: (وصفت عائشة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، فقالت: كان يغسل يديه ثلاثاً، ثم يفيض بيده اليمنى على اليسرى فيغسل فرجه وما أصابه. قال عمر: ولا أعلمه إلا قال: يفيض بيده اليمنى على اليسرى ثلاث مرات، ثم يتمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، ثم يفيض على رأسه ثلاثاً، ثم يصب عليه الماء)].باب إعادة غسل الجنب يديه بعد إزالة الأذى عن جسده، والمقصود من هذه الترجمة: هو بيان أنه بعدما يغسل يديه خارج الإناء أولاً، ثم يغسل فرجه وما أصاب جسده، عند ذلك يعيد غسل يديه؛ من أجل إزالة ما علق بهما من أثر ذلك الذي أزاله من فرجه وفخذيه وما أصاب من جسده؛ فغسل اليدين بعد ذلك لهذه الحكمة، ولهذه الفائدة، فهذا هو المقصود من هذه الترجمة، وقد أورد فيه حديث عائشة من طريق أخرى، وهو دال على ما ترجم له المصنف. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة ثبت، محدث فقيه إمام، وقد وصف بأنه من أمراء المؤمنين في الحديث؛ لأن جملة من المحدثين أطلق عليهم هذا الوصف، ومنهم: إسحاق بن راهويه وشعبة وسفيان الثوري والبخاري، وجماعة آخرين وصفوا بهذا الوصف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، وكلمة (راهويه) عند أهل اللغة: تكون مختومة بـ(ويه)، فالواو تكون مفتوحة والياء ساكنة، وأما عند المحدثين: فتكون الياء مفتوحة والواو ساكنة وما هو قبل الواو مضموم، وهذه الألفاظ ليست عربية، وليست اسماً عربياً.[أخبرنا عمر بن عبيد].هو عمر بن عبيد بن أبي أمية، وهو صدوق، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء بن السائب].وبعد ذلك يتفق هذا الإسناد مع الأسانيد السابقة. الأسئلة مدى عموم النهي في ترجيل الشعر كل يوم السؤال: هل النهي عن الترجل كل يوم عام للرجال والنساء؟ الجواب: والله الذي يبدو أنه عام؛ لكونه جاء باستمرار؛ لأن هذا من الترفه، وطبعاً هو للتنزيه وليس للتحريم، فالفعل لا بأس. مدى صحة قول: (اللهم عاملنا برحمتك ولا تعاملنا بعدلك) السؤال: هل يصح أن يقول القائل في الدعاء: اللهم عاملنا برحمتك ولا تعاملنا بعدلك؟ أم يقول: اللهم عاملنا بعدلك ورحمتك؟ وهل الرحمة منفصلة عن العدل؟ الجواب: معلوم أن الثواب والإحسان إنما هو بفضل الله عز وجل، وأما ما يحصل من عقوبة وما يحصل من ضرر فهو بعدله سبحانه وتعالى؛ لأن كل ما يحصل من الله عز وجل لعباده فهو عدلٌ، وما يحصل من ثوابٍ فهو بفضله، كقول الشاعر: ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائعإن نعموا فبفضله أو عذبوا فبعدله وهو الكريم الواسعإن نعموا فبفضله، أو عذبوا فبعدله، فتعذيبهم إياه بالعدل؛ لأن حصول ما يحصل من ضرر هو بالعدل، وأما ما يحصل من ثواب وإحسان فهو فضل وامتنان، فهو فضل من الله عز وجل، وامتنان على من حصل له ذلك الفضل، وهذا هو المقصود بالمعاملة بالعدل، فبعض الناس إذا أراد أن يدعو على أحد دعا أن يعامله بعدله، يعني: يدعو عليه بأن يصيبه شيء. الواجب على من حصل لها كما حصل لعائشة رضي الله عنها في الحج السؤال: المرأة التي حصل لها مثل ما حصل لـعائشة رضي الله عنها، هل تفعل مثل ما فعلت؟ الجواب: المرأة التي يحصل لها مثل ما يحصل لـعائشة وتريد أن تفعل فلها أن تفعل، وإن أرادت أن تكتفي بما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم عائشة فيكفيها ذلك؛ لكن إن أرادت فلها أن تفعل ذلك كما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنها. شكوى عدم الإخلاص في العمل الخيري السؤال: إذا أردت أن أقوم بعمل خيري أريد به وجه الله، تأتيني أفكار كأني لا أريد به وجه الله، وبعد ذلك لا أخلو من حالين: إما أن أحجم، أو أحجم على ضعف، ولا أثق من نفسي.الجواب: الإنسان إذا أراد فعل خير فيعمل، ويحرص على أن يكون الحافز له والدافع له على ذلك الثواب من الله عز وجل، ولا يكون الدافع له أن يمدح وأن يحمد وأن يثنى عليه، ويقال: فلان يفعل كذا، وفلان يتصدق، وفلان كذا، وإنما يكون الدافع له طلب وجه الله عز وجل والدار الآخرة، وأن يحصل الثواب على هذا العمل من الله سبحانه وتعالى، فهذا هو الواجب على الإنسان عندما يريد أن يعمل عملاً، وإذا انقدح في ذهنه أن هذا قد يكون فيه رياء وأنه قد يترتب على ذلك إحجام، فهذا من عمل الشيطان الذي يريد أن يحول بين الإنسان وبين الخير، وإنما عليه أن يعزم ويصمم، وأن يبعد تلك الهواجس وتلك الوساوس عن نفسه، ويكون الدافع له والحافز له على ذلك هو وجه الله، ويصرف الوساوس والهواجس التي تطرأ عليه والتي قد تكون سبباً في تركه ذلك العمل الطيب الذي يفكر فيه. توجيه قول النسائي في التراجم: باب وإهماله في البعض الآخر السؤال: لماذا يذكر النسائي رحمه الله في بعض التراجم باب، وفي بعضها لم يذكر؟ الجواب: لا أدري لماذا يذكر النسائي في بعض التراجم باب، وفي بعضها بدون ذكر الباب. مقدار المسافة بين السترة والمصلي السؤال: هل للسترة مقدار محدد؟ الجواب: المصلي يتخذ سترة وتكون قريبة منه، فيقرب منها، وأما إذا لم يكن له سترة فالمقدار ثلاثة أذرع من موضع قدمه، بعد ذلك يصح للإنسان أن يمر بعد تلك المسافة، هذا إذا لم يكن له سترة، وأما إذا كان له سترة فيمر المار من ورائها. وضع المسبوق للسترة بعد سلام الإمام من الصلاة السؤال: هل يشرع للإنسان -مثلاً- وهو يصلي في الجماعة -وقد جاء متأخراً- أن يضع شيئاً يستره أو يستتر به بعدما يسلم الإمام والناس يخرجون ويمرون؟الجواب: ليس للإنسان عندما يكون مسبوقاً ثم يدخل في الصلاة أن يبحث عن شيء يضعه أمامه، وإنما إذا كان أمامه عمود أو أمامه شيء يمكن أن يقرب منه ويتخذه سترة فلا بأس بذلك، أما كونه يتحرك من أجل أن يبحث له عن شيء يضعه فهذا ليس مطلوباً منه. غسل الجنابة والجمعة بنية واحدة السؤال: إذا اغتسل رجل من الجنابة في يوم الجمعة، هل يجزئ ذلك الغسل للجمعة؟ وهل يجوز إدخالهما في نية واحدة أم لكل واحدة منهما نية؟ الجواب: نعم، غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة، فإذا اغتسل الإنسان من الجنابة فإنه يجزيه عن غسل الجمعة، وإذا كان الإنسان عليه جنابة، واغتسل وأراد بذلك غسل الجنابة وغسل الجمعة، فإن ذلك مجزئ ولا بأس به. ترك غسل اليدين في الوضوء بحجة غسلهما عقب القيام من النوم السؤال: هذا السائل يقول: إذا استيقظ الرجل من النوم ثم أراد الوضوء، فغسل يديه ثلاثاً قبل إدخالهما، فهل يعيد غسل اليدين للوضوء، أم يعتبر ذلك الغسل من الوضوء؟ الجواب: لا يعتبر ذلك الغسل من الوضوء، وعليه أن يغسل يديه، فالإنسان إذا غسل يديه قبل أن يبدأ بالوضوء (عند القيام من النوم) فإنه عندما يتوضأ أو عندما يصل إلى اليدين بعدما يغسل وجهه، فإنه يغسل كامل يديه؛ لأن غسل اليدين إنما يكون بعد غسل الوجه، ومن اليدين الكفان، فيكون غسلهما بعد غسل الوجه بأكملهما، ولا يقول في ذلك الذي غسلته في أول الأمر: لا أغسله؛ لأن غسل اليدين محله بعد غسل الوجه، وذاك الغسل إنما هو من أجل استعمال كون اليدين تدخل في الإناء؛ فهذا تمهيد لإدخالهما في الإناء بعد غسلهما، فلا يدخلهما وهو لم يغسلهما، فقبل أن يبدأ بالوضوء يغسلهما خارج الإناء، ثم يبدأ ويغسل وجهه، ثم يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه، ثم يغسل اليدين بأكملهما.وقد ذكر النسائي في السنن الكبرى ترجمة فيها ذكر الإشارة إلى الاكتفاء بغسل الذراعين دون اليدين، وهي ترجمة باب في سنن النسائي الكبرى، وأورد فيه حديثاً فيه ذكر الذراعين، أنه غسل ذراعيه، لكن هذا ليس بواضح، ومن المعلوم أن ذراع اليد كلها تعتبر ذراع، ولهذا عندما يقال: مقدار الذراع، فالمقصود به: من المرفق إلى طرف الوسطى، فكل هذا يقال له: ذراع. يعني أن: النسائي عقد تلك الترجمة، وأورد تحتها ذلك الحديث وهو ليس بواضح، ولا ينبغي للإنسان أن يتهاون في هذا الأمر حتى ولو كان ذلك محتملاً؛ فإن قطع الشك باليقين، والأخذ بالاحتياط، و(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. حكم التسمية في الوضوء قبل غسل الجنابة السؤال: ورد في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ قبل الاغتسال وضوءه للصلاة، فهل يسمي على هذا الوضوء؟الجواب: أقول: سيأتي في ذكر الوضوء كونه يتوضأ وضوءه للصلاة قبل أن يغتسل، أما الغسل الكامل المشروع هو: أن يتوضأ أولاً، ثم يغتسل، ثم في الآخر يغسل رجليه، أما الغسل المجزئ هو: أن يصب الماء على جسده بحيث يأتي الماء على سائر الجسد، فهذا الذي يحصل به الأجزاء. المشروع على من أحرمت بالعمرة من الميقات وهي حائض ثم طهرت في مكة السؤال: هل الحائض إذا أتت الميقات تحرم للعمرة؟ وإذا طهرت في مكة وكانت قد أحرمت وهي حائض، هل يلزمها أن تخرج إلى الحل؟ أي: التنعيم، أو يكفيها أن تكمل عمرتها بإحرامها الأول؟ الجواب: المرأة إذا أحرمت من الميقات فإنها إذا دخلت مكة لا تدخل المسجد ولا تطوف بالكعبة ولا تسعى بين الصفا والمروة، وإنما تنتظر حتى تطهر من حيضها، فإذا طهرت اغتسلت من الحيض، ثم دخلت المسجد وطافت وسعت وقصرت شعر رأسها، وبذلك انتهت عمرتها، ولا تحتاج إلى أن تذهب للحل أو لغير الحل؛ لأنها لا تزال محرمة من حين الميقات، وإنما الذي حصل لها هو ذلك الحيض الذي منعها من الطواف والسعي، فإذا طهرت من حيضها اغتسلت، ثم دخلت المسجد وطافت وسعت، وبذلك أنهت عمرتها. الطواف من بعد موضع السجود في حق من لم يتخذ له سترة السؤال: إذا لم يتخذ المصلي سترة، فهل يجوز الطواف من بعد موضع السجود؟ وما الدليل؟ الجواب: معلوم في مكة أن الحق في المكان للطائفين، فيمكن للإنسان أن يطوف ولو كان أمام الذي يصلي؛ لأن الذي يصلي ليس له حق أن يصلي في ذلك المكان، وإنما يبتعد عن المطاف؛ لأن الطواف إنما يكون حول الكعبة، والصلاة تكون في أي مكان من المسجد، فيمكن أن يمر بين يديه؛ لكن إذا كان الناس في المطاف قليل، وهذا الذي يصلي بينه وبين الطائفين مسافة، فلا يمر بين يديه، وإنما يبتعد عنه؛ لكن إذا احتاج إلى أن يمر بين يديه أو وصل الطائفون إلى ما بين يدي من يصلي، فليمر بين يديه، وذلك ليس له أن يصلي في هذا المكان. الاكتفاء بالغسل عن الوضوء السؤال: هل يكتفى بالغسل عن الوضوء إذا لم يتوضأ في هذا الغسل؟الجواب: إذا كان الغسل غسل جنابة فإنه يمكن أن يكتفى به؛ لأن فيه رفع حدث أكبر فيدخل تحته الأصغر، أما إذا كان الاغتسال للجمعة أو للتبرد أو ما إلى ذلك، فلا يكفي الاغتسال عن الوضوء، ولا بد من الوضوء قبله أو بعده، وإذا توضأ قبله فلا يمس فرجه؛ لأن مس الفرج ينقض الوضوء، وأما إذا كان غسل الجنابة فإن الاغتسال يغني عن الوضوء. نوع حج عائشة المذكور في الحديث: (خرجنا مع الرسول عام حجة الوداع...) السؤال: عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها هل حجت متمتعة أو قارنة؟ الجواب: عائشة في أصل إحرامها متمتعة؛ لأنها أحرمت بالعمرة؛ ولكن الحيض الذي حصل لها في الطريق واستمراره معها حتى جاء وقت الحج لم تتمكن معه من أن تكون متمتعة، فأدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، فحجها قران وهو في أوله تمتع، ولكنه ما تم لها ما أرادته، وإنما الذي تم وحصل هو القران؛ لأنها أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة.والدليل على أنها قارنة: أنها لما أحرمت بالعمرة لم تأت بها، والعمرة لا تتم إلا بطواف وسعي، وهي لم تطف ولم تسع، والحج قد وصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدخل الحج على العمرة، ولهذا لما رجعت وتريد أن تأتي بعمرة بعد الحج وقالت: يرجع الناس بطوافين وسعيين، وأنا أرجع بطواف واحد وسعي واحد، قال: (يكفيك طوافك وسعيك لحجك وعمرتك)، فهذا هو الدليل على أنها قارنة. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (75) - (باب ذكر وضوء الجنب قبل الغسل) إلى (باب ذكر العمل في الغسل من الحيض) يستحب للجنب الوضوء قبل اغتساله للجنابة، ويجب عليه إيصال الماء إلى كل شعره وبشره، فإذا لم يتيسر ذلك إلا بتخليل شعره وجب. ذكر وضوء الجنب قبل الغسل شرح حديث عائشة في وضوء الجنب قبل الغسل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر وضوء الجنب قبل الغسلأخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على جسده كله)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ذكر وضوء الجنب قبل أن يغتسل. المراد من هذه الترجمة: هو أن الجنب يشرع له أن يتوضأ قبل اغتساله، فيكون اغتساله مشتملاً على الوضوء، بحيث يبدأ به ثم يأتي الاغتسال بعد ذلك، وهذا هو نفس الغسل الكامل الذي يكون مشتملاً على وضوء أولاً ثم على غسل بعده، وقد جاء في بعض الأحاديث أن غسل الرجلين يكون بعد الفراغ من الغسل، وهذا الحديث الذي أورده النسائي عن عائشة الذي تصف فيه غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة قبل أن يغتسل، أي: يفهم منه أنه يتوضأ الوضوء الكامل قبل الاغتسال، ومن ذلك غسل الرجلين، فيحتمل أنه يفعل ذلك أحياناً بحيث أنه يتوضأ قبل أن يغتسل، ويحتمل أنه كان يؤخر غسل الرجلين إلى نهاية الأمر، وكما قلت: هذا هو الغسل الكامل الذي يكون مسبوقاً بالوضوء.والغسل المجزئ هو: الغسل الذي يستوعب فيه الجسد الماء غسلاً، وإذا نوى الإنسان رفع الحدث الأكبر والأصغر، فإنهما يرتفعان، ولا يلزم الوضوء في حق المغتسل، وهذا إنما يكون في غسل الجنابة.أما الأغسال الأخرى: كغسل الجمعة، والغسل للتبرد؛ فإنه لا يكفي عن الوضوء؛ لأنه ليس فيه رفع حدث، وإنما عليه أن يتوضأ وضوءاً مستقلاً، إما قبل ذلك الاغتسال للتبرد أو بعده، ولكنه إذا توضأ فإنه لا يلمس فرجه بعد ذلك؛ لأن لمس الفرج بعد الوضوء ينقض الوضوء، وجمهور العلماء ذهبوا إلى أن الاغتسال المجزئ يكفي عن الوضوء، وأنه لا يلزم معه وضوء إذا نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر، وذهب الظاهرية أو بعض الظاهرية إلى أنه لا بد من الوضوء مع غسل الجنابة، وأنه لا يكفي الاغتسال عن الوضوء، ولا يرتفع الحدث الأصغر بفعل الحدث الأكبر عند القائل بهذا.قوله: (يتوضأ وضوءه للصلاة).أي: يتوضأ قبل أن يغتسل وضوءه للصلاة، هذا هو المقصود من إيراد الحديث، وهو دال على ما ترجم له المصنف؛ لأنه صريح في ذلك، وكما قلت: يحتمل أن يكون المراد بالوضوء الوضوء الكامل، ويحتمل أن يكون وضوءاً يبقى منه غسل الرجلين، ويكون ذلك بعد الفراغ من الغسل، فما جاء على هذا المنوال، وما جاء على غيره يحمل على أنه يفعله أحياناً هكذا وأحياناً هكذا.وفيه أيضاً: غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، وهو ما دلت عليه التراجم السابقة، وهذه الترجمة أيضاً مشتملة على ذلك، ثم أيضاً فيه تخليل الشعر، وترويته حتى يدخل الماء إلى أصوله، ثم الصب على الرأس ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على سائر جسده الذي يحصل معه استيعاب الجسد في الغسل.وأريد أن أذكر شيئاً متعلقاً بالأسانيد المتقدمة وهو: ذكر عطاء بن السائب في أربعة طرق من طرق حديث عائشة في بيان ذكر شيء من جزئيات الاغتسال، أو الأمور التي تفعل في حال الاغتسال، ففي ترجمة عطاء بن السائب: أنه صدوق اختلط، أو أنه ثقة اختلط، فالاختلاط هو: أن يتغير الشخص، إما لكبره، أو لأمر طرأ عليه حصل بسببه اختلاطه، فهذا حكم حديثه أن يميز بين ما سمع منه قبل الاختلاط، وما سمع منه بعد الاختلاط، فما كان مسموعاً منه بعد الاختلاط فلا يعتد به، وما كان مسموعاً منه قبل الاختلاط، فإنه يحتج به ويعتد به، وإذا كان مجهولاً هل سمع قبل الاختلاط؟ أو سمع بعد الاختلاط؟ فإنه أيضاً لا يعتد به؛ لأنه محتمل أن يكون سمع بعد الاختلاط، فالسماع بعد الاختلاط تضعف معه الرواية، ولا تقبل معه الرواية، فيكون معرفة ما كان قبل الاختلاط، وما كان بعده يكون بمعرفة التلاميذ الذين رووا عنه؛ لأن من التلاميذ من روايته قبل الاختلاط، ومنهم من روايته بعد الاختلاط، ومنهم من روايته مجهولة هل هي قبل الاختلاط أو بعد الاختلاط؟ فمن عرف أنه روى عنه قبل الاختلاط، فروايته عنه صحيحة، ولا يضر اختلاطه، والأسانيد التي مضت فيها شعبة بن الحجاج يروي عن عطاء بن السائب، وزائدة بن قدامة الثقفي، وهما ممن رويا عنه قبل أن يختلط.إذاً: فلا يؤثر اختلاطه على رواية هذه الأحاديث التي فيها شعبة، وزائدة بن قدامة؛ لأن هذين رويا عنه قبل الاختلاط، فإذاً: الحديث لا غبار عليه ولا إشكال فيه؛ لأن السماع قبل الاختلاط.وهذه الأحاديث التي أوردها النسائي عن هذا المختلط هي عن شيوخ سمعوا منه قبل الاختلاط، وهم: شعبة، وزائدة بن قدامة، أما عمر بن عبيد بن أبي أمية، فهذا لا أعرف هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعده؟ لكن شعبة وزائدة سمعا منه قبل الاختلاط، فإذاً: تلك الأحاديث التي جاءت من طريقهم ثابتة ولا إشكال فيها. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في وضوء الجنب قبل الغسل قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، أحد الثقات، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، العلم، المشهور، صاحب المذهب المعروف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة].هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].هي عائشة أم المؤمنين، وهي خالة عروة، وقد مر ذكرها كثيراً، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: فرجال الإسناد أو رواة الإسناد كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، وهم من أهل الثقة والعدالة، وأما الصحابة كما عرفنا فلا يحتاج إلى أن يذكر عن الواحد منهم أو وصفه بأنه ثقة؛ لأن وصف الصحبة لا يعدله شيء، ولا يحتاج إلى أن يضاف إليه شيء للتوثيق؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، وتعديل رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تخليل الجنب رأسه شرح حديث عائشة في تخليل النبي رأسه في غسل الجنابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تخليل الجنب رأسهأخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا هشام بن عروة حدثني أبي حدثتني عائشة رضي الله عنها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة: (أنه كان يغسل يديه ويتوضأ، ويخلل رأسه حتى يصل إلى شعره، ثم يفرغ على سائر جسده)].ذكر النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب تخليل الجنب شعر رأسه عند الاغتسال، وأورد فيه حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه: ( إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يغسل يديه ويتوضأ، ويخلل رأسه حتى يصل إلى شعره ) لأن المقصود من التخليل أن يصل الماء إلى أصول شعره، وقد عرفنا فيما مضى أن المرأة الجنب لا تنقض شعرها عند الاغتسال من الجنابة، وأنها تصب عليه الماء حتى تطمئن إلى أنه وصل إلى أصوله، ولا يحتاج إلى تخليل أو إلى نقضه وإيصال الماء إلى أصوله، وإنما يكفي أن تصب الماء حتى تطمئن إلى أنه قد روي بالماء ووصل إلى أصوله، وعلى هذا فالتخليل لا يكون لازماً، وإنما يكون المهم أن يصل الماء إلى أصول الشعر، والحديث الذي معنا جاء فيه ذكر التخليل، وأنه كان يخلل شعره بأصابعه كي يصل الماء إلى شعره؛ أي: إلى أصول شعره، وإلى داخل الشعر. فالحديث فيه ذكر غسل اليدين أولاً، ثم ذكر الوضوء ثانياً، ثم ذكر التخليل، ثم الإفاضة على سائر الجسد، وهو مشتمل على ما اشتمل عليه الذي قبله، إلا أن الذي قبله فيه: ( يصب على رأسه ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على سائر جسده ). تراجم رجال إسناد حديث عائشة في تخليل النبي رأسه في غسل الجنابة قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الفلاس، المحدث، الناقد، المعروف بكثرة كلامه في الرجال والجرح والتعديل، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا يحيى].هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، المشهور، الثقة، الثبت، الإمام في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [حدثنا هشام بن عروة].يعني: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وهنا يتفق مع الإسناد الذي قبله بهذا. شرح حديث: (إن رسول الله كان يشرب رأسه ثم يحثي عليه ثلاثاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب رأسه، ثم يحثي عليه ثلاثاً)].ثم ذكر النسائي أيضاً حديث عائشة الذي فيه: (أنه كان يشرب رأسه) يعني: بالماء، والمقصود من ذلك: التخليل؛ لأنه هنا أورده في تخليل الشعر، ثم يحثو عليه ثلاثاً؛ يعني: ثلاث غرف، وكما دل عليه الحديث الذي مر من قبل أنه كان يحثو عليه ثلاث غرف، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ففيه ما ترجم له، وهو أنه يرويه بالماء حتى يصل إلى أصول شعره. تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يشرب رأسه ثم يحثي عليه ثلاثاً) قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله].هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، وهو ثقة، وخرج له النسائي، وابن ماجه .[حدثنا سفيان].وسفيان هنا غير منسوب، وهو سفيان بن عيينة؛ لأن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري روى عن سفيان بن عيينة، وقد ذكر في ترجمته أنه روى عن ابن عيينة.[عن هشام بن عروة].وهنا يتحد مع الإسناد السابق. ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه شرح حديث: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسهأخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنهما قال: ( تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعض القوم: إني لأغسل كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف )].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما يكفي للجنب عند غسل رأسه من الماء. فأورد فيه حديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه: ( أنهم تماروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل، فقال بعضهم: أنا أفعل كذا وكذا، فقال: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف )؛ يعني: أنه يصب عليه ثلاث مرات، ويكفيه ذلك في الاغتسال، أي: فيما يتعلق بغسل الرأس، ففيه الشاهد لما ترجم له، وكذلك ما يكفي الرأس؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف). تراجم رجال إسناد حديث: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف) قوله: [أخبرنا قتيبة].وقد مر ذكره قريباً.[حدثنا أبو الأحوص].هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة متقن، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي إسحاق].هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة أيضاً، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن صرد].هو سليمان بن صرد، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يروي عن صحابي وهو جبير بن مطعم رضي الله عنه، فالحديث من رواية صحابي عن صحابي.[عن جبير بن مطعم].هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، ويلتقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف، وأولاد عبد مناف أربعة وهم: هاشم، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس، وقد ورد عن جبير هذا في الصحيحين أنه جاء هو وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا: ( يا رسول الله! إننا وبنو المطلب؛ يعني: في النسب سواء، وإنك أعطيتهم من الخمس ولم تعطنا، فقال: إنا وبنو المطلب شيء واحد ) يعني بني هاشم وبني المطلب، وهذا هو الدليل الذي استدل به من قال: إن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة أنهم بنو هاشم وبنو المطلب.والمطعم بن عدي الذي هو: أبو جبير هو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: منع أذى قريش له، وهو الذي مدحه الشاعر بقوله:ولو أن مجداً أخلد الدهر واحداًمن الناس أبقى مجده الدهر مطعملأنه أجار النبي صلى الله عليه وسلم.وفي النحو يستشهدون بهذا البيت على عود الضمير إلى ما بعده. والمطعم بن عدي هو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر قال في الأسرى: (لو أن المطعم بن عدي حيٌ، وطلب مني هؤلاء النتنة لأعطيتهم إياه، أو لوهبتهم له). فهو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم ومنع وصول الأذى إليه من كفار قريش.إذاً: فالحديث فيه صحابيان وهما: سليمان بن صرد، وجبير بن مطعم وهو من رواية صحابي عن صحابي، وفيه اثنان مشهوران بكنيتهما، وهما: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني المشهور بـالسبيعي، وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي. ذكر العمل في الغسل من الحيض شرح حديث عائشة في أعمال الغسل من الحيض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر العمل في الغسل من الحيض:أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور وهو ابن صفية عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأخبرها كيف تغتسل، ثم قال: خذي كرسفة من مسك فتطهري بها، قالت: وكيف أتطهر بها؟ فاستتر كذا، ثم قال: سبحان الله! تطهري بها، قالت عائشة رضي الله عنها: فجذبت المرأة، وقلت: تتبعين بها أثر الدم)].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب ذكر العمل في الغسل من الحيض. أي: ذكر شيء مع الغسل؛ لأن فيه ذكر الغسل، أي: تنظيف وتطهير لمكان الحيض، فأورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! كيف أعمل بالاغتسال من الحيض؟ فقال معلماً لها كيف تغتسل، ثم قال: (خذي كرسفة مسك، فتطهري بها، قالت: وكيف أتطهر بها؟ فاستتر كذا)؛ يعني: سكت أو طأطأ، لأن هذا شيء يستحيا منه، وأن يتكلم معه في حق النساء، وهو ذكر الفرج، وأنها تعمل بفرجها كذا، فقال: (سبحان الله! تطهري بها) سبحان الله: تعجب، (تطهري بها) ففهمت عائشة أنه لا يريد أن يتكلم بشيء وراء هذا اللفظ الذي كنى به عن ذكر الفرج، وباستعمالها في الفرج (فجذبتها إليها وقالت: تتبعي بها أثر الدم) الذي هو الفرج.فالحديث دال على الاغتسال، ودال على هذا العمل مع الاغتسال الذي هو أنها تأخذ كرسفة، وهي قطعة من صوف أو قطن أو جلد فيه صوف، فتتبع بها أثر الدم، قيل: من مسك والمراد من ذلك قطعة من الجلد، وقيل: إن المقصود من ذلك أنها قطعة فيها مسك وهو الطيب؛ حتى تكون الرائحة الكريهة التي كانت من آثار الحيض يأتي ما يعقبها وهو الرائحة الطيبة، وفسر المسك بأنه طيب، وفسر بأن المراد به الجلد. وعائشة رضي الله عنها وأرضاها لما استحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يواجهها بشيء، فعند ذلك فهمت عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ألا يتكلم معها بشيء أكثر من هذا، ووضحت لها وقالت: تتبعي به أثر الدم؛ يعني: الفرج، وفيه استعمال (سبحان الله) عند التعجب؛ لأنه لما قال: (تطهري بها) قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: (تطهري بها) لأن هذا شيء يفهم، فتعجب، وقال: (سبحان الله!) لكونها تراجعه في ذلك الأمر، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها تولت المهمة ووضحت ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم.قالوا: وفي هذا دليل على أن المحدث أو العالم إذا ذكر شيئاً، وفيه من هو بحضرته وأراد أن يوضح كلامه، أو يبين كلامه إذا كان يرضى بذلك أنه لا بأس به؛ لأن عائشة رضي الله عنها وأرضاها تولت بيان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوضيح مراده، وقد أقرها رسول الله عليه الصلاة والسلام على ذلك.وذكر هذا الحديث وهذه الترجمة في هذا الموضع ليس بواضح؛ لأن الأحاديث كلها قبله وبعده تتعلق بالاغتسال من الجنابة، فذكر الحيض أو الاغتسال من الحيض في هذا الموضع كان حقه أن يتأخر، كما سيأتي بعدما يفرغ من الغسل من الجنابة، ويأتي بأحاديث الغسل من الحيض، فكان يناسب أن تكون هذه الترجمة المشتملة على هذا الحديث ليست في وسط الأحاديث والأبواب المتعلقة بالاغتسال من الجنابة؛ لأن محلها الاغتسال من الحيض.وإن كان المصنف قد سبق أن مر به ذكر ترجمتين تتعلق بالحيض فيما مضى، فيما يتعلق بنقض الشعر عند الاغتسال للإحرام، وقبله عدم نقض الشعر عند الاغتسال من الجنابة، لكن هذه الترجمة أقحمها في وسط الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة، وكان محلها أن تأتي مع الأبواب المتعلقة بالاغتسال من الحيض؛ لأنها متعلقة بالحيض، ولا تعلق لها بالاغتسال من الجنابة. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في أعمال الغسل من الجنابة قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق، وخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا سفيان].هو ابن عيينة، وقد جاء منسوباً في صحيح البخاري في نفس إسناد هذا الحديث؛ لأن هناك من نسبه، وقال: ابن عيينة، فإذاً: هذا المهمل قد جاء مبيناً في صحيح البخاري وأنه سفيان بن عيينة، وليس سفيان الثوري.[عن منصور وهو: ابن صفية].هو منصور بن عبد الرحمن الحجبي العبدري من بني عبد الدار، ومن أهل حجابة البيت، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.[عن أمه].هي صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية من بني عبد الدار، وهم أهل حجابة الكعبة وسدانة الكعبة، والذين فيهم السدانة والحجابة، واختلف في صحبتها، فمن العلماء من قال: إنها صحابية، وإنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إنها غير صحابية.وتروي عن عائشة، وعلى هذا فهي رواية صحابية عن صحابية، على القول بأنها صحابية. [عن عائشة].وعائشة تقدم ذكرها كثيراً. الأسئلة مدى إجزاء الغسل من الجنابة عن الوضوء السؤال: رجل اغتسل لرفع الحدث الأكبر، وغسل مذاكره، ثم غسل رأسه، ثم أفاض على سائر جسده، ولم يتوضأ قبل الاغتسال، فهل غسله صحيح؟الجواب: نعم صحيح، قلنا: إن الغسل المجزئ هو أن يفيض الإنسان الماء على سائر جسده، ولو لم يتوضأ، فهذا هو الغسل المجزئ، ويكفي عن الوضوء إذا نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر. الأصل في الخلوة بالمرأة الأجنبية السؤال: ما قولكم فيمن يقول: إن الأصل في الخلوة بالمرأة الجواز؟الجواب: كما هو معلوم الحديث جاء بالتحريم وبالمنع، وأنه (لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)؛ فيعني: الأصل كما هو معلوم هو عدم التكليف، لكن جاء التكليف بالمنع، فماذا يستفيد من قال هذا القول بأن الأصل هو الجواز؟! قد جاءت التكاليف بالمنع، إذاً: العبرة بالمنع لو لم يكن هناك نص، وهنا ورد نص ومن المعلوم أن النص إذا جاء فإنه لا ينظر إلى أصول ولا إلى غيرها، وإنما ينظر إلى النص الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفترة المعينة، يعني: قبل أن يأتي النص. إذاً الأصل هو خلو الذمة من التكاليف، لكن لما جاء التكليف بالمنع والتحريم، مثل حديث (وأنه لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، دل على المنع، ولو قيل: إن الأصل هو هذا، فلا ينفع هذا القائل ذلك القول؛ لأنه قد نقل عن الأصل لو كان ذلك هو الأصل. ثم أيضاً الأصل في الشريعة هو الابتعاد عن كل شيء يؤدي إلى الفاحشة، ويؤدي إلى المضرة، فالأصل هو الابتعاد ودفع الضرر، ومن المعلوم أن الضرر يحصل باختلاط الرجل بالمرأة وخلوه بها، فإن قواعد الشريعة وعمومها تقتضي المنع من ذلك؛ لأن هذا من الضرر المحقق والضرر الواضح، لكن ما يحتاج إلى ذكر أصل موافق للحديث، أو أصل على خلاف ما جاء في الحديث؛ لأن الحديث جاء صريحاً واضحاً في تحريم ذلك، وأن من فعله فإنه يكون الشيطان ثالثهما، ولا شك أن ذلك سبب لفاحشة عظيمة ولجرم عظيم وهو الزنا، ومن المعلوم أن سد الذرائع أصل من أصول الشريعة، وخلو الرجل بالمرأة هو ذريعة إلى ذلك الأمر المحرم، لكن أنا كما قلت: ما نحتاج إلى هذا كله؛ لأن عندنا نصاً صريحاً في الموضوع. الفرق بين سبحان الله ويا سبحان الله السؤال: الرسول صلى الله عليه وسلم قال هنا: سبحان الله! بمعنى التعجب، ولكن بعض الناس يقول: يا سبحان الله! فما الفرق بينهما؟الجواب: سبحان الله يؤتى به على سبيل التعجب، وهو ذكر لله سبحانه وتعالى، ويكون المقصود منه ذكر الله عز وجل بتقديسه وتنزيهه، وأيضاً التعجب. أما كلمة (يا سبحان الله) فما أدري هل جاءت في شيء من النصوص ذكر يا معها؟ ليس نداءً لو جاء، لكن هو معروف على ألسنة الناس، فهل له أصل؟ وهل جاء في نص؟ لا أدري. مدى جواز دفن الطفل مع المرأة أو الرجل عند الموت معاً السؤال: يفعل بعض الناس في هذه الأيام أنه لو توفي رجل مع الطفل، أو امرأة مع الطفل، يدفن الطفل مع الرجل أو المرأة، فهل جاء في الشرع؟الجواب: أبداً، ما جاء شيء في دفن الموتى في قبر واحد إلا عند الحاجة؛ يعني: كون القتلى كثيرين ويشق أن يحفر لهم قبور، فيدفن كل اثنين مع بعض، مثل ما حصل في القتلى وفي الشهداء، أنهم يدفنون ويقدم أكثرهم حفظاً للقرآن، والأصل أن كل ميت يدفن على حدة، لكن هؤلاء الذين يفعلون هذا يعتقدون شيئاً ليس له أساس، قالوا: إنه يشفع له أو أنه ينفعه أو أنه يؤنسه، وهذا كله كلام ساقط ما له قيمة، لا يؤنس الإنسان في قبره إلا العمل الصالح، ولا ينفعه في قبره إلا العمل الصالح، لو كان بجواره من هو أصلح الناس ومن هو خير الناس، فما ينفع من يكون في جواره إذا كان مستحقاً للعذاب! لأن نعيم من ينعم لا يصل إلى من يستحق العذاب، ولو كان ملاصقاً له، فهذا يصل إليه النعيم وهذا يصل إليه العذاب، ولا يصل إلى هذا نعيم هذا ولا إلى هذا عذاب هذا.فهذا اعتقاد ليس له أساس، بل هو جهل من فاعله؛ لأن الإيناس وكون الإنسان بجواره رجل صالح أو طفل أو ما إلى ذلك لا ينفعه إذا كان مستحقاً للعذاب؛ لأن عذاب القبر يصل إلى من يستحقه، ولو اتصل بمن هو صالح ومن هو من أهل النعيم.ومن المعلوم أن الله عز وجل أرانا في الدنيا نماذج وشواهد لهذا توضحه وتدل عليه، وذلك فيما يجري في المنام؛ لأن أحوال الروح وما يجري لها في المنام، مثلاً ينام الشخصان في مكان واحد، بل ينام الرجل وأهله تحت لحاف واحد، ثم أحدهما رأى في منامه ما سره، ورأى أنه يأكل مآكل طيبة، ثم يقوم وفم لعابه يسيل، والثاني رأى الوحوش تلاحقه، والحيات تلسعه، ثم يقوم وريقه ناشف، فهذا شيء موجود في الدنيا، فهذا في نعيم ما درى عن هذا، وهذا في عذاب ما درى عن هذا، هذا شيء في الدنيا مشاهد ومعايش بالنسبة للنائمين، الذين يحصل لهم في نومهم رؤى فيها راحة أو رؤى فيها مضرة، فما يحصل في الآخرة من وجود هذا بجوار هذا، لا يصل إلى هذا نعيم هذا، على كل نحن نقول: نفعل ما نستطيع، (اتقوا الله ما استطعتم). كيفية غسل الرجلين في وضوء الجنابة السؤال: كيف كان وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قبل اغتساله؟ وهل فيه غسل الرجلين كما هو ظاهر الحديث، أم كان يؤخرهما كما جاءت الروايات؟الجواب : الحديث يدل على أنه يغتسل الغسل الكامل، أو يفهم منه أنه يغتسل الغسل الكامل، وأما وضوءه للصلاة، فقد جاءت بعض الأحاديث أنه يؤخر غسل الرجلين، فيحتمل أن يكون فعل ذلك أحياناً، وأن يكون فعل ذلك أحياناً. الفرق بين جهالة العين وجهالة الحال السؤال: ما الفرق بين جهالة العين وجهالة الحال، مع ذكر بعض المراجع؟الجواب: معلوم أن جهالة الحال هي: أن يروي عنه اثنان ولم يوثق، فهو مجهول، ولكن جهالة العين هي: قلة الرواية عنه مع عدم معرفته، وهذا مع معرفة حاله.أما ذكر المراجع فهي مراجع المصطلح؛ لأن الجهالة نوع من أنواع علوم الحديث، فالإنسان يرجع إليها، ويرجع إلى ذلك المبحث في الكتب المختلفة في المصطلح المختصرة والمطولة؛ لأنها تتكلم عن الجهالة بنوعيها العين والحال، وأنا ما أعرف مؤلفاً خاصاً بالجهالة حتى أدل عليه، ولكن أدل على كتب المصطلح. حكم غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء بعد النوم السؤال: هل غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء واجب بعد النوم؟الجواب: جمهور العلماء على أنه مستحب، ومنهم من قال بوجوبه، منهم الإمام أحمد. كيفية إتمام صلاة الجنازة للمسبوق السؤال: إذا أدرك المصلي التكبيرة الثانية أو الثالثة من صلاة الجنازة فماذا يفعل بعد تسليم الإمام؟الجواب: يفعل كما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)؛ يعني: صلاة الجنازة مثل الصلوات الأخرى، والإنسان يدخل في أثنائها وما أدركه يفعله، وما لم يدركه يأت به، لكن يأتي به بدون إطالة بعد سلام الإمام؛ لأن بعد سلام الإمام تحمل الجنازة ولا تبقى في مكانها، فهو يأتي بالتكبيرات، وإذا دعا معها دعاء قصيراً بينها؛ لأن الأصل في صلاة الجنازة هو الدعاء للميت، وذكر الحمد لله والصلاة على الرسول بين يدي الدعاء تمهيد؛ لأن من أسباب قبول الدعاء أن يسبق بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، فهذا من أسباب قبول الدعاء، ولهذا جاء في الحديث الذي دعا فقال عليه السلام: (عجل هذا)؛ لأنه لم يحمد الله، ولم يصل على رسوله، فذكر مشروعية قراءة الفاتحة، وهي حمد لله وثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك الدعاء فهذا هو تمهيد، وهي من أسباب قبول الدعاء، فالمهم هو الدعاء، فإذا أمكن الإنسان أن يقرأ الفاتحة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو، فإنه يفعل ذلك، أما إذا كان الوقت لا يتسع، فإنه لا يشتغل بالفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يذهب المقصود الذي هو الدعاء، فإنه لا يأتي إلا بالدعاء رأساً؛ لأن هذا هو المقصود من صلاة الجنازة، وهي داخلة في عموم قوله: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، يكبر الإنسان بعد سلام الإمام ما بقي عليه من التكبيرات، ثم يسلم. حكم من أحدث أثناء الغسل بعد الوضوء السؤال: هل يجزئ الغسل عن الوضوء؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الحكم إذا أحدث أثناء الغسل؟الجواب: إن الغسل المجزئ الذي لا وضوء معه يكفي عن الوضوء إذا أُريد به رفع الحدثين، وإذا أحدث في أثناء الغسل كما هو معلوم يعتبر عليه أنه يعيد الاغتسال، ولا يرتفع إلا مع وجود الوضوء، أو مع وجود الغسل المجزئ، فإذا كان أحدث في أثنائه فلا يقال: إنه يكفيه عن الوضوء، وأنه قد حصل منه رفع الحدث الذي هو الأصغر. مدى جواز قول الشعر وإنشاده السؤال: كتبت بعض أبيات الرجز، فقيل لي: إن الأولى ترك الشعر، فحلفت ألا أقول الشعر مرة أخرى ثلاث مرات، وأنا عندي ميول لقول الرجز، فماذا أفعل؟الجواب: الشعر جائز، إنشاده وقوله، وإنشاده إذا كان سليماً ليس فيه محظور، ولا بأس به، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعنى به، وأن يشتغل به، أي: يكون شغله الشاغل بل ينبغي له أن يعنى بما هو أهم، وبما فائدته محققة، وبما يكون الإنسان إذا فعله على خير، كالاعتناء بالقرآن، والاعتناء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والشعر في حد ذاته إنشاده سائغ إذا كان سليماً، لكن لا ينبغي أن يشتغل به عما هو أهم منه، وإذا حصل ذكره أو الاشتغال به في بعض الأحيان، فإنه يكون في جمع بين المصالح وابتعاد عن المحذور، وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه -يعني: حتى يمتلئ- خير من أن يمتلئ شعراً).فهذا فيه بيان أن الاشتغال بالشعر وإضاعة الوقت فيه أن فيه مضرة، وأن الاشتغال بما هو أهم منه هو الذي ينبغي، وهذا إذا كان سليماً، أما إذا كان سيئاً فبيت واحد منه يعتبر سيئاً ما يحتاج إلى أنه يمتلئ جوفه، أو أنه يفيد الكثرة، وإنما هذا فيما إذا كان سليماً، أما إذا كان سيئاً وكان قبيحاً، فالبيت الواحد منه يكفي السوء، ويكفي الذنب، لكن هذا الذي جاء في الحديث هو الشعر السليم، وذلك لما فيه من الاشتغال عما هو أهم منه. الجمع بين حث الشرع بالتداوي وفضل من لم يسترقِ السؤال: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل معه شفاء)، إلى أن قال: (فيا عباد الله تداووا)، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في صفات السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون)، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ندب إلى ترك التداوي، وفي الحديث الأول ندب إليه، فكيف نجمع بين هذين الحديثين؟الجواب : ليس في حديث السبعين ألفاً ندب إلى ترك التداوي، وإنما تنبيه إلى بعض الأمور التي تركها فيه فائدة، وليس فيه منع التداوي مطلقاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم تداوى، لكن الاكتواء والاسترقاء هذا ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد أباح الكي، والكي كما هو معلوم هو عذاب، والإنسان يفعله من أجل أن يحصل خير، فقد يفعله ولا يحصل فائدة من وراءه، وإنما يحصل ذلك العذاب الذي هو العذاب بالنار بكونه يكتوي، فالفائدة فيه غير محققة، ثم أيضاً فيه أذى، وأذى حاصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن من صفات السبعين ألفاً أنهم ما كانوا يكتوون، ولا يتطيرون، ولا يسترقون. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (76) - (باب ترك الوضوء من بعد الغسل) إلى (باب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب) يجزئ غسل الرجل جسده عن الوضوء إذا نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر، كما يجوز تأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل، وإذا أراد الجنب أن يأكل أو يشرب فإنه يغسل يديه، وإذا أراد أن ينام فليتوضأ. ترك الوضوء بعد الغسل شرح حديث: (كان رسول الله لا يتوضأ بعد الغسل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء بعد الغسل.أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم أخبرنا أبي عن الحسن عن أبي إسحاق (ح) وأخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل)].يقول النسائي رحمه الله: باب ترك الوضوء بعد الغسل. وهذه الترجمة يراد بها أن الإنسان عندما يغتسل للجنابة فيتوضأ أولاً قبل الاغتسال، ثم يغتسل بعده، وهذا هو الغسل الكامل، أو أنه يغتسل دون أن يتوضأ، بحيث يفيض الماء على سائر جسده، وينوي بذلك رفع الحدث الأكبر والأصغر، فيكون الإنسان بذلك متطهراً من الحدثين الأكبر والأصغر، فلا يحتاج بعد الاغتسال إلى وضوء؛ لأنه حصل بذلك الطهارة الكاملة، ولا يحتاج الإنسان بعد ذلك إلى وضوء، وقد كان عليه الصلاة والسلام يتوضأ أولاً ثم يغتسل، ولا يعيد الوضوء بعد الغسل، وهذا هو المقصود من قوله: باب ترك الوضوء بعد الغسل.وقد أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل ) وإنما يتوضأ قبله؛ أي: إنما كان يتوضأ قبل الغسل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله لا يتوضأ بعد الغسل) قوله: [أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم].وهو الكوفي الأودي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه .[أخبرنا أبي].وهو عثمان بن حكيم بن ذبيان الأودي الكوفي، وهو مقبول، خرج له النسائي وحده.[عن الحسن].وهو الحسن بن صالح بن حي، وحي هو حي بن شفي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو أخو علي بن صالح بن حي.[عن أبي إسحاق].وهو عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي السبيعي، وسبيع هم من همدان، فينسب نسبة عامة، ونسبة خاصة، ولكنه مشهور بالنسبة الخاصة وهي السبيعي؛ لأن السبيعي نسبة إلى سبيع، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ح، وأخبرنا عمرو بن علي].ثم حول الإسناد فأتى بـ(ح) التحويل وقال: أخبرنا عمرو بن علي، وقد ذكرت مراراً وتكراراً أن حرف (ح) الذي يأتي في أثناء الأسانيد هو دال على التحول من إسناد إلى إسناد، والانتقال من إسناد إلى إسناد؛ لأن النسائي بدأ بالإسناد من واحد من شيوخه، وقطع فيه شوطاً بحيث أنه مضى فيه، ثم إنه بعد ذلك عاد ورجع من جديد وأتى بشيخ آخر أسند إليه الحديث، ثم يلتقي الإسنادان في موضع، ثم يستمران من طريق واحد، فهو منطلق من النسائي في طريقين، ثم تلتقي الطريقان عند شخص معين، ثم بعد ذلك تستمران فتكونان طريقة واحدة إلى نهايته، فهذا هو التحول من إسناد إلى إسناد، والانتقال من إسناد إلى إسناد فائدته أن يُعلم أن فيه تحول، وأن يستشعر القارئ والناظر والسامع أن فيه تحول من إسناد إلى إسناد.وأما عمرو بن علي فهو: عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الفلاس، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وهو ناقد، وكلامه في الرجال كثير.[حدثنا عبد الرحمن].وهو ابن مهدي الإمام، المحدث، الثقة، المشهور، الذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.[حدثنا شريك].وهو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه عند الجماعة إلا الترمذي فلم يخرج له في سننه، وإنما خرج له في كتابه الشمائل، وتغير حفظه لما ولي القضاء، وكما هو معلوم ليس الإسناد له وحده، بل هو مقرون، وغيره قد روى ذلك بهذا الإسناد.إذاً: الحسن بن صالح يروي عن أبي إسحاق، وشريك يروي عن أبي إسحاق السبيعي، فهما يلتقيان عند أبي إسحاق السبيعي، فالطريقة الأولى: أحمد بن عثمان بن حكيم عن أبيه عثمان بن حكيم عن الحسن بن صالح عن أبي إسحاق، يعني: ثلاثة بين النسائي وبين أبي إسحاق السبيعي، والطريق الثاني: عمرو بن علي الفلاس عن عبد الرحمن بن مهدي عن شريك عن أبي إسحاق، والطريق الثانية ثلاثة ايضاً، ثم تلتقي الطريقان عند أبي إسحاق، وتكون طريقاً واحدة إلى نهايتها، فهي تأتي من عند النسائي من فرعين أو طريقين، ثم تتوحد وتصبح طريقاً واحدة إلى نهايتها.[عن الأسود].وهو الأسود بن يزيد النخعي المعروف، الذي مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، مخضرم، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].وعائشة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، المكثرة من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي أحد السبعة من الصحابة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، ولم ترو امرأة من النساء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما روت عائشة أم المؤمنين من الحديث رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه شرح حديث ميمونة في غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه.أخبرنا علي بن حجر أخبرنا عيسى عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال حدثتني خالتي ميمونة قالت: (أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل بيمينه في الإناء فأفرغ بها على فرجه، ثم غسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه، قالت رضي الله عنها: ثم أتيته بالمنديل فرده)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: غسل الرجلين في مكان غير المكان الذي يغتسل فيه من الجنابة. المراد من هذه الترجمة: أنه يغسل رجليه أولاً ثم يتوضأ ثم يغتسل، وبعد ذلك يغسل رجليه بعد أن يتنحى عن المكان الذي اغتسل فيه، وقد أورد النسائي حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها (أنها أدنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله) وهو الماء الذي يغتسل فيه، فأفرغ على يديه مرتين أو ثلاثاً، ثم أخذ بيمينه ماء وغسل به فرجه باليد اليسرى، (ثم دلك يده اليسرى بالأرض دلكاً شديداً) يعني: بعدما غسل بها فرجه؛ حتى يذهب ما علق بها، ثم بعد ذلك توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض الماء على سائر جسده، ثم تنحى وغسل رجليه، ثم قالت: (أعطيته المنديل فرده) يعني: ما أخذ المنديل وتنشف فيه واستعمله، وإنما تركه ولم يفعل ذلك.والحديث شاهد لما ترجم له وهو أن غسل الرجلين يؤخر، وأنه يغسل في مكان غير المكان الذي اغتسل فيه.وقد قال بعض العلماء: إن هذا الحديث دل على أن غسل الرجلين غسل آخر غير الوضوء للصلاة، وأنه يكون بهذا توضأ وضوءه للصلاة، ومن ذلك غسل الرجلين، ثم بعد ذلك اغتسل ثم غسل رجليه، فيكون غسل الرجلين شيء آخر غير الوضوء، ولكن جاء في بعض الروايات عند البخاري في حديث ميمونة أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة، وأخر غسل الرجلين، وبعدما فرغ من الاغتسال غسل رجليه، فيكون الحديث في البخاري موضحاً، ومفصلًا لما جاء في هذه الرواية من أن الوضوء هو ما عدا غسل الرجلين، وأن غسل الرجلين يكون في الآخر.ومن العلماء من قال: إنه جاء في بعض الأحاديث أنه توضأ وضوءه للصلاة، وما ذكر غسل الرجلين فيما بعد، قالوا: فيحمل على أنه فعل ذلك في بعض الأحيان، أو يحمل على أن الغسل الثاني غير الغسل للوضوء، وإنما كان لإزالة ما قد يعلق بها من مكان الاغتسال، أو في مكان الاغتسال، ولكن هذا الحديث الذي معنا هو حديث ميمونة قد جاء في البخاري التوضيح والتفصيل، وأنه توضأ وضوءه للصلاة، وأخر غسل رجليه، وأنه عندما فرغ من الاغتسال غسل رجليه.ولهذا استحب كثير من العلماء أن يكون الغسل على هذه الطريقة وهي: أن يتوضأ أولاً ويبقي غسل الرجلين، ثم إذا فرغ من اغتساله فإنه يغسل رجليه في الآخر. وقولها: (فرد المنديل).أي: ترك المنديل، وعدم أخذه المنديل لا يدل على تحريمه، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على استعماله، فيكون تركه ليس للتحريم، وإنما للإشارة إلى أنه الأولى. تراجم رجال إسناد حديث ميمونة في غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه قوله: [أخبرنا علي بن حجر].وهو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.[أخبرنا عيسى].وهو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو أخو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش].وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب يلقب به، وهو مشهور بلقبه، ويأتي ذكره في اللقب كثيراً، وكما يأتي ذكره بالنسب سليمان بن مهران أو سليمان، فيأتي هكذا ويأتي هكذا، وفائدة معرفة ألقاب المسمين وألقاب المحدثين أن لا يظن الشخص الواحد شخصين وذلك فيما لو ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن الذي لا يعرف يظن أن الأعمش ليس سليمان بن مهران، ولو جاء سليمان بن مهران في إسناد، ثم جاء الأعمش في إسناد آخر فإنه يظن أن سليمان هذا غير الأعمش، وهو هو. فإذاً: فائدة معرفة ألقاب المحدثين دفع توهم أن يكون الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه.[عن سالم].وهو: ابن أبي الجعد وهو ثقة، خرج حديثه الجماعة، وهنا غير منسوب ولكنه نسب في الإسناد عند البخاري، فقال: علي بن أبي الجعد.[عن كريب].وهو كريب بن أبي مسلم المدني مولى ابن عباس وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس]. هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبر الأمة، وترجمان القرآن، العالم بتفسيره، والذي كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يحضره في مجالس كبار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما راجعه بعضهم وقال: إن لنا أولاداً مثله، فكيف تحضره ولا نحضر أولادنا؟! فبين لهم ما عنده من العلم، وما عنده من الفهم، وسأله بحضرتهم سؤالاً أجاب فيه بجواب اعتبروا جوابه سديداً، واعتبروه فاهماً، وعند ذلك تبين لهم السر الذي من أجله كان عمر يدنيه ويقربه.وكان سؤاله إياه وهم موجودون في سورة النصر: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، ما المراد بها؟ فأجابوه بأنه إذا حصل النصر فإنه يشكر الله عز وجل، ويسبح الله تعالى ويحمده، ثم سأل ابن عباس فقال: إن هذا إيذان بقرب أجله، وأن هذا إشعار بأن أجله قريب، وأنه أمر بأن يسبح الله تعالى ويستغفره، ولهذا جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أنها قالت: ( ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن أنزلت عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] إلا قال في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن )؛ يعني: ينفذ ما أمر به في القرآن من كونه أمر بالتسبيح وأمر بالاستغفار، فكان ذلك إيذاناً بقرب أجله، ودنو أجله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من فهم ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأرضاه.وكنيته أبو العباس، ويقال: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا شخصين وهما: ابن عباس، وسهل بن سعد الساعدي، وابن عباس هو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم عن ألف حديث، وكثير من أحاديثه من مراسيل الصحابة؛ لأنه يروي عن الصحابة، ولكنه سمع كثيراً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة، وكثير منه يكون بواسطة الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.[عن ميمونة].وهي خالته ميمونة بنت الحارث الهلالية. وأم ابن عباس هي لبابة بنت الحارث الهلالية أم الفضل، فـميمونة أخت لبابة، ولبابة هي أم أولاد العباس. ترك المنديل بعد الغسل شرح حديث: (أن النبي اغتسل فأتي بمنديل فلم يمسه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك المنديل بعد الغسل.أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن سالم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فأتي بمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بالماء هكذا)].أورد النسائي باب: ترك المنديل بعد الغسل، وأورد فيه حديث ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتسل فأتي بمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بيده هكذا؛ يعني: ينفض الماء بيديه، وهو دال على ما دل عليه حديث ميمونة الذي قبل هذا. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي اغتسل فأتي بمنديل فلم يمسه...) قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم].هو محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[حدثنا عبد الله بن إدريس].هو عبد الله بن إدريس الأودي وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش].وهو سليمان بن مهران، وقد مر في الإسناد الذي قبل هذا.[عن سالم].وهو ابن أبي الجعد وقد مر.[عن كريب عن ابن عباس].وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبله. وضوء الجنب إذا أراد أن يأكل شرح حديث: (كان النبي إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وضوء الجنب إذا أراد أن يأكل.أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب عن شعبة، (ح) وأخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى وعبد الرحمن عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم -وقال عمرو: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ، زاد عمرو في حديثه: وضوءه للصلاة )].ثم أورد النسائي رحمه الله: هذه الترجمة وهي: باب وضوء الجنب إذا أراد أن يأكل. أي: كونه يكون متوضئاً، ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً وأراد أن ينام أو أراد أن يأكل فإنه يتوضأ وضوءه للصلاة، أي: حتى يخفف من الحدث، وحتى يذهب ذلك الذي أصابه بسبب الجنابة، فكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب فإنه يتوضأ، وجاء في بعض الأحاديث أنه أحياناً يكتفي إذا أراد أن يأكل بغسل اليدين كما سيأتي، فقد جاء عنه هذا، وجاء عنه هذا، وأنه كان يغسل يديه، وجاء أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة، والحديث الذي معنا: أنه كان يتوضأ، يعني: إذا أراد أن يأكل، وكذلك إذا أراد أن ينام، فإنه يتوضأ وضوءه للصلاة. تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ) قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].هو حميد بن مسعدة صدوق، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن سفيان بن حبيب].هو سفيان بن حبيب ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن شعبة].وهو شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.[(ح) وأخبرنا عمرو بن علي].أتى بـ(ح) التحويل فقال (ح) وأخبرنا عمرو بن علي، وهو: الفلاس الذي مر ذكره قريباً، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا يحيى، وعبد الرحمن].أي: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي وهما ثقتان، إمامان في الجرح والتعديل، وهما اللذان قال فيهما الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل: وإنهما إذا اجتمعا على جرح شخص لا يكاد يندمل جرحه؛ يعني: أنهما أصابا الهدف، وحديثهما عند أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].وهنا التقى الإسنادان، الإسناد الأول: حميد بن مسعدة، عن سفيان بن حبيب، عن شعبة، والإسناد الثاني: عمرو بن علي عن يحيى، وعبد الرحمن عن شعبة، والإسنادان متساويان؛ يعني: ليس بعضهما أعلى من بعض، متساويان بين النسائي وبين شعبة في كل منهما اثنان.[عن الحكم].وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى.[عن إبراهيم].وهو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي المحدث، الفقيه، المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت فيما مضى أن ابن القيم في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد) عندما جاء عند ذكر حديث الذباب كونه يغمس في الإناء، وأنه يموت بسبب الغمس، وأنه إذا مات لا يؤثر موته في الماء، قال: إن كل ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، مثل: الذباب، والجراد، والحيوانات التي ليس فيها دم، فهذه يعبر عنها بما لا نفس له سائلة، فقال: إن أول من عرف عنه أنه عبر بهذه العبارة وهي: ما لا نفس له سائلة إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده.وقد جاء في (كتاب الروح) له أنه عندما جاء عند ذكر النفس، والروح، والفرق بينهما، وأن الروح تطلق بمعنى النفس وهي الروح التي فيها حياة الإنسان، والتي إذا نزعت وقبضت مات، فيقال لها: نفس، ويقال لها: روح، وتطلق الروح على أمور لا تطلق عليها النفس، والنفس على أمور لا تطلق عليها الروح؛ لأن الروح يطلق على جبريل، ويطلق على القرآن، ويطلق إطلاقات أخرى، والنفس تطلق على الدم، فقد جاء عنه في كتابه الروح عند ذكر النفس، قال: كما جاء في الحديث: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وهو ليس بحديث أو لفظ حديث، وفي كتابه زاد المعاد قال: إن أول من عبر بهذه العبارة: ما لا نفس له سائلة إبراهيم النخعي، وهذا يدلنا على أن كتاب الروح فيه أشياء مثل: المنامات، وأشياء تدل على أن تأليفه متقدم، وأن كتابه زاد المعاد فيه التحقيق والتدقيق حيث قال إن أول من حفظ عنه في الإسلام هذه العبارة هو إبراهيم النخعي.[عن الأسود].وهو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.مداخلة: يقال: إن إبراهيم بن يزيد النخعي، والأسود بن يزيد النخعي أخوان.الشيخ: لا، فـإبراهيم بن يزيد النخعي خاله الأسود بن يزيد.[عن عائشة].عائشة هي أم المؤمنين، وقد مر ذكرها.وهذا الحديث المتقدم الذي رواه النسائي عن شيخين، وهما: عمرو بن علي وحميد بن مسعدة فقال: إن حميد بن مسعدة رواه (كان النبي صلى الله عليه وسلم). وأما عمرو بن علي يقول: (كان رسول الله) فالفرق بينهما أن هذا عبر عندما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف النبوة، وهذا ذكره بوصف الرسالة، وأن هذا هو تعبير هذا، وهذا هو تعبير هذا، وقد اختلف العلماء هل للراوي أن يبدل النبي مكان الرسول فيما إذا أضاف الحديث إليه؟فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه، وهنا النسائي بين الفرق بين شيخيه، وأن واحداً منهما عبر بلفظ النبي، والآخر عبر بلفظ الرسول، وسبق أن مر نظير ذلك في حديث فيه الصنابحي، وفيه ذكر النبي والرسول، فالتعبير بالنبي عند أحد الشيوخ، والتعبير بالرسول عند أحدهم.وقد اتفقا على أنه توضأ، ولكن عمرو بن علي أضاف إلى ذلك وضوءه للصلاة، وهذه ليست عند حميد بن مسعدة. اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل شرح حديث عائشة في غسل النبي يديه إذا أراد أن يأكل وهو جنب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل.حدثنا محمد بن عبيد بن محمد حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أرد أن يأكل. فأورد فيه حديث عائشة وهو: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه )، فهو دال على الاكتفاء بغسل اليدين، والحديث الذي تقدم يدل على الوضوء؛ وهذا الحديث الذي في الترجمة يدل على اكتفاء الرسول صلى الله عليه وسلم بغسل يديه في بعض الأحيان، والحديث الثاني يدل على أنه في بعض الأحيان يتوضأ إذا أراد أن يأكل، فهو أكمل وأحسن. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في غسل النبي يديه إذا أراد أن يأكل وهو جنب قوله: [حدثنا محمد بن عبيد بن محمد].هو محمد بن عبيد بن محمد المحاربي وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي، والترمذي.[حدثنا عبد الله بن المبارك].هو عبد الله بن المبارك المحدث، الفقيه، المشهور، الذي قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب بعد أن ذكر صفاته، قال: إنه ثقة، حجة، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن يونس].هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، جاء ذكره كثيراً، وهو مكثر من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سلمة].وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال الثلاثة؛ لأن ستة منهم متفق على عدهم، وواحد اختلف فيه، فمنهم من قال: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا، ومنهم من قال: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومنهم من قال: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.قوله: [عن عائشة].وقد مر ذكرها. اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب شرح حديث عائشة في غسل النبي يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم يأكل أو يشرب)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب اقتصار الجنب على غسل اليدين إذا أراد أن يأكل أو يشرب. وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها الدال على هذا، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم أكل أو شرب). تراجم رجال إسناد حديث عائشة في غسل النبي يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر ثقة، خرج له الترمذي، والنسائي.[أخبرنا عبد الله].وهو عبد الله بن المبارك، خرج له أصحاب الكتب الستة.والبقية مثل الإسناد الأخير. الأسئلة معنى كلمة (مقبول) عند أهل الحديث السؤال: يا شيخ! ما صحة قول القائل: إن كلمة (مقبول) تستعمل عند أهل الفن في الحديث المقبول قبولاً عاماً، وهو الشامل للصحيح والحسن وما بينهما، وما يقرب من الحسن؟ الجواب: هذا صحيح؛ لأن عندما يأتون بهذا المصطلح -كما عند بعض المؤلفين- يأتون بالمقبول والمردود، فيبدءون بالمقبول ويذكرون تحته كل ما يدخل تحت المقبول، ثم يأتون بالمردود ويذكرون تحته كل ما يكون مردوداً، وهذا هو الذي فعله ابن حجر في نخبة الفكر، فإنه ذكر أولاً المقبول، ثم ذكر تحته كل ما يكون مقبولاً؛ الصحيح والحسن وأقسامهما، ثم ذكر المردود وذكر الأنواع التي تدخل تحت المردود، فهذا يستعمل، وهذا حاصل وواقع، ولكن كلمة (المقبول) عندما يقولونها عند بيان حال شخص فإن لها معنىً خاصاً، وهو الذي يقبل حديثه إذا توبع، فيحتاج إلى من يسنده ويعضده ويؤيده، وهذا عند الحافظ، وما أدري عن غيره. درجة حديث الراوي المقبول السؤال: من قيل فيه إن حديثه مقبول أو إنه مقبول فما درجة حديثه من حيث الصحة والضعف؟الجواب: هذا قد سبق، وقد أجبت عليه في السؤال الذي قبله؛ أنه يقبل ويعتمد إذا اعتضد، وإذا وجد ما يعضده ويؤيده. كيفية ترتيب أهل السنن الثلاثة السؤال: ما هو ترتيب السنن الثلاثة: سنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي؟ وهل اختياركم لتدريس النسائي يدل على تقديمه على الكتابين؟الجواب : الكتب الثلاثة أو الأربعة معلوم أن ابن ماجه هو مؤخر عنها جميعاً، فهو آخرها لا يقدم على شيء منها، بل من العلماء من لم يجعله سادس الكتب الستة، وإنما جعل سنن الدارمي بدلاً منه، ومنهم من يجعل الموطأ هو السادس، والقول بأنه السابع هو أحد الأقوال، ولكن اعتبر عند الأكثرين سادس الكتب الستة؛ لكثرة زوائده عليها، وذلك أن فيه أحاديث زائدة تبلغ ألف وثلاثمائة وكسر، فلكثرة زوائده اعتبروه سابع الكتب. فإذاً: هو آخرها.وأما الثلاثة فمن العلماء من يقدم أبا داود، ومنهم من يقدم الترمذي، والذي جرى عليه ابن حجر، وجرى عليه أصحاب الأطراف، أو أصحاب التراجم من التهذيب وما تفرع عنه فإنهم يرتبونها بدءاً بـأبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجه؛ يعني: عندما تأتي الرموز في التقريب، وفي تهذيب التهذيب، وفي تهذيب تهذيب التهذيب تأتي الرموز هكذا بعد البخاري، ومسلم: أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه ، ومن العلماء من يقدم النسائي؛ وذلك لقلة الأحاديث الضعيفة فيه، ولكون صاحبه ترك الرواية عن أشخاص قد خرج لهم في الصحيحين، فلشدة تحريه وشدة انتقائه واختياره قدموه على غيره. وأما أنا فلم أقدمه لأنه أرجح من غيره أو لأنه أولى من غيره، ولكني قدمته لأنه يشبه البخاري في كثرة التراجم، وكثرة الأبواب، وأن تراجمه تدل على فقهه، وتدل على فوائده، وهو يشبه البخاري. عدم حمل عنعنة بعض المدلسين على الانقطاع في بعض الأسانيد في النسائي السؤال: مر في بعض الأسانيد عنعنة بعض المدلسين، مثل الأعمش، وأبي إسحاق السبيعي فلماذا لم نحمله على الانقطاع؟الجواب : الحمل على الانقطاع إنما يكون فيما إذا لم يحصل فيه شيء يؤيده ويعضده، وكان الحديث لا يعرف إلا من ذلك الطريق، ولم يوجد إلا بالعنعنة، وأما إذا جاء معنعناً وقد وجد أسانيد أخرى تؤيده، وأحاديث أخرى تؤيده فإن ذلك لا يؤثر ولو كان بالعنعنة. مقارنة بين ألفية السيوطي وألفية العراقي السؤال: أيهما أقوى وأفضل ألفية السيوطي أم العراقي؟الجواب: ألفية السيوطي أشمل وأوفى من ألفية العراقي؛ لأن السيوطي قال: إنه أتى بما في ألفية العراقي وزاد عليها، وقال في مقدمتها:فائقة ألفية العراقيفي الجمع والإيجاز واتساقما أذكر البيت، لكن من ناحية الإيجاز كما ذكرت من قبل، فالأبيات هي مثل الأبيات ألف ألف، لكن فيها زيادات، فصارت مع كون أبياتها تساوي أبيات ألفية العراقي إلا أن فيها زيادات ليست في ألفية العراقي، والشيخ أحمد شاكر رحمه الله لما علق على ألفية السيوطي ووضع أقواساً على بعض الأبيات أو على أجزاء من الأبيات، فهذه علامة زيادة السيوطي على العراقي؛ أي أن الإنسان إذا قرأ ألفية السيوطي بعمل أحمد شاكر يجد في بعض الأبيات أقواساً أو في بعض الجمل عليها أقواس، فهذه الأقواس علامة لزيادة السيوطي على العراقي.وهنا قال:فائقة ألفية العراقيفي الجمع والإيجاز واتساقأي: سهلة، ونضمها سهل، وواضحة، وسلسة. وفيها زيادات على ألفية العراقي. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (77) - (باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام) إلى (باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل) يشرع الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام، وكذلك لمن أراد أن يعاود الجماع، ويجوز الطواف على الزوجات قبل الغسل من الجنابة، ويستحب أن يتخلل ذلك وضوء لكل جماع. وضوء الجنب إذا أراد أن ينام شرح حديث: (إن رسول الله كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: وضوء الجنب إذا أراد أن ينام.أخبرنا قتيبة بن سعيد نا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام)].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام.أي: أن مقصوده من هذه الترجمة كما هو واضح منها أن الجنب إذا أراد أن ينام دون أن يغتسل، فإن عليه أن يتوضأ وضوءه للصلاة لينام، وقد غسل فرجه، وأزال ما حصل من التلوث، وما حصل من التلطخ الذي حصل بسبب الجماع في ذكره وما حوله، فإنه يتوضأ ويغسل فرجه وينام، والجنابة لا تزال باقية؛ ولكنه حصل تخفيف لها، وذلك بغسل بعض أجزاء الجسد التي هي أعضاء الوضوء، وكذلك أيضاً ما يسبق الوضوء من غسل الفرج، وغسل ما علق وأصاب من أثر الجماع.ثم أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: وهو دال على ما ترجم له وواضح الدلالة على أن الجنب إذا أراد أن ينام فإنه يتوضأ وضوءه للصلاة. تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة) قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، الثقة، الذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[نا الليث].هنا اختصرها وأتى بـ(نا)، والمقصود من (نا) إذا جاءت فهي اختصار لحدثنا، وليست لأخبرنا، وهي تخص هذه الصيغة فقط، فيقال: (نا)، ويقال: (ثنا)؛ ويقال: (دثنا)؛ يعني: ثلاث صيغ، و(نا) هي اختصار لها ورمز لها؛ أي: لحدثنا، وليست لأخبرنا، وهذه إحدى الصيغتين اللتين يحصل فيهما الاختصار، والرمز لهما بحرف أو أكثر يدل على الصيغة، فـ(نا) اختصار لحدثنا، وليست لأخبرنا، وعلى ذكر الثاء مع نا، وعلى ذكر الدال مع الثاء ونا.وكذلك الصيغة (أخبرنا) فإنها تختصر أيضاً، ويأتي اختصارها على عدة صيغ، وكثيراً ما يأتي: بـ(أنا) الهمزة ونا، فهي اختصار لأخبرنا، وتأتي بصيغ أخرى، أي: أرنا، وغير ذلك.أما غيرها من الصيغ، فإنها لا تختصر، وإنما الاختصار لهاتين الصيغتين، فأنبأنا لا تختصر، وغيرها من الصيغ لا تختصر، وإنما الاختصار والرمز يكون لهاتين الصيغتين، وهي: حدثنا، وأخبرنا.والليث بن سعد المصري هو الإمام، الحجة، المحدث، الفقيه، المشهور، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].هو محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر ذكره كثيراً، وهو محدث، مشهور، وفقيه، ومكثر من رواية الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع، فقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وهؤلاء الثلاثة هم الذين اختلف في جعل واحد منهم السابع.وأما الستة الباقون فلا خلاف في عدهم في فقهاء المدينة السبعة، وهم الذين جمعوا في بيتين ذكرهما ابن القيم في أول إعلام الموقعين، ولا أدري هل هما من إنشائه أو من إنشاده وهما لغيره؟ وهما: إذا قيل من في العلم سبعة أبحرروايتهم ليست عن علم خارجهفقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجه[عن عائشة].وعائشة هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، المكثرة من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي هي أحد السبعة من الصحابة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث. شرح حديث ابن عمر في نوم الجنب بعد أن يتوضأ قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا توضأ)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر: أن أباه عمر رضي الله تعالى عنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا توضأ)، يعني: نعم، إذا توضأ ينام وهو جنب، وهو شاهد للترجمة، وهو دال عليها، إذاً: ففيها حديث عائشة، وفيها حديث عبد الله بن عمر، والحديث من مسند عبد الله بن عمر، وليس من مسند عمر؛ لأنه يحكي أن أباه حصل منه كذا وكذا، فهو مسند للحديث، وليس راوياً عن أبيه عمر، فالواضح منه والظاهر أنه من مسند عبد الله بن عمر؛ لأنه قال: أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا توضأ). تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نوم الجنب بعد أن يتوضأ قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد، قال عنه الحافظ: إنه ثقة، مأمون، سني، وهو السرخسي، وقيل: إنه أظهر السنة في بلاده، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.[حدثنا يحيى].وهو يحيى بن سعيد القطان، المشهور، المحدث، الثقة، العلم، الذي هو إمام ناقد، وهو من أئمة الجرح والتعديل، ومكثر من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبيد الله].هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو الذي يقال له: عبيد الله العمري المصغر، الثقة، والمكبر أخوه عبد الله هو الضعيف، ولهذا يقال له: المصغر حتى يُميز بينه وبين أخيه عبد الله المكبر، وهو ثقة، حديثه عن أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر الحافظ في تهذيب التهذيب أنه أحد الفقهاء السبعة، وهو مدني، فلا أدري وجه عده في الفقهاء السبعة، وكونه من الفقهاء السبعة؛ لأن الفقهاء السبعة المعروفون هم الذين ذكرتهم فيما مضى، والذين جمعهم ابن القيم، والخلاف إنما هو في السابع، وليس فيه ذكر عبيد الله هذا.[أخبرني نافع].هو مولى عبد الله بن عمر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو أحد السلسلة الذهبية التي يقول الإمام البخاري: إنها أصح الأسانيد؛ لأن أصح الأسانيد عند البخاري: مالك عن نافع عن ابن عمر، إذاً فـنافع ثقة، وهو القمة في الثقة.[عن عبد الله بن عمر].هو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل المشهور، المعروف بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وضوء الجنب وغسل ذكره إذا أراد أن ينام شرح حديث ابن عمر في غسل الجنب ذكره ووضوئه إذا أراد أن ينام قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وضوء الجنب وغسل ذكره إذا أراد أن ينام.أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (ذكر عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ واغسل ذكرك ثم نم)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب وضوء الجنب وغسل ذكره قبل أن ينام.وقد أتى بها من أجل أن الوضوء الذي يتوضؤه الجنب، إذا أراد أن ينام يسبقه ويكون معه غسل ذكره؛ بمعنى أن الشيء الذي تلوث والذي حصل بسبب الجماع، وما علق بالذكر وما علق بما حوله فإنه يزال بالماء وينظف بالماء، هذا هو الذي أورد الترجمة من أجله، وأورد حديث عبد الله بن عمر في قصة سؤال أبيه عمر رضي الله عنهما النبي صلى الله عليه وسلم عن كون الإنسان تصيبه الجنابة من الليل، أي: في الليل، فهل ينام وهو جنب؟ قال: (يتوضأ، ويغسل ذكره).وذكر غسل الذكر بعد الوضوء ليس معنى ذلك أن الغسل بعد الوضوء لأن الغسل للذكر يكون قبل الوضوء كما يكون في الاستنجاء، عندما يقضي الإنسان حاجته يستنجي، ثم يتوضأ؛ لأنه لو توضأ ولامس ذكره ليستنجي أو ليغسله، فإنه ينتقض وضوءه؛ لأن مس الذكر من نواقض الوضوء.إذاً: يكون ذلك قبل، ولهذا فإن الواو هنا لمطلق الجمع، ولا تقتضي ترتيباً، وقد يكون المتأخر حقه التقديم، وقد يكون المتقدم حقه التأخير، وهنا المتأخر حقه أن يقدم، ولا يصح إلا أن يقدم؛ لأنه لو أُخر لما كان للوضوء فائدة؛ لأن الوضوء قد انتقض بمس الذكر، إذاً: يغسل ذكره ويتوضأ، هذا هو الترتيب الصحيح الذي يسلم الوضوء من الانتقاض وهو أن يقدم غسل الذكر على الوضوء حتى يبقى الوضوء على حاله. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في غسل الجنب ذكره ووضوئه إذا أراد أن ينام قوله: [أخبرنا قتيبة]. مر ذكره قريباً.[عن مالك]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، العلم، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة المشهورة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن دينار]. هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عبد الله بن عمر]. وقد مر ذكره في الإسناد السابق، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه رباعي، ليس بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أشخاص، لأن فيه قتيبة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، والنسائي توفي سنة ثلاثمائة وثلاث من الهجرة، فكان هذا الإسناد من أعالي أسانيده، وقد مر بنا بعض الأسانيد التي هي من هذا القبيل، التي تعتبر عالية. في الجنب إذا لم يتوضأ شرح حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب إذا لم يتوضأ.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا هشام بن عبد الملك أخبرنا شعبة ح وأخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن شعبة واللفظ له عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب الجنب إذا لم يتوضأ.يعني: إذا بقي على جنابته ونام ولم يتوضأ، فقد أورد فيه النسائي حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب).فمقصوده من ذلك قوله: (ولا جنب)، وقال هنا في الترجمة: (إذا لم يتوضأ)؛ ومعنى هذا: أنه إذا توضأ فإن الأمر يخف، والجنابة طبعاً لا تزال باقية، ولم تنته، ولكن حصل تخفيفها، وهذا الحديث لفظه: (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، ولا صورة، ولا جنب)، ويقتضي هذا أن الإنسان إذا كان جنباً فإن الملائكة لا تدخل ذلك البيت الذي فيه، لكن الحديث ليس فيه ذكر الوضوء وعدم الوضوء، وإنما ذكره النسائي ليبين أن البقاء على الجنابة مذموم، وهي التي لا يكون معها وضوء، أما إذا وجد معها وضوء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نام وقد توضأ وهو جنب.فإذاً: ليس على إطلاقه في أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب.والحديث فيه كلام من حيث أن نجي الذي في إسناده هو مقبول، ولا يحتج بالمقبول إلا إذا توبع، ثم أيضاً هو معارض لما جاء من أنه صلى الله عليه وسلم يكون أحياناً على جنابة، لكنه يخففها بالوضوء، ومن المعلوم أن الجنابة لا تزال باقية، فلا يقال: إن الجنابة قد ذهبت، ومن المعلوم أن كونه ينام وقد توضأ دون أن يغتسل، والجنابة باقية هذا هو الثابت، وهذا هو الصحيح والذي لا إشكال فيه، وقد جاءت بذلك الأسانيد الصحيحة الثابتة، وأما ذاك ففيه معارضة لتلك الأحاديث الثابتة، ثم من ناحية أخرى ما فيه من المعارضة لما هو أصح منه، فيكون من قبيل إما الشاذ، أو الضعيف، أو المنكر الذي خالف الثقة، وإذا لم يكن ضعيفاً وحديثه محتمل لو اعتضد، فإنه معارض لما هو أصح منه، ولرواية من هو أوثق منه.ولهذا الشيخ الألباني عندما ذكر الأحاديث الصحيحة في سنن النسائي عقد الترجمة وأسقط الحديث؛ لأن الحديث غير ثابت، ولهذا أسقطه ليأتي به في ضعيف النسائي. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب) قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو الحنظلي المعروف بـابن راهويه ، وهو ثقة، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه . [أخبرنا هشام بن عبد الملك].هو هشام بن عبد الملك يروي عنه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المشهور بـابن راهويه، وكنا قد قلنا: إنه يوجد اثنين يطلق عليهما هشام بن عبد الملك، أحدهما: هشام بن عبد الملك اليزني اليشكري، والثاني: هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي المشهور، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ذكر المزي في تهذيب الكمال أنه يروي عن أبي الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وليس في الذين يروي عنهم من اسمه هشام بن عبد الملك غير الطيالسي.إذاً: فـاليزني الذي هو هشام بن عبد الملك، هو من طبقة شيوخ النسائي، ولم يذكر روايته عنه، وعلى هذا فالمراد بـهشام بن عبد الملك الذي روى عنه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو أبو الوليد الطيالسي.وقد سبق للنسائي أن ذكر إسناداً فيما مضى وفيه إسحاق بن إبراهيم يروي عن أبي الوليد الطيالسي، ولم يسمه هناك، وإنما ذكره بكنيته أبي الوليد، قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: حدثنا أبو الوليد، والمقصود به الطيالسي هشام بن عبد الملك.فإذاً: إسحاق بن إبراهيم يروي عن هشام بن عبد الملك أبي الوليد الطيالسي [أخبرنا شعبة].هو شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل إن صيغة وصفه بأمير المؤمنين أعظم من ثقة؛ لأن هذا من أعلى صيغ التعديل.[ح وأخبرنا عبيد الله بن سعيد].هنا حول الإسناد وقال: أخبرنا عبيد الله بن سعيد، وهو الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهو الذي قيل عنه: ثقة، مأمون، سني، وخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.[حدثنا يحيى].وقد مر ذكره.[عن شعبة].وهو ملتقى الإسنادين، وقد مر ذكره.[واللفظ له].أي: لـيحيى الذي هو في الإسناد الثاني.[عن علي بن مدرك].هو علي بن مدرك الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي زرعة].هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، معروف بكنيته، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت فيما مضى أن أبا زرعة لقب يطلق على عدة أشخاص، هذا أولهم؛ لأنه من التابعين، وهو يروي عن أبي هريرة، وهو روى آخر حديث في البخاري عن أبي هريرة: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن)، يرويه أبو زرعة عن أبي هريرة وأبو زرعة هذا جده هو جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروف. وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.ويوافقه في الكنية أشخاص منهم: أبو زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم، وهو إمام، ناقد، محدث، مشهور، وكثيراً ما يأتي ذكره مع أبي حاتم الرازي؛ يعني: في الكلام في الجرح والتعديل، وكثيراً ما وينقل ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل عن أبيه وأبي زرعة الذي هو الرازي.يوجد أبو زرعة الدمشقي، ويوجد أيضاً من المتأخرين أبو زرعة العراقي، وهو ابن العراقي؛ لأن عبد الرحيم بن الحسين صاحب الألفية، هو والد أبي زرعة، ويقال له: ولي الدين، وتوفي سنة ثمانمائة وست وعشرين في القرن التاسع الهجري، أيضاً هو مشهور بلقبه أبي زرعة.الحاصل أن لقب أبي زرعة يطلق على عدد من المتقدمين والمتأخرين.[عن عبد الله بن نجي].هو عبد الله بن نجي الحضرمي الكوفي، وهو صدوق، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن أبيه].هو نجي الحضرمي الكوفي، وهو مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن علي].هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وعلي رضي الله عنه مر ذكره كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وبالنسبة لقوله: (أخبرنا إسحاق بن إبراهيم) جاء في بعض النسخ: حدثنا وفي بعضها: أخبرنا، والمعروف من اصطلاحه أنه يستعمل: أخبرنا، ويأتي أحياناً: حدثنا، وقد ذكرت فيما مضى: أن الحافظ ابن حجر عندما يروي البخاري عن شيخه إسحاق وهو غير منسوب فهو يحتمل إسحاق بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم ويحتمل غيرهما، فيستدل ابن حجر على أنه هو ابن راهويه إذا جاء التعبير بأخبرنا قال: لأن من عادته أنه يستعمل أخبرنا ولا يستعمل حدثنا، لكن يوجد في بعض الأسانيد (حدثنا) في البخاري وفي غيره، لكن هل (حدثنا) هذه معناه أن كلام ابن حجر مبني على الغالب؟ وأن (حدثنا) إما خطأ، أو تصرف من بعض الرواة، مع أن التصرف هذا بعيد؛ لأن الطريقة المعروفة أنه لا يغير الإسناد عن هيئته، فإذا جاء بالعنعنة يأتون به بالعنعنة، وإذا جاء بالسماع يأتون به بالسماع، وإذا جاء بالإخبار يأتون به بالإخبار، وإذا جاء بالتحديث يأتون به بالتحديث، وهكذا، لكن قد يكون حصل فيه خطأ، وقد لا يكون حصل فيه خطأ، ولكن استعمال إسحاق بن راهويه (أخبرنا) محمول على الغالب. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (77) في الجنب إذا أراد أن يعود شرح حديث: (إذا أراد أحدكم أن يعود توضأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب إذا أراد أن يعودأخبرنا الحسين بن حريث حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد أحدكم أن يعود توضأ)]. هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي باب: الجنب إذا أراد أن يعود.يعني: يعود إلى الوطء، فإذا وطأ وصارت عليه الجنابة، ثم أراد أن يعود إلى الوطء، فإنه يتوضأ وضوءاً بين الجماعين؛ لأنه يكون أنشط كما جاء التعليل في بعض الروايات.وأورد النسائي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد أحدكم أن يعود توضأ)؛ يعني: إذا أجنب أحدكم أو صار على جنابة، وأراد أن يعود إلى الجماع مرة أخرى فإنه يتوضأ وضوءاً بين الجماعين، ولا يلزم أن يغتسل، ويكون ذلك الوضوء من أجل حصول النشاط، وأيضاً لإزالة ما قد حصل بسبب الجماع الأول من تلطخ بأثر الجماع، فيكون العضو وما حوله نظيفاً من ذلك الذي حصل بسبب الجماع. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أراد أحدكم أن يعود توضأ) قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].هو الحسين بن حريث وهو ثقة، خرج حديثه الجماعة إلا ابن ماجه ، مثل إسحاق بن راهويه خرج حديثه الجماعة إلا ابن ماجه ، وكل منهما شيخ للنسائي.[حدثنا سفيان].هو سفيان بن عيينة؛ لأنهم ذكروا في ترجمة عاصم الذي يروي عنه سفيان، قالوا: روى عنه السفيانان؛ يعني: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، لكن في ترجمة الحسين بن حريث قال: روى عنه ابن عيينة، فإذاً: عرف أحد السفيانين، وأنه ابن عيينة، وهو ثقة، حجة، ثبت، إمام، عابد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عاصم].هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي المتوكل].هو علي بن داود، مشهور بكنيته أبي المتوكل الناجي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي سعيد].هوأبو سعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قد مر كثيراً، وهو أحد المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. إتيان النساء قبل إحداث الغسل شرح حديث: (أن رسول الله طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ويعقوب بن إبراهيم، واللفظ لـإسحاق، قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي باب: إتيان النساء قبل إحداث الغسل.أي: إتيان العدد منهن، قبل إحداث غسل بين كل منهن هذا هو المقصود بالترجمة، وأورد حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد)، هذا هو الحديث الذي رواه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، وهذا الذي قد حصل منه عليه الصلاة والسلام، قيل: إنه كان عند إرادة السفر؛ لأنه كان يقسم بين نسائه عليه الصلاة والسلام، وكل واحدة لها نوبتها، ولكنه عند إرادة السفر حصل منه أنه طاف على نسائه بغسل واحد، لكنه يتوضأ بين إتيان واحدة تلو الأخرى، وقد مر في الحديث السابق أمر عليه الصلاة والسلام الإنسان إذا أراد أن يعود أن يتوضأ؛ فيعني: أنه طاف عليهن بغسل واحد، لكنه يتوضأ بين كل لقاء لواحدة من زوجاته رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد) قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، الذي خرج له الجماعة إلا ابن ماجه ، وهو ثقة، فقيه، محدث، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فهو من الذين وصفوا بهذا الوصف الرفيع، الذي هو من أعلى صيغ التعديل.[ويعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، وقد مات قبله بأربع سنوات، حيث كانت وفاته سنة مائتين واثنتين وخمسين، وذكرت فيما مضى أن محمد بن بشار بندار، ومحمد بن المثنى الزمن قد ماتا في تلك السنة، فهم ثلاثة من صغار شيوخه ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة.[واللفظ لـإسحاق].يعني: هذا اللفظ المسوق في المتن هو لفظ إسحاق، وإذاً: فلفظ يعقوب هو بالمعنى.والغالب على صنيع النسائي عندما يذكر الحديث عن شيخين يجعل اللفظ للثاني منهما، فعندما يذكر الشيخين يقول: واللفظ لفلان، أو: واللفظ له؛ يعني: يرجع الضمير إلى أقرب مذكور، هذا هو الغالب على استعمال النسائي، لكن في بعض الأحيان ومنها هذا الموضع يذكر الشيخين، ثم يجعل اللفظ للأول، وهذا قليل في استعماله وفي صنيعه.[حدثنا إسماعيل بن إبراهيم].هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية، وهو ثقة، ثبت، ومحدث، مكثر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو غير ابن علية الذي يأتي ذكره في مسائل الفقه وفي مسائل شاذة، فذاك ابنه إبراهيم بن إسماعيل الذي هو جهمي هالك، أي: بالإضافة إلى كونه جهمياً أيضاً هو هالك؛ يعني: هذا وصف شديد في التجهم، ويأتي ذكره في مسائل فقهية فقيه يشذ فيها، فإذا جاءت مسألة شاذة وقيل فيها: ابن علية، فليس المقصود بـابن علية الإمام هذا المحدث الذي معنا، والذي هو إمام من أئمة أهل السنة، بل هو المقصود ابنه الذي هو من أهل البدع ومن المبتدعة، والذي قال عنه الذهبي: إنه جهمي هالك. ومن المسائل الشاذة التي نسبت إليه: الإجارة، وقد ذكرها ابن رشد في بداية المجتهد عندما جاء عند الإجارة وبين حكمها، وقال: إن العلماء على مشروعيتها، وأن الناس بحاجة إليها ولا يستغنون عنها، قال: ومنعها ابن علية، والأصم؛ يعني: فقالا: إن الإجارة لا تجوز وهي حرام، فهذا شذوذ إلى أبعد الحدود، ومن الذي يستغني عن الإجارة؟ فالإنسان إما أن يملك الشيء، أو يتصدق عليه، وكونه يستأجر لا يجوز وحرام! فهذا شذوذ واضح جلي.[عن حميد الطويل].هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر الحافظ في ترجمته أنه توفي وهو قائم يصلي.[عن أنس بن مالك].هو أنس بن مالك الصحابي الجليل، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمكثر من رواية حديثه، وقد مر ذكره كثيراً، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. حديث: (أن رسول الله كان يطوف على نسائه في غسل واحد) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد)].أورد النسائي حديث أنس من طريق أخرى، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد)، وهو مثل الذي قبله، وهو شاهد لما ترجم له المصنف من إتيان النساء دون إحداث غسل؛ أي: بين الواحدة والأخرى.قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد].هو محمد بن عبيد المحاربي، وهو صدوق، خرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.[حدثنا عبد الله بن المبارك].هو عبد الله بن المبارك الإمام، المحدث، المعروف بفضله وتقاه، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، إمام، جواد، مجاهد، وذكر جملة من صفاته، ثم قال: جمعت فيه خصال الخير رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرنا معمر].هو معمر بن راشد الذي مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن قتادة].هو قتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.قوله: [عن أنس].هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا. الأسئلة الحذر من الوسوسة عند الاستنجاء من البول السؤال: فضيلة الشيخ! أنا إذا بُلت ومسحت ذكري، يظل يخرج بعد البول لمدة أقصاها سبع دقائق، ويزول بمسح منديل مرة أو مرتين في الوقت المذكور، ولكنني عندما أنظر داخل الذكر أجد بعض البول بداخله، فهل هذا من سلس البول؟ وماذا أفعل؟الجواب: الإنسان لا ينبغي له أن يتكلف فإن الوسواس يستولي عليه؛ يعني: إذا توضأ وكان البول لم ينته فإنه يحاول إنهاءه، ولا يعني أنه لا يقوم إلا وقد انتهى، ولا يتعب نفسه بحيث أنه يقول: إنه ينظر في داخله، ولكن المهم أن يخرج منه شيء، أما في داخله فلا يتعب نفسه في ذلك، وإنما ينتره، وإذا ظهر منه شيء، فإن عليه أن يمسحه، وإذا كان مسحه بالمنديل ينهيه فليفعل، لكنه ما دام أنه ليس هذا مستمراً معه، وإنما يكون مع البول وعند التبول، فإنه لا يقوم إلا وقد انتهى، ما دام أنه في وقت يسير. حكم كشف الرأس عند نزول المطر السؤال: هل من السنة كشف الرأس عند نزول المطر؟الجواب: ورد في الحديث في صحيح مسلم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (إنه حديث عهد بربه)، لكن هل يكشف الرأس؟ لا أذكر فيه شيئاً الآن. مدى مشروعية رفع اليدين بعد الأذان السؤال: هل رفع اليدين في الدعاء بعد فراغ المؤذن من الأذان من السنة؟الجواب: لا أعلم شيئاً يدل عليه، لكن الأصل في الدعاء هو رفع اليدين، والمواضع التي جاء فيها أنها لا ترفع الأيدي فلا ترفع، والمواضع التي جاءت بالسنية والتنصيص بأنها ترفع، فإنها ترفع، والمواضع التي سكت عنها فالأصل فيها الإطلاق، فإن رفع فلا بأس، وإن لم يرفع فلا بأس، ولكن إذا لم يكن جاء شيء فلا ينبغي له أن يداوم عليه، بل يترك بعض الأحيان إذا لم يأت شيء يدل على أنها ترفع في هذا الموطن، أما إذا جاء أنها ترفع في هذا الموطن، فليستمر بالرفع. حكم دعاء الاستفتاح في الصلاة على الميت السؤال: هل دعاء الاستفتاح يسن في الصلاة على الميت؟الجواب: لا، صلاة الجنازة ليس فيها دعاء الاستفتاح، فلا يقول فيها: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وإنما يبدأ يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمي ويقرأ الفاتحة بدون استفتاح. الوارد في كيفية إزالة شعر العانة والإبط السؤال: هل حلق شعر العانة أفضل أم نتفه؟ وكذلك بالنسبة لشعر الإبط؟الجواب: الحلق المقصود به هو: الإزالة، لكن الأصل في شعر العانة أنه يحلق والإبط ينتف، وإذا حصل هذا أو هذا فكل ذلك يحصل به المقصود، لكن الأصل في العانة أنها تحلق، ولهذا سمي الاستحداد؛ لأنه يأخذ بالحديدة، وهي الموسى. نسبة الأبيات التي ذكرها ابن القيم في الفقهاء السبعة السؤال: فضيلة الشيخ! في إعلام الموقعين قال ابن القيم عندما ذكر الفقهاء السبعة: وقد جمعهم قول القائل، فهل هذا يعني: أنها ليست له؟ أو أنها لو كانت له لذكر ذلك؟الجواب: الغالب أنها ليست له، لكن يحتمل أن تكون له؛ لأنه إذا كان هو الذي قالها ولا يريد أن يسمي نفسه، فيقول: قول القائل، لكن الغالب على هذا الاستعمال أن يكون لغيره، ومن المعلوم أن الإنسان قد يذكر الشيء ويضيفه إلى غيره وهو صاحبه، وهذا يجري في سؤال الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: سأله رجل فقال كذا، والسائل هو نفسه الصحابي؛ لأن هذا يحصل، لكن الغالب على هذا الاستعمال أنه يرجح جانب أن يكون مستشهداً. حكم المضمضة والاستنشاق في الغسل السؤال: هل المضمضة والاستنشاق من فروض الغسل؟الجواب: نعم، المضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء، والغسل هو حدث أكبر؛ يعني: يكون فيه أيضاً المضمضة والاستنشاق. أصح النسبتين لمن استقر بالمدينة مدني أو مديني السؤال: كيف ينسب لمن استقر بالمدينة هل يقال له: مدني، أو مديني؟الجواب: النسبة إلى المدينة يقال: مدني، وأما المديني فهو على بن المديني وهذه نسبة إلى مكان في العراق، لا أعلم ما هو، لكن الذي ينسب إلى المدينة يقال له: مدني. حكم النوم على جنابة السؤال: ما حكم النوم على جنابة؟ هل يحرم أو النهي للكراهة؟الجواب: بدون وضوء يكره، لا أعلم شيئاً يدل على تحريمه؛ لأن الرسول أرشد إلى الوضوء، ولا أعلم شيئاً يدل على المنع.لكن الأولى للإنسان أن يكون مغتسلاً، وإن لم يغتسل، فليكن متوضأً؛ كما أرشد إلى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما أن يحرم فلا أدري. مدى أفضلية التقدم للصفوف الأولى على ما يليها السؤال: هل التقدم للصفوف المتقدمة أولى؟ أم البقاء في الصفوف القريبة من مكان الخروج؟ أفيدونا أثابكم الله.الجواب: التقدم لا شك أنه أفضل، وكل صف أفضل من الذي يليه، فالتقدم وإتمام الصفوف الأول فالأول هذا هو المطلوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها). حكم مس الذكر بعد الوضوء وهو جنب السؤال: كيف يكون مس الذكر بعد الوضوء ناقضاً للوضوء، والوضوء في أصله منتقض بالجنابة؟الجواب : بالنسبة للحديث الذي ذُكر فيه الوضوء، ثم الاغتسال، فالوضوء قبل الاغتسال صحيح، والجنابة لا تزال موجودة، والوضوء هذا لا يرتفع به الحدث، وإنما هو تخفيف للحدث الأكبر، لكن لو أن إنساناً توضأ ولم يمس ذكره بعد ذلك، فإنه لا ينتقض وضوءه، لكن هذه الصورة التي معنا ما فيها نقض للوضوء؛ لأن الوضوء هو تخفيف للجنابة، وتخفيف للحدث الأكبر، لكنه كما هو معلوم، قد جاء في الأحاديث أن من مس ذكره فإنه يعيد الوضوء، ومعناه أنه كأنه ما توضأ، وإن كان الوضوء هذا لا يغني شيئاً بالنسبة لوجود الحدث الأكبر؛ لأنه لا بد من ارتفاع الحدث الأكبر، وارتفاع الحدث الأصغر لا يغني، فليس للإنسان أن يقرأ قرآناً وقد توضأ وضوءاً فقط ولم يغتسل، والإنسان إذا مس ذكره بعد الوضوء فكأنه ما توضأ، لكن لا يقال: إن الوضوء بعدما يتوضأ وهو عليه جنابة أن ذلك ينفعه لرفع الحدث؛ لأن الحدث الأكبر ما يرتفع إلا بالاغتسال، ولكن ينفع في التخفيف. الجمع بين حديث طلق وحديث بسرة في نقض الوضوء بمس الذكر السؤال: ذكرتم يا شيخ! أن مس الذكر ينقض الوضوء، فأرجو أن تبين لنا، فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن مس الذكر هل يبطل الوضوء، فقال:(إنما هو بضعة منك).الجواب: الحديثان تكلم فيهما العلماء، فمن العلماء من رجح حديث: (إنما هو بضعة منك)، وهو القول بأنه غير ناقض، اعتماداً على قوله: (إنما هو بضعة منك)، ومنهم من رجح أنه ناقض، اعتماداً على حديث بسرة: (من مس ذكره فليتوضأ)، وقد سبق أن النسائي ذكر حديث بسرة في باب متقدم، ثم ذكر حديث طلق بن علي: (إنما هو بضعة منك) في المتأخر، وقد ذكر أحد الشارحين ولا أدري السيوطي، أو السندي: أن هذا يشعر بأن النسائي يرجح ما جاء في حديث طلق، وأنه لا ينقض الوضوء، لكن ذكرت فيما مضى: القول الراجح هو نقض الوضوء بمس الذكر، وقد جاء في بعض طرق حديث طلق بن علي أنه قال ذلك في وقت متقدم، حيث قال: إنه جاء وهم يؤسسون المسجد، وأما حديث بسرة فهو متأخر.ثم أيضاً من ناحية الاحتياط فإنه يؤخذ بالنقض، وهو كون الإنسان يتوضأ إذا مس ذكره، والمسألة خلافية كما عرفنا ذلك من قبل. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (78) - باب حجب الجنب من قراءة القرآن - باب مماسة الجنب ومجالسته يمنع الجنب من قراءة القرآن ومس المصحف، أما مجالسته ومماسته فجائزة، لأن المسلم لا ينجس. حجب الجنب من قراءة القرآن شرح حديث علي في منع الجنب من قراءة القرآن قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب حجب الجنب من قراءة القرآن.أخبرنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: أتيت علياً رضي الله عنه أنا ورجلان فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب حجب الجنب من قراءة القرآن. والمراد بالحجب: المنع، ولكن النسائي عبر بكلمة الحجب ولم يذكر المنع؛ لأنها توافق ما جاء في الحديث، لأن الحديث فيه ذكر الحجب، فهو جعل الترجمة بلفظ الحجب وليس بلفظ المنع؛ حتى تطابق الترجمة ما جاء في الحديث من ذكر الحجب.وقد أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة)؛ يعني: وليس شيء يحجبه من قراءة القرآن إلا الجنابة، فإنه كان يمتنع من القراءة في تلك الحال التي هو فيها على جنابة.ثم من جهة المعنى فإن الخلاص من الجنابة والانتهاء منها هو بيد الإنسان؛ لأنه يستطيع أن يتخلص من الجنابة بأن يبادر إلى الاغتسال، وعند ذلك يتمكن من قراءة القرآن؛ لأن أمر الانتهاء من الجنابة بيده، فيمكن أن ينتهي بسرعة وبوقت قصير، ولا يحتاج الأمر إلى وقت طويل، ولهذا فإن الجنابة كما جاء في هذا الحديث تمنع الإنسان من قراءة القرآن، وذلك الامتناع مؤقت، والتأقيت بيد الإنسان؛ لأنه يستطيع أن يتخلص منها بالاغتسال إذا كان الماء موجوداً، وإلا بالتيمم إذا كان الماء غير موجود. تراجم رجال إسناد حديث علي في منع الجنب من قراءة القرآن قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وقد مر ذكره كثيراً فيما مضى.[أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم].هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره أيضاً فيما مضى كثيراً.[عن شعبة].هو شعبة بن الحجاج الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو ثقة ثبت، وقد وصف بهذا الوصف الذي هو من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الذين لهم معرفة بالجرح والتعديل، وهو أيضاً مشهور بأنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع أي: إلا ما كان مسموعاً لهم، وأما ما كان غير مسموع لهم فإنه لا يرويه عنهم.[عن عمرو بن مرة].هو عمرو بن مرة المرادي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن سلمة].هو عبد الله بن سلمة وهو أيضاً الكوفي، وهو صدوق تغير حفظه، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة.[أتيت علياً].هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، وأبو الحسنين، ومناقبه جمة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً فيما مضى رضي الله تعالى عنه وأرضاه. شرح حديث علي في منع الجنب من قراءة القرآن من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني الرقي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة)]. هنا أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة)، أي: أنه كان يقرأ القرآن على كل حال من الأحوال ليس الجنابة، ولكن ليس معنى العموم الذي في هذا الحديث أنه يشمل جميع الأحوال مطلقاً بحيث لا يخرج عن ذلك حالة قضاء الحاجة؛ لأنه في حال قضاء الحاجة لا يقرأ القرآن، ويفسره ويبينه الرواية السابقة وهي: (أنه كان يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن ويأكل معهم اللحم، وليس شيء يمنعه من قراءة القرآن إلا الجنابة).فإذاً: هذه الأحوال ليست على عمومها في جميع الأحوال مطلقاً، وإنما في الأحوال التي ليس فيها تلبس بقضاء حاجة أو ما إلى ذلك، وهذا إنما هو بالنسبة للقراءة من الحفظ، أما بالنسبة للقراءة من المصحف فإن الذي حدثه أصغر كذلك لا يقرأ القرآن من المصحف، ولكنه يقرؤه من حفظه، وإنما الذي فيه المنع من القراءة مطلقاً من المصحف ومن الحفظ هو الجنب. تراجم رجال إسناد حديث علي في منع الجنب من قراءة القرآن من طريق أخرى قوله: [أخبرنا محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني الرقي].هو محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني الرقي، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وابن ماجه ، ولم يخرج له البخاري ومسلم ولا أبو داود ولا الترمذي.[حدثنا عيسى بن يونس].هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وجده أبو إسحاق، وهو أخو إسرائيل بن يونس، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً.[حدثنا الأعمش].هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ولقبه الأعمش وهو مشهور به، وكثيراً ما يأتي ذكره باللقب كما هنا، وأحياناً يأتي ذكره باسمه ونسبه، وأحياناً باسمه فقط، وقد ذكرت فيما مضى أن معرفة ألقاب المحدثين من الأمور المهمة في علم مصطلح الحديث؛ وذلك أن معرفة الألقاب يؤمن بها أن يظن الشخص الواحد شخصين؛ وذلك فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه؛ لأنه من لا يعرف أن هذا اللقب لهذا الشخص فإنه يظن أنهما شخصان، فمثلاً إذا وجد سليمان بن مهران في إسناد، ثم وجد الأعمش في إسناد آخر، فإنه يظن أن الأعمش ليس سليمان بن مهران، ولكن الذي يعرف أن سليمان بن مهران يلقب بـالأعمش فلن يلتبس عليه هذا، ولن يظن الشخص الواحد شخصين، وإنما يعرف أنه شخص واحد، ولكن ذكر مرة باسمه ونسبه ومرة بلقبه، ومثل هذا كثير من المحدثين الذين اشتهروا بألقابهم، مثل بندار، ومثل غندر، ومثل الأعرج، وغيرهم ممن اشتهروا بألقابهم ويأتي ذكرهم بألقابهم وبأسمائهم.[عن عمرو بن مرة].هو عمرو بن مرة وهو الذي تقدم، وهنا يتفق الإسناد مع الإسناد السابق. وحديث علي هذا اختلف في ثبوته؛ فمن العلماء من ضعفه كالشيخ ناصر الألباني ولهذا لما أورد الباب أسقط الحديثين اللذين تحت الباب في صحيح النسائي؛ لأنه سيأتي بهما في السلسلة الضعيفة، ومن العلماء من أثبته وأيده ببعض الآثار التي تدل على منع الجنب من قراءة القرآن.ثم أيضاً شيء آخر -وهو الذي أشرت إليه- من أن الجنب جنابته التخلص منها بيده، فيستطيع أن يتخلص -إذا أراد أن يقرأ القرآن- منها بسرعة، ثم أيضاً التخلص من الجنابة أمر مطلوب، والرسول صلى الله عليه وسلم كان -كما عرفنا في الأحاديث السابقة- يغتسل أو يتوضأ قبل أن ينام؛ حتى تخف بذلك الجنابة.وهذا بخلاف الحيض والنفاس؛ فإن الحائض والنفساء ما جاء شيء ثابت يدل على منعهما من قراءة القرآن، ثم أيضاً التخلص من الحيض والنفاس ليس بيدهما، بل هذا يتوقف على انقطاع الدم، وعلى انتهاء الحيض أو النفاس، ولو تركت المرأة قراءة القرآن في تلك المدة فقد تنسى حفظها وتنسى ما تحفظه.إذاً: ففرق بين الحيض والنفاس، وبين الجنابة. مماسة الجنب ومجالسته شرح حديث حذيفة: (إن المسلم لا ينجس) في مماسة الجنب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مماسة الجنب ومجالسته.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن الشيباني عن أبي بردة عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له، قال: فرأيته يوماً بكرة فحدت عنه، ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال: إني رأيتك فحدت عني، فقلت: إني كنت جنباً فخشيت أن تمسني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسلم لا ينجس)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب مماسة الجنب ومجالسته. والمقصود من هذا أن الجنب لا مانع من كونه يمس غيره ويمسه غيره، أو يحصل مصافحة بينه وبين غيره، أو يمس شيئاً، أو يجالسه، أو يمشي معه، أو يتحدث معه فهذا لا بأس به ولا مانع من هذا.وقد أورد النسائي هنا أحاديث أولها: حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم بكرة)، أي: في أول النهار، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حاد عنه، ثم لما ارتفع النهار جاء إليه وكان قد اغتسل من جنابته، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني رأيتك حدت)؛ يعني: لما رآه حاد ومال وانصرف، ولم يتجه إليه ليلقاه، قال: (إني كنت جنباً)؛ يعني: بين السبب الذي جعله لا يتجه إليه، وجعله يميل بحيث يذهب ليغتسل حتى لا يلتقي به عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان على جنابة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسلم لا ينجس)؛ يعني: أنه لا مانع من هذا العمل الذي ظننت أنه لا يصلح، ولا بأس به.وهذا فيه دليل على أن غسل الجنابة لا يكون على الفور، وعلى أن الإنسان له أن يمشي وأن يخرج للسوق وعليه جنابة، ولا بأس بذلك؛ لأن هذا الصحابي وكذلك أبو هريرة -كما سيأتي في الحديث- أيضاً أنهم لقوه وقد خرجوا من بيوتهم وعليهم جنابة، فدل هذا على جواز مثل ذلك.وكون مصافحة الجنب وملامسته، وكونه يمس غيره وغيره يمسه، وكذلك عرقه وما يحصل منه لا شيء فيه ولا محذور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن المسلم لا ينجس) وفيه دليل على أن الجنب ليس بنجس وليس عليه نجاسة.وهذا هو معنى الحديث، وهذا الذي يدل عليه الحديث، وهو مطابق لما ترجم له النسائي. تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (إن المسلم لا ينجس) في مماسة الجنب قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، محدث، فقيه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فهو من الذين وصفوا بهذا الوصف الرفيع، وهذا اللقب العالي، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً. [أخبرنا جرير].هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الشيباني].هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي بردة].هو ابن أبي موسى الأشعري أبو بردة، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن حذيفة].هو حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره فيما مضى. شرح حديث حذيفة: (إن المسلم لا ينجس) في مماسة الجنب من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا يحيى حدثنا مسعر حدثني واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فأهوى إليه، فقلت: إني جنب، فقال: إن المسلم لا ينجس)].هنا أورد النسائي حديث حذيفة من طريق أخرى: (أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو جنب فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال عليه الصلاة والسلام: إن المؤمن لا ينجس)، فإذاً: مجالسته وملامسته ووضع يده بيد غيره، أو على يد غيره، أو لمسه لأحد لا محظور فيه ولا مانع كما دل عليه الحديث السابق، وهذا هو حديث حذيفة من طريق أخرى. تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (إن المسلم لا ينجس) في مماسة الجنب من طريق أخرى قوله: [ أخبرنا إسحاق بن منصور].هو إسحاق بن منصور الكوسج، وهو مشهور بـالكوسج، وهو ثقة حافظ، حديثه خرجه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.[أخبرنا يحيى].هو يحيى بن سعيد القطان المحدث المشهور، المعروف بالجرح والتعديل، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة..[حدثنا مسعر].هو مسعر بن كدام، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثني واصل].هو واصل بن حيان الأحدب، وهو ثقة ثبت أيضاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي وائل].هو شقيق بن سلمة الكوفي، وهو أيضاً ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً بكنيته، وكما أنه يأتي ذكره أحياناً باسمه شقيق بن سلمة، وقد ذكرت فيما مضى أن معرفة أصحاب الكنى- كنى المسمين- فائدتها مثل فائدة معرفة ألقاب المحدثين؛ حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، وذلك إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته، وأبو وائل هذا مخضرم، تابعي ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن حذيفة].وحذيفة قد تقدم ذكره. شرح حديث أبي هريرة: (إن المؤمن لا ينجس) في مماسة الجنب قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر وهو ابن المفضل حدثنا حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل عنه، فاغتسل، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة ؟! قال: يا رسول الله! إنك لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه أنه كان يمشي في طريق من طرق أسواق المدينة، (فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانسل منه) أي: ذهب بخفية، فلما شعر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فقده، فلما لقيه ذكر له ما حصل منه من الانسلال، فبين له عذره، وقال: إنه كان على جنابة، وأنه كره أن يجالسه وهو جنب، فقال عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس).وحديث أبي هريرة مثل حديث حذيفة المتقدم، وأنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانسل أبو هريرة ولم يبق مع رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان على جنابة، فأحب ألّا يجالس النبي صلى الله عليه وسلم وهو على جنابة، فلما سأله رسول الله عليه الصلاة والسلام عن سبب انسلاله منه أي: ذهابه بخفية، قال: إنه كان جنباً، وأنه كره أن يجالسه وهو على غير طهارة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبحان الله)! تعجباً من هذا الصنيع، ومن هذا الفعل، ومن هذا الفهم الذي هو كون الجنب لا يجالس غيره، ثم بين عليه الصلاة والسلام فقال: (إن المؤمن لا ينجس). إذاً: فمجالسته ومخالطته وملامسته لا بأس بها. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (إن المؤمن لا ينجس) في مماسة الجنب قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].هو حميد بن مسعدة، وهو صدوق، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا بشر] وهو ابن المفضل.هو ابن المفضل، وكلمة (وهو ابن المفضل) هذه أتى بها من دون حميد بن مسعدة ليوضح بها هذا الاسم؛ لأن حميد بن مسعدة لما روى عن بشر ذكر اسمه وما ذكر نسبه، وإنما اكتفى بذكر اسمه، فمن دون النسائي عندما يريدون أن يوضحوا اسم شخص جاء في أثناء الإسناد لا يضيفون نسبته بدون ما يدل على أنها ليست من التلميذ، وإنما يأتون بلفظ يدل على أنها أضيفت ممن هو دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو، بل ينسبه كما يشاء، مثلما ذكر النسائي أحياناً في شيوخه فيختصر في الاسم، وأحياناً يطول، مثلما ذكر في الاسم الذي مضى قريباً وهو محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني الرقي فكل هذا ذكره النسائي؛ لأنه شيخه يأتي به كما يريد، لكن من دون التلميذ عندما يريد أن يذكر ذلك يأتي بكلمة (هو)؛ حتى يعرف بأنها ليست من تلميذه، وإنما هي ممن هو دون تلميذه؛ لكي يوضح بها ذلك الاسم الذي يحتاج إلى توضيح، فقال: وهو ابن المفضل.وأما التلميذ إذا أراد أن ينسبه يقول: ابن المفضل بدون كلمة (هو)، لكن كلمة (هو) فهم منها أن هذه الزيادة ممن دون التلميذ، ولكنه أراد بها توضيح ذلك الشخص الذي هو بشر بن المفضل؛ لأن كلمة (بشر) تحتمل أشخاصاً، فلما جاءت (وهو ابن المفضل) ميزتها، ومن دون التلميذ زادها وأتى بكلمة (هو) الدالة على ذلك.وبشر بن المفضل ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حميد].هو حميد بن أبي حميد الطويل المشهور، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر الحافظ في التقريب في ترجمته: أنه توفي أو مات وهو قائم يصلي.[عن بكر].هو بكر بن عبد الله المزني الكوفي، وهو أيضاً ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي رافع].هو نفيع الصائغ المدني، وهو مشهور بكنيته، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي هريرة].هو الصحابي الجليل، وهو من أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وهو أكثر السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (78) الأسئلة القول الراجح في نجاسة أو طهارة المني والمذي والودي السؤال: ما هو الراجح في مسألة نجاسة المني والمذي والودي؟الجواب: الراجح في المني أنه ليس بنجس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يحترز منه، وقد يكون في ثوبه، فإذا كان رطباً غسل، وإذا كان يابساً حك، وكونه يحك ولا يغسل، هو لإزالة هذا الأثر الذي هو مثل المخاط والبصاق؛ فإذاً هو طاهر، ولكنه لا يترك ظاهراً؛ لأن منظره ليس بحسن، فهو طاهر ليس بنجس، ومنه يتخلق الإنسان، والإنسان مخلوق من طاهر، ولم يخلق من شيء نجس، والحديث الذي أشرت إليه يدل على طهارته.وأما المذي فهو نجس، وكذلك الودي، فكل شيء يخرج من ذكر الرجل، أو من قبل المرأة ما عدا المني فإنه نجس. الأولى بين تقديم الشرب أو الصلاة لمن دخل المسجد وكان عطشان السؤال: إذا دخل الرجل المسجد وكان عطشاً، فهل يشرب الماء واقفاً أم جالساً؟ أم يصلي ثم يشرب الماء جالساً؟الجواب: لا شك أن الأولى أنه يصلي ثم يشرب، لكن إذا كان ليس على وضوء فيجلس ويشرب؛ لأنه لا يتمكن من الصلاة وهو على غير طهارة، فإن كان عطشاً وشرب واقفاً فلا بأس؛ لأن الشرب واقف جائز. حكم قصر الصلاة لمن أراد السفر قبل خروجه من بلده السؤال: هل على المسافر القصر وهو باق في مدينته لم يخرج منها؟ فمثلاً كان يريد السفر إلى مكة وفي طريقه حان عليه الوقت، ولم يخرج من المدينة، فهل يصلي قصراً؟ أم يتم إذا كان لوحده؟الجواب: إذا كان في المدينة فكيف يقصر وهو ما خرج؟! فإنه لا يعتبر مسافراً حتى يخرج، فإذا كانت المدينة بلده، وأراد أن يسافر منها فإنه لا يقصر إلا إذا بدأ بالسفر وخرج من البلد، أما كونه في داخل البلد فلا يقصر.والفرق بين كونه في المدينة وغير المدينة أنه إذا كان في بلد غير بلده، وأراد أن يسافر إلى بلد ما، وجلس فيها أربعة أيام فأقل فإن له أن يقصر إذا صلى وحده، وأما إذا كان أقام أكثر من أربعة أيام فإن حكمه حكم المقيمين، فليس له حق القصر، وإنما عليه أن يتم، لكنه إذا كانت إقامته في بلد أقل من أربعة أيام أي: يجزم بأنه سيجلس في البلد ثلاثة أيام أو يومين فإن له أن يقصر إذا صلى وحده، لكن إذا صلى مع الجماعة فإنه يصلي بصلاة الإمام ويتم. حكم إفطار الصائم قبل الخروج من البلد السؤال: هل الصائم يجوز له أن يفطر قبل الخروج من المدينة؟الجواب: هو لا يعتبر مسافراً إلا إذا خرج من البلد، فبالنسبة للصيام لا ينبغي له أن يفطر إلا إذا سافر؛ لأنه في حال إقامته وكونه في البلد، فإنه قد يحصل له مانع يمنعه من السفر، فيكون أفطر وهو غير مسافر. مدى صحة حديث: (أن الملائكة لا تقرب الجنب) السؤال: هل صحيح أن الملائكة لا تقرب الجنب؟ فإن كان صحيحاً فما المقصود بالملائكة، هل هما الموكلان؟الجواب : الحديث الذي فيه أن الجنب لا تقربه الملائكة فيه كلام، ولو صح فيحمل على من يتهاون بأمر الجنابة ولا يبالي بالاغتسال؛ أي: بتأخيره وعدم المبادرة إليه، لكنه ليس مثل الإنسان الذي يريد أن ينام فيتوضأ، ثم يبيت وقد خفف الجنابة عن نفسه، فالحديث فيه كلام، والشيخ الألباني أيضاً ما ذكره في جملة صحيح النسائي، وإنما ذكر الباب وحذف الحديث ليذكره في الضعيفة.والذي جاء في ذكر الكلب والصورة هذا ثابت، وإنما ذكر الجنب هو الذي فيه الكلام، وحديث الصورة والجنب جاء فيه أحاديث أخرى.وقيل: المراد بالملائكة ملائكة الرحمة، وأما جنس الملائكة الذين هم مثل الحفظة أو الكتبة، فهؤلاء لا يفارقون الإنسان. وقفة مع قول المحدثين: فيه تشيع السؤال: ما معنى قول المحدثين من أهل الجرح والتعديل: فيه تشيع؟ هل هو من يقدم علياً رضي الله عنه على الشيخين؟الجواب: هذا هو الغالب على المراد فيما إذا قالوا: فيه تشيع، وأن المقصود منه تقديم علي على عثمان، أما تقديم علي على الشيخين فهذا لا يقال له: تشيع، وإنما هذا رفض، أي: من قدم علياً على أبي بكر وعمر وقال إنهم ظلموه في كونهم ما أعطوه الخلافة، وما صارت له الخلافة، وكذلك سب الشيخين، فهذا هو الرفض، وإنما التشيع هو تقديم علي على عثمان في الفضل، وبه قال بعض أئمة أهل السنة مثل: ابن جرير، ومثل: الأعمش، ومثل: عبد الرزاق، ومثل: عبد الرحمن بن أبي حاتم، وغيرهم، فقد جاء عنهم هذا الشيء، وهذا لا يؤثرا عليهم، وإنما الذي يؤثر عليهم تقديم علي على عثمان بالخلافة، ومعنى هذا: أنه أتى بما يخالف ما اتفق عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.وأما بالنسبة للفضل فلا يؤثر، وشيخ الإسلام ابن تيمية في آخر الواسطية ذكر هذا فقال: إن تقديم علي في الفضل قال به بعض أهل السنة، ومثل هذا لا يبدع به، وإنما الذي يبدع به تقديمه عليه في الخلافة؛ لأن هذا اعتراض، وهذا معارضة ومناقضة لما كان عليه الصحابة، ولما اتفق عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. عدد رجال النسائي السؤال: كم عدد الرجال الذين خرج لهم النسائي؟الجواب: عدد الرجال الذين خرج لهم النسائي لا أذكرهم، ولا أعرفهم، لكن يمكن أن يعرفوا بالاستقراء والجمع، وهل هناك تأليف خاصاً بهم؟ فلا أذكر فيه شيئاً. توجيه عن الكتيبات التي تذكر فيها قصص التائبين السؤال: ما رأي فضيلة الشيخ في بعض الكتيبات التي فيها قصص التائبين في عصرنا؟ وما شابهها من القصص؟ هل هي مما أنكرها السلف واعتبرها من علامات أهل البدع؟الجواب: توبة إنسان فيها فائدة، وهي أنه يتذكر نعمة الله عز وجل عليه، وكون غيره أيضاً يعتبر ويتعظ، لا سيما الذين عندهم انحراف، فقد يكون اطلاعهم على شيء من ذلك سبباً لهدايتهم، فلا أعلم مانعاً يمنع من هذا. حكم أداء صلاة النافلة على الدابة في الحضر السؤال: هل تجوز صلاة النافلة على الدابة في الحضر؟الجواب: لا تجوز؛ لأن الأصل في الصلاة أن يكون فيها استقبال للقبلة، وتكون عن قيام، ولكن لا مانع من صلاة النافلة جلوساً، ولكن للمصلي جالساً نصف أجر القائم كما جاء بذلك الحديث، وفي حال السفر يمكن للإنسان أن يصلي على نافلته أينما توجهت؛ يعني: يبدأ يدخل في الصلاة وهو متجه القبلة، ثم يصلي أينما اتجهت به راحلته.وأما بالنسبة للحضر فلا؛ لأنه ما ورد شيء يرخص فيه؛ ولأن الصلاة من شروطها استقبال القبلة، واستقبال القبلة بالنسبة للسفر رخص فيه؛ يعني: في كونه يبدأ باتجاه القبلة، ثم يتجه إلى حيث يريد، ويصلي على راحلته وقد رخص في ذلك، وأما بالنسبة للحضر فما جاء الترخيص فيه، فيمكن للإنسان أن ينزل ويصلي. ثم أيضاً الركوب في الحضر قليل، بخلاف السفر فإنه متواصل، ولو جلس يصلي لراح عليه الوقت، وأما بالنسبة للحضر فإنه يركب قليلاً وليس طول وقته راكباً. ما يلزم من اقترض قرضاً ربوياً ثم تاب السؤال: من اشترى مصنعاً بقرض من بنك ربوي ثم تاب، فماذا يفعل بالمصنع؟الجواب: من المعلوم أن الاقتراض من البنوك بفوائد أن هذا أمر محرم، وهو ربا واضح، والإنسان الذي اقترض من البنك قرضاً فلا مانع من استمراره، ويتوب إلى الله عز وجل مما حصل، ومن تاب تاب الله عليه. مدى اعتبار الجامعة الإسلامية من الحرم النبوي السؤال: هل الجامعة الإسلامية داخلة في حدود حرم المدينة؟الجواب: الجامعة الإسلامية ليست من الحرم البين، ولا من الحل البين، فهي من المشتبهات، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)، فهي ليست من الحرم البين، ولا من الحل البين، فهي مشتبهة، وأما وادي العقيق الذي دونها فهو من الحرم بلا شك، وأما ما وراء الوادي فهو الذي فيه الجامعة، فهو محتمل وليس بمحقق، أي: لا كونها من الحرم ولا كونها من الحل، ولكن كما ذكرت حديث النعمان بن بشير: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام).فالأحوط والاحتياط ألا يصاد في ذلك المكان؛ لاحتمال أن يكون من الحرم، وهو من المشتبهات كما ذكرت، والله تعالى أعلم. حكم قول: يا شفاعة محمد السؤال: هل يجوز للإنسان أن يقول: يا شفاعة محمد في أثناء الكلام؟!الجواب: لا، لا يقول: يا شفاعة محمد! هل الشفاعة تنادى؟! الشفاعة لا تنادى، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يطلب منه الشفاعة وهو في قبره عليه الصلاة والسلام، وإنما تسأل من الله، فيقول: اللهم شفع فيّ نبيك، اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم اجعلني من الفائزين بشفاعته، هذا هو السؤال المشروع المطلوب الذي فيه الطلب من الله، والذي هو حق محقق، وأما سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة في قبره، أو الدعاء في قبره، أو أي طلب وهو في قبره، فهذا لا شك أنه من أبطل الباطل، بل هو شرك بالله سبحانه وتعالى؛ لأن الأموات لا يطلب منهم شيء، وإنما يدعى لهم ولا يدعون، ويسأل الله لهم ولا يسأل منهم أشياء.ومن المعلوم أن الصحابة الكرام وهم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا شيئاً من هذا، ولو كان خيراً لسبقوا إليه، لكنه شر فتركوه، ووقع فيه من شاء الله خذلانه. وصايا في طلب العلم السؤال: أحد الإخوة جزاه الله خيراً طلب من فضيلتكم أن تتحدثوا في الحث على طلب العلم؟الجواب: لا شك أن طلب العلم الشرعي شأنه عظيم، وفوائده لا تنحصر، وهو الطريق إلى معرفة الحق، والطريق إلى كون الإنسان يعبد الله على بصيرة وعلى هدى، وعلى بينة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيتعلم العلم ليستفيد ويفيد، ولينفع نفسه وينفع غيره.لكن طلب العلم يحتاج من طالبه إلى أن يراعي أموراً: منها: أن يكون طلبه للعلم خالصاً لوجه الله، وأن يريد من وراء ذلك أن يعرف الحق، ويعمل به ويدعو إليه، وينير الطريق لنفسه ولغيره بالعلم الذي يحصله ويظفر به.ومن ذلك: أن يجد ويجتهد في طلبه، فما دام اتجه إلى طلب العلم، وعنده القصد الطيب والنية الحسنة والرغبة الصادقة، فإن عليه أن يجد فيه، وأن يتعب نفسه ولا يخلد إلى الراحة والخمول والكسل؛ لأن الخمول والكسل لا يحصل من ورائهما شيء، بل لا يحصل من ورائهما إلا الضياع، ولا يحصل علماً بذلك، ويقولون في المثل: ملء الراحة لا يدرك بالراحة، وملء الراحة أي: راحة اليد، وهو الشيء القليل، وإنما يدرك بالتعب ومن أراد شيئاً فليبذل أشياء.أما إذا أراد تحصيل العلم ورغب فيه ولكن استولى عليه الكسل والخمول، فهذا لا يحصل علماً، وإنما هذا شأن العاجز الذي يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الأماني، وإنما عليه أن يجد ويجتهد وأن يبذل جهده ويبذل النفس والنفيس، ويشغل الأوقات ويذاكر العلم، فإن هذا هو الذي يكون به تحصيله، أما بدون الجد والاجتهاد، وبدون بذل الجهود في هذا السبيل، فإن الإنسان لا يحصل شيئاً، وقد جاء عن يحيى بن أبي كثير رحمه الله أنه قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم؛ يعني: من أراد أن يحصل علماً، فإنه لا يحصله براحة جسمه.ويقول الشاعر: لولا المشقة ساد الناس كلهمالجود يفقر والإقدام قتالأي: لولا المشقة صار الناس كلهم سادة، فإذا صارت السيادة بدون مقابل؛ يعني: ما تحتاج إلى تعب، ولا تحتاج إلى عناء، فكل الناس يصيرون سادة، لكن لما كانت السيادة لا تحصل إلا بالمشقة، وليس الكل يصبر على المشقة، فمن صبر عليها فهو الذي يحصل على السؤدد، ويحصل على شرف العلم، فما الكل يحصل على السؤدد، وإنما يحصله من يصبر على النصب والتعب والمشقة.وقوله: (الجود يفقر والإقدام قتال) أي: الإنسان عندما يكون كريماً وجواداً ويبذل، فبعض الناس يمتنع من البذل خشية الفقر وخشية الإقلال، ولكن الذي يحصل على السؤدد، ويحصل على الشرف هو الذي يبذل ولا يخشى الفقر، فيبذل وهو صحيح، ولا يخشى الفقر وعنده الأمل في الحياة، فلا يحصل منه البخل والمنع خشية أن يفتقر وإنما يبادر، ومن أجل ذلك تميز من يبذل ومن يمسك.وكذلك (الإقدام قتال) يعني: ما الكل يصبر على الإقدام؛ لأن فيه الموت، وكذلك الإقدام في الوغى وفي الجهاد في سبيل الله فيه الموت، وما الكل يقدم على ما فيه الموت، لكن السؤدد لا يحصله إلا من تعب، ولا يحصله إلا من حصل له عناء ومشقة.فمن الأمور التي يحتاج إليها طالب العلم ملازمة العلم مع إخلاصه وأن يكون جاداً في تحصيله وفي طلب العلم، والجد يكون بشغل الوقت، وكونه يقتني الكتب النافعة ويطالعها، وإذا لقي الشيوخ يسألهم، وإذا لقي التلاميذ ذاكرهم، وإذا لقي زملاءه ذاكرهم، وصار الشغل الشاغل في الطريق، وفي أماكن اللقاء، وفي أماكن الجلوس، وفي محل الدراسة، وفي البيت، وفي الطريق، وفي الملتقيات، وهو التباحث في العلم، فهذا هو الذي يحصل عن طريقه العلم فيجد ويجتهد.وإذا جد واجتهد وحصل فإن عليه أن يعمل بعلمه، ثم أيضاً عليه أن يرشد غيره للحق والهدى، وأن يدل غيره حتى يفيد كما استفاد، وحتى يهدي غيره كما اهتدى، وحتى يحصل أجراً على دعوته وإرشاده، ويحصل أيضاً مثل أجور الذين استفادوا خيراً بسببه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً).إذاً: من الأمور المطلوبة في حق طالب العلم: أن يخلص، وأن يجد ويجتهد، وأن يعمل، وأن يدعو غيره إلى ما عرفه من الحق والهدى؛ حتى يستفيد ويفيد.ثم إن طالب العلم عليه أن يستشعر بأن شرف العلم له شأن عظيم، ويكفي في شرف أهل العلم والمشتغلين بالعلم أن يطلق عليهم أنهم هم ورّاثُ رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ورث العلم النافع، ما ورث الدراهم والدنانير، وهذا شأن الأنبياء كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، ولكن الذي ورثوه هو العلم كما جاء في الحديث: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر).فإذاً: يكفي طالب العلم شرفاً أن يكون من جملة الورثة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي ميراثه العلم النافع؛ وهو علم الكتاب والسنة وما تفرع منهما، وما استنبط منهما، وما يخدمهما ويؤدي إليهما.فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين (أن العلماء ورثة الأنبياء)، فإذاً: فهذا شرف عظيم لهم، فيكفي طالب العلم أن يستشعر هذا المعنى، وأن يكون في عداد من يكونون كذلك.ثم إن هذا شأن طلب العلم في أي مكان، لكن إذا انضم إلى هذا الشرف شرف آخر وهو أن يطلب العلم الشرعي في الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، فهذا نور إلى نور، وخير إلى خير؛ يعني: كون الإنسان يوفق لأن يكون في عداد طلاب العلم الشرعي، ويوفق أيضاً لأن يحصل العلم وأن يطلب العلم في مدينة العلم أي: في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً يزداد شرفاً أن يكون في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا أيضاً خير إلى خير، ونور إلى نور، وبركة إلى بركة، وفضل إلى فضل.فاستشعار هذه المعاني وبذل الجهد في تحصيل العلم، واستشعار الأمور التي ذكرتها لا شك أن هذه من أهم المهمات لطالب العلم الشرعي الذي هو علم كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الرد على من زعم بأن طلب العلم تعطيل للدعوة السؤال: بعض الجماعات وبعض الناس يرى أن طلب العلم تعطيل للدعوة إلى الله عز وجل، فما رأيكم؟الجواب: ليس في طلب العلم تعطيل للدعوة، وإنما في طلب العلم تسلح للدعوة، فلابد للإنسان أن يكون عنده سلاح يدعو به؛ لأن الدعوة لا بد أن تكون على بينة، وأن تكون على بصيرة، ولا تكون على جهل وعدم علم، فعلى الإنسان أن يتعلم.ثم مجال الدعوة يمكن للإنسان أن يدعو في نفس البلد؛ يعني: يدعو غيره ممن هو بحاجة إلى دعوته وإرشاده وبيانه.ثم أيضاً ليس الإنسان دائماً وأبداً باق هنا، بل هو سيسافر ويحصل له سفرات فيسافر إلى بلده، وأيضاً يسافر إلى بعض المناطق وبعض البلاد، فإذا سافر يدعو، فإنه يترك العلم ويذهب يدعو وهو جاهل، وإنما يتعلم ثم يدعو؛ لأن الدعوة لا بد أن تكون مبنية على علم، فلا تنافي بين الدعوة وبين طلب العلم؛ لأن طلب العلم أولاً والدعوة بعد العلم، ثم يمكن للإنسان أن يدعو دون أن يسافر، أو أن يترك طلب العلم. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (79) - (باب استخدام الحائض) إلى (باب في الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض) إن شريعة الإسلام وسط بين الشرائع، فالحائض في شريعة الإسلام يجوز مؤاكلتها ومجالستها، ويجوز قراءة القرآن للمسلم وهو ملاصق للحائض أو مستند إليها. استخدام الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب استخدام الحائضأخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان حدثني أبو حازم قال أبو هريرة رضي الله عنه: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال: (يا عائشة! ناوليني الثوب، فقالت: إني لا أصلي، قال: إنه ليس في يدك فناولته)]. شرح حديث أبي هريرة في استخدام الحائض يقول النسائي رحمه الله: باب: استخدام الحائض، هذه الترجمة وما بعدها من التراجم تتعلق بأحكام الحائض، وهذه الترجمة وهي باب استخدام الحائض، أي: تكليفها بشيء وقيامها بخدمة، أو طلب شيء منها أن تفعله، مثل ما جاء في الحديث من المناولة التي اشتمل عليها الحديث الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة.فالمقصو� �: أن استخدام الحائض ومضاجعتها ومجالستها ومؤاكلتها، كل ذلك جائز، والترجمة معقودة لاستخدامها، وقد أورد فيه النسائي: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في المسجد فقال: (يا عائشة! ناوليني الثوب، فقالت: إنني لا أصلي) يعني: هذا كناية عن كونها حائض، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن ذلك ليس في يدك)، أي: أن حيضتها ليست في يدها، فكونها تعمل شيئاً بيدها، أو تناول شيئاً في يدها فلا علاقة له في الحيض الذي هو الدم، والذي هو المستقذر، فناولته الثوب لما بين لها عليه الصلاة والسلام أن ذلك سائغ، وأنه لا مانع منه، وأن حيضتها ليست في يدها، وكونها تلمس الشيء وتعطيه، أو تناوله لا يؤثر ذلك، بل إن مضاجعة الحائض ومجالستها ومؤاكلتها لا بأس بذلك.وهذا الحديث يدل على أن المرأة يمكن أن تناول وتخرج يدها من الباب، أو من النافذة وأن ذلك لا يعتبر دخولاً في المسجد، ولا يعتبر استخداماً للمسجد من الحائض، فإخراج يدها من الحجرة، أو من مكان خارج من المسجد ومد يدها إلى المسجد، كل هذا لا يؤثر، ولا يعتبر دخولاً منها للمسجد؛ لأن يدها عندما تناولها ليس الحيض فيها، وإنما الدم في محله، وفي موضعه الذي هو فرجها.وهذا الحديث أيضاً يستدل به على أن من حلف لا يدخل مكاناً، فمد يده إليه، أو أدخل يده إليه؛ فإن ذلك لا يعتبر دخولاً فيه؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت في حجرتها، وهي لا تدخل المسجد للحيضة التي معها، وكونها تمد يدها لا يؤثر ذلك، ولا يقال: إنها دخلت المسجد بإدخال يدها فيه. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في استخدام الحائض قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو العنزي الملقب بـالزمن، وهو ثقة، من شيوخ أصحاب الكتب الستة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، إذ كان بينه وبين وفاة البخاري أربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة ست وخمسين ومائتين، ومحمد بن المثنى توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وقد توفي أيضاً معه في تلك السنة محمد بن بشار الملقب بندار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهؤلاء الثلاثة جميعاً شيوخ لأصحاب الكتب الستة.[حدثنا يحيى بن سعيد].وهو يحيى بن سعيد القطان، المحدث المشهور، الثقة، الثبت، الناقد، المعروف بالكلام في الجرح والتعديل، وهو الذي سبق أن ذكرت: أن الذهبي ذكره وذكر عبد الرحمن بن مهدي، وقال في كتابه: الذين يعتمد قولهم في الجرح والتعديل، عندما ذكر جملة منهم على مختلف السنين ومختلف القرون، ذكر يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وقال: إنهما إذا جرحا شخصاً، فهو لا يكاد يندمل جرحه، يعني أنهما قد أصابا الهدف، فهو لا يكاد يندمل جرحه.فهذا يحيى بن سعيد القطان، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وفي طبقته يحيى بن سعيد الأموي، يعني: من طبقة شيوخ شيوخ البخاري؛ لأن البخاري يروي عنهما بواسطة: يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن سعيد الأموي، وهناك شخصان في طبقة قبلهما، وهما في طبقة صغار التابعين، وهما: يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن سعيد التيمي أبو حيان، فهؤلاء من طبقة صغار التابعين، وكلٌ منهم يقال له: يحيى بن سعيد، ومعرفة الشخص إذا كان مهملاً ولم ينسب فإنه يرجع في معرفته إلى طرق الأسانيد الأخرى؛ لأنه قد ينسب الشخص ويتحدد المقصود فيما إذا كان مهملاً، وهو يحتمل عدة أشخاص، وكذلك أيضاً يمكن أن يعرف عن طريق معرفة الشيوخ والتلاميذ، فيعين أحد الشخصين المتفقين في الاسم، أو في الاسم واسم الأب، يعرف ذلك بمعرفة التلاميذ والشيوخ.[عن يزيد بن كيسان].ويزيد بن كيسان هذا صدوق يخطئ، وحديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، والبخاري في الأدب المفرد.[حدثني أبو حازم].وهو سلمان الأشجعي الكوفي، وهو ثقة، وأبو حازم يطلق على عدة أشخاص، يعني في الكنية، والمقصود به هنا هو: سلمان الأشجعي الكوفي الذي يروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه هو الصحابي الجليل، المكثر من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أكثر السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين نظمهم السيوطي في ألفيته حيث قال: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كـالخدريوجابر وزوجة النبيِّ شرح حديث عائشة في استخدام الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن عبيدة عن الأعمش ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: إني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليست حيضتك في يدك).قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش بهذا الإسناد مثله].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو مثل حديث أبي هريرة؛ لأن حديث أبي هريرة يحكي ما حصل لـعائشة، وهنا عائشة تحكي ما حصل لها، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها: (ناوليني الخمرة من المسجد، فقالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك)، والمقصود أن هذا الحديث مثل حديث أبي هريرة المتقدم، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان في المسجد، فقال لـعائشة وهي في داخل حجرتها: (ناوليني الخمرة)، وهناك (ناوليني الثوب) كما في حديث أبي هريرة، والخمرة هي: ما يتخذ للصلاة عليها، كسجادة من خوص أو غيره، فهذه يقال لها: خمرة.وقوله: (من المسجد) ليس ذلك متعلقاً بالمناولة، وأن عائشة تحضر هذا من المسجد، بل هو متعلق بـ(قال)، يعني: قال لها وهو في مكان من المسجد: (ناوليني)، وليس المقصود من ذلك: أن الخمرة في المسجد وهي تدخل المسجد وتحضرها، وإنما المقصود من ذلك: أنه قال ذلك وهو في المسجد، وهو مثل حديث أبي هريرة المتقدم أنه كان في المسجد، وطلب منها أن تناوله، ولهذا قال: (إن حيضتك ليست في يدك)، ولو كان المقصود أنها تدخل لكان الأمر لا يختص باليد؛ لكن لما كان الإخراج لليد من داخل الحجرة إلى المسجد قال: (إن حيضتك ليست في يدك)، فدخول يدك إلى المسجد لا يؤثر؛ لأن الحيضة ليست فيها، والدم ليس فيها، وإنما هو في الفرج، وهي بجسمها في الحجرة، ولكنها ناولته ومدت يدها من داخل الحجرة إلى المسجد.فإذاً قوله: (من المسجد) متعلق بـ(قال)، وليس متعلقاً بالمناولة، وأنها تناوله من المسجد وأن تحضره من المسجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في المسجد، وهي بحجرتها، ولهذا عبرت بأنها قالت: إنها حائض، وأنها لا تدخل المسجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليست حيضتك في يدك)، يعني: إذا مدت يدها إلى داخل المسجد لا تعتبر دخلت المسجد، ولا يؤثر ذلك؛ لأن حيضتها في فرجها، وجسدها في داخل منزلها، ويدها هي التي خرجت من الحجرة وامتدت إلى المسجد، فذلك لا يؤثر. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في استخدام الحائض قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].قتيبة بن سعيد هذا من شيوخ النسائي الذين أكثر عنهم، بل هو أول شيخ روى عنه في سنن النسائي، وما أكثر ما يأتي ذكر قتيبة بن سعيد في الأسانيد يروي عنه النسائي، وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو منفرد في رجال الكتب الستة بهذا الاسم.[ عن عبيدة ].وهو عبيدة بن حميد فهو صدوق، وربما أخطأ، وحديثه عند البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له مسلم، وقد مر ذكر عبيدة بن حميد فيما مضى، ونبهت على أنه بفتح العين، وأن الذين بفتح العين كثيرون، وهم أكثر الرواة الذين في الكتب، والذين هم بضم العين قليلون، ففي التقريب تسعة أشخاص ممن يسمى عَبيدة بفتح العين، وثلاثة أشخاص ممن يسمى عُبيدة بضم العين، وهذا الذي يسمى في علم المصطلح بالمؤتلف والمختلف، والمتشابه، يعني: أنها تتفق الألفاظ في الرسم وتختلف في الحركات، ويقال له: مؤتلف ومختلف، ويقال له: متشابه.[عن الأعمش].والأعمش لقب اشتهر به سليمان بن مهران الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه، ويأتي كثيراً باللقب، ويأتي أيضاً بالاسم، وقد نبهت مراراً وتكراراً أن فائدة معرفة ألقاب المحدثين هي حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه.[ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم].ثم أتى النسائي بـ(ح) التحويل، ورمز (ح) حرف مفرد مهمل، وهو رمز إلى التحول من إسناد إلى إسناد، فيذكر النسائي إسناداً ثم قبل أن يصل إلى نهايته يعود من جديد، فيأتي بإسناد آخر عن شيخ آخر، ثم يلتقي الإسنادان عند راو معين، فحول الإسناد إلى إسناد آخر، فقال: (ح وأخبرنا إسحاق).وإسحاق بن إبراهيم هو: ابن مخلد الحنظلي المعروف بـابن راهويه، وقد عرفنا مراراً وتكراراً أنه ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد جمع بين الفقه والحديث، فهو محدث فقيه، وخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .[أخبرنا جرير].وهو: ابن عبد الحميد، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش].وهذا هو الملتقى مع الإسناد الأول، فـالأعمش عنده يلتقي الإسنادان الأول والثاني.[عن ثابت بن عبيد].وثابت بن عبيد ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة.[عن القاسم بن محمد].وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].القاسم هذا يروي عن عمته عائشة؛ لأن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يروي عن عمته عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما.والقاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة يروي عن عمته عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي مكثرة من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليس في الصحابيات من هو أكثر منها رواية، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.ثم ذكر النسائي إسناداً آخر يلتقي بـالأعمش، ويصل إلى الأعمش، وهو أن إسحاق بن إبراهيم روى هذا الحديث من طريق جرير عن الأعمش، ورواه أيضاً النسائي عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي معاوية، عن الأعمش.إذاً فبعض الإسناد الذي جاء بعد ذكر الحديث إسحاق بن إبراهيم والأعمش قد مرا في الإسناد الذي قبله.[حدثنا أبو معاوية].وهو ابن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [مثله بهذا الإسناد]، يعني: أن الإسناد من الأعمش فما فوق، والمتن مثل الذي قبله، والمقصود بكلمة (مثله): المماثلة التامة، والمماثلة في الألفاظ، بخلاف قولهم: نحوه، أي: إذا قالوا: بهذا الإسناد نحوه؛ فإن المقصود من ذلك: الاتفاق في المعنى مع الاختلاف في بعض الألفاظ، فهذا يعبر عنه بـ(نحوه)، وأما إذا كان المتن مطابقاً لما قبله فيقال فيه: مثله. بسط الحائض الخمرة في المسجد شرح حديث ميمونة في بسط الحائض الخمرة في المسجد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بسط الحائض الخمرة في المسجدأخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن منبوذ عن أمه أن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض)].قول المصنف رحمه الله: (باب: بسط الحائض الخمرة في المسجد).الخمرة كما عرفنا: هي السجادة من حصير أو غيره يصلى عليه، وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، قالت: (كانت إحدانا، أي: أمهات المؤمنين أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيقرأ القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد وهي حائض)، والمقصود بالجملة الثاني، وهي: بسط الحائض الخمرة في المسجد وهي حائض، لكن هذا لا يعني دخولها في المسجد؛ لأنها يمكن أن تبسطها وهي خارج المسجد فيما إذا كان باب الحجرة على المسجد، فهي تبسطها في المسجد وهي في باب الحجرة، ومن غير أن تخرج إلى المسجد؛ لأن الحد الفاصل بين الحجرة والمسجد الباب، فيمكن أن تقف في الباب وتبسط الخمرة في المسجد دون أن تخرج إلى المسجد.إذاً: ففي الحديث شاهد لما ترجم له المصنف، وفيه أيضاً: كون الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل رأسه في حجر إحدى أمهات المؤمنين ويتلو القرآن وهي حائض، ففي هذا دليل على جواز مثل ذلك، وأن قراءة القرآن عند الحائض، أو وهو متصل بالحائض، بمعنى مستند إليها أو ملاصق لها، وأن ذلك لا يؤثر، ولو كان فيها نجاسة، والدليل على ذلك فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث ميمونة في بسط الحائض الخمرة في المسجد قوله: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان].ومحمد بن منصور هذا سبق أن عرفنا أن للنسائي شيخين، هما: محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي، وكل منهما روى عن السفيانين؛ لكن كونه يفسر بأنه سفيان بن عيينة فهو الأوضح؛ لأن محمد بن منصور الجواز مكي، وسفيان بن عيينة مكي، وسفيان الثوري كوفي، ومن المعلوم أنه إذا ذكر شخص مهمل محتمل لشخصين أو أكثر؛ فإنه يحمل على من يكون له علاقته به أكثر، وهنا كونه يكون المكي الجواز هو أقرب؛ لأنهما من بلد واحد، وأنه كثير الملازمة وكثير الاتصال بـسفيان بن عيينة؛ فيكون هو أقرب من أن يكون الثوري، ومما يؤيد هذا ويزيده وضوحاً أن الذي روى عنه سفيان وهو منبوذ هذا روى عنه ابن عيينة، وذكروا ذلك في ترجمته في تهذيب التهذيب.إذاً: فهذا يوضح ما هو مشهور ومعروف من أن محمد بن منصور، وإن كان يحتمل اثنين: الجواز، والطوسي، إلا أنه يحمل على أنه سفيان بن عيينة، وأنه الجواز.ومحمد بن منصور الجواز ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وسفيان بن عيينة كذلك هو ثقة، ثبت، حجة، إمام، عابد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن منبوذ].هو منبوذ بن أبي سليمان، وقيل: إن اسمه سليمان بن أبي سليمان، ومنبوذ لقب، وهو مقبول، خرج حديثه النسائي وحده، يروي عن أمه، وأمه أيضاً مقبولة، خرج حديثها النسائي وحده.[عن ميمونة].وهي ميمونة أم المؤمنين بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكرها فيما مضى رضي الله عنها وأرضاها. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (79) في الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض شرح حديث عائشة: (كان رأس رسول الله في حجر إحدانا وهي حائض وهو يتلو القرآن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائضأخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر واللفظ له قالا: أخبرنا سفيان عن منصور عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر إحدانا وهي حائض وهو يتلو القرآن)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب في الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض، أورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون رأسه في حجر إحدانا فيقرأ القرآن، وهي حائض)، وهو مثل ما تقدم في الحديث الذي قبله حديث ميمونة، فيقرأ القرآن وهي حائض؛ ويدلنا هذا الحديث على جواز ذلك، وأنه لا بأس من قراءة القرآن في القرب من الحائض، أو في الاتصال بها، سواء كان رأسه في حجرها، أو هو مستند إليها، وما إلى ذلك من الأحوال، فكل هذا سائغ، وإن كان فيها نجاسة، فإنه لا يمنع من أن يكون على صلة بها أو يكون جسمه متصلاً بها وهو يقرأ القرآن، فالدليل على هذا هذه الأحاديث التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، عن ميمونة وعائشة رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رأس رسول الله في حجر إحدانا وهي حائض وهو يتلو القرآن) قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، وعلي بن حجر].إسحاق بن إبراهيم هو: الحنظلي بن راهويه، الذي تقدم ذكره قريباً، وعلي بن حجر هو: ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.[واللفظ له] وهذا عند النسائي، عندما يذكر الحديث عن شيخين يجعل اللفظ للأخير منهما وينص عليه، وأحياناً يجعل اللفظ لأولهما وينص عليه، يقول: واللفظ لفلان، يعني: للأول، وهذا قليل في عمل النسائي، والأكثر كونه يجعله للشيخ الثاني من الشيخين، فينص عليه ويقول: واللفظ له، فينص على اسمي شيخين من شيوخه ثم يقول: واللفظ له، والضمير يرجع إلى أقرب المذكور، وأقرب المذكور هنا هو علي بن الحجر، فيكون اللفظ لـعلي بن الحجر، أي: المتن لـعلي بن الحجر.[أخبرنا سفيان].وسفيان هنا مهمل غير منسوب، يروي عن منصور وهو: ابن صفية منسوب إلى أمه، وقد روى له السفيانان؛ لكن في ترجمة إسحاق بن راهويه في تهذيب التهذيب أنه روى عن ابن عيينة، فيكون هذا المهمل هو ابن عيينة.وسفيان بن عيينة مر ذكره قريباً.[عن منصور عن أمه].ومنصور هو: ابن صفية، واسم أبيه عبد الرحمن، فهو منصور بن عبد الرحمن بن طلحة الحجبي العبدري، نسبة إلى بني عبد الدار وإلى حجابة الكعبة، وهي سدانتها، يعني: أنه من آل شيبة الذين هم سدنة الكعبة وحجبتها، فـمنصور هذا هو: ابن عبد الرحمن الحجبي العبدري، وأحياناً ينسب إلى أمه فيقال: منصور بن صفية.ومنصور بن عبد الرحمن ثقة، وحديثه عند الجماعة إلا الترمذي، يروي عن أمه صفية، وصفية هي بنت شيبة، أيضاً هي عبدرية، واختلف في صحبتها، منهم من قال: إنها صحابية، ومنهم من قال: إنها غير صحابية، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].وعائشة قد تقدم ذكرها رضي الله عنها. الأسئلة اسم أم منبوذ ومدى صحة إسناد حديث ميمونة: (كان رسول الله يضع رأسه في حجر إحدانا...) السؤال: ما اسم أم منبوذ، وهل هذا الحديث صحيح الإسناد؟الجواب: اسم أم منبوذ لم يذكر فـالحافظ في التقريب لما جاء في ذكر النساء قال: أم منبوذ، وما ذكر اسمها، وقال: إنها مقبولة روى حديثها النسائي، والإسناد هذا الذي فيه قيل: عن منبوذ بأنه مقبول، وعن أمه بأنها مقبولة، طبعاً المقبول في اصطلاح الحافظ ابن حجر هو الذي يتابع ويحتاج إلى متابعة، ومن المعلوم أن الحديث جاء عن غير ميمونة بغير هذا الإسناد عن عائشة، وحديث عائشة دال على ما دل عليه حديثه، إلا ما يتعلق بذكر بسط الخمرة في المسجد، ومن المعلوم أن ذلك لا يؤثر؛ لأنه ليس فيه دخولها للمسجد، وإنما فيه أنها يمكن أن يحصل منها وهي خارج المسجد. مدى مشروعية الصلاة على السجادة والاستدلال بحديث عائشة على الجواز السؤال: هل يؤخذ من حديث عائشة مشروعية الصلاة على السجادة؟الجواب: نعم: يؤخذ منه جواز الصلاة على السجادة، وعلى الفراش، كما أنه يصلي على الأرض فيصلي على السجادة أو على الفراش، ولا يقال: مشروعية واستحباب الصلاة على السجادة؛ لأنه سائغ أن يصلي على الأرض كما يصلى على السجادة، فكل ذلك سائغ، ولا محذور فيه ولا مانع منه؛ لكن لا يقال: إنها سنة، بمعنى أنه يسن للإنسان أن يصلي على السجادة، وأنه يترك الأرض، لا، بل يقال: يمكن أن يصلي عليها، ويمكن أن يصلي على السجادة. ما يلزم الحائض إذا شاهدت الطهر ثم بعده بمدة خرجت الكدرة والصفرة السؤال: إذا شاهدت الحائض الطهرة ثم شاهدت بعدما اغتسلت بسبع ساعات تقريباً كدرة وصفرة، فهل تعيد الاغتسال؟الجواب : نعم، إذا كان في زمن الحيض، فإذا كانت الكدرة والصفرة هذه في زمن الحيض، بمعنى أن عادتها مثلاً سبعة أيام، فهي عند انتهاء الستة الأيام طهرت واغتسلت فخرجت الكدرة والصفرة في زمن العادة فهي حيضٌ. مدى الاستفادة من تقريب تقريب التهذيب السؤال: هناك في هذا الزمان من قام بتقريب تقريب التهذيب، فحذف الطبقات ورموز أصحاب الكتب الستة، فهل يستفاد من هذا الكتاب؟الجواب: كما هو معلوم أن التقريب أقل، وهو مختصر، وكما يقولون: المصغر لا يصغر، فهو لا يقبل الاختصار، والناس بحاجة إلى هذه الرموز وهذه الطبقات، ثم أيضاً عندما يريد الإنسان أن يعزو فإنه يعزو إلى هذا المختصر: اختصار فلان، وكما هو معلوم الكتاب في غاية الاختصار، وهو لا يحتاج إلى اختصار، والفائدة هي موجودة في التقريب وزيادة. مدى سنية حسر الرأس عند نزول المطر السؤال: هل ثبت أن من السنة حسر الرأس عند المطر، أو عند نزول المطر؟الجواب: أقول: لا أدري؛ لكن جاء في حديث في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج عند المطر ويقول: (إنه حديث عهد بربه)؛ لكن كلمة: (حسر الرأس) هذه ما يحضرني فيها شيء. حكم تقصير اللحية وتهذيبها السؤال: الرجاء بيان حكم تقصير أو تهذيب أو تحديد اللحية مع الأدلة؟الجواب: إذا كان المقصود بالتحديد هو الحد، يعني: حدها، فاللحية هي الشعر النابت على الخدين والذقن؛ على العارضين واللحيين؛ لأن لحي الإنسان فيه لحيان أيمن وأيسر، والذقن وهو ملتقاهما من أسفل، فالشعر النابت عليهما كله يقال له: لحية، هذا هو حدها.أما تقصيرها وأخذ شيء منها، فذلك لا يجوز؛ لأنه لم يأت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يدل على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعفي لحيته، وأصحابه يعفونها وهو يشاهدهم، بل ويأمرهم بعدة ألفاظ، فيقول: (أرخوها)، ويقول: (أعفوها)، ويقول: (وفروها)، وكل هذا يقتضي بقاءها وعدم التعرض لها، وقد جاء في سنن الترمذي حديث ضعيف جداً، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من عرضها وطولها)، وهذا حديث في إسناده عمر بن هارون البلخي، وهو متروك وضعيف جداً، لا يحتج به، ووجوده مثل عدمه. إذاً فالأصل هو تركها كما كان يتركها رسول الله عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.مداخلة: يأخذون ما زاد على القبض، فهل هذا ثابت؟الشيخ: لم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما هذا جاء عن عبد الله بن عمر بعد النسك، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل هذا لا في النسك ولا في غيره، وكذلك أبوه عمر رضي الله عنه ما فعل هذا. إذاً فالأخذ بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة الآخرين الذين لم يأخذوها عند النسك، أو لم يأخذوا شيئاً عند النسك، هذا هو المتعين الأخذ به والمصير إليه، وما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه لا يؤخذ به، وإنما يؤخذ بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول كان يتركها ولا يتعرض لها، ثم إن بعض الناس الذين يأخذون من لحاهم ويحتجون بفعل ابن عمر، لا يفعل كما يفعل ابن عمر، وإنما يتخذ هذا مدخلاً، ثم يكاد أن يحلق، يعني: من شدة التقصير؛ لأنه كما هو معلوم أن الأخذ منها ما زاد على القبضة، فإذا قبض الإنسان على لحيته وأخذ ما زاد عليها، فتكون لحيته طويلة ولا تكون قصيرة، ولكن كما قلت: حتى ما زاد على القبضة لا يؤخذ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخذ، والحجة هو فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام. حكم خدمة المرأة لزوجها السؤال: ما حكم خدمة المرأة لزوجها مع ذكر الدليل؟الجواب: خدمة المرأة لزوجها سائغ وجائز، وهذا هو الذي كان معلوماً من فعل أمهات المؤمنين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك نساء الصحابة ومن بعدهم، كلهم على هذه الطريقة وعلى هذا المنوال، والدليل هو ما جاء في الأحاديث الكثيرة من قيام النساء لخدمة أزواجهن، وفي مقدمتهن أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابيات اللاتي يخدمن أزواجهن. الراجح في اسم أبي هريرة ومدى صحة كونه أسلم على يد الطفيل بن عمرو الدوسي السؤال: ما هو الراجح في اسم أبي هريرة عند المحدثين؟ وهل صحيح أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم على يد الطفيل بن عمرو الدوسي في بداية البعثة؟الجواب: أبو هريرة اشتهر بكنيته أبي هريرة، واسمه فيه أقوال كثيرة أشهرها أن اسمه عبد الرحمن، هذا هو أشهرها وأوضحها عند العلماء.وأما إسلامه على يد من كان؟ فلا أدري، والطفيل بن عمرو الدوسي معلوم أنه متقدم في الإسلام، وكان ذلك قبل الهجرة، بل إنه هو الذي عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يهاجر إلى بلده، وأن قومه فيهم منعة، وأنهم يقومون بالدفاع عنه، ويمنعونه مما يمنعون أنفسهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (ارجع إلى قومك)، يعني: ولم يشأ أن يهاجر إلى بلده بلاد دوس، وكان الله عز وجل قد كتب وهيأ وقدر أن يكون ذلك المجيء إلى هذه المدينة المباركة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت هجرته إليها، ولن يوافق النبي عليه الصلاة والسلام الطفيل بن عمرو بالهجرة إلى بلاده، فقد عرض عليه ذلك رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وجاء إليه في المدينة، وجاء ومعه شخص آخر، وكان ذلك الشخص قد أصاب يده شيء من الألم، فقطع طرف إصبعه من شدة الألم الذي وجده، فبعد ذلك رآه في المنام الطفيل بن عمرو، يعني: بعدما مات ذلك الرجل، فرآه على حالة حسنة، ورأى أن ذلك القطع قد وضع عليه شيئاً غطاه به، فقال: ماذا حصل لك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص الطفيل بن عمرو الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يديه وقال: (اللهم وليديه فاغفر)، والحديث في صحيح مسلم. تنبيه طالب العلم بالصلاة على النبي عند ذكره خاصة في حلق العلم السؤال: فضيلة الشيخ! من الملاحظ أن الإخوة طلبة الحلقة لا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ومن المعلوم أن من أبرز فضائل أهل الحديث كثرة صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم، حبذا لو نبهتهم على ذلك فجزاكم الله خير؟الجواب: معلوم أن الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره مشروع ومهم، ومستحب، بل قد جاء في الحديث: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليِّ)، عليه الصلاة والسلام، وقال: (رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليِّ)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لكن الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بلازم أن يرفع بها الصوت؛ لكن يشرع للإنسان أن يتلفظ بها، وإن سمعت منه بصوت منخفض لا يشوش على أحد فهذا حسن، وإذا صلى وسلم عليه دون أن يرفع صوته، وبحيث يسمع نفسه فقد حصل المقصود؛ لكن إذا صلى وسلم عليه ورفع صوته رفعاً خفيفاً لا يشوش على أحد، فينبه من كان غافلاً، فهذا هو الذي ينبغي، ومن المعلوم أن هذا من أعظم المكاسب والفوائد التي يحصلها طلبة الحديث؛ لأنه كثير ما يأتي عندهم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلون ويسلمون عليه، عليه الصلاة والسلام فيحصلون الخير الكثير، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من صلى عليِّ واحدة صلى الله بها عشراً)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالذي ينبه عليه الجميع هو ألا يغفل أحد عن الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام عند ذكره عليه الصلاة والسلام، ويكون ذلك بصوت منخفض لا يحصل معه تشويش. النذر لخدمة الإسلام والمسلمين دون إذن الأبوين السؤال: هل يحق لي أن أنذر نفسي لخدمة الإسلام والمسلمين بدون إذن والدي؟الجواب: كل مسلم ينبغي أن يجعل نفسه في خدمة الإسلام والمسلمين، سواء كان بإذن الوالدين أو بدون إذنهم، فالإنسان يجتهد في أن ينفع نفسه، وينفع غيره ومن المعلوم أن خدمة الإسلام والمسلمين أعظم ما تكون بتوجيههم ودعوتهم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ومساعدتهم على ما يمكنهم مساعدتهم إياه، كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة)، يعني: كل هذا من نفع المسلمين ومن خدمة المسلمين ومن إفادة للمسلمين. ترك الزواج مخافة ترك الجهاد السؤال: هل يحق لي ألا أتزوج مخافة الجبن وترك الجهاد؟الجواب: لا، لا يترك الزواج مخافة الجبن وترك الجهاد، بل يتزوج ويجاهد، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيد المجاهدين وهو الذي تزوج، وشرع لأمته الزواج، وحثهم عليه ورغبهم فيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فمن استطاع الزواج فليبادر إليه، وليحرص مع ذلك على أن ينفع في الجهاد وفي غير الجهاد، والزواج لا يمنع الجهاد، فأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يجاهدون كلهم متزوجون إلا القليل، فما منعهم ذلك من الجهاد في سبيل الله رضي الله عنهم وأرضاهم. حكم تلاوة القرآن للحائض والجنب السؤال: هل يمكن أن نستدل بحديثي أبي هريرة وعائشة على جواز تلاوة القرآن للحائض، وكذلك جواز تلاوته للجنب؟الجواب: قراءة القرآن للحائض ليس فيه دليل على ما يمنع من ذلك، ثم أيضاً الحائض لا تستطيع التخلص من الحيض بيدها، بخلاف الجنب، فالجنب يتخلص من الجنابة بيده، فيذهب ويغتسل أو يتيمم إذا لم يجد ماء؛ لكن الحائض ما تستطيع إلا إذا انتهى الحيض، وإذا لم تقرأ قد يؤدي ذلك إلى نسيانها للقرآن، فقراءتها للقرآن لا مانع منه، لا سيما إذا كانت تخشى أن تنسى الحفظ؛ وليس هناك نص يمنع، بل هذا الحديث يستدل به بعض العلماء على أنها لا تقرأ القرآن، قالوا: لأنه ذكر، قالت: (وهي حائض)، يعني: أنه كان يقرأ القرآن وهي حائض، يعني: يمسها، فهذا الحديث لا يدل على أنها كانت تقرأ القرآن. حكم تسمية المدارس باسم أم النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: هناك مدرسة تسمى مدرسة آمنة بنت وهب، فما رأي فضيلة الشيخ في هذه التسمية؟ فإن آمنة بنت وهب لم تمت على الإسلام والتوحيد، وقد تؤثر هذه التسمية على الناس حيث يتعلق قلوبهم بهذا الاسم وصاحبه.الجواب: لا يصلح التسمية بأسماء غير المسلمين، ولا أيضاً من ينتسب للإسلام وعنده ما يناقض الإسلام، يعني: من جنس بعض المنتسبين للإسلام وعندهم أمور تناقض الإسلام، مثل ابن سينا والفارابي، فـابن سينا قال عنه ابن القيم في كتابه شفاء العليل: شيخ الملحدين ابن سينا في شرح حديث تحاج آدم وموسى، يعني: ذكر عنه تفسيراً في غاية السوء، وكذلك الفارابي فكان يقال عنه: إنه لا يقول بمعاد الأجسام، (المعاد الجثماني)، وإنما يقول: بمعاد الأرواح، فلما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية قال: فعليه -إن كان مات على ذلك- لعنة رب العالمين. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (80) باب غسل الحائض رأس زوجها - باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها يجوز مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، وكذلك تغسيلها لرأس زوجها، وكل هذا من يسر الدين وسماحته. غسل الحائض رأس زوجها شرح حديث عائشة: (كان النبي يومئ إلي رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: غسل الحائض رأس زوجها.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إلى رأسه وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض)].هنا يقول النسائي رحمه الله باب غسل المرأة رأس زوجها وهي حائض. هذه الترجمة تتعلق ببعض الأمور المتعلقة في الحائض، وهي كونها تغسل رأس زوجها في حال حيضها، وأن ملامستها له بالماء وغيره أنه لا بأس به ولا مانع منه، وقد أورد النسائي رحمه الله عدة أحاديث، أولها: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئ إليّ رأسه وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض)، يعني: أنه يخرج إليها رأسه من المسجد وهي في الحجرة، وذلك في حال اعتكافه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فتغسله وهي حائض، وهو واضح الدلالة على ما ترجم له، وأن هذا العمل سائغ وجائز وأنه لا مانع منه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يخرج رأسه إلى عائشة وهو في المسجد، وهي في الحجرة فتغسله وهي حائض. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان النبي يومئ إلي رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض) قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الفلاس، محدث، مشهور وناقد، كلامه كثير في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.[أخبرنا يحيى].وهو ابن سعيد القطان، وهو أيضاً محدث، ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، وهو ثقة ثبت وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سفيان].وسفيان هذا غير منسوب، فيحتمل أن يكون الثوري ويحتمل أن يكون ابن عيينة، وفي ترجمة يحيى بن سعيد القطان في تهذيب الكمال يقول: إنه روى عن السفيانين: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وفي ترجمة منصور بن المعتمر يقول: إنه روى عنه السفيانان: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، إذاً: فالاحتمال قائم؛ لأن كلاً من السفيانين روى عنهما يحيى بن سعيد القطان، وكلاً منهما رويا عن منصور بن المعتمر، ووجه الترجيح أو الذي يمكن أن يرجح به أحدهما على الآخر أن يقال: الأظهر أنه سفيان الثوري؛ لأن سفيان الثوري كوفي، ومنصور بن المعتمر كوفي، وسفيان بن عيينة مكي، ومن المعلوم أن ملازمة الكوفي للكوفي لكونه من بلده يكون له به خصوصية، بخلاف من هو في بلد آخر، فإنه لا يلتقي به إلا في رحلة وفي أوقات مخصوصة، وكونه في مكة يمكن أن يتم ذلك بحج أو عمرة أو رحلة لطلب الحديث.إذاً: فكون سفيان الثوري كوفياً ومنصور بن المعتمر كوفياً يجعل جانب رجحان أن يكون سفيان الثوري أقرب من أن يكون سفيان بن عيينة.وسفيان الثوري إمام محدث كبير مشهور، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، ولا تحصل إلا للقليل النادر من المحدثين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وسفيان غير منسوب كما عرفنا، وهذا يسمى المهمل في علم المصطلح وليس المبهم، فإذا قيل: عن رجل، أو حدثني رجل، فهذا يقال له: مبهم؛ لأنه غير مسمى، وأما المهمل يسمى ولكن تهمل النسبة، ويعرف التمييز بالرجوع إلى الطرق المتعددة، وقد يسمى بها ذلك المهمل، أو بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، فإنه يمكن بواسطة ذلك أن يعرف ذلك المهمل الذي هو غير منسوب.[حدثني منصور].هو منصور بن المعتمر ثقة ثبت، وهو كوفي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن إبراهيم].وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي أيضاً، وهو ثقة وفقيه مشهور، معروف بالفقه ومعروف بكثرة الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الأسود].وهو ابن يزيد النخعي، وخاله هو إبراهيم النخعي، وهو مخضرم وثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يحصل لهم شرف الصحبة، وقد كانوا موجودين في زمانه ولم يحصل لهم شرف لقياه حتى يكونوا بذلك من الصحابة.[عن عائشة].وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكرها كثيراً.إذاً: فهذا الإسناد رواته كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة: عمرو بن علي الفلاس، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان الثوري، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، وعائشة؛ سبعة رواة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، ومن دون الصحابية كلهم ثقات: الأسود بن يزيد، وإبراهيم بن يزيد، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، وعمرو بن علي الفلاس، فكل هؤلاء من الثقات. شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يخرج إليّ رأسه من المسجد وهو مجاور فأغسله وأنا حائض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث وذكر آخر عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إليّ رأسه من المسجد وهو مجاور فأغسله وأنا حائض)].وهنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريقٍ أخرى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إليها رأسه من المسجد وهو مجاور له، فتغسله وهي حائض، (ومجاور) يعني: معتكف، وهو مثل الذي قبله، بل هو موضحٌ للذي قبله؛ لأن كلمة: (يومئ) تفسرها هذه الرواية وهي: يخرج (ويومئ) يعني: يخرج، فالرواية الثانية هذه مفسرة للرواية الأولى. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يخرج إليّ رأسه من المسجد وهو مجاور فأغسله وأنا حائض) قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].وهو المرادي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، فخرج له مسلم وثلاثة من أصحاب السنن الأربعة، وهم من عدا الترمذي.[حدثنا ابن وهب]. وهو عبد الله بن وهب المصري، الثقة الفقيه، المكثر من الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرنا عمرو بن الحارث وذكر آخر].يعني: أن عبد الله بن وهب المصري روى عن عمرو بن الحارث وهو أيضاً مصري، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، أعني عمرو بن الحارث، والرجل الآخر هنا لم يسم فهو مبهم، والمبهم هو الذي لم يذكر اسمه بأن يقال: رجل، وأما إذا سمي كالذي مر في الإسناد الذي قبل هذا وهو سفيان، لم يقل: الثوري ولا ابن عيينة، فهذا يقال له: مهمل، يعني: مهمل النسبة، وأما هذا فيقال له: مبهم، والمبهم لا يؤثر إلا إذا كان وحده في الإسناد، أما ما دام قد ذكر مع غيره ممن هو ثقة فالعمدة على غيره، وهذا وجوده كعدمه لا يؤثر، سواءً ذكر أو لم يذكر، عرف أو لم يعرف؛ لأن العمدة على المسمى وهو ثقة، وهو عمرو بن الحارث المصري، وهذا الرجل الذي لم يسم الأظهر أنه عبد الله بن لهيعة؛ لأن النسائي تجنب حديث عبد الله بن لهيعة وأعرض عنه، وقد ذكروا أن ذلك من انتقائه، وأن حديث عبد الله بن لهيعة عنده ويعرفه حديثاً حديثاً، ومع ذلك لم يخرج في سننه عن عبد الله بن لهيعة؛ لأنه صدوق، احترقت كتبه فترك، ولم يأخذ عنه بعض العلماء، ومنهم من أخذ عنه وروى عنه، لكن النسائي تجنب حديثه، فلعله يعنيه؛ لأنه جاء في الإسناد: عن عمرو بن الحارث، ورجل آخر، فيحتمل أن يكون ابن لهيعة ولكنه لم يسمه؛ لأنه ما أراد الرواية عنه، وقد تجنب حديثه، وهو عمرو بن الحارث في طبقةٍ واحدة، وهما مصريان، وعبد الله بن وهب مصري، فالأظهر أنه عبد الله بن لهيعة، لكن كما قلت: لا يؤثر عدم تسميته؛ لأنه ليس عليه اعتماد، فوجوده كعدمه؛ لأن الاعتماد على المسمى وهو عمرو بن الحارث، وعمرو بن الحارث كما ذكرت هو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي الأسود]. وهو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي، المشهور بلقب (يتيم عروة)، وقيل له: يتيم عروة؛ لأن أباه أوصى به إلى عروة، فصار يقال له: يتيم عروة، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مدني. [عن عروة]. وهو عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين في المدينة، وهو من الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة]. يروي عروة عن خالته عائشة رضي الله عنها؛ لأن أمه أسماء بنت أبي بكر، هي أخت عائشة، فهو يروي عن خالته عائشة رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها في الحديث الذي قبل هذا.إذاً: فهذا الإسناد رواته كلهم من الثقات، وكلهم خرج له أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي: محمد بن سلمة المرادي، فإنه لم يخرج له البخاري ولا الترمذي، والباقون خرج لهم أصحاب الكتب الستة.وفي الإسناد: محمد بن سلمة المرادي، وعبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث، وهؤلاء مصريون، وأما يتيم عروة الذي هو أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، وعروة، وعائشة فهم مدنيون، فنصف الإسناد مصريون، ونصفه مدنيون، وكل الرواة ثقات الذين هم دون الصحابية، وأما الصحابة فلا يقال عن الواحد فيهم: ثقة، وإنما يكفي أن يقال عنه: صحابي كما عرفنا ذلك فيما مضى، فالصحابة لا يحتاجون إلى تعديل مع تعديل الله لهم وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين. شرح حديث عائشة: (كنت أرجل رأس رسول الله وأنا حائض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: (كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض)].وهنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وترجله يعني: تسرحه، والترجيل هو: تسريح الشعر، وهذا يدل على أن كون المرأة تغسل شعر رأس زوجها أو ترجله وتسرحه في حال حيضها أنه لا بأس بذلك ولا مانع منه. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أرجل رأس رسول الله وأنا حائض) قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، الثقة الثبت، والذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد جاء ذكره كثيراً في سنن النسائي، بل هو أول شيخ روى عنه النسائي في سننه.[عن مالك]. وهو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام، صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة، وهو من أئمة الحديث في الفقه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة]. وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وأبوه عروة، وعروة يروي عن عائشة، وقد مر ذكرهم في إسناد الحديث الذي قبل هذا. شرح حديث عائشة: (كنت أرجل شعر رسول الله وأنا حائض) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك (ح) وأخبرنا علي بن شعيب حدثنا معن حدثنا مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها مثل ذلك].وهنا أورد النسائي طريقاً آخر أو طريقين آخرين من النسائي، وكلها تلتقي عند مالك.والنسائي ما ذكر المتن، ولكنه أحال إلى المتن الذي قبله، وقال: (مثل ذلك)، يعني: ذلك الحديث المتقدم، وهو أن عائشة قالت: (كنت أرجل شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض)، فالمتن في هذا الإسناد مثل المتن السابق، وقد ذكرت سابقاً أن التعبير بمثله يقتضي المماثلة في المتن، بخلاف التعبير بنحوِه؛ فإن هذا يقتضي الاتفاق في المعنى وإن حصل اختلاف في بعض الألفاظ، فهذا يقال فيه: نحوه، وأما إذا كان المتن مطابقاً للمتن فيقال: مثله. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أرجل شعر رسول الله وأنا حائض) من طريق أخرى قوله: [قتيبة بن سعيد عن مالك].وهو مماثل للإسناد الذي قبل هذا.[(ح) وأخبرنا علي بن شعيب].ثم أتى بـ (ح) التحويل فقال: وعلي بن شعيب وهو السمسار البغدادي، وهو ثقة، وخرج حديثه النسائي وحده، ولم يخرج له الباقون من أصحاب الكتب الستة. [حدثنا معن]. وهو معن بن عيسى، وهو ثقة ثبت، وقال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى.[عن مالك]. مالك هو الذي مر في الإسناد الذي قبله.وعلى هذا فالإسنادان: الإسناد العالي، والإسناد النازل كلاهما إلى مالك؛ لأن بين النسائي وبين مالك في الإسناد الأول قتيبة بن سعيد، وفي الإسناد الثاني بينه وبين مالك شخصان وهما: علي بن شعيب ومعن بن عيسى، فالإسناد الثاني يعتبر نازلاً بالنسبة للإسناد الأول، والإسناد الأول يعتبر عالياً بالنسبة للإسناد الثاني. [عن الزهري]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر ذكره كثيراً، وهو فقيه محدث جليل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عروة عن عائشة]. وقد مر ذكرهما في الأسانيد السابقة. توضيح معنى: إسناد العالي والنازل ونقول بأن العلو والنزول نسبيان، يعني: يكون الإسناد عالياً بالنسبة إلى إسناد آخر، ونازلاً بالنسبة إلى إسناد عال، والإسناد العالي هو: الذي يقل فيه الرجال بين المصنف وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسناد النازل هو: الذي يكثر فيه الرجال، فمثلاً: أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، فيكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، هذا بالنسبة لكامل الإسناد، لكن هنا بالنسبة للرواية عن مالك، فإن النسائي روى عن مالك الحديث من طريقين: طريق فيه بينه وبين مالك: قتيبة شيخه، وطريق آخر بينه وبين مالك: علي بن شعيب البغدادي ومعن بن عيسى المدني، فإذاً يعتبر الإسناد الأول عالياً بالنسبة للإسناد الثاني؛ لأن النسائي في الإسناد الأول بينه وبين مالك شخص واحد وواسطة واحدة، وفي الإسناد الثاني بينه وبين مالك واسطتان، إذاً الإسناد الأول أعلى من الثاني؛ لأن الأول قلت الوسائط وليس فيه إلا واسطة واحدة، وفي الإسناد الثاني كثرت الوسائط ففيه واسطتان.إذاً عندنا الأسانيد العالية والنازلة؛ فالأسانيد العالية: هي التي يقل فيها الرواة، فمثلاً: النسائي أعلى الأسانيد عنده الرباعيات، والبخاري أعلى الأسانيد عنده الثلاثيات، ويقال: إن أنزل الأسانيد عنده التساعيات، يعني: تسعة أشخاص بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثيات، وعنده أحاديث أسانيدها ثمانيات وسباعيات وسداسيات، لكن عنده تساعيات، ويقال: إنها أنزل شيءٍ عنده، أو أطول شيءٍ عنده التساعيات، وأما النسائي فلا أدري ما هو أنزل شيء عنده، لكن عنده عشاريات، يعني: بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أشخاص. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (80) مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها شرح حديث عائشة في مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها. أخبرنا قتيبة حدثنا يزيد وهو ابن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن شريح عن عائشة رضي الله عنها قال: (سألتها: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك، وكان يأخذ العرق فيقسم علي فيه، فأعترق منه، ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب فيقسم علي فيه قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح)].وهنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكون الطعام بين يديه، فيأخذ العرق وهي طامث أو عارك، والطامث والعارك هي: الحائض؛ يقال لها: طامث، ويقال لها: عارك، وقد جاء في الحديث هذا ذكر عارك وطامث والمراد به أنها حائض، فكان رسول الله يأخذ العرق ويعطيه لـعائشة قبل أن يأكل منه ويحلف عليها أن تتعرق، ثم تأخذه وتتعرقه، وإذا وضعته أخذه وأكل من حيث أكلت، يعني: المكان الذي كانت تضع عليه فمها، يضع فمه عليه عليه الصلاة والسلام.والعرق: هو العظم الذي عليه بقية من اللحم بعدما يخفف، فيتناوله الآكل ويأكل منه، يعني: لا يأخذه وهو كثير، وإنما يخفف ما عليه من اللحم حتى يبقى عليه قليل من اللحم فيتناوله الآكل، فيتعرقه يعني: يأخذه بأسنانه، وكان عليه الصلاة والسلام يقسم على عائشة ويحلف عليها أن تأخذه وأن تأكل قبله فتأكل، ثم يأخذ فيأكل من حيث أكلت، وكان يدعو بالماء فيؤتى به فيقسم عليها أن تشرب قبله، فإذا شربت أخذه ووضع فمه على الناحية التي وضعت فمها عليها من القدح فيشرب منه وهي حائض، والحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة مؤاكلتها والشرب من سؤرها، وهذا الحديث واضح الدلالة عليه.وفيه أيضاً: بيان أن الدين الإسلامي وسط بين ما كان عليه اليهود والنصارى، فإن اليهود إذا حاضت المرأة لا يجالسونها، ويتجنبونها ويبتعدون عنها، والنصارى يجامعونها، فعندهم إفراطٌ وتفريط، والدين الإسلامي وسطٌ بين ما كان عليه اليهود وما كان عليه النصارى؛ لأنها تؤاكل ويجلس معها، لكن لا تجامع.وهذا الحديث فيه ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من كمال الأخلاق وحسن المعاشرة لأهله عليه الصلاة والسلام، ولطفه بهم ومؤانسته إياهم، فإنه كان كما ذكرت عائشة يعطيها العظم الذي عليه لحم ويحلف عليها أن تأكل قبله، ثم إذا أكلت أخذه منها ووضع فمه حيث وضعت فمها من العرق، فيأكل من بقية ما أكلت، ويؤتى بالماء فيحلف عليها أن تشرب قبله، وإذا شربت أخذه منها ووضع فمه على حافة الإناء في الجهة التي وضعت فمها عليها، فهذا من حسن معاشرته لأهله، ولطفه بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها قوله: [أخبرنا قتيبة]. قد مر قريباً. [حدثنا يزيد وهو ابن المقدام]. وهو يزيد بن المقدام بن شريح، وهو صدوقٌ، وخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الثلاثة: أبو داود والنسائي وابن ماجه.[عن أبيه]. وأبوه هو المقدام بن شريح، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن شريح]. يعني: المقدام يروي عن شريح، وهو: شريح بن هانئ، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم، والبخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عائشة]. وهي أم المؤمنين، وقد مر ذكرها في الأسانيد الماضية.وهذا الحديث يعتبر من روايات من روى عن أبيه عن جده؛ لأن يزيد يروي عن المقدام عن شريح، فـيزيد يروي عن المقدام، والمقدام يروي عن شريح، فهي رواية ابن عن أب عن جد. شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه فيشرب من فضل سؤري وأنا حائض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أيوب بن محمد الوزان حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه، فيشرب من فضل سؤري وأنا حائض)].وهنا أورد النسائي حديث عائشة من طريقٍ أخرى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع فمه على موضع فمها من الإناء الذي شربت منه، فيشرب من سؤرها وهي حائض، وهو دالٌ على ما ترجم له المصنف، وهو مثل الذي قبله، ويدل على ما دل عليه الذي قبله. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه فيشرب من فضل سؤري وأنا حائض) قوله: [أخبرنا أيوب بن محمد الوزان].وهو أيوب بن محمد الوزان، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه .[حدثنا عبد الله بن جعفر]. وهو عبد الله بن جعفر الرقي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عبيد الله بن عمرو]. وهو الرقي أيضاً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش]. وهو سليمان بن مهران الكاهلي، والأعمش لقب له، وهو مشهور بلقبه، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن المقدام بن شريح عن أبيه].وقد مر ذكرهما في الإسناد السابق. الأسئلة الحلف بالطلاق على شيء مطابق للواقع السؤال: رجل حلف بالطلاق على شيء، وكان ما حلف عليه مطابقاً للواقع، هل عليه شيء؟ يقول: غير حرمة الحلف بغير الله.الجواب: الإنسان لا يحلف بالطلاق، لكن إذا كان الذي حصل عليه الحلف مطابقاً للواقع وما حصل، ليس عليه شيء، لكن لا يجوز له أن يحلف إلا بما يحلف به، فلا يحلف بالطلاق ولا بغيره، وإنما يحلف بالله. تكنية التلميذ لشيخه بكنية يختارها له السؤال: هل يجوز للتلميذ أن يكني شيخه بكنية يختارها له؟ وهل وقع أن كنى تلميذ شيخه بكنية هو يختارها له؟ الجواب: لا أعرف أن التلميذ يختار كنية، وإنما الشيخ يعرف بكنية أو يشتهر بها، فيكنى بما هو معروف به، أما كون التلميذ يكنيه بشيء فلا أعرف عنه شيئاً، هل حصل هذا؟ يمكن أن يكني ويشتهر؟ لكن هل يكنيه من تلقاء نفسه ويأتي بشيء من تلقاء نفسه؟ فكونه يكنى أو أحد يكنيه ثم يشتهر بهذه الكنية، يعني: الكنية لا تلزم أن تكون عن الأولاد؛ لأن الكنية تكون بدون ولد، والصغير يكنى، مثل ما جاء في الحديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟)، طفل صغير يلعب بالنغير وقد كني، وأبو بكر ليس له ابن اسمه بكر، وعمر ليس له ابن اسمه حفص، وبعض الصحابة لهم كنى ليس لهم أولاد بهذه الأسماء. حكم هدم المساجد لمصلحة تقتضيه السؤال: هل يجوز هدم المساجد إذا لم ينو إعادة بنائها؟ الجواب: هدم المساجد إذا كان هدمها لأمر يقتضيه كأن تكون على قبور فجائز وإن لم ينو إعادة بنائها؛ لأن إعادة بنائها في نفس المكان لا يجوز، وكذلك إذا هدم المسجد لكونه قريباً جداً من مسجد آخر، يعني يهدم ولا ينوى إعادة بنائه؛ لأنه قريب من مسجد. حكم السهر على اللعب واللهو السؤال: ما حكم السهر على اللعب واللهو؟ هل هو محرم أو مكروه؟ الجواب: من المعلوم أن السهر حتى لو كان سليماً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يكرهه؛ كما جاء في الحديث: (كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها) أي: صلاة العشاء، لكن إذا كان سهره لأمور نافعة وأمور تنفع المسلمين، أو ينتفع بها الإنسان ولا يؤثر ذلك على التخلف عن صلاة الفجر، فإنه لا بأس به، أما كون الإنسان يقضي وقته بالسهر واللعب، وقد يكون اللعب في أمور محرمة، فلا شك أن الابتعاد عن ذلك متعين ولازم؛ لأن هؤلاء الذين يشغلون أوقاتهم باللعب وقد يكون اللعب في أمور محرمة يجمعون بين مصائب؛ كونهم يقضون أوقاتهم في أمر محرم، وكونهم يتأخرون عن صلاة الفجر أو ينامون عنها، فيكونون قد جمعوا بين مصيبتين وبين بليتين: انشغال في أمر محرم، وفوات صلاة الفجر عليهم. كيفية معرفة القائل في سند النسائي: (وذكر آخر) السؤال: قال النسائي رحمه الله: (أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث وذكر آخر)، قوله: (وذكر آخر) يحتمل أن يكون من كلام ابن وهب أو من كلام محمد بن سلمة أو من كلام النسائي، فكيف عرفنا أنه من كلام النسائي؟ الجواب: هو محتمل، لكن فهمنا أنه من كلام النسائي؛ لأنه كان متجنباً الرواية عن حديث ابن لهيعة، فهو إذا جاء في إسناد واحد فلا يأتي بالإسناد إذا كان ليس فيه إلا ابن لهيعة، فيتجنبه، لكن إذا كان فيه غيره فهو يأتي بذلك الغير ويحافظ على ما كان موجوداً فيبهمه، وهذا يحصل من بعض العلماء عندما يكون لا يروي عن شخص، ولكن الطريقة أنه جاء مقروناً بغيره وهو لا يريد أن يذكره فيبهمه، يعني: عبد الله بن وهب طبعاً ما يحتمل أن يكون منه؛ لأنه هو سماه عبد الله بن وهب، فما بقي الاحتمال إلا لـمحمد بن سلمة والنسائي، أما ابن وهب فما يحتمل فيه؛ لأن ابن وهب ذكر اسمه، وإنما الذي دونه هو الذي قال: ورجلٌ آخر، فلم يبق إلا محمد بن سلمة والنسائي، وكونه النسائي فهو أقرب؛ لأنه معروف أن النسائي تجنب حديث عبد الله بن لهيعة. حكم الصلاة على التراب أو الحصير في السفر والحضر السؤال: إذا كان الإنسان في البر، فهل السنة أن يصلي على حصير أو يصلي على التراب؟ لأن بعض الناس يقول: إن الصلاة على التراب إذا كان الإنسان في البر -مثلاً- هو السنة.الجواب: أبداً، بل كل ذلك جائز، يصلي على الأرض، أو يصلي على الفراش، كل ذلك سائغٌ وجائز، والذي يصلي على الفراش أو على سجادة أو ما إلى ذلك لا يقال: إنه خالف السنة، بل الأمر فيه سعة. حكم الصلاة على السجادة في المسجد السؤال: ما حكم الصلاة على السجادة إذا كان في المسجد؟ الجواب: الصلاة على السجادة إذا كانت على البلاط ويريد أن يضعها من أجل تجنب البرودة فلا بأس به، أما كون الإنسان يأتي بسجادة معه فيتعب بنقلها، ثم يأتي ويفرشها على فراش، نقول: هذا لا وجه له ولا حاجة له. حكم دعاء أهل القبور وقبول العذر ممن يجهل الحكم السؤال: هل دعاء أهل القبور والاستغاثة بهم شرك؟ وهل يعذر الجهلة منهم أو لا يعذرون؟الجواب: وهو كون أصحاب القبور يدعون ويستغاث بهم فهذا هو الشرك، وإذا لم يكن هذا هو الشرك فما هو الشرك؟ فكونه يقال: إن فلاناً شارك الله في خلق السموات والأرض إذا دعا غير الله عز وجل، وسأل غير الله مما لا يسأل إلا منه سبحانه وتعالى، كسؤال الأموات ونداء الملائكة أو الجن والاستغاثة بهم، وسؤال الغائبين فيما لا يقدرون عليه، وما لا يجوز أن يسأل مثل الغائب، وأن الغائب يمكن أن يسأل وكأنه حاضر مثل الذي عن طريق التلفون، كل ذلك كفر وشرك أكبر، وصاحبه قد أتى ما يقتضي الكفر، ولكن وجود ذلك من بعض من ينتسب للإسلام، اختلف في ذلك: هل يعذر بالجهل أو لا يعذر؟ فمنهم من قال: إنه لا يعذر، ومنهم من قال: يعذر حتى تقام عليه البينة، فإن قامت عليه البينة واستمر فإنه لا يعذر. حكم تغسيل الشهيد والصلاة عليه السؤال: هل من خصائص الشهيد أنه لا يغسل ولا يصلى عليه؟ وما هو الدليل على ذلك؟ الجواب: شهيد المعركة في الجهاد في سبيل الله عز وجل في قتال الكفار لا يغسل؛ لأن تغسيله يزيل الدم، والسنة جاءت بأنهم يكفنون في ثيابهم ولا يغسلون؛ لأن التغسيل يذهب معه أثر القتل، وهو يأتي يوم القيامة والدم يخرج منه، اللون لون الدم والريح ريح المسك، ويكون ذلك شهادة له بأنه قتل في سبيل الله، فكونه يخرج الدم منه يوم القيامة على هذه الحال، فهذه علامة على كونه قتل في سبيل الله.وأما الصلاة، فإنه يمكن أن يصلى عليهم، وإذا تركت الصلاة عليهم فلا بأس بذلك، لكن إن صلي عليهم فالصلاة عليهم سائغة وجائزة؛ لأنها دعاءٌ لهم، وإن لم يصل عليهم فهو سائغ، وأما التغسيل فإنهم لا يغسلون؛ لأن التغسيل يزيل أثر الشهادة الذي هو القتل في سبيل الله عز وجل. تقسيم السنن إلى عادية وتعبدية السؤال: هل صحيح أن العلماء قسموا السنة إلى قسمين: سنة تعبدية، وسنة عادية؟ فإذا كان الأمر كذلك فمثل لنا يا شيخ.الجواب: هناك سنن شرعها رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل: ما يتعلق بالصلاة وسنن الصلاة وأحكام الصلاة، فهذه يقال لها: سنن مشروعة، وهناك أفعال فعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي من أمور العادات، مثل: اللباس، يعني: يلبس كل اللباس بشرط ألا يوافق الكفار، وألا يكون فيه مشابهة وتقليد لهم، فسواءً لبس قميصاً على أي حالة، أو لبس إزاراً ورداءً، أو لبس ثوباً فضفاضاً، أو لبس أي لباس، فكل هذا سائغ وجائز، ولا يقال: إن من ترك ذلك اللباس ترك السنة، فكون الرسول كان يلبس العمامة فلا يقال: من لا يلبس العمامة على الهيئة التي لبسها الرسول صلى الله عليه وسلم مخالف للسنة؛ لأن أمر اللباس أمره واسع، فكان يلبس القميص، وكان يلبس الإزار ويلبس الرداء، والذي منع منه هو مشابهة المشركين والكفار، فهذا هو الذي يمنع منه.وهناك أمور جبلية من فعله عليه الصلاة والسلام، مثل: القيام، والقعود، وما إلى ذلك، فهذه أمور جبلية، يعني: لازمة للإنسان. حكم مبادلة مال الوقف بمال آخر مكانه السؤال: ورثنا من أبينا عدة أملاك من بينها عمارة وقف، وبعد توزيع الأملاك استبدل أخي ملكه بالوقف، فأخذ الوقف وجعل ملكه هو الوقف، فما حكم ذلك؟ الجواب: الوقف لا يغير ولا يبدل ولا يملك، بل منافعه تصرف في الجهة التي عينها الواقف، فإذا كان الوقف صحيحاً مشروعاً فإنه يصرف في مصارفه، وليس لأحد أن يبدل الوقف بغيره، بحيث يأخذ شيئاً من ماله فيجعله بدل الوقف، فهذا لا يجوز، وإنما الوقف على ما هو عليه، ولا يتصرف في الوقف ببيع ولا بهبة ولا بتبديل ولا بغيره. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (81) - باب الانتفاع بفضل الحائض - باب مضاجعة الحائض دلت الأحاديث على جواز الأكل والشرب مما فضل من طعام الحائض، وأنه يجوز مضاجعتها مع وجود حائل والمباشرة دون جماع. الانتفاع بفضل الحائض شرح حديث عائشة في الانتفاع بفضل الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الانتفاع بفضل الحائض.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه أنه قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض، ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي فيضعه على فيه)].يقول النسائي رحمه الله: باب: الانتفاع بفضل الحائض. الفضل: هو الزيادة؛ وهو السؤر الذي يبقى في الإناء بعد استعمالها من ماء؛ حيث تشرب من الإناء فيشرب من الإناء الذي شربت منه، والذي بقي من شربها، وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: إنها كانت تشرب من الإناء ثم تناوله النبي عليه الصلاة والسلام، فيشرب من ذلك الإناء -الذي شربت منه- بقية الماء الذي بقي من شربها، ويتحرى موضع فمها من القدح، فيضع فمه عليه الصلاة والسلام على موضع فمها رضي الله عنها، والحديث شاهد لما ترجم له المصنف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام انتفع من الفضلة التي أبقتها من الماء؛ حيث شرب بقية الماء الذي شربت منه، والذي هو سؤرها الباقي من شربها، بل إنه عليه الصلاة والسلام يضع فمه على موضع فمها من الإناء، وهذا فيه دليل على حسن معاشرته لأهله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولطفه بهم، وإحسانه إليهم عليه الصلاة والسلام.وهذا بخلاف ما كان عليه اليهود والنصارى الذين هم على طرفي نقيض؛ فإن اليهود إذا حاضت المرأة لا يؤاكلونها ولا يشاربونها ولا يجالسونها، والنصارى يجامعونها، ودين الإسلام جاء في التوسط بين هذا وهذا؛ بحيث تؤاكل وتشارب، ويؤكل مما تأكل منه، ويشرب مما تشرب منه، ويجلس معها، ويضطجع معها على الفراش، لكنها لا تجامع، فكان دين الإسلام وسطاً بين إفراط اليهود وتفريط النصارى. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الانتفاع بفضل الحائض قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].سبق أن مر بنا: أن النسائي له شيخان كل منهما يقال له: محمد بن منصور؛ أحدهما: المكي الجواز، والثاني: الطوسي، والجواز يروي عن سفيان الغير منسوب، وهو: ابن عيينة؛ لأن: محمد بن منصور الجواز مكي مثل سفيان بن عيينة مكي، وسفيان الثوري كوفي، ومن المعلوم أن لقاء المكي بالمكي وكثرة اتصاله به وكثرة أخذه عنه، تختلف عما إذا كان من بلد آخر لا يصل إليه ولا يلتقي به إلا برحلة، والرحلة تكون مؤقتة، فالذي له به اتصال وله به علاقة، فإنه يحمل عليه المهمل، فيكون محمد بن منصور هو الجواز المكي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب إلا النسائي.قوله: [حدثنا سفيان ].هو سفيان بن عيينة وهو أحد الأئمة الثقات الأثبات العباد، المعروف بكثرة الرواية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن مسعر].هو ابن كدام، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً، وقد مر ذكره قريباً.[عن المقدام بن شريح عن أبيه].هو المقدام بن شريح بن هانئ، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.وأبوه: شريح، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، فالذين خرجوا لـشريح هم الذين خرجوا لابنه المقدام بن شريح، فالمخرجون لهذا هم المخرجون لهذا، وهم: البخاري في الأدب المفرد، ومسلم في الصحيح، وأصحاب السنن الأربعة.[سمعت عائشة].هي عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية الوحيدة التي لم يرو أحد من الحديث مثلما روت في الكثرة، وهي أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث؛ لأنهم سبعة؛ ستة من الذكور وواحدة من الإناث وهي عائشة، وهي معروفة بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرو أحد من النساء مثلما روت رضي الله عنها وأرضاها.إذاً: فإسناد الحديث محمد بن منصور ثقة، خرج له النسائي وحده.وسفيان بن عيينة ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.ومسعر بن كدام ثقة ثبت، خرج له أصحاب الكتب الستة.والمقدام بن شريح وأبوه شريح كل منهما ثقة، وكل منهما خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.وعائشة خرج حديثها أصحاب الكتب الستة.إذا قال قائل: كيف عرفنا أن محمد بن منصور هو: الجواز المكي، وكيف عرفنا سفيان أيضاً؟نقول: سبق أن ذكرت فيما مضى: أن محمد بن منصور يطلق على اثنين: الجواز المكي والطوسي، والجواز المكي يروي عن سفيان بن عيينة وسفيان الثوري، لكن كون محمد بن منصور الجواز مكي، وسفيان بن عيينة مكي، فبهذا يعرف أنه الجواز؛ لأنه له خصوصية بـسفيان بن عيينة، بخلاف الثوري فإنه كوفي، ومن المعلوم أن اتصال المكي بالكوفي لا يكون إلا عن طريق رحلة، وعن طريق مناسبة يحصل به لقاؤهما. وإذا احتمل أن يكون سفيان بن عيينة أو أن يكون سفيان الثوري فالذي يروي عن محمد بن الجواز يحمل عند الإهمال على من له به اتصال، ومن له به علاقة وخصوصية. ومن المعلوم أن الاتصال والعلاقة والخصوصية إنما هي بين المكي الذي هو الجواز وبين سفيان بن عيينة المكي. شرح حديث عائشة في الأكل والشرب من موضع أكل وشرب الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا مسعر وسفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أشرب وأنا حائض، وأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، وأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في)]. هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو يتعلق بأكلها وشربها وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من فضلها وسؤرها، فبالنسبة لشرب الماء فإنه عليه الصلاة والسلام كانت عائشة تشرب من الإناء فيشرب منه بعدها، ويضع فمه على موضع فمها من الإناء. وبالنسبة للأكل فإنها كانت تتعرق العرق؛ يعني: أنها تأخذ العظم الذي عليه بقية اللحم، فتأخذ منه بأسنانها وتأكله، ثم يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منها، فيأكل من موضع أكلها من العرق -الذي هو العظم- الذي عليه بقية اللحم. وكما عرفنا أن هذا دال على حسن معاشرته لأهله عليه الصلاة والسلام، ولطفه بهم، ومعاملته الطيبة لهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهو أيضاً دال على ما ترجم له المصنف من الانتفاع بفضل الحائض، وهذا الانتفاع يتعلق بفضلها في المأكول والمشروب، وأنه يؤكل من حيث أكلت، ويمكن أن يوضع الفم على موضع فمها من الإناء، أو من العرق الذي عليه لحم. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الأكل والشرب من موضع أكل وشرب الحائض قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].محمود بن غيلان سبق أن مر ذكره في مواضع عديدة، وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، وخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه؛ يعني: خرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.[حدثنا وكيع].هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة إمام، ومحدث مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا مسعر وسفيان].مسعر هو: ابن كدام الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. وسفيان هنا غير منسوب، فـوكيع روى عن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، لكنه مكثر عن سفيان الثوري؛ لأنه كوفي وسفيان الثوري كوفي، فهو معروف بكثرة التحديث والأخذ عن سفيان الثوري، ومقل في الرواية عن سفيان بن عيينة؛ لأن الثوري من بلده. وهو عكس محمد بن منصور الجواز الذي مر؛ لأن محمد بن منصور الجواز مكي، وسفيان بن عيينة مكي، فعند الإطلاق والإهمال يحمل على من له به علاقة، ففي هذا الإسناد سفيان يحمل على من له به علاقة؛ وهي: كثرة الحديث عنه، وكثرة الأخذ عنه، وهو من أهل بلده الكوفة؛ لأن وكيعاً كوفي، وسفيان الثوري كوفي، وقد ذكر هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال: إن وكيع بن الجراح معروف بكثرة حديثه عن سفيان الثوري، ومقل عن سفيان بن عيينة، فإذا جاء مهملاً، فالقاعدة: أنه يحمل على من له به خصوصية، والخصوصية إنما هي لـسفيان الثوري.فإذاً: يكون هذا المهمل في هذا الإسناد يراد به سفيان الثوري، ولا يراد به سفيان بن عيينة، وهذا عكس ما جاء في الإسناد المتقدم بالنسبة لمحمد بن منصور الجواز وسفيان بن عيينة.وسفيان الثوري ثقة ثبت، وإمام حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة].هذا يتفق مع الإسناد الذي قبله، وقد عرفنا أن كلاً من المقدام وأبيه شريح ثقة، وكل منهما خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. مضاجعة الحائض شرح حديث أم سلمة في اضطجاعها مع رسول الله في خميلة وهي حائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مضاجعة الحائض.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا هشام ح وأخبرنا عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم حدثنا معاذ بن هشام واللفظ له حدثني أبي عن يحيى حدثنا أبو سلمة: أن زينب بنت أبي سلمة حدثته: أن أم سلمة رضي الله عنها حدثتها أنها قالت: (بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفست؟ قلت: نعم، فدعاني، فاضطجعت معه في الخميلة)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب مضاجعة الحائض. يعني: الاضطجاع معها في فراش واحد، واتصال البشرة بالبشرة، ولمس البشرة للبشرة من غير جماع، فهذا هو المقصود بالترجمة، يعني: أن المرأة الحائض لها أن تضطجع مع زوجها في فراش واحد وفي لحاف واحد. وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، واسمها هند بنت أبي أمية، أنها كانت مع رسول الله عليه الصلاة والسلام تحت الخميلة، وهي: غطاء فيه خمل وهو الهدب، وهي الأشياء البارزة التي هي ظاهرة منه، فكان ملتحفاً به ومعه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، ففي أثناء اضطجاعها معه شعرت بأن الحيض جاءها، أي: فاجأها الحيض، وجاءها وهي في فراشها، ولم تكن في أول الأمر حائضاً، لكن الحيض داهمها وهي في فراشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل منها الانسلال، يعني: أنها انسلت بخفية وبرفق؛ حتى لا تزعج الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يشعر بها؛ لأنها ظنت أن الحائض لا تضطجع بجوار زوجها وفيها الدم، قالت: (فاضطجعت معه في الخميلة) يعني: تحتها، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما شعر بها سألها عن الذي حصل لها، وقال لها: (أنفست؟ قالت: نعم، فدعاها) أي: أمرها أن ترجع، فدلَّ ذلك على أنه لا مانع ولا بأس من مضاجعة الحائض، وبقائها مع زوجها وهي حائض، وكذلك مس بشرته بشرتها وهي حائض، ولكن لا يجامع، وهذا الذي يدل عليه حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا، حيث سوغ ذلك وأجازه، وأمرها بأن تعود وأن ترجع إلى فراشها معه، وأن ذلك لا يؤثر وهي معه.وقوله: (أنفست؟) هو بفتح النون وكسر الفاء من الحيض. وبضم النون: من النفاس بعد الولادة؛ يعني: حصول الدم بسبب الولادة، وهو مأخوذ من النفس، والنفس تطلق بمعنى الدم؛ لأن النفس لها معان، ومن ذلك قولهم: (ما لا نفس له سائلة، لا ينجس الماء إذا مات فيه)؛ يعني: ما ليس له دم، وهذه الكلمة سبق أن ذكرت أن ابن القيم في كتابه: (زاد المعاد في هدي خير العباد) قال: إن أول من قالها إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، فالتعبير بما لا نفس له سائلة في الحشرات والحيوانات هي التي ليس فيها دم، مثل: الجراد، والذباب، وما إلى ذلك مما لا دم فيه.إذاً: قوله: (أنفست) مأخوذة من النفس، والنفس هو الدم، يعني: أحصل لك دم الحيض؟ وخرج منك دم الحيض؟ هذا هو المقصود من ذلك، قوله: (قلت: نعم، فدعاني، فدخلت معه في الخميلة) أي: في ذلك الكساء الذي فيه خمل؛ وهو الهدب. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في اضطجاعها مع رسول الله في خميلة وهي حائض قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو الجحدري، البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا خالد].هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.[حدثنا هشام].هو أبو عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ح وأخبرنا عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم].قول النسائي: (ح) هذا هو التحويل من إسناد إلى إسناد وعبيد الله بن سعيد هو: السرخسي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، مأمون، سني، قيل له ذلك؛ لأنه أظهر السنة في بلاده سرخس، وحديثه عند البخاري، ومسلم، والنسائي. و إسحاق بن إبراهيم هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة ثبت، محدث فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .[حدثنا معاذ بن هشام واللفظ له، عن أبيه].قوله: (واللفظ له) يعني: لـمعاذ بن هشام، عن أبيه هشام. ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وأبوه الذي هو أبو عبد الله واسمه شنبر، ومعاذ هذا صدوق ربما وهم، وقد خرج له الجماعة، فالإسناد الأول: إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد، حدثنا هشام، والثاني: عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم قالا: حدثنا معاذ بن هشام، عن أبيه، فالتقى الإسنادان عند هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو كما ذكرت ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى].هذا غير منسوب، وهو ابن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وخرج حديثه الجماعة، وسبق أن مر بنا ذكره، وهو الذي ذكر عنه مسلم في صحيحه الكلمة المشهورة في الحث على طلب العلم والصبر عليه، وهو قوله: (لا يستطاع العلم براحة الجسم)، فهذا هو صاحب الكلمة العظيمة المشهورة التي رواها عنه مسلم بإسناده في الصحيح، وهو بصدد إيراد طرق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في مواقيت الصلاة، فكان يسرد تلك الأسانيد في مواقيت الصلاة، فأتى بالإسناد إلى يحيى بن أبي كثير، فقال: (لا يستطاع العلم براحة الجسم). قال النووي في شرحه: إن مسلماً أورد هذا الأثر في هذا المكان لما جمع هذه الطرق الكثيرة لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في مواقيت الصلاة، وتحصيل هذه الطرق وتجميعها والوصول إليها ما حصل إلا بتعب ومشقة، فلعله تذكر هذا الأثر فأورده في هذا المكان؛ لينبه على أن تحصيل العلم والتوسع فيه والتمكن فيه لا يحصل إلا بالتعب والنصب وبالمشقة، فهذا هو يحيى بن أبي كثير اليمامي بالميم، وهذا قد يلتبس أحياناً فيأتي مصحفاً فيقال: اليماني؛ لأن اليماني واليمامي متقاربان في اللفظ، فأحياناً يأتي التصحيف فيقال: يماني بدل يمامي.[عن أبي سلمة].أبو سلمة يروي عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، وهنا مهمل، وما ذكر نسبه، قيل: يحيى فقط، وما قيل: ابن أبي كثير، ولا قيل: ابن سعيد الأنصاري، فهو يحتمل هذا وهذا، لكن ذكر الحافظ في الفتح: بأن يحيى راوي هذا الإسناد هو: يحيى بن أبي كثير اليمامي.وأبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في سابع السبعة؛ لأن ستة من فقهاء المدينة المشهورين متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع اُختلف فيه، فعلى أحد الأقوال هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا، وأحد الأقوال أنه: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعلى أحد الأقوال: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.قوله: [أن زينب بنت أبي سلمة حدثته: أن أم سلمة].زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم -ابنة زوجته- وهي صحابية، حديثها عند أصحاب الكتب الستة، وأمها أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (81) شرح حديث عائشة: (كنت أنا ورسول الله نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن جابر بن صبح سمعت خلاساً يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد، وأنا طامث أو حائض، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه ثم يعود، فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك، ولم يعده وصلى فيه)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنام مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي طامث في الشعار الواحد؛ يعني: في الغطاء الذي يلي الجسد؛ لأن الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، فيقال له: شعار، والذي وراءه وفوقه يقال له: دثار، فالشعار: هو ما يتصل بالجسد ويلاقيه؛ لأنه يتصل بالشعر ويلاقيه؛ ولهذا قيل له: شعار.وقد جاء في الحديث: ( أن زينب ابنته لما ماتت أعطاهم إزاره وقال: أشعرنها إياه )؛ يعني: اجعلنه يلي جسدها. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الأنصار: (الأنصار شعار، والناس دثار) لما وزع غنائم حنين، وأعطى المؤلفة قلوبهم ممن أسلموا عام الفتح المئات من الإبل، فيعطي الواحد مائة من الإبل، ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا في أنفسهم وقالوا: سيوفنا تقطر من دمائهم، ثم يعطيهم ولا يعطينا، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فجاء إليهم في مكان وجمعهم فيه، وتحدث إليهم، وأتى بالكلمات العظيمة الدالة على فضل الأنصار، والتي حصل بها رضاهم وسرورهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان من جملة ما قال: (الأنصار شعار، والناس دثار)، يعني: أنهم بمنزلة الشعار؛ أي: باتصالهم به وقربهم منه، فهم بمنزلة الشعار الذي يلي الجسد (والناس دثار) أي: أنهم وراءهم، فهذا فيه بيان فضل الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم.إذاً: فقولها: (بالشعار) يعني: في الغطاء الذي يلي جسد رسول الله عليه الصلاة والسلام.قول عائشة: (وأنا طامث أو حائض). الطامث هي الحائض، فالكلمتان معناهما واحد، وإنما قيلت على سبيل الشك؛ يعني: أنها قالت: طامث، أو قالت: حائض؛ وهي واحدة من اثنتين، وهما بمعنى واحد.وقول عائشة: (فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه) أي: إن أصاب ذلك الشعار الذي يلي جسديهما شيء من الدم، فإنه يغسل ذلك الذي أصابه ولم يعده؛ يعني: لم يتجاوز ذلك، ويكتفي ويقتصر بغسل المكان الذي حصل فيه الدم، ولا يغسله كله، فإذا علم محل النجاسة فإنه يغسل وحده، ولا يلزم أن يغسل معه بقية الثوب، لكن لو جهل مكان النجاسة، أو عرف أن فيه نجاسة لكنه جهل ذلك فإنه يغسل كله؛ لأنه لا يتحقق إلا به، بخلاف لو علم مكان النجاسة، فإنه يغسل وحده ويكفي.قوله: (ثم يصلي فيه) يعني: أنه يقوم ويصلي، ويستعمل هذا الكساء الذي كانا ملتحفين فيه، ثم يرجع ويلتحف به معها (فإن أصابه شيء) يعني: مرة أخرى غسله، (ولم يعده وصلى) يعني: لم يتجاوز ذلك المكان الذي فيه الدم، ولم يتجاوزه في الغسل إلى غيره، بل يكتفي بالموضع الذي أصابه الدم فيغسله، ولا يتجاوزه إلى غسل غيره.والحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من مضاجعة الحائض، وكونها تكون مع زوجها في لحاف واحد، وهو شاهد لما ترجم له المصنف من مضاجعة الحائض. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أنا ورسول الله نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث...) قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو العنزي، الملقب بـالزمن، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة؛ فكل منهم روى عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو محمد بن المثنى رفيق محمد بن بشار بندار.[حدثنا يحيى بن سعيد].هو القطان، المحدث المشهور الناقد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.[عن جابر بن صبح].هو جابر بن صبح، وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي، وما خرج له الشيخان.[سمعت خلاساً يحدث].هو خلاس بن عمرو ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكان على شرطة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة يرسل، وخِلاس بكسر الخاء.[عن عائشة].هي عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، وقد مر ذكرها. الأسئلة رأي أهل السنة والجماعة بالأئمة الأربعة ورأي أهل الحديث بالإمام أبي حنيفة السؤال: شيخنا! إني أحبك في الله، ما رأي أهل السنة والجماعة بالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب؟ وأيهم أفضل؟ وما رأي أهل الحديث بالإمام أبي حنيفة رحمه الله؟ وجزاكم الله خيراً.الجواب: إن الأئمة الأربعة: أبا حنيفة النعمان المتوفى سنة: (150هـ)، ثم بعده الإمام مالك المتوفى سنة: (179هـ)، ثم بعده الإمام الشافعي المتوفى سنة: (204هـ)، ثم بعده الإمام أحمد المتوفى سنة: (241هـ)، هؤلاء هم الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة المعروفة، الذين حصل لمذاهبهم من العناية ما لم يحصل لغيرها؛ وذلك لوجود أتباع لهم عنوا بكلامهم وبالتأليف فيه والعناية به، فاشتهرت هذه المذاهب وانتشرت، وإلا فإن هناك أئمة مثل هؤلاء الأئمة كانوا في زمانهم، وقبل زمانهم، وبعد زمانهم، وهم أصحاب فقه، لكنه ما حصل لهم كما حصل لهؤلاء من العناية بمذاهبهم وأقوالهم، وإلا فإنهم أئمة أجلة، مثل: إسحاق بن راهويه، ومثل: الأوزاعي، ومثل: سفيان الثوري، وغيرهم من العلماء الذين اشتهروا بالفقه والحديث. وهؤلاء الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد أولهم أبو حنيفة والثلاثة الباقون بعد أبي حنيفة، والإمام أحمد تلميذ للشافعي، والشافعي تلميذ لـمالك، وهؤلاء الثلاثة أئمة معروفون بالفقه والحديث، ومشتهرون بالحديث ومشتهرون بالفقه. أما أبو حنيفة فإنه مشهور بالفقه، ولكنه عند المحدثين فيه كلام من حيث الحديث، وأما من حيث الفقه فإنه فقيه مشهور، وإمام معروف، وفقهه حصل له كما حصل لغيره من العناية.ومن المعلوم أن الفضل لا يستطاع تحديده بأن يقال: هذا أفضل من فلان، ولكن يمكن أن يقال: إن الثلاثة الآخرين كلهم متميزون بالحديث والفقه، بخلاف أبي حنيفة فإنه ليس مثلهم في الحديث، بل هو يقل عنهم بكثير، وأما تفضيل بعضهم على بعض فالله تعالى أعلم والله تعالى يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، لكن كلهم أئمة وكلهم ثقات وكلهم محدثون فقهاء، لكن تمييز بعضهم على بعض، وتفضيل بعضهم على بعض فالله تعالى أعلم به. حكم السفر إلى بلاد الكفار على سبيل السياحة في الأرض السؤال: هل يجوز السفر إلى بلاد الكفار على سبيل السياحة في الأرض، أو على سبيل التفكر في خلق الله؟الجواب: الذي ينبغي للإنسان ألا يسافر إلى بلاد الكفار إلا إذا كان مضطراً إلى ذلك، كعلاج بحيث لا يوجد في بلاد المسلمين، أو كان لدراسة لازمة ومتعينة ولا توجد في بلاد المسلمين، أو يسافر للدعوة إلى الله عز وجل مع كونه متحصناً ومتسلحاً بسلاح العلم والإيمان والمعرفة، فهذا هو الذي ينبغي له أن يسافر، أما كون الإنسان يسافر للسياحة وللتجوال فإن هذا قد يضر نفسه، ويحصل له ضرر بهذا السفر، وإذا أراد أن يسيح وأن يتجول فليتجول في البلاد والأماكن التي تكون السياحة فيها فائدة وفيها سلامة، وأما تلك فهو إن رأى مناظر لا يراها إلا بهذا السفر فإنه سيرى أموراً محرمة وأموراً منكرة، وقد يحصل له ابتلاء وامتحان فيقع في أمور محرمة، أقلها لو سافر بأهله أن يتكشف أهله، وأن يحصل لهم ترك الحشمة والصيانة وإبداء الزينة، وذلك محرم. توجيه لمن يقوم باستقدام نساء خياطات بدون محارم السؤال: محلات الخياطة الرجالية والنسائية التي يرد إليها النساء لخياطة ملابسهن، الملاحظ أن بعض أصحاب هذه المحلات يستقدمون خياطات بغير محارمهن ومن يكن من بلاد الكفر، ويحتج هؤلاء بأننا إذا لم نوفر للنساء خياطات فسوف يلجأن إلى التعامل مع الرجال، فما رأي فضيلتكم؟الجواب: من المعلوم أنه حصل توسع في استقدام الخدم واستقدام العمال لحاجة ولغير حاجة، وهذا من المعلوم أنه -وإن حصل فيه شيء من المنافع- يحصل به أضرار كبيرة، ومن المعلوم أن استقدام النساء فيه محاذير، منها: مجيئهن بدون محرم، وكونهن يكن في البيوت، وقد يكون لهن اتصال بالرجال بحيث يراهن الرجال، وهن يرين الرجال، فيترتب على ذلك فتنة، ويترتب على ذلك مضرة، وقد جاء في الحديث: ( أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه رجلان يختصمان، فقال أحدهما: يا رسول الله! إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته ) يعني: كان أجيراً، وبسبب المخالطة والاحتكاك حصلت الفاحشة، فهو قال: (إنه كان عسيفاً) يعني: أجيراً، فما جاء وتسلق الجدار، أو كسر الأبواب وهجم على أهل البيت، واعتدى عليهم، لا، بل بالاحتكاك والاختلاط حصلت المضرة، ولهذا ينبغي الابتعاد عن ذلك، وإذا حصل اضطرار إلى الاستقدام فلتستقدم المرأة وزوجها؛ حتى يكون هو وإياها في مكان واحد، وحتى يعفها وتعفه، وحتى لا تتعرض المرأة للرجال من أهل البيت، ولا يتعرض الرجل للنساء من أهل البيت، وإنما يكون هو وإياها في مكان واحد، تفيده ويفيدها، وتستغني به ويستغني بها، ويسلم من الشر وتسلم هي من الشر، هذا إذا حصل الاضطرار إلى ذلك، وأيضاً حتى يحصل السلامة من الاستقدام بدون محرم، والجلوس بدون محرم، والتعرض للفتنة، فهذا هو الذي ينبغي أن يفعل.وبالنسبة لاستقدام الخياطات فالناس كانوا مستغنين بدون وجود هذا الاستقدام الهائل، وكانت أمورهم جيدة، وكانوا يلبسون، وما جلسوا بدون لباس، وأمورهم تسير على السداد، لكن جاء الترف وجاء السرف وصار هذا الذي حصل، فإذا حصل الاستقدام فينبغي أن يكون بهذه الطريقة التي أشرت إليها؛ تأتي المرأة وزوجها حتى يستفاد منها، وحتى يبتعد من حصول الضرر منها ولها، وكذلك بالنسبة للرجل. حكم الاحتجاج بالحديث إذا قيل عن إسناده: لا بأس به السؤال: إذا قال بعض أهل العلم في حديث ما: رواه فلان بسند لا بأس به، فهل يعني أن الحديث يحتج به أو لا بد له من شاهد أو متابع؟الجواب: إذا قيل: لا بأس به فإنه يحتج به، ومعناه: أنه حسن. حكم مشاهدة كرة القدم السؤال: ما حكم مشاهدة مباريات كرة القدم؟الجواب: هذا مما ابتلي به الناس في هذا الزمان، وهذا من الابتلاء الذي عم وطم، وخير لكل إنسان عاقل أن يشتغل بالجد ويترك الهزل، فافتتان الناس بالمباراة والتشجيع؛ هذا يشجع هذا، وهذا يشجع هذا، ويتألم ويطير عنه النوم إذا انهزم هذا الفريق، فهذا من السفه، وهذا من الأمور التي يجب على كل إنسان عاقل أن يحذر أن يبتلى بها، وعليه أن يشتغل فيما فيه جد وما فيه خير وما فيه سعادة الدنيا والآخرة، وكون الرجال والنساء يفتنون به ويهتمون به ويعنون به، فهذا لهو وتوسع فيه، وإذا كان هناك مباراة تجد الآلاف من الناس يذهبون ويصعدون على الجبال وعلى الجدران من أجل أن يشاهدوا، ولو سمعوا إعلاناً عن محاضرة فيها الدلالة على الخير، وفيها بيان الحق والهدى، ما يأتي لها إلا عدد قليل من الناس، هذا يدل على الانتكاس، ويدل على انعكاس المفاهيم، وأن الشيء الذي ينبغي أن يصار إليه وأن يحرص عليه يزهد فيه، والشيء الذي ينبغي أن يترك وألا يشتغل به هو الذي يفتتن به.وحكم لعب الكرة إذا لم يحصل فيه افتتان ولم يحصل فيه انشغال عن أمور نافعة، وإنما يحصل في أوقات قليلة، ثم لا يكون فيه خصومات وحصول شحناء وعداوات وما إلى ذلك، فلا بأس به، لكن التوسع فيه والاشتغال به عما ينفع فهذا هو المحذور، وإلا فهو في حد ذاته إذا استعمله الإنسان في بعض الأحيان فلا مانع منه، ولا بأس به.وإذا قال بعض الناس: أهذه من الأساليب المفيدة للدعوة إلى الله؟نقول: أبداً، هذا كلام فارغ لا قيمة له، فالدعوة إلى الله لا تأتي عن طريق لعب الكرة أبداً، الدعوة إلى الله تأتي عن طريق الإخلاص والجد والحرص على نفع الناس، أما أن يأتيهم في الملعب ويدعوهم إلى الله فلا يسمعون له، ولا يقبلون منه. حكم التخطيط على السجاد لتسوية الصفوف السؤال: يسأل عن حكم التخطيط على السجاد في المسجد لتسوية الصفوف؟الجواب: كون السجاد يكون من الأصل فيه علامات فلا بأس بذلك، لكن كون الناس يأتون يلصقون عليها لصق ويمدون عليها خيط هذا لا يصلح، لكن يقال: استووا، وهم يستوون، وكل ينظر إلى الذي بجواره.وينبغي للناس أن يتعلموا تسوية الصفوف وأن يعنوا بها، ولا تكون القضية إذا وجد خط سووا الصفوف، وإذا لم يوجد خط اختلت الصفوف. سبب رواية الشيخين عن بعض أهل البدع السؤال: إن البخاري، ومسلماً وغيرهم من المحدثين قد خرجوا أحاديث لبعض المبتدعين، مع أن السلف قد شددوا في مجالستهم واحترامهم، فما توجيه ذلك؟الجواب: البخاري ومسلم رووا عن جماعة رموا ببدع، لكن الحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة فتح الباري الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ببدعة أو بغير بدعة، وأجاب عن ذلك بأجوبة: وهو أن من عرف بشيء من البدعة، إما أن يكون ما ثبت عنه، أو يكون ثبت عنه ولكنه لا يؤثر؛ لأنه معروف بالصدق، ومعروف بالتثبت، فكونه حصل منه خطأ في أمر ولم يكن ذلك متعلقاً ببدعته، فهم الذين روى عنهم الشيخان، فالذي رواه الشيخان عن أناس تكلم فيهم لا يؤثر ذلك في روايتهم، إما أن يكون الذي تكلم فيهم ما ثبت فيهم الكلام الذي قيل فيهم، أو أنه ثابت ولكن ذلك لا يؤثر؛ لأن الذي رموا به لا يستحقون ترك حديثهم معه، بل تجنبوا الشيء الذي يحذر من روايتهم، والشيء الذي لا محذور فيه أخذوه عنهم، وكما قلت: الحافظ ابن حجر ذكر المتكلم فيهم من رجال البخاري، وذكر ما قيل فيهم من الكلام، وأجاب عن الإخراج لهم في صحيح البخاري. حكم خلع المرأة لباسها في بيت أقاربها السؤال: ما حكم خلع المرأة ثيابها خارج البيت؟الجواب: خلع المرأة ثيابها خارج البيت إذا كانت في بيت قريبتها -أختها أو صديقتها أو ما إلى ذلك- فلا بأس به، هذا إذا كان المقصود منها خلع اللباس الخارجي الذي هو مثل العباءة، والتي هي الثياب العالية التي هي فوق الألبسة الخاصة، فلا بأس بذلك، وهذا أيضاً إذا كانت تجلس مع النساء ولا يراها إلا النساء، والمهم ألا يراها رجال، وألا ترى هي الرجال. مدى اعتبار التمثيل من أساليب الدعوة إلى الله تعالى السؤال: ما رأيكم يا شيخ! فيمن يتخذون الكرة والأناشيد والتمثيل وسيلة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتجد معهم شباب مردان أشباه النساء؟الجواب: لا تكون الدعوة إلى الله عز وجل عن طريق التمثيل؛ لأن التمثيل هو كذب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ويل لمن يكذب ليضحك القوم، ويل له ويل له)، ومن المعلوم أن التمثيل في الغالب يؤتى به من أجل إضحاك الناس، ويتأتى عن طريق الكذب، وليس حقيقة، فهو في حد ذاته منكر، فلا يستعمل في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن الدعوة إلى الله عز وجل لا تأتي عن طريق التمثيل، فالتمثيل هزل، والدعوة إلى الله عز وجل تأتي عن طريق الجد والإخلاص، ومن المعلوم أن سلف هذه الأمة هم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، وطرقهم معروفة في الدعوة إلى الله عز وجل، وهم الذين نجحوا في دعوتهم، وعم النفع بهم. أما اتخاذ التمثيل وسيلة للدعوة إلى الله عز وجل كما يقال: إن أعداءنا عندهم سلاح فنأتي بسلاح مثل سلاحهم، هذا كلام غير صحيح؛ لأن عملنا يجب أن يكون في حدود ما هو مشروع وما هو سائغ، ولا نساير الناس فيما يفعلون؛ لأنهم ليسوا متقيدين بدين، وليسوا متقيدين بشريعة، ونحن يجب علينا أن نتقيد بما جاء في هذه الشريعة التي جاء بها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالدعوة إلى الله عز وجل لا تكون عن طريق التمثيل، وإنما تكون عن طريق الجد والاجتهاد، والنصح والإخلاص والصدق، وكون الإنسان يكون قدوة لغيره فيدعو الناس ويكون أسبق الناس إلى ما يدعو إليه، وهذا هو الذي فيه التأثير، كما يقول الشاعر:وإنك إذ ما تأت ما أنت آمر به تلفي من إياه تأمر آتيا علاقة زيت الحبة السوداء بالحبة السوداء السؤال: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء)، ونرى كثيراً من الناس في هذا العصر يستعلمون زيت الحبة السوداء، والحديث نص في الحبة نفسها، فما رأي فضيلتكم؟الجواب: الزيت المستخرج من الحبة السوداء طبعاً ليس هو غير الحبة السوداء، فهو منها؛ لأن الزيت كما هو معلوم مستخرج من الحبة وليس غيرها. حكم مال المرأة الناتج من عمل سافرت فيه بدون محرم السؤال: إذا سافرت المرأة بدون محرم لها، وعملت في مجال النساء وليس معها محرم، فما حكم المال الذي تتقاضاه على هذا العمل، هل هو حرام أو حلال؟الجواب: المال الذي تحصله عن الطريق المشروع هو حلال، وفعلها الذي هو السفر بدون محرم هو الحرام، وإذا كان أن هذا المال الذي تحصله ليس عن طريق اختلاط أو عن طريق رجال أو عن طريق التعرض لأمور محرمة، فليس فيه شيء وكونها اشتغلت بدون محرم هذا تأثم فيه، ومثل ذلك: ما لو حجت بدون محرم، فيصح حجها وتأثم بسبب سفرها بدون محرم. مدى اعتبار صوت المرأة عورة السؤال: هل صوت المرأة عورة؟ وإذا كان كذلك هل هناك دليل على هذا؟الجواب: صوت المرأة ليس عورة بإطلاق؛ لأنه يمكن عند الحاجة الاستماع إلى صوت المرأة؛ مثل استفتاء، أو بيع أو شراء مع احتشام، أو ما إلى ذلك، فهنا لا بأس به، ولكن المحذور هو الاستمتاع بالصوت أو التلذذ به. إذاً: كونها تلين الصوت وتخضع بالقول فهذا هو الذي فيه المحذور، وأما مجرد الصوت من حيث هو فليس بعورة. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (82) - (باب مباشرة الحائض) إلى (باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها) يجوز للزوج مباشرة زوجته فيما دون الفرج كما دلت الأحاديث على ذلك، لكن بعد أن تشد وسطها بإزار، ويجب على من وطأ امرأته وهي حائض كفارة ذلك وهي أن يتصدق بدينار إذا كان موسراً، أو نصف دينار إذا كان معسراً. مباشرة الحائض شرح حديث عائشة في مباشرة الحائض بعد أن تشد عليها إزارها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب مباشرة الحائضأخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (كانت إحدانا إذا كانت حائضاً يأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشد إزارها، ثم يباشرها وهي حائض)].يقول النسائي رحمه الله: باب مباشرة الحائض. المقصود بمباشرتها: الاستمتاع بها بما دون الجماع؛ وذلك بأن تشد على وسطها إزاراً ثم يباشرها، فتلتصق بشرته ببشرتها، ويستفيد منها من كل شيء سوى الجماع.وقد أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت إحدانا إذا كانت حائضاً يأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشد إزارها، ثم يباشرها وهي حائض)، فدل ذلك على جواز مثل هذا العمل، وأن هذا من التوسط الذي جاء به الإسلام بين ما كان موجوداً عند اليهود وما كان موجوداً عند النصارى؛ فإن اليهود لا يخالطونهن ولا يؤاكلونهن ولا يشاربونهن، والنصارى يجامعونهن، فجاء الإسلام بالمضاجعة، والمباشرة وبمنع الجماع، وهذا توسط بين الإفراط والتفريط؛ بين إفراط اليهود، وتفريط النصارى.وعائشة رضي الله عنها تحكي ما كان يفعله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من أمر إحداهن -أي: نساءه- بأن تشد إزارها عليها، ثم يباشرها وهي حائض. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في مباشرة الحائض بعد أن تشد عليها إزارها قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني الذي يأتي ذكره كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات.[حدثنا أبو الأحوص].هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي إسحاق].هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وسبيع هم من همدان، والنسبة إلى همدان نسبة عامة، والنسبة إلى سبيع نسبة خاصة، وهو مشهور بـأبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن شرحبيل].هو أيضاً الهمداني الكوفي، وهو ثقة، مخضرم، وحديث عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة أم المؤمنين].هي الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى في سورة النور، وهي أكثر الصحابيات حديثاً، وهي أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم ستة رجال وامرأة، والمرأة هي عائشة رضي الله عنها.وهذا الإسناد رجاله كلهم ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهم -دون الصحابية- كلهم من الثقات: قتيبة بن سعيد، وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وأبو إسحاق السبيعي، وعمرو بن شرحبيل الهمداني، فهؤلاء كلهم ثقات. وكل الرواة خرج حديهم أصحاب الكتب الستة. شرح حديث عائشة: (كانت إحدانا إذا حاضت أمرها رسول الله أن تتزر ثم يباشرها) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت إحدانا إذا حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزر ثم يباشرها)].هنا أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، تقول عائشة رضي الله عنها: (كانت إحدانا إذا حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزر ثم يباشرها) أي: وهي حائض، فهو مثل الذي قبله تماماً. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كانت إحدانا إذا حاضت يأمرها رسول الله أن تتزر ثم يباشرها) من طريق أخرى قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو ابن مخلد الحنظلي المعروف بـابن راهويه، وهو ثقة، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فهو من جملة المحدثين الذين وصفوا بهذا الوصف الرفيع، الذي هو من أعلى صيغ التعديل، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .[أخبرنا جرير].هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن منصور].هو: منصور بن المعتمر، وهو ثقة، حديثه عن أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن إبراهيم].هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، المحدث، الفقيه، وهو ثقة، عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الأسود].هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي خال إبراهيم النخعي، وهو مخضرم، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].عائشة مرت في الإسناد الذي قبل هذا.إذاً: فإسناد الحديث من دون الصحابية كله من الثقات، والرواة كلهم ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، فإنه لم يخرج له ابن ماجه وخرج له الباقون. شرح حديث ميمونة في مباشرة الحائض إذا احتجزت بإزارها قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب عن يونس والليث عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن بدية وكان الليث يقول: ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها، أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض، إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين)، وفي حديث الليث: (محتجزة به) ].هنا أورد النسائي حديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها -وهو قريب من معنى حديث عائشة المتقدم- ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض، إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين ) يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمرهن بالاتزار، والإزار أحياناً يصل إلى الركبتين، وأحياناً يصل إلى أنصاف الفخذين، يعني: تارة هكذا وتارة هكذا، والمهم أن يغطى الفرج بالإزار، ثم تحصل المباشرة، ويحصل كل شيء إلا الجماع في الفرج، فهذا هو الذي تدل عليه هذه الأحاديث.وقوله: [وفي حديث الليث: (محتجزة به)].يعني: أنها متزرة به إلى أنصاف فخذيها أو إلى ركبتيها، ثم يباشرهن رسول الله عليه الصلاة والسلام وهن على هذه الحالة. تراجم رجال إسناد حديث ميمونة في مباشرة الحائض إذا احتجزت بإزارها قوله: [أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].هو الحارث بن مسكين وهو المصري، ثقة، وهو قاضٍ في مصر، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، ولم يخرج له الباقون، والنسائي سبق أن ذكرت أنه كان بينه وبين الحارث بن مسكين شيء من الوحشة، وأن الحارث بن مسكين كان قد منعه من أن يأخذ عنه، وأنه كان يأتي ويجلس من وراء ستار، ويسمع قراءة القارئ الذي يقرأ عن الحارث بن مسكين ثم يروي عنه بهذه الطريقة، ولا يستعمل أخبرنا، ولكنه في بعض الأحيان كما في هذا الموضع الذي معنا يقول: أخبرنا؛ ولعل ذلك -أي: التفريق بين الحالتين- مبني على أنه كان منعه أولاً ثم أذن له أخيراً، فيكون روايته على الحالين؛ فالحالة التي يكون سمع وهو مأذون له يقول: أخبرنا، وفي الحالة التي سمع خفية من وراء الستار وهو غير مأذون له لا يقول: أخبرنا؛ لأنه ما قصده بالتحديث، وما أذن له في التحديث، فكان يعطفه على غيره، يقول: أخبرنا فلان، ثم يقول: والحارث بن مسكين، فتارة يعبر بالإخبار، وتارة لا يعبر به، وهذا مبني على هاتين الحالتين.[عن ابن وهب].هو عبد الله بن وهب المصري، وهو مصري، كتلميذه الحارث بن مسكين، وهو ثقة فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن يونس والليث].يونس هو ابن يزيد الأيلي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والليث هو: ابن سعد المصري، وهو ثقة محدث فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن ابن شهاب].هو محمد بن مسلم المدني، الإمام الجليل، المعروف بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك أيضاً المعروف بالفقه، وهو الذي قام بتدوين السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، والذي قال فيه السيوطي في ألفيته: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمروحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن حبيب مولى عروة].حبيب هو مولى عروة بن الزبير، وهو مدني، وهو مقبول، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.[عن بدية وكان الليث يقول: ندبة].أي: كان الليث يقول: نُدبة أو نَدبة يعني: بضم النون أو بفتحها، وهي مولاة ميمونة، وهي مقبولة، خرج حديثها أبو داود، والنسائي.[عن ميمونة].هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. تأويل قول الله عز وجل: (ويسألونك عن المحيض) شرح حديث أنس في الأمر بمخالطة الحائض مخالفة لليهود قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تأويل قول الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222].أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه، قال: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن ولم يشاربوهن ولم يجامعوهن في البيوت، فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222] الآية، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت، وأن يصنعوا بهن كل شيء ما خلا الجماع)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: باب تأويل قول الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، والمقصود من هذه الترجمة: بيان تأويل هذه الآية، وأن المقصود بالاعتزال في المحيض؛ هو اعتزال الجماع وتركه، وأما مخالطتها ومباشرتها ومؤاكلتها والشرب معها فإن ذلك سائغ.إذاً: فهذا الحديث مفسر لهذه الآية، ومن المعلوم أن السنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه، وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوهن ولم يشاربوهن، ولم يجامعوهن في البيوت) يعني: لا يخالطونهن، فالمقصود بالمجامعة هنا: المخالطة وليس الجماع، فكانوا لا يؤاكلوهن ولا يشاربوهن ولا يخالطونهن في البيوت، فيعتزلونهن ويبتعدن عنهم ويبتعدون عنهن، حتى ينتهين من الحيض، وهذا إفراط في الترك والاعتزال، ويقابل هؤلاء النصارى الذين يجامعونهن في حال حيضهن، والإسلام جاء بالتوسط بين هذا وهذا، فأباح المؤاكلة والمشاربة والمخالطة في البيوت، ومنع الجماع، وأنه يفعل معهن كل شيء إلا الجماع، فأنزل الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222]، لما كان اليهود هذا شأنهم فأنزل الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222].قوله: [فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم].أي: فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت، إلا أنهم لا يفعلون معهن الجماع.إذاً: فالمجامعة هي: المخالطة في البيوت وليست الجماع؛ لأن التعبير بالبيوت وكذلك الجملة التي بعدها: (وأن يصنعوا بهن كل شيء ما خلا الجماع) يدل على أن المجامعة هي المخالطة، فالتقييد بالبيوت هو من أجل ما جاء بعدها من التنصيص على أنه يفعل كل شيء إلا الجماع. تراجم رجال إسناد حديث أنس في الأمر بمخالطة الحائض مخالفة لليهود قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم هو: الحنظلي المتقدم قريباً.[حدثنا سليمان بن حرب].هو سليمان بن حرب، وهو البصري، وهو ثقة حافظ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حماد بن سلمة].هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة حافظ عابد، وهو أثبت الناس في ثابت البناني؛ وهو شيخه الذي روى عنه في هذا الإسناد، وحماد خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن ثابت].هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي خدمه عشر سنين، وكان من صغار الصحابة، وقد دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد وطول العمر، فطالت حياته وكثر ولده، وهو من آخر الصحابة موتاً، ومن أكثر الصحابة حديثاً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: إسناد الحديث: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يروي عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني عن أنس بن مالك، فمن دون الصحابي كلهم ثقات، وحديثهم عند أصحاب الكتب الستة إلا حماد بن سلمة حديثه عند البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وإسحاق بن راهويه حديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها شرح حديث: (أن النبي قال في الرجل يأتي امرأته وهي حائض: يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه قال في الرجل يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار)].أورد النسائي هذه الترجمة: وهي باب: ما يجب على الرجل إذا وطأ حليلته بعد علمه بتحريم وطئها في حال حيضها، والمقصود من هذه الترجمة: هو بيان الكفارة التي تجب على من جامع امرأته وهي حائض، وجماع المرأة وهي حائض محرم، وقد جاء تحريمه في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة، وجاءت السنة ببيان ما يجب على من وطأ زوجته وهي حائض؛ بأن يكفر عن ذلك بأن يتصدق بدينار أو نصفه، وهو هذا الذي جاء في هذا الحديث الذي معنا، فهو دال على أن عليه أن يتصدق بأحد هذين المقدارين: الدينار أو نصف الدينار، وقد قيل: إن التفريق بينهما يكون باعتبار حالة اليسار وحالة الإعسار، وقد جاء حديث -فيه كلام- حول هذا الموضوع؛ الذي هو التفريق بين حالة الإعسار وحالة اليسار، فيكون الدينار في حالة اليسر، ونصف الدينار في حالة العسر، فيجب عليه أن يقوم بهذه الكفارة. والحديث اختلف فيه العلماء؛ منهم من صححه، ومنهم من تكلم فيه، ولكن الحديث إسناده صحيح، ورجاله -كما سنعرف- ثقات، بل إنهم على شرط البخاري. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي قال في الرجل يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة.[حدثنا يحيى].هو يحيى بن سعيد القطان المحدث الناقد، الثقة الثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].شعبة هو: ابن الحجاج الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الحكم].هو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الحميد].هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن مقسم].هو مقسم بن بجرة، وهو مولى ابن عباس، وقيل: هو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، ويقال له: مولى ابن عباس لملازمته إياه، وهو صدوق، خرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.[عن ابن عباس].ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة وترجمان القرآن، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: فرجال هذا الإسناد كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا مقسم مولى ابن عباس، فإنه خرج له أصحاب الكتب الستة إلا مسلم، وبما أن إسناد الحديث كل رجاله رجال البخاري من أولهم إلى آخرهم، فالحديث صحيح ثابت، وقد ضعفه بعض العلماء؛ ووجه التضعيف يرجع إلى أن فيه التخيير بين الشيء ونصفه، وهذا لا يعهد في باب الكفارات؛ لكن الحديث إسناده صحيح، والذين قالوا بصحته أوجبوا على من جامع امرأته وهي حائض بهذه الكفارة، والذين تكلموا فيه قالوا: إنه لا يجب عليه شيء، وإنما عليه أن يستغفر الله عز وجل ويتوب مما حصل منه، وما دام أن الحديث صحيح فإن على من جامع أن يقوم بهذه الكفارة التي اشتمل عليها هذا الحديث. الأسئلة مدى دلالة سلامة الإسناد على سلامة متنه السؤال: هل سلامة الإسناد تدل على سلامة المتن؟الجواب: سلامة الإسناد وصحة الإسناد إذا كان -مع صحته- ليس فيه شذوذ ولا إعلال، يدل على صحة المتن. شرح حديث: (خلق الله آدم على صورته) السؤال: يا شيخ! هل تشرح لنا حديث: (إن الله خلق آدم على صورته)؟ وأين يعود الضمير؟الجواب: هذا الحديث رواه البخاري وغيره، وهو أول حديث في كتاب الاستئذان في صحيح البخاري، وكتاب الاستئذان هو أول الجزء الحادي عشر من فتح الباري، وأما عود الضمير فذكر العلماء فيه ثلاثة أقوال:القول الأول: أن الضمير يرجع إلى الله عز وجل، فقوله: (إن الله خلق آدم على صورته) أي: على صورة الله عز وجل.القول الثاني: إن الضمير يرجع إلى آدم، (خلق الله آدم على صورته) أي: صورة آدم.القول الثالث: إنه يرجع إلى الغلام المضروب، وذلك أنه جاء في بعض طرق الحديث أن رجلاً كان يضرب غلامه، فجاء في الحديث: (إن الله خلق آدم على صورته)، أي: آدم على صورة هذا المضروب. والقول الأول -أن الضمير يرجع إلى الله- قد جاء ما يؤيده في بعض الأحاديث: (على صورة الرحمن)، والحديث تكلم فيه بعض العلماء وصححه بعضهم، ويقولون: إن المراد بالصورة الصفة، ومعنى: (على صورة الرحمن) أي: أنه متصف بالسمع والبصر والكلام، وإن كان ما يضاف إلى الله عز وجل يليق به ويناسبه، وما يضاف إلى المخلوقين يليق بهم ويناسبهم، ولا يلزم من الاتفاق في أسماء الصفات الاتفاق في الصفات نفسها، بل ما يضاف إلى الله عز وجل يليق بكماله وجلاله، وما يضاف إلى المخلوقين يليق بضعفهم وافتقارهم.إذاً: معنى هذا الحديث عند أهل السنة الذين قالوا: إنه يرجع إلى الله عز وجل؛ أي: أنه على صفة الرحمن؛ متكلم سميع بصير، وإن كان ما يضاف إلى الله عز وجل من الصفات يختلف عما يضاف لغيره من المخلوقات، وإن كان معنى الصفة معلوم بالنسبة للجميع إذا أضيف إلى المخلوقين؛ فهو معلوم كيفية ومعلوم معنىً، وإذا أضيف إلى الله عز وجل فهو معلوم المعنى وليس معلوم الكيفية؛ لأن السمع كما هو معلوم يتعلق بسماع أصوات الحركات، كذلك البصر يتعلق بالمرئيات، فإذا وصف الله عز وجل بأنه سميع بصير، فقد علم معنى السمع، ولكن إضافته إلى الله عز وجل تجعل تلك الصفة أو الصفتين تليقان بكماله وجلاله، فلا تماثل صفات المخلوقين، ولا تشابه صفاتهم؛ لأن ذات الله عز وجل تخالف الذوات، وصفاته تخالف الصفات، ولا يشبه شيئاً من المخلوقات، ولا يشبهه شيء من المخلوقات.والقو� � الأول: جاء عن الإمام أحمد وغيره، بل جاء عن الإمام أحمد التشديد والإنكار على من قال بخلافه.أما القول الثاني فقال به ابن خزيمة من أهل السنة، ومعناه عند القائلين به: أن الله خلق آدم على صورته؛ أي: طوله ستون ذراعاً كما جاء في الحديث نفسه في أول كتاب الاستئذان، (إن الله خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن، فلما خلقه قال له: اذهب إلى جماعة من الملائكة جلوس فسلم عليهم، فانظر ماذا يردون عليك؟ فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك)، وهذا وجه إيراد البخاري للحديث في كتاب الاستئذان؛ لأن فيه ذكر السلام وأصل السلام، وذلك عندما خلقه الله عز وجل أمره بأن يذهب إلى جماعة من الملائكة، وأن يسلم عليهم، فينظر ماذا يردون عليه؟ فإنها تحيته وتحية ذريته من بعده.ثم قال: (فذهب إليهم وقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله)، هذا هو الحديث في أول كتاب الاستئذان.ومعنى الحديث على كلام ابن خزيمة، يقول: إن ما جاء بعد جملة: (إن الله خلق آدم على صورته) يبين معناه، وهو أن الله خلق آدم على صورته؛ طوله ستون ذراعاً، يعني: أن الله خلقه وطوله ستون ذراعاً في السماء، ما خلقه متدرجاً كما خلق ذريته تنمو شيئاً فشيئاً، وتكبر شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى منتهاه، وإنما خلقه الله من حين ما خلقه ستون ذراعاً، فما كان ذراعاً أو ذراعين ثم كبر، وإنما خلق آدم على صورته التي هو عليها ستون ذراعاً منذ أن خلقه الله، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، حتى صار أحجام الناس وأطوال الناس قليلة جداً بالنسبة لذلك الطول الذي حصل لآدم عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في الحديث: ( أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة يدخلون على طول آدم ) يعني: ستين ذراعاً.إذاً: معناه عند ابن خزيمة، وغيره ومن قال به من أهل السنة: أنه يرجع إلى آدم، والمقصود منه أن الله تعالى خلقه وهو بهذا الطول، ولم يتدرج كما حصل لذريته من التدرج شيئاً فشيئاً، والنمو شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى ما وصلت إليه؛ أي: ذريته.ومن يقول: صورة الرحمن صفته، إن هذا تأويل.نقول: أبداً ليس هذا تأويلاً، بل الصورة هي الصفة، والصورة أيضاً جاءت في غير هذا الحديث، ليس هذا الحديث وحده هو الذي جاء فيه ذكر الصورة مضافة إلى الله عز وجل، بل قد جاءت في أحاديث أخرى كما في الصحيحين.أما القول الثالث وهو: أنه يرجع إلى المضروب الذي كان يضرب غلامه، فقيل: (إن الله خلق آدم على صورته)، يعني: على صورة المضروب فشكله شكل آدم من حيث الصورة، والقول الصحيح هو الأول وهو الأرجح، والقول الثاني قال به بعض أهل السنة كما قلت. الفرق بين الرمل والتراب في التيمم السؤال: ما هو الفرق بين التراب والرمل في باب التيمم؟الجواب: أبداً، الإنسان يتيمم على الأرض التي هو فيها، سواء كان فيها رمل أو كان فيها تراب، يعني: الذي يتصاعد منه شيء، فالإنسان يتيمم من أي تراب يكون على أي مكان من الأرض؛ لأن الله عز وجل شرع للناس وخفف لهم أن يتيمموا بأن يضربوا أيديهم على الأرض في أي مكان كانوا، ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ))[التغابن:16]. التفريق بين عبارات المحدثين: أخبرنا وحدثنا وأنبأنا السؤال: ما الفرق بين عبارات المحدثين: أخبرنا، حدثنا، أنبأنا؟الجواب: من العلماء من لا يفرق بين هذه العبارات ويجعلها بمعنى واحد. ومنهم من يجعل (حدثنا) لما سمع من لفظ الشيخ، (وأخبرنا وأنبأنا) فيما قرئ على الشيخ وهو يسمع، فيعبر عنه بأخبرنا وأنبأنا، لكن بعض العلماء يسوي بين هذه الألفاظ، فيقول: أنبأنا، وحدثنا، وأخبرنا فيما سمع من الشيخ، وفيما قرئ على الشيخ وهو يسمع. حكم خروج النساء للجهاد وتدريبهن على ذلك السؤال: ما حكم خروج النساء في الجهاد؟ وما حكم تدريبهن على السلاح؟الجواب: النساء لسن من أهل الجهاد، ولسن من أهل القتال، ومهمتهن معروفة، والقتال هو للرجال الذين هم أهل الجلد، وأهل القدرة، وأهل الصبر وأهل التحمل، والنساء ضعيفات، والذي جاء أن بعض النساء كن يذهبن مع أزواجهن لخدمتهم، وليس يخرجن للجهاد والقتال في سبيل الله، ولهذا لا يدربن ولا يهيأن للقتال؛ لأن مهمتهن معروفة، وخروجهن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع أزواجهن إنما كان ذلك للخدمة، فلا يعلل بعدم وجود الرجال وقلة الرجال، ومن المعلوم أن النساء لا فائدة فيهن من حيث القتال، ومن المعلوم أن كل بلد فيه رجال وفيه نساء، لكن الناس اتجهوا في كثير من البلاد إلى أن النساء يشاركن الرجال، ويتساوين مع الرجال، وأنه لا فرق بين النساء والرجال، وهذا انتكاس. ما يلزم من باشر امرأته وهي حائض وأنزل السؤال: إذا باشر الرجل امرأته وهي حائض ثم أنزل، فهل في ذلك حرج أو إثم؟الجواب: أبداً ليس فيه شيء، ما دام أنه ليس في الفرج فلا بأس في ذلك. كيفية قضاء الوتر كماً ووقتاً السؤال: هل المسلم إذا نام عن الوتر يصليه بين صلاة الفجر والظهر؟الجواب: الإنسان إذا نام عن صلاته من الليل فإنه يصليها في الضحى وليس بعد الفجر، ويصليها على مقدار ما كان يصليه ويزيد ركعة؛ لأنه جاء في الحديث ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يقم أو لم يؤد صلاته من الليل لعارض شغله عن ذلك صلى من الضحى اثنتا عشرة ركعة )؛ لأنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، فيصلي اثنتا عشرة ركعة، يعني: ولا يصلي وتراً في النهار، فالمقدار الذي كان يفعله يأتي به ويزيد عليه ركعة حتى يخرج من الوتر، فهذا هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذلك. حكم الصلاة على السجادة التي فيها صورة الكعبة السؤال: ما هو حكم الصلاة على السجادة التي فيها صورة الكعبة؟الجواب: لا بأس بذلك. حكم التصفيق السؤال: ما حكم التصفيق؛ أي: التصفير؟الجواب: التصفير غير التصفيق؛ فالتصفير بالفم والتصفيق باليدين، والتصفيق للنساء جائز، وللرجال لا يجوز. حكم تارك الصلاة تكاسلاً السؤال: ما حكم تارك الصلاة تساهلاً وهو عالم بأنها ركن من أركان الإسلام؟ علماً بأن التارك لها جحوداً كافر باتفاق العلماء.الجواب: تاركها جحوداً كما ذكر هو باتفاق العلماء كافر، لكن من تركها تهاوناً وكسلاً ففيه قولان للعلماء؛ القول الأول: منهم من يقول بأنه كفره كفر دون كفر، وأنه ليس كافراً كفراً مخرجاً من الملة. والقول الثاني يقول: إنه كافر كفر مخرج من الملة، وهو القول الصحيح؛ لأنه قد جاء في الحديث ما يدل على ذلك: (بين المسلم وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، فهذا يدل على أنه كافر، والرسول صلى الله عليه وسلم بين في الأئمة -أئمة الجور- الذين جاء الحديث فيهم عندما ذكر شيئاً من صفاتهم، فقيل له: (ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا)، فجعل الصلاة هي المانع من الخروج عليهم ومن مقاتلتهم. مدى صحة الحديث في التخفيف في ركعتي الفجر السؤال: هل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرع في ركعتي الفجر؟الجواب: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف سنة ركعتي الفجر، كما جاء في الصحيح عن عائشة أنها قالت: (أقول في نفسي: هل قرأ بفاتحة الكتاب؟ يعني من خفتها). فهذا يدل على تخفيفها. حكم قبول الهدية ممن يعمل في البنك الربوي السؤال: إذا كان لدي أقارب يعملون في البنوك الربوية مثل البنك الأهلي التجاري، وأراد أحد هؤلاء أن يصل والدي بشيء من المال الذي يتعاطاه من هذا البنك، فهل يا فضيلة الشيخ! أحذر والدي من هذا المال أو أسكت؟الجواب: إذا كان له دخل غير المال الذي يأتيه من البنك، أو الراتب الذي يأتيه من البنك، والمال الأكثر هو من غير البنك فلا بأس بذلك؛ لأن المحرم مغمور، وأما إذا كان ليس له دخل إلا من هذا، وأن الذي يعطيه أو الذي ينفقه هو من هذا، فالإنسان يترك هذا الشيء ولا يأخذه، ويمكن أنه ينصح أباه بعدم الأخذ؛ لأن العمل في البنوك التي تتعاطى الربا حرام؛ ( لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ) والعامل الذي يكتب أو الذي ينقل الأوراق التي فيها الربا وفيها عقود الربا، ولو لم يكن كاتباً، كل هؤلاء متعاونون على الإثم، والعدوان. وقفة مع ما ذكر عن عبد الرحمن بن مهدي أنه لا يحسن الصلاة السؤال: ذكر العجلي في معرفة الثقات في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي قال: وكان يسيء الصلاة، فكيف نوفق بين جلالة هذا الإمام وبين ما ذكره العجلي؟الجواب: يمكن أن هذا لم يصح، ويمكن أن يكون صح، مثل ما قيل في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، صاحب رسول الله وأحد العشرة المبشرين بالجنة، فأهل الكوفة آذوه وكتبوا إلى عمر بن الخطاب: بأنه لا يحسن أن يصلي، وهو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، فإما أن يكون هذا صح، أو أنه لم يصح فيكون فيه مغرضون مثل المغرضين الذين تكلموا في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، لما أخبره عمر بشكواهم، وأنهم قالوا: إنك لا تحسن أن تصلي، فأخبرهم بأنه يطيل في الركعة الأولى، وأنه يقصر في الثانية، وأنه يفعل كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، قال: هذا هو الظن بك يا أبا إسحاق! ولكنه رضي الله عنه وأرضاه عزله حتى لا تحصل فتنة بينه وبين أهل الكوفة، فدرءاً للخطر ودرءاً للضرر وأن يوجد من الأوباش ومن السوقة الذين هم لا يبالون بما يحصل قام بعزله. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (83) - (باب ما تفعل المحرمة إذا حاضت) إلى (باب المني يصيب الثوب) إذا حاضت المرأة أو نفست وهي محرمة فعليها أن تقوم بما يقوم به الحاج من أعمال الحج إلا الطواف بالبيت، فإنها تؤجله حتى تطهر، وقد بين الشارع الطريقة التي يزال بها دم الحيض إذا أصاب الثوب وذلك بأن يُحك بعود ويُفرك حتى يزال جرمه في الثوب ثم يغسل بالماء. ما تفعل المحرمة إذا حاضت شرح حديث عائشة فيما تفعل المحرمة إذا حاضت قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما تفعل المحرمة إذا حاضت.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج، فلما كان بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما لك أنفست؟ فقلت: نعم، قال: هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر ).هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ما تفعل المحرمة إذا حاضت. هذه الترجمة واضح المراد منها وهو أن المرأة المحرمة إذا طرأ عليها الحيض، فإنها تبقى على إحرامها، وتفعل ما يفعل الحاج أو المعتمر، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، ولا تسعى بين الصفاء والمروة؛ لأن السعي يكون بعد الطواف، ومن المعلوم أن الطواف إذا لم يحصل، فما يتبعه من السعي فهو تابع له. وقد أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، قالت: (لا نرى إلا الحج) يعني: أن الحج هو الغالب عليهم، وإلا فإن منهم من كان متمتعاً محرماً بالعمرة، ومن هؤلاء عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وعائشة رضي الله عنها كانت متمتعة، وقد حصل لها الحيض في الطريق قرب مكة في هذا المكان الذي يقال له: سرف، ولما حصل لها ذلك جعلت تبكي، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما لك أنفست؟)؛ يعني: ما لك تبكين وما لك متأثرة، أنفست؟ يعني: أحضت؟ وقد سبق أن مر قريباً أن لفظة (نفست) تكون في الحيض وتكون في النفاس، وهي ما يكون بعد الولادة من الدم فيقال: نفست؛ يعني: إذا ولدت، والدم الذي يكون بعد ذلك هو دم النفاس، وإذا حاضت يقال: نفست، وكل من الدم الذي يحصل في الحيض والنفاس مأخوذ من النفس وهو الدم؛ لأن النفس يراد به الدم، وهذا من معاني النفس، ولهذا اشتهر عند الفقهاء جملة وهي: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وما لا نفس له؛ يعني: ما لا دم له كالجراد والذباب، وما إلى ذلك مما لا دم فيه، فإن هذا إذا مات في ماء فلا يؤثر موته فيه على الماء ولا ينجسه.إذاً: فالنفس مأخوذ من النفاس، وإطلاق الحيض عليه؛ لأن ذلك من معانيه ويقال فيه: نفست، أي: إن ذلك مأخوذ من النفس، والنفس يراد به الدم؛ لأن هذا من معانيه، وقد نقل ابن القيم في زاد المعاد أن أول من حفظ عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة، فقال: ما لا نفس له سائلة أنه إبراهيم النخعي وعنه تلقاها الفقهاء من بعده.قالت: (نعم) قال: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم) (هذا أمر) أي: الحيض، (كتبه الله على بنات آدم) فليس هذا إليك، ولم يحصل منك تقصير، بل إن هذا أمر مكتوب ولا دخل للنساء فيه، ولا دخل للمرأة في مجيء الدم؛ لأن هذا شيء مكتوب، والكتابة هنا قدرية؛ لأن الكتابة تأتي قدرية وتأتي شرعية، أي أنها تأتي بمعنى القدر وهو الذي قدر وكتب أنه يكون كذا، فهذه كتابة قدرية، كقوله تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]؛ يعني: قدر الله لنا، وقوله: (كتبه الله على بنات آدم) أي: قدره الله على بنات آدم، وأما الكتابة الشرعية فإنها مثل قوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]؛ يعني: في التوراة، وكتبنا أي: شرعنا وأوجبنا، قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]؛ يعني: شرع؛ لأنها كتابة شرعية وكتابة قدرية، وهنا كتابة قدرية: (أمر كتبه الله على بنات آدم) يعني: قدره على بنات آدم أنه يكون، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. إذاً: فهذا أمر خارج عن إرادتك، وخارج عن مشيئتك، فلم يحصل منك تقصير، وإنما هذا أمر مكتوب مقدر فلا شأن لك فيه، فقال ذلك عليه الصلاة والسلام ليهون عليها ما حصل لها مما أفزعها وأبكاها، فأرشدها أن تفعل جميع أفعال الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت، ولا الذي يكون بعده وهو السعي بين الصفا والمروة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لها أن كل ما يفعل الحاج فإنها تفعله، فهي تقف في عرفات، وتبقى في منى، وتبيت بمزدلفة، وترمي الجمار، وتقصر، وتنحر، فكل ما يفعله الحاج تفعله المرأة الحائض إلا أنها لا تطوف بالبيت. ومن المعلوم أن عائشة رضي الله عنها أحرمت متمتعة محرمةً بالعمرة، وبقيت على عمرتها، لكن لما جاء وقت الحج وهي لم تطهر من حيضها، أمرها رسول الله عليه الصلاة والسلام أن تحرم بالحج وتدخله على العمرة، فتكون بذلك قارنة بعد أن كانت متمتعة؛ لأن الإحرام بالعمرة موجود من الميقات وهو مستمر معها، ولكنه لم يتيسر لها أن تطوف وتسعى وتنهي عمرتها بسبب الحيض، والحج قد وصل ولا تتمكن من إنهاء العمرة، فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تدخل الحج على العمرة، وأن تنوي الحج في ذلك الوقت، فيكون إحرامها بالحج مضافاً إلى إحرامها بالعمرة الذي كان في الميقات، فتكون بذلك قارنة ولم تلغي عمرتها، فإن الإحرام بالشيء إذا حصل لا يتخلص منه، بل لا بد من إتمامه وإنفاذه، ولما لم يكن سبيل إلى الإتمام بسبب الحيض والإحرام لا يزال باقياً، أرشدها عليه الصلاة والسلام أن تحرم بالحج فتدخله على العمرة وتصير بذلك قارنة؛ يعني: يكون طوافها بعد الحج وسعيها بعد الحج لحجها وعمرتها؛ لأن القارن عليه طواف واحد وسعي واحد. ثم قالت: ( وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر )، المقصود بذلك: أن الهدي الذي كان على أمهات المؤمنين بسبب تمتعهن فعله عنهن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك بالبقر أي: أن هدي التمتع الذي حصل لهن وهدي القران الذي هو لـعائشة كان بالبقر. تراجم رجال إسناد حديث عائشة فيما تفعل المحرمة إذا حاضت قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو: ابن مخلد الحنظلي المشهور بابن راهويه، وراهويه للمحدثين فيه إطلاق، وللغويين فيه إطلاق، فالمحدثون يجعلون الواو ساكنة وما قبلها مضموماً والياء بعدها مفتوحة، فيقولون: ابن راهويه.أما اللغويون: فيكون الاسم مختوماً بويه، أي: الواو مفتوحة والياء ساكنة، فيقول: راهويه؛ لأن الاسم يكون عندهم مختوماً بويه.وهو ثقة، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .[حدثنا سفيان].وهنا مهمل؛ يعني: غير منسوب، فهو مهمل النسبة، فإذا ذكر اسم الشخص ولم ينسب، ولم يؤت بما يميزه عن غيره فإنهم يسمونه المهمل، فيكون محتملاً لأشخاص كما هنا؛ لأن سفيان يحتمل: سفيان بن عيينة، ويحتمل: سفيان الثوري، وكانا في زمن واحد، وهما محدثان، فقيهان، مشهوران، وهذا غير المبهم؛ لأن المبهم لا يذكر اسمه، لكن يشار إليه بأن يقال: رجل، أو أخبرني رجل، أو حدثني رجل، أو امرأة، فهذا يقال له: مبهم؛ لأنه غير مسمى، فرجل يعني: جنس. والطريقة إلى معرفة المهمل تعيينه وتمييزه هل هو الثوري أو ابن عيينة هو ما ذكرت مراراً أن المعروف في ذلك أو المشهور في ذلك طريقان: إحداهما: أن يكون مسمى في بعض الطرق التي ورد بها الحديث؛ لأن الحديث يأتي من عدة طرق، فيكون في بعضها مهملاً، وفي بعضها منسوباً، والطريقة الثانية: بالنظر للشيوخ والتلاميذ الذين أخذ عنهم هذا المهمل -مهمل النسبة- وإذا نظرنا في ترجمة شيخ سفيان وهو عبد الرحمن بن القاسم نجد أن في ترجمته في تهذيب الكمال: أنه روى عنه السفيانان، أي سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري. فإذاً: فهو محتمل أن يكون هذا أو هذا، لكن لما نظرنا في ترجمة إسحاق بن راهويه في تهذيب الكمال، وجدنا أن المزي لم يذكر إلا سفيان بن عيينة، وما ذكر في شيوخ إسحاق بن راهويه إلا سفيان بن عيينة، وما ذكر من شيوخه سفيان الثوري. إذاً: يكون سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة، محدث، فقيه، حافظ عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن القاسم].هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو ثقة عابد، قال عنه سفيان بن عيينة: كان أفضل أهل زمانه. يثني عليه، وهو هنا تلميذه المهمل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً في هذا الكتاب.[عن عائشة].هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وهي أكثر الصحابيات على الإطلاق حديثاً، وهي أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم ستة من الذكور وعائشة رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين، وهم الذين جمعهم السيوطي في بيتين من ألفيته، حيث قال عنهم: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كـالخدريوجابر وزوجة النبيِّ ما تفعل النفساء عند الإحرام شرح حديث جابر فيما تفعل النفساء عند الإحرام قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما تفعل النفساء عند الإحرام.أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم واللفظ له، أخبرنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر بن محمد حدثني أبي قال: أتينا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم فحدثنا: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لخمس بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري، ثم أهلي )].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب ما تفعل النفساء عند الإحرام. أي: إذا حصل لها نفاس؛ يعني: ولدت المرأة، وصارت نفساء يخرج منها الدم، فماذا تصنع؟ هذا هو المقصود بالترجمة، وقد أورد النسائي تحته حديث جابر الذي يقول فيه: إنهم خرجوا مع رسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، ولما كانوا في ذي الحليفة -الميقات-، ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تسأل: ماذا تصنع؟ فأمرها رسول الله عليه الصلاة والسلام أن تغتسل وأن تستثفر بثوب وأن تهل؛ يعني: تحرم، وتنوي الإحرام وهي نفساء، وكذلك الحائض مثلها، فالحائض والنفساء تحرمان وتدخلان في الإحرام وهما في الحيض والنفاس، فتغتسلان عند الإحرام للتنظف والتهيؤ وتهلان، ولكن كما جاء ذلك مبيناً في الحديث السابق أنه لا يحصل الطواف حتى يكون الطهر، وتفعل كما يفعل الحجاج إلا الطواف بالبيت؛ يعني: وكذلك السعي الذي يكون بعده يكون تبعاً له، فـأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما ولدت محمد بن أبي بكر وسألت النبي عليه الصلاة والسلام: ماذا تصنع؟ فأخبرها بأنها تغتسل وتستثفر بثوب؛ حتى لا يسيل منها الدم، وكذلك تهل؛ يعني: تدخل في الإحرام، فهذا هو الذي تفعله النفساء عند الإحرام وذلك أنها تحرم وتدخل في الإحرام وعليها النفاس، لكنها تستعد له بالاغتسال وتستثفر. تراجم رجال إسناد حديث جابر فيما تفعل النفساء عند الإحرام قوله: [أخبرنا عمرو بن علي، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم واللفظ له].هؤلاء ثلاثة من مشايخ النسائي واللفظ للأخير منهم وهو يعقوب بن إبراهيم.و عمرو بن علي الفلاس يأتي ذكره كثيراً، وهو من النقاد، كلامه كثير في الجرح والتعديل، فهو من أئمة الجرح والتعديل، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.ومحمد بن المثنى هو الزمن العنزي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة جميعاً.ويعقوب هو ابن إبراهيم الدورقي، وهو أيضاً ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. وكل من محمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم شيخان للنسائي وقد ماتا في سنة واحدة وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين؛ أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فهما من صغار شيوخ البخاري الذين هم قريبون منه في السن، وقريبون منه في الوفاة؛ لأنه ليس بين وفاتهما وبين وفاة البخاري إلا أربع سنوات.[أخبرنا يحيى بن سعيد].وهو القطان المحدث، الثقة، الناقد، المعروف بإمامته في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا جعفر بن محمد].وهو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو من أئمة أهل السنة، وإمام من أئمة أهل البيت، ومن أئمة أهل السنة الذين رووا عنهم الأحاديث، ومن الذين رووا الأحاديث عن رسول الله، وهو المعروف بـالصادق، وهو أيضاً من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يقدسونهم ويعظمونهم ويتجاوزون الحدود فيهم. ومن المعلوم أن الواجب في حق المؤمنين من أهل البيت ومن غيرهم هو المحبة والموالاة، والتوسط بين الإفراط والتفريط، فلا غلو ولا جفاء، وإنما توسط واعتدال، فلا يغلى في أحد ولا يجفى في حق أحد، كما قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته -عقيدة أهل السنة- يقول: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. فالواجب هو التوسط بين الإفراط والتفريط، ومن كان من صالح أهل البيت فإنه يحب لأمرين: لتقواه وإيمانه، وهذا هو الأساس، وأيضاً لقرابته من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو مذهب أهل السنة الذين يعرفون لكلٍ منزلته، ويعرفون قدر أهل البيت، وينزلونهم منازلهم ويحبونهم ويتولونهم، ولا يجفونهم، ولا يغلون فيهم، وإنما يتوسطون فيهم، والذي سبق إلى هذا التقديم وإلى معرفة هذا الفضل لأهله هم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وأرضاهم، وأولهم خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام أبو بكر الصديق فإنه قد جاء في صحيح البخاري أنه قال: والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليِّ من أن أصل قرابتي؛ يعني: يحب أن يصل قرابة رسول الله عليه الصلاة والسلام أعظم من محبته لصلة قرابته؛ وذلك لمحبته للرسول صلى الله عليه وسلم ومن تنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في أهل بيته، في أنهم يحبون ويتولون، لكن بلا غلو ولا جفاء، وإنما بتوسط واعتدال بين الإفراط والتفريط، كما قال أبو سليمان الخطابي: ولا تَغلُ في شيء من الأمر واقتصدكلا طرفي قصد الأمور ذميميعني: الطرفين المجانبين لطريق القصد، وهو الاعتدال والتوسط، كلٌ منهما ذميم أي: جانب الإفراط وجانب التفريط، جانب الغلو وجانب الجفاء، هذا هو مذهب وطريقة أهل السنة في حق أهل البيت. وجاء كذلك عن أبي بكر أيضاً وهو في صحيح البخاري قوله: ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. وكذلك أيضاً عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول للعباس: والله لإسلامك أحب إليِّ من إسلام الخطاب لو أسلم؛ وذلك لكونه عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يحب إسلامه، ويحب إسلام أعمامه، ولهذا حرص على إسلام أبي طالب، وجاء إليه وهو في النزع وفي الرمق الأخير من حياته الدنيوية وطلب منه أن يسلم، وقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)، فكان عنده بعض جلساء السوء فذكروه بملة عبد المطلب، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فكان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول هذه المقالة. إذاً: هذا هو قول سادات أهل السنة، وسادات المسلمين أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، فـأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما هذا قولهم وكلامهم في حق أهل البيت، والواجب هو محبة أهل البيت؛ يعني: من كان منهم مؤمناً يحب لإيمانه وتقواه، وهذا هو الأساس في المحبة، ويحب لقرابته من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين الذي في الإسناد هو صدوق، فقيه، وقد روى له البخاري في الأدب المفرد، وروى له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثني أبي].وهو محمد بن علي بن الحسين المشهور بـالباقر وهو ثقة، فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويقال فيه ما قيل في ابنه من جهة المودة والمحبة والموالاة لأهل البيت، فمن كان منهم مستقيماً وصالحاً فإنه يحب لتقواه، ويحب لقرابته من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، هذا هو قول أهل السنة الذين يتولون الجميع، ويحبون أولياء الله عز وجل من الصحابة ومن أهل البيت، فمن كان منهم صالحاً فإنهم يحبونه لصلاحه ولقرابته من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يقصرون الأمر في أحد دون أحد، بل يكونون في المودة لـعلي وأولاده، وللعباس وأولاده، وهكذا لجميع قرابة رسول الله عليه الصلاة والسلام على السواء.فرضي الله تعالى عن علي وعن الصحابة أجمعين، ورحم الله التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.[أتينا جابر بن عبد الله].هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو الصحابي الجليل المشهور، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (83) دم الحيض يصيب الثوب شرح حديث أم قيس فيما يفعل بدم الحيض إذا أصاب الثوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب دم الحيض يصيب الثوب.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني أبو المقدام ثابت الحداد عن عدي بن دينار سمعت أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: ( أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب، قال: حكيه بضلع، واغسليه بماء وسدر )].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: دم الحيض يصيب الثوب. يعني: أنه يحك ويغسل، أورد النسائي في هذه الترجمة أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة بن محصن الصحابي المشهور والذي هو من أهل الجنة في قصة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فهذه أخته سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب، فقال: (حكيه بضلع، ثم اغسليه بماء وسدر)، الحك: يكون لإزالة الشيء المتجمد أو الشيء المتجمع؛ حتى يسهل غسله بعدما يذهب الشيء المترسب والمتجمع، فإن الحك يزيل الشيء المتجمع، و(ضلع) قيل: إنه عود على هيئة الضلع مائل، ويمكن أيضاً أن يكون الضلع شيء مأكول اللحم، فإنه يحك به، لكن كما هو معلوم مثل هذا يكون نادراً وجوده، وإنما المتوفر الأعواد، ففسر بأن المقصود من ذلك أنه عود يكون على هيئة الضلع في ميلانه، والمقصود من ذلك أنه يحك؛ حتى يزال ما كان مترسباً ومتجمعاً من دم الحيض، ثم بعد ذلك يحصل الغسل بالماء والسدر، والأصل هو الغسل بالماء والسدر لزيادة التنظيف، وليس بلازم؛ يعني: إذا انضم إليه صار زيادة في التنظيف، وإلا فإن الماء يكون كافياً في غسل النجاسات، فإن النجاسات كلها تغسل بالماء إلا فيما يتعلق بولوغ الكلب في الإناء ولو غسل الإناء فإنه يضاف إلى ذلك التراب، ولا بد من ذلك.إذاً: يكون تنظيف الثياب إذا وقع عليها دم الحيض بالحك؛ وذلك لإزالة ما كان متجمداً مترسباً، ثم بعد ذلك بالغسل. تراجم رجال إسناد حديث أم قيس فيما يفعل بدم الحيض إذا أصاب الثوب قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].وهو: السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، قيل له: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلاده سرخس، وحديثه خرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.[حدثنا يحيى بن سعيد].وهو القطان الذي مر ذكره في الإسناد السابق، وهو ثقة ناقد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة كما عرفنا.[عن سفيان].وسفيان هنا هو الثوري، وسفيان هنا غير منسوب، وقد ذكر في ترجمة ثابت الحداد أنه روى عنه الثوري، فإذاً: يكون المراد بهذا الرجل المهمل الذي لم ينسب هو سفيان الثوري، وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الإمام، المحدث، الفقيه، الثقة، الحافظ، العابد، الذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل والتوثيق.[حدثني أبو المقدام ثابت الحداد].وهو: ثابت بن هرمز الحداد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق يهم، وحديثه عند أبي داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن عدي بن دينار].وعدي بن دينار ثقة أيضاً، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.[سمعت أم قيس بنت محصن].وهي أم قيس بنت محصن الأسدية، أخت عكاشة بن محصن، وعكاشة بن محصن هو أحد المشهود لهم بالجنة كما جاء ذلك في حديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقام عكاشة بن محصن فقال: ( ادع الله لي أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله لي أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة )، فـعكاشة هو أخو أم قيس، وقد شهد له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأخته هذه أم قيس صحابية لها أربعة وعشرون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على حديثين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أسماء بنت أبي بكر فيما يفعل بدم الحيض إذا أصاب الثوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وكانت تكون في حجرها ( أن امرأة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ فقال: حتيه، ثم اقرصيه بالماء، ثم انضحيه وصلي فيه )]. هنا أورد النسائي حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها: ( أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ فقال: حتيه، ثم اقرصيه بالماء، ثم انضحيه وصلي فيه )، فأرشدها عليه الصلاة والسلام أن تحته؛ يعني: مثلاً بعود، أي أنها تحت ما كان متجمداً حتى يتساقط، وحتى لا يشغل بالغسل وإزالته وهو متجمد، فإذا حت وسقط، فهو مثل الذي قبله؛ يعني: هناك قال: حكيه، وهنا قال: حتيه؛ يعني: يحت ويحك بمعنى واحد، والحك بعود أو غيره؛ حتى يسقط ذلك المتجمد، وحتى لا يحتاج إلى غسله كثيراً، بل هذا المتجمد الذي يحت يتساقط.وقوله: (ثم اقرصيه بالماء)، يعني: تحركه بأطراف أناملها حتى يزول، وحتى يسهل غسله وإزالته، ثم تغسله، أي: بعدما تقرصه بأصابعها تصب عليه الماء؛ حتى يطهر الثوب من الحيض وتزول النجاسة عنه، فيصلى فيه؛ لأنه طاهر؛ ولأن النجاسة قد ذهبت عنه بالحت والغسل، فهو مثل الذي قبله فيه حت وغسل. تراجم رجال إسناد حديث أسماء بنت أبي بكر فيما يفعل بدم الحيض إذا أصاب الثوب قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].يحيى بن حبيب بن عربي، وهو بصري، ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا حماد بن زيد].وحماد بن زيد أيضاً بصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة].وهو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن فاطمة بنت المنذر].وهي فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام، وهي زوجة هشام؛ يعني: يروي عن زوجته؛ لأنها هي بنت عمه، فهو هشام بن عروة بن الزبير، وهي فاطمة بنت المنذر بن الزبير، فهي ابنة عمه، وهي ثقة، حديثها عند أصحاب الكتب الستة.[عن أسماء بنت أبي بكر].وهي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وأرضاها، وهي الصحابية أم عبد الله بن الزبير، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. المني يصيب الثوب شرح حديث أم حبيبة في صلاة النبي في الثوب الذي كان يجامع فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المني يصيب الثوب.أخبرنا عيسى بن حماد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه سأل أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي كان يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: المني يصيب الثوب. يعني: ماذا يفعل به؟ وقد أورد النسائي في حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سألها: ( هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت: نعم، إذا لم يكن فيه أذى )، يعني: أنه إذا لم يكن فيه أثر المني وكان موجوداً فيه، فإنه لا يغسل ولا يزال، وليس ذلك لأنه نجس، فإن المني ليس بنجس، بل هو طاهر. تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة في صلاة النبي في الثوب الذي كان يجامع فيه قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد].وهو عيسى بن حماد التجيبي المصري، ولقبه زغبة، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا الليث].وهو الليث بن سعد المصري، الفقيه، المحدث، الثقة، الثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن يزيد بن أبي حبيب]وهو أيضاً مصري، وهو ثقة، فقيه، وكان يرسل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سويد بن قيس].وهو التجيبي المصري أيضاً، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن معاوية بن حديج].ومعاوية بن حديج صحابي صغير، وخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والنسائي. الموقف مما جرى بين علي ومعاوية [عن معاوية بن أبي سفيان].وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهو أمير المؤمنين، وأول ملوك المسلمين، وهو خير ملوك المسلمين، وهو كاتب وحي رب العالمين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد حصل بينه وبين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ما حصل، وكل منهما قد اجتهد، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، والخطأ مغفور، وقد قال بعض العلماء الذين وفقهم الله عز وجل بالكلام الحسن في حق الصحابة والفتن التي كانت في أيامهم: قد صان الله عنها أيدينا، فنسأل الله أن يصون عنها ألسنتنا؛ يعني: أنهم ما أدركوا زمانهم، وما بقي إلا القول، والقول الحق هو أن كل مسلم ناصح لنفسه يجب أن يكون كلامه في ما هو حق؛ لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، فهو إذا لم يقل خيراً في الصحابة فلا أقل من السكوت والصمت، وأما أن يتكلم فيهم بما لا يليق، ففاعل ذلك لا يضرهم وإنما يضر نفسه ويجر البلاء على نفسه، ومن المعلوم أنه ليس عند الناس في الدار الآخرة إلا الحسنات والسيئات، فمن تكلم في أحد بكلام لا يليق فإنه يأخذ من حسناته يوم القيامة، وإذا لم يكن له حسنات فإنه يؤخذ من سيئات المظلوم المتكلم فيه بغير حق ويطرح على القائل، كما جاء في حديث المفلس الذي بينه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار). إذاً: فالواجب في حق أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نترضى عنهم ونستغفر لهم، ونقول كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]؛ لأن الله تعالى ذكر في سورة الحشر ثلاثة أصناف من الناس ليس لهم رابع؛ يعني: سالمون ناجون، وأما من سواهم فهو حائد عن طريق الحق والهدى.أما الصنف الأول: فهم المهاجرون، وجاء هذا في آية مستقلة: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، فوصف الله عز وجل المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم، وجاءوا لصحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام ونصرته بأنهم صادقون، والله تعالى أمر المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119]، والمراد بالصادقين أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاءت هذه الآية بعد ذكر الثلاثة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين صدقوا فيما قالوا وفيما خاطبوا به الرسول عليه الصلاة والسلام في تخلفهم عن غزوة تبوك، ولم يحصل منهم ما حصل من المنافقين، فصدقوا ونجاهم الله تعالى بالصدق، ثم أمر الله المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].فالمهاجرون وصفهم الله تعالى بأنهم الصادقون، وقد أمر المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين. إذاً: فهذه الآية تشتمل على الصنف الأول من الأصناف الثلاثة وهي الناجية السالمة.والصنف الثاني: الأنصار، وهم جاءوا في الآية التي بعدها: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].والصنف الثالث: هم الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار، مستغفرين لهم داعين لهم، سائلين الله تعالى ألا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، فقال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:10]؛ يعني: من بعد المهاجرين والأنصار، يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].وليس وراء هذه الأصناف الثلاثة إلا الخذلان والانحراف عن طريق الحق والهدى؛ لأن من لم يكن من المهاجرين ولا من الأنصار لا يكون ناجياً وسالماً إلا إذا جاء على طريقة المهاجرين والأنصار، وسأل الله عز وجل هذا السؤال الذي اشتملت عليه هذه الآية الكريمة المبينة لما كان عليه هؤلاء التابعون لهؤلاء السالكين، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، وكيف يكون في القلوب غل للذين آمنوا وهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، فإنه لا يكون في القلوب غل إلا في قلوب مريضة، وقلوب خذل أصحابها، وحيل بينهم وبين التوفيق والهدى. بل قد جاء في القرآن ما هو أشد من ذلك وأعظم! فإن الله تعالى ذكر وصف أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام في التوراة والإنجيل، فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]، فهؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم نوه الله بشأنهم في الكتب السابقة، وجاء وصفهم والثناء عليهم في الكتب السابقة رضي الله عنهم وأرضاهم وذلك في التوراة والإنجيل وهما أشهر الكتب المتقدمة، ثم قال في آخرها: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]؛ يعني: فمن غاضه أصحاب رسول الله أو غيض بأصحاب رسول الله، فله نصيب من هذه الآية لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29]، وهذا أشد ما يكون على من في قلبه حقد على أصحاب رسول الله، وأعظم شيء جاء في القرآن في حق من كان في قلبه غل على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه -كما قلت- هو أول ملوك المسلمين، وهو خير ملوك المسلمين وكاتب الوحي لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وأخو أم حبيبة أم المؤمنين، وكما قلت: جرى بينه وبين علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه شيء، فرضي الله تعالى عن علي وعن معاوية وعن الصحابة أجمعين، والواجب هو الكف عما جرى بينهم إلا بالكلام الحق، وحملهم على أحسن المحامل، وأنهم مجتهدون، فالمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد وخطأه مغفور. وقد جاء عن بعض السلف أنه قيل له: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي عليه الصلاة والسلام، فقال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وهو وراءه: ربنا ولك الحمد؛ يعني: استجاب الله لمن حمده، وماذا أقول في رجل هذا شأنه؟! يعني: كسائر الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.[عن أم حبيبة].وهي أخته أم المؤمنين بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (84) - باب غسل المني من الثوب - باب فرك المني من الثوب بيّن الشرع عدم نجاسة المني وأنه إذا أصاب الثوب فإنه يفرك أو يغسل، وبين أيضاً جواز الصلاة بالثوب الذي فيه أثر المني، وأنه لا يضر. غسل المني من الثوب شرح حديث عائشة: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب غسل المني من الثوبأخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن عمرو بن ميمون الجزري عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه)].يقول النسائي رحمه الله: باب غسل المني من الثوب. هذه الترجمة تتعلق بشيء من أحكام الجنابة، وهي: ما إذا أصاب المني ثوباً فماذا يُصنع فيه؟ والترجمة فيها أنه يغسل، وهي قول النسائي: باب غسل المني من الثوب.وقد أورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت تغسل الجنابة- أي المني -من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه)، أي: أثر غسل المني، والغسل هذا ليس لكونه نجساً، وإنما لإزالة المنظر الذي لا يحسن أن يرى على الثوب، والإنسان ذاهب أو خارج من المنزل، فهو مثل البصاق الذي يكون على الثوب، فمنظره لا يكون لائقاً، فغسله لإزالة ذلك الأثر، وليس للنجاسة، بدليل الأحاديث التي ستأتي بعد هذه الترجمة، وهي كون عائشة رضي الله عنها تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً، فلو كان نجساً ما كفى فيه الفرك، وإنما يتعين الغسل مع الفرك؛ لكن لما اكتفي بالفرك حين صار الثوب فيه المني دل على طهارته، وأنه ليس بنجس؛ لأن الفرك لا يكفي لو كان المني نجساً، فدل على أن المني إذا أصاب الثوب؛ إن كان رطباً فإنه يغسل حتى يزول الأثر الذي لا يناسب أن يرى -كما أن البصاق لو كان على الثوب فإنه يغسل ويزال؛ لأنه لا يناسب أن يرى- وإذا كان يابساً فإنه يفرك، وهذا هو دليل طهارة المني.ثم أيضاً الإنسان مخلوق من المني، والإنسان مادته، فأصل خلقه إنما هو من المني، والله تعالى خلق ذرية آدم بهذه الطريقة، فخلقه من تراب، وخلق ذريته من هذا، إلا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فإن خلقه ليس كخلق غيره، ولم يكن على الطريقة أو الهيئة التي يتم بها خلق البشر، وذلك أن خلق آدم عليه الصلاة والسلام من تراب، وخلق حواء من آدم نفسه، وليست بالطريقة التي يتم بها خلق الذرية، وخلق عيسى ابن مريم على الهيئة التي جاءت في الكتاب والسنة، وليس كخلق الذرية.إذاً: فثلاثة أشخاص كلٌ خلقه الله على هيئة معينة. آدم، وحواء، وعيسى، والبقية خلقوا كلهم من ماء مهين، كما قال الله عز وجل: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:20-23]، إذاً: فالمني طاهر، وغسله لإزالة الأثر الذي لا يناسب أن يرى. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه) قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو المروزي، وقد جاء ذكره في ما مضى كثيراً، وهو راويه عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، ولم يخرج له الشيخان: البخاري ومسلم، ولا أبو داود، ولا ابن ماجه .[أخبرنا عبد الله].عبد الله هنا غير منسوب، وهو عبد الله بن المبارك؛ لأنه راويته، وكلاهما من مرو، أي: مروزي، فـعبد الله بن المبارك هو شيخ سويد بن نصر، وسويد بن نصر راويته المعروف بالرواية عنه، ولهذا يهمله، وعبد الله بن المبارك المروزي قال عنه في التقريب: إنه ثقة، ثبت، إمام، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن ميمون الجزري].هو ابن مهران الجزري، وهو سبط سعيد بن جبير؛ أي: ابن بنته، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سليمان بن يسار].سليمان بن يسار هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وقد اشتهروا بالفقه والحديث، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].عائشة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، فقد مر ذكرها كثيراً، وحديثها في الكتب الستة. فرك المني من الثوب شرح حديث عائشة: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فرك المني من الثوبأخبرنا قتيبة حدثنا حماد عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن الحارث بن نوفل عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أفرك الجنابة -وقالت مرة أخرى: المني- من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي باب: فرك المني من الثوب. أي: أنه لا يحتاج إلى غسل، وإنما يكفي فركه إذا كان يساباً، وفركه يدل على أن ذلك كاف، وأنه لا يحتاج إلى غسل، وقد أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديثاً عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها من عدة طرق، فجاء عنها في الذي أورده النسائي أولاً، أنها قالت: (كنت أفرك الجنابة، وقالت مرة أخرى: المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه)، أي: بعد ذلك الفرك، ودون أن يحتاج الأمر إلى غسل، فيصلي الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فيه، فدل على أنه يكفي فيه الفرك، وأنه لا يحتاج إلى غسل إذا كان يابساً. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله) قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريق البغلاني، الثقة، الثبت، المحدث، الذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً، فهو من شيوخ النسائي، وهو أول شيخ من شيوخه روى له حديثاً في سننه.[حدثنا حماد].وحماد هنا غير منسوب، وهو يحتمل: حماد بن زيد، ويحتمل: حماد بن سلمة، لكن هو حماد بن زيد، وليس حماد بن سلمة؛ لأن قتيبة لم يرو عن حماد بن سلمة شيئاً؛ فإذاً كل ما جاء قتيبة في إسناد يروي عن حماد وليس بمنسوب فالمراد به: حماد بن زيد؛ وقد ذكر المزي في تهذيب الكمال فصلاً عقب ترجمة حماد بن سلمة، ذكر فيه أن الحمادين وهما: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، يأتي ذكرهما في الأسانيد مهملين بدون نسبة، ثم ذكر ما يميز به أحدهما عن الآخر، وذلك بمعرفة التلاميذ الذين انفردوا بالرواية عن هذا، أو بالرواية عن هذا، وكان مما ذكره أن قتيبة بن سعيد انفرد بالرواية عن حماد بن زيد، وعلى هذا فإذا جاء حماد يروي عنه قتيبة وهو غير منسوب، فالمراد به حماد بن زيد، وهو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.[عن أبي هاشم].هو يحيى بن دينار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي مجلز].هو لاحق بن حميد السدوسي البصري، وهو ثقة أيضاً، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الحارث بن نوفل].هو الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المكي، وهو صحابي خرج حديثه النسائي وحده.[عن عائشة].هي عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وقد مر ذكرها كثيراً، ولا سيما في إسناد الحديث الذي قبل هذا، والحديث من رواية صحابي عن صحابية، الصحابي هو: الحارث بن نوفل، عن صحابية وهي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها. شرح حديث عائشة: (لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز حدثنا شعبة قال: الحكم أخبرني عن إبراهيم عن همام بن الحارث أن عائشة رضي الله عنها قالت: (لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وهو قولها: (لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله عليه الصلاة والسلام)؛ أي: المني، فالضمير يرجع إلى شيء معلوم، وهو: المني، وهو الذي يُفرك من ثوب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو يدل على ما دل عليه الذي قبله، وهو مما روي عن عائشة من طرق متعددة، وفيه: الاكتفاء بالفرك للمني يكون في الثوب دون حاجة إلى غسله. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله) من طريق ثانية قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد].هو عمرو بن يزيد الجرمي، وهو صدوق، خرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا بهز].هو بهز بن أسد العمي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].هو ابن الحجاج، الثقة، الثبت، الإمام، الناقد، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف رفيع، ولقب عال، لم يظفر به إلا عدد يسير من المحدثين، ومنهم: شعبة بن الحجاج هذا، فقد وصف بهذا الوصف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[قال: الحكم أخبرني].والمقصود به: أخبرني الحكم، لكن قدم اسم الراوي على الصيغة، وهو سائغ، عمل به أو استعمله بعض المحدثين، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن شعبة يستعمل هذا كثيراً؛ أي: يستعمل تقديم اسم الراوي على الصيغة؛ لأن الأصل كالجادة المعروفة؛ أخبرني فلان، فيكون اسم الراوي متأخراً عن الصيغة، يكون فاعلاً، وأما هنا يكون مبتدأ، والصيغة بعده خبر، فيقول: (قال: الحكم أخبرني)، والحكم هو: ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن إبراهيم].هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، المحدث، الفقيه، الثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن همام بن الحارث].هو همام بن الحارث النخعي، كوفي أيضاً، وهو ثقة، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].عائشة قد مر ذكرها. حديث عائشة: (كنت أفركه من ثوب النبي) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن حريث أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أفركه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم)]. هنا أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله تماماً، وقولها: (كنت أفركه)؛ تعني المني، (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهو دال على ما دل عليه الذي قبله، أو الروايات التي قبله؛ لأنها كلها روايات لحديث واحد، تتعلق بفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً.قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].الحسين بن حريث ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه .[أخبرنا سفيان].هنا غير منسوب، يحتمل ابن عيينة، ويحتمل الثوري، لكن في ترجمة الحسين بن حريث في تهذيب الكمال لم يذكر من شيوخه إلا سفيان بن عيينة، فعلى هذا يكون سفيان هو ابن عيينة، وليس الثوري؛ لأنه ليس للحسين بن حريث رواية عن سفيان الثوري، وإنما له رواية عن سفيان بن عيينة. وسفيان بن عيينة ثقة، حجة، إمام، عابد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن منصور].هو منصور بن معتمر الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن إبراهيم عن همام عن عائشة].هؤلاء هم الذين جاءوا في الإسناد الذي قبل هذا. حديث عائشة: (كنت أراه في ثوب رسول الله فأحكه) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى بن سعيد عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أراه في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحكه)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة أيضاً من طريق أخرى، وهو أنها قالت: (كنت أراه)، تعني المني، (في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحكه)، يعني: معناها أنها تكتفي بحكه وفركه دون حاجة إلى غسله، فهو دال على ما دلت عليه الروايات السابقة.قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف].هو شعيب بن يوسف النسائي، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.[عن يحيى بن سعيد].هو القطان، وهو ثقة، ثبت، محدث، ناقد، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الأعمش].هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بهذا اللقب، الذي هو الأعمش، واسمه سليمان بن مهران، وكثيراً ما يأتي ذكره بلقبه، وأحياناً يأتي ذكره باسمه، ومعرفة الألقاب للمحدثين لها فائدة عظيمة؛ وهي دفع أن يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف قد يظن أن الأعمش غير سليمان بن مهران، والأعمش ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الست.[عن إبراهيم عن همام عن عائشة].قد مر ذكرهم في الأسانيد السابقة. حديث عائشة: (لقد رأيتني أفرك الجنابة من ثوب رسول الله) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لقد رأيتني أفرك الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو بلفظ يدل على ما دل عليه الطرق السابقة، وهو أنها قالت: (لقد رأيتني أفرك الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهو دال على ما دل عليه ما قبله من الاكتفاء بالفرك دون حاجة إلى الغسل. قوله: [أخبرنا قتيبة].قد مر ذكره قتيبة.[حدثنا حماد].هنا قال: حماد بن زيد وسماه، وهو كما ذكرت نقلاً عن المزي في تهذيب الكمال، في فصل عقده بعد ترجمة حماد بن سلمة، ذكر الذين ينفردون بالرواية عن كل منهما، وذكر أن ممن انفرد بالرواية عن حماد بن زيد قتيبة بن سعيد، فهو لم يرو عن حماد بن سلمة، وهنا قد سماه، بخلاف الإسناد الأول، فإنه قد أهمل النسبة، وأما هنا فقد نسبه، فهو ليس بمهمل، بل متميز عن حماد بن سلمة.وقتيبة لم يرو عن حماد بن سلمة، بل روايته عن حماد بن زيد وحده.[عن هشام بن حسان].هو هشام بن حسان الأزدي القردوسي أبو عبد الله البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي معشر].هو زياد بن كليب، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن إبراهيم عن الأسود].إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي المتقدم.والأسود هو: خاله الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، مخضرم، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى.[عن عائشة].عائشة قد مر ذكرها. حديث عائشة: (لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله فأحته عنه) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن كامل المروزي حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحته عنه)]. هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو قولها: (لقد رأيتني أجده-أي: المني- في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحته عنه)، وهو دال على ما دل عليه الذي قبله من الاكتفاء بالحت والفرك دون الغسل.قوله: [أخبرنا محمد بن كامل المروزي].هو محمد بن كامل المروزي وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، ولم يخرج له الباقون.[حدثنا هشيم].هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن مغيرة].هو المغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس، خرج له الجماعة.[عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة].قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا. الأسئلة توجيه لطالب العلم الذي يقدح في أبي حنيفة السؤال: فضيلة الشيخ! نخبركم أولاً أننا نحبكم في الله، ثم أرجو إجابتي عما يلي:هناك من يسمي نفسه طالب علم، ويبالغ بالقبح والشتم في الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ويقول: إن عقيدته ودينه وفقهه مقدوح فيه، فما هو القول الوسط في أبي حنيفة بلا إفراط ولا تفريط؟ وهل هو أحد أئمة المسلمين فعلاً أم لا؟الجواب: أولاً: أقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يوفقنا جميعاً لما يرضيه.وأما السؤال المسئول عنه، بخصوص ما ذكر عن الإمام أبي حنيفة، فأبو حنيفة إمام معروف من أئمة أهل السنة، وهو معروف بالفقه، وقد حصل له أتباع عنوا بتدوين فقهه، وهو أحد الأئمة الأربعة المشهورين، الذين اعتني بفقههم، أما الذي ينبغي، والذي يليق بالمسلم الناصح لنفسه أن يكون سليم اللسان من الكلام في العلماء إلا بحق. ومن المعلوم أن الإنسان في الأزمان المتأخرة إنما يكون تعويله على كلام المتقدمين، والمتقدمون معلوم أنهم يعرفون قدر أبي حنيفة، وشأنه وفقهه، وأن عنايته بالفقه معروفة، وقد هيأ الله له أتباعاً عنوا بجمع فقهه، واللائق بالمسلم أن يكون لسانه نظيفاً سليماً فيما يتعلق في حق العلماء السابقين.وقد قال أبو جعفر الطحاوي وهو من أصحاب أبي حنيفة، ومن المعروفين في العناية بمذهب أبي حنيفة، وهو محدث، له كتب في الحديث منها: مشكل الآثار، وغيره من الكتب، وهو صاحب العقيدة؛ عقيدة أهل السنة، وقد قال فيها كلمة مفيدة حسنة تتعلق بهذا السؤال وأمثاله، وهي قوله: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر -يقصد بذلك أهل الحديث- وأهل الفقه والنظر -يقصد بذلك الفقهاء- لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.وإذاً: فشأن الإنسان طالب العلم في هذا الزمان، أن يحرص على أن يكون سليم اللسان في حق السابقين، وألا يتكلم فيهم إلا في حدود ما جاء عن العلماء مع التحقق مما جاء عن بعض العلماء، فإن مما يأتي في الكتب، وينقل عن بعض الأئمة منه ما لا يثبت. إذاً: فاللائق في حق أبي حنيفة وفي حق غيره هو الحرص على سلامة اللسان من الكلام إلا بحق، والاحترام والتوقير لأهل العلم، ومعرفة فضلهم، والاستفادة من علمهم، واعتقاد أنهم دائرون بين الأجر والأجرين، إن اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران؛ للاجتهاد وللإصابة، وإن اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر واحد، وخطؤهم مغفور. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (85) - (باب بول الصبي الذي لم يأكل الطعام) إلى (باب بول ما يؤكل لحمه) الأصل تساوي الذكور والإناث في الأحكام إلا في مسائل، منها: بول الصبي والجارية اللذين لم يأكلا الطعام، فإنه يكتفى بالرش لبول الصبي، ولابد من الغسل من بول الجارية، وقد دلت السنة على أن بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر. بول الصبي الذي لم يأكل الطعام شرح حديث أم قيس في نضح بول الصبي الذي لم يأكل الطعام قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بول الصبي الذي لم يأكل الطعام.أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: بول الغلام الذي لم يأكل الطعام.أي: كيف يغسل؟ وكيف يحصل التطهير من هذا البول الذي يحصل من الصبي الذي لم يأكل الطعام، وقيده بكونه لم يأكل الطعام؛ للتنبيه إلى أنه إذا أكل الطعام فإن حكمه حكم الأبوال الأخرى التي يحتاج فيها إلى الغسل. وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أم قيس بنت محصن: ( أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله ).والحديث فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام نضحه؛ أي: أنه رش عليه رشا، كما جاء ذلك في الأحاديث الأخرى، وهذا فيه دلالة على تخفيف هذه النجاسة، وعلى أنها تغسل هذا الغسل الخفيف الذي هو الرش دون أن تغسل. إذاً هذه النجاسة غسلها يكون برشها على ذلك البول الذي حصل من الغلام الذي لم يأكل الطعام، هذا هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت بالتفريق بينه وبين بول الجارية -كما سيأتي من كون الجارية يختلف حكمها عنه- فهو يرش منه، والجارية يغسل من بولها.وقوله: (ولم يغسله)، تبين لنا أن الحكم في التطهر من هذا البول يكون برشه وليس بغسله، ولا يلزم الغسل كما يكون الحكم بالنسبة للأبوال الأخرى، كبول الجارية التي هي في سنه ومثله، إذاً الحكم يختلف بين البنين والبنات؛ فيما إذا كان لم يأكل الطعام، فإنه ينضح من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية. تراجم رجال إسناد حديث أم قيس في نضح بول الصبي الذي لم يأكل الطعام قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني الذي يتكرر ذكره في سنن النسائي، وهو من شيوخه الذين أكثر عنهم، وهو أول شيخ روى عنه حديثاً في سننه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات، وقد تكرر ذكره كثيراً.[عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المشهور، وهو علم من الأعلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو إمام، محدث، فقيه، كثير الرواية في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أول من قام بجمع السنة وتدوينها، بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو ثقة إمام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين.[عن أم محصن].هي أم قيس بنت محصن الأسدية، وهي مشهورة بكنيتها، واختلف في اسمها، وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي، (الذي شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة)، فـأم قيس هذه هي أخت عكاشة بن محصن، وهي صحابية حديثها عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث عائشة في نضح بول الصبي الذي لم يأكل الطعام قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي فبال عليه، فدعا بماء فأتبعه إياه)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة وهو بمعنى حديث أم قيس بنت محصن، وفيه (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بصبي فبال عليه -أي: على النبي عليه الصلاة والسلام- فدعا بماء فأتبعه إياه)، يعني رشه، وصبه عليه دون أن يغسله، وإنما اكتفى بالرش، فدل هذا على أن هذه النجاسة مخففة، والمراد من ذلك الصبي الذي لم يأكل الطعام، كما جاء ذلك مبيناً في حديث أم قيس بنت محصن السابق وفيه: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام)، أما إذا أكل الصبي الطعام ولم يكن غذاؤه اللبن وحده، وإنما صار يأكل الطعام فإنه عند ذلك يغسل من بوله، ولا يكتفى بالرش. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في نضح بول الصبي الذي لم يأكل الطعام قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك].قتيبة ومالك مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.[عن هشام بن عروة].هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].هو عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو مثل عبيد الله الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام كلاهما من الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين، وهم معروفون بالفقه والحديث، وهم محدثون وفقهاء، وعروة بن الزبير ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].أي: عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق، والمكثرة من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكرها كثيراً. بول الجارية شرح حديث: (يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بول الجارية.أخبرنا مجاهد بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يحيى بن الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي باب: بول الجارية.يعني: أنه يغسل منه، وليس حكمه حكم بول الصبي الذي لم يأكل الطعام، والذي مر ذكره في الأحاديث التي تحت الترجمة السابقة، وإنما الجارية يختلف الحكم فيها، فإنها في صغرها وفي حال كونها لم تأكل الطعام، فالحكم في ذلك كحالها بعد ذلك، فلا فرق بين أحوالها جميعاً، بل أحوالها كلها على حد سواء، فبولها يغسل غسلاً، خلافاً للصبي الصغير الذي لم يأكل الطعام، فإنه يرش على بوله.وقد أورد حديث أبي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)، يعني: يغسل الثوب أو الشيء الذي يقع عليه بول الجارية، ويرش من بول الغلام إذا بال على شيء، ويحصل تطهيره بالرش، والحديث فيه التفصيل والتفريق بين الغسل والرش، وأن الرش يكون لبول الغلام، والغسل يكون لبول الجارية، وذلك في حال صغرهما وكونهما لم يأكلا الطعام أما إذا أكلا الطعام، فإنه لا فرق بين الجارية والغلام.إذاً الغلام يفرق بين أحواله؛ فيكون حاله إذا لم يأكل الطعام يطهر الشيء من بوله برشه، وإذا أكل الطعام فإن الحكم هو الغسل. أما الجارية فلا فرق بينها في حال كونها لم تأكل الطعام، وفي حال كونها قد أكلت الطعام، فالكل حكمه الغسل، وهذا من الأحكام التي فرق فيها بين الذكور والإناث؛ لأن الأصل هو التساوي بين الذكور والإناث في الأحكام، إلا إذا جاء نص وجاء شيء يفرق، فعند ذلك يصار إلى النص المفرق بين الذكور والإناث في الأحكام، وهذا من الأحاديث التي جاءت فيها التفريق بين الذكور والإناث في الأحكام. إذاً ففي حال الصغر بالنسبة للجارية والغلام اللذين لم يأكلا الطعام؛ فإن الصبي يرش من بوله، والجارية يغسل من بولها، فإذاً هذا فرق.ثم التعبير بالرش والتعبير بالغسل يدل على التفريق بينهما، وأن النجاسة من بول الصبي يكون غسلها بهذه الطريقة، أو تكون إزالتها بهذه الطريقة التي هي الرش، وليست الغسل، وأما الجارية فإن الإزالة إنما تكون بالغسل. وقد علل العلماء للتفريق بين الذكور والإناث، فمنهم من قال: إن الصبيان خفف في التطهير من بولهم؛ لشدة تعلق الآباء بهم، وكثرة اتصالهم بهم، فجاءت الشريعة بالتخفيف في حقهم بأن يرش من بولهم، بخلاف الجواري والفتيات اللاتي لم يأكلن الطعام، فإنه يغسل من بولهن، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث: (يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام) قوله: [أخبرنا مجاهد بن موسى].هو مجاهد بن موسى الخوارزمي، وهو ثقة، وأخرج حديثه مسلم، والأربعة.[حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].عبد الرحمن بن مهدي هو الإمام، المحدث، الناقد، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى كثيراً.[حدثنا يحيى بن الوليد].هو الطائي، كنيته أبو الزعراء، وهو لا بأس به، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[حدثني محل بن خليفة].هو محل بن خليفة الطائي أيضاً، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ يعني: هم الذي خرجوا حديث يحيى بن الوليد ويضاف إليهم البخاري.[حدثني أبو السمح].أبو السمح هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ليس له إلا هذا الحديث الواحد، وهو حديث فرقه النسائي، وقد مر ذكره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يقضي حاجته قال: ولني قفاك، فيجعل قفاه إليه فيستتر به، وقال: أنه أوتي بصبي فبال عليه فقال: يرش من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية)، ففرقهم النسائي وجعل كل واحد منهما على حدة، وهما حديث واحد، فليس له في الكتب إلا هذا الحديث، وقد خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه . بول ما يؤكل لحمه شرح حديث أنس في بول ما يؤكل لحمه قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بول ما يؤكل لحمه.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد حدثنا قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: ( أن أناساً أو رجالاً من عكل، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكلموا بالإسلام، فقالوا: يا رسول الله! إنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحوا وكانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذود، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم، فأتي بهم، فسمروا أعينهم، وقطعوا أيديهم وأرجلهم، ثم تركوا في الحرة على حالهم حتى ماتوا ).أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي باب: بول ما يؤكل لحمه.أي: ما حكمه؟ هل هو طاهر أو نجس؟ وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك: في قصة النفر من عكل وعرينة، وأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين، (وأنهم استوخموا المدينة)، يعني: أنها لم تناسبهم، وحصل لهم مرض فيها، فقالوا: (يا رسول الله! إنا أهل ضرع ولسنا أهل ريف)، يعني: أنهم أصحاب إبل وغنم، وأنهم كانوا يشربون الألبان، وليسوا أهل ريف وهم أهل الزرع وأهل الحاضرة، فأمر لهم رسول صلى الله عليه وسلم بذود وراع)، يعني: أن يخرجوا مع راعيه بذلك الذود؛ وهو عدد من الإبل، قيل: إنه بين الثنتين والسبع، والثنتين والتسع، وقيل: بين الثلاث والعشر، فأمرهم بأن يخرجوا مع هذا الذود، وأن يبقوا في البر (فيشربوا من ألبانها وأبوالها)، أي: تلك الإبل يشربون من أبوالها وألبانها، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة؛ يعني: أبوال ما يؤكل لحمه.والمقصود من ذلك أنها طاهرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كونه يرشدهم إلى أن يشربوا منها يدل على طهارتها، إذ لو كانت نجسة لما أرشدهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى الشرب منها، فدل هذا على طهارتها، وأن بول ما يؤكل لحمه وروثه يكون طاهراً، ولا يكون نجساً. فإذا أصاب الثوب هل يغسل لتنجسه؟ لا؛ لأنه ليس بنجس، فحصل هذا منهم، وصاروا يشربون من أبوالها وألبانها حتى ذهب عنهم المرض وصحوا، وحسنت صحتهم وأبدانهم، وبعد ذلك (كفروا بعد إسلامهم)، أي: ارتدوا عن الإسلام، (وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذود)، أي: الإبل وذهبوا بها، فجمعوا بين مساوئ عديدة؛ أولاً: كونهم قابلوا الإحسان بالإساءة، وكونهم كفروا النعمة، وكونهم قتلوا الراعي، وكونهم نهبوا وأخذوا هذا الذود الذي أذن لهم أن يشربوا من أبواله وألبانه. (فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فبعث الطلب في آثارهم)، يعني: الطالبين لهم الذين يطلبونهم حتى يظفروا بهم، فظفر بهم وأوتي بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوا، فسمرت عيونهم، وقطعت أيديهم وأرجلهم، وجذعت أنوفهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا على هذه الحال.والسبب في هذا أنهم عوملوا بما عاملوا به الراعي؛ لأنهم كفروا وقتلوا ومثلوا فحصل لهم أن عوملوا بمثل ما عاملوا غيرهم به، وهذا يدل على أن القتل يكون بالقصاص، وأنه يكون بمثل ما يحصل به القتل، فإذا قتل إنسان بمثل هذا القتل الشنيع، والقتل السيئ الذي فيه تمثيل؛ فإنه يعامل القاتل عند تنفيذ القصاص بمثل ما عامل به غيره، إذاً: فهؤلاء ارتدوا عن الإسلام، وحصل منهم القتل، وحصل منهم التمثيل بالراعي، فقتلوا أو حصل قتلهم بهذه الطريقة التي جاء بيانها في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.والمقصود من إيراد الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم بأن يشربوا من الأبوال والألبان، والأبوال شربهم منها يدل على طهارتها، وأنها ليست نجسة، وهذا الحكم يشمل كل ما كان مأكول اللحم، فلا يختص بالإبل، بل كل ما كان مأكول اللحم فإن روثه وبوله طاهر، ومن أدلة ذلك: (أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد الحرام على بعير يطوف عليه وهو راكب إياه، ويستلم الركن بمحجن)، ومن المعلوم أن إدخال البعير في المسجد فيه تعريض له لأن يبول، وأن يحصل منه الروث، وذلك دال على طهارته، إذ لو كانت الأبوال نجسة والأرواث نجسة -أي: أبوال الإبل وأرواثها- لم يعرض النبي صلى الله عليه وسلم المسجد لأن يبول فيه البعير أو يحصل منه الروث، لكنه لما أدخله دل على طهارة الأبوال والأرواث لكل ما يؤكل لحمه.وقد جاء في بعض الروايات: (عكل وعرينة)، وعكل غير عرينة، وفي بعضها ذكر (عكل) كما هنا دون عرينة، والتوفيق بين ما جاء في ذكر عكل وعرينة: أن النفر من هؤلاء ومن هؤلاء؛ يعني: بعضهم من عكل، وبعضهم من عرينة، وكلهم اتفقوا على الخيانة وعلى الإساءة، وعلى مقابلة الإحسان بالإساءة، وأنهم ارتدوا وكفروا، وقتلوا الراعي واستاقوا النعم.قوله (فقالوا: يا رسول الله! إنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة)، أي: يعنون أنه حصل لهم شيء على خلاف ما ألفوه، وأن مآكلهم ومشاربهم إنما كانت من هذه الألبان؛ لأنهم أهل ضرع، فتغيرت أحوالهم بعد ما صاروا في المدينة واستوخموها ولم تناسبهم، وحصل لهم مرض، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعاملوا على ما كانوا ألفوه، وكانوا قد ألفوا الإبل، وألفوا ألبانها وأبوالها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يذهبوا مع هذا الذود، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها حتى يحصل لهم الشفاء، وتحصل لهم العافية؛ لأن هذا هو الذي تعودت أجسامهم، وهذا هو الذي ألفوه في مآكلهم ومشاربهم، فصار علاجهم من جنس ما كانوا قد ألفوه، وإطعامهم الشيء من النوع الذي كانوا قد ألفوه.قوله: (فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها).المقصو د من الأمر لهم أي: لاختصاصهم أو ليختصوا بذلك، وليس المقصود أن يملكوا؛ لأن اللام ليست للملك؛ لأنه لم يملكهم؛ فلو ملكهم ما كان هناك حاجة إلى أن يستاقوها، وأن يخونوا ويقتلوا الراعي، وإنما أمر لهم بأن يستفيدوا منها، وأن يختصوا بمنافعها فترة من الزمن حتى يصحوا، ويزول الضرر الذي حصل لهم، فاللام ليست للملك، وإنما هي للاختصاص؛ فمعناه: اختصوا بمنافعها لا بملكها.قوله: ( فلما صحوا وكانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود ).الذود: هو اسم لعدد من الإبل، يتراوح بين الثنتين والتسع، أو بين الثلاث والعشر، وهو لا واحد له من لفظه. قال: (ولما صحوا)، يعني: أنهم قبل ذلك كانوا في ضعف ومرض، وبعدما شربوا من هذه الألبان والأبوال صحوا، وحصلت لهم الصحة والعافية، فعند ذلك كفروا النعمة. قوله: (وقتلوا الراعي، واستاقوا النعم)، يعني: ساقوها وهربوا بها.قوله: ( فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم، فأتى بهم فسمروا أعينهم، وقطعوا أيديهم وأرجلهم، ثم تركوا في الحرة على حالهم حتى ماتوا ). أي: إنهم لما استاقوا النعم، وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم، أرسل الطلب في أثرهم، فأرسل الرجال الذين يطلبونهم حتى يأتوا بهم، فأدركوهم وأتوا بهم، (فسمروا أعينهم)، أي: بمسامير محماة يضعونها على أعينهم حتى تتفقع، (وقطعوا أيديهم وأرجلهم، ثم تركوا في الحرة على حالهم حتى ماتوا).والسبب في هذا أنهم عوملوا بمثل ما عاملوا به غيرهم، وهذا يدل على أن القصاص يكون بالمماثلة، ومن ذلك قصة اليهودي الذي قتل جارية ورض رأسها بين حجرين، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يرض رأسه بين حجرين، وأن يكون موته بمثل الطريقة التي حصل منه التعدي بها، فهم الآن جمعوا بين استحقاق القتل للكفر ولقتلهم غيرهم؛ وهو الراعي، ثم أيضاً كانوا ممثلين، فمثل بهم كما مثلوا، وصار الجزاء من جنس العمل، وعوقبوا بمثل ما عاملوا به غيرهم. تراجم رجال إسناد حديث أنس في بول ما يؤكل لحمه قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].وهو الصنعاني الذي جاء ذكره كثيراً، وقد خرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، أي: أنه خرج له مسلم دون البخاري، وخرج له أصحاب السنن في كتبهم إلا أبا داود فإنه خرج له في كتاب القدر، وهو ثقة.[حدثنا يزيد بن زريع].هويزيد بن زريع، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى.[حدثنا سعيد].هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى.وهنا هو من المهمل؛ غير منسوب، وذكر في ترجمة قتادة أن سعيد بن أبي عروبة روى عن قتادة. فعروف أن المقصود هو سعيد بن أبي عروبة.[حدثنا قتادة].ابن أبي دعامة السدوسي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره أيضاً فيما مضى.[أن أنس بن مالك].هوأنس بن مالك خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، الصحابي الجليل الذي خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والذي عمر، وكثر ماله وولده، وكثر حديثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أنس في بول ما يؤكل لحمه من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن وهب حدثنا محمد بن سلمة حدثني أبو عبد الرحيم حدثني زيد بن أبي أنيسة عن طلحة بن مصرف عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: (قدم أعراب من عرينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، فاجتووا المدينة حتى اصفرت ألوانهم، وعظمت بطونهم، فبعث بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى لقاح له، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا، فقتلوا راعيها واستاقوا الإبل، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم فأتي بهم، فقطع أيديهم، وأرجلهم وسمر أعينهم، قال أمير المؤمنين عبد الملك لـأنس وهو يحدثه هذا الحديث: بكفر أم بذنب؟ قال: بكفر)، قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحداً قال عن يحيى عن أنس في هذا الحديث غير طلحة، والصواب عندي والله تعالى أعلم: يحيى عن سعيد بن المسيب مرسل].هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، من كون جماعة من الأعراب -وهم من عكل وعرينة- والأعراب هم أهل البادية؛ أهل الضرع، ولهذا في الحديث الذي قبل هذا قالوا: (إنا أهل ضرع)، وهنا قال: (الأعراب)، وأهل المواشي هم الذين يتبعون العشب، ويتنقلون من مكان إلى مكان حيث الماء والعشب، فأسلموا ولكنهم اجتووا المدينة، فأصابهم فيها مرض، فاصفرت ألوانهم، وكبرت بطونهم؛ بسبب المرض الذي أصابهم، ولما كانوا أهل بادية وأهل إبل وغنم، وعادتهم التي اعتادوها في مآكلهم شرب الألبان، فالرسول أمر لهم بلقاح، وأمرهم بأن يشربوا من أبوالها وألبانها فحصل ذلك، ولما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا النعم، فأُرسل الطلب في أثرهم وأحضروا، ثم قطعت أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون.قوله: (قال أمير المؤمنين عبد الملك لـأنس وهو يحدثه هذا الحديث: بكفر أم بذنب؟ قال: بكفر). أي: قال: عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين لـأنس بن مالك وهو يحدث بهذا الحديث: بكفر أم بذنب؟ أي: بذنب دون الكفر، والمقصود من ذلك: هل قتلهم الذي حصل لهم بهذه الطريقة كان بالكفر أم بذنب؟ قال: بكفر، وقد بين ذلك الحديث الذي قبل هذا، قال: كفروا بعد إسلامهم؛ لأن هناك نص على أنهم كفار وأنهم مرتدون، وأضافوا إلى الكفر زيادة سوء، وزيادة خبث؛ وهي الاعتداء على الراعي، وعلى الذود الذي أحسن إليهم به، فأخذوا الإبل وقتلوا الراعي ومثلوا به، فعوملوا بمثل ما عاملوا به غيرهم، وجوزوا بمثل ما صنعوا بغيرهم، جزاءً وفاقاً.قوله: [قال أبو عبد الرحمن: لا نعلم أحداً قال عن يحيى عن أنس في هذا الحديث غير طلحة، والصواب عندي والله تعالى أعلم: يحيى عن سعيد بن المسيب مرسل].قال أبو عبد الرحمن هو النسائي: أنه لا يعلم أحداً روى هذا الحديث: يعني: بهذا الإسناد إلا طلحة عن يحيى، وطلحة هو: ابن مصرف عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك.ثم قال: [والصواب عندي أنه يحيى عن سعيد بن المسيب مرسل].يعني: سعيد بن المسيب أرسله وأضافه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والمرسل في اصطلاح المحدثين: ما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فهذا هو المرسل في عرف المحدثين، وفي عرف الفقهاء: أنه المنقطع؛ أي: انقطاع وإضافته إلى من فوق من هو شيخ للراوي فهذا يقال له: مرسل، ويأتي عند بعض الرواة أنه يرسل عن فلان ويكون ذلك على هذا الاصطلاح، وهذا يأتي استعماله عند بعض المحدثين، لكن المشهور عندهم أن المرسل هو ما قال فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا. تراجم رجال إسناد حديث أنس في بول ما يؤكل لحمه من طريق أخرى قوله: [أخبرنا محمد بن وهب].هو الحراني، وهو صدوق، وخرج حديثه النسائي.قوله: [حدثنا محمد بن سلمة].هو الباهلي الحراني، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهذا غير محمد بن سلمة المرادي الجملي الذي مر بنا ذكره في شيوخ النسائي فيما مضى في مواضع متعددة، فهو مصري، وهذا حراني، والمصري من طبقة شيوخ النسائي، والحراني من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، يعني: الحراني يروي عنه النسائي بواسطة، وذاك يروي عنه مباشرة الذي هو المصري، والمرادي خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.قوله: [حدثني أبو عبد الرحيم].هو خالد بن أبي يزيد الحراني. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (86) - (باب فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب) إلى (باب بدء التيمم) الأعيان منها ما هو طاهر ومنها ما هو نجس، والأصل في الأشياء الطهارة، ومن هذه الأعيان الطاهرة: بول وروث ما يؤكل لحمه، والبصاق.ومن الخصائص لهذه الأمة أن شرع لهم التيمم بالصعيد عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله، وكانت بداية مشروعيته في غزوة بني المصطلق في قصة العقد الذي فقد من عائشة، فكان من بركة تلك الحادثة أن نزلت آية التيمم. فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب شرح حديث ابن مسعود في فرث ما يؤكل لحمه إذا أصاب الثوب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب.أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا خالد يعني: ابن مخلد حدثنا علي وهو ابن صالح عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون حدثنا عبد الله في بيت المال قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وملأ من قريش جلوس، وقد نحروا جزوراً، فقال بعضهم: أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه، ثم يمهله حتى يضع وجهه ساجداً فيضعه؟ يعني: على ظهره، قال عبد الله: فانبعث أشقاها، فأخذ الفرث، فذهب به، ثم أمهله، فلما خر ساجداً وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: اللهم عليك بقريش، ثلاث مرات، اللهم عليك بـأبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، حتى عد سبعة من قريش، قال عبد الله: فوالذي أنزل عليه الكتاب، لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليب واحد)].يقول النسائي رحمه الله: باب: فرث ما يؤكل لحمه يصيب الثوب. يعني: ما الحكم في ذلك، هل هو طاهر أو غير طاهر؟ وفرث ما يؤكل لحمه كبوله، وهو الذي مر ذكره في الباب السابق، في حديث العرنيين، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يشربوا من بول الإبل، وألبانها، وذلك دال على طهارتها، كما عرفنا ذلك سابقاً.إذاً: فروث ما يؤكل لحمه أيضاً هو مثل البول، فإنه يكون طاهراً وليس بنجس، فإذا أصاب الثوب، فإنه لا يقال:إنه أصابته نجاسة؛ لأن ذلك طاهر وليس بنجس.وقد أورد النسائي رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الذي يخبر فيه عما كان قد حصل للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أول الأمر في مكة من الأذى من كفار قريش له، وأنهم آذوه أشد الأذى حتى وصل بهم الأمر إلى أن طلبوا من أحدهم أن يأخذ فرث جزور نحروها، فيأتي به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو يصلي عند الكعبة، فإذا سجد يلقيه على ظهره، وقد حصل ذلك بأن قام أحدهم، وقد جاء في بعض الروايات مسمى وأنه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره عليه الصلاة والسلام وهو ساجد، واستمر عليه الصلاة والسلام في سجوده.وقد علمت ابنته فاطمة رضي الله عنها فجاءت وأزالته عن ظهره صلى الله عليه وسلم، فعندما فرغ من صلاته دعا عليهم، وقال: (اللهم عليك بفلان، وعليك بفلان، حتى عد سبعة منهم)، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (فوالذي أنزل عليه الكتاب، لقد رأيتهم صرعى)، يعني: هؤلاء الذين حصل منهم التواطؤ على إلقاء الأذى أو الفرث على ظهر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقام أحدهم بالتنفيذ، وقد دعا عليهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فأحاطت بهم دعوته، وقد حصل أن أهلكهم الله وهم كفار وذلك في غزوة بدر، حيث قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى في القليب)، أي: البئر التي ألقيت جثثهم فيها بعد أن قتلوا في تلك المعركة، أو في تلك الغزوة التي هي غزوة بدر.والمقصود من إيراد الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام ألقي على ظهره ذلك الفرث، واستمر في صلاته عليه الصلاة والسلام حتى جاءت ابنته فاطمة وأزالت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، والحديث دال على طهارة فرث ما يؤكل لحمه.فكما جاء في الحديث السابق الذي مر أن أبوال ما يؤكل لحمه تكون طاهرة، فهذا فيه الدلالة على أن فرث ما يؤكل لحمه يكون طاهراً.ومما يدل على طهارة بول وفرث ما يؤكل لحمه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على بعير يستلم الركن بمحجن)، ومن المعلوم أن إدخال البعير في المطاف عرضة لأن يحصل منه البول ويحصل منه الروث، فلولا أن بوله وروثه طاهران، لما عرَّض النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المسجد لحصول ذلك الروث فيه، وذلك البول الذي يؤثر وجوده فيه، لكن إدخاله إياه في المسجد وطوافه راكباً عليه، مع احتمال حصول الروث وحصول البول منه، فإن هذا الفعل من رسول الله عليه الصلاة والسلام يدل على أن البول والروث من البعير طاهران وليسا بنجسين.والحديث دال على ما حصل للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الأذى، وما حصل منه من الصبر والتحمل في سبيل الله عز وجل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو الأسوة لأمته عليه الصلاة والسلام، ففيه التنبيه لها والتسلية لها بأنها إذا أوذيت في سبيل الله، فقدوتها في ذلك وأسوتها في ذلك سيد البشر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه الذي أوذي الأذى الشديد، وحصل له من الكفار الأذى العظيم، ومع ذلك هو صابر محتسب، وقائم بما كلف به من الدعوة إلى الله عز وجل وبيان الحق للناس، وصابراً على ما يناله في هذا السبيل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.قوله: (حدثنا عبد الله في بيت المال)، هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كما جاء مبيناً في بعض الروايات الأخرى.وقوله: (في بيت المال)، يعني: هو المكان الذي حصل فيه التحديث، فكون الراوي يذكر المناسبة والمكان الذي حصل فيه التحديث، فإن هذا مما يستدل به على ضبط الراوي وإتقانه، والراوي الذي حدث بهذا الحديث هو عمرو بن ميمون الأودي، ويقولون: إن الحديث إذا كانت له قصة، والراوي ذكر القصة مع الحديث، فهذا دال على ضبطه؛ لأنه يذكر مع الحديث الذي له مناسبة والذي له ارتباط بالحديث، ومن ذلك ما يذكره بعضهم: أن هذا التحديث كان في دار، أو على هيئة معينة، فإن هذا من الأمور التي يستدل بها على الضبط؛ لأن الراوي يكون قد ضبط مع الحديث الملابسات والهيئات أو المكان الذي حصل فيه التحديث. ما وقع من عقبة بن أبي معيط من وضع الفرث على ظهر الرسول وهو يصلي ثم بين عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت، والمراد بالبيت: هو البيت الحرام الكعبة المشرفة، فكان يصلي عندها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان ملأ وهم نفر وجماعة من كبار كفار قريش جلوس حوله، أي: حول البيت، وكانوا قد نحروا جزوراً، فقال أحدهم، وقد جاء في بعض الروايات أنه أبو جهل: (لو أن أحدهم ذهب إلى محمد وهو يصلي، يمهله حتى يسجد، ثم يضع فرث تلك الجزور على ظهره وهو ساجد، فقام أشقاهم أو انبرى أشقاهم) وهو: عقبة بن أبي معيط كما جاء مبيناً ذلك في بعض الروايات، فذهب ونفذ هذه المهمة، وفي هذا دليل على أن من باشر العمل السيئ أنه أشد من غيره، وأنه أخطر من غيره، وإن كان شاركه غيره في التخطيط، وشاركه غيره في التمالؤ والاتفاق على الأمر المحرم والتواطؤ عليه، إلا أن من قام بالمباشرة والتنفيذ، فإنه يكون أشد، ولهذا قيل: أشقاهم، مع أنهم كلهم كانوا أشقياء في الكفر، ولكن الكفار كما هو معلوم بعضهم أشد أذى من بعض للمسلمين، وأبو جهل كان معروفاً بشدة عداوته لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي أتى بالفكرة، وأتى بإبداء هذا الرأي الذي عرضه على هذا الملأ الجلوس، والذي قام بتنفيذ هذه المهمة هو عقبة بن أبي معيط، كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات.قوله: (قال عبد الله: فانبعث أشقاها فأخذ الفرث فذهب به، ثم أمهله فلما خر ساجداً وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية).وقد جاء في بعض الروايات: أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخبر بأنه لا يستطيع إزالته عنه، وأنه ليس له منعة وليس له قدرة، يعني: أن الصحابة الذين رأوا ذلك الفعل السيئ الذي فعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، منعهم من أن يقوموا بالذب عنه والدفاع عنه ما كان لبعضهم من عدم المنعة، ومن عدم القدرة، وأنهم لم يتمكنوا من إزالة هذا الشيء حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها وأرضاها، فأزالته عن أبيها رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.قال: (فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية، فجاءت تسعى، فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، اللهم عليك بـأبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، حتى عد سبعة من قريش).هنا ذكر عبد الله بن مسعود أن فاطمة لما بلغها الخبر جاءت تسعى وهي جارية، يعني: حديثة السن، فأزالت ذلك عن ظهر أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ رسول الله عليه الصلاة والسلام دعا على كفار قريش الذين آذوه هذا الأذى، فدعا على قريش عموماً، والمقصود من ذلك: كفارهم، ومن حصل منه الأذى منهم، ثم سمى عدداً منهم، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حتى عد سبعة، يعني: من هؤلاء الكفار، ثم أقسم عبد الله بن مسعود بالذي أنزل على رسوله الكتاب أنه رأى هؤلاء السبعة الذين دعا عليهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنهم صرعى قد قتلوا وهم كفار على أيدي المسلمين في غزوة بدر، وألقوا في القليب التي رميت فيها جثث الكفار، يعني: أن الله تعالى أجاب دعوة رسوله عليه الصلاة والسلام التي دعا بها عليهم، فأهلكهم الله عز وجل، وحصل لهم القتل، وكان ذلك بسبب كفرهم بالله عز وجل وعدم إيمانهم به، فألقوا في القليب التي ألقيت فيها جثث الكفار الذين قتلوا في تلك المعركة، وهي معركة بدر التي حصلت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والطائفة القليلة معه من المسلمين، وبين كفار قريش ومن معهم من الأعداد الكبيرة الذين جاءوا بكبريائهم، وبعتوهم، وتجبرهم، وتكبرهم، وحصلت الهزيمة للعدد الكبير من الكفار على أيدي العدد القليل من المسلمين، والله عز وجل يقول: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160].وأما الفرث فهو: ما يكون في معدة البعير، من المأكولات التي صارت في ذلك الوعاء، هذا يقال له: فرث، وإذا خرج من البعير يقال له: روث، فما دام أنه في جوفه فإنه يقال له: فرث، كما قال الله عز وجل: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ [النحل:66]، وإذا خرج يقال له: روث، والروث طاهر، والفرث طاهر.وجاء في الحديث: (أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه)، فكيف إذا أصابه الدم؟كلمة (بدمه) جاءت في بعض النسخ، وفي بعضها (الفرث) فقط، وهذا هو الذي ترجم له النسائي، قال: باب: فرث ما يؤكل لحمه.وقد قيل في معناه: أن الدم مع الفرث، فهو في وعاء وليس مباشراً للجسد، وهو مثل الشيء يكون في القارورة وتكون مع الإنسان، فإنه لا يكون ما فيها ملامساً، أو ملاقياً لجسده. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في فرث ما يؤكل لحمه إذا أصاب الثوب قوله: [أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم].وهو الأودي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه ، يعني: صاحبا الصحيح، واثنان من أصحاب السنن الأربعة، وهما النسائي، وابن ماجه .[حدثنا خالد يعني: ابن مخلد].وهو القطواني، وهو صدوق، يتشيع، وقد خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة في سننهم إلا أبا داود، فإنما أخرج له في كتابه مسند مالك، ولم يخرج له في كتاب السنن.[حدثنا علي وهو ابن صالح].كلمة: وهو ابن صالح هذه كما عرفنا مراراًوتكراراً يقولها من دون التلميذ الراوي عنه، فيريد من وراء ذلك أن يبين من هو ذلك الشخص الذي سمي ولم ينسب، فيذكر نسبته بعبارة تدل عليه، ولا يكون ذلك من تلميذه، وإنما هو ممن هو دون تلميذه، وعلي بن صالح هذا هو ابن صالح بن حي، وهو ثقة عابد، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو أخو الحسن بن صالح؛ لأن علي بن صالح والحسن بن صالح هما ابنا صالح بن حي وهما حيان وأخوان.[عن أبي إسحاق].وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، والسبيعي بطن من همدان، وهم جزء من همدان، وهو مشهور بنسبته الخاصة وهي السبيعي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن ميمون].وهو عمرو بن ميمون الأودي، وهو مخضرم، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عبد الله].وهو ابن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الفقهاء المشهورين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وقد كانت وفاته سنة 32هـ، وإذا أطلق العبادلة فليس فيهم عبد الله بن مسعود؛ لأن عبد الله بن مسعود متقدم الوفاة، أما العبادلة الأربعة فهم من صغار الصحابة الذين كانوا في سن متقارب، وتأخرت وفاتهم، واشتهروا بوصف العبادلة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو. البزاق يصيب الثوب شرح حديث: (أن النبي أخذ طرف ردائه فبصق فيه فرد بعضه على بعض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب البزاق يصيب الثوب.أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل عن حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ طرف ردائه فبصق فيه فرد بعضه على بعض)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي باب: البزاق يصيب الثوب، يعني: أن البزاق طاهر، وليس بنجس، وقد أورد النسائي فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، فرد بعضه على بعض)، يعني: طرفي الثوب فرد بعضهما على بعض والبصاق بينهما، فدل ذلك على أن مثل ذلك لا يؤثر. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي أخذ طرف ردائه فبصق فيه فرد بعضه على بعض) قوله: [أخبرنا علي بن حجر].وهو علي بن حجر السعدي المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي ولم يخرج له أبو داود، ولا ابن ماجه .[حدثنا إسماعيل].وإسماعيل غير منسوب، وفي طبقة شيوخ علي بن حجر اثنان يقال لهما: إسماعيل، وقد روى عنهما علي بن حجر، وهما: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وقد ذكر في ترجمة حميد بن أبي حميد الطويل أنه قد روى عنه إسماعيل بن علية وإسماعيل بن جعفر، إذاً: فيحتمل هذا، ويحتمل هذا؛ لأن علي بن حجر روى عن الاثنين، وكل من الاثنين رويا عن حميد الطويل، وقد ذكر المزي في تحفة الأشراف بأن المهمل هذا هو إسماعيل بن جعفر، وذكر أحاديث كثيرة عديدة بهذا الإسناد الذي هو إسماعيل بن جعفر عن حميد الطويل عن أنس، وذكر أحاديث قليلة من رواية إسماعيل بن علية.إذاً: فالغالب والأظهر أنه يكون إسماعيل بن جعفر كما ذكر ذلك المزي، وكما أن الأحاديث التي جاءت من رواية إسماعيل بن جعفر عن حميد الطويل كثيرة، والأحاديث التي رواها إسماعيل بن علية عن حميد الطويل قليلة.إذاً: فهذا المهمل يحمل على أن المراد به هو إسماعيل بن جعفر؛ لأن ما رواه إسماعيل بن جعفر عن حميد الطويل أكثر مما رواه إسماعيل بن علية. وأيضاً المزي قد ذكره بأنه هو إسماعيل بن جعفر وليس إسماعيل بن علية؛ لأنه قد ذكره ضمن أحاديث إسماعيل بن جعفر، وإسماعيل بن جعفر هذا ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن حميد].وهو ابن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس بن مالك].وأنس بن مالك هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وإذاً: فهذا الإسناد الذي معنا هو من أعلى أسانيد النسائي؛ لأنه رباعي، وأعلى الأسانيد عند النسائي هي الرباعيات، وهذا الحديث إسناده رباعي؛ لأن علي بن حجر السعدي يروي عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وإسماعيل يروي عن حميد بن أبي حميد الطويل، وحميد يروي عن أنس، فهؤلاء أربعة بين الإمام النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهؤلاء الأربعة الذين هم رجال هذا الإسناد كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، خرج أصحاب الكتب الستة حديث هؤلاء الأربعة الذين هم رجال هذا الإسناد، ومن دون الصحابي وهم الثلاثة كلهم ثقات: علي بن حجر وإسماعيل بن جعفر وحميد الطويل. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (86) شرح حديث أبي هريرة في بزق النبي في ثوبه وهو يصلي قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة سمعت القاسم بن مهران يحدث عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى أحدكم فلا يبزق بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه، وإلا فبزق النبي صلى الله عليه وسلم هكذا في ثوبه ودلكه)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فلا يبصق بين يديه ولا عن يمينه، وليبصق عن شماله أو تحت قدمه، وإلا فبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا في ثوبه ودلكه)، هذا الحديث دال على ما دل عليه حديث أنس بن مالك المتقدم، وهو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فعل هذا الفعل، الذي هو كونه بصق في ثوبه وفي ردائه، ودلكه عليه الصلاة والسلام، ولكنه أرشد إلى أن الإنسان لا يبصق عن يمينه ولا بين يديه، وإنما يبصق عن شماله أو تحت قدمه، وإن لم يفعل هذا ولا هذا، فإنه يبصق في ثوبه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو محل الشاهد، أي: كون النبي صلى الله عليه وسلم بصق في ثوبه ودلكه، فهذا هو المقصود من إيراد الحديث في الترجمة، وهي باب: البزاق يصيب الثوب، يعني: أنه طاهر، ولهذا حصل هذا في الصلاة، ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في ثوبه، ولو كان ذلك نجساً ما وضعه في الثوب، ولا حصل منه في الثوب، لكن لما حصل هذا وهو في الصلاة دل على طهارة البصاق والبزاق. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في بزق النبي في ثوبه وهو يصلي قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].وهو الملقب بندار، وهو ثقة، من صغار شيوخ البخاري؛ لأنه توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، أي: في سنة 252هـ، وقد وافقه في الوفاة في تلك السنة اثنان من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم: محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فإن هؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة 252هـ، أي: قبل وفاة البخاري رحمه الله بأربع سنوات، ومحمد بن بشار هذا لقبه بندار، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة جميعاً.[حدثنا محمد].ومحمد هذا غير منسوب، ولكنه محمد بن جعفر الملقب غندر، فإنه إذا جاء يروي عن شعبة وهو غير منسوب، فإنه يحمل على محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].وهو شعبة بن الحجاج أحد الثقات الأثبات، الموصوف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أي: أنه ممن ظفر بهذا اللقب الرفيع، وهذا الوصف العالي، وهو التلقيب بأمير المؤمنين في الحديث، الذي حصل لعدد قليل من المحدثين، الذين برزوا واشتهروا وصاروا قمة في الثقة والعدالة، وهم عدد قليل منهم شعبة بن الحجاج وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[سمعت القاسم بن مهران].وهو القيسي، وهو خال هشيم بن بشير، وهو صدوق، خرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه ، أي: واحد من صاحبي الصحيح، واثنان من أصحاب السنن الأربعة.[عن أبي رافع].وهو نفيع الصائغ المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً. بدء التيمم شرح حديث عائشة في بدء مشروعية التيمم قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بدء التيمم.أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو ذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟! قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فما منعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله عز وجل آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته)].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب: بدء التيمم، أي: بدء مشروعيته، وكونه شرع بداية تشريع هذا الحكم الذي هو التيمم عند فقد الماء، والذي يحصل به التطهر، وهو أحد الطهارتين الذي هو عوض عن الماء، أي: بدء مشروعيته، ومتى حصل، وكيف حصل، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره)، وكان ذلك في غزوة بني المصطلق، (حتى إذا كنا بالبيداء، أو ذات الجيش)، يعني: فكانوا في ذلك المكان، وقد فقد عقد لـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في البحث عنه وفي طلبه، وأمر بعض أصحابه أن يبحثوا عنه، فجعلوا يبحثون عنه، ثم إنه لم يكن معهم ماء، ولم يكونوا نازلين على ماء، يعني: على بئر، وليس معهم ماء يحملونه يكفيهم، فعند ذلك جاء الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه، وأخبروه بما حصل من عائشة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس بسبب عقد لها، فجاء أبو بكر، وعاتبها ولامها، وجعل يطعن في خاصرتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً على فخذها، وكانت تتجلد وتتصبر، ولا تتحرك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وكونه نائماً على فخذها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، حتى أصبح الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، وعند ذلك قال أسيد بن حضير وهو من الأنصار رضي الله عنه وأرضاه: (ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر)، ثم إنهم أثاروا الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة، وإذا العقد تحته.وهذا الحديث الذي أورده النسائي واضح الدلالة على بدء فرض التيمم ومشروعيته، وأنهم كانوا في تلك السفرة، وأنه لا ماء معهم، وليسوا على ماء، ولما جاء وقت الصلاة، وليس معهم ما يتوضؤون به، أنزل الله تعالى آية التيمم: فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فصار هذا بدء مشروعية هذه الطهارة، التي هي عوض عن طهارة الماء إذا فقدت.وقوله: (انقطع عقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه).وفي هذا دليل على المحافظة على المال، وعلى عدم إضاعته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم والناس جلسوا في ذلك المكان في البحث عن العقد، ولم يستهينوا به ويتركوه ويمشوا، وإنما فعلوا الأسباب التي تمكنهم للوصول إليه، وذلك في البحث عنه، والبقاء من أجله.وقوله: (بالبيداء أو ذات الجيش)، ما أدري هل هو شك من الراوي أو غيره؟(فجاء أبو بكر رضي الله عنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟!). فيه دليل على أن والد المرأة المزوجة له أن يعاتبها، وله أن يؤدبها ولو كانت مزوجة، فإن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، عاتب عائشة، وحصل منه ما حصل من الطعن في خاصرتها، وهي ذات زوج، فدل هذا على جواز مثل ذلك، وأن للوالد حقاً في مثل هذا، أي: من المعاتبة والتأديب لابنته، ولو كانت ذات زوج.قوله: (قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فما منعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي).وعائشة رضي الله عنها عبرت بقولها: قال أبو بكر، وما قالت: أبي، وكان المناسب أن الإنسان عندما يتحدث عن أبيه ما يسميه، وإنما يذكره بالأبوة، لكن لما كان المقام مقام غضب عليها، وكونه عمل معها ما عمل، أتت بهذا اللفظ الذي هو إظهار اسمه، أو إظهار ما اشتهر به، ولم تقل: أبي حصل منه كذا وكذا.قوله: (فأنزل الله عز وجل آية التيمم، فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر).أي عند ذلك قال أسيد بن حضير لما شرع الله التيمم بهذه المناسبة، وبهذا الانحباس الذي حصل بسبب البحث عن العقد، وأن سبب ذلك هو عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قال: ما هذا بأول بركتكم، يعني: فضل التيمم، وكون التيمم حصل بهذه المناسبة التي كانت عائشة هي السبب في ذلك، وليس هذا بأول بركة بل هي مسبوقة ببركات وبأسباب طيبة حصلت من هذا البيت المبارك، وهو بيت أبي بكر الصديق، ومن له به علاقة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وبمن كان سبباً في الخير، فإن هذه الكلمة من أسيد بن حضير تدل على هذا.وقوله: (ليست بأول بركتكم) يعني: أنها مسبوقة بأن حصل منكم قبل هذه أمور فيها خير وبركة للناس، ثم هذا الذي حصل مع كراهية الناس لهذا الأمر، وهو التأخر والانحباس بسبب هذا العقد، ترتب عليه هذه المصلحة وهذه الفائدة، فكان هذا الذي كرهوه حصل نتيجة له ولمجيء وقت الصلاة وليس عندهم ماء أن فرض الله لهم التيمم، فكان هذا الذي كرهوه ترتب عليه خير كثير، وكان الأمر كما قال الله عز وجل: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]؛ لأنهم كرهوا هذا البقاء وهذا الجلوس، ولكن الله تعالى جعل فيه الخير والبركة، وهو أن شرع لهم هذه الطهارة التي هي طهارة التيمم عندما يفقد الماء.ثم قالت عائشة رضي الله عنها: (فبعثنا البعير الذي كنت عليه)، يعني: الذي كانت تركبه، فوجدوا العقد تحته، وهذا الذي حصل في هذه القصة من كون العقد يفقد، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم عن مكانه، ويحصل الجلوس والانحباس بسببه، ويرسل جماعة من أصحابه يبحثون عنه، وهو لا يعلم مكانه رسول الله عليه الصلاة والسلام، مع أن العقد موجود تحت البعير الذي كانت عائشة تركبه، في هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأن الذي يختص بعلم الغيب هو الله عز وجل؛ لأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان العقد حوله، وكان قريباً منه، وقد جلس هو وأصحابه هذه المدة، وأرسل جماعة من أصحابه يبحثون عنه، ومع ذلك كان العقد تحت البعير، ولم يكن يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم مكانه، فالرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، ولو كان يعلم الغيب، وأنه لا يخفى عليه شيء، لما جلسوا هذه الفترة ينتظرون الحصول على العقد بل لعلم مكان العقد، وأنه تحت البعير، وقال: العقد تحت البعير، خذوه وامشوا، لكن كل ذلك لم يحصل، فهذا الحديث واضح الدلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب.ومثله أيضاً ما حصل لـعائشة في قصة الإفك، فإنها لما رميت بالإفك، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الحقيقة، وما كان يسأل عنها، وكان يستشير الناس في طلاقها، بل كان يأتي إليها ويعظها وينصحها، ويقول: (يا عائشة! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله عز وجل، واستغفريه)، ولو كان يعلم الغيب ما حصل هذا الكلام كله، ولقال لما جاءه الناس وتكلموا في عائشة وقالوا: إنها كذا وكذا، لقال: أنا أعلم الغيب، هي ما حصل منها هذا الشيء، لكنه حصلت منه هذه الأمور المتعددة التي تدل على عدم علمه بالغيب.والرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله بأن يقول: أنه لا يعلم الغيب، فقال: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام:50]، وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في بدء مشروعية التيمم قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد الذي يأتي ذكره كثيراً في سنن النسائي، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر الرواية عنهم، وأول حديث في سنن النسائي من رواية النسائي عن شيخه قتيبة هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات.[عن مالك].وهو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، صاحب المذهب المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن].وهوعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فاضل، قال عنه ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].يعني والقاسم بن محمد يروي عن عمته عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق المنزلة براءتها من عند الله عز وجل في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وهي الصحابية التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ستة من الرجال وواحدة من النساء هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها. الأسئلة فائدة دراسة علم الحديث والرجال السؤال: ما هي الفائدة من دراسة الحديث والرجال؟الجواب: الفائدة من دراسة الحديث أن يعلم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هو وحي أوحاه الله عز وجل على رسوله، وقال عنه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، ولأن هذا هو من مصادر التشريع (الكتاب والسنة)، والحق والهدى لا يعرف إلا عن طريق الكتاب والسنة، فدراسة الحديث منه يؤخذ الحق والهدى، وبه يسار إلى الله عز وجل على بصيرة.وكذلك دراسة الرجال، ومعرفة رواة الأحاديث، ومعرفة من يكون ثقة ومن يكون ضعيفاً، ومن يكون حديثه مقبولاً، ومن يكون حديثه غير مقبول، هذه هي الفائدة، وهذا في الحقيقة سؤال عجيب! فلا تترك الدراسة وتنطلق في الدعوة، بل يتسلح بسلاح العلم والمعرفة من كتاب الله وسنة رسوله حتى يكون الإنسان أهلاً للدعوة، أما إذا لم يعرف الحديث، ولم يعرف السنن، فإلى أي شيء يدعو الناس، فلابد من العلم، والدعوة تكون مبنية على علم، والعلم هو كتاب وسنة.العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هو أولو العرفان حكم التشهير بالحكام وفضحهم على الملأ السؤال: يا شيخ! يقول البعض: لا ينبغي مدح الدولة بالمحاضرات، بل يجب التشهير بهم وفضحهم حتى يعتدلوا، فما رأيكم؟الجواب: هذا من قلة الفهم وعدم الرفق، وعدم الأخذ بالطرق التي ينبغي الأخذ بها، ومن المعلوم أن النصح والدعاء مطلوب لولاة الأمور، وأن كون الإنسان يدعو لولاة الأمور وينصح لهم، فهذا هو الذي أرشدت إليه السنة وأرشد إليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن المعلوم أن النتائج والثمرات الطيبة إنما تترتب على النصح، ولا تترتب على التشهير وعلى الكلام الذي يكون فيه إيذاء لهم، وإنما تكون بالنصح لهم وبالدعاء لهم، وكون الإنسان ينصح لهم، ويبين لهم الشيء الذي يحصل منهم من الخطأ، ويرشدهم إلى طريق السلامة وإلى طريق النجاة، ويذكرهم بما هم قادمون عليه، وما هو الذي أمامهم عندما يغادرون هذه الحياة وينتقلون إلى الدار الآخرة، ولا ينفعهم عند ذلك إلا ما يقدمونه من أعمال صالحة، فالتذكير والتنبيه على الخير، والتعاون على البر والتقوى، هذا هو المنهج القويم، وهو المسلك الذي تحصل من ورائه الفوائد، وتحصل من ورائه النتائج الطيبة. معنى (صدوق يتشيع) و(صدوق يهم) ومدى تأثير ذلك على الحديث السؤال: ما معنى: صدوق يتشيع، وصدوق يهم؟ وهل يؤثر على إسناد الحديث؟الجواب: كلمة (صدوق) معلوم أنها أقل من ثقة، لكن من يكون وصفه بذلك فحديثه يحتج به، ويقبل حديثه. ومعنى كلمة (يتشيع) أي: أنه ينسب إلى التشيع، ومن المعلوم أن التشيع يتفاوت، فهناك تشيع لا يؤثر، مثل تفضيل علي على عثمان، فإن هذا يقال له: تشيع، وينسب إلى جماعة من أهل السنة ذلك الشيء، وذلك لا يؤثر في قبول الروايات، فمثل هذا النوع من التشيع لا يؤثر.وأما (صدوق يهم)، فمعناه أن له أوهاماً، أو أحصي عليه شيء من الأوهام. مدى شمولية النهي عن البزاق عن اليمين في الصلاة وفي غيرها السؤال: بالنسبة لحديث (إذا صلى أحدكم فلا يبزق بين يديه ولا عن يمينه)، هل هذا خاص بالصلاة أم خارج الصلاة؟الجواب: الحديث جاء في الصلاة، لكنه يشمل حتى في غير الصلاة، وعليه فلا يبصق أمامه، ولا يبصق عن يمينه، وإنما يبصق عن شماله. مدى ثبوت صلاة الأوابين بين المغرب والعشاء السؤال: صلاة الأوابين بين المغرب والعشاء، هل ثبتت في السنة؟الجواب: لا أعلم ثبوت شيء بين المغرب والعشاء بالنسبة لصلاة الأوابين، وإنما الذي ورد في صلاة الأوابين في صحيح مسلم صلاة الضحى: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، يعني: أن أولاد الإبل الصغيرة تشتد عليها حرارة الرمضاء فتتأذى بذلك، فالمعنى: أن صلاة الأوابين تكون في وقت اشتداد الشمس، هذا هو الذي جاء في صحيح مسلم، أما كونه يكون بعد المغرب فلا أعرف عنه شيئاً.مداخلة: إذا لم يثبت هل نستطيع أن نمنع المصلين بين المغرب والعشاء؟الشيخ: نرشد الناس إلى اتباع السنة، أولاً: نبحث عن هذا الذي ذكر، هل هو ثابت أو غير ثابت؟ وإذا كان غير ثابت نرشدهم إلى ما هو ثابت. حكم الكلام في المشايخ الذين عرفوا بالخير والصلاح السؤال: يا شيخ! ما رأيكم فيمن يتكلم في أعراض المشايخ، والذين عرفوا بالخير والصلاح والدعوة إلى الله، واتهامهم بأنهم خوارج، وبأنهم أهل بدع؟الجواب: الكلام في أعراض المسلمين مطلقاً هو مذموم بلا شك، وهو من الغيبة، وآحاد الناس إذا تكلم في أعراضهم بغير حق، فإن هذا إيذاء لهم، وهو داخل تحت الغيبة المذمومة، وإذا كان هذا في حق آحاد الناس فكيف يكون في حق من يكون له اشتغال بالعلم وله عناية بالعلم، ولا شك أن هذا داخل تحت هذا الذم من باب أولى، فالإنسان سيحاسب عليها، وسيسأل عنها، فإن الكلام في المشايخ لا شك أنه من باب أولى أشد ضرراً، والواجب هو العدل والإنصاف، ومعرفة الحق لأهل الحق، ومن عرف من أحد منهم خطأ، فإنه يبين له خطأه، وأيضاً ينبه على الخطأ حتى لا يغتر به، إذا كان الأمر واضحاً، أما إذا لم يكن شيء من ذلك، فإن هذا كما هو معلوم مما يسعى الإنسان فيه إلى ضرر نفسه، ولا يضر غيره شيئاً. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (87) - (باب التيمم في الحضر) إلى (باب التيمم في السفر) يجوز التيمم في السفر وفي الحضر، وذلك عند فقد الماء، أو خشية الضرر من استعماله، وبه يرتفع الحدثان الأصغر والأكبر. التيمم في الحضر شرح حديث أبي جهيم في التيمم في الحضر قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التيمم في الحضرأخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو جهيم: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر الجمل، ولقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة بهذا العنوان؛ وهي باب: التيمم في الحضر، ومن المعلوم أن التيمم يكون عند فقد الماء، أو عدم القدرة على استعماله مع وجوده، وهذا يكون في الحضر والسفر، والغالب على الحضر أنه يوجد فيه الماء، لكنه قد يفقد فيه، ويكاد يخرج وقت الصلاة وهو غير موجود، فهل يتيمم له أو لا يتيمم؟ اختلف العلماء في ذلك، وقد أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أقبل من نحو بئر الجمل، فسلم عليه رجل، فلم يرد عليه السلام حتى جاء إلى الجدار وضرب بيديه ومسح وجهه وكفيه، ثم رد عليه السلام).ومحل الشاهد من إيراد الحديث: (كون النبي صلى الله عليه وسلم أقبل من نحو بئر الجمل)، وهو مكان قريب من المدينة، مما يدل أنه ليس في حال سفر وإنما هو في حال حضر، ومن أجل هذا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب التيمم في الحضر، وأورد تحته حديث أبي جهيم رضي الله تعالى عنه.وقد عقد البخاري رحمه الله لهذا الحديث ترجمة؛ وهي باب: التيمم في الحضر إذا فقد الماء وأوشك أن يخرج الوقت، وأورد تحته هذا الحديث؛ حديث أبي جهيم رضي الله تعالى عنه.وإنما تيمم الرسول صلى الله عليه وسلم لرد السلام.إذاً: فيكون هذا العمل إنما هو من أجل أمر مستحب؛ وهو ذكر الله عز وجل؛ لأن السلام فيه ذكر الله، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون على طهارة، وهذا أمر مستحب وليس بواجب، فيمكن للإنسان أن يرد وهو ليس على طهارة، لكن الأكمل والأفضل أن الرد يكون على طهارة، ولهذا فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإلا فإن رد السلام وذكر الله عز وجل يكون على طهارة وعلى غير طهارة، لكن كونه يكون على طهارة فهذا هو الأولى، وهذا هو الذي أراده رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وهذا من جنس تجديد الوضوء؛ كون الإنسان يكون على طهارة ثم يتوضأ مجدداً؛ فإن الطهارة موجودة، فالذي يحصل عند التجديد هو أمر مستحب وليس بواجب.إذاً: فتيمم الرسول عليه الصلاة والسلام هو بمثابة تجديد الوضوء، وليس بلازم وإنما هو أمر مستحب. وكون الإنسان يكون على طهارة عندما يذكر الله عز وجل هذا أمر مستحب، وهذا هو الذي يعنيه هذا الحديث، ويدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث أبي جهيم في التيمم في الحضر قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].الربيع بن سليمان هذا يحتمل أن يكون: الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري، ويحتمل أن يكون الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي المصري، وذاك أيضاً مرادي، وكل منهما يكنى أبا محمد، لكن يأتي أحياناً ما يدل على أحد الاثنين بكونه ينسب -كما سبق أن مر بنا- فالأول هو: ابن داود الجيزي المصري المرادي، وجاء منسوباً، يعني: بعد ما ذكر أبوه ذكر جده، وهذا الذي تميز به عن ابن عبد الجبار. لكن هنا ليس بمتميز؛ لأن في ترجمة شعيب بن الليث بن سعد قيل: روى عنه الربيع بن سليمان المرادي، وكل من الاثنين يقال له: الربيع بن سليمان المرادي، فهو يحتمل الاثنين. ولا إشكال في أي واحد منهما؛ لأن كل منهما ثقة، ومن المعلوم أن الأمر إذا دار بين ثقتين، فأي واحد منهما يكون فإن الحديث يثبت، وجهله لا يؤثر تعييناً ما دام أنه يدور على ثقتين، ولكن الذي يؤثر لو كان أحدهما ثقة والثاني ضعيفاً ولم يتميز أحدهما، فإنه يحتمل أن يكون هو الضعيف، وعلى هذا فلا يعتمد ولا يعول على الحديث الذي جاء في الإسناد؛ لأنه لا بد من الجزم والتحقق من ثقة وعدالة الرواة؛ حتى يحكم بصحة الحديث وثبوته.إذاً: فـشعيب بن الليث ذكر في ترجمته أنه روى عنه الربيع بن سليمان المرادي، وهذا لا يزيل إشكالاً، ولا يعين أحد الاثنين؛ لأن كلاً منهما الربيع بن سليمان المرادي، وإنما يتميز أحدهما لو قيل: ابن عبد الجبار، أو ابن داود، وإلا فإن كلاً منهما يكنى بأبي محمد.إذاً: فهذا محتمل وغير متعين أحدهما، ولكن الأمر كما قلت: لا يؤثر؛ لأن الاثنين شيخان للنسائي: الربيع بن عبد الجبار، والربيع بن سليمان بن داود.وابن داود سبق أن مر بنا ذكره في بعض الأسانيد وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي. والربيع بن سليمان بن عبد الجبار هو صاحب الشافعي وراوية كتبه المشهور، وهو أيضاً ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه زيادة على ابن داود.[حدثنا شعيب بن الليث]. هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.[عن أبيه]. أبوه هو الليث بن سعد، وهو ثقة فقيه محدث، مشهور، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن جعفر بن ربيعة]. هو جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن هرمز]. هو الأعرج، يأتي ذكره أحياناً باسمه ونسبه، وأحياناً يأتي ذكره بلقبه، وكثيراً ما يأتي ذكره باللقب، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمير مولى ابن عباس]. هو عمير بن عبد الله الهلالي المدني مولى أم الفضل، ويقال له: مولى ابن عباس، وأم الفضل هي: أم ابن عباس، فمولاها مولى لبنيها، فإذاً: إطلاق كونه مولى ابن عباس إضافة صحيحة؛ وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة].عبد الله بن يسار ليس من الرواة لهذا الحديث؛ لأن الراوي هو عمير مولى ابن عباس، وهذا إنما يحكي الحالة التي حصلت؛ وأنه أقبل هو وعبد الله بن يسار مولى ميمونة، فـعبد الله بن يسار ليس من الرواة، ولهذا ما ذكر في رجال الكتب الستة.ولكن كما سبق أن نبهت أن المزي من طريقته أنه يذكر الذين لهم ذكر في الكتب وإن لم يكن لهم رواية، لكن ابن يسار كما عرفنا له ذكر وليس له رواية، وإذاً: فلم يعدوهم من رجال الصحيحين، بالرغم من وجود والحديث في الصحيحين. وقد جاء ذكر عبد الله بن يسار في صحيح مسلم بلفظ عبد الرحمن بن يسار، وهو وهم، بل هو عبد الله بن يسار، وليس عبد الرحمن بن يسار. وسبق أن ذكرت مثالاً لهذا؛ أن في صحيح البخاري عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: كنت أنا ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقلت له: أفطر؛ سمعت أبا موسى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مرض العبد أو سافر، كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).يزيد بن أبي كبشة ليس راوياً، وإنما الراوي هو أبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى، لكن سبب ذكر الحديث هو فعل يزيد بن أبي كبشة الذي صحبه في سفر، ومعناه: أن الإنسان إذا كان متعوداً أن يصوم في الحضر أيام معينة، وجاء السفر، فإنه إذا أفطر بسبب السفر فالله تعالى يأجره في حال سفره بما كان يأجره في حال حضره، وكذلك كان في حال صحته وعافيته يصوم أياماً، ولكنه لم يتمكن بسبب المرض، فالله تعالى يثيبه في حال مرضه بمثل ما كان يثيبه في حال صحته وعافيته.فـالمزي ذكر يزيد بن أبي كبشة ورمز له في البخاري، والحديث في البخاري، لكن ليس هو من رجال البخاري وإنما له ذكر في صحيح البخاري، ومثله عبد الله بن يسار فإنه له ذكر وليس له رواية، فكما هو واضح فالراوي هو عمير مولى ابن عباس، وهو الذي يروي عن أبي جهيم، ولكنه لما حدثه أبو جهيم كان معه عبد الله بن يسار، وهذا من الأمور التي يستدل بها على ضبط الراوي وإتقانه؛ لأنه يعرف -مع الحديث- الملابسات التي حصلت وقت التحديث بالحديث؛ فإنه أخبر بأنه أقبل هو وعبد الله بن يسار، فلقوا أبا جهيم فحدثهم بهذا الحديث، والراوي هو عمير مولى ابن عباس.ومثال ذلك: ذكر أويس القرني؛ لأن أويس القرني ليس من الرواة، وإنما له ذكر في بعض الكتب؛ في صحيح مسلم وفي غيره.[قال أبو جهيم].هو ابن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله تعالى عنه، قيل في الخلاصة: له أحاديث اتفق البخاري ومسلم منها على حديثين. شرح حديث عمار بن ياسر في تمعكه في التراب لما أجنب ولم يجد الماء قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن سلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: (أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء؟ قال عمر: لا تصل، فقال عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه). وسلمة شك لا يدري فيه: (إلى المرفقين أو إلى الكفين) فقال عمر: (نوليك ما توليت)].هنا أورد النسائي رحمه الله: التيمم في الحضر، وهذه ترجمة مكررة مع الترجمة السابقة، وبعض النسخ لا يوجد فيها هذه الترجمة، والمناسب لهذه الترجمة كما قال السندي: التيمم للجنابة، وهذه أيضاً سيأتي لها ترجمة؛ تيمم للجنب، ثم قال: ولعل إيراده في هذه الترجمة -وهي الترجمة في الحضر- من أجل فعل النبي عليه الصلاة والسلام إذ وصف التيمم، فإنه فعل التيمم في الحضر؛ لأنه تيمم وأراه كيف يصنع، فيكون وجه إدخاله في التيمم في الحضر من جهة فعل الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه وصف التيمم، وذكر طريقة التيمم وبينها، وذلك في حال الحضر، وإلا فإن الذي يناسب الحديث هو التيمم للجنابة.وقد أورد النسائي حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، أنه كان عند عمر رضي الله عنه، فجاءه رجل فسأله عن الجنب، يعني: من يحصل له الجنابة ولا يجد الماء، فقال: (لا تصل)، يعني: اجتهد رضي الله عنه وأرضاه، فأفتاه بأنه لا يصلي حتى يجد الماء؛ لأن الذي ورد هو التيمم في الحدث الأصغر، فقال له: أما تذكر أني أنا وإياك كنا معاً، وكنا في سفر، أو كنا في الإبل، وأننا أجنبنا، أما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب كما يتمعك البعير، فجئنا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأخبرناه، فقال: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)، ثم وصف التيمم.ثم قال: شك سلمة؛ لا يدري هل هو إلى الكفين أو إلى المرفقين. يعني: هل التيمم ينتهي عند الكفين فقط، أو أنه يصل إلى المرفقين؟ثم قال عمر رضي الله عنه: (نوليك ما توليت)؛ لأنه ما تذكر الذي حدثه به عمار بن ياسر رضي الله عنه، يعني: فأنت تتحمل مسئولية الإفتاء بهذا الشيء؛ لأنك الذي تذكره، أما أنا فلا أذكره. وهذا فيه دليل على أن التيمم الذي يكون لرفع الحدث الأكبر كالتيمم للحدث الأصغر، فعندما توجد الجنابة فإن رفع الحدث عنها يكون كما يفعل لرفع الحدث الأصغر، ويكون بالتيمم؛ لأن التيمم على طريقة واحدة، لا فرق فيه بين رفع الحدث الأصغر ورفع الحدث الأكبر، بخلاف الماء؛ فإن الحدث الأصغر يرفع بالوضوء، والحدث الأكبر يرفع بالاغتسال.وفيه: أن الذي فعله عمر رضي الله عنه وأرضاه، وفعله عمار في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو بالاجتهاد، ومعنى هذا: أن الصحابة في زمن النبوة عندما تنزل الواقعة أو تحصل نازلة كانوا يجتهدون، ولكنهم إذا جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه واستفتوه، وأخبروه بما فعلوا، فإما أن يقرهم، وإما أن ييبن لهم الشيء الذي عليه أن يفعلوه، فـعمر رضي الله عنه وأرضاه -كما يحكي ذلك عمار- لم يصل؛ لأنه لم يجد الماء، وأما عمار فتمعك، وقاس حالة التيمم على حالة الاغتسال؛ وأن رفع الحدث الأكبر بالماء يكون بكون الماء يستوعب الجسد، فهو تمرغ في التراب كما يتمرغ البعير؛ حتى يستوعب ذلك جسده، وهذا فيه الاجتهاد في زمن النبوة، وأن الاجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، ومن المعلوم أن كلاً منهما اجتهاده قد أخطأ: الذي ترك الصلاة حتى يجد الماء، والذي تمعك في التراب وجعل التراب يصل إلى جميع جسده قياساً على الماء.وفيه: استعمال القياس؛ لأن عماراً قاس حالة التيمم، أو حالة استعمال التراب في التيمم بحالة استعمال الماء في الاغتسال، وأنه لما كان الاغتسال هو باستيعاب الجسد؛ فإنه اجتهد وقاس حالة التيمم على حالة الاغتسال، فتمعك في التراب كما يتمعك البعير؛ يعني: تجرد وتمعك في التراب كما يتمعك البعير؛ لأنه قاس حالة التيمم على حالة الاغتسال، والرسول عليه الصلاة والسلام بين في الحديث (أنه يكفيه هكذا؛ وضرب بيديه الأرض، ومسح كفيه ووجهه)، فدل ذلك على أن التيمم لا فرق فيه بين حالة الوضوء وحالة الاغتسال، وحالة رفع الحدث الأصغر وحالة رفع الحدث الأكبر؛ أي: كلها على طريقة واحدة، وكلها على نسق واحد.ثم أيضاً هذا الحديث الذي حصل في حضرة عمر، وسمعه عمار وسمعه عمر، فعمار تذكر، وأما عمر فقد نسي الذي حصل في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال له: نوليك ما توليت، أنت الذي تتحمل المسئولية في هذا، وأما عمر رضي الله عنه فإنه لم يذكر، ولهذا فإنه لا يروي هذا الحديث؛ لأنه ما تذكره، وأما عمار فهو الذي كان يذكره، وهو الذي كان معه عمر عندما حصلت الحادثة والقضية، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه يكفيه بأن يتيمم، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى التمعك في التراب، كما فعل رضي الله تعالى عنه وأرضاه.قوله: (فقال عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا فلم نجد الماء).السرية: هي القطعة من الجيش التي تخرج منه ثم تعود إليه، فهذه يقال لها: سرية.قال: (فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت).يعني: كل منهما اجتهد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن في زمنه عليه الصلاة والسلام عندما تحصل الحادثة والواقعة فإن الصحابة كانوا يجتهدون، وقد تحصل الإصابة وقد يحصل الخطأ، وكلٌ من الاثنين لم يصب؛ لا عمر ولا عمار؛ لأن عمر لم يصل، وأجَّل ذلك حتى يجد الماء، وعمار قاس حالة فقد الماء على حالة وجود الماء، وأنه عند فقده يكون التيمم، مثل الاغتسال للجسد كله، فتمعك في التراب حتى يصيب التراب الجسد كله؛ قياساً على الماء، وقياساً على الاغتسال، ولم يصب لا هذا ولا هذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه يكفيهم أن يتيمموا كما يتيمموا للوضوء.قال: (فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه).وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في ترجمة: التيمم في الحضر؛ يعني: من فعله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه تيمم معلماً، أي: تيمم أو عمل التيمم ليعلم الكيفية التي يكون بها التيمم، وهذا هو وجه إيراده في باب: التيمم في الحضر، وإلا فإن القصة هي في التيمم من الجنابة، والتيمم من الحدث الأكبر.وقوله: (ثم نفخ فيهما)، يعني: لعل الأرض فيها غبار كثير، فنفخ من أجل أن يخفف هذا الغبار، وليس بلازم؛ لأنه جاء النفخ وجاء عدمه، فيحمل النفخ على كثرة الغبار الذي يحصل تخفيفه بالنفخ، وعدم النفخ على عدم الكثرة في الغبار الذي لا يحتاج معها إلى نفخ.ثم قال: (وسلمة شك لا يدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين؟).وسلمة الذي هو أحد الرواة -هو سلمة بن كهيل- شك لا يدري، لكنه جاء عدم الشك في حديث عمار الذي في الصحيحين والذي فيه أنهما الوجه والكفان، وليس فيه ذكر المرفقين، فإذاً: إذا حصل الشك بين هذا وهذا؛ فإنه يرجع إلى ما لا شك فيه، وإلى المتيقن، وهو الذي جاء بطرق أخرى متعددة أنه الكفان فقط، وليس إلى المرفقين.ثم قال عمر رضي الله عنه: (نوليك ما توليت)، يعني: أنت الذي تتولى مهمة الإفتاء بهذا؛ لأنك الذي تروي ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما عمر رضي الله عنه فإنه نسي هذا الذي حصل له بحضرة عمار، والذي يحكيه عمار، وأنه حصل للاثنين: لـعمر وعمار، فقال: (نوليك ما توليت)، يعني: أنت الذي تتولى الإفتاء بهذا الأمر والتحديث به؛ لأنك أنت الذي تحفظ ذلك وتضبطه، أما عمر رضي الله عنه وأرضاه فإنه لم يذكر ذلك الذي حدث به عمار، وكان ذلك بحضرة عمر رضي الله تعالى عن الجميع. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (87) تراجم رجال إسناد حديث عمار بن ياسر في تمعكه في التراب لما أجنب ولم يجد الماء قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بـبندار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.[حدثنا محمد].محمد هذا غير منسوب، فيسمى مهملاً، وهو: أن يسمى الرجل ولا ينسب. وكيف يعرف المهمل؟ يعرف بالشيوخ والتلاميذ، فهنا مثلاً الذي يروي عن شعبة هو محمد بن جعفر الذي هو غندر، ويروي عنه محمد بن بشار، فهو إذا جاء يروي عن محمد بن بشار، ويروي هو عن شعبة، فالمراد به: غندر، وهو معروف ومشهور بالرواية عن شعبة، فإذا لم ينسبه محمد بن بشار وهو يروي عن شعبة، فالمراد به: غندر، وهو محمد بن جعفر غندر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.قوله: [حدثنا شعبة].هو: ابن الحجاج الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو أحد الأشخاص الذين ظفروا بهذا اللقب الرفيع، وبهذا الوصف العالي الذي هو التلقيب بأمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سلمة].سلمة، هو ابن كهيل الحضرمي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ذر].هو ابن عبد الله المرهبي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه].هو سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. وعبد الرحمن بن أبزى صحابي صغير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وابنه ثقة، وأما هو فصحابي صغير ولا يحتاج إلى أن يقال فيه: ثقة؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم لا يحتاجون إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين، بعد أن أكرمهم الله عز وجل بثنائه عليهم، وكذلك ما حصل لهم من ثناء الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنهم أجمعين، فثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليهم لا يحتاجون معه إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، كما قال الخطيب البغدادي في كتابه (الكفاية): إن كل راو من رواة الحديث لا بد من معرفته، فإذا كان مجهولاً فإنه يؤثر على ثبوت الحديث، وأما أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فلا تضر جهالتهم؛ لأن المجهول منهم ظفر بثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام، فيكفي فيهم أن يُعلم أن الواحد منهم صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم أجمعين.وقوله: (أن رجلاً أتى عمر)، الرجل هذا ليس من الرواة وإنما الراوي هو عبد الرحمن بن أبزى يروي عن عمار؛ لأنه حضر هذا السؤال من الرجل المبهم وهو يسأل عمر، وعمر أفتاه بأنه لا يصلي حتى يجد الماء، فأخبره عمار بما جرى لهما؛ أي: لـعمر وعمار من الجنابة، وأن عمر لم يصل، كما أفتى به ذلك الذي سأله، وأما هو فتمعك، ولما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأنهم يكفيهم التيمم.إذاً: الرجل الذي سأل عمر ليس راوياً، وإنما يحكي عبد الرحمن بن أبزى أن رجلاً سأل عمر وكان ذلك بحضرة عمار، فأفتاه عمر بأنه لا يصلي حتى يجد الماء، وأخبره عمار بما حصل لهما، وبما عملاه، وبما أفتاهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه يكفيهم التيمم.قوله: [عن عمار].عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه هو الصحابي الجليل المشهور. شرح حديث عمار بن ياسر في تمعكه في التراب لما أجنب ولم يجد الماء من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن عبيد بن محمد حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن ناجية بن خفاف عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: (أجنبت وأنا في الإبل، فلم أجد ماء، فتمعكت في التراب تمعك الدابة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال: إنما كان يجزيك من ذلك التيمم)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه من طريق أخرى، ويحكي فيه أنه كان في الإبل يعني: في رعاية الإبل أو في سفر ومعه الإبل، فأجنب ولم يجد الماء، فتمعك كما تتمعك الدابة -أي: البعير- في التراب؛ لأن البعير عندما يأتي إلى المكان الذي يتمعك فيه، فإنه يتقلب على جنبيه حتى يصل التراب أنحاء جسده، فـعمار رضي الله عنه وأرضاه فعل كما يفعل البعير، فتمعك في التراب تقلب في التراب كما تتقلب الدابة، لأنه يريد أن يستوعب التراب سائر جسده قياساً على الاغتسال، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما كان يجزيك من ذلك التيمم)، يعني: يكفيه أن يتيمم، ولا يحتاج إلى هذا العمل. تراجم رجال إسناد حديث عمار بن ياسر في تمعكه في التراب لما أجنب ولم يجد الماء من طريق أخرى قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد].هو المحاربي الكوفي، وهو صدوق، خرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي، ولم يخرج له ابن ماجه .[حدثنا أبو الأحوص].هو سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة متقن، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وسبق أن مر بنا ذكره.[عن أبي إسحاق].أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وسبيع قبيلة من همدان، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، فقد مر ذكره كثيراً.[عن ناجية بن خفاف].هو ناجية بن خفاف العنزي الكوفي، وهو مقبول، روى له النسائي وحده.[عن عمار بن ياسر].عمار بن ياسر هو صحابي الحديث الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا. التيمم في السفر شرح حديث عمار بن ياسر في مناسبة إنزال الله رخصة التيمم بالصعيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التيمم في السفرأخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن عمار قال: (عرَّس رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولات الجيش ومعه عائشة زوجته، فانقطع عقدها من جذع ظفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر، وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر رضي الله عنه، فقال: حبست الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله عز وجل رخصة التيمم بالصعيد، قال: فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم، وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي: باب التيمم في السفر، بعد أن ذكر التيمم في الحضر، وقد أورد فيه حديث عمار رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في سفر، وكان في أولات الجيش في مكان قريب من المدينة، وأنه كانت معه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأن الرسول عرس -والتعريس هو: استراحة المسافر في آخر الليل- فجاء وقت الصبح وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم، (فتيمموا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام على وجوههم وعلى أيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط)، هكذا جاء في هذه الرواية، أما في الروايات الأخرى التي في الصحيحين فليس فيها ذكر ما يدل على الزيادة على الكف، وإنما جاء في السنن وفي غيرها، فقيل: إن هذا إما أنه كان موجوداً فنسخ -أي: الزيادة عن الكفين- أو أن هذا حصل من بعض الصحابة، أو أنه يحكي ما حصل من بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والذي ثبت في الصحيحين وغيرهما الاكتفاء بمسح الوجه والكفين، وليس في ذلك الذراعان ولا المنكبان، وإنما الوجه والكفان فقط.قوله: (عن ابن عباس، عن عمار رضي الله عنهما قال: عرَّس رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولات الجيش ومعه عائشة زوجته، فانقطع عقدها من جذع ظفار).يعني: هذا نوع العقد، أنه جذع من خرز ظفار؛ وهي مدينة في اليمن، ومكان في اليمن، ينسب إليها ذلك الخرز، فكان عقدها من ذلك النوع، فجلسوا في طلبه وفي البحث عنه.قوله: (فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر، وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر).يعني: غضب عليها -تغيظ من الغيظ وهو الغضب- لكونها كانت سببا في حبس الناس وليس معهم ماء. قوله: (فقال: حبست الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله عز وجل رخصة التيمم بالصعيد).يعني: أنزل الله آية التيمم، وأنهم يتيممون عند فقد الماء، والحديث سبق أن مر، يعني: أن عائشة رضي الله عنها لما فقدت عقدها وجلسوا في انتظاره، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم نائماً على فخذها، وجاء أبو بكر رضي الله عنه يلومها ويعاتبها ويطعن في خاصرتها، عند ذلك أنزل الله آية التيمم، فتيمموا، وقال عند ذلك أسيد بن حضير: ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر.قوله: (قال: فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئاً).قوله: (ولم ينفضوا)، يعني: ما حصل النفخ مثل ما جاء في بعض الروايات، وما حصل أيضاً نفض الأيدي حتى يتساقط منها شيء. فيحمل وجود النفخ على ما إذا كان الغبار كثيراً، فيراد من النفخ تخفيفه، وعدم النفخ فيما إذا كان الغبار الذي علق من الصعيد قليلاً.قوله: (فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط).يعني: المناكب من الظاهر، ومن بطون أيديهم إلى الآباط، من الداخل. تراجم رجال إسناد حديث عمار بن ياسر في مناسبة إنزال الله رخصة التيمم بالصعيد قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله].هو الذهلي النيسابوري، وهو ثقة، حافظ، جليل، خرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.[أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي].هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.وأبوه هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن صالح].هو ابن كيسان، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن ابن شهاب].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، الذي مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، محدث، فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة، فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].ابن عباس هو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، حبر الأمة، وترجمان القرآن، وهو أحد الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمار بن ياسر].عمار بن ياسر رضي الله عنه قد مر، والحديث من رواية صحابي عن صحابي، وفيه تابعي عن تابعي؛ لأن الزهري من صغار التابعين، يروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، ففيه: رواية صحابي عن صحابي، ورواية تابعي عن تابعي. الأسئلة حكم الترضي على غير الصحابة رضي الله عنهم السؤال: هل يجوز أن نقول: رضي الله عنه لغير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟الجواب: نعم، يجوز أن يترضى عن غير الصحابة وأن يترحم على الصحابة، لكن الذي اشتهر على ألسنة السلف الترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، لكن يجوز الترحم عن الصحابة، والترضي على من بعدهم؛ لأن هذا دعاء بأن يرضى الله عن الشخص أو أن يرحم الله الشخص، فكل ذلك دعاء سائغ، إلا أن هذا اشتهر في العرف والاستعمال، وهو أن الترضي يكون للصحابة، وأن الترحم يكون على من بعدهم. الحالات التي يجوز للمريض فيها التيمم السؤال: ما حكم من أجنب وكان مريضاً، ولم يستطع الغسل، فهل يتوضأ أو يتيمم؟ مع العلم أن الماء موجود؟الجواب: إذا كان الماء يضر باستعماله فإنه ينتقل إلى التيمم، ويجوز التيمم؛ لأن مسوغات التيمم: فقد الماء، أو عدم القدرة على استعماله؛ يعني: إما لكونه لا يستطيع لخلل في أعضائه ولا يوجد من يقوم بذلك في حقه، أو لكونه مريضاً يضره ويؤثر عليه، أو يكون في مكان فيه برد شديد، وليس عنده ما يسخن به الماء؛ فإنه يتيمم أيضاً. حكم التيمم مع وجود الماء السؤال: لم يذكر في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يجد الماء لذلك تيمم، فهل يجوز التيمم مع وجود الماء؟الجواب: كما هو معلوم، أنه لا يتيمم إلا لعدم وجود الماء؛ لأن التيمم إنما يكون لعدم وجود الماء؛ لكونه ليس معه ماء في ذلك الوقت، ولهذا البخاري رحمه الله عقد لهذا الحديث ترجمة: باب التيمم عند فقد الماء، وخشية خروج الوقت. سبب تمرغ عمار بالتراب مع علمه بآية التيمم السؤال: هل كان تيمم عمار، وعمر رضي الله عنهما قبل نزول آية التيمم أو بعدها؟ وإذا كان بعدها فهل يتصور أنه لا يعلم الآية؟ ثم إن عمر رضي الله عنه نهى عماراً عن الصلاة، فقال عمار: يا أمير المؤمنين... إلى آخره.الجواب: الذي يبدو من فعل عمار أنه كان يعرف الحكم، ولكنه ظن أن الجنابة ليست كالوضوء، فيحتاج فيها إلى أنه يتمعك كما تتمعك البعير. حكم الحديث الذي في إسناده رجل مبهم السؤال: إذا كان في السند رجل مهمل، يحتمل أن يكون فلاناً الثقة، ويحتمل أن يكون فلاناً الضعيف، فهل يحكم على الحديث بالضعف، أو بالصحة، أو يتوقف فيه؟الجواب: لا يحكم له بالصحة، ولكن يتوقف فيه، ويحتمل أن يكون هذا وهذا؛ لكنه لا يعول عليه، ولا يبنى عليه حكم؛ لأنه غير ثابت، ولاحتمال أن يكون ذلك هو الضعيف فهو يتوقف فيه، لكن النتيجة أنه لا يعمل به حتى يتحقق بأن هذا المهمل هو الثقة، أما إن تحقق بأنه الضعيف فإنه لا يتوقف فيه وإنما يرد. حكم التيمم عند الخشية من خروج وقت الصلاة السؤال: هل ضيق الوقت وقرب خروج وقت الصلاة يعتبر من الأمور التي تجيز للإنسان التيمم؟الجواب: هذا فيه خلاف بين العلماء، فمن العلماء من قال: إنه إذا ضاق الوقت فإن له أن يتمم، ومنهم من قال: إنه لا يتيمم ولو خرج الوقت، ما دام أنه يمكن الحصول على الماء. مدى صحة نسبة المساجد التي حول المسجد النبوي إلى الصحابة السؤال: فضيلة الشيخ! هذه المساجد التي حول الحرم كمسجد علي، وأبي بكر، وعمر، ومسجد الغمامة، هل هذه المساجد صحيحة النسبة إلى أصحابها؟ وهل يجوز تقارب المساجد بهذه الصورة مما يسبب تفرق كلمة المسلمين؟الجواب : أبداً، لا يتصور أن يكون لهؤلاء الصحابة مساجد بهذا القرب، وهم عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان بنو سلمة وأماكنهم في المكان الذي يسمى مسجد القبلتين، تلك المنطقة البعيدة لما أرادوا أن يتحولوا منها حتى يصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يأتون من ذلك المكان البعيد، هل يتصور أن هؤلاء الصحابة الكرام على هذه المسافات القليلة يتركون الصلاة في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويصلون في هذه المساجد؟! يعني: ذاك المكان الذي هو مكان مسجد الغمامة مصلى العيد، وهو مصلى الاستسقاء، والمساجد الأخرى التي هي لفلان وفلان من الصحابة بهذا القرب، فهذا بعيد أن يكون كذلك؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أحرص الناس على الخير، وأسبق الناس إلى الخير، ولا يتصور أن الواحد منهم يتمكن من أن يصلي فيحصل له بالصلاة ألف صلاة، ثم يتركها ولا يحضر تلك الصلاة. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (88) - (باب الاختلاف في كيفية التيمم) إلى (باب نوع آخر من التيمم) من تسهيل الله ورحمته بعباده أن شرع لهم التيمم، وهو رخصة لمن لم يجد الماء في سفر أو حضر، وقد وردت في صفته روايات متعددة، أرجحها ما ورد في البخاري من الاقتصار على الوجه والكفين. الاختلاف في كيفية التيمم شرح حديث عمار: (تيممنا مع رسول الله بالتراب فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاختلاف في كيفية التيمم.أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه أخبره عن أبيه عن عمار بن ياسر قال: (تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتراب، فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب)]. يقول النسائي رحمه الله: (الاختلاف في كيفية التيمم). ومقصوده: أن الأحاديث التي وردت في كيفية التيمم على صفات متعددة، منها: ما هو إلى الكفين فقط، ومنها: ما هو إلى أنصاف الذراعين، ومنها: ما هو إلى الذراعين، ومنها: ما هو إلى المنكبين، ولكن الذي ورد في الصحيحين وفي غيرهما: الاقتصار على الكفين، فيكون أرجح من غيره، فيكون فرض التيمم هو: مسح الوجه والكفين.وقد أورد النسائي رحمه الله عدة أحاديث في هذا الباب تشتمل على ما أشار إليه من الاختلاف في الكيفية، وأنها جاءت على ألفاظ مختلفة، لكن بعضها أرجح من بعض، وقد أشرت إلى أن المرجح هو ما جاء في الصحيحين من أن المسح يكون للكفين فقط دون أن يضاف إليهما شيء آخر، فقد أورد النسائي رحمه الله حديث عمار بن ياسر الذي فيه أنهم تيمموا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنهم مسحوا بوجوههم، وأيديهم إلى المناكب، وهذا هو الذي جاء في هذا الحديث، وفي غيره، لكن الذي جاء في الصحيحين وفي غيرهما من حديث عمار وغيره: الاقتصار على مسح الكفين فقط، فيكون هو الأرجح من غيره. تراجم رجال إسناد حديث عمار: (تيممنا مع رسول الله بالتراب فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب) قوله: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري].وهو العباس بن عبد العظيم العنبري، ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو متقن، وهو من أهل البصرة.[حدثنا عبد الله بن محمد].وهو عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد الضبعي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وسبق أن مر ذكر عمير مولى أم الفضل، أو مولى ابن عباس، وكنت قد ذكرت أنه خرج له الجماعة، والواقع أن الذي خرج له مثل الذين خرجوا لهذا الرجل، وهم البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، خرجوا لـعمير بن عبد الله الهلالي مولى أم الفضل، ويقال له: مولى ابن عباس، وهو ثقة، والذي معنا هنا عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، خرج له صاحبا الصحيح، وخرج له اثنان من أصحاب السنن الأربعة، وهما: أبو داود، والنسائي، ولم يخرج له الترمذي، ولا ابن ماجه .[حدثنا جويرية].وهو جويرية عم عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد الضبعي؛ لأن هذا جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي، وذاك عبد الله بن محمد، ومحمد أخو جويرية، أبناء لـأسماء بن عبيد الضبعي، وجويرية بن أسماء اسمه واسم أبيه من الأسماء المشتركة، التي يسمى بها الرجال والنساء، وهي مشهورة في أسماء النساء، جويرية، وأسماء، وجويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي صدوق، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، أي: مثل الذي قبله، ابن أخيه، فالذين خرجوا للعم مثل الذين خرجوا لابن أخيه، الذي هو عبد الله بن محمد وزيادة ابن ماجه .[عن مالك].وهو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، المشهور، العلم، الذي اشتهر فقهه، وصار له مذهب مشهور، ودون فقهه وصار له أتباع اعتنوا بفقهه، وهو محدث، فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر بنا ذكره كثيراً، وهو إمام علم، ومحدث فقيه، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي قام بتدوين السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز، والذي سبق أن أشرت إليه مراراً فيما مضى، والذي يقول فيه السيوطي في ألفيته: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمراً له عمر وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبيد الله بن عبد الله].وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة، فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين، المشهورين في المدينة، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.والزهري تابعي صغير، يروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فالحديث من رواية تابعي عن تابعي.[عن أبيه].هو: عبد الله بن عتبة بن مسعود، عمه عبد الله بن مسعود، هو ابن أخي عبد الله بن مسعود؛ لأن عتبة وعبد الله أخوان، وعبد الله هذا هو ابن أخي عبد الله بن مسعود الهذلي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه ، فالذين خرجوا لـجويرية بن أسماء هم الذين خرجوا لوالد عبيد الله، الذي هو عبد الله بن عتبة بن مسعود الذي عمه عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه.إذاً: فهو ثقة، خرج حديثه صاحبا الصحيح البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له شيئاً.[عن عمار].وهو عمار بن ياسر مر ذكره في الأسانيد المتقدمة، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين. نوع آخر من التيمم والنفخ في اليدين شرح حديث عمار في الضرب بالكفين في الأرض والنفخ فيهما ثم مسح الوجه وبعض الذراعين في التيمم قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التيمم والنفخ في اليدينأخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سلمة عن أبي مالك وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن عبد الرحمن بن أبزى أنه قال: (كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! ربما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد ماء، فقال عمر: أما أنا فإذا لم أجد الماء لم أكن لأصلي حتى أجد الماء، فقال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين حيث كنت بمكان كذا وكذا، ونحن نرعى الإبل، فتعلم أنا أجنبنا؟ قال: نعم، أما أنا فتمرغت في التراب، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: إن كان الصعيد لكافيك، وضرب بكفيه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح وجهه وبعض ذراعيه، فقال: اتق الله يا عمار، فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت لم أذكره، قال: لا، ولكن نوليك من ذلك ما توليت)].هنا ذكر النسائي حديثاً لـعمار من طريق أخرى، وهو يشتمل على كيفية أخرى من كيفيات التيمم، وهو أن عمار رضي الله تعالى عنه كان عند عمر فجاءه رجل وسأله عن الجنب، يعني: عن الرجل يجنب، ولا يجد الماء، فقال: أما أنا فإذا لم أجد الماء، فإنني لا أصلي حتى أجد الماء، معناه: أنه يؤخر الصلاة، فيما إذا كان على جنابة ولم يجد الماء، ومعنى هذا: أنه لم يعتبر رفع الحدث الأصغر يماثله رفع الحدث الأكبر، ونص القرآن جاء في الحدث الأكبر والأصغر، لكن لعل عمر رضي الله عنه وأرضاه يرى أن ملامسة النساء ليس المقصود بها الجماع، وهذا هو الذي قاله بعض العلماء وبعض الصحابة فهم اختلفوا في تفسير الملامسة، هل المقصود بها الجماع، كما هو قول الجمهور، أو أن المقصود بها اللمس؟ وأنه يكون ناقضاً للوضوء، فيكون الإنسان يتيمم إذا لم يجد الماء، فـعمر رضي الله عنه وأرضاه يرى أن الملامسة المقصود بها اللمس، وليس المقصود بها الجماع، ولهذا لم يكن يعلم دليلاً يدل على أن الجنب يتيمم، ولهذا لما سأله رجل بحضرة عمار هذا السؤال قال: أما أنا فإذا لم أجد الماء، فإنني لا أصلي، حتى أجد الماء، فقال له عمار: أتذكر لما كنت وإياك، في مكان كذا ومعنا الإبل، وأننا أجنبنا، أما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمرغت كما تمرغ الدابة، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فضحك رسول الله، يعني: ضحك من هذا العمل الذي عمله عمار، وهو كونه تجرد، وتمرغ بالتراب كما تتمرغ الدابة؛ لأنه قاس التيمم للجنابة على الاغتسال من الجنابة.وهذا فيه بيان مبدأ القياس، لكن هذا القياس ليس بصحيح؛ لأن الأصل المقيس عليه الذي هو الوضوء ليس فيه أن التيمم يكون لأعضاء الوضوء، يعني: الرجلين والرأس، وما إلى ذلك، ليس فيهما هذا الأمر، فالقياس ليس بصحيح، لكن فيه الإشعار بمبدأ القياس، وأن عمار أخذ بمبدأ القياس، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أنه يكفيه أن يتيمم بالطريقة التي أرشده إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي مسح الوجه والكفين. وهنا ذكر إلى أنصاف الذراعين، يعني: إذا كان المقصود من ذلك أن الكفين دخل على الذراعين، فهذا لا إشكال فيه، يمكن أن يرجع إلى حديث الصحيحين وغيرهما: في أن التيمم يكون على الكفين، وإذا كان المقصود من ذلك الزيادة، فهذه الزيادة ليست موجودة في الصحيحين، والمعتبر هو ما نقله الرواة، وجاء في الصحيحين، وفي غيرهما: من أن التيمم إنما يكون للكفين فقط، دون أن يضاف إليهما ذراعان، أو بعض الذراعين، أو إلى المنكبين، فيكون هذا أرجح من غيره في بيان تلك الكيفية.وفيه: أنه نفخ في يديه، وقد ذكرت فيما مضى: أن النفخ جاء في بعض الروايات ذكره، وجاء في بعضها عدم ذكره، فيكون ذكره في بعض الأحوال التي حصلت أن الغبار كثير، وأن الذي تصاعد لليدين كثير، فأريد تخفيفه بالنفخ، أما إذا كان ليس بكثير، ولا يظهر على الوجه لو مسحه به، أو اليدين لو مسحهما به لكثرة الغبار، فإن هذا لا يحتاج إلى النفخ.وقوله: [كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ربما نمكث الشهر والشهرين ولا نجد الماء، فقال عمر رضي الله عنه: أما أنا فإذا لم أجد الماء لم أكن لأصلي حتى أجد الماء].المقصود من ذلك من الجنابة، يعني: يمكثون الشهر والشهرين، ولا يكون عندهم الماء، وهم في البر وفي السفر، فهو السؤال عن الجنابة، فقال: أما أنا فلا أصلي حتى أجد الماء.وفي الحديث: دلالة على أن من عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يبديه، وأن بعض الصحابة قد يكون عنده علم في المسألة، ولكنه ينساه، فإن عمر رضي الله عنه وأرضاه قد نسي هذا الذي جرى بينه وبين عمار، وما الذي حصل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أخبره عمار بالذي حصل في حضرة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإجابته على ما أخبر به من حصول التمرغ في التراب، وقال: (إن الصعيد لكافيك)، قال له عمر: (اتق الله)، وهذا فيه تثبت في الرواية، وأنه يريد منه أن يكون على ثقة، وعلى يقين من ذلك، وقال عمار: إن شئت لم أحدث بهذا؛ لأن عمار رضي الله عنه قد حصل منه التحديث، وحصل منه التبليغ، فيكون قد أدى ما عليه، فلو أراد أن يتوقف عنه، فإنه قد أبلغ، وقد أدى ما عليه، فلم يكن هناك كتمان للعلم؛ لأنه قد حدث بهذا الحديث، وسمع منه، وبلغه للناس، فقال: (بل نوليك من ذلك ما توليت).يعني: أنت الذي تذكر، وأنت الذي تتولى هذا، وأنت الذي تخبر بهذا، أما عمر رضي الله عنه فإنه لا يعلمه، لكن هذا لا يدل على عدم قبوله لما أخبر به عمار، وإن كان قد حصل منه النسيان، فهو لا يدل على عدم قبوله لما جاء به، ولكن قوله: (نوليك من ذلك ما توليت)، يعني: أنت الذي تتولى تبعة هذا، وتتولاه؛ لأنك أنت الذي تعرفه وتذكره، أما أنا فلا أذكر ذلك، وعليه فيكون التحديث به، والإخبار به، إنما تكون مسئوليته عليك، وأنت الذي عندك العلم، وأنت الذي تحدث به، هذا هو معنى قوله: (نوليك من ذلك ما توليت). تراجم رجال إسناد حديث عمار في الضرب بالكفين في الأرض والنفخ فيهما ثم مسح الوجه وبعض الذراعين في التيمم قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو: بندار، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، مات قبل البخاري بأربع سنوات، إذ توفي سنة اثنين وخمسين ومائتين، والبخاري توفي بعده بأربع سنوات، أعني: سنة ست وخمسين ومائتين، فهو من صغار شيوخ البخاري، وقد مر ذكره فيما مضى.[حدثنا عبد الرحمن].هو ابن مهدي المحدث المشهور، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سفيان].وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المحدث، الفقيه، العلم، الحجة، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب رفيع، ومنزلة عالية، لم يظفر بها إلا النوادر من المشتغلين بالحديث، مثل: سفيان هذا، ومثل: شعبة، ومثل: إسحاق بن راهويه ، ومثل: البخاري، والدارقطني، وغيرهم، عدد قليل، أطلق عليهم هذا اللقب الرفيع، وهذا الوصف العالي الذي هو أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سلمة].هو سلمة بن كهيل الحضرمي، وقد مر ذكره في الأسانيد الماضية قريباً، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن أبي مالك].هو غزوان الغفاري الكوفي، وهو ثقة، خرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي، والترمذي.[عن عبد الله بن عبد الرحمن].هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، وهو مقبول، خرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي.[عن عبد الرحمن بن أبزى].هو عبد الرحمن بن أبزى، وهو صحابي صغير، وقد روى له الجماعة، وهذا هو الذي جاء ذكره في صحيح مسلم عند حديث: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين). ومناسبة الحديث أنه كان لعمر بن الخطاب أمير على مكة، اسمه نافع، فلقيه، فقال له: من أمرت عليهم في حال غيبتك؟ ومن وليت مكانك لينوب عنك حتى تعود؟ فقال: عبد الرحمن بن أبزى، قال: ومن عبد الرحمن بن أبزى؟ قال: رجل من الموالي، قال: وليت عليهم مولى، قال: إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض. هذا يقوله نافع أمير عمر في حق عبد الرحمن بن أبزى الذي أنابه، أميراً لمكة في حال غيبته حتى يعود، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه، عندما سمع هذا الكلام: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين)، والحديث في صحيح مسلم.وهو دال على فضل القرآن، وفضل العناية بالقرآن، وأن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين، ومعنى هذا: أن هذا الرجل رفعه الله بكتابه، وهذا هو معنى قول عمر: صدق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن أميره ولاه، وهو مولى من الموالي، ولكن تقديمه إياه إنما كان بسبب العلم، وبسبب الفقه في الدين، وبسبب العلم بكتاب الله، والمعرفة بالفرائض التي هي الشرائع، وليس معنى الفرائض التي هي المواريث فقط؛ لأن الفرائض معناها الأمور المشروعة والمفروضة؛ لأنه عارف بالفقه، عالم بكتاب الله عز وجل.قوله: [عن عمار].وقد مر ذكره. نوع آخر من التيمم شرح حديث عمار في الضرب الكفين في الأرض النفخ فيهما ثم مسح الوجه والكفين في التيمم قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من التيمم.أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز حدثنا شعبة حدثنا الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه (أن رجلاً سأل عمر بن الخطاب عن التيمم فلم يدر ما يقول، فقال عمار: أتذكر حيث كنا في سرية فأجنبت فتمعكت في التراب، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما يكفيك هكذا، وضرب شعبة بيديه على ركبتيه، ونفخ في يديه، ومسح بهما وجهه وكفيه مرة واحدة)].وهذا أيضاً حديث آخر من طريق أخرى من حديث عمار، وفيه: بيان الكيفية، وأنه ضرب ضربة واحدة نفخ في يديه، ومسح كفيه ووجهه مرة واحد، وهذا فيه: بيان الصفة المشهورة للتيمم، وهي مسح الوجه والكفين، بين الذراعين ودون المنكبين، دون الوصول إلى الذراعين، ودون الوصول إلى المنكبين.وضرب شعبة يديه على ركبتيه، ليبين الكيفية فقط، فهو ما ضرب بالتراب، ولكنه بين الهيئة والطريقة، وإن لم يكن ذلك بالتراب.وقوله: (فلم يدرِ ما يقول)، يعني: أنه ما عنده شيء يخبر به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإلا فإنه جاء عنه، أنه قال: (أما أنا فإذا أجنبت، فلا أصلي حتى أجد الماء)، فهو قال الذي قاله باجتهاده، لكنه ما يدري ما يقول، يعني: شيئاً يسنده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو يروي فيه سنة عن رسول الله، هذا هو المقصود بقوله: (ما يدري ما يقول)، فهذا لا يناقض ما جاء عنه أنه قال: (أما أنا؛ فإذا أجنبت فلا أصلي) لأن المقصود أنه ما يدري ما يقول في شيء يفتيه به، ويكون عنده سنة في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. يتبع |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (88) تراجم رجال إسناد حديث عمار في الضرب بالكفين في الأرض والنفخ فيهما ثم مسح الوجه والكفين في التيمم قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد].وهو: الجرمي، ويقال: ابن بريد، ويقال في أبيه: بريد بدل يزيد، وهو صدوق، خرج له النسائي وحده، ولم يخرج له أصحاب الكتب الستة الباقون.[حدثنا بهز].وهو ابن أسد العمي، الذي مر ذكره فيما مضى، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وهو شعبة بن الحجاج، الثقة، الثبت، الذي وصف بذلك الوصف العالي، ولقب بذلك اللقب الرفيع، الذي هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أحد الأشخاص الذين لقبوا بهذا اللقب، وهو من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وأحاديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الحكم].وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، خرج له الجماعة، أصحاب الكتب الستة، فقد مر ذكره فيما مضى.[عن ذر].وهو ذر بن عبد الله المرهبي، وقد مر ذكره في الأحاديث الماضية قريباً فيما يتعلق بالتيمم، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عبد الرحمن بن أبزى].وهو سعيد بن عبد الرحمن؛ لأن هذا الحديث الذي فيه رواية ذر، يروي عن سعيد، وقد مر ذكره، وسعيد ثقة، من رجال الكتب الستة، كما خرجوا لأبيه عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الرحمن بن أبزى صحابي صغير، خرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث عمار في الضرب بالكفين في الأرض والنفخ فيهما ثم مسح الوجه والكفين من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا شعبة عن الحكم قال: سمعت ذراً يحدث عن ابن أبزى عن أبيه أنه قال: وقد سمعه الحكم من ابن عبد الرحمن قال: (أجنب رجل فأتى عمر رضي الله عنه، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماءَ؟ قال: لا تصل، قال له عمار: أما تذكر أنا كنا في سرية فأجنبنا، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فإني تمعكت، فصليت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك. وضرب شعبة بكفه ضربة ونفخ فيها، ثم دلك إحداهما بالأخرى، ثم مسح بهما وجهه)، فقال عمر شيئاً لا أدري ما هو، فقال: إن شئت لا حدثته، وذكر شيئاً في هذا الإسناد عن أبي مالك، وزاد سلمة: قال: بل نوليك من ذلك ما توليت].هنا أورد النسائي حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه، من طريق أخرى، وفيه: بيان كيفية من كيفيات التيمم، وفيه: أن عمر قال: (لا تصل)، والذي قبله قال: (فلم يدر عمر ما يقول)، وهذا هو الذي ذكرت أنه لم يدر ما يقول، يعني أنه ليس عنده فيه سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأما كونه اجتهد وأرشده إلى ما اجتهد فيه، وهو أن لا يصلي حتى يجد الماء، فهذا هو أخبره به، بل قد أخبر عن نفسه أنه لا يصلي حتى يجد الماء. تراجم رجال إسناد حديث عمار في الضرب بالكفين في الأرض والنفخ ثم مسح الوجه والكفين من طريق ثانية قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو الجحدري، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، وقد مر ذكره فيما مضى.[حدثنا خالد].وخالد بن الحارث قد مر ذكره كثيراً فيما مضى، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].حدثنا شعبة، وقد مر ذكره في الذي قبل هذا.[عن الحكم قال: سمعت ذر يحدث عن ابن أبزى عن أبيه].هذا معناه: أن شعبة يرويه عن الحكم، والحكم يرويه من طريقين: من طريق ذر عن ابن أبزى، ويرويه أيضاً عن ابن أبزى مباشرةً، فيكون الإسناد عالياً ونازلاً؛ لأنه إذا كان عالياً يسقط ابن أبزى، ويسقط ذر، وإذا كان نازلاً، فإنه يكون فيه ذر؛ لأن شعبة قال: عن ذر عن ابن أبزى عن أبيه، قال، أي: شعبة: (وقد سمعه الحكم من ابن أبزى)، معناه: أن الحكم يرويه عن ذر عن ابن أبزى، ويرويه عن ابن أبزى مباشرةً، فيكون رواه عن ابن أبزى بواسطة، ومن غير واسطة.وهذا لا يقدح، بل يأتي ذكره كثيراً في كتب الحديث، وذلك أن الراوي يرويه بطريق نازلة، فإذا ظفر بالعالية حدث به بالعالية، فيكون قد حدث به على الحالين: الحالة النازلة قبل أن يظفر بالعالية، ثم عندما يظفر بالعالية يحدث بالعالية، فيكون عنده الحديث مروياً بطريقين: بطريق نازلة، وبطريق عالية، وفي هذا الإسناد الإشارة إلى الطريق العالية، والطريق النازلة، وأن الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي يروي عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، ويروي أيضاً الحكم عن ابن أبزى دون واسطة ذر بن عبد الله المرهبي، وقد مر ذكر هؤلاء في الإسناد الذي قبل هذا. نوع آخر من التيمم شرح حديث عمار في الضرب بالكفين في الأرض والنفخ فيهما ثم مسح الوجه والكفين من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخرأخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم حدثنا الحجاج حدثنا شعبة عن الحكم وسلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه (أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه، فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء؟ فقال عمر: لا تصل، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت، فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب، ثم صليت، فلما أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرت ذلك له، فقال: إنما يكفيك، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيديه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما، فمسح بهما وجهه وكفيه)، شك سلمة وقال: لا أدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين، قال عمر: نوليك من ذلك ما توليت، قال شعبة: كان يقول: الكفين، والوجه، والذراعين، فقال له منصور: ما تقول؟ فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك، فشك سلمة، فقال: لا أدري ذكر الذراعين أم لا؟].هنا أورد النسائي حديث عمار بن ياسر من طريق أخرى، وهو نفس القصة التي جاء رجل فسأل عمر بحضور عمار، وأن عمر قال: لا تصل، وأن عمار ذكره بما جرى له وله، وأنهم جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالذي حصل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يكفيك أن تتيمم)، وذكر أنه مسح كفيه ووجهه، وأن سلمة شك هل ذكر الذراعين مع الكفين أو لا؟ وأن منصوراً قال له: إنه لا يذكر الذراعين أحدٌ غيرك، فقال: لا أدري، هل ذكر الذراعين، أو لم يذكر الذراعين؟ومعنى هذا: أن الكفين أمر محقق، وما زاد على ذلك -وهو الذراعان- فهو مشكوك فيه من قبل الراوي الذي هو سلمة بن كهيل، ومن المعلوم: أن الحديث جاء برواية متعددة، ولكن أرجحها وأقواها: الرواية التي فيها الاختصار على الكفين، دون إضافة الذراعين، ودون إضافة المنكبين. تراجم رجال إسناد حديث عمار في الضرب بالكفين في الأرض والنفخ فيهما ثم مسح الوجه والكفين من طريق ثالثة قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم].وهو عبد الله بن محمد بن تميم المصيصي، وهذا ثقة، خرج له النسائي وحده.[حدثنا حجاج].وهو حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وقد مر.[عن الحكم، وسلمة].الحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل.والباقون قد مروا في الإسناد السابق. الأسئلة الكيفية الراجحة في التيمم في الروايات الواردة عن عمار السؤال: ألا يمكن الجمع بين الأحاديث، ونقول تارة بالتيمم إلى الكفين، وتارة إلى الذراعين، وتارة إلى المنكبين؟الجواب : لا؛ لأن الأحاديث جاءت في موضوع واحد عن عمار، وفي قصة واحدة، وتحكي حالة واحدة، فلا شك أن بعضها أرجح من بعض، والذي جاء في الصحيحين، وفي غيرهما، الاقتصار على الكفين.والقول في الجمع أولى من الترجيح، نقول: الجمع إذا كان له وجه؛ لأن الآن هي قصة واحدة تتحدث عن حالة واحدة، وبعض الرواة يزيد وينقص، وهي تحكي حالة واحدة، فالذي اتفق عليه أصحاب الصحيح، وجاء أيضاً عن غيرهم الاقتصار على حالة واحدة، وهي الكفان. مقصود عمر من التحريج على عمار في التحديث بحديث التيمم السؤال: فضيلة الشيخ! أحسن الله إليكم، ألا يستفاد من حديث عمار بن ياسر إلى وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية الله عز وجل؟الجواب: نعم، هذا يدل على طاعة ولاة الأمور في غير المعصية، وعمار رضي الله عنه وأرضاه لما رأى عمر قال له: اتق الله، ليس مقصوداً أنه يمتنع، وإنما مقصوده أنه يتثبت، ولهذا قال: إن شئت لا أحدث، قال: لا، ما قال: أريد أنك تسكت، ولكن أنت الذي تتولى هذا؛ لأنك أنت الذي تعلم، وأنت تحدث بما تعلم، أما أنا فلا أذكر ذلك. حكم إلزام العاصي باتباع الدليل وعدم تقليد المذاهب السؤال: ما رأيكم فيمن يقول: لا يجوز للعامة أن يتبعوا مذهباً معيناً، بل عليهم أن يتفقهوا بأنفسهم من الكتاب والسنة؟الجواب: العامة ليس لهم أن يتفقهوا بأنفسهم، وإنما عليهم أن يسألوا العلماء، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، والذي لا يعلم لا يستطيع أن يستخرج من الكتب وهو عامي، فقد يفهم الشيء على غير موضعه، ولكن العامي يتعلم، والجاهل يتعلم، إذا لم يجد أحداً من العلماء، فكونه يقرأ، أو يعرف مذهباً من المذاهب، ويتعبد الله عز وجل به هذا لا بأس بذلك، حيث لا يكون عنده من يفتيه، أما إذا وجد عنده عالم، عنده العلم والمعرفة، ويرجع إليه فيفتيه، فهذه الطريقة التي ينبغي أن تسلك.وإذا لم يجد العالم الذي يرجع إليه، فهذا يقال له: فاتقوا الله ما استطعتم، فيعرف مذهباً من المذاهب ويتعبد الله به، حتى يأتي من يدله على ما هو الحق والصواب في المسألة الفلانية، هذا هو الذي ينبغي.ومن يقول: إن هذه المذاهب بدعة محدثة لم يعرفها التابعون، نقول له: هذه المذاهب كما هو معلوم أقوال دونت، وأصحابها يخطئون ويصيبون، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وخطؤهم مغفور، ويستفاد من فقه الفقهاء المدون الذي دون وأعتني به، ويرجع إليه، ولا يقال: إنه لا يرجع إلى كتب الفقهاء، بل هذا غلط كبير، فالناس بحاجة إلى أن يرجعوا إلى كتب الفقهاء، ويعرفون ما قالوا، ويعرفون مأخذهم، ويعرفون من معه الدليل، ومن ليس معه دليل؛ لأن الفقهاء اختلفوا واجتهدوا، فيُرجع إلى كلامهم، ولكن من عنده قدرة على الترجيح، ومعرفة الأدلة يرجح ما يرجحه الدليل، ومن ليس عنده علم، فإنه يسأل من عنده علم.وأما كونها تترك ولا يرجع إليها، ولا يستفاد من فقه الفقهاء، فهذا غلط، بل العلماء المجتهدون الذين عنوا ببيان الأحكام الشرعية، وفي بيان مسائل الفقه يرجع إلى كلامهم، لكن لا يعول على كلام أحد بعينه بحيث يقال: إن الحق مع فلان، لا، كل مسألة يجتهد فيها المجتهدون، المجتهد المصيب مأجور أجران، والمجتهد المخطئ له أجرٌ واحد.وكما قال ابن القيم رحمة الله عليه في آخر كتاب (الروح)، يقول: إن الواجب هو احترام العلماء، وتوقيرهم، والاستفادة من علمهم، ومعرفة أنهم يخطئون ويصيبون، وليس أحد يتبع ويلتزم بقوله إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام.أما العلماء ومنهم الأئمة الأربعة؛ فإنهم أرشدوا إلى اتباع الدليل، وأن يأخذ الناس من حيث أخذوا، فقد قال ابن القيم موضحاً طريقة الاستفادة من علم العلماء ومن كلام العلماء، قال: إنهم بمثابة النجم الذي يستدل به إلى القبلة، وهذا معناه أنه يستعان بهم للوصول إلى حكم الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى بيان شرع الرسول الذي جاء عنه عليه الصلاة والسلام، فكما يُهتدى بالنجم إلى جهة القبلة، ويعرف جهة القبلة عن طريق النجم، فإذا وصل الإنسان إلى القبلة، وصار عندها ما يحتاج إلى أن يبحث في النجوم، أي أن القبلة قدامه إذا وصل إليها وكان عندها فلا يحتاج إلى النجم.فكذلك الإنسان يرجع إلى كلام العلماء من أجل أن يصل إلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى حكم الرسول عليه الصلاة والسلام، فيستعين بهم، ويستفيد من علمهم في الوصول إلى المقصود، وهم يصيبون ويخطئون، لكن يوقرون، ويحترمون، ويثنى عليهم، ويعتقد بأنهم لا يعدمون الأجر والأجرين، فإنهم إما مجتهدون ومصيبون، فلهم أجران على الاجتهاد والإصابة، وإما مجتهدون ومخطئون، فلهم أجر واحد على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور. علاقة جرح الرواة وتعديلهم بالغيبة السؤال: هل الجرح في الرواة يعتبر من الغيبة المنهي عنها؟الجواب: لا، ليس هذا من الغيبة المنهي عنها؛ لأن هذا من النصح للمسلمين، ولأن هذا ينبني عليه أحكام شرعية، فإذا لم يبين حال الرواة تعديلاً وتجريحاً، كيف يهتدى إلى معرفة الحديث الصحيح من الضعيف؟! بل هذا من النصح، وهذا من الأمور المستثناة؛ لأن هناك أمور مستثناة من الغيبة، ذكرها النووي في رياض الصالحين، وذكرها غيره، منها: جرح الرواة، ومنها: كون الإنسان يتظلم عند القاضي، ويقول: فلان ظلمني، أو فلان أخذ حقي، هذا لا يعتبر من الغيبة، وكذلك عند الاستشارة، فالإنسان يستشار في شخص فيبين ما فيه، مثل ما حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام في المرأة التي خطبها أبو جهم، ومعاوية بن أبي سفيان، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له)، فهذا من النصيحة في المشورة. منزلة آثار الصحابة والتابعين من الحديث النبوي السؤال: هل أقوال الصحابة والتابعين من الحديث؟الجواب: أقوال الصحابة والتابعين ليست من الحديث، أقوال الصحابة والتابعين من كلامهم، فما يضاف إلى الصحابة يقال له: موقوف، وما يضاف إلى التابعين يقال له: مقطوع. وما يضاف إلى الصحابة ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون من الأمور التي للرأي فيها مجال، أو من الأمور التي لا مجال للرأي فيها، فما كان من الأمور التي لا مجال للرأي فيها، ولم يكن الصحابي الذي جاء عنه هذا الكلام معروفاً بالأخذ عن الإسرائيليات، عن بني إسرائيل؛ فإن له حكم الرفع، وهذا الذي يقول له: مرفوع حكماً؛ لأن المرفوع اثنين: مرفوع تصريحاً، ومرفوع حكماً، أما المرفوع تصريحاً وهو الذي يقول فيه الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أما المرفوع حكماً فهو أن يقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات قولاً لا مجال للرأي فيه؛ فإنه يكون مرفوعاً حكماً. كيفية الجمع بين حديث الجساسة وحديث ما من نفس منفوسة السؤال: كيف نجمع بين حديث الجساسة الذي في صحيح مسلم، وحديث: (ما من نفس منفوسة يمر عليها مائة عام من هذا اليوم إلا ماتت)، أو كما قال؟الجواب: هذا الحديث حديث الجساسة، وذكر الدجال، وأنه في جزيرة موثق، هذا الحديث مستثنى من هذا الحديث العام الذي قال فيه: (لن يأتي مائة عام وفيه ممن هو على وجه الأرض في هذه الليلة أحد من بعد مائة عام)، يعني: كل من كان موجوداً في ذلك الوقت، في تلك الليلة لم يأت مائة سنة على الموجودين في هذه الليلة إلا وقد مات، هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ثبت في الصحيح، وهذا هو الذي استدل به العلماء على أن الخضر غير موجود؛ لأنه لو كان موجوداً لهلك قبل مضي مائة سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نفس يأتي عليها مائة سنة من هذه الليلة إلا وقد ماتت)، لكن يستثنى من هذا الحديث شخصان: مسيح الهداية، ومسيح الضلالة. مسيح الهداية في السماء، عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام بروحه وجسده، وينزل في آخر الزمان، وأما مسيح الضلالة الذي هو المسيح الدجال، فهو في جزيرة من جزر البحر، كما جاء في حديث تميم الداري في صحيح مسلم، وهو المشهور بحديث الجساسة، ويكون مستثنى من هذا الحديث. سبب ترجيح رواية المسح بالكفين السؤال: لماذا رجحنا رواية الصحيحين من المسح بالكفين، ولم نقل: إن في الأمر سعة؛ ويجوز هذا وهذا؟الجواب: لأن القضية كلها تتحدث عن حالة واحدة، إذاً هناك راجح ومرجوح؛ فـعمر وعمار كانوا في مجلس، وجاء رجل وسأل عمر، وعمار موجود فأخبره، وبعض الرواة قالوا: للكفين، وبعضهم قالوا: للذراعين، وبعضهم قالوا: للمنكبين، إذاً ما دام القصة واحدة، وكلها تتحدث عن حالة واحدة إذاً هناك راجح ومرجوح. علاقة الأرباح في شركات الأسهم بالمضاربة السؤال: ما الحكم إذا دفع طالب مبلغاً من المال للمكتب، ثم يأخذ آخر العام مبلغاً من المال بسبب هذا السهم الذي دفعه، وهو يزيد على ما دفع؟الجواب: لا بأس؛ لأن مثل هذا مثل مسألة المضاربة، يعني: أناس يساهمون وكلٌ يدفع مبلغ، وهؤلاء يبيعون ويشترون، ثم في الآخر يتجمع رأس مال الربح على رأس المال، فيعطون الطالب رأس ماله، ونصيبه من الأرباح التي حصلت في البيع والشراء والمقسط، لا بأس بذلك، هذا سائغ وجائز؛ لأن هذا ما هو فلوس حفظت، أو في الأخير أعطي زيادة فلوس عليها، إنما هي نفسها الفلوس قلبت في البيع والشراء حتى ربحت، وصارت مثل عروض التجارة. حكم أداء تحية المسجد في الموضع المعد لبعض الصلوات وعلاقته بالمسجد السؤال: موضع اتخذ للصلاة في جماعة غير أنه لا تقام فيه إلا صلاة واحدة، كصلاة الظهر مثلاً، فهل يسمى مسجداً أو لا؟ وسواء سمي مسجداً أو لا، فهل تشرع فيه الصلاة ركعتين تحية المسجد؟الجوب: إذا كان مخصصاً للصلاة، وهو يعتبر مسجداً للمكان إلا أنه يصلى فيه بعض الصلوات، فهو يعتبر حكمه حكم المسجد، والأولى للإنسان أنه يصلي قبل أن يجلس. حكم أداء السنن الرواتب في السفر السؤال: هل من السنة التطوع وقت السنن الرواتب في السفر؟الجواب: لا، ليس من السنة التطوع بالرواتب إلا الذي جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو ركعتا الفجر والوتر، فهاتان السنتان هما آكد السنن، وكان عليه الصلاة والسلام لا يتركهما لا في حضر، ولا في سفر.أما بقية الرواتب فالأولى تركها، وهو الذي قال في عبد الله بن عمر: لو كنت مسبحاً لأتممت، يعني: لو كنت متنفلاً. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (89) - باب تيمم الجنب - باب التيمم بالصعيد من فضل الله ورحمته بعباده أن جعل التراب يقوم مقام الماء عند تعذر وجوده، أو تعذر استعماله، والتيمم يرفع الحدث الأكبر والأصغر، ويكون بما صعد من تراب الأرض. تيمم الجنب شرح حديث أبي موسى في صفة تيمم الجنب قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تيمم الجنبأخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق قال: (كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى رضي الله عنهما فقال أبو موسى: أولم تسمع قول عمار لـعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت بالصعيد، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا)، وضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح كفيه ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على كفيه ووجهه، فقال عبد الله: أولم تر عمر لم يقنع بقول عمار].يقول النسائي رحمه الله: باب: تيمم الجنب،مراده من هذه الترجمة كما هو واضح: أن التيمم يكون للحدث الأكبر ويكون للأصغر، وقد مرت أحاديث تتعلق بالتيمم للحدث الأصغر، وكذلك أيضاً مرت أحاديث تتعلق بالتيمم للحدث الأكبر، وذلك في الترجمة التي جاءت قبل ترجمة أو ترجمتين، وهي باب: التيمم في الحضر، فإنه جاء فيها التيمم للجنب والنسائي هنا أفرد هذه الترجمة لبيان التيمم للجنب، وأنه يكون من الحدث الأكبر كما يكون من الحدث الأصغر، لكن التيمم للحدث الأكبر محل خلاف بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فإن منهم من يرى أن التيمم يكون للحدث الأكبر كما يكون للحدث الأصغر، والدليل على ذلك ما جاء في آية التيمم.والمراد من تفسير ملامسة النساء: هو الجماع، وعلى هذا فيكون القرآن دل على التيمم للحدث الأكبر والأصغر، إلا أن بعض الصحابة يرون أن الملامسة ليس المراد بها الجماع، وإنما المراد بها: اللمس، وعلى هذا لا يكون في الآية دليل على التيمم من أجل الحدث الأكبر، ومن الذين ذهبوا إلى هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما، وقد حصل بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما كلام حول تيمم الجنب، فكان عبد الله يرى أنه لا يتيمم للجنابة، وكان أبو موسى يرى أنه يتيمم للجنابة، وقد أورد أبو موسى على عبد الله حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، الذي فيه: أنه كان هو وعمر في مكان وأنه حصل لهما جنابة، فأما عمر فإنه لم يصل، وأما عمار فإنه تمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة، ولما جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أخبروه بالذي حصل، فضحك رسول الله عليه الصلاة والسلام من فعل عمار، وهو كونه تمرغ كما تتمرغ الدابة، ثم قال له: (إنما كان يكفيك التيمم).وحديث عمار رضي الله عنه واضح في أن الجنب يتيمم، وأن الحدث الأكبر يرتفع بالتيمم كما هو ظاهر الآية من تفسير الملامسة بأن المراد بها: الجماع وحصول الجنابة، كما أن الحدث الأصغر يرفع بالتيمم. فلما حصل البحث بين أبي موسى وبين عبد الله بن مسعود استدل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه على عبد الله بن مسعود بحديث عمار، عند ذلك قال له: (أو لم ترَ أن عمر لم يقنع بما قال عمار)، وهذه الكلمة التي قالها عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه لا تدل على أن عمر لم يقنع بقول عمار، وليست واضحة الدلالة على أنه لم يقنع، بل يحتمل أن يكون توقف في ذلك؛ لأنه حكي أن هذه قضية حصلت بحضوره، وكون عمر حصل له نسيان، وهو لا يتذكر ذلك الشيء، مع أن الواقعة حصلت له، وأنه حكى صنيعهما على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال لـعمار: (إنما يكفيك هكذا)، فلا يدل على أن عمر لم يقتنع بقول عمار، وإنما رأى أنه قد يكون حصل له وهم، أي: لـعمار كما حصل له هو نسيان، وأن القضية كما يذكر عمار أنها كانت بحضوره، وأنه هو وإياه حصل لهما ذلك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهما بهذا الخبر، وكان ذلك بحضرة عمر، وعمر لا يتذكر من ذلك شيئاً، فخشي أن يكون حصل من عمار وهم، كما حصل له منه هو نسيان.ثم إن عمر رضي الله عنه، لما قال لـعمار: (اتق الله)، يعني: أنه يتحدث عن شيء حصل بحضرته وهو لا يذكره، ويريد منه أن يتثبت، فقال له: إن شئت لا أحدث بهذا بعد الآن، فقال: لا، يعني: لا يمنعه من التحديث بما عنده من العلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه قال له: (نوليك من ذلك ما توليت)، أنت الذي تتولى ما علمته، وتنشره، وتبينه، والعهدة عليك أنت؛ لأن عمر رضي الله عنه، لا يذكر هذا الشيء، وهذا قد يفهم منه أن عمر رضي الله عنه، قد اقتنع بقول عمار، وأنه كان يفتي بعدم بالصلاة بدون تيمم، قبل أن يبلغه ذلك؛ ولكنه بعد ما بلغه ذلك فالأظهر أنه قبل هذا واقتنع به، ولكنه قال ما قال من أجل التثبت. مواقف لعمر تبين حرصه على التثبت من كل ما ينقل إليه من رواية عن النبي وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه معروفاً بالحرص على التثبت في الرواية، والتثبت في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل إنه كان يطلب في بعض الأحيان من الشخص إذا جاء بسنة، أو أخبر بسنة، أن يبحث عنه، أو أن يدلل على من يوافقه في ذلك، كما حصل في قضية الاستئذان، فإن هذا يدل على تثبته، لا على عدم اقتناعه بما يسمعه من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنهم كانوا يكتفون برواية الشخص الواحد، ويعولون على رواية الشخص الواحد، وهو نفسه عول على رواية الشخص الواحد.في قصة الطاعون لما ذهب إلى الشام في خلافته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولما وصل إلى مكان من أرض الشام لقيه أمراء الأجناد، وكانت الشام قد وقع فيها طاعون، فقال له بعض الصحابة الذين كانوا معه: كيف تدخل بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام في بلاد موبوءة، فتعرض أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام للموت؟! فجلس واستشار الصحابة، فاستشار المهاجرين، ثم استشار الأنصار، ثم استشار مسلمة الفتح، ومنهم من يرى أنه يرجع، ومنهم: من يرى أنه يقدم، ولو كان فيها طاعون، ومن الذين كانوا يرون بأنه يدخل ولا يرجع أبو عبيدة، ولهذا لما استشار المهاجرين، واستشار الأنصار واختلفوا، يعني: بعضهم يقول: ادخل، وبعضهم يقول: ارجع، ثم في الأخير استشار مسلمة الفتح، فأشاروا عليه بالانصراف، فرجح ومال إلى هذا، وقال: إني مصبح على ظهر، يعني: في الصباح سيتجه إلى المدينة، ويترك دخول الشام، وقال له أبو عبيدة: نفر من قدر الله، قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نفر من قدر الله، إلى قدر الله، ثم إن عبد الرحمن بن عوف لم يكن حاضراً في ذلك الوقت الذي حصل فيه الكلام، ثم حضر وكان عنده حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فجاء وأخبرهم بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وقع الطاعون وأنتم في بلد فلا تخرجوا منها فراراً منه، وإن وقع فيها فلا تدخلوها).فعند ذلك سر عمر بما قاله أو بما جاء به عبد الرحمن بن عوف، وكان اجتهاده رضي الله عنه مطابقاً لما جاء به هذا الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف.كذلك قال ما قال في حق عمار، ولا يعني أنه لم يقتنع بذلك، فيحتمل أن يكون عنده شيء من التردد، وسبب ذلك لأنه يحكي أن القضية حصلت بحضور عمر، وهو لا يذكر هذا الشيء بل نسي، فخشي أن يكون وهم عمار، كما حصل له أنه نسي، ويحتمل وهو الأظهر أن يكون قد اقتنع بقول عمار، ولكنه لا يحدث به، وإنما يحمل ويولي ذلك من عنده علم فيه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.قوله: [عن شقيق قال: (كنت جالساً مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: أو لم تسمع قول عمار لـعمر؟ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت بالصعيد، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له)].وهذا الحديث يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من البحث في مسائل العلم وإيراد الأدلة، والاستدلال بها لمن عنده ذلك.لأن البحث والمناقشة جرت بين أبي موسى وعبد الله بن مسعود، فـعبد الله يرى أن الجنب لا يتيمم، وأبو موسى يرى أنه يتيمم، واحتج أبو موسى بحديث عمار، ففيه حصول المناقشة في مسائل العلم، والبحث فيها بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وفيه: الاستدلال لمن عنده دليل أو سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن أبا موسى رضي الله عنه وأرضاه أورد له الحديث الذي رواه عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، والذي أورده على عمر رضي الله عنه، وذلك في قصة اجنابهما، وكون عمار تمرغ كما تتمرغ الدابة.وفيه حصول الاجتهاد في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنهم كان يجتهدون في الأمور النازلة، وإذا لقوا الرسول عليه الصلاة والسلام أخبروه بالذي حصل فيخبرهم بما هو الشرع، وبما هو الحق والهدى، وذلك أن كلاً من عمر وعمار قد اجتهدا، أما عمر فإنه اجتهد فلم يصل وترك، وأخر الصلاة إلى أن يجد الماء، وأما عمار فإنه قاس ورأى أن التيمم ينوب عن الوضوء عند فقد الماء، وأنه يحصل به ارتفاع الحدث، فقاس حالة الجنابة على حالة رفع الحدث الأصغر، والرسول عليه الصلاة والسلام ضحك من صنيعه هذا، وبين له أنه يكفيه أن يتيمم بوجهه وكفيه، وأن حكم رفع الحدث الأكبر مثل الحدث الأصغر في التيمم. مشروعية القياس في الدين إذا كان معتبراً وفيه مشروعية القياس؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أقره على القياس في الأصل، ولكن الذي عيب عليه، أو الذي لم يوافق عليه: كونه قاس حالة التيمم على حالة الاغتسال، وأنه يعمم الجسد بالتيمم كما يعمم في الاغتسال، ولكن هذا القياس كما هو معلوم أيضاً غير واضح، من جهة أن رفع الحدث الأصغر ليس فيه استيعاب أعضاء الوضوء، وليس فيه استعمال التيمم في الرجلين، ولا في اليدين إلى المرفقين، وعلى الرأس، وإنما في الوجه والكفين فقط، فإذاً القضية ليست قضية قياس؛ لأنه لو كانت القضية قضية قياس، لكان التيمم لأعضاء الوضوء كلها، وعند ذلك يمكن أن يكون القياس صحيحاً في حق الذي فعله عمار، لكن الأصل المقيس عليه وهو التيمم الذي هو بدلاً عن الوضوء، ما كان التيمم لأعضاء الوضوء كلها، وإنما كان لبعضها.إذاً: يختلف حكم التيمم عن حكم الوضوء، فكذلك يختلف حكم التيمم عن حكم الاغتسال، وأنه لا يكون التيمم يوافق الاغتسال بحيث يعمم الجسد بالتراب كما يعمم الإنسان جسده بالماء.[فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيك أن تقول هكذا)، وضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح كفيه، ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على كفيه ووجهه].وكأن الأرض التي حصل فيها التيمم الذي كان للتعليم كان فيها غبار كثير، ولهذا نفض حتى يخف، وهذا مثل ما جاء في بعض الروايات من النفخ من أجل تخفيف ما علق باليدين من الغبار، وفي بعضها ذكر النفض، وفي بعضها لم يذكر شيئاً من ذلك، ويكون هذا محمولاً على ما إذا كانت الأرض فيها غبار كثير، وعلق باليدين، وأريد تخفيفه بالنفخ أو النفض، وإذا كانت الأرض ليس فيها شيء من ذلك؛ فإنه لا يحتاج الأمر لا إلى نفخ ولا إلى نفض، وإنما يحصل التيمم.فقال عبد الله مجيباً لـأبي موسى الأشعري، أو لم ترَ عمر لم يقنع بقول عمار، وكما ذكرت: ليس الأمر واضحاً في أن عمر لم يقتنع بقول عمار، بل إن قول عمار له: (إن شئت لا أحدث)، وقوله له: (لا، بل نوليك من ذلك ما توليت)، يدل على اقتناعه بما قاله عمار، وأن عنده سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد عرفنا أن عمر رضي الله عنه اكتفى برواية الواحد، ولكنه كان معروفاً بالتثبت في الرواية رضي الله تعالى عنه وأرضاه. تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في صفة تيمم الجنب قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].وهو محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، وكنيته أبو كريب، وهو مشهور بكنيته، وأحياناً مسلم يروي عنه كثيراً ويأتي به بالكنية، ويسميه قليلاً، والبخاري بعكسه، فإنه يذكره باسمه ويكنيه قليلاً، والنسائي هنا ذكره باسمه ونسبه، وهو مشهور بكنيته، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكنيته توافق اسم جده؛ لأنه محمد بن العلاء بن كريب، أبو كريب.[حدثنا أبو معاوية].هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره باسمه، وذكره بكنيته.[حدثنا الأعمش].هو سليمان بن مهران الكاهلي، والأعمش لقبه، وهو مشهور بلقبه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة، كما أن معرفة كناهم مهمة، وفائدة ذلك أن لا يظن أن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته أو مرة بلقبه، ومن يعرف أن هذه الكنية لفلان، مثل أبي معاوية، كنية لـمحمد بن خازم، والأعمش لقب لـسليمان بن مهران الكاهلي، فإذا عرفت الكنى وعرفت الألقاب؛ أمن كون الإنسان يظن الشخص الواحد شخصين، ومثل: ذلك محمد بن العلاء؛ لأن محمد بن العلاء ذكر باسمه، وكنيته أبو كريب، وهو مشهور بكنيته، فمن لا يعرف أن محمد بن العلاء كنيته أبو كريب، إذا رآه جاء محمد بن العلاء، ومرة أبو كريب يظن أن ذاك شخص وهذا شخص، لكن من يعرف أن هذه كنية لفلان الذي هو محمد بن العلاء يعرف بأن هذا شخص واحد ذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته، فإذاً عندنا في هذا الإسناد شخص مشهور بكنيته، وذكر باسمه، وهو محمد بن العلاء.[عن شقيق].وهو شقيق بن سلمة، كنيته أبو وائل، وهو مشهور بكنيته أيضاً، وكثيراً ما يأتي في الأسانيد بكنيته أبو وائل، ولكنه جاء هنا باسمه، ويقال فيه ما قيل في الذين ذكرتهم وهم محمد بن العلاء أبو كريب، وأبو معاوية محمد بن خازم، والأعمش سليمان بن مهران، من أنه مشهور بكنيته ويأتي باسمه، ومعرفة كنى أصحاب الأسماء مهمة لما ذكرت، وشقيق بن سلمة ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والمخضرمون كما عرفنا هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي عليه الصلاة والسلام، أدركوا زمن الجاهلية وكانوا كباراً في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يتيسر لهم أن يلقوا النبي عليه الصلاة والسلام ولو مرة واحدة، فلم يظفروا بشرف الصحبة، والمخضرمون هم جماعة، منهم: أبو وائل هذا، ومنهم: سويد بن غفلة، ومنهم: الصنابحي الذي كان قد جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولما كان في الجحفة الذي هو ميقات أهل الشام، وهو قريب من موضع رابغ، فجاء من جهة اليمن، ليلقى الرسول عليه الصلاة والسلام، فمات رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبلغه وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الجحفة.جاء واحد يمشي على بعير وأخبره بأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، فقالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، ما بينه وبين الصحبة إلا شيء يسير.فإذاً أبو وائل مخضرم من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً فالحديث هو من رواية أبي موسى، ثم أيضاً يشعر بأن عبد الله بن مسعود عنده علم؛ لأنه قال: أو لم تعلم أن عمر لم يقنع بقول عمار؟! لكن الذي يروي ويحتج به هو أبو موسى الأشعري، على عبد الله بن مسعود، ويناظره ويبحث معه في مسألة التيمم للجنب.[عن أبي موسى الأشعري].وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً، إذاً فرجال هذا الإسناد كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، محمد بن العلاء أبو كريب، ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير، وسليمان بن مهران الكاهلي، الأعمش، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه، هؤلاء الرواة الخمسة كلهم روايتهم عند أصحاب الكتب الستة.وأما الصحابة كما ذكرت ذلك مراراً وتكراراً لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، فتعديل الله عز وجل لهم وتعديل رسوله عليه الصلاة والسلام، وثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام كاف لهم عن تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، ولهذا الجهالة في الصحابة لا تؤثر وفي غيرهم تؤثر. التيمم بالصعيد شرح حديث: (... عليك بالصعيد فإنه يكفيك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التيمم بالصعيدأخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عوف عن أبي رجاء قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصلي مع القوم، فقال: يا فلان، ما منعك أن تصلي مع القوم؟، فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة، ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك)].هنا أورد النسائي باب: التيمم بالصعيد، والمراد بالصعيد هو: ما يتصعد من الأرض على وجهها من التراب، بمعنى أنه يضرب عليه بيديه، ثم يتصعد على يديه شيء من الأرض فيمسح به وجهه وكفيه، فـالنسائي أورد هذه الترجمة باب التيمم بالصعيد.والحديث يدل على التيمم للجنابة، فهو دال على ما دل عليه حديث عمار، من التيمم من الجنابة.عمران بن حصين رضي الله عنه، يروي أن رسول الله عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً معتزلاً، يعني: جالساً في جانب، معتزلاً الناس، والناس يصلون وهو لا يصلي، فقال له: ما لك لم تصل مع الناس؟! فقال: إنني أصابتني جنابة ولا ماء، ففهم أنه يؤجل حتى يحصل الماء، يعني: مثل ما حصل لـعمر رضي الله عنه وأرضاه لما حصلت له جنابة ولم يصل انتظر لتحصيل الماء، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك)، يعني: تيمم وصل ولا تؤخر الصلاة، فدل هذا على ما دل عليه حديث عمار من أن رفع الحدث الأصغر يكون بالتيمم، فكذلك يرفع الحدث الأكبر بالتيمم، ولا تؤخر الصلاة لعدم وجود الماء، بل التيمم يحل محل الماء فيأتي بدل الماء، سواء ذلك في رفع الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر، كلها على حد سواء.وفي الحديث دلالة على أن من وجد منه ما ينكر فإنه يسأل وينبه حتى يتبين عذره، فإذا كان ذلك الترك لسبب؛ فإنه يبين له الحكم كما حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام من كونه رأى هذا الرجل المعتزل على جانب، والناس يصلون وهو لا يصلي، وسأله وأخبره بالذي حصل، مثل ذلك ما جاء في الحديث أنه كان يصلي بالناس الصبح في منى، ولما صلى وإذا برجلين جالسان في ناحية، فدعا بهما، فأتي بهما ترتعد فرائصهما، من الاضطراب، فهم خائفون، وقال: ما لكما لا تصليان؟ فقالا: إننا صلينا في رحالنا، يعني: جاءوا وقد صلوا، وكان الرسول ما صلى، وهم لكونهم قد صلوا جلسوا، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا صليتما في رحالكما، وأتيتم والإمام يصلي فصليا معه، تكون لكما نافلة)، يعني: لا يجلس الشخص والناس يصلون، وإن كان قد صلى فإنما عليه أن يصلي مع الناس، فالإنسان إذا صلى ثم أدرك جماعة لا يجلس والناس يصلون، وإنما يصلي معهم تكون له نافلة، ولو كان هذا في أوقات النهي؛ لأن صلاة الفجر بعده وقت نهي، والرسول أذن لهما، بل أمرهما بأنهما إذا أدركا الإمام يصلي، فليصليا معه، وقد أنكر عليهما ذلك، لكونهما ما دخلوا معهم الصلاة، والصلاة صلاة الفجر، إذاً: فمعنى هذا أنهم يصلون الجماعة نافلة في وقت النهي، ولكنه رخص لهما في ذلك، فذلك من النفل الذي جاء به الدليل على أنه سائغ وجائز؛ لأن الحديث وقع في صلاة الفجر، وقال: (ما لكما؟)، وقالا: إنما صلينا في رحالنا، قال: (إذا أتيتما والإمام يصلي فصليا معه تكون لكما نافلة)، فهنا استفسر من هذا الرجل، وأخبره أنه كان على جنابة، وأنه لم يجد الماء، فقال عليه الصلاة والسلام: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك). تراجم رجال إسناد حديث: (... عليك بالصعيد فإنه يكفيك) قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، وقد مر ذكره كثيراً.[حدثنا عبد الله].وهو عبد الله بن المبارك المروزي، ويذكر أحياناً عبد الله غير منسوب، وفي بعضها ينسبه، لكنه لا لبس فيه، وسويد بن نصر هو راويته، ويقولون في ترجمته: هو راوية عبد الله بن المبارك، ومعنى هذا إذا روى عن شخص وقال له عبد الله ولم ينسبه فهو عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه؛ لأنه لا لبس فيه ولا يحتمل غيره؛ لأنه معروف بالرواية عنه، وكونه راويته، وعبد الله بن المبارك هو مروزي كما أن سويد مروزي، كلاهما من مرو، وعبد الله بن المبارك قد وصفه الحافظ في التقريب: بأنه ثقة، إمام، حجة، جواد، مجاهد، قال: بعد ما ذكر جملة من أوصافه، جمعت فيه خصال الخير.[عن عوف].وهو عوف بن أبي جميلة الأعرابي البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور باسمه، وكذلك مشهور بنسبته: الأعرابي.[عن أبي رجاء].وهو عمران بن ملحان العطاردي، وهو مشهور بكنيته أبو رجاء، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمران بن حصين].وهو عمران بن حصين الخزاعي أبو نجيب، كنيته أبو نجيب، وهو من علماء الصحابة، وذكر في خلاصة تهذيب الكمال: أن له في الكتب مائة وثلاثين حديثاً اتفق البخاري، ومسلم منها على ثمانية، وانفرد البخاري بأربعة، وانفرد مسلم بتسعة، ومن مشهور حديثه: حديث الصلاة على حسب الاستطاعة، التي قال له النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، يعني: أن الإنسان يصلي على حسب حاله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). الأسئلة حكم المصافحة باليد واليدين السؤال: هل من السنة أن تكون المصافحة باليدين، وهل تكره بيد واحدة؟الجواب: المصافحة تكون بيد واحدة، أما أن تكون باليدين معاً فلا أعلم فيه شيئاً. مراد عمر من عدم تحديثه بحديث عمار رضي الله عنهما السؤال: فضيلة الشيخ! قلتم: بأن الأظهر في حديث عمار أن عمر رضي الله عنه اقتنع، ولكنه لا يحدث بذلك، فلماذا لا يحدث بذلك عن عمار؟الجواب: لأنه قال: (نوليك ما توليت)، يعني: أنه اقتنع؛ لأنه حكيت له السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، فالأظهر أنه اقتنع؛ لما لو كان ما اقتنع لما قال له: إن شئت لا أحدث، لوافقه على ذلك، لكنه قال: لا، يعني: لا أشاء أنك لا تحدث، وإنما نوليك من ذلك ما توليت، وأما عبد الله بن مسعود فقد فهم بأنه لم يقتنع بذلك، ولعله فهم كما ذكرت بأن عمر كما حصل له النسيان جوَّز على عمار الخطأ والوهم. معنى قول الحافظ في التقريب: (تمييز) السؤال: ما المقصود بقول الحافظ: (تمييز) في التقريب؟الجواب: قول الحافظ في تقريب التهذيب: (تمييز) يعني: أن هذا الشخص لا رواية له في الكتب الستة، ولكنه وافق هؤلاء الذين لهم رواية في الكتب الستة، فمن أجل أن ينبه عليه، وألا يظن ذاك الشخص الذي لا رواية له في الكتب الستة أن له رواية، يذكره، ويأتي بعده بكلمة: تمييز، يعني: ذكره ليميزه عن رواة الكتب الستة، وأنه لا رواية له في الكتب الستة، وحتى لا يلتبس بغيره. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الطهارة (90) - باب الصلوات بتيمم واحد - باب فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد بين الشرع أنه إذا عدم الماء فهناك ما ينوب عنه، وهو التيمم، وهو يقوم مقام الماء، فكما يصح فعل الصلوات بوضوء واحد فكذلك جاز فعل الصلوات بتيمم واحد؛ لأن البدل يقوم مقام المبدل منه. الصلوات بتيمم واحد شرح حديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلوات بتيمم واحد.أخبرنا عمرو بن هشام حدثنا مخلد عن سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين)].يقول النسائي رحمه الله: باب الصلوات بتيمم واحد.المقصود من هذه الترجمة: أن التيمم الواحد يصلى به صلوات متعددة إذا كان الإنسان لم يحدث بعد التيمم، فإنه يستمر على طهارته، وذلك أن التيمم رافع للحدث كالوضوء على القول الصحيح من أقوال العلماء، فمنهم من قال: إنه مبيح لا رافع، ولكن الأظهر أنه رافع، وثمرة الخلاف: أن من قال: أنه رافع فإن حكمه حكم الوضوء، فلو تيمم، واستمر ولم يحدث بعد ذلك، فإنه يصلي الصلوات المتعددة بذلك التيمم، كما يكون بالنسبة للوضوء، ومن يقول أنه مبيح، فإنه لا يصلي صلوات متعددة بتيمم واحد، بل إذا دخل الوقت فإنه يتعين عليه أن يتيمم للصلاة التي دخل وقتها، لكن الصحيح: أن التيمم رافع للحدث؛ لأنه قائم مقام الماء، فيكون رافعاً كما أن الماء رافع.وقد أورد النسائي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) فهذا هو لفظ حديث أبي ذر الذي أورده النسائي، ووجه الدلالة منه قوله: (وإن لم يجد الماء عشر سنين)، بمعنى: أنه يصلي صلوات متعددة، لكن الاستدلال بالحديث على هذا غير واضح تماماً؛ لأن المقصود من قوله: (وإن لم يجد الماء عشر سنين) معناه: أنه يتيمم ما لم يجد الماء، وله وجه لم يذكره المصنف، لكنه غير واضح؛ معناه: وإن طال الزمن، فإنه يستمر على التيمم.لكن الأظهر من كونه يصلي الصلوات الخمس، أو الصلوات المتعددة بتيمم واحد، لأنه بدل عن الماء، والبدل يقوم مقام المبدل، فيمكن أن يستمر عليه إذا لم يجد الماء، ويمكن أيضاً أن يصلي صلوات متعددة بتيمم واحد، كما أنه يصلي صلوات متعددة بوضوء واحد.وقوله عليه الصلاة والسلام: (الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين) وفي بعض روايات الحديث عند بعض الأئمة: (فإذا وجد الماء، فليتق الله وليمسه بشرته) معناه: أنه إذا وجد الماء فإنه يمسه بشرته، بمعنى: أنه يغتسل، فإن هذه الفترة الطويلة التي مضت والماء لم يأت على جسده، فإنه يبادر إلى أن يمس جسده بالماء؛ لأنه مضى عليه وقت طويل وهو لم يمس بشرته الماء، فليغتسل ليزيل ما علق به من أوساخ، وأيضاً لإزالة آثار الجنابة إذا كان عليه جنابة، وكذلك أيضاً عندما يجد الماء فإنه يتعين عليه أن يتوضأ، وينتهي مفعول التيمم؛ لأن التيمم بدل عن الماء، فإذا وجد المبدل فإنه يسقط البدل.إذاً الأصل أن التيمم يقوم مقام الماء، فمتى لم يجد الإنسان الماء يتيمم، وإن مضى وقت طويل، فلا إشكال فيه، ما دام أن المبدل غير موجود الذي هو الماء، فإن البدل الذي هو التيمم يقوم مقامه، ولم يأت ما يدل على توقيته وأنه إذا مضى كذا فالحكم يختلف، بل الذي جاء في القرآن وجاء في السنة هو أن التيمم يقوم مقام الماء عند عدم وجود الماء وهو مطلق، فالأصل فيه: أنه حكم مستمر حتى يوجد الماء. تراجم رجال إسناد حديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين) قوله: [أخبرنا عمرو بن هشام].وعمرو بن هشام هذا هو الحراني، وهو ثقة خرج له النسائي وحده.[حدثنا مخلد].ومخلد هو ابن يزيد الحراني، وهو صدوق له أوهام، فقد خرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له شيئاً.[عن سفيان].وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الإمام، المحدث، الفقيه، المشهور، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب رفيع، لم يظفر به إلا عدد قليل من المحدثين مثل: سفيان الثوري هذا، ومثل: شعبة بن الحجاج، ومثل: إسحاق بن راهويه، ومثل: البخاري، والدارقطني، وأمثال هؤلاء هم الذين ظفروا بهذا اللقب الرفيع.[عن أيوب].وهو أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن أبي قلابة].وهو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو مشهور بكنيته أبي قلابة، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن بجدان].عمرو بن بجدان قال عنه الحافظ: أنه لا يعرف حاله، وخرج له أصحاب السنن الأربعة.وقوله: (لا يعرف حاله) هكذا؛ جاء عن الإمام أحمد وعن بعض العلماء أنه قال: مجهول لا يعرف حاله، ومنهم من قال: بأنه ثقة، فقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه العجلي: أنه ثقة، وصحح حديثه الترمذي، فقال عن حديثه هذا: حديث حسن صحيح، وكذلك صححه جماعة من أهل العلم، وله شاهد من حديث أبي هريرة، فيكون عاضداً له ومؤيداً.إذاً: فالحديث ثابت، وعمرو بن بجدان منهم من وثقه، ومنهم من قال: إنه مجهول، وتصحيحه له يدل على الاحتجاج به، وممن صحح حديثه أيضاً من العلماء: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وأبو حاتم، والنووي وجماعة من أهل العلم، كما ذكر ذلك الشيخ: ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل، فإنه ذكر سبعة من العلماء صححوا هذا الحديث، وقال: إنه صحيح، وله شاهد من حديث أبي هريرة.إذاً: عمرو بن بجدان منهم من جهل حاله، وهذا قول بعض أهل العلم، وقد وثقه بعض أهل العلم، وأيضاً له شاهد يقويه، ويزيده قوة، ويصير بذلك ثابتاً.[عن أبي ذر].أبو ذر هو الغفاري، وهو مشهور بكنيته، وأشهر ما قيل في اسمه واسم أبيه أنه: جندب بن جنادة، وهو صحابي مشهور، له مائتان وواحد وثمانون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم منها على ثمانية، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بأحد عشر أو تسعة عشر حديثاً. فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد شرح حديث عائشة فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد.حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وناساً يطلبون قلادة كانت لـعائشة نسيتها في منزل نزلته، فحضرت الصلاة، وليسوا على وضوء، ولم يجدوا ماء، فصلوا بغير وضوء، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل آية التيمم، قال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيراً)].أورد النسائي رحمه الله باب: فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد، يعني: ما وجد الماء، ولا البدل من الماء الذي هو الصعيد الذي يتيمم به، وهذا هو المقصود من الترجمة، لكن فيما يتعلق بالتراب، والصعيد الذي هو: التراب، اختلف هل يتعين التيمم بالتراب وما يتصاعد منه، أم أنه يكون بجميع أجزاء الأرض سواء كان تراباً أو غير تراب؟اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إن التيمم لا يكون إلا بالصعيد وهو التراب الذي يتصاعد منه الغبار، ومنهم من قال: إن التيمم يكون بجميع أجزاء الأرض، فالإنسان إذا كان في أي مكان سواء كانت ترابية، أو حجرية، فإنه يتيمم، ولا يترك ذلك حتى يجد التراب، والذين ذهبوا إلى تخصيص ذلك بالتراب استدلوا بما جاء في بعض الأحاديث: (وجعلت تربتها لنا طهوراً) وبما جاء من ذكر الصعيد في الآية وفي بعض الأحاديث.والذين قالوا بأن التيمم يكون بجميع أجزاء الأرض سواء كانت تراباً، أو غير تراب، استدلوا على ذلك بعموم قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الخصائص الخمس التي قال فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)؛ لأنه قال: الأرض، فمعنى هذا: أن الإنسان في أي مكان من الأرض سواء كان عنده تراب، أو ليس عنده تراب فإنه يتيمم على الأرض التي هو فيها عندما يأتي وقت الصلاة، سواء كانت ترابية أو حجرية، فإنما عليه أن يضرب بيديه الأرض، ويمسح وجهه وكفيه، ولا يتعين التراب. وعلى هذا، فيكون التيمم بالتراب وغير التراب من أجزاء الأرض، كل ذلك سائغ وكل ذلك جائز، لكن الشيء الذي يمكن للإنسان هو أن يصلي على حسب حاله حيث لا يتمكن من التيمم على الأرض بأن يكون مثلاً الإنسان محبوساً، أو مصلوباً، أو ربط بسارية، ولم يتمكن من التصرف لا بالماء، ولا بالتيمم، فإنه يصلي على حسب حاله، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه) ويقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].فالحاصل: أن التيمم اختلف العلماء فيه هل يكون بالتراب أو أنه يكون بجميع أجزاء الأرض، والذي يظهر من عموم هذا الحديث الذي هو حديث الخصائص أنه يتيمم في أي جزء من أجزاء الأرض إذا حان وقت الصلاة وأراد أن يصلي؛ لأن هذا هو مقتضى قوله عليه الصلاة والسلام: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) يعني: بعد أن يتيمم.ثم أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها لما كانت في سفر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام أنها فقدت عقداً لها، وأن أسيد بن حضير الأنصاري ومعه جماعة ذهبوا يبحثون عنه، ثم إنهم أدركهم وقت الصلاة، ولم يكونوا على وضوء، ولم يكن معهم ماء، فصلوا بغير وضوء، فأنزل الله آية التيمم فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] فمحل الشاهد من إيراد النسائي للحديث: أنه نزل منزلة عدم الماء منزلة قبل مشروعية التيمم، فمن لم يتمكن من الصعيد الذي يتيمم عليه فإن حاله مثل حال من كان قبل مشروعية التيمم؛ لأنه صلى على حسب حاله، والصلاة لا تسقط، بل الصلاة متعينة، وإن لم يجد الإنسان الماء، أو لم يستطع أن يتوضأ، ولا يستطيع أن يتيمم، فالصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال، فلما كان هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم صلوا بغير وضوء، لأنه قبل ذلك لم يشرع التيمم، فكان الحال بعد فرض التيمم، وأن الإنسان إذا ما وجد الماء، ولا وجد التيمم، فإنه يكون حاله كحال هؤلاء الذين صلوا بغير وضوء قبل أن يشرع التيمم، هذا هو وجه إيراد النسائي لهذا الحديث بهذه الترجمة.والحديث ليس فيه فقد الاثنين معاً وإنما فيه أنهم فقدوا الماء، ومحل الشاهد: (وليسوا على وضوء، ولم يجدوا ماء، فصلوا بغير وضوء).قوله: (قال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيراً).قول أسيد بن حضير: (جزاك الله خيراً)، يعني: يخاطب بذلك عائشة (فإنه ما نزل أمر تكرهينه إلا وجعل الله لك وللمسلمين منه خيراً) من المعلوم: أن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: لما حصل الانحباس بسبب عقدها، وأنهم ليسوا على ماء، وعاتبها أبو بكر، ولامها، وشدد عليها، ولا شك أن هذا فيه غضاضة عليها، وهو أمر تكرهه، ولكن صارت النتيجة بعد ذلك أن فرض الله تعالى التيمم، ولهذا قال أسيد بن حضير رضي الله عنه هذا الكلام، وقال كما سبق أن مر: (ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر) يعني: بل هي مسبوقة ببركات، وحصل بسببكم خير كثير، وهنا قال: جزاك الله خيراً يا عائشة، فلا يمتنع أن يقول هذا وهذا، وذلك الخير الذي حصل هو: مشروعية التيمم وكونهم عندما يعدمون الماء، أو لا يستطيعون استعماله لمرض أو لعدم قدرة عليه، فإنهم يتيممون، والتيمم يقوم مقام الوضوء. تراجم رجال إسناد حديث عائشة فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد قوله: [حدثنا إسحاق بن إبراهيم].وهو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، المشهور بـابن راهويه، وهو محدث، فقيه، مشهور، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من الأشخاص القلائل الذين ظفروا بهذا اللقب الرفيع، والوصف العالي، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[أخبرنا أبو معاوية].أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي معاوية.[حدثنا هشام بن عروة].وهو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو عروة بن الزبير وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، الذين يأتي ذكرهم كثيراً في الأسانيد، وكثيراًيأتي ذكر عروة بن الزبير يروي عنه ابنه هشام ويروي عنه غيره.[عن عائشة].وعائشة هي خالة عروة لأن عروة هو ابن أسماء وأسماء هي أخت عائشة، وعائشة هي الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها التي روت عن النبي عليه الصلاة والسلام الشيء الكثير من الأحاديث، وهي أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ستة من الرجال وواحدة من النساء وهي: عائشة، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيوالمقصود بزوجة النبي هي عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. شرح حديث طارق بن شهاب فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أن مخارقاً أخبرهم عن طارق (أن رجلاً أجنب فلم يصل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: أصبت، فأجنب رجل آخر فتيمم وصلى، فأتاه فقال نحو ما قال للآخر، يعني: أصبت)].ذكر النسائي حديث طارق، وهو ابن شهاب ذكره بهذه الترجمة وهي: باب إذا لم يجد الماء، ولا الصعيد. أورد فيه حديث طارق بن شهاب رضي الله تعالى عنه، أنه حكى (أن رجلاً أجنب فلم يصل، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أصبت، ثم جاءه آخر وقال: إنه تيمم، فقال له: أصبت)، مثلما قال للآخر. والمقصود من ذلك: أن الذي تيمم بسبب الجنابة قاس على حالة الوضوء، والذي لم يصل لم يستعمل القياس، فكونه (لم يصل)، ليس معنى ذلك أنه ما صلى أصلاً، وإنما أخر الصلاة مثلما حصل لـعمر عندما لم يصل لما كان مع عمار، أي: أخر الصلاة، لأن عمر قال: لا أصلي حتى أجد الماء، ومعنى هذا: أنه اجتهد وأخر الصلاة، وليس معنى ذلك أنه تركها وأنها سقطت عنه، فإن الصلاة لا تسقط، ولكنه اجتهد، ورأى أنه إذا لم يجد الماء فعليه أن يؤخر الصلاة حتى يجد الماء، فكل منهما أصاب من حيث الاجتهاد وحصول الأجر، لكن الذي أصاب السنة هو الذي اجتهد وتيمم، فإن هذا أدى ما عليه، وأما الذي لم يصل، وكونه اجتهد، فهو مأجور على الاجتهاد وإن كان مخطئاً، إلا أن المجتهد المخطئ مأجور على اجتهاده، والمجتهد المصيب مأجور على اجتهاده وإصابته. تراجم رجال إسناد حديث طارق بن شهاب فيمن لم يجد الماء ولا الصعيد قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى هو الصنعاني الذي مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، خرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وأبو داود في كتاب القدر، يعني لم يخرج له في السنن.[حدثنا خالد].وهو ابن الحارث وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.[حدثنا شعبة].وشعبة هو ابن الحجاج، الثقة الثبت، الذي وصف بوصف أمير المؤمنين في الحديث، وهو أحد المحدثين القلائل الذين ظفروا بهذا الوصف الرفيع، واللقب المتميز، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن مخارق].مخارق هو ابن خليفة، وقيل: ابن عبد الله، وقيل: ابن عبد الرحمن، واختلف في اسم أبيه وهو: الأحمسي وهو ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي.[عن طارق بن شهاب].وهو أيضاً الأحمسي وهو قد رأى النبي عليه الصلاة والسلام وروايته عنه مرسلة؛ لأنه لم يسمع منه شيئاً، ومن المعلوم أن رواية صغار الصحابة محمولة على الاتصال. المياه شرح حديث (إن الماء لا ينجسه شيء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب المياه.قال الله عز وجل: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، وقال عز وجل: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال:11]، وقال تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6].أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من الجنابة، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم بفضلها، فذكرت ذلك له، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء)].أورد النسائي بعدما فرغ من الطهارة وما يتعلق بها، بدأ بهذا الباب الذي هو: كتاب المياه، وهو الذي تحصل به الطهارة الذي هو الماء، وقد أورد فيه بعض الآيات القرآنية التي فيها ذكر الماء والتطهير به، وذلك قول الله عز وجل: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، وقوله: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال:11] وقال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، فإنه ذكر الماء في هذه الآيات الثلاث، وذكر في الآيتين الأوليين حصول التطهير به، ففي الآية الأولى: أنه طهور، وفي الثانية: أنه أنزله ليطهرنا به، وفي الثالثة: أنه قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] وهذا معناه: أن التطهر بالتيمم إنما يكون عند فقد الماء الذي هو الأصل فيما يتطهر به، والتيمم إنما هو بدل عنه عند عدمه، ولهذا قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] يعني: أنه إذا وجد الماء فإنه يحصل به التطهر، ولا ينتقل إلى التيمم إلا عند عدمه، وكذلك عند عدم القدرة على استعماله.ثم أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن إحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام اغتسلت من الجنابة، فتوضأ رسول الله عليه الصلاة والسلام بفضلها، فذكرت له ذلك فقال: (إن الماء لا ينجسه شيء) بمعنى: أن كون أثر الجنابة حصلت له، وأن المرأة في حال تطهرها من الجنابة تغمس يدها فيه، فإنه لا يؤثر ذلك على الماء شيء، لأن الماء لا ينجسه شيء.وهذه الجملة التي هي قوله: (إن الماء لا ينجسه شيء)، سيأتي في الأحاديث القادمة فيما يتعلق ببئر بضاعة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام سئل عن التطهر بها، وهي يلقى فيها نتن وشيء من الجيف، ومع ذلك يتوضأ منها، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) لكن هذه الجملة، وهذه القاعدة العامة في الحديث جاء في بعض الروايات الضعيفة: (إلا ما غلب على لونه، أو طعمه، أو ريحه) وهي وإن كانت ضعيفة، إلا أن العلماء أجمعوا على معناها، وهو: أن الماء إذا تغير بالنجاسة، سواء كان تغير الطعم، أو اللون، أو الريح، فإنه يكون نجساً، ولا يجوز استعماله، وقد أجمع العلماء على ذلك، وهذا بالنسبة للكثير والقليل.أما إذا كان الماء قليلاً فإن النجاسة تؤثر فيه، وإن لم تغير له لوناً، أو طعماً، أو ريحاً، كما سبق أن عرفنا ذلك في حديث القلتين، وكما سيأتي أيضاً حديث القلتين مرة أخرى. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الماء لا ينجسه شيء) قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].سويد بن نصر هو: المروزي الذي يأتي ذكره كثيراً يروي عن عبد الله بن المبارك وهو ثقة، خرج له الترمذي، والنسائي، ولم يخرج له البخاري، ومسلم، ولا أبو داود، ولا ابن ماجه .[حدثنا عبد الله بن المبارك].عبد الله بن المبارك وهنا نسبه وكثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد غير منسوب، فيقال: أخبرنا عبد الله وحدثنا عبد الله، والمقصود به: ابن المبارك، وإن لم ينسبه، لأنه معروف بالرواية عنه، بل يقال: هو راويته، وهو مروزي أيضاً، يعني: الاثنان مروزيان: سويد بن نصر مروزي، وعبد الله بن المبارك المروزي.وعبد الله بن المبارك قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة ثبت، جواد، مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان].وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الثقة الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سماك].وهو سماك بن حرب وهو صدق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهذا الحديث من روايته عن عكرمة، لكن قد جاءت عدة أحاديث في معناه، وهي شواهد له، وهي ستأتي في الباب الذي بعد هذا، فيما يتعلق ببئر بضاعة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء).إذاً: فهذا الحديث الذي في إسناده سماك وروايته عن عكرمة خاصة فيها اضطراب، يعني: هذا الحديث مما شهد له الأحاديث الأخرى في معناه، فهو ثابت، والحكم على ثبوته ليس من هذا الحديث وحده، بل لما جاء في أحاديث أخرى، فإذاً هو ثابت، وإن كانت رواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الصلاة (91) - (باب صلاة المغرب) إلى (باب فضل صلاة الجماعة) لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم للأمة ما افترض الله عليها من الصلوات، سواء في الحضر أو في السفر، ومما بيّنه أن المغرب ثلاث ركعات في السفر والحضر، كما بيّن أوقات كل صلاة. صلاة المغرب شرح حديث ابن عمر في صلاة النبي المغرب ثلاث ركعات بجمع قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة المغرب.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: (رأيت سعيد بن جبير بجَمْعٍ أقام فصلى المغرب ثلاث ركعات، ثم أقام فصلى -يعني: العشاء- ركعتين، ثم ذكر أن ابن عمر صنع بهم مثل ذلك في ذلك المكان، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك في ذلك المكان)].يقول النسائي رحمه الله: باب صلاة المغرب وأنها ثلاث ركعات، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بجمع، وهي المزدلفة المغرب ثلاث ركعات: (فقام وصلى المغرب ثلاث ركعات، ثم أقام وصلى العشاء ركعتين)، والمقصود من ذلك: أن الحديث اشتمل على أن المغرب ثلاث ركعات، وذكر سعيد بن جبير -الراوي عن عبد الله بن عمر- أن عبد الله بن عمر فعل في هذا المكان هذه الصلاة التي هي المغرب ثلاثاً، وبعدها العشاء ركعتين جمعاً وقصراً للعشاء، وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام فعل في ذلك المكان، يعني: هذا العمل الذي هو الجمع مع القصر للعشاء، وأن المغرب على ما هي عليه في الحضر والسفر لا تقصر؛ لأنها وتر النهار، ولا يدخلها القصر، بل هي ثلاث ركعات، والرباعية هي التي تقصر وترجع إلى اثنتين بالقصر كما سبق أن مر ذلك في الأحاديث الماضية.وقبل أن نتكلم على إسناد الحديث نشير إلى رجل سبق أن مر في الأحاديث القريبة، وهو الوليد بن مسلم ذكرت، فيما مضى أنه الوليد بن مسلم الدمشقي، وهذا خطأ، وإنما هو الوليد بن مسلم بن شهاب العنبري البصري، وهو ثقة خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأبو داود والنسائي، هذا هو الراوي في الإسنادين الماضيين اللذين في أحدهما الوليد بن مسلم، وفي ثانيهما الوليد أبي بشر، فهو الوليد بن مسلم وكنيته أبو بشر، وأما الوليد بن مسلم الدمشقي فكنيته أبو العباس وهو ليس هذا، وما قلته فيما مضى هو خطأ، والصواب: أنه الوليد بن مسلم بن شهاب العنبري البصري. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة النبي المغرب ثلاث ركعات بجمع قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى هو: الصنعاني، الذي يأتي ذكره كثيراً، يروي عن خالد بن الحارث، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له البخاري، ولا أبو داود في كتاب السنن، وإنما خرج له في كتاب القدر.[حدثنا خالد بن الحارث].شيخ محمد الصنعاني الذي يروي عنه في هذا الإسناد وفي أسانيد كثيرة مضت، فهو ثقة أيضاً، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وشعبة هو ابن الحجاج، الثقة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف رفيع، ولقب عال لم يظفر به إلا عدد قليل من المحدثين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سلمة بن كهيل].سلمة بن كهيل هو الحضرمي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه الجماعة؛ أصحاب الكتب الستة.[رأيت سعيد بن جبير الكوفي].وهو ثقة، ثبت، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أن ابن عمر ].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وهو أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، فإذا قيل العبادلة الأربعة، فالمراد بهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وممن يسمى عبد الله في الصحابة كثير، فإذا أطلق لفظ العبادلة فالمراد بهم هؤلاء الأربعة الذين هم من صغار الصحابة، والذين عاشوا واستفاد الناس من علمهم وحديثهم، وعبد الله بن عمر أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين قال فيهم السيوطي في ألفيته:والمكثرو� � في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي فضل صلاة العشاء شرح حديث: (أعتم رسول الله بالعشاء حتى ناداه عمر: نام النساء والصبيان...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل صلاة العشاء.أخبرنا نصر بن علي بن نصر عن عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر رضي الله عنه: نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه ليس أحد يصلي هذه الصلاة غيركم، ولم يكن يومئذ أحد يصلي غير أهل المدينة)].أورد النسائي: باب فضل صلاة العشاء، وأورد فيه حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام أعتم بصلاة العشاء، يعني: أخرها عن أول وقتها، وهذا هو الإعتام، ويأتي في بعض الأحاديث إطلاق العتمة عليها؛ لأنها تؤخر، والرسول عليه الصلاة والسلام أخر العشاء حتى ناداه عمر وقال: (نام النساء والصبيان)، وهو يشير بذلك إلى الرغبة في أدائها، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (ليس أحد يصلي هذه الصلاة غيركم).وليس أحد يصلي غير أهل المدينة، والمقصود من فضلها أنها إذا أخرت فإن من كان في انتظارها فهو في صلاة ما دام ينتظرها، والرسول عليه الصلاة والسلام بين في بعض الروايات أنه لولا المشقة لأخرها، فدل هذا على فضلها، وأن انتظارها فيه أجر عظيم؛ لأن منتظر الصلاة هو في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، وتأخير صلاة العشاء مستحب إذا لم يترتب عليه مضرة، وإلا فإن الصلوات في أول وقتها أفضل، والرسول صلى الله عليه وسلم بين أن تأخير صلاة العشاء أفضل لولا ما يترتب عليه من المضرة بالتأخير على بعض الناس الذين يحتاجون إلى النوم والذين يغلبهم النوم. تراجم رجال إسناد حديث: (أعتم رسول الله بالعشاء حتى ناداه عمر: نام النساء والصبيان...) قوله: [أخبرنا نصر بن علي بن نصر بن علي].اسمه واسم أبيه مكرر مع اسم جده وجد أبيه؛ لأن جده أيضاً هو نصر بن علي، لكن إذا قيل: نصر بن علي بن نصر تبين بأنه الحفيد، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الأعلى].هو ابن عبد الأعلى، واسمه مثل اسم أبيه، عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة، وخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.[حدثنا معمر].هو معمر بن راشد الأزدي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده زهرة بن كلاب، وكلاب هو الذي يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقال له: الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب، وهنا قال: الزهري، وهو محمد بن مسلم، وهو محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عروة].هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، والذين هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: إنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وأما عروة بن الزبير فهو أحد الفقهاء السبعة باتفاق؛ لأنه لا خلاف في عده في الفقهاء السبعة.قوله: [عن عائشة رضي الله عنها].وهي: خالته؛ لأن عروة بن الزبير هو ابن أسماء بنت أبي بكر، وعائشة خالته، وهو يروي عن خالته رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي: الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى، وهي من أوعية العلم، وروت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هي الوحيدة من النساء التي هي ضمن السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم ستة رجال وواحدة من النساء، وهم الذين ذكرتهم في بيتي السيوطي عند ذكر ابن عمر.والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيوزوجة النبي هي: عائشة، فهي الوحيدة من النساء التي عُرفت بكثرة الحديث، وأما الرجال، فالستة الذين ذكرهم السيوطي في البيتين هم من المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. صلاة العشاء في السفر شرح حديث ابن عمر في صلاة النبي العشاء ركعتين بجمع قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة العشاء في السفر.أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة أخبرني الحكم قال: (صلى بنا سعيد بن جبير بجمع المغرب ثلاثاً بإقامة، ثم سلم، ثم صلى العشاء ركعتين، ثم ذكر أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما فعل ذلك، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك)].وهنا ذكر النسائي باب صلاة العشاء في السفر، يعني: وأنها ركعتان تقصر، فقد أورد فيه حديث عبد الله بن عمر الذي مر قريباً، لكنه أورده من طريق أخرى، وفيه: أن ابن عمر صلى المغرب ثلاثاً بإقامة، وصلى بعدها العشاء، فقام وصلى العشاء ركعتين، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وهذا يعني: إضافة الحديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وابن عمر فعل كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث جمع في المزدلفة بأذان واحد وإقامتين، وقصر الرباعية التي هي العشاء، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث؛ صلاة العشاء في السفر، أي: أنها ركعتان تقصر، حيث قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في المزدلفة وهو مسافر، وصلاها ركعتين قصراً، مع جمعها مع المغرب بأذان واحد وإقامتين. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة النبي العشاء ركعتين بجمع قوله: [أخبرنا عمرو بن يزيد].وهو الجرمي، وهو صدوق، خرج له النسائي وحده.[حدثنا بهز بن أسد].وهو بهز بن أسد العمي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وهو ابن الحجاج، وقد مر ذكره قريباً.[أخبرني الحكم].وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[صلى بنا سعيد بن جبير ... أن عبد الله بن عمر].وقد مر ذكرهما. حديث ابن عمر في صلاة النبي العشاء ركعتين بجمع من طريق أخرى وبيان ما في إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة حدثنا سلمة بن كهيل سمعت سعيد بن جبير قال: (رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما صلى بجمع، فأقام فصلى المغرب ثلاثاً، ثم صلى العشاء ركعتين، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في هذا المكان)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله في معناه، وكذلك في إسناده إلا في الحكم بن عتيبة فإنه جاء بدله سلمة بن كهيل، وسلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي هو الذي مر ذكره قريباً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وأما بقية رجاله فهم رجال الإسناد المتقدم، فـعمرو بن يزيد يروي عن بهز بن أسد العمي عن شعبة، ثم بعد ذلك سعيد بن جبير، وعبد الله بن عمر، والفرق بين الإسنادين إنما هو بـالحكم بن عتيبة في الإسناد الأول، وسلمة بن كهيل في الإسناد الثاني. فضل صلاة الجماعة شرح حديث: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فضل صلاة الجماعة.أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب فضل صلاة الجماعة، وفي بعض النسخ باب فضل صلاة الفجر، والأقرب أنها الفجر، وليست الجماعة؛ لأن الجماعة سيأتي لها أبواب تخصها، وهنا في هذا الكتاب الذي معنا، وفي هذه الأبواب ذكر الصلاة كلها إلا صلاة الفجر فإنه بدأ بالظهر، ثم أتى بالعصر، ثم أتى بالمغرب، ثم أتى بالعشاء، ثم الفجر، ولهذا في بعض النسخ: الفجر بدل الجماعة، وهي أقرب؛ لأن هذا مقتضى هذه الأبواب المتعددة التي شملت الصلوات كلها.فإذاً: الفجر هي واحدة منها.وإذا لم يكن هذا الباب لصلاة الفجر معناه أنها أهملت صلاة الفجر من بين الصلوات. ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون)، وهو يدل على صلاة الجماعة، ويدل على صلاة الفجر؛ لأن قوله: (ويجتمعون في صلاة العصر والفجر) يتعلق بصلاة الفجر، ويدل على فضلها؛ وذلك لأن الملائكة الذين يعرجون والذين ينزلون يجتمعون في هاتين الصلاتين، يلتقي القادمون، والذاهبون، والعارجون، فهذا يدل على فضل صلاة الفجر وعلى عظم شأنها.قوله: (يتعاقبون)، قيل: إن هذه الواو هي المعروفة بالكلمة المشهورة عند أهل اللغة لغة: أكلوني البراغيث؛ لأنه يجمع بين الضمير والاسم الظاهر، مع أنه إذا جاء الاسم الظاهر يغني عن الضمير، ووجهوا ذلك بعدة توجيهات منها: (يتعاقبون)، ثم جاء البيان بقوله: (ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)، وقيل: إن الملائكة بدل من يتعاقبون، وأن الفاعل في يتعاقبون، وقيل: إنها على لغة: أكلوني البراغيث، والتي يجمع فيها بين الضمير وبين الاسم الظاهر.وجاء في بعض الروايات: (إن لله ملائكة يتعاقبون؛ ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)، وعلى هذا يكون كأن فيه رواية بالمعنى.ومن أمثلة ذلك في القرآن: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الذين ظلموا [طه:62]، فإن في هذا جمع بين الضمير والاسم الظاهر، وهذا يوضح أن ما جاء في الحديث مطابق لما جاء في الآية من ذكر الضمير والاسم الظاهر. تراجم رجال إسناد حديث: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار...) قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي الزناد].وهو عبد الله بن ذكوان، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وأبو الزناد هو لقب له على صيغة الكنية.[عن الأعرج].وهو عبد الرحمن بن هرمز، مشهور بلقبه الأعرج، ويأتي ذكره باسمه أحياناً، ولكنه يأتي كثيراً باللقب الذي هو الأعرج؛ لأنه مشتهر به، وسبق أن ذكرت فيما مضى أن فائدة معرفة ألقاب المحدثين حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما لو ذكر مرة بلقبه ومرة باسمه، فإن من لا يعرف يظن أن الأعرج غير عبد الرحمن بن هرمز وذلك إذا جاء هذا في إسناد وهذا في إسناد، ولكن من يعرف لا يلتبس عليه الأمر، يعرف أن هذا هو هذا، ذكر أحياناً بلقبه وأحياناً باسمه ونسبه، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة رضي الله عنه].صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً. شرح حديث: (تفضل صلاة الجمع على صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تفضل صلاة الجمع على صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءاً، ويجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر، واقرءوا إن شئتم: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78])].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه اجتماع الملائكة في صلاة الفجر، وهنا الاقتصار على صلاة الفجر، وتلا الآية: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، يعني: القراءة في صلاة الفجر، وأنهم يشهدون هذه الصلاة التي تطول فيها القراءة، ونص عليها في القرآن: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، يعني: تشهده الملائكة، والقرآن المراد به القراءة، والتنصيص على صلاة الفجر وحدها يوضح أن الترجمة معقودة لفضل صلاة الفجر، وإن كان يدل على فضل صلاة الجماعة كما جاء في أوله: (تفضل صلاة الجمع على صلاة المنفرد بخمسة وعشرين جزءاً، ويجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر، واقرءوا إن شئتم: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78])، فهو يدل على أن الترجمة لصلاة الفجر، وليس فيه ذكر العصر، وقد جاء في الرواية الأخرى أن الاجتماع يكون في الفجر وفي العصر. تراجم رجال إسناد حديث: (تفضل صلاة الجمع على صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءاً...) قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].كثير بن عبيد وهو: الحمصي، وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، يعني: خرج له أصحاب السنن إلا الترمذي، ولم يخرج له الشيخان البخاري، ومسلم.[حدثنا محمد بن حرب].هو الخولاني الحمصي أيضاً، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزبيدي].وهو محمد بن الوليد الحمصي أيضاً، وهو ثقة، ثبت، من أكبر أصحاب الزهري، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [عن الزهري].وقد تقدم ذكره.[عن سعيد بن المسيب].وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين، والذين ذكرتهم قريباً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وقد تقدم ذكره. شرح حديث: (لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي ويعقوب بن إبراهيم قالا: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل حدثني أبو بكر بن عمارة بن رويبة عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب)].أورد النسائي حديث عمارة بن رويبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب)، والمقصود من ذلك قوله: (قبل طلوع الشمس) وهي: الفجر، والحديث سبق أن مر في فضل صلاة العصر، وهذا يوضح أن الترجمة هي لصلاة الفجر؛ لأن هذا الحديث نفسه سبق أن مر إيراده للاستدلال به على فضل صلاة العصر، وهنا جاء في فضل صلاة الفجر، والمقصود منه قوله: (قبل طلوع الشمس) التي هي الفجر؛ لأن المقصود بالصلاة قبل غروبها العصر، وقبل طلوعها الفجر، وهو يوضح أيضاً أن الأقرب، والأولى أن الباب هو باب صلاة الفجر كما ذكرته. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب) قوله: [أخبرنا عمرو بن علي ويعقوب بن إبراهيم].عمرو بن علي هو الفلاس، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويعقوب بن إبراهيم، هو الدورقي، وهو ثقة، وحديثه أيضاً عند أصحاب الكتاب الستة.[قالا: حدثنا يحيى بن سعيد].يحيى بن سعيد هو القطان، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن إسماعيل].إسماعيل هو ابن أبي خالد، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[حدثني أبو بكر بن عمارة].هو أبو بكر بن عمارة بن رويبة، وهو مقبول، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.[عن أبيه].أبوه عمارة بن رويبة صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، يعني: بالإضافة إلى الذين خرجوا لابنه خرج له الترمذي. الأسئلة حكم الحديث الذي يسكت عنه الحافظ في الفتح السؤال: ما حكم ما سكت عنه ابن حجر في الفتح؟ وهل صرح بشرطه في ذلك؟الجواب: نعم، أشار إلى هذا في أول الفتح، أو في المقدمة؛ أن ما يورده للاحتجاج ويسكت عليه فإنه لا يقل عن الحسن. ترك صورة الصليب الموجود على السيارة السؤال: يوجد في مقدمة بعض السيارات الصليب واضحاً كاللواء، فما هو حكم ترك هذا الصليب على تلك السيارات؟الجواب : إذا كان الصليب واضحاً فلا يجوز تركه وإبقاؤه، ولكن ليس كل ما يظن أنه صليب هو صليب؛ لأن بعض الناس يظن أن كل خطين متقاطعين -مثل علامة زائد في الحساب- صليب، وهذا ليس بصحيح، يعني: استعمال مثل هذا لا يقال له: صليب، وإنما الصليب له هيئة معينة، وهي: أنه له أطراف أربعة، والطرف الأعلى هو أقصرها، والطرفان الأيمن والأيسر أقصر منه، والأسفل أطول، وأطرافها مدببة، يعني: أطراف هذه الرءوس مدببة.فليس كل ما يظن أنه صليب هو صليب، وليس كل خطين متقاطعين يقال له: صليب، وإذا كان على هيئة الصليب الواضح البين فلا يجوز إبقاؤه وتركه. المعنى الذي من أجله صار أبو الزناد لقباً وليس كنية السؤال: يا شيخنا! ذكرتم أن أبا الزناد لقب لـعبد الله بن ذكوان، وأهل اللغة يعرفون اللقب بأنه ما أشعر بذم أو مدح، والكنية ما تصدر بأب أو أم، فهل أبو الزناد أشعر بالذم أو بالمدح، أم أن هذا يخرج من القاعدة؟الجواب: ما أدري هل فيه مدح أو ذم، لأنه كما هو معلوم الألقاب بعضها يكرهها صاحبها ويشعر بنقص، وبعضها مدح، وهذا هو لقب على صيغة الكنية وليس بكنية. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول السؤال: هل نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؟الجواب: التشهد الأول يخفف، والتشهد الأخير هو الذي يطول ويصلى فيه على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الإنسان إذا تأخر الإمام وأنهى الإنسان التشهد فله أن يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام. موضع سكن أهل الصفة السؤال: من هم أصحاب الصفة؟ هل كانوا يسكنون في المسجد النبوي أم خارجه؟الجواب: كانوا يسكنون في المسجد، يعني: في حجرة متصلة بالمسجد، يعني: كحجر الرسول عليه الصلاة والسلام.وليس الناس في حاجة إلى معرفة هذا المكان وتعيينه. حكم النوم في المسجد السؤال: ما حكم النوم في المسجد؟الجواب: النوم في المسجد جائز، ولكن لا يتخذ مسكناً، وإنما النوم به سائغ، وحديث علي رضي الله عنه في قصة تلقيبه بـأبي تراب دليل على ذلك، وهذا أيضاً لقب، أي: أبو تراب لقبه الرسول بـأبي تراب، وهو بلفظ الكنية، وكنيته أبو الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فكان يحب ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (قم أبا تراب)، وكان نائماً في المسجد، وقد حصل له العرق، وعلق التراب بجسده رضي الله عنه وأرضاه عندما حصل بينه وبين فاطمة شيء من الكلام، فحصل أن غضب وخرج ونام في المسجد، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يسأل فاطمة، وقالت: إنه خرج، فذهب ووجده في المسجد نائماً، وإذا التراب قد علق في جسده، وقال له: (قم أبا تراب قم أبا تراب)، فالنوم في المسجد إذاً جائز، سواء كان معتكفاً، أو كان غير معتكف؛ لأن علياً رضي الله عنه نام هذه النومة التي نامها وليس بمعتكف. المحارم اللاتي يجوز مصافحتهن السؤال: من المحارم اللائي تجوز لنا مصافحتهن، ومن اللائي تحرم علينا مصافحتهن؟الجواب : المحارم اللاتي تحل مصافحتهن، وغيرهن لا تحل مصافحتهن، هن من تحرمن عليه على التأبيد: بنسب أو سبب مباح، فهذا هو المحرم.إذاً: المحرم للمرأة الذي له أن يسافر بها وتكشف له، ويصافحها هي التي تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، فإذا كانت الحرمة ليست على التأبيد، وإنما هي مؤقتة، كأخت الزوجة فليس بمحرم لها؛ لأن الرجل لا يجوز له أن ينكح أخت زوجته ما دامت أختها في عصمته، ولو طلقها، وخرجت العدة فله أن يتزوج أختها، فهي حرمة ليست على التأبيد، وإنما هي مؤقتة، وكذلك عمة المرأة وخالتها، يعني: اللاتي لا يجمع بينهن في النكاح فهذه حرمة مؤقتة وليست مؤبدة.وقولنا: بنسب كأخت وخالة وعمة، وقولنا: أو سبب كالرضاع والمصاهرة، وهن خمس عشرة من النساء، جاء ذكرها في القرآن في آية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]، وقبلها: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22]، والآية التي بعدها: وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]، يعني: هؤلاء هن اللاتي يحرم على الإنسان نكاحهن، ومن المعلوم أن المحصنات من النساء من المحارم التي يحرم على الإنسان أن يتزوجها، وإلا فهي أجنبية، ولكن لا يتزوجها وهي ذات زوج؛ لأن المزوجة لا تتزوج، فيحرم على الإنسان أن يتزوج مزوجة، فهؤلاء المحارم بسبب النسب أو المصاهرة أو الرضاع -الأسباب الثلاثة- ومنها ما هو من المحارم، ومنها ما ليس من المحارم. نسبة تصحيح الحديث إلى ابن خزيمة بمجرد إخراجه للحديث في صحيحه السؤال: هل يكفي مجرد إخراج ابن خزيمة الحديث في صحيحه يقال: صححه ابن خزيمة، أم لابد أن يصرح فيه بالتصحيح؟الجواب : لا يحتاج إلى أن يصرح بالتصحيح؛ لأنه ما يصرح بالتصحيح، والكتاب اسمه الصحيح، لكنه أحياناً يقول: (إن صح الخبر)، يعني: يتردد، فإذا كان في صحيحه يقال: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه. رأي الشيخ العباد في السيوطي وكتبه السؤال: فضيلة الشيخ! وفقكم الله ورعاكم، ما رأيكم في الحافظ السيوطي ومؤلفاته؟الجواب : السيوطي جَمّاع، يعني: صاحب جمع وعناية في الجمع، ومؤلفاته كثيرة، وعنده أمور منكرة، يعني: في بعض مؤلفاته، وغالبها فائدتها كبيرة، والذي فيه عليه مؤاخذات وفيه أغلاط من ذلك، ما جاء عنه في كتابه الحاوي للفتاوي -هذا الكتاب الحاوي فيه أشياء طيبة وأشياء غير طيبة، ومن ذلك قوله أو ما جاء عنه- أن الله أحيا أبوي الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهما آمنا به، فصارا مسلمين، ومعلوم أنه ما ثبت في ذلك شيء أصلاً، وكتبه كثيرة جداً، وغالبها سليمة. صحة القول بأن السيوطي قبوري السؤال: هل السيوطي قبوري؟الجواب: لا أعرف، وما أتذكر عنه شيئاً حول مسألة القبور، أو كلامه فيها، أو كونه من الذين عندهم غلو أو مخالفات. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الصلاة (92) - (باب فرض القبلة) إلى (باب استبانة الخطأ بعد الاجتهاد) لقد كان الصحابة أشد الناس امتثالاً واتباعاً لما جاء عن الرسول الكريم، وتجلى ذلك عند تحولهم من جهة بيت المقدس إلى جهة الكعبة وهم في الصلاة حين أخبروا بأن القبلة قد حولت، واستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، ومن اليسر الذي جاءت به الشريعة جواز التنفل على الراحلة في السفر وعدم استقبال القبلة في السنن والرواتب خلافاً للفرائض. فرض القبلة شرح حديث البراء في صرف النبي إلى القبلة بعد صلاته نحو بيت المقدس لأشهر قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فرض القبلة.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان حدثنا أبو إسحاق عن البراء رضي الله عنهما قال: (صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، شك سفيان، وصرف إلى القبلة)].يقول النسائي رحمه الله: باب: فرض القبلة، المقصود من ذلك: هو إيجاب استقبال الكعبة المشرفة، التي وجه إليها النبي صلى الله عليه وسلم بعدما قدم المدينة، وكان عليه الصلاة والسلام، لما فرضت عليه الصلوات الخمس بمكة قبل الهجرة بثلاث سنوات يصلي إلى بيت المقدس، ثم لما هاجر إلى المدينة صلى سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً، ثم إنه حول وصرف إلى الكعبة المشرفة.وقد أورد النسائي في ذلك حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام لما هاجر إلى المدينة، صلى إلى بيت المقدس نحواً من ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ثم إنه صرف إلى الكعبة المشرفة فاستقبلها، وصارت هي قبلة المسلمين التي حولوا إليها بعد أن كانوا قبل ذلك يتجهون إلى بيت المقدس، وصارت الكعبة المشرفة في مكة المكرمة هي قبلة المسلمين يستقبلها الناس من كل مكان، فالذين هم عندها يستديرون حولها، والذين هم في أقطار الأرض يتجهون إليها. تراجم رجال إسناد حديث البراء في صرف النبي إلى القبلة بعد صلاته نحو بيت المقدس لأشهر قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].ومحمد بن بشار، هو الملقب بـبندار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري؛ لأن وفاته قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، حيث توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.[حدثنا يحيى بن سعيد].وهو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، القدوة، الذي هو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وسبق أن ذكرت الكلمة التي قالها الذهبي عنه وعن عبد الرحمن بن مهدي: أنهما إذا اجتمعا على جرح شخص، فهو لا يكاد يندمل جرحه، يعني: أنهما يصيبان الهدف، وأن كلامهما معتبر، ولا يكاد يخطئ، بل هما مصيبان إذا اتفقا على جرح شخص، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سفيان].وسفيان هنا مهمل غير منسوب، وهذا يسمى عند المحدثين في أنواع علوم الحديث المهمل، أي: الذي يذكر اسمه ولا يذكر نسبه ولا اسم أبيه، أو يذكر اسمه واسم أبيه، ولكن يشترك معه أشخاص في الاسم واسم الأب ويفترقون فيما وراء ذلك، هذا يسمى المهمل، ومعرفة تمييز المهمل ونسبته تعرف: بالتلاميذ والشيوخ بكون الإنسان مكثراً عنه إذا اتفق في الأخذ عنه، فينظر من له به اختصاص ومن له ميزة، وهنا سفيان يحتمل: ابن عيينة ويحتمل: الثوري، ويحيى بن سعيد القطان روى عن سفيان بن عيينة، وعن سفيان الثوري كليهما، وأبو إسحاق السبيعي روى عنه السفيانان: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، فروى السفيانان عن أبي إسحاق السبيعي، وروى يحيى القطان عن السفيانين.وإذاً: فكيف يميز أحدهما وقد اتفقا في أن يحيى القطان أخذ عنهما، وأنهما أخذا عن أبي إسحاق السبيعي؟ ينظر لمن له اختصاص من حيث القرب والاتصال.فإذا نظرنا إلى الثوري وجدنا أنه كوفي، ووجدنا أن أبا إسحاق السبيعي كوفي، ويحيى القطان بصري، والبصرة قريبة من الكوفة، وشيخ سفيان في الإسناد هو أبو إسحاق السبيعي وهو كوفي، وسفيان بن عيينة مكي، معنى هذا: أن يحيى بن سعيد القطان يروي عن سفيان في حال سفر، وأما بالنسبة للثوري فإنه عنده؛ لأن البصرة قريبة من الكوفة، ثم أيضاً من ناحية أن سفيان الثوري هو من أهل الكوفة، وشيخه أبو إسحاق السبيعي من أهل الكوفة، فإذاً: الأقرب أن يكون سفيان الثوري، لكن كما عرفنا: إذا تردد الأمر بين شخصين وهما ثقتان فلا يؤثر لو جهل تعيين أحدهما فإن الإسناد صحيح، سواء كان هو هذا أو هذا؛ لأن كلاً من السفيانين من الثقات الأثبات الأجلاء، لكن من حيث الاحتمال الأقرب، وقد اتفقا في أن القطان أخذ عنهما، وأنهما أخذا عن أبي إسحاق السبيعي، يكون من كان من أهل البلد أو قريباً من البلد أولى، فإذاً: الأولى أن يكون سفيان الثوري وهو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الثقة، المحدث، الفقيه، وهو ممن وصف بأمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب رفيع، لم يظفر به إلا عدد قليل من المحدثين، منهم: سفيان الثوري، وسفيان الثوري خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو إسحاق].هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، الهمداني نسبة عامة والسبيعي نسبة خاصة؛ لأن سبيع بطن من همدان، ولكنه مشهور بالنسبة الخاصة: أبو إسحاق السبيعي، وهو ثقة يدلس، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[عن البراء].وهو البراء بن عازب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن أبيه؛ لأنه صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وقد قال في آخر الحديث: شك سفيان، الذي قلنا: إن الأرجح أن يكون الثوري، هو الذي شك وتردد بين سبعة عشر أو ستة عشر، يعني: المدة التي صلاها رسول الله عليه الصلاة والسلام والمسلمون معه بعدما هاجروا إلى المدينة إلى بيت المقدس، وبعدها حولوا إلى الكعبة المشرفة. شرح حديث البراء في صرف النبي إلى القبلة بعد صلاته نحو بيت المقدس لأشهر من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم إنه وجه إلى الكعبة، فمر رجل قد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من الأنصار، فقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجه إلى الكعبة، فانحرفوا إلى الكعبة)].أورد النسائي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، ولكن لا يوجد شك بين الستة عشر والسبعة عشر شهراً وإنما هي ستة عشر، وهذا من طريق أبي إسحاق السبيعي، لكن من غير طريق سفيان، وإنما من طريق زكريا بن أبي زائدة الكوفي، ففيه الجزم بأنها ستة عشر شهراً، فهذا يقوي أحد الاحتمالين اللذين شك فيهما سفيان، وهو الستة عشر شهراً.ثم ذكر في آخر الحديث أنه ذهب رجل إلى جماعة من الأنصار وهم يصلون، فأخبرهم بأن النبي عليه الصلاة والسلام أنزل عليه القرآن وأنه وجه إلى الكعبة، فانحرفوا إلى جهة الكعبة وهم في صلاتهم، فكانوا ابتدءوها إلى جهة بيت المقدس، وأكملوها إلى جهة الكعبة؛ وذلك باستدارتهم من جهة الشمال إلى جهة الجنوب، والإمام كما هو معلوم كان في جهة الشمال، ولا شك أنه اتجه وخرق الصف وتقدمهم، وأكمل بهم الصلاة إلى جهة الكعبة، وهذا يدل على أن فعلهم الذي فعلوه من كونهم استداروا واتجهوا إلى الكعبة، يدل على سرعة امتثالهم واتباعهم لما جاء عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن قيامهم بذلك، إنما حصل بعد تحققهم من حصول ذلك الخبر بواسطة ذلك الشخص الذي جاء وأخبرهم. وفيه دليل على الأخذ بأخبار الآحاد، وأن الشخص الواحد إذا أخبر بخبر، أو حدث بحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه يعتمد ويعول عليه، وكان هذا في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه علم بذلك، وأنه قد أقره، فحصول ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام، وبفعل أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، يدل على اعتبار خبر الواحد وقبوله، وأنه حجة يعول عليه؛ لأن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قبلوا خبره واتجهوا إلى الكعبة، وكانوا قبل ذلك في أول صلاتهم متجهين إلى بيت المقدس.وفيه دليل على أنه إذا جاء الحكم الشرعي فإنه يعتبر بعد العلم به وليس قبل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى وهم صلوا متجهين إلى بيت المقدس بعدما حصل النسخ، لكنهم ما علموا إلا في أثناء الصلاة، ومن أجل ذلك استداروا، فكان جزء من صلاتهم التي كان أولها إلى بيت المقدس، ولكنه بعدما حصل النسخ، لكن علمهم بالناسخ هو الذي تأخر، فهذا يدل على أن الذي أخذ بالمنسوخ وعمل به، ثم جاء الناسخ؛ فإنه معذور في عدم عمله بالناسخ بعد ثبوته وقبل علمه، أي: علم ذلك الشخص الذي بلغه الخبر فاستدار إلى الكعبة، ولو كان الأخذ بالمنسوخ أو الأخذ بالناسخ من حيث ثبوته، لكان عليهم أن يعيدوا الصلوات التي صلوها قبل ذلك، وأن يستأنفوا تلك الصلاة التي هم في آخرها، لكن لما استداروا في آخرها، وكان أولها إلى بيت المقدس، وكان النسخ قد حصل قبل صلاتهم، دل ذلك على أن المعتبر هو وقت علمهم بالناسخ. تراجم رجال إسناد حديث البراء في صرف النبي إلى القبلة بعد صلاته نحو بيت المقدس لأشهر من طريق أخرى قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية، أبوه إسماعيل وهو المشهور بـابن علية؛ لأن هذا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، والمعروف بـابن علية وهو إسماعيل، يعني: معروف بنسبته إلى أمه، يقال له: ابن علية، وهو مشهور بهذه النسبة، فابنه هذا هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم. ومحمد هذا ثقة خرج له النسائي وحده، لكن هناك شخص آخر ابن لـإسماعيل، وهو سيئ وجهمي ومنحرف عن مذهب أهل السنة، وهو: إبراهيم بن إسماعيل، ذاك لما ترجم له الذهبي في الميزان قال: جهمي هالك، وهو الذي عرف بالشذوذ في مسائل الفقه، حيث يقال: قال فيها ابن علية، وليس المقصود ابن علية الذي هو الأب؛ الذي هو إسماعيل؛ فهو إمام من أئمة أهل السنة، ثقة، ثبت، وأما الذي يقال له: ابن علية، وله في مسائل الفقه شذوذ، فهو إبراهيم بن إسماعيل أخو محمد هذا الذي معنا.ومن المسائل التي شذ فيها هو وأبو بكر الأصم، أن الإجارة حرام لا تجوز. وكيف يستغنى عن الإجارة؟ ما أحد يستغني عن الإجارة أبداً؛ لأن الإنسان يحتاج إلى الناس، والناس ما يقومون ببذل ما عندهم بالمجان. والقرآن جاء أيضاً في شرع من قبلنا في قصة الخضر وموسى: قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا [الكهف:77]، وجاء في السنة في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله، وكذلك المسلمون اتفقوا عليها، ولم يخالف فيها إلا ابن علية الجهمي، وأبو بكر الأصم المعتزلي، وهما من أهل البدع، فقد أنكرا الإجارة وقالا: إنها لا تصح ولا تجوز، وهذا شذوذ واضح.[حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق].إسحاق بن يوسف الأزرق، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن زكريا بن أبي زائدة].هو زكريا بن أبي زائدة الهمداني الوادعي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتبة الستة.[عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب].وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا. الحال التي يجوز فيها استقبال غير القبلة شرح حديث ابن عمر في تسبيح النبي ووتره على راحلته أنى اتجهت به قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الحال التي يجوز فيها استقبال غير القبلة.أخبرنا عيسى بن حماد زغبة وأحمد بن عمرو بن السرح والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قِبَل أيِّ وجهٍ تتوجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة)].يقول النسائي رحمه الله: باب: الحال التي يجوز فيها استقبال غير القبلة، يعني: كون الإنسان يصلي إلى غير جهة الكعبة، والمقصود منه هو: لما ذكر أن استقبال الكعبة فرض، وأنه واجب؛ وأن الناس يستقبلون القبلة، لكن جاءت السنة ببعض الحالات التي يجوز فيها استقبال غير القبلة، فأورد النسائي في ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسبح على الراحلة قبل أي وجه تتوجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة)، يعني: على الراحلة، ويتجه إلى غير القبلة، فدل هذا الحديث على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتنفل، وهو على راحلته، ويسبح بمعنى يتنفل؛ لأن السبحة هي صلاة النافلة، ولهذا جاء في أثر ابن عمر: (لو كنت مسبحاً لأتممت) يعني: بدلاً ما أصلي ركعتين في السفر أصلي أربعاً.ثم أيضاً قضية الصلاة في مزدلفة، فإنه لم يسبح بين المغرب والعشاء، يعني: التسبيح هو النافلة، وجاء في بعض الأحاديث: سبحة الضحى، يعني: نافلة الضحى، فالسبحة هي النافلة، والتسبيح هو صلاة النافلة، هو يسبح يعني: يصلي النافلة، هذا هو المقصود بالتسبيح هنا، (كان يسبح على راحلته أينما توجهت)، يعني: في النوافل، وهذا فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتنفل في سفره النوافل المطلقة، وكان يستقبل غير الكعبة، لكن جاء في بعض الأحاديث: أنه في البداية يتجه إلى الكعبة، ثم يتجه إلى الجهة التي هو متجه إليها، ويصلي أينما توجهت راحلته على وجهتها، هذه هي السنة التي جاءت في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.ثم كان يسبح ويوتر، يعني: ويصلي الوتر عليها، أما الفريضة فإنه كان ينزل، إذا جاء الفرض نزل وصلى، ولهذا جاء في الحديث: (غير أنه لا يصلي عليها الفريضة)، يعني: على راحلته، وإنما ينزل بالأرض، ويصلي متجهاً إلى القبلة، وهذا مما تتميز فيه الفرائض عن النوافل، الفرائض لا يجوز التنفل فيها متجهاً إلى غير القبلة، ولا يجوز الصلاة على الراحلة، وإنما عليه أن ينزل، وأما بالنسبة للنافلة فيجوز أن يصلي على الراحلة، ويجوز أن يصلي متجهاً إلى أي جهة كانت، يعني: غير الكعبة، فهذه من الأحكام التي تختلف فيها الفرائض عن النوافل؛ لأن الفريضة من شرطها أن يتوجه فيها إلى القبلة، وأما النافلة ليس من شرطها، بل يجوز أن يتوجه إلى غير القبلة.ثم قوله: (ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها الفريضة)، يدل على أن الوتر ليس بفرض ولا واجب، وإنما هو سنة مؤكدة أنه لا يصلي عليها الفريضة، هو وركعتا الفجر، وقد كان يحافظ عليهما عليه الصلاة والسلام في الحضر والسفر، وما كان يتركهما لا في حضر ولا في سفر، بل كان يحافظ عليهما، وهذا يدل على تأكدهما، والتساهل بالنوافل قد يكون ذريعة إلى التساهل في الفرائض، والمحافظة على النوافل هو وقاية للفرائض، وهو تكميل للفرائض لحديث: (أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة صلاته، فإن وجدت تامة كتبت تامة، وإن وجدت ناقصة قال: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به). تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في تسبيح النبي ووتره على راحلته أنى اتجهت به قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد زغبة].عيسى بن حماد زغبة، وأحمد بن عمرو بن السرح، والحارث بن مسكين، هؤلاء ثلاثة شيوخ للنسائي روى عنهم هذا الحديث، وجمعهم في هذا الإسناد، وكلهم مصريون، عيسى بن حماد زغبة وهو مصري ثقة، خرج حديثه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[وأحمد بن عمرو بن أبي السرح].هو أبو الطاهر المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أيضاً مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، فالذين خرجوا لـعيسى بن حماد زغبة، هم الذين خرجوا لـأحمد بن عمرو بن أبي السرح المصري. [و الحارث بن مسكين].هو الحارث بن مسكين المصري، ثقة، فقيه، وحديثه خرجه أبو داود، والنسائي فقط، ما خرج له البخاري، ولا مسلم، ولا الترمذي، ولا ابن ماجه.(قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له).يعني: اللفظ الموجود الذي هو متن الحديث لفظ الحارث بن مسكين، وأما لفظ عيسى بن حماد زغبة وأحمد بن عمرو بن أبي السرح فهو لفظ آخر، فيه اختلاف.[عن ابن وهب].هو ابن وهب، وهو: عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يونس].هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة أيضاً، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، محدث، فقيه، معروف بكثرة رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته بجمع السنة وتدوينها، ولهذا يقول فيه السيوطي: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمراً له عمر وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن سالم].هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هو ثقة فاضل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن ستة متفق عليهم، والسابع مختلف فيه، فأحد الأقوال: أنه سالم بن عبد الله بن عمر هذا، والقول الثاني: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والقول الثالث: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، هؤلاء فقهاء سبعة في المدينة، مشهورين في عصر التابعين، اشتهروا بالفقه والحديث، وأطلق عليهم لقب: الفقهاء السبعة، وسالم هذا هو أحدهم، وهو السابع على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.[عن أبيه].وهو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وهو أحد العبادلة الأربعة الذين هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وهم في زمن متقارب، وهم من صغار الصحابة، وإذا أطلق لفظ: العبادلة في الصحابة فالمراد به هؤلاء الأربعة، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين جمعهم السيوطي في ألفيته في قوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفقوله: أبو هريرة يليه ابن عمر، فـابن عمر هو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم. شرح حديث ابن عمر في تسبيح النبي ووتره على راحلته أنى اتجهت به من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى عن يحيى عن عبد الملك حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على دابته وهو مقبل من مكة إلى المدينة، وفيه أنزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115])].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنه، من طريق أخرى وفيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي على راحلته، وهو مقبل من مكة إلى المدينة)، معناه أن مكة وراءه، ومتجه إلى المدينة، فهو يصلي إلى جهة المدينة؛ لأنه مسافر إليها، ومن المعلوم أن الصلاة التي يصليها هي النافلة وليست الفريضة، كما جاء ذلك مبيناً في الأحاديث؛ لأن الفريضة لا يجوز صلاتها على الراحلة، ولا يجوز صلاتها إلى غير القبلة، بل يجب النزول عند أدائها إلى الأرض لمن كان راكباً، وأن يتجه إلى الكعبة المشرفة، وهنا ما ذكر من إطلاق الصلاة، محمول على النافلة، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عبد الله بن عمر. قال: وفيه أنزل قوله عز وجل: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، ومعناه: أن الإنسان أينما صلى بالنسبة للنافلة فهو مصيب الوجهة التي يتجه إليها، وهذه الآية فيها خلاف بين العلماء، هل هي من آيات القبلة؟ أو أنها ليست من آيات القبلة؟! بل وهل هي من آيات الصفات؟ فمن العلماء من قال: إنها من آيات الصفات، والمراد الوجه هو وجه الله، ومنهم من قال: إن المقصود من ذلك الوجهة هي الكعبة، القبلة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في تسبيح النبي ووتره على راحلته أنى اتجهت به من طريق ثانية قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].عمرو بن علي هو: الفلاس، وهو ثقة، ناقد، من أئمة الجرح والتعديل، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن المثنى، هو: العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، مثل محمد بن بشار، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى].يحيى هو ابن سعيد القطان. [عن عبد الملك].هو ابن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا سعيد بن جبير].هو سعيد بن جبير المكي، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عمر].ابن عمر قد مر ذكره. شرح حديث ابن عمر في تسبيح النبي ووتره على راحلته أنى اتجهت به من طريق ثالث قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيثما توجهت به)، قال مالك: قال عبد الله بن دينار: وكان ابن عمر يفعل ذلك].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وفيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي النافلة على راحلته أينما توجهت به)، يعني: معناه أنه يصلي إلى غير القبلة، وهذا إنما هو في النافلة كما هو واضح، وكما يدل عليه الحديث، بخلاف الفريضة، فقد جاء بيانها في الرواية السابقة، وهو (أنه كان لا يصلي عليها الفريضة) على الراحلة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في تسبيح النبي ووتره على راحلته أنى اتجهت به من طريق ثالث قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].وهو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المشهور، أبو عبد الله، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن دينار].وهو المدني مولى عبد الله بن عمر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما].وهذا الحديث من الرباعيات، من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي هو الرباعي، الذي فيه بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، وهم قتيبة، ومالك، وعبد الله بن دينار، وعبد الله بن عمر، أربعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو رباعي، والإسناد الرباعي هو أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عند النسائي ثلاثيات، بل أعلى ما عنده الرباعيات، وهذا منها.والأئمة الذين عندهم ثلاثيات هم:البخاري، وابن ماجه ، والترمذي، البخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً، والترمذي، عنده حديث واحد، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث، وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فأعلى ما عندهم الرباعيات وليس عندهم ثلاثيات. استبانة الخطأ بعد الاجتهاد شرح حديث ابن عمر في تحول الناس بقباء عن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة في صلاة الصبح قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب استبانة الخطأ بعد الاجتهاد.أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبِلوُها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي باب: استبانة الخطأ بعد الاجتهاد، هذه الترجمة لا أفهم المراد منها مع الحديث الذي أورده؛ لأن الحديث الذي أورده: (أن أهل قباء كانوا يصلون الصبح، وبينما هم في أثناء صلاتهم، إذ أتاهم آتٍ وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قد وجه إلى القبلة، فاستقبلوها، فانحرفوا إلى الكعبة)، يعني: استداروا إليها، بدل ما كانت وجوههم إلى الشام، في أول الصلاة، صارت وجوههم في آخر الصلاة إلى الكعبة، فلا أدري إذا كان يقصد النسائي بإيراد هذا الحديث: كونهم قبل ذلك كانوا يصلون بعدما وجد الناسخ، ولكنه ما بلغهم، ثم بعدما بلغهم تحولوا، فيكون استبانة الخطأ على اعتبار أن صلاتهم كان أولها إلى قبلة منسوخة، لا أدري هل مراده هذا، أو ما هو وجه إيراده الحديث؟ لأن كونه حصل خطأ، معناه أن العمل غير مطابق للسنة بعدما وجد الناسخ، لكن ما وجد عندهم العلم إلا في أثناء الصلاة، فالذي حصل منهم أولاً كان مبنياً على الأصل، وهو الأخذ بالمنسوخ، والناسخ جاء بعد ذلك فتحولوا حين بلغهم ذلك.والحديث دل على تعيين أن الصلاة التي حصل فيها التحول من جهة الشام إلى جهة الكعبة في قباء، وهو ثابت في الصحيحين، فكما جاء في حديث عبد الله بن عمر هنا، والحديث الذي هو إتيان الخبر إلى أهل قباء وهم في صلاتهم، وأنهم اتجهوا إلى الكعبة، هذا خرجه البخاري، ومسلم.وأما الإسناد هو نفس الإسناد الذي قبل هذا، وهو إسناد رباعي: قتيبة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، وهو رباعي أيضاً، كما هو واضح. والله أعلم. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (93) - (من أول الكتاب) إلى (باب تعجيل الظهر في السفر) من فضل الله على عباده أن شرع لهم الصلاة، وخففها من خمسين صلاة إلى خمس صلوات، وجعل أجر الخمس كأجر خمسين، ولها مواقيت معلومة بينها جبريل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أمَّ به في بداية وقت كل صلاة ونهايته، وخففت عن المسافر وغيره من أهل الأعذار بجمعها تقديماً وتأخيراً وقصراً. كتاب المواقيت شرح حديث أبي مسعود في صلاة جبريل بالنبي لتعليمه مواقيت الصلوات قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب المواقيت.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر العصر شيئاً، فقال له عروة: أما إن جبريل عليه السلام قد نزل فصلى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: اعلم ما تقول يا عروة، فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات )].يقول النسائي رحمه الله: كتاب المواقيت, أي: مواقيت الصلاة، والمراد من ذلك: أن كل صلاة من الصلوات الخمس لها وقت محدد, لا تتقدم عنه ولا تؤخر عنه، ولو قدمت عن وقتها فإنها لا تصح، وتكون باطلة، إلا إذا كان الجمع جمعاً سائغاً ومشروعاً، كالجمع في السفر، وجمع المريض، وما إلى ذلك مما جاءت به السنة في أن الصلاتين يجمع بعضهما إلى بعض، وذلك بالنسبة للظهر والعصر، وللمغرب والعشاء، والصلوات الخمس لها مواقيت محددة، لها بداية ولها نهاية، وقد جاء ذلك مبيناً من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن قوله، وجاء في هذا الحديث الذي أورده النسائي: أن جبريل أمه في الصلوات الخمس كلها، وكان ذلك في يومين، فأمه في يوم وكانت كل صلاة تصلى في أول وقتها، وأمه في يوم وكانت كل صلاة تصلى في آخر وقتها، فبين له أن الصلاة تكون بين هذين الوقتين، البداية والنهاية، وكل صلاة فإن وقتها ينتهي بدخول وقت الصلاة التي بعدها، إلا الفجر فإن وقتها ينتهي بطلوع الشمس، ومن طلوع الشمس إلى الزوال ليس وقتاً من أوقات أداء الصلاة، ولكن الظهر وقتها يبدأ من الزوال وينتهي بدخول العصر، ويبدأ وقت العصر، ويكون الوقت الاختياري إلى اصفرار الشمس، أو صيرورة ظل كل شيء مثليه، ووقت الاضطرار إلى غروب الشمس، والمغرب وقتها من الغروب إلى دخول وقت العشاء، ووقت العشاء يبدأ من انتهاء وقت المغرب وهو غيبوبة الشفق ثم يستمر اختياراً إلى نصف الليل، وبعد نصف الليل إلى طلوع الفجر هذا وقت اضطراري.وقد جاء في بيان الوقت الاضطراري, قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها)، فهذا يدل على أن كل صلاة يمتد وقتها إلى أول وقت الصلاة التي بعدها، ويستثنى من ذلك الفجر، فإن وقتها ينتهي بطلوع الشمس، والصلاة التي بعدها الظهر تبدأ بزوال الشمس، والمدة التي بين طلوع الشمس وبين زوالها ليس وقتاً من أوقات الصلوات، وأما الصلوات التي لها أوقات اختيارية واضطرارية، فهي العصر والعشاء، العصر إلى اصفرار الشمس، أو بلوغ ظل كل شيء مثليه، والعشاء إلى نصف الليل اختياري، وإلى طلوع الفجر هو الوقت الاضطراري.فالصل� �ات لها أوقات قد جاء تحديدها في السنة المطهرة، فلا يجوز تقديمها عن أوقاتها، ولا يجوز تأخيرها عن أوقاتها، وإذا أخرت عن أوقاتها وكان ذلك عمداً فيحصل الإثم، ويكون الإتيان بها بعد ذلك قضاء، وأما قبل وقتها فإذا أديت فإن ذلك لا يصح؛ لأن من شرطها أن تكون في وقتها، وأداؤها لا يتقدم وإن وقع قبل ذلك فلا يصح, وإن تأخر عن ذلك يكون قضاء وليس أداء؛ لأن الأداء إنما هو في الوقت.وقد أورد النسائي حديث أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمه جبريل في الصلاة، قال: فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، حتى عد خمس صلوات)، يعني: أنه صلى الصلوات الخمس مع جبريل، وكان ذلك في يومين، يوم يكون في ابتداء الوقت ويوم يكون في انتهائه، والصلاة تكون بين الوقتين، الابتداء والانتهاء.وقد جاء في إسناد الحديث: أن الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أخر الصلاة بعض الشيء، فقال له عروة: إن جبريل نزل وصلى إماماً برسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال له: اعلم ما تقول، يعني: أن الذي تقوله يجب أن يكون مبنياً على علم، فبين له وساق له الحديث الذي رواه عن ابن أبي مسعود عن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه، وذكر إمامة جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام، وبيان أول الأوقات وآخرها له عليه الصلاة والسلام.فمقصود عروة: أن شأن الصلاة وأوقاتها شأن عظيم، وأن جبريل نزل وحدد ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بالفعل، حيث صلى في يوم من الأيام كل صلاة في أول وقتها، وصلى في اليوم الثاني كل صلاة في آخر وقتها وقال: (الصلاة بين هذين الوقتين).فالمقصو د منه: أن شأن الصلاة عظيم، وأن التنبه للأوقات، ومراعاة الأوقات، والاحتياط فيها أمر مهم؛ لأن جبريل نزل لهذه المهمة وهي تحديد المواقيت. تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في صلاة جبريل بالنبي لتعليمه مواقيت الصلوات قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الليث].هو المصري، الفقيه, المحدث, المشهور, فقيه مصر, ومحدثها، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].هو الزهري، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده شهاب، وينسب إلى جده زهرة، فيقال: الزهري، ويقال: ابن شهاب، وهو فقيه محدث مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين.(أن عمر بن عبد العزيز أخر العصر).عمر بن عبد العزيز ليس راوياً في الإسناد، وإنما جاء ذكره؛ لأن التحديث بالحديث كان بمناسبة تأخيره الصلاة يوماً من الأيام، فهو ليس من الرواة في الإسناد، وعمر بن عبد العزيز هو الخليفة الراشد، المعروف بتقواه وبعلمه وفضله وحديثه، وهو من رواة الحديث وأهل الفقه، ويذكر رأيه في المسائل الفقهية في كتب الفقه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو ليس من الرواة في الإسناد الذي معنا، وإنما من رواته الزهري يروي عن عروة؛ لأن عروة هو الذي حدثه.[عروة بن الزبير].وعروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[بشير بن أبي مسعود].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة, إلا الترمذي.[عن أبيه].عقبة بن عمرو الأنصاري, وهو صحابي مشهور, رضي الله تعالى عنه وأرضاه.الصحابة لا يحتاج إلى أن يقال فيهم: ثقات، وإنما يكفي أن يقال عنه: إنه صحابي، وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي مسعود، ويأتي في بعض الأحيان أبو مسعود فقط، وهو يلتبس بـابن مسعود، وابن مسعود يأتي ذكره، وأبي وابن متقاربة، وأحياناً يحصل التصحيف بين ابن وأبي.ومما حصل فيه التصحيف بين ابن مسعود وأبي مسعود، حديث: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)، هذا حديث رواه أبو مسعود هذا، ولما ذكره في سبل السلام، قال: عن ابن مسعود، فحصل التصحيف أو الخطأ في الطباعة، فهو أبو مسعود لكن للتقارب بين اللفظين أبي وابن، وكل منهما مشهور, فيحصل أحياناً في المطابع الخطأ بين: أبي مسعود وابن مسعود, وأبو مسعود الأنصاري هو صحابي, حديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. أول وقت الظهر شرح حديث أبي برزة الأسلمي في وقت صلاة الظهر قال المصنف رحمه الله تعالى: [أول وقت الظهر.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة حدثنا سيار بن سلامة قال: ( سمعت أبي يسأل أبا برزة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: أنت سمعته؟ قال: كما أسمعك الساعة، فقال: سمعت أبي يسأل عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان لا يبالي بعض تأخيرها -يعني: العشاء- إلى نصف الليل، ولا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها، قال شعبة: ثم لقيته بعد فسألته، قال: كان يصلي الظهر حين تزول الشمس، والعصر يذهب الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية، والمغرب لا أدري أي حين ذكر، ثم لقيته بعد فسألته، فقال: وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرفه فيعرفه، قال: وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة ) ].أورد النسائي حديث: أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه, الذي يبين فيه صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد سئل عنها، سأله سلامة أبو سيار، وسلامة ليس من رواة الحديث، وإنما الذي من الرواة هو سيار، وأبوه كان يسأل أبا برزة، وأبو برزة يحدثه: فذكر أبيه لكونه السائل، لا لكونه من الرواة، وإنما الراوي هو سيار, يروي عن أبي برزة، وهو الذي سمع أبا برزة يجيب أباه، عندما سأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.فكان من جواب أبي برزة رضي الله تعالى عنه: أنه كان لا يبالي بتأخيرها -يعني: العشاء- إلى نصف الليل، الذي هو نهاية الوقت الاختياري، وهذا فيه أن صلاة العشاء وقتها يمتد ويصل إلى نصف الليل, ولكن هذا في الاختيار، أما في الاضطرار فلا تؤخر عن نصف الليل إلا لضرورة، وإذا جعلت بعد نصف الليل وقبل طلوع الفجر، ففعلها أداء وليس بقضاء؛ لأنه إلى طلوع الفجر هو وقت لها، لكنه من نصف الليل إلى طلوع الفجر اضطراري، ما يؤخرها الإنسان إلا إذا كان مضطراً، وتأديتها في ذلك الوقت هو أداء وليس قضاء.قوله: (ولا يحب النوم قبلها).يعني: ما كان يحب النوم قبل صلاة العشاء؛ لأن ذلك يؤدي إلى فواتها؛ لأن الوقت بين المغرب والعشاء قصير، وإذا نام الإنسان قد تفوت عليه صلاة العشاء، فكان يكره ذلك لما يترتب عليه التعريض لفوات صلاة العشاء.قوله: (ولا الحديث بعدها).يعني: الاشتغال بعدها والسمر بعدها؛ وذلك لما يترتب عليه من النوم عن صلاة الليل إذا كان من عادته أن يصلي الليل, أو عن صلاة الفجر بحيث يكون سهره في أول الليل سبباً في نومه وقت صلاة الفجر فتفوته الصلاة، ولكن يستثنى من ذلك ما إذا كان هناك أمر يقتضي هذا، كما جاء عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه كان يسمر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر هذا في كتاب العلم من صحيح البخاري.والمقصو� �: أن كراهية النوم بعدها لما يترتب عليه من فوات، ولكن هذا مخصوص بما إذا كان لمصلحة تنفع المسلمين، ولا يترتب على ذلك مضرة فوات صلاة الفجر؛ لأن كون الإنسان يشتغل بأمور مستحبة، ثم يترتب على ذلك تفويت فرض لازم، هذا من الخطأ، فلا يتشاغل بالنوافل وتتعرض الفرائض للفوات, أو تأخيرها عن وقتها؛ لأن أداء الفرائض أهم من فعل النوافل، والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).. الحديث، فلا يتشاغل بالأمور المستحبة إذا كان ذلك يؤدي إلى فوات ما هو واجب، وما هو فرض لازم.قوله: ( فقال: كان يصلي الظهر حين تزول الشمس ).يعني: يصليها في أول وقتها حين تزول الشمس، والمراد بالزوال هو كونها تتحرك، يعني: تميل الشمس من جهة الشرق إلى جهة الغرب، والله عز وجل لما جعل المواقيت جعلها في أمور مشاهدة معاينة، يعرفها الخاص والعام، يعرفها العالم والجاهل، يعرفها الحضري والبدوي، ما يحتاج إلى أمور خفية، ولا يحتاج إلى أمور دقيقة، وإنما الله سبحانه وتعالى جعل الأوقات أموراً محسوسة, مشاهدة, معاينة؛ لأنها أمور ما تحتاج إلى دقة فهم وذكاء وفطنة، وإنما هي أمور طبيعية, إذا زالت الشمس، وذهبت من جهة الشرق إلى جهة الغرب، وراحت عن وسط الرأس، فإنه يبدأ وقت الظهر, والفجر أوله عند طلوع الفجر والانتهاء عند طلوع الشمس، والمغرب بعد غروب الشمس، وكلها أمور مشاهدة معاينة، وكذلك بالنسبة للصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم)، أمور حسية، كذلك بالنسبة للحج، جعله الله عز وجل أيضاً مبنياً على الزمن, وعلى الشهور القمرية التي هي مبنية على الحس والمشاهدة.قوله: (والعصر يذهب الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية).والعصر كان يصليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم يذهب الذاهب بعد فراغ الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته إلى أقصى المدينة والشمس حية، معناه: أن حرارتها موجودة وما حصل اصفرارها وكونها قربت من الغروب, معناه: أنه يبكر بصلاة العصر.قوله: ( والمغرب لا أدري أي حين ذكر ).يعني: اللفظ الذي قاله، هذا كلام شعبة يحكيه عن سيار بن سلامة.قوله: (ثم لقيته بعد فسألته، فقال: وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل، فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرفه فيعرفه).وكان يصلي الصبح، ثم بعد انصرافه ينظر الشخص إلى جليسه الذي كان يعرفه فيعرفه، فمعنى هذا - إذا كان هذا في وقت الفراغ من الصلاة، والقراءة تطول فيها- أنه يصليها بغلس؛ لأنه يدخل فيها في وقت مبكر، ويفرغ منها بعد أن يقرأ فيها من الستين إلى المائة، والإنسان ينظر إلى وجه جليسه فيعرفه، فمعناه: أنه حصل شيء من اتضاح الوجوه، ومعرفة الوجوه عندما ينظر الإنسان إلى الشخص. تراجم رجال إسناد حديث أبي برزة الأسلمي في وقت صلاة الظهر قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].وهو الصنعاني، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم, وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي, والنسائي, وابن ماجه.[حدثنا خالد].وهو: ابن الحارث، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وهو: ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث، ثقة, ثبت, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سيار بن سلامة].وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[قال سمعت أبي يسأل أبا برزة].وأبو برزة الأسلمي هو نضلة بن عبيد صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. شرح حديث أنس: (إن رسول الله خرج حين زاغت الشمس فصلى بهم صلاة الظهر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري قال: أخبرني أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى بهم صلاة الظهر)].هنا أورد النسائي حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج حين زاغت الشمس فصلى بهم الظهر)، يعني: (خرج حين زالت الشمس فصلى بهم الظهر)، وهذا فيه بيان أول وقت الظهر، وأنه عند زوال الشمس. تراجم رجال إسناد حديث أنس: (إن رسول الله خرج حين زاغت الشمس فصلى بهم صلاة الظهر) قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].وهو الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود, والنسائي, وابن ماجه.[حدثنا محمد بن حرب].وهو محمد بن حرب الخولاني الحمصي، وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزبيدي].وهو محمد بن الوليد الحمصي أيضاً، وهو ثقة ثبت، وهو من أكبر أو أشهر أصحاب الزهري، وحديثه خرجه أصحاب الكتب, إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.[عن الزهري].وقد تقدم ذكره.[أخبرني أنس].وهو أنس بن مالك صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وقد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بطول العمر وكثرة الولد فحصل ذلك له، وكان من المعمّرين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. شرح حديث خباب: (شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء فلم يشكنا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا حميد بن عبد الرحمن حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب رضي الله عنه أنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء، فلم يشكنا، قيل لـأبي إسحاق في تعجيلها؟ قال: نعم )].أورد النسائي حديث خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه, أنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا، قيل لـأبي إسحاق: في تعجيلها؟ قال: نعم)، يعني: أنه كان يصلي الصلاة في أول وقتها، وكانوا يذهبون إليها في شدة الرمضاء، وطلبوا منه أن يؤخرها, فلم يشكهم، يعني: فلم يجبهم إلى ما طلبوا.وقد جاءت أحاديث صحيحة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم) فيحمل على أن هذا كان في أول الأمر، يعني: كونه لم يشكهم بأن يؤخروا، أو أنهم أرادوا أن يؤخروا زيادة على الوقت الذي كان يبرد به، وبهذا يوفق بينه وبين ما جاء في حديث الإبراد، وأنه إذا اشتد الحر يبرد بالصلاة. تراجم رجال إسناد حديث خباب: (شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء فلم يشكنا) قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].وهو الدورقي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حميد بن عبد الرحمن].وهو حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا زهير].وهو زهير بن معاوية بن حديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي إسحاق].وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة, مدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سعيد بن وهب].وهو الهمداني, ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد, ومسلم, والنسائي فقط.[عن خباب].وهو خباب بن الأرت, صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من السابقين إلى الإسلام، والذين عذبوا في سبيل الله عز وجل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه. تعجيل الظهر في السفر شرح حديث: (كان النبي إذا نزل منزلاً لم يرتحل منه حتى يصلي الظهر ... وإن كانت بنصف النهار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تعجيل الظهر في السفر.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني حمزة العائذي سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً, لم يرتحل منه حتى يصلي الظهر، فقال رجل: وإن كانت بنصف النهار؟ قال: وإن كانت بنصف النهار)].تعجيل الظهر في السفر, وأورد فيه حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً, لم يرحل منه حتى يصلي الظهر، قال: وإن كانت بنصف النهار؟ قال: وإن كانت بنصف النهار)، يعني: بعد الزوال، والمقصود من ذلك: أنه إذا كان نازلاً ودخل وقت الظهر؛ فإنه لا يرتحل حتى يصلي الظهر، لكنه إذا كان نازلاً قبل الزوال, فإنه يرتحل، وإنما الكلام فيما إذا كان نازلاً، يعني: جاء وقت الظهر وهو نازل، فإنه لا يرتحل إلا وقد صلى الظهر في أول وقتها ثم يرتحل بعد ذلك، لكنه إذا كان سائراً فإنه يستمر في سيره. تراجم رجال إسناد حديث أنس: (كان النبي إذا نزل منزلاً لم يرتحل منه حتى يصلي الظهر ... وإن كانت بنصف النهار) قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].وهو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة, مأمون, سني، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي. وقيل له: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده.[حدثنا يحيى بن سعيد].وهو القطان، المحدث, الناقد, المشهور، الثقة, القدوة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].وهو شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثني حمزة].وهو حمزة بن عمرو العائذي أبو عمرو الضبي، صدوق، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.[عن أنس]. الأسئلة العلة من الجمع بين الصلاتين السؤال: ما هي العلة في الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر؟الجواب: العلة في الجمع بين الصلاتين في السفر هي التخفيف على الناس؛ لأن كونهم ينزلون لكل صلاة, قد يكون عليهم مشقة، فإذا جمعوا بينهما فإنهم يمكنهم أن يواصلوا المدة الطويلة لا يقطعوها بنزول من أجل الصلاة، فهي رخصة رخص الله تعالى لهم بها، وجاءت السنة بها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وأما في الحضر فإن الجمع يكون إذا كان هناك مطر شديد ودحض، فإنه يجمع بين المغرب والعشاء لهذا السبب، وكذلك لو حصل خوف فإنه يمكن الجمع، وكذلك المريض يجمع بين الصلاتين إذا كان يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها، وكذلك إذا حصل أمر طارئ يقتضي ذلك، فإن حديث ابن عباس الذي جاء في صحيح مسلم يدل على هذا. مدة الخلافة الراشدة ومدى ارتباطها بخلافة عمر السؤال: متى انتهت الخلافة الراشدة؟ وهل خلافة عمر بن عبد العزيز خلافة راشدة، أم هي خلافة ملك؟الجواب: مدة الخلفاء الراشدين التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، مدتها ثلاثون سنة، مدة الخلفاء الراشدين الأربعة، لكن من جاء بعدهم ممن يسير على منهاجهم، ويلتزم بما جاء في الكتاب والسنة, هو أيضاً خليفة راشد، ولهذا قيل لـعمر بن عبد العزيز: إنه خليفة راشد، وكذلك معاوية رضي الله عنه هو خليفة راشد، لأنه صاحب رسول الله فيكون أفضل من عمر بن عبد العزيز، فخلافة النبوة هي ثلاثون سنة، وما بعدها هي خلافة راشدة.ولهذا جاء في الحديث ذكر الخلافة لغير الخلفاء: ( لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، فأطلق عليهم أنهم خلفاء. كيفية الجمع بين شرب النبي قائماً ونهيه عن ذلك السؤال: كيف يجمع بين الحديث الذي فيه النهي عن الشرب قائماً، والحديث الوارد بأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً؟الجواب: يجمع بينهما بأن الأصل والأولى هو الجلوس، وإذا شرب الإنسان قائماً فإنه جائز، والأولى أن يشرب الإنسان جالساً، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز، وما عرف من كثرة فعله وإرشاده يدل على أن الجلوس هو الأصل في الشرب. حكم الاجتماع لقراءة القرآن السؤال: ما حكم الاجتماع في المسجد، أو في البيت لتلاوة كتاب الله بصوت مرتفع؟الجواب: لا بأس بذلك، كونه يجتمع جماعة ويقرأ واحد القرآن والباقون يسمعون، أو يتناوبون القراءة، وإذا كان أيضاً فيهم من عنده علم ويفسر لهم شيئاً من القرآن، أو يعلمهم شيئاً من أحكام القرآن، فهذا طيب. صرف الزكاة بين الإسرار بها والجهر السؤال: هل تصرف زكاة المال سراً أو جهراً؟ وإذا كانت تصرف جهراً فهل أخبر من أعطيته أنها زكاة مالي؟الجواب: الواجب إخراج الزكاة، سواء حصل ذلك سراً أو جهراً، وليس بلازم أن الإنسان عندما يعطي الفقير يقول: هذه زكاة، يعطيه إياها ولو ما قال: هي زكاة، ولا يلزم أن يعلمه بأن هذه زكاة. حكم من نام عن العصر ولم يقم إلا في المغرب السؤال: شخص نام عن صلاة العصر، ولم يستيقظ إلا في صلاة المغرب، فماذا يفعل؟الجواب: يصلي العصر أولاً، ثم يصلي المغرب؛ لأن العصر قضاء والمغرب بعدها أداء، تلك فات وقتها، وهذه في وقتها. أحسن كتاب يتحدث عن التابعين السؤال: ما هو أجمع وأحسن كتاب يتحدث عن التابعين؟الجواب : ما أذكر كتاباً معيناً, لكن ابن حبان له كتاب الثقات في التابعين، وكذلك في طبقات ابن سعد، لكن كتاب معين خاص ما أذكر الآن، ما يحضرني كتاب معين خاص بالتابعين. موضوع كتاب الإتمام لابن ماكولا السؤال: ما هو موضوع كتاب الإتمام لـابن ماكولا؟الجواب: طبعاً هو في الرجال، لكن ما هو موضوعه ما أتذكر. السنة في لبس الخاتم للرجال السؤال: ما هي السنة في لبس الخاتم للرجال، أهو في اليمين أم في اليسار؟ وفي أي أصبع يكون؟الجواب: الأمر في ذلك واسع بالنسبة لليمين أو اليسار، يعني: الخنصر في اليسار أو اليمين، والتختم ليس بلازم، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يفعله إلا لما كتب كتاباً للروم أو لقيصر؟! فقيل: إنهم لا يقرءون الكتاب إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً، قال أنس: (فكنت أرى وبيصه في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم). والخواتم قد بحثها العلماء، ومن أحسن ما كتب فيها كتاب لـابن رجب اسمه: (كتاب الخواتم)، جمع فيه المباحث المتعلقة بالخواتم من جميع الوجوه، وهو: كتاب واسع كبير خاص بالخواتم وأحكامها، فيمكن الرجوع إليه، ومعرفة ما قاله العلماء، وما جاء فيه من الآثار والأحاديث. الجمع بين قوله: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون..) وبين قول النبي: (لا يزيد في العمر إلا البر ...) السؤال: كيف الجمع بين قوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يزيد العمر إلا البر)؟الجواب: لا تنافي بين ما جاء في الآية والحديث؛ لأن الأجل الذي كتبه الله عز وجل في اللوح المحفوظ لا يتأخر عنه إنسان ولا يتقدم عليه إنسان، ولكن هذا الأجل الذي قدره الله عز وجل قدر له أسباباً، ومن الأسباب: البر، فالله عز وجل قدر أن يكون هذا عمره طويلاً، وقدر أن يكون من أسبابه البر، أن يكون باراً، وليس معنى ذلك أنه كان عمره قصيراً، ثم بر فغير الأجل وزاد، لا، الأجل هو الأجل، لكن الله قدر المسبب الذي هو الأجل، وقدر السبب الذي هو البر، مثلما يجري في الدنيا وجود المسببات والأسباب؛ لكن الأسباب تفضي إلى المسببات، وتنتهي إلى المسببات.فإذاً: هذا هو الجمع بين ما جاء في الآية والحديث، الذي جاء في الآية وهو الذي في اللوح المحفوظ, والأجل لا يتقدم ولا يتأخر، لكن الله قدر أن هذا يكون باراً فيكون عمره طويلاً، وقدر البر منه، وقدر طول العمر، قدر السبب والمسبب، فلا إشكال ولا تنافي. حكم دعاء الرسول أو الاستغاثة به عند قبره أو بعيداً منه السؤال: رأى شخص ما يدور حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والشركيات، فقال: هذه الأعمال تجوز، فقال له شخص: وما دليلك؟ قال: أوليس النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل موته: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)، والنبي صلى الله عليه وسلم مستجاب الدعوة، فإن كل هذه الأعمال جائزة، فكيف يرد على هذا؟الجواب: نقول: نعوذ بالله من الجهل، إذا وجد الشرك ووجد أحد يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم يقال: هذا جائز؟! أبداً، الرسول صلى الله عليه وسلم استجاب الله دعاءه؛ لأن قبره محفوظ، ما أحد يصل إليه فيعمل أعمالاً له أو يسجد عليه، أما قضية عبادة الرسول، فيمكن أن يعبده وهو في المغرب، أو في المشرق في أقصى الدنيا، إذا دعا الرسول واستغاث بالرسول فهذا شرك بالله عز وجل، سواء كان عند قبره أو في أقصى الدنيا في أي مكان، ما هي المسألة خاصة عند القبر، الحرام حرام في أي مكان كان. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (94) - (باب تعجيل الظهر في البرد) إلى (باب آخر وقت الظهر) جاءت الشريعة بمواقيت خاصة للصلاة، إلا أنه رُخص في صلاة الظهر أن تؤخر إلى آخر وقتها، وذلك عند اشتداد الحر، تيسيراً من الله ورحمة بعباده. تعجيل الظهر في البرد شرح حديث: (كان رسول الله إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تعجيل الظهر في البرد.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا خالد بن دينار أبو خلدة سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد عجل ) ].يقول النسائي رحمه الله: باب: تعجيل الظهر في البرد, المقصود من هذه الترجمة: أن صلاة الظهر في وقت الشتاء تعجل وتصلى في أول وقتها، وهذا هو الأصل؛ أن الصلاة تصلى في أول وقتها، لكن جاء في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث: أنه إذا اشتد الحر فإنها تؤخر عن أول وقتها, ويحصل الإبراد بها، ولكن النسائي أورد الترجمة في تعجيلها بالبرد، وإن كان الحديث الذي أورده يشمل تعجيلها في البرد وتأخيرها في الحر، وهو دال على الاثنين، وتعجيلها إنما هو على الأصل, الذي هو صلاتها في أول وقتها.وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام الحث على الصلاة في أول وقتها، وأن ذلك عظيم عند الله عز وجل، وجاء في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث, أنها في وقت الحر تؤخر، كما في هذا الحديث وفيما بعده من الأحاديث التي فيها تأخير الصلاة، أي: صلاة الظهر في شدة الحر. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل) قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].وهو اليشكري السرخسي، وهو ثقة, مأمون, سني، وحديثه خرجه البخاري, ومسلم, والنسائي، وقد أظهر السنة في بلده فقيل له: سني.[حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم].وهو عبد الرحمن بن عبد الله البصري, وهو صدوق, ربما أخطأ، خرج له البخاري, وأبو داود في كتاب فضائل الأنصار، والنسائي, وابن ماجه.[حدثنا خالد بن دينار].وهو أبو خلدة, صدوق خرج له البخاري, وأبو داود, والترمذي, والنسائي.[سمت أنس بن مالك].وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الذين قال فيهم السيوطي في ألفيته:والمكثرو� � في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِفـأنس بن مالك رضي الله عنه, هو أحد هؤلاء السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلوات ربي وسلامه وبركاته عليه، وهذا الإسناد رباعي, من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى أسانيد عند النسائي الرباعيات؛ لأنه ليس عنده شيء من الثلاثيات، وإنما أعلى ما عنده هي الرباعيات، وهذا منها.وسبق أن مر إسناد واحد فيه حديثان، وهو رباعي، وهذا رباعي، وكما أشرت من قبل أن الثلاثيات هي عند البخاري, وعند الترمذي, وعند ابن ماجه, من أصحاب الكتب الستة، فـالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية إسنادها واحد.وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي فأعلى ما عندهم هي الرباعيات، وليس عندهم شيء من الثلاثيات، وهذا الذي معنا هو من أمثلة الأسانيد العالية عند النسائي. الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر شرح حديث: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم ) ].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر, والحديث الذي قبل هذا يدل على الإبراد، يعني: أنه في شدة الحر يبرد بها، معناه: أنه يؤخرها، وذاك من فعله عليه الصلاة والسلام، وأما هذا فهو من قوله، والحديث الذي قبل هذا فيه الإبراد من فعله؛ لأنه إذا كان في البرد عجل، وإذا كان في الحر أبرد، أخرها إلى وقت الإبراد، وهو: انكسار حدة الشمس، وخفة حرارتها، وفي هذا الحديث الذي معنا من قوله وتوجيهه وإرشاده عليه الصلاة والسلام.قوله عليه الصلاة والسلام: (فأبردوا عن الصلاة).يعني: يبردون بصلاة الظهر، أي: أنهم يؤخرونها عن أول وقتها، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( إذا اشتد الحر فأبردوا )؛ هذا يفيد بأن الأصل هو التعجيل، ولكن الإبراد يحصل لأمر يقتضي ذلك، وهو شدة الحرارة، فتؤخر الصلاة حتى تنكسر حدة الشمس وتخف الحرارة، وقد قال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: (فإن شدة الحر من فيح جهنم)، يعني: مما يظهر من حرارتها، وقيل في معناه: إنه على بابه، وقيل: إن معنى ذلك أنه مثل حرارة جهنم وشدة حرارة جهنم، لكن جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أن ذلك من حرارة جهنم، حيث جاء في الحديث: (أن الله تعالى أذن للنار بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحرارة إنما هو من حرها)، يعني: في الصيف، ومن العلماء من قال: إن المقصود من ذلك أن هذا يشبه حرارة النار وحرارة جهنم، والمقصود من توجيهه وإرشاده عليه الصلاة والسلام أنهم يؤخرونها حتى تخف الحرارة، وحتى تذهب الحرارة الشديدة وتخف، ولا يحصل لهم ضرر من مجيئهم إليها في شدة الحر، وذلك في أول وقت الظهر، فأرشدهم عليه الصلاة والسلام إلى أن يؤخروها، وأن يبردوا بها. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة...) قوله: [قتيبة بن سعيد].وهو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، حديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الليث].وهو ابن سعد المصري المحدث الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، الثقة, المحدث, الفقيه، المكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن].وابن المسيب هو: سعيد بن المسيب، وهو ثقة, من الفقهاء السبعة المشهورين في عصر التابعين، وهو أحد السبعة بلا خلاف.وأما أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، فهو أحد السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن في السابع منهم ثلاثة أقوال، أحدها: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والثاني: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة المكثرين حديثاً. شرح حديث: (أبردوا بالظهر فإن الذي تجدون من الحر من فيح جهنم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي، ح وأخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا يحيى بن معين حدثنا حفص ح، وأخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم عن يزيد بن أوس عن ثابت بن قيس عن أبي موسى رضي الله عنه يرفعه قال: ( أبردوا بالظهر فإن الذي تجدون من الحر من فيح جهنم ) ].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو بمعنى الحديث الذي قبله, فقوله عليه الصلاة والسلام: ( أبردوا بالظهر، فإن الذي تجدون من الحر من فيح جهنم )، هو بمعنى الحديث الذي قبله, حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن الذي قبله أيضاً كذلك أمر منه بالإبراد، وفيه من المعنى ما في الذي قبله من أن شدة الحر من فيح جهنم، أو الذي تجدونه من الحر من فيح جهنم. تراجم رجال إسناد حديث: (أبردوا بالظهر فإن الذي تجدون من الحر من فيح جهنم) قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].وهو إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة حافظ، رمي بالنصب، خرج حديثه: أبو داود, والترمذي, والنسائي. خرج له أصحاب السنن الأربعة, إلا ابن ماجه.[حدثنا عمر بن حفص].وهو ثقة, ربما وهم, أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة, إلا ابن ماجه.[حدثنا أبي].وهو: حفص بن غياث, ثقة, فقيه، خرج له أصحاب الكتب الستة.[ح وأخبرنا إبراهيم بن يعقوب].هنا أتى بالتحويل، حاء التحويل، وهذه طريق أخرى، عن طريق شيخه الأول؛ إلا أنه بإسناد آخر، يعني: أن شيخ شيخه إبراهيم, هو غير شيخ شيخه في الإسناد الأول، فالإسناد الأول هو عمر بن حفص، وأما الإسناد الثاني فشيخ إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني هو يحيى بن معين، وحاء التحويل أتى بها للإشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد، ويشعر ذكرها بأنه رفع إلى الإتيان بإسناد جديد يبدأ من شيخ المصنف، وهنا شيخه في الإسناد الثاني هو شيخه في الإسناد الأول، إلا أن شيخ شيخه يختلف عن الإسناد الأول.[حدثنا يحيى بن معين].وشيخه في هذا الإسناد يحيى بن معين، وهو ثقة حافظ، إمام في الجرح والتعديل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وعنده اصطلاح خاص، وهو أنه إذا قال: لا بأس به فتعني التوثيق؛ فقول: لا بأس به عند يحيى بن معين يعتبر توثيقاً، فلا يؤثر، أو لا يظن أن الشخص الذي يقول فيه: لا بأس به أنه دون الثقة، بل هو ثقة؛ لأن هذه العبارة في اصطلاح يحيى بن معين يراد بها الثقة، وهذه من الاصطلاحات الخاصة لبعض المحدثين، وهي مما يحتاج إلى معرفتها؛ لأن معرفة الاصطلاح يتبين المراد. ومن المعلوم أن قول: لا بأس به درجتها نازلة، وأما عند يحيى بن معين فهو بمنزلة ثقة.[أخبرنا حفص].شيخ يحيى بن معين هنا هو شيخ ابنه، وهو حفص بن غياث، وفي الإسناد الأول يروي عنه ابنه عمر بن حفص، وهنا: يروي إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن يحيى بن معين, عن حفص بن غياث، ثم ذكر طريقاً ثالثة وهي قوله: [ح وأخبرنا عمرو بن منصور].وهو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة ثبت, خرج حديثه النسائي وحده، وهو من بلد النسائي.[حدثنا عمر بن حفص].وهو ابن غياث، قال: [حدثنا أبي]، وهذا مثل الإسناد الأول عن إبراهيم بن يعقوب؛ لأن الواسطة أو الذي بعده عمر بن حفص عن أبيه حفص بن غياث.[عن الحسن بن عبيد الله].يعني: أن حفص بن غياث في تلك الأسانيد الثلاثة كلها يروي فيها عن الحسن بن عبيد الله, فكل الطرق الثلاث التي انتهت إلى حفص بن غياث شيخه فيها هو: الحسن بن عبيد الله النخعي الكوفي وهو ثقة فاضل, أخرج له مسلم, والأربعة.[عن إبراهيم].وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي, الفقيه, المحدث، يأتي ذكره كثيراً في مسائل الفقه، ويأتي ذكره كثيراً في أسانيد الحديث، وهو الذي سبق أن ذكرت فيما مضى أن ابن القيم قال في كتابه (زاد المعاد): إن أول من عرف عنه أنه عبر بالعبارة المشهورة عند الفقهاء: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه)، قال: وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يزيد بن أوس].وهو النخعي، وهو مقبول, خرج له أبو داود, والنسائي.] عن ثابت بن قيس[.وهو مقبول, خرج له النسائي وحده.] عن أبي موسى[.وهو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والذي فيه اثنان مقبولان، لكن هو بمعنى الحديث الذي قبله، فهو شاهد له حديث أبي هريرة. آخر وقت الظهر شرح حديث أبي هريرة في آخر وقت الظهر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ آخر وقت الظهر.أخبرنا الحسين بن حريث أنبأنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هذا جبريل عليه السلام جاءكم يعلمكم دينكم، فصلى الصبح حين طلع الفجر، وصلى الظهر حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين رأى الظل مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب شفق الليل، ثم جاءه الغد, فصلى به الصبح حين أسفر قليلاً، ثم صلى به الظهر حين كان الظل مثله، ثم صلى العصر حين كان الظل مثليه، ثم صلى المغرب بوقت واحد حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل، ثم قال: الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم ) ].ذكر النسائي رحمه الله باب: آخر وقت الظهر. وهو: أن يكون ظل كل شيء مثله، فعند ذلك ينتهي وقت الظهر، ويدخل مباشرة وقت العصر؛ لأنه لا فاصل يفصل بين وقت العصر ووقت الظهر، فمتى خرج هذا دخل هذا, ولا فاصل بينهما, والترجمة معقودة لبيان آخر وقت الظهر، وأنه حيث يبلغ ظل الشيء مثله، عند ذلك ينتهي وقت الظهر، وأول وقتها -كما مر- عندما تزول الشمس، وعندما تذهب الشمس إلى جهة الغرب يبدأ وقت الظهر، ويستمر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، فالترجمة معقودة لهذا.وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، فصلى الظهر حين زاغت الشمس، وصلى العصر حيث صار ظل الشيء مثله، وصلى المغرب حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، وصلى العشاء حين ذهب شفق الليل، ثم جاءه الغد فصلى به الصبح حين أسفر قليلاً، ثم صلى به الظهر حين كان الظل مثله ).وهذا هو محل الشاهد: (فصلى الظهر حين كان الظل مثله)، يعني: حين وقت دخول العصر؛ لأن في الحديث أنه صلى اليوم الأول العصر, حيث كان ظل الشيء مثله، وهذا أول وقتها، وفي اليوم الثاني صلى الظهر حيث كان ظل الشيء مثله، يعني: في آخر وقتها، فآخر وقتها هو أول وقت دخول العصر، ليس بينهما وقت فاصل، بل وقت هذه متصل بهذه، فحيث انتهى وقت هذه دخل وقت هذه، فآخر وقت الظهر حيث يكون ظل الشيء مثله، وأول وقت العصر حيث يكون ظل الشيء مثله.قوله: (ثم صلى العصر حين رأى الظل مثليه).وهذا هو آخر وقتها الاختياري، أما الاضطراري فإنه إلى غروب الشمس، كل ذلك يعتبر أداء، لكنها لا تؤخر عن بلوغ الظل مثليه؛ إلى اصفرار الشمس، وإنما تصلى قبل دخول الوقت الاضطراري، وإذا كان الإنسان معذوراً، كأن يكون نائماً ثم استيقظ بعدما جاء وقت الاضطرار، فإنه يصليها ويكون أداء وليس بقضاء.ثم صلى المغرب في الوقت الذي صلى فيه المغرب في اليوم الأول، يعني: حين غربت الشمس وحل الفطر للصائم، والعشاء بعد ساعة من الليل، وجاء في بعض الأحاديث: ( أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى المغرب عندما غاب الشفق)، يعني: عند أول وقت العشاء؛ لأنه ليس هناك فاصل بين أول وقت العشاء وآخر وقت المغرب، فهما متصلان، مثل وقت صلاتي الظهر والعصر، فهما متصلان، وهذه إذا غاب الشفق يبدأ وقتها التي هي العشاء.وفيه أيضاً: ما جاء في بعض الأحاديث أنه صلاها عند نصف الليل، وهذا هو آخر وقتها الاختياري، وأما وقتها الاضطراري فهو إلى طلوع الفجر، وفي هذا الحديث ذكر فيه أن وقت المغرب لا فرق بين اليوم الأول ولا اليوم الثاني، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه صلى المغرب عند مغيب الشفق، أو في آخر الوقت الذي يغيب فيه الشفق، وصلى العشاء بعد ذلك، وهذا هو الذي يتفق مع قوله: (الصلاة بين هذين الوقتين)؛ لأنه إذا كانت صلاة المغرب هي في وقت المغرب، ما كان هناك وقتان يكون بينهما، يعني: أوقاتاً تصلى فيها الصلاة، لكن جاء في بعض الأحاديث بيان البداية والنهاية لكل وقت من أوقات الصلوات، وهو الذي يتفق مع قوله: ( الصلاة بين هذين الوقتين )، يعني: في كل صلاة من الصلوات الخمس تكون بين وقتين، يعني: في الوقت الذي صلى فيه اليوم الأول، والوقت الذي صلى فيه في اليوم الثاني؛ لأنه في اليوم الأول صلى به في أول الوقت، وفي اليوم الثاني صلى به في آخر الوقت الاختياري، هذا بالنسبة للصلوات التي لها وقت اختياري. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في آخر وقت الظهر قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].وهو الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة, إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، مثل إسحاق بن راهويه، خرج له أصحاب الكتب الستة, إلا ابن ماجه.[أنبأنا الفضل بن موسى].وهو الفضل بن موسى المروزي أيضاً، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن عمرو].وهو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، وأحاديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سلمة].وهو ابن عبد الرحمن بن عوف الذي مر ذكره قريباً.[عن أبي هريرة].وقد مر ذكره أيضاً. شرح حديث: (كان قدر صلاة رسول الله الظهر في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأدرمي حدثنا عبيدة بن حميد عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق عن كثير بن مدرك عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( كان قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام ) ].هنا أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو يتعلق بتأخير صلاة الظهر في الصيف، وأنه يكون في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام, وفي الشتاء من خمسة إلى سبعة أقدام، وهذا يتعلق بتأخيرها، وهذا ليس في كل البلدان، وإنما يكون في بعض البلدان، يعني: هذا المقدار؛ لأن البلدان تختلف باختلاف الظل, وتقدم الأوقات وتأخرها، وكذلك في الحرارة والبرودة تختلف.وهنا أورد النسائي الحديث في ذكر آخر وقت الظهر، وكأنه فيه الإشارة إلى التأخير إلى آخر وقت الظهر. تراجم رجال إسناد حديث: (كان قدر صلاة رسول الله الظهر في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام...) قوله: [أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأدرمي].وهو ثقة، خرج له أبو داود, والنسائي.[حدثنا عبيدة بن حميد].وهو عبيدة بن حميد الضبي الكوفي، وهو صدوق, ربما أخطأ، وحديثه عند البخاري وأصحاب السنن الأربعة.عبيدة بفتح العين، وليس بضمها.[عن أبي مالك الأشجعي].وهو سعد بن طارق، وهو ثقة, خرج له البخاري تعليقاً, ومسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[عن كثير بن مدرك].وهو ثقة أيضاً، خرج له مسلم, وأبو داود, والنسائي.[عن الأسود بن يزيد].وهو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة مخضرم, خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الله بن مسعود].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من فقهاء الصحابة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم الجلوس في المسجد بدون وضوء السؤال: هل يجوز الجلوس في المسجد بدون وضوء؟الجواب: نعم يجوز، لكن كون الإنسان يكون على طهارة فهذا هو الذي ينبغي، وإذا حصل له الحدث, فلا يلزمه أن يقوم لكونه حصل منه الحدث، وإنما له أن يبقى، لكن كونه يكون في المسجد على طهارة, فهذا هو الذي ينبغي. مدى صحة القول بعدم وجود دليل يمنع الحائض من قراءة القرآن السؤال: قال بعض العلماء: ليس هناك دليل بمنع الحائض من قراءة القرآن، وإنما منع ذلك العلماء إجماعاً؟الجواب: لا، ليس هناك إجماع، بل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن, فإذا خافت على نفسها من النسيان فلتقرأ من حفظها؛ لأن حيضتها وانتهاءها ليس بيدها، بخلاف الجنابة؛ فإن الجنابة بيد الإنسان, يستطيع أن يتخلص منها، وأن يرفعها متى شاء، فإن كان الماء موجوداً يغتسل، وإن كان غير موجود يتيمم، وأما بالنسبة للحائض فانتهاء الحيض ليس بيدها, وهذا الكلام إنما هو بالنسبة للحفظ، أما بالنسبة لمس المصحف فمن دون الحائض، وهو الذي ليس على طهارة، يعني: ليس متوضئاً فلا يمس القرآن، كما جاء في الحديث: ( لا يمس القرآن إلا طاهر )، وإنما المقصود من القراءة بالنسبة للحائض القراءة عن ظهر قلب. حكم رواية الصحابي الحديث بالمعنى السؤال: هل يجوز للصحابي أن يروي الحديث بالمعنى دون بيان هذا المعنى؟الجواب: نعم، يجوز للصحابي وغير الصحابي؛ لأن تبليغ ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم هذا أمر لا بد منه، فإذا كان متمكناً من اللفظ فالأولى أن يقتصر على اللفظ وألا يتجاوز اللفظ، لكن إذا لم يضبط اللفظ ولكن ضبط المعنى، فالإنسان يأتي بالمعنى، وبالعبارة التي تؤديه، وهذا هو الرواية بالمعنى. بيان بداية الوقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة السؤال: متى يبدأ وقت قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة؟الجواب: ما أعلم له تحديداً، لكنه يكون من أول النهار، يعني: يمكن أن يبدأ من أول النهار. حكم صرف خمسة ريالات ورق بأربعة ريالات معدنية السؤال: ما حكم لو أعطى إنسان الصراف خمسة ريالات ورق، فأعطاه أربعة ريالات حديد؟ الجواب: الأولى اجتناب هذا العمل، وأن يكون الورق بما يقابله من الحديد، بمعنى: أن تكون خمسة مع خمسة، وهذا هو الذي لا إشكال فيه، وبعض العلماء يفتي بالجواز، ولكن الأولى للإنسان أن يبتعد عما فيه شبهة: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ). المراد بكون القصاص كفارة عن القتل السؤال: القصاص كفارة للقاتل، فما معنى هذه الكفارة؟الجواب: المراد بالكفارة أنه قتل فقتل، وهذا معناه أن الشيء الذي حصل منه حصل له شيء يقابله، لكن هل يكون ذلك كفارة؟ وهل يكون بذلك انتهى؟ وأنه يؤاخذ على ذلك في الآخرة؟ الله أعلم لا ندري، لكن بالنسبة لأوليائه فقد حصل لهم ما يريدون إذا أرادوا القصاص، لكن هل العلاقة تنتهي بين القاتل والمقتول؟ لا أدري والله أعلم. حكم الأكل من طعام من يتكسب من الخمر السؤال: رجل زار عمته في بيتها، فهل يجوز له تناول شيء من الطعام أو الشراب إذا كان زوجها يشتغل ببيع الخمر؟الجواب: الذي يجب هو نصح هذا الزوج, الذي هو زوج عمته، نصحه وبيان خطورة ما هو واقع فيه، وأن المكاسب التي يحصلها من وراء الخمر أنها حرام؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، والرسول صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة، ومنهم بائعها، فالواجب هو تنبيهه، لكن إذا كان هذا هو الغالب على مكاسبه، أو أن مكاسبه من هذا القبيل فلا ينبغي له أن يأكل من طعامه إذا كان مكاسبه من الخمر، أما إذا كان الغالب هو من غير الخمر، فإذا تركه تعففاً فهو الأولى، وإن أكل فلا بأس. المقصود بقول: انفرد به النسائي كما في تحفة الأشراف السؤال: ما معنى ما يرد في الحاشية: انفرد به النسائي، تحفة الأشراف؟الجواب: المقصود من ذلك أنه ما رواه أحد من أصحاب الكتب الستة الباقين؛ لأن (تحفة الأشراف) هي لأصحاب الكتب الستة, ولرواياتهم، فإذا كان الحديث موجوداً عند غير النسائي، فإنه يذكر أنه خرجه فلان وخرجه فلان، ثم يشير إلى تحفة الأشراف التي جمعت فيها الأطراف لهذه الكتب، فقد يكون الحديث عند النسائي وحده، وعند ذلك يقول: انفرد به النسائي، وقد يكون أيضاً عند أبي داود، فيقول: أخرجه أبو داود في كتاب كذا، وفي آخر هذا التخريج يقول: تحفة الأشراف رقم كذا، يعني: هذا الحديث الذي انفرد به النسائي، أو رواه النسائي، وغيره معه ممن ذكروا في التعليق، بأنه أخرجه فلان وفلان وفلان، فإنه أشير في تحفة الأشراف إلى من خرجوه من أصحاب الكتب الستة، فإذا كان الحديث ممن انفرد به النسائي قال: انفرد به النسائي، ثم قال: تحفة الأشراف، والإنسان إذا رجع إلى تحفة الأشراف ما وجد أنه أخرجه إلا النسائي من أصحاب الكتب الستة. مدى خصوصية مضاعفة الصلاة بمسجد الكعبة على غيره في محيط الحرم السؤال: هل الصلاة في أي مكان بمكة تعدل الصلاة في المسجد الحرام؟الجواب: فيها خلاف بين العلماء، فمن العلماء من قال: إن الصلاة التي تضاعف بمائة ألف ضعف هي في المسجد المحيط بالكعبة، ومن العلماء من يقول: إن مكة كلها يقال لها المسجد الحرام، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام )، قوله: (المسجد الحرام)، يعني: يصلي في مكة كلها، والقول بأن مكة كلها مسجد حرام، جاء في الآيات والأحاديث ما يدل عليه.ومما ورد في الآيات: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، والمقصود بالمسجد الحرام هو مكة كلها، وليس المقصود منه المسجد فقط ومكة لهم أن يدخلوها، لا، وإنما لا يدخلون مكة كلها، ومعنى الآية أي: لا يقربوا مكة، فكلها يطلق عليها أنها المسجد الحرام، وكذلك أيضاً جاء في غير هذه الآية، فمن العلماء من قال: إن التضعيف يكون في مكة كلها، لكن على هذا القول الذي قال به بعض العلماء، ليسوا سواء من يصلي عند الكعبة، ومن يصلي في أي مكان من مكة، كما أن من يصلي في الصف الأول ليس مثل الذي يصلي في أواخر الصفوف، فبينهما فرق. معنى ما ورد في الحديث: (من ثلاثة إلى خمسة أقدام) السؤال: ما معنى ما ورد في الحديث الأخير: (ثلاثة إلى خمسة أقدام، خمسة إلى سبعة أقدام)؟الجواب: يعني: كأن هذا في الشتاء, وهذا في الصيف، وهذا في بعض البلدان وليس مطرداً في كل مكان، والنسائي أورد هذا في آخر وقت الظهر، لكن هل يكون ظل كل شيء مثله في هذا المقدار؟ معلوم أن الثلاثة الأقدام لا تأتي مثل الشيء، يعني: ظلها مثله، لكن كأن المقصود بذلك إبراد وتأخير، لكن يشكل عليه ما قال: (وأنه في وقت الشتاء من خمسة إلى سبعة). مدى جواز قول الرجل لأخيه: ما أحوال إيمانك السؤال: هل يجوز للرجل أن يقول لأخيه إذا لقيه: ما أحوال إيمانك؟الجواب: أنا ما أعلم له أثراً، يعني: الإنسان يسأل عن حال الإنسان، وأما عن إيمانه وأحوال إيمانه, فالإنسان هنا يزكي نفسه! وإنما يمكن أن يقول: تعال نزداد إيماناً، يعني: يعملون أعمالاً صالحة تزيد في إيمانهم، أو يتذاكرون مثلما كان الصحابة يطلب بعضهم من بعض أن يجلسوا إلى بعض، وأن يزدادوا إيماناً. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (95) - باب أول وقت العصر - باب تعجيل العصر للصلاة وقتان: اضطراري، واختياري، ووقتها الاختياري موسع بين أول الوقت وآخره، منها صلاة العصر، ويستحب تعجيلها أول وقتها؛ عندما تكون الشمس بيضاء نقية لم يذهب ضياؤها ولم تصفر. أول وقت العصر شرح حديث جابر في أول وقت العصر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول وقت العصر.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا عبد الله بن الحارث حدثنا ثور حدثني سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة، فقال: صل معي، فصلى الظهر حين زاغت الشمس، والعصر حين كان فيء كل شيء مثله، والمغرب حين غابت الشمس، والعشاء حين غاب الشفق، قال: ثم صلى الظهر حين كان فيء الإنسان مثله، والعصر حين كان فيء الإنسان مثليه، والمغرب حين كان قبيل غيبوبة الشفق)، قال عبد الله بن الحارث: ثم قال في العشاء: أُرى إلى ثلث الليل ].يقول النسائي رحمه الله: باب: أول وقت العصر، أورد فيه حديث: جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وقد جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام رجل وسأله عن مواقيت الصلوات، فقال: (صل معي)، ثم إنه صلى يوماً من الأيام الصلوات من أول الوقت، ثم في اليوم الثاني في آخر الوقت، أي: الوقت الاختياري، وأرشده عليه الصلاة والسلام، وبين له فعلاً وعملاً, حيث جعله يشاهد ويعاين الصلوات في أوائل أوقاتها، وفي أواخر أوقاتها، وعلم بذلك البداية والنهاية، وقد اشتمل على أوقات متعددة، ولكن النسائي أورده للاستدلال به على أول وقت العصر، وأنه عندما يكون ظل الشيء مثله، أي: عند انتهاء وقت الظهر يأتي مباشرة ابتداء وقت العصر؛ لأنه لا فاصل بين الوقتين؛ وقت الظهر ووقت العصر، بل بمجرد انتهاء هذا يدخل هذا، ولا فاصل ولا وقت بينهما، بل الوقتان متصلان. قوله: (فصلى الظهر حين زاغت الشمس).يعني: صلى الظهر في أول وقتها. قوله: (والعصر حين كان فيء كل شيء مثله).يعني: وصلاها في أول وقتها، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة؛ لأن أول وقت العصر هو عندما يكون ظل كل شيء مثله، معناه: أن هذا هو نهاية وقت الظهر, وعند ذلك يبدأ وقت العصر.قوله: (والمغرب حين غابت الشمس).وهذا هو وقتها الأخير.قوله: (والعشاء حين غاب الشفق).وهذا هو أول وقتها.قوله: (ثم صلى الظهر حين كان فيء الإنسان مثله).يعني: صلى في اليوم الثاني الظهر حيث كان فيء الشيء مثله، يعني: آخر وقتها، فهذا هو آخر وقت صلاة الظهر، وبعده مباشرة يأتي وقت صلاة العصر.قوله: (والعصر حين كان فيء الإنسان مثليه).يعني: عندما يكون ظل الشيء مثليه، يعني: ضعفه, مثله مرتين، هذا هو نهاية وقت العصر، والمراد بذلك: الوقت الاختياري الذي يمكن للإنسان أن يؤخر الصلاة إلى ذلك الوقت، ولكن كما عرفنا أن الصلاة في أول وقتها قد رغب فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحث على أن يكون أداء الصلوات في أوائل أوقاتها؛ لأن في ذلك مبادرة إلى الخيرات، ومسابقة إلى الإتيان بالشيء في أول وقته بعد تحقق دخول الوقت، ففيه المبادرة والإتيان بالصلاة في أول وقتها، لكن للإنسان أن يؤخرها وهو مختار إلى أن يكون ظل كل شيء مثليه، وعند ذلك ينتهي الوقت الاختياري لصلاة العصر، ويبدأ الوقت الاضطراري وهو إلى غروب الشمس، يعني: الإنسان لو نام، أو حصل له أمر جعله ينشغل من غير أن يكون هناك غفلة عن الصلاة، وإنما جاءه ما يقهره عن أن يصلي الصلاة في وقتها المختار، فإنه يصليها في الوقت الاضطراري، وهو أداء وليس بقضاء؛ لأنه إلى غروب الشمس هو وقت لصلاة العصر، ولكن من بلوغ الشيء مثليه إلى الغروب، فهذا يعتبر وقتاً اضطرارياً، ومن بلوغ ظل الشيء مثله إلى بلوغه مثليه، هذا وقت اختياري.قوله: (والمغرب حين كان قبيل غيبوبة الشفق).لأنه إذا غاب الشفق يأتي أول وقت العشاء، فإذاً: قبيل الغيبوبة، هذا هو آخر وقتها، فصلاها في آخر وقتها، وذلك قبل صلاة العشاء مباشرة؛ لأن وقت المغرب ووقت العشاء متصلان ليس بينهما فاصل، كالظهر والعصر ليس بينهما فاصل، فبمجرد ما يخرج وقت هذه يدخل وقت هذه، فالمغرب صلاها قبيل غيبوبة الشفق، والعشاء كان قد صلاها كما في اليوم الأول عندما غاب الشفق، يعني: هذه صلاها في أول وقتها، وهذه صلاها في آخر وقتها.قوله: (قال عبد الله بن الحارث: ثم قال في العشاء: أرى إلى ثلث الليل).ثم قال عبد الله بن الحارث وهو أحد رجال الإسناد: أُراه إلى ثلث الليل، وهذا شك وعدم جزم، ولكن جاءت أحاديث تدل على أن نهاية وقتها -أي: الاختياري- نصف الليل، وليس إلى ثلث الليل فقط، بل إلى نصفه، هذا هو الوقت الاختياري، وبعد ذلك يبدأ الوقت الاضطراري من نصف الليل إلى طلوع الفجر، ولم يأت في الحديث ذكر صلاة الصبح، ولعل ذلك إما أنه وقع اختصاراً من الراوي، أو عدم ضبطٍ له، وأما الأوقات الأربعة فقد ذكرت في أوائل أوقاتها وفي أواخر أوقاتها، أي: الأواخر الاختيارية بالنسبة لما كان له وقت اختياري ووقت اضطراري. تراجم رجال إسناد حديث جابر في أول وقت العصر قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].وهو اليشكري السرخسي، وهو ثقة, مأمون, سني، قد تكرر ذكره، وهو ثقة خرج حديثه البخاري, ومسلم, والنسائي.[حدثنا عبد الله بن الحارث].وهو ابن عبد الملك المخزومي، وهو ثقة, خرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا ثور].وهو ثور بن يزيد الحمصي، وهو ثقة ثبت, خرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.[حدثني سليمان بن موسى].وهو سليمان بن موسى الدمشقي، صدوق, فقيه, في حديثه بعض لين، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، فهو مثل: عبد الله بن الحارث في الإسناد؛ لأن كلاً من عبد الله بن الحارث وسليمان بن موسى خرج لهما مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[عن عطاء بن أبي رباح].وهو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة, يرسل كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن جابر].وهو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن جابر وعن الصحابة أجمعين، وهو من السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم الذين جمعهم السيوطي في بيتين من ألفيته، حيث قال:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـجابر رضي الله عنه هو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تعجيل العصر شرح حديث عائشة: (إن رسول الله صلى صلاة العصر والشمس في حجرتها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تعجيل العصر.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها) ].أورد النسائي رحمه الله: تعجيل صلاة العصر. يعني: في أول وقتها، فإنه بعدما ذكر في الباب الذي قبله: بيان أول الوقت، وأنه عندما يكون ظل الشيء مثله، أي: أول وقت العصر، بعد ذلك أتى بالترجمة التي تدل على التعجيل، وأنها تصلى في أول وقتها، وقد أورد في ذلك عدة أحاديث، أولها حديث عائشة رضي الله عنها.قولها رضي الله عنها: (لم يظهر الفيء من حجرتها).المقصود من ذلك: أنه بكر بها، وأنه عجلها وصلاها في أول وقتها.قالت: (والشمس في حجرتها).يعني: لم تخرج من الحجرة, ومن المعلوم أن ذلك إنما يكون في أول الوقت. وقولها: (لم يظهر الفيء من حجرتها)، بمعنى: أنه ما حصل ذهاب الشمس بحيث يأتي الظل, ويغطي مكان ذلك الضياء الذي دخل في الحجرة، وهذا تنبيه وإشارة؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام إنما صلاها في وقتها، والمراد من ذلك: هو تعجيلها في أول وقتها. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن رسول الله صلى صلاة العصر والشمس في حجرتها...) قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الليث].وهو الليث بن سعد المصري، المحدث, الفقيه, الثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة, فقيه, محدث، عرف بكثرة رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عروة].وهو عروة بن الزبير بن العوام، وهو تابعي, ثقة، وهو من فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهو ابن أسماء بنت أبي بكر.[عن عائشة].وهي عائشة بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وعن الصحابة أجمعين، وهي الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور، وهي المكثرة من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي أحد السبعة الذين مر ذكرهم، والذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم ستة من الرجال وواحدة من النساء، وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. شرح حديث: (إن رسول الله كان يصلي العصر ... والشمس مرتفعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن مالك قال: حدثني الزهري وإسحاق بن عبد الله عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء، فقال أحدهما: فيأتيهم وهم يصلون، وقال الآخر: والشمس مرتفعة )].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر، ثم يذهب الذاهب إلى قباء، فيأتيهم وهم يصلون)، وهم صحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومعلوم أنهم يصلون في الوقت، ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة في أول وقتها، حيث ذهب الذاهب بعد صلاة النبي عليه الصلاة والسلام هذه المسافة، ووجد أهل قباء يصلون، ولكون أنس بن مالك يروي عنه الزهري وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فأحدهما قال: (وهم يصلون)، والثاني قال: (والشمس مرتفعة)، معناه: أنه صلى الصلاة في أول وقتها، ففيه: تعجيل الصلاة، أي: صلاة العصر في أول وقتها. تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان يصلي العصر ... والشمس مرتفعة) قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو المروزي، وهو ثقة, خرج حديثه الترمذي, والنسائي.قوله: [أخبرنا عبد الله ].وهو عبد الله بن المبارك المروزي.وهو ثقة ثبت, إمام، حجة، جواد، مجاهد، لما ذكر ابن حجر في التقريب جملة من صفاته، قال عقبها: جمعت فيه خصال الخير، وحديث عبد الله بن المبارك خرجه أصحاب الكتب الستة، ولم ينسب عبد الله، ولكن كون الراوي عنه سويد بن نصر يدل على أنه عبد الله بن المبارك؛ لأن سويد بن نصر هو راوية عبد الله بن المبارك، يعني: راوي أحاديثه، والمكثر من رواية حديثه وكل منهما مروزي.[عن مالك].وهو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المشهور، أبو عبد الله، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حدثني الزهري وإسحاق بن عبد الله].الزهري قد مر ذكره. أما إسحاق فهو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وعبد الله بن أبي طلحة هو أخو أنس بن مالك لأمه؛ لأن أبا طلحة تزوج أم أنس وأتت بـعبد الله، وإسحاق يروي عن عمه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ لأنه أخو أبيه لأمه، وهو ثقة حجة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان عمره عشر سنين، وخدمه عشر سنين منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله، فكان عمره يومئذ عشرين سنة رضي الله عنه، فهو خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من المعمرين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن أنس وعن الصحابة أجمعين. شرح حديث: (أن رسول الله كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة )].وهنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية), يعني: أنها في شدة ضوئها, ولم يحصل تغير لونها, لكونها قربت من الغروب، وإنما هو في حال شدة ضوئها، وهي مرتفعة في السماء، يعني: ما اتجهت إلى الغروب، ثم يذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة، وهذا هو المقصود بالتعجيل؛ لأن كونه يصلي الرسول صلى الله عليه وسلم العصر، ثم يذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة، يعني ذلك أنها ما مالت إلى الغروب، وتغير لونها، وهذا دليل على تعجيله إياها. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية...) قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد، وقد مر ذكره.[حدثنا الليث].والليث قد مر ذكره.[عن ابن شهاب].وابن شهاب قد مر ذكره.[عن أنس بن مالك].وأنس بن مالك قد مر ذكره. وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية عند النسائي، وهي أعلى الأسانيد عند النسائي كما ذكرت فيما مضى؛ لأنه ليس عنده شيء من الثلاثيات، فأعلى ما عنده هي الرباعيات، وهذا الإسناد منها، والزهري من صغار التابعين؛ لأنه أدرك الذين تأخرت وفاتهم من الصحابة، يعني: أدرك أواخر الصحابة، فهو يعتبر من صغار التابعين. شرح حديث: (كان رسول الله يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي الأبيض عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك أيضاً: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة)، معناه: أنها مرتفعة في السماء، وهذا يدل على التبكير فيها؛ لأنه كونه يصليها وهي بيضاء، وهذا هو معناه كونها حية في الحديث الذي قبل هذا، معناه: أنه ما تغير لونها إلى الاصفرار، بل هي بيضاء كهيئتها وحالتها لم تتغير في اتجاهها إلى الغروب، وهذا يدل على التبكير، ويدل على تعجيلها في أول وقتها، كونه يصلي العصر والشمس بيضاء محلقة، يعني: أنها مرتفعة؛ لأن التحليق معناه: أنها مرتفعة في السماء لم يحصل ذهابها كثيراً إلى جهة الغروب، وذلك لأنه قد بكر بها؛ لأنها بيضاء حية مرتفعة. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة) قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه، المحدث, الفقيه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأحد الأشخاص الذين وصفوا بهذا الوصف، وهو من أعلى صيغ التعديل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة, إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[حدثنا جرير].وهو ابن عبد الحميد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن منصور].وهو ابن المعتمر، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ربعي بن حراش].وهو ثقة, عابد, مخضرم، خرج حديثه الجماعة.[عن أبي الأبيض].وهو الشامي، وهو ثقة, خرج حديثه النسائي وحده.[عن أنس].وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره. شرح حديث أنس في تعجيل صلاة العصر من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف سمعت أبا أمامة بن سهل يقول: (صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر، قلت: يا عم! ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصلي)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف صلى مع عمر بن عبد العزيز الظهر، وكان ذلك في آخر وقتها، ثم إنهم جاءوا إلى أنس بن مالك في بيته وهو قريب من المسجد، ووجدوه يصلي، قالوا: ما هذه الصلاة؟ قال: العصر، فمعناه, أنه صلاها في أول وقتها، وقال: (وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصلي)، يعني: نصلي معه في هذا الوقت، وعمر بن عبد العزيز رحمه الله أخر الصلاة، ولعل ذلك قبل أن يعلم السنة في تعجيلها والمبادرة بها، أو أنه حصل عنده ما يشغله حتى صلاها في آخر وقتها، ومعلوم أن وقت صلاة الظهر الاختياري هو من الزوال إلى بلوغ كل شيء مثله، ولكن تعجيلها هي السنة، ولعل ذلك أن عمر بن عبد العزيز لم يكن يعلم أن السنة التعجيل. وفي قول أبي أمامة بن سهل بن حنيف لـأنس بن مالك: يا عم, هذا من الألفاظ التي يخاطب فيها الصغار الكبار، وهي من الأدب، وإن لم يكن عمه في النسب، يعني: يقول الصغير للكبير: يا عم, وهنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف يقول لـأنس بن مالك: يا عم, وهو ليس عمه في النسب، يعني: سأله عن هذه الصلاة، وأخبرهم أنه صلى العصر، وأن هذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانوا يصلونها مع النبي عليه الصلاة والسلام.والمقصو� � من ذلك: هو تعجيل صلاة العصر؛ لأن الترجمة هي: تعجيل صلاة العصر، وأنس بن مالك رضي الله عنه عجلها، وقال: إنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت، وهذا هو محل الشاهد، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في أول الوقت، وهو الدليل على تعجيلها في أول وقتها. تراجم رجال إسناد حديث أنس في تعجيل صلاة العصر من طريق رابعة قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله].وهما سويد بن نصر المروزي, وعبد الله بن المبارك المروزي وقد مر ذكرهما.قال: [عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف].وهو أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف، وهو مقبول، خرج له البخاري, ومسلم, والنسائي.[سمعت أبا أمامة].وشيخ أبي بكر بن عثمان هو عمه أبو أمامة بن سهل، يعني: أن أبا أمامة هو أخو عثمان.وأبو أمامة مشهور بكنيته، واسمه أسعد، وقيل: سعد، وهو معدود في الصحابة؛ لأنه له رؤية، ولكنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنس].وهو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.وعمر بن عبد العزيز ليس من رجال الإسناد، وإنما جاء ذكره لأنهم صلوا معه ثم ذهبوا، والإسناد كله بين أبي أمامة وأنس، ولكن عمر بن عبد العزيز كان صلى بهم وخرجوا معه إلى أنس بن مالك، ولم يكن هذا في زمن خلافة عمر بن عبد العزيز، وإنما في زمن ولايته على المدينة وإمارته عليها في خلافة الوليد بن عبد الملك؛ لأن عمر كان أميراً على المدينة، وعندما صلوا معه ذهبوا إلى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه. شرح حديث أنس في تعجيل صلاة العصر من طريق خامسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو علقمة المدني حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال: (صلينا في زمان عمر بن عبد العزيز، ثم انصرفنا إلى أنس بن مالك فوجدناه يصلي، فلما انصرف قال لنا: صليتم؟ قلنا: صلينا الظهر، قال: إني صليت العصر، فقالوا له: عجلت؟ فقال: إنما أصلي كما رأيت أصحابي يصلون ) ].وهنا أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه تعجيل صلاة العصر، وهي مثل القصة السابقة، يعني: أبو سلمة يقول: (صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم أتينا أنس بن مالك فوجدناه يصلي، قلنا: ما هذه الصلاة؟ قال: العصر، قالوا: عجلت، قال: إنما أصلي كما رأيت أصحابي يصلون)، يعني: أصحاب رسول الله، يعني: هذه طريقتهم التي تلقوها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي كانوا عليه. تراجم رجال إسناد حديث أنس في تعجيل صلاة العصر من طريق خامسة قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وقد مر ذكره وهو ابن راهويه.[حدثنا أبو علقمة المدني].وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة المدني، وهو ثقة, صدوق, خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم, وأبو داود, والنسائي.[عن محمد بن عمرو].هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سلمة].وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع؛ والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: إن سابعهم هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهو أحد السبعة على أحد الأقوال، ليس محل الاتفاق في عده منهم؛ لأن من العلماء من يعد مكانه سالم بن عبد الله، ومنهم من يعد مكانه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.[أنس بن مالك].وقد مر ذكره. الأسئلة الفرق بين قول: (أخرجه البخاري) و(خرجه البخاري) السؤال: ما هو الفرق بين أن يقال: خرجه البخاري, وأخرجه البخاري؟الجواب: خرجه, وأخرجه لا أعلم بينهما فرقاً. حكم الصلاة على رسول الله بصيغة النداء السؤال: هل إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: اللهم صل وسلم عليك يا رسول الله، هل يعتبر هذا نداء؟الجواب: هو من جنس: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، لكن العبارات المشهورة أنها تأتي بالغيبة، يعني: بضمير الغيبة, وليس بضمير الخطاب، فيقال: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، أو اللهم صل وسلم وبارك عليه. حكم تملك كتاب سنن النسائي من الشيخ مع عدم حضور للدرس السؤال: فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن أخذ نسخاً من عندكم من سنن النسائي لأجل الحضور والالتزام، ثم هو بعد ذلك لم يلتزم ولم يحضر، فهل يحق له أخذ ذلك؟الجواب: الإنسان الذي أخذ النسخة وهو يريد أن يدرس ولم يتمكن من الدراسة، من المناسب أن يعطيها لمن هو ملازم للدراسة. حكم تأخير الصلاة إلى وقتها الاضطراري السؤال: هل إيقاع الصلاة في الوقت الاضطراري يلحق صاحبها الإثم؟الجواب: لا يجوز للإنسان أن يؤخر؛ لأنه لا يصل إليه إلا عن طريق الاضطرار، ولا يصل عليه عن طريق الاختيار؛ لأنه لو أخرها عمداً فلا شك أنه يأثم؛ لأن هذا ليس وقتاً اختيارياً فيه مجال له، بل لا مجال له إلا أن يكون مضطراً، كإنسان كان نائماً، فإنه يصلي إذا استيقظ، والصلاة عندئذ تكون في وقتها، وهو مضطر إلى ذلك؛ لأن النوم غلبه. معنى الإبراد والتهجير السؤال: ما معنى الإبراد والتهجير؟الجواب : الإبراد هو: تأخير الصلاة عن أول وقتها، أي: حتى تنكسر حدة الشمس، وتخف حرارتها قليلاً، وأما التهجير فهو التبكير بها، والإتيان بها في الهاجرة. حكم التيمم للجنب عند الخوف من خروج وقت صلاة الفجر السؤال: شخص استيقظ من نومه ووجد أنه محتلم قبيل طلوع الشمس، هل يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس أم يتيمم ويصلي قبل طلوع الشمس؟الجواب: لا يجوز له أن يتيمم، بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي إن أدرك شيئاً قبل طلوع الشمس، وإلا فإنه يصلي بعد طلوع الشمس. سبب عدم تبويب النسائي لكتاب مواقيت الصلاة السؤال: لم يذكر النسائي رحمه الله في كتاب المواقيت أبواباً للتراجم، فما السبب في ذلك؟الجواب: لا أدري؛ لأنه هذا شأنه، يعني: أحياناً يأتي بباب، وأحياناً بدون باب، والكثير بدون باب. إمامة حاسر الرأس السؤال: هل يصح أن يُؤتم بمن لا يغطي رأسه في الصلاة وخارجها؟الجواب: نعم تصح إمامته وإن كان كاشف الرأس، فليس من شرط الصلاة أن يكون الإنسان مغطياً رأسه، لكن لا شك أن هذا أكمل. إمامة المتهاون بالسنن المؤكدة السؤال: هل يصح أن يؤتم بالمعرض عن السنن المؤكدة؟الجواب: الإنسان الذي يتساهل في النوافل لا شك أن غيره أولى منه، ومن المعلوم أن من السنن المؤكدة هي ركعتا الفجر والوتر، فقد جاء عن بعض العلماء أنه شدد فيمن يترك الوتر، قيل عن الإمام أحمد أنه قال: إن الذي لا يصلي الوتر رجل سوء، ومن المعلوم أن التساهل في النوافل يكون سبباً ووسيلة إلى التساهل بالفرائض، فإن من يتساهل في النوافل من السهل عليه أن يتساهل في الفرائض، فصلاته تصح، ولكن عند الاختيار للإمامة يختار غيره ممن يكون محافظاً على النوافل. حكم تبرج المرأة وتعطرها عند الخروج وتشبهها بالكافرات السؤال: ما حكم تبرج المرأة وتعطرها عند الخروج، وتشبهها بالكافرات وبلبس الكافرات؟الجواب : لا يجوز للمرأة أن تتعطر عندما تخرج، ولا يجوز لها أن تتبرج، ولا يجوز لها أن تتشبه بالكافرات، كل ذلك حرام على النساء. حكم التصوير الفوتوغرافي السؤال: ما رأي فضيلتكم في التصوير الفوتوغرافي؟الج واب: التصوير الفوتوغرافي اسمه تصوير، والصورة التي تخرج منه يقال لها: صورة، والذي يقوم بهذه المهمة يقال له: مصور، فالتصوير الفوتوغرافي مثل غيره، ولكن يجوز ذلك للضرورة، يعني: مثل: الجواز، ومثل: الأشياء التي يضطر إليها الإنسان كرخصة القيادة، وما إلى ذلك من الأشياء التي يضطر إليها الإنسان. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (96) - (باب التشديد في تأخير العصر) إلى (باب من أدرك ركعتين من العصر) على المسلم ألا يؤخر العصر إلى آخر وقتها, وقد شدد الشارع على من أخر العصر إلى وقتها الاضطراري لغير عذر, ومن أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس، فقد أدرك العصر. التشديد في تأخير العصر شرح حديث: (تلك صلاة المنافق جلس يرقب صلاة العصر حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التشديد في تأخير العصر.أخبرنا علي بن حجر بن إياس بن مقاتل بن مشمرج بن خالد, حدثنا إسماعيل حدثنا العلاء: (أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه قال: أصليتم العصر؟ قلنا: لا، إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلوا العصر، قال: فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تلك صلاة المنافق جلس يرقب صلاة العصر، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله عز وجل فيها إلا قليلاً) ].الإمام النسائي رحمه الله لما ذكر تعجيل صلاة العصر، وأورد الأحاديث الدالة على تعجيلها، وأن هذا هو الذي فعله الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وكان أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم يفعلونه، ذكر بعد ذلك ما يقابل هذا التعجيل الذي هو التأخير، ومن المعلوم أن العصر نهاية وقتها له حالان: حال هي نهاية وقت اختياري، وحال هي نهاية وقت اضطراري، والوقت الاختياري هو الذي يسوغ للإنسان أن يؤخر الصلاة إليه، لكن عليه أن يحرص على أن يؤدي الصلاة في أول وقتها، وأما الاضطراري الذي يكون بعد بلوغ ظل الشيء مثليه إلى غروب الشمس، فإن هذا لا يجوز التأخير إليه، ولكن من كان مضطراً، وأخر إلى ذلك الوقت لضرورة، كنوم, أو نسيان, أو ما إلى ذلك، ثم إنه فعل ذلك في هذا الوقت، فإن ذلك صلاة في الوقت، ولكنه في الوقت الاضطراري الذي لا يؤخر الإنسان إليه إلا مضطراً، أما اختياراً فليس للإنسان أن يؤخر إليه؛ لأنه لو أخر إلى الوقت الاضطراري وهو مختار غير مضطر، فإنه يأثم وصلاته صحيحة، وصلاته في الوقت وليست قضاء. وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال العلاء بن عبد الرحمن: صلينا الظهر، ثم جئنا إلى أنس بن مالك في داره، وكانت قريبة من المسجد، فوجدناه يصلي، فسألوه عن صلاته، فقال: إنها العصر، قالوا: إننا صلينا الظهر، فقال: صلوا العصر، فصلوا، ولما صلوا حدثهم، وقال: (تلك صلاة المنافق)، يعني: تأخير صلاة العصر إلى قرب غروب الشمس، هذه صلاة المنافقين، ينتظر الشمس حتى إذا قرب نهاية وقتها الاضطراري صلى أربعاً ينقرها، يعني: يسرع بها، لا يطمئن فيها ولا يخشع فيها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً، فتلك صلاة المنافقين الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها، من غير اضطرار، أما مع الاضطرار فكما عرفنا كل ذلك وقت أداء إلى غروب الشمس. تراجم رجال إسناد حديث: (تلك صلاة المنافق جلس يرقب صلاة العصر حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً...) قوله: [أخبرنا علي بن حجر بن إياس بن مقاتل بن مشمرج بن خالد].وهنا نسب النسائي شيخه، وكما عرفنا فيما مضى: أن التلميذ يمكن أن ينسب شيخه بما يريد، يذكر ما شاء من نسبه، ولكنه إذا ذكر شيخه بلفظ، فمن جاء بعده لا يزيد على ما ذكر التلميذ، وإذا أراد أن يزيد فليأت بكلمة (هو)، أو بكلمة (يعني)، أما التلميذ فإنه يذكر شيخه بما يريد أن يذكره، بنسبه, وأوصافه, والثناء عليه، وبغير ذلك من الأمور التي يحتاج إلى ذكرها، ولهذا النسائي هنا ذكر نسب شيخه، وأطال في ذكر النسب ما يقرب من سطر، كله نسب لشيخ النسائي: علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة, خرج حديثه البخاري, ومسلم, والترمذي, والنسائي.[حدثنا إسماعيل].وهو ابن جعفر بن أبي كثير، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا العلاء].وهو ابن عبد الرحمن الحرقي أبو شبل، والحرقة بطن من جهينة، وهو صدوق ربما وهم، خرج له أصحاب الكتب الستة: البخاري في جزء القراءة، ومسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[أنه دخل على أنس بن مالك...].وأنس هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي؛ لأن فيه أربعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: علي بن حجر، وإسماعيل بن جعفر، والعلاء بن عبد الرحمن، وأنس بن مالك، هؤلاء الأربعة هم إسناد الحديث، وهو من أعلى أسانيد النسائي الرباعية، وكما ذكرت مراراً: النسائي أعلى ما عنده الرباعيات، وليس عنده شيء من الثلاثيات. شرح حديث: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم عن أبيه رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) ].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)، أي: أصيب بمصيبة فادحة ومصيبة كبيرة هي خسارة الأهل والمال، فهذا يوضح خطورة تأخير صلاة العصر، والنسائي هنا أورده في التشديد في تأخير صلاة العصر، والمقصود من ذلك أنها تفوته، بحيث يخرج وقتها وهو لم يصلها، أو أنه يؤخرها إلى آخر وقتها الاضطراري، وهنا؛ لأنه أورد النسائي الحديث في التشديد في تأخير صلاة العصر، الذي هو عدم تعجيلها، ولكن هذا إنما يكون في تأخيرها إلى آخر وقتها الاضطراري، أو إلى وقتها الاضطراري، أما تأخيرها إلى الوقت الاختياري فإنه سائغ، ولكن الإسراع بالمبادرة بها وتعجيلها في أول وقتها، هذا الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.والحديث سبق أن مر في الأبواب السابقة، ولكنه أعاده النسائي هنا بإسناد آخر؛ لأنه يتعلق بخطورة تأخير صلاة العصر، وأن خطره كبير، وأن الذي تفوته كأنما وتر، يعني: كأنه أصيب بمصيبة أفقدته أهله وماله، وصار بدون أهل ومال. تراجم رجال إسناد حديث: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو ابن مخلد بن راهويه الحنضلي، الفقيه, المحدث، أمير المؤمنين في الحديث، كما وصف بذلك، وهو من أعلى صيغ التعديل، وأرفع مراتب التعديل، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة, إلا ابن ماجه.[حدثنا سفيان].وهو ابن عيينة، وهو مهمل لم ينسب، وسفيان في هذا السند يحتمل أن يكون الثوري، ويحتمل أن يكون ابن عيينة، وإذا أطلق سفيان في هذه الطبقة فهو يحتمل سفيان الثوري ويحتمل سفيان بن عيينة، إلا أن سفيان بن عيينة هنا هو المتعين؛ لأن الزهري أكثر ابن عيينة في الرواية عنه، وأما الثوري فقد ذكر الحافظ ابن حجر: بأنه لم يرو عنه إلا بواسطة، فإذاً: يكون هذا المهمل الذي لم ينسب محمولاً على سفيان بن عيينة .وسفيان بن عيينة ثقة حجة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، مشهور بالنسبة إلى جده زهرة، يقال له: الزهري، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب, يقال له: ابن شهاب، وهو محدث, فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، حديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[عن سالم].وهو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، وهو أحد الفقهاء السبعة, على أحد الأقوال في السابع؛ لأن السابع في الفقهاء السبعة في المدينة قيل فيه ثلاثة أقوال, أحدها: سالم بن عبد الله بن عمر الذي هو هذا، والثاني: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والثالث أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام, وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وأبوه هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة؛ لأنه في أحد استصغر، وأراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن له في القتال، وأن يكون مع الجيش، فاستصغر, فلم يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه أذن له بعد ذلك في الخندق. آخر وقت العصر شرح حديث جابر في آخر وقت العصر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ آخر وقت العصر.أخبرنا يوسف بن واضح حدثنا قدامة يعني: ابن شهاب عن برد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه قال: (إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر حين زالت الشمس، وأتاه حين كان الظل مثل شخصه، فصنع كما صنع، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى المغرب، ثم أتاه حين غاب الشفق، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى العشاء، ثم أتاه حين انشق الفجر، فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الغداة، ثم أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه، فصنع مثلما صنع بالأمس، فصلى الظهر، ثم أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصيه، فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس فصنع كما صنع بالأمس، فصلى المغرب، فنمنا، ثم قمنا، ثم نمنا ثم قمنا، فأتاه فصنع كما صنع بالأمس، فصلى العشاء، ثم أتاه حين امتد الفجر، وأصبح والنجوم بادية مشتبكة، فصنع كما صنع بالأمس، فصلى الغداة، ثم قال: ما بين هاتين الصلاتين وقت ) ].أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وهو يتعلق بمجيء جبريل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وإمامته إياه في الصلاة، والرسول يصلي وراءه, والناس يصلون خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان مجيئه في أحد الأيام في أوائل الوقت، ثم جاءه في أواخر الوقت، وقال له: الصلاة بين هذين الوقتين، يعني: أن ما بين هذين الوقتين هو الصلاة.والمقصود بالترجمة: آخر وقت العصر، وقد ذكر فيه آخر وقت العصر الاختياري، الذي هو كون ظل الشيء مثليه، هذا هو آخر وقتها الاختياري، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة؛ لأن آخر صلاة العصر على سبيل الاختيار هي: أن يكون ظل الشيء مثليه، وأولها: أن يكون ظل كل شيء مثله، هذا هو أول وقتها، عندما ينتهي وقت الظهر يدخل مباشرة وبدون فاصل وقت العصر، وإذا كان ظل الشيء مثليه، فإنه ينتهي وقت العصر الاختياري، وبعد ذلك يبدأ الوقت الاضطراري إلى غروب الشمس. تراجم رجال إسناد حديث جابر في آخر وقت العصر قوله: [أخبرنا يوسف بن واضح].وهو ثقة خرج له النسائي وحده.[حدثنا قدامة يعني: ابن شهاب].وقوله: قدامة، الذي قالها: يوسف بن واضح؛ لأنه ما قال: ابن شهاب، لكن من دون يوسف بن واضح هو الذي نسب قدامة، وقال: ابن شهاب، لكنه أتى بكلمة (يعني) التي تدل على أنه ما قالها يوسف بن واضح، وإنما قالها النسائي أو من دون النسائي، وكلمة (يعني) لها فاعل, ولها قائل، فقائلها: هو من دون يوسف بن واضح، وفاعلها هو: يوسف بن واضح؛ لأن (يعني) فاعلها ضمير مستتر يرجع إلى يوسف بن واضح.[عن برد].وهو ابن سنان، صدوق، خرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عطاء بن أبي رباح].وهو المكي، وهو ثقة, يرسل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن جابر بن عبد الله].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد الصحابة السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: أبو هريرة, وعبد الله بن عمر, وأنس بن مالك, وعبد الله بن عباس, وأبو سعيد الخدري, وجابر بن عبد الله, وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد قال السيوطي في هؤلاء السبعة:والمكثرو� � في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي من أدرك ركعتين من العصر شرح حديث: (من أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس ... فقد أدرك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ من أدرك ركعتين من العصر.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت معمراً عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس، أو ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: من أدرك ركعتين من العصر قبل أن تغرب الشمس، وجاء في بعض النسخ: ركعة بدل ركعتين، وذكر الركعة هو الذي جاء في أكثر الروايات، يعني: (أن من أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة)، يعني: أدرك صلاة العصر في وقتها، وكذلك بالنسبة لصلاة الصبح.فالحاصل: أنه جاء في بعض الروايات ركعتين: من أدرك ركعتين قبل الغروب، وجاء في أكثر الروايات: من أدرك ركعة واحدة قبل أن تغرب الشمس, فقد أدرك الصلاة في وقتها، أي: وقتها الاختياري.وهذه الترجمة معقودة لبيان نهاية الوقت الاضطراري، وهو غروب الشمس، أما الاختياري فهو: أن يكون ظل الشيء مثليه, وهو الذي لا يجوز للإنسان أن يؤخر عنه، ولو أخر عامداً يأثم، وإذا كان مضطراً وغير متعمد، كأن يكون نائماً، أو ناسياً، أو ما إلى ذلك، وأدرك، وصلى الصلاة قبل أن تغرب الشمس، بل لو أدرك ركعة واحدة قبل أن تغرب الشمس، فإنه يكمل ما بقي من صلاته، ويكون بذلك قد أدرك الصلاة في وقتها أداء وليس بقضاء.وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من أدرك ركعتين من العصر قبل أن تغرب الشمس، أو ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك)، يعني: فقد أدرك الصلاة في وقتها، أي: الوقت الاضطراري، وهذا عندما يكون الإنسان مضطراً بأن يكون نائماً, أو ناسياً, أو ما إلى ذلك، فإذا أدرك ركعة واحدة قبل غروب الشمس فإنه يكون مدركاً للصلاة في وقتها. تراجم رجال إسناد حديث: (من أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس ... فقد أدرك) قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].وهو الصنعاني، وهو ثقة، روى له مسلم, وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي, والنسائي, وابن ماجه.وكثيراً ما يأتي محمد بن عبد الأعلى يروي عن خالد بن الحارث عن شعبة، فأكثر الأسانيد التي مرت فيها محمد بن عبد الأعلى، روايته غالباً أو كل ما مضى هو من هذا القبيل، من رواية محمد بن عبد الأعلى عن خالد بن الحارث عن شعبة بن الحجاج، أما هنا فهو: من طريق أخرى غير الطريق المشهورة عنه، وهي: خالد بن الحارث عن شعبة، وإنما هنا يروي محمد بن عبد الأعلى عن معتمر.[حدثنا معتمر].وهو ابن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة, حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن معمر].وهو ابن راشد الأزدي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن طاوس].وهو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو طاوس بن كيسان اليماني، وهو ثقة أيضاً، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].وهو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وهو أحد العبادلة الأربعة في الصحابة: عبد الله بن عباس, وعبد الله بن عمرو, وعبد الله بن عمر, وعبد الله بن الزبير، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة رضي الله عنه هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله، بل هو أكثر السبعة حديثاً، والحديث من رواية صحابي عن صحابي، من رواية ابن عباس عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، وهما من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس ... فقد أدرك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر سمعت معمراً عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس، أو أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك) ].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس أو أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك)، وهذه الرواية التي هي رواية إدراك ركعة واحدة، هي التي عليها أكثر الروايات، وبهذا يتبين أن بإدراك ركعة واحدة يكون الإنسان مدركاً بها للوقت، وليس من شرط ذلك أن يكون مدركاً لركعتين، ولو أدرك أقل من ركعتين لا يكون مدركاً، بل إذا أدرك ركعة واحدة فيكون مدركاً للصلاة في وقتها، أي: صلاة العصر. تراجم رجال إسناد حديث: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغيب الشمس ... فقد أدرك) إسناد الحديث فيه ثلاثة هم أصحاب الإسناد الأول، وهم: محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، عن معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، عن معمر بن راشد، فهؤلاء الثلاثة هم الذين روى عنهم النسائي في الإسناد الذي قبل هذا، ثم يختلف الإسناد، فيروي معمر هنا عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه.[عن الزهري].والزهري أيضاً قد تقدم ذكره.[عن أبي سلمة].وهو ابن عبد الرحمن بن عوف أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره أيضاً. شرح حديث: (إذا أدرك أحدكم أول سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا الفضل بن دكين حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أدرك أحدكم أول سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس, فليتم صلاته، وإذا أدرك أول سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس, فليتم صلاته)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: (إذا أدرك أحدكم أول سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته)، يعني: يأتي بآخرها وقد أدركها في الوقت، فالمقصود هنا بالإتمام: أن يأتي ببقيتها، وإن كان بعد خروج الوقت، إلا أن الصلاة هي في الوقت؛ لأنه أدرك أول سجدة منها، يعني: أول ركعة، والمقصود بالسجدة هنا هي الركعة، وليس المقصود بها السجود, أو سجدة من السجدات، وإنما المقصود من ذلك الركعة؛ لأن الركعة يقال لها: سجدة، تسمية لها ببعض أجزائها الذي هو السجود.قوله: (من أدرك أول سجدة من صلاة العصر).أي: من أدرك أول ركعة، مثلاً: الركعة الأولى إذا صلاها قبل أن تغرب الشمس، معناه أدرك ركعة، فهو مثل من أدرك ركعة، والرواية التي مضت: (من أدرك ركعة) هي من جنس من أدرك أول سجدة، يعني: التي هي أول ركعة من الركعات؛ لأن أول ركعة يقال لها: أول سجدة، فأول سجدة هي أول ركعة، وسميت الركعة سجدة؛ لأن السجدة جزء من الركعة، وهي آخر أجزاء الركعة؛ لأن الركعة فيها قيام وركوع وسجود وجلوس بين السجدتين، وآخر أجزائها، أو آخر أعمال الركعة هي السجدة، ولهذا يقال لها: سجدة، كما يقال للصلاة أيضاً: سجدة، ويقال للصلاة: سجود، كما يقال لها أيضاً: ركوع، يعني: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، يعني: صلوا مع المصلين، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ [ق:40]، يعني: أدبار الصلوات؛ لأن الصلوات يقال لها: سجدات، تسمية للشيء باسم بعضه، وقد أطلق على المساجد مساجد؛ ذلك لأنها مواضع السجود، ولأنها موضع الصلاة، وخصت لفظة (سجود) ونسب إليه المساجد؛ لأن حالة السجود هي: الحالة التي يتمكن الإنسان بها من الأرض أكثر من غيره، بخلاف حالة القيام، وحالة الركوع, وحالة الجلوس، أما حالة السجود ففيه اليدان والركبتان والوجه، كل ذلك قد وضع على الأرض، فلهذا قيل لأماكن الصلاة: مساجد؛ لأنها مواضع السجود، فالسجدة المراد بها الركعة، وأول سجدة يعني: أول ركعة.وقوله: (أول سجدة) يدل على أن ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته وليس أول صلاته؛ لأن بعض العلماء يقول: إن ما يقضيه المسبوق يكون أول صلاته، وبعضهم يقول: هو آخر صلاته، وهنا يقول: من أدرك أول سجدة، يعني: أول ركعة من الركعات، ثم قال: (فليتم صلاته)، فهي مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أدرتكم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، يعني: الذي أدركوه هو أول الصلاة، والذي يتمونه هو آخر الصلاة.وقولي: أن فيه دليلاً على أن ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته، وفي الحقيقة لا يصلح أن يقال: إن فيه مسبوقاً؛ لأنه ما فيه مسبوق، لكن فيه ذكر الأولية وذكر الإتمام، والأول أول والآخر آخر، في مسألة ما يقضيه المسبوق، ما يأتي به الإنسان مع إمامه أول صلاته، وما يأتي به بعد سلام إمامه هو آخر صلاته، وذكر الإتمام معناه: أن الأول هو الأول، ويأتي بالآخر بعده، وأما رواية: (فاقضوا)، التي جاءت في بعض الروايات، فرواية: (أتموا)، أرجح منها، ثم أيضاً (اقضوا) محمولة على (أتموا)؛ لأن القضاء يطلق بمعنى الإتمام، وليس المراد به القضاء الذي هو قضاء الفائت فقط، وإنما يراد به الإتمام. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أدرك أحدكم أول سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته) قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].وهو عمرو بن منصور النسائي، من بلد النسائي، ينسب كنسبة النسائي، وهو ثقة, حديثه خرجه النسائي وحده.[حدثنا الفضل بن دكين].وهو أبو نعيم الكوفي، مشهور بكنيته، وكثيراً ما يأتي أبو نعيم، وأحياناً يذكر باسمه كما هو هنا، فإنه قال: الفضل بن دكين, وما ذكر كنيته، وأحياناً يأتي أبو نعيم، وهو مشهور بهذه الكنية.ومعرفة الكنى والأسماء؛ أسماء ذوي الكنى، وكنى ذوي الأسماء، هذه مهمة؛ لأن من لا يعرف هذا الشيء يظن أن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته، فلو جاء مثلاً: أبو نعيم، وجاء الفضل بن دكين في إسناد، يظن الذي يعرف أن الفضل بن دكين كنيته أبو نعيم، يظن أن أبا نعيم شخص، وأن الفضل بن دكين شخص آخر، لكن من عرف أن هذه كنية لهذا، عرف أنه إن جاء بكنيته أحياناً وباسمه أحياناً، فإنه لا يلتبس على الإنسان.وأبو نعيم الفضل بن دكين ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري، روى عنه البخاري مباشرة، وأما النسائي: فلم يرو عنه إلا بواسطة؛ لأنه توفي سنة (219هـ) فوق المائتين، والنسائي ولد سنة (215هـ)، يعني: أن أبا نعيم مات بعد ولادة النسائي بأربع سنوات، معناه: أنه ما أدركه، وإنما يروي عنه بالواسطة، كما أنه هنا يروي بواسطة شيخه عمرو بن منصور النسائي. [حدثنا شيبان].وهو شيبان بن عبد الرحمن التميمي، ويقال له: النحوي، وليس المقصود من ذلك أنه منسوب إلى علم النحو، وإنما هو منسوب نسبة أخرى، وكنيته أبو معاوية, وهو ثقة, صاحب كتاب، حديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى].وهو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سلمة].وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا، وقيل: سالم بن عبد الله، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وقد مر ذكره. شرح حديث: (... ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج أنهم يحدثون عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو على أكثر الروايات في ذكر الركعة, وليس الركعتين، أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك الصلاة، ومعنى هذا: أن رواية الركعة هي الأرجح، وأن الإنسان يكون مدركاً الصلاة بإدراك ركعة واحدة، وليس بإدراك ركعتين، بل ركعة واحدة يكون مدركاً بها، كما جاء في أكثر الروايات عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا الحديث يرويه عن أبي هريرة ثلاثة أشخاص. تراجم رجال إسناد حديث: (... ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة.[عن مالك].وهو ابن أنس إمام دار الهجرة، والمحدث, الفقيه، وصاحب المذهب المعروف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن زيد بن أسلم].وهو زيد بن أسلم المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء بن يسار].وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[وعن بسر بن سعيد].وهو ثقة أيضاً، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[وعن الأعرج].وهو عبد الرحمن بن هرمز، مشهور بلقبه الأعرج، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهؤلاء الثلاثة كلهم يحدثون عن أبي هريرة، والراوي عنهم هو: زيد بن أسلم. شرح حديث: (لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود حدثنا سعيد بن عامر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نصر بن عبد الرحمن عن جده معاذ: (أنه طاف مع معاذ بن عفراء رضي الله عنه فلم يصل، فقلت: ألا تصلي؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس، ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس)].أورد النسائي رحمه الله حديث معاذ بن الحارث بن عفراء أنه طاف بالبيت ولم يصل، يعني: بعد الطواف، فقال له الذي طاف معه، وهو جد نصر بن عبد الرحمن، معاذ، قال: ما لك لا تصلي؟ قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس )، والحديث ليس مطابقاً للترجمة؛ لأن الترجمة: من أدرك ركعة من صلاة العصر، أو من أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك الصلاة، اللهم إلا أن يكون وجه إيراده أن قوله: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، معناه: أن هذا كله وقت لها، وغروبها هو نهاية وقتها، فإذا كان المقصود منه، أو وجه إيراده، أنه لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، أن هذا هو الوقت الاضطراري، لكن كونه فيه إدراك ركعة، فهذا لا يوجد في الحديث ما يشير إليه أو ما يدل عليه.ومن المعلوم أن الإنسان إذا طاف بالبيت فإنه يصلي إذا فرغ من الطواف, في أي وقت كان، سواء كان بعد صلاة الفجر، أو بعد صلاة العصر، أو في أي وقت يطوف فيه الإنسان يصلي فيه ركعتين؛ لأن الطواف يسن له ركعتان، ففي أي وقت طاف فعليه أن يصلي ركعتين.ثم هذا الحديث لم يثبت، وهو من أفراد النسائي، وقد اختلف فيه على نصر بن عبد الرحمن الذي هو أحد رجال الإسناد، وقد ذكره الشيخ الألباني في قسم الضعيف من سنن النسائي. تراجم رجال إسناد حديث: (لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس...) قوله: [أخبرنا أبو داود].وهو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة, خرج له النسائي وحده.[حدثنا سعيد بن عامر].وهو سعيد بن عامر الضبعي، وهو ثقة, صالح ربما وهم، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].وهو ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث، وهذا من أعلى صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن سعد بن إبراهيم].وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن نصر بن عبد الرحمن].وهو نصر بن عبد الرحمن القرشي، وهو مقبول, خرج حديثه النسائي وحده. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (97) - (باب أول وقت المغرب) إلى (باب تأخير المغرب) من فوائد السنة النبوية أنها مبينة لما أجمل في القرآن، ومن ذلك أنها بينت أوقات الصلوات، فقد بينت أن وقت صلاة المغرب يبدأ من غروب الشمس إلى غياب الشفق الأحمر، إلا أنه كان من هديه صلى الله عليه وسلم التبكير بصلاة المغرب في أول وقتها. أول وقت المغرب شرح حديث بريدة في أول وقت المغرب يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أول وقت المغرب.أخبرني عمرو بن هشام حدثنا مخلد بن يزيد عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت الصلاة. فقال: أقم معنا هذين اليومين، فأمر بلالاً فأقام عند الفجر فصلى الفجر، ثم أمره حين زالت الشمس فصلى الظهر، ثم أمره حين رأى الشمس بيضاء فأقام العصر، ثم أمره حين وقع حاجب الشمس فأقام المغرب، ثم أمره حين غاب الشفق فأقام العشاء، ثم أمره من الغد فنور بالفجر، ثم أبرد بالظهر وأنعم أن يبرد، ثم صلى العصر والشمس بيضاء وأخر عن ذلك، ثم صلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، ثم أمره فأقام العشاء حين ذهب ثلث الليل فصلاها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم) ].يقول الإمام النسائي رحمه الله: باب أول وقت المغرب.هذه الترجمة معقودة لبيان أول وقت صلاة المغرب، كما هو واضح؛ لأن النسائي رحمه الله أراد أن يبين أول الوقت ويبين آخره، وقد فعل هذا في الأبواب السابقة، بالنسبة للظهر والعصر، وكذلك فعله بالنسبة للأوقات الأخرى.والمقصود من الترجمة هو الاستدلال على أول وقت المغرب، وأنه غروب الشمس، فإذا غربت الشمس دخل وقت المغرب، هذا هو المقصود من الترجمة، وقد أورد فيه حديث: بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه، قال: (جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله عن الوقت)، يعني: سأله عن أوقات الصلاة، فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أمره بأن يصلي معهم يومين؛ وأن يبقى معهم يومين، ليعلمه بالفعل وبالمشاهدة والمعاينة، ونصلي في اليوم الأول الصلاة في أول الوقت، وصلى في اليوم الثاني الصلاة في آخر الوقت، ثم بعد ذلك قال له: الصلاة ما بين ما رأيتم، وفي سؤال هذا الرجل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الوقت بيان ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم من الحرص على معرفة أمور الدين، وعلى التفقه في أمور الدين، وأنهم يسألون عما يحتاجون إلى معرفته، فكانوا يسألون رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويجيبهم بالقول والفعل، أو بهما معاً كما حصل في هذا الحديث.وفي الحديث أيضاً دلالة على التعليم بالفعل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام علمه بالفعل؛ حيث صلى في اليوم الأول الصلوات الخمس في أول وقتها، وصلى في اليوم الثاني الصلاة في آخر الوقت، فهذا فيه التعليم بالفعل، وفيه بيان أوائل أوقات الصلوات، وقد جاء في الحديث أنه أمر بلالاً فأقام عند طلوع الفجر، يعني: عند أول طلوع الفجر، وعندما دخل الوقت أمر بلالاً فأذن وأقام، وصلى الصلاة في أول وقتها، ولما زالت الشمس صلى الظهر في أول وقتها، ثم صلى العصر والشمس بيضاء في حال قوة حرارتها وشدتها، وذلك عندما كان فيء الشيء مثله، كما جاء في الأحاديث الأخرى التي تبين أول وقت صلاة العصر، وصلى المغرب حين غاب حاجب الشمس، يعني: عندما غابت كلها وذهب طرفها الأخير الذي يغيب أكثرها، ثم يبقى أقلها، فإذا ذهب هذا القليل ولحق بذلك الكثير، وتوارت عن الأبصار، وغاب القرص وزال بالكلية، فعند ذلك يدخل وقت المغرب.وهذا الحديث الذي أورده النسائي بطوله مشتمل على أوقات الصلوات الخمس، وهو أورده من أجل الاستدلال بهذا الموضع منه، أو بهذا الجزء منه الذي هو أول وقت المغرب، وأنه عند غياب الشمس وذهاب قرصها وزوال حاجبها الذي هو آخر ما يبقى منها، فإذا زالت بالكلية دخل وقت المغرب، ثم عندما غاب الشفق أمره فأقام للعشاء فصلاها. وبهذا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام صلى في اليوم الأول الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها، ثم في اليوم الثاني نور بالفجر، أي: أسفر بها جداً، والمقصود من ذلك أنه بين له أول الوقت ونهايته، وقد جاء في الأحاديث الأخرى ما يوضح نهاية الوقت، وأنه طلوع الشمس، ولكن الإنسان لا يؤخرها إلى آخر وقتها إلا في حالة الاضطرار، وأما في حال الاختيار فإنه يبكر بها، ويبادر بها، ويصليها بغلس، وكذلك أيضاً إذا تأخر قليلاً لا بأس، أما أن يؤخرها إلى طلوع الشمس اختياراً فإن هذا لا ينبغي للإنسان؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن أخرها إلى آخر الوقت فقد ينتهي الوقت، ولكن في حال الضرورة فلا بأس بأن يكون الإنسان قد نام، أو حصل له نسيان، ثم تنبه ووجد أن الشمس قريبة من الطلوع فإنه يدرك الصلاة في وقتها، بل لو أدرك ركعة واحدة قبل طلوع الشمس فإنه يصليها ويصلي الركعة الباقية بعد طلوع الشمس، ويكون مدركاً للوقت ومؤدياً للصلاة في وقتها، ولكن كما ذكرت هذا إنما هو في حال الاضطرار، وأما في حال الاختيار فالإنسان لا يؤخرها، وإنما يبادر بها؛ لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.ثم صلى الظهر بعدما كانت الشمس بيضاء؛ لأنه في اليوم الأول صلاها عندما زالت الشمس، وفي اليوم الثاني: عندما كانت الشمس بيضاء في حال قوتها وشدتها، وذلك عندما يكون فيء الشيء مثله، كما جاء مبيناً في بعض الروايات الأخرى.قوله: (ثم أبرد بالظهر وأنعم أن يبرد).(أبرد بالظهر) يعني: أخرها عن أول وقتها، (وأنعم أن يبرد)، يعني: أطال الإبراد، وأطال تأخيرها، كما يقال: أنعم النظر في كذا، أي: أمعن التفكر فيه، وأطال التفكير فيه، فأنعم بالإبراد، يعني: أبرد كثيراً، وأطال الإبراد، بمعنى: أنه أخر الصلاة.قوله: (ثم صلى العصر والشمس بيضاء).يعني: أنه عند نهاية وقت الظهر، وعندما دخل وقت العصر صلاها والشمس بيضاء، معناه: أنها في حال شدتها وقوتها لم يتغير لونها، بل هي في حال بياضها وشدة حرارتها.قوله: (ثم صلى المغرب قبل أن يغيب الشفق).معناه: في آخر وقتها؛ لأنه إذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، فقبل أن يغيب الشفق لا يزال في وقت المغرب، فهو صلاها في آخر وقتها.قوله: (ثم أمره فأقام العشاء حين ذهب ثلث الليل فصلاها).وقد جاء في رواية أخرى: أنه عند منتصف الليل، وهذا هو آخر وقتها الاختياري، وأما الاضطراري فآخر وقتها طلوع الفجر؛ لأنه جاء في الحديث ما يدل على ذلك، وأن كل صلاة آخر وقتها بدء وقت التي تليها، ومنه ما هو اضطراري، ومنه ما هو اختياري، فمن منتصف الليل إلى طلوع الفجر هذا وقت اضطراري، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها)، فهذا يدلنا على أن كل صلاة من الصلوات إن أخر وقتها إلى أول وقت التي تليها فهو مفرط إن كان بغير عذر، وهذا باستثناء الفجر، فإن الفجر آخر وقتها طلوع الشمس، والظهر أول وقتها زوال الشمس، فالمدة التي بين طلوع الشمس وبين زوالها ليست من أوقات الصلاة، لا وقتاً للفجر ولا وقتاً للظهر؛ لأن الفجر لا يجوز أن يؤخر عن طلوع الشمس، وإن أخرت فهي قضاء، والظهر لا يجوز أن تقدم قبل زوال الشمس؛ لأنها إن قدمت عن الزوال فإنها صليت في غير وقتها ولا تصح تلك الصلاة.إذاً: ثلث الليل -كما جاء في هذه الرواية، والرواية الأخرى فيها نصف الليل- نهاية الوقت الاختياري، فنصف الليل هو نهاية الوقت الاختياري، وطلوع الفجر هو نهاية الوقت الاضطراري.ثم قال بعد أن صلى الصلوات الخمس في يومين متتاليين، يصلي في أول الوقت ويصلي في آخر الوقت، قال: (أين السائل؟ ثم قال: وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم)، يعني: ما بين الوقتين اللذين حصلا؛ في اليوم الأول، الصلاة في أول الوقت، وفي اليوم الثاني: الصلاة في آخر الوقت. تراجم رجال إسناد حديث بريدة في أول وقت المغرب قوله: [أخبرني عمرو بن هشام].وهو أبو أمية الحراني، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، ولم يخرج له أصحاب الكتب الخمسة الآخرون الباقون.[حدثنا مخلد بن يزيد].وهو القرشي الحراني، وهو صدوق له أوهام، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.[عن سفيان الثوري].وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المحدث، الفقيه، الإمام، الحجة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف رفيع ولقب عال، لا يظفر به إلا النادر القليل من المحدثين، ومنهم: سفيان الثوري رحمة الله عليه، ومنهم: شعبة، ومنهم: إسحاق بن راهويه، ومنهم: الدارقطني، ومنهم: أناس آخرون قليلون.فـسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري هو أحد هؤلاء، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[عن علقمة بن مرثد].وهو علقمة بن مرثد الحضرمي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سليمان بن بريدة].وهو سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، وسليمان بن بريدة هذا مروزي، وهو قاضي مرو، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، إلا البخاري فإنه لم يخرج له شيئاً، وأخوه عبد الله بن بريدة خرج له أصحاب الكتب الستة، وأخوه عبد الله بن بريدة يروي عن أبيه أيضاً.[عن أبيه].أبوه هو: بريدة بن الحصيب الأسلمي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة. تعجيل المغرب شرح حديث رجل من أسلم في تعجيل صلاة المغرب يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تعجيل المغرب.أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن أبي بشر سمعت حسان بن بلال عن رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أنهم كانوا يصلون مع نبي الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجعون إلى أهاليهم إلى أقصى المدينة يرمون ويبصرون مواقع سهامهم) ].هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: باب تعجيل المغرب. لأن الترجمة الأولى لبيان أول الوقت، وهنا لبيان التعجيل، وأنه يبادر بها في أول وقتها، وقد أورد النسائي هذا الحديث عن رجل من الصحابة من أسلم، قال: (أنهم كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم يرجعون إلى أهاليهم فيرمون ويبصرون موضع سهامهم)، ومن المعلوم أن هذا لا يتأتى إلا إذا حصل التعجيل بالمغرب؛ لكونهم يصلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجعون إلى أهاليهم في أقصى المدينة، ثم يرجمون بسهامهم ويبصرون مواضع وقوع السهم أين يقع، وهذا يدل على التعجيل وعلى التبكير، ثم أيضاً يدل على أن المغرب يقرأ فيها بقصار السور؛ لأن هذا أيضاً لا يتأتى إلا بالقراءة بقصار السور؛ لأنه لو قرأ بطوال السور فإنه لا يتأتى ذلك، بل يشتد الظلام، ولا يحصل لهم أن يذهبوا هذه المسافة البعيدة، ثم يرمون بالسهام ويبصرون مواقع السهام عندما تقع في الأرض، أو في مكان يرسلونها إليه، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقصر وكان يطيل، وكان يقرأ فيها بقصار السور، وفي بعض الأحيان يقرأ فيها بطوال السور، وقد جاء أنه قرأ فيها بالأعراف، وهي جزء وربع جزء، يعني: طويلة، بل من أطول السور، فكان أحياناً يقرأ بقصار السور، وأحياناً يقرأ بطوالها كما جاء ذلك عن رسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن كونهم يصلون معه ويذهبون ويرمون ويبصرون مواقع السهام، هذا لا يتأتى إلا إذا عجل بصلاة المغرب وصليت في أول وقتها، وقرئ بسور قصار، فإن هذا هو الذي يتأتى منه حصول ذلك. تراجم رجال إسناد حديث رجل من أسلم في تعجيل صلاة المغرب قوله: [أخبرنا محمد بن بشار]. وهو بندار، لقبه بندار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة كلهم، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري الذين ليس بينهم وبين وفاة البخاري إلا الشيء اليسير؛ لأنه توفي سنة: (252هـ)، والبخاري توفي بعد ذلك بأربع سنوات، يعني: سنة: (256هـ)، فهو من صغار شيوخه الذين أدركهم، وكان زمن وفاتيهما متقارب، بل أدركه أصحاب الكتب الستة كلهم حتى النسائي الذي هو آخر أصحاب الكتب الستة، فقد أدركه وروى عنه، وكانت وفاة النسائي سنة: (303هـ)، وكانت وفاة محمد بن بشار سنة: (252هـ)، ويماثله في هذا محمد بن المثنى المقلب بـالزمن أبو موسى، وهو مثل: محمد بن بشار، فقد اتفق معه في سنة الولادة واتفق معه في سنة الوفاة، واتفق معه في الشيوخ والتلاميذ، واتفق معه في كون كل منهما من أهل البصرة.قال الحافظ ابن حجر عنهما: وكانا كفرسي رهان، معناه: أنهما متماثلان لا يسبق أحدهما الآخر، وهو مشهور باسمه ومشهور بلقبه، يقال له: محمد بن بشار، ويقال له: بندار.ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة؛ لأن من لا يعرف الألقاب يظن أن الشخص إذا جاء باسمه مرة، وبلقبه مرة أخرى يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ومن يعرف أن هذا لقب لـمحمد بن بشار لا يلتبس عليه الأمر، ويعلم أن محمد بن بشار هو بندار، وبندار هو محمد بن بشار، يذكر باسمه أحياناً، ويذكر بلقبه أحياناً أخرى. [حدثنا محمد].ومحمد إذا جاء مهملاً غير منسوب، والراوي عنه محمد بن بشار، أومحمد بن المثنى، ويروي عن شعبة بن الحجاج، فهو: محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة] .وهو شعبة بن الحجاج، المحدث، الناقد، الذي وصف أيضاً بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف عال، ولقب رفيع، لم يظفر به إلا النادر من المحدثين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي بشر].وهو جعفر بن إياس أبو أمية بن أبي وحشية، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.وأبو بشر يطلق على عدد كلهم اشتهروا بكناهم، فيقال: أبو بشر، ومعرفة تعيين أحدهم إنما يكون بمعرفة الشيوخ والتلاميذ، يعني: يأتي الإنسان إلى ترجمة شعبة، وينظر شيوخه ممن يقال له: أبو بشر، وكذلك ترجمة حسان بن بلال الذي روى عنه، فينظر في تلاميذه من روى عنه، فيجد تسمية تلميذه الذي يروي عنه ممن يسمى بهذه الأسماء، أو ممن يعرف بهذه الكنية، وهو أبو بشر؛ لأن أبا بشر يطلق على عدد، فهو هنا: جعفر بن إياس أبو أمية بن أبي وحشية، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن حسان بن بلال].خرج له أصحاب الكتب الأربعة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً، ويغلب على ظني أنه قيل عنه: إنه صدوق. [عن رجل من أسلم صحب النبي عليه الصلاة والسلام]. وهذا يقال له: المبهم، يعني: الذي يشار إليه ولا يذكر؛ بأن يقال: رجل أو امرأة هذا هو المبهم، وهو يضر في غير الصحابة، وأما الصحابة فإن المبهم منهم لا يؤثر، وإنما المهم أن يعرف أنه صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجهالته لا تؤثر ما دام أنه ثبتت له الصحبة، وأنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كاف في التعويل على ما جاء عنه، وفي قبول ما جاء عنه؛ لأن الصحابة لا يحتاجون إلى تعديل وتوثيق بعد أن حصل ثناء الله عز وجل، وثناء رسوله عليهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فهم لا يحتاجون مع ثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليهم إلى تعديل المعدلين، ولا توثيق الموثقين، وإنما يكفيهم شرفاً ويكفيهم فضلاً ونبلاً أن يقال عن الواحد منهم: إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن كل راوٍ من الرواة ما عدا الصحابة لابد من معرفته، وجهالته تضر وتؤثر، وأما الصحابة فإذا عرف أن الواحد منهم صحب رسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يعرف اسمه، وإن لم يعرف شيئاً عنه فإن ذلك كافٍ في قبول ما يأتي عنه، وفي قبول ما يرويه؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل، وتعديل رسوله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. تأخير المغرب شرح حديث أبي بصرة الغفاري في تأخير صلاة المغرب يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تأخير المغرب.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن خالد بن نعيم الحضرمي عن ابن جبيرة عن أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص، قال: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، ومن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم) ].هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: باب تأخير المغرب. وأورد فيه حديث: أبي بصرة الغفاري رضي الله تعالى عنه: (أنه صلى العصر وقال: إن هذه الصلاة -أي: العصر- عُرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كُتب له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها -أي: العصر- حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم).فـالنسائي أورد هذا الحديث تحت هذه الترجمة ليستدل به على تأخير المغرب، وبعض العلماء يقول: إن هذا الحديث لا يدل على التأخير، وإنما المراد به: أن صلاة المغرب تصلى في أول وقتها، ولا تؤخر، وأنه ليس الحكم بأنه يتحتم تأخيرها، وإنما يجوز تأخيرها كما جاء مبيناً في الأحاديث التي تبين أول الوقت وآخره، فبعض العلماء يقول: إن المقصود بطلوع النجم هو كناية عن غروب الشمس، وليس المقصود من ذلك أنها تؤخر كثيراً، وإنما إذا غابت الشمس رؤيت النجوم المضيئة، أو شديدة الإضاءة؛ فإنها ترى بمجرد غروب الشمس، فالمقصود من ذلك هو غروب الشمس، وليس المقصود من ذلك التأخير؛ لأنه يكون معارضاً للأحاديث الأخرى التي تدل على الصلاة في أول وقتها، وهذا الحديث يدل ظاهره أنه لا يجوز أن تصلى الصلاة في أول وقتها، والنسائي استدل به على التأخير، ولكن الاستدلال به على التأخير ليس بواضح؛ لأن هذا يقتضي أنه لا يجوز أن تصلى المغرب إلا إذا طلعت النجوم واشتد الظلام، وهذا ليس بصحيح، وعلى هذا فلا تعارض بين الحديث وبين الأحاديث الدالة على أن الصلاة تصلى في أول وقتها.إذاً: فتفسيره وتأويله بأن المقصود من ذلك الغروب، وأن النجوم ترى عندما تغرب الشمس، وهذا هو الأولى، وهو أوضح مما ذكره النسائي في الاستدلال به على التأخير.والحافظ ابن حجر في (فتح الباري) أشار إلى ضعف الحديث، وقال عندما ذكر الأحاديث الكثيرة الدالة على الصلاة في أول وقتها، قال: واستدل بهذه الأحاديث على ضعف حديث أبي بصرة الغفاري أنه قال: (ولا صلاة بعدها -أي: العصر- حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم)، ولكن الحديث في صحيح مسلم، فالحديث كما رواه النسائي رواه مسلم في صحيحه.وتفسيره بأن المقصود منه الغروب، وأنه كناية عن غروب الشمس، أولى من تفسيره بالتأخير، ومن الحكم عليه بالضعف، بل الجمع بينه وبين غيره من الأحاديث هو الأولى، وتفسيره بهذا التفسير الذي أشرت إليه والذي ذكره السيوطي، وأن المقصود من ذلك غروب الشمس هو الأولى. تراجم رجال إسناد حديث أبي بصرة الغفاري في تأخير صلاة المغرب قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الليث].وهو ابن سعد المصري المحدث، الفقيه، فقيه مصر، ومحدثها، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن خالد بن نعيم الحضرمي].الصحيح عن خير بن نعيم الحضرمي، وخالد هذا خطأ؛ لأن المعروف أنه خير، وفي كتب الرجال خير، وليس خالد، اسمه خير بن نعيم الحضرمي، وهو صدوق، فقيه، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في المراسيل، وخرج حديثه النسائي.[عن ابن جبيرة].وهو ابن هبيرة، وجبيرة خطأ أيضاً، فهو: أبو هبيرة عبد الله بن هبيرة، فكنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو هبيرة، وهو ابن هبيرة، فإذا جاء ابن هبيرة فهو صحيح، وإذا جاء أبو هبيرة فهو صحيح، وقد ذكرت فيما مضى أن من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة ذلك دفع توهم التصحيف؛ لأنه إذا كان معروفاً بنسبه، ثم ذكر بكنيته، فإن من لا يعرف يظن أن فيه تصحيف، وهو صواب. سواء قيل: أبو هبيرة، أو قيل: ابن هبيرة هو عبد الله بن هبيرة الحضرمي المصري، وهو ثقة خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي تميم الجيشاني].واسمه عبد الله بن مالك المصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه].أبو بصرة الغفاري هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج حديثه البخاري في كتاب الأدب المفرد، وخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، هؤلاء هم الذين خرجوا حديث أبي بصرة الغفاري، واسمه: جميل بن بصرة، وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأنه أبو بصرة وأبوه بصرة. الأسئلة اشتراط المكث في نفس المكان لتحقيق قول النبي: (من صلى الفجر ... الحديث) السؤال: قوله عليه الصلاة والسلام: (من صلى الفجر ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين ... إلخ). هل يشترط أن يجلس في نفس المكان الذي صلى فيه، أم المراد بالمصلى جميع المسجد؟الجواب: أقول: لا ندري، لكن من جلس في المكان فهذا أمره واضح ولا إشكال فيه، وأما إذا تحول فلا أدري. الله تعالى أعلم. إجزاء ركعتي الشروق عن ركعتي الضحى السؤال: هل الركعتان بعد الشروق تغني عن صلاة الضحى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)؟الجواب: نعم، تجزئ عن صلاة الضحى؛ لأن صلاة الضحى هي ركعتان بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال، هذا وقت صلاة الضحى، فتجزئ عن صلاة الضحى؛ لأنها في وقت صلاة الضحى، وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، والذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، يعني: هذا يبين أن صلاة الضحى الأولى أن تكون في وقت اشتداد الشمس، ووقت اشتداد الحرارة، ولكن لا يعني أنها لا تصلى في غير هذا الوقت، بل إنها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، فكل هذا وقت لصلاة الضحى. الاغتسال للجمعة قبل صلاة الفجر السؤال: هل للإنسان أن يغتسل للجمعة قبل أذان الفجر بقليل؟الجواب: الذي يبدو أنه لا يجزئ؛ لأن هذا كما هو معلوم ليس في اليوم؛ لأن اليوم إنما يبدأ بطلوع الفجر، والذي ينبغي أن يكون الاغتسال عند الذهاب إليها، وعندما يريد أن يتجه إليها، وأما قبل طلوع الفجر، فهذا في الليل وليس في اليوم، وإذا كان سيذهب ويصلي الفجر، ويستمر بعد صلاة الفجر إلى الجمعة يجزئ في ذلك. الجلوس للعزاء السؤال: إذا مات لي قريب كالأب مثلاً وجلست في بيتنا، وجلس عندنا إخواني، وأتانا الناس في البيت ليزورنا، ثم ينصرفون، فهل هذا العمل جائز؟ مع التوجيه، بارك الله فيك.الجواب: الالتزام بالجلوس لا أعلم له وجهاً. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (98) - باب آخر وقت المغرب أكرمنا الله سبحانه وتعالى بهذه الصلوات الخمس التي يكون بها تكفير الخطايا ورفعة المنزلة عند الله، ومن هذه الصلوات صلاة المغرب التي يكون آخر وقتها عند سقوط الشفق. آخر وقت المغرب شرح حديث: (... ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ...) يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب آخر وقت المغرب.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أبا أيوب الأزدي يحدث عن عبد الله بن عمرو قال شعبة: كان قتادة يرفعه أحياناً وأحياناً لا يرفعه، قال: (وقت صلاة الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، ووقت العشاء ما لم ينتصف الليل، ووقت الصبح ما لم تطلع الشمس) ].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب آخر وقت المغرب.هذه الترجمة لبيان آخر وقت المغرب، وقد سبق أن مرت التراجم السابقة، وهي باب: أول وقت المغرب، وهذه الترجمة تقابل تلك الترجمة؛ لأن تلك الترجمة تعني أول وقت المغرب، وهذه الترجمة تعني آخر وقت المغرب.وأورد النسائي في هذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الذي بين فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام أواخر أوقات الصلوات الخمس، والمراد من ذلك الوقت الاختياري؛ لأن صلاة العصر لها وقت اضطراري واختياري، والعشاء لها وقت اختياري واضطراري، والذي جاء في هذا الحديث هو بيان الوقت الاختياري، على أن بعض الصلوات ليس لها إلا وقت اختياري، وليس لها وقت اضطراري، فيقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: (وقت صلاة الظهر)، أي: آخره، أي: الوقت الاختياري، ثم قال: (ما لم تحضر العصر)، يعني: ما لم يدخل وقت العصر، وذلك أن وقت العصر متصل بوقت الظهر، ليس هناك فجوة بينهما، وليس هناك وقت لا يعتبر لا للظهر ولا للعصر؛ لأن بانتهاء وقت الظهر يبدأ وقت العصر.فقوله هنا: (ما لم تحضر العصر). معناه: ما لم يدخل وقت العصر؛ لأن آخر وقت الظهر يليه أول وقت العصر، وقوله: (ما لم تحضر العصر)، يفهم منه أن وقت العصر كان معلوماً، ولهذا ربط الحكم به، وأناط الحكم به، وجعل وقت الظهر ينتهي بدخول وقت العصر.وقوله: (ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس).يعني: ما لم يتغير لونها من القوة، والشدة، والبياض، والحرارة إلى الاصفرار متجهة إلى الغروب، فهذا هو وقت العصر، والمراد به: الوقت الاختياري، أما الاضطراري فإنه يمتد إلى غروب الشمس، وأما الوقت الاختياري فهو ما لم تصفر الشمس، معناه: أنها مادامت حية، وما دامت قوية، ولا زالت حرارتها موجودة، فهذا هو وقت العصر الاختياري، وقد جاء في بعض الروايات التحديد بالظل والفيء، وأنه إذا كان ظل الشيء مثليه، وكان ظل الرجل مثليه، فإنه عند ذلك ينتهي الوقت الاختياري، وبعد ذلك يبدأ الوقت الاضطراري.قوله: (ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق).المراد بثور الشفق: انتشاره، أي: ما لم يذهب هذا الضياء وهذا النور الذي هو ضوء الشفق، وما لم يسقط، فهذا هو وقت صلاة المغرب؛ أي: آخر وقتها، وآخر وقت المغرب متصل بأول وقت العشاء، وليس هناك فجوة بينهما، والحال في ذلك كالحال فيما بين الظهر والعصر، لأنه لا فجوة في الوقت بين الظهر والعصر، فكذلك أيضاً لا فجوة بين المغرب والعشاء، بل بانتهاء وقت المغرب يبدأ وقت العشاء.وليس للمغرب وقت اضطراري وإنما هو وقت اختياري فقط، لكن من المعلوم أن الصلوات تصلى في أول وقتها، وأن التساهل في تأخيرها قد يترتب عليه الفوات، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن حام حول الوقت وقارب الوقت يمكن أن يقع فيه، فالذي ينبغي للإنسان المبادرة بالصلاة، وأن لا يؤخرها إلى آخر وقتها، وإن كان ذلك سائغاً وجائزاً وهو وقتها، خشية أن يقع في المحذور، وخشية أن يفوت الوقت ويحصل ما يترتب عليه فواتها، ولكنه إذا أخرها فكل ذلك يكون وقتها، ولكن المبادرة إلى الصلوات في أول أوقاتها هذا هو المطلوب، وهذا هو المستحب إلا في حال شدة الحر، فإن الإبراد مستحب، أي: تأخير الصلاة عن أول وقت الظهر، وكذلك صلاة العشاء أيضاً تأخيرها مستحب، إلا إذا كان يترتب على ذلك نوم الناس، وحصول المشقة عليهم، فإنها تصلى في أول وقتها، كما هو الغالب على فعل رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.قوله: (ووقت العشاء ما لم ينتصف الليل).يعني: إلى نصف الليل، هذا هو وقت العشاء، والمراد بانتصاف الليل؛ من حين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، هذا هو الليل، فمنتصفه من الزمان ومن الوقت فهذا هو نهاية وقت العشاء الاختياري، أما الاضطراري فإنه يستمر إلى طلوع الفجر، والعشاء لها وقت اختياري ووقت اضطراري، والعصر -كما عرفنا- لها وقت اختياري ووقت اضطراري، وقد دل ذلك على أن كل صلاة تتصل بالتي بعدها إما اختياراً وإما اضطراراً إلا الفجر؛ فإنها لا تتصل بالتي بعدها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ليس في النوم في التفريط، وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها)، فهذا يدل على أن كل صلاة يستمر وقتها إلى وقت التي تليها إما اختياراً كالظهر والمغرب، وإما اضطراراً كالعصر والعشاء.وأما الفجر فإنها لا تصل إلى وقت التي بعدها؛ لأن آخر وقتها طلوع الشمس، والمدة التي بين طلوع الشمس وزوالها ليس من أوقات الصلوات، وليس وقتاً لصلاة الظهر، فلا يجوز تقديمها عن الزوال، وليس وقتاً للفجر، فلا يجوز تأخيرها عن طلوع الشمس؛ لأنها لو أخرت عن طلوع الشمس لكان قضاء ولا يكون أداءً، فلا يجوز تأخيرها عن ذلك.قوله: (ووقت الصبح ما لم تطلع الشمس).يعني: إلى وقت طلوع الشمس، وقد جاء في بعض الأحاديث التي مرت: (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته)، معناه: أنه أدرك وقتها، فإذا أدرك ركعة واحدة من ركعتي الفجر، أي: من الصلاة المكتوبة فإنه يدرك الوقت، ويأتي بما بقي من صلاته، لكن إذا لم يدرك ركعة فإنه يكون الوقت قد انتهى، ويكون فعله بعد طلوع الشمس قضاء وليس أداء، أما إذا أدرك ركعة واحدة قبل طلوع الشمس، وركعة أتى بها بعد ذلك، فإن الصلاة مؤداة وليست مقضية. تراجم رجال إسناد حديث: (... ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ...) قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، المحدث، الناقد، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو داود].هو سليمان بن داود الطيالسي، كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو داود واسم أبيه داود، وسليمان بن داود أبو داود، وهو ثقة، حافظ، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا شعبة].هو ابن الحجاج المحدث، الناقد، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكما ذكرت أن هذا وصف رفيع، ولقب عال، ولم يظفر به إلا عدد قليل من المحدثين، ومنهم: شعبة بن الحجاج هذا، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[عن قتادة].هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، لكن المعروف عن شعبة أنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أمن تدليسهم فيه، وهذا من رواية شعبة عن قتادة، فإذا روى شعبة عن مدلس فإنه مأمون تدليس ذلك المدلس الذي هو شيخه؛ لأن المعروف عن شعبة أنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وما أمن تدليسهم فيه.[سمعت أبا أيوب الأزدي].أبو أيوب الأزدي قيل: اسمه يحيى، وقيل: حبيب بن مالك، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.[عن عبد الله بن عمرو].هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعروف بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بين ذلك أبو هريرة رضي الله عنه وقال: إنه كان يكتب، وأبو هريرة لا يكتب، وبيّن كثرة حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. [قال شعبة: إن قتادة أحياناً يرفعه وأحياناً لا يرفعه].يعني: أحياناً يقول فيه: عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحياناً لا يرفعه، يعني: يقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص، أي: أنه أحياناً يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، وأحياناً لا يذكر فيه النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يكتفي بذكر عبد الله بن عمرو بن العاص فيكون موقوفاً.وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص خرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الله بن عمرو بن العاص هو أكبر أولاد أبيه عمرو بن العاص، وقد ذكروا في ترجمته وترجمة أبيه أنه ولد لأبيه وعمره اثنتا عشرة سنة، معناه: أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه تزوج وهو صغير، وولد له ابنه عبد الله وعمره اثنتا عشرة سنة، أي: أن عمر عمرو بن العاص لما ولد له ابنه عبد الله كان اثنتا عشرة سنة، وهذا فيه أن الإنسان قد يحتلم في زمن مبكر، وأن البلوغ يحصل بحصول الاحتلام والإنزال، ولو كان في سن مبكر، وإذا لم يحصل أسباب البلوغ أو علامات البلوغ؛ فإنه يكون ببلوغه خمس عشرة سنة، لكنه إذا وجد قبل ذلك ما يقتضي البلوغ، فيكون بالغاً قبل الخمس عشرة سنة. شرح حديث أبي موسى في آخر وقت المغرب يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الله وأحمد بن سليمان واللفظ له، قالا: حدثنا أبو داود عن بدر بن عثمان قال: إملاء على حدثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: (أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئاً، فأمر بلالاً فأقام بالفجر حين انشق، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: انتصف النهار، وهو أعلم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين غربت الشمس، ثم أمره فأقام بالعشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حين انصرف، والقائل يقول: طلعت الشمس، ثم أخر الظهر إلى قريب من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف، والقائل يقول: احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال: الوقت فيما بين هذين) ].ثم أورد النسائي رحمه الله حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقت؟ أي: أوقات الصلاة، فلم يرد عليه شيئاً؛ يعني: بالكلام، وما قال: الوقت هو كذا وكذا وكذا، يعني: ما أجابه قولاً، ولكن أمره بأن يصلي معه يومين، وينظر ويشاهد ويعاين البداية والنهاية، وهذا فيه التعليم بالفعل، ثم أيضاً التعليم بالقول؛ لأنه قال بعد ذلك: (وقت الصلاة ما بين هذين الوقتين) يعني: بعد أن أراه وأطلعه ووقفه مشاهداً ومعياناً الأوقات بالفعل، قال بعد ذلك: (الوقت فيما بين هذين).ففيه: التعليم بالفعل، وهذا من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل، حيث يشاهد الإنسان الوقت ويعرفه بالحالة الراهنة، والوقت الحاضر، فصلى في اليوم الأول الصلوات في أول وقتها، وصلى في اليوم الثاني الصلوات في آخر وقتها، وقال له: (الصلاة ما بين هذين الوقتين).ثم فيه: ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من الحرص على التفقه في الدين، وسؤالهم عن أمور دينهم، وعن عباداتهم -كيفياتها وأوقاتها- وما إلى ذلك مما هم بحاجة إلى معرفته، وهذا يدل على فضلهم وعلى نبلهم وحرصهم على معرفة الحق والهدى؛ ليتعبدوا الله عز وجل على بصيرة، وليرشدوا غيرهم، وليدلوا غيرهم، وليبينوا للناس الحق والهدى الذي جاء به المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فرضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.قوله: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئاً، فأمر بلالاً فأقام بالفجر حين انشق).لأن هذا اليوم الأول، وقوله: (أمر بلالاً فأقام في الفجر حين انشق)، أي: حينما طلع الصبح وبدأ الوقت أمره فأقام، فهذا بيان أن أول وقت الفجر عندما ينشق الصبح، ويبدأ ويظهر الوقت.قوله: (ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس).أي: حصل زوالها واتجاهها إلى جهة المغرب بعد أن كانت جاءت من جهة المشرق، ثم صارت على الرءوس، ثم اتجهت إلى جهة المغرب، وحصل الزوال؛ لأن الزوال هو الفيء، يعني: بدل ما كان الفيء إلى جهة الغرب؛ لأن الشمس في جهة الشرق، ولما اتجهت إلى الغرب حصل الفيء إلى جهة الشرق؛ أي: وجد الشيء اليسير الذي يدل على أن الشمس ذهبت عن وسط الرءوس، وأنها مالت إلى جهة الغرب.قوله: (والقائل يقول: انتصف النهار، وهو أعلم).أي: القائل من الناس الذين صلوا معه يقول: (انتصف النهار) يعني: هل انتصف النهار؟ يعني: هذه كناية عن التبكير بها جداً؛ قال: (وهو أعلم)، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره بأن يقيم كذلك بعد زوال الشمس، هو أعلم بأنه قد انتصف النهار، وإن كان غيره يقول: هل انتصف؟ ويستفهم: هل انتصف النهار؟ وذلك إشارة إلى شدة التبكير بها، ومعنى هذا: أن أول وقت الظهر هو عندما تزول الشمس.قوله: (ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة).معناه: أنه لما خرج وقت الظهر والشمس حية، وكان ظل كل شيء مثله أمره فأقام العصر، يعني: في أول وقتها، والشمس مرتفعة في السماء ما مالت إلى جهة الغروب كثيراً، وإنما هي مرتفعة في السماء.قوله: (ثم أمره فأقام بالمغرب حين غربت الشمس).وهذا هو أول وقتها، إذا غربت الشمس وغاب قرصها، وذهب حاجبها الذي هو طرف قرصها الآخر الذي يبقى منه ويذهب أكثره، فعند ذلك يبدأ وقت المغرب، فأمره أن يقيم المغرب حين غابت الشمس.(ثم أمره فأقام بالعشاء حين غاب الشفق).وهذا هو أول وقتها وذلك حين غاب الشفق وهو الضياء الذي يكون بعد غروب الشمس، وقد كان بعد ذلك اشتداد الظلام وشدته وقوته، ولم يبق أي أثر للشفق أو للنور وصار المغرب مثل المشرق، وكله سواء في الظلام الدامس، وبهذه الصلوات انتهى اليوم الأول الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الصلوات في أول وقتها، ثم بعد ذلك صلى في اليوم الثاني مع آخر الوقت.قوله: (ثم أخر الفجر من الغد حين انصرف، والقائل يقول: طلعت الشمس).أي: من شدة الضياء؛ معناه: أن الشمس أوشكت أن تطلع، وهذا هو آخر وقتها الذي هو طلوع الشمس، معناه أنه صلاها في آخر وقتها، أو قريباً من آخر وقتها.قوله: (ثم أخر الظهر إلى قريب من وقت العصر بالأمس).أي: حين كان ظل الشيء مثله، فأخرها إلى آخر وقتها.قوله: (ثم أخر العصر حتى انصرف، والقائل يقول: احمرت الشمس).يعني: تغير لونها، وبدل ما كانت بيضاء واضحة تغيرت إلى الاصفرار والاحمرار متجهة إلى الغروب، وهذا هو نهاية الوقت الاختياري، وأما الوقت الاضطراري فإنه إلى غروب الشمس، بل إن الإنسان إذا اضطر وأدرك ركعة قبل الغروب يضيف إليها ركعة ويكون أدرك الصلاة في وقتها، مثل الفجر فإنه إذا أدرك ركعة قبل طلوع الشمس فإنه يضيف إليها أخرى ويكون قد أدرك الصلاة في وقتها، والمراد بذلك أنه ما لم تحمر الشمس؛ يعني: الوقت الاختياري، أما الوقت الاضطراري فإنه يستمر إلى غروب الشمس.قوله: (ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق).يعني: عند نهاية وقت المغرب، وقرب دخول وقت العشاء، وحيث سقط الشفق، يعني: ذهب البياض الذي يكون بعد الغروب، ويكون -كما هو واضح- المشرق والمغرب كله سواء في الظلام الدامس.قوله: (ثم أخر العشاء إلى ثلث الليل).وقد جاء في بعض الروايات: (نصف الليل)، والمعتبر هو النصف، والثلث داخل في النصف، والأحاديث ثبتت في النصف، فيكون هو نهاية الوقت الاختياري والذي هو النصف.قوله: (ثم قال: الوقت فيما بين هذين).ثم لما صلى في هذين اليومين، اليوم الأول يصلي الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها، واليوم الثاني يصلي الصلوات الخمس في أواخر أوقاتها، فيما كان له وقت اختياري واضطراري، قال: (الصلاة ما بين هذين الوقتين)، وفي هذا بيان بالقول بالإضافة إلى البيان بالفعل؛ لأن البيان بالفعل هو كونه يصلي والشمس ترى، وهذه العلامات التي نصبها الله عز وجل يشاهدها الإنسان ويعاينها، ثم قال له: (الصلاة ما بين هذين الوقتين)؛ يعني: إذا فعلت بين هذين الوقتين، فهذا هو وقتها. تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في آخر وقت المغرب قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الله وأحمد بن سليمان واللفظ له ].عبدة بن عبد الله هو الصفار، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له مسلم شيئاً.أما أحمد بن سليمان فهو الرهاوي، وهو ثقة، عابد، خرج له النسائي وحده، قال: [واللفظ له]، أي: لـأحمد بن سليمان؛ لأنه ذكر الشيخين، فأشار إلى من له اللفظ منهما، وأنه الثاني من شيخيه، وهو أحمد بن سليمان، وليس سياق لفظ شيخه الأول: عبدة بن عبد الله .[ قالا: حدثنا أبو داود].هو عمر بن سعد بن عبيد الحفري، والحفري نسبة إلى موطن أو موضع بالكوفة يقال لها: الحفر، فنسبة إليها يقال: الحفري، وهو ثقة عابد، وخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن بدر بن عثمان].هو بدر بن عثمان الأموي الكوفي، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه في التفسير، وما خرج له البخاري، وما خرج له أبو داود، ولا الترمذي.[قال: إملاء علي].يعني: أن شيخه، وهو أبو بكر بن أبي موسى يملي عليه إملاء، يعني: من حالة التحمل أنه يملى عليه، قال: (إملاء علي)، يعني: هذه طريقة التحمل من شيخه، والإملاء هي من أحسن أو أعلى صيغ التحمل؛ لأنه يسمع من لفظ شيخه إملاء، يعني: يملي عليه وهو يكتب، فهي تكون من أعلى ما يكون من صيغ التحمل.[حدثنا أبو بكر بن أبي موسى].هو أبو بكر بن أبي موسى الأشعري، وأبو بكر هذا قيل اسمه: عمرو، وقيل: عامر، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه].هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث جابر في آخر وقت المغرب يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا زيد بن الحباب حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت حدثني الحسين بن بشير بن سلام عن أبيه قال: (دخلت أنا ومحمد بن علي على جابر بن عبد الله الأنصاري، فقلنا له: أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك زمن الحجاج بن يوسف، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس، وكان الفيء قدر الشراك، ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر الشراك، وظل الرجل، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، ثم صلى من الغد الظهر حين كان الظل طول الرجل، ثم صلى العصر حين كان ظل الرجل مثليه، قدر ما يسير الراكب سير العنق إلى ذي الحليفة، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء إلى ثلث الليل أو نصف الليل، شك زيد، ثم صلى الفجر فأسفر) ].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن بشير بن سلام دخل هو ومحمد بن علي بن الحسين وهو ابن علي بن أبي طالب المعروف بـالباقر، فدخلوا على جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، فسألوه عن أوقات الصلوات، وهذا أيضاً فيه أن التابعين كانوا يحرصون على سؤال الصحابة عن أمور الدين، وعن أفعال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، والحديث الذي مضى رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوقات، وهؤلاء تابعون سألوا الصحابة عن الأوقات، فالصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون يسألون الصحابة، فهي سلسلة متصلة، والكل معني في أمور دينه، والكل حريص على أمور دينه، وهذا يدلنا على أن سلف هذه الأمة تلقوا الحق والهدى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأعطاه بعضهم لبعض، وحمله بعضهم لبعض.فإن في هذا الحديث أن بشير بن سلام ومحمد بن علي بن الحسين الباقر سألا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.قوله: (فقلنا له: أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك زمن الحجاج بن يوسف).يعني: ذاك الوقت الذي سألوه في زمن الحجاج بن يوسف.قوله: (قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر حين زالت الشمس).أي: أن جابراً رضي الله عنه يحكي فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنها كانت في أول وقتها.قوله: (وكان الفيء قدر الشراك).الشراك هو: شراك النعل الذي يكون على وجهها وعلى ظهرها، يعني: هذا كناية عن صغر أو عن قلة الفيء، وأنه بمجرد ما حصل الفيء دخل وقت الظهر، فصلاها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه إشارة إلى التقليل، وأنه بمجرد ما انكسر الفيء ووجد ظل يسير جداً إلى جهة المشرق بعد أن زالت الشمس إلى جهة المغرب، عند ذلك تحقق الزوال، وذهبت الشمس عن الرءوس، واتجهت إلى جهة المغرب.قوله: (ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر الشراك، وظل الرجل).معناه: بعدما صار ظل الشيء مثله بعد دخول وقت الظهر عند ذلك يدخل وقت العصر، إذا كان ظل الشيء مثله بدأ وقت العصر، وإلى أن يكون ظل الشيء مثله فهذا هو نهاية وقت الظهر.قوله: (ثم صلى المغرب حين غابت الشمس).يعني: أول وقتها.قوله: (ثم صلى العشاء حين غاب الشفق).يعني: في أول وقتها.قوله: (ثم صلى الفجر حين طلع الفجر).يعني: في أول وقتها، فهو أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في يوم من الأيام صلى الصلوات في أوائل أوقاتها.قوله: (ثم صلى من الغد الظهر حين كان الظل طول الرجل).يعني: في اليوم الثاني؛ حيث كان ظل الرجل مثله، هذا هو الوقت الذي ينتهي فيه وقت الظهر، فعندما يكون ظل الشيء مثله معناه: أنه يصليها في آخر وقتها، وبعده مباشرة يدخل وقت العصر.قوله: (ثم صلى العصر حين كان ظل الرجل مثليه).يعني: مثله مرتين؛ وهذا يفيد تساوي وقت الظهر مع وقت العصر الاختياري؛ لأنه من الزوال إلى أن يكون ظل الشيء مثله، فهذا هو وقت الظهر، ثم من أن يكون مثله إلى مثليه فهذا وقت العصر الاختياري، يعني: أنه متساوي مع وقت الظهر، لكن بعد أن يكون ظل الشيء مثليه، فهو وقت اضطراري إلى غروب الشمس.قوله: (قدر ما يسير الراكب سير العنق إلى ذي الحليفة).والعنق هو السير المتوسط؛ لأن أنواع السير له أسماء، وقد جاء في الحديث في حجة الوداع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص)، يعني: أسرع، (كان يسير العنق)، معناه: أن السير متوسط معتدل، فإذا وجد فجوة أمامه، أي: لا يوجد زحام أمامه أسرع في هذه الفجوة، فهذا يسمى النص، يعني: نوع من أنواع السير اسمه النص، وهو السريع، وكان يوصي أصحابه صلى الله عليه وسلم، وهو في تلك الحال فيقول: (أيها الناس! السكينة السكينة، فليس البر بالإيضاع)، وقوله: (الإيضاع) أي: الإسراع؛ لأنهم إذا حصل منهم الإسراع يضر بعضهم ببعض، وكان عليه الصلاة والسلام لا يسرع إلا إذا كان أمامه متسع، ولا يتضرر به أحد، فكان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، وكان يقول لأصحابه: (أيها الناس! السكينة السكينة)؛ يعني: عليكم بالسكينة في المشي، (فإنه ليس البر بالإيضاع)، يعني: ليس البر بأن تسرعوا، وإنما عليكم بالسكينة، وهو المشي الهين الذي لا يترتب عليه مضرة.قوله: (ثم صلى المغرب حين غابت الشمس).معناه: أنه في أول الوقت، وأنه في الأول حين غابت الشمس، يعني: ليس فيه تحديد، والوقت بالنسبة للآخر.قوله: (ثم صلى العشاء إلى ثلث الليل أو نصف الليل، شك زيد).هل قال النصف أو قال الثلث؟ لكن -كما ذكرت فيما مضى- صحت الأحاديث بالنصف، فيكون هو نهاية الوقت الاختياري، والثلث داخل في النصف، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الثلث بدون النصف، وهنا الشك بين الثلث والنصف. تراجم رجال إسناد حديث جابر في آخر وقت المغرب قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان.]هو الرهاوي شيخه في الإسناد الأول، والذي هو شيخه الثاني في الإسناد الماضي، وهو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، عابد، وخرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا زيد بن الحباب].وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري، وقد خرج حديثه مسلم، والأربعة.[حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت].وهو صدوق له أوهام، وقد خرج حديثه الترمذي والنسائي.[حدثني الحسين بن بشير بن سلام عن أبيه].الحسين بن بشير مقبول عند ابن حجر، روى عن أبيه عن جابر هذا الحديث، ولم يرو له النسائي حديثاً غيره.وأبوه هو بشير بن سلام، وهو تابعي صدوق، وقد خرج حديثه النسائي من أصحاب الكتب الستة.[جابر بن عبد الله الأنصاري].صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (99) - (باب كراهية النوم بعد صلاة المغرب) إلى (باب تعجيل العشاء) إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أحسن وأكمل هدي، فمن هديه أنه كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وربما فعل ذلك لمصلحة كمناقشة أحوال المسلمين، كما كان من هديه في صلاة العشاء أن يعجل الصلاة إذا رأى الناس قد اجتمعوا، وإن تأخروا انتظرهم. كراهية النوم بعد صلاة المغرب شرح حديث: (... وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية النوم بعد صلاة المغربأخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى حدثنا عوف حدثني سيار بن سلامة قال: (دخلت على أبي برزة فسأله أبي: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟ قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، وكان يصلي العصر حين يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة)].هنا أورد النسائي حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، والترجمة باب كراهية النوم بعد صلاة المغرب, والمقصود من الكراهية هو حتى لا ينام عن صلاة العشاء، ومن المعلوم أنه قد جاء في الحديث (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من أجر لأتوهما ولو حبواً)؛ وذلك أن العشاء تكون في أول الليل، حيث يكون الناس بحاجة إلى النوم بعد الكدح بالنهار، والفجر تكون في آخر الليل عندما ينتهي الليل، عندما يتلذذ الناس في الفراش, وفي النوم, ويطيب لهم النوم، ويتمكنون منه ويتلذذون به، فكانت الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ولكن العشاء والفجر أشدهما ثقلاً، وأثقل الصلاة جميعاً هاتان الصلاتان على المنافقين.والتر� �مة هي: كراهية النوم بعد المغرب؛ لأن ذلك يؤدي إلى النوم عن صلاة العشاء، وهذا من أحاديث سد الذرائع، والنصوص في سد الذرائع عديدة، وقد أورد ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) تسعة وتسعين دليلاً من الكتاب والسنة، هي من أدلة سد الذرائع، فكراهية النوم قبل صلاة العشاء وبعد صلاة المغرب؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى النوم عن صلاة العشاء.وقد أورد النسائي حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، أن سيار بن سلامة دخل هو وأبوه على أبي برزة الأسلمي فسأله أبوه، وأبوه ليس راوياً هنا، وإنما الراوي هو سيار بن سلامة، يعني: ذكر أباه؛ لأنه هو السائل، وكان معه مثلما كان بشير بن سلام مع محمد بن علي، يعني: السؤال حصل منهما، والراوي أحدهما، وهنا السؤال من أبيه والرواية منه؛ لأنه كان مع أبيه.قوله: (فسأله أبي: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟).وهذا أيضاً فيه ما في الذي قبله من حرص التابعين على سؤال الصحابة عن أمور دينهم، وعن أفعال رسول الله عليه الصلاة والسلام.قوله: (قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى).الهجير هي: الظهر؛ لأنها تقع في الهاجرة، يعني: في منتصف النهار، بعدما تزول الشمس.ويقال لها: الأولى؛ لأنها أول صلاة في النهار، يعني: بعد طلوع الشمس، وإلا فإن الفجر هي في النهار؛ لأن النهار يبدأ بطلوع الفجر، والصيام؛ صيام النهار يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكنها الأولى، يعني: بعد طلوع الشمس وحصول الضياء والإشراق، فهي الأولى بهذا الاعتبار، وقيل: إنها الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالرسول عليه الصلاة والسلام لما فرضت عليه الصلوات.قوله: (حين تدحض الشمس).يعني: حين تزول، هذا هو المقصود بالدحض.قوله: (وكان يصلي العصر حين يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية).معناه: في أول وقتها.قوله: (ونسيت ما قال في المغرب).الذي نسيه هو سيار بن سلامة، وهو الذي يتحدث ويحكي ما أخبره به أبو برزة.قوله: (وكان يستحب أن يؤخر العشاء).وما كان يمنعه من ذلك إلا نوم الصبيان والنساء، وكون الناس يحصل لهم النوم وهم ينتظرونها، فكان يستحب ذلك، ولكنه كان الغالب عليه أن يصليها في أول وقتها؛ رفقاً بأمته، ورفقاً بأصحابه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.قوله: (التي تدعونها العتمة).سيأتي أبواب تتعلق بالعتمة، وأنه جاء في الأحاديث إطلاق العتمة عليها.قوله: (وكان يكره النوم قبلها)، يعني: قبل صلاة العشاء؛ لئلا يؤدي ذلك إلى النوم عنها، (والحديث بعدها)؛ لئلا يحصل السهر الذي يترتب عليه النوم عن صلاة الفجر، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك أحياناً، وكان يسمر مع أبي بكر في النظر في أمور الناس، وفي أمور المسلمين عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا هو هديه، وهذا هو الذي كان يستحبه، فكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، ولكنه كان يسهر أحياناً مع أبي بكر في بعض المصالح، وهذا يدل على أن السمر للحاجة لا بأس به، ولكن بشرط أن لا يترتب عليه مضرة، ومن أعظم المضار التي تترتب عليه النوم عن صلاة الفجر.وقد مر في بعض الأحاديث قريباً: أن جبريل عندما صلى بالرسول صلى الله عليه وسلم أنه لما صلى المغرب ناموا، ثم قاموا، ثم ناموا، ثم قاموا، ثم صلى العشاء.قوله: (وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه).يعني: الذي يصلي بجواره، ومن المعلوم: أن معناه: أنه بغلس؛ معناه: أنه كان يصلي الصلاة في أول وقتها، وكان يقرأ بالستين إلى المائة، وإذا فرغوا من الصلاة الواحد يعرف جليسه، معناه: أنه حصل شيء من الضياء بحيث يعرف الواحد جليسه، وهذا يدل على التبكير بالصلاة في أول وقتها؛ لأنه كان يصلي ويقرأ هذه الآيات الكثيرة، وكان يرتل في قراءته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك حصل الضياء الذي به يعرف الواحد جليسه، وليس معناه: ضياء واضح، وإنما معناه: الواحد ينظر إلى جليسه فيعرفه، فهي أقل الصلوات من ناحية العدد -أي: عدد الركعات- ولكنها أطول الصلوات من حيث القراءة. تراجم رجال إسناد حديث: (... وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم قبلها ...) قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].وهو الملقب بندار، وهو ثقة, خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا عنه مباشرة بدون واسطة، وقد مر ذكره في الدرس الماضي.[حدثنا يحيى].وهو يحيى بن سعيد القطان المحدث، الناقد، الثقة، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عوف].وهو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني سيار بن سلامة].وهو سيار بن سلامة الرياحي أبو المنهال، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[قال: دخلت على أبي برزة].هو أبو برزة الأسلمي، واسمه، نضلة بن عبيد مشهور بكنيته أبو برزة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فهذا الإسناد كل رجاله خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة: محمد بن بشار، ويحيى بن سعيد القطان، وعوف بن أبي جميلة الأعرابي، وسيار بن سلامة الرياحي، وأبو برزة الأسلمي. أول وقت العشاء شرح حديث جابر في أول وقت العشاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول وقت العشاء.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن حسين بن علي بن حسين أخبرني وهب بن كيسان حدثنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد! فصل الظهر حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر، فقال: قم يا محمد! فصل العصر، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه، فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء، ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها، ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح، فقال: قم يا محمد! فصل، فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى الظهر، ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتاً واحداً لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصل، فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جداً، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله)].الآن لما فرغ المصنف من التراجم المتعلقة بصلاة المغرب وما قبلها من الصلوات التي هي: الظهر, والعصر انتقل بعد ذلك إلى صلاة العشاء، فقال: باب: أول وقت العشاء، وكان من عادته أنه يترجم لكل صلاة عدة تراجم، من هذه التراجم أول وقت الصلاة, وآخر وقت الصلاة، ويبدأ بأول وقت الصلاة، وهنا لما فرغ من المغرب التي هي قبل العشاء أتى بأول تراجم صلاة العشاء، وهي: باب أول وقت العشاء، وأورد فيه عدة أحاديث: أولها: حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن جبريل جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام في يومين، وأمره بأن يصلي الصلوات الخمس في اليوم الأول في أول الوقت، وفي اليوم الثاني في آخر الوقت.والمقصود من هذا الحديث الطويل الذي أورده عن جابر هو الاستدلال على أول وقت العشاء؛ لأنه مشتمل على أول وقت العشاء, وآخره، وعلى أوائل الصلوات الأخرى, وأواخر أوقاتها، ولكن يأتي في الترجمة، ويذكر الحديث الطويل المشتمل على ما تقتضيه الترجمة أو ما يريده من الاستدلال على الترجمة.قوله: (جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس، فقال: قم يا محمد، فصل الظهر حين مالت الشمس).يعني: حيث زالت الشمس، وهذا هو أول وقت صلاة الظهر، وصلاتها في أول وقتها هو الأفضل، إلا إذا اشتد الحر فقد جاءت السنة بالإبراد، وهو تأخيرها حتى تنكسر حدة الشمس بمضي وقت بعد الزوال، أما في غير هذه الحالة فإن الأفضل هو صلاتها في أول وقتها.قوله: (ثم مكث، حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه للعصر).وهذا هو أول وقت صلاة العصر: إذا كان ظل الشيء مثله، وهو نهاية وقت الظهر؛ لأن ببلوغ ظل الشيء مثله ينتهي وقت الظهر، ويبدأ وقت العصر، وليس هناك فجوة من الوقت تفصل بين وقتي الصلاتين الظهر والعصر.قوله: (ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه، فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء).يعني: حينما حصل الغروب حصلت الصلاة، وذلك -كما عرفنا فيما مضى-: إذا غاب حاجب الشمس؛ وهو طرفها الذي بقي منها بعد ما يغيب أكثرها، فإذا غاب آخرها، وتوارت بالحجاب عند ذلك تبدأ وقت صلاة المغرب.قوله: (ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصل العشاء، فقام فصلاها).يعني: غاب الشفق، وهو الضياء الذي يبقى بعد غروب الشمس، فإذا ذهب ذلك الضياء ولم يبق له أثر، وصارت جهة المغرب وجهة المشرق على حد سواء؛ كلها ظلام دامس عند ذلك يدخل وقت صلاة العشاء، فجاءه حين ذهب الشفق، فقال له: قم فصل العشاء فصلاها، يعني: صلاها في أول وقتها.قوله: (ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح، فقال: قم يا محمد فصل، فقام فصلى الصبح).قوله: (ثم جاءه حين سطع الفجر في الصبح)، يعني: بدا نوره، وهذا هو أول وقت صلاة الفجر، إذا طلع الفجر، وهو الفجر الصادق المعترض الذي يمتد في الأفق، ويظهر شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس، وليس الفجر الكاذب الذي يظهر في آخر الليل، ويمتد مستطيلاً في السماء، أغبر مثل ذنب السرحان فإن هذا ليس وقتاً لصلاة الصبح، وإنما المقصود بذلك الذي يكون معترضاً في الأفق، ثم يتزايد حتى طلوع الشمس، فلما سطع الفجر جاءه وقال: قم فصل الفجر، فصلاها، وهذا في اليوم الأول أمره بأن يصلي الصلوات في أول أوقاتها.قوله: (ثم جاءه من الغد حين كان فيء الرجل مثله، فقال: قم يا محمد! فصل، فصلى الظهر).يعني: في اليوم الثاني حين كان ظل الشيء مثله، وقال: فصل الظهر فصلاها، وهذا في آخر وقتها، فعندما يبلغ ظل الشيء مثله هو آخر وقت صلاة الظهر، وبعده مباشرة أول وقت صلاة العصر.قوله: (ثم جاءه جبريل عليه السلام حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: قم يا محمد فصل، فصلى العصر).وهذا هو آخر وقت صلاة العصر، أي: الوقت الاختياري لأن أول وقتها الاختياري، هو عندما يبلغ ظل الرجل مثله الذي هو نهاية الظهر، ويستمر حتى يكون ظل الشيء مثليه، وهذا هو نهاية الوقت الاختياري، وبعده يبدأ الوقت الاضطراري الذي لا يجوز للإنسان أن يؤخر إليه، ولكنه لو اضطر وحصل له نوم, أو حصل له نسيان، أو حصل شيء شغله وغفل عن الوقت، ثم صار بعد أن يكون ظل الشيء مثليه، فإنه يصلي العصر حينئذ، ولكنه ليس وقتاً اختيارياً، وإنما وقت اضطراري، فإذا بلغه الإنسان مضطراً فإن الصلاة ما زالت في وقتها، ولكن لا يجوز للإنسان أن يبلغه مختاراً، وقد جاء في الحديث: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته)، معناه: أنه أدرك الصلاة في الوقت؛ لأن الوقت الاضطراري نهايته غروب الشمس، ومن أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، فإنه يكون مدركاً لصلاة العصر في وقتها، لكن هذا في حال الاضطرار، وجبريل جاءه في اليوم الثاني حين كان ظل الشيء مثليه الذي هو نهاية الوقت الاختياري، وقال: قم فصل العصر، فصلاها.قوله: (ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتاً واحداً لم يزل عنه، فقال: قم فصل، فصلى المغرب).يعني: وقتاً واحداً لم يزل عنه، يعني: في اليوم الأول وفي اليوم الثاني جاءه بعد غروب الشمس، وقد سبق أن مر الحديث عن جابر رضي الله عنه, أنه جاءه في اليوم الثاني حين غابت الشمس، وهو مطابق لما هنا، ومعناه: أنه في حديث جابر ما ذكر أولاً وآخراً بالنسبة للمغرب، وإنما ذكر وقتاً واحداً، هو الأول، ولكنه جاء في حديث غيره، وفي الأحاديث المتعددة الكثيرة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاءه جبريل عندما كاد الشفق أن يغرب، وصلى المغرب.إذاً فنهاية وقتها مغيب الشفق، وبدء صلاة العشاء إذا غاب الشفق.قوله: (ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصل، فصلى العشاء).وقد عرفنا فيما مضى أن الروايات أو بعض الأحاديث جاءت بأنها منتصف الليل، فيكون الوقت الاختياري نهايته منتصف الليل، وبعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر الثاني يكون وقتاً اضطرارياً، يعني: من نام واستيقظ بعد نصف الليل فإنه يصلي العشاء في وقتها، ولكن ليس للإنسان مختاراً أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل، بل يأثم بالتأخير.قوله: (ثم جاءه للصبح حين أسفر جداً، فقال: قم فصل، فصلى الصبح، فقال: ما بين هذين وقت كله).يعني: أن الإسفار حصل وكادت الشمس أن تطلع فعند ذلك جاءه وقال: (قم فصل الفجر، فصلاها، ثم قال: ما بين هذين وقت كله)، يعني: ما بين الوقتين كله وقت، فكون الإنسان صلاها في أول الوقت، أو في وسطه، أو في آخره، كل ذلك وقت للصلاة. تراجم رجال إسناد حديث جابر في أول وقت العشاء قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].وهو المروزي، ويلقب الشاه، وهو ثقة, خرج حديثه الترمذي, والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك، وهو مروزي، كما أن عبد الله بن المبارك مروزي.[حدثنا عبد الله بن المبارك].هو المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، جواد، مجاهد, ذكر الحافظ ابن حجر في (التقريب) جملة من أوصافه، وقال: جمعت فيه خصال الخير.وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن حسين بن علي بن حسين].وهو الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، وهو صدوق, مقل من الحديث، وحديثه أخرجه الترمذي, والنسائي، مثل: سويد بن نصر، فقد خرج له الترمذي, والنسائي، وهو صدوق مقل من رواية الحديث.[أخبرني وهب بن كيسان].وهو وهب بن كيسان, ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا جابر بن عبد الله].وهو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ستة من الرجال وامرأة واحدة، هي أم المؤمنين عائشة، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـجابر هو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث. تعجيل العشاء شرح حديث: (... والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تعجيل العشاء.أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو بن حسن قال: قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس بيضاء نقية، والمغرب إذا وجبت الشمس، والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر) ].هنا أورد النسائي تعجيل صلاة العشاء، يعني: صلاتها في أول وقتها؛ لأن الترجمة السابقة هي: لبيان أول الوقت، وهنا الترجمة لتعجيل الصلاة في أول الوقت، فالترجمة لتعجيل العشاء، وقد أورد في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أنه سئل حين قدم الحجاج عن وقت صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة), يعني: منتصف النهار عندما تزول الشمس، فالهاجرة هي عندما ينتصف النهار وتزول الشمس، فكان عليه الصلاة والسلام يصليها في أول وقتها، وهذا هو المقصود بالهاجرة.قوله: (والعصر والشمس بيضاء نقية).يعني: في أول وقتها حال شدتها وحرارتها وبياضها.قوله: (والمغرب إذا وجبت الشمس).يعني: إذا غابت الشمس، ووجبت، يعني: سقطت عن الأعين, وغابت عن الأعين، فكان يصليها عليه الصلاة والسلام إذا وجبت الشمس، والوجوب هو: السقوط، يعني: سقط آخرها بمعنى أنها غابت وذهبت عن الأبصار، فهذا هو أول وقت صلاة المغرب.قوله: (والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر).يعني: بالنسبة لأول الوقت؛ لأنه ذكر أوائل الأوقات، بالنسبة للظهر والعصر والمغرب، ثم قال: العشاء أحياناً، يعني: معناه أنه يصليها في أول وقتها أحياناً، إن رآهم عجلوا عجل، وإن رآهم أخروا أخر.قوله: (وإذا رآهم قد أبطئوا أخر).يعني: أخر الصلاة، فمحل الشاهد منه: (إذا رآهم قد اجتمعوا عجل)، يعني: إذا اجتمع الناس فإنه يبادر إلى الصلاة في الوقت، وإذا رآهم تأخروا فإنه ينتظر.ومن المعلوم أن تأخير الصلاة مستحب؛ أي: صلاة العشاء، ولكن مراعاة للمصلحة بالصلاة في أول وقتها, وعدم المشقة على الناس فإنها تصلى في أول الوقت، ولهذا كان يراعي المصلحة، إذا رآهم عجلوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر، ومحل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة: (إذا رآهم عجلوا عجل)، يعني: عجل الصلاة في أول وقتها.قوله: (قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله).فسألنا جابر يعني: عن الوقت، ولعل ذكر الحجاج يعني: في ذكر قدومه، وأنهم سألوه عندما قدم؛ ليسمع الجواب، وأنهم كانوا يؤخرون الصلاة، لعلهم أرادوا أن يسمع الجواب؛ لأن الصلاة تصلى في أول وقتها، ومن المعلوم أن الصلاة في آخر وقتها إذا كان مختاراً سائغ، ولكن المبادرة إليها في أول وقتها هو الذي ينبغي، وهذا هو المطلوب؛ لأن فيه مسارعة إلى أداء الواجب، والمسارعة إلى الخيرات، والحرص إلى الإتيان إلى الصلاة من حينما تجب الصلاة. تراجم رجال إسناد حديث: (... والعشاء أحياناً كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطئوا أخر) [أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار].عمرو بن علي هو الفلاس، وهو ثقة, ناقد من النقاد المتكلمين في الرجال وفي الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير، فعندما يقال: قال الفلاس، أو وثقه الفلاس، وقال الفلاس: ثقة، وقال الفلاس: ضعيف فالمراد به: عمرو بن علي، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.وأما محمد بن بشار فهو الملقب بندار، وهو من صغار شيوخ البخاري، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، ومثله في كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة: محمد بن المثنى, ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فإن هؤلاء الثلاثة كلهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكلهم ماتوا قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فالثلاثة: محمد بن بشار, ومحمد بن المثنى, ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، هؤلاء الثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وكانت وفاة الثلاثة في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ)، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، يعني: البخاري توفي سنة (256هـ)، وشيوخه الثلاثة -بل شيوخ أصحاب الكتب الستة جميعاً رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة- ماتوا في سنة: (252هـ). [قالا: حدثنا محمد].وهو محمد بن جعفر غندر، الملقب غندر، هذا هو محمد المهمل، ويسمى الرجل الذي يذكر في الإسناد غير منسوب: المهمل، وأما إذا لم يذكر اسمه، ولكن ذكر بلفظ رجل عن رجل، فهذا لا يقال له: مهمل، ولكن يقال له: مبهم، فهذا نوع يسمى المبهم، وذاك يقال له: المهمل، والمهمل يعرف نسبه وتسميته عن طريق الشيوخ والتلاميذ وهو ثقة أي: غندر، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وهو ابن الحجاج، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا من أعلى صيغ التعديل، وهي صيغة وصف بها قليل أو عدد نادر قليل من المحدثين منهم: شعبة بن الحجاج هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن سعد بن إبراهيم].وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة, عابد, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو بن حسن].وهو محمد بن عمرو بن حسن بن علي بن أبي طالب، وهو ثقة, خرج حديثه البخاري, ومسلم, وأبو داود, والنسائي، بمعنى: خرج له الشيخان واثنان من أصحاب السنن.[عن جابر بن عبد الله].وهو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ستة من الرجال وامرأة واحدة، هي أم المؤمنين عائشة، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـجابر هو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (100) - باب الشفق لقد تقرر في الشريعة أن وقت العشاء يبدأ من غياب الشفق الأحمر وهو يوافق وقت غياب القمر لليلة الثالثة من الشهر. الشفق شرح حديث: (كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثة) يعني العشاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الشفق.أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن رقبة عن جعفر بن إياس عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: (أنا أعلم الناس بميقات هذه الصلاة عشاء الآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة) ].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الشفق، والشفق كما عرفنا هو زوال الضوء الذي يكون بعد غروب الشمس، وقد مر في أحاديث عديدة في بيان صلاة المغرب، أي: آخر وقتها، وأول وقت صلاة العشاء، وأن غيبوبة الشفق يحصل به دخول وقت صلاة العشاء، وقبل ذلك من حين غروب الشمس إلى غيبوبة الشفق وقت لصلاة المغرب، وقد جاء ذكر الشفق في أحاديث كثيرة مضت في بيان وقت صلاة المغرب، أي آخرها، وأول صلاة العشاء.وهنا قال: باب الشفق، وأورد فيه حديث النعمان بن بشير من طريقين، وليس فيه ذكر الشفق، ولكن فيه ذكر وقت صلاة العشاء، وأنها عند غياب القمر لليلة الثالثة من الشهر، فليس فيه تنصيص على ذكر الشفق، ولكن فيه إشارة إليه؛ لأن مغيب القمر الليلة الثالثة من الشهر تكون عند دخول الوقت، فالدلالة على الشفق لا يدل صراحة ونصاً، وإنما يدل احتمالاً أو فهماً وليس نصاً؛ لأن النص ما فيه ذكر الشفق، ولكن فيه أنه كان يصلي العشاء عند غيبوبة القمر لليلة الثالثة من الشهر.قوله: (أنا أعلم الناس بميقات هذه الصلاة).أي: صلاة العشاء الآخرة.وقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة).يعني: لليلة الثالثة من الشهر إذا سقط القمر وغاب صلاها، يعني: في أول وقتها، وذلك معناه: إذا غاب الشفق، فاستفادة الشفق هو بالمفهوم واللزوم، وليس عن طريق النص؛ لأن وقت سقوط القمر ليلة الثالث هو غيبوبة الشفق. تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير: (كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثة) يعني العشاء قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].وهو محمد بن قدامة بن محمد بن المصيصي، وهو ثقة, خرج حديثه أبو داود, والنسائي.[حدثنا جرير].وهو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن رقبة ]. وهو رقبة بن مصقلة العبدي الكوفي، وهو ثقة, وقد خرج له الجماعة, إلا ابن ماجه فلم يخرج له في السنن وإنما خرج له في التفسير؛ لأنه رمز له بالفاء والقاف، القاف لـابن ماجه والفاء للتفسير، فالقاف، يعني: القزويني مأخوذة من نسبته إلى قزوين، فيرمز له بالقاف، والفاء للتفسير.[عن جعفر بن إياس].وهو ابن أبي وحشية أبو بشر، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، يذكر أحياناً بكنيته، وأحياناً باسمه، وفي هذا الحديث الذي هو حديث النعمان بن بشير في الإسناد الأول ذُكر فيه باسمه، وفي الإسناد الثاني ذكر فيه بكنيته أبو بشر، وأبو بشر هو: جعفر بن إياس، مرة ذكر بكنيته، ومرة ذكر باسمه، وكما ذكرت فيما مضى أن من أنواع علوم الحديث معرفة الكنى للمحدثين، وفائدة معرفتها: حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين وذلك فيما إذا ذكر باسمه مرة، وذكر بكنيته مرة أخرى، فيظن من لا يعرف أن أبا بشر هو غير جعفر بن إياس.[عن حبيب بن سالم].وهو مولى النعمان بن بشير, وكاتبه، وهو ممن خرج له مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[عن النعمان بن بشير].وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وقد مات رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد جاء في بعض الأحاديث عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه تحمل الصغير في حال صغره، وتأديته في حال كبره، وهذا شيء معتبر عند المحدثين؛ لأن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه وأرضاه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، ومع ذلك يروي ويقول: سمعت، فرواية الصغير في حال صغره، وتأديته في حال كبره، والكافر تحمله في حال كفره، وتأديته في حال إسلامه، هذا معتبر عند المحدثين.وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. حديث: (كان رسول الله يصليها لسقوط القمر الثالثة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عثمان بن عبد الله حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء الآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة) ].وهذه طريق أخرى لحديث النعمان بن بشير، وهي مثل التي قبلها في المتن والمدلول.قوله: [أخبرنا عثمان بن عبد الله].وهو عثمان بن عبد الله بن محمد بن خرزاذ، روى له النسائي وحده.[حدثنا عفان].وهو ابن مسلم الصفار، وهو ثقة, ثبت, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو عوانة].وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة, ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي بشر].وهو جعفر بن إياس الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا، ذكر في هذا الإسناد بكنيته، وفي الإسناد الأول باسمه ونسبه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة كما عرفنا.[عن بشير بن ثابت].هو بشير بن ثابت الأنصاري, بصري, ثقة، خرج له أبو داود, والترمذي, والنسائي.[عن حبيب بن سالم].وهو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، مولى النعمان بن بشير وكاتبه، خرج له مسلم, وأصحاب السنن الأربعة. [عن النعمان بن بشير].وهو صحابي الحديث الأول، والحديث إنما هو حديثه، ولكنه جاء من طريقين، ولفظهما واحد، ومؤداهما واحد. الأسئلة ترك المعتمر والمسافر للنوافل السؤال: هل يجوز للمعتمر أن يترك الرواتب والنوافل لكونه مسافراً؟الجواب: المعتمر أو المسافر يصلي ما أمكنه من النوافل؛ لأن المسجد الحرام والمسجد النبوي تضاعف فيهما الصلوات، فكون الإنسان يصلي ما أمكنه من النوافل في المسجدين هذا أمر فيه فائدة عظيمة لهذه المضاعفة التي تكون في الصلوات، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. الكلام أثناء الوضوء السؤال: هل يوجد نهي عن الكلام أثناء الوضوء؟الجواب: ما نعلم شيئاً يدل على منع الكلام في أثناء الوضوء. بيع العملة بالعملة مع اختلاف القيمة السؤال: هل يجوز التعامل ببيع وشراء العملة، علماً بأن رصيد كل منهما ذهب، مع اختلاف القيمة بينهما في البيع والشراء؟الجواب: البيع بالعملة، يعني: تبديل النقود بالنقود أي فئة من الفئات، يعني: أي عملة من العمل، فبيعها بالأخرى لا بأس به؛ لأن الأصل الذي هو عوض عنها لا وجود له، وليس بأيدي الناس إلا هذه الورق، فبيع الورق بالورق سائغ، ولابد للناس منه؛ لأنه إذا لم يحصل بيع ورق بورق ماذا سيفعل الإنسان عندما يذهب إلى بلد وما عنده إلا عملته، والناس يريدون عملة البلد الذي هم فيه، فبيع العملة بالعملة ليس هناك شيء يمنعه، ولو كانت تلك الأصول لا وجود لها عند الناس، ولا يعرف الناس عنها شيئاً، التي هي الذهب والفضة. حضور الوليمة التي تذبح صدقة للميت السؤال: يقوم بعض الناس بوليمة بنية صدقة على متوفى، فهل يجوز لي أن أجيب دعوة هذه الوليمة، وأنا غير محتاج؟الجواب: الصدقة تكون على الفقراء والمساكين، وأما كونه يصنع طعاماً ويدعو الناس، فلا بأس أن يصنع طعاماً ويدعو الناس، ولكن إذا كان صدقة فالصدقة للفقراء والمساكين. المرور بين يدي المصلي في الحرم السؤال: هل يعذر المار بين يدي المصلي في الحرمين، وخاصة في حالة الازدحام؟الجواب : لا ينبغي للإنسان أن يمر بين يدي المصلي في أي مكان، وأما بالنسبة للمسجد الحرام في المطاف إذا كان أحد يصلي في المطاف فله أن يمر؛ لأن الحق للطائفين، والمصلي يمكن أن يصلي في مكان بعيد، وأما في غير ذلك فعلى الإنسان أن يحرص أن لا يمر بين يدي مصلي، فإما أن ينتظر وإما أن يتحول من صف إلى صف؛ يعني: يطلب من اثنين متجاورين أن يفسحوا له حتى ينتقل من صف إلى صف، ثم ينتقل عن هذا الذي يصلي، وإذا ما كان هناك ضرورة فليصبر، فإن الناس بعد الصلاة يزدحمون في الخروج، ولو صبروا قليلاً لانفض الزحام في وقت يسير. ما يلزم الشاك في سجوده هل هي السجدة الأولى أم الثانية السؤال: كيف يفعل رجل كان ساجداً في صلاته فطرأ عليه الشك، فلم يدر هل هو في السجدة الأولى أم الثانية؟الجواب: إذا كان شك، هل هو في الأولى أو في الثانية؟ فليعتبر أنه في الأولى، وليأت بالثانية، بأن يبني على اليقين، وهو المتيقن، فالثانية ما دام مشكوكاً فيها لا يعول عليها، وإنما يعول على أنه في الأولى ثم يأتي بالثانية بعدها، فيقطع الشك باليقين. المقصود: (وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة) السؤال: قوله: (وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة)، هل هذا في الركعتين أم في الركعة الواحدة؟الجواب: (كان يقرأ فيها بالستين إلى المائة)، يعني: في الركعتين. معنى اشتمال الصماء وبيع فضل الماء السؤال: فضيلة الشيخ! ورد في حديث النهي عن انتقاص الماء واشتمال الصماء النهي عن بيع فضل الماء, بينوا لنا معنى هذه الجمل!الجواب: فضل الماء، يعني: هو الزائد، فالإنسان يجود به إذا كان عنده ماء يكفيه وزيادة؛ فإنه يتيح لغيره أن يستفيد منه، ولا يمنع فضل الماء.وأما إذا حازه، كمثل الإنسان الذي يكون معه سيارة يعبيها بالماء ويبيعه؛ فإن له ذلك.واشتمال الصماء هي نوع من اللبس؛ يلتف بالثوب وتكون يديه في داخله، بحيث لو حصل عنده أمر يقتضي إخراج اليدين لصعب عليه أن يخرج اليدين، يعني: يكون مثل الحصاة الصماء ليس له منافذ. الأذان عند تأخير أداء صلاة العشاء السؤال: إذا أراد جماعة أن يؤخروا صلاة العشاء، فهل الأفضل لهم أن يؤذنوا في أول الوقت ثم يؤخروا الإقامة؟الجواب: إذا كان لا يشوش على الناس فيؤذنون في أول الوقت؛ حتى لا يحصل التشويش على الناس، وأما إذا كانوا وحدهم وفي مكان بعيد فلا بأس، ولكن كونهم يؤذنون في أول الوقت؛ حتى يحصل إعلام لمن سمعهم بدخول الوقت فهذا هو الذي ينبغي، فإذا أذنوا في أول الوقت فلهم أن يصلوا في أي وقت شاءوا، وهذا فيما إذا كانوا مع بعض في مكان ما يتضرر غيرهم بتأخيرهم، وأما إذا كان معهم غيرهم ويتضرر بتأخيرهم فلا يفعلوا، وأما إذا كانوا مع بعض مثلاً: كانوا في بر أو في فلاة وكلهم لا يتضرر بالتأخير فيؤذنون في أول الوقت، وإذا أخروها إلى ما شاءوا أن يؤخروها لا بأس بذلك. معنى سقوط القمر لثالثة السؤال: هل معنى قوله: (سقوط القمر لثالثة)، أي: أن القمر في كل شهر يذهب في اليوم الثالث من بداية الليل؟الجواب: لا، ليس بلازم، ولكن الغالب أنه ليلة ثلاثة من الشهر هي التي تكون مع غيبوبة الشفق، وإلا فإن القمر كما هو معلوم أحياناً يتفاوت، فأحياناً يغيب في ليلة ثالث قبل دخول وقت العشاء، ولكن يمكن أن يكون هذا في الغالب. صلاة العشاء قبل غروب الشفق السؤال: ما حكم صلاة العشاء قبل غروب الشفق؟الجواب: لا يجوز أن تصلى العشاء قبل غروب الشفق. حكم ما نسب إلى ابن خزيمة من إنكار الصورة لله السؤال: ما هو القول فيمن يقول: إن الإمام ابن خزيمة ينكر عموماً الصورة لله؟الجواب: ما أعلم قضية إنكاره للصورة عموماً، وإنما الذي جاء عنه في قضية: (خلق الله آدم على صورته)، فإنه لا يضيف الضمير إلى الله عز وجل، وإنما يرجعه إلى آدم، وإلا فإنه قد جاء ذكر الصورة مضافة إلى الله عز وجل في أحاديث صحيحة ليس فيها احتمال إضافتها إلى غيره.وأما هذا الحديث الذي فيه: (خلق الله آدم على صورته)، فهو محتمل أن يرجع إلى الله، ومحتمل أنه يرجع إلى آدم، وابن خزيمة ممن يقول برجوعه إلى آدم، وأما إنكاره إضافة الصورة إلى الله عز وجل فلا أعلم هذا، وقد جاء الحديث الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بإضافة الصورة إلى الله سبحانه وتعالى، في الصحيحين. البقاء عند قبر الميت القريب للدعاء له السؤال: ما حكم من يبقى عند قبر الميت الذي من أقربائه يدعو للميت فترة، ويقول: أنا أدعو له بمقدار نحر جزور؟ وهل هذا ثابت أم لا؟الجواب: لا أعلم , وإنما هذا جاء عن عمرو بن العاص.وأما الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنه عندما يدفن يقول: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل، ثم ينصرفون). حكم اقتناء القرود السؤال: بعض الناس يقتني قرداً ويربيه، فما حكم الشرع في ذلك؟الجواب: والله لا أعلم حكماً فيه، ولكن اتخاذ القرد وتربيته من غير أن يكون أمر يقتضيه يعتبر هذا من الشيء الذي لا مبرر له، ولا وجه له.وأما حكمه لا أعلم، هل هو ممنوع أو غير ممنوع؟ لا أدري. حكم الجمع الصوري السؤال: ما حكم جمع العصرين؛ الظهر في آخر وقته، والعصر في أول الوقت، والعشائين؛ المغرب في آخر وقته، والعشاء في أول وقته؟الجواب: هذا يسمى الجمع الصوري، وهو صعب تحقيقه وتنفيذه، ولكن كما هو معلوم أن الإنسان المسافر يجمع في وقت الظهر وفي وقت العصر، وإنما بعض العلماء قال في الحديث الذي جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (جمع في المدينة بين الصلاتين الظهر والعصر)، قالوا: إنه جمع صوري، أي: أنه أخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها، وقدم صلاة العصر في أول وقتها، ولكن جاء في بعض الروايات: (أنه أراد أن لا يحرج أمته)، وهذا يدل على أن هناك ضرورة، وهناك شيء ألجأ إلى ذلك ففعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام، ولكن ليس مستمراً. قيام العمرتين مقام حجة مع النبي السؤال: هل تعتبر العمرتان في رمضان كحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم؟الجواب: ما أعلم في هذا شيء، ولكن جاء في الحديث (أن امرأة من الصحابيات قالت: ما يعدل حجة معك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: عمرة في رمضان تعدل حجة معي)، وأما كون العمرتان تعدل حجة ما أعلم في هذا شيئاً. التوفيق بين القول بكراهية تسمية العشاء بالعتمة وورود ذلك في السنة السؤال: كيف نوفق بين كراهية تسمية العشاء بالعتمة, والترخيص بذلك كما عند النسائي؟الجواب: جاء في السنة تسميتها بالعتمة، ولعل ما ذكر من الكراهة مبني على كونه قال: تدعونها العتمة، يعني: يشعر بأن الأولى عدم إطلاقها. |
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب المواقيت (101) - باب ما يستحب من تأخير العشاء جاءت الأحاديث دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لكل صلاة وقتاً معيناً يخصها، منها صلاة العشاء التي كان النبي عليه الصلاة والسلام في أغلب أحيانه يصليها مبكراً، ومع ذلك فقد كان يحب تأخيرها ولكنه خشي أن يشق على أمته. ما يستحب من تأخير العشاء شرح حديث: (... وكان يستحب أن تؤخر صلاة العشاء ...) يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما يستحب من تأخير العشاء.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عوف عن سيار بن سلامة قال: (دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فقال له أبي: أخبرنا كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة؟ قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، وكان يصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، قال: ونسيت ما قال في المغرب، قال: وكان يستحب أن تؤخر صلاة العشاء التي تدعونها العتمة، قال: وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ما يستحب من تأخير العشاء.هذه ترجمة عقدها النسائي للاستدلال على أن صلاة العشاء يستحب تأخيرها ما لم يكن هناك مشقة على المصلين، وقد أورد في هذه الترجمة عدة أحاديث، أولها حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، يقول سيار بن سلامة: (دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فسأله أبي عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى).وقوله: (الهجير) أي: الظهر؛ لأنها تأتي في الهاجرة، قال: (تدعونها الأولى)، فهي الأولى من صلاتي النهار التي تكون في النهار، والمراد من ذلك: ما بعد طلوع الشمس، وإلا فإن صلاة الفجر تقع النهار اليوم وليست في الليل؛ لأن الصائم يصوم ابتداء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فهذا هو النهار وهذا هو اليوم.وقيل: إن إطلاق الأولى عليها؛ لأن جبريل عندما نزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام ليبين له أوقات الصلوات وليصلي به ويبين له كيفية الصلوات كان البدء بالظهر، فقيل لها الأولى.قوله: (تدحض الشمس).يعني: تزول وتميل إلى جهة الغرب بعد أن كانت في جهة الشرق، فإذا صارت فوق الرءوس، ثم اتجهت إلى جهة الغرب، وانكسر الفيء، وحصل فيء يسير يدل على حصول الزوال، فعند ذلك يبدأ وقت صلاة الظهر.قوله: (وكان يصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية).أي: أنه يصليها في أول وقتها؛ لأن كونه يمشي هذه المسافة بعد الصلاة، ويصل إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، معناه: أنه يبكر بها، فالحديث فيه التبكير بصلاة الظهر، وفيه التبكير بصلاة العصر.قوله: (قال: ونسيت ما قال في المغرب).الذي قال: (ونسيت) هو سيار بن سلامة الذي يحكي ما سمعه من أبي برزة الأسلمي عندما سأله أبو سيار عن صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: (ونسيت ما قال في المغرب)، يعني: ما قاله أبو برزة في وقت صلاة المغرب.قوله: (وكان يستحب أن تؤخر صلاة العشاء التي تدعونها العتمة).وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة، وهي باب: ما يستحب من تأخير صلاة العشاء. فهذا هو الدليل على استحباب تأخيرها، لكن هذا الاستحباب وهذا التأخير حيث لا تكون هناك مشقة، وحيث لا تكون هناك مضرة، وحيث لا يترتب على ذلك النوم في سبيل انتظارها وحصول المشقة على الناس في ذلك. وقوله: (وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها)، أي: كان عليه الصلاة والسلام يكره النوم قبلها، لما يترتب على النوم قبلها من النوم عنها، أي: عن صلاة العشاء، والحديث بعدها، لما يترتب عليه من التأخر عن صلاة الفجر، أو النوم عن صلاة الفجر، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمر أحياناً مع أبي بكر في مصالح المسلمين، فإذا حصل ذلك لأمر يقتضيه، كما حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه لا بأس، لكن بشرط أن لا يكون لهذا السمر ولهذا التأخر والحديث بعدها -صلاة العشاء- أي أثر على تفويت صلاة الفجر جماعة، والتأخر عنها.(وكان ينفتل من صلاة الغداة -وهي الفجر- حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة).ومن المعلوم: أنه إذا كان يقرأ بالستين إلى المائة عليه الصلاة والسلام كان يرتل، فهو يصليها في أول وقتها، وعندما يفرغ من الصلاة يعرف الرجل جليسه يعني: الذي يكون بجواره -يصلي بجنبه- ويتضح له معرفته وتمييزه عن غيره؛ لأنه ذهب الظلام الذي لا يحصل معه معرفة الشخص القريب، وهذا يدل على التبكير بها؛ لأن كونه يقرأ بالستين إلى المائة وهو يرتل، ثم يكون الإنسان يميز جليسه بعد هذه القراءة الطويلة مع هذا الترتيل؛ معناه: أنه كان يبكر بها.إذاً: فحديث أبي برزة اشتمل على التبكير لصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة الفجر، واشتمل على بيان استحباب تأخير صلاة العشاء، لكن حيث يكون في ذلك مصلحة ولا يترتب عليه مضرة، أما إذا ترتب عليه مضرة، فإن الصلاة تصلى في أول وقتها، كما هو الغالب على فعله عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث: (... وكان يستحب أن تؤخر صلاة العشاء ...) قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو المروزي، ويلقب الشاه، وهو ثقة، وخرج حديثه الترمذي، والنسائي، ولم يخرج له البخاري، ومسلم، ولا أبو داود، ولا ابن ماجه.[حدثنا عبد الله] هو ابن المبارك المروزي أيضاً، وهو من مرو، كتلميذه سويد بن نصر، بل سويد بن نصر راويته المعروف بالرواية عنه، وعبد الله بن المبارك المروزي ثقة، ثبت، إمام، جواد، مجاهد، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب جملة من أوصافه، وخصاله الحميدة، وقال عقبها: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عوف].هو ابن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سيار بن سلامة].هو الرياحي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن أبي برزة الأسلمي].هو نضلة بن عبيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ابن عباس في تأخير العشاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد واللفظ له، قالا: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: (قلت لـعطاء: أي حين أحب إليك أن أصلي العتمة إماماً أو خلواً؟ قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعتمة، حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر رضي الله عنه فقال: الصلاة الصلاة! قال عطاء: قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه الآن يقطر رأسه ماء، واضعاً يده على شق رأسه، قال: وأشار، فاستثبت عطاء كيف وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه، فأومأ إلي كما أشار ابن عباس رضي الله عنهما، فبدد لي عطاء بين أصابعه بشيء من تبديد، ثم وضعها فانتهى أطراف أصابعه إلى مقدم الرأس، ثم ضمها يمر بها كذلك على الرأس، حتى مست إبهاماه طرف الأذن مما يلي الوجه، ثم على الصدغ وناحية الجبين، لا يقصر ولا يبطش شيئاً إلا كذلك، ثم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن لا يصلوها إلا هكذا)].هنا أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي أخبر فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام أخر يوماً صلاة العشاء والناس ينتظرونه، فناموا، ثم اسيتقظوا، ثم ناموا، ثم استيقظوا، وأذن عليه الصلاة والسلام بالصلاة، فخرج ورأسه يقطر ماء، ثم وصف عطاء بن أبي رباح كيفية الهيئة التي كانت يد رسول الله عليه الصلاة والسلام على رأسه حين خرج عليهم، ورأسه يقطر ماء، يعني: أنه يعصر هذا الماء الذي في رأسه بيده حيث يمرها عليه؛ ليخفف الرطوبة التي علقت به، وهذا يشير إلى أنه حصل منه اغتسال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ألا يصلوها إلا هكذا)، يعني: في هذا الوقت، لكن لما حصلت لهم المشقة كان الغالب على عادته أنه يبكر بها، ولكنه فعل هذا ليبين فضيلة التأخير، وأنه لولا المشقة لكان حصول ذلك هو الأولى، وهو المقدم على غيره.قوله: (ناموا واستيقظوا، وناموا واستيقظوا).يحتمل أن يكون هذا حصل منهم عن جلوس، ويكون هذا هو نعاس مع التمكن، ويحتمل أن يكون عن اضطجاع، ولكن يكون معه وضوء، ولم يذكر الوضوء؛ لما علم من أن النوم ناقض للوضوء، وأنهم يتوضئون من النوم، إلا إذا حصل النوم اليسير الذي هو نعاس في حال جلوس وتمكن، وكون الإنسان إذا خفق رأسه تنبه، فإن هذا لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء هو النوم الطويل، أو الذي يكون عن طريق اضطجاع، أو عن جلوس مع عدم تمكن، أو نوم يحصل معه غطيط ورؤى وأحلام، وما إلى ذلك من النوم العريض، أو الطويل الذي يكون مظنة لانتقاض الوضوء؛ لخروج ريح، كما جاء في الحديث الآخر: (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء)، وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ينتظرون الصلاة، فتخفق رءوسهم وهم جالسون، ثم يقومون إلى الصلاة ولا يتوضئون.إذاً: فهذا الذي جاء في الحديث من كونهم ناموا، ثم استيقظوا، ثم ناموا، ثم استيقظوا، إما المقصود به كناية عن النعاس الذي يحصل به.والحديث دال على ما ترجم له المصنف من استحباب تأخير العشاء؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن لا يصلوها إلا هكذا)، أي: إلا في هذا الوقت، وفي حال التأخر.ثم ما جاء في الحديث من ذكر الإشارة باليد إلى الرأس، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إليهم واضعاً يده على رأسه فهذا يدل على الضبط وعلى الإتقان للرواية؛ لأن الراوي عندما يعرف الحديث، ويعرف الملابسة والظروف التي حصلت، والحديث الذي يحدث به، هذا يدل على الضبط والإتقان؛ لأن كونه يتذكر الهيئة التي حصلت في تلك الحال، وما حصل من فعل، فإذا تذكره الراوي وعرفه، فهذا مما يدل على ضبطه لما رواه، وهذه الهيئة التي فعلها ابن عباس يحكي ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يمر يده على رأسه؛ وذلك لعصر رأسه من البلل الذي أصابه بسبب الاغتسال، وكذلك عطاء يصف ذلك لـابن جريج، ثم ابن جريج أثبت هذا الذي وصف له عطاء، قال: (استثبت)، يعني: طلب منه أن يبين له الكيفية التي فعلها ابن عباس وهو يحكي فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام فوضع وبدد بين أصابعه، أي: فرقها قليلاً بعض التمديد، يعني: بدل ما كانت الأصابع ملتصقة فرق بينها، حتى صارت أطراف الأصابع على مقدم الرأس، وصار الإبهامين عند الأذنين، وعند الصدغ الذي هو المنطقة التي بجوار الأذن، (ولا يقصر ولا يبطش)، يعني: أنه ليس يسرع إسراعاً شديداً، ولكنه يبطئ في حركة يده وهو يمرها يعصر رأسه عليه الصلاة والسلام.والحاصل: أن الحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف من استحباب التأخير. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في تأخير العشاء قوله: [أخبرني إبراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد واللفظ له].إبراهيم بن الحسن هو المصيصي، وهو ثقة، وخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التفسير.ويوسف بن سعيد هو أيضاً المصيصي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي وحده، فقوله: (واللفظ له)، أي: لـيوسف بن سعيد شيخه الثاني؛ أي: أن المتن الموجود هو سياق لفظ الشيخ الثاني. وأما الشيخ الأول فهو ليس بهذا اللفظ، ولكنه يختلف في الألفاظ، هذا هو المقصود بكلمة: واللفظ لفلان؛ يعني: أن اللفظ ليس واحداً، وقد ذكر لفظ واحد منهما فنص على من له اللفظ، والثاني يكون بالمعنى، وأما الذي ذكر فنفس الحروف ونفس السياق هو سياق الشيخ الثاني، والسياق هو لـيوسف بن سعيد المصيصي .[حدثنا حجاج].هو ابن محمد المصيصي أيضاً، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج].هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وابن جريج مشهور بنسبته إلى جده.[قلت لـعطاء].هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقول ابن جريج لـعطاء: (أي: حين أحب إليك أن أصلي العتمة إماماً أو خلواً) يعني: إذا كنت إماماً أو منفرداً، الخلو: هو المنفرد؛ لأنه ذكر كونه إماماً وكونه منفرداً؛ لأنه هذا هو الذي يكون الأمر بيده، ولم يذكر المأموم؛ لأن المأموم تابع لغيره، ويصلي مع الناس؛ أي: إن بكروا وإن أخروا، لكنه ذكر الشيء الذي يتعلق به فيما إذا كان إماماً أو منفرداً؛ يعني: إذا كان يسوغ له أن يصلي منفرداً بأن يكون وحده، وإلا فإن صلاة الجماعة -كما هو معلوم- واجبة، ويجب على المسلم أن يحافظ على صلاة الجماعة، ولا يتأخر عنها، ولكن إذا صلاها منفرداً، حيث يسوغ له أن يصليها منفرداً، هذا هو المقصود بالسؤال: إذا كنت إماماً أو خلواً، أي: منفرداً.وهذا يدلنا على ما كان عليه أتباع التابعين من الحرص على معرفة أمور الدين، كما كان التابعون يسألون الصحابة، والصحابة يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا كان سلف هذه الأمة كل يسأل من قبله ومن لقيه.. وهكذا.[سمعت ابن عباس].أي: أنه حكى ما سمعه من صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على أن معولهم على النصوص، وأنهم عندما يسألون أحياناً يجيبون بالنصوص؛ لأنه قال: (أي شيء أحب إليك) ومن المعلوم: أن أحب إليه هو ما كان موافقاً للسنة، وما كان مطابقاً للسنة، فحكى ما سمعه من صحابي رسول الله عليه الصلاة والسلام ابن عباس وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء.وأما ابن عباس فهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وكان في حجة رسول الله عليه الصلاة والسلام قد ناهز الاحتلام، كما جاء في حديث ركوبه على الأتان: (أنه جاء راكباً على أتان، والرسول يصلي بالناس في منى، قال: وقد ناهزت الاحتلام)، وهو أحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وليس فيهم: عبد الله بن مسعود؛ لأن عبد الله بن مسعود كبير متقدم عليهم؛ لأنه توفي سنة (32هـ).وأما هم فكانوا من صغار الصحابة، فتأخروا بعد ابن مسعود كثيراً، وكانوا في عصر واحد، فكان يقال لهم: العبادلة، وعندما يقال في مسألة: قال بها العبادلة الأربعة من الصحابة، المراد بهم هؤلاء الأربعة: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.وعبد الله بن عباس هو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين ذكرهم السيوطي في ألفيته حيث قال:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريِوجابر وزوجة النبيِالمقصود بالبحر: ابن عباس، والبحر أو الحبر، فهو حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله تعالى عنه وأرضاه. شرح حديث ابن عباس في تأخير العشاء من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور المكي حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل، فقام عمر رضي الله عنه، فنادى: الصلاة يا رسول الله! رقد النساء والولدان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه، وهو يقول: إنه الوقت، لولا أن أشق على أمتي)].ثم ذكر النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة ذات ليلة)، يعني: في يوم من الأيام، وهذا فيه إشارة إلى قلة هذا العمل؛ لأنه قال: (ذات ليلة)، يعني: شيء نادر، والغالب على فعله أنه يقدم الصلاة ويبكر بها، وكان يمنعه من تأخيرها ما يخشاه من المشقة على أمته، فلما أخر الصلاة ذات ليلة، ورقد النساء والصبيان جاء عمر وقال: (الصلاة يا رسول الله! رقد النساء والولدان)، فالمقصود بقوله: (رقد النساء والولدان)، يحتمل أنهم جاءوا للمسجد، ويحتمل أنهم كانوا في البيوت ينتظرون، فالنساء تنتظر الأزواج، والأولاد ينتظرون الآباء ليأتوا من الصلاة، وقد تأخروا عليهم في المسجد في انتظار الصلاة، ومن المعلوم: أن هذا لا يختص بالمسجد؛ لأن حتى غير النساء والصبيان يحصل منهم النوم، ولهذا جاء في الطريق الأخرى: (رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا)، يعني: ليست المسألة خاصة بالنساء والصبيان، لكن ذكر النساء والصبيان يحتمل أن يكون المراد به: كونهم حصل منهم مع غيرهم في المسجد، أو أنه حصل منهم وهم في البيوت؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم خرج عليهم يقطر رأسه، وقـال: (إنه الوقت)، أي: الأكمل والأفضل، إنه الوقت الذي ينبغي أن يحصل، أو الذي هو أفضل من غيره، وقوله: (لولا أن أشق على أمتي)، أي: لولا المشقة على أمته، وهذا يدل على كمال شفقته ورفقه بأمته عليه الصلاة والسلام، وحرصه على إبعادها عما فيه عنتها ومشقتها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في تأخير العشاء من طريق أخرى قوله: [أخبرنا محمد بن منصور المكي].سبق أن مر ذكر محمد بن منصور كثيراً، لكنه لا ينسبه، وإنما يقول: محمد بن منصور، والنسائي له شيخان كل منهما محمد بن منصور، أحدهما: طوسي، والثاني: مكي، وسبق أن ذكرنا -فيما مضى- أن كونه يروي عن سفيان، وسفيان بن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، قالوا: فالأقرب أن يكون المراد به: محمد بن منصور الجواز الذي هو المكي؛ لأن سفيان بن عيينة مكي، محمد بن منصور الجواز مكي، لكن هذا الإسناد فيه تعيين ذلك المهمل في المواضع المتعددة التي مضت؛ لأنه قال: المكي، فخرج احتمال أن يكون محمد بن منصور الطوسي، فهذا الموضع يبين أن المراد بالمهمل في المواضع المختلفة التي كان يذكرها النسائي ويسكت عنها أو عن تمييزه، أن المراد به: المكي الذي هو الجواز، وليس الطوسي.ومحمد بن منصور المكي الجواز ثقة، وخرج حديثه النسائي وحده، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة، وهذه من الطرق التي يعرف بها تعيين المهمل؛ أي: كونه يذكر في بعض المواضع منسوب، يعني: يأتي ما يبين المراد -كما هنا- فهذا الموضع بين فيه من هو محمد بن منصور، وأنه المكي وليس الطوسي، والمواضع التي تقدمت كلها محمد بن منصور فقط، وهو يحتمل الطوسي ويحتمل المكي، لكن لما جاء التصريح بالمكي هنا عرف بأن هذا أيضاً نص من النسائي على تعيينه، ولو لم يحصل التعيين فرواية المكي عن المكي هي الغالب، وإن كان قد يروي عن غير المكي، إلا أنه عند الإطلاق يحمل على من له به خصوصية، وله به اتصال، ومن يكون في متناوله أن يتصل به في كل وقت وحين، وذلك فيما إذا كانا من بلد واحد، بخلاف إذا كان الشيخ في بلد آخر، فإنه لا يحصله إلا برحلة وبسفر، والسفر لا يدوم، فيجلس مدة ثم يذهب، لكن من يكون معه في البلد ويلازمه، وكلما أراد أن يأخذ ذهب إليه، وكلما أراد أن يتعلم ذهب إليه، فهذه الطريقة التي يعرف بها، أو يكون بها تمييز المهمل.[حدثنا سفيان]هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو].هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء].هو ابن أبي رباح المكي، وهو -كما ذكرت- ثقة، فقيه، يرسل كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عباس].وقد مر ذكره، وكان بمكة، ثم خرج إلى الطائف، فعلى هذا يكون الإسناد مسلسل بالمكيين؛ لأن محمد بن منصور مكي، وسفيان بن عيينة مكي، وعمرو بن دينار مكي، وعطاء بن أبي رباح مكي، وابن عباس كان مكياً في بعض أحواله، فهو مسلسل بالمكيين، وكلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، إلا محمد بن منصور الجواز فإنه أخرج له النسائي وحده، وأما سفيان بن عيينة، وعمرو بن دينار، وعطاء بن أبي رباح، وابن عباس، فهؤلاء حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن جريج].يعني: هذه طريق أخرى هي مثل الطريق الأولى؛ لأن سفيان بن عيينة يروي عن شيخيه، أي: سفيان عن عمرو عن عطاء، وكذلك سفيان عن ابن جريج عن عطاء، فالإسنادان متفقان من حيث العلو أو النزول، وليس بينهما فرق؛ يعني: سفيان بن عيينة يروي عن عمرو عن عطاء، ويروي عن ابن جريج عن عطاء، وعطاء يروي عن ابن عباس، وقد مر ذكر ابن جريج في الإسناد السابق. شرح حديث: (كان رسول الله يؤخر العشاء الآخرة ...) قال المصنف رحمه الله تعال: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء الآخرة)].ثم أورد النسائي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر العشاء الآخرة).وقوله: (كان يؤخرها)، هذا هو المقصود من الترجمة من أنه يستحب تأخير العشاء؛ يعني: أحياناً، وليس هذا الغالب على فعله، بل هو القليل من فعله عليه الصلاة والسلام، والغالب على فعله أنه كان يبكر خشية المشقة على الناس؛ فهذا هو الذي يمنعه من التأخير، فكان يؤخر في بعض أحواله وليس دائماً، مثلما مر -فيما مضى- في باب الشفق أن النعمان بن بشير كان يقول: (كنت أعلمكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ يعني: كان يصليها لسقوط القمر ليلة الثالثة، يعني: في بعض الأحيان، أو في غالب الأحيان، وذلك كان في أول الوقت، فليس معنى ذلك: أنه يداوم على هذا ويداوم على هذا، وإنما يحصل منه التبكير كثيراً، ويحصل منه التأخير قليلاً، وكان يستحب التأخير؛ لولا ما يخشاه من المشقة على أمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يؤخر العشاء الآخرة ...) قوله: [أخبرنا قتيبة] .هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو الأحوص].و أبو الأحوص كنية اشتهر بها، واسمه سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سماك].هو سماك بن حرب، وهو صدوق، وخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن جابر بن سمرة].هو جابر بن سمرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وهو جابر بن سمرة بن جنادة السوائي، وهو صحابي ابن صحابي، وله مائة وستة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم منها على حديثين، وانفرد مسلم بثلاثة وعشرين حديثاً. شرح حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، وبالسواك عند كل صلاة)].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو دال على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، وهي عن جابر بن سمرة وعن ابن عباس، وهنا قال عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء، والسواك عند كل صلاة)، يعني: وحصول السواك عند كل صلاة، فقوله: (لأمرتهم بتأخير العشاء)؛ يدل على ما دل عليه الذي قبله من الأحاديث، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستحب تأخير العشاء، ولا يمنعه من ذلك إلا ما يخشاه من المشقة على أمته عليه الصلاة والسلام، فكل هذه الأحاديث دالة على استحباب تأخير العشاء حيث لا يكون مشقة على الناس. تراجم رجال إسناد حديث: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء) قوله: [أخبرنا محمد بن منصور] .هنا أهمله، أي: لم ينسبه كما نسبه في الإسناد الذي قبل هذا، وكما قلت: المواضع التي يرد فيها ذكر محمد بن منصور يروي عن سفيان كثيرة جداً، ولم يأتِ منسوباً -فيما مضى- إلا في هذا الموضع، وهو -كما قلت- دال على تمييز المهمل، وهو تمييزه عن محمد بن منصور الطوسي.[حدثنا سفيان].هو ابن عيينة.[حدثنا أبو الزناد].هو عبد الله بن ذكوان، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأعرج].هو عبد الرحمن بن هرمز، وهو مشهور بلقبه، ويأتي كثيراً باللقب. وهنا ذكره بلقبه الأعرج، فيأتي ذكره أحياناً باسمه وأحياناً بلقبه، ومعرفة ألقاب المحدثين -كما ذكرت مراراً وتكراراً- فائدتها دفع توهم أن يظن أن الشخص الواحد شخصين، فيما لو ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن الذي لا يعرف يظن أن الأعرج شخصاً آخر غير عبد الرحمن بن هرمز، مثلما ذكرنا في الحديث السابق: جعفر بن إياس في إسناد، ثم يأتي بعده إسناد أبا بشر، فالذي لا يعرف أن أبا بشر هو جعفر بن إياس يظن أن هذا شخص وذاك شخص، فكذلك هنا فالذي لا يعرف أن الأعرج لقب لـعبد الرحمن بن هرمز، وذلك لو رأى إسناداً فيه عبد الرحمن بن هرمز وإسناداً آخر فيه الأعرج، يظن هذا شخصاً غير هذا، ففائدة معرفة ألقاب المحدثين هي دفع توهم أن يظن أن الشخص الواحد شخصين؛ وذلك فيما لو ذكر مرة باسمه وذكر مرة بلقبه، والأعرج ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن أبي هريرة].هو عبد الرحمن بن صخر صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
الساعة الآن : 04:06 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour