رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [مباحث الرجعة] صـــــ 376 الى صــــــــ 404 الحلقة (218) الصورة الرابعة: أن يقول لها: رجعتك من غير أن يعلم أن عدتها قد انقضت. وهذه الصورة تحتها حالتان. الحالة الأولى: أن تجيبه فور قوله هذا بقولها: قد انقضت عدتي بحيث يكون كلامها متصلاً بكلامه، وفي هذه الحالة تبطل الرجعة، بشرط أن يكون كلامها في زمن يصح فيه انقضاء العدة، بأن يكون قد مضى شهران إن كانت من ذوات الحيض، إلا أن تدعي الحمل، وأنها أسقطت سقطاً مستبين الخلق، وثبت ذلك. وإلا فلا يعبأ بقولها، وتصح الرجعة، والصاحبان يقولان: تصح الرجعة، ولو قالت له ذلك، لأن العدة كانت قائمة ظاهراً قبل قولها، فقوله: راجعت صادف قيام العدة، ولكن الإمام يقول: إنها أمينة على نفسها، فمتى قالت له: أن عدتي قد انقضت كان معناه أنها انقضت عدتي، فقال لها: راجعتك لا يكون ذلك رجعة باتفاق وللزوج تحليفها بأن عدتها قد انقضت عند إخباره بذلك. الحالة الثانية: أن يقول لها: راجعتك، فتسكت ولو قليلاً، ثم تقول له: قد انقضت عدتي، وفي هذه الحالة تصح الرجعة باتفاق لأنها متهمة بالسكوت. الصورة الخامسة: أن تدعي انقضاء عدتها ثم تكذب نفسها، وتقول: إن عدتي لم تنقض، وفي هذه الحالة يصح له أن يراجعها لأنها كذبت نفسها في حق عليها، وهو حق الزوج في رجعتها، فيبقى هذا الحق قائماً، بخلاف ما إذا كذبت نفسها قي حق لها، فإن تكذيبها لا يعتبر. الصورة السادسة: أن يخلو بها ثم يدعي أنه وطئها وهي تكذبه في دعوى الوطء، وتدعي أنه طلقها قبل الوطء، وبذلك تبين منه، فلا رجعة له عليها، وحكم هذه الصورة أن الرجعة تصح ويصدق هو بلا يمين، لأن الظاهر - وهو الخلوة بها - يؤيده ويكذبها. الصورة السابعة: إذا لم تثبت خلوته بها، وادعى أنه وطئها فكذبته، وفي هذه الصورة لا رجعة له، لأن الظاهر يكذبه عكس الصورة الأولى. خاتمة في أمور: أحدها إذا كان للزوجة مؤجل صداق إلى الطلاق وطلقها رجعياً، فهل لها المطالبة بالمؤجل قبل أن تبين منه بانقضاء العدة أو لا؟ والجواب: أن الصحيح ليس لها المطالبة إلا بعد أن تبين بانقضاء العدة. ثانيها: إذا قال لها: راجعتك على عشرين جنيهاً مثلاً، فطالبته بها، فهل يلزمه المبلغ أو لا؟ خلاف، فبعضهم يرى أنه يلزمه المبلغ ويجعل ملحقاً بالمهر، وبعضهم يرى أنه لا يلزمه، لأن الطلاق الرجعي لا يزيل الملك، والعوض لا يجب عليه في مقابلة الملك، وهو الظاهر. ثالثها: إذا قال الرجل المطلق رجعياً: أبطلت رجعتي أو لا رجعة لي أو أسقطت حقي في مراجعتك ثم راجعها، فهل لها أن تقول له: إنك أسقطت حقك فلا رجعة لك علي؟ والجواب لا، فإن حقه في الرجعة ثابت بالشرع فلا يملك التنازل عنه ولا اسقاطه. المالكية - قالوا: تبطل الرجعة بالأمور المذكورة على التفصيل الآتي، فأما الحيض فإن عدتها تنقضي بثلاثة أطهار لا بثلاث حيض، وأقل مدة تنقضي فيها العدة بالإقراء شهر، وذلك لأنه إذا طلقها في أول الشهر وهي طاهرة، ثم حاضت بعد الطلاق بلحظة، فإن هذا الطهر يحسب لها، فإذا كان ذلك بالليل ثم استمر الدم إلى ما قبل الفجر وانقطع، فإنه يحسب لها حيضة، وذلك لأن أقل الحيض في باب العدة. هو أن ينزل يوماً أو بعض يوم، بشرط أن يقول النساء: إنه حيض، فإذا استمرت طاهرة إلى نهاية اليوم الخامس عشر حسب لها ذلك الطهر، لأن أقل الطهر خمسة عشر يوماً، ويحسب بالأيام لا بالليالي. فإذا حاضت في الليل واستمر الحيض إلى ما قبل طلوع الفجر كان ذلك حيضة. فإذا انقطع واستمرت طاهرة خمسة عشر يوماً ثانية كان ذلك طهراً ثالثاً، وعلى ذلك تكون قد طهرت ثلاثة أطهار. الطهر الذي طلقها فيه - وهو اللحظة التي حاضت بعدها - ثم الطهر الثاني. والطهر الثالث، وهما ثلاثون يوماً ولحظة، فإذا فرض ووقع ذلك في شهر رمضان فإنها تحيض فيه وتطهر وتقضي عدتها بنهايته، ولم تفطر فيه يوماً واحداً. فإذا قالت له: إن عدتها قد انقضت بالطهر من الحيض ثلاث مرات بعد الطلاق، فإن ذلك يحتمل ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن لا يمكن أن تنقضي فيه العدة مطلقاً، وهي أقل من شهر، فإنها في هذه الحالة لا تصدق في دعواها ولا يسأل في شأنها النساء. الوجه الثاني: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن يندر انقضاء العدة فيه، وهو الشهر مثلاً لأنه وإن كان يمكن أن تنقضي العدة في شهر ولكنه نادر، وفي هذه الحالة تصدق بشهادة الخبيرات من النساء، فإذا شهدت بأن النساء قد يحضن ثلاث حيض في هذه المدة ويطهرن منها على الوجه المتقدم إذن تصدق بلا يمين، وقيل: بل تصدق إن حلفت بأن عدتها قد انقضت، فإن نكلت عنه صحت الرجعة. الوجه الثالث: أن تدعي انقضاء عدتها في زمن يمكن انقضاء العدة فيه غالباً. وفي هذه الحالة تصدق بلا يمين، ولا سؤال النساء. وإذا أراد رجعتها فقالت له: إن عدتها قد انقضت في زمن يمكن انقضاؤها فيه ثم كذبت نفسها، وقالت: أنها لم تحض، أو لم تلد لا يسمع قولها، حتى ولو شهدت النساء بأن ليس بها أثر حيض أو ولادة، لأنها تبين بمجرد قولها: حضت ثالثة. أو وضعت الحمل. هذا إذا صرحت بأنها حاضت الثالثة، أما إذا قالت: أنها رأت دم الحيضة الثالثة ثم رجعت، وقالت: إنها رأت الدم ولكنه لم يستمر يوماً أو بعض يوم فلم يكن دم الحيض الذي تنقضي به العدة، ففي هذا خلاف، فبعضهم قال: لا يسمع قولها أيضاً، كالأولى وبعضهم قال: يسمع قولها إن قالت أنها رأت الدم وانقطع، ولم يعد ثانياً، حتى مضى الطهر، أما إن قالت: أنها رأت المد وانقطع حالاً ثم عاد قبل أن تمضي عليه مدة طهر كان حيضاً تنقضي به العدة، وهذا هو الراجح. وإذا طلقها زوجها طلقة رجعية ثم مات عنها بعد سنة أو اكثر فادعت أنها لم تحض أصلاً، أو ادعت أنها حاضت واحدة أو اثنتين فقط حتى ترث منه لعدم انقضاء عدتها. فإن هذه لا يخلو حالها من أحد أمرين: الأول: أن تكون لها عادة باحتباس دم الحيض عندها، فتمكث مثل هذه المدة بدون حيض ثم تحيض، وقد وقع لها ذلك في زمن أن كانت زوجة للمتوفى، وأخبرت به الناس حتى عرف عنها، وفي هذه الحالة تسمع دعواها ويقبل قولها بيمين، ويكون لها حق الميراث. الثاني: أن لا يظهر منها هذا في حال حياة مطلقها، وفي هذه الحالة لا يقبل قولها ولا ترث، لأنها ادعت أمراً نادراً، أما إذا مات بعد ستة أشهر من يوم الطلاق. أو أكثر إلى سنة، وادعت عدم انقضاء العدة، فإنها ترث بيمين إن لم يظهر منها غيبة دم الحيض واحتباسه مدة حياة المطلق، أما إن ظهر منها ذلك فإنها ترثه بدون يمين، فإن مات بعد الطلاق بأربعة أشهر إلى ستة أشهر فإنها تصدق من غير يمين مطلقاً، ومثل ذلك ما إذا كانت مرضعة فإنها تصدق وترث بلا يمين، ولو مات بعد سنة أو أكثر، وكذا إذا كانت مريضة، وذلك لأن الرضاع والمرض يمنعان الحيض غالباً. هذا ما يتعلق بالحيض أو الإقراء، وأما الحمل، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل كله، بحيث لو انفصل منها بعضه فإنه يحل للزوج رجعتها. ولا فرق بين أن يكون الولد كاملاً، أو سقطاً. فإذا ادعى الزوج أنه راجعها في العدة كذبته ولا بينة له، فتزوجت بغيره، ثم وضعت ولداً كاملاً لأقل من ستة أشهر بعد وطء الزوج الثاني فإن الولد يلحق بالأول لظهور كون الحمل منه لا من الثاني، ويفسخ النكاح الثاني، وترد إلى الأول برجعته التي ادعى أنه أنشأها قبل انقضاء العدة، وهل يتأبد تحريمها على الزوج الثاني بحيث لو مات زوجها الأول أو طلقها يحل له أن ينكحها ثانياً أو لا؟ والجواب: نعم يحل له ذلك. لأنها ليست معتدة حتى يقال: إن من نكح معتدة الغير حرمت عليه مؤبداً، وذلك لأن المفروض أن زوجها الأول راجعها، وألحق الولد به، فهي ذات زوج نكحها الثاني نكاحاً فاسداً، على أن بعضهم يقول: من تزوج معتدة بطلاق رجعي لا يتأبد عليه تحريمها، فلو فرض وكانت معتدة فإنه لا يتأبد عليه تحرمها. وإذا ادعى أنه راجعها في العدة بالوطء بنية الرجعة أو راجعها بالتلذذ بها في العدة وأقر بذلك أمام شهود قبل انقضاء العدة، بأن قال أمامهم: راجعت زوجتي بالوطء مع نية الرجعة. أو تلذذت بها بدون وطء مع نية الرجعة، وأنكرت هي ذلك، وشهدت الشهود بإقراره صحت رجعته ما دامت الخلوة بها ثابتة، ولو بامرأتين، كما تقدم، ومثل ذلك ما إذا ادعى الرجعة، وأتى ببينة شهدت بأنها رأته قد بات عندها، أو رأيته قد اشترى لها أشياء أرسلها لها فإن الرجعة تصح بشرط أن تشهد البينة بأنها عاينت ذلك، أما إذا شهدت بإقراره أمامها قبل انقضاء العدة، فإن الرجعة لا تصح. وإذا راجعها فقالت: حضت ثالثة، فلا رجعة لك علي، وأتى بشهود شهدوا بأنها أخبرتهم بأنها لم تحض الثالثة، ولم يمضي وقت يمكنها أن تحيض فيه، فإن رجعته تصح، وإن لم تقم البينة على ذلك فلا تصح. ثالثها: أن تنقضي عدتها بالأشهر. وسيأتي بيان ذلك في مباحث العدة. الشافعية - قالوا: تبطل الرجعة بانقضاء العدة وهي تنقضي بثلاثة أمور: أحدها: وضع الحمل، فإذا ادعت أنها وضعت الحمل ولا رجعة له عليها وأنكر الزوج فإنها تصدق بيمينها بغير بينة. بشروط أن تكون المدة التي مضت بعد طلاقها يمكن أن تضع فيها الحمل ثم إن الحمل الذي تنقضي به العدة ثلاثة أقسام: الأول أن تضعه تام الخلق، فإذا وضعت ولداً تام الخلق في مدة ستة أشهر ولحظتين: لحظة الوطء ولحظة الولادة من وقت إمكان اجتماعهما بعد عقد الزواج. فقد انقضت عدتها بذلك، أما إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت إمكان اجتماعهما، فإن عدتها لا تنقضي ولا يلتفت إليه، لأن الولد يكون من غيره ويكون له الحق في الرجعة بعد ولادته ما دامت في العدة، وعدتها تنقضي بثلاثة قروء - أطهار - بعد انقضاء النفاس، وذلك لأن النفاس كالحيض لا يحسب من العدة، القسم الثاني: أن تضعه سقطاً مصوراً وهذا يشترط في انقضاء العدة به أن يمضي على سقطه مائة وعشرون يوماً ولحظتان من إمكان اجتماعهما، فإن جاءت به لأقل من ذلك مصوراً فلا تنقضي به عدتها. لأنه لا يكون ابنه. القسم الثالث: أن تضعه مضغة، ويشترط لانقضاء العدة بها أن يمضي على إمكان اجتماعهما ثمانون يوماً ولحظتان، على أنه يشترط لهذا شرط آخر، وهو أن تشهد القوابل أن هذه المضغة أصل آدمي، وإلا فلا تنقضي بها العدة أصلاً. وقد استدلوا على أن أقل مدة الحمل التام ستة أشهر بقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} فإن مدة الفطام حولان، والباقي - وهو ستة أشهر - مدة الحمل، واستدلوا على أن أقل مدة المصور مائة وعشرون يوماً، وأقل مدة المضغة ثمانون يوماً بحديث الصحيحين. ثانيها: الإقراء، والقرء: الطهر من الحيض. والعدة تنقضي بثلاثة أقراء، فإذا ادعت أن عدتها انقضت بالإقراء في مدة ممكنة فإنها تصدق بيمينها بدون بينة، وأقل مدة ممكنة في الزوجة الحرة اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان. لحظة للقرء الأول، ولحظة للدخول في الحيض الثالثة، مثال ذلك: أن يطلق زوجته وهي طاهرة في آخر لحظة من ذلك الطهر، بشرط أن يكون طهراً عقب حيض، فتحيض بعد ذلك مباشرة، وترتفع الحيضة في أقل زمن الحيض وهو يوم وليلة، ثم تمكث طاهرة أقل الطهر. وهو خمسة عشر يوماً ثم تحيض يوماً وليلة أيضاً، ثم تطهر خمسة عشر يوماً ثم تحيض وبذلك يتم لها اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان: لحظة الطهر الذي طلقها فيه ومدة الحيضة الأولى، وهي يوم وليلة - أربعة وعشرون ساعة - ومدة الطهر الثاني الذي يلي الحيضة الأولى، وهو خمسة عشر يوماً بلياليها ومدة الحيضة الثانية التي تلي الطهر الثاني، وهي يوم وليلة أيضاً، ومدة الطهر الثالث الذي يلي الحيضة الثانية، وهي خمسة عشر يوماً ثم لحظة من الحيضة الثالثة التي يتم بها الطهر الثالث، ومجموع ذلك اثنان وثلاثون يوماً ولحظتان. هذا إذا طلقها في طهر قبله حيض، أما إذا طلقها وهي طاهر قبل أن تحيض أصلاً، فإن هذا الطهر لا يحسب من العدة لأن الطهر الذي يحسب من العدة هو ما كان بين دمين قبله وبعده، وهذه يمكن أن تنقضي عدتها بثمانية وأربعين يوماً، وذلك بأن يطلقها في آخر لحظة من ذلك الطهر الذي لا يحسب لها، فتحيض أقل الحيض يوماً وليلة، ثم تطهر أقل الطهر خمسة عشر يوماً، ثم تحيض أقل الحيض كذلك ثم تدخل في الحيضة الرابعة بلحظة، فهذه ثلاثة أطهار بخمسة وأربعين يوماً، وثلاث حيض بثلاثة أيام، ولحظة الحيض الرابعة، فالمجموع ثمانية وأربعون ولحظة. هذا إذا طلقها في الطهر، أما إذا طلقها في آخر لحظة من حيضها فإنها يمكن أن تنقضي عدتها في هذه الحالة بسبعة وأربعين يوماً ولحظة من حيضة رابعة، وذلك لأنها تمكث طاهرة بعد الحيضة التي طلقها فيها خمسة عشر يوماً، ثم تحيض يوماً وليلة، ثم تطهر خمسة عشر يوماً، ثم تحيض يوماً وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوماً، هذا هو الطهر الثالث، ثم تحيض الرابعة، ومتى رأت الدم انقضت عدتها ومجموع ذلك ثلاثة أطهار في خمسة عشر يوماً يساوي خمسة وأربعين، وحيضتان بيومين، ولحظة الحيضة الرابعة، وهو العدد المذكور. هذا إذا كانت حرة، أما إذا كانت أمة فإنها إذا طلقت في آخر طهر انقضت عدتها بستة عشر يوماً ولحظتين، وإذا طلقت في حيض انقضت بأحد وثلاثين يوماً ولحظة، ولا يخفى توجيه ذلك. واعلم أن اللحظة من الحيضة الأخيرة ليس من العدة فلا تصح الرجعة فيها، وإنما هي معتبرة للاستدلال على تكملة القرء الأخير. ثالثها: الأشهر فتنقضي عدة الآيسة من الحيض بثلاثة أشهر كما سيأتي إيضاحه في مباحث العدة، وهذه لا يتصور فيها خلاف، فإذا كانت آيسة من الحيض وادعت أن عدتها انقضت بالإقرار وكذبها فإنه يصدق بيمينه، وكذا إذا كانت صغيرة، فإنها إذا ادعت أنها حاضت وانقضت عدتها بالإقراء والواقع أن مثلها لا يمكن أن تحيض، فإن القول قوله، ويصدق بيمينه وقيل: يصدق بدون يمين. هذا، وإذا ادعى الرجعة وأنكرت فلا يخلو إما أن يكون ذلك في العدة أو بعد انقضائها، فإذا كان في العدة فإنه يصدق بيمينه، فإن قلت: إذا كانت العدة باقية فيمكنه أن يقول: راجعت زوجتي وينتهي بدلاً من الخصومة والحلف، قلت: إن هذا يشمل ما إذا وطئها في العدة وادعى أنه راجعها قبل الوطء بدون بينة وأنكرت الرجعة، لأن لها الحق في المهر بالوطء قبل الرجعة كما تقدم فإذا حلف أنه راجعها قبل الوطء فإنه يصدق، وهل تعتبر دعواه في هذه الحالة إنشاء للرجعة أو إقراراً بها؟ قولان مرجحان. ولكن الأوجه أنها إقرار، إذ لا معنى لكون الدعوى إنشاء للرجعة. أما إذا ادعى الرجعة بعد انقضاء العدة، فإن في ذلك صوراً. الصورة الأولى: أن يتفقا على وقت انقضاء العدة، ويختلفا في وقت الرجعة، فتقول: إن عدتها انقضت يوم الجمعة مثلاً، وهو يوافقها على ذلك، ولكن يقول: إنه راجعها يوم الخميس قبل انقضاء العدة، وهي تقول: بل راجعني يوم السبت بعد انقضاء العدة ولم تكن قد تزوجت غيره ولم يكن له بينة على رجعته، وحكم هذه الصورة أن القول للمرأة بيمينها فتحلف على العلم أي تقول والله لا أعلم أنه راجع يوم الخميس، وبذلك تصدق، ولا يكون له عليها حق الرجعة. الصورة الثانية: عكس الأولى، وهي أن يتفقا على وقت الرجعة، ويختلفا في وقت انقضاء العدة، والمسألة بحالها، كأن يقول: إنه رجعها يوم الجمعة، وأنها ولدت يوم السبت بعد الرجعة وهي توافقه على أنه راجعها يوم الجمعة، ولكنها ولدت يوم الخميس قبل الرجعة، وفي هذه الحالة يكون القول قول الزوج بيمينه، فيحلف بأن عدتها لم تنقض يوم الخميس وتثبت رجعته، وذلك لأنها في هذه الصورة قد اعترفت بالرجعة، فكان الأصل وجود الرجعة وعدم انقضاء العدة حال الرجعة، فيعمل بالأصل ويكون القول للزوج بعكس الصورة الأولى، فإن الاتفاق فيه على انقضاء العدة فالزوج معترف بانقضاء العدة فكأن الأصل في هذه الحالة حصول انقضاء العدة وعدم الرجعة حال انقضاء العدة، فعمل بهذا الأصل، وجعل القول للزوجة بيمينها. الصورة الثالثة: أن تدعي أنها ولدت قبل أن يراجعها، وهو قد ادعى أنه راجعها قبل أن تلد، ولم يعين أحدهما وقتاً، وفي هذه الحالة تقبل دعوى السابق منهما، سواء رفعها إلى حاكم أو محكم وذلك لأنها إن سبقت الزوجة، فادعت أن عدتها انقضت وأنه لم يراجعها في العدة، وحضر الزوج فوافقها على انقضاء العدة، ولكنه قال: إنه راجعها قبل انقضائها، فقد اتفقا على الانقضاء واختلفا في الرجعة، وفي هذه الحالة يكون الأصل عدم الرجعة، وإن سبق الزوج فادعى الرجعة كانت الرجعة هي الأصل، لأنه سبق بذكرها قبل أن تدعي المرأة انقضاء عدتها، فتقررت الرجعة وهي موافقة عليها إلا أنها حصلت بقضاء العدة، ولكن الأصل عدم انقضاء العدة في هذه الحالة، وبعضهم يقول: إن حضرت أمام الحاكم من غير تراخ وادعت أنه راجعها بعد العدة كان القول لها، ولكن الراجح الأول. والحاصل أنها إن حضرت أولاً أمام الحاكم أو المحكم وادعت أن عدتها انقضت قبل الرجعة ثبت قولها، لأن لها الحق فيه ما دام الزمن يسع انقضاء العدة وتقرر أمام الحاكم فإذا حضر بعدها وادعى أنه راجعها قبل العدة كان قوله لغواً، وإذا حضر هو أمام الحاكم وقرر أنه راجعها ثبت قوله، لأن له الحق في ذلك، فإذا حضرت بعده وقالت: إنه راجعها بعد انقضاء العدة كان قولها لغواً. الصورة الرابعة: أن تتزوج غيره، ثم يدعي أنه راجعها قبل أن تنقضي عدتها، ولا بينة له، وفي هذه الحالة تسمع دعواه وله عليها الحلف، فإن حلفت بأن عدتها قد انقضت فذاك وإن أقرت فإنها تلزم بدفع مهر مثلها لزوجها الأول. ولا يفسخ نكاحها من الثاني لكونه صحيحاً في الظاهر ولاحتمال أنها كاذبة في إقرارها لتتخلص من زوجها الثاني، نعم إذا مات زوجها الثاني أو طلقها فإنها ترجع إلى زوجها الأول بلا عقد جديد عملاً بإقرارها، واستردت منه المهر الذي غرمته له إذا أقام الزوج الأول بينة على أنه راجعها في العدة، فإن عقدها على الثاني يفسخ. وبهذا تعلم أن إقرارها بأنها تزوجت بالثاني قبل انقضاء عدت الأول لا يعتبر، لأنها كذبت نفسها، فإن إقدامها على التزوج إقرار بانقضاء العدة، فإذا قالت بعد ذلك: إن عدتها لم تنقص احتمل أنها كاذبة في الثاني لتتخلص من زوج الثاني، فلم يعمل به ولكن لما كان يحتمل أنها صادقة فيه من جهة أخرى، وقد ادعى الزوج الأول أنه راجعها، فإنه يعمل به من هذه الناحية إذا طلقت من زوجها الثاني، فتعود إليه بدون عقد جديد، أما البينة فإن الشأن فيها الصدق، ومتى شهدت بأنه راجعها قبل انقضاء العدة، فقد ثبت بطلان العقد الثاني، فيفسخ. الصورة الخامسة: أن يدعي أنه طلقها بعد أن وطئها، فله مراجعتها، وهي أنكرت الوطء وفي هذه الحالة يكون القول لها بيمينها لأن الأصل عدم الوطء، ثم إنه أقر لها بالمهر كاملاً وهي لا تدعي إلا نصفه، فإن كانت قد قبضته فلا رجوع له بشيء عملاً بإقراره وإن لم تكن قبضت فلا تطالبه عملاً بإقراره، فإن أخذت النصف، ثم اعترفت بعد ذلك بوطئه إياها، فهل تستحق النصف الآخر بناء على اعتراف الزوج الأول أو لا بد من ذلك من اعتراف جديد من الزوج؟ والمعتمد أنه لا بد فيه من اعتراف جديد. الصورة السادسة: أن تنكر الزوجة الرجعة، ثم تعترف بها، وفي هذه الحالة يقبل اعترافها. الحنابلة - قالوا: ينقطع حق الزوج في الرجعة بانقضاء العدة، فإذا انقضت العدة فلا رجعة لمفهوم قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} فإن الرد للموصوف بكونه بعلاً، وهو الزوج، فإذا انقضت العدة لم يكن بعلاً، وتنقضي العدة بأمور. أحدها: أن تطهر من الحيضة الثالثة إن كانت حرة. أو من الحيضة الثانية إن كانت أمة ومعنى طهرها أن تغتسل بعد انقطاع الدم، فإن لم تغتسل لا تنقضي عدتها ويكون له الحق في رجعتها، ولو مكثت عشر سنين لم تغتسل، وذلك لأن عدم الغسل يحرم على الزوج وطأها كالحيض، وحيث أن الحيض يجعل له الحق في الرجعة، فكذلك عدم الغسل، لأنه كالحيض في منع الزوج من الوطء فكان له حكمه، ولا تحل للأزواج قبل الاغتسال بحال من الأحوال ولكن إذا مات زوجها قبل أن تغتسل فلا ترثه، وكذا إذا ماتت هي لا يرثها، لأن انقطاع الدم كاف في انقضاء العدة بالنسبة للميراث، وكذا بالنسبة للطلاق، فلو طلقها ثانية بعد انقطاع دم الحيضة الأخيرة لا يلحقها الطلاق لأنها تعتبر بائنة وكذا بالنسبة للنفقة وسائر حقوق الزوجية فإنها تنقطع بانقطاع دم الحيضة الأخيرة، ولو لم تغتسل. والحاصل أن انقطاع دم الحيضة الأخيرة تبطل به حقوق الزوجية، ولو لم تغتسل، ماعدا الرجعة وحلها للأزواج فإنهما لا يبطلان إلا بالغسل. واعلم أن الحنابلة يقولون: إن القرء هو الحيض، ولا بد أن تحيض الحرة ثلاث حيضات، وأقل مدة يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض تسعة وعشرون يوماً ولحظة، لأن أقل الحيض يوم وليلة، وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، فإذا فرض وطلقها في آخر الطهر ثم حاضت عقب الطلاق يوماً وليلة حسبت لها حيضة، فإذا طهرت واستمر طهرها ثلاثة عشر يوماً حسب بها، فإذا حاضت يوماً وليلة حسبت لها حيضة ثانية، فيكون المجموع خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت ثلاثة عشر يوماً حسب له طهر، فإذا حاضت بعده يوماً وليلة حسبت لها حيضة ثالثة وذلك أربعة عشر يوماً، فإذا ضمت إلى خمسة عشر كان المجموع تسعة وعشرين يوماً، أما اللحظة الباقية فهي أن تدخل في الطهر من الحيضة الثالثة، لأن بهذه اللحظة يعرف انقضاء الحيضة، وهي ليست من العدة، فإن ادعت أن عدتها انقضت في اقل من هذه المدة فلا تسمع دعواها، وأما الأمة فيمكن انقضاء عدتها في خمسة عشر يوماً ولحظة. ثانيها: أن تضع الحمل كله بحيث لو نزل بعضه يكون له الحق في الرجعة، وإذا كانت حاملاً في اثنين ووضعت أحدهما فإن العدة لا تنقضي ما لم ينزل الثاني، ويكون له الحق في الرجعة قبل نزوله، فإن لم يراجعها حتى وضعت الحمل كله فإنه لا يكون له حق في رجعتها، وتحل للأزواج ولو لم ينقطع نفاسها، وكذا لو لم تغتسل منه، لأن العدة تنقضي بوضع الحمل لا بانقطاع النفاس ولا بالغسل منه، وإذا تزوجت المطلقة رجعياً قبل أن تنقضي عدتها فإنها تعتبر في عدة الزوج الأول حتى يطؤها الثاني. مثلاً إذا حاضت الحرة حيضتين، ثم عقد عليها آخر، فإنها تعتبر في عدة الأول بعد العقد عليها، بحيث لو حاضت مرة ثالثة بعد العقد، وطهرت منه، بأن اغتسلت بعد انقطاعها، قبل أن يطأها الزوج الثاني انقضت عدة الزوج الأول، لأن العقد الثاني لا قيمة له، فإذا راجعها قبل ذلك صحت رجعته، أما إذا وطئها الزوج الثاني فإن عدة الزوج الأول تقف عند الوطء بحيث لا يحسب حيضها بعد الوطء من عدة الزوج الأول، فيحل له رجعتها وإذا حملت من الزوج الثاني كان له الحق في رجعتها مدة الحمل وبعد الوضع أيضاً، لأن الوضع ليس منه، فبه تنقضي عدتها من الثاني، أما عدتها من الأول فباقية ولم يقطعها ظاهراً إلا وطء الزوج الثاني، وإذا رجعت إلى الأول فإنه لا يحل له وطؤها إلا بعد أن تضع حملها وتطهر من نفاسها، وإذا أمكن أن تكون حاملاً من الأول ووطئها الثاني فأكمله، فإن للأول رجعتها قبل وضعه، لأنه إن كان من الأول فرجعته صحيحة قبل الوضع، وإن كان من الثاني فالأمر ظاهر، أما إذا راجعها بعد الوضع فإن الرجعة لا تصح إلا إذا كان الولد من الثاني، كما عرفت، أما إذا كان من الأول فالرجعة باطلة، لأن العدة تكون قد انقضت بالوضع. هذا، وإن ادعت انقضاء عدتها بوضع الحمل كاملاً ليس سقطاً لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد، لأن ذلك أقل مدة الحمل، أما إن ادعت أنها أسقطت الحمل فإنه لم يقبل قولها في أقل من ثمانين يوماً من إمكان الوطء بعد العقد، لأن العدة لا تنقضي إلا بما يبين فيه الخلق، والجنين لا يبين خلقه إلا بعد هذه المدة. ثالثها: الأشهر إذا كانت يائسة من الحيض ولم تكن حاملاً. هذا، وإذا قالت: قد انقضت عدتي، فقال لها: كنت قد راجعتك، ولا بينة له، فالقول قولها، لأنها تملك الادعاء بهذا في الزمن الممكن، وإن بدأ هو فقال: قد راجعتك فقالت له: قد انقضت عدتي فلم يصدقها كان القول قوله، لأنه يملك الرجعة قبل قبولها، وقد صحت في الظاهر، فلا يقبل قولها في إبطالها. وإذا قال لها: راجعتك أمس، فإن قال لها ذلك وهي في العدة اعتبر رجعة، وإن قال لها ذلك بعد انقضاء العدة، فإن صدقته فذاك، وإن لم تصدقه فالقول لها. وإن اختلفا في الوطء قبل الطلاق فادعى أنه أصابها أو خلا بها - فله عليها حق الرجعة - وأنكرت كان القول لها، لأن الأصل عدم الوطء فإن ادعت هي بعد الطلاق أنه أصابها أو خلا بها لتستحق كل المهر، وأنكر هو كان القول قوله: لأنه المنكر. وهي لا تستحق في الموضعين إلا نصف المهر، سواء أنكرت الوطء أو ادعته، ولكن إذا ادعى أنه وطئها وأنكرت، وكانت قبضت المهر فلا يرجع عليها بشيء، أما إذا لم تكن قبضته فلا تستحق إلا نصفه، وفي حالة ما إذا ادعت أنه أصابها وأنكر، فإنه يرجع عليها بنصف المهر إذا كانت قد قبضته) . |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [مباحث الرجعة] صـــــ 404 الى صــــــــ 413 الحلقة (219) خاتمة في مسألتين -إحداهما: هل يملك الثلاث إذا عادت له بعد التزوج بغيره؟ ثانيهما: هل المطلقة رجعياً زوجة. أو لا؟ - 1 - إذا طلق الرجل زوجته واحدة. أو ثنتين وانقضت عدتها وتزوجت بغيره ووطئها الزوج الثاني، ثم طلقها وعادت للأول، فهل يملك عليها الطلقات الثلاث. كما لو طلقها ثلاثاً ووطئها زوج غيره، أو تعود له بما بقي من طلقة أو طلقتين؟ - 2 - وهل المطلقة رجعياً زوجة تعامل معاملة الأزواج قبل الرجعة. أو لا؟ أما الجواب عن المسألة الأولى: فهو أنها تعود بما بقي لها من الطلاق، سواء وطئها زوج آخر أو لا. وذلك لأن الذي يهدم عدد الطلقات هو الطلاق الثلاث فقط، فإذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجت غيره ووطئها، وطلقها وعادت لزوجها الأول فإنه يملك عليها ثلاث طلقات، أما إذا طلقها واحدة أو ثنتين وعاد إليها فإنه يملك ما بقي فقط، سواء وطئها زوج غيره أو لا، وهذا يكاد يكون متفقاً عليه (1) وهو مروي عن عمر، وعلي، وأبي بن كعب وعمران بن الحصين. وأما الجواب عن المسألة الثانية، فهو أنها زوجة قبل الرجعة في غير الاستمتاع، فيه ترث من زوجها وتورث، ويصح الإيلاء منها، فإذا حلف أن لا يقرب مطلقته رجعياً مدة أربعة أشهر كان مولياً تجري عليه الأحكام الآتية في مبحث الإيلاء: ويصح لعانها، فإذا رمى مطلقته رجعياً بالزنا، ولم يأت بأربعة شهداء، تلاعنا، كما لو كانت غير مطلقة ويصح الظهار منها فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي لزمته كفارة الظهار الآتي بيانها، ويلحقها الطلاق، فلو قال: زوجاتي طوالق، طلقة ثانياً: وإن خالعها صح الخلع، أما الزنية والاستمتاع ففيهما تفصيل المذاهب (2) . مباحث الإيلاء تعريفه -الإيلاء معناه في اللغة اليمين مطلقاً. سواء كان على ترك قربان زوجته. أو غيره، ومع هذا فقد كان الإيلاء على ترك وطء الزوجة في الجاهلية، له حكم خاص، وهو تحريمها حرمة مؤبدة فإذا قال: والله لا أطأ زوجتي، كان معنى ذلك عندهم تحريمها أبداً، فالمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي، لأن الإيلاء في الشرع معناه الحلف على ترك وطء الزوجة خاصة فلا يطلق عند الفقهاء على الحلف على الأكل، أو الشرب، أو غير ذلك. وحكم الإيلاء في الشرع مغاير لحكم الإيلاء في الجاهلية، لأن الحلف به لا يحرم المرأة حرمة مؤبدة، كما ستعرفه، ثم إن الإيلاء مصدر آلي يولي إيلاء، كأعطى إعطاء، والألية اسم بمعنى اليمين، وتجمع على ألايا، كخطية وخطايا، ومثلها الألوة - بسكون اللام وتثليث الهمزة - فالألوة اسم بمعنى اليمين، ويقال أيضاً: تألى يتألى، بمعنى أقسم يقسم ومثله ائتلى يأتلي، ومنه قوله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم} الآية، أي لا يقسموا. أما معناه في الشرع، فهو الحلف على أن لا يقرب زوجته، سواء أطلق بأن قال: والله لا أطأ زوجتي، أو قيد بلفظ أبداً، بأن قال: والله لا أقربها أبداً، أو قيد بمدة أربعة أشهر فما فوق، بأن قال: والله لا أقرب زوجتي مدة خمسة أشهر، أو مدة سنة، أو طول عمرها، أو ما دامت السموات والأرض. أو نحو ذلك. فإن قال ذلك كان مولياً بذلك، أما إذا قيد بشهرين، أو ثلاثة، أو أربعة (3) بدون زيادة على الأربعة ولو يوماً، فإنه لا يعتبر مولياً بذلك ومثل الحلف بالله الحلف بصفة من صفاته، كما إذا قال: وقدر الله، أو علم الله ونحو ذلك، وكذا إذا حلف بغير الله وصفاته، كالطلاق والظهار، والعتق، والنذر، فإذا قال: هي طالق إن وطئتها، أو هي علي كظهر أمي إن وطأتها أو لله علي نذر أن أحج إلى بيت الله أو عبدي حر إن وطئتها، فإنه يكون مولياً بكل هذا (4) على أن تعريف الإيلاء شرعاً فيه تفصيل المذاهب (5) . __________ (1) (الحنفية - قالوا: خالف في ذلك أبو حنيفة، وأبو يوسف، فقالا: إذا وطئها زوج آخر بعقد صحيح، وعادت لزوجها الأول يملك عليها الثلاث، كما لو طلقها ثلاثاً بلا فرق وهذا مروي عن ابن عباس، وابن عمر، ولكن محققي الحنفية قالوا: إن قول محمد هو الصحيح، كقول الأئمة الثلاثة، وحجتهم في ذلك أنه مروي عن كبار الصحابة، وليس من السهل مخالفتهم. وبعضهم رجح قول الصالحين، وهو الراجح فيما يظهر، لأنه إن كان الترجيح مبنياً على مجرد الرواية فالصاحبان قد رويا عن فقيهين عظيمين من فقهاء الصحابة، وكفى بابن عباس، وابن عمر حجة في الفقه، وإن كان مبنياً على الدليل، بل المعقول القريب أن وطء الزوج الثاني إذا هدم الثلاث فإنه يهدم الأقل من باب أولى، وقول محمد: أن قوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} جعل غاية للحرمة الكبيرة فهدمها، لا يخفى ضعفه، لأنه لم يتعرض فيها لعدد وإنما بين الحل بنكاح الثاني، ولو سلم، فإنه لم يحصر الهدم على الثلاث، بلا أفاد أنه يهدم الثلاث فغيرها أولى) . (2) (الحنفية - قالوا: يجوز للمطلقة رجعية أن تتزين لزوجها الحاضر لا الغائب طبعاً. ويحوم ذلك في الطلاق البائن والوفاة، ولكن بشرط أن تكون الرجعة مرجوة، بحيث لو ظنت أنها إذا تزين له حسنت في نظره فيراجعها فإنها تفعل. أما إذا كانت تعتقد أن الزينة لا فائدة منها وإن طلاقها مبني على أمر آخر فلا تفعل، ويجوز له أن يخلو بها ويدخل عليها من غير استئذان ولكن يندب له إعلامها بأن يشعرها قبل دخوله، فإن لم يفعل كره ذلك تنزيهاً، ولكن يشترط في ذلك أن يكون ناوياً الرجعة، أما إذا كان مصراً على عدم العودة إليها فيكره له الخلوة بها إذا ربما لمسها بشهوة فيكون ذلك رجعة وهو لا يريدها، فيلزمه أن يطلقها ثانياً، فتطول عليها العدة، وهو ليس بحسن فإذا لم يكن قاصداً الرجعة فيكون له تنزيهاً أن بخلو بها وإنما كره تنزيهاً لأن زوجته يباح له وطؤها بلا نية رجعة، لكن ينبغي له أن لا يطيل عليها العدة بالوطء إذا لم يكن عازماً على الرجعة، فإذا كان عازماً فلا كراهة في ذلك مطلقاً، ولها الحق في القسم إن كان لها ضرة ما دام ناوياً على مراجعتها وإلا فلا. وهل يصح له أن يسافر بها ويخرجها من المنزل الذي طلقت فيه إذا كان ناوياً الرجعة، أو لا؟ والجواب: أن التحقيق لا يصح إخراجها من المنزل مطلقاً قبل الرجعة بالفعل لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} الآية، كما تقدم، وبعضهم يقول: إذا نوى الرجعة فله ذلك. ويندب للزوج أن يشهد على الرجعة رجلين عدلين، ولو بعد الرجعة بالفعل. المالكية - قالوا: إذا كان ناوياً مراجعتها فإنه يحل له أن يستمتع بها بلمس ونظر إلى عورة وخلوة ووطء، فإذا فعل شيئاً من ذلك مقارناً للينة كان رجعة وكان جائزاً وإلا حرم فإذا لم يكن ناوياً على العودة لها يحرم عليه أن يخلو بها أو ينظر إلى زينتها أو يستمتع بها، بل تكون منه في ذلك بمنزلة الأجنبية، أما إذا كان عازماً على العودة، فيه زوجة في الاستمتاع كغيره. الشافعية - قالوا: لا يحل له أن يخلو بها أو يستمتع بها قبل الرجعة بالقول، سواء كان ناوياً مراجعتها أو لا، فهي ليبست زوجة له في الاستمتاع قبل مراجعتها بالقول، وزوجة له فيما عدا ذلك فهي زوجة له في خمسة مواضع فقط، مبنية في خمس آيات من القرآن: إحداها: قوله تعالى: {الذين يؤلون من نسائهم} والإيلاء يشمل المطلقة رجعياً، فهي من النساء. ثانيها: قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} ، والمطلقة رجعياً ترث وتورث، فهي داخلة في الزوجات. ثالثها: قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} الخ، والمطلقة رجعياً داخلة في الزوجات إذا رماها زوجها بالزنا كما ذكرنا. رابعها: قوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} والرجعية يصح الظهار منها، كما ذكرنا فهي من نساء الرجل. خامسها: قوله تعالى: {وإذا طلقتم النساء} والرجعية تطلق، فهي من الزوجات. الحنابلة - قالوا: للرجعية أن تتزين لمطلقها مطلقاً، وله أن يخلو بها، ويطأها، ويستمتع بها، ويسافر بدون كراهة، سواء نوى الرجعة أو لا إلا أن الاستمتاع بها بغير الوطء لا يكون رجعة، فهي زوجة له بالنسبة للاستمتاع كغيره من الأمور المذكورة) . (3) (الحنفية - قالوا: أقل مدة الإيلاء أربعة أشهر فقط، فلا يشترط الزيادة عليها، كما سيأتي توضيحه في حكم الإيلاء) . (4) (الحنابلة - قالوا: أنه لا يكون مولياً إلا إذا حلف بالله، أو بصفة من صفاته كما هو موضح في تعريفهم الآتي) . (5) (الحنفية - عرفوا الإيلاء بأنه اليمين على ترك قربان الزوجة مطلقاً غير مقيد بمدة أو مقيداً بمدة أربعة أشهر فصاعداً بالله تعالى، أو تعليق القربان على فعل شاق، فقولهم: اليمين بالله شمل ما إذا حلف باسم الله أو بصفة من صفاته، وقولهم: على ترك قربان الزوجة المراد به الوطء في القبل على الوجه الآتي بيانه، وقولهم أو تعليق القربان على فعل شاق شمل ما إذا علق على طلاق كما إذا قال: إن وطئتك فأنت طالق، أو على عتق، كما إذا قال: إن أتيتك فعبدي حر، أو على نذر، كأن قربتك فعلي حج، أو صيام ولو يوم، لأنه شاق، بخلاف ما إذا قال: إن قربتك فعلي صيام هذا الشهر أو الشهر الماضي، لأن الماضي لا يصح نذره، والشهر الحاضر يمكنه أن يطأها بعد نهايته ولا شيء عليه، لنه يصير ماضياً، وكذا إذا قال: فعلي هدي، أو اعتكاف، أو يمين أو كفارة يمين، أو فعلي عتق رقبة، من غير أن يعين، أو علي صلاة مائة ركعة، ونحو ذلك مما في فعله مشقة على النفس، بخلاف ما إذا قال: علي صلاة ركعات أو إتباع جنازة، أو تسبيحات أو نحو ذلك مما لا مشقة جنازة، أو تسبيحات أو نحو ذلك مما لا مشقة فيه فإنه لا يكون مولياً، فإن أتاها، وكان مولياً بالله، كان عليه كفارة يمين، وإن كان معلقاً على طلاق وقع الطلاق، سواء علق على طلاقها أو طلاق امرأة غيرها، وإن كان معلقاً على عتق رقبة غير معينة لزمته، وإن كان معلقاً على غير ذلك لزمه وسقط الإيلاء، وإن لم يقربها فرق بينهما على الوجه الآتي. وبهذا تعلم أن الإيلاء إنما يصح بالطلاق، والعتاق، والظهار، والهدي، والحج، والصوم، ونحو ذلك، لأن في فعلها مشقة على النفس، أما النذر فإن كان في الوفاء به مشقة على النفس فإنه يصح الإيلاء به، وإلا فلا يصح، كما إذا قال: إن وطئتك فلله علي أن أصلي عشرين ركعة إذ لا يخفى أن صلاة عشرين ركعة لا مشقة فيها في ذاتها، وإن كانت قد يشق فعلها على بعض النفوس الضعيفة بسبب الكسل، فمن قال ذلك فإنه لا يكون مولياً، بخلاف ما إذا نذر صلاة مائة ركعة، فإن فيها مشقة في ذاتها، فيعتبر الحالف بنذرها مولياً. فإن قلتك إنه إذا حلف بالله، بأن قال: والله لا أطأ زوجتي يكون مولياً، بل هو الأصل في الإيلاء، مع أنه إذا وطئ امرأته لا يلزمه فعل شيء شاق، والجواب: أنه يلزمه كفارة اليمين، وظاهر أن الكفارة فعل شاق، وأورد على هذا أمران. أحدهما: إيلاء الذمي باليمين، كأن يقول: والله لا أطأ زوجتي، فإنه يكون بذلك مولياً عند الإمام بحيث لو رفع إلينا الأمر فإننا نحكم بكونه مولياً، مع انه إذا وطئها فلا كفارة عليه، لأن الذمي غير مخاطب بالكفارة وأجيب: بأنه يلزمه الإيلاء لأنه معاملة لا عبادة، ولا تلزمه الكفارة لأنها عبادة، وهو ليس من أهل العبادة، فهي مستثنى من هذا الحكم لعارض الكفر. ثانيهما: أنه إذا قال: والله لا أطأ زوجاتي الأربع، فإن له أن يطأ ثلاثاً منهم بدون كفارة وبهذا يكون قد آلى من زوجاته بدون أن يفعل أمراً شاقاً. والجواب: أنه إذا قال: والله لا أطأ زوجاتي الأربع كان معناه أنه حلف على ترك وطء الأربع جميعاً، فإذا أتى بعضهن لا يحنث، بل يحنث إذا أتى الأربع، فإذا أتى الثلاث وترك واحدة صار مولياً منها وحدها، ونظير ذلك ما إذا حلف لا يكلم زيداً، وعمراً، ثم كلم زيداً فقط فإنه لا يحنث، فإذا كلم عمراً بعد زيد حنث، كما إذا كلمهما معاً وكذا لو قال لزوجته، وأمته: والله لا أقربكما، ثم أتى زوجته وحدها فإنه لا يكون مولياً، فإذا أتى الأمة بعدها كان مولياً من زوجته لتوقف الحلف على اتيانهما معاً. الحنابلة - قالوا: الإيلاء حلف زوج - يمكنه أن يجامع - بالله تعالى أو صفة من صفاته على ترك وطء امرأته ولو قبل الدخول في قبلها، فقولهم: زوج خرج به سيد الأمة، فإنه لو حلف أن لا يطأ أمته لا يكون مولياً، وقولهم: يمكنه أن يجامع خرج به الصغير الذي لا يمكنه الجماع، ومثله العنين، والمجبوب، فإن حلف هؤلاء لا يكون إيلاء شرعياً وقولهم: بالله أو صفة من صفاته خرج به الحلف بالكعبة، والنبي، والطلاق، والعتق والظهار، ونحو ذلك، فإن من حلف بها لا يكون مولياً، وقولهم على ترك وطء امرأته في قبلها خرج به ما لو حلف على ترك وطئها في دبرها أو بين فخذيها أو نحو ذلك، مما سيأتي تفصيله. وهل الحلف بالنذر، كالحلف بالله، أو كالحلف بغيره؟ خلاف، فلو قال لها: إن وطئتك فالله علي أن أصلي عشرين ركعة، كان مولياً ينتظر له أربعة أشهر، ثم يعمل معه ما يعمل مع المولي، وبعضهم يقول: إنه يكون مولياً لأن الحلف بالنذر كغيره ليس بيمين، وهو الظاهر، وذلك لأن الحنابلة قالوا: إن الإيلاء هو قسم، والقسم لا يكون إلا بالله أو صفة من صفاته، فإذا علق الحلف على الوطء بالطلاق، كأن قال: إن جامعتك فأنت طالق، أو علقه على العتق، كان قال: إن أتيتك فعبدي حر، أو علقه على ظهار، كأن قال: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، أو علي نذر كأن قال: إن جامعتك فعلي حج أو صدقة، أو نحو ذلك. فإنه لا يكون بكل هذا مولياً، لأن العليق بالشرط ليس فيه معنى القسم، ولذا لم يؤت فيه بحرف القسم، غايته أن يشارك القسم في المنع من الفعل أو الترك، فتسميته حلفاً من باب التجوز، فالحالف بالتعلق كالحلف بالكعبة في أن كل منهما ليس قسماً، فإذا حلف بشيء من ذلك وجامعها كان عليها جزاؤه فيقع طلاقه. ويلزمه عتقه، ونذره، وصلاته، وصيامه، وإن لم يجامعها لم يكن مولياً. نعم للزوجة إذا تركها زوجها أربعة أشهر - ولو بدون إيلاء - الحق في رفع أمرها للحاكم ليأمره بإتيانها، أو بطلاقها كما سيأتي في حكم الإيلاء. وإذا قال لها: إن وطئتك فلله علي صوم أمس، فإنه لا يلزمه بوطئها شيء، لأن نذر الماضي لا يلزم، ومثل ذلك ما إذا قال لها: إن وطئتك فعلي صوم هذا الشهر، ثم وطئها بعد انقضائه، فإنه لا يلزمه شيء لأنه صار ماضياً، أما إذا قال لها: إن وطئتك فعلي صيام الشهر الذي أطؤك فيه، ثم وطئها كان عليه أن يصوم ما بقي من ذلك الشهر. وإذا قال لها: والله لا أطؤك إن شاء الله، ثم وطئها، فلا شيء عليه، لأن الاستثناء ينفعه، ومن هنا يتضح لك أن الحنابلة يخالفون الحنفية وباقي الأئمة في أن التعليقات ليست قسماً على التحقيق، فلا يعتبرونها إيلاء إلا أنهم مع هذا يوجبون جزاءها إذا فعل المعلق عليه، على أنه لا فرق بينهم وبين غيرهم في النتيجة لأنهم يحتمون على ما حلف بها أن يأتي زوجته بعد أربع أشهر، أو يطلق، وإن لم يكن مولياً. المالكية - قالوا: الإيلاء شرعاً هو حلف زوج مسلم، مكلف يمكنه أن يجامع النساء على ترك وطء زوجته غير المرضعة أكثر من أربعة أشهر إن كان حراً، وأكثر من شهرين إن كان رقيقاً، فقوله حلف زوج يشمل ثلاث أنواع: النوع الأول: الحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته، كأن يقول: والله لا أطؤك أصلاً، أو لا أطؤك مدة خمسة أشهر، ومثل ذلك ما إذا قال: وعلم الله وقدرة الله ونحو ذلك. النوع الثاني: التزام أمر معين يصح التزامه من طلاق، وعتق وصدقة، وصلاة وصيام، وحج، وأمثلة ذلك هي أن يقول: إن وطئتك فأنت طالق، فعلي عتق عبدي فلان، أو فعلي جنيه صدقة، أو فعلي صلاة مائة ركعة، أو فعلي صيام شهر، أو فعلي المشي إلى مكة، ويسمى هذا نذراً معيناً، النوع الثالث: التزام أمر مبهم، كأن يقول: علي نذر إن وطئتك، أو علي صدقة إن وطئتك. أما إذا قال: علي نذر أن لا أطأك، أو أن لا أقربك، فإن فيه خلاف، فبعضهم يقول: إنه يكون مولياً بذلك وبعضهم يقول: لا، ووجه الأول أن معنى قول القائل: علي نذر أن لا أطأك إن انتفى وطؤك فعلي نذر فقد علق النذر في الواقع على عدم وطء زوجته، وعدم وطء الزوجة معصية، والنذر المعلق على المعصية لازم، ووجه القول الثاني أن هذا ليس بتعليق، وإنما معناه مصدر مأخوذ من - أن ... والفعل فكأنه قال: عدم وطئك نذر علي، وهذا نذر للمعصية لا تعليق للنذر على معصية، ونذر المعصية لا يصح. وبهذا تعلم أن الخلاف دائر على أنه تعليق، أو ليس تعليق؟ فمن يقول: إنه تعليق للنذر على عدم الوطء، يقول: إنه لازم، لأن تعليق النذر على المعصية لازم، ومن يقول: إنه ليس بتعليق وإنما هو مبتدأ وخبر، فكأنه قال: عدم وطئك علي نذر، فإنه يقول: إنه غير لازم لأنه نذر للمعصية لا تعليق النذر على المعصية، فلا يصح الإيلاء به، فإن كان التعلق صريحاً فلا خلاف في أنه يصح به الإيلاء سواء كان النذر معيناً، أو مبهماً، كما في الصورة التي قبل هذه، وهي إن وطئتك فعلي نذر، فإنه علق النذر على وطئها، فهو لازم بلا كلام، وقوله مسلم خرج به إيلاء الكافر فإنه لا يكون مولياً، بحلفه، خلافاً للأئمة الثلاثة، فإنهم يقولون: إن إيلاء الكافر صحيح كما ستعرفه في الشروط، وقد استل الأئمة على رأيهم بقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} الخ. والموصول من صيغ العموم يشمل المسلم، والكافر، والحر، والعبد، وأجاب المالكية عن ذلك بأن ذلك يصح إذا بقي الموصول على عمومه، ولكن قوله تعالى بعد ذلك، {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم} يدل على تخصيص - الذين - بالمسلمين، لأن الذين يغفر الله لهم بالرجوع إلى وطء زوجاتهم هم المسلمون، أما الكافر فهو خارج عن رحمة الله على أي حال وقد أجيب عن هذا بأن قاعدة مذهب المالكية تفيد أن الكافر يعذب على الكفر وعلى المعصية، فلا يعذبه عليه، وهو وجيه، وقوله مكلف خرج به إيلاء الصبي والمجنون، فإن إيلاءهما لا ينعقد، كالكافر، وقوله: يمكنه أن يجامع النساء خرج به المجبوب، والخصي، والشيخ الفاني العاجز عن إتيان النساء، أما المريض الذي يمنعه مرضه عن إتيان النساء حال مرضه، فإنه يصح الإيلاء منه ما لم يقيده بمدة المرض فإنه لا يكون مولياً في هذه الحالة لأنه لا يقدر على الوطء فيها بطبيعته، وقوله: على ترك وطء زوجته يشمل ما إذا كلن الترك منجزاً أو معلقاً فمثال المنجز أن يقول لها: والله لا أطؤك أكثر من أربعة أشهر ومثال المعلق أن يقول لها: لا أطؤك ما دمت في هذه الدار أو في هذه البلدة، فكما أن اليمين تارة يكون منجزاً، وتارة يكون معلقاً فكذلك ترك الوطء، تارة يكون منجزاً وتارة يكون معلقاً. وكذلك الزوجة تارة تكون منجزة، وتارة تكون معلقة فأما المنجزة فظاهرة وأما المعلقة، فمثالها أن يقول: إن تزوجت فلانة فوالله لا أطؤها مدة خمسة أشهر مثلاً، أو يقول: والله لا أطأ فلانة وهي أجنبية، ثم يتزوجها فإنه يكون مولياً بذلك، وهذا هو المشهور، وبعضهم يقول: لا إيلاء على الزوجة المعلقة لقوله تعالى: {للذين يؤولون من نسائهم} فجعل الإيلاء خاصاً ولا يخفى أن الأجنبيات لا يدخلن في نساء الرجل، ولكن المشهور هو الأول. فالحاصل أن اليمين تارة يكون منجزاً، وتارة يكون معلقاً، وقد عرفت الأمثلة في أنواع الحلف وكذا المحلوف عليه، وهو ترك الوطء تارة يكون منجزاً وتارة يكون معلقاً، وكذلك الواقع عليها الحلف، وهي الزوجة وقد عرفت الأمثلة، وقوله: غير المرضعة خرج به المرضعة، فإنه إذا حلف أن لا يطأها ما دامت مرضعة فإنه لا يكون مولياً، بشرط أن يقصد مصلحة الولد أو لم يقصد شيئاً، أما إن قصد منع نفسه من جماعها بدون سبب فإنه يكون مولياً، وقوله: أكثر من أربعة أشهر خرج به ما إذا حلف أن لا يقربها أربعة أشهر أو أقل، فإنه لا يكون مولياً بذلك فلا بد من الزيادة على الأربعة ولو بيوم، وهو رأي الأئمة الثلاثة خلافاً للحنفية، فإنهم يقولون: إنه يكون مولياً بالأربعة بدون زيادة عليه. الشافعية - قالوا: الإيلاء هو حلف زوج يتصور وطؤه ويصح طلاقه على امتناعه من وطء زوجته التي يتصور وطؤها في قبلها مطلقاً، أو فوق أربعة أشهر، فقوله: حلف، يشمل ثلاثة أشياء. الأول: الحلف باسم من اسمائه تعالى أو صفة من صفاته، كقوله: والله لا أطأ زوجتي، أو وقدرة الله لا أطأ زوجتي. الثاني: يتعلق الطلاق أو العتق على الوطء كما إذا قال: إن وطئتك فأنت طالق، أو إن وطئتك فضرتك طالق. ومثل ذلك ما إذا قال: إن وطئتك فعبدي حر فقد علق بذلك طلاقها أو طلاق ضرتها على وطئها، كما علق عتق عبده على وطئها. الثالث: الحلف بالتزام النذر، كصلاة وصيام، وغيرهما من القرب كما إذا قال: إن وطئتك فالله علي صلاة، أو صيام، أو علي عتق، أو علي حج، أو صدقة، أو نحو ذلك، فهذه هي الأمور الثلاثة التي ينعقد بها الحلف على وطء الزوجة. ويكون الزوج بها مولياً وسيأتي بيان حكم كل واحد منها في مبحث حكم الإيلاء. وقوله: زوج، يشمل المسلم، والكافر، ويشمل الكبير والصغير، والحر والعبد، ويشمل أيضاً السكران، فلو حلف وهو سكران ألا يطأ زوجته كان مولياً، ويشمل أيضاً المريض الخصي - وهو مقطوع الأنثيين القادر على الوطء والمجبوب الذي لا يقدر على الوطء إذا حلف وقوله: يتصور وطؤه خرج به الصبي الذي لا يعرف الوطء وكذا من أصيب بشلل في عضو التناسل فعجز عن الوطء أو قطع ذكره بحيث لم يبق منه القد الذي يصلح للوطء، لأن إيلاء مثل هذا لا معنى له، إذ هو عجز بطبيعة الحال. وهذا بخلاف المريض الذي يرجى برؤه، فإن إيلاءه يصح ما لم يقيد بمدة المرض، فإنه في هذه الحالة لا يكون لإيلائه معنى، لأنه عاجز بطبيعته، فلا إيذاء للزوجة من حلفه. وقوله: يصح طلاقه به إيلاء من لا يصح طلاقه كالصبي، والمجنون، والمكره، فإن إيلاء هؤلاء لا يصح، وإنما قال: زوج ليخرج غير الزوج، فلو حلف شخص لا يطأ هنداً، وهي غير زوجة له لا يكون مولياً منها إذا تزوجها، وإنما يكون مقسماً، فلو وطئها يكون عليه كفارة يمين وقد عرفت فيما تقدم أن الحلف بالطلاق على الأجنبية لا يقع. وقوله: من وطء زوجته خرج به ما إذا حلف على ترك وطء أمته فإنه لا يكون مولياً، إلا إذا الأمة زوجة. فإن الإيلاء يصح منها كالحرة. وقوله: التي يتصور وطؤها خرج به الصغيرة التي لا تطيق الوطء فإذا حلف أن لا يطأها سنة وكانت تطيق الوطء بعد ستة أشهر إلا قليلاً، فإنه يكون مولياً منها، لأن المدة من السنة التي تطيق فيها الوطء هي مدة الإيلاء، ومثل الصغيرة التي لا تطيق الوطء من بها علة تمنع الوطء كما إذا كانت رتقاء، بخلاف ما إذا كانت مريضة مرضاً لا يمنع الوطء أو يمنعه مؤقتاً فإن الإيلاء يصح، ولكن لا يكون لها الحق في المطالبة بالرجعة إلى الوطء إلا بعد برأها، كما يأتي في حكم الإيلاء. وقوله: في قبلها خرج به ما إذا حلف أن لا يطأها في دبرها، فإنه لا يكون مولياً بذلك، لأنه حلف على ترك فعل مطلوب تركه، هذا بخلاف ما إذا قال: والله لا أطؤها إلا في دبرها فإنه يكون بذلك مولياً، فكأنه قال: والله لا أطؤها في قبلها، ولو قال: والله لا أطؤها إلا وهي حائض أو إلا وهي صائمة رمضان، أو إلا في المسجد، فإنه لا يكون مولياً بذلك، وذلك لأنه وإن كان قد حلف أن لا يطأها في وقت يحرم عليه وطؤها، ولكن ليس فيه حلف على ترك وطئها في قبلها والتحريم لعارض الحيض ونحوه لا يمنع من جواز الوطء في المحل، بخلاف ما إذا حلف أن لا يأتيها إلا في الدبر، لأن تحريمه ذاتي، وإذا حلف أن يطأها بين فخذيها أو نحو ذلك فإنه لا يكون مولياً. وقوله: مطلقاً شمل ما لم يقيد المدة بوقت ما. كما إذا قال لها: إن وطئتك فأنت طالق أو قيدها بما يفيد التأبيد كما إذا قال لها: والله لا أطؤك أبداً، أو طول عمرك، أو حتى ينزل المسيح. أو حتى تقوم الساعة، أو قيدها بما يزيد على أربعة أشهر ولو لحظة، كما إذا قال لها: والله لا أطؤك أربعة أشهر وخمس دقائق مثلاً، أما إذا قال لها: أربعة أشهر فقط. أو أقل فإنه لا يكون مولياً بذلك) . |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [مباحث الإيلاء] صـــــ 413 الى صــــــــ 430 الحلقة (220) أركان الإيلاء وشروطه -أركان الإيلاء ستة (1) : محلوف به، ومحلوف عليه، وصيغة، ومدة، وزوجان، فأما المحلوف به فهو اليمين المتقدم بيانه في التعريف عليه فهو الوطء، فإذا قال: والله لا أطأ زوجتي كان الوطء محلوفاً عليه، واسم الله محلوف به، وكذا إذا قال: علي الطلاق لا يطؤها فإن الطلاق محلوف به، والوطء محلوف عليه، وقد يعلق المحلوف عليه على الزوجة باعتبار كون الوطء قائماً بها وأما الصيغة فهي صيغة اليمين بأقسامه المتقدمة، وأما المدة فهي مدة الإيلاء، وهي أن لا يطأها مدة تزيد على أربعة أشهر (2) . ولكل واحد منها شروط مفصلة في المذاهب (3) . حكم الإيلاء ودليله -للإيلاء حكمان: حكم أخروي وهو الإثم إن لم يفئ إليها، وحكم دنيوي، وهو طلاقها بعد أربعة أشهر على الوجه الآتي، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} ، ومعنى يؤلون يقسمون وقوله: {من نسائهم} متعلق {بيؤلون} لأنه متضمن معنى البعد عن النساء، ولهذا عدي - بمن - أما آلى بدون ملاحظة البعد فإنه يتعدى - بعلى - يقال: آلى - على - امرأته - لا من - امرأته. وقد عرفت أن الإيلاء على النساء كان معروفاً عند العرب ومستعملاً في ترك وطء المرأة، وكان حكمه عندهم تحريمها تحريماً مؤبداً، فقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} معناه للذين يقسمون على ترك وطء نسائهم، ترقب أربعة أشهر، فإن فاءوا ورجعوا إلى الوطء الذي حلفوا على تركه فإن ذلك يكون توبة منهم عن ذلك الذنب، فالله يغفره لهم بالكفارة عنه. ومن هذا يتضح أن الإيلاء حرام لما فيه من الاضرار بالمرأة بالهجر وترك ما هو ضروري لازم للطبائع البشرية وايجاد النوع الإنساني وحرمانها من لذة أودعها الله فيها لتحتمل في سبيلها مشقة تربية الذرية ومتاعها، وإشعارها بكراهيته وانصرافه عنها، وكل ذلك إيذاء لها، فإن قلت: إن ذلك يقتضي أن لا يمهله الّه أربعة أشهر. قلت إن الحكمة في إمهاله هذه المدة المحافظة على علاقة الزوجية، ومعالجة بقائها بما هو غالب على طبائع الناس، فإن البعد عن الزوجة مثل هذا الزمن فيه تشويق للزوج إليها، فيحمله على زنة حاله معها وزناً صحيحاً، فإذا لم تتأثر نفسه بالبعد عنها ولم يبال بها، سهل عليه فراقها، وإلا عاد إليها نادماً على اساءتها مصراً على حسن معاشرتها، وكذلك المرأة، فإن هجرها من وسائل تأديبها، فقد تكون سبباً في انصرافه عنها باهمال زينتها أو بمعاملته معاملة توجب النفرة منها، فبعده عنها هذه المدة زاجراً لها عما عساه أن يفرط عنها، فانتظار هذه المدة لازم ضروري لبقاء الزوجية. وقوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} يحتمل أمرين: أحدهما إن أصروا على تنفيذ يمينهم وهجروا نسائهم فلم يقربوهن حتى انقضت المدة المذكورة، وهي أربعة أشهر، فإن ذلك يكون إصراراً منهم على الطلاق، فيكون طلاقاً ولو لم يطلقوا (4) أو تطلب المرأة الطلاق، فانقضاء المدة في ذاته طلاق، ووجه ذلك أن قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} الخ كلام مفصل بقوله {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا} الخ، واللغة تقتضي أن المفصل - بكسر الصاد - يقع عقب المفصل بدون فاصل، فيجب أن تقع الفيئة - بمعنى الرجعة - إلى الجماع أو يقع الطلاق عقب انقضاء مدة أربعة أشهر بدون فاصل من طلب المرأة أو تطليق الرجل، ونظير ذلك أن يقول شخص لآخر: إنني نزلت بجواركم، فإن أعجبكم ذلك مكثت وإلا رحلت فإن معنى هذا إن لم ترضوا عني رحلت بدون أن أعمل أي عمل آخر سوى الرحيل. المعنى الثاني: أن معنى قوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق} أي عزموا على الطلاق بعد مضي المدة، فالعزم على الطلاق لا يتحقق إلا بعد مضي المدة، بأن يطلقها من تلقاء نفسه، أو ترفع الأمر للقاضي على الوجه الذي ستعرفه. فالفاء في قوله تعالى: {فإن فاؤوا} للتعقيب، أي فإن فاؤوا عقب مضي المدة إلى جماع زوجاتهم وأخرجوا كفارة أيمانهم {فإن الله غفور رحيم وإن عزموا} على الطلاق عقب انقضاء المدة {فإن الله سميع عليم} وعلى الأول أن يكون معنى قوله تعالى: {فإن الله سميع عليم} سميع لإيلائهم عليهم بما يترتب عليه من ظلم المرأة وإيذائها بانقضاء المدة من غير فيئة، فيعاقبهم عليه، ففيه تهديد للذين يصرون على هجر الزوجة حتى تنقضي المدة التي يترتب على انقضائها تطليقها، وعلى الثاني يكون تهديداً لمن طلق بعد انقضاء المدة، أو طلق عليه الحاكم، ويتعلق بهذه الآية أمور مفصلة في المذاهب (5) . __________ (1) (الحنفية - قالوا: ركن الإيلاء شيء واحد، وهو صيغة الحلف بناء على ما تقدم من أن الركن هو ما كان داخل الماهية، وإنما تتحقق ماهية الإيلاء بالصيغة، أما هذه الأشياء فإنها شروط للماهية، وقد عرفت أن الذين يعدونها شروطاً فإنما يريدون من الركن ما لا تتحقق الماهية إلا به، سواء كان داخلاً في ماهيتها أو لا) . (2) (الحنفية - قالوا: مدة الإيلاء أربعة أشهر فقط بدون زيادة) . (3) (الحنفية - قالوا: يشترط في صيغة اليمين شروط: أحدها أن يجمع بين زوجته وامرأة أخرى، فلو قال: والله لا أطأ زوجتي وأمتي أو لا أطأ زوجتي وفلانة الأجنبية، فإنه يكون مولياً من امرأته بذلك. إذ يمكنه أن يطأها وحدها ولا كفارة عليه، كما تقدم في التعريف. ثانيها: أن لا يستثني بعض المدة، فإذا استثنى فإنه لا يكون مولياً في الحال، مثلاً إذا قال لها والله لا أطؤك سنة إلا يوماً فإنه لا يكون مولياً في الحال. ثم إذا مكث سنة لم يقربها حتى ولا في اليوم الذي استثناه لا يحنث في يمينه، لأنه لم يصرح بأنه يقربها في اليوم الذي استثناه، بل أباح لنفسه قربانها في يوم منكر من أيام السنة، فله أن يقربها في يوم شائع في أيام السنة كلها، فإن حلف بهذا كان له أن يقربها في يوم يختاره عقب الحلف، فإن قربها ينظر إن كان قد بقي من السنة أربعة أشهر فأكثر بعد القربان صار مولياً بمجرد غروب شمس ذلك اليوم الذي قربها فيه بحيث لو أتاها بعد ذلك حنث وتجب عليه الكفارة، وإن لم يأتها ومكث أربعة أشهر كاملة من غروب شمس ذلك اليوم ولم يقربها بانت بطلقة على الوجه المتقدم. أما إذا أتاها بعد حلفه يوماً، وكان الباقي من السنة أقل من أربعة أشهر فإنه لا يكون مولياً وعلى هذا لو حلف أول السنة بأنه لا يقربها سنة إلا يوماً كانت يمينه منحلة باستثناء هذا اليوم، فلا يمكن اعتباره مولياً، لأن له أن يقربها في أي يوم من أيام السنة، فيحتمل أن يقربها قبل مضي أربعة أشهر فلا يكون مولياً إلا بعد أن يقربها ذلك اليوم الذي قد استثناه، فإذا قربها وكان الباقي من السنة أربع أشهر فأكثر كان مولياً، وإلا فلا يكون مولياً، ومثل ذلك ما إذا قال: والله لا أقربك سنة إلا ساعة، فإن الساعة لا يجعله مولياً في الحال، أما إذا قال: والله لا أقربك سنة إلا يوماً أقربك فيه فإنه لا يكون مولياً أبداً، سواء قربها أو لا، وذلك لأنه قد صرح بقربانها في يوم من أيام السنة ومتى صرح بذلك فقد انحلت اليمين فلا إيلاء، ولو قال: والله لا أقربك إلا يوماً، وحذف سنة، فإنه لا يكون مولياً إلا إذا قربها، فإذا قربها كان مولياً إيلاء مؤبداً. ثالثها: أن لا تكون مقيدة بمكان، فإذا قال: والله لا أطأ زوجتي في دار أبيها لا يكون مولياً لانحلال اليمين بوطئها في مكان آخر. رابعها: أن لا تكون مشتملة على المنع عن القربان فقط، فلو قال لها: إن وطئتك إلى الفراش فأنت طالق، فإنه لا يكون مولياً لأنه يمكن أن يحل اليمين بدعوتها إلى الفراش، فإذا دعاها إلى الفراش طلقت، ثم بعد ذلك له إتيانها في أي وقت بدون أن يلزمه شيء. ويشترط في الزوج أن يكون أهلاً للطلاق، بأن يكون عاقلاً بالغاً، فلا يصح إيلاء المجنون، والصبي، ولا يشترط الإسلام، فيصح إيلاء الذمي، إلا إذا حلف بما هو قربة دينية، كما لو قال: إن وطئتك فعلي حج، فإنه لا يكون بهذا مولياً باتفاق، أما إن قال: إن وطئتك فعلي عتق عبد فإنه يكون مولياً باتفاق ويلزمه العتق، فإن حلف بالله أنه لا يطؤها فإن إيلاءه يصح عند أبي حنيفة ولا يصح عندهم، وقد تقدم بيانه في التعريف، وكذا يصح إيلاء العبد إذا حلف بشيء غير مالي لأن تصرفاته المالية لا تنفذ، فلو قال: إن وطئتك فعلي عتق رقبة أو فعلي صدقة، فإنه لا يكون مولياً بذلك. ويشترط في المدة أن تكون أربعة أشهر كاملة للحرة بدون زيادة، كما تقدم أما إذا كان متزوجاً أمة فإن مدة الإيلاء منها شهران، سواء كان الزوج حراً أو عبداً. وبذلك تعلم أنه يصح الإيلاء مع مانع يمنع الوطء، ولو كان خلقياً كالجب، والصغر ونحوه، كما ستعرفه في بيان حكمه. هذا، وتنقسم الصيغة إلى قسمين: صريحة، وهي كل لفظ يدل على إتيان المرأة بمجرد سماعه بحيث يكون استعماله في هذا المعنى غالباً، كالجماع، والوطء، والقربان، والمباضعة، وإدخال الذكر في الفرج، ونحو ذلك، فلو ادعى في الصريح أنه لم يرد الجماع فإنه لا يصدق قضاء، ولكن يصدق ديانة، أما الكناية فهي ما دل على الجماع، ولكن يحتمل غيره، ولا يتبادر إلى الذهن، كقوله: والله لا أمسها، لا آتيها، لا أدخل بها، لا أغشاها، لا تجمع بين رأسي ورأسها مخدة، لا أبيت معها في فراش، لا أصاحبها، أو والله ليغيظها، ولا يكون بذلك مولياً إلا بالنية. المالكية - قالوا: يشترط في الصيغة شروط: أحدها أن لا تشتمل على ترك وطء الزوجة تنجيزاً أو تعليقاً، كما تقدم بيانه في التعريف، فلو قال: والله لأهجرن زوجتي أو لا أكلمها، فإنه لا يكون مولياً بذلك. ثانيها: أن لا يقيدها بزمان خاص، كأن يقول: والله لا أطؤها ليلاً، أو والله لا أطؤها نهاراً، وهذا بخلاف ما إذا قال: والله لا أطؤك حتى تخرجي من البلد، فإنه يكون مولياً إذا كان خروجها من البلد فيه معرة عليها، ومثل ذلك ما إذا قال: في هذه الدار وإذا ترك وطأها بدون إيلاء أو حلف لا ينزل فيها منيه فإن لها أن ترفع الأمر للقاضي ليطلقها عليه وللقاضي أن يطلق عليه فوراً بدون أن يضرب له أجلاً، وله أن يضرب له أجلاً. ثالثها: أن لا يستثني، فلو قال: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا مرتين، فإنه لا يلزمه الإيلاء، لأنه يمكنه أن يترك وطأها أربعة أشهر، ثم يطؤها، ثم يتركها أربعة أشهر أخرى، ثم يطؤها، وتبقى أشهر أخرى أقل من مدة الإيلاء، فلا يحنث ولا يكون مولياً بذلك، وإذا قال لها: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا مرة، فإنه لا يكون مولياً حتى يطأها، ثم تكون المدة الباقية من السنة أكثر من أربعة أشهر للحر وأكثر من شهرين للعبد. رابعها: أن لا يلزمه بيمينه حكم، كما إذا قال: إن وطئتك فكل فلس أملكه يكون صدقة فهذه اليمين حرج ومشقة، فلا يلزمه بها حكم، فلا يكون مولياً بها، ويشترط في الزوج أن يكون مسلماً ولو عبداً، وأن يكون مكلفاً فلا يصح إيلاء الصبي، والمجنون، وأن يتصور منه الإيلاء، فخرج المجنون، والصغير، والخصي، والشيخ الفاني، ويشترط في الزوجة أن تكون مرضعة، وقد تقدم إيضاح هذه القيود في التعريف فارجع إليها إن شئت. ويشترط في المدة أن تكون أكثر من أربعة أشهر ولو بيوم على المعتمد، وبعضهم يقول: بعشرة أيام إذا كان حراً، وأما العبد فيشترط أن تكون زيادة عن شهرين. الشافعية - قالوا: يشترط في الزوجين أن يتأتى من كل واحد منهما الجماع، فإذا كان الزوج صغيراً أو مجبوباً أو نحو ذلك، فإنه لا يصح منه الإيلاء، ويشترط في صيغة اليمين أن تكون اسماً من أسماء الله أو صفة من صفاته، أو تعليقاً، أو نذراً، كما تقدم في التعريف، ويشترط في المحلوف عليه أن يكون ترك الوطء بخصوصه، فلو حلف على ترك الاستمتاع بها فيما دون ذلك فإنه لا يصح، ويشترط في المدة أن تزيد على أربعة أشهر ولو بلحظة، ويشترط في الصيغة أن تكون لفظاً يشعر بترك الوطء، وقد إيضاح ذلك في التعريف. فارجع إليه. وتنقسم الصيغة إلى قسمين: الأول صريحة، كأن يقول: والله لا يقع مني تغييب حشفة في فرجك، أو والله لا أطؤك، أو لا أجامعك، فإن قال: أردت الوطء بشيء آخر، فإنه يصدق ديانة لا قضاء، ولو قال: أردت بالفرج الدبر فإنه يصدق ديانة أيضاً. الثاني: كناية، كقوله والله لا أمسك أو لا أباضعك، أو لا أباشرك، أو لا آتيك، أو لا أغشاك، فإنه لا يكون مولياً إلا إذا نوى الجماع، وذلك لأن هذه الألفاظ لم تشهر فيه. الحنابلة - قالوا: للإيلاء أربعة شروط: الأول: أن يحلف الزوج على ترك الجماع في القبل خاصة. ثانيها: أن يحلف بالله أو صفة من صفاته، ثم إن المحلوف عليه تارة يكون صريحاً يعامل به قضاء وديانة، وهي كل لفظ دل على إتيان المرأة صريحاً، كإدخال الذكر في الفرج ونحو ذلك من العبارات الصريحة التي لا تحتمل غير هذا المعنى، وتارة يكون صريحاً في القضاء فقط وهي كل لفظ دل على الجماع عرفاً. ومن ذلك أن يقول: والله لا وطئتك، أو لا جامعتك، أو لا باضعتك، أو نحو ذلك، وحكم هذا أنه يعامل به قضاء، ولا يسمع منه أنه أراد معنى آخر، ولكن إن كان صادقاً فإنه ينفعه بينه وبين الله، وتارة لا يكون مولياً إلا بالنية، كقوله: والله لا أنام معك في فراش واحد ونحو ذلك، فإذا لم ينو ترك الجماع فإنه لا يكون مولياً. ثالثها: أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر. رابعها: أن يكون من زوج يمكنه الوطء. وذلك تعلم أنه يصح من مسلم، وكافر، وحر، وعبد، وبالغ، ومميز، وغضبان، وسكران، ومريض مرضاً يرجى برؤه، كما يصح من زوجة يمكن وطؤها، سواء دخل بها أو لم يدخل، ولا يصح من مجنون وعاجز عن الوطء بسبب شلل في عضو التناسل أو قطع أو نحو ذلك) . (4) (الحنفية - قالوا: هذا هو الذي يجب العمل به، فمتى مضت المدة طلقت منه طلقة بائنة بدون عمل آخر، وسيأتي إيضاح مذهبهم في التفصيل الذي بعد هذا، وخالفهم الأئمة الثلاثة) . (5) (الحنفية - قالوا: متى انقضت مدة أربعة أشهر من تاريخ الحلف ولم يطأها فإنها تطلق منه طلقة واحدة بائنة بدون أن ترفع الأمر إلى القاضي وبدون أن يطلقها هو، فإذا أقر قبل انقضاء المدة أمام شهود أنه جامعها، ثم انقضت المدة وادعت الزوجة أنها بانت منه بعدم وطئها في المدة، وادعى هو أنه وطئها وأقر بذلك أمام شهود، وشهدت الشهود على إقراره فإنه يصح ولا تبين منه، ثم إن وقع الإيلاء في غرة الشهر، أي في أول ليلة منه اعتبرت الأشهر الأربعة بالأهلة، وإن وقع في وسط الشهر ففيه خلاف، فبعضهم يقول: تعتبر المدة بالأيام وبعضهم يقول: يعتبر الشهر الأول بالأيام، أما الشهر الثاني، والثالث، والرابع فتعتبر بالأهلة، ثم يكمل ما نقص من الشهر الأول بأيام من الشهر الخامس، مثلاً إذا آلى منها في نصف شعبان حسبت الخمسة عشر يوماً الباقية من شعبان، ثم يحسب رمضان وشوال وذو القعدة بالأهلة، ويؤخذ من ذي الحجة خمسة عشر يوماً يكمل بها شعبان، والرأي الثاني أحوط، كما لا يخفى، ثم إذا مضت المدة ولم يقربها وبانت منه، فإن في ذلك ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يحدد مدة واحدة، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يطأها مدة أربعة أشهر ثم مضت الأربعة أشهر ولم يقربها فإنها تبين منه ويسقط الحلف بحيث لو جدد عليها العقد، فإنه يطؤها ولا يمين عليه، وهذا ظاهر لأن يمينه مؤقتة. الصورة الثانية: أن يزيد مدة ثانية، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يقربها مدة ثمانية أشهر وفي هذه الحالة إذا وطئها قبل انقضاء المدة لزمه الطلاق الثلاث، وإذا لم يقربها ومضت أربعة أشهر بانت منه، فإذا جدد عليها العقد بعد ذلك وصارت زوجة له ووطئها قبل مضي الأربعة أشهر الباقية وقع عليه الطلاق الثلاث، أما إذا تركها حتى تمضي الأربعة أشهر وتتم المدة التي حلف أن لا يقربها فيها عليه الطلاق الثلاث، فإنها تبين منه بينونة أخرى ويسقط الحلف فإذا جدد عليها العقد ثانياً كان له وطؤها كما يشاء، فإذا قال لها: إن وطئها في مدة سنة تكون طالقاً ثلاثاً، وانتظر المدة الأولى فبانت منه، ثم جدد عقده عليها، ولم يطأها حتى مضت المدة الثانية، وهي تكملة الأشهر الثمانية، فبانت منه ثانياً ثم مضى عليها بعد انقضاء المدة الثانية زمن ولو يسير جدد فيه العقد عليها فإنه لا يكون مولياً بما بقي لأنه أقل من أربعة أشهر لانقضاء زمن من الأربعة أشهر الباقية لم تكن زوجة له فيه والشرط أن تكون مدة الإيلاء أربعة أشهر كاملة، ولا يشترط الزيادة علياه. الصورة الثالثة: أن لا يحدد مدة، سواء قيد بلفظ الأبد، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يقربها أبداً، أو دائماً، أو طول عمرها، أو لم يقيد بشيء أصلاً، كأن يحلف أن لا يطأها وتحت هذه الصورة أربعة أوجه: الوجه الأول: أن يطأها قبل انقضاء أربعة شهور، وحكم هذا أنه يلزمه الطلاق الثلاث. الوجه الثاني: أن لا يطأها حتى تمضي أربعة شهور، وحكم هذا أنها تبين منه مرة بانقضاء أربعة أشهر، فإن جدد عليها العقد ثانياً كان مولياً وبانت منه بعد مضي مدة أخرى، فإن جدد عليها العقد ثالثاً كان مولياً وتبين منه بعد مضي مدة أخرى، وبذلك لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوجت غيره وطلقها، وعادت إلى الزوج الأول لم يكن مولياً ولم تطلق بوطئها، لأن ملك الزوج الأول قد انتهى بالثلاث وعادت إليه بملك جديد لا إيلاء فيه. الوجه الثالث: أن يحلف بالثلاث أن لا يقربها أبداً، ولا يقربها حتى تمضي أربعة شهور فتبين منه مرة واحدة وتتزوج غيره، ثم تطلق وترجع إلى الأول، وفي هذه الحالة لا يسقط الإيلاء فإن وطئها وقع عليه الطلاق الثلاث الذي حلف به قبل أن تتزوج غيره أما إذا لم يطأها فإنها تبين منه بعد مضي أربعة شهور، فإن عقد عليها ثانياً كان مولياً وبانت منه بعد مضي مدة ثانية، فإن وطئها وقع عليه الثلاث، وإلا بانت منه بعد مضي مدة ثالثة، وبذلك لا تحل له إلا إذا نكحها زوج غيره، وذلك لأن الزوج الثاني يهدم عدد طلقات الزوج الأول، سواء كانت ثلاثاً أو أقل، - عند الإمام - فتعود الزوجة له بثلاث طلقات، وحيث أنها تزوجت قبل أن ينقطع عنه ملكها لأن المفروض أنها تزوجت بعد أن بانت منه مرة أو مرتين، فإن الإيلاء المؤبد لا يسقط فتعود إليه بثلاث طلقات، وحيث أنه مول فلا تقع الطلقة إلا بمضي مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر، فيقع في كل مدة طلاق بائن، ولكنك قد عرفت أن المعتمد أنها تعود إليها بما بقي، فإذا بانت منه مدة الإيلاء، ثم تزوجت غيره ورجعت إليه ثانياً فإنها ترجع إليه بطلقتين فقط، وعلى هذا إذا عقد عليها ولم يطأها بانت منه بواحدة بعد أربعة شهور، فإن عقد عليها ثانياً ولم يطأها، ومضت مدة أربعة شهور بانت منه نهائياً، لأن الأولى محسوبة عليه، فإذا تزوجت غيره ورجعت إليه ثانياً سقط بذلك الإيلاء. الوجه الرابع: أن يحلف بالثلاث أن لا يطأها أبداً، ولكن قبل أن يطأها وقبل أن تبين منه بانقضاء أربعة شهور طلقها ثلاثاً، ثم انقضت عدتها وتزوجت غيره، وعادت إليه ثانياً فإنه يملكها بثلاث طلقات ويسقط الإيلاء، فلا شيء عليه إذا وطئها، لأن الطلاق الثلاث أبطل الإيلاء وأخرج الزوجة عن ملكه، ونظير ذلك ما إذا قال لها: إن دخلت بك فأنت طالق ثلاثاً، ثم طلقها قبل الدخول بها طلاقاً ثلاثاً منجزاً، فتزوجت بغيره وطلقت، ثم رجعت له ثانياً ودخل بها، فإن طلاقه المعلق على الدخول بها لا يقع، وذلك لأن الطلاق الثلاث المنجز أبطل الطلاق الثلاث المعلق وهذا هو المعتمد، خلافاً لمن قال: إن الطلاق الثلاث المنجز لا يبطل الإيلاء ولا يبطل المعلق، وهذا هو بخلاف ما إذا حلف بالثلاث أن لا يطأها، ثم طلقها طلقة واحدة بائنة قبل انقضاء مدة أربعة شهور، أو طلقها طلقتين ثم تزوجت غيره بعد انقضاء عدتها وطلقت وتزوجها ثانياً فإن الإيلاء في هذه الحالة لا يسقط. لأن الذي يسقطه هو الطلاق الثلاث فقط يسقط بالطلقة الواحدة أو الطلقتين، فإذا عادت إليه في هذه الحالة ووطئها وقع عليه الثلاث، وإن لم يطأها كان في أمرها الخلاف بين محمد، وأبي حنيفة، فمحمد يقول: تعود إليه بما بقي، فلا يملك عليها إلا طلاقاً إن كانت قد بانت منه مرتين، أو طلاقين إن بانت منه واحدة، أما أبو حنيفة فإنه يقول: تعود إليه بالطلقات الثلاث، لأن الزوج الثاني هدم عدد طلقات الأول، سواء كانت ثلاثاً أو أقل وقد تقدم إيضاحه في الوجه الثالث، على أنهم أجمعوا على ضرورة تجديد العقد عند انقضاء كل مدة، فإذا انقضت أربعة شهور وبانت منه، ولم يجدد عليها العقد حتى مضت أربعة شهور أخرى ثم جدد عليها العقد فإن المدة الأولى لا تحسب، فلا يتكرر الطلاق إلا بعد تجديد العقد على المعتمد، بالمدة الحالة تحتسب من وقت تزوجها، سواء كان في العدة أو بعد انقضائها. هذا، واعلم أنه إذا حلف بالله أن لا يطأها، ثم مضت مدة الإيلاء، وبانت منه وانقضت وتزوجت بغيره، ورجعت إليه ثانياً، ووطئها حنث في يمينه ووجبت عليه الكفارة، وذلك لأن التزوج بالغير لا يسقط اليمين بالله، وإنما يسقط اليمين بالطلاق. وإذا آلى من مطلقته طلاقاً رجعياً فإن الإيلاء يصح وتحسب المدة من وقت الإيلاء، فإذا انقضت العدة قبل مضي أربعة شهور بانت بانقضاء العدة وبطل الإيلاء، فلا تبين منه ثانياً بمدة الإيلاء أما إذا لم تنقض قبل مدة الإيلاء كما إذا كانت ممتدة الطهر فإنها تبين بمضي مدة الإيلاء وإذا آلى من زوجته ثم طلقها طلاقاً بائناً قبل انقضاء مدة الإيلاء، ففيه تفصيل، وهو أنه إذا انقضت مدة الإيلاء قبل انقضاء العدة بانت واحدة بالإيلاء، وذلك لأن إبانتها بعد الإيلاء لا تقطع حكم الإيلاء مادامت في العدة، فإذا انقضت عدتها بانت بأخرى، أما إذا انقضت عدتها قبل انقضاء مدة الإيلاء، فإن حكم الإيلاء يسقط وتبين واحدة بانقضاء العدة. وإذا حلف أن يطأ أجنبية فإنه لا يكون مولياً منها، ولكن إذا تزوجها ووطئها حنث وعليه الكفارة، فإذا حلف أنه لا يطؤها إن تزوجها فإنه يكون مولياً منها. وتحصل الفيئة بالوطء في القبل، ولو كان مكرهاً، أو مجنوناً، بأن حلف وهو عاقل ثم جن أما المجنون قبل الحلف فإن إيلاءه لا ينعقد كالصغير، لأنه يشترط لصحة الإيلاء أن يكون المولى أهلاً، كما في الشروط. والأهلية إنما تعتبر عند الحلف لا بعده، فإذا انقضت المدة وكان بالزوجة مانع طبيعي من صغر، ورتق، أو مرض لا يمكن معه وطؤها، أو كانت ناشزة ولا يعرف مكانها، فإن الفيئة في هذه الحالة تكون باللسان، كأن يقول: فئت إليها، أو أبطلت إيلائي، أو رجعت عما قلت، ونحو ذلك، فمتى قال ذلك فإنها لا تطلق بمضي المدة المذكورة، أما اليمين فإن كانت معلقة، بأن كان طلاقاً معلقاً على وطئها، أو عتقاً، أو نذراً، فإنه يبقى على حاله بحيث لو زال المانع ووطئها لزمه الطلاق، أو العتق، أو النذر الخ، وإن كان يميناً لزمته الكفارة. هذا إذا لم يكن مقيداً، أما إذا كان مقيداً بمدة، كما لو حلف لا يقربها أربعة أشهر، وانقضت وهي معذورة فإنها لا تبين منه، وإذا وطئها لا يلزمه شيء لانحلال اليمين بمضي المدة بخلاف ما إذا كانت باليمين مطلقة، أو مؤبدة، فإنه إذا وطئها لزمه كفارتها، أو جزاؤها، ومثل ذلك ما إذا كان المانع قائماً بالزوج، كما إذا عرضت له عنة، أو كان محبوساً في محل لا يمكنها الوصول إليه فيه، أو كان مسافراً وبينهما مسافة لا يمكن قطعها في مدة أربعة أشهر، أو نحو ذلك، فإن فيئته تكون باللسان أيضاً، ولكن يشترط في الحبس أن يكون بغير حق، فإن كان محبوساً بحق فإنه لا يكفي منه بفيئة اللسان، بل تبين منه بانقضاء المدة، وإذا كان مريضاً مرضاً يرجى زواله ولكنه يمنعه عن الوطء عند انقضاء المدة فإن فيئته تكون باللسان بثلاثة شروط: الشرط الأول: أن تبقى الزوجية قائمة بينهما إلى وقت الفيئة، فلو مضت أربعة أشهر كاملة ولم يقل: فئت إليها ونحوه فإنها تبين منه، فإذا قال بعد ذلك فلا ينفع، فلو تزوجها ثانياً بعقد جديد وهو مريض عاد الإيلاء، بحيث لو لم يطأها حتى مضت المدة بانت منه ثانياً. وقد عرفت أنه إذا قدر على وطئها لزمته الكفارة، أو الجزاء على أي حال، وهذا بخلاف ما إذا كان صحيحاً وآلى من زوجته ومضت مدة أربعة، فبانت منه ثم وطئها بعد بينونتها، فإن الإيلاء يسقط وتلزمه الكفارة أو الجزاء، فإذا عقد عليها بعد ذلك لا يكون مولياً منها، بحيث لو لم يجامعها حتى مضت أربعة أشهر لا تبين منه. الشرط الثاني: أن يكون مرض موجباً لعجزه عن الجماع. الشرط الثالث: أن يدوم عجزه هذه المدة بحيث يحلف وهو مريض عاجز عن الجماع ويستمر عجزه. أما إذا حلف أن لا يطأها وهو صحيح وبقي صحيحاً مدة يمكنه أن يجامع فيها ثم مرض واستمر عاجزاً عن الجماع أربعة أشهر ولم يطأها، فإنها تبين منه ولا تنفعه الفيئة باللسان لأن الشرط أن يستمر عجزه كل مدة الإيلاء بحيث لا يبرأ وقتاً يستطيع فيه وطؤها، فإذا آلى وهو مريض ثم مرضت هي أيضاً بعد مرضه، ولكنه برئ قبل مضي المدة واستمرت هي مريضة إلى انقضاء المدةـ فقيل: إنها تبين منه، ولا تنفعه الفيئة باللسان، وذلك لأن مرضه هو سبب في الترخيص له بالفيئة اللسانية ومرضها هي سبب آخر، والقاعدة أن سبب الرخصة إذا تعدد في زمن آخر عمل بالأول وألغي الثاني وقد عرفت أنه مرض أولاً، ثم مرضت هي ثانياً، فسبب هو مرضه، أما مرضها فقد ألغي حيث برئ فإن سبب رخصته قد زال، وبعضهم يقول: إن فيئته تكون باللسان في هذه الحالة، لأن مرض زوجته مانع، على أن هذا فيما إذا حصل السببان في زمن واحد، أما إذا حصلا في زمنين مختلفين فإنه يعمل بهما، مثلاً إذا قال لها: والله لا أطؤك أبداً، وهو مريض، ثم مضت مدة الإيلاء فبانت منه، ثم صح وتزوجها ثانياً فإن الإيلاء يعود. كما عرفت، فإذا مرض ثانياً ففيئته باللسان، ولا تعتبر الصحة في هذه الحالة، وسبب الرخصة، وهو مرضه، قد تعدد في زمنين لا في زمن واحد، فالسبب الثاني قد جاء بعد زوال الزمن الأول، فلم يلغ الثاني، وهذا هو المعتمد. فإذا قام بالزوجة أو الزوج مانع شرعي، كما إذا كانت حائضاً أو كان أحدهما متلبساً بالإحرام وكان بينه وبين التحلل مدة تزيد على أربعة أشهر أو نحو ذلك فإن الفيئة لا تكون إلا بالجماع، أما الفيئة باللسان فإنها لا تنفع، وذلك لأن الوطء ممكن، غايته أنه معصية، وحيث أنه قد حلف وعصى الله من الأصل فاليحتمل جزاء إثمه، فإذا وطئها في هذه الحالة فقد عصى وإذا تركها فقد بانت منه. فهو على أي الحالتين خاسر. ومن هذا تعلم أنه إذا وطئها وهي حائض أو نفساء، فإنه يأثم، ولكن الإيلاء يسقط بذلك وتجب الكفارة، أو الجزاء. هذا وإذا آلى من زوجته، ثم ارتد ولحق بدار الحرب بانت منه وسقط الإيلاء، لأن ملكه زال بلحوقه بدار الحرب مرتداً وبطل الإيلاء على الصحيح، وقيل: لا يبطل بحيث لو أسلم وتزوجها ثانياً رجع الإيلاء، والصحيح أنه لا يرجع. يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [مباحث الإيلاء] صـــــ 413 الى صــــــــ 430 الحلقة (221) المالكية - قالوا: إذا حلف أن لا يقرب زوجته، على التفصيل المتقدم، ثم وطئها قبل مضي أربعة أشهر انحل الإيلاء ولزمه اليمين، فإن كان يميناً بالله لزمته الكفارة، وإن كان طلاقاً وقع الطلاق، وإن كان عتقاً لزمه الخ، فإن لم يطأها تنتظر له أربعة أشهر ويوماً لأن مدة الإيلاء لا بد أن تزيد على أربعة أشهر، ثم يكون لها الحق في أن ترفع أمرها إلى الحاكم ولو كانت صغيرة، بشرط أن تكون صالحة للوطء، فإن كانت مريضة أو بها علة تمنع الوطء من العلل المتقدمة في عيوب النساء، فإنه لا يكون لها الحق في الشكوى للحاكم، وإن كانت أمة يكون لها الحق في الشكوى لسيدها وعلى الحاكم أن يأمره بالفيئة، وهي تغييب الحشفة كلها في القبل، وإن كانت بكراً فلا فيء، إلا بإزالة البكارة، فمتى فعل ذلك معها انحل الإيلاء وحنث، فإن أمره الحاكم بالرجوع وامتنع أمره بأن يطلقها، فإن امتنع طلق عليه الحاكم طلقة واحدة رجعية، وقيل: لا يطلق الحاكم، بل يأمر الحاكم الزوجة أن تطلق نفسها ثم يحكم به، بمعنى أنه يسجله، كما تقدم في مسألة العنين، وقد تقدم توضيح ذلك في صحيفة 166، فارجع إليه، فإن لم يوجد حاكم فإنه تطلق عليه جماعة المسلمين ومتى صرح بالامتناع فإنه لا ينتظر مدة أخرى، أما إذا لم يمتنع، بأن وعد بالوطء فإن وفى بالوعد فذاك وإلا فيؤمر به مرة أخرى، فإن امتنع طلق عليه وإن وعد ترك ليفي بوعده وهكذا إلى ثلاث مرات، بشرط أن تكون الثلاث مرات في يوم واحد، ثم يؤمر بالطلاق، وإلا طلق القاضي عليه، أمرها بأن تطلق نفسها على القولين المذكورين، فإن ادعى الوطء وأنكرت كان القول له بيمينه، فإن حلف بقيت زوجة. وإن نكل حلفت هي، فإن حلفت بقي لها حقها المذكور، وإن نكلت بقيت زوجة وانحل الإيلاء ولا فرق في ذلك بين أن تكون بكراً، أو ثيباً. وإذا آلى منها وهو مريض ثم مضت مدة الإيلاء، وهو عاجز عن وطئها، أو آلى منها ثم مضت مدة الإيلاء وهو محبوس لا يستطيع تخليص نفسه فإن لذلك حالتين: الحالة الأولى: أن تكون يمينه قابلة للانحلال قبل الحنث، وهي اليمين بالله والنذر المبهم الذي مخرجه كفارة اليمين فيصح فيهما التكفير قبل الحنث، فإذا قال: والله لا أطؤك ومضت أربعة شهور ويوم فإن لها الحق في مطالبته بأن يكفر عن يمينه، فإن أبى كان لها الحق في الطلاق، على الوجه المتقدم وكذا إذا قال: علي نذر إن وطئتك، فإن هذا نذر مبهم مخرجه كفارة اليمين، فإذا انقضت مدة الإيلاء وهو مريض، فلها الحق في مطالبته بإخراج كفارة يمين وينحل الإيلاء بإخراج الكفارة في الحالتين. ومثل المريض العاجز عن الوطء المحبوس الذي لا يستطيع الخلاص، أما المريض القادر على الوطء، والمحبوس القادر على الخلاص فإن فيئتهما بإيلاج الحشفة في قبل المرأة ويلحق بذلك ما إذا انحلت اليمين وهو عاجز عن الوطء، وتنحل اليمين بأمور: منها ما إذا علق وطؤها على عتق عبده ثم زال ملكه منه، فإذا قال لها: إن وطئتك فعبدي هذا حر، فإنه يكون مولياً من وقت حلفه، فإذا وطئها عتق عليه العبد وإن امتنع عنها، ثم زال ملكه عن العبد بأن باعه أو مات العبد أو وهبه لغيره أو تصدق به فإن الإيلاء ينحل، وله وطء زوجته بدون أن يكون ليه شيء فإذا امتنع عن وطئها وهو قادر كان ذلك إضراراً بها، فإذا لم ترض به كان لها الحق في المطالبة بالطلاق على الوجه السابق، للاضرار بها، أما إذا كان مريضاً أو محبوساً فإن اليمين تنحل بمجرد أن يزول ملكه عن العبد المعلق عليه وليس لها الحق في مطالبته بالوطء إلا عند القدرة، لأن امتناعه في هذه الحالة يكون لعذر فلا مضاررة به فإذا عاد العبد إلى ملكه بغير إرث، كأن اشتراه ثانياً: أو وهبه له من اشتراه منه، فإن الإيلاء يعود إذا كان غير مقيد بوقت. وكان مقيداً بوقت بقي منه أكثر من أربعة أشهر مثلاً إذا قال لها إن وطئتك فعبدي حر، ثم باع العبد انحلت اليمين، وله وطؤها، فإذا اشترى العبد ثانياً كان مولياً بحيث لو وطئها عتق العبد عليه، وإن امتنع فعلى معه ما تقدم، وإذا قال لها إن وطئتك في مدة سنة فعبدي حر، ثم باع العبد انحلت اليمين، فإذا اشتراه ثانياً أو وهب له، فإن كان ذلك بعد مضي سبعة أشهر من تاريخ اليمين عاد الإيلاء ثانياً، لأنه قد بقي من السنة أشهر، وهي أكثر من مدة الإيلاء، وإن كان بعد مضي ثمانية أشهر فإن الإيلاء لا يعود، لأن المدة الباقية أقل من مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر ويوم، فإذا عاد إليه العبد بإرث فإن الإيلاء لا يعود على أي حال، لأنه دخل في ملكه بطريق جبري لا اختيار له فيه. ومنها ما إذا علق طلاق زوجته فاطمة على وطء ضرتها، كما إذا قال: إن وطئتك فضرتك هند طالق، ثم امتنع عن وطئها مخافة أن تطلق ضرتها، ففي هذه الحالة يكون مولياً من زوجته فاطمة فإذا طلق هنداً الضرة طلاقاً بائناً بغير الثلاث انحل الإيلاء. وله وطء زوجته فاطمة كما يشاء، فإذا رجعت إليه هند ثانياً بعقد جديد عاد الإيلاء من فاطمة ثانياً، إلا إذا كان الإيلاء مؤقتاً بوقت وانقضت قبل عودتها، أما إذا طلق هنداً طلاقاً ثم تزوجت بغيره، وطلقت ورجعت إليه ثانياً فإن الإيلاء لا يعود. هذا إذا طلق هنداً المحلوف بطلاقها، أما إذا طلق فاطمة المحلوف على وطئها ففي حكمها خلاف، فبعضهم يقول: إن حكمها كحكم هند، وإذا طلقها ثلاثاً وتزوجت بغيره وعادت إليه انحل الإيلاء وله وطؤها كما يشاء، وبعضهم يقول: إذا عادت لزوجها الأول بعد تطليقها ثلاثاً يعود الإيلاء كما كان ما لم تطلق هنداً. والحاصل أنه إن علق طلاق إحدى الضرتين على وطء الأخرى، كما إذا قال: إن وطئت فاطمة، فهند طالق، فإن تحتها صورتين: الصورة الأولى: أن يطلق هنداً بما دون الثلاث، وفي هذه الحالة ينحل الإيلاء وله وطء فاطمة. بشرط أن يتزوج بهند ثانياً، فإن تزوج بها عاد الإيلاء من فاطمة ثانياً، أما إن طلق هنداً ثلاثاً وتزوجت غيره وطلقها الزوج الثاني ورجعت للأول، فإن الإيلاء لا يعود. الصورة الثانية: أن يطلق فاطمة المحلوف على وطئها. ثم يتزوجها ثانياً، وفي هذه الحالة إما إن يكون قد طلقها ثلاثاً وتزوجها بعد أن تزوجت رجلاً آخر وطلقها أو لا، فإن كان الأول فإن الإيلاء ينحل وله وطؤها بدون أن تطلق ضرتها على المعتمد، وقيل: لا ينحل وإن كان الثاني فإن إيلاءها لا ينحل باتفاق، فإذا كان المولي مريضاً وانقضت مدة الإيلاء وهو عاجز عن الوطء، ولكنه طلق هنداً ضرتها كان ذلك فيئة منه، وانحل الإيلاء، وليس لها أن تطالبه بعد ذلك بالوطء أو الطلاق. الحالة الثانية: لإيلاء المريض العاجز عن الوطء والمحبوس أن يحلف على ترك وطئها يميناً غير قابل للانحلال قبل الحنث، كما إذا قال لها: إن وطئتك فأنت طالق واحدة أو ثنتين، وقد جاء لأجل وهو مريض، فإنه في هذه الحالة لا يمكنه حل الإيلاء بطلاقها طلقة واحدة. لأنه إن طلقها يقصد حل الإيلاء ثم وطئها، وقع عليه طلقتان: الطلاق الذي حلفه على أن لا يطأها والطلاق الثاني، لأن المطلقة رجعياً زوجة فطلاقها واحدة رجعية لم يخرجها عن الزوجيه، فلو طلقها من غير وطء حسب عليه طلاق، وإذا راجعها ووطئها وقع عليه الطلاق الأول، فلا فائدة حينئذ من حل الإيلاء، بل فيه ضرر، وهو نقصان عدد الطلقات، فإذا طلقها طلاقاً بائناً انحل اليمين، ولكن لا فائدة فيه، فتركها بدون وطء يترتب عليه تطليقها رجعياً، وهذا بائن، فالأولى عدمه، وحينئذ تكون فيئة المريض العاجز عن الوطء والمحبوس في هذه الحالة هي الوعد بالوطء بعد برئه، أو بعد خلاصه من السجن، ومتى وعد بذلك ارتفع حقها في الطلب بقدر، ومثل ذلك ما إذا علق على وطئها نذراً معيناً، كما قال لها: إن وطئتك، فعلي صوم شهر شعبان، وانقضت مدة الإيلاء، وهو مريض ولم يأت شعبان، فإن النذر في هذه الحالة لا يمكن أداؤه، فلا ينحل الإيلاء، فتكون فيئة بالوعد، وبذلك يتضح أن فيئة العاجز عن الوطء لمرض مؤقت أو سجن تكون بانحلال اليمين إذا كان يمكن إخراج الكفارة عنه قبل الحنث، ويكون بالوعد إذا لم يكن. هذا ولا تحصل الفيئة بالوطء في الدبر ولا بين الفخذين، ولكنه إن فعل يحنث وتلزمه الكفارة إلا أن ينوي الوطء في الفرج فإنه لا يحنث بالوطء بين الفخذين، ولا تلزمه الكفارة ولكن لا تسقط مطالبتها بالوطء أو الطلاق بذلك على كل حال، وكذا لا تحصل الفيئة بالوطء المحرم، كما إذا وطئها وهي حائض أو نفساء ولكن يحنث به أيضاً، ولا تسقط مطالبتها إلا إذا أخرج الكفارة. وإذا كان بها مانع من الوطء كصغر، ورتق، أو مرض لا يمكن معه وطؤها، فإن لها أن تطالب بالفيئة بمعنى الوعد بحيث يعدها بأن يطأها بعد زوال المانع منها. هذا، ولا تحصل الفيئة في البكر إلا بإزالة بكارتها، وإذا آلى منها عاقل ثم جن ووطئها سقط حقها، وبقيت الكفارة، فلا يلزم به إلا بعد شفائه. الشافعية - قالوا: قد ذكرنا في التعريف أن الإيلاء لا يتحقق إلا بأحد أمور ثلاثة: الأول: الحلف بالله أو صفه من صفاته. الثاني: تعليق الطلاق أو العتق ونحوه على الوطء، الثالث: التزام ما يصح التزامه من نذر، فأما الأول فحكمه أنه إذا حلف بالله أو صفه من صفاته ووطئها لزمته كفارة اليمين وسقط الإيلاء وأما الثاني فإنه إذا علق الطلاق أو العتق على الوطء، بأن قال: إن وطئتك فأنت طالق. أو إن وطئتك فعبدي فلان حر، ثم وطها وقع الطلاق وعتق العبد، وذلك لأنه قد علق الطلاق أو العتق على وطئها، فالوطء معلق عليه والطلاق أو العتق معلق، ومتى وقع المعلق عليه وقع المعلق، فإذا قال: إن وطئتك فعبدي فلان حر، ثم مات أو باعه أو وهبه لغيره، ووطئها فلا شيء عليه لانحلال الإيلاء بزوال ملك العبد. فإن عاد إلى ملكه ثانياً لم يعد الإيلاء، وأما الثالث فإنه يكون مخيراً بين أن يفعل ما التزمه وبين كفارة اليمين. فإن قال لها: إن وطئتك فلله علي حج، أو صدقة، أو صلاة، أو صوم، أو عتق، ثم وطئها كان بالخيار بين أن يفعل ما التزمه وبين كفارة اليمين. ومما ينبغي التنبه له أن هناك فرقاً بين التعليق الصرف وبين التزام النذر، فلأول ما تقدم في قوله: إن وطئتك فعبدي حر، أو فأنت طالق، أما هنا فقد علق النذر، وإذا كان بالرجل أو بالمرأة مرض، وقال لها: إن وطئتك فلله علي صلاة أو صيام يريد بذلك إن شفاني الله وقدرت على وطئتك صليت له أو صمت له لم يكن ذلك إيلاءً، بل كان نذراً يلزمه أداؤه بوطئها، وإذا قال لها: إن وطئتك فعلي صوم شهر شعبان مثلاً، ومضى شهر شعبان قبل حلول مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر، سقط الإيلاء ولا يلزمه شيء بوطئها. فهذا هو حكم الإيلاء في حال ما إذا وطئ زوجته، أما إذا أصر على حلفه ولم يطأها، فإنها يجب عليها أن تصبر له مدة أربعة أشهر ولحظة، ولو كانت هذه اللحظة يسيرة لا تسع رفع الأمر للقاضي، سواء كان الزوج حراً أو عبداً، فإذا انقضت هذه المدة وأصر على عدم الوطء كان لها الحق في رفع الأمر إلى القاضي مطالبة له بالرجوع إلى الوطء، والقاضي يأمره بالرجوع بدون مهلة إلا إذا طلب مهلة يتمكن فيها من الوطء، كما إذا كان لا يقدر على الوطء لجوع أو شبع وطلب مهلة يأكل فيها أو يهضم فإنه يجاب إلى ذلك. وكذا إذا كان صائماً رمضان وطلب مهلة حتى يفرغ النهار فإنه يجاب إلى ذلك فإن رجع ووفى بوطئها سقط الإيلاء ولزمه ما تقدم من كفارة ونحوها: وإن لم يوف وأصر على عدم وطئها طلق عليه القاضي وصورة طلاق القاضي أن يقول: أوقعت على فلانة طلقة عن فلان. أو طلقت فلانة عن فلان. أو يقول لها: أنت طالق عن فلان فإذا قال: أوقعت طلاق فلانة، أو طلقت فلانة، أو أنت طالق. ولم يقل: عن فلان فإن طلاقه لا يقع، لأن القاضي إنما يطلق عن الزوج، فإذا لم يذكر كلمة - عن - فلا يصح بل لا بد أن يقول: طلقت عن فلان، أو أوقعت عن فلان، أو حكمت بطلاقها عن فلان. ومتى أمكن حضور الزوج أمام القاضي كان حضوره لازماً، فإذا شهد عدلان في غيبته بأنه آلى وأنه ممتنع بعد مضي المدة وطلق عنه القاضي فإن طلاقه لا يصح، نعم إذا تعذر حضوره، فإن طلاق القاضي يصح في غيبته، ثم إن طلاق القاضي يكون رجعياً بحيث لو زاد على واحدة رجعية لم تقع، فإذا كانت مدخولاً بها، أو لم تكن طلقت من قبل ثنتين، فلا يلزمه إلا واحدة رجعية، وإلا بأن كانت غير مدخول بها كانت الطلقة بائنة، كما لو طلقها زوجها، لأن غير المدخول بها لا عدة لها، فطلاقها الرجعي بائن، وكذا إذا كانت مدخولاً بها ولكن لم يبق لها سوى طلقة، فإنها تبين بها وهذا هو ظاهر. وإذا طلق القاضي في غيبته ولم يعلم بالطلاق، وطلقها هو، وقع طلاقه وطلاق القاضي، وكذا لو طلقها معاً في آن واحد، أما إذا طلق الزوج أولاً، ثم طلق القاضي بعده فإن طلاق القاضي لا يقع وكذا إذا ثبت أنه وطئها قبل أن يطلق عليه القاضي، فإن طلاق القاضي لا يقع. والوطء الذي تحصل به الفيئة بالنسبة إلى الثيب إيلاج الحشفة، أو قدرها من مقطوعها في فرج الزوجة، وبالنسبة إلى البكر إزالة بكارتها، ويشترط له ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون في القبل لا في الدبر، فإذا أولج في دبر الزوجة فإن الفيئة الشرعية لا تحصل، نعم تنحل اليمين ويلزمه الكفارة ونحوها بهذا الفعل، وتسقط مطالبة المرأة بالوطء متى مكنته من ذلك، ولكن لا يرتفع عنه إثم الإيلاء إلا بالوطء في القبل. فها هنا ثلاثة أمور: الأول: الفيئة الشرعية، أي الرجوع إلى وطء زوجته وطئاً يرفع عنها الضرر ويرفع عنه الإثم وهذا لا يتحقق إلا بالوطء في القبل، أي إيلاج الحشفة، أو افتضاض البكر. الثاني: انحلال اليمين ولزوم الكفارة، وهذا يحصل بالوطء في الدبر ما لم يكن مقيداً بالوطء في القبل، بأن قال: والله لا أطؤك في قبلك، فإنه في هذه الحالة إذا وطئها في الدبر لا يحنث ولا تلزمه الكفارة. الثالث: مطالبة الزوجة بالوطء أو الطلاق وهذا يسقط بالإيلاج في الدبر، فقولهم: إن الفيئة لا تحصل بالوطء في الدبر لا يلزم منه عدم الحنث وسقوط حق المرأة في المطالبة، فإنك قد عرفت أن الفيئة الشرعية لا تتحقق، ومع ذلك يحنث في يمينه وتسقط مطالبتها، فلا منافاة على التحقيق وبعضهم يقول: إن اليمين لا تنحل بالوطء في الدبر، فلو قال: والله لا أطؤك ثم وطئها في الدبر لا يلزمه الكفارة، وهذا غير ظاهر، لأن الإتيان في الدبر وطء كما لا يخفى. الشرط الثاني: أن يكون مختاراً فلا تحصل الفيئة بالإكراه، فإذا أكره على وطء زوجته بالضرب ونحوه فإن الفيئة الشرعية لا تحصل بذلك الوطء ولا يقع عنه الإثم به، ولكن يسقط حقها في المطالبة بلا كلام، ولا ينحل اليمين على التحقيق فلا تلزمه الكفارة بهذا الفعل، لأنه يعتبر كالعدم، فالوطء بالإكراه لا يترتب عليه إلا سقوط حقه في المطالبة فقط. الشرط الثالث: أن لا يكون ناسياً فإذا وطئها ناسياً سقط حقها ولا تلزمه كفارة، ولا يرتفع عنه الاثم كما في المكره. فتحصل أن الفيئة الشرعية التي يرتفع بها الإثم والضرر، وتوجب الكفارة ونحوها من طلاق وعتق ونذر، وتسقط بها مطالبة المرأة باتفاق، هي التي تكون في القبل حال الاختيار والعمد، أما الوطء في الدبر فتسقط به المطالبة ويوجب الكفارة ونحوها، ولا يرتفع به الاثم والوطء حال الإكراه والنسيان فلا يرتفع به الإثم ولا يوجب الكفارة، ولكن تسقط به مطالبة المرأة. هذا، ويسقط حقها في المطالبة أيضاً إذا كان بها مانع يمنع من الوطء حتى يزول ذلك المانع، كما إذا كانت حائضاً أو نفساء، أو كانت مريضة أو صغيرة لا تطيق الوطء، وإن كان المانع قائماً بالزوج، فلا يخلو إما أن يكون طبيعياً، كالمرض الذي يرجى برؤه، وإما أن يكون شرعياً فإن كان طبيعياً، كما إذا كان مريضاً لا يستطيع الوطء، فإن فيئته تكون بالوعد، كأن يقول لها إذا قدرت وطئتك، وإن كان شرعياً، كما إذا كان محرماً للنسك، فإن كان قد قرب من التحلل بحيث لم يبق عليه سوى ثلاثة أيام فأقل، فإنه يمهل حتى يتحلل، وإن كان أكثر فإنه لا يمهل، ولها المطالبة بالطلاق، كذا إذا كان المانع صيام فرض، فإن لها أن تطالب بالطلاق ولا يمنعه صيامه من المطالبة، لما عرفت من أنه إذا طلب مهلة للفيء بإزالة الجوع والشبع وفراغ الصوم ونحو ذلك فإنه يجاب إلى طلبه، فإذا وعد بالرجوع بعد فراغ الصوم فإنه يصح، وتحسب المدة من تاريخ الإيلاء بشروط ثلاثة: الأول: أن يرتد أحدهما، فإن آلى من زوجته ثم ارتد هو أو هي، فلا يخلو إما أن تكون الزوجة مدخولاً بها - والمراد بالدخول الوطء ولو في الدبر - أو تكون غير مدخول بها، فإن كانت غير مدخول بها انقطع النكاح بينهما بمجرد الردة، فلا إيلاء بينهما، وإن كانت مدخولاً بها فإن النكاح بينهما لم ينقطع. بل يوقف حتى إذا أسلم المرتد منهما قبل انقضاء العدة عاد النكاح فيعتبر الإيلاء منها في هذه الحالة، فإذا فرض وكان الزوج المولي هو المرتد ثم أسلم قبل انقضاء عدة زوجته عاد النكاح بينهما لأن لا تبين منه إلا إذا انقضت عدتها فلا ينقطع النكاح بينهما وفي هذه الحالة لا يحسب شيء في زمن الردة من مدة الإيلاء، قليلاً كان، أو كثيراً، حتى ولو مضت كلها، فإذا كانت زوجته حاملاً وآلى منها ثم ارتد ومكث أربعة أشهر ولحظة، وهو مرتد، ثم تاب قبل أن تضع الحمل عاد النكاح بينهما، وبقي الإيلاء، ولكن تلغى المدة التي كان فيها مرتداً، وهي الأربعة أشهر ولحظة كلها، وتستأنف مدة جديدة من وقت توبته، لأن الردة أحدثت خللاً في النكاح. الثاني: أن لا يقوم بالزوجة مانع من الوطء، سواء كان حسياً، كمرض وصغر وجنون. أو كان شرعياً، كنشوز وصيام فرض وإحرام، وليس من المانع الشرعي الحيض، لأن المدة لا تخلو عنه، ويلحق به النفاس أيضاً فلا يعتبر مانعاً، فإذا قام بالزوجة مانع حسي أو شرعي غير الحيض والنفاس، فإنه يقطع المدة الماضية وتحسب المدة من وقت زواله، فإذا آلى منها ومضى شهر مثلاً، ثم مرضت مرضاً لا تستطيع معه الوطء ألغي ذلك الشهر مع مدة مرضها، وتحسب المدة من ابتداء شفائها، أما إذا آلى منها وانقضت مدة الإيلاء كلها ثم مرضت عقبها مباشرة بدون أن ترفع أمرها للقاضي، فإن المرض لا يلغي المدة كلها، بخلاف الردة، فإنها تلغي المدة كلها. هذا ولا يعتبر المانع الشرعي إذا كان من قبل الزوج، كما تقدم، وكذلك المانع الطبيعي، إلا أن فيئته تكون بالوعد، وإذا كانت الزوجة صائمة صيام نفل أو محرمة إحرام عمرة، فإنه لا يكون مانعاً لأن للزوج إبطال نفلها بالوطء. الثالث: أن يكون مولياً من مطلقة طلاقاً رجعياً، فإذا آلى من مطلقته طلاقاً رجعياً، فإن مدة الإيلاء تحسب من وقت رجعتها لا من وقت حلف اليمين، وذلك لأنه قبل رجعتها لا يحل له وطؤها فلا يعتبر مولياً منها إلا من حين رجعتها التي تجيز له وطؤها. الحنابلة - قالوا: حكم الإيلاء هو أنه حلف بالله أو بصفة من صفاته على أن لا يطأها ثم وطئها، فإنه يحنث في يمينه ولزمته الكفارة، وإلا انتظرت أربعة أشهر، فإن لم يطأها بعد مضي الأربعة أشهر كان لها الحق في رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بالفيئة - بكسر الفاء - وهي الجماع، وسمي الجماع فيئة، لأنه رجوع إلى فعل تركه بالحلف، مأخوذ من الفيء وهو الظل بعد الزوال، وسمي الظل فيئاً، لأنه رجع من المغرب إلى المشرق، فإن أبى أن يجامعها أمره الحاكم بالطلاق، فإن لم يطلق طلق الحاكم عليه واحدة أو اثنين أو ثلاثاً، لأن الحاكم قائم مقام الزوج في هذه الحالة، فهو يملك الطلقات الثلاث، إلا أن إيقاع الثلاث بكلمات واحدة حرام، فلا يحل للحاكم أن يفعله، كما لا يحل للرجل، وإذا قال الحاكم: فسخت نكاحها فإنه يصح، ويكون ذلك فسخاً لا طلاقاً، ومثل ذلك ما إذا قال: فرقت بينكما، وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق إلا إذا طلبت المرأة منه ذلك، فإذا قالت له: مره بطلاقي أمره، ثم إن أمره ولم يطلق فليس للحاكم أن يطلق إلا إذا قالت له الزوجة: طلقني وإذا طلق الزوج أو الحاكم المدخول بها طلقة واحدة رجعية كان للزوج الحق في رجعتها ما دامت في العدة. وأقل الوطء الذي تتحقق به الفيئة، هو أن يولج حشفة ذكره كلها أو قدرها إذا لم تكن له حشفة في قبل المرأة لا في دبرها، ولا يشترط أن يكون عاقلاً عامداً مختاراً، فلو أكره على ذلك أو كان ناسياً، أو نائماً وأدخلت ذكره، أو كان مجنوناً وأولج فيها فإن حقها في المطالبة يسقط بحيث لو لم يطأها بعد ذلك ومضت مدة الإيلاء لم يكن لها الحق في المطالبة بالطلاق، ولكن لا تحنث بهذا فلا كفارة عليه، لأن فعل المكروه والناسي، والمجنون، كالعدم بالنسبة للحنث، وإذا أولج في دبرها فإن مطالبتها لا تسقط به ولا تجب به الكفارة، لأن حد الإيلاء هو الحلف على ترك الوطء في القبل خاصة، والرجوع عن ذلك لا يتحقق إلا بالوطء فيه. فإذا وطئها في القبل، وكانت حائضاً أو نفساء أو كانت صائمة صيام الفرض، فقد انحلت يمينه وسقط حقها في المطالبة. وإن كان آثماً، فإذا جامعها كرهاً جماعاً محرماً لم يسقط حقها، وإذا مضت المدة وأعفته من الشكاية للحاكم سقط حقها، لأنها تملكه، وقد أعفته عنه، فإن كان المولي معذوراً بعد مضي المدة، بأن كان مريضاً، أو مسجوناً، فإن فيئته تكون بالوعد، كأن يقول: إني أطؤها متى قدرت، وإذا ادعت انقضاء المدة وادعى عدم انقضائها، سمع قوله بيمينه، فإذا نكل عن اليمين فلا يقضي عليه، وإن ادعى أنه أصابها وأنكرت، فإن كانت ثيباً فالقول قوله بيمينه، وإن كانت بكراً فإن شهدت امرأة خبيرة بإزالة بكارتها فالقول قول الزوج بيمينه لأن البينة عضدته، وإلا فالقول قولها بيمينها، إذ لو وطئها لزالت بكارتها، وإذا لم تشهد بينة بإزالة البكارة وعدمها، فالقول قوله بيمينه. هذا إذا حلف بالله أو بصفة من صفاته، أما إذا علق الطلاق أو العتق على وطئها، أو التزم بنذر فإنه لا يكون مولياً كما عرفت، ولكنه إن وطئها بأن أولج الحشفة في داخل القبل وقع عليه الطلاق ولزمه العتق والنذر، كالحلف بذلك على ترك الأكل والشرب، وإن لم يطأها وأصر على تنفيذ يمينه كان لها الحق في رفع أمره إلى الحاكم ليطلب منه تطليقها أو يطلقها هو عليه، ولكن لا يكون طلاقها من أجل الإيلاء بل لرفع الضرر عن الزوجة كما تقدم. وتحسب المدة وقت الإيلاء بشرطين: الشرط الأول: أن لا يوجد مانع من قبل الزوجة، سواء كان المانع طبيعياً، كما إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء، أو كانت مريضة أو مجنونة لا تخضع لزوجها، أو كانت مغمى عليها، أو كان المانع شرعياً، كما إذا كانت صائمة صيام الفرض أو معتكفة أعتكاف الفرض، أو متلبسة بالإحرام للنسك، أو كانت ناشة، أو كانت نفساء، ويلحق بذلك ما إذا كانت محبوسة فإن وجد مانع من هذه الموانع حال الحلف بترك وطئها فإن مدة الإيلاء تبتدئ من حين زواله، وإن طرأ المانع بعد الحلف، فإن في ذلك تفصيلاً، وهو أنه إن كان قد حلف أن لا يطأها مدة ستة أشهر مثلاً، ثم مضى منها شهر ونصف شهر ووضعت حملها فصارت نفساء، فإن النفاس يقطع المدة التي تقدمت، وهي الشهر ونصف وتبتدئ مدة جديدة تحسب من تاريخ زوال نفاسها وذلك لأن المدة الباقية أربعة أشهر ونصف وهي أكثر من المدة المضروبة للمولي، فالإيلاء في هذه الحالة لا يبطل، أما إذا صارت نفساء بعد مضي ثلاثة أشهر، فإن الإيلاء يبطل، لأن الباقي من المدة التي حلف عليها ثلاثة أشهر، وهي أقل من مدة الإيلاء، إذا لو فرض وحلف من زوال النفاس على أن لا يقربها في هذه المدة وهي ثلاثة أشهر لم يكن مولياً. هذا، ولا يحسب الحيض مانعاً يسقط المدة، سواء كان في أول مدة الإيلاء أو في أثنائها، أما إذا كان المانع من جهة الزوج، سواء كان طبيعياً أو شرعياً، كمرضه، وحبسه، وإحرامه وصيامه رمضان فإنه يحسب عليه، ولا يطرح من مدة الإيلاء، سواء كان موجوداً حال الحلف أو طرأ عليه. الشرط الثاني: أن لا يرتد الزوجان أو أحدهما، فإذا آلى منها قبل الدخول بها، ثم ارتد أو ارتدت انقطع النكاح بينهما وبطل الإيلاء، وإذا آلى منها بعد الدخول، فإن مدة الردة كلها لا تحسب من الإيلاء، مثلاً إذا آلى منها، ثم ارتد ثم أسلم وهي في العدة قبل أن تبين منه فإن المدة التي كان فيها مرتداً لا تحسب من الإيلاء بل تحسب المدة من تاريخ إسلامه. ومثل ذلك ما إذا كانت المرتدة المرأة. هذا، وينقطع الإيلاء بأمور: أحدهما أن يطلقها في نظير عوض أثناء مدة الإيلاء فإذا حلف أن لا يقربها خمسة أشهر ثم طلقها في نظير عوض مالي أو طلقها طلاقاً ثلاثاً، فإن الإيلاء يسقط فإن تزوجها ثانياً فإن الإيلاء لا يعود إلا إذا كان الباقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر. أما إذا بقي منها أربعة أشهر فأقل فإن الإيلاء لا يعود. وعلى هذا إذا حلف لا يطأ امرأته المدخول بها ستة أشهر أبانها بالخلع بعد مضي شهرين. ثم مكثت بعد إبانتها شهراً وعادت له فإن الإيلاء لا يعود. ثانياً أن يولي منها ثم يزيد بعد شهر، وتظل مرتدة حتى تنقضي عدتها فتبين منه بذلك، فإن الإيلاء يسقط بالإبانة، فإذا بانت وتزوجها ثانياً، فإن الإيلاء لا يعود إلا إذا كان باقياً على المدة أكثر من أربعة أشهر، كما ذكرنا، ومثل ذلك ما إذا بانت بفسخ النكاح أو أسلم أحد الزوجين الكافرين، فإذا آلى اليهودي مثلاً من زوجته، فإن إيلاءه يصح، فإذا أسلم في أثناء مدة الإيلاء بانت منه زوجته وانقطع الإيلاء فإذا أسلمت قبل انقضاء عدتها عادت له، ثم إن كان الباقي من زمن الإيلاء أكثر من أربعة أشهر رجع الإيلاء وإلا سقط. ثالثها: أن يحلف أن لا يطأ زوجته مدة خمسة أشهر مثلاً، ثم يطلقها بعد مضي شهر طلقة رجعية ثم تنقضي عدتها بعد شهر ونصف مثلاً فتبين منه بانقضاء العدة وتنقطع مدة الإيلاء. فإن تزوجها بعد ذلك فإن الإيلاء لا يعود لأنه لم يبقى سوى شهرين ونصف، والإيفاء لا يعود إلا إذا كان الباقي أكثر من أربعة أشهر، وعلى هذا القياس فإذا حلف أن لا يطأها بعد مضي ثلاثة أشهر من الخمسة، ثم طلقها طلاقاً رجعياً، ولم تنقض عدتها في نهاية الشهر الرابع التي تنقضي به مدة الإيلاء، فإن لها الحق في المطالبة بالوطء أو بتطليقها على الوجه السابق، كما لو كانت زوجة بلا فرق، لأن المطلقة رجعياً زوجة) . |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [مباحث الظهار] صـــــ 431 الى صــــــــ 443 الحلقة (221) مباحث الظهار تعريفه وحكمه. ودليله -معنى الظهار في اللغة، هو أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ويظهر أنه مأخوذ من الظهر تشبيهاً للمرأة بالمركوب على ظهره، لأن الرجل يركبها حين يغشاها، وإن كان ركوبها على بطنها لا على ظهرها، لأن الغرض تشبيهها بالمركوب في الجملة، وعلى كل حال فحقيقة الظهار في اللغة هي أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، وإذا قال لها ذلك فقد حرمت عليه مؤبدة، كما تحرم على غيره، ولما جاء الدين الإسلامي لم يبطل ما كان عليه الناس إلا بوحي. فما كان من أقوالهم وأفعالهم حسناً أقره الله، وما كان قبيحاً نهى الله عنه، وما كان محتاجاً إلى تهذيب هذبه الله. فالظهار كان مستعملاً في تحريم وطء الزوجة في الجاهلية، وكان حكمه تأبيد التحريم على الزوج وعلى غيره. ولكن الشريعة الإسلامية جعلت له حكماً أخروياً، وحكماً قي الدنيا، فأما حكمه الأخروي فهو الاثم، فمن قاله فقد أثم، وأما حكمه الدنيوي فهو تحريم وطء المرأة حتى يخرج كفارة تأديباً له وتغليظاً عليه، وسيأتي بيان الكفارة. فيجب على المسلمين أن يفهموا جيداً ما انطوت عليه هذه الكلمة من مساوئ، فلا يقدموا عليها، إذ ليس من الدين أن يغضب الرجل فيقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي، أو مثل أمي أو مثل أختي، أو نحو ذلك، مما سيأتي، لأن هذه اللفظة يترتب عليها معصية الله تعالى وعقابه الأخروي، كما يترتب عليها ندم بأداء الكفارة الشاقة على أن في معنى الظهار شرعاً تفصيل المذاهب (1) . أما دليله: فهو قوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً} فهذا هو دليل حكمه الأخروي. فقد وصفه الله بأنه منكر وزور، أما دليله الدنيوي، فقوله بعد هذه الآية: {والذين يظاهرون منكم من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} الآيات، فهذا دليل حكمه الدنيوي. وبذلك تعلم أنه لا منافاة بين كونه منكراً من القول. وبين كونه يترتب عليه تحريم المرأة مؤقتاً حتى يخرج الكفارة، لأن الكفارة جزاء على عصيان الله، وتحريم المرأة مؤقتاً تأديب له، وفي ذلك زجر شديد للمؤمنين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. هذا، وقد روي أن سبب تشريع حكم الظهار، هو أن خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت رآها زوجها وهي تصلي، فلما سلمت راودها، فأبت، فغضب فظاهر منها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب في فلما خلا سني ونثرت بطني - أي كثرت أولادي - جعلني كأمه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عندي في أمرك شيء" لأن الله لم يوح إليه بإبطال ما كانوا عليه بشأن الظهار، فتألمت لذلك وشكت إلى الله، وقالت له: يا رسول الله إن لي صبية صغاراً، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فأعاد عليها قوله، فكانت كلما قال لها ذلك تهتف وتقول: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي فنزل قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير. الذين يظاهرون منكم من نسائهم} الآيات. أركان الظهار وشروطه -أركان الظهار، أربعة مظاهر، وهو الزوج. ومظاهر منها، وهي الزوجة ومشبه به، وصيغة. ولكل منها شروط مفصلة في المذاهب (2) . __________ (1) (الحنفية - قالوا: الظهار هو تشبيه المسلم زوجته. أو تشبيه ما يعبر به عنها من أعضائها أو تشبيه جزء شائع منها بمحرم عليه تأبيداً بوصف لا يمكن زواله. ومعناه إجمالاً أن حقيقة الظهار الشرعية هي صيغة الظهار المشتملة على تشبيه الزوجة بالأم ونحوها من المحرمات. أو تشبيه جزء يعبر به عن المرأة كالرأس والعنق أو جزء شائع كالنصف والثلث، فقوله: تشبيه خرج عنه ما ليس تشبيهاً، فإذا قال لها: أنت أمي أو أختي بدون تشبيه، فإنه لا يكون ظهاراً، ولو نوى به الظهار. وهو عام يشمل التشبيه الصريح والتشبيه الضمني فالصريح أن يقول: أنت علي كظهر أمي، أو كأمي، أو نحو ذلك والضمني كأن يشبه زوجته بامرأة ظاهر منها زوجها، بأن يقول لها: أنت علي مثل فلانة، وهو ينوي بذلك الظهار فإنه وإن لم يذكر الظهار صريحاً، ولكن ذكره ضمنياً، ومثل ذلك ما إذا كان له زوجتان فظاهر من إحداهن ثم قال للأخرى: أنت علي مثل فلانة أو أشركتك معها ناوياً الظهار فإنه يكون مظاهراً، لأن ذلك متضمن - أنت علي كظهر أمي - وشمل أيضاً التشبيه المنجز والمعلق، ولو على مشيئتها، كأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت وكذلك المؤقت، كأن يقول لها أنت علي كظهر أمي شهراً. أو أسبوعاً، فإنه يصح، ويكون ظهاراً تجب به الكفارة عند العزم على وطئها في ذلك الوقت. وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي شهر رجب كله، وشهر رمضان كله فإنه يصح، وإذا عزم على وطئها في شهر رجب، فإنه يجب عليه أن يخرج الكفارة أولاً، فإذا فعل أجزأته هذه الكفارة عن كفارة شهر رمضان، وإذا لم يعزم على وطئها في شهر رجب وعزم على وطئها في شهر شعبان فإن إخراج الكفارة لا تجزئه، وذلك لأنه ليس مظاهراً منها في شعبان، فله وطؤها بدون كفارة والكفارة إنما تجب لاستباحة الوطء الممنوع شرعاً عند العزم عليه. فلا تجب قبل العزم على ذلك الوطء. وقد عرفت أن الوطء في شعبان مباح لا ممنوع، فلا تجب له كفارة، أما إذا أخرجها عند العزم في رمضان فإنها تجزئ عن رجب ورمضان من باب أولى، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إلا يوم الجمعة، فإنه إذا عزم على وطئها في يوم غير يوم الجمعة وجبت عليه الكفارة فإذا أخرجها يوم الجمعة لا تجزئه، لأن يوم الجمعة يباح له فيه وطؤها بدون كفارة، وإذا قال لها أنت علي كظهر أمي إن سافرت إلى بلدة أبيك، وسافرت لزمته الكفارة عند العزم على الوطء فإذا قال لها: كلنا سافرت، تعددت الكفارة بعدد مرات سفرها، وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي كل يوم فلا يلزمه إلا كفارة واحدة، وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي في كل يوم وجبت عليه كل يوم يعزم فيه على وطئها كفارة، ولكن إذا وطئها ليلاً جاز ولا كفارة عليه: لأن اليوم الشرعي هو النهار لا الليل. وقوله: المسلم خرج به الذمي، فلا يصح ظهاره، وإن كان يصح طلاقه وإيلاؤه، ولكن لا يصح ظهاره، وذلك لأن الظهار يوجب تحريم الزوجة قبل الكفارة، والذمي لا كفارة عليه، لأنه ليس أهلاً للكفارة، وقد يقال: إنكم قلتم: إن إيلاء الذمي يصح فيما إذا حلف بالله، ولكن لا تجب عليه الكفارة، فلماذا لا يلزمه الظهار وتسقط عنه الكفارة؟ والجواب: أنه في حال الإيلاء منع نفسه من إتيان امرأته باليمين، فإذا لم يأتها حتى مضت مدة الإيلاء بانت منه رفعاً للضرر عنها، أما وطؤها بعد الحلف فلا شيء عليه، أما هنا فقد منع وطؤها من قبل الشارع إلا إذا أدى الكفارة عليه فلا معنى لصحة ظهاره. وقوله: زوجته يشمل ما إذا كانت الزوجة أمة فإن الظهار يصح منها أما إذا كانت مملوكة فلا يصح الظهار منها: وكذا إذا كانت أجنبية إلا إذا أضافه إلى الملك، أو سبب الملك ومثال الأول: أن يقول لها: إن أصبحت أو صرت زوجة لي فأنت علي كظهر أمي. ومثال الثاني: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي. فإن الزواج سبب لملك الزوجة، وإذا قال لها: إن تزوجتك فأنت علي ظهر أمي مرة فإنه إن تزوجها يجب عليه في كل مرة يعزم فيها وطئها كفارة حتى يخرج مائة كفارة وكذا إذا عدد مائة مرة، فإنه يجب عليه مائة كفارة من باب أولى. وقوله: تشبيه المسلم زوجته خرج به تشبيه المسلمة زوجها، فلو قالت له: أنت علي كظهر أبي أو كظهر أمي. أو أنا عليك كظهر أمك كان لغواً من القول لا قيمة له، لأنها لا تملك التحريم، وبعضهم يقول: يصح ظهارها وعليها الكفارة إن مكنته من نفسها والأول هو المعتمد، وكذا يشمل الزوجة الكتابية. والصغيرة والمجنونة، والرتقاء، والمدخول بها وغير المدخول بها، فإن كلهن يصح الظهار منهن كما يصح الظهار من المطلقة رجعياً، لأنها زوجة، أما البائنة فلا يصح الظهار منها، ولو كانت في العدة. وقوله: بمحرم عليه، أي بجزء محرم عليه من الأجزاء التي لا يصح له النظر إليها، كظهر أمه أو بطنها، أو فرجها، وكذا سائر المحرمات عليه من الرضاع، أو من النسب، أو المصاهرة، فلو قال لها: أنت كظهر حماتي، أو كظهر بنتك، كظهر أختي فلانة من الرضاع فإن الظهار يصح وكما يصح التشبيه بجزء يحرم النظر إليه، فإنه يصح بالكل، كما إذا قال لها: أنت علي كأمي، وأختي لأنه فيه الظهر وزيادة، ولكن لا يكون ظهاراً إلا إذا نوى به الظهار، فهو كناية في الظهار وقولنا بجزء محرم، أي أن التشبيه لا بد أن يكون بجزء يحرم النظر إليه، فلو قال لها: أنت علي كرأس أمي. أو رجل أمي فإنه لا يكون ظهاراً. نعم يصح أن يكون المشبه جزءاً لا يحرم النظر إليه كما إذا قال: رأسك علي كظهر أمي، ويشترط أن يكون التشبيه بجزء امرأة، أو بجميع امرأة محرمه تحريماً مؤبداً كالأم، والأخت نسباً ورضاعاً وكالحماة، وبنت الزوجة، فإن قال: أنت علي كظهر أختك فإن الظهار لا يصح، لأن أختها ليست محرمة عليه حرمة مؤبدة، إذ يصح له أن يتزوجها بعد تطليق أختها، وقولنا بجزء امرأة خرج به التشبيه بجزء رجل. كما إذا قال: أنت علي كفرج أبي أو أخي فإنه لا يكون بذلك مظاهراً على المعتمد. المالكية - قالوا: الظهار تشبيه المسلم المكلف من تحل أو جزءها بظهر محرم أو جزئه أو كظهر أجنبية، فقوله: تشبيه المراد به اللفظ المشتمل على التشبيه، سواء كانت أداة التشبيه الذكورة أو لا. والأول كما إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي، والثاني كما إذا قال لها: أنت على أمي، فإذا قال لها: أنت أمي بحذف أداة التشبيه كان مظهراً، إلا أن ينوي به الطلاق فإن نوى به الطلاق كان طلاقاً بائناً، أما إذا ناداها بقوله: يا أمي أو يا أختي فإنه لا يكون مظاهراً، ولكن إذا نوى به الطلاق عد طلاقاً، وقوله المسلم، والمراد به الزوج. أو السيد، فإنه يظاهر من عبده، خرج به الكافر، فإن ظاهر ثم أسلم فإن الظهار لا يلزمه كما لا يلزمه الطلاق أو العتق، أو الصدقة، أو النذر، وإنما قال: المسلم، ولم يقل المسلمة لأن تشبيه المسلمة زوجها ليس بظهار، فإذا قالت له: أنت علي كظهر أبي. أو أمي كان ذلك لغواً. فلا يلزمها كفارة ظهار ولا كفارة يمين، وإذا جعل أمرها بيدها فقالت: أنا عليك كظهر أمي لم يلزمه ظهار، لأن الكفارة غرم. وقوله: الملكف خرج به الصبي، والمجنون والمكره والسكران بسكر حلال، أما السكران بحرام فإنه يلزمه الظهار كما يلزمه الطلاق، وقوله: من تحل المراد بها الزوجة، والأمة، لأن الأمة يصح الظهار منها، فإن قلت: إن هذا القيد يفيد عدم صحة الظهار من الحائض، والنفساء، والمتلبسة بالإحرام لأنها لا تحل في هذه الحالة، والجواب: أن المراد من تحل بحسب ذاتها، وتحريمها في هذه الأحوال لعارض زائل، فإذا قال لزوجته الحائض: أنت علي كظهر أمي لزمه الظهار، وقوله أجزاءها شمل الجزء الحقيقي من يد ورأس وغيرها. والجزء الحكمي من شعر، وريق فإنه في حكم الجزء لا لتصاقه بالبدن فإذا قال: رأسك علي كرأس أمي، أو قدها، أو قال: شعرك كان ذلك ظهاراً. وقوله: بظهر محرم أو جزئه - بفتح الميم والراء مخففة - المراد بها محارمه التي لا يحل له زواجها ومعناه أن الظهار كما يكون بتشبيه زوجته أو جزئها بظهر واحدة من محارمه يكون كذلك بأي جزء من أجزائها. وقوله: أو ظهر أجنبية، أي تشبيه زوجته أو أمته، أو جزئها بظهر الأجنبية خاصة فإذا قال لزوجته: أنت علي كظهر فلانة الأجنبية كان مظاهراً منها. أما إذا قال لها: أنت علي كرأسها أو يدها، أو غير ذلك من باقي أجزائها فإنه لا يكون مظاهراً فتحصل من هذا أربع صور: الصورة الأولى: تشبيه كل زوجته، أو كل أمته بكل واحدة من محارمه. كأن يقول لها: أنت علي كأمي، أو كأختي أو أختي إذا لم ينو به الطلاق. الصورة الثانية: تشبيه كل زوجته، أو أمته بجزء واحدة من محارمه. كأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، أو رأسها أو نحو ذلك من باقي أجزاء بدنها. الصورة الثالثة: تشبيه جزء زوجته، أو أمته بكل محرمة عليه، كأن يقول: ظهرك علي كأمي ومثل ذلك ما إذا قال: رأسك أو ريقك، أو نحو ذلك. الصورة الرابعة: أن يشبه جزء أمته بجزء محرمة عليه، كأن يقول: رأسك، أو ظهرك كرأس أمي، فإذا شبه بأجنبية محرمة عليه فإنه لا يكون مظاهراً إلا إذا شبه بظهرها خاصة كأن يقول لها: أنت علي كظهر فلانة. ولا بد أن تكون المشبهة بها محرمة عليه بطريق الأصالة، فلو قال لها: أنت محرمة علي كضرتك النفساء فإنه لا يكون ظهاراً الشافعية - قالوا: الظهار تشبيه الزوج زوجته في الحرمة بمحرمة. فقوله: تشبيه الزوج، المراد بالزوج كل من يصح طلاقه، فيشمل العبد، والكافر، فإنه يصح ظهاره. خلافاً للحنفية والمالكية علي التفصيل المتقدم في مذهبهما، ووفاقاً للحنابلة الذين يقولون: أن الظهار يصح من الكافر، كما ستعرفه في مذهبهم، وكذلك يشمل الخصي والمجبوب والسكران، فإن ظهارهم يصح، خرج بالزوج ما ليس بزوج، فلو قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي لم يكن ذلك ظهاراً، حتى ولو تزوجها، وخرج بقولنا: من يصح طلاقه الصبي، والمجنون، والمكره فإن ظهارهم لا يصح. كما لا يصح طلاقهم. وقوله: زوجته، المراد بها منعقد عليها عقد نكاح صحيح، سواء كانت بالغة، أو صغيرة أو مجنونة، أو مريضة، أو رتقاء، أو قرناء، أو كافرة، أو مطلقة طلاقاً رجعياً لا طلاقاً بائناً فإن كلهن يصح منهن الظهار، وخرج به الأجنبية، كما ذكرنا، ومثلها الأمة. فإنه لا يصح الظهار منها، خلافاً للمالكية والحنفية، وقوله: بمحرمة، المراد بالمحرم كل أنثى لا يحل نكاحها بسبب النسب أو الرضاع أو المصاهرة، ولا فرق بين أن يشبه بها كلها أو يشبه بجزء منها. فلو شبه بجزء ذكر محرم، أو بكله فإنه لا يكون ظهاراً، وكذا إذا شبه بخنثى مشكل ويشترط أن يكون التحريم أصلياً لا عارضاً، فلو قال لها: أنت علي كزوجة ابني، أو كظهرها لا يكون مظاهراً، لأن زوجة ابنه كانت حلالاً له قبل أن يتزوجها ابنه، ومثل ذلك إذا قال لها: أنت علي كزوجتي التي حرمت منه باللعان، فإن تحريمها عارض. ومثال التشبيه بالكل أنت علي، أو امرأتي، أو هذه كظهر أمي أو كجسمها، أو يدها، أو شعرها أو ظفرها أو نحو ذلك من الأجزاء الظاهرة، أما الأجزاء الباطنة، كالكبد والقلب فلا يكون ظهاراً لا في المشبه، ولا المشبه به وخرج بالأجزاء الفضالات، فإنه لا يصح بها الظهار كالمني، واللبن والريق، فإن كل ذلك لا يكون ظهاراً لا صريحاً ولا كناية والظهار بهذه الألفاظ صريح، أما الكناية، فهي أن يقول: أنت كأمي، أو كعينها أو نحو ذلك فإنه يكون ظهاراً بالنية. الحنابلة - قالوا: الظهار هو تشبيه الزوج امرأته بمن تحرم عليه مؤبداً ومؤقتاً، أو تشبيهه عضواً من امرأته بظهر من تحرم عليه حرمة مؤبدة أو مؤقتة أو بعضو من أعضائها الثابتة غير الظهر، أو تشبيهه امرأته أو عضواً منها برجل، أو عضو منه، سواء كان ذلك الرجل قريبه أو أجنبياً فقولهم الزوج المراد به كل من يصح طلاقه، مسلماً كان أو كافراً، حراً أو عبداً كبيراً كان أو صغيراً بشرط أن يكون مميزاً يعقل الظهار، وبعضهم يرى عدم صحة ظهار الصغير المميز وعدم صحة إيلائه لأنهما يمينان لهما كفارة على الصبي، ولأن كفارة الظهار لزمت لما فيه من قول المنكر والزور، والصغير مرفوع عنه المؤاخذة بما يقول، وهذا وجيه. ولا يصح من المجنون: أو المغمى عليه، أو النائم، أما السكران بشراب محرم فإن ظهاره يصح لأن طلاقه يصح، فإن كان سكره بدواء ونحوه فإنه لا يقع ظهاره كطلاقه، وقوله: امرأته المراد بها من تحل له بالعقد الصحيح، سواء كانت بالغة، أو صغيرة، حرة، أو أمة، مسلمة، أو ذمية يمكن وطؤها، فخرج به أمته أو أم ولده، فإنها ليست زوجة، فإذا قال شخص لأمته أنت علي كظهر أمي فعليه كفارة يمين. وقوله: تشبيه الزوج امرأته خرج به تشبيه المرأة زوجها، كأن تقول له: أنت علي كظهر أبي أو إن تزوجت فلاناً يكون علي كظهر أبي أو أخي أو نحو ذلك فإن ذلك ليس بظهار ولكن يجب عليها بذلك كفارة الظهار إلا أنها لا تمنع نفسها عن زوجها بل يجب عليها بذلك أن تمكنه من نفسها قبل إخراج الكفارة، لأن وطأها حق الزوج ولا يسقط حقه بيمينها، وإنما وجبت عليها الكفارة تأديباً لها. وقوله: أو تشبيه عضواً من امرأته، والمراد بالعضو العضو الثابت في المشبه والمشبه به كاليد والرأس، والبطن، والظهر أما الأعضاء التي تزول وتأتي، كالشعر، والسن، والظفر والريق، والدمع، والدم، العرق فإن التشبيه بها لا يكون ظهاراً فمثال تشبيه الزوج امرأته بمن تحرم عليه حرمة مؤبدة أن يقول لها: أنت علي كأمي، أو أختي أو عمتي. ومثال تشبيهه إياها بمن يحرم عليه حرمة مؤقتة، أنت علي كظهر أختك أو عمتك، ومثال التشبيه بالظهر أنت علي كظهر أمك أو ظهر أختك، ومثال التشبيه بجزء غير الظهر أنت علي كرأس أمي، أو أختك، أو بطنها، أو رأسك، أو يدك، أو فرجك كرأس أمي، أو أختك، أو يدها، أو نحو ذلك، أما إذا قال: كشعر أمي، أو سنها، أو شعرك كشعر أمي، أو نحو ذلك فإنه لا يكون ظهاراً. ومثل ذلك ما إذا قال لها: روحك كروح أمي، وقوله: أو تشبيهه امرأته أو عضواً منها برجل الخ، معناه أن التشبيه بالرجل الأجنبي أو القريب ظهار، لأنه محرم عليه، فإذا قال لها: أنت علي كزيد، أو كرأسه، أو كظهره، فإنه يكون مظاهراً، خلافاً للحنفية، والشافعية ووفاقاً للمالكية الذين يقولون بصحة الظهار إذا نواه، وكان التشبيه بظهره خاصة) . يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [مباحث الظهار] صـــــ 431 الى صــــــــ 443 الحلقة (222) (1) (الحنفية - قالوا: للظهار ركن واحد، وهو صيغة، كما تقدم غير مرة، أما الشروط المتعلقة بالزوج. فهي أن يكون مسلماً، فلا يصح ظهار الذمي، وقد تقدم تعليله في التعريف. وأن يكون عاقلاً، فلا يصح من المجنون والمعتوه، والمغمى عليه، والنائم أما السكران فيصح ظهاره إن كان متعدياً، كما تقدم في الطلاق، وأن يكون بالغاً، فلا يصح ظهار الصبي ولو مميزاً، أما الزوجة فلا يشترط فيها شيء من ذلك. فيصح الظهار من المجنونة، والعاقلة، والصغيرة، والكبيرة، إنما الشرط أن تكون زوجة، ولو أمة، أما إذا كانت مملوكة، فلا ظهار منها، ويصح ظهار المكره، والناسي والخاطئ، والهازل، ويصح من الأخرس بكتابته إن كان يعرف الكتابة وإلا فبإشارته المعهودة، كما تقدم في الطلاق فهذه شروط المظاهر، والمظاهر منها. وأما المشبه بها فيشترط أن تكون امرأة محرمة على التأبيد، فلو شبهها برجل فإنه لا يكون مظاهراً، سواء كان الرجل قريباً، أو أجنبياً، فلو شبهها بامرأة غير محرمة عليه أو محرمة عليه تحريماً مؤقتاً كأختها، وعمتها، ومطلقته ثلاثاً، أو شبهها بامرأة مجوسية، فإنها وإن كانت محرمة عليه تحريماً ولكن التحريم ليس مؤبداً لجواز أن تسلم فتحل له، ومن المحرمات مؤبداً زوجة الابن، والأب، فإذا شبهها بواحدة منهما كان مظاهراً خلافاً للشافعية، وكذا إذا شبهها بأم امرأة زنى بها، أو ببنتها فإنه يكون ظهاراً وكذا إذا شبهها بامرأة زنى بها أبوه أو ابنه على الصحيح، وإذا شبهها بعين محرمة غير امرأة، كما إذا قال لها: أنت علي كالخمر، والخنزير، والنميمة، والرشوة ونحو ذلك، فإنه لا يكون ظهاراً، ولو نوى به الظهار، أما إذا نوى به الطلاق فإنه يكون طلاقاً وكذا إذا نوى به الإيلاء. وأما الصيغة فإنها قسمان: صريحة، وكناية، فأما الصريحة فيشترط فيها أن تشتمل على تشبيه زوجته أو تشبيه جزء يعبر به عنها عرفاً كالرأس، والرقبة، ونحو ذلك مما تقدم بيانه في مبحث - إذا أضاف الطلاق إلى جزء المرأة - أو تشبيه جزء شائع في بدنها، كنصفها وثلثها، وربعها بعضو يحرم النظر إليه من أعضاء محرمة عليه نسباً، أو رضاعاً، أو صهرية كأن يقول أنت علي كظهر أمي، أو أمك، أو رأسك كظهر أمي، أو بطنها، أو فرجها، أو أمك، أما إذا قال: كرأس أمك لا يصح لأنه يشترط في العضو المشبه به أن يكون من الأعضاء التي لا يحل النظر إليها أو يقول: بضعك كظهر أمي، أو كظهر أختي، أو عمتي، أو كفرج أمي أو أختي، أو كبطنها، أو نحو ذلك، فإنه في كل ذلك يكون مظاهراً، ولو لم ينو به الظهار لأنه صريح، فإن نوى به غير الظهار فإنه لا يصدق قضاء ويصدق ديانة. ومن هذا تعلم أنه يشترط في الصريح أن يذكر العضو الذي لا يحل النظر في المشبه به، وأما الكناية فإنه لا يشترط فيها ذلك وذلك كأن يقول: أنت علي مثل أمي، أو كأمي، أو مثل أختي أو نحو ذلك فإن قال ذلك فإنه لا يكون ظهاراً إلا إذا نوى الظهار، أما إذا نوى تشبيهها بأمه، أو بأخته في كرامتها عليه فإنه لا يقع به شيء، وكذا إذا لم ينو شيئاً أو حذف أداة التشبيه إذا قال لها: أنت أمي فإنه لا يلغو ولا يقع شيء، كما تقدم التعريف. المالكية - قالوا: يشترط في المظاهر أن يكون مسلماً فلا يصح من ذمي، فلو أسلم بعد ظهاره لم يعامل به، وكذا إذا تحاكما إلينا فإننا لا نقضي بينهما فيه، ومثل الظهار غيره من التصرفات المتقدم ذكرها في التعريف وأن يكون مكلفاً فلا يصح ظهار الصبي، والمجنون والمغمى عليه والنائم، والسكران بشيء حلال أما السكران بمحرم فإن ظهاره يقع كطلاقه، وأن يكون مختاراً فلا يصح ظهار المكره، ويصح الظهار من المجبوب، ومقطوع بعض الذكر أو العنين على المعتمد. لأنه يمكنه الاستمتاع بغير الجماع أما المظاهر منها فإن الشرط فيها أن تكون ممن يحل له وطؤها، سواء كانت زوجة، أو أمة، وسواء كانت صغيرة عاقلة أو مجنونة ولو كانت رتقاء أو قرناء أو غير ذلك من العيوب. أما المشبه به فهو على ثلاثة أنواع: الأول: أن تكون محرماً من محارمه بحيث لا يحل له نكاحها بنسب أو رضاع أو مصاهرة وهذه يكون التشبيه بها ظهاراً على كل حال سواء كان بها جميعها أو بظهرها أو بجزء منها ولو كان جزءاً غير ثابت كالشعر والظفر والريق إلا أنه إن كان بظهرها كان صريحاً وإلا كان كناية فلا يلزم إلا بالنية كما ستعرفه. النوع الثاني: أن تكون أنثى أجنبية، وهذه يشترط في صحة ظهارها أن يكون التشبيه بظاهرها بخصوصه، وأن ينوي به الظهار وإلا فلا ظهار، كما يأتي قريباً، ومثل الأجنبية في ذلك من تأبد عليه تحريمها بلعان، أو طلاق ثلاث، فإن التشبيه بظهور يكون كناية لا صريحاً. النوع الثالث: التشبيه بظهر رجل، وفيه خلاف، والمشهور أنه ظهار، إنما لا بد فيه من التشبيه بالظهر وأن ينوي به الظهار، وأما صيغة الظهار، فإنها تنقسم إلى أربعة أقسام: الأول: صريح الظهار، ويشترط لتحققه أن يكون المشبه به محرماً من المحارم، وأن يكون التشبيه بالظهار خاصة، كأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، أو كظهر أختي. أو كظهر عمتي أو خالتي، أو كظهر أمك، أو أختك، أو نحو ذلك من المحرمات عليه بنسب أو رضاع، أو مصاهرة، وهل التشبيه بظهر المحرمة عليه بلعان أو بطلاق ثلاث كالتشبيه بالمحرمة عليه بنسب ونحوه أو لا؟ خلاف، والتحقيق أن التشبيه في مثل هذا كالتشبيه بظهر الأجنبية، مثلاً إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر فلانة التي طلقتها ثلاثاً، أو التي بانت مني باللعان، فإن ذلك لا يكون صريحاً بل كناية، فإذا نوى بالظهار الصريح الطلاق، فهل يصح أو لا؟ خلاف، فبعضهم يقول إنه لا يصح بل تلغى نية الطلاق، ويعامل بالظهار فقط، قضاء وإفتاء، وهذا هو الراجح وبعضهم يقول: بل يعامل بالظهار في الإفتاء فقط، وأما في القضاء فإنه يعامل بهما معاً، بحيث ينظر إلى العظة فيحكم عليه بالظهار، وينظر إلى نيته فيحكم عليه بالطلاق الثلاث، بحيث لو تزوجت غيره ورجعت إليه فلا يحل له أن يطأها، حتى يخرج كفارة الظهار، وهذا مرجوح، لأن معنى كونه صريحاً أن له حكماً خاصاً به، فلا يصح أن ينوي به غيره. الثاني: كناية الظهار الخفية، وهي كل كلام نحو اذهبي، وقومي، وكلي واشربي ونحو ذلك ويشترط في صحة الظهار بمثل هذا أمران: أحدهما: أن ينوي الظهار، فإذا لم ينو الظهار كان كلاماً له معناه من أكل وشرب ونوم، ونحو ذلك. ثانيهما: أن لا يكون صريح طلاق أو يمين بالله، فإذا قال لها: أنت طالق ونوى الظهار فإنه لا يصح ويلزم بالطلاق، وكذا إذا قال والله لا آكل مثلاً، ونوى به الظهار فإنه لا يصح. الثالث: كناية الظهار الظاهرة، وتحته قسمان أحدهما: أن يكون التشبيه بغير الظهر، وأن تكون المشبه بها محرماً من المحارم كأن يقول لامرأته: أنت علي كأمي، أو أنت أمي. ثانيهما: وهو القسم الرابع أن يكون التشبيه بالظهر وأن تكون المشبه بها أجنبية، كأن يقول لامرأته: أنت علي كظهر فلانة الأجنبية، ويشترط في صحة الظهار بالأمرين أن ينوي الظهار، فإذا نوى تشبيهها بأمه في الشفقة والمودة، أو في الكرامة وعلو المنزلة، أو تشبيهها بظهر الأجنبية في الاستواء والاعتدال، أو نحوه فإنه لا يكون ظهاراً، وإن نوى به الظهار كان ظهاراً، وإن نوى الطلاق، فإن كانت مدخولاً بها لزمه الثلاث، ولو لو ينو العدد أو نوى أقل، وإن كانت غير مدخول بها فإنه يلزمه الثلاث ما لم ينو أقل، فإنه يلزم ما نواه، فإذا لم يذكر لفظ الظهر، أو لفظ الأم، أو نحوها من المحارم، بل قال: أنت كفلانة الأجنبية ونوى به الطلاق، فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها، ولكن إن نوى أقل من الثلاث في غير المدخول بها فإنه يصدق، فإن قال، إنه نوى بقوله: أنت كفلانة الأجنبية الظهار صدق ديانة ويلزمه الظهار فقط في الفتوى، أما في القضاء فإنه يلزمه الظهار والطلاق الثلاث في المدخول بها، وفي غيرها إلا أنه يعامل بنيته في غير المدخول بها إن ادعى أنه نوى أقل من الثلاث، فإذا قضي بطلاقها ثلاثاً ثم تزوجت غيره وعادت له فإنه لا يحل له وطؤها حتى يخرج كفارة الظهار، وإذا قال لها أنت علي كابني، أو كغلامي ناوياً به الظهار فإنه يلزمه به الثلاث، ولا يكون ظهاراً على المعتمد، أما إذا قال: أنت علي كظهر ابني ناوياً به الظهار فإنه يكون ظهاراً ومثل ذلك ما إذا قال لها: أنت علي ككل شيء حرمه الكتاب فإن الكتاب قد حرم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وهذه يلزم بها الثلاث في المدخول بها لغيرها، إلا أن ينوي أقل من الثلاث في غير المدخول بها. واعلم أن صيغة الظهار كما تكون منجزة تكون معلقة، فإذا علق ظهارها على مشيئتها أو مشيئة شخص غيرها، كأن قال لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت أو إن رضيت، فإن يصح، ولا يقع الظهار إلا إذا شاءت الظهار ورضيت به، ولا يسقط حقها في ذلك أما إذا وقفت ولم تقض برد أو إمضاء فإن للحاكم أن يبطل خيارها في هذه الحالة، وإن علقه بشيء محقق كأنت علي كظهر أمي بعد سنة، أو إن جاء رمضان، فإنه يلزمه حالاً، وإن قال، أنت علي كظهر أمي في هذا الشهر تأبد الظهار ولا ينحل إلا بالكفارة، وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن لم أتزوج عليك فلانة، فإنه يكون مظاهراً عند اليأس من الزواج، إما بموت فلانة التي عينها أو بعجزه عن الوطء، أو عند عزمه على عدم الزواج،وإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن دخلت دار أبيك وأرادت أن تدخل فإنه لا يصح له إخراج الكفارة قبل دخولها. الشافعية - قالوا: يشترط في المظاهر كونه زوجاً، ولو مجبوباً، أو عنيناً، أو خصياً، أو نحو ذلك، فلا يصح الظهار من الأمة المملوكة ولا من امرأة أجنبية لم يتزوجها وإن تزوجها لم يقع الظهار، وكونه عاقلاً، فلا يصح من المجنون ونحوه، وكونه مختاراً، فلا يصح من مكره وبالجملة فكل من يصح طلاقه يصح ظهاره، وقد تقدم ذلك في مباحث الطلاق مفصلاً. ويشترط في المظاهر منها أن تكون زوجة، ولو أمة، أو صغيرة، أو مجنونة أو مريضة، أو رتقاء، أو قرناء، أو كافرة، أو مطلقة طلاقاً رجعياً، وخرج بذلك الأجنبية ولو كانت مطلقة طلاقاً بائناً، فلو قال لأجنبية: إذا تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، ثم تزوجها فإنه لا يصح ظهاره وكذا إذا قال لأمته: أنت علي كظهر أمي فإنه لا يصح إلا إذا عقد عليها ويشترط في المشبه به ثلاثة شروط: الأول: أن تكون أنثى فإذا شبه بظهر ذكر قريب أو بعيد فإنه يكون لغواً، لأنه ليس محلاً للاستمتاع، ومثله الخنثى. الثاني: أن تكون من محارمه التي لا يحل له نكاحها بنسب، كأمه وأخته، وبنته، أو برضاع كمرضعته، أو مرضعة أبيه، أو مصاهرة، كأم زوجته، أو بنتها. الثالث: أن لا تكون له حلالاً من قبل، كامرأة أبيه التي تزوجها قبل ولادته. أو مع ولادته، أما التي تزوجها بعد ولادته فإنها كانت حلالاً له قبل أن يتزوجها أبوه ومثله زوجة ابنه فإنها كانت حلالاً له قبل أن يتزوجها ابنه، ومطلقته ثلاثاً، ومن حرمت عليه مؤبداً بسبب اللعان، فإن التشبيه بهن لا يكون ظهاراً، لأنهن كن حلالاً له من قبل. والتحريم عرض بعد ذلك ويلحق بذلك التشبيه بإحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي عائشة أو حفصة زوج الرسول فإنه لا يكون ظهاراً، لأن حرمة زوجات الرسول عارضة لا أصلية. وخرجت الأجنبية، فإنه إذا شبهها بها، أو بظهرها فلا يكون ظهاراً، ويشترط في الصيغة كونها لفظاً يشعر بالظهارة، وتنقسم إلى قسمين: صريحة، وهي ما اشتهر استعمالها في معنى الظهار كقوله أنت علي كظهر أمي، أو رأسك علي كظهر أمي، أو يدها، أو رأسها، وكناية، وهي ليست كذلك، كقوله: أنت كأمي، أو كعينها، أو نحو ذلك مما يستعمل في الظهار وفي الإعزاز والكرامة، وهي لا يقع بها الظهار إلا بالنية، فإذا قال لها: أنت علي حرام كما حرمت أمي فإنه يصح أن يكون كناية ظهار إذا نواه، ويصح أن يكون كناية طلاق إذا نوى الطلاق، ثم إن التشبيه تارة يكون بجميع المرأة، أو بجزئها، ولكن يشترط في الجزء أن يكون من الأجزاء الظاهرة، كاليد والرأس والعين. أما التشبيه بجزء من الأجزاء الباطنة التي لا يمكن الاستمتاع بها، سواء من المشبه، أو المشبه به، كالقلب، والكبد، ونحوهما، فإنه لا يكون ظهاراً. فإذا قال لامرأته: كبدك كظهر أمي، أو رأسك كقلب أمي فإنه لا يكون ظهاراً وكذا يشترط أن لا يكون الجزء فضلة، كاللبن والريق، والمني، ونحو ذلك، فلو شبه ريقها بظهر أمه فإنه لا يصح أما الأجزاء الزائدة فإنه يصح الظهار بتشبيهها أو التشبيه بها كالظفر، والشعر والسن. فالحاصل أن كل ظاهر يصح التشبيه به، وكل جزء باطن لا يمكن الاستمتاع به لا يكون التشبيه به ظهاراً. هذا ويصح توقيت الظهار بوقت معين قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قال لها: أنت علي كظهر أمي يوماً، أو شهراً فإنها تحرم عليه في الوقت الذي عينه بحيث لو وطئها في المدة بإيلاج حشفته وجبت عليه الكفارة، وسيأتي أن العود في الظهار المؤقت إنما يكون بإيلاج الحشفة، أو قدرها لمن ليست له حشفة، فإذا فعل ذلك وجب عليه أن ينزع ولا يستمر في الوطء حتى يخرج الكفارة، فإيلاج الحشفة لازم لوجوب الكفارة، أما الاستمرار في الوطء قبل الكفارة فهو حرام، وإذا قال: أنت كظهر أمي خمسة أشهر كان ظهاراً وإيلاء فإذا وطئها في المدة لزمته كفارة الظهار، وإذا استمر حتى اقضت مدة الإيلاء ولم يطأها كان لها الحق في طلب الطلاق، على الوجه السابق، وإذا قال: والله أنت علي كظهر أمي ثم وطئها في المدة لزمه كفارتان: كفارة للظهار وكفارة لليمين. وكذلك يصح تعليق الظهار، فإذا قال: إن ظاهرت من ضرتك فأنت علي كظهر أمي، ثم ظاهر من ضرتها كان مظاهراً منهما معاً، وإذا علق ظهار زوجته على امرأة فإن ذلك يحتمل حالتين: الأولى: أن يقول: إن ظاهرت من فلانة فأنت علي كظهر أمي ولم ينطق بلفظ الأجنبية، وهذه تحتها صورتان: الصورة الأولى: أن يقصد لفظ الظهار لا معناه الشرعي، ثم يقول لها قبل أن يتزوجها: أنت علي كظهر أمي، وفي هذه الحالة يلزمه ظهار زوجته لأن المعلق عليه - وهو لفظ الظهار - قد تحقق. الصورة الثانية: أن يقصد معنى الظهار الشرعي، وفي هذه الحالة إذا قال لها قبل أن يتزوجها: أنت علي كظهر أمي لا يلزمه الظهار من امرأته، لأنك قد عرفت أن الأجنبية محلاً للظهار الشرعي أما إذا قال لها ذلك بعد تزوجه بها فإنه يلزمه الظهار من زوجته الأولى، وذلك لأنه قال: إن ظاهرت من فلانة ولم يقل: الأجنبية. فالمعلق عليه، وهو الظهار الشرعي، قد تحقق من فلانة. الثانية: أن يقول: إن ظاهرت من فلانة وهي أجنبية، بحيث يصرح بلفظ أجنبية، وهذه تحتها صورتان أيضاً إحداهما: أن يريد النطق بلفظ الظهار، وفي هذه الحالة يلزمه الظهار متى نطق به، سواء كان ذلك قبل أن يتزوج بها أو بعد. ثانيتهما: أن يريد الظهار الشرعي، وفي هذه الحالة لا يلزمه الظهار الأول، سواء ظاهر منها قبل الزواج بها أو بعده، وذلك لأن تصريحه بالأجنبية جعل تحقق الظهار الشرعي مستحيلاً. الحنابلة - قالوا: يشترط في المظاهر أن يكون رجلاً، فلا يصح ظهار المرأة، وقد تقدم في التعريف أنها إذا فعلت لزمها كفارة ظهار متى مكنته من نفسها طائعة، وهو واجب عليها، بحيث لا يحل لها أن تمتنع عنه، وأن يكون بالغاً، فلا يصح ظهار الصبي، سواء كان مميزاً أو لا، وبعضهم يقول: يل يصح ظهار المميز الذي يعقل معنى الظهار، كما يصح طلاقه، وأن يكون عاقلاً فلا يصح ممن زال عقله بجنون أو إغماء أو نوم، أو شرب دواء مسكر، أما إذا شرب حراماً فإنه يقع، كما تقدم، وأن يكون مختاراً، فلا يصح ظهار المكره، ولا يشترط الإسلام، فيصح ظهار الكافر، لأنه تجب عليه الكفارة، ويصح من العبد، ومن المريض، ويشترط في المظاهر منها أو المشبه بها أن تكون زوجة، فلا يصح الظهار من الأجنبية، إلا إذا علقه على زواجها، كأن قال: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، فإنه إذا تزوجها لزمه الظهار، ولا يصح له أن يطأها قبل الكفارة، وهذا بخلاف الطلاق، فإنه لا يصح طلاق الأجنبية مطلقاً، ولو علقه على زواجها كما تقدم، والفرق بينهما أن الطلاق حل لقيد النكاح فلا معنى لحله، فيلغى، أما الظهار فهو يمين له كفارة، فينعقد متى تحقق شرطه، كاليمين بالله تعالى، فإذا قال: والله العظيم إن تزوجت فلانة لا أطؤها انعقدت اليمين، بحيث لو وطئها لزمته الكفارة. وكذا لا يصح الظهار من الأمة الموطوءة بملك اليمين، إلا إذا عقد عليها، فإنها تصير زوجة، فإذا ظاهر من أمته المملوكة لزمته كفارة يمين لا كفارة ظهار، كما تقدم في التعريف، ومتى كانت زوجته فإنه يصح الظهار منها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، حرة أو أمة، مسلمة أو ذمية وطؤها ممكن أو غير ممكن، الخ ما تقدم. ويشترط في المشبه به أن يكون التشبيه به نفسه أو بعضو من أعضائه الأصلية، أما الأعضاء الزائدة، كالشعر، والسن، والريق، والمني، والظفر، والدم والعرق والدمع والروح، فإن التشبيه بها لا يكون ظهاراً، فلو قال: شعرك علي كظهر أمي لا يصح الظهار. وهكذا، ولا يشترط أن يكون المشبه امرأة، بل يصح أن يكون رجلاً، لأن الغرض هو تشبيهها بمن لا يحل وطؤه سواء كان رجلاً أو امرأة، وإذا شبه بأنثى فلا يلزم أن تكون من محارمه على التأبيد، فيصح أن يشبه بأمه وأخته، كما يصح أن يشبه بأخت امرأته، وعمتها وخالتها. وكذا يصح أن يشبه بظهر الأجنبية. ويشترط في صيغة الظهار أن تؤدي معنى الظهار وتستعمل فيه، فلو قال أنا مظاهر فإنه يكون لغواً. لأن هذه ليست صيغة ظهار. وكذا إذا قال: وجهي من وجهك حرام. فإنه ليس بظهار. وتنقسم صيغة الظهار إلى قسمين. صريح وكناية. فالصريح ما كان ظاهراً في معنى الظهار نحو: أنت علي كظهر أمي، أو أنت مني مثل أمي، أو أنت علي كأمي، لأن التشبيه بأمه كالتشبيه بعضو منها، بل هو زائد. فإن ادعى أنه أراد التشبيه بها في الكرامة فإنه يسمع منه قضاء لأن اللفظ وإن كان ظاهراً في معنى الظهار، ولكنه يحتمل هذا المعنى الذي ادعاه. وأما الكناية، فهي أن يكون اللفظ غير ظاهر الاستعمال في الظهار، كأن يقول لامرأته: أنت أمي، ولم يقل: علي مثل أمي، أو يقول لها: أنت كأمي، ولم يقل: علي أو مني، أو يقول: أنت مثل أمي، ولم يقل: علي أو يقول امرأتي فإن كل هذا لا يقع به الظهار إلا إذا نواه أو تقوم قرينة على إرادة الظهار،وإذا قال أمي امرأتي، أو أمي مثل امرأتي فإنه لم يكن مظاهراً لأن اللفظ لا يصلح للظهار على أي حال. وإذا قال علي الظهار، أو علي الحرام أو الحرام لازم لي. أو أنا عليك حرام، أو أنا عليك كظهر رجل، فإن كل هذا يصح أن يكون كناية في الظهار، فلا يلزم إلا بالنية. ويصح الظهار منجزاً ومعلقاً، كقوله: إن دخلت دار أبيك فأنت علي كظهر أمي، فمتى دخلت الدار صار مظاهراً، وكذا قال لها: أنت علي كظهر أمي إن شئت، أو شاء زيد فمتى شاء زيد صار مظاهراً، وكذا يصح مطلقاً وموقتاً، كأن يقول: أنت علي كظهر أمي شهراً، أو شهر رمضان، فإذا انقضى الوقت المحدد حلت له بدون كفارة. فإن وطئها في المدة لزمته الكفارة. وإذا قال إن شاء الله انحل الظهار لأنها يمين، كما تقدم في مباحث الأيمان، في الجزء الثاني) . |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [مباحث الظهار] صـــــ 444 الى صــــــــ 450 الحلقة (223) مبحث متى تجب كفارة الظهار -وقد عرفت أن للظهار حكمين: أخروي، وهو الاثم المستوجب لعقوبة الله، فتجب منه التوبة والعزم على عدم العود والله يقبل التائب ويغفر له ذنبه، ودنيوي، وهي الكفارة. وفي وقت وجوب الكفارة على المظاهر تفصيل المذاهب (1) . كيفية كفارة الظهار -كفارة الظهار ثلاثة أنواع مرتبة: أحدها عتق رقبة مؤمنة (2) ولا بد منها للقادر عليها. فمن لم يجد فكفارته صيام شهرين متتابعين بحيث يصوم ستين يوماً، أو يصوم شهرين بالهلال بدون أن يفطر يوماً واحداً، فمن عجز عن صيام شهرين متتابعين، فكفارته إطعام ستين مسكيناً، ويتحقق العجز عن الصيام بأمور مفصلة في المذاهب (3) . ولكل نوع من هذه الأنواع شروط مفصلة في المذاهب (4) . __________ (1) (الحنفية - قالوا: تجب عليه كفارة الظهار عند عزمه على استباحة وطئها عزماً مستمراً لا رجوع فيه، وذلك لأنه حرم وطأها عليه بالظهار منها، ولا تجب عليه الكفارة إلا بالعود إلى استباحة الوطء، كما قال تعالى: {ثم يعودون لما قالوا} ، أي يعودون لتحليل ما قالوا أي ما حرموه بقولهم أو يعودون لنقض ما قالوا، ومعنى يعودون على هذا يصيرون، لأن العود معناه الصيرورة ومنه قوله تعالى: {حتى عاد كالعرجون القديم} أي صار، ويصح أن يكون المراد يرجعون عما قالوا فتكون اللام بمعنى عن، والمعنى ثم يرجعون عن قولهم الأول، وعلى كل حال فرجوعهم عن قولهم أو عودتهم لتحليل ما ترتب عليه من تحريم زوجاتهم، أو عودتهم إلى نقضه فإنما يكون بالعزم على استباحة الوطء عزماً مستمراً، بحيث لو عزم ثم بدا له أن لا يطأ، لا تجب عليه الكفارة. فإن قلت: إذا ظاهر منها ثم تركها ولم يعزم على استباحة وطئها ولم يكفر حتى مضت مدة أربعة شهور فهل تبين منه بذلك كما لو آلى أن لا يقربها أربعة شهور. أو لا؟ والجواب: تبين، لأن الإيلاء لا يتحقق إلا باليمين، أو بالتعليق على أمر شاق على النفس، والظهار ليس بيمين، لأنه منكر من القول وزور. ولا تعليق فيه وقد يقال: إن الزوج قد يظاهر من امرأة لكراهته إياها، ثم يتركها كالمعلقة فلا يطؤها ولا يكفر فيكون ضرر الظهار أشد من ضرر عدم الوطء، والجواب: أن الحنفية لهم رأيان في مثل هذه الحالة، فمنهم من يقول: إن قواعد المذاهب وإن كانت تقضي بعدم إجباره على الوطء إلا في العمر مرة واحدة فلا يمكن إجبار المظاهر على التكفير ليرفع الضرر على امرأته بالوطء ولكن من حيث أن الظهار معصية حرمها الله تعالى وجعل لرفع هذه المعصية حداً في الدنيا فإنه يجب على القاضي إلزامه بالتكفير بالحبس أولاً فإن لم يفعل يضربه إلى أن يكفر أو يطلق ومنهم من يقول: إن الرجل مكلف بإعفاف المرأة ودرء الفساد عنها فإذا هجرها حتى طالبته بالوطء كان معنى ذلك توقانها، فليس من الدين أن يقال لها: متى جاءك مرة فقد سقط حقك، لأن في هذا تعريضاً لها للفساد، بل الواجب في هذه الحالة إرغامه على إتيانها أو تطليقها وهذا الرأي هو المعقول المناسب وربما يكون القول مبنياً على ما إذا لم يتعمد قصد الضرر والإيذاء، بأن عرض عليه مرض يمنعه من الوطء، أو كان الوطء يضر صحته فإنه في هذه الحالة لا يرغم على شيء، ويقال لها: متى أتاك مرة واحدة فقد سقط حقك، إذ لا يليق في هذه الحالة أن تخرج المرأة على زوجها وتطالبه وهو عاجز، فإذا استمر عجزه ورآها تواقة للرجال حرم عليه إمساكها، كما بيناه في مبحث الطلاق السني والبدعي. وإذا كان الظهار مؤقتاً بوقت فإنه يسقط بمضي الوقت، وإذا علق الظهار بمشيئة الله بطل أما إذا علقه بمشيئتها أو مشيئة زيد، فإنها إذا شاءته أو شاء فلان في مجلس كان ظهاراً، وإلا فلا يحرم عليه أن يطأها أو يستمتع بها بقبلة أو مباشرة قبل إخراج الكفارة، وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يخرج الكفارة، فإن وطئ قبل إخراج الكفارة فقد أثم، ولا تلزمه أخرى بالوطء وعليه أن يتوب ويستغفر من فعل هذه المعصية. وبهذا تعلم أنه لا فرق في عودة بين أن يكون من ظهار مطلق أو مؤقت بوقت، أو من مطلقة رجعية، لأنه متى عزم على وطئها بدون رجوع عن عزمه فقد وجبت عليه الكفارة فإذا طلقها طلاقاً بائناً قبل إخراج الكفارة ثم تزوجها وعزم على وطئها وجبت عليه الكفارة وكذا إذا طلقها ثلاثاً وتزوجت بغيره ثم رجعت له فإن الكفارة لا تسقط، وتجب عليه بمجرد عزمه على وطئها عزماً أكيداً. المالكية - قالوا: تجب الكفارة بالعود، ومعنى وجوب الكفارة صحة فعلها ومعنى العود العزم على الوطء، فإذا عزم على وطئها صح إخراج الكفارة، فلو أخرجها قبل العزم فلا تصح، وليس المراد بوجوبها عند العزم افتراضها عليه بحيث لا تسقط عنه أبداً لأنه إذا طلقها وفارقته سقطت الكفارة عنه، فإذا وطئها ولو ناسياً، تحتمت عليه الكفارة تحتماً لا يقبل السقوط، بحيث لو طلقها أو ماتت كان عليه أن يكفر لأنها بالوطء تصير حقاً لله تعالى. وهل يشترط في العود أن ينوي إمساكها مدة ولو أقل من سنة، أو يكفي مجرد العزم؟ في ذلك قولان مشهوران، ويترتب على القول الأخير عدم سقوط الكفارة بطلاقها، لأنه عزم على الوطء وعلى إمساكها مدة، فإذا طلقها قبل المدة لزمته كفارة ظهار، لأنه لا يشترط بقاء العصمة مع نية الإمساك مدة، أما على القول الأول فإنه إذا عزم على وطئها ثم طلقها سقطت الكفارة لأن الشرط في وجوبها بقاء العصمة، وإنما تسقط بالطلاق البائن لا الطلاق الرجعي فإذا أبانها سقطت الكفارة ما لم يتزوجها ثانياً،فإن تزوجها عاد الظهار، فلا يحل له أن يقربها حتى يخرج الكفارة، وتسقط بموتها أو موته، فلا يخرجها عنه وراثه. ويحرم عليه أن يطأها أو يستمتع منها بغير الوطء قبل أن يخرج الكفارة، ويجب عليها أن لا تمكنه من نفسها، وإن خافت أن يرغمها فلترفع أمره للحاكم ليحول بينه وبينها فإن أمنت منه جاز له أن ينظر إلى وجهها وكفيها، وأن يمكث معها في بيت واحد. الشافعية - قالوا: تجب الكفارة عند العود على الوطء على التراخي، ثم إن العود له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يعود من ظهار مؤقت بامرأة غير مطلقة رجعياً وفي هذه الحالة يتحقق العود بإمساكها بعد الظهار من غير تطليق، فإذا ظاهر من امرأة ثم أمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلقها فيها بدون مانع شرعي، فإن الكفارة تجب عليه، فإذا ظاهر منها وهي حائض ثم أمسكها ولم يطلقها فإنه لا يكون عائداً عن الظهار بذلك، لأن الحيض مانع من الطلاق شرعاً فإذا انقطع حيضها ومضى وقت بعد الانقطاع يمكنه أن يطلق فيه، ولم يطلق كان عائداً، ووجبت عليه الكفارة وهل سبب وجوب الكفارة العود أو سببها الظهار نفسه، ولكن العود شرط لتحقق الوجوب، أو وجبت بهما معاً؟ خلاف، والصحيح أنها وجبت بالظهار والعود معاً ككفارة اليمين، فإنها تجب باليمين والحنث، وعلى هذا إذا ظاهر، ثم أخرج الكفارة قبل العود فإنه يصح، لأن الظهار سبب أما إذا أخرج الكفارة قبل أن يظاهر، فإنها لا تجزئ لأنه أخرجها قبل سبب الوجوب، أما على القول بأنها وجبت بالظهار والعود سبب فإنه إذا أخرج الكفارة قبل العود فإنها لا تجزئه لأنه يكون قد أخرجها قبل السبب، أما على القول بأنها وجبت بالعود فقط فالأمر ظاهر، إذ لا يصح إخراجها قبله، ولا قبل الظهار، كما لا يخفى، وإذا ظاهر منها ثم طلقها عقب ظهاره مباشرة بأن قال: أنت علي كظهر أمي أنت طالق ووصل أنت طالق بصيغة الظهار فإن العود يبطل بذلك بشرط أن يكون الطلاق بائناً. والحاصل أنه متى مضى زمن عقب ظهار أن يقول لها فيه: أنت طالق ولم يقل، فإنه يكون عائداً، وتجب عليه الكفارة إن كانت حائضاً كما ذكرنا، فإذا قال لها: أنت طالق عقب الظهار مباشرة بطل العود وسقطت الكفارة. الحالة الثانية: أن يعود من ظهار مؤقت، كما إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي شهر رمضان فإنها تحرم عليه في هذا الشهر، وتحل له بدون كفارة بعد انقضائه، فإذا أراد أن يأتيها في ذلك الشهر، فإن عودته الموجبة للكفارة هي تغييب حشفته أو قدرها ممن ليست له حشفة في فرجها فإذا فعل ذلك وجبت عليه الكفارة كما تقدم، ولكن لا يحل له أن يستمر في وطئها، بل عليه أن يولج الحشفة فقط كي يجب عليه الكفارة ثم يخرج فوراً، فإن استمر الوطء كان آثماً. الحالة الثالثة: أن يعود من ظهار مطلقة طلاقاً رجعياً، فإذا قال لمطلقته طلاقاً رجعياً، أنت علي كظهر أمي فإنه يكون مظاهراً منها فإذا أراد أن يعود عن ظهاره، وجب عليه أن يراجعها باللفظ على الوجه المتقدم في المراجعة، ومتى راجعها فقد عاد من ظهاره، ووجبت عليه الكفارة. هذا ويحرم عليه أن يطأها قبل إخراج الكفارة، كما يحرم عليه أن يستمتع منها بما بين السرة والركبة فقط، أما ما عدا ذلك فيجوز لأن الظهار لا يحل بملك الزوجية، كالحيض، فيحرم ما حرمه الحيض، فلو اضطر للوطء دفعاً للزنا، بحيث لا يقدر على منع الزنا إلا إذا وطئ المظاهر منها، فإنه يحل له أن يطأها بالقدر الذي يدفع عن نفسه الزنا، كما يحل له ذلك في حالة الحيض، وهذه رخصة لا بأس بها. الحنابلة - قالوا: إن الكفارة لا تجب إلا بالوطء، ولكن يحرم الوطء قبل إخراجها فهي تؤدى قبل وجوبها، لأن إخراجها شرط في حل سبب الوجوب، وهو الوطء فيؤمر بها من أراد الوطء ليستحله بها، كما يؤمر بعقد النكاح من أراد الوطء فمعنى العود في الآية الوطء في الفرج خاصة، فهو السبب في وجوب الكفارة، ولكنه يحرم قبل إخراجها، ومعلوم أن إخراج الكفارة قبل وجوبها صحيح كإخراج كفارة اليمين قبل الحنث، فإذا مات أحدهما سقطت الكفارة لأنها لم تجب، وكذا إذا طلقها طلاقاً بائناً، ولكن إذا عادت إليه ثانياً رجعت الكفارة، بحيث لا يحل له وطؤها قبل إخراج الكفارة، حتى ولو تزوجت غيره، ثم رجعت إليه لا يحل له وطؤها والاستمتاع بأي جزء من أجزاء بدنها قبل إخراج الكفارة، فإذا وطئها استقرت عليه الكفارة فلا تسقط بالموت ولا بالطلاق، وتجزئه كفارة واحدة) . (2) (الحنفية - قالوا: لا يشترط في كفارة الظهار أن تكون الرقبة مؤمنة بل يجزي عتق الكافرة) . (3) ( الحنابلة - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بواحد من خمسة أمور: أحدها: أن يكون مريضاً ولو كان مرضه غير مستعص، ولو لم يستمر شهرين. ثانيها: أن يكون شيخاً كبيراً لا يقدر على الصيام. ثالثها: أن يخاف زيادة مرض قائم به أو يخاف طول مدته عليه. رابعها: أن يكون ذا شبق، أي توقان للجماع فلا يستطع الصبر عن جماع زوجته، وليس له زوجة غيرها يمكنه إتيانها. خامسها: أن يترتب على صيامه ضعف عن أداء عمله الذي يعيش منه، فإذا كان في حالة من هذه الأحوال وعاد عن ظهاره فإنه يجب عليه إطعام ستين مسكيناً. الشافعية - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بواحد من أربعة أمور: الأول: أن يطرأ عليه مرض يغلب على الظن أنه يستمر شهرين بإخبار طبيب، أو بحكم العادة، وأولى أن يكون المرض شديداً لا يرجى برؤه. الثاني: يخاف زيادة المرض بالصيام. الثالث: أن تلحقه مشقة شديدة بالصيام أو بمتابعة ستين يوماً، بحيث لا يحتمل ذلك عادة. الرابع: أن يكون عنده شبق، فلا يستطيع الصبر عن الجماع كل هذه المدة، فإذا وجد واحد من هذه الأمور انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً. الحنفية - قالوا: العجز عن الصوم لا يتحقق إلا إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، أو كان ممن لا يقدر على الصيام، فلو كفر المريض ثم برئ وجب عليه الصوم، وتسقط الكفارة بالموت، وبالطلاق البائن فقط إذا لم ترجع إليه. المالكية - قالوا: يتحقق العجز عن الصيام بالمرض الذي لا يقوى صاحبه بعده على الصوم بحيث لا ينتقل إلى الإطعام إلا إذا ظن أن مرضه لا يرجى برؤه ويئس من القدرة على الصيام في المستقبل وبعضهم يقول: إذا طال به المرض ولا يدري أيبرأ أم لا، ولعله يحتاج إلى امرأته فله أن يطعم ويصيب امرأته، ثم إن عوفي من مرضه أجزأه ذلك الإطعام، حتى ولو كان المرض من الأمراض التي يرجى برؤها) . (4) (الحنفية - قالوا: يشترط في الرقبة أن تكون كاملة الرق، وأن تكون في ملكه، وأن تكون مقرونة بنية الكفارة، وأن تكون سليمة من العيوب التي تعطل المنفعة كلها، كالصم التام والخرس لأن جنس المنفعة وهو السمع، والكلام معدوم، فإن كان يسمع قليلاً أو ينطق بتكلف فإنه يصح، لأن الشرط قيام جنس المنفعة، وعلى هذا القياس، مثلاً إذا كان أعور، فإن عوره لا يعيبه، بخلاف الأعمى، لأن منفعة البصر معدومة منه، وكذا إذا كان مقطوع إحدى اليدين أو الرجلين، وقوله: كاملة الرق، خرج به المكاتب، فإنه لا يصح إلا إذا عجز عن دين الكتابة، ولم يؤد شيئاً من دين الكتابة فإذا لم يجد رقبة فكفارته صيام شهرين متتابعين ليس فيهما شهر رمضان، ولا يوم الفطر ولا يوم النحر، ولا أيام التشريق بنية الكفارة، ولا يحل له أن يجامع زوجته التي ظاهر منها في أيام الصيام لا ليلاً ولا نهاراً، فإذا جامعها بالليل عامداً أو ناسياً فقد بطل صومه وعليه أن يستأنف مدة جديدة، كذا إذا جامعها بالنهار عامداً لا ناسياً، والفرق أن جماع الناسي في النهار لا يبطل صومه، فلا يقطع الكفارة، وقيل: الجماع في النهار كالجماع في الليل يقطع الكفارة، سواء كان عمداً أو نسياناً فإن كان متزوجاً غيرها وجامعها بالليل فإنه لا يضر، أما إذا جامعها وهو صائم فقد بطل صيامه واستأنف مدة جديدة، ولكن إذا جامعها بالنهار ناسياً فإنه لا يضر، وإذا أفطر لعذر من مرض أو سفر فقد بطل صيامه ولو صام، وجاء يوم الفطر أو النحر، أو أيام التشريق فإن صيامه يبطل وعليه أن يستأنف مدة جديدة، ويصح أن يصوم بالأهلة، ولو كان كل شهر تسعة وعشرين يوماً، فإن صام بالأيام لا بالأهلة حتى مضت تسعة وخمسون يوماً ثم أفطر يوماً واحداً فقط أبطل صومه، وعليه أن يصوم شهرين من أول الأمر، وإذا أكل ناسياً، وهو صائم، فإنه لا يضره، وإن صام شهرين إلا يوماً ثم قدر على العتق قبل غروب شمس اليوم الأخير فإن صيامه يكون باطلاً ويجب عليه العتق، أما إذا قدر على العتق بعد نهاية صوم الستين يوماًفإن الكفارة تتم بالصوم، ولا يجب عليه العتق وإذا عجز عن الصيام أطعم ستين مسكيناً لكل مسكين قدح وثلث من قمح ونحوه، على الوجه المتقدم في كفارة الإيمان في الجزء الثاني وإذا وطئها في خلال الإطعام فإنه لا يستأنف ما مضى منه، فإذا أطعم عشرين فقيراً أو مسكيناً، ثم جامع زوجته فإنه يأثم، ولكن لا يبطل إطعام عدد العشرين، بل يبقى عليه إطعام أربعين، ولا تسقط الكفارة بالعجز عن الإطعام. وحاصل المباحث المتعلقة بالكفارة أن لها ركناً، وشرط وجوب ووقت وجوب وشرط صحة ومصرفاً وصفة وحكماً. فأما ركنها الذي تتحقق به، فهو الفعل المخصوص من إعتاق أو صيام أو إطعام، كما بينا، وأما شرط وجوبها، فهو القدرة عليها، وأما وقت وجوبها فهو العزم على الوطء عزماً مستمراً. بحيث لو عزم ثم رجع فإنها لا تجب، وأما شرط صحتها فهو النية المقارنة لفعلها، فلو أخرج الكفارة بدون نية ثم نوى، فإنها لا تجزئه، وأما مصرفها إن كانت إطعاماً، فهو مصرف الزكاة، ولكن يصح صرفها للذمي دون الحربي، وأما صفتها، فهي عقوبة من حيث وجوبها على الشخص، وهي عبادة حال أدائها، لأن فيها امتثال أمر الشارع، وأما حكمها فهو سقوط الواجب عن الذمة، وحصول الثواب المقتضي لتكفير الخطايا، وهل هي واجبة على التراخي، أو على الفور؟ رأيان، وقد تقدم أنه يجبر على التكفير كي لا تتضرر المرأة بالهجران، فالصحيح أنها واجبة على الفور. الشافعية - قالوا: يشترط في جميع الأنواع نية الكفارة، سواء كانت عتقاً، أو صياماً، أو إطعام، ولكن يجب اقتران النية بنوع من هذه الأنواع فلو نوى أن يعتق هذا العبد كفارة عن الظهار ثم مضى زمن طويل، وأعتقه بدون أن ينوي فإنه يصح، وقيل: بل يجب اقترانها بالفعل، إلا في الصوم، فإنه ينوي بالليل، ويلزم تعيين الظهار، فإذا كان عليه كفارة صيام وكفارة ظهار، وأخرج الكفارة ولم يعين عن إحداهما، فإنها تصح عن إحداهما ولا يطالب بكفارة واحدة، فإن عين وأخطأ، بأن قال: نويت كفارة الصيام وعليه كفارة الظهار فإنها لا تصح، ويشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة، وأن تكون سليمة من العيوب المخلة بالعمل إخلالاً بيناً، فيجزئ عتق الصغير والكبير، والأقرع، والأعور، والأصم والأخرس الذي يفهم بالإشارة، لأنه يمكنه أن يعمل في الحياة، وإنما يجب الإعتاق إذا كان يملك رقبة، أو يملك ثمنها زائداً على كفايته هو ومن يعول من نفقة وكسوة مدة عمره الغالب عادة، وقيل بل يملك نفقته ونفقة من يعوله سنة، بحيث لا يترتب على شراء الرقبة ضرر يلحقه أو يلحق من يعول، وإن فاته بعض رفاهية، ومن ملك رقيقاً لا يستغني عن خدمته لمرض أو كبر أو نحو ذلك فلا يجب عليه عتقه، ولا يلزمه أن يبيع عقاره أو رأس مال تجارته أو ماشيته المحتاج إليها ليشتري عبداً يعتقه، فإن عجز عن الإعتاق انتقل إلى الصيام، ويعتبر العجز وقت أداء الكفارة لا وقت الوجوب، لأن وقت وجوبها هو عقب الظهار مباشرة، أما وقت أدائها فليس فوراً، ولكن يحرم تأخيرها والصيام شهران متتابعان، ولكن لا يلزمه أن ينوي التتابع، بل يكفيه نية الكفارة، وينقطع التتابع بإفطار يوم ولو لعذر لمرض أو سفر، ولو كان اليوم الأخير من الستين، ولا ينقطع بإغمائه طول اليوم، فإن عجز عن الصيام على الوجه المتقدم انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً بالشروط الموضحة في الجزء الثاني، فإن عجز عن إطعام ستين مسكيناً، فإن الكفارة تبقى ديناً في ذمته، بحيث يخرجها متى ملك، فإذا ملك جزءاً منها أخرجه، ولا تتجزأ الكفارة في الصيام والعتق حالة عجزه عن الإطعام يجوز له وطؤها، وإن لم يشق عليه الترك، وإذا شرع في الإطعام، ثم قدر على الصيام والعتق، فإنه لا يجب عليه الانتقال إلى الصوم والعتق. المالكية - قالوا: يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة وأن لا تكون جنيناً، وأن تكون سليمة من العيوب، فلا يجزئ الأعمى، والأبكم، والمريض في حال النزع، ويجزئ الأعور والمغصوب والمرهون إن دفع دينه، أما المريض مرضاً خفيفاً، والمعيب عيباً خفيفاً، كالعرج الخفيف فإنه لا يضر، فإن لم يكن عنده رقبة وكان معسراً لا يستطيع شراءها، أو كان يملك رقبة محتاجاً إليها ولا يملك غيرها فإن كفارته تكون بالصيام، فعليه أن يصوم شهرين متتابعين بالهلال بحيث ينوي الصوم كفارة عن الظهار وينوي التتابع أيضاً، وتكفي نية واحدة في أول يوم من الشهر، فإن صام في أثناء الشهر وجب عليه أن يتمه ثلاثين يوماً، وإذا صام ثلاثة أيام وفي أثناء الرابع قدر على شراء رقبة، فإنه يجب عليه أن يتمادى على الصوم، ولا يرجع إلى العتق إلا إذا فسد صومه بمفسد آخر، فإنه يتعين عليه الرجوع إلى العتق، أما إذا قدر على العتق فيما دون اليوم الرابع، فإن كان في اليوم الأول وقبل الشروع في الثاني وجب العتق مع وجوب إتمام صوم اليوم، وإلا ندب. ويقطع تتابع الصيام وطء المرأة المظاهر منها حال الكفارة، ولو في آخر يوم منه، ويستأنف مدة من جديد، لا فرق بين أن يكون الوطء عمداً أو نسياناً، ليلاً أو نهاراً، أما إذا وطئ امرأة غير مظاهر منها ليلاً فإنه لا يضر. وإذا وطئها نهاراً عمداً فإنه يقطع التتابع، أما إذا وطئها ناسياً، فإنه لا يقطع على المشهور، وينقطع التتابع بالفطر بسبب السفر، وبالمرض الذي ينشأ من السفر حقيقة أو توهماً، أما إذا مرض مرضاً لا علاقة له بالسفر وأفطر فإن فطره لا يقطع التتابع. وكذا لو مرض وهو مقيم فأفطر فإن الفطر لا يقطع ويقضيه متصلاً بصيامه. ولا يقطع التتابع فطر يوم العيد بشرط أن يصوم وهو يجهل أن صيامه يتخلله صيام يوم العيد. أما إن كان يعلم وصام، ثم جاء يوم العيد، فإن تتابعه ينقطع، ولو كان يجهل حرمة صيام يوم العيد. ومثل ذلك ما إذا جهل رمضان. فإذا عجز عن الصيام على الوجه المتقدم انتقل إلى الإطعام بالشروط المتقدمة في صحيفة 81 في الجزء الثاني طبعة ثالثة، ولا تسقط الكفارة إلا بالموت أو الطلاق البائن. وإن عجز عن الإطعام. الحنابلة - قالوا: لا تلزم الرقبة إلا لم ملكها أو أمكنه ملكها بثمن مثلها، أو مع زيادة لا تجحف بحاله، ولو كان يملك مالاً غائباً عنه فإنه يجب عليه بشرط أن يكون الثمن زائداً على حاجته وحاجة من يعول من زوجة وأولاد وخادم وقريب، من نفقة ومسكن وخادم ومركوب وملبس يليق به وكتب علم ووفاء دين وغير ذلك. ويشترط أن تكون الرقبة مؤمنة. وأن تكون سليمة من عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً، كالعمى، والشلل وأن لا تكون مريضة مرضاً ميئوساً من شفائه، فإن لم يجد الرقبة وجب عليه صيام شهرين متتابعين ولا يقطع التتابع صيام رمضان ولا فطر يوم العيد، أو أيام التشريق. أو الجنون، أو المرض المخوف، أو الإغماء أو الفطر ناسياً أو مكرهاً، أو لعذر مبيح الفطر، كسفر ونحوه، وإذا جامع المظاهر منها ليلاً أو نهاراً، عامداً أو ناسياً انقطع التتابع، أما إذا جامع غيرها ليلاً أو نهاراً ناسياً فإن التتابع لا ينقطع، فإذا عجز عن الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكيناً على الوجه السابق في الجزء الثاني، ولا يضره أن يطأ امرأته المظاهر منها في أثناء الإطعام) . |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الرابع [مباحث العدة] |