ابوالوليد المسلم |
12-08-2022 06:16 PM |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(209)
الحلقة (223)
صــ 262إلى صــ 268
فإن قال قائل : وكيف تكون على الذي يموت كافرا بمحمد صلى الله عليه وسلم [ لعنة الناس أجمعين ] من أصناف الأمم ، وأكثرهم ممن لا يؤمن به ويصدقه ؟ [ ص: 262 ]
قيل : إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : عنى الله بقوله : "والناس أجمعين " ، أهل الإيمان به وبرسوله خاصة ، دون سائر البشر .
ذكر من قال ذلك :
2392 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "والناس أجمعين " ، يعني : ب "الناس أجمعين " ، المؤمنين .
2393 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "والناس أجمعين " ، يعني ب "الناس أجمعين " ، المؤمنين .
وقال آخرون : بل ذلك يوم القيامة ، يوقف على رءوس الأشهاد الكافر فيلعنه الناس كلهم .
ذكر من قال ذلك :
2394 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : أن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون .
وقال آخرون : بل ذلك قول القائل كائنا من كان : "لعن الله الظالم " ، فيلحق ذلك كل كافر ، لأنه من الظلمة .
ذكر من قال ذلك :
2395 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ، فإنه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما : "لعن الله الظالم " ، إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر ، لأنه ظالم ، فكل أحد من الخلق يلعنه . [ ص: 263 ]
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا قول من قال : عنى الله بذلك جميع الناس ، بمعنى لعنهم إياهم بقولهم : "لعن الله الظالم - أو الظالمين " .
فإن كل أحد من بني آدم لا يمتنع من قيل ذلك كائنا من كان ، ومن أي أهل ملة كان ، فيدخل بذلك في لعنته كل كافر كائنا من كان . وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية . لأن الله تعالى ذكره أخبر عمن شهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم فقال : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) [ هود : 18 ]
وأما ما قاله قتادة ، من أنه عنى به بعض الناس ، فقول ظاهر التنزيل بخلافه ، ولا برهان على حقيقته من خبر ولا نظر . فإن كان ظن أن المعني به المؤمنون ، من أجل أن الكفار لا يلعنون أنفسهم ولا أولياءهم ، فإن الله تعالى ذكره قد أخبر أنهم يلعنونهم في الآخرة . ومعلوم منهم أنهم يلعنون الظلمة ، وداخل في الظلمة كل كافر ، بظلمه نفسه ، وجحوده نعمة ربه ، ومخالفته أمره .
القول في تأويل قوله تعالى ( خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ( 162 ) )
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : ما الذي نصب "خالدين فيها " ؟
قيل : نصب على الحال من "الهاء والميم " اللتين في "عليهم " . وذلك أن معنى قوله : "أولئك عليهم لعنة الله " ، أولئك يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعون خالدين فيها . ولذلك قرأ ذلك : "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون " [ ص: 264 ] من قرأه كذلك ، توجيها منه إلى المعنى الذي وصفت . وذلك وإن كان جائزا في العربية ، فغير جائزة القراءة به ، لأنه خلاف لمصاحف المسلمين ، وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضا فيهم . فغير جائز الاعتراض بالشاذ من القول ، على ما قد ثبتت حجته بالنقل المستفيض .
وأما "الهاء والألف " اللتان في قوله : "فيها " ، فإنهما عائدتان على "اللعنة " ، والمراد بالكلام : ما صار إليه الكافر باللعنة من الله ومن ملائكته ومن الناس . والذي صار إليه بها ، نار جهنم . وأجرى الكلام على "اللعنة " ، والمراد بها ما صار إليه الكافر ، كما قد بينا من نظائر ذلك فيما مضى قبل ، كما : -
2396 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : "خالدين فيها " ، يقول : خالدين في جهنم ، في اللعنة .
وأما قوله : "لا يخفف عنهم العذاب " ، فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن دوام العذاب أبدا من غير توقيت ولا تخفيف ، كما قال تعالى ذكره : ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) [ سورة فاطر : 36 ] ، وكما قال : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) [ سورة النساء : 56 ]
وأما قوله : "ولا هم ينظرون " ، فإنه يعني : ولا هم ينظرون بمعذرة يعتذرون ، كما : -
2397 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : "ولا هم ينظرون " ، يقول : لا ينظرون فيعتذرون ، [ ص: 265 ] كقوله : ( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) . [ سورة المرسلات : 35 - 36
القول في تأويل قوله عز وجل ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ( 163 ) )
قال أبو جعفر : قد بينا فيما مضى معنى "الألوهية " ، وأنها اعتباد الخلق .
فمعنى قوله : "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " : والذي يستحق عليكم أيها الناس الطاعة له ، ويستوجب منكم العبادة ، معبود واحد ورب واحد ، فلا تعبدوا غيره ، ولا تشركوا معه سواه ، فإن من تشركونه معه في عبادتكم إياه ، هو خلق من خلق إلهكم مثلكم ، وإلهكم إله واحد ، لا مثل له ولا نظير .
واختلف في معنى وحدانيته تعالى ذكره ،
فقال بعضهم : معنى وحدانية الله ، معنى نفي الأشباه والأمثال عنه ، كما يقال : "فلان واحد الناس - وهو واحد قومه " ، يعني بذلك أنه ليس له في الناس مثل ، ولا له في قومه شبيه ولا نظير . فكذلك معنى قول : "الله واحد " ، يعني به : الله لا مثل له ولا نظير .
فزعموا أن الذي دلهم على صحة تأويلهم ذلك ، أن قول القائل : "واحد " يفهم لمعان أربعة . أحدها : أن يكون "واحدا " من جنس ، كالإنسان "الواحد " من الإنس . والآخر : أن يكون غير متفرق ، كالجزء الذي لا ينقسم . والثالث : [ ص: 266 ] أن يكون معنيا به : المثل والاتفاق ، كقول القائل : "هذان الشيئان واحد " ، يراد بذلك : أنهما متشابهان ، حتى صارا لاشتباههما في المعاني كالشيء الواحد .
والرابع : أن يكون مرادا به نفي النظير عنه والشبيه .
قالوا : فلما كانت المعاني الثلاثة من معاني "الواحد " منتفية عنه ، صح المعنى الرابع الذي وصفناه .
وقال آخرون : معنى "وحدانيته " تعالى ذكره ، معنى انفراده من الأشياء ، وانفراد الأشياء منه . قالوا : وإنما كان منفردا وحده ، لأنه غير داخل في شيء ولا داخل فيه شيء . قالوا : ولا صحة لقول القائل : "واحد " ، من جميع الأشياء إلا ذلك . وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعة التي قالها الآخرون .
وأما قوله : "لا إله إلا هو " ، فإنه خبر منه تعالى ذكره أنه لا رب للعالمين غيره ، ولا يستوجب على العباد العبادة سواه ، وأن كل ما سواه فهم خلقه ، والواجب على جميعهم طاعته والانقياد لأمره ، وترك عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة ، وهجر الأوثان والأصنام . لأن جميع ذلك خلقه ، وعلى جميعهم الدينونة له بالوحدانية والألوهة ، ولا تنبغي الألوهة إلا له ، إذ كان ما بهم من نعمة في الدنيا فمنه ، دون ما يعبدونه من الأوثان ويشركون معه من الأشراك ؛ وما يصيرون إليه من نعمة في الآخرة فمنه ، وأن ما أشركوا معه من الأشراك لا يضر ولا ينفع في عاجل ولا في آجل ، ولا في دنيا ولا في آخرة .
وهذا تنبيه من الله تعالى ذكره أهل الشرك به على ضلالهم ، ودعاء منه لهم إلى الأوبة من كفرهم ، والإنابة من شركهم . [ ص: 267 ]
ثم عرفهم تعالى ذكره بالآية التي تتلوها ، موضع استدلال ذوي الألباب منهم على حقيقة ما نبههم عليه من توحيده وحججه الواضحة القاطعة عذرهم ، فقال تعالى ذكره : أيها المشركون ، إن جهلتم أو شككتم في حقيقة ما أخبرتكم من الخبر : من أن إلهكم إله واحد ، دون ما تدعون ألوهيته من الأنداد والأوثان ، فتدبروا حججي وفكروا فيها ، فإن من حججي خلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزلت من السماء من ماء فأحييت به الأرض بعد موتها ، وما بثثت فيها من كل دابة ، والسحاب الذي سخرته بين السماء والأرض . فإن كان ما تعبدونه من الأوثان والآلهة والأنداد وسائر ما تشركون به ، إذا اجتمع جميعه فتظاهر أو انفرد بعضه دون بعض ، يقدر على أن يخلق نظير شيء من خلقي الذي سميت لكم ، فلكم بعبادتكم ما تعبدون من دوني حينئذ عذر ، وإلا فلا عذر لكم في اتخاذ إله سواي ، ولا إله لكم ولما تعبدون غيري . فليتدبر أولو الألباب إيجاز الله احتجاجه على جميع أهل الكفر به والملحدين في توحيده ، في هذه الآية وفي التي بعدها ، بأوجز كلام ، وأبلغ حجة وألطف معنى يشرف بهم على معرفة فضل حكمة الله وبيانه .
القول في المعنى الذي من أجله أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم قوله : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . [ ص: 268 ]
فقال بعضهم : أنزلها عليه احتجاجا له على أهل الشرك به من عبدة الأوثان . وذلك أن الله تعالى ذكره لما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " فتلا ذلك على أصحابه ، وسمع به المشركون من عبدة الأوثان ، قال المشركون : وما الحجة والبرهان على أن ذلك كذلك ؟ ونحن ننكر ذلك ، ونحن نزعم أن لنا آلهة كثيرة ؟ فأنزل الله عند ذلك : "إن في خلق السماوات والأرض " ، احتجاجا لنبيه صلى الله عليه وسلم على الذين قالوا ما ذكرنا عنهم .
ذكر من قال ذلك :
2398 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، قال : نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة : " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " ، فقال كفار قريش بمكة : كيف يسع الناس إله واحد ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار " ، إلى قوله : "لآيات لقوم يعقلون " ، فبهذا تعلمون أنه إله واحد ، وأنه إله كل شيء ، وخالق كل شيء .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ، من أجل أن أهل الشرك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ آية ] ، فأنزل الله هذه الآية ، يعلمهم فيها أن لهم في خلق السماوات والأرض وسائر ما ذكر مع ذلك ، آية بينة على وحدانية الله ، وأنه لا شريك له في ملكه ، لمن عقل وتدبر ذلك بفهم صحيح .
ذكر من قال ذلك :
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
|