ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 09:59 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الافتتاح)
(166)

- (باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة) إلى (باب النهي عن التخصر في الصلاة)

بينت لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم صفة وضع اليدين في الصلاة عند القيام، وهي وضع اليد اليمنى على الكف والرسغ والساعد من اليد اليسرى، وللإمام الأعظم إذا رأى رجلاً على خلاف ذلك أن يعلّمه.
وضع اليمين على الشمال في الصلاة

شرح حديث وائل بن حجر: (رأيت رسول الله إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وضع اليمين على الشمال في الصلاة.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن موسى بن عمير العنبري وقيس بن سليم العنبري، قالا: حدثنا علقمة بن وائل عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله)]. يقول النسائي رحمه الله: وضع اليمين على الشمال في الصلاة، أي: أن هذا من سنن الصلاة التي يفعلها الإنسان في صلاته عندما يكون قائماً، فإنه يضع يده اليمنى على يده اليسرى، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد فيه النسائي حديث وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال)، فدل هذا على أن السنة وضع اليد اليمنى على اليسرى، وأن إرسال اليدين من دون قبض خلاف السنة، بل يقبض على اليسرى باليمنى، وتوضع اليمنى على اليسرى، وهذا فيما يتعلق بما كان قبل الركوع، وما بعد الركوع أيضاً يدل عليه هذا الحديث؛ لأن عموم قوله في الحديث: (أنه إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال)، يشمل ما كان قبل الركوع وما كان بعد الركوع، يعني: هذا لفظ يشمله؛ لأنه يطلق عليه أنه قائم، ومن المعلوم أن أحوال المصلي أربعة لا خامس لها: إما قيام، وهو قبل الركوع وبعده، وإما ركوع، وإما سجود، وإما جلوس بين السجدتين أو في التشهد، فهذه أحوال المصلي الأربعة التي لا خامس لها. وقوله: إذا كان قائماً في الصلاة، يشمل بلفظه ما قبل الركوع وما بعد الركوع، ومما يؤيد هذا ويدل عليه أن جميع أفعال الصلاة وجميع أحوال الصلاة الأيدي قد جعل لها عمل، ففي حال الركوع توضع على الركبتين، وفي حال السجود توضع على الأرض عند الأذنين، وبين الجلستين وفي التشهد الأول توضع اليسرى على الركبة وعلى الفخذ، واليمنى كذلك على الفخذ اليمنى عند الركبة، ويقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى، فجميع أحوال الصلاة ما فيها ترك شيء بدون تعيين عمل يكون للأيدي، بل جميع الأحوال قد جاءت السنة بها، ومن المعلوم أن هذه الحال التي هي بعد الركوع المعول فيها على وضع اليمنى على اليسرى على حديث وائل بن حجر: أنه إذا كان قائماً في الصلاة، وضع اليمين على الشمال، فكلمة (قائماً) تشمل ما قبل الركوع وما بعده، والذين ذهبوا إلى أنها لا توضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع، قالوا: إن الأحاديث المفصلة لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم والمبينة لجميع أفعالها ما نصت على وضع اليدين أو على حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الركوع، فليس فيها: بعد الركوع يكون كذا وكذا، ما جاء فيها شيء، لكن هذا اللفظ الذي ورد في هذا الحديث لفظ يشمل أحوال القيام، والقيام هو إما قبل الركوع وإما بعد الركوع، وكلام وائل بن حجر أنه إذا كان قائماً في الصلاة وضع اليمين على الشمال، يدل بعمومه على الحالتين: ما كان قبل الركوع، وما كان بعد الركوع. ثم أنه ستأتي في حديث وائل بن حجر كيفية الوضع؛ لأن اليد اليمنى توضع على الكف، والرسغ، والساعد، بمعنى أن الأشياء الثلاثة من اليد اليسرى تأتي عليها اليد اليمنى التي هي الساعد والرسغ والكف، والرسغ هو: المفصل الذي بين الساعد والكف، فتفصيل ذلك وتبيين كيفية الوضع بينها حديث وائل بن حجر الذي سيأتي، وهذا الحديث فيه وضع اليد اليمنى على اليسرى، لكن ليس فيه تفصيل هذا الوضع؛ لأن قوله: وضع اليمنى على اليسرى، يحتمل أن يكون اليمنى كلها على الساعد، ويحتمل أن تكون على الكف، لكن جاء حديثه الآخر فبين أنه يكون على الثلاثة: على الساعد، وعلى الرسغ، وعلى الكف.
تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر: (رأيت رسول الله إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله)
قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[عن عبد الله بن المبارك المروزي].وهو إمام، محدث، عابد، جواد، مجاهد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن عدد جملةً من صفاته الحميدة في التقريب، قال: جمعت فيه خصال الخير. وحديث عبد الله بن المبارك أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن موسى بن عمير].وهو موسى بن عمير العنبري التميمي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[قيس بن سليم]. قيس بن سليم يروي عنه عبد الله بن المبارك ، وهو قيس بن سليم العنبري، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في جزء رفع اليدين، ومسلم، والنسائي.[حدثنا علقمة بن وائل].علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي، وهو صدوق خرج حديثه البخاري في جزء رفع اليدين، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه].وائل بن حجر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحضرمي، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وذكروا في ترجمة علقمة بن وائل: أنه لم يسمع من أبيه، ونقل هذا عن يحيى بن معين، والذي فيه الكلام الكثير حول عدم سماعه من أبيه هو عبد الجبار الذي سبق أن مر ذكره في بعض الأحاديث الماضية، وأما علقمة بن وائل، فجاء عن ابن معين أنه قال: إن حديثه مرسل، لكن صحح بعض العلماء سماعه، وأثبت سماعه من أبيه، وقد ذكر ذلك الصنعاني في سبل السلام عند شرح حديث زيادة: (وبركاته) في السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في الخروج من الصلاة؛ لأنها جاءت من طريق علقمة بن وائل عن أبيه، وقال الحافظ عنها: إسناده صحيح، يعني: في البلوغ، وقال الصنعاني: إن سماعه ثابت من أبيه، وإنما الكلام في عبد الجبار، هذا هو الذي الكلام كثير في عدم سماعه من أبيه، لكن مع هذا فإن هذا الحديث الذي جاء في هذا الإسناد قد جاء من طريق أخرى ليس من طريق علقمة، وإنما من طريق شخص آخر ليس من أبنائه، وفيه وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، يعني بعدما يكبر يضع اليمنى على اليسرى على الرسغ والكف والساعد، فهو يعتبر شاهداً أو يعتبر متابعاً لما جاء في حديث وائل بن حجر هذا الذي من رواية علقمة بن وائل عن أبيه.
في الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه

شرح حديث ابن مسعود في الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [في الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه.أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا هشيم عن الحجاج بن أبي زينب سمعت أبا عثمان يحدث عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضعت شمالي على يميني في الصلاة، فأخذ بيميني، فوضعها على شمالي) ].أورد النسائي ما على الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه في الصلاة، أي: عكس ما هو مشروع، فأورد فيه حديث ابن مسعود: أنه رآه النبي عليه الصلاة والسلام، وهو في الصلاة قد وضع شماله على يمينه، فجاء إليه وهو يصلي وأطلق يديه وجعل اليمنى على اليسرى بدل أن تكون اليسرى على اليمنى، وهو في صلاته، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مصلياً في تلك الحال؛ لأنه جاء في سنن ابن ماجه: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي قد وضعت شمالي على يميني، فأخذ يميني وجعلها على شمالي)، وهنا قال في الترجمة: الإمام الذي هو: الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو إمام المسلمين عليه الصلاة والسلام، فأطلق يديه، ووضع اليمنى على اليسرى، يعني عكس ما هو موجود، وهذا فيه الدليل على جواز مثل ذلك فيما إذا كان الأمر واضحاً جلياً، أما إذا كانت القضية فيها خلاف، وفيها أن الإنسان يخفى عليه بعض الأحكام، فلا يقدم على فعل مثل هذا العمل، والنسائي رحمه الله ما أطلق الترجمة فقال: الرجل يرى، وإنما قال: الإمام يرى الرجل قد وضع شماله على يمينه، ولم يقل: الرجل يرى، يعني حتى يكون يعني ذلك عاماً شاملاً، لكن لو وجد الإنسان ولده وضع شماله على يمينه، ويعرف أنه جاهل، فإنه يفعل هذا الفعل بأن يطلق اليسرى ويجعل اليمنى هي العليا والشمال تحتها، عكس ما فعل ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، لكن هذا لا يسوغ لأي إنسان يرى إنساناً يعمل عملاً في الصلاة، والمسألة خلافية، فيأتي ويتصرف التصرف الذي يمنعه، بل يرشده إلى ما هو الأولى، اللهم إذا كان الأمر واضحاً، وهذا الشخص جاهل ليس على علم، أما إن فعله عمداً، وكان متبعاً في ذلك لقول من الأقوال، فمثل هذا لا ينفع فيه التغيير؛ لأنه لو أخرها سيرجعها كما كانت، أو لا يمكن أنه يسيء إليه، يعني هذا المصلي.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في الإمام إذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه
قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو الفلاس، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عبد الرحمن].وهو ابن مهدي، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حدثنا هشيم].وهو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وقد مر بنا بيان الفرق بين التدليس والإرسال الخفي، وأن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، فأما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي؛ لأنه لا يتنبه إلى الإرسال، أما إذا كان الراوي يروي عن شخص لم يدرك عصره يروي عنه بعن أو قال فإن هذا مرسل واضح جلي، أما إذا كان معاصراً له ولكنه لم يلقه، وروى عنه، فيكون من قبيل المرسل الخفي، إذاً هناك تدليس، وهناك إرسال خفي، فالتدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أي: اعتبر لقيه، وأخذ عنه، فيروي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، أما إذا عاصره ولم يعرف أنه لقيه، فهذا هو الذي يقال له: المرسل الخفي؛ لأنه ليس كل يعرف هذا، بخلاف المرسل الجلي الواضح الذي يكون فيه الراوي لم يدرك عصر من روى عنه، فـهشيم معروف بالتدليس، وبالإرسال الخفي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن الحجاج بن أبي زينب].وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [قال: سمعت أبا عثمان].أبو عثمان النهدي، واسمه: عبد الرحمن بن مل، أو مَل، أو مُل، مثلث الميم، وفيها الرفع، مُل، والفتح مَل، والكسر مِل، كلها يقال فيه هذا الاسم الذي هو اسم أبيه، وهو ثقة، ثبت، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن مسعود].عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الفقهاء المشهورين في الصحابة رضي الله تعالى عنه، وليس هو من العبادلة الأربعة المشهورين في الصحابة؛ لأنه متقدم الوفاة، والعبادلة الأربعة متقاربون في الوفاة، وهم من الصغار، وأما هو فليس من صغار الصحابة، وهو متقدم الوفاة عن العبادلة الأربعة، الذي هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، فهؤلاء هم العبادلة الأربعة، وابن مسعود ليس منهم، وإن كان قال بعض العلماء: إنه منهم، إلا أن المشهور أنهم كلهم من الصغار الذين تأخرت وفاتهم وأدركهم الكثير من التابعين الذين لم يدركوا زمن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

يتبع

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 09:59 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
موضع اليمين من الشمال في الصلاة

شرح حديث وائل بن حجر في موضع اليمين من الشمال في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن زائدة حدثنا عاصم بن كليب حدثني أبي: أن وائل بن حجر رضي الله عنه أخبره أنه قال: (قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فنظرت إليه فقام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه، ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد، فلما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، قال: ووضع يديه على ركبتيه، ثم لما رفع رأسه رفع يديه مثلها، ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه، ثم قعد وافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلق حلقة، ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: موضع اليمين من الشمال في الصلاة، أي الموضع الذي توضع فيه اليمين على الشمال في الصلاة؛ لأنه لو جاء غير مفصل، لاحتمل أن يضعها على الساعد كلها، ويحتمل أن تكون كلها على الكف، لكن حديث وائل بن حجر هذا بين أنها تكون على الثلاثة التي هي الساعد والرسغ الذي هو المفصل الذي بين الكف والساعد والكف، فتكون على الثلاثة، هذا هو موضعها كما جاء في حديث وائل بن حجر هذا الذي يصف به صفة صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذاً ليس من السنة أن الإنسان يضعها كلها على ساعده أو على مرفقه أو يجعلها على كفه، وإنما يجعل اليمنى على الثلاثة: على الساعد، وعلى الرسغ الذي هو المفصل كما جاء في الحديث: (كان كم رسول الله إلى الرسغ)، أي: هذا المفصل الذي بين الساعد والكف، وعلى الكف، فهذه الثلاثة هي التي تكون عليها اليد اليمنى كما جاء مبيناً في هذا الحديث.إذاً الترجمة معقودة لبيان الموضع، والموضع هو: أن اليمنى توضع على الساعد والرسغ والكف. وائل بن حجر رضي الله عنه قال: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، أي: ينظر إليه حتى يعرف أفعاله عليه الصلاة والسلام، فنظر إليه فرآه حين كبر رفع يديه حتى حاذتا الأذنين، يعني في الرفع عند تكبيرة الإحرام، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى على الرسغ والساعد والكف.(ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد، فلما أراد أن يركع رفع يديه مثلها).أي: مثل الرفع الأول عند تكبيرة الإحرام، أي: أنه يرفع إلى أن يحاذي الأذنين.(ووضع يديه على ركبته).ثم لما ركع وضع يديه على ركبتيه، أي: كل يد وضعت على ركبة في حال الركوع.(ثم لما رفع رأسه رفع يديه مثلها).يعني: مثل الرفع الأول، أي: ثلاثة مواضع ترفع فيها الأيدي، وهذا جاء في حديث وائل، وجاء في حديث ابن عمر الذي سبق أن مر أنها ترفع في المواضع الثلاثة، وأيضاً الرفع مثل الرفع في الموضعين الأولين حتى يحاذي الأذنين.(ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه).أي: وضعهما على الأرض بحذاء الأذنين.(ثم قعد وافترش رجله اليسرى).أي: جلس على اليسرى وجعل اليمنى منتصبة أطرافها إلى القبلة، وأما اليسرى فافترشها ولم يتورك، وإنما جلس عليها، بخلاف التورك، فإن التورك يكون الورك على الأرض وما يكون على الرجل، والرجل تخرج من تحت القدم اليمنى في حال التورك، لكن في حالة الجلوس بين السجدتين السنة هي الافتراش، وهي الجلوس على الرجل اليسرى.(ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى).أي: في حال الجلوس بين السجدتين، جعل الكف على الركبة وعلى الفخذ جميعاً.(وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض اثنتين من أصابعه). وهما: الخنصر والبنصر.(وحلق).أي: وحلق الوسطى مع الإبهام، وجعلها حلقة، وجعل يشير بإصبعه يدعو بها يحركها، فهذه الهيئة تقبض الركبة مع الفخذ، وتلك توضع على الفخذ مع رفع المرفقين عن الفخذين.وهذا الحديث مشتمل على كيفية صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتفصيل في كثير من المواضع: في حال التكبير رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع، والرفع منه، وكذلك وضع اليمنى على اليسرى، وكذلك وضع اليدين على الركبتين في الركوع، ووضع اليدين حيال الأذنين عند السجود، وافتراش الرجل اليسرى عند الجلوس، ووضع اليد اليسرى في حال الجلوس بين السجدتين على الركبة والفخذ، واليمنى تحلق الإبهام مع الوسطى مع قبض الخنصر والبنصر، والإشارة بالسبابة يحركها يدعو بها.
تراجم رجال إسناد حديث وائل بن حجر في موضع اليمين من الشمال في الصلاة
قوله: [أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك].وقد مر ذكرهما قريباً.[عن زائدة].وهو ابن قدامة الثقفي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عاصم بن كليب].وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[يروي عن أبيه].أبوه عاصم بن شهاب، وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن الأربعة.[عن وائل بن حجر]. وائل بن حجر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره قبل هذا.
النهي عن التخصر في الصلاة

شرح حديث: (أن النبي نهى أن يصلي الرجل مختصراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن التخصر في الصلاة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن هشام (ح) وأخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك واللفظ له عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصراً)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب النهي عن التخصر في الصلاة، والتخصر هو: وضع اليد على الخاصرة، أي يجعل يده على خاصرته، فبدلاً من أن يجعل اليمنى على اليسرى يجعل اليد على الخاصرة، فهذا هو المراد بالتخصر في الصلاة الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصلي الرجل مختصراً، أي: واضعاً يده على خاصرته، أي: حال كونه مختصراً، بل السنة أن يضع اليمنى على اليسرى على صدره، هذه السنة، ووضعها على الخاصرة نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي نهى أن يصلي الرجل مختصراً)
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. وهو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[حدثنا جرير]. وهو ابن عبد الحميد الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن هشام]. وهو ابن حسان، وهو ثقة، قيل: إنه أثبت الناس في حديث ابن سيرين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[ح وأخبرنا سويد بن نصر]. (ح)، وهذه حاء التحويل من إسناد إلى إسناد، قال: وأخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك واللفظ له، وقد مر ذكرهما، ولما ذكر النسائي الإسنادين بين من له اللفظ، وأنه لـعبد الله بن المبارك. [عن ابن سيرين].وهو محمد بن سيرين البصري، وهو محدث، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة].أبو هريرة صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث ابن عمر في نهي النبي عن وضع اليدين على الخصر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب عن سعيد بن زياد عن زياد بن صبيح قال: (صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما فوضعت يدي على خصري، فقال لي هكذا ضربة بيده، فلما صليت قلت لرجل: من هذا؟ قال: عبد الله بن عمر ، قلت: يا أبا عبد الرحمن ، ما رابك مني؟ قال: إن هذا الصلب، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عنه) ].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنه أن زياد بن صبيح، قال: صليت إلى جنب عبد الله بن عمر، فوضعت يدي على خصري، فقال برجل جنبه هكذا، وضرب بيده على يده التي وضعها على خاصرته، يريد أن يترك هذا العمل الذي هو فيه، وكان لا يعرفه، فلما فرغ قال لرجل إلى جنبه: من هذا؟ أي: هذا الذي جواره، فقال: هذا عبد الله بن عمر، فقال له: يا أبا عبد الرحمن، ما رابك مني؟ يعني لما ضربه وهو في الصلاة على يده، قال: إن هذا هو الصلب، وقد نهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بالصلب أنه يكون كهيئة المصلوب الذي يصلب على الجذع، فتكون هذه الهيئة تشبه هيئة المصلوب الذي يصلب على الجذع، فتكون يداه يد من هنا ويد من هنا على الخاصرة، فيكون كهيئة ذلك، وقد نهانا عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي فيه إسناد ذلك إلى الرسول؛ لأنه قال: قد نهانا عن ذلك، أي: أن نعمل هذا العمل الذي يشبه الصلب، وهو صلب المقتول الذي يقتل ويصلب في النخل، بحيث تجعل يداه تشبه هذه الهيئة التي يكون الإنسان فيها وهو يصلي. فقال لي هكذا، وهذا فيه إطلاق القول على الفعل؛ لأنه ما قال شيئاً، وإنما ضرب ضربة فقال هكذا، والقول يطلق على الفعل، وهذا منه، ويؤتى بالقول ويراد به الفعل، لأنه قال هكذا، وفعل هكذا، يعني فعل هكذا ضربة.(فلما صليت قلت لرجل: من هذا؟ قال: عبد الله بن عمر، قلت: يا أبا عبد الرحمن، ما رابك مني؟ قال: إن هذا الصلب، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عنه).يعني ما رابك مني إذ ضربت على يدي؟ ماذا فعلت حتى تعمل هذا العمل؟ فقال: إن هذا هو الصلب، يعني عملك الذي عملته، وقد نهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في نهي النبي عن وضع اليدين على الخصر
قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].صدوق، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن سفيان بن حبيب].وهو ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن سعيد بن زياد].سعيد بن زياد الشيباني، وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود والنسائي.[زياد بن صبيح]. وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي.[عن ابن عمر]. ابن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
الأسئلة

بيان موضع الخنصر والبنصر من الأصابع
السؤال: أين موضع الخنصر والبنصر من الأصابع؟الجواب: الخنصر والبنصر مقبوضتان، وأما الوسطى مع الإبهام فيحلق بهما، أي: تجعلان كالحلقة.
هل ثبت حديث في السكتة التي بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة؟
السؤال: هل ثبت حديث في السكتة التي بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة؟الجواب: ما أعلم، السكوت الذي ثبت هو السكوت الذي بعد التكبير وقبل القراءة كما جاء في حديث أبي هريرة الذي سيأتي: أن الرسول كان إذا كبر سكت هنيهةً ثم قرأ، فسأله أبو هريرة فقال: ما تقول؟ فأخبره بدعاء الاستفتاح، وأنه يقول دعاء الاستفتاح، أما السكوت بعد الفاتحة فما أعلم شيئاً يدل عليه.والسكوت كما هو معلوم قبل الفاتحة هو لدعاء الاستفتاح، فالإمام عندما يصلي بالناس يكبر ثم يأتي بدعاء الاستفتاح سراً بينه وبين نفسه، ثم يبدأ القراءة، وبعد الركوع ما أعلم شيئاً يدل على أنه يشرع له أن يسكت، لكن إذا كان يعني مثلاً أنه سكت ليختار سورة أو شيئاً ليقرأ به، فما هناك حرج في هذا، لكن كونه يسن أو يشرع للإنسان أن يسكت في هذا الوقت، ما نعلم شيئاً يدل عليه.
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول
السؤال: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول: واجبة أو مستحبة؟الجواب: ليس بواجب في التشهد الأول، لكن من العلماء من قال: إنه يتشهد فقط، ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: إنه يصلي على النبي، لكن ليس بواجب في التشهد الأول، وإنما هو في التشهد الأخير، ويعتبر من أركان الصلاة عند بعض العلماء.
التختم للرجال إنما يكون بالفضة
السؤال: ما حكم تختم الرجل أو المرأة بخاتم من حديد أو نحاس؟الجواب: جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه حلية أهل النار، فلا يتختم بالخاتم من الحديد، وإنما الخاتم يكون من الفضة بالنسبة للرجال.
أي شيء يباع ويشترى وبلغ النصاب وحال عليه الحول يزكى عليه
السؤال: هل في الدكان والبقالة الصغيرة التي تبيع بعض المواد الغذائية زكاة؟الجواب: كل ما يعد للبيع والشراء إذا بلغ نصاباً ففيه الزكاة، يعني إذا بلغت هذه البضاعة نصاباً، فإنه يكون فيها زكاة بقالة أو غير بقالة، فأي شيء يباع ويشترى وله تجارة معينة قلت أم كثرت إذا حال الحول وبلغ القيمة مع النقود المتوفرة نصاباً فأكثر، فإنه يزكى.
السنة بعد دفن الميت أن يقال استغفروا له واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل
السؤال: هل السنة بعد دفن الطفل الصغير أن يقال: استغفروا لوالديه، أم هناك سنة غير ذلك؟الجواب: ما نعلم شيئاً يدل عليه، ما نعلم أنه يقال: استغفروا لوالديه، وإنما ورد في الكبير قال: (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل)، هكذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الصغير فما نعلم شيئاً يدل عليه.وكما هو معلوم فهؤلاء الذين هم غير مكلفين يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء النتيجة يتبين السعادة من الشقاوة، أو السعداء من الأشقياء.
حكم تشميت المرأة الأجنبية
السؤال: إذا عطست امرأة أجنبية عني وهي تمر بجانبي فقالت: الحمد لله، فهل من الواجب أن أشمتها؟الجواب: يمكن أن يشمتها مثل ما يرد السلام، لكن إذا كان الكلام هذا يصير فيه مدخل ووسيلة إلى التحدث فلا يجوز ذلك، أما إذا كان مجرد أن حمدت الله وقلت: يرحمك الله، وقالت: يهديكم الله ويصلح بالكم وهي ماشية في الطريق فما في ذلك شيء.
التوفيق بين حديث: (التمس ولو خاتماً من حديد) وحديث: (هو حلية أهل النار)
السؤال: جاء في الحديث (التمس ولو خاتماً من حديد)، فكيف نوفق بينه وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هو حلية أهل النار)؟الجواب: الحديث الأول معلوم وهو حديث الواهبة، والحديث في الصحيحين، وقال: (التمس ولو خاتماً من حديد)، فبحث ولم يجد حتى خاتماً من حديد، والمقصود من ذلك التفاهة، ولهذا قال: ولو، إشارة إلى حقارته وقلته، فالتعبير بـ(لو) يعني يشعر بهذا، فالتختم كما هو معلوم لا يتختم به، لكن يمكن أن يكون ذلك قبل أن يأتي ما يدل على التحريم، أو أنه يتخذ ولكنه لا يعني أن يتختم به، بمعنى أنه يمكن أن يستعمل في أمور أخرى، ويحتمل كما ذكرت أن يكون قبل أن يأتي النهي عنه، وبيان أنه من حلية أهل النار، والمقصود من ذلك الإشارة إلى حقارة وقلة المهر عند الحاجة إلى ذلك.
حكم توصيل بعض النساء إلى مدارس التحفيظ بسيارة الأجرة
السؤال: هذا السائل صاحب سيارة يسأل عن حكم توصيل بعض النسوة إلى مدارس تحفيظ القرآن، وإرجاعهن إلى بيوتهن؟الجواب: ما يصح للإنسان أن يركب معه امرأة أجنبية في سيارته، هذا لا يجوز للإنسان؛ لأن هذا فيه وسيلة إلى إيقاع الشيطان بينهما، ويمكن أن يهرب بها ويذهب بها كما يريد وهي في هذه السيارة، فليس للإنسان أن يفعل هذا، ولا يجوز له، بل إذا كان معها محرم فعل وإلا تركها.ولو كان ذلك في داخل البلد؛ لأن المحظور يحصل ولو كان في داخل البلد، فلا يجوز لصاحب سيارة أجرة أن تركب معه امرأة، فقد يوقع الشيطان بينهما ويذهب بها حيث أراد وهي في داخل السيارة ما تستطيع تنزل.
المقصود من تبويب النسائي في قوله: (الإمام إذا رأى الرجل..) المقصود به إمام المسلمين
السؤال: بوب النسائي رحمه الله في الإمام إذا رأى الرجل، هل الإمام إمام الصلاة أو إمام المسلمين؟الجواب: الذي يظهر أنه إمام المسلمين؛ لأنه قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فدل هذا على أنه الإمام الأعظم والإمام الأعظم هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.


ابوالوليد المسلم 15-06-2021 10:00 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الافتتاح)
(167)


(باب الصف بين القدمين في الصلاة) إلى (باب نوع آخر من الدعاء بين التكبير والقراءة)

حث الشارع المصلي على رص قدميه في الصلاة، وعلى محاذاة من على يمينه ومن على شماله من أجل تسوية الصفوف، وألا يدع فرجات للشيطان الذي يدخل من الخلل.
الصف بين القدمين في الصلاة

شرح طريقي حديث ابن مسعود في الصف بين القدمين في الصلاة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصف بين القدمين في الصلاة. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن سفيان بن سعيد الثوري عن ميسرة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة: أن عبد الله رأى رجلاً يصلي قد صف بين قدميه، فقال: خالف السنة، ولو راوح بينهما كان أفضل.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن شعبة أخبرني ميسرة بن حبيب سمعت المنهال بن عمرو يحدث عن أبي عبيدة عن عبد الله أنه رأى رجلاً يصلي قد صف بين قدميه، فقال: أخطأ السنة، ولو راوح بينهما كان أعجب إلي].يقول النسائي رحمه الله: [الصف بين القدمين في الصلاة].مراده بهذه الترجمة هو أن المصلي عندما يقوم في الصلاة يقارب بين قدميه فيصفهما ويعتمد عليهما جميعاً، هذا هو المراد، لعل هذا هو المراد بالترجمة، وأورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من طريقين: أنه رأى رجلاً قد صف بين قدميه فقال: خالف السنة، ولو راوح بينهما لكان أفضل. والرواية الثانية: ولو راوح بينهما لكان أعجب إليَّ.والمراد بالمراوحة: أنه يعتمد على هذه تارة، وعلى هذه تارة، فعندما يعتمد على الثانية تستريح الأخرى، ثم بعد أن تستريح وتكون الأخرى قد اعتمد عليها، يعتمد على الأخرى التي قد استراحت، ثم تحصل الراحة للرجل الأخرى، هذا هو المقصود بالمراوحة بين الرجلين. والحديث من هذين الطريقين فيه انقطاع؛ لأنه من رواية أبي عبيدة عن أبيه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فهو مرسل، يعني: فيه انقطاع، وعلى هذا فالحديث غير ثابت، يعني: كون أن المشروع هو المراوحة، وأنه لا يجوز صف القدمين، ليس هناك شيء يدل عليه، وإنما المشروع هو التقارب، كل إنسان يقرب من جاره إلى جهة الإمام، ويقرب رجله إلى رجله، ويكون منكبه بجوار منكبه، وليس هناك شيء يدل على مشروعية المراوحة، ولا على صفهما جميعاً وتلاصقهما، وكون المصلي يعتمد عليهما جميعاً، وإنما يكون الأمر في ذلك واسعاً، المهم أن الإنسان يقرب من جاره إلى جهة الإمام، ولا يكون هناك فرجة، بل تتقارب الصفوف ويحصل التراص فيها، هذا هو الذي جاءت فيه الأحاديث: رص الصفوف والتقارب بينها، وكون كل واحد يقرب من جاره حتى لا يدع فرجة للشيطان.إذاً: فالحديث من هاتين الطريقين غير ثابت؛ لما فيه من الانقطاع بين أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبيه عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في الصف بين القدمين في الصلاة من الطريق الأولى
قوله: [عمرو بن علي].عمرو بن علي هو: الفلاس، مشهور بهذه النسبة، وهو ناقد من النقاد، وكلامه في الرجال كثير، عندما يأتي الإنسان للتراجم وينظر في كلام المعدلين والمجرحين، يجد كلام الفلاس، أو نسبة التجريح أو التعديل إلى الفلاس كثيرة، وهو يأتي كثيراً بلفظ الفلاس، عندما يأتي في التعديل والتجريح للرجال، يقال: وثقه الفلاس أو ضعفه الفلاس، فهو مشهور بهذا، وهو لفظ مختصر يطلقونه كثيراً في التراجم عند ذكر توثيق الفلاس وتعديله للرجال، وهو عمرو بن علي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا يحيى].يحيى، وهو: ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، الذي كلامه في الرجال كثير، ويأتي ذكره كثيراً يقال: وثقه القطان ضعفه القطان، فهذا هو الذي يأتي ذكره به كثيراً في كتب الرجال عند ذكر التراجم، وهو الذي قال فيه الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، أن يحيى بن سعيد القطان إذا اجتمع هو وعبد الرحمن بن مهدي على تضعيف شخص، وعلى جرحه فهو لا يكاد يندمل جرحه، يعني: معناه أنهما يصيبان الهدف، ويصيبان في قولهما، ولا يكادان يخطئان، وهذه الكلمة من الذهبي تبين عظم شأن كلام هذين الرجلين إذا اجتمعا واتفقا على تضعيف شخص، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان بن سعيد الثوري].سفيان بن سعيد الثوري، هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الثقة، الثبت، الحجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا وصف عال، ولقب رفيع، لم يظفر به إلا النادر القليل من المحدثين، مثل: سفيان هذا، ومثل: شعبة بن الحجاج، ومثل: إسحاق بن راهويه، ومثل البخاري، والدارقطني، وغير هؤلاء، وصفوا أو كل واحد منهم وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل.وعندما يكون الثقات في القمة من الثقة والعدالة، يميزون بين الشخصين بأن يعدوا أخطاء هذا وأخطاء هذا، فإذا كان بالإحصاء أن أخطاء هذا أقل، اعتبروه أعلى ممن زادت أخطاؤه ولو قليلاً، وإذا كانت الزيادة يسيرة بين هذا وهذا، يقدمون هذا الشخص على ذاك الشخص بالتفاوت بينهما في قلة الخطأ، وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ميسرة].ميسرة، هو: ميسرة بن حبيب النهدي، وهو صدوق، خرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن المنهال بن عمرو].المنهال بن عمرو، هو: الأسدي الكوفي، وهو صدوق، خرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، والبخاري روى عنه أثراً في أول تفسير سورة فصلت عن ابن عباس طويل، وكان من عادة البخاري أنه يأتي بالإسناد في الأول، ويأتي بالمتن في الآخر، إلا أنه في هذا الإسناد عكس فجعل المتن في الأول والإسناد في الآخر، وذكر الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الأثر: أن صنيع البخاري هذا يشعر بأن الإسناد يقلَّ عن شرطه، أو أنه لا يصل إلى شرطه، ولكنه من قبيل ما يحتج به، وفي إسناده المنهال بن عمرو الأسدي هذا، وقد خرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي عبيدة].أبو عبيدة، هو: ابن عبد الله بن مسعود وقيل: إن اسمه كنيته: أنه لا اسم له غيرها، وقيل: إن له اسم آخر غير الكنية، واختلف فيه على أقوال، لكن هو مشهور بالكنية أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة، خرج أحاديثه أصحاب السنن الأربعة.[عن عبد الله].وهو: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من المهاجرين، وهو رضي الله عنه من فقهاء الصحابة، وليس من العبادلة الأربعة المشهورين في الصحابة؛ لأنه متقدم عليهم، وهم متأخرون، وهم من صغار الصحابة، وهو ليس من الصغار، وقد عاشوا بعده زمناً، وأدركهم من لم يلق ابن مسعود، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، فهؤلاء هم المشهورون بلقب العبادلة إذا قيل: وقال به العبادلة من الصحابة، أي: هؤلاء الأربعة، وابن مسعود ليس منهم، وبعض العلماء عد ابن مسعود منهم، وأسقط واحداً من الأربعة، لكن ليس هذا هو الصحيح، بل الصحيح المشهور هو: أن العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة، والذين كانوا في زمن متقارب، والذين عاشوا بعد ابن مسعود زمناً، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وروى عنهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث ابن مسعود خرجه أصحابه الكتب الستة.هذا هو الطريق الأول، والإسناد كما عرفنا فيه: أبو عبيدة عن أبيه، وروايته عن أبيه منقطعة، لم يسمع من أبيه، فهو من قبيل المرسل، لكن هذا الإرسال ليس هو المرسل المشهور في عرف المحدثين: لأن المشهور في عرف المحدثين: أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا هو المشهور، وعند الفقهاء: المرسل هو الذي فيه انقطاع، رواية الراوي عن من لم يلقه، فهذا من قبيل المرسل، وعلى هذا فالإسناد ضعيف، يعني: ليس بثابت لما فيه من الانقطاع.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في الصف بين القدمين في الصلاة من الطريق الأخرى
قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].إسماعيل بن مسعود، وهو: أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وكنيته أبو مسعود، وقد ذكرت فيما مضى أن من أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وأن فائدة ذلك دفع توهم التصحيف فيما لو ذكر بالكنية، مع أنه مشهور بالنسب، إسماعيل بن مسعود لو جاء إسماعيل أبو مسعود، فمن لا يعرف أن كينته أبو مسعود يظن أن (أبو) مصحفة عن (ابن)، ولكنه صواب، إن جاء إسماعيل أبو مسعود، أو جاء إسماعيل بن مسعود، الكل صواب؛ لأن أباه مسعود وكنيته أبو مسعود.[حدثنا خالد].خالد، هو: خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، ثبت، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].شعبة، هو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، إمام في الجرح والتعديل، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، مثل ما حصل بالنسبة لسفيان الثوري، فقد أشرت إليه آنفاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[أخبرني ميسرة بن حبيب سمعت المنهال بن عمرو].ثم بعد ذلك يتفق الإسنادان ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن أبيه، والعلة التي في الإسناد الأول، هي في هذا الإسناد؛ لأنه من رواية أبي عبيدة عن أبيه، وروايته عن أبيه مرسلة وهو منقطع، فلا يثبت الحديث من هذين الطريقين.وقول الصحابي: من السنة كذا، أو خالف السنة، يريدون بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابي إذا قال: من السنة كذا، أو السنة كذا، أو تلك السنة، يقصد بذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، و(أل) فيها للعهد الذهني، يعني: ليس المراد بها سنة أخرى، يعني: سنة التابعين، أو روايات الصحابة، يعني الأقوال التي قيلت عنهم، وإنما المقصود بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أما غير الصحابي لو قال: من السنة كذا، فلا يكون مثل قول الصحابي: من السنة كذا؛ لأنه يحتمل أن يكون عن الصحابة، وأن هذا مما هو معروف عن بعض الصحابة.
سكوت الإمام بعد افتتاحه الصلاة

شرح حديث: (أن رسول الله كانت له سكتة إذا افتتح الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [سكوت الإمام بعد افتتاحه الصلاة.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له سكتة إذا افتتح الصلاة)].أورد النسائي [سكوت الإمام بعد افتتاحه الصلاة].يعني: بعد التكبير، بعد كونه يفتتح الصلاة بالتكبير يسكت، وذلك في الصلاة الجهرية كما هو معلوم؛ لأنها هي التي يتبين بها السكوت، بخلاف السرية فإنها كلها سكوت، فإذا كبر سكت، ثم أتى بالفاتحة، فهذه السكتة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا افتتح الصلاة يسكت؛ ليأتي بدعاء الاستفتاح، كما جاء في حديث أبي هريرة الآتي بعد هذا، وهذا مختصر من الحديث الذي بعده؛ لأن الحديث الذي بعده: سأل أبو هريرة الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول في هذا السكوت الذي بين التكبير والقراءة فبين له الدعاء الذي هو دعاء الاستفتاح، أو نوعاً من أنواع أدعية الاستفتاح الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.إذاً: السكوت بعد تكبيرة الإحرام، وقبل القراءة للإتيان بدعاء الاستفتاح، هذه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما يدخل الإمام في الصلاة ويكبر، يسكت وقتاً يقرأ فيه دعاء الاستفتاح بينه وبين نفسه سراً، ثم بعد ذلك يأتي بالقراءة، فيبدأ بقراءة الفاتحة ثم بالسورة.والحديث هنا أورده المصنف من أجل السكوت بعد التكبير، وهذا هو مقصوده من إيراد هذه القطعة من الحديث، التي فيها ما يدل على السكوت، مع أنه جاء عن أبي هريرة مطولاً، وفيه ذكر دعاء الاستفتاح.

يتبع

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 10:01 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كانت له سكتة إذا افتتح الصلاة)
قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].محمود بن غيلان، هو المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له أبو داود.[حدثنا وكيع].وكيع وهو: ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سفيان].سفيان وهو: ابن سعيد بن مسروق الثوري، الذي تقدم ذكره قريباً، وهو هنا مهمل لم ينسب، وفي طبقته سفيان بن عيينة، وهما في زمن واحد، ويشتركان في التلاميذ والشيوخ كثيراً، ولهذا يقال في بعض التراجم فيمن دونهما: روى عن السفيانين، وفيمن فوقهما: روى عنه السفيانان، والمراد: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، فهما في زمن واحد، إلا أن الثوري كوفي وابن عيينة مكي.والطريقة المتبعة عند العلماء في معرفة تمييز المهمل: إما بالرجوع إلى الأسانيد إذا كانت الأسانيد متعددة، وبذلك قد ينسب هذا المهمل في بعضها فيتضح المقصود؛ لأنه جاء في إسناد نفس الحديث إلا أنه عند مخرج آخر خرجه، وجاء مسمى منسوباً. إذاً: يعرف المهمل بهذه الطريقة.الطريقة الثانية: أن يعرف هل هذا الراوي الذي هو وكيع، أو الشخص الذي فوقه الذي روى عنه سفيان، وهو عمارة بن القعقاع.فـوكيع روى عن سفيان، وسفيان روى عن عمارة بن القعقاع.يعني: ينظر في تلاميذ الشيوخ، هل روى عنه الاثنان معاً، أو روى عنه أحدهما؟ فإذا وجد مثلاً في مثل تهذيب الكمال: أنه ما روى له إلا أحدهما، عرف بأن هذا هو الذي روى عنه؛ لأنه سمي ولم يسم الآخر، ما ذكر في الشيوخ ولا في التلاميذ مثلاً.والطريقة الثالثة: إن اشتركا في الشيوخ والتلاميذ، بأن يكون الذي دونه روى عن الاثنين، وهما رويا عن من فوقهما، عند ذلك ينظر إلى كثرة الملازمة وكثرة الاتصال، وكونه من بلده، فهذه ترجح أحد الشخصين على الآخر، هذا إذا اتفقا في الشيوخ والتلاميذ.وهنا: وكيع بن الجراح كوفي، وسفيان الثوري كوفي، ووكيع معروف بالإكثار عن الثوري والإقلال عن ابن عيينة، وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إنه يحمل على أنه الثوري؛ لأن وكيعاً معروف بكثرة الرواية عنه، وليس ابن عيينة؛ لأنه مقل من الرواية عنه، فعندما يأتي مهملاً، والراوي وكيع يحمل على أنه الثوري؛ لأن وكيعاً مكثر من الرواية عن الثوري، مقل من الرواية عن ابن عيينة، فيحمل على من يكون أكثر رواية عنه.ووكيع خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسفيان الثوري كما ذكرت تقدم ذكره قريباً، وأنه ممن وصف بأمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عمارة بن القعقاع].عمارة بن القعقاع، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير]هو ابن عبد الله البجلي، جده جرير بن عبد الله البجلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو زرعة هذا ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي زرعة، واختلف في اسمه على أقوال، لكن شهرته إنما هي بكنيته أبي زرعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبو زرعة هذه الكنية اشتهر بها جماعة، لكن إذا جاء في عصر التابعين، يعني: ممن يروي عن الصحابة، فالمراد به هذا ابن عمرو بن جرير؛ لأنه يروي عن الصحابة، وإذا جاء في القرن الثالث الهجري فهو: أبو زرعة الرازي، الذي روى عنه مسلم في صحيحه حديثاً واحداً، وهو عبيد الله بن عبد الكريم، وهناك أبو زرعة الدمشقي، وهو بعده بقليل، وهناك أبو زرعة العراقي، وهو متأخر في القرن التاسع، يعني: ابن عبد الرحيم العراقي صاحب الألفية، ابنه مشهور بكنيته أبو زرعة، فأبو زرعة كنية اشتهر بها عدد، لكن بمعرفة أزمانهم يعرف كل واحد ولا يلتبس، وأبو زرعة هذا متقدم؛ لأنه في زمن التابعين، وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
الدعاء بين التكبيرة والقراءة

شرح حديث: (كان رسول الله إذا افتتح الصلاة سكت هنيهة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة.أخبرنا علي بن حجر أخبرنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة سكت هنيهة، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)].أورد النسائي الترجمة [باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة].التكبيرة التي هي: تكبيرة الإحرام، والقراءة التي هي: قراءة الفاتحة، يعني: ما هو الدعاء الذي يدعى به بين التكبيرة الأولى، التي هي تكبيرة الإحرام وبين قراءة الفاتحة؟ أورد في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي يقول فيه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد التكبير هنيهة، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما تقول بين التكبير والقراءة؟ فقال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، هذا هو الدعاء الذي كان يدعو به الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في الاستفتاح، بعد أن يأتي بتكبيرة الإحرام، وقبل أن يبدأ بقراءة الفاتحة، يدعو بهذا الدعاء، الذي سأله عنه أبو هريرة، وأجابه صلى الله عليه وسلم عن سؤاله.وهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء؛ لأن من أدعية الاستفتاح ما هو ذكر، مثل: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، هذا ذكر وثناء على الله عز وجل، وفي أدعية الاستفتاح ما هو دعاء، مثل هذا الحديث الذي معنا: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، فهذا دعاء، والحديث يدل على استحباب الإتيان بهذا الدعاء، وكذلك بغيره من الأدعية، لكن لا تجمع كلها في موضع واحد، ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى به، لكن لا يجمع بينها، وإنما يؤتى بهذا في بعض الأحيان، وبهذا في بعض الأحيان.ثم أيضاً يدل على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من الحرص على معرفة الأحكام الشرعية؛ لأن أبا هريرة سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدعاء، أو ماذا يقوله في هذا السكوت، فأجابه بذكر هذا الدعاء عنه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على حرص الصحابة على معرفة أمور الدين، وتلقيها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وسؤالهم إياه عن ما يحتاجون إلى سؤاله عنه، وتحملهم ذلك عنه، وتأديتهم ذلك الذي أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيرهم.وقوله: (بأبي أنت وأمي) هذا ليس قسماً، وإنما هو فداء، يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، فداؤك أبي وأمي، هذا هو المقصود به، وليس من قبيل القسم، وهذه عبارة كانوا يستعملونها ولو كان الأب والأم توفيا؛ فإنها مستعملة عندهم، وجارية على ألسنتهم في التفدية، ولو كان هؤلاء الذين سيفدي بهم قد ماتوا، إلا أنه يدل على عظم شأن الذي يفديه ويعظمه، فقول أبي هريرة: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله)، أي: أنت مفدي بأبي وأمي يا رسول الله.والحديث سبق أن مر في أبواب الوضوء، وجاء هنا من أجل دعاء الاستفتاح.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا افتتح الصلاة سكت هنيهة...)
قوله: [أخبرنا علي بن حجر].علي بن حجر، وهو: علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي.[أخبرنا جرير].جرير، وهو ابن عبد الحميد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة].وهم رجال الإسناد المتقدم، وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا، الذي جاء المتن فيه مختصراً، وهنا مطولاً.
نوع آخر من الدعاء بين التكبير والقراءة

شرح حديث: (كان النبي إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: إن صلاتي ونسكي...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الدعاء بين التكبير والقراءة.أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد حدثنا شريح بن يزيد الحضرمي أخبرني شعيب بن أبي حمزة أخبرني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق، لا يقي سيئها إلا أنت)].أورد النسائي نوعاً آخر من الدعاء بين التكبير والقراءة، نوعاً آخر من أنواع الاستفتاح، وهو دعاء أيضاً كالذي قبله؛ لأن فيه طلب ورجاء، فهو دعاء، والذي قبله دعاء، وسيأتي ما هو ذكر وثناء على الله عز وجل، وهذا الحديث يقول فيه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي).(كان عليه الصلاة والسلام إذا استفتح الصلاة كبر)، يعني: إذا أراد أن يستفتح الصلاة كبر؛ لأن افتتاح الصلاة بالتكبير، فالدخول بالصلاة هو بالتكبير، وقبل التكبير الإنسان ليس في صلاة، فإذا قال: (الله أكبر) لتكبيرة الإحرام دخل فيها، أي: الصلاة، ولهذا يقال: تحريمها التكبير، فإذا أراد أن يستفتح الصلاة كبر، يستفتحها بالتكبير، فهو بدايتها.قوله: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق، لا يقي سيئها إلا أنت).ففيه ثناء وفيه دعاء، في أوله ثناء وفي آخره دعاء، وقال: [نوع آخر من الدعاء بين التكبير والقراءة]، تغليباً لما جاء في آخره من الدعاء لسؤال أحسن الأخلاق، وأحسن الأعمال، وأنه لا يهدي إلى أحسنها إلا هو سبحانه وتعالى، ثم طلب الوقاية من سيئ الأعمال، فهو ذكر ودعاء، وهو نوع من أنواع الاستفتاح التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: إن صلاتي ونسكي...)
قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد].عمرو بن عثمان بن سعيد، وهو: الحمصي، وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا شريح بن يزيد الحضرمي].شريح بن يزيد الحضرمي، وذكر في ترجمته: أنه وثقه ابن حبان، ولم يذكر في ترجمته شيء من الحكم عليه سوى توثيق ابن حبان له.[أخبرني شعيب بن أبي حمزة].شعيب بن أبي حمزة، وهو: الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أخبرني محمد بن المنكدر].هو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن جابر بن عبد الله].هو: جابر بن عبد الله الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي
الأسئلة

الاسترقاء لانصراف الخطاب بدون سبب يذكر
سؤال: أنا شابة أبلغ من العمر أربع وثلاثون سنة، كلما جاءني خطيب لا يقع النصيب، وبدأت أشك أن أكون مسحورة، خصوصاً وأن بعض الخطاب يوافقون ويتم كل شيء، ثم يغيرون رأيهم بدون أي سبب يذكر، فهل لي أن أذهب إلى بعض المشايخ أنا ومحرمي حتى يقرأ علي لعل الله أن يشفيني؟الجواب: لا بأس بالقراءة، أن تذهب إلى أحد ليقرأ عليها قرآناً ويرقيها برقية مشروعة، لا بأس؛ لأن من أصيب بمرض أو من حصل له شيء يكرهه، له أن يرقي نفسه، وله أن يرقيه غيره، لكن بالرقية المشروعة، المشايخ الذين هم أهل دين ما هم مشعوذون ودجالون، أما كونه يذهب إلى سحرة، أو إلى من يرقي رقى غير مشروعة، ليست من القرآن ولا من الأدعية المباحة، فهذا لا يجوز، أما الرقية إذا كانت من أحد مأمون لا يتهم بسوء فإنها مشروعة وسائغة.
عمل وليمة لرجل شيعي إذا كان مسئولاً في العمل
السؤال: يوجد رئيس في عملي شيعي، ولكنه لا يدعو إلى التشيع، والآن فصل من العمل لتقاعده لكبره، فهل لنا زملاؤه في العمل أن نعمل له وليمة وداع، ونحن أهل سنة؟الجواب: أبداً لا تعملوا له وليمة.
منع الزوجة من أداء كل الفروض في المسجد النبوي
السؤال: أنا من سكان جدة وأتيت إلى المدينة لزيارة بعض الأقارب لمدة أسبوع، ولكن زوجتي تريد أن تصلي كل الفروض في المسجد النبوي، وأنا أقول لها: يكفيك فرض في اليوم، فمن منا المصيب؟الجواب: على كل إذا أرادت أن تأتي لا تمنع، إذا كانت تأتي على هيئة ليس فيها محذور، لا تمنع من الإتيان للمسجد، إذا طلبت أن تأتي تأتي، حيث لا محذور في مجيئها، أما إذا كان لا يوافق على مجيئها لأمر محذور: كونها تخرج بحالة ما هي طيبة، فله منعها، فيمنعها من استعمال الطيب مطلقاً ليس في حال الذهاب إلى المساجد، بل في حال الخروج مطلقاً، حتى لا تفتن الناس، لكن لا تمنع النساء إذا أردن المساجد كما مرت بنا الأحاديث في ذلك:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).
درجة حديث: (من صلى في مسجد أربعين صلاة كتبت له براءة من النفاق)
سؤال: حديث: (من صلى في مسجد أربعين صلاة يدرك التكبيرة الأولى ..) هل هو صحيح؟الجواب: الحديث ليس ثابت (من صلى في مسجد أربعين صلاة كتبت له براءة من النفاق)، ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ابوالوليد المسلم 15-06-2021 10:02 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الافتتاح)
(168)


(باب نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة) إلى (باب نوع آخر من الذكر بعد التكبير)

وردت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنواع من الأدعية عند ابتداء الصلاة، منها ما فيه ثناء، ومنها ما اشتمل على دعاء، وهذا يجعل العبد في صلاته أمام ربه بين الثناء والدعاء، فيثني على ربه بين يدي سؤاله؛ فإن الأمر كله لله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة

شرح حديث: (إن رسول الله كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءةأخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة حدثني عمي الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة كبر، ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)]. يقول النسائي رحمه الله: نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة بين التكبير للدخول في الصلاة -الذي هو الإحرام- والقراءة التي هي قراءة الفاتحة، وقد سبق أن مر في حديث أبي هريرة: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت هنيهة، فقلت: بأبي أنت وأمي ماذا تقول؟ يعني: بين التكبير والقراءة، فقال: أقول كذا) الحديث.وقد مر أيضاً بعد حديث أبي هريرة نوع آخر من أنواع الذكر أو من أنواع الدعاء، وهنا قال: نوع آخر من أنواع الذكر والدعاء، قال: الذكر والدعاء، جمع بينهما لأن هذا الاستفتاح أو هذا الدعاء والذكر مشتمل على ذكر ودعاء، ليس ذكراً فقط وليس دعاءً فقط، وإنما هو جامع بين الذكر والدعاء، فأوله ثناء على الله عز وجل.. (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين)، كل هذا ذكر لله عز وجل، ثم جاء بعد ذلك الدعاء، وهو سؤال الله عز وجل بأن يهديه لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنه سيئها لا يصرف عنه سيئها إلا هو، وأن يغفر له الذنوب لا يغفر الذنوب إلا هو، فهذا كله دعاء؛ لأن فيه ذكر وثناء على الله، ودعاء هو طلب من الله وسؤال من الله عز وجل.قوله: عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة كبر، ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً)].قوله: (إذا استفتح)، أي: إذا أراد أن يستفتح؛ لأن التكبير وهو: الاستفتاح، وهو البداية، هو: التحريم، يعني: أنه إذا أراد أن يدخل في الصلاة كبر؛ لأن تحريمها التكبير، وقبل أن يقول الإنسان: الله أكبر، له أن يفعل ما يشاء مما كان يفعله قبل الدخول في الصلاة، فإذا قال: الله أكبر دخل في الصلاة، فحرم عليه بعدها ما كان حلالاً عليه قبلها مما لا يجوزه في الصلاة من الكلام والأكل والشرب وغير ذلك من الأمور، والذهاب والالتفات، وغير ذلك من التصرفات التي لا تسوغ.قوله: (ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)، فهو اتجه إلى الله عز وجل، وأقبل على الله، ودخل في صلاة يناجي فيها الله، ولهذا فقد وجه وجهه إليه، وأقبل بقلبه وكليته إليه، يسأله ويرجوه، ويعبده ويثني عليه بما هو أهله سبحانه وتعالى.ثم قال: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، (إن صلاتي)، الصلاة التي هي هذه الصلوات الركوع والسجود، (ونسكي): الذبح، والذبح هو لله عز وجل، الصلاة لله والذبح لله وجميع أنواع العبادة لله عز وجل، ثم أتى بعد ذلك بما هو عام يشمل الدنيا والآخرة، والحياة والممات، (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، كل شيء له، وكل شيء بيده، وكل شيء في تصرفه؛ فهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، هو الخالق وحده لا شريك له، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فكما أنه لا خالق إلا الله ولا رزاق إلا الله، فلا معبود بحق سواه.قال: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت).وهذا من التوسل بأسماء الله عز وجل، وأن الإنسان يجعل بين يدي دعائه ثناء على الله عز وجل، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت! ظلمت نفسي.. أو يثني على الله عز وجل، وأنه هو الملك الذي بيده ملكوت كل شيء، المالك لكل شيء، ثم أيضاً كما أنه هو الملك المتفرد بالملك فهو المتفرد بالعبادة، والمستحق للعبادة، ففي ذلك ثناء على الله عز وجل بأفعاله، وبأسمائه، وبربوبيته، وملكه، وكذلك أيضاً اعتراف بأنه هو الإله الحق الذي لا تصلح العبودية إلا له سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن يصرف شيء من أنواع العبادة لغيره سبحانه وتعالى؛ لأنه الخالق وغيره مخلوق، والعبادة لا تكون إلا للخالق، ولا تكون للمخلوق؛ لأن هذا الذي يتعبد مخلوق، فالمخلوق لا يعبد مخلوقاً، ولا يتعبد إلى مخلوق، وإنما يعبد الخالق، والله عز وجل خلق الخلق لعبادته، قال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فالعبادة حق الخالق، ولا يجوز أن يصرف المخلوق منها شيئاً للمخلوق، بل هي كلها للخالق وحده لا شريك له.
الاعتراف بالخضوع والعبودية لله في استفتاح الصلاة
وقوله: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنا عبدك ظلمت نفسي)، فيه اعتراف بالذل والخضوع والعبودية لله عز وجل، والله عز وجل ذكر في كتابه العزيز، وصف رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف الذي هو كونه عبد لله، وهذا من أخص أوصافه أن يكون عبداً لله عز وجل، ولهذا عندما يأتي ذكر الأمور العظام يذكر بلفظ العبد، كقوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، في الإسراء، تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19]، فيأتي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية لله عز وجل، وأنه عبد لله في المقامات العالية والمقامات الشريفة، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أيضاً يعجبه ذلك، ويحب أن يوصف بأنه عبد الله، ولهذا قال في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)، إنما أنا عبد لله، فقولوا: عبد الله ورسوله، فهو عليه الصلاة والسلام، يحب أن يثنى عليه وأن يذكر بأنه عبد لله ورسوله، أنه عبد لله ورسول له صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فوصف العبودية والرسالة من أخص أوصافه، وكان يحب أن يذكر بهذين الوصفين، ولهذا قال: (فقولوا: عبد الله ورسوله)، فهو عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، فما دام أنه عبد لله، فالعباد يعبدون الله ولا يُعبدون، وهو رسول الله فلا يكذب، بل يطاع ويتبع، ويصدق في كل ما جاء به عن الله سبحانه وتعالى.وقوله: (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي)، يعني: هذا كله تذلل وخضوع لله عز وجل، أولاً: ثناء على الله عز وجل بأنه الملك، وأنه الذي لا إله إلا هو، ثم اعتراف بذله وخضوعه وعبوديته لله بقوله: أنا عبدك، ثم قال بعد ذلك: (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي)، ثم بعد ذلك دخل في المطلوب الذي مهد له بهذا التمهيد، وهو السؤال والطلب من الله عز وجل: فقال: (فاغفر لي).قوله: (فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت)، فهو سؤال من الله عز جل أن يهديه لأحسن الأخلاق، وأن يقيه سيئ الأخلاق، وأن يصرف عنه سيئ الأخلاق، ومع طلبه يثني على الله عز وجل، طلبٌ أولاً وثناء بعد ذلك، فإن قوله: (واهدني لأحسن الأخلاق) هذا دعاء، (لا يهدي لأحسنها إلا أنت) ثناء على الله عز وجل، (واصرف عني سيئها) هذا دعاء، (لا يصرف عني سيئها إلا أنت) ثناء على الله عز وجل.وقوله: [(لبيك وسعديك والخير كله في يديك)].يعني: أنك دعوتني وأمرتني بأن أصلي لك، وها أنا أوجه وجهي إليك، وأتجه إليك، وأصلي لك، وأستجيب لأمرك، وأخضع لأمرك، (والخير بيديك)، كل خير فهو من الله عز وجل، ما بالناس من نعمة إلا وهي منه سبحانه وتعالى، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، فالخير كله من الله.
معنى قوله: (والشر ليس إليك)
ثم قال: [(والشر ليس إليك)]، من المعلوم أن عقيدة أهل السنة والجماعة: أن كل ما يقع في الكون والوجود، فهو بقضاء الله وقدره، وبخلقه وإيجاده، لا يكون في الكون شيء بغير إرادته ومشيئته وبغير خلقه وتكوينه سبحانه وتعالى؛ فالله تعالى خالق كل شيء، وهو على كل شيء قدير، فكل ما يقع في الكون فهو خلق الله، وهو إيجاد الله، ولا يقع إلا بمشيئة الله وإرادته سبحانه وتعالى.وقوله: [(والشر ليس إليك)]، ليس معنى ذلك: أن الله سبحانه وتعالى ليس خالق الشر، بل هو خالق كل شيء، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، فكل شيء خلقه، وكل مخلوق خلقه، وليس هناك إلا الخالق والمخلوق، والله تعالى هو الخالق وغيره المخلوق، والمخلوق منه ما هو خير ومنه ما هو شر، وكل ذلك خلق الله عز وجل وإيجاده، لكن الله عز وجل لا يخلق شراً محضاً لا يترتب عليه فائدة ولا يترتب عليه مصلحة، ويكون شراً من جميع الوجوه بحيث لا يكون فيه خير أصلاً، ولا يؤدي إلى خير، ولا يفضي إلى خير، فالله تعالى لا يخلق خلقاً يكون كذلك، ولكنه يخلق كل شيء لحكمة وبحكمة سبحانه وتعالى؛ فخلقه الشر لحكمة، وإيجاده الشر لحكمة، وهذه الحكمة منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو غير ظاهر، لكنه لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه بوجه من الوجوه، ولا يترتب عليه خير بوجه من الوجوه، ومن المعلوم أن الجهاد في سبيل الله عز وجل، لما شرعه الله وأوجده، وجعله من أحب الأعمال وخير الأعمال، فهو لا يكون إلا بوجود الخير والشر، وبوجود الأخيار والأشرار، ولو جعل الله الناس أمة واحدة، ولو جعل الله الناس كلهم على الهدى، ما حصلت مقتضى هذه الحكمة، التي هي تميز أولياء الله من أعداء الله، والله عز وجل يقول: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13]، فالله عز وجل قدر وقضى أن يكون الناس فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير، وهؤلاء الذين هم فريق السعير، والذين هم أهل السعير، الله تعالى يبتلي بهم أولياءه ليجاهدوا في سبيله، وليدعوا الناس إلى الحق والهدى، كما قال الله عز وجل: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25]، يعني: يدعو كل أحد، إلى دار السلام، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25].إذاً: فالحديث لا يدل على أن الشر لا يضاف إلى الله خلقاً وإيجاداً وأن الشر له خالق غير الله، أبداً؛ كل شيء هو خلق الله وإيجاده، لكن الله عز وجل لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه بوجه من الوجوه، ولا يترتب عليه خير ولا يترتب عليه مصلحة وفائدة بوجه من الوجوه.ثم أيضاً مما يناسب هذا المعنى أن يقال: إن الشر لا يضاف إليه استقلالاً وانفراداً، ولا يثنى على الله عز وجل بإضافة الشر إليه بأن يقال: يا خالق الشر! أو يا خالق الحيات! أو يا خالق العقارب! أو ما إلى ذلك من الأمور التي فيها شر، فلا تضاف إليه استقلالاً، ولكنها تضاف إليه في العموم، مثل قوله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:1-2]؛ لأن كل شيء خلقه، وفيه خير وفيه شر، فالاستعاذة من شر ما خلق، فلا يضاف الشر إلى الله عز وجل على سبيل الانفراد، وأن يخاطب ويدعى بكونه خالق الشر، وإنما يدعى بأنه خالق الخلق، وخالق السماوات والأرض، وكل ذلك الخير والشر يدخل في عموم خلقه سبحانه وتعالى، لكن كونه يدعى به استقلالاً وينادى به استقلالاً فلا يصلح ولا يناسب.ولهذا لما ذكر الله عز وجل عن الجن في سورة الجن عند ذِكر الخير والشر، جاء ذكر الشر غير مضاف وغير منسوب إليه، وبني للمجهول، وأما الخير فأضيف إلى الله عز وجل: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10]، مع أن الله تعالى هو الذي يريد الخير وهو الذي يريد الشر، لكن هذا من الأدب بأن الشر لا يضاف إليه على سبيل الاستقلال، والخير يضاف إليه، وكل شيء يضاف إليه هو على سبيل الإجمال، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10]، فعند الخير قال: أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ، وعند الشر قال: أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ، والذي أراد هو الله عز وجل.إذاً: هذا هو معنى قوله: [(والشر ليس إليك)]، ولهذا لا حجة للمعتزلة القائلين بأن العباد يخلقون أفعالهم، وأن الله تعالى لا يخلق الشر، وأن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم، والمعاصي هم التي يوجدونها، والله تعالى ليس خالقاً لها، الله تعالى يقول: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فالله تعالى خالق العباد، وخالق أفعال العباد، وكل شيء في الوجود فهو خلقه، ما يكون حركة ولا سكون، ولا وجود لذرة، ولا وجود لخير أو شر إلا بمشيئة الله وإرادته؛ فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].قوله: [(أنا بك وإليك)].(أنا بك): عائذ بك، ومعتصم بك، وملتجئ إليك، وصائر إليك، وآيل إليك، فأنا بك وإليك.[(تباركت وتعاليت)].ثناء على الله عز وجل.[(أستغفرك وأتوب إليك)].استغفار وتوبة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 10:02 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث: (إن رسول الله كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً)
قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو: الفلاس، وهو ثقة، محدث، ناقد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن مهدي].عبد الرحمن بن مهدي، وهو كذلك محدث، ناقد، ثقة، ثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة].عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وهو: الماجشون، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني عمي الماجشون].هو الماجشون بن أبي سلمة، الماجشون هو: أخو عبد الله؛ لأن ذاك عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وهذا الماجشون بن أبي سلمة.[عن عبد الرحمن الأعرج].عبد الرحمن الأعرج، وهو: عبد الرحمن بن هرمز، ولقبه الأعرج، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبيد الله بن أبي رافع].عبيد الله بن أبي رافع، أبو رافع هو: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبيد الله هذا ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكان كاتب علي بن أبي طالب.[عن علي بن أبي طالب].أمير المؤمنين، أبي الحسنين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره على ابنته فاطمة، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن رسول الله كان إذا قام يصلي تطوعاً قال: الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً...)

[أخبرنا يحيى بن عثمان الحمصي حدثنا ابن حمير حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر وذكر آخر قبله، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعاً قال: الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، ثم يقرأ)].ثم أورد النسائي بعد ذلك حديث محمد بن مسلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتعلق بالذكر والدعاء بعد التكبير، وكان هذا في صلاة التطوع، وهو قريب من الذي قبله، يعني: ما ورد فيه قريب مما ورد في الذي قبله.وهذا في الحقيقة هو ثناء وذكر، وليس فيه دعاء، ليس فيه دعاء، وإنما هو ذكر فقط، واشتمل الحديث الذي قبله على أكثر هذا الذكر، وليس فيه دعاء؛ لأنه ليس فيه طلب، وإنما كله ثناء على الله عز وجل، وتعظيم له.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا قام يصلي تطوعاً قال: الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً...)
قوله: [أخبرنا يحيى بن عثمان الحمصي].يحيى بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، خرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه .[حدثنا ابن حمير].ابن حمير هو محمد بن حمير وهو صدوق، خرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا شعيب بن أبي حمزة].هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن المنكدر].هو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[وذكر آخر قبله].قوله: (وذكر آخر قبله)، يعني: راو آخر قبل محمد بن المنكدر، والذي ذكر هذا شعيب.يعني أن شعيباً ذكر آخر قبل محمد بن المنكدر، يعني يروي عن اثنين، محمد بن المنكدر وآخر قبله، والذي يقول: (وذكر) هو من دون شعيب بن أبي حمزة، وفاعل ذكر هو شعيب، فاعل ذكر ضمير مستتر يرجع إلى شعيب بن أبي حمزة، يعني قال: من دون شعيب بن أبي حمزة، وذكر شعيب آخر قبل محمد بن المنكدر، ومن المعلوم عدم ذكره وعدم تسميته لا تؤثر؛ لأن الإسناد لا ينبني عليه، وإنما هذا المذكور، وهذا المثبت، وهذا المظهر الذي هو محمد بن المنكدر هو الذي عليه المعول، وذاك سواء جاء أو لم يأت، وسواء ذكر أو لم يذكر، يعني عدمه لا يؤثر وجهله لا يؤثر.[عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج].عبد الرحمن بن هرمز، وهو الأعرج وقد مر ذكره.[عن محمد بن مسلمة].محمد بن مسلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، قال الحافظ: إنه أكبر من يسمى محمد في الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة

شرح حديث: (أن النبي كان إذا افتتح الصلاة قال: (سبحانك اللهم وبحمدك...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءةأخبرني عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق حدثنا جعفر بن سليمان عن علي بن علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي نوع آخر من الذكر، وهنا ما قال: والدعاء، قال: والذكر؛ لأنه ذكر وليس فيه دعاء، هو ثناء وليس فيه طلب، وإنما كله تعظيم لله وثناء عليه سبحانه وتعالى، وأورد فيه حديث أبي سعيد الخدري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، فهذا كله ذكر وثناء على الله عز وجل.قوله: [(سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك)]، المراد بالجد هنا الجلال والعظمة، يعني: تعالت عظمتك، تعالى جلالك، هذا هو المراد بلفظ (الجد)، ولفظ (الجد) يأتي لمعاني منها: العظمة والجلال كما هنا، وكما في قول الله عز وجل عن الجن: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا [الجن:3]، فهنا المراد به الجلال والعظمة في الآية والحديث، ويأتي مراداً به الحظ والنصيب، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، فالجد يراد به الحظ والنصيب، ويأتي ويراد به اسم الجد الذي هو أبو الأب أو آباء الأب، فكلهم أجداد، ويقول الشاعر: (الجد بالجد)، يعني: الحظ والنصيب بالجد والاجتهاد لا بالكسل والخمول..الجَد بالجِد والحرمان بالكسلفانصب تصب عن قريب غاية الأملفقوله: الجد بالجد، يعني: الحظ والنصيب والفوائد تحصل بالجد والاجتهاد، والحرمان بالكسل؛ لأن الحرمان يقابل الجَد، والكسل يقابل الجِد.فإذاً: الجد يأتي بمعنى الجلال والعظمة كما في الحديث الذي معنا والآية في سورة الجن، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، ومنه الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، ويأتي مراداً به اسم أبي الأب الذي هو الجد.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك...)
قوله: [أخبرني عبيد الله بن فضالة].هو: عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي وحده.[أخبرنا عبد الرزاق].عبد الرزاق، وهو: ابن همام بن نافع الصنعاني، ثقة، حافظ، مصنف، وصاحب كتاب المصنف، وهو موسوعة كبيرة في الأحاديث والآثار، مثل مصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، فمثل هذه الكتب فيها مظان الآثار عن السلف وكلامهم من الصحابة ومن بعدهم، فهو مشتمل على الأحاديث والآثار، أي: كتابه المصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ الإمام أحمد، وهو الذي روى عنه الإمام مسلم، وكذلك البخاري، فرووا أحاديث صحيفة همام بن منبه؛ لأنه من طريق عبد الرزاق، وصحيفة همام بن منبه تروى من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام.[حدثنا جعفر بن سليمان].جعفر بن سليمان الضبعي وهو صدوق، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وكان يتشيع، وكذلك عبد الرزاق قالوا عنه: كان يتشيع، لكن سبق أن ذكرت أن تشيع عبد الرزاق هو من قبيل تفضيل علي على عثمان، وهذه كما ذكرت مسألة خلافية عند أهل السنة لا يبدع من قال بها، وقد قال بها جماعة منهم: عبد الرزاق، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، والأعمش، وابن خزيمة، وابن جرير الطبري.[عن علي بن علي].علي بن علي اليشكري البصري، وهو لا بأس به، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي المتوكل].أبو المتوكل الناجي، وهو: علي بن داود بن المتوكل الناجي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سعيد].أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حديث: (كان رسول الله إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
[أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا زيد بن الحباب حدثني جعفر بن سليمان عن علي بن علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)].أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو بلفظه، وهو مثله، إلا أنه جاء من طريق أخرى.قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].أحمد بن سليمان، وهو: الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، وخرج حديثه النسائي.[حدثنا زيد بن الحباب].زيد بن الحباب، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثني جعفر بن سليمان عن علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد].وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
نوع آخر من الذكر بعد التكبير

شرح حديث: (... الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه... قال النبي: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر من الذكر بعد التكبيرأخبرنا محمد بن المثنى حدثنا حجاج حدثنا حماد عن ثابت وقتادة وحميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، إذ جاء رجل فدخل المسجد وقد حفزه النفس، فقال: الله أكبر، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أيكم الذي تكلم بكلمات؟ فأرم القوم، قال: إنه لم يقل بأساً، قال: أنا يا رسول الله! جئت وقد حفزني النفس فقلتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها)].أورد النسائي هذه الترجمة، وهي نوع آخر من الذكر بعد التكبير، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رجل قد حفزه النفس)، يعني: نفسه ثائر، ويسمع نفسه يخرج منه لشدة ثورانه، فقال: (الله أكبر، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم قال تلك الكلمات؟ فأرم القوم)، يعني: سكتوا ولم يتكلموا بشيء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه ما قال بأساً؛ لأنهم أولاً خشوا أن يكون أتى بأمر ينكر عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم بادر وقال: إنه لم يقل بأساً، يعني: ما قال شيئاً يذم عليه، فقال: أنا يا رسول الله! فقال: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها، يعني: أيهم يأخذها ويرفعها إلى الله عز وجل، فهذا نوع من الذكر، وهو ذكر فقط وليس فيه دعاء، ولهذا جعل الترجمة نوع آخر من الذكر، ولم يقل: والدعاء.
تراجم رجال إسناد حديث: (... الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه... قال النبي: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها)
قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].محمد بن المثنى، وهو: أبو موسى الزمن، كنيته أبو موسى ولقبه الزمن، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وحديثه كما قلت عندهم بل هو من شيوخهم، وهو قرين محمد بن بشار بندار، الذي قال عنهما ابن حجر: وكانا كفرسي رهان.[حدثنا حجاج].حجاج هو حجاج بن المنهال البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حماد].حماد، هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن ثابت وقتادة وحميد].وهم ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة أيضاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكذلك أيضاً حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والثلاثة يروون عن أنس.[عن أنس].أنس بن مالك، هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من حديث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وثابت وقتادة وحميد كلهم شيوخ يروي عنهم حماد، ويروون ثلاثتهم عن أنس، والإسناد خماسي يعتبر من حيث العدد، من حديث الدرجات خماسي، وهؤلاء لا يحسبون في طول الإسناد؛ لأنهم في درجة واحدة، لأن بعضهم معطوف على بعض، وليس كل واحد يروي عن الثاني، فعند ذكر الطبقات، أو ذكر كونه من الرباعيات، أو الخماسيات، أو السداسيات يقال: خماسي؛ لأن فيه ثلاثة في طبقة واحدة: ثابت وحميد وقتادة، وهم من أهل البصرة.ثم أيضاً هؤلاء كلهم من أهل البصرة، لأن محمد بن المثنى بصري، والحجاج بن المنهال بصري، وحماد بن سلمة بصري، والثلاثة الذين هم في طبقة واحدة وهم: ثابت وقتادة وحميد كلهم بصريون، وأنس بن مالك بصري، فهو مسلسل بالرواة البصريين، وثلاثة منهم كما ذكرت في طبقة واحدة، فهو من الخماسيات.
الأسئلة

معنى اليد في قوله: (الخير كله في يديك)
السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (والخير كله في يديك)، هل يديك هنا على حقيقتها؟الجواب: نعم، قال تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ينفق كيف يشاء [المائدة:64]، فقوله: (والخير كله بيديك) هي من جنس: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وفيها إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى.
أمور تزداد بها الخشية
السؤال: كيف تزداد خشية العبد ربه ويشعر دائماً أنه في مراقبة حتى يبتعد عن المعاصي؟الجواب: تزداد الخشية بأمور، منها: تذكر الآخرة، وتذكر الموت، وتذكر أن كل ما يعمله الإنسان فإنه يجده أمامه؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 10:03 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الافتتاح)
(169)



- باب البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة - باب قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم)

دلت الأحاديث الواردة في شأن البسملة أنها آية من سورة الفاتحة، ولا حرج في الإسرار بها أو الجهر، لورود ذلك كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الإسرار بها أولى لثبوت الأدلة على ذلك في الصحيحين.
البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة

شرح حديث أنس في البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يستفتحون القراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] )].يقول النسائي رحمه الله: باب البداءة بالفاتحة قبل السورة. لما فرغ النسائي رحمه الله من ذكر التكبير، وأنه تفتتح به الصلاة، وذكر ما يكون بين القراءة والتكبير، وهو أدعية الاستفتاح التي جاءت من طرق مختلفة، وبألفاظ وبصيغ متعددة، انتقل بعد ذلك إلى القراءة، إلى قراءة القرآن في الصلاة، فبدأ بهذه الترجمة وهي البداءة بقراءة الفاتحة قبل السورة، المصلي يقرأ ما تيسر من القرآن، ولكن الإتيان بسورة الفاتحة هذا أمر مطلوب ومتعين ولابد منه، ويقرأ بعدها ما تيسر من القرآن، وقراءة الفاتحة مقدمة على قراءة غيرها.وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يستفتحون القراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2])، يستفتحون القراءة، يعني: أول شيء يقرأونه الفاتحة، وليس المقصود الاقتصار على: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]؛ لأن المقصود من هذه الجملة أنهم يبدءون بالفاتحة، وكلمة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يراد بها الفاتحة، ولا يراد بها هذه الجملة التي هي أنه يقتصر عليها، وإنما يريدون بذلك أنهم يقرءون الفاتحة، وعبر عن ذلك بهذه الجملة منها، وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]. فذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر، وعمر الخليفتين الراشدين رضي الله عنهما وأرضاهما: أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.والنسائي جعل الترجمة البداءة بقراءة الفاتحة قبل السورة. قوله: قراءة الفاتحة.. ثم أورد الحديث تحتها ليبين أن المقصود من الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، هو السورة كلها من أولها إلى آخرها، ولا يعني ذلك أن الفاتحة ليست من السورة، وأن البسملة ليست جزءاً من السورة، وإنما أراد بذلك الذي اشتهرت به هذه السورة وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، بخلاف (بسم الله الرحمن الرحيم) فإنها موجودة في أول كل سورة من القرآن، لكن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، موجودة في أول سورة الفاتحة، فلهذا يقال لها أحياناً: الحمد، يقال: من الحمد إلى الناس، فالحمد يعني الفاتحة التي أولها: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، والمقصود من ذلك أنها أول شيء بعد البسملة؛ لأن البسملة موجودة في أول كل سورة، والعلماء قد اختلفوا هل هي جزء من كل سورة في أولها، أم أنها تذكر تبركاً وتيمناً بذكر اسم الله عز وجل قبل قراءة السورة؟ ولكن كون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جعلوا البسملة في أول كل سورة في المصحف ما عدا أول سورة براءة، هذا يدل على أن البسملة من القرآن؛ لأنهم لا يجعلون مع القرآن شيئاً ليس من القرآن، فإثباتهم إياها داخل المصحف، وهم لا يثبتون بداخله إلا ما كان قرآناً، يدل على أن البسملة من السورة.لكن قوله: [(يستفتحون القراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2])]، لا يعني أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما يعني أنهم يبدءون بسورة الفاتحة، وسورة الفاتحة منها: بسم الله الرحمن الرحيم، بل إنها معدودة في آياتها، ولها رقم من أرقام تلك السورة التي هي بسم الله الرحمن الرحيم، هي الآية الأولى، والآية الثانية: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، فهي قد جُعلت أول آية من سورة الفاتحة.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة
قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو ابن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان بلدة أو قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وليس في رجال الكتب الستة من يسمى قتيبة سواه، فهو من الأسماء المفردة التي لم تتكرر التسمية بها، أو لم تتعدد التسمية بها. [حدثنا أبو عوانة].هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو عوانة، واسمه الوضاح، وأبو عوانة هذا متقدم من طبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهناك شخص آخر مشهور بهذه الكنية وهو أبو عوانة صاحب المستخرج على صحيح مسلم، ويقال لكتابه: صحيح أبي عوانة، ويقال له: مستخرج أبي عوانة، ويقال له: مسند أبي عوانة، وهذا الذي معنا متقدم، وأما ذاك فهو متأخر، استخرج على مسلم، حيث يأتي بأحاديث مسلم بأسانيد يلتقي فيها مع مسلم في شيخه أو من فوق شيخه، ولا يمر على مسلم ؛ لأن هذا هو شأن المستخرج أن يروي أحاديث الكتاب بأسانيد لا يمر بها على صاحب الكتاب، وإنما يلتقي معه في شيخه أو شيخ شيخه أو من فوق ذلك، فهذا هو المستخرج.وأبو عوانة المتأخر هو صاحب هذا الكتاب، وأما أبو عوانة المتقدم فهو الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي. [عن قتادة].هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أنس].هو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، خدمه عشر سنين منذ أن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن توفاه الله، وعاش عمراً طويلاً حتى أدركه صغار التابعين، ورووا عنه، وهو مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيوهذا الإسناد رباعي، من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى الأسانيد عند النسائي، ليس عند النسائي أعلى من الرباعيات، وكما ذكرت مراراً أن أصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة منهم أعلى ما عندهم الرباعيات، فالذين عندهم الثلاثيات: البخاري، عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسناد واحد، والثلاثة الباقون وهم مسلم، وأبو داود، والنسائي ليس عندهم شيء من الثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، يكون بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وبينهم أربعة أشخاص، وهذا الحديث من هذا القبيل؛ لأنه من رواية قتيبة عن أبي عوانة عن قتادة عن أنس، فهؤلاء أربعة هم رجال الإسناد بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً هؤلاء الأربعة حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث أنس في البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري حدثنا سفيان عن أيوب عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فافتتحوا بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2])].ثم أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وهو أنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر، فكانوا يستفتحون القراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2])، الحمد على الحكاية، الحمدُ إذا جاءت مرفوعة فالمقصود بها على الحكاية، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، هذا هو أول الفاتحة، فيأتي الحرف الجر، ويأتي.. ويبقى اللفظ على ما هو عليه على الحكاية، يعني: حكاية اللفظ كما جاء، مثلما يقال: سورة المؤمنون، لأنها: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، وسورة المنافقون: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون:1]، يعني: على الحكاية، وإلا بالنسبة للإضافة ... سورة المنافقين أو سورة المؤمنين، لكن إذا جاءت سورة المؤمنون فهي على الحكاية، وكذلك هنا الحمد، إذا جاءت الدال مرفوعة فهو على الحكاية، حكاية اللفظ أو حكاية صيغة الآية، حيث جاءت وهي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].وهو مثل الذي قبله، وهو رواية، يعني: هو الحديث الذي قبله إلا أنه من طريق أخرى.
تراجم رجال إسناد حديث أنس في البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة من طريق أخرى
قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد].وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق خرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا سفيان].سفيان، وهو ابن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة حجة إمام، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أيوب].وهو ابن أبي تميمية كيسان السختياني، وهو ثقة، ثبت، حجة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة عن أنس].قتادة عن أنس، قد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.هذا إسناد خماسي، عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري يروي عن سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة يروي عن أيوب السختياني، وأيوب السختياني يروي عن قتادة، وقتادة يروي عن أنس فهو خماسي، يعني: أنزل من الإسناد الذي قبله؛ لأن فيه زيادة رجل، والإسناد الذي قبله أربعة، وهذا خمسة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 10:04 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
قراءة بسم الله الرحمن الرحيم

شرح حديث أنس في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم أول السورة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قراءة بسم الله الرحمن الرحيم.أخبرنا علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (بينما ذات يوم بين أظهرنا -يريد النبي صلى الله عليه وسلم- إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا له: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي آنفا سورة: بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، ثم قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة آنيته أكثر من عدد الكواكب، ترده علي أمتي فيختلج العبد منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي، فيقول لي: إنك لا تدري ما أحدث بعدك)].ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، يعني: مع السورة، وأنها جزء منها، وقد أورد النسائي في ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة)، يعني: النوم القليل، وكان يوحى إليه عليه الصلاة والسلام، فلما تنبه تبسم، فسألوه عن تبسمه، (فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله)؟ ما الذي أضحكك؟ (فقال: أنزل علي آنفاً سورة: بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، فهو قال: (سورة)، ثم قال: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فجعل البسملة من السورة، وهذا يدلنا على أنها من السورة؛ لأنه قال: سورة بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، يعني: هذا هو الذي قرأه وأنزل عليه، وكان من جملة ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم، فقرأها كما قرأ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، وما بعدها.إذاً: هذا يدل على أن البسملة تقرأ كما يُقرأ الذي بعدها، كما تقرأ السورة بأكملها تقرأ البسملة في أولها، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث في هذه الترجمة.ثم إنه قال: (أتدرون ما الكوثر)؟ يعني: هذا الذي جاء في هذه الآية، أوفي هذه السورة: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، قال: (أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: نهر وعدنيه ربي في الجنة.. نهر)؟(نهر وعدنيه ربي في الجنة، آنيته أكثر من عدد الكواكب)، وفي هذا أن السنة تبين القرآن وتوضحه وتدل عليه؛ لأن الكوثر جاء ذكره في هذه السورة في القرآن، والسنة بينت المراد به، وأنه نهر في الجنة، وعده الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، آنيته عدد الكواكب لكثرتها، ثم قال: ترد..؟(ترده علي أمتي فيختلج العبد منهم فأقول: إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك)، أي: العبد، ثم ما جاء في الحديث: (نهر وعدنيه ربي في الجنة ترده أمتي فيختلج منه العبد)، المعلوم أن من يدخل الجنة فإنه يشرب ويتمتع بما فيها، ويتنعم بما فيها، ولا يذاد عنه أحد، ولا يمنع أحد من التنعم بالجنة، ويقال: (إنك لا تدري ما أحدث بعدك)، يعني: معنى هذا حرمان، ومن المعلوم أن هناك حوض تواترت به الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو قبل الجنة وقبل دخول الجنة، واختلف في مكانه، هل هو قبل الصراط أو بعد الصراط؟ والمشهور أنه قبل الصراط، والناس يخرجون من قبورهم عطاشاً، فيردون هذا الحوض، فيذاد عنه من يذاد، ويمنع من الشرب بسبب الإحداث الذي حصل منه في الدنيا كما جاء ذلك مبيناً في الحديث، فيقال: (إنك لا تدري ما أحدث بعدك).وهذا الذي يحصل فيه المنع والاختلاج هو الحوض، وأما من دخل الجنة ووصل إلى الجنة، فإنه يتنعم بما فيها، ولكن المقصود بالمنع بسبب الإحداث، هو: الذي يكون قبل ذلك في عرصات القيامة قبل دخول الجنة، والحوض يصب ماؤه.. يأتي من الكوثر كما جاء ذلك مبيناً في بعض الأحاديث: (أنه يمده أو يمد بماء من الكوثر)، يعني: يصب في ذلك الحوض، فهذا هو الذي يحصل فيه الذيادة أو يذاد عنه، وإنما قيل: ترده، يعني: ترد ماءه، وماؤه يأتي إلى الحوض، فهذا هو وجه أو توضيح معنى هذا الحديث، ودفع ما قد يتوهم من الإشكال، وهو أنه كيف من يدخل الجنة والنهر في الجنة، وأن من دخله يذاد عنه؟ من دخل الجنة أو بعض من دخل الجنة يذادون عن الشرب بسبب الإحداث؟! المقصود به أن ذلك في الحوض الذي في عرصات القيامة، والذي يكون قبل دخول الجنة، ويمد من ذلك النهر الذي في الجنة، فهذا الذي يذاد عنه هو ماء ذلك الكوثر، لكنه يذاد عنه وهو ليس في الجنة، وإنما يذاد عن مائه الذي صب في الحوض، يذاد عن الحوض كما جاء ذلك واضحاً في الأحاديث الكثيرة: أنه ترد أمته على الحوض، وأنه يذاد أناس عنه، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وفي بعض الروايات: أنه يعرفهم أنهم غر محجلين من أثر الوضوء، يعني: علامة أمته أنهم (غر محجلون من أثر الوضوء)، وهذا هو معنى الحديث.وفي هذا الحديث دلالة على إكرام الله عز وجل لرسوله بأن أعطاه ذلك النهر العظيم الذي في الجنة، وامتن عليه به، وأخبر عن هذه المنة بقوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].
تراجم رجال إسناد حديث أنس في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: [أخبرنا علي بن حجر].وهو ابن إياس السعدي المروزي، ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .قوله: [حدثنا علي بن مسهر] وهو ثقة، له غرائب بعدما أضر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن المختار بن فلفل].خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. [عن أنس].أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكره قريباً.وهذا الإسناد رجاله أربعة، علي بن حجر، وعلي بن مسهر، والمختار بن فلفل، وأنس بن مالك، هؤلاء أربعة، فهو إسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي.
شرح حديث نعيم المجمر في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب حدثنا الليث حدثنا خالد عن أبي هلال عن نعيم المجمر قال: (صليت وراء أبي هريرة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقال: آمين، فقال الناس: آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، وإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنه صلى، وكان مما فعله في صلاته أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ الفاتحة، ولما فرغ قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يشعر بأنه مرفوع، لأن قوله: إني أشبهكم صلاة برسول الله عليه الصلاة والسلام، يفيد بأنه مرفوع، والمقصود من ذلك هذه الأفعال التي فعلها.. ماذا قال في الأول؟ قال: صليت؟عن نعيم المجمر قال: (صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن..).(فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، وهي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، (فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بفاتحة الكتاب، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]).قال: [حتى إذا بلغ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقال: آمين، فقال الناس: آمين].ثم لما بلغ: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقال: آمين، هو، فقال الناس: آمين). وهو يفيد بأن الإمام يؤمن عند قراءة الفاتحة، إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، وقد مر ذلك في أحاديث عديدة أن الإمام يؤمن عندما ينتهي من قراءة الفاتحة، وكذلك المأمومون يؤمنون.(ويقول كلما سجد: الله أكبر)، يعني: عند كل سجود يقول: الله أكبر.(وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر)، والحديث جاء أنه يكبر عند كل خفض ورفع يقول: الله أكبر، إلا عند القيام من الركوع فيقول: سمع الله لمن حمده، وإلا فجميع التنقلات في الصلاة من خفض ورفع، كل ذلك يكون عند الانتقال الله أكبر، عند الانتقال من فعل إلى فعل يقول: الله أكبر، إلا عند القيام من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده ولا يقول: الله أكبر.[وإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم].عندما يسلم قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يفيد بأنه مرفوع، وأنه مسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا العمل الذي عمله أبو هريرة، وبعض العلماء يقول.. الذين لا يقولون بالجهر بالبسملة يقولون: إن قوله: أشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلزم منه أن يكون جميع ما ورد في هذا الفعل، أو في هذه الصلاة، أنه يكون فيه موافقاً لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد جاء أحاديث تدل على أنه لا يجهر أو أنه لا يأتي أو لا يسمعهم بسم الله الرحمن الرحيم في الصلوات الجهرية، وإنما يبدأ بالحمد لله رب العالمين، لا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، لا قبل الفاتحة ولا بعدها، يعني: في السور التي يقرؤها بعد الفاتحة، وأولها بسم الله الرحمن الرحيم، فإنه لا يجهر بها.ومن العلماء من تكلم في إسناد هذا الحديث، والشيخ الألباني ذكره ضمن الضعيفة وقال: إنه ضعيف الإسناد.
تراجم رجال إسناد حديث نعيم المجمر في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده. [عن شعيب].وهو ابن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، نبيل، فقيه، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: ثقة، نبيل، فقيه، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.[حدثنا الليث]هو الليث بن سعد، عن والده الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، مشهور بالحديث، والفقه، وهو فقيه مصر، ومحدثها في زمانه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا خالد].وهو خالد بن يزيد الجمحي المصري هو أبو عبد الرحيم المكي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هلال].هنا أبو هلال لم أجد في آخر التقريب في الكنى من يكنى بأبي هلال، لكن المزي في تحفة الأشراف عندما ذكر هذا الحديث وهو من أفراد النسائي، مما انفرد به النسائي قال: رواه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، فـسعيد بن أبي هلال هو مصري أيضاً، وهو صدوق خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، فجاء عند بعض العلماء: أنه اختلط. [عن نعيم المجمر].وهو نعيم بن عبد الله المجمر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة]. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، ولا أدري وجه ضعف إسناده عند الشيخ ناصر إلا أن يكون ذلك يتعلق بـسعيد بن أبي هلال، هذا الذي هو قال عنه بعض العلماء: أنه اختلط، ومن المعلوم أن المختلط روايته ما كان مسموعاً منه قبل الاختلاط هذا لا يؤثر، وما كان مسموعاً منه بعد الاختلاط هذا هو الذي يؤثر على الإسناد، فلا أدري وجه تضعيف الشيخ ناصر له إلا أن يكون هذا.
الأسئلة

حكم حداد المرأة على زوجها الذي لم يدخل بها
السؤال: رجل عقد على امرأة، وتوفي الرجل قبل أن يدخل بها، فهل يجب عليها الحداد، مع العلم أن المرأة طالبة، فإذا كان عليها حداد هل تترك الدراسة وتحد على زوجها، ولو ترتب على ذلك فصلها من الدراسة؟الجواب: أما قضية الإحداد أربعة أشهر وعشر، وقد جاء في الحديث أن المرأة إذا توفي عنها زوجها قبل أن يدخل بها فعليها العدة ولها الميراث؛ لأنها تعتبر زوجة، وأيضاً تعتد وتحد وقت العدة التي هي أربعة أشهر وعشر، هذه العدة كما هو معلوم في حال الوفاة، أما المطلقة قبل الدخول بها فإنه لا عدة عليها، أما قضية أن كونها طالبة، وكونها تذهب للدراسة، لا أستطيع أن أقول فيها شيء، والله تعالى أعلم.
دجل القرامطة في تفسير بعض الآيات من سورتي الكوثر والرحمن
السؤال: ما مدى صحة تفسير من فسر الكوثر بـفاطمة وعلي وذريتهما؟الجواب: هذا من جملة تفسيرات القرامطة الذين يفسرون القرآن بمثل هذا الكلام، مثلما ذكر عن الباطنية أنهم يفسرون قوله عز وجل: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:19] .. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22]، قال: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن:19]، علي وفاطمة، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22] الحسن والحسين، هذا تلاعب بكتاب الله، فكذلك تفسير الكوثر، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنه نهر وعدنيه ربي) إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1].
وجه كون البسملة معدودة ضمن آيات الفاتحة دون غيرها
السؤال: لماذا كانت البسملة معدودة في آيات سورة الفاتحة وغير معدودة في السور الأخرى؟الجواب: ما ندري عن وجه يعني كونها معدودة في الفاتحة دون غيرها، لا أدري وجه ذلك.
حكم طاعة المرأة زوجها في شيء ترى خلافه
السؤال: يا شيخ، أثابكم الله، أنا طالب علم، وزوجتي طالبة علم، وهناك بعض المسائل مختلف فيها بين العلماء بين الإباحة والكراهة، والأحوط والأورع لطالب العلم وطالبة العلم أن يتركا الشبهات، فإذا اختلفت أنا وزوجتي أنا أرى الكراهة وهي ترى الإباحة في مسألة معينة، فهل عليها أن تطيعني في ذلك؟ وهل تأثم إذا لم تطعنِ في ذلك؟الجواب: أولاً: التمثيل، ما عرفنا مثالاً حتى نستطيع أن نتبين الأمر في المسألة المختلف فيها، لكن الطريقة المثلى في مثل هذا إذا اختلفوا يرجعون إلى من يكون عنده علم ليبين لهم.
وصل الصفوف في صلاة الجنازة
السؤال: هل يجب وصل الصفوف في صلاة الجنازة؟الجواب: نعم، الصفوف توصل في صلاة الجنازة وفي غيرها، إلا أن صلاة الجنازة كما هو معلوم قد تكون صف واحد، يعني: ما فيه إلا صفاً واحداً يكون ثلاثة صفوف، وأما الوصل فتوصل ما تكون متقطعة، الناس يصلون الصفوف.
قول المأمومين آمين بعد قول الإمام آمين
السؤال: هل يدل حديث أبي هريرة رضي الله عنه على أن المأمومين يقولون: آمين بعد قول الإمام: آمين؟الجواب: نعم، هو وغيره، جاءت أحاديث كثيرة غير حديث أبي هريرة يدل على هذا، لكن غيره من الأحاديث كذلك يدل عليه، يعني جاء: (وإذا أمن فأمنوا)، (إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقولوا: آمين)، أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة في هذا، وقد مر بنا جملة منها.
صلاة المسافر بعد المقيم
السؤال: أنا مسافر، لو أدركت الصلاة والناس في الركعة الثالثة من صلاة الظهر، فصليت معهم ركعتين ثم سلمت وذلك؛ لأن الله شرع للمسافر ركعتين؟الجواب: الواجب على الإنسان المسافر إذا صلى مع إمام مقيم أن يصلي بصلاة الإمام المقيم، وأنه يصلي أربعاً، ولا يجوز له أن يصلي ركعتين فقط؛ لأنه جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل فقيل له: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين وإذا صلى مع إمام مقيم صلى أربعاً؟! فقال: تلك السنة)، يعني: هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، أو المسافرون إذا صلوا مع بعض صلوا ركعتين، وإذا صلوا وراء إمام مقيم فإنهم يتمون، بل لو أدرك آخر الصلاة فإنه إذا قام يقضي مقدار الصلاة الذي صلاها ذلك الإمام المتم وهي أربع ركعات، لو دخل معه قبل السلام في التشهد، ثم قام يقضي، فإنه يصلي أربعاً، هذه هي السنة كما جاء عن ابن عباس، (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى مع إمام مقيم صلى أربعاً؟ فقال: تلك السنة). يعني: هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابي إذا قال: السنة، يعني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.ومن المعلوم أن الإنسان المسافر إذا صلى خلف مقيم قد يكون أدرك الصلاة كلها، وقد يكون أدرك بعضها، فمعناه صلاته صلاة المقيم، فإنه يفعل كما يفعل المقيم، ليس معناه إذا جاء وهو في آخر الصلاة معه يصلي ركعتين، أو إذا جاء وهو يصلي باقي عليه ثلاث يصلي ركعتين ويجلس، لا، وإنما يصلي بصلاته ويقضي ما فاته.
مدى دلالة حديث أبي هريرة الأخير على الجهر بالبسملة
السؤال: هل يمكن أن يقال في حديث أبي هريرة الأخير: إن السنة جاءت بالجهر بالبسملة والإسرار جمعاً بين الأدلة خاصة إذا صح الحديث؟الجواب: نعم، إذا صح الحديث يمكن أن يقال: إنه يجهر بها في بعض الأحيان.


ابوالوليد المسلم 15-06-2021 10:05 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الصلاة
(كتاب الافتتاح)
(170)

- باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

بين أنس رضي الله عنه حكم الإسرار بالبسملة حيث اختلف فيها كثير من الناس، فبين أن الإسرار بها هو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم، وأنه صلى خلفهم جميعاً فلم يسمع أحداً منهم يجهر بالبسملة.
ترك الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)

شرح حديث أنس: (صلى بنا رسول الله فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك الجهر بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق سمعت أبي يقول: أخبرنا أبو حمزة عن منصور بن زاذان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما)].يقول النسائي رحمه الله: باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. هذه الترجمة معقودة لبيان أن التسمية قبل السورة لا يجهر بها ولكنه يسر بها، أي: أن الإمام عندما يصلي بالناس يأتي بالبسملة سراً، ثم يأتي بالسورة بعدها، وقد أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم). أي: أنهم ما سمعوه يجهر بها كما سمعوه يجهر بالسورة، وكذلك (صلى أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما)، يعني: لم نسمع بسم الله الرحمن الرحيم، لم يكونوا يجهرون بها فنسمعها منهم، وإنما كانوا يسرون، وقد جاء في بعض الروايات، وقد ذكرها الحافظ في بلوغ المرام: (كانوا يسرون)، يعني: يأتون بها سراً، وما جاء في هذا الحديث يدل على عدم الجهر بها، وهذا هو المعروف عن الخلفاء الراشدين، وعن عدد كبير من الصحابة ومن بعدهم من التابعين، أنهم يسرون بها، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي كانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم، كانوا لا يجهرون بها، وإنما يأتون بالسورة يجهرون بالقراءة، لكنهم لا يجهرون بالبسملة. وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك الدال على هذا، يعني: لبيان ترك الجهر، أي: ومعناه أنه يكون الإسرار، وقد حصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم فلم يسمعوها منه، وكذلك صلى بهم أبو بكر وعمر فلم يسمعوا البسملة منهما رضي الله تعالى عنهما.
تراجم رجال إسناد حديث أنس: (صلى بنا رسول الله فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم...)
قوله: [أخبرنا محمد بن علي].محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، وهو المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.[سمعت أبي يقول].يروي عن أبيه وهو علي بن الحسن بن شقيق، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا أبو حمزة].أبو حمزة، وهو: السكري، وهو: محمد بن ميمون السكري المروزي، ويلقب السكري قيل: إن سبب تلقيبه بذلك أنه كان حلو المنطق، وأنه كلامه حلواً ومنطقه حسناً، فكان يقال له: السكري، يعني: أن كلامه مثل السكر، أي: أنه حلو، وليست النسبة إلى السكر إلى بيعه أو إلى عمله، وإنما لكونه حلو المنطق، وكان جميل المنطق، وعذب الكلام، كان يقال له: السكري لهذا السبب، وهو محمد بن ميمون المروزي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، يقال: أبو حمزة.ومن المعلوم أن من أنواع علوم الحديث معرفة الذين اشتهروا بكناهم، وذلك حتى لا يلتبس الأمر فيما لو ذكروا بأسمائهم، فإن من لا يعرف يظن أن الشخص شخصان، وإنما هو شخص واحد، إذا ذكر بكنيته مرة، ثم ذكر باسمه مرة، فمن لا يعرف يظن أن هذا غير هذا، لكن من يعرف الأسماء والكنى يعلم أن هذا هو هذا، وأنه أحياناً يأتي بالكنية وأحياناً يأتي بالاسم والنسب، ولا لبس على من يعلم ذلك، وأما من يجهل ذلك، فيظن أن الشخص الواحد شخصين، يظن أنه إذا ذكر في الكنية في موضع يكون شخص، وإذا ذكر بالاسم في موضع آخر يكون شخص آخر، لكن من يعلم هذا لا يلتبس عليه الأمر.وكثير من المحدثين اشتهروا بكناهم، وقد ألف مؤلفات في الكنى، من ذلك كتاب: الكنى للإمام مسلم، وكذلك كتاب: الكنى للدولابي، وغيرهم ممن ألف في الكنى، يعني: الذين اشتهروا بالكنى يذكرونهم ويذكرون أسماءهم، وهذه فائدة في معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث، فلو جاء في بعض الروايات محمد بن ميمون، وجاء في بعضها أبو حمزة، يظن أن أبا حمزة غير محمد بن ميمون، لكن من يعرف أن هذا هو هذا لا يلتبس عليه الأمر.[عن منصور بن زاذان].منصور بن زاذان، وهو ثقة، ثبت، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أنس].هو: أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي وفقه الله لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث خدمه عشر سنين منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى توفاه الله وهو يخدمه، وكان عمره حين قدم الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، فخدمه عشر سنين، ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بطول العمر، فعمر حتى أدركه التابعون، بل أدركه صغار التابعين الذين رأوا كبار الصحابة، فهو ممن أدركه الصغار، ولقيه الكبار والصغار والمتوسطون؛ لكن لكونه عمر أدركه صغار التابعين فرووا عنه الحديث، ومن أولئك الزهري، فإنه كان يروي عن أنس بن مالك وهو من صغار التابعين. وحديث أنس بن مالك أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكما قلت: هو أحد السبعة الذين هم: أبو هريرة وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك هذا، وعائشة أم المؤمنين، وهم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبي زوجة النبي هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي الصحابية الوحيدة التي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغ أحد من النساء مثلما بلغت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقد روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي من أوعية سنته صلى الله عليه وسلم، وخاصة فيما يتعلق بأمور البيت التي لا يطلع عليها إلا النساء، وما يكون بين الأزواج وزوجاتهم، فإنها روت الشيء الكثير رضي الله تعالى عنها وأرضاها.وهي الصديقة بنت الصديق التي هي أحب زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم إليه، والتي رميت بما رميت به من الإفك، وأنزل الله براءتها في آيات تتلى في أول سورة النور، ومع هذا الإكرام الذي أكرمها الله تعالى به، وأنزل براءتها في آيات تتلى في القرآن الكريم، تتواضع لله عز وجل، وتحتقر نفسها، ولا يحصل منها ما لا ينبغي من الترفع، وما إلى ذلك مما ابتلي به بعض الناس الذين لم يوفقوا، ولم يكرمهم الله عز وجل بالاتصاف بالأخلاق الكريمة، فكانت مع ذلك تتواضع لله عز وجل، وتقول كما جاء في الصحيح: وكنت أتمنى أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها، ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى. يعني: أنا ما أستحق أن ينزل في قرآن، وهذا من تواضعها، وهذا من نبلها وكمالها، و( من تواضع لله رفعه الله عز وجل )، فرضي الله تعالى عنها وأرضاها.
ذكر ابن القيم لتواضع عائشة وبيان التواضع عند السلف
ولهذا ابن القيم لما ذكر في كتابه: جلاء الأفهام، وهو كتاب نفيس، من أحسن ما كتب في الصلاة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي أحكام الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، اسمه: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، فهو من أحسن ما ألف، بل هو أحسن ما ألف في ما يتعلق بأحكام الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، من حيث إيراد الأحاديث والآثار وكلام العلماء في المسائل المختلفة المتعلقة بالصلاة عليه صلى الله وسلم وبارك عليه، وكان من جملة ما اشتملت عليه الصلاة ذكر الآل، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، فهو بمناسبة ذكر الآل تعرض لأمهات المؤمنين، وأتى بتراجم مختصرة لهن، كل واحدة أتى لها بترجمة، كل أمهات المؤمنين عقد لهن تراجم بين شيء من فضائلهن، ومن ميزات كل واحدة منهن، وكان مما ذكره عند عائشة رضي الله عنها وأرضاها هذا الذي أشرت إليه، أنه مع إكرام الله عز وجل لها، وإنزاله فيها آيات تتلى، كانت تقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى. فيقول: هذه الصديقة بنت الصديق التي هي من هي، وتقول عن نفسها ما تقول، ثم قال: فأين هذا ممن يصلي لله ركعة أو يصوم يوماً من الدهر، ثم يقول: أنا كذا وأنا كذا وأنا كذا؟ فهذا الإكرام، وهذا الشرف العظيم، وهو أن الله تعالى يبرئها بآيات تتلى، ومع ذلك تقول: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى. وهذا شأن أولياء الله عز وجل أن من تواضع لله رفعه الله.ومنه قول أبي بكر: (إني وليت عليكم ولست بخيركم). يقول هذا تواضعاً، وإلا فهو خيرهم وهو أفضلهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكذلك ما جاء في قصة أويس القرني التي جاءت في صحيح مسلم: وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه خير التابعين، أن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وذكر شيئاً من صفاته، وقال: (من وجده منكم فليطلب منه أن يستغفر له)، فكان عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه يسأل في أمداد أهل اليمن الذين يأتون لإمداد الجيوش الإسلامية التي تذهب لقتال الفرس، وللجهاد في سبيل الله، فكانت الأمداد تأتي من اليمن، الأمداد جمع مدد، وهو ما يؤتى لتقوى به الجيوش، وليضاف إلى الجيوش؛ لتقويتها ولكثرة سوادها، فكانت الأمداد تأتي من اليمن، وهذا هو معنى ما جاء في الحديث:(إني أجد نفس الرحمن من جهة اليمن)، فإن المراد بالنفس ليس صفة من صفات الله، وإنما المراد به ما يحصل من التنفيس للمسلمين بهذه الجيوش والأمداد التي تأتي من جهة اليمن، هذا هو النفس، هذا هو نفس الرحمن، فليس في الحديث ما يدل على أن الله تعالى يوصف بأن له نفس، وإنما المراد بالنفس هو هذا التنفيس، وهذا الجند الذي يأتي من جهة اليمن لتمد به الجيوش الإسلامية التي تذهب لقتال الفرس والروم، فكانت الأمداد تأتي من جهة اليمن.فكان عمر يسأل عن أويس في الأمداد التي تأتي من جهة اليمن، حتى وهم مارين بالمدينة إلى جهة بلاد فارس للجهاد في سبيل الله، فظفر به -وجده- ولما سأله الأسئلة التي أخبر عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجدها متوفرة فيه، فأخبره أن الرسول قال كذا وكذا، وأنه قال: (من وجده فليطلب منه أن يستغفر له)، فأنا أطلب منك الاستغفار. ماذا قال أويس؟أولاً: عمر يتواضع لله عز وجل، هو من أهل الجنة، وأخبره الرسول بأن له قصر في الجنة، رآه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: هذا لـعمر بن الخطاب، وقال: (ذكرت غيرتك فلم أدخله، فقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ ثم بكى)، فبشر بالجنة وأخبر بأن له قصر في الجنة، لكن لكون الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذه المقالة، صار يبحث عن أويس حتى اهتدى إليه ووجده، وطلب منه أن يستغفر له، ثم هذا عمر من جانبه يطلب من تابعي لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا، ثم أويس ماذا قال؟من جانبه قال: أنتم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أنتم الذين يطلب منكم الاستغفار، فهذا هو النبل، وهذا هو الشرف، وهذا هو الفضل، إن المؤمن يجمع إحساناً وخوفاً، بخلاف المنافق فإنه يجمع بين الإساءة والأمن وعدم الخوف، والله وصف المؤمنين بقوله: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]، فهم يعملون الأعمال الصالحة ويتقربون إلى الله عز وجل، ومع ذلك يخافون أن لا تقبل منهم، فهم خائفون وجلون، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60].فـأويس من جانبه يقول ما قال، وعمر بن الخطاب يقول من جانبه ما قال، وكل منهما يتواضع لله عز وجل، وهذا شأن الكمل، وشأن ذوي النبل والشرف، أنهم إذا أكرمهم الله عز وجل لا يتبجحون، ولا يظهرون، ولا يحرصون على إبداء ذلك الذي أكرمهم الله عز وجل به والذي شرفهم به، فهذا شأنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.فالحاصل: أن ابن القيم رحمه الله في هذا الكتاب العظيم قال لما ذكر ترجمة عائشة، وذكر شيئاً من فضلها، ذكر هذا من تواضعها، وأنها قالت ما قالت، مع أنها عالية المنزلة، وهذا يدل على كمالها، وعلى فضلها ونبلها رضي الله عنها وأرضاها، وكما قلت: هذا كتاب نفيس. السخاوي المتوفى سنة 902هـ له كتاب اسمه: القول البديع في الصلاة والسلام على الحبيب الشفيع، فإنه ذكر في آخره الكتب التي ألفت في الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فذكر جملة منها، فذكرها وذكر الخامس منها كتاب ابن القيم جلاء الأفهام، لما سردها وذكرها قال في آخرها: وبالجملة فأحسنها وأكثرها فوائد خامسها، يعني: كتاب ابن القيم هذا الذي هو جلاء الأفهام، يعني: في آخر كتابه القول البديع، ذكر جملة من المؤلفات، ثم لما فرغ من عدها قال: وبالجملة فأحسنها وأكثرها فوائد خامسها، وخامسها هو: كتاب ابن القيم الذي هو جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، فلا يستغني عنه طالب العلم.
يتبع

ابوالوليد المسلم 15-06-2021 10:06 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث أنس: (صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج حدثني عقبة بن خالد حدثنا شعبة وابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وهو بمعنى ما تقدم: ( صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ). يعني: أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف الخلفاء الراشدين الثلاثة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم يسمع أحداً منهم، أي: من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الخلفاء الراشدين الثلاثة، لم يسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يدل على أن السنة بها هو الإسرار، وأنه لا يجهر بها، يجهر بالسورة ولكنه لا يجهر بالبسملة، وقد جاء عن علي رضي الله عنه كذلك؛ لأن الترمذي رحمه الله نقل هذا عن أكثر أهل العلم وقال: منهم أبو بكر، وعمر ،و عثمان، وعلي أنهم لا يرون الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، يعني: لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وإنما كانوا يسرون بها.
تراجم رجال إسناد حديث أنس: (صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله...)
قوله: [أخبرنا عبد الله بن سعيد].عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج، وهو ثقة، خرج له الجماعة، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج، فأبوه سعيد وكنيته أبو سعيد، وهذا من النوع الذي ذكرت مراراً وتكراراً أنه من أنواع علوم الحديث، وهو معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدته دفع توهم التصحيف فيما لو ذكر بنسبه ثم ذكر بكنيته بدون النسب، فإن من لا يعرف يظن أن (أبو) مصحفة من (ابن)، لو قيل: عبد الله بن سعيد الأشج، لو قيل بدلها: عبد الله أبو سعيد الأشج، الذي لا يعرف أن كنيته أبو سعيد يظن أن (أبو) مصحفة من (ابن)؛ لأنه عبد الله بن سعيد، فالذي ما يعرف أنه أبو سعيد يظن أن (أبو) جاءت بدل من (ابن)، وأنه تصحيف، لكن الذي يعرف أن كنيته أبو سعيد، إذا جاء هكذا صواب، وإذا جاء هكذا صواب، إذا قيل: عبد الله بن سعيد الأشج صواب، وإذا قيل: عبد الله أبو سعيد الأشج صواب؛ لأن أبو سعيد، وابن سعيد، فلا إشكال، ولا محذور، ولا تصحيف، بل (أبو) صحيحة، و(ابن) صحيحة، (أبو) إن جاءت قبل سعيد صحيحة، وهي كنية، و(ابن) إن جاءت قبل سعيد فهي صحيحة وهي نسبة، والأشج لقب. [حدثني عقبة بن خالد].وهو صدوق صاحب حديث، خرج له أصحاب الكتب الستة، وهو عقبة بن خالد بن عقبة بن خالد، يعني: وافق اسمه واسم أبيه اسم جده وجد أبيه؛ لأنه عقبة بن خالد بن عقبة بن خالد، فالاسم الأول والثاني مكرر؛ لأن اسم جده وافق اسمه، واسم جد أبيه وافق اسم أبيه، فهو عقبة بن خالد بن عقبة بن خالد، وهذا مثل خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط، يأتي اثنان مكرران، وهذا ليس كثيراً عند المتقدمين، أي: أنه يكون هذا التكرار بين الأسماء، أي: بين الاسم، واسم الأب، بحيث أنه يدور اسمان، ويتكرران، وذا قليل. [حدثنا شعبة وابن أبي عروبة].شعبة، وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل.وابن أبي عروبة، هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، حافظ، كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة].وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أنس].هو أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
شرح حديث عبد الله بن مغفل: (صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فما سمعت أحداً منهم قرأ بسم الله...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا عثمان بن غياث أخبرني أبو نعامة الحنفي حدثنا ابن عبد الله بن مغفل (كان عبد الله بن مغفل رضي الله عنه إذا سمع أحدنا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر رضي الله عنهما، فما سمعت أحداً منهم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم)].أورد النسائي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه: أنه سمع رجلاً يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر وخلف عمر، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، معناه: أنه ينكر على من فعل هذا، وأن هذا خلاف ما هو معروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وهو بمعنى حديث أنس المتقدم من الطريقتين الماضيتين.

تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن مغفل: (صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فما سمعت أحداً منهم قرأ بسم الله...)

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].وهو البصري أبو مسعود، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وهو مثل الذي مر بنا قريباً هذا عبد الله بن سعيد الأشج أبو سعيد، يعني: مما وافقت كنيته اسم أبيه، وإسماعيل بن مسعود أبو مسعود، وعبد الله بن سعيد أبو سعيد، وهناد بن السري أبو السري، والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو، فعدد كناهم توافق أسماء آباءهم. [حدثنا خالد].هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عثمان بن غياث].وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. [أخبرني أبو نعامة].وهو قيس بن عباية، وهو ثقة، نعم خرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن والأربعة. وهو الحنفي. [حدثنا ابن عبد الله بن المغفل].قيل: اسمه يزيد.هو ذكر أنه مجهول، ورأيت بعض العلماء ذكر أنه تكلم فيه؛ لأنه مجهول، لكن أنا ما وقفت له على ترجمة، وعبد الله بن المغفل أبوه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث ذكره الألباني في ضعيف سنن أبي داود، وفي ضعيف سنن النسائي، وفي ضعيف سنن ابن ماجه، لكن ما رأيت كلامه عليه، وإنما إشارة إلى ضعفه والإحالة إلى ابن ماجه ، وابن ماجه أحال إلى التعليق على ابن ماجه ، فلا أدري الكلام، لكن المتن هو مثل الذي قبله، وهو دال على ما دل عليه الذي قبله، ليس فيه إثبات حكم جديد، وإنما نفس الحكم الذي في حديث أنس من الطريقين المتقدمتين، هو نفس الكلام الذي جاء عن عبد الله بن المغفل من جهة الإسرار بالبسملة، وعدم الجهر بها.
الأسئلة

مدى صحة الاستدلال في ترك الجهر بالبسملة على أنها ليست من الفاتحة

السؤال: أليس في ترك الجهر بالبسملة دليل على أنها ليست من الفاتحة؟الجواب: ليس فيه دليل، ترك الجهر لا يدل على أنها ليست من الفاتحة، ولا أيضاً من سور القرآن، أنها ليست منها، وإنما لما جاءت السنة في الإسرار بها، دل على أنه يسر بها، لكن لا يدل على أنها ليست من القرآن؛ لأن إدخال الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم إياها في داخل المصحف، وكتابتها مع المصحف ككتابة المصحف دون أن يشيروا إلى شيء، يدل على أنها من القرآن؛ لأنهم لا يضيفون شيئاً ليس منه.ثم الذي مر بنا حديث الكوثر: ( أنزل علي سورة: بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1] ) فقرأ السورة من بسم الله الرحمن الرحيم إلى آخرها.
حكم إلزام الأب لابنه بتربية اللحية وعدم الإسبال
السؤال: هل يجب على الأب أن يلزم ابنه على تربية اللحية وعدم الإسبال، وإن كان الابن كبيراً قد تزوج، ويسكن في غير دار أبيه؟الجواب: هو لا شك أنه يغلظ عليه، ويقسوا عليه، وينكر عليه، ويظهر له عدم الرضا، مثلما حصل من بعض الصحابة، يعني: في قضايا متعددة، منها: ما حصل لـابن عمر في قصة ابنه، أو أحد أبنائه حينما قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، قال: والله لنمنعهن، فغضب عليه وأنكره وهجره حتى مات، قيل: لعل الفترة كانت وجيزة بين هذا وبين وفاته، وكذلك عبد الله بن المغفل أيضاً ابنه الذي كان يخذف ونهاه قال: الرسول نهى عن الخذف، ثم رآه يخذف بعد ذلك فقال: أقول لك: نهى رسول الله ثم أنت تخذف، لا أكلمك. فهجره وتركه ولم يكلمه.فالوالد يؤدب الصغير، والكبير أيضاً كذلك يؤدبه بما يناسبه من الإغلاظ عليه، ومن إظهار عدم الرضا، ومن ترك تكليمه، يعني: حتى يزدجر وحتى يرعوي.
الحكم على من يفعل أركان الإسلام دون نطق الشهادتين
السؤال: إذا فعل شخص أركان الإسلام، ولم يظهر لنا أنه نطق بالشهادتين، كأن يصلي ويصوم ويحج ويزكي، وقد لا ينطق بالشهادتين في صلاته، فبماذا نحكم عليه؟من يأتي ويصلي مع المسلمين يحكم بإسلامه، ومن المعلوم أن الشهادتين هي المدخل للإسلام، والصلاة هي بعد المدخل؛ لأنه قال صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات)، فالذي يصلي مع المسلمين فهو واحد منهم، والشهادتان موجودتان في الصلاة.
مصير أطفال المشركين والمسلمين يوم القيامة
السؤال: حكم أطفال المشركين، ما مصيرهم؟ وكذلك أطفال المسلمين؟الجواب: أطفال المشركين جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، يعني: المقصود من ذلك أنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء نتيجة الامتحان تكون السعادة، أو الشقاوة، يعني: مثل الذين ما بلغتهم الرسالة، هؤلاء يمتحنون، ومثلهم صبيان المشركين أولاد المشركين، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)، يعني: عندما يمتحنون، الله أعلم بما كانوا عاملين، يعني: يمتحنوا، هل يعملون ما يكونون فيه سعداء أو يعملون ما يكونون فيه أشقياء؟أما أولاد المسلمين، فجمهور العلماء على أنهم في الجنة، وبعضهم يقول: إنه لا يقطع لهم لكن يرجى لهم ذلك، ولا يقال: أنهم في الجنة، ولكن الجمهور على أنهم من أهل الجنة، الذين هم صبيان المسلمين.
الحكم على الجهر بالبسملة بأنه مخالف للسنة مطلقاً
السؤال: هل الجهر بالبسملة مخالف للسنة مطلقاً، فإن ابن القيم ذكر في زاد المعاد أن النبي صلى الله عليه وسلم، يجهر بها أحياناً، وغالب ما داوم عليه هو الإسرار بها؟الجواب: هو إذا ثبت الحديث فهو يدل على أنه يجهر بها أحياناً.
اختصاص الملاعنة للزوج دون المرأة في القذف
السؤال: قرأت في تفسير ابن كثير في آية: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، أن الشعبي قال: لو قذف الرجل زوجته لاعنها، ولو قذفته جلدت. هل هذا صحيح؟الجواب: كما هو معلوم الملاعنة هي تكون من جهة الزوج؛ هو الذي -يعني- بيده الطلاق، فإذا قذف تحصل الملاعنة، وبذلك يفرق بينهما، عندما يكون كل منهما حصل منه الإتيان بالنصوص التي جاءت في الملاعنة، وأما بالنسبة للمرأة إذا قذفت زوجها كما هو معلوم لا تلاعن، ولا شك أن ما قاله الشعبي هذا هو.. إما أن يكون هناك شهود على ما قالت، وإما الحد. السؤال: قول: اللهم أحسن وقوفنا بين يديك، عند إقامة الصلاة، هل هذا القول مشروع؟الجواب: ما أعرف، أقول: ما أعرف شيئاً في هذا، لا علم لي. السؤال: فضيلة الشيخ! وفقه الله، هل هذا الحديث من قبيل الضعيف، وهو دعاء الصباح والمساء: (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر)؟الجواب: لا أدري.
التوفيق بين غفران الله للذنوب جميعاً عدا الشرك وبين عذابه لبعض عصاة المسلمين
السؤال: كيف يكون التوفيق بين الحديث: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)، وقول مشهور عند أهل السنة: بأن الله تعالى قد يعذب بمشيئته أهل العصيان من المسلمين؟الجواب: لا تنافي بينهما، يعني: هذا وعد من الله عز وجل بأنه يعفو، وعفوه كما هو معلوم لمن شاء؛ لأنه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، فمن شاء أن يعفو عنه من هؤلاء فإنه لا يعذب، ومن شاء تعذيبه على ما حصل منه من المعاصي فإنه يعذب؛ لأن ذلك بمشيئته، إن شاء عفا وتجاوز، وإن شاء عذب على مقدار المعصية، ولكنه لا يخلد في النار إذا عذب، بل لا بد وأن يخرج من النار ويدخل الجنة، ولا يبقى في النار أبداً إلا الكفار الذين هم أهلها، والذين لا يخرجون منها أبداً، ولا سبيل لهم إلى دخول الجنة.
حكم رفع الأيدي عند التكبير على الجنازة
السؤال: نرى البعض يرفعون أيديهم عند التكبير على الجنازة، والبعض الآخر لا يرفع، فما الحكم؟الجواب: الحكم في هذا، يعني: بعض العلماء يقول: بأن الرفع في التكبيرات.. قبل التكبيرة التي بعد الأولى أن هذه لم تثبت مرفوعة، وإنما جاءت موقوفة على ابن عمر، فهم لا يرفعون أيديهم، بعض العلماء يقولون: بعدم الرفع، وبعضهم يقول: بالرفع، ويستدل على ذلك بأنه قد جاء في بعض طرق الحديث زيادة الرفع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام والذي زادها عمر بن شبة وهو ثقة، وقد ذكر هذا الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على فتح الباري في الجزء الثالث من كتاب الجنائز، وقال: إن الرفع جاء من طريق عمر بن شبة وهو ثقة، بل زيادته مقبولة، وذكر هذا الحديث المرفوع أنه في علل الدارقطني.
توجيه الحصر في حديث أنس بذكر أبي بكر وعمر وعثمان دون ذكر علي بن أبي طالب
السؤال: لماذا حصر في حديث أنس بذكر أبي بكر وعمر وعثمان دون ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟الجواب: ما أدري، ما أدري هل رأى هذا عن علي أو بلغه عن علي -الذي هو أنس-؛ لأن أنس ذكر هؤلاء الثلاثة، ومن المعلوم أن هؤلاء الثلاثة كانوا في المدينة، وأما علي رضي الله عنه فإنه انتقل إلى العراق، وأنس رضي الله عنه انتقل إلى العراق، إلا أنه بالبصرة وعلي بالكوفة، وانتقاله ما أدري متى كان، لكن كونه ما ذكر علياً؛ لعل ذلك ما بلغه، أو ما علم هذا عن علي رضي الله عنه، ولكنه حصل منه الصلاة خلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم يرهم يجهرون.لكن العلماء الذين ذكروا الأحكام، أو أقوال الصحابة، والتابعين ذكروا أن الخلفاء الراشدون على هذا ومنهم علي.



الساعة الآن : 10:15 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 295.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 295.46 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.17%)]