ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273185)

ابوالوليد المسلم 18-07-2025 07:56 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (841)
صــ 421 إلى صــ 430





18401- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال، فذكر مثله.
18402- حدثني المثني قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله: (أو آوى إلى ركن شديد) ، قد كان يأوي إلى ركن شديد = يعني الله تبارك وتعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بَعثَ الله بعده من نبيّ إلا في ثَرْوة من قومه. (1)
18403- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا بن لهيعة، عن أبي يونس، سمع أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد. (2)
18404-. . . . قال، حدثنا ابن أبي مريم سعيد بن عبد الحكم قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. (3)
18405- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
(1)
الأثر: 18402 - انظر تخريج الأثر رقم: 18397.

(2)
الأثر: 18403 - "أبو يونس" ، هو "سليم بن جبير الدوسي المصري" ، مولى أبي هريرة، ثقة، سلف برقم: 6889. و "ابن لهيعة" ، مضى مرارًا، ذكر من يضعفه، ومن يوثقه.

(3)
الأثر: 18404 - هذا إسناد صحيح، ومن هذه الطريق، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 6: 297) .

ذكر لنا أنَّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية = أو: أتى على هذه الآية = قال: رحم الله لوطًا، إن كان ليأوي إلى ركن شديد! = وذكر لنا أن الله تعالى لم يبعث نبيًّا بعد لوط عليه السلام إلا في ثَرْوة من قومه، حتى بعث الله نبيكم في ثروة من قومه.
* * *
يقال: من (آوي إلى ركن شديد) ، "أويت إليك" ، فأنا آوي إليك أوْيًا "، بمعنى: صرت إليك وانضممت، (1) كما قال الراجز: (2) "
يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ مِنَ الأَرْكَانِ ... فِي عَدَدَ طَيْسٍ وَمجْدٍ بَانِ (3)
* * *
وقيل: إن لوطًا لما قال هذه المقالة، وَجَدَت الرسلُ عليه لذلك.
18406- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد، أنه سمع وهب بن منبه يقول: قال لوط: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) ، فوجد عليه الرسلُ وقالوا: إنَّ ركنَك لشديد! (4)
(1)
انظر تفسير "أوى" فيما سلف ص: 418، تعليق: 1، والمراجع هناك، وهذه زيادة في البيان لم يسبق مثلها.

(2)
لم أعرف قائله.

(3)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 294، و "عدد طيس" ، كثير.

(4)
الأثر: 18406 - جزء من خبر طويل رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 156، 157، وسيأتي برقم: 18415.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت الملائكة للوط، لما قال لوط لقومه (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) ، ورأوا ما لقي من الكرب بسببهم منهم: (يا لوط إنا رسل ربك) ، أرسلنا لإهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه، فهوّن عليك الأمر= (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، يقول: فاخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل. (1)
* * *
يقال منه: "أسرى" و "سرى" ، وذلك إذا سار بليل = (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) .
* * *
واختلفت القراءة في قراءة قوله: (فأسر) .
فقرأ ذلك عامة قراء المكيين والمدنيين: "فَاسْرِ" ، وصلٌ بغير همز الألف، من "سرى" .
* * *
وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة: (فَأَسْرِ) بهمز الألف، من "أسرى" .
* * *
قال أبو جعفر: والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان، قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة، وهما لغتان مشهورتان في العرب، معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في ذلك.
* * *
(1)
انظر تفسير "القطع" فيما سلف ص: 76.

وأما قوله: (إلا امرأتك) ، فإن عامَّة القراء من الحجاز والكوفة، وبعض أهل البصرة، قرأوا بالنصب (إلا امْرَأَتَكَ) ، بتأويل: فأسر بأهلك إلا امرأتك، وعلى أن لوطًا أمر أن يسري بأهله سوى زوجته، فإنه نهي أن يسري بها، وأمر بتخليفها مع قومها.
* * *
وقرأ ذلك بعض البصريين: (إلا امْرَأَتُكَ) ، رفعًا = بمعنى: ولا يلتفت منكم أحد، إلا امرأتك = فإن لوطًا قد أخرجها معه، وإنه نهي لوط ومن معه ممن أسرى معه أن يلتفت سوى زوجته، وأنها التفتت فهلكت لذلك.
* * *
وقوله: (إنه مصيبها ما أصابهم) ، يقول: إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب = (إن موعدهم الصبح) ، يقول: إن موعد قومك الهلاك الصبح. فاستبطأ ذلك منهم لوط وقال لهم: بلى عجِّلوا لهم الهلاك! فقالوا: (أليس الصبح بقريب) أي عند الصبح نزولُ العذاب بهم، كما:-
18407- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (أليس الصبح بقريب) ، أي: إنما ينزل بهم من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:-
18408- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: فمضت الرُّسُل من عند إبراهيم إلى لوط، فلما أتوا لوطًا، وكان من أمرهم ما ذكر الله، قال جبريل للوط: يا لوط، إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين، فقال لهم لوط: أهلكوهم الساعة! فقال له جبريل عليه السلام: (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) ؟ فأنزلت على لوط: (أليس الصبح بقريب) ، قال: فأمره أن يسري بأهله بقطع من الليل، ولا يلتفت منهم أحد إلا
امرأته، قال: فسار، فلما كانت الساعة التي أهلكوا فيها، أدخل جبريل جناحَه فرفعها، حتى سمع أهلُ السماء صياح الديكة ونباحَ الكلاب، فجعل عاليها سافلَها، وأمطر عليها حجارة من سجِّيل. قال: وسمعت امرأة لوط الهَدَّة، فقالت: واقوماه! فأدركها حَجَرٌ فقتَلها. (1)
18409- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية قال: كان لوط أخذ على امرأته أن لا تذيع شيئًا من سرّ أضيافه. قال: فلما دخل عليه جبريل ومن معه، رأتهم في صورة لم تر مثلها قطُّ، فانطلقت تسعى إلى قومها، فأتت النادي فقالتْ بيدها هكذا، وأقبلوا يهرعون مشيا بين الهرولة والجمز، فلما انتهوا إلى لوط، قال لهم لوطٌ ما قال الله في كتابه. قال جبريل: (يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) ، قال: فقال بيده، (2) فطمس أعينهم، فجعلوا يطلبونهم، يلمسون الحيطان وهم لا يبصرون. (3)
18410- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حذيفة قال: لما بَصُرت بهم = يعني بالرسل = عجوزُ السَّوء امرأتُه، انطلقت فأنذرتهم، فقالت: قد تضيَّف لوطًا قوم، (4) ما رأيت قومًا أحسن وجوهًا! = قال: ولا أعلمه إلا قالت: ولا أشد بياضًا وأطيبَ ريحًا! قال: فأتوه يُهْرعون إليه، كما قال الله، فأصْفق لوط البابَ. قال: فجعلوا يعالجونه. قال: فاستأذن جبريل ربَّه في عقوبتهم، فأذن له، فصفقهم بجناحه، فتركهم عميانًا يتردَّدون في أخبث ليلة أتت عليهم قطُّ. (5)
فأخبروه: (إنا رسل ربك فأسر
(1)
الأثر: 18408 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 155.

(2)
"قال بيده" ، أشار بيده وأومأ.

(3)
الأثر: 18409 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 155.

(4)
في المطبوعة فقال "إنه تضيف لوطا" ، وفي المخطوطة: "رب تضيف لوط قوم" ، وهو خطأ من الناسخ لا شك فيه وأثبت ما في التاريخ.

(5)
في المطبوعة: "في أخبث ليلة ما أتت عليهم. . ." ، كأنه أراد تصويبها، فأفسدها. والصواب ما في المخطوطة والتاريخ.

بأهلك بقطع من الليل) ، قال: ولقد ذكر لنا أنه كانت مع لوط حين خرج من القرية امرأته، ثم سمعت الصوت، فالتفتت، وأرسل الله عليها حجرًا فأهلكها. وقوله: (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) ، فأراد نبيُّ الله ما هو أعجل من ذلك، فقالوا: (أليس الصبح بقريب) ؟ (1)
18411- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير قال، حدثنا عمرو بن قيس الملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة قال: انطلقت امرأته = يعني امرأة لوط = حين رأتهم = يعني حين رأت الرسل = إلى قومها فقالت: إنه قد ضافه الليلة قوم ما رأيت مثلَهم قط، أحسنَ وجوهًا ولا أطيبَ ريحًا! فجاؤوا يُهرعون إليه، فبادرهم لوط إلى أن يزحمهم على الباب، (2) فقال: (هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) ، فقالوا: (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) ، (3) فدخلوا على الملائكة، فتناولتهم الملائكة وطمست أعينهم، فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة سحرونا، كما أنت حتى تصبح! قال: واحتمل جبريل قَرْيات لوط الأربع، في كل قرية مائة ألف، فرفعهم على جناحه بين السماء والأرض، حتى سمع أهل السماء الدنيا أصواتَ ديكتهم، ثم قلبَهم، فجعل الله عاليها سافَلها. (4)
18412- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال حذيفة: لما دخلوا عليه، ذهبت عَجُوزه عجوزُ السوء، فأتت قومها فقالت: لقد تضيَّف لوطًا الليلة قومٌ ما رأيت قومًا قطُّ
(1)
الأثر: 18410 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 155، ولم ترد فيه الجملة الأخيرة من الخبر.

(2)
في المطبوعة: "يزجهم على الباب" والصواب ما في المخطوطة والتاريخ.

(3)
تضمين آيات سورة الحجر: 70، 71.

(4)
الأثر: 18411 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 155، 156.

أحسنَ وجوهًا منهم! قال: فجاؤوا يسرعون، (1) فعاجلَهم إلى لوط، (2) فقام ملك فلزَّ الباب = يقول: فسدّه = واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن له، فضربهم جبريل بجناحه، فتركهم عميانًا، فباتوا بشرّ ليلة، ثم (قالوا إنا رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) ، قال: فبلغنا أنها سمعت صوتًا، فالتفتت فأصابها حجر، وهى شاذَّة من القوم معلومٌ مكانها. (3)
18413- حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن حذيفة بنحوه، إلا أنه قال: فعاجلهم لوط. (4)
18414- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، لما قال لوط: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) ، بسط حينئذ جبريل عليه السلام جناحيه، ففقأ أعينهم، وخرجوا يدوس بعضُهم في أدبار بعض عميانًا يقولون: "النَّجَاءَ النجاء! فإن في بيت لوط أسحرَ قوم في الأرض" ! فذلك قوله: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) ، [سورة القمر: 37] . وقالوا للوط: (إنا رسل ربِّك لن يصلوا إليك فأسرْ بأهْلكَ بقطع منَ اللَّيْل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها) ، وَاتبع أدبارَ أهلك (5) = يقول: سرْ بهم = (وامضوا حيث تؤمرون) = فأخرجهم الله إلى
(1)
في التاريخ "فجاؤوا يهرعون إليه" .

(2)
في المطبوعة: "فعاجلهم لوط" ، وأثبت ما في المخطوطة، وأنا في ريب منه، لأن أبا جعفر لم يرو هذه الجملة في تاريخه، ولا أدري لم؟ ولم أشأ أن أغيره، للخبر الذي يليه، وهو في التاريخ جمع الإسنادين جميعًا، وساق هذه الجملة كلها غير هذا السياق.

(3)
الأثر: 18412 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 156، جمع هذا الإسناد والذي يليه فقال: ". . . حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال حدثنا محمد بن ثور = وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرازق = جميعًا، عن معمر. . ." .

(4)
الأثر: 18413 - انظر التعليق السالف، وإن كانت هذه الجملة، لم ترد في نص روايته في التاريخ.

(5)
هذا تضمين للآيات من هذه السورة، والتي في سورة الحجر: 65.

الشام. وقال لوط: أهلكوهم الساعة! فقالوا: إنا لم نؤمر إلا بالصُّبح، أليس الصبح بقريب؟ فلما أن كان السَّحَر، خرج لوط وأهله معه امرأته، (1) فذلك قوله: (إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ) ، [سورة القمر: 34] . (2)
18415- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد: أنه سمع وهب بن منبه يقول: كانَ أهل سدوم الذين فيهم لوط، قومًا قد استغنوا عن النساء بالرجال، فلما رأى الله ذلك [منهم] ، (3) بعث الملائكة ليعذبوهم، فأتوا إبراهيم، وكان من أمره وأمرهم ما ذكر الله في كتابه. فلما بشروا سارَة بالولد، قاموا وقام معهم إبراهيم يمشي، قال: أخبروني لم بعثتم؟ وما خطبكم؟ قالوا: إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمرها، وإنهم قوم سَوء قد استغنوا بالرجال عن النساء. قال إبراهيم: [أرأيتم] إن كان فيهم خمسون رجلا صالحًا؟ (4) قالوا: إذًا لا نعذبهم! فجعل ينقص حتى قال أهل بَيْت؟ (5) قالوا: فإن كان فيها بيت صالح! قال: فلوط وأهل بيته؟ قالوا: إن امرأته هَوَاها معهم! فلما يَئس إبراهيم انصرف. ومضوا إلى أهل سدوم، فدخلوا على لوط، فلما رأتهم امرأته أعجبها حسنهم وجمالهم، فأرسلت إلى أهل القرية إنه قد نزل بنا قومٌ لم يُرَ قومٌ قطُّ أحسن منهم ولا أجمل! (6) فتسامعوا بذلك، فغشُوا دار لُوط من كل ناحية وتسوَّروا عليهم الجدران. (7) فلقيهم لوط فقال: يا قوم
(1)
في التاريخ: "وأهله معه إلا امرأته" .

(2)
الأثر: 18414 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 157، مع اختلاف ذكرته آنفا. وذكر إسناده تامًا غير مختصر، إلى ابن عباس، وابن مسعود، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وهو إسناد دائر في التفسير، في أوله، ثم اختصره أبو جعفر بعد.

(3)
الزيادة بين القوسين، من التاريخ.

(4)
الزيادة بين القوسين، من التاريخ.

(5)
في المطبوعة والمخطوطة: "أهل البيت" ، والصواب من التاريخ.

(6)
في التاريخ: "لم ذر قومًا" .

(7)
في التاريخ: "الجدارات" ، وفي المخطوطة: "الجدرات" ، والذي في التاريخ صالح.

لا تفضحون في ضيفي، وأنا أزوّجكم بناتي، فهن أطهر لكم! فقالوا: لو كنَّا نُريد بناتك، لقد عرفنا مكانهن! فقال: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) ! فوجد عليه الرسل وقالوا: إن ركنك لشديد، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود! فمسح أحدهم أعينهم بجناحيه، فطمس أبصارَهم فقالوا: سُحِرْنا، انصرفوا بنا حتى نرجع إليه! فكان من أمرهم ما قد قصَّ الله تعالى في القرآن. (1) فأدخل ميكائيل = وهو صاحبُ العذاب = جناحه حتى بلغ أسفل الأرض، فقلبها، ونزلت حجارة من السماء، فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانُوا، فأهلكهم الله، ونجّى لوطًا وأهله، إلا امرأته. (2)
18416- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، وعن أبي بكر بن عبد الله = وأبو سفيان، عن معمر = عن قتادة، عن حذيفة، دخل حديث بعضهم في بعض قال: كان إبراهيم عليه السلام يأتيهم فيقول: ويحكم أنهاكم عن الله أن تعرَّضوا لعقوبته! فلم يطيعوا، حتى إذا بلغ الكتاب أجلَه، لمحل عذابهم وسطوات الرّبّ بهم. قال: فانتهت الملائكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له، فدعاهم إلى الضيافة، فقالوا: إنَّا مُضيِّفوك الليلة! وكان الله تعالى عهد إلى جبريل عليه السلام أن لا يُعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات. فلما توجه بهم لوط إلى الضيافة، ذكر ما يعمل قومه من الشَّرّ والدواهي العظام، فمشى معهم ساعةً، ثم التفت إليهم، فقال: أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرضِ شرًّا منهم! أين أذهب بكم؟ إلى قومي وهم شرُّ من خَلَقَ الله! (3) فالتفت جبريل إلى الملائكة فقال: احفظوا هذه واحدة! ثم مشى ساعةً، فلما توسَّط القرية وأشفق عليهم
(1)
في المطبوعة وحدها: "في كتابة" .

(2)
الأثر: 18415 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 156، 157، وانظر التعليق على رقم: 18406.

(3)
في المطبوعة: "شر خلق الله" ، وأثبت ما في المخطوطة.

واستحيا منهم، قال: أما تعلمون ما يعملُ أهل هذه القرية؟ وما أعلم على وجه الأرض شرًّا منهم، إن قومي شر خلق الله! فالتفت جبريل إلى الملائكة، فقال: احفظوا، هاتان ثنتان! فلما انتهى إلى باب الدار بكَى حياءً منهم وشفقة عليهم، وقال: إن قومي شرُّ خلق الله، أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلم على وجه الأرض أهل قرية شرا منهم! فقال جبريل للملائكة: احفظوا هذه ثلاثٌ، قد حُقَّ العذاب! فلما دخلوا ذهبت عجوزُه، عجُوز السَّوء، فصعدت فلوحت بثوبها، فأتاها الفساق يهرعون سراعًا، قالوا: ما عندك؟ قالت: ضيَّف لوطًا الليلة قومٌ ما رأيت أحسنَ وجوهًا منهم ولا أطيب ريحًا منهم! فهُرِعوا يسارعون إلى الباب، (1) فعاجلهم لوط على الباب، فدافعوه طويلا هو داخل وهم خارج، يناشدهم الله ويقول: (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) ، فقام الملك فلزَّ الباب = يقول: فسَدّه = واستأذن جبريل في عقوبتهم، فأذن الله له، فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء، فنشر جناحه، ولجبريل جناحان، وعليه وشاح من درّ منظوم، وهو براق الثنايا أجلَى الجبين، ورأسه حُبُك، مثل المرجان، (2) وهو اللؤلؤ، كأنه الثلج، وقدماه إلى الخضرة = فقال: يا لوط، (إنَّا رسل ربك لن يصلوا إليك) ، أمِطْ، يا لوط، من الباب ودعني وإياهم. (3) فتنحى لوط عن الباب، فخرج عليهم، فنشر جناحه، فضرب به وجوههم ضربةً شَدَخ أعينهم، (4) فصاروا عميًا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم. ثم أمر لوطًا فاحتمل بأهله من ليلته، قال: (فأسر بأهلك بقطع من الليل) .
18417- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قال لوط لقومه: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) ، والرسل تسمع ما يقول وما يُقال له، ويرون ما هو فيه من كرْب ذلك. فلما رأوا ما بلغه قالوا: (يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك) ، أي: بشيء تكرهه = (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) ، أي إنما ينزل بهم العذاب من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.
18418-. . . . قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدَّث. أن الرسل عند ذلك سَفَعُوا في وجوه الذين جاؤوا لوطًا من قومه يراودونه عن ضيفه، (5) فرجعوا عميانًا. قال: يقول الله: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُم) [سورة القمر: 37] .
18419- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (بقطع من الليل) ، قال: بطائفة من الليل.
18420- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بقطع من الليل) ، بطائفة من الليل.
18421- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس قوله: (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) ، قال: جوف الليل = وقوله:
(1)
في المطبوعة: "مسارعين إلى الباب" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
هكذا في المطبوعة، بأنه يعني "حبك الشعر" ، وهو الجعد المتكسر منه، وفي المخطوطة "حبل حبل" غير منقوطة، كأنها "حبل، حبل" ، يعني الذي ينظم في اللؤلؤ كالتاج. أو تقرأ "جثل، جثل" ، وهو من الشعر الكثير الملتف. والله أعلم.

(3)
في المطبوعة: "امض يا لوط" ، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب المحض. يقال: "ماط عن المكان، وأماط عنه" ، إذا تنحى. وفي حديث خيبر أنه أخذ الراية فهزها، فقال: من يأخذها بحقها؟ فجاء فلان، فقال: أنا! فقال: أمط! ثم جاء آخر، فقال: أمط = أي: تنح أنت واذهب.

(4)
هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "شدخ أعينهم" ، كأنه من "شدخت الغرة" ، إذا غشيت الوجه من أصل الناصية إلى الأنف، في الفرس. هذا، وإلا فإني لا أدري ما هو؟ .

(5)
"سفع وجهه بيده سفعا" لطمه بكفه مبسوطة.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 07:59 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (842)
صــ 431 إلى صــ 440





(وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ) ، يقول: واتبع أدبار أهلك = (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) (1) [سورة الحجر: 65] .
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-
18422- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ولا يلتفت منكم أحد) ، قال: لا ينظر وراءَه أحد = (إلا امرأتك) .
* * *
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلَ إلا امْرَأَتَكَ) .
* * *
18423- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، قال في حرف ابن مسعود: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلَ إلا امْرَأَتَكَ) .
* * *
قال أبو جعفر: وهذا يدل على صحة القراءة بالنصب.
* * *
(1)
الأثر: 18421 - هذا من تفسير آية سورة الحجر: 65، ولم يذكره هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما جاء أمرنا بالعذاب وقضاؤنا فيهم بالهلاك، (جعلنا عاليها)
يعني عالي قريتهم = (سافلها وأمطرنا عليها) ، يقول: وأرسلنا عليها = (حجارة من سجيل) .
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى "سجيل" .
فقال بعضهم: هو بالفارسية: سنك، وكل. (1)
*ذكر من قال ذلك.
18424- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (من سجيل) ، بالفارسية، أوَّلها حَجَر، وآخرها طين.
18425- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
18426- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه.
18427- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
18428- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: (حجارة من سجيل) ، قال: فارسية أعربت سنك وكل. (2)
18429- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "السجيل" ، الطين.
18430- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: (من سجيل) قالا من طين.
18431- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد، عن وهب قال: سجيل بالفارسية: سنك وكل
18432- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط،
(1)
انظر ما سلف 1: 14، تعليق: 2، ثم ص: 20.

(2)
الأثر: 18428 - انظر الأثر السالف قديمًا، رقم: 5.

عن السدي: (حجارة من سجيل) ، أما السجيل فقال ابن عباس: هو بالفارسية: سنك وجل = "سنك" ، هو الحجر، و "جل" ، هو الطين. يقول: أرسلنا عليهم حجارة من طين.
18433- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس: (حجارة من سجيل) ، قال: طين في حجارة.
* * *
وقال ابن زيد في ذلك ما:-
18434- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (حجارة من سجيل) ، قال: السماء الدنيا. قال: والسماء الدنيا اسمها سجيل، وهي التي أنزل الله على قوم لوط.
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول: "السجيل" ، هو من الحجارة الصلب الشديد، ومن الضرب، ويستشهد على ذلك بقول الشاعر: (1)
*ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّيلا* (2)
وقال: بعضُهُم يُحوِّل اللام نونًا. (3)
* * *
(1)
هو تميم بن أبي مقبل.

(2)
مجاز القرآن 1: 296، ومنتهى الطلب: 44، والمعاني الكبير: 991، واللسان (سجن) ، وغيرها، يقول قبله: وإنَّ فِينَا صَبُوحًا إنْ أَرِبْتَ بِهِ ... جَمْعًا بَهيًّا وَآلافًا ثَمَانِينَا

وَرَجْلةً يَضْرِبُونَ البَيْضَ عَنْ عُرُض ... ضَرْبًا تَواصَى بِهِ الأبْطَالُ سِجِّينَا.
(3)
يعني بقوله: "بعضهم" ، أي بعض العرب يحول اللام نونًا، كقول النابغة: بِكُلِّ مُدَجّجٍ كالَّليْثِ يَسْمُو ... عَلَى أَوْصَالِ ذَيَّالٍ رِفَنِّ

يريد: رفل = هذا تمام كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن، نقلته للتوضيح. ونسب قريش: 90.
وقال آخر منهم: هو "فِعّيل" ، من قول القائل: "أسجلته" ، أرسلته = فكأنه من ذلك، أي مرسلةٌ عليهم.
* * *
وقال آخر منهم: بل هو من "سجلت له سجلا" من العطاء، فكأنه قيل: مُتِحوا ذلك البلاء فأعطوه، وقالوا أسجله: أهمله.
* * *
وقال بعضهم: هو من "السِّجِلّ" ، لأنه كان فيها عَلَمٌ كالكتاب.
* * *
وقال آخر منهم: بل هو طين يطبخ كما يطبخ الآجرّ، وينشد بيت الفضل بن عباس:
مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِدًا ... يَمْلأُ الدَّلْوَ إلَى عَقْدِ الكرَب (1)
فهذا من "سجلت له سَجْلا" ، أعطيته.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله المفسرون، وهو أنها حجارة من طين، وبذلك وصفها الله في كتابه في موضع، وذلك قوله: (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) [سورة الذاريات: 33، 34]
* * *
(1)
معجم الشعراء: 309 واللسان (سجل) ، وغيرهما، وقبله: وَأَنَا الأخْضَرُ مَنْ يَعْرِفُنِي ... أخْضَرُ الجِلْدَةِ فِي بَيْتِ العَرَبْ

مَنْ يُسَاجِلْنِي. . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إِنَّما عَبْدُ مَنَافٍ جَوْهَرٌ ... زَيَّنَ الجَوْهَرَ عَبْدُ المُطَّلِبْ
وهو: الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب، وأمه آمنة بنت العباس بن عبد المطلب. وكان الفضل آدم شديد الأدمة، ولذلك قال: "وأنا الأخضر" ، و "الخضرة" في ألوان الناس، شدة السمرة، والعرب تصف ألوانها بالسواد، وتصف العجم بالحمرة. و "الكرب" الحبل الذي يشد على الدلو.
وقد روي عن سعيد بن جبير أنه كان يقول: هي فارسية ونبطية.
18435- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: فارسية ونبطية "سج" ، "إيل" .
* * *
فذهب سعيد بن جبير في ذلك إلى أن اسم الطين بالفارسية "جل" لا "إيل" ، وأن ذلك لو كان بالفارسية لكان "سِجْل" لا "سجيل" ، لأن الحجر بالفارسية يدعى "سج" والطين "جل" ، فلا وجه لكون الياء فيها وهي فارسية.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا الصواب من القول عندنا في أوّل الكتاب، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه قال: كان أصل الحجارة طينًا فشُدِّدت.
* * *
وأما قوله: (منضود) ، فإن قتادة وعكرمة يقولان فيه ما:-
18436- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: (منضود) يقول: مصفوفة.
18437- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة (منضود) يقول: مصفوفة.
* * *
وقال الربيع بن أنس فيه ما:-
18438- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله (منضود) ، قال: نضد بعضه على بعض.
(1)
انظر ما سلف 1: 13 - 20.

18439- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر الهذلي بن عبد الله: أما قوله: (منضود) ، فإنها في السماء منضودة: معدَّة، وهي من عُدَّة الله التي أعَدَّ للظلمة.
* * *
وقال بعضهم: "منضود" ، يتبع بعضه بعضًا عليهم. قال: فذلك نَضَدُه.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله الربيع بن أنس، وذلك أن قوله: (منضود) من نعت "سجيل" ، لا من نعت "الحجارة" ، وإنما أمطر القوم حجارة من طين، صفة ذلك الطين أنه نُضِد بعضه إلى بعض، فصُيِّر حجارة، ولم يُمْطَرُوا الطين، فيكونَ موصوفًا بأنه تتابع على القوم بمجيئه.
قال أبو جعفر: وإنما كان جائزًا أن يكون على ما تأوّله هذا المتأوّل لو كان التنزيل بالنصب "منضودةً" ، فيكون من نعت "الحجارة" حينئذ.
* * *
وأما قوله: (مسوَّمة عند ربك) ، فإنه يقول: معلمة عند الله، أعلمها الله، (1) و "المسوّمة" من نعت "الحجارة" ، ولذلك نصبت على النعت. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18440- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مسوّمة) ، قال: معلمة.
18441- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
(1)
انظر تفسير "المسومة" فيما سلف 6: 251 - 257 / 7: 184 - 190.

(2)
في المطبوعة: "نصبت ونعت بها" ، وفي المخطوطة: "نصبت وانعت" ، وكأن الصواب ما أثبت.

18442-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، مثله.
18443- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله = قال ابن جريج: (مسوّمة) ، لا تشاكل حجارة الأرض.
18444- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: (مسومة) قالا مطوَّقة بها نَضْحٌ من حمرة. (1)
18445- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (مسومة) عليها سيما معلومة. حدّث بعضُ من رآها، أنها حجارة مطوَّقة عليها = أو بها نضحٌ من حمرة، ليست كحجارتكم.
18446- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: (مسوّمة) ، قال: عليها سيما خطوط.
18447- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (مسومة) قال: "المسومة" ، المختَّمة.
* * *
وأما قوله: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، فإنه يقول تعالى ذكره متهددًا مشركي قريش: وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط، من مشركي قومك، يا محمد، ببعيد أن يمطروها، إن لم يتوبوا من شركهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
(1)
في المخطوطة: "يصح من حمرة" ، والصواب ما في المخطوطة. و "النضح" ، ما بقي له أثر، يقال: "على ثوبه نضح دم" ، وهو اليسير منه، الباقي أثره.

18448- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد قال، حدثنا شعبة قال، حدثنا أبان بن تغلب، عن مجاهد، في قوله: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، قال: أن يصيبهم ما أصاب القوم. (1)
18449- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، قال: يُرْهِب بها من يشاء.
18450- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18451-. . . . قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18452- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
18453- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، يقول: ما أجار الله منها ظالمًا بعد قوم لوط.
18454- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وعكرمة: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، يقول: لم يترك منها ظالمًا بعدهم. (2)
18455- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شؤذب، عن قتادة في قوله: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، قال: يعني ظالمي هذه الأمة. قال: والله ما أجارَ منها ظالمًا بعدُ!
(1)
الأثر: 18448 - "سهل بن حماد" ، "أبو عتاب الدلال" ، ثقة لا بأس به. مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 103، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 196.

(2)
في المطبوعة: "لم يبرأ منها ظالم" ، وفي المخطوطة: "يبرا منها ظالما" ، ورأيت قراءتها كما أثبتها.

18456- حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، يقول: من ظَلَمة العرب، إن لم يتوبوا فيعذّبوا بها.
18457- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر الهذلي بن عبد الله قال: يقول: (وما هي من الظالمين ببعيد) ، من ظلمة أمتك ببعيد، فلا يأمنها منهم ظالم.
* * *
وكان قلب الملائكة عَالي أرض سدوم سافلها، كما:-
18458- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا الأعمش، عن مجاهد قال: أخذ جبريل عليه السلام قوم لوط من سَرْحهم ودورهم، حملهم بمواشيهم وامتعتهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم. (1)
18459- حدثنا به أبو كريب مرة أخرى عن مجاهد قال: أدخل جبريل جناحه تحت الأرض السفلى من قوم لوط، ثم أخذهم بالجناح الأيمن، فأخذهم من سرحهم ومواشيهم، ثم رفعها (2)
18460- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، كان يقول: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) ، قال: لما أصبحوا غدا جبريل على قريتهم، ففتقها من أركانها، ثم أدخل جناحه، ثم حملها على خَوافي جناحه. (3)
18461-. . . . قال، حدثنا شبل قال، فحدثني هذا ابن أبي نجيح، عن إبراهيم بن أبي بكر = قال: ولم يسمعه ابن أبي نجيح = عن مجاهد قال،
(1)
الأثر: 18458 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 157.

(2)
الأثر: 18459- رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 157.

(3)
الأثر: 18460 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 157.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:02 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (843)
صــ 441 إلى صــ 450





فحملها على خوافي جناحه بما فيها، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها. فكان أوّل ما سقط منها شِرَافها. (1) فذلك قول الله: (جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) ، قال مجاهد: فلم يصب قومًا ما أصابهم، إن الله طمس على أعينهم، ثم قلب قريتهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل. (2)
18462- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال، بلغنا أن جبريل عليه السلام أخذَ بعُرْوة القرية الوُسْطى، ثم ألوَى بها إلى السماء، (3) حتى سمع أهل السماء ضَواغِي كلابهم، (4) ثم دمَّر بعضها على بعض فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعهم الحجارة = قال قتادة: وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف. (5)
18463- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتاده قال: ذكر لنا أن جبريل عليه السلام أخذ بعروتها الوسطى، ثم ألوى بها إلى جَوّ السماء حتى سمعت الملائكة ضَواغي كلابهم، ثم دمر بعضها على بعض ثم اتبع شُذَّان القوم صخرًا. (6) قال: وهي ثلاث قرًى يقال لها "سدوم" ، وهي بين المدينة والشأم. قال: وذكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف. وذكر
(1)
في المطبوعة: "شرفها" ، وفي المخطوطة والتاريخ "شرافها" ، كأنه على جمع "شريف" ، نحو "صغير" و "صغار" و "كبير" و "كبار" ، وكأن صوابهما "أشرافها" ، لأن "شراف" ، لم يذكر في جموع "شريف" ، ولكني أخشى أن تكون هي "شذانها" كما سيأتي في رقم: 18463، تعليق رقم: 6.

(2)
الأثر: 18461 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 157، مختصرًا، أسقط منه قول مجاهد الآخر.

(3)
يقال: "ألوت به العقاب" ، أي أخذته وطارت به.

(4)
"ضواغي الكلاب" ، جمع "ضاغية" ، أي التي لها "ضغاء" ، وهو صوت الذليل المقهور إذا استغاث.

(5)
الأثر: 18462 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 157.

(6)
"الشذان" جمع "شاذ" ، وهو الذي خرج من الجماعة، فشذ عنهم.

لنا أن إبراهيم عليه السلام كان يشرف [ثم] يقول (1) سدوم، يومٌ مَا لكِ! (2)
18464- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، لما أصبحوا = يعني قوم لوط = نزل جبريل، فاقتلع الأرض من سبع أرضين، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا، [حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، وأصوات ديوكهم، ثم قلبها فقتلهم] ، (3) فذلك حين يقول: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) [سورة النجم: 53] ، المنقلبة حين أهوى بها جبريل الأرض فاقتلعها بجناحه، فمن لم يمت حين أسقط الأرض أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة، ومن كان منهم شاذًّا في الأرض. وهو قول الله: (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) ، ثم تتبعهم في القرى، فكان الرجل [يتحدث] ، فيأتيه الحجر فيقتله، (4) وذلك قول الله تعالى: (وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) . (5)
18465- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر = وأبو سفيان، عن معمر =، عن قتادة قال، بلغنا أن جبريل عليه السلام لما أصبح نشرَ جناحه، فانتسف به أرضهم بما فيها من قُصورها ودوابها وحجارتها وشجرها، وجميع ما فيها، فضمها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا، حتى سمع سُكان السماء أصواتَ الناس والكلاب، وكانوا أربعة آلاف ألف، ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض منكوسةً، دمْدَمَ بعضها على بعض، فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيل
18466- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن نبي الله صلى الله عليه
(1)
الزيادة من تاريخ الطبري. وفي التاريخ: "سدوم يوم هالك" ، وأخشى أن الصواب هو ما في التفسير، وأن ذاك خطأ.

(2)
الأثر: 18463 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 157.

(3)
ما بين القوسين زيادة لا بد منها من سياق الكلام، نقلتها من نص الخبر في تاريخ الطبري.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "فكان الرجل يأتيه" ، وأثبت النص من التاريخ.

(5)
الأثر: 18464 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 157، 158.

وسلم قال: "بعث الله جبريل عليه السلام إلى المؤتفكة قرية لوط عليه السلام التي كان لوط فيهم، فاحتملها بجناحه، ثم صعد بها حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نُباح كلابها وأصوات دجاجها، ثم كفأها على وجهها، ثم أتبعها الله بالحجارة، يقول الله: (جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) ، فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات، وكنّ خمس قريات،" صنعة "و" صعوة "" وعثرة "، و" دوما "و" سدوم "= وسدوم هي القرية العظمى = ونجى الله لوطًا ومن معه من أهله، إلا امرأته كانت فيمن هلك."
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى وَلَد مدين أخاهم شعيبًا، فلما أتاهم قال: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، يقول: أطيعوه، وتذللوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه = (ما لكم من إله غيره) ، يقول: ما لكم من معبود سواه يستحقّ عليكم العبادة غيره = (ولا تنقصوا المكيال والميزان) ، يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم = (إني أراكم بخير) .
* * *
واختلف أهل التأويل في "الخير" الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين إنه يراهم به.
فقال بعضهم: كان ذلك رُخْص السعر وَحذرهم غلاءه.
*ذكر من قال ذلك:
18467- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي قال، حدثنا محمد بن موسى، عن الذيال بن عمرو، عن ابن عباس: (إني أراكم بخير) ، قال: رُخْص السعر = (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) ، قال: غلاء سعر. (1)
18468- حدثني أحمد بن عمرو البَصري قال، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا صالح بن رستم، عن الحسن، وذكر قوم شعيب قال: (إني أراكم بخير) ، قال: رُخْص السعر. (2)
18469- حدثني محمد بن عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبي عامر الخراز، عن الحسن في قوله: (إني أراكم بخير) قال: الغني ورُخْص السعر.
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك: إنّي أرى لكم مالا وزينة من زين الدنيا.
ذكر من قال ذلك:-
18470- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (إني أراكم بخير) ، قال: يعني خير الدنيا وزينتها.
18471- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
(1)
الأثر: 18467- "الذيال بن عمرو" ، هكذا جاء هنا بالذال معجمة، وقد سلف في رقم: 14445، وتعليقي عليه، وتعليق أخي السيد أحمد رحمه الله، في ج 12: 589، رقم: 7، "الزباء بن عمرو" ، وفي ابن كثير: "الديال" بدال مهملة، ولم نستطع أن نعرف من يكون. والإسناد هنا، هو الإسناد هناك نفسه.

(2)
الأثر: 18468 - "أحمد بن عمرو البصري" : شيخ الطبري، مضى برقم: 9875، 13928، وقد مضى ما قلت فيه، وقد روى عنه أبو جعفر في تاريخه 1: 182 / 5: 32. وكان في المطبوعة هنا: "أحمد بن علي النصري" ، ولا أدري من أين جاء بهذا التغيير؟ .

قوله: (إني أراكم بخير) ، أبصر عليهم قِشْرًا من قشر الدنيا وزينتها. (1)
18472- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إني أراكم بخير) ، قال: في دنياكم، كما قال لله تعالى: (إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) ، سماه "خيرًا" لأن الناس يسمون المال "خيرًا" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه، وذلك قوله: (إني أراكم بخير) ، يعني بخير الدنيا. وقد يدخل في خير الدنيا، المال وزينة الحياة الدنيا، ورخص السعر = ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها.
* * *
وإنما قال ذلك شعيب، لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم، كثيرة أموالهم، فقال لهم: لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم، فقد وَسَّع الله عليكم رزقكم، = (وإني أخاف عليكم) ، بمخالفتكم أمر الله، وبَخْسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم = (عذاب يوم محيط) ، يقول: أن ينزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه. فجعل "المحيط" نعتًا لليوم، وهو من نعت "العذاب" ، إذ كان مفهومًا معناه، وكان العذاب في اليوم، فصار كقولهم: "بعْض جُبَّتك محترقة" . (2)
* * *
(1)
"القشر" هو في الأصل، قشر الشجرة ونحوها، ثم أستعير للثياب وكل ملبوس، مما يخلع كما يخلع القشر، ثم أستعير لما نلبسه من زينة الحياة ثم نخلعه راضين أو كارهين.

(2)
انظر تفسير "محيط" فيما سلف 15: 93، تعليق 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل شعيب لقومه: أوفوا الناس الكيل والميزان (1) = "بالقسط" ، يقول: بالعدل، وذلك بأن توفوا أهل الحقوق التي هي مما يكال أو يوزن حقوقهم، على ما وجب لهم من التمام، بغير بَخس ولا نقص. (2)
* * *
وقوله: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ، يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أن توفوهم كيلا أو وزنًا أو غير ذلك، (3) كما:-
18473- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا علي بن صالح بن حي قال: بلغني في قوله: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) قال،: لا تنقصوهم.
18474- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ، يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم.
* * *
وقوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ، يقول: ولا تسيروا في الأرض تعملون فيها بمعاصي الله، (4) كما:-
18475- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا
(1)
انظر "إيفاء المكيال والميزان" فيما سلف 12: 224، 555.

(2)
انظر تفسير "القسط" فيما سلف 15: 103، تعليق 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "البخس" فيما سلف ص: 262، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "عثا" فيما سلف 12: 542، تعليق: 1، والمراجع هناك. = وتفسير "الفساد في الأرض" 12: 542، تعليق: 1، والمراجع هناك.

معمر، عن قتادة في قوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ، قال: لا تسيروا في الأرض.
18476- وحدثت عن المسيب، عن أبي روق، عن الضحاك في قوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ، يقول: لا تسعوا في الأرض مفسدين = يعني: نقصان الكيل والميزان.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (بقية الله خير لكم) ، ما أبقاه الله لكم، بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط، فأحلّه لكم، خير لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بالمكيال والميزان = (إن كنتم مؤمنين) ، يقول: إن كنتم مصدّقين بوعد الله ووعيده، وحلاله وحرامه.
* * *
وهذا قولٌ روي عن ابن عباس بإسنادٍ غير مرتضى عند أهل النقل.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم معناه: طاعة الله خيرٌ لكم.
*ذكر من قال ذلك:
18477- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (بقية الله خير لكم) ، قال: طاعة الله خير لكم.
18478- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد
بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (بقية الله) قال: طاعة الله (خير لكم) .
18479- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بقية الله) ، قال: طاعة الله.
18480- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن ليث، عن مجاهد: (بقية الله خير لكم) ، قال: طاعة الله خير لكم.
18481- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بقية الله خير لكم) ، قال: طاعة الله.
18482- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: حظكم من ربكم خير لكم.
*ذكر من قال ذلك:-
18483- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) ، حظكم من ربكم خير لكم.
18484- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (بقية الله خير لكم) ، قال: حظكم من الله خير لكم.
* * *
وقال آخرون: معناه: رزق الله خير لكم.
*ذكر من قال ذلك:
18485- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عمن ذكره، عن ابن عباس: (بقيت الله) قال رزق الله.
* * *
قال ابن زيد في قوله ما:-
18486- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) ، قال: "الهلاك" ، في العذاب، و "البقية" في الرحمة.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترت في تأويل ذلك القولَ الذي اخترته، لأن الله تعالى ذكره إنما تقدم إليهم بالنهي عن بَخس الناس أشياءهم في المكيال والميزان، وإلى ترك التطفيف في الكيل والبخس في الميزان دعاهم شعيب، فتعقيب ذلك بالخبر عما لهم من الحظّ في الوفاء في الدنيا والآخرة، أولى = مع أن قوله: (بقية) ، إنما هي مصدر من قول القائل "بقيت بقية من كذا" ، فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلا إلى: بقية الله التي أبقاها لكم مما لكم بعد وفائكم الناس حقوقهم خير لكم من بقيتكم من الحرام الذي يبقى لكم من ظلمكم الناس ببخسهم إياهم في الكيل والوزن.
* * *
وقوله: (وما أنا عليكم بحفيظ) ، يقول: وما أنا عليكم، أيها الناس، برقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم، هل توفون الناس حقوقهم أم تظلمونهم؟ (1) وإنما عليّ أن أبلغكم رسالة ربّي، فقد أبلغتكموها.
* * *
(1)
انظر تفسير "حفيظ" فيما سلف ص 365، تعليق: 3، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قوم شعيب: يا شعيب، أصَلواتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام (1) = (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، من كسر الدراهم وقطعها، وبخس الناس في الكيل والوزن = (إنك لأنت الحليم) ، وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لم يكن ليفعله في حال الرّضى، (2) = (الرشيد) ، يعني: رشيد الأمر في أمره إياهم أن يتركوا عبادة الأوثان، (3) كما:-
18487- حدثنا محمود بن خداش قال، حدثنا حماد بن خالد الخياط قال، حدثنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم في قول الله: (أصلاتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك أنت الحليم الرشيد) (4) قال: كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم (5) = أو قال: قطع الدراهم، الشك من حمّاد. (6)
18488- حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك، عن
(1)
في المطبوعة في هذا الموضع "أصلاتك" ، بالإفراد، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "الحليم" فيما سلف ص: 406، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الرشيد" فيما سلف ص: 417، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
جاء في المخطوطة "أصلاتك" بالإفراد، وهي إحدى القراءتين.

(5)
"حذف الشيء" ، قطعه من طرفه، ومنه "تحذيف الشعر" ، إذا أخذت من نواحيه فسويته.

(6)
الأثر: 18487 - "محمود بن خداش الطاقاني" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 187. "وحماد بن خالد الخياط القرشي" ، ثقة، كان أميًا لا يكتب، وكان يقرأ الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير 3 / 1 / 25، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 136.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:07 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (844)
صــ 451 إلى صــ 460






أبي مودود قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أن قوم شعيب عُذِّبوا في قطع الدراهم، وجدت ذلك في القرآن: (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) . (1)
18489- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي قال: عُذّب قوم شعيب في قطعهم الدراهم فقالوا: (يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) .
18490-. . . . قال، حدثنا حماد بن خالد الخياط، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم في قوله: (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، قال: كان مما نهاهم عنه حَذْفُ الدراهم.
18491- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، قال: نهاهم عن قطع الدنانير والدراهم فقالوا: إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء، إن شئنا قطعناها، وإن شئنا صرفناها، وإن شئنا طرَحناها!
18492-. . . . قال وأخبرنا ابن وهب قال، وأخبرني داود بن قيس المرّي: أنه سمع زيد بن أسلم يقول في قول الله: (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، قال زيدٌ: كان من ذلك قطع الدراهم.
* * *
وقوله: (أصلواتك) ، كان الأعمش يقول في تأويلها ما:-
18493- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري عن
(1)
في المطبوعة هنا أيضًا: "أصلاتك" بالإفراد، وأثبت ما في المخطوطة. وسأردها إلى المخطوطة حيث وجدتها، وأترك الإفراد حيث أجده، بلا إشارة إلى ذلك.

الأعمش في قوله: (أصلواتك) قال: قراءتك.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، وإنما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا في أموالهم ما قد ذكرتَ أنه نهاهم عنه فيها؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهَّمت. وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك.
فقال بعض البصريين: معنى ذلك: أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء = وليس معناه: تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء، لأنه ليس بذا أمرهم.
* * *
وقال بعض الكوفيين نحو هذا القول قال. وفيها وجه آخر يجعل الأمر كالنهي، كأنه قال: أصلواتك تأمرك بذا، وتنهانا عن ذا؟ فهي حينئذ مردودة على أن الأولى منصوبة بقوله "تأمرك" ، وأن الثانية منصوبة عطفًا بها على "ما" التي في قوله: (ما يعبد) . وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء.
* * *
وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأه (مَا تَشَاء) .
* * *
قال أبو جعفر: فمن قرأ ذلك كذلك، فلا مؤونة فيه، وكانت "أن" الثانية حينئذ معطوفة على "أن" الأولى.
* * *
وأما قوله لشعيب: (إنك لأنت الحليم الرشيد) فإنهم أعداء الله، قالوا ذلك له استهزاءً به، وإنما سفَّهوه وجهَّلوه بهذا الكلام.
* * *
وبما قلنا من ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:-
18494- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (إنك لأنت الحليم الرشيد) ، قال: يستهزئون.
18495- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إنك لأنت الحليم الرشيد) ، المستهزئون، يستهزئون: بأنك لأنت الحليم الرشيد! (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أرأيتم إن كنت على بيان وبرهان من ربي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، والبراءة من عبادة الأوثان والأصنام، وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال = (ورزقني منه رزقًا حسنًا) ، يعني حلالا طيّبًا.
* * *
(وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) ، يقول: وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أفعلُ خلافه، بل لا أفعل إلا ما آمركم به، ولا أنتهي إلا عما أنهاكم عنه. كما:-
18496- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) ، يقول: لم أكن لأنهاكم عن أمر أركبه أو آتيه.
* * *
(1)
في المطبوعة: "بأنك لأنت" ، والصواب المحض ما في المخطوطة.

= (إن أريد إلا الإصلاح) ، يقول: ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه، إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم = (ما استطعت) ، يقول: ما قدرت على إصلاحه، لئلا ينالكم من الله عقوبة منكِّلة، بخلافكم أمره، ومعصيتكم رسوله = (وما توفيقي إلا بالله) يقول: وما إصابتي الحق في محاولتي إصلاحكم وإصلاح أمركم إلا بالله، فإنه هو المعين على ذلك، إلا يعنّي عليه لم أصب الحق فيه.
* * *
وقوله: (عليه توكلت) ، يقول: إلى الله أفوض أمري، فإنه ثقتي، (1) وعليه اعتمادي في أموري. (2)
* * *
وقوله: (وإليه أنيب) ، وإليه أقبل بالطاعة،وأرجع بالتوبة، (3) كما:-
18497- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وإليه أنيب) ، قال: أرجع.
18498- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18499- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال=
18500-. . . . وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وإليه أنيب) ، قال: أرجع.
18501- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (وإليه أنيب) ، قال: أرجع.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "فإنه ثقتي" ، ولعل الصواب ما أثبت.

(2)
انظر تفسير "التوكل" فيما سلف من فهارس اللغة (وكل) .

(3)
انظر تفسير "الإنابة" فيما سلف ص: 406.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل شعيب لقومه: (وما قوم لا يخبر منكم شقاقي) ، يقول: لا يحملنكم عداوتي وبغضي، وفراق الدين الذي أنا عليه، (1) على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر بالله، وعبادة الأوثان، وبخس الناس في المكيال والميزان، وترك الإنابة والتوبة، فيصيبكم = (مثلُ ما أصاب قوم نوح) ، من الغرق = (أو قوم هود) ، من العذاب = (أو قوم صالح) ، من الرّجفة = (وما قوم لوط) الذين ائتفكت بهم الأرض = (منكم ببعيد) ، هلاكهم، أفلا تتعظون به، وتعتبرون؟ يقول: فاعتبروا بهؤلاء، واحذروا أن يصيبكم بشقاقي مثلُ الذي أصابهم. كما:-
18502- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لا يجر منكم شقاقي) ، يقول: لا يحملنكم فراقي، (أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح) ، الآية.
18503- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (لا يجر منكم شقاقي) ، يقول: لا يحملنكم شقاقي.
18504- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (لا يجر منكم شقاقي) ، قال: عداوتي وبغضائي وفراقي.
18505- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
(1)
انظر تفسير "جرم" فيما سلف 9: 483 - 485 / 10: 95.

= وتفسير "الشقاق" ، فيما سلف 13: 433، تعليق: 1، والمراجع هناك.
معمر، عن قتادة: (وما قوم لوط منكم ببعيد) ، قال: إنما كانوا حديثًا منهم قريبًا = يعني قوم نوح وعاد وثمود وصالح. (1)
18506- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (وما قوم لوط منكم ببعيد) ، قال: إنما كانوا حديثي عهد قريب، بعد نوح وثمود.
* * *
قال أبو جعفر: وقد يحتمل أن يقال: معناه: وما دارُ قوم لوط منكم ببعيد.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل شعيب لقومه: (استغفروا ربكم) ، أيها القوم من ذنوبكم بينكم وبين ربكم التي أنتم عليها مقيمون، من عبادة الآلهة والأصنام، وبَخْس الناس حقوقهم في المكاييل والموازين = (ثم توبوا إليه) ، يقول: ثم ارجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه = (إن ربي رحيم) ، يقول: هو رحيم بمن تاب وأناب إليه أن يعذبه بعد التوبة. (ودود) ، يقول: ذو محبة لمن أناب وتاب إليه، يودُّه ويحبُّه.
* * *
(1)
هكذا جاءت العبارة في المخطوطة والمطبوعة، وأنا أرجح أن الصواب: "يعني قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط" .

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قوم شعيب لشعيب: (يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول) ، أي: ما نعلم حقيقة كثير مما تقول وتخبرنا به (1) = (وأنا لنراك فينا ضعيفًا) .
* * *
ذُكِر أنه كان ضريرًا، فلذلك قالوا له: (إنا لنراك فينا ضعيفًا) .
* * *
*ذكر من قال ذلك:
18507- حدثني عبد الأعلى بن واصل قال، حدثنا أسد بن زيد الجصاص قال، أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير في قوله: (وإنا لنراك فينا ضعيفًا) ، قال: كان أعمى. (2)
18508- حدثنا عباس بن أبي طالب قال، حدثني إبراهيم بن مهدي المصيصي قال، حدثنا خلف بن خليفة، عن سفيان، عن سعيد، مثله.
18509- حدثنا أحمد بن الوليد الرملي قال، حدثنا إبراهيم بن زياد وإسحاق بن المنذر، وعبد الملك بن زيد قالوا، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، مثله. (3)
(1)
انظر تفسير "الفقه" فيما سلف 14: 582، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 18507 - "أسد بن زيد الجصاص" ، لم أجد له ذكرا. وإنما يذكرون: "أسيد بن زيد بن نجيح الجمال" ، وهو الذي يروي عن شريك، ويروي عنه أبو كريب وطبقته من شيوخ أبي جعفر الطبري، مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 16 وأبي حاتم 1 / 1 / 318، وميزان الاعتدال 1: 119. ولكن هذا "الجمال" ، وذاك "الجصاص" ، فلا أدري من يكون هذا الذي ذكره أبو جعفر.

(3)
الأثر: 18509 - "عبد الملك بن يزيد" ، هكذا هو في المخطوطة، كما أثبته، وفي المطبوعة: "عبد الملك بن زيد" ، غير ما في المخطوطة. ولم أعرف من يكون "عبد الملك بن يزيد" أو "ابن زيد" ، الذي يروي عن شريك؟

18510-. . . . قال، حدثنا عمرو بن عون ومحمد بن الصباح قالا سمعنا شريكًا يقول في قوله: (وإنا لنراك فينا ضعيفًا) ، قال: أعمى.
18511- حدثنا سعدويه قال، حدثنا عباد، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، مثله. (1)
18512- حدثني المثني قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان قوله: (وإنا لنراك فينا ضعيفًا) ، قال: كان ضعيف البصر = قال سفيان: وكان يقال له: "خطيب الأنبياء"
18513-. . . . قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا عباد، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (وإنا لنراك فينا ضعيفًا) ، قال: كان ضرير البصر.
* * *
= وقوله: (ولولا رهطك لرجمناك) ، يقول: يقولون: ولولا أنك في عشيرتك وقومك = (لرجمناك) ، يعنون: لسببناك. (2)
* * *
وقال بعضهم: معناه لقتلناك.
*ذكر من قال ذلك:
18514- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولولا رهطك لرجمناك) ، قال: قالوا: لولا أن نتقي قومك ورهطك لرجمناك.
* * *
(1)
الأثر: 18511 - "سعدويه، الضبي الواسطي" ، هو "سعيد بن سليمان" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 611، 2168، 11996، 13809 (ج 12: 585، تعليق: 1) . "وسعدويه" ، يروي عن شريك، ولكنه يروي أيضًا عن عباد بن العوام، فروى عن شريك هنا بالواسطة.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "لولا أنت في عشيرتك" ، وأرجح أن الصواب ما أثبت.

وقوله: (وما أنت علينا بعزيز) ، يعنون: ما أنت ممن يكرَّم علينا، فيعظمُ علينا إذلاله وهوانه، بل ذلك علينا هيّن. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم، أعزّزتم قومكم، فكانوا أعزّ عليكم من الله، واستخففتم بربكم، فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه، ولا تعظِّمونه حق عظَمته؟
* * *
يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل: "نَبَذ حاجته وراء ظهره" ، (2) أي: تركها لا يلتفت إليها. وإذا قضاها قيل: "جعلها أمامه، ونُصْب عينيه" ، ويقال: "ظَهَرتَ بحاجتي" و "جعلتها ظِهْرِيَّة" ، أي: خلف ظهرك، كما قال الشاعر: (3)
*وَجَدْنَا بَنِي البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ* (4)
بمعنى: أنهم يَظْهَرون بحوائجِ النّاس فلا يلتفتون إليها.
* * *
(1)
انظر تفسير "عزيز" فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) .

(2)
انظر تفسير "نبذه وراء ظهره" فيما سلف 1: 403، 404 / 7: 458، 459، 463.

(3)
هو أرطاة بن سهية المري.

(4)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 298، واللسان (ظهر) ، وكان أرطاة يهاجي شبيب بن البرصاء، وهما جميعًا من بني مرة بن سعد بن ذبيان، والهجاء بينهما كثير، وهذا منه. انظر الأغاني 13: 29 - 44 (دار الكتب) ترجمة أرطاة بن سهية = والأغاني 12: 271 - 281 (ساسي) ترجمة شبيب بن البرصاء. وصدر البيت: * فَمَنْ مُبْلِغٌ أبْنَاءَ مُرَّة أنَّنَا *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18515- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله، وصَغُر شأن الله عندهم، عزَّ ربُّنا وجلَّ.
18516- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال: قَفًا. (1)
18517- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، يقول: عززتم قومكم، وأظهرْتم بربكم.
18518- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، قال: لم تراقبوه في شيء إنما تراقبون قومي (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، يقول: عززتم قومكم وأظهرتم بربكم.
18519- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال: لم تراقبوه في شيء، إنما تراقبون قومي = (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، لا تخافونه
18520- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (أرهطي أعز عليكم من الله) ، قال: أعززتم قومكم، واغتررتم بربكم، سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال: قال سفيان:
(1)
هكذا في المطبوعة، ولها معنى، ولكن الذي في المخطوطة: "قصي" ، وكأنه أراد "قصيا" ، وهذا عندي أحب.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:10 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (845)
صــ 461 إلى صــ 470







(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، كما يقول الرجل للرجل: "خلَّفتَ حاجتي خلفَ ظهرك" ، (فاتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، استخففتم بأمره. فإذا أراد الرجل قضاء حاجةِ صاحبه جعلها أمامه بين يديه، ولم يستخفَّ بها.
18521- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال: "الظهْريّ" ، الفَضْل، مثل الجمّال يخرج معه بإبل ظَهَارَّية، (1) فضل، لا يحمل عليها شيئًا، إلا أن يحتاج إليها. قال: فيقول: إنما ربكم عندكم مثل هذا، إن احتجتم إليه. وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيء.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: واتخذتم ما جاء به شعيبٌ وراءكم ظهريًّا = فالهاء في قوله: (واتخذتموه) ، على هذا من ذكر ما جاء به شعيب.
*ذكر من قال ذلك:
18522- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال: تركتم ما جاء به شعيب
18523-. . . . قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد قال: نبذوا أمره.
18524- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، قال: نبذتم أمره.
18525- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ،
(1)
هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: "ظهارية" ، ولكن اللغة على أن جمع "ظهري" ، "ظهاري" ، فزيادة التاء هنا ضعيفة الوجه.

قال: همَّ رهط شعيب بتركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريًّا.
18526- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال=
18527-. . . . وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال: استثناؤهم رهط شعيب، وتركهم ما جاءَ به شعيب وراء ظهورهم ظهريًّا.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك، لقرب قوله: (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، من قوله: (أرهطي أعز عليكم من الله) = فكانت الهاء في قوله: (واتخذتموه) ، بأن تكون من ذكر الله، لقرب جوارها منه، أشبهَ وأولى.
* * *
وقوله: (إن ربي بما تعملون محيط) ، يقول: إن ربي محيط علمه بعملكم، (1) فلا يخفى عليه منه شيء، وهو مجازيكم على جميعه عاجلا وآجلا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ 93 مَن}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل شعيب لقومه: (ويا قوم اعملوا على مكانتكم) ، يقول: على تمكنكم.
* * *
(1)
انظر تفسير "محيط" فيما سلف ص: 445، تعليق: 2، والمراجع هناك.

يقال منه: "الرجل يعمل على مَكينته، ومَكِنته" ، أي: على اتئاده، = "ومَكُن الرجل يمكُنُ مَكْنًا ومَكانةً ومَكانًا" . (1)
* * *
وكان بعض أهل التأويل يقول في معنى قوله: (على مكانتكم) ، على منازلكم.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا: ويا قوم اعملوا على تمكنكم من العمل الذي تعملونه، إنّي عامل على تؤدةٍ من العمل الذي أعمله = (سوف تعلمون) ، أينا الجاني على نفسه، والمخطئ عليها، والمصيب في فعله المحسنُ إلى نفسه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل نبيّه شعيب لقومه: الذي يأتيه منّا ومنكم، أيها القوم = (عذاب يخزيه) ، يقول: يذله ويهينه (2) (ومن هو كاذب) ، يقول: ويُخزي أيضًا الذي هو كاذب في قيله وخبره منا ومنكم = (وارتقبوا) ، أي: انتظروا وتفقدوا من الرقبة.
* * *
يقال منه: "رقبت فلانًا أرْقُبه رِقْبَةً" . (3)
* * *
وقوله: (إني معكم رقيب) ، يقول: إني أيضًا ذو رقبة لذلك العذاب معكم، وناظر إليه بمن هو نازل منا ومنكم؟ (4)
* * *
(1)
انظر تفسير "المكانة" فيما سلف ص 12: 128، 129، وهنا زيادة في مصادره لا تجدها في كتب اللغة.

(2)
انظر تفسير "الخزي" فيما سلف من فهارس اللغة (خزي) .

(3)
انظر تفسير "الترقب" و "الرقيب" فيما سلف 7: 523، 524 / 11: 239.

(4)
انظر تفسير "الترقب" و "الرقيب" فيما سلف 7: 523، 524 / 11: 239.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما جاء قضاؤنا في قوم شعيب، بعذابنا "نجينا شعيبًا" رسولنا، والذين آمنوا به فصدقوه على ما جاءهم به من عند ربهم مع شعيب، من عذابنا الذي بعثنا على قومه = (برحمة منا) ، له ولمن آمن به وأتبعه على ما جاءهم به من عند ربهم = وأخذت الذين ظلموا صيحة من السماء أخمدتهم، فأهلكتهم بكفرهم بربهم. (1) وقيل: إن جبريل عليه السلام، صاح بهم صَيحةً أخرجت أرواحهم من أجسامهم = (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) ، على ركبهم، وصرعى بأفنيتهم. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كأن لم يعش قوم شعيب الذين أهلكهم الله بعذابه، حين أصبحوا جاثمين في ديارهم قبل ذلك. ولم يغنوا.
* * *
= من قولهم: "غنيت بمكان كذا" ، إذا أقمت به، (3) ومنه قول النابغة:
(1)
انظر تفسير "الصيحة" فيما سلف ص: 380.

(2)
انظر تفسير "الجثوم" فيما سلف ص: 380، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "غني بكذا" فيما سلف 12: 569، 570 / 15: 56، 381.

* * *
غَنِيَتْ بِذَلِكَ إِذْ هُمُ لِي جِيرَةٌ ... مِنْهَا بِعَطْفِ رِسَالِةٍ وتَوَدُّدِ (1)
وكما:-
18528- حدثني المثني قال، حدثنا أبو صالح، قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (كأن لم يغنوا فيها) ، قال يقول: كأن لم يعيشوا فيها.
18529- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
18530- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة مثله.
* * *
= وقوله: (ألا بعدًا لمدين كما بعدت ثمود) ، يقول تعالى ذكره: ألا أبعد الله مدين من رحمته، بإحلال نقمته بهم (2) = "كما بعدت ثمود" ، يقول: "كما بعدت من قبلهم ثمود من رحمته، بإنزال سخطه بهم."
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا على توحيدنا، وحجةً تُبين لمن عاينها وتأملها بقلب صحيحٍ. (3) أنها تدل على توحيد الله، وكذب
(1)
مضى البيت وشرحه فيما سلف ص: 56.

(2)
انظر تفسير "البعد" فيما سلف ص: 334، 367، 381.

(3)
انظر تفسير "السلطان" فيما سلف ص: 146، تعليق: 1، والمراجع هناك.

= وتفسير "مبين" فيمل سلف من فهارس اللغة (بين) .
كل من ادّعى الربوبية دونه، وبُطُول قول من أشرك معه في الألوهية غيره = (إلى فرعون وملئه) ، يعني إلى أشراف جنده وتُبَّاعه (1) = (فاتبعوا أمر فرعون) ، يقول: فكذب فرعون وملأه موسى، وجحدوا وحدانية الله، وأبوا قبول ما أتاهم به موسى من عند الله، واتبع ملأ فرعون أمرَ فرعون دون أمر الله، وأطاعوه في تكذيب موسى، وردّ ما جاءهم به من عند الله عليه = يقول تعالى ذكره: (وما أمر فرعون برشيد) يعني: أنه لا يُرشد أمر فرعون من قَبِله منه، في تكذيب موسى، إلى خير، (2) ولا يهديه إلا صلاح، بل يورده نار جهنم. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "الملأ" فيما سلف ص: 310، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة حذف قوله: "منه" ، فأفسد الكلام إفسادًا.

(3)
انظر تفسير "رشيد" فيما سلف ص: 450، تعليق: 3، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (يقدم) ، فرعون = (قومه يوم القيامة) ، يقودهم، فيمضي بهم إلى النار، حتى يوردهموها، ويصليهم سعيرها، (وبئس الورد) ، يقول: وبئس الورد الذي يردونه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك.
18531- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يقدم قومه يوم القيامة) ، قال: فرعون يقدم قومه يوم القيامة، يمضى بين أيديهم حتى يهجم بهم على النار.
18532- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (يقدم قومه يوم القيامة) يقول: يقود قومه = "فأوردهم النار" .
18533- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: (يقدم قومه يوم القيامة) ، يقول: أضلهم فأوردهم النار.
18534- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله: (فأوردهم النار) ، قال: "الورد" ، الدُّخول.
18535- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فأوردهم النار) ، كان ابن عباس يقول: "الورد" في القرآن أربعةُ أوراد: في هود قوله: (وبئس الورد المورود) = وفي مريم: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا) [سورة مريم: 71] ، وورد في "الأنبياء" : (حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) ، [سورة الأنبياء: 98] ، وورد في "مريم" أيضًا: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) [سورة مريم: 72] كان ابن عباس يقول: كل هذا الدخول، والله ليردن جهنم كل برٍّ وفاجر: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) ، [سورة مريم: 86] .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) }
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وأتبعهم الله في هذه = يعني في هذه الدنيا = مع العذاب الذي عجله لهم فيها من الغرق في البحر، لعنتَه (1) = (ويوم
(1)
انظر تفسير "اللعنة" فيما سلف 12: 447، تعليق: 2، والمراجع هناك.

القيامة) ، يقول: وفي يوم القيامة أيضًا يلعنون لعنةً أخرى، كما:-
18536- حدثنا بن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسه عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة) ، قال: لعنةً أخرى.
18537- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة) ، قال: زِيدوا بلعنته لعنةً أخرى، فتلك لعنتان.
18538- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) ، اللعنةُ في إثر اللعنة.
18539-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة) ، قال: زيدوا لعنة أخرى، فتلك لعنتان.
18540- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (في هذه) ، قال: في الدنيا = (ويوم القيامة) ، أردفوا بلعنة أخرى، زيدوها، فتلك لعنتان.
* * *
وقوله: (بئس الرفد المرفود) ، يقول: بئس العَوْن المُعان، اللعنةُ المزيدة فيها أخرى مثلها. (1)
* * *
وأصل "الرفد" ، العون، يقال منه: "رفَد فلانٌ فلانًا عند الأمير يَرفِده رِفْدًا" بكسر الراء = وإذا فتحت، فهو السَّقي في القدح العظيم، و "الرَّفد" : القدحُ الضخم، ومنه قول الأعشى:
(1)
في المخطوطة والمطبوعة: "أخرى منها" ، وكأن الصواب ما أثبت.

رُبَّ رَفْدٍ هَرَقْتَهُ ذَلِكَ الْيَوْ ... مَ وَأسْرَى مِنْ مَعْشَرٍ أَقْتَالِ (1)
ويقال: "رَفد فلان حائطه" ، وذلك إذا أسنده بخشبة، لئلا يسقط. و "الرَّفد" ، بفتح الراء المصدر. يقال منه: "رَفَده يَرفِده رَفْدًا" ، و "الرِّفْد" ، اسم الشيء الذي يعطاه الإنسان، وهو "المَرْفَد" .
* * *
وينحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18541- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (بئس الرفد المرفود) ، قال: لعنة الدنيا والآخرة.
18542- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بئس الرفد المرفود) ، قال: لعنهم الله في الدنيا، وزيد لهم فيها اللعنة في الآخرة.
18543- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) ، قال: لعنة في الدنيا، وزيدوا فيها لعنةً في الآخرة.
18544- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(1)
ديوانه: 13، من قصيدة طويلة من جياد شعره، يمدح فيها الأسود بن المنذر اللخمي أخا النعمان بن المنذر، الملك. وكان الأسود غزا الحليفين أسدًا وذبيان، ثم أغار على الطف، فأصاب نعمًا وأسرى وسبيًا من سعد بن ضبيعة (رهط الأعشى) ، وكان الأعشى غائبًا، فلما قدم وجد الحي مباحًا، فأتاه فأنشده، وسأله أن يهب له الأسرى ويحملهم، ففعل. يقول: رب رجل كانت له إبل يحلبها في قدح له ولعياله، فاستقت الإبل، وذهب ما كان يحلبه الرفد، فكذلك هرقت ما حلب. "والأقتال" جمع "قتل" (بكسر فسكون) . و "القتل" ، القرن من الأعداء، وهو أيضًا: المثل والنظير، وقال الأصمعي في شرح البيت وقد نقلت ما سلف من شرح ديوانه: "أقتال" ، أشباه غير أعداء. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "أقيال" ، وهو هنا خطأ.

(وأتبعوا في هذه لعنه ويوم القمامة بئس الرفد المرفود) ، يقول: ترادفت عليهم اللعنتان من الله، لعنة في الدنيا، ولعنة في الآخرة.
18545- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، قال: أصابتهم لعنتان في الدنيا، رفدت إحداهما الأخرى، وهو قوله: (ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: هذا القصص الذي ذكرناه لكَ في هذه السورة،، والنبأ الذي أنبأناكه فيها، من أخبار القرى التي أهلكنا أهلها بكفرهم بالله، (1) وتكذيبهم رسله = (نقصه عليك) فنخبرك به (2) = (منها قائم) ، يقول: منها قائم بنيانه، بائدٌ أهله هالك، (3) ومنها قائم بنيانه عامر، ومنها حصيدٌ بنيانه، خرابٌ متداعٍ، قد تعفى أثرُه دارسٌ.
* * *
من قولهم: "زرع حصيد" ، إذا كان قد استؤصل قطعه، وإنما هو محصود، ولكنه صرف إلى "فعيل" ، (4) كما قد بينا في نظائره. (5)
* * *
(1)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) .

(2)
انظر تفسير "القصص" فيما سلف 9: 402 / 11: 399 / 12: 120، 307، 406 / 13: 7، 274.

(3)
في المطبوعة "بائد بأهله" ، والصواب من المخطوطة، وزدت "قائم" قبل قوله: "بنيانه" ، وبذلك تستقيم الجملة وتساوي التي تليها.

(4)
انظر تفسير "حصيد" فيما سلف ص: 56.

(5)
انظر ما سلف من فهارس اللغة مباحث العربية والنحو وغيرهما.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:13 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (846)
صــ 471 إلى صــ 480





وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18546- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد) ، يعني ب "القائم" قُرًى عامرة. و "الحصيد" قرى خامدة.
18547- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (قائم وحصيد) ، قال: "قائم" على عروشها = و "حصيد" مستأصَلة.
18548- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (منها قائم) ، يرى مكانه، (وحصيد) لا يرى له أثر.
18549- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (منها قائم) ، قال: خاوٍ على عروشه= (وحصيد) ، ملزقٌ بالأرض.
18550- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن سفيان، عن الأعمش: (منها قائم وحصيد) ، قال: خرَّ بنيانه.
18551- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش: (منها قائم وحصيد) ، قال: "الحصيد" ، ما قد خرَّ بنيانه.
18552- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (منها قائم وحصيد) ، منها قائم يرى أثره، وحصيدٌ بَادَ لا يرى أثره.
* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما عاقبنا أهل هذه القرى التي اقتصَصنا نبأها عليك، يا محمد، بغير استحقاق منهم عقوبتنا، فنكون بذلك قد وضعنا عقوبتنا هُمْ في غير موضعها = (ولكن ظلموا أنفسهم) ، يقول: ولكنهم أوجبوا لأنفسهم بمعصيتهم الله وكفرهم به، عقوبتَه وعذابه، فأحلوا بها ما لم يكن لهم أن يحلوه بها، وأوجبوا لها ما لم يكن لهم أن يوجبوه لها = (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء) ، يقول: فما دفعت عنهم آلهتهم التي يدعونها من دون الله، (1) ويدعونها أربابًا من عقاب الله وعذابه إذا أحله بهم ربُّهم من شيء، ولا ردَّت عنهم شيئًا منه = (لما جاء أمر ربك) ، يا محمد، يقول: لما جاء قضاء ربك بعذابهم، فحقّ عليهم عقابه، ونزل بهم سَخَطه = (وما زادوهم غير تتبيب) ، يقول: وما زادتهم آلهتهم عند مجيء أمر ربك هؤلاء المشركين بعقاب الله غير تخسيرٍ وتدميرٍ وإهلاك.
* * *
يقال منه: "تبَّبْتُه أتبِّبُه تَتْبيبًا" ، ومنه قولهم للرجل: "تبًّا لك" ، قال جرير:
عَرَادَةُ مِنْ بَقِيَّةِ قَوْمِ لُوطٍ ... أَلا تَبًّا لِمَا فَعَلُوا تَبَابًا (2)
* * *
(1)
انظر تفسير "أغني عنه" فيما سلف ص: 215، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
ديوانه: 72، من قصيدته المشهورة في هجاء الراعي النميري، وكان سببها أن "عرادة النميري" ، وهو رواية الراعي كان نديمًا للفرزدق، فقدم الراعي البصرة، فدعاه عرادة فأطعمه وسقاه وقال: فضل الفرزدق على جرير! فأبى. فلما أخذ فيه الشراب، لم يزل به حتى قال: يا صَاحِبَيَّ دَنا الرَّواحُ فَسِيرَا ... غَلَبَ الفَرَزْدَقُ في الهِجَاءِ جريرَا

فهاج الهجاء بينهما، فكان مما ذكر به عرادة قوله: أتَانِي عَنْ عَرَادَةَ قَوْلُ سُوءٍ ... فَلاَ وَأَبِي عُرَادَةَ مَا أَصَابَا
وَكَمْ لَكَ يَا عُرَادَةُ مِنْ أُمِّ سُوءٍ ... بَأَرْضِ الطَّلْحِ تَحْتَبِلُ الزَّبابَا
لَبِئْسَ الْكَسْبُ تَكْسِبُهُ نُمَيْرٌ ... إِذَا اسْتَأْنَوْكَ وانْتَظَروا الإِيابَا
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عرابة" ، وهو خطأ صرف.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18553- حدثني المثني قال، حدثنا سعيد بن سلام أبو الحسن البصري قال، حدثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوق، عن ابن عمر في قوله: (وما زادوهم غير تتبيب) ، قال: غير تخسير. (1)
18554- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (غير تتبيب) ، قال: تخسير.
18555- حدثنا المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18556-حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة: (غير تتبيب) ، يقول: غير تخسير.
18557- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (غير تتبيب) ، قال: غير تخسير.
* * *
(1)
الأثر: 18553 - "سعيد بن سلام، أبو الحسن البصري العطار الثوري الأعور" ، منكر الحديث، كذاب يحدث عن الثوري، لا يكتب حديثه، مترجم في الكبير 2 / 1 / 441، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 31، ولسان الميزان 3: 31، وميزان الاعتدال 1: 382. "ونسير بن ذعلوق الثوري" ، ثقة، مضى برقم: 5491، 13488.

قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله تعالى ذكره، وإن كان خبرًا عمَّن مَضَى من الأمم قبلنا، فإنه وعيدٌ من الله جلّ ثناؤه لنا أيتها الأمة، أنا إن سلكنا سبيلَ الأمم قبلَنا في الخلاف عليه وعلى رسوله، سلك بنا سبيلهم في العُقوبة = وإعلام منه لما أنه لا يظلم أحدًا من خلقه، وأن العباد هم الذين يظلمون أنفسهم، كما:-
18558- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قال، اعتذر = يعني ربنا جل ثناؤه = إلى خلقه فقال: (وما ظلمناهم) ، مما ذكرنا لك من عذاب من عذبنا من الأمم، (ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم) ، حتى بلغ: (وما زادوهم غير تتبيب) ، قال: ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبيب.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكما أخذت، أيها الناس، أهلَ هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتُهم به من العذاب، على خلافهم أمري، وتكذيبهم رسلي، وجحودهم آياتي، فكذلك أخذي القرَى وأهلها إذا أخذتهم بعقابي، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله، وإشراكهم به غيره، وتكذيبهم رسله = (إنَّ أخذه أليم) ، يقول: إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه = (أليم) ، يقول: موجع = (شديد) الإيجاع.
* * *
وهذا من الله تحذيرٌ لهذه الأمة، (1) أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة، فيحل بهم ما حلَّ بهم من المثُلات، كما:-
18559- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو معاوية، عن بريد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يُمْلي= ورُبَّما، قال: يمهل = الظالمَ، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتُه. ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة) . (2)
18560- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: إن الله حذّر هذه الأمة سطوتَه بقوله: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) .
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "وهذا أمر من الله تحذير. . ." ، والصواب حذف "أمر" ، كذلك فعلت.

(2)
الأثر: 18559 - "بريد بن بردة" ، هو "بريد بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري" ، يروي جده "أبي بردة" ، ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 1 / 140، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 426.وقوله ": عن أبيه" ، يعني عن "أبي بردة بن أبي موسى الأشعري" ، وهو جده. وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 267) ، ومسلم في صحيحه 15: 137، وابن ماجة في سننه ص: 1332، رقم: 4018، والترمذي في كتاب التفسير. وإسناد البخاري ومسلم: "بريدة بن أبي بردة، عن أبيه" ، وإسناد ابن ماجة "بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة" وعند الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية أيضًا، وهو إسناد الطبري: بريد بن عبد الله، عن أبي بردة. وقد ذكر الحافظ ابن حجر ذلك فقال: "كذا وقع لأبي ذر، ووقع لغيره:" عن أبي بردة "بدل:" عن أبيه "، وهو صواب، لأن بريدًا، هو ابن عبد الله بن أبي بردة، فأبو بردة جده لا أبوه، ولكن يجوز إطلاق الأب عليه مجازًا" (الفتح 8: 267) . وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب، وقد روى أبو أسامة عن بريد، نحوه وقال: يعلى. حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن أبي أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه، وقال: يملى، ولم يشك فيه" .

وكان هنا في المخطوطة والمطبوعة: "إن الله يملي = وربما أمهل، قال يمهل" ، زاد "أمهل" ، فحذفتها، لأنها زيادة لا شك في خطئها.
"أملي له" أخره وأطال مدته. من "الملاوة" ، وهي المدة من الزمن.
وكان عاصم الجحدريّ يقرأ ذلك: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ) ، (1) وذلك قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها مصاحف المسلمين، وما عليه قراء الأمصار.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن في أخذنا من أخذنا من أهل القرى التي اقتصصنا خبرَها عليكم أيها الناس لآية، يقول: لعبرة وعظة (2) = لمن خاف عقاب الله وعذابه في الآخرة من عباده، وحجةً عليه لربه، وزاجرًا يزجره عن أن يعصي الله ويخالفه فيما أمره ونهاه.
* * *
وقيل: بل معنى ذلك: إن فيه عبرة لمن خاف عذاب الآخرة، بأن الله سيفي له بوَعْده.
(1)
كان في المطبوعة: "وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى" وفي المخطوطة: "وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى" ، والذي في المخطوطة، هو نفس التلاوة، ولذلك جعل الناشر "إذ" مكان "إذا" . ولكني لما رأيت أبا جعفر ذكر خلافه لمصاحف المسلمين وكان في المخطوطة: "إذا" قدرت أنه الذي أثبت، وهي قراءة شاذة، رويت عن عاصم الجحدري، وعن نافع (انظر القراءات الشاذة، لابن خالويه: 61) . وقرأ عاصم وطلحة بن مصرف: (وكَذَلِكَ أَخَذَ رَبُّكَ إِذْ أَخَذَ القُرَى) وقرأ عاصم أيضا: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّك إِذْ أَخَذَ الْقُرَى) . فهي ثلاث قراءات عن عاصم الجحدري، أثبت أشدها خلافا لمصاحف المسلمين، وما عليه قرأة الأمصار.

(2)
انظر تفسير "آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

*ذكر من قال ذلك:
18561- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن في ذلك لآيه لمن خاف عذاب الآخرة) ، إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة، كما وفينا للأنبياء: أنا ننصرهم.
* * *
وقوله: (ذلك يوم مجموع له الناس) ، يقول تعالى ذكره: هذا اليوم = يعني يوم القيامة = (يوم مجموع له الناس) ، يقول: يحشر الله له الناس من قبورهم، فيجمعهم فيه للجزاء والثواب والعقاب = (وذلك يوم مشهود) ، يقول: وهو يوم تَشهده الخلائق، لا يتخلَّف منهم أحدٌ، فينتقم حينئذ ممن عصى الله وخالف أمره وكذَّب رُسُلَه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18562- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد في قوله: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) ، قال: يوم القيامة.
18563- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن عكرمة، مثله.
18564- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف المكي، عن ابن عباس قال، "الشاهد" ، محمد، و "المشهود" ، يوم القيامة. ثم قرأ: (ذلك يوم مجموعٌ له الناس وذلك يوم مشهود) .
18565- حدثني المثني قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن ابن عباس قال: "الشاهد" ، محمد = و "المشهود" ، يوم القيامة. ثم تلا هذه الآية: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) .
18566- حدثت عن المسيب، عن جويبر، عن الضحاك قوله: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) ، قال: ذلك يوم القيامة، يجتمع فيه الخلق كلهم، ويشهدُه أهل السماء وأهل الأرض.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما نؤخّر يوم القيامة عنكم أن نجيئكم به إلا لأن يُقْضَى، فقضى له أجلا فعدّه وأحصَاه، فلا يأتي إلا لأجله ذلك، لا يتقدم مجيئه قبل ذلك ولا يتأخر.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يوم يأتي يوم القيامة، أيها الناس، وتقوم الساعة، لا تكلم نفس إلا بإذن رَبّها.
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: (يوم يأتي) .
فقرأ ذلك عامّة قراء أهل المدينة بإثبات الياء فيها (يَوْمَ يَأْتِي لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) .
وقرأ ذلك بعض قراء أهل البصرة وبعض الكوفيين بإثبات الياء فيها في الوصل وحذفها في الوقف.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بحذف الياء في الوصل والوقف: (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ) .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي: (يَوْمَ يَأْتِ) ، بحذف الياء في الوصل والوقف اتباعًا لخط المصحف، وأنها لغة معروفة لهذيل، تقول: "مَا أدْرِ مَا تَقول" ، ومنه قول الشاعر: (1)
كَفَّاكَ كَفٌّ مَا تُلِيقُ دِرْهَمَا ... جُودًا وأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا (2)
* * *
وقيل: (لا تكلم) ، وإنما هي "لا تتكلم" ، فحذف إحدى التاءين اجتزاء بدلالة الباقية منهما عليها.
* * *
وقوله: (فمنهم شقيّ وسعيد) ، يقول: فمن هذه النفوس التي لا تكلم يوم القيامة إلا بإذن ربها، شقيٌّ وسعيد = وعاد على "النفس" ، وهي في اللفظ واحدة، بذكر الجميع في قوله: (فمنهم شقي وسعيد) .
* * *
يقول: تعالى ذكره: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير) = وهو أوّل نُهاق الحمار وشبهه = (وشهيق) ، وهو آخر نهيقه إذا ردده في الجوف عند فراغه من نُهاقه، كما قال رؤبة بن العجاج:
حَشْرَجَ فِي الجَوْفِ سَحِيلا أَوْ شَهَقْ ... حَتَّى يُقَالَ نَاهِقٌ وَمَا نَهَقْ (3)
* * *
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
معاني القرآن للفراء في تفسير الآية، اللسان (ليق) ، يقال: "ما يليق بكفه درهم" (بفتح الياء) أي: ما يحتبس = و "ما يلقيه القراء وهو" ، أي: ما يحبسه.

(3)
ديوانه: 106، واللسان (حشرج) ، وسيأتي في التفسير 29، 4 (بولاق) ، من طويلته المشهوره، يصف فيها حمار الوحش، وبعده: كَأَنَّهُ مُسْتَنْشِقٌ مِن الشَّرَقْ ... خُرًّا من الخَرْدَلِ مَكْرُوهَ النَّشَقْ

و "حشرج" ردد الصوت في حلقه ولم يخرجه. و "السحيل" ، الصوت الذي يدور في صدر الحمار في نهيقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18567- حدثني المثني قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (لهم فيها زفير وشهيق) ، يقول: صوت شديدٌ وصوت ضعيف.
18568-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن أبي العالية في قوله: (لهم فيها زفير وشهيق) ، قال: "الزفير" في الحلق، و "الشهيق" في الصدر.
18569- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، بنحوه.
18570- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: صوت الكافر في النار صوت الحمار، أوّله زفير وآخره شهيق
18571- حدثنا أبو هشام الرفاعي، ومحمد بن معمر البحراني، ومحمد بن المثني، ومحمد بن بشار قالوا، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا سليمان بن سفيان قال، حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر عن عمر قال، لما نزلت هذه الآية: (فمنهم شقيّ وسعيد) ، سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبيّ الله، فعلام عَمَلُنا؟ على شيء قد فرغ منه، أم على شيء لم يفرغ منه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على شيء قد فُرِغ منه، يا عمر، وجرت


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:16 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (847)
صــ 481 إلى صــ 490





به الأقلام، ولكن كلٌّ مُيَسَّر لما خُلق له = اللفظ لحديث ابن معمر. (1)
* * *
وقوله: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) ، يعني تعالى ذكره بقوله: (خالدين فيها) ، لابثين فيها (2) = ويعني بقوله: (ما دامت السموات والأرض) ، أبدًا. (3)
* * *
وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض، بمعنى أنه دائم أبدًا، وكذلك يقولون: "هو باقٍ ما اختلف الليل والنهار" . و "ما سمر ابنا سَمِير" ، و "ما لألأت العُفْرُ بأذنابها" يعنون بذلك كله "أبدا" . فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم فقال: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) ، والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا.
* * *
وكان ابن زيد يقول في ذلك بنحو ما قلنا فيه.
18572- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) ، قال: ما دامت الأرض أرضًا، والسماءُ سماءً.
* * *
ثم قال: (إلا ما شاء ربك) ، واختلف أهل العلم والتأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: هذا استثناءٌ استثناه الله في بأهل التوحيد، أنه يخرجهم من النار إذا شاء، بعد أن أدخلهم النار.
(1)
الأثر: 15871 "سليمان بن سفيان التميمي" ، ضعيف، منكر الحديث، يروي عن الثقات أحاديث مناكير. مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 18، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 119، وميزان الاعتدال 1: 415. وهذا خبر ضعيف الإسناد، ذكره ابن كثير في تفسيره 4: 395، عن مسند أبي يعلي، وذكره الحافظ الذهبي في الميزان، بإسناده، عن أبي عامر العقدي. لكن معنى الخبر له شواهد في الصحيح.

(2)
انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .

(3)
انظر تفسير "ما دام" 10: 185 / 11: 74، 238.

*ذكر من قال ذلك:
18573- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: الله أعلم بثُنَياه. (1)
وذكر لنا أن ناسًا يصيبهم سَفْعٌ من النار بذنوب أصابوها، (2) ثم يدخلهم الجنة.
18574- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، والله أعلم بثَنيَّته. (3) ذكر لنا أن ناسًا يصيبهم سَفْعٌ من النار بذنوب أصابتهم، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم: "الجهنَّميُّون" .
18575- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا شيبان بن فروخ قال، حدثنا أبو هلال قال، حدثنا قتادة، وتلا هذه الآية: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق) ، إلى قوله: (لما يريد) ، فقال عند ذلك: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَخْرج قومٌ من النار = قال قتادة: ولا نقول مثل ما يقول أهل حَرُوراء. (4) "
18576- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن أبي مالك، يعني ثعلبة، عن أبي سنان في قوله: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: استثناء في أهل التوحيد.
18577- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
(1)
"الثنيا" (بضمك فسكون) و "الثنية" ، على وزن (فعيلة) ، و "المثنوية" ، كله الاستثناء.

(2)
"سفعته النار والشمس سفعًا" ، لفحته لفحًا يسيرًا، فغيرت لون بشرته وسودته.

(3)
انظر التعليق رقم: 1.

(4)
"أهل حروراء" ، هم الخوارج، يقولون إن صاحب الكبيرة مخلد في النار، لأنهم يكفرون أهل الكبائر.

معمر، عن الضحاك بن مزاحم: (فأما الذين شقوا ففي النار) ، إلى قوله: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: يخرج قوم من النار فيدخلون الجنة، فهم الذين استثنى لهم.
18578- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، ثني معاوية، عن عامر بن جشيب، عن خالد بن معدان في قوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) ، [سورة النبأ: 23] ، وقوله: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، أنهما في أهل التوحيد. (1)
* * *
وقال آخرون: الاستثناء في هذه الآية في أهل التوحيد، إلا أنهم قالوا: معنى قوله: (إلا ما شاء ربك) ، إلا أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار. ووجهوا الاستثناء إلى أنه من قوله: (فأما الذين شقوا ففي النار) = (إلا ما شاء ربك) ، لا من "الخلود" .
*ذكر من قال ذلك:
18579- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن جابر أو: أبي سعيد = يعني الخدري = أو: عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم= في قوله: (إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) ، قال: هذه الآية تأتي على القرآن كلِّه يقول: حيث كان في القرآن (خالدين فيها) ، تأتي عليه = قال: وسمعت أبا مجلز يقول: هو جزاؤه، فإن شاء الله تجاوَزَ عن عذابه.
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك أهل النار وكلَّ من دخلها.
(1)
الأثر: 18578 - "عامر بن جشيب الحمصي" ، روى عن أبي أمامة، وخالد بن معدان، وغيرهما. ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 319. وكان في المطبوعة: "جشب" ، وهو خطأ، والمخطوطة كما أثبت إلا أنها غير منقوطة. وهذا الخبر سيأتي في التفسير 30: 8، 9، (بولاق) في تفسير سورة "النبأ" .

*ذكر من قال ذلك:
18580- حدثت عن المسيب عمن ذكره، عن ابن عباس: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) ، لا يموتون، ولا هم منها يخرجون ما دامت السموات والأرض، (إلا ما شاء ربك) ، قال: استثناءُ الله. قال: يأمر النار أن تأكلهم. قال: وقال ابن مسعود: ليأتين على جهنَّم زمان تخفِقُ أبوابُها، ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا.
18581- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن بيان، عن الشعبي قال: جهنم أسرع الدارين عمرانًا وأسرعهما خرابًا.
* * *
وقال آخرون: أخبرنا الله بمشيئته لأهل الجنة، فعرَّفنا معنى ثُنْياه بقوله: (عطاء غير مجذوذ) ، أنها في الزيادة على مقدار مدَّة السموات والأرض.قال: ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار. وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة، وجائز أن تكون في النقصان.
*ذكر من قال ذلك:
18582- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، فقرأ حتى بلغ: (عطاء غير مجذوذ) ، قال: وأخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة، فقال: (عطاء غير مجذوذ) ، ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القولُ الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك: من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر أنه يدخلهم النار، خالدين فيها أبدًا إلا ما شاءَ من تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة، كما قد بينا في غير هذا الموضع، (1)
(1)
في المطبوعة: "كذا قد بينا" ، وهو كلام غث، ورطه فيه سوء كتابة الناسخ.

بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصحة في ذلك، لأن الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الخلود في النار، وتظاهرت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغير جائز أن يكون استثناءً في أهل الشرك= وأن الأخبار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يدخل قومًا من أهل الإيمان به بذنوبٍ أصابوها النارَ، ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة، فغير جائز أن يكون ذلك استثناء في أهل التوحيد قبل دُخُولها، مع صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا = وأنّا إن جعلناه استثناء في ذلك، كنا قد دخلنا في قول من يقول: "لا يدخل الجنة فاسق، ولا النار مؤمن" ، وذلك خلاف مذاهب أهل العلم، وما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا فسد هذان الوجهان، فلا قول قال به القُدْوة من أهل العلم إلا الثالث.
* * *
ولأهل العربية في ذلك مذهبٌ غير ذلك، سنذكره بعدُ، ونبينه إن شاء الله. (2) .
* * *
وقوله: (إن ربك فعال لما يريد) ، يقول تعالى ذكره: إن ربك، يا محمد، لا يمنعه مانع من فعل ما أراد فعله بمن عصاه وخالف أمره، من الانتقام منه، ولكنه يفعل ما يشاء فعلَه، فيمضي فيهم وفيمن شاء من خلقه فعلُه وقضاؤهُ. (3)
* * *
(1)
غاب عني مكانه، فمن وجده فليثبته.

(2)
انظر ما سيأتي ص: 487 - 489.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "ولكنه يفعل ما يشاء، فيمضي فعله فيهم وفيمن شاء من خلقه فعله وقضاؤه" ، وهو غير مستقيم، والآفة من الناسخ، والصواب ما أثبت، بتقديم "فعله" الأولى.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) }
قال أبو جعفر: واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء المدينة والحجاز والبصرة وبعض الكوفيين: (وَأَمَّا الَّذِينَ سَعِدُوا) ، بفتح السين.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) ، بضم السين، بمعنى: رُزِقوا السعادة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (سُعِدُوا) ، فيما لم يسمَّ فاعله، ولم يقل: "أسعدوا" ، وأنت لا تقول في الخبر فيما سُمِّى فاعله: "سعده الله" ، بل إنما تقول: "أسعده الله" ؟
قيل ذلك نظير قولهم: "هو مجنون" و "محبوب" ، (1) فيما لم يسمَّ فاعله، فإذا سموا فاعله قيل: "أجنه الله" ، و "أحبه" ، والعرب تفعل ذلك كثيرًا. وقد بينا بعض ذلك فيما مضى من كتابنا هذا. (2)
* * *
وتأويل ذلك: وأما الذين سعدوا برحمة الله، فهم في الجنة خالدين فيها ما دامت
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "هو مجنون، محبوب" ، والأجود الفصل بالواو.

(2)
غاب أيضًا عني مكانه، فمن وجده فليقيده.

السموات والأرض، يقول: أبدًا = (إلا ما شاء ربك) .
* * *
فاختلف أهل التاويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: (إلا ما شاء ربك) ، من قدر ما مكثوا في النار قبل دخُولهم الجنة. قالوا: وذلك فيمن أخرج من النار من المؤمنين فأدخل الجنة.
*ذكر من قال ذلك:
18583- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك في قوله: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: هو أيضًا في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة. يقول: خالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك. يقول: إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا الجنة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: (إلا ما شاء ربك) ، من الزيادة على قدر مُدّة دوام السموات والأرض، قالوا: وذلك هو الخلود فيها أبدًا.
*ذكر من قال ذلك:
18584- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن أبي مالك، يعني ثعلبة، عن أبي سنان: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، قال: ومشيئته خلودهم فيها، ثم أتبعها فقال: (عطاء غير مجذوذ) .
* * *
واختلف أهل العربية في وجه الاستثناء في هذا الموضع.
فقال بعضهم في ذلك معنيان:
أحدهما: أن تجعله استثناءً يستثنيه ولا يفعله، كقولك: "والله لأضربنَّك"
إلا أن أرى غير ذلك "، وعزمُك على ضربه. (1) قال: فكذلك قال: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، ولا يشاؤه، [وهو أعلم] . (2) "
قال: والقول الآخر: أنّ العرب إذا استثنت شيئًا كثيرًا مع مثله، ومع ما هو أكثر منه، (3) كان معنى "إلا" ومعنى "الواو" سواء. فمن كان قوله: (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) = سوى ما شاء الله من زيادة الخلود، فيجعل "إلا" مكان "سوى" فيصلح، وكأنه قال: "خالدين فيها ما دامت السموات والأرض سوى ما زادهم من الخلود والأبد" . ومثله في الكلام أن تقول: لي عليك ألف إلا ألفين اللذين [مِنْ قِبَل فلان "، أفلا ترى أنه في المعنى: لي عليك ألفٌ سِوَى الألفين] ؟ (4) قال: وهذا أحبُّ الوجهين إليّ، لأنّ الله لا خُلْفَ لوعده. (5) وقد وصل الاستثناء بقوله: (عطاء غير مجذوذ) ، فدلَّ على أن الاستثناء لهم بقوله في الخلود غير منقطعٍ عنهم."
* * *
وقال آخر منهم بنحو هذا القول. وقالوا: جائز فيه وجه ثالثٌ: وهو أن يكون استثنى من خلودهم في الجنة احتباسهم عنها ما بين الموت والبعث، وهو البرزخ، إلى أن يصيُروا إلى الجنة، ثم هو خلود الأبد. يقول: فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرْزَخ.
* * *
وقال آخر منهم: جائز أن يكون دوام السموات والأرض، بمعنى: الأبد، على ما تعرف العرب وتستعمل، وتستثنى المشيئة من داومها، لأنَّ أهل
(1)
في معاني القرآن للفراء: "وعزيمتك على ضربه" ، وهذا نص كلام الفراء.

(2)
الزيادة بين القوسين من معاني القرآن للفراء.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "ومع ما هو أكثر منه" ، والصواب من معاني القرآن: "أو مع. ." .

(4)
كان في المطبوعة والمخطوطة: "إلا الألفين اللذين قبلهما" ، وليس فيهما بقية ما أثبت، وهو كلام مبهم، نقلت سائره، وزدته بين القوسين من معاني القرآن للفراء، فهذا نص كلامه.

(5)
في المطبوعة: "لا خلف لوعده" ، وفي المخطوطة؛ "لا مخلف لوعده" ، والصواب من معاني القرآن.

الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقاتِ دوام السموات والأرض في الدنيا، لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة، وخالدين في النار، دوامَ السماء، والأرض، إلا ما شاء ربُّك من تعميرهم في الدنيا قبلَ ذلك.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، القولُ الذي ذكرته عن الضحاك، وهو (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) ، من قدر مُكْثِهم في النار، من لدن دخلوها إلى أن ادخلوا الجنة، وتكون الآية معناها الخصوص، لأن الأشهر من كلام العرب في "إلا" توجيهها إلى معنى الاستثناء، وإخراج معنى ما بعدها مما قبلها، إلا أن يكون معها دلالةٌ تدلُّ على خلاف ذلك. ولا دلالة في الكلام = أعني في قوله: (إلا ما شاء ربك) = تدلُّ على أن معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام، فيُوَجَّه إليه.
* * *
وأما قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، فإنه يعني: عطاءً من الله غيرَ مقطوع عنهم.
* * *
من قولهم: "جذذت الشيء أجذّه جذًّا" ، إذا قطعته، كما قال النابغة: (1)
تَجذُّ السَّلُوقِيَّ المُضَاعَفَ نَسْجُهُ ... وَيوقِدْنَ بِالصُّفَّاحِ نَارَ الحُبَاحِبِ (2)
(1)
في المخطوطة: "كما قال الشاعر النابغة" ، وهي زيادة لا تجدي.

(2)
ديوانه: 44، واللسان (حبحب) ، (سلق) ، (صفح) ، من قصيدته المشهورة، يقول فيه قبله، في صفة سيوف الغسانيين، وذلك في مدحه عمرو بن الحراث الأعرج: وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

تُوُرِّثْن مِنْ أَزْمَانِ يَوْمِ حَلِيمةٍ ... إلى اليَوْمِ قَدْ جُرِّبنَ كُلَّ التَّجَارِبِ
تَقُدُّ السُّلُوقيّ. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذه رواية الديوان. و "السلوقي" ، الدروع، منسوبة إلى "سلوق" ، وهي مدينة. و "الصفاح" حجارة عراض. و "نار الحباحب" ، الشرر الذي يسقط من الزناد. ورواية الديوان: "وتوقد بالصفاح" ، وهما سواء.
يعني بقوله: "تجذ" : تقطع.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18585- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (عطاء غير مجذوذ) ، قال: غير مقطوع.
18586- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، يقول: غير منقطع.
18587- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (عطاء غير مجذوذ) ، يقول: عطاء غير مقطوع.
18588- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مجذوذ) ، قال: مقطوع.
18589- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، قال: غير مقطوع.
18590-. . . . قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18591-.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، مثله.
18592- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج. عن


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:20 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (848)
صــ 491 إلى صــ 500





ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
18593-. . . . قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، قال: أما هذه فقد أمضَاها. يقول: عطاء غير منقطع.
18594- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (عطاء غير مجذوذ) ، غير منزوع منهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تَك في شك، يا محمد، مما يعبد هؤلاء المشركون من قومك من الآلهة والأصنام، (1) أنه ضلالٌ وباطلٌ، وأنه بالله شركٌ = (ما يعبد هؤلاء إلا كما يعبد آباؤهم من قبل) ، يقول: إلا كعبادة آبائهم، من قبل عبادتهم لها. يُخبر تعالى ذكره أنهم لم يعبدُوا ما عبدوا من الأوثان إلا اتباعًا منهم منهاج آبائهم، واقتفاءً منهم آثارهم في عبادتهموها، لا عن أمر الله إياهم بذلك، ولا بحجة تبيَّنوها توجب عليهم عبادتها.
ثم أخبر جل ثناؤه نبيَّه ما هو فاعل بهم لعبادتهم ذلك، فقال جل ثناؤه: (وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) ، يعني: حظهم مما وعدتهم أن أوفّيهموه من
(1)
انظر تفسير "المرية" فيما سلف من فهارس اللغة (مري) .

خير أو شر (1) = (غير منقوص) ، يقول: لا أنقصهم مما وعدتهم، بل أتمّم ذلك لهم على التمام والكمال، (2) كما:-
18595- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وإنا لموفُّوهم نصيبهم غير منقوص) ، قال: ما وُعِدوا فيه من خير أو شر.
18596- حدثنا أبو كريب ومحمد بن بشار قالا حدثنا وكيع، عن سفيان عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله= إلا أن أبا كريب قال في حديثه: من خيرٍ أو شرّ.
18597- حدثني المثني قال، أخبرنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد عن ابن عباس: (وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) ، قال: ما قُدِّر لهم من الخير والشر.
18598- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: (وإنا لموفّوهم نصيبهم غير منقوص) ، قال: ما يصيبهم من خير أو شر.
18599- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص) ، قال: نصيبهم من العذاب.
* * *
(1)
انظر تفسير "وفي" فيما سلف 14: 39، تعليق: 3، والمراجع هناك.

= وتفسير "النصيب" فيما سلف 12: 408، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير "النقص" فيما سلف 14: 132.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مسليًا نبيه في تكذيب مشركي قومه إياه فيما أتاهم به من عند الله، بفعل بني إسرائيل بموسى فيما أتاهم به من عند الله. يقول له تعالى ذكره: ولا يحزنك، يا محمد، تكذيب هؤلاء المشركين لك، وامض لما أمرك به ربُّك من تبليغ رسالته، فإن الذي يفعل بك هؤلاء من ردِّ ما جئتهم به عليك من النصيحة من فعل ضُربائهم من الأمم قبلهم وسنَّةٌ من سُنتهم.
ثم أخبره جل ثناؤه بما فعل قوم موسى به فقال: (ولقد آتينا موسى الكتاب) ، يعني: التوراة، كما آتيناك الفرقان، فاختلف في ذلك الكتاب قومُ موسى، فكذّب به بعضُهم وصدّق به بعضهم، كما قد فعل قومك بالفرقان من تصديق بعض به، وتكذيب بعض = (ولولا كلمة سبقت من ربك) ، يقول تعالى ذكره: ولولا كلمة سبقت، يا محمد، من ربك بأنه لا يعجل على خلقه العذاب، ولكن يتأنى حتى يبلغ الكتاب أجله = (لقضي بينهم) ، يقول: لقضي بين المكذب منهم به والمصدِّق، بإهلاك الله المكذب به منهم، وإنجائه المصدق به = (وإنهم لفي شك منه مريب) ، يقول: وإن المكذبين به منهم لفي شك من حقيقته أنه من عند الله = (مريب) ، يقول: يريبهم، فلا يدرون أحقٌّ هو أم باطلٌ؟ ولكنهم فيه ممترون. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير "مريب" فيما سلف ص: 370، تعليق: 1.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) }
قال أبو جعفر: اختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته جماعة من قراء أهل المدينة والكوفة: (وَإنَّ) مشددة (كُلا لَمَّا) مشددة.
* * *
واختلف أهل العربية في معنى ذلك:
فقال بعض نحويي الكوفيين: معناه إذا قرئ كذلك: وإنّ كلا لممَّا ليوفينهم ربك أعمالهم = ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة، فبقيت ثنتان، فأدغمت واحدة في الأخرى، كما قال الشاعر: (1)
وَإِنِّي لَمِمَّا أُصْدِرُ الأَمْرَ وَجْهَهُ ... إِذَا هُوَ أَعْيى بالسَّبِيلِ مَصَادِرُهُ (2)
ثم تخفف، كما قرأ بعض القراء: (وَالْبَغْيْ يَعِظُكُمْ) ، [سورة النحل: 90] ، تخفُّ الياء مع الياء. (3) وذكر أن الكسائي أنشده:
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
معاني القرآن للفراء في تفسير الآية. في المطبوعة: "لما" و "أعيى بالنبيل" ، وكلاهما خطأ، صوابه من المخطوطة ومعاني القرآن. وقوله "لمما" هنا، ليست من باب "لما" التي يذكرها، إلا في اجتماع الميمات. وذلك أن قوله: "وإن كلا لمما ليوفينهم" ، أصلها: "لمن ما" ، "من" بفتح فسكون، اسم. وأما التي في البيت فهي "لمن ما" ، "من" حرف جر، ومعناها معنى "ربما" للتكثير، وشاهدهم عليه قول أبي حية النميري (سيبويه 1: 477) : وَإِنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضَرْبَةً ... عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي اللِّسَانَ مِنَ الفَم.

(3)
هكذا في المخطوطة: "تخف" ، وفي المطبوعة: "يخفف" ، وأما الذي في معاني القرآن للفراء، وهذا نص كلامه: "بحذف الياء" ، وهو الصواب الجيد.

(1)

وَأشْمَتَّ العُدَاةَ بِنَا فَأضْحَوْا ... لدَيْ يَتَبَاشَرُونَ بِمَا لَقِينَا (2)
وقال: يريد "لديَّ يتباشرون بما لقينا" ، فحذف ياء، لحركتهن واجتماعهن، قال: ومثله: (3)
كأنَّ مِنْ آخِرِها الْقادِمِ ... مَخْرِمُ نَجْدٍ فارعِ المَخَارِمِ (4)
وقال: أراد: إلى القادم، فحذف اللام عند اللام.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرئ كذلك: وإن كلا شديدًا وحقًّا، ليوفينهم ربك أعمالهم. قال: وإنما يراد إذا قرئ ذلك كذلك: (وإنّ كلا لمَّا) بالتشديد والتنوين، (5) ولكن قارئ ذلك كذلك حذف منه التنوين، فأخرجه على لفظ فعل "لمَّا" ، كما فعل ذلك في قوله: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى) ، [سورة المؤمنون: 44] ، فقرأ "تترى" ، بعضهم بالتنوين، كما قرأ من قرأ: "لمَّا" بالتنوين، وقرأ آخرون بغير تنوين، كما قرأ (لمَّا) بغير تنوين من قرأه. وقالوا: أصله من "اللَّمِّ" من قول الله تعالى: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا) ، يعني: أكلا شديدًا.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك إذا قرئ كذلك: وإنّ كلا إلا ليوفينهم، كما يقول القائل: "بالله لمَّا قمتَ عنا، وبالله إلا قمت عنا" . (6)
* * *
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
معاني القرآن للفراء في تفسير الآية، وفي المطبوعة والمخطوطة: "وأشمت الأعداء" ، وهو خطأ، صوابه من معاني القرآن.

(3)
لم أعرف قائله.

(4)
معاني القرآن للفراء، في تفسير الآية. وكان في المطبوعة: "من أحرها" ، و "محرم" و "المحارم" ، وهو خطأ. و "المخرم" ، (بفتح فسكون فكسر) ، الطريق في الجبل، وجمعه "مخارم" .

(5)
هذه قراءة الزهري، كما سيأتي ص: 498.

(6)
في المطبوعة والمخطوطة: "لقد قمت عنا، وبالله إلا قمت عنا" ، وذلك خطأ، ولا شاهد فيه، وصوابه من معاني القرآن للفراء، في تفسير الآية.

قال أبو جعفر: ووجدت عامة أهل العلم بالعربية ينكرون هذا القول، ويأبون أن يكون جائزًا توجيه "لمَّا" إلى معنى "إلا" ، في اليمين خاصة. (1) وقالوا: لو جاز أن يكون ذلك بمعنى إلا جاز أن يقال: "قام القوم لمَّا أخاك" بمعنى: إلا أخاك، ودخولها في كل موضع صلح دخول "إلا" فيه.
قال أبو جعفر: وأنا أرى أنّ ذلك فاسد من وجه هو أبين مما قاله الذين حكينا قولهم من أهل العربية، في فساده، وهو أنّ "إنّ" إثبات للشيء وتحقيق له، و "إلا" ، تحقيق أيضًا، (2) وإنما تدخل نقضًا لجحد قد تقدَّمها. فإذا كان ذلك معناها، فواجب أن تكون عندَ متأولها التأويلَ الذي ذكرنا عنه، أن تكون "إنّ" بمعنى الجحد عنده، حتى تكون "إلا نقضًا" لها. وذلك إن قاله قائل، قولٌ لا يخفى جهلُ قائله، اللهم إلا أن يخفف قارئ "إن" فيجعلها بمعنى "إن" التي تكون بمعنى الجحد. وإن فعل ذلك، فسدت قراءته ذلك كذلك أيضًا من وجه آخر، وهو أنه يصير حينئذ ناصبًا "لكل" بقوله: ليوفينهم، وليس في العربية أن ينصب ما بعد "إلا" من الفعل، الاسم الذي قبلها. لا تقول العرب: "ما زيدًا إلا ضربت" ، فيفسد ذلك إذا قرئ كذلك من هذا الوجه، إلا أن يرفع رافع "الكل" ، فيخالف بقراءته ذلك كذلك قراءة القراء وخط مصاحف المسلمين، ولا يخرج بذلك من العيب لخروجه من معروف كلام العرب. (3)
* * *
وقد قرأ ذلك بعض قراء الكوفيين: (وَإنْ كُلا) بتخفيف "إن" ونصب (كُلا لمَّا) مشدّدة.
* * *
(1)
في المطبوعة، أسقط "إلا" الثانية، فأفسد الكلام.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "وإلا أيضًا تحقق أيضًا" ، حذفت أولاهما، لأنه تكرار ولا ريب.

(3)
في المطبوعة: "بخروجه" ، والصواب من المخطوطة.

وزعم بعض أهل العربية أن قارئ ذلك كذلك، أراد "إنّ" الثقيلة فخففها، وذكر عن أبي زيد البصري أنه سمع: "كأنْ ثَديَيْه حُقَّان" ، فنصب ب "كأن" ، والنون مخففة من "كأنّ" ، ومنه قول الشاعر: (1)
وَوَجْهٌ مُشْرِقُ النَّحْرِ ... كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ (2)
* * *
وقرأ ذلك بعض المدنيين بتخفيف: (إنْ) ونصب (كُلا) ، وتخفيف (لَمَا) .
* * *
وقد يحتمل أن يكون قارئ ذلك كذلك، قصدَ المعنى الذي حكيناه عن قارئ الكوفة من تخفيفه نون "إن" وهو يريد تشديدها، ويريد ب "ما" التي في "لما" التي تدخل في الكلام صلة، (3) وأن يكون قَصَد إلى تحميل الكلام معنى: وإنّ كلا ليوفينهم.
ويجوز أن يكون معناه كان في قراءته ذلك كذلك: وإنّ كُلا ليوفينهم، أي: ليوفين كُلا = فيكون نيته في نصب "كل" كانت بقوله: "ليوفينهم" ، فإن كان ذلك أراد، ففيه من القبح ما ذكرت من خلافه كلام العرب. وذلك أنها لا تنصب بفعل بعد لام اليمين اسمًا قبلَها.
* * *
وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والبصرة: (وَإنَّ) مشددة (كُلا لَمَا) مخففة (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) . ولهذه القراءة وجهان من المعنى:
أحدهما: أن يكون قارئها أراد: وإن كلا لمَنَ ليوفينهم ربك أعمالهم، فيوجه "ما" التي في "لما" إلى معنى "من" كما قال جل ثناؤه: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) ، [سورة النساء: 3] ، وإن كان أكثر استعمال العرب
(1)
من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها.

(2)
سيبويه 1: 281، رفعًا "كأن ثدياه، وابن الشجري في أماليه 1: 237 رفعًا 2: 3، نصبا، والخزانة 4: 358، والعيني (هامش الخزانة) 2: 305."

(3)
"صلة" ، أي: زيادة، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف.

لها في غير بني آدم = وينوي باللام التي في "لما" اللام التي تُتَلقَّى بها "إنْ" جوابًا لها، وباللام التي في قوله: (ليوفينهم) ، لام اليمين، دخلت فيما بين ما وصلتها، كما قال جل ثناؤه: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) [سورة النساء: 72] ، وكما يقال: "هذا ما لَغَيرُه أفضلُ منه" .
والوجه الآخر: أن يجعل "ما" التي في "لما" بمعنى "ما" التي تدخل صلة في الكلام، واللام التي فيها هي اللام التي يجاب بها، واللام التي في: (ليوفينهم) ، هي أيضًا اللام التي يجاب بها "إنّ" كررت وأعيدت، إذا كان ذلك موضعها، وكانت الأولى مما تدخلها العرب في غير موضعها، ثم تعيدها بعدُ في موضعها، كما قال الشاعر: (1)
فَلَوْ أَنَّ قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أَعِزَّةً ... لَبَعْدُ لَقَدْ لاقَيْتُ لا بُدَّ مَصْرَعَا (2)
وقرأ ذلك الزهري فيما ذكر عنه: (وإنَّ كُلا) بتشديد "إنَّ" ، و (لمَّا) بتنوينها، بمعنى: شديدًا وحقًا وجميعًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأصح هذه القراءات مخرجًا على كلام العرب المستفيض فيهم، قراءة من قرأ: "وَإنَّ" بتشديد نونها، "كُلا لَمَا" بتخفيف "ما" (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ) ، بمعنى: وإن كل هؤلاء الذين قصَصَنا عليك، يا محمد، قصصهم في هذه السورة، لمن ليوفينهم ربك أعمالهم، بالصالح منها بالجزيل من الثواب، وبالطالح منها بالشديد من العقاب = فتكون "ما" بمعنى "مَن" واللام التي فيها جوابًا ل "إنّ" ، واللام في قوله: (ليوفيننم) ، لام قسم.
* * *
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
معاني القرآن للفراء، في تفسير الآية. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "مصرعي" ، وأثبت ما في معاني القرآن.

وقوله: (إنه بما يعملون خبير) ، يقول تعالى ذكره: إن ربك بما يعمل هؤلاء المشركون بالله من قومك، يا محمد، "خبير" ، لا يخفى عليه شيء من عملهم، بل يخبرُ ذلك كله ويعلمه ويحيط به، حتى يجازيهم على جميع ذلك جزاءهم. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاستقم أنت، يا محمد، على أمر ربك، والدين الذي ابتعثك به، والدعاء إليه، كما أمرك ربك (2) = (ومن تاب معك) ، يقول: ومن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره = (ولا تطغوا) ، يقول: ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه. (3) (إنه بما تعملون بصير) ، يقول: إن ربكم، أيها الناس، بما تعملون من الأعمال كلِّها، طاعتها ومعصيتها= "بصير" ، ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو لجميعها مبصرٌ. (4) يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله، أيها الناس، أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره، فإنه ذو علم بما تعلمون، وهو لكم بالمرصاد.
* * *
وكان ابن عيينة يقول في معنى قوله: (فاستقم كما أمرت) ، ما:-
18600- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن
(1)
لنظر تفسير "خبير" فيما سلف من فهارس اللغة (خبر) .

(2)
لنظر تفسير "الاستقامة" فيما سلف ص: 187.

(3)
لنظر تفسير "طغى" فيما سلف ص: 34، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
لنظر تفسير "بصير" فيما سلف من فهارس اللغة (بصر) .

الزبير، عن سفيان في قوله: (فاستقم كما أمرت) ، قال: استقم على القرآن.
18601- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تطغوا) ، قال: الطغيان: خلاف الله، وركوب معصيته. ذلك "الطغيان" .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تميلوا، أيها الناس، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم = (فتمسكم النار) ، بفعلكم ذلك (1) = وما لكم من دون الله من ناصر ينصركم ووليّ يليكم (2) = (ثم لا تنصرون) ، يقول: فإنكم إن فعلتم ذلك لم ينصركم الله، بل يخلِّيكم من نصرته ويسلط عليكم عدوّكم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18602- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ، يعني: الركون إلى الشرك.
18603- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم.
18604- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، يقول: لا ترضوا أعمالهم. يقول: "الركون" ، الرضى.
(1)
لنظر تفسير "المس" فيما سلف ص: 353، تعليق: 6، والمراجع هناك.

(2)
لنظر تفسير "الأولياء" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:23 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (849)
صــ 501 إلى صــ 510





18605- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، قال: لا ترضوا أعمالهم = (فتمسكم النار) .
18606- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ، قال: قال ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا.
18607- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ، يقول: لا تلحقوا بالشرك، وهو الذي خرجتم منه.
18608- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ، قال: "الركون" ، الإدهان. وقرأ: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) ، [سورة القلم: 9] ، قال: تركنُ إليهم، ولا تنكر عليهم الذي قالوا، وقد قالوا العظيمَ من كفرهم بالله وكتابه ورسله. قال: وإنما هذا لأهل الكفر وأهل الشرك وليس لأهل الإسلام. أما أهل الذنوب من أهل الإسلام، فالله أعلم بذنوبهم وأعمالهم. ما ينبغي لأحد أن يُصَالح على شيء من معاصي الله، ولا يركن إليه فيها.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وأقم الصلاة) ، يا محمد، يعني: صَلِّ = (طرفي النهار) ، يعني الغداةَ والعشيَّ.
* * *
واختلف أهل التأويل في التي عُنِيت بهذه الآية من صَلوات العشيّ، بعد إجماع جميعهم على أن التي عُنيت من صَلاة الغداة، الفجرُ.
فقال بعضهم: عُنيت بذلك صلاة الظهر والعصر. قالوا: وهما من صلاة العشيّ.
*ذكر من قال ذلك:
18609- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: الفجر، وصلاتي العشي = يعني الظهر والعصر.
18610- حدثني المثني قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
18611- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: صلاة الفجر، وصلاة العشي.
18612- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: فطرفا النهار: الفجرُ والظهرُ والعصرُ.
18613- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: (طرفي النهار) ، قال: الفجر والظهر والعصر.
18614- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: الفجر والظهر والعصر.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بها صلاة المغرب.
*ذكر من قال ذلك:
18615- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، يقول: صلاة الغداة وصلاة المغرب.
18616- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى، عن عوف، عن الحسن: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال. صلاة الغداة والمغرب.
18617- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الصبح، والمغرب.
* * *
وقال آخرون: عني بها: صلاة العصر.
*ذكر من قال ذلك:
18618- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: صلاة الفجر والعصر.
18619-. . . . قال: حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد القبائي، عن محمد بن كعب (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الفجر والعصر.
18620- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أبو رجاء،
عن الحسن في قوله: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: صلاة الصبح وصلاة العصر.
18621- حدثني الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا مبارك، عن الحسن قال، قال الله لنبيه: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: (طرفي النهار) ، الغداة والعصر.
18622- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله (أقم الصلاة طرفي النهار) ، يعني صلاة العصر والصبح.
18623- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الغداة والعصر.
18624- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن زيد، عن محمد بن كعب: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الفجر والعصر.
18625- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن الحسن: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، قال: الغداة والعصر.
* * *
وقال بعضهم: بل عنى بطرفي النهار: الظهر، والعصر، وبقوله: (زلفًا من الليل) ، المغر ب، والعشاء، والصبح.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: "هي صلاة المغرب" ، كما ذكرنا عن ابن عباس.
وإنما قلنا هو أولى بالصواب لإجماع الجميع على أن صلاة أحد الطرفين من ذلك صلاة الفجر، وهي تصلى قبل طلُوع الشمس. فالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعًا، أن تكون صلاةُ الطرف الآخر المغرب، لأنها تصلى بعد غُروب الشمس. ولو كان واجبًا أن يكون مرادًا بصلاة أحد الطرفين قبل غروب الشمس، وجب أن يكون مرادًا بصلاة الطرف الآخر بعدَ
طلوعها، وذلك ما لا نعلم قائلا قاله، إلا من قال: "عنى بذلك صلاة الظهر والعصر" . وذلك قول لا يُخِيلُ فساده، (1) لأنهما إلى أن يكونا جميعًا من صلاة أحد الطرفين، أقربُ منهما إلى أن يكونا من صلاة طرفي النهار. وذلك أن "الظهر" لا شك أنها تصلَّى بعد مضي نصف النهار في النصف الثاني منه، فمحالٌ أن تكون من طرف النهار الأول، وهي في طرفه الآخر.
فإذا كان لا قائلَ من أهل العلم يقول: "عنى بصلاة طرف النهار الأول صلاةً بعد طلوع الشمس" ، وجب أن يكون غير جائز أن يقال: "عنى بصلاة طرف النهار الآخر صلاةً قبل غروبها" .
وإذا كان ذلك كذلك، صح ما قلنا في ذلك من القول، وفسدَ ما خالفه.
* * *
وأما قوله: (وزلفًا من الليل) ، فإنه يعني: ساعاتٍ من الليل.
* * *
وهي جمع "زُلْفة" ، و "الزلفة" ، الساعة، والمنزلة، والقربة، وقيل: إنما سميت "المزدلفة" و "جمع" من ذلك، لأنها منزلٌ بعد عرفة = وقيل سميت بذلك، لازدلاف آدم من عَرَفة إلى حواء وهي بها، ومنه قول العجاج في صفة بعير:
ناجٍ طَوَاهُ الأَيْنُ مِمَّا وجَفا ... طَيَّ اللَّيالِي زُلَفًا فَزُلَفَا (2)
* * *
(1)
في المطبوعة: "لا نحيل فساده" ، وهو كلام فاسد، وفي المخطوطة غير منقوطة. يقال: "أخال الشيء" ، اشتبه. يقال "هذا الأمر لا يخيل على أحد" ، أي لا يشكل. و "شيء مخيل" ، مشكل. وقد مضى مثله وعلقت عليه في أوائل الكتاب، في مواضع.

(2)
ديوانه: 84، مجاز القرآن 1: 300، وسيبويه 1: 180، واللسان (زلف) ، (حقف) ، (سما) ، (وجف) وغيرها كثير، وسيأتي في التفسير 19: 51 (بولاق) . وبعده هناك: سَمَاوَةَ الهِلاَلِ حَتَّى احْقَوْقَفَا

"الأين" ، التعب. "وجف" من "الوجيف" ، وهو سرعة السير. و "سماوة الهلال" شخصه، إذا ارتفع في الأفق شيئًا. و "احقوقف" اعوج.
واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء المدينة والعراق: (وَزُلَفًا) ، بضم الزاي وفتح اللام.
* * *
وقرأه بعض أهل المدينة بضم الزاي واللام = كأنه وجَّهه إلى أنه واحدٌ، وأنه بمنزلة "الحُلُم" .
* * *
وقرأ بعض المكيين: (وَزُلْفًا) ، ضم الزاي وتسكين اللام.
* * *
قال أبو جعفر: وأعجب القراءات في ذلك إليّ أن أقرأها: (وزُلَفًا) ، بضم الزاي وفتح اللام، على معنى جمع "زُلْفة" ، كما تجمع "غُرْفَة غُرف" ، و "حُجْرة حُجر" .
وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك، لان صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضيّ زُلَفٍ من الليل، وهي التي عُنِيت عندي بقوله: (وزلفًا من الليل) .
* * *
وبنحو الذي قلنا في قوله: (وزلفًا من الليل) ، قال جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18626- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وزلفًا من الليل) ، قال: الساعات من الليل صلاة العتمة.
18627- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18628- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
18629- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (زلفًا من الليل) يقول: صلاة العتمة.
18630- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى، عن عوف، عن الحسن: (وزلفًا من الليل) ، قال: العشاء.
18631- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس يعجبه التأخير بالعشاء ويقرأ: (وزلفًا من الليل) .
18632- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وزلفًا من الليل) ، قال: ساعة من الليل، صلاة العتمة.
18633- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وزلفًا من الليل) ، قال: العتمة، وما سمعت أحدًا من فقهائنا ومشايخنا، يقول "العشاء" ، ما يقولون إلا "العتمة"
* * *
وقال قوم: الصلاة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامتها زُلَفًا من الليل، صلاة المغرب والعشاء.
*ذكر من قال ذلك:
18634- حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع، واللفظ ليعقوب قالا حدثنا ابن علية قال، حدثنا أبو رجاء عن الحسن: (وزلفًا من الليل) ، قال: هما زُلفتان من الليل: صلاة المغرب، وصلاة العشاء.
18635- حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا حدثنا جرير، عن أشعث، عن الحسن في قوله: (وزلفًا من الليل) ، قال: المغرب، والعشاء.
18636- حدثني الحسن بن علي، قال ثنا أبي قال، حدثنا مبارك،
عن الحسن، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، قال: (زلفًا من الليل) : المغرب، والعشاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما زُلْفَتا الليل، المغرب والعشاء. ""
18637- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان عن منصور عن مجاهد: (وزلفًا من الليل) ، قال: المغرب، والعشاء.
18638- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
18639- حدثني المثنى قال حدثنا أبو نعيم قال:، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
18640-. . . . قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قد بيّن اللهُ مواقيتَ الصلاة في القرآن، قال: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) [سورة الإسراء: 78] ، قال: "دلوكها" : إذا زالت عن بطن السماء، وكان لها في الأرض فيءٌ. وقال: (أقم الصلاة طرفي النهار) ، الغداة، والعصر = (وزلفًا من الليل) ، المغرب، والعشاء. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هُما زلفتا الليل، المغرب والعشاء.
18641- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وزلفًا من الليل) ، قال: يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء.
18642- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح بن سعيد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: (زلفًا من الليل) ، المغرب والعشاء.
18643- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب، مثله.
18644- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: (وزلفًا من الليل) ، المغرب والعشاء.
18645- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عاصم بن سليمان، عن الحسن قال: زلفتا الليل، المغرب والعشاء.
18646- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (وزلفًا من الليل) ، قال: المغرب والعشاء.
18647- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عاصم، عن الحسن: (وزلفًا من الليل) ، قال: المغرب والعشاء.
18648- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك: (وزلفًا من الليل) ، قال: المغرب والعشاء.
18649- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم، عن الحسن: (زلفًا من الليل) ، صلاة المغرب والعشاء.
* * *
وقوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، يقول تعالى ذكره: إنّ الإنابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه، يذهب آثام معصية الله، ويكفّر الذنوب. (1)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى الله في هذا الموضع، اللاتي يذهبن السيئات، فقال بعضهم: هنّ الصلوات الخمس المكتوبات.
*ذكر من قال ذلك:
(1)
"الأثام" ، عقوبة الإثم وجزاؤه. وأما "الآثام" فجمع "إثم" ، وهو الذئب.

18650- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي الورد بن ثمامة، عن أبي محمد ابن الحضرمي قال، حدثنا كعب في هذا المسجد، قال: والذي نفس كعب بيده، إن الصلوات الخمس لهُنّ الحسنات التي يذهبن السيئات، كما يغسل الماءُ الدَّرَنَ. (1)
18651- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أفلح قال: سمعت محمد بن كعب القرظى يقول في قوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: هن الصلوات الخمس.
18652- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس.
18653-. . . . قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد: (إن الحسنات) الصلوات.
18654- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة جميعا، عن عوف، عن الحسن: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس.
18655- حدثني زريق بن السَّخت قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إن الحسنات يذهبن
(1)
الأثر: 18650 - "الجريري" ، هو "سعيد بن إياس الجريري" ، سلف مرارًا. و "أبو الورد بن ثمامة بن حزن القشيري" ، ويقال هو: "ثمامة بن حزن" ، تابعي ثقة، لم يدرك غير واحد من الصحابة، وكان قليل الحديث. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7 / 1 / 164، والكنى للبخاري: 79، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 451 في الكنى، وفي "ثمامة بن حزن القشيري" 1 / 1 / 465، ولم يقل هو "أبو الورد" ، فكأنهما عنده رجلان. "وأبو محمد بن الحضرمي" ، هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، والذي في كتب الرجال: "أبو محمد الحضرمي" ، غلام أبي أيوب الأنصاري، مترجم في التهذيب، والكنى للبخاري: 66، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 432، ولم يذكروا له رواية عن كعب، ولكن هذا الخبر يدل على أنه رآه، وسمع منه، وروى عنه.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:27 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (850)
صــ 511 إلى صــ 520





السيئات) ، قال: الصلوات الخمس. (1)
18656- حدثني المثني قال، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس.
18657- حدثني المثني قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن قال، الصلوات الخمس.
18658- حدثني المثني قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس.
18659-. . . . قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد الجريري قال، حدثني أبو عثمان، عن سلمان قال: والذي نفسي بيده، إن الحسنات التي يمحو الله بهن السيئات كما يغسل الماء الدَّرَن: الصلواتُ الخمس.
18660- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث، عن عبد الله بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس.
18661- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مزيدة بن زيد، عن مسروق: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: الصلوات الخمس. (2)
18662- حدثني محمد بن عمارة الأسدي، وعبد الله بن أبي زياد القطواني
(1)
الأثر: 18655 - "رزيق بن السخت" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 10051. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا ". . بن الشخب" ، وهو خطأ.

(2)
الأثر: 18661 - "مزيدة بن زيد" ، هكذا في المطبوعة، وفي المخطوطة غير منقوط، ولم أجد له ذكرًا في شيء من كتب الرجال، وأخشى أن يكون محرفًا عن شيء لم أعرفه.

قالا حدثنا عبد الله بن يزيد قال، أخبرنا حيوة قال، أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان رحمة الله عليه يقول: جلس عثمان يومًا وجلسنا معه، فجاء المؤذن، فدعا عثمان بماءٍ في إناء، أظنه سيكون فيه قدر مُدٍّ، (1) فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وُضوئي هذا، ثم قال: من توضأ وُضوئي هذا ثم قام فصلَّى صلاة الظهر، غفر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح، ثم صَلَّى العصر، غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر، ثمَّ صلَّى المغرب، غفر له ما بينه وبين صلاة العصر، ثم صلّى العشاء، غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب، ثمَّ لعله يبيت ليلته يَتَمَرّغ، (2) ثم إن قام فتوضأ وصلَّى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهُنَّ الحسنات يذهبن السيئات. (3)
18663- حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زرعة
(1)
"المد" (بضم الميم) ، ضرب من المكاييل، قيل إنه مقدر بأن يمد الرجل يديه، فيملأ كفيه طعامًا.

(2)
"التمرغ" ، أصله التقلب في التراب. وأراد هنا أنه يبيت يتقلب في فراشه مطمئنًا رخي البال.

(3)
الأثر: 18662 - "حيوة" ، هو "حيوة بن شريح" المصري، الفقيه الزاهد، ثقة، مضر مرارًا. "وزهرة بن معبد القرشي التيمي" ، "أبو عقيل" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 5451، 5457. "والحارث" هو: "الحارث بن عبيد" ، "أبو صالح" ، مولى عثمان، ثقة، مترجم في تعجيل المنفعة: 78، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 95. وهذا الخبر صحيح الإسناد، رواه أحمد في مسنده مطولا رقم: 513، واستوفى أخي رحمه الله الكلام عليه هناك. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 297، وابن كثير في تفسيره 4: 401 / 5: 289.

= والزيادة التي في المسند وغيره:
"قالوا: هذه الحسَنَات، فما الباقياتُ يا عُثمان؟ قال: هن: لا إلَه إلا الله، وسُبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حَوْلَ ولا قُوَّة إلا بالله" . وستأتي هذه الزيادة منفردة بهذه الأسانيد في تفسير سورة الكهف الآية: 46 / ج 15: 165، 166.
قال، حدثنا حيوة قال، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد، أنه سمع الحارث مولى عثمان بن عفان رضى الله عنه قال: جلس عثمان بن عفان يومًا على المقاعد = فذكر نحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قال: "وهن الحسنات إن الحسنات يذهبن السيئات" . (1)
18664- حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن يزيد، ورشدين بن سعد قالا حدثنا زهرة بن معبد قال: سمعت الحارث مولى عثمان بن عفان يقول، جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد، ثم ذكر نحو ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم = إلا أنه قال: وهن الحسنات: (إن الحسنات يذهبن السيئات) . (2)
18665- حدثنا محمد بن عوف قال، حدثنا محمد بن إسماعيل قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلت الصلوات كفارات لما بينهن، فإن الله قال: (إن الحسنات يذهبن السيئات) . (3)
(1)
الأثر: 18663 - مكرر الأثر السالف. "وأبو زرعة" ، هو "وهب الله بن راشد المصري" ، مضى مرارًا كثيرة. "والمقاعد" ، بالمدينة، عند باب الأقبر، وقيل: هي مساقف حولها. وقيل: هي دكاكين عند دار عثمان بن عفان رضي الله عنه، ذكرها ياقوت في معجمه، ورأيت ذكر "المقاعد" أيضًا في مسند أحمد، في مسند عثمان: 505.

(2)
الأثر: 18664 - مكرر الأثرين السالفين.

"رشدين بن سعد" ، ضعيف، مضى مرارًا منها رقم: 19، 1938، 2176، 2195، وغيرها. ولكن لهذا الخبر شاهد مما سلف في الصحاح، يقويه على ضعف رشدين.
(3)
الأثر: 18665 - "محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي" ، شيخ الطبري، مضى مرارًا. "ومحمد بن إسماعيل بن عياش الحمصي" ، ضعيف، يحدث عن أبيه، ولم يسمع منه شيئًا، مضى برقم: 5445. وأبوه: "إسماعيل بن عياش الحمصي" ، ثقة، متكلم فيه، مضى مرارًا كثيرة آخرها رقم: 14212. "وضمضم بن زرعة بن ثوب الحضرمي" ، ثقة، وضعفه أبو حاتم، مضى برقم: 5445، 14212. "وشريح بن عبيد بن شريح الحضرمي" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 5445، 12194، 14212.وهذا خبر ضعيف الإسناد، من آفة "محمد بن إسماعيل عن أبيه" ، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا 1: 299، وقال: "وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه شيئًا، قلت: وهذا من روايته عن أبيه. وبقية رجاله موثقون" .

18666- حدثنا ابن سيار القزاز قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي قال، كنت مع سلمان تحت شجرة، فأخذ غصنا من أغصانها يابسًا فهزَّه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنت معه تحت شجرة، فأخذ غصنًا من أغصانها يابسًا فهزه حتى تحاتَّ ورقُه، ثم قال: ألا تسألني لم أفعل هذا يا سلمان؟ فقلت: ولم تفعله؟ فقال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلَّى الصلوات الخمس، تحاتّت خطاياه كما تحاتَّ هذا الورق. ثم تلا هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، إلى آخر الآية. (1)
* * *
وقال آخرون: هو قول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" .
* ذكر من قال ذلك:
18667- حدثني المثني قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن
(1)
الأثر: 18666 - "حماد" ، هو "حماد بن سلمة" . "وعلي بن يزيد بن جدعان" ، مضى مرارا كلام الأئمة فيه وأنه سيء الحفظ، ومضى أيضًا توثيق أخي السيد أحمد رحمه الله روايته. "وأبو عثمان النهدي" ، هو "عبد الرحمن بن مل" ، تابعي ثقة. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5: 437، 438، من طريق عفان عن حماد بنحو لفظ أبي جعفر في روايته، ومن طريق يزيد عن حماد بلفظ آخر. وسيرويه أبو جعفر بعد، من طريق قبيصة عن حماد، برقم: 18677. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 1: 297، 298، وقال: "رواه أحمد، والطبراني في الأوسط والكبير، وفي إسناد أحمد: علي بن زيد، وهو مختلف في الاحتجاج به. وبقية رجاله رجال الصحيح" .

منصور، عن مجاهد: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ، قال: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، قولُ من قال في ذلك: "هن الصلوات الخمس" ، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترها عنه أنه قال: "مَثَلُ الصلوات الخمس مَثَلُ نَهْرٍ جَارٍ عَلَى بابِ أحَدِكم، ينغمس فيه كل يومٍ خمس مرات، فماذا يُبقينَ من دَرَنه؟" ، (1) وأن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات، والوعدُ على إقامتها الجزيلَ من الثواب عَقيبها، أولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال، إذا خُصّ بالقصد بذلك بعضٌ دون بعض.
* * *
وقوله: (ذلك ذكرى للذاكرين) ، يقول تعالى ذكره: هذا الذي أوعدت عليه من الركون إلى الظلم، وتهددت فيه، والذي وعدت فيه من إقامة الصلوات اللواتي يُذهبن السيئات، تذكرة ذكّرت بها قومًا يذكُرون وعد الله، فيرجُون ثوابه ووعيده، فيخافون عقابه، لا من قد طبع على قلبه، فلا يجيب داعيًا، ولا يسمع زاجرًا.
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب رجل نالَ من غير زوجته ولا ملك يمينه بعضَ ما يحرم عليه، فتاب من ذنبه ذلك.
*ذكر الرواية بذلك:
18668- حدثنا هناد بن السرى قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود قالا قال عبد الله بن مسعود: جاء رجل إلى
(1)
هذا الخبر رواه أبو جعفر بغير إسناد، رواه بنحو هذا اللفظ مالك في الموطأ ص: 174، من حديث سعد بن أبي وقاص، وروى البخاري نحوه من حديث أبي هريرة (الفتح: 2: 9) ومسلم في صحيحه 5: 169، 170.

النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجتُ امرأة في بعض أقطار المدينة، (1) فأصبت منها ما دون أن أمسَّها، فأنا هذا، (2) فاقض فيَّ ما شئت! فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت على نفسك! قال: ولم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا. فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه، فلما أتاه قرأ عليه: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ، فقال رجل من القوم: هذا لهُ يا رسول الله خاصَّةً؟ قال: بل للناس كافة. (3)
18669- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان، فضممتها إليَّ وباشرتُها وقبَّلتها، وفعلت بها كلَّ شي غير أني لم أجامعها. فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ،
(1)
"عالجت امرأة" ، يعني أخذها واستمتع بها، من "المعالجة" ، وهي الممارسة. وهذا لفظ بليغ موجز. و "أقطار المدينة" ، نواحيها، وفي رواية مسلم "في أقصى المدينة" .

(2)
هذا تعبير عزيز، فقيده.

(3)
الأثر: 186688 - حديث عبد الله بن مسعود، رواه أبو جعفر من طريقين:

1 -
من طريق علقمة، والأسود، عن عبد الله بن مسعود، وذلك برقم: 18668- 18674.

2 -
من طريق أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود، رقم: 18676، وسأبينها جميعًا، طريقًا طريقًا، وكلها طرق صحاح.

"إبراهيم" ، هو "إبراهيم بن يزيد النخعي" ، روى له الجماعة، مضى مرارًا. "والأسود بن يزيد النخعي" ، روى له الجماعة، وهو خال "إبراهيم بن يزيد النخعي" ، مضى مرارًا. "وعلقمة" ، هو "علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي" ، وهو خال "إبراهيم النخعي" ، لأنه عم خاليه الأسود، وعبد الرحمن، روى له الجماعة، مضى مرارًا. ومن طريق أبي الأحوص، عن سماك، عن إبراهيم، رواه مسلم في صحيحه (17: 80) ، وأبو داود في سننه 4: 223 رقم: 4468، والترمذي في كتاب التفسير. وانظر التعليق على الطرق الآتية. ثم انظر التعليق على رقم: 18675، في بيان اسم "الرجل" الذي فعل ذلك.
فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه، فقال عمر: يا رسول الله، أله خاصَّةً، أم للناس كافة؟ قال: لا بل للناس كافة = ولفظ الحديث لابن وكيع. (1)
18670- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، أنه سمع إبراهيم بن زيد، يحدث عن علقمة، والأسود، عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأةً في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، قَبَّلتها، ولزمتُها، (2) ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت. فلم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا. فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه! فأتبعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَصَره، فقال: "ردُّوه عليَّ! فردُّوه، فقرأ عليه: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ، قال: فقال معاذ بن جبل: أله وحده، يا نبي الله، أم للناس كافة؟ فقال:" بل للناس كافة. (3)
18671- حدثني المثني قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا أبو عوانة، عن سماك، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخذت امرأة في البُستان فأصبتُ منها كل شيء، غير أني لم أنكحها، فاصنع بي ما شئت! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب دعاه فقرأ عليه هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية. (4)
(1)
الأثر: 18669 - مكرر الذي قبله. ومن طريق وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، رواه أحمد في مسنده رقم: 4250.

(2)
"لزمتها" يعني: عانقتها فأطلت العناق واستوعبته. وهذا الثلاثي بهذا المعنى قلها تجده في كتب اللغة، وإنما فيها: "التزمه" ، أي: عانقه.

(3)
الأثر: 18670 - مكرر الذي قبله. ومن طريق عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن سماك، ورواه أحمد في مسنده رقم: 4290.

(4)
الأثر: 18671 - مكرر الذي قبله. ومن طريق أبي عوانة، عن سماك، رواه أحمد في مسنده رقم: 4291، ولكنه أحاله على الذي قبله. وأبو داود الطيالسي في مسنده ص: 37، رقم: 285.

18672- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب قال، سمعت إبراهيم يحدث عن خاله الأسود، عن عبد الله: أن رجلا لقي امرأةً في بعض طرق المدينة، فأصاب منها ما دون الجماع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنزلت: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ، فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله، لهذا خاصة، أو لنا عامة؟ قال: بل لكم عامة. (1)
18673- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة قال، أنبأني سماك قال، سمعت إبراهيم يحدث عن خاله، عن ابن مسعود: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقيت امرأة في حُشٍّ بالمدينة، (2) فأصبت منها ما دون الجماع، نحوه. (3)
18674- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم البغدادي قال، حدثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيم، عن خاله، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. (4)
(1)
الأثر: 18672 - "الحكم بن عبد الله العجلي" ، "أبو النعمان" ، ثقة حافظ، مضى برقم: 10185، 17013، 18033. ومن هذه الطريق، رواه مسلم في صحيحه 17: 80، 81.

(2)
"الحش" ، البستان، عند أهل المدينة، انظر ما سلف رقم: 3086.

(3)
الأثر: 18673 - لم أعثر عليه في مسند أبي داود الطيالسي، ومعروف أن المطبوع من هذا المسند ناقص غير تام. وانظر التعليق التالي. وفي المطبوعة والمخطوطة: "حدثنا أبو المثني" ، والصواب "ابن المثني" ، وهو "محمد بن المثني" شيخ الطبري.

(4)
الأثر: 18674 - "عمرو بن الهيثم البغدادي" ، "أبو قطن" ، ثقة، من ثقات أصحاب شعبة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 268. ومن هذه الطريق رواه أحمد في مسنده برقم: 4325. وقال أخي السيد أحمد: "خاله، إما: الأسود بن يزيد النخعي، وإما عبد الرحمن بن يزيد النخعي، فكلاهما خاله، وإما علقمة بن قيس النخعي، عم الأسود وعبد الرحمن. وقد روى إبراهيم الحديث عن ثلاثتهم مطولا ومختصرًا، كما مضى بأسانيد رقم: 3854، 4250، 4290، 4291" . وقد رواه أحمد برقم: 3584 من طريق سفيان الثوري، عن سماك، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود، ورواه الترمذي في كتاب التفسير.

18675- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: جاء فُلانُ بن معتِّب رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله دخلت عليّ امرأة، فنلتُ منها ما ينالُ الرجل من أهله، إلا أني لم أواقعها؟ فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه، حتى نزلت هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) ، الآية، فدعاه فقرأها عليه. (1)
18676- حدثني يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، وحدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل، وحدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان جميعًا، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود: أن رجلا أصاب من امرأةٍ شيئًا لا أدري ما بلغ، غير أنه ما دون الزنا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنزلت: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) ، فقال الرجل: ألي هذه يا رسول الله؟ قال: لمن أخذَ بها من أمتي = أو: لمن عمل بها. (2)
(1)
الأثر: 18675 - فصل الحافظ بن حجر في الفتح 8: 268، 269، القول في اسم هذا الرجل، فذكر هذا الخبر، ثم قال: "وأخرجه ابن أبي خيثمة، لكن قال: إن رجلا من الأنصار يقال له: معتب = وقد جاء أن اسمه: كعب بن عمرو، و: أبو اليسر (بفتح التحتانية والمهملة) الأنصاري. أخرجه الترمذي، والنسائي، والبزار، من طريق موسى بن طلحة، عن أبي اليسر بن عمرو، أنه أتته امرأة، وزوجها قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث" ، الحديث، وسيأتي برقم: 18684، 18685.

(2)
الأثر: 18676 - هذه هي الطريق الثانية، لحديث عبد الله بن مسعود، كما أشرت إليه في التعليق على رقم: 18668. "وأبو عثمان" هو "عبد الرحمن بن مل النهدي" كما سلف مرارًا. وهذا حديث صحيح. ومن هذه الطريق رواه البخاري في صحيحه (الفتح 2: 7) من طريق يزيد بن زريع، عن سليمان التيمي. ثم رواه أيضا (الفتح 8: 268، 269) ، من الطريق نفسها، بلفظ مختلف قليلا. ورواه مسلم في صحيحه 17: 79، 80، من طريق يزيد بن زريع، عن سليمان التيمي، ثم من طريق محمد بن عبد الأعلى، عن المعتمر بن سليمان، عن سليمان التيمي، وهو أحد طرق أبي جعفر في رواية هذا الخبر، بلفظ آخر. ورواه أحمد في مسنده برقم: 3653، عن يحيى، عن سليمان التيمي. ثم رواه أيضًا برقم: 4094، من الطريق نفسها. ورواه ابن ماجة في سننه ص: 447، رقم: 1398، وص 1421، رقم: 4254.

ورواه الترمذي في كتاب التفسير.
18677- حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان، فأخذ غصن شجرة يابسة فحتَّه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء، تحاتَّت خطاياه كما يتحاتُّ هذا الورق! ثم قال: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، إلى آخر الآية. (1)
18678- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة، وحسين الجعفي، عن زائدة قال، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما ترى في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئًا إلا قد أتاه منها، غير أنْ لم يجامعها؟ (2) فأنزل الله هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ ثم صلّ. قال معاذ: قلت: يا رسول الله، أله خاصة أم للمؤمنين عامة؟ قال: بل للمؤمنين عامة. (3)
(1)
الأثر: 18677 - هذه طريق أخرى للأثر السالف رقم: 18666، وقد مضى تخريجه وشرحه هناك.

(2)
في المطبوعة: "غير أنه لم يجامعها" ، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب الجيد.

(3)
الأثر: 18678 - حديث معاذ، يأتي أيضًا برقم: 18682.

"أبو أسامة" ، هو: "حماد بن اسامة" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا. "وحسين الجعفي" ، هو: "حسين بن علي الجعفي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا. "وزائدة" ، هو: "زائدة بن قدامة" ، ثقة، مضى مرارًا. "وعبد الملك بن عمير اللخمي" ، المعروف بالنبطي، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 12573. "وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارا، منها رقم: 33، 2156، 2937. وهذا إسناد صحيح. رواه أحمد في مسنده 5: 244 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، وأبي سعيد، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير = وفيه رواية أبي سعيد، عن عبد الملك بن عمير مباشرة. "وأبو سعيد" هو "عبد الرحمن بن عبد الله، مولى بني هاشم، ثقة." وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 404، عن الحافظ الدارقطني، وسيأتي في التعليق على رقم: 18682. ورواه الترمذي في كتاب التفسير. ثم سيأتي هذا الخبر موقوفًا على عبد الرحمن بن أبي ليلى برقم: 18679، 18680.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:30 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (851)
صــ 521 إلى صــ 530





18679- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن رجلا أصابَ من امرأة ما دون الجماع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن ذلك، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم = أو: أنزلت= (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية، فقال معاذ: يا رسول الله، أله خاصة، أم للناس عامة؟ قال: هي للناس عامة.
18680- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.
18681- حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال، حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال، حدثني عمرو بن الحارث قال، حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي قال، حدثنا سليم بن عامر، أنه سمع أبا أمامة يقول: إن رجلا أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أقم فيَّ حَدّ الله = مرةً واثنتين. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقيمت الصلاة، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، قال: أين هذا القائل: أقم فيَّ حدَّ الله؟ قال: أنا ذا! قال: هل أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا؟ قال: نعم! قال: فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمّك، فلا تَعُدْ! وأنزل الله حينئذ على رسوله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية. (1)
18682- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني جرير، عن عبد الملك، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أنه كان جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فقال: يا رسول الله، رجلٌ أصاب من امرأة ما لا يحلُّ له، لم يدع شيئًا يصيبه الرجل من امرأته إلا أتاه إلا أنه لم يجامعها؟ قال: يتوضأ وضوءًا حسنًا ثم يصلي. فأنزل الله هذه الآية: (أقم الصلاة طرفي النهار
(1)
الأثر: 18681 - "عبد الله بن أحمد بن شبويه الخزاعي" ، شيخ الطبري، سلف مرارا، آخرها رقم: 15379. "وإسحق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي" ، هو "ابن زبريق" ، ثقة، تكلموا فيه حسدًا. مضى برقم: 15379. "وعمرو بن الحارث بن النعمان الزبيدي" ، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: لا تعرف عدالته، مضى برقم: 15379. "وعبد الله بن سالم الأشعري الوحاظي" ، وثقه ابن حبان، مضى برقم: 15379. "والزبيدي" ، هو "محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي" ، ثقة، روى له الشيخان، مضى مرارًا، آخرها رقم: 15377. "وسليم بن عامر الكلاعي الحمصي" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 12807. وهذا إسناد حسن، ولم أجد حديث أبي أمامة مرويا من هذه الطريق، ولكن الأئمة رووه من طرق أخرى. رواه أحمد في مسنده من طريقين 5: 251، 262 من طريق عكرمة بن عمار اليمامي، عن شداد بن عبد الله، عن أبي أمامة. ثم رواه ص: 265، من طريق الأوزاعي، عن أبي عمار شداد، عن أبي أمامة. ومن الطريق الأولى، رواه مسلم في صحيحه 17: 81، 82. ومن الطريق الثانية رواه أبو داود في سننه 4: 191، رقم: 4381.

وزلفًا من الليل) ، الآية، فقال معاذ: هي له يا رسول الله خاصة، أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة (1)
18683- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة: أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة وهو جالسٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه لحاجة، فأذن له، فذهب يطلبها فلم يجدها. فأقبل الرجل يريد أن يُبَشّر النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر، فوجد المرأة جالسةً على غديرٍ، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها، فصار ذكره مثل الهُدْبة، فقام نادمًا حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: استغفر ربَّك وصلّ أربع ركعات: قال: وتلا عليه: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الآية. (2)
18684- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن وهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر بن عمرو الأنصاري قال: أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أجود من هذا! فدخلت، فأهويت إليها فقبَّلتها. فأتيت أبا بكر فسألته، فقال: استر على نفسك وتُبْ واستغفر الله! فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخلَفْتَ رجلا غازيًا في سبيل الله في أهله بمثل هذا!! حتى ظننت أنّي من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ! قال: فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةً فنزل جبريل فقال: أين أبو اليسر؟ فجئت، فقرأ عليّ: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، إلى: (ذكرى للذاكرين) ،
(1)
الأثر: 18682 - هو مكرر الأثر السالف 18678، وانظر تخريجه هناك.

(2)
الأثر: 18683 - "يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب القرشي" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 7472.

قال إنسان: لهُ يا رسول الله، خاصةً، أم للناس عامة؟ قال: للناس عامة. (1)
18685- حدثني المثني قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر قال: لقيت امرأة فالتَزَمْتُها، غير أني لم أنكحها، فأتيت عمر بن الخطاب رحمة الله عليه فقال: اتق الله، واستر على نفسك، ولا تخبرنّ أحدًا! فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر رحمة الله عليه، فسألته فقال: اتق الله واستر على نفسك ولا تخبرن أحدًا! قال: فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فقال له: هل جهزت غازيًا في أهله؟ قلت: لا قال: فهل خلفت غازيًا في أهله؟ قلت: لا فقال لي، حتى تمنيت أني كنت دخلت في الإسلام تلك الساعة! قال: فلما وليت دعاني، فقرأ عليّ: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، فقال له أصحابه: ألهذا خاصة، أم للناس عامة؟ فقال: بل للناس عامة. (2)
18686- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثني سعيد، عن قتادة: أن رجلا أصاب من امرأة قُبْلَةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله هلكتُ! فأنزل الله: (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) .
18687- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
(1)
الأثر: 18684 - حديث أبي اليسر الأنصاري، سيأتي بعده بنحو إسناده. وانظر ما كتبه الحافظ بن حجر في اسمه فيما سلف في التعليق على رقم: 18675.

"قيس بن الربيع الأسدي" ، سلف مرارًا، آخرها رقم: 16369، وقد وثقه جماعة، وضعفه آخرون. "وعثمان بن موهب" ، هو "عثمان بن عبد الله بم موهب التميمي" ، ينسب إلى جده، ثقة. مضى برقم: 17567. "وموسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي" ، تابعي ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 17567 - 17571. وهذا الخبر رواه الترمذي في كتاب التفسير، وقال: "هذا حديث حسن غريب. وقيس بن الربيع، ضعفه وكيع وغيره. وروى شريك عن عثمان بن عبد الله هذا الحديث، مثل رواية قيس بن الربيع" .
(2)
الأثر: 18685 - هو مكرر الأثر السالف.

معمر، عن سليمان التيمي قال: ضرب رجلٌ على كَفَلِ امرأة، ثم أتى أبا بكر وعمر رحمة الله عليهما. فكلما سأل رجلا منهما عن كفارة ذلك قال: أمغزية هي [مادا] ؟ (1) قال: نعم قال: لا أدري! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال: أمغزية هي؟ قال: نعم! قال: لا أدري! حتى أنزل الله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) .
18688- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد، عن عطاء، في قول الله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، أنّ امرأة دخلت على رجل يبيعُ الدقيق، فقبَّلها فأسقِطَ في يده. فأتى عمر فذكر ذلك له، فقال: اتق الله، ولا تكن امرأةَ غازٍ! فقال الرجل: هي امرأة غازٍ. فذهب إلى أبى بكر، فقال مثل ما قال عمر. فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا، فقال له: كذلك، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم، فأنزل الله: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) ، الصلوات المفروضات = (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) .
18689- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عطاء بن أبي رباح قال: أقبلت امرأة حتى جاءت إنسانًا يبيع الدقيق لتبتاع منه، فدخل بها البيت، فلما خلا له قَبَّلها. قال: فسُقِط في يديه، فانطلق إلى أبي بكر، فذكر ذلك له، فقال: أبصر، لا تكونَنّ امرأة رجل غازٍ! فبينما هم على ذلك، نزل في ذلك: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل) = قيل لعطاء: المكتوبة هي؟ قال: نعم، هي المكتوبة =
(1)
في المخطوطة هذا الذي وضعته بين القوسين، ولم أوفق إلى قراءته أو تبين معناه، وهما يكن فالسؤال واضح. وقوله: "مغزية" ، فالمغزية هي المرأة التي غزا زوجها وبقيت وحدها في البيت، ومنه حديث عمر:

"ما بال رجالٍ لا يزال أحدهم كاسرًا وسادَه عند مُغْزِية، يتحدَّث إليها وتتحدث إليه! عليكم بالجَنْبة، فإنها عفافٌ. إنما الناس لحمٌ على وضَمٍ إلاّ ما ذُبَّ عنهُ" .
فقال ابن جريج، وقال عبد الله بن كثير: هي المكتوبات.
قال ابن جريج: عن يزيد بن رومان: إن رجلا من بني غنم، دخلت عليه امرأةٌ فقبَّلها، ووضع يده على دُبُرها. فجاء إلى أبى بكر رضى الله عنه، ثم جاء إلى عمر رضى الله عنه، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: (أقم الصلاة) ، إلى قوله: (ذلك ذكرى للذاكرين) ، فلم يزل الرجل الذي قبَّل المرأة يذكر، فذلك قوله: (ذكرى للذاكرين) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واصبر، يا محمد، على ما تلقى من مشركي قومك من الأذى في الله والمكروه، رجاءَ جزيل ثواب الله على ذلك، فإن الله لا يضيع ثوابَ عمل من أحسن فأطاع الله واتبع أمره، فيذهب به، بل يوَفّره أحوجَ ما يكون إليه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فهلا كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم في هذه السورة، الذين أهلكتهم بمعصيتهم إياي، وكفرهم برسلي
(1)
من قبلكم. (أولو بقية) ، يقول: ذو بقية من الفهم والعقل، (2) يعتبرون مواعظَ الله ويتدبرون حججه، فيعرفون ما لهم في الإيمان بالله، وعليهم في الكفر به (3) = (ينهون عن الفساد في الأرض) ، يقول: ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به، في أرضه (4) = (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، يقول: لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، إلا يسيرًا، فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض، فنجاهم الله من عذابه، حين أخذ من كان مقيمًا على الكفر بالله عذابُه = وهم اتباع الأنبياء والرسل.

* * *
ونصب "قليلا" لأن قوله: (إلا قليلا) استثناء منقطع مما قبله، كما قال: (إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا) ، [سورة يونس: 98] . وقد بينا ذلك في غير موضع، بما أغنى عن إعادته. (5)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18690- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: اعتذر فقال: (فلولا كان من القرون من قبلكم) ، حتى بلغ: (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، فإذا هم الذين نجوا حين نزل عذاب الله. وقرأ: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) .
18691- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية) ، إلى قوله: (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، قال: يستقلَّهم الله من كل قوم.
(1)
انظر تفسير "القرن" فيما سلف 11: 263 / 15: 37.

(2)
انظر تفسير "البقية" فيما سلف ص: 447 - 449.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "وعليهم" بإسقاط "ما" ، والأجود إثباتها.

(4)
انظر تفسير "الفساد في الأرض" فيما سلف من فهارس اللغة (فسد) .

(5)
انظر فهارس مباحث العربية والنحو وغيرهما.

18692- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود قال: سألني بلال عن قول الحسن في القدر، (1) قال: فقال: سمعت الحسن يقول: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) ، قال: بعث الله هودًا إلى عاد، فنجى الله هودًا والذين آمنوا معه وهلك المتمتعون. وبعث الله صالحًا إلى ثمود، فنجى الله صالحًا وهلك المتمتعون. فجعلت أستقريه الأمم، فقال: ما أراه إلا كان حسَّن القول في القَدر. (2)
18693- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم) ، أي: لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض = (إلا قليلا ممن أنجينا منهم) .
* * *
وقوله: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) ، يقول تعالى ذكره: واتبع الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله ما أترفوا فيه.
*ذكر من قال ذلك:
18694- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) ، قال: ما أُنْظروا فيه.
18695- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) ، من دنياهم.
(1)
في المطبوعة والمخطوطة هنا: "في العذر" ، والصواب ما أثبت، وانظر التعليق التالي.

(2)
في المطبوعة وحدها: "في العذر، والصواب من المخطوطة. ويعني أنه أمر قد فرغ منه، لقول الله سبحانه لنوح:" وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم "، وذلك قبل أن يكونوا، وهو قول أهل الإثبات، من أهل الحق."

=وكأنّ هؤلاء وجَّهوا تأويل الكلام: واتبع الذين ظلموا الشيء الذي أنظرهم فيه ربُّهم من نعيم الدنيا ولذاتها، إيثارًا له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب الله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: واتبع الذين ظلَموا ما تجبَّروا فيه من الملك، وعتَوْا عن أمر الله.
*ذكر من قال ذلك:
18696- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) ، قال: في ملكهم وتجبُّرهم، وتركوا الحق.
18697- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه، إلا أنه قال: وتركِهم الحق.
18698- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر تعالى ذكره: أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بالله، اتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا، فاستكبروا وكفروا بالله، واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا، فاستكبروا عن أمر الله وتجبروا وصدوا عن سبيله.
* * *
= وذلك أن المترف في كلام العرب: هو المنعم الذي قد غُذِّي باللذات، ومنه قول الراجز:
(1)

نُهْدِي رُءُوسَ المُتْرَفينَ الصُّدَّادْ ... إلى أمِير المُؤْمِنِينَ المُمْتَادْ (2)
* * *
وقوله: (وكانوا مجرمين) ، يقول: وكانوا مكتسبي الكفر بالله. (3)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما كان ربك، يا محمد، ليهلك القرى، التي أهلكها، التي قَصَّ عليك نبأها، ظُلمًا وأهلها مصلحون في أعمالهم، غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربّهم، ظلمًا، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله وتماديهم في غيِّهم، وتكذيبهم رُسُلهم، وركوبهم السيئات.
* * *
وقد قيل: معنى ذلك: لم يكن ليهلكهم بشركهم بالله. وذلك قوله "بظلم" يعني: بشرك = (وأهلها مصلحون) ، فيما بينهم لا يتظالمون، ولكنهم يتعاطَون الحقّ بينهم، وإن كانوا مشركين، إنما يهلكهم إذا تظالموا.
* * *
(1)
هو رؤبة.

(2)
سلف البيت وتخريجه وشرح فيما سلف 11: 223، تعليق: 1.، "الممتاد" ، الذي نسأله العطاء فيعطي.

(3)
انظر تفسير "الإجرام" فيما سلف من فهارس اللغة (جرم) .


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:33 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (852)
صــ 531 إلى صــ 540





القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربك، يا محمد، لجعل الناس كلها جماعة واحدة على ملة واحدة، ودين واحد، (1) كما:-
18699- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) ، يقول: لجعلهم مسلمين كلهم.
* * *
وقوله: (ولا يزالون مختلفين) ، يقول تعالى ذكره: ولا يزال النَّاس مختلفين = (إلا من رحم ربك) .
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في "الاختلاف" الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به.
فقال بعضهم: هو الاختلاف في الأديان = فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء: ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتى، من بين يهوديّ ونصرانيّ، ومجوسي، ونحو ذلك.
وقال قائلو هذه المقالة: استثنى الله من ذلك من رحمهم، وهم أهل الإيمان.
*ذكر من قال ذلك:
18700- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير عن طلحة بن عمرو، عن عطاء: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: اليهود والنصارى والمجوس، والحنيفيَّة همُ الذين رحم ربُّك
(1)
انظر تفسير "الأمة" فيما سلف ص: 353 تعليق: 4، والمراجع هناك.

18701- حدثني المثني قال، حدثنا قبيصة قال، حدثنا سفيان، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: اليهود والنصارى والمجوس، (إلا من رحم ربك) ، قال: هم الحنيفية.
18702- حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال، أخبرنا منصور بن عبد الرحمن قال: قلت للحسن قوله: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ، قال: الناس مختلفون على أديان شتى، إلا من رحم ربك، فمن رحم غير مختلفين.
18703- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن حسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: أهل الباطل = (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحقّ.
18704- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: أهل الباطل = (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحق.
18705- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
18706-. . . . قال، حدثنا معلي بن أسد قال، حدثنا عبد العزيز، عن منصور بن عبد الرحمن قال: سئل الحسن عن هذه الآية: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ، قال: الناس كلهم مختلفون على أديان شتى، إلا من رحم ربك، فمن رحم غير مختلف. فقلت له: (ولذلك خلقهم) ؟ فقال: خلق هؤلاء لجنته، وهؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه.
18707-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: أهل الباطل = (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحق.
18708-. . . . قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد، قوله: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: أهل الحقّ وأهل الباطل. (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحق.
18709-. . . . قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
18710-. . . . قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك: (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحقّ، ليس فيهم اختلاف.
18711- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عكرمة: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: اليهود والنصارى = (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل القبلة.
18712- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني الحكم بن أبان عن عكرمة، عن ابن عباس: (ولا يزالون مختلفين) قال: أهل الباطل= (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحق.
18713- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ، قال: لا يزالون مختلفين في الهوى.
18714- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ، فأهل رحمة الله أهل جماعة، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة، وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم.
18715- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ، قال: من جعله على الإسلام.

18716-. . . . قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا الحسن بن واصل، عن الحسن: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: أهل الباطل، (إلا من رحم ربك) . (1)
18717-. . . . قال، حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: أهل الباطل = (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحق.
18718- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفين في الرزق، فهذا فقير وهذا غنى.
*ذكر من قال ذلك:
18719- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر، عن أبيه، أن الحسن قال: مختلفين في الرزق، سخر بعضهم لبعض.
* * *
وقال بعضهم: مختلفين في المغفرة والرحمة، أو كما قال.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك، بالصواب قولُ من قال: معنى ذلك: "ولا يزال الناس مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتى، إلا من رحم ربك، فآمن بالله وصدق رسله، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله، وتصديق رسله، وما جاءهم من عند الله" .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك، لأن الله جل ثناؤه أتبع
(1)
الأثر: 18716 - "الحسن بن واصل" ، لم أجد له ذكرًا، وأخشى أن يكون فيه تحريف. وأن يكون صوابه: "الحسن، عن واصل" ، وكأنه يعني: "واصل بن عبد الرحمن" "أبا حرة" ، وهو يروي عن الحسن، مضى برقم: 6385، 11496، 12616.

ذلك قوله: (وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين) ، ففي ذلك دليلٌ واضح أن الذي قبله من ذكر خبره عن اختلاف الناس، إنما هو خبرٌ عن اختلاف مذموم يوجب لهم النار، ولو كان خبرًا عن اختلافهم في الرزق، لم يعقّب ذلك بالخبر عن عقابهم وعَذابهم.
* * *
وأما قوله: (ولذلك خلقهم) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله:
فقال بعضهم: معناه: وللاختلاف خلقهم.
*ذكر من قال ذلك:
18720- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن: (ولذلك خلقهم) ، قال: للاختلاف.
18721- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا منصور بن عبد الرحمن، قال: قلت للحسن: (ولذلك خلقهم) ؟ فقال: خلق هؤلاء لجنته وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه.
18722- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عليه، عن منصور، عن الحسن، مثله.
18723- حدثني المثني قال، حدثنا المعلى بن أسد قال، حدثنا عبد العزيز، عن منصور بن عبد الرحمن، عن الحسن. بنحوه.
18724-. . . . قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن خالد الحذاء، أن الحسن قال في هذه الآية: (ولذلك خلقهم) ، قال: خلق هؤلاء لهذه، وخلق هؤلاء لهذه.
18725- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال، حدثنا
عوف، عن الحسن قال: (ولذلك خلقهم) ، قال: أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافًا يضرُّهم.
18726- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولذلك خلقهم) ، قال: خلقهم فريقين: فريقًا يرحم فلا يختلف، وفريقًا لا يرحم يختلف، وذلك قوله: (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ، [سورة هود: 105] .
18727- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء في قوله: (ولا يزالون مختلفين) ، قال: يهود ونصارى ومجوس= (إلا من رحم ربك) ، قال: من جعله على الإسلام = (ولذلك خلقهم) ، قال: مؤمن وكافر.
18728- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، قال، حدثنا الأعمش: "ولذلك خلقهم" ، قال: مؤمن وكافر.
18729- حدثني يونس قال، أخبرنا أشهب قال: سئل مالك عن قول الله: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ، قال: خلقهم ليكونوا فريقين: فريقٌ في الجنة، وفريقٌ في السعير.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللرحمة خلقهم.
*ذكر من قال ذلك:
18730- حدثني أبو كريب قال، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن حسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد: (ولذلك خلقهم) ، قال: للرحمة.
18731- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: (ولذلك خلقهم) ، قال للرحمة.
18732- حدثني المثني قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد، مثله.
18733- حدثني المثني قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
18734-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو حفص، عن ليث، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: للرحمة خلقهم.
18735- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ولذلك خلقهم) ، قال: للرحمة خلقهم.
18736- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عمن ذكره عن ثابت، عن الضحاك: (ولذلك خلقهم) ، قال: للرحمة.
18737- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة: (ولذلك خلقهم) ، قال: أهل الحقّ ومن اتبعه لرحمته.
18738- حدثني سعد بن عبد الله قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك) ، قال: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ من قال: وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم، لأن الله جل ذكره ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلاف وباطل، والآخر أهل حق، ثم عقَّب ذلك بقوله: (ولذلك خلقهم) ، فعمّ بقوله: (ولذلك خلقهم) ، صفة الصنفين، فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميَسَّر لما خلق له.
* * *
فإن قال قائل: فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون المختلفون غير ملومين على اختلافهم، إذ كان لذلك خلقهم ربُّهم، وأن يكون المتمتِّعون هم الملومين؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت، وإنما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم، (إلا من رحم ربك) ، فهداه للحقّ ولعلمه، وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكافر، والشقي والسعيد خلقهم = فمعنى اللام في قوله: (ولذلك خلقهم) بمعنى "على" كقولك للرجل: أكرمتك على برك بي، وأكرمتك لبرك بي.
* * *
وأما قوله: (وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) ، لعلمه السابق فيهم أنهم يستوجبون صليها بكفرهم بالله، وخلافهم أمره.
* * *
وقوله: (وتمت كلمة ربك) ، قسم كقول القائل: حلفي لأزورنك، وبدًا لي لآتينك، ولذلك تُلُقِّيَت بلام اليمين.
* * *
وقوله: (من الجنة) ، وهي ما اجتَنَّ عن أبصار بني آدم = (والناس) ، يعني: وبنى آدم.
* * *
وقيل: إنهم سموا "الجنة" ، لأنهم كانوا على الجنان.
*ذكر من قال ذلك:
18739- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك: وإنما سموا "الجنة" أنهم كانوا على الجنان، والملائكة كلهم "جنة"
18740- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي،
عن أبي مالك قال: "الجنة" : الملائكة.
* * *
وأما معنى قول أبى مالك هذا: أن إبليس كان من الملائكة، والجن ذريته، وأن الملائكة تسمى عنده الجن، لما قد بينت فيما مضى من كتابنا هذا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وكلا نقصّ عليك) ، يا محمد (2) = (من أنباء الرسل) ، الذين كانوا قبلك (3) = (ما نثبت به فؤادك) ، فلا تجزع من تكذيب من كذبك من قومك، وردَّ عليك ما جئتهم به، ولا يضق صدرك، فتترك بعض ما أنزلتُ إليك من أجل أن قالوا: (لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك) ؟ إذا علمت ما لقي من قبلك من رسلي من أممها، (4) كما:-
18741- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) ، قال: لتعلم ما لقيت الرسل قبلك من أممهم.
* * *
وأختلف أهل العربية في وجه نصب "كلا" .
(1)
انظر تفسير "الجن" فيما سلف 1: 502 - 508.

(2)
انظر تفسير "القصص" فيما سلف ص: 470، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) .

(4)
انظر تفسير "التثبيت" فيما سلف 5: 354، 531 / 7: 272، 237 / 8: 529 / 13: 427.

فقال بعض نحويي البصرة: نصب على معنى: ونقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك، كلا =، كأنَّ الكلّ منصوب عنده على المصدر من "نقص" بتأويل: ونقص عليك ذلك كلَّ القصص.
* * *
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية وقال: ذلك غير جائز، وقال إنما نصبت "كلا" ب "نقصّ" ، لأن "كلا" بنيت على الإضافة، كان معها إضافةٌ أو لم يكن وقال: أراد: كلَّه نقص عليك، وجعل "ما نثبت" ردًّا على "كلا" ، وقد بينت الصواب من القول في ذلك. (1)
* * *
وأما قوله: (وجاءك في هذه الحق) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله:
فقال بعضهم: معناه: وجاءك في هذه السورة الحق.
*ذكر من قال ذلك:
18742- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن خليد بن جعفر، عن أبي إياس، عن أبي موسى: (وجاءك في هذه الحق) ، قال: في هذه السورة.
18743- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن شعبة، عن خليد بن جعفر، عن أبي إياس معاوية بن قرة، عن أبي موسى، مثله.
18744- حدثنا ابن بشار قال، حدثني سعيد بن عامر قال، حدثنا عوف، عن أبي رجاء، عن ابن عباس، في قوله: (وجاءك في هذه الحق) ، قال: في هذه السورة.
18745- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن أبي عوانة،
(1)
انظر ما سلف في حكم "كل" 6: 210، ثم تفسير "كل" فيما سلف ص: 212، وفهارس اللغة مادة (كلل) .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:38 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (853)
صــ 541 إلى صــ 550





عن أبي بشر، عن عمرو العنبري، عن ابن عباس: (وجاءك في هذه الحق) ، قال: في هذه السورة.
18746- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن رجل من بني العنبر قال: خطبنا ابن عباس فقال: (وجاءك في هذه الحق) ، قال: في هذه السورة.
18747- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس قرأ هذه السورة على الناس حتى بلغ: (وجاءك في هذه الحق) ، قال في هذه السورة.
18748- حدثني المثني قال، حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن عوف، عن مروان الأصغر، عن ابن عباس أنه قرأ على المنبر: (وجاءك في هذه الحق) فقال: في هذه السورة
18749- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن أبيه، عن ليث، عن مجاهد: (وجاءك في هذه الحق) قال: في هذه السورة.
18750- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:، في هذه السورة.
18751- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
18752- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
18753- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، مثله.
18754- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن أبي جعفر الرازي،
عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: هذه السورة.
18755- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعيد، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، مثله.
18756- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أبو رجاء، عن الحسن في قوله: (وجاءك في هذه الحق) ، قال: في هذه السورة.
18757- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، بمثله.
18758- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شعبة، عن أبي رجاء عن الحسن. مثله.
18759- حدثنا ابن المثني قال، حدثنا عبد الرحمن، عن أبان بن تغلب، عن مجاهد، مثله.
18760- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وجاءك في هذه الحق) قال: في هذه السورة.
18761- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة [مثله] . (1)
18762- حدثني المثني قال، حدثنا آدم قال، حدثنا شعبة، عن أبي رجاء قال: سمعت الحسن البصري يقول في قول الله: (وجاءك في هذا الحق) ، قال: يعني في هذه السورة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وجاءك في هذه الدنيا الحق.
*ذكر من قال ذلك:
18763- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثني قالا حدثنا محمد بن جعفر
(1)
الزيادة بين القوسين، أرجو أن تكون هي الصواب.

قال، حدثنا شعبة، عن قتادة: (وجاءك في هذه الحق) ، قال: في هذه الدنيا.
18764- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شعبة، عن قتادة: (وجاءك في هذا الحق) ، قال: كان الحسن يقول: في الدنيا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في تأويل ذلك، قول من قال: وجاءك في هذه السورة الحق، لإجماع الحجة من أهل التأويل، على أن ذلك تأويله.
* * *
فإن قال قائل: أو لم يجيء النبي صلى الله عليه وسلم الحق من سور القرآن إلا في هذه السورة، فيقال: وجاءك في هذه السورة الحق؟
قيل له: بلى، قد جاءه فيها كلِّها.
فإن قال: فما وجه خصُوصه إذًا في هذه السورة بقوله: (وجاءك في هذه الحق) ؟ قيل: إن معنى الكلام: وجاءك في هذه السورة الحق مع ما جاءك في سائر سور القرآن = أو إلى ما جاءك من الحق في سائر سور القرآن= لا أن معناه: وجاءك في هذه السورة الحق دون سائر سور القرآن.
* * *
وقوله: (وموعظة) يقول: وجاءك موعظةٌ تعظ الجاهلين بالله، وتبين لهم عبره ممن كفر به وكذب رسله (1) = (وذكرى للمؤمنين) يقول: وتذكرة تذكر المؤمنين بالله ورسله، كي لا يغفلوا عن الواجب لله عليهم.
* * *
(1)
انظر تفسير "الموعظة" فيما سلف ص: 104، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل، يا محمد، للذين لا يصدّقونك ولا يقرُّون بوحدانية الله = (اعملوا على مكانتكم) ، يقول: على هِينَتكم وتمكنكم ما أنتم عاملوه (1) فإنا عاملون ما نحن عاملوه من الأعمال التي أمرنا الله بها = وانتظروا ما وعدكم الشيطان، فإنا منتظرون ما وعدنا الله من حربكم ونصرتنا عليكم، كما:-
18765- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج في قوله: (وانتظروا إنا منتظرون) ، قال: يقول: انتظروا مواعيد الشيطان إياكم على ما يزيّن لكم = (إنا منتظرون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولله، يا محمد، ملك كل ما غاب عنك في السموات والأرض فلم تطلع ولم تعلمه، ولم تعلمه، (2) كل ذلك بيده وبعلمه، لا يخفى عليه منه شيء، وهو عالم بما يعمله مشركو قومك،
(1)
انظر تفسير "المكانة" فيما سلف ص: 463، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الغيب" فيما سلف 14: 381، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وما إليه مصير أمرهم، من إقامة على الشرك، أو إقلاعٍ عنه وتوبة = (وإليه يرجع الأمر كله) ، يقول: وإلى الله مَعَادُ كل عامل وعمله، وهو مجازٍ جميعَهم بأعمالهم، كما:-
18766- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وإليه يرجع الأمر كله) ، قال: فيقضي بينهم بحكمه بالعدل.
* * *
(فاعبده) ، يقول: فاعبد ربك يا محمد = (وتوكل عليه) ، يقول: وفوِّض أمرك إليه، وثق به وبكفايته، فإنه كافي من توكل عليه. (1)
* * *
= وقوله: (وما ربك بغافل عما تعملون) ، يقول تعالى ذكره: وما ربك، يا محمد، بساه عما يعمل هؤلاء المشركون من قومك، (2) بل هو محيط به، لا يعزب عنه شيء منه، وهو لهم بالمرصاد، فلا يحزنك إعراضهم عنك، ولا تكذيبهم بما جئتهم به من الحقّ، وامض لأمر ربّك، فإنك بأعيننا.
18767- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب، قال: خاتمة "التوراة" ، خاتمة "هود" (3)
(آخر تفسير سورة هود، والحمد لله وحده)
(1)
انظر تفسير "التوكل" فيما سلف ص: 168، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الغفلة" فيما سلف ص: 198، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 18767 - مضى الخبر بتمامه فيما سلف برقم: 13043، ومن طريق أخرى بمثله، رقم: 13042.


(1)
تفسير سورة يوسف
(تفسير السورة التي يذكر فيها يوسف صلى الله عليه وسلم)

(بسم الله الرحمن الرحيم)
(ربِّ يسّر)
القول في تأويل قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) }
قال أبو جعفر محمد بن جرير: قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: (الر تلك آيات الكتاب) ، والقول الذي نختاره في تأويل ذلك فيما مضى، بما أغنى عن إعادته ههنا. (2)
* * *
وأما قوله: (تلك آيات الكتاب المبين) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: (تلك آيات الكتاب المبين) : بَيَّن حلاله وحرامه، ورشده وهُداه.
ذكر من قال ذلك:
18768 حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: حدثنا الوليد بن سلمة الفلسطيني، قال: أخبرني عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، في قول الله تعالى: (الر تلك آيات الكتاب المبين) ، قال: بيَّن حلاله وحرامه. (3)
(1)
في المخطوطة بعد هذا، ما نصه:

"يتلوه تفسير السورة التي يذكر فيها يوسف وهو آخر المجلَّد الثاني عشر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم" .
(2)
انظر ما سلف ص: 9 - 12.

(3)
الأثر: 18768 - "الوليد بن سلمة الفلسطيني الأردني" قاضي الأردن، كذاب، يضع الأحاديث على الثقات. مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 2 / 6، وميزان الاعتدال 3: 271، ولسان الميزان 6: 222. و "عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر" ، ضعيف جدًا، وقال سفيان: كذاب، قال أحمد: "لم يسمع من أبيه، ليس بشيء" . مضى برقم: 636.

18769 حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (الر تلك آيات الكتاب المبين) ، إي والله، لمبينٌ، بيَّن الله هداه ورشده. (1)
18770 حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (الر تلك آيات الكتاب المبين) ، قال: بين الله رشده وهداه.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:
18771 حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: حدثنا الوليد بن سلمة، قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ أنه قال في قول الله عز وجل: (الكتاب المبين) قال بيَّن الحروف التي سقطت عن ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف. (2)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معناه: هذه آيات الكتاب المبين، لمن تلاه وتدبَّر ما فيه من حلاله وحرامه ونهيه وسائر ما حواه من صنوف معانيه ; لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه "مبين" ، ولم يخصَّ إبانته عن بعض ما فيه دون جميعه، فذلك على جميعه، إذ كان جميعه مبينًا عمَّا فيه.
* * *
(1)
في المطبوعة: "تركيبه" ، وفي المخطوطة: "برليه" واستظهرت الصواب من الذي يليه.

(2)
الأثر: 18771 - "الوليد بن سلمة الفلسطيني" ، كذاب، سلف برقم: 18768. "وثور بن يزيد الكلاعي" ، ثقة صحيح الحديث، مضى برقم: 3196. "وخالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي" ، تابعي ثقة، روى له الجماعة مضى برقم: 2070، 9224. وهذا خبر آفته الوليد بن سلمة.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif






ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:41 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (854)
صــ 551 إلى صــ 560





القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين، قرآنًا عربيًّا على العرب، لأن لسانهم وكلامهم عربي، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه، وذلك قوله: (لعلكم تعقلون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "نحن نقص عليك" يا محمد، "أحسن القصص" بوحينا إليك هذا القرآن، فنخبرك فيه عن الأخبار الماضية، وأنباء الأمم السالفة والكتب التي أنزلناها في العصور الخالية (1) = (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) ، يقول تعالى ذكره: وإن كنت يا محمد من قبل أن نوحيه إليك لمن الغافلين عن ذلك، لا تعلمه ولا شيئا منه، (2) كما:
18772 حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (نحن نقص عليك أحسن القصص) من الكتب الماضية وأمور الله السالفة
(1)
انظر تفسير "القصص" فيما سلف ص: 539، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الغفلة" فيما سلف ص: 545، تعليق: 2، والمراجع هناك.

في الأمم= (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) .
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسألة أصحابه إياه أن يقصَّ عليهم.
*ذكر الرواية بذلك:
18773 حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا حكام الرازي، عن أيوب، عن عمرو الملائي، عن ابن عباس، قال: قالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا؟ قال: فنزلت: (نحن نقص عليك أحسن القصص) . (1)
18774 حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، قال: قالوا: يا نبي الله، فذكر مثله.
18775 حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن المسعودي، عن عون بن عبد الله، قال: ملَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملّةً، فقالوا: يا رسول الله حدثنا! فأنزل الله عز وجل: (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [سورة الزمر:23] . ثم ملوا ملَّةً أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن! يعنون القصَص، فأنزل الله: (الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيًا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) ، فأرادوا الحديث فدَّلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصصَ فدلهم على أحسن القصص. (2)
(1)
الأثران: 18773، 18774 - "أيوب بن سيار، أبو عبد الرحمن" ، لم أجده بهذه الكنية وإنما ذكروا "أيوب بن سيار الزهري المدني" وكناه البخاري "أبا سيار" ، قال البخاري: "منكر الحديث" ، وقال ابن حبان: "كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل" . مترجم في الكبير 1 / 1 / 417، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 248، وميزان الاعتدال 1: 134، ولسان الميزان 1: 482، وكأنه هو. هو نفسه: "أبو عبد الرحمن" ، و "أبو سيار" ، له كنيتان. وقد روى الأول مرفوعًا إلى ابن عباس، والآخر موقوفًا. ثم انظر حديث عمرو بن قيس الملائي، مرفوعًا إلى سعد بن أبي وقاص، برقم: 18776. فلعل هذا مما قلبه أيوب بن سيار.

(2)
الأثر: 18775 - "عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود" ، روى عن أبيه وعمه مرسلا. وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 3 من طريق عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، فهو مرسل. وذكره الواحدي في أسباب النزول: 203.

18776 حدثنا محمد بن سعيد العطار، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا خلاد الصفار، عن عمرو بن قيس، [عن عمرو بن مرة] ، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، قال: فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا! فأنزل الله: (الر تلك آيات الكتاب المبين) ، إلى قوله: (لعلكم تعقلون) ، الآية. قال: ثم تلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا! فأنزل الله تعالى (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا) [سورة الزمر:23] ، قال خلاد: وزاد فيه رجل آخر، قالوا: يا رسول الله= أو قال أبو يحيى: ذهبت من كتابي كلمة= فأنزل الله: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) [سورة الحديد:16] . (1)
* * *
(1)
الأثر: 18776 - "محمد بن سعيد بن غالب البغدادي، العطار، الضرير" ، "أبو يحيى" ، شيخ الطبري. روى عن ابن علية، وعبد الله بن نمير، والشافعي، ووهب بن جرير، وغيرهم. ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 266، وتاريخ بغداد 5: 306. "وعمرو بن محمد القرشي العنقزي" ، ثقة، جائز الحديث، مضى برقم: 6139، 12369، 13258. "وخلاد الصفار" ، هو: "خلاد بن عيسى العبدي" ، ويقال: "خلاد بن مسلم" ، وكنيته "أبو مسلم" . ثقة، مضى برقم: 3014. "وعمرو بن قيس الملائي" ، ثقة، مضى مرارًا كثيرة. "وعمرو بن مرة المرادي الجملي" ، ثقة، روى له الجماعة، وهو الذي يروي عن مصعب ابن سعد، مضى مرارًا كثيرة. وكان اسمه ساقطًا من الإسناد في المخطوطة والمطبوعة، وزدته بين القوسين، لأن ابن كثير نقل هذا الخبر في تفسيره 4: 411، عن هذا الموضع من تفسير الطبري، وجاء على الصواب كما أثبته، كما رواه الحاكم وغيره، كما سترى في التخريج. و "مصعب بن سعد بن أبي وقاص" ، تابعي ثقة، روى له الجماعة، روى عن أبيه، مضى برقم: 9841، 11450، 16633. وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 345، من هذه الطريق نفسها، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي، ولكن الحاكم قال: "حدثنا خلاد بن مسلم" ، فقال الذهبي: "صوابه: خلاد أبو مسلم الصفار، وأبوه اسمه عيسى" ، وقد رأيت قبل ما ذكر من الاختلاف في اسم أبيه. ونقله عن الحاكم، الواحدي في أسباب النزول: 203، وليس فيهما هذه الزيادة عن خلاد في آخر الحديث.

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 3، وزاد نسبته إلى إسحاق بن راهوية، والبزار، وأبي يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن كنت يا محمد، لمن الغافلين عن نبأ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم= إذ قال لأبيه يعقوب بن إسحاق: (يا أبت إني رأيت أحدَ عشر كوكبًا) ; يقول: إني رأيت في منامي أحد عشر كوكبًا.
* * *
وقيل: إن رؤيا الأنبياء كانت وحيًا.
18778 حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) ، قال: كانت رؤيا الأنبياء وحيًا.
18779 وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (إني رأيت أحد عشر كوكبًا) ، قال: كانت الرؤيا فيهم وحيًا.
* * *
وذكر أن الأحد العشر الكوكب التي رآها في منامه ساجدةً مع الشمس والقمر، ما:
18780- حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من يهود يقال له "بستانة اليهودي" ، فقال له: يا محمد، أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدةً له، ما أسماؤها؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه بشيء، ونزل عليه جبرئيل وأخبره بأسمائها.
قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم! فقال: جربان والطارق، والذيال، وذو الكنفات، (1) وقابس، ووثاب وعمودان، والفليق، والمصبح، والضَّروح، وذو الفرغ، والضياء، والنور ". فقال اليهودي: والله إنها لأسماؤها! (2) "
* * *
(1)
في المطبوعة: "ذو الكتفين" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما نقله ابن كثير في تفسيره عن هذا الموضع من تفسير الطبري. أما باقي الأسماء، فإني جهلت ضبطها.

(2)
الأثر: 18780 - "الحكم بن ظهير الفزاي" ، متروك، مضى مرارًا، برقم: 249، 5523، 5792، 11335. و "عبد الرحمن بن سابط" ، هو "عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط" تابعي ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11526. وهو يروي عن جابر مرسلا، قيل ليحيى بن معين: "سمع عبد الرحمن من سعد بن أبي وقاص؟ قال: لا. قيل: من أبي أمامة؟ قال: لا. قيل من جابر قال: لا، هو مرسل" . وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 4، وقال: "أخرج سعيد بن منصور، والبزار، وأبو يعلي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والعقيلي، وابن حبان في الضعفاء، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم البيهقي معًا في دلائل النبوة، عن جابر" . ولم أعرف مكان هذا الخبر من المستدرك للحاكم، ولكن العجب أنه صححه، فإن هذا الخبر قد تفرد به الحكم بن ظهير، وهو واهي الحديث متروك، وحتى قال الجوزجاني: "ساقط لميله وأعاجيب حديثه، وهو صاحب حديث نجوم يوسف" ، وقد أنكر العقيلي حديثه في تسمية النجوم التي رآها يوسف عليه الصلاة والسلام. انظر تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال 1: 268، وذكر الخبر من طريق ابن حبان بإسناده. وانظر الاختلاف في أسماء النجوم هناك، وراجع دلائل النبوة لأبي نعيم، فني لم أجده هناك.

وقوله: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) يقول: والشمس والقمر رأيتهم في منامي سجودا.
* * *
وقال "ساجدين" والكواكب والشمس والقمر إنما يخبر عنها ب "فاعلة" و "فاعلات" لا بالواو والنون، [لأن الواو والنون] إنما هي علامة جمع أسماء ذكور بني آدم، أو الجن، أو الملائكة (1) . وإنما قيل ذلك كذلك، لأن "السجود" من أفعال من يُجمع أسماء ذكورهم بالياء والنون، أو الواو والنون، فأخرج جمع أسمائها مخرج جمع أسماء من يفعل ذلك، كما قيل: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ) ، [سورة النمل: 18] .
* * *
وقال: "رأيتهم" وقد قيل ": إني رأيت أحد عشر كوكبًا" ، فكرر الفعل، وذلك على لغة من قال: "كلمت أخاك كلمته" ، توكيدًا للفعل بالتكرير.
* * *
وقد قيل: إن الكواكب الأحد عشر كانت إخوته، والشمس والقمر أبويه.
* ذكر من قال ذلك:
18781- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا) إخوته، أحد عشر كوكبًا=" والشمس والقمر "، يعني بذلك: أبويه"
18782 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شريك، عن السدي، في قوله: "إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر" ... الآية، قال: رأى أبويه وإخوته سجودا له= فإذا قيل له: عمن؟ قال إن كان حقًّا، فإن ابن عباس فسرَّه.
(1)
الذي بين القوسين، أظنه سقط من الكلام، لذلك زدته حتى تستقيم العبارة.

18783- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله "أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين" قال: الكواكب: إخوته، والشمس والقمر: أبواه.
18784- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: "إني رأيت أحد عشر كوكبًا" إخوته = "والشمس" ، أمه "والقمر" أبوه.
18785- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد، قال، قال سفيان: كان أبويه وإخوته
18786- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، قوله: "إني رأيت أحد عشر كوكبًا" هم إخوة يوسف= "والشمس والقمر" ، هما أبواه.
18787- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: "يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا" الآية، قال: أبواه وإخوته. قال: فنعاه إخوته، وكانوا أنبياء، (1) فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه! حين بلغهم.
* * *
وروي عن ابن عباس أنه قال ": الكواكب" إخوته، "والشمس والقمر" ، أبوه وخالته= من وجه غير محمودٍ، فكرهت ذكره.
* * *
(1)
هكذا هي المخطوطة، أيضًا، أو نحوًا من "نفاه" غير منقوطة، ولا أدري ما أراد.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) }
قال أبو جعفر: يقول جل ذكره قال: يعقوب لابنه يوسف: "يا بنيّ لا تقصص رؤياك" ، هذه، "على إخوتك" ، فيحسدوك (1) = "فيكيدوا لك كيدًا" ، يقول: فيبغوك الغوائل، ويناصبوك العداوة، ويطيعوا فيك الشيطان (2) . (إن الشيطان للإنسان عدو مبين) ، يقول: إن الشيطان لآدم وبنيه عدو، قد أبان لهم عداوته وأظهرها (3) . يقول: فاحذر الشيطان أن يغريَ إخوتك بك بالحسد منهم لك، إن أنت قصصت عليهم رؤياك.
* * *
وإنما قال يعقوب ذلك، لأنه قد كان تبين له من أخوته قبلَ ذلك حسدًا، (4) كما:-
18788- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي، قال: نزل يعقوب الشأم، فكان همُّه يوسف وأخاه، فحسده إخوته لما رأوا حبَّ أبيه له. ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رآهم له ساجدين، فحدث بها أباه فقال: (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا) ، الآية.
* * *
واختلف أهل العربية في وجه دخول "اللام" في قوله (فيكيدوا لك كيدا) .
فقال بعض نحويي البصرة: معناه: فيتخذوا لك كيدا= وليست مثل:
(1)
انظر تفسير "القصص" فيما سلف ص: 551، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الكيد" فيما سلف ص: 361، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(4)
في المطبوعة: "حسده" بالإضافة، وأثبت ما في المخطوطة، وهو جيد جدًا.

(إن كنتم للرؤيا تعبرون) [سورة: يوسف: 43] تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام، كما يوصل بالباء، كما تقول: "قدمت له طعامًا" ، تريد قدّمت إليه، وقال: (يأكلن ما قدمتم لهن) ، [سورة يوسف: 48] ومثله قوله: (قل الله يهدي للحق) [سورة: يونس: 35] قال: وإن شئت كان: (فيكيدوا لك كيدا) ، في معنى: "فيكيدوك" ، وتجعل اللام مثل: (لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُون) [سورة الأعراف: 154] وقد قال "لربهم يرهبون" إنما هو بمكان: "ربَّهم يرهبون" .
* * *
وقال بعضهم: أدخلت اللام في ذلك، كما تدخل في قولهم: "حمدت لك" و "شكرت لك" ، و "حمدتك" و "شكرتك" . وقال: هذه لام جلبها الفعل، (1) فكذلك قوله: (فيكيدوا لك كيدا) تقول: فيكيدوك=، أو: يكيدوا لك، فيقصدوك، ويقصدوا لك، قال: "وكيدًا" : توكيدٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل يعقوب لابنه يوسف، لما قصّ عليه رؤياه: (وكذلك يجتبيك ربك) وهكذا يجتبيك ربك. يقول: كما أراك ربك الكواكب والشمسَ والقمرَ لك سجودًا، فكذلك يصطفيك ربك، (2) كما:-
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "هذه لام عليها الفعل" ، والصواب ما أثبت.

(2)
انظر تفسير "الاجتباء" فيما سلف 13: 341، تعليق: 1، والمراجع هناك.

18789- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو العنقزي، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة: (وكذلك يجتبيك ربك) ، قال: يصطفيك.
18790 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث) ، فاجتباه واصطفاه وعلّمه من عَبْر الأحاديث، وهو "تأويل الأحاديث" .
* * *
وقوله: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) يقول: ويعلمك ربك من علم ما يؤول إليه أحاديثُ الناس، عما يرونه في منامهم. وذلك تعبير الرؤيا. (1)
* * *
18691- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
18792- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) ، قال: تأويل الكلام: العلم والكلام. (2)
وكان يوسف أعبرَ الناس، وقرأ: (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) . [سورة يوسف: 22] .
* * *
وقوله: (ويتم نعمته عليك) باجتبائه إياك، واخيتاره، وتعليمه إياك تأويل الأحاديث = (وعلى آل يعقوب) يقول: وعلى أهل دين يعقوب، وملته من ذريته وغيرهم (3) = (كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) ، باتخاذه هذا خليلا وتنجيته من النار، وفدية هذا بذبح عظيم، كالذي:-
(1)
انظر تفسير "التأويل" فيما سلف ص: 93، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة: "العلم والحلم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو جائز.

(3)
انظر تفسير "الآل" فيما سلف 13: 85، تعليق: 1، والمراجع هناك.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:44 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (855)
صــ 561 إلى صــ 570





18793- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، أخبرنا أبو إسحاق، عن عكرمة، في قوله: (ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) قال: فنعمته على إبراهيم أن نجاه من النار، وعلى إسحاق أنْ نجَّاه من الذَّبح.
* * *
وقوله: (إن ربك عليم حكيم) يقول: (إن ربك عليم) بمواضع الفضل، ومَنْ هو أهلٌ للاجتباء والنعمة = "حكيم" في تدبيره خلقه (1) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (لقد كان في يوسف وإخوته) الأحد عشر= (آيات) يعني عبر وذكر (2) = (للسائلين) يعني السائلين عن أخبارهم وقصصهم. وإنما أراد جل ثناؤه بذلك نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم.
* * *
وذلك أنه يقال: إن الله تبارك وتعالى إنما أنزل هذه السورة على نبيه، يعلمه فيها ما لقي يوسف من أَدانيه وإخوته من الحسد، (3) مع تكرمة الله إيَّاه، تسليةً له بذلك مما يلقى من أدانيه وأقاربه من مشركي قريش. (4) كذلك كان ابن إسحاق يقول:
(1)
انظر تفسير "عليم" و "حكيم" في فهارس اللغة (علم) و (حكم)

(2)
انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .

(3)
في المطبوعة: "من إخوته وأذايته من الحسد" ، وفي المخطوطة: "من أدانيه وإخوته من الحسد" ، ووضع فوق "أدانيه" "كذا" ، كأنه شك في صحتها، وهي صواب لا شك فيه، يعني أقرب الناس إليه. وانظر ما سيلي، والتعليق عليه.

(4)
في المطبوعة: "من أذايته وأقاربه" ، والصواب ما أثبت، وإنما حمله عليه ما ورط فيه نفسه قبل أسطر. انظر التعليق السالف.

18794- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: إنما قصّ الله تبارك وتعالى على محمد خبر يوسف، وبَغْي إخوته عليه وحسدهم إياه، حين ذكر رؤياه، لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي قومه وحسده حين أكرمه الله عز وجل بنبوته، ليأتسي به. (1)
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: (آيات للسائلين) . فقرأته عامة قراء الأمصار "آياتٌ" على الجماع.
* * *
وروي عن مجاهد وابن كثير أنهما قرآ ذلك على التوحيد.
* * *
والذي هو أولى القراءتين بالصواب، قراءةُ من قرأ ذلك على الجماع، لإجماع الحجة من القراء عليه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قال إخوة يوسف (2) (ليوسف وأخوه) من أمه= (أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة) ، يقولون: ونحن جماعة ذوُو عدد، أحد عشر رجلا.
* * *
(1)
في المطبوعة: "ليتأسى به" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.

(2)
في المطبوعة: "قالوا إخوة يوسف" ، وهو رديء، وإنما أخطأ قراءة المخطوطة، وكان الناسخ أراد أن يكتب "قالوا" ، ثم جعلها "قال" .

و "العصبة" من الناس، هم عشرة فصاعدًا، قيل: إلى خمسة عشرَ، ليس لها واحد من لفظها، كالنَّفر والرهط.
* * *
= (إن أبانا لفي ضلال مبين) ، يعنون: إنّ أبانا يعقوب لفي خطأ من فعله، في إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة = ويعني ب "المبين" : أنه خطأٌ يبينُ عن نفسه أنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه (1) .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18795- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا) ، قال: يعنون بنيامين. قال: وكانوا عشرة.
18796-.... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (إن أبانا لفي ضلال مبين) ، قال: في ضلال من أمرنا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (ونحن عصبة) ، قال: "العصبة" ، الجماعة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: اقتلوا يوسف أو اطرحوه في أرض من الأرض، يعنون مكانا من الأرض= (يخلُ لكم
(1)
انظر تفسير "المبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين)

وجه أبيكم) يعنون: يخلُ لكم وجه أبيكم من شغله بيوسف، فإنه قد شغله عنّا، وصرف وَجهه عنَّا إليه (وتكونوا من بعده قومًا صالحين) ، يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف، وذنبهم الذي يركبونه فيه، فيكونون بتوبتهم من قتله من بعد هلاك يوسف قومًا صالحين.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
18798- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومًا صالحين) ، قال: تتوبون مما صنعتم، أو: من صنيعكم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قائل من إخوة يوسف: (لا تقتلوا يوسف) .
* * *
وقيل: إن قائل ذلك "روبيل" ، كان ابن خالة يوسف.
*ذكر من قال ذلك:
18799- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (لا تقتلوا يوسف) ذكر لنا أنه روبيل، كان أكبر القوم، وهو ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قتله.
18800- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (اقتلوا يوسف) ، إلى قوله: (إن كنتم فاعلين) ، قال: ذكر لي، والله أعلم، أن الذي قال ذلك منهم "روبيل" ، الأكبر من بني يعقوب، وكان أقصدهم فيه رأيًا.
18801- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: (لا تقتلوا يوسف) قال: كان أكبر إخوته، وكان ابن خالة يوسف، فنهاهم عن قَتْله.
* * *
وقيل: كان قائل ذلك منهم "شمعون" . (1)
*ذكر من قال ذلك:
18802- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف) قال: هو شمعون.
* * *
وقوله: (وألقوه في غيابت الجب) يقول وألقوه في قَعْرِ الجبّ، حيث يَغيبُ خبره.
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء أهل المدينة: "غيَابَاتِ الجُبِّ" على الجماع.
* * *
وقرأ ذلك عامة قراء سائر الأمصار: (غَيابَةِ الجُبِّ) بتوحيد "الغيابة" .
* * *
قال أبو جعفر: وقراءة ذلك بالتوحيد أحبُّ إليّ.
* * *
و "الجبّ" : بئر.
* * *
(1)
سيأتي في الأثر رقم: 18831، اسم آخر، وأنه هو قائل ذاك، وهو: "يهوذا" .

وقيل: إنه اسم بئر ببيت المقدس.
*ذكر من قال ذلك:
18803- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: في: (غيابة الجب) ، يقول: بئر ببيت المقدس.
18804- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (غيابة الجب) قال: بئر ببيت المقدس.
* * *
والغيابة: كل شيء غيب شيئًا فهو "غيابة" = و "الجب" ، البئر غير المطويَّة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18805- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في: (غيابة الجب) ، في بعض نواحيها: في أسفلها.
18806- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وألقوه في غيابة الجب) ، يقول: في بعض نواحيها.
18807 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، مثله (1)
18807- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وألقوه في غيابة الجب) قال: قالها كبيرهم الذي تخلَّف. قال: و "الجب" ، بئر بالشأم.
(1)
الأثر: 18807 - "الحسن بن محمد" ، هو "الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، شيخ الطبري. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 36. و "عبد الوهاب" ، هو "عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي" ، مضى مرارًا.

18809- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ألقو في غيابة الجب) يعني: الركيَّة.
18810- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ، قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: "الجبّ" : البئر.
* * *
وقوله: (يلتقطه بعض السيارة) يقول: يأخذه بعض مارّة الطريق من المسافرين (1) = (إن كنتم فاعلين) ، يقول: إن كنتم فاعلين ما أقول لكم. فذكر أنه التقطه بعض الأعراب.
18811- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (يلتقطه بعض السيارة) ، قال: التقطه ناس من الأعراب.
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ: "تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ" بالتاء.
18812- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال حدثنا القاسم، قال، حدثني حجاج، عن هارون، عن مطر الورّاق، عن الحسن.
* * *
وكانّ الحسن ذهب في تأنيثه "بعض السيارة" إلى أنَّ فعلَ بعضها فعلُها.
والعرب تفعل ذلك في خبر كان عن مُضافٍ إلى مؤنث، (2) يكون الخبرُ عن بعضه خبرًا عن جميعه، وذلك كقول الشاعر: (3)
أرَى مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي ... كَمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ (4)
(1)
انظر تفسير "السيارة" فيما سلف 11: 71 - 73.

(2)
في المطبوعة: "عن المضاف إلى مؤنث" ، فأساء بفعله غاية الإساءة.

(3)
هو جرير.

(4)
سلف البيت وتخريجه وشرحه 11: 86، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا "أرى" ، والرواية هناك، وفي ديوانه "رأت" .

فقال: "أخذن مني" ، وقد ابتدأ الخبر عن "المرّ" ، إذ كان الخبر عن "المرّ" ، خبرًا عن "السنين" ، وكما قال الآخر: (1)
إذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قَامَ سَيِّدٌ ... فَدَانَتْ لَهُ أهْلُ القُرَى والكَنائِسِ (2)
فقال: "دانت له" ، والخبر عن أهل القرى، لأن الخبر عنهم كالخبر عن القرى. ومن قال ذلك لم يقل: "فدانت له غلام هند" ، لأن "الغلام" لو ألقي من الكلام لم تدلَّ "هند" عليه، كما يدل الخبر عن "القرية" على أهلها.
وذلك أنه لو قيل ": فدانت له القرى" ، كان معلومًا أنه خبر عن أهلها. وكذلك "بعض السيارة" ، لو ألقي البعض، فقيل: تلتقطه السيارة، علم أنه خبر عن البعض أو الكل، ودلّ عليه الخبر عن "السيارة" .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف، إذ تآمروا بينهم، وأجمعوا على الفرقة بينه وبين والده يعقوب، لوالدهم يعقوب: (يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف) فتتركه معنا إذا نحن خرجنا خارج المدينة إلى الصحراء= (وإنا له ناصحون) ، نحوطه ونكلؤه (3) .
* * *
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
معاني القرآن للفراء في تفسير الآية.

(3)
انظر تفسير: نصح له "فيما سلف ص: 305، تعليق: 2"

القول في تأويل قوله تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) }
قال أبو جعفر: واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قراء أهل المدينة: "يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ" ، بكسر العين من "يرتع" ، وبالياء في "يرتع ويلعب" ، على معنى: "يفتعل" ، من "الرعي" : "ارتعيت فأنا أرتعي" ، كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلي: أرسله معنا غدًا يرتَع الإبل ويلعب، (وإنّا له لحافظون) .
وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: "أرْسِلهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ" ، بالياء في الحرفين جميعًا، وتسكين العين، من قولهم: "رتع فلانٌ في ماله" ، إذا لَهَا فيه ونَعِم وأنفقه في شهواته. ومن ذلك قولهم في مثل من الأمثال: "القَيْدُ والرَّتَعَة" ، (1) ومنه قول القطامي:
أكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطَائِكَ المِئَةَ الرِّتَاعَا (2)
* * *
وقرأ بعض أهل البصرة: "تَرْتَعْ" بالنون "ونَلْعَبْ" بالنون فيهما جميعًا، وسكون العين من "نرتع" .
18813- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن هارون، قال: كان أبو عمرو يقرأ: "نَرْتَعْ ونَلْعَبْ" بالنون، قال: فقلت
(1)
مثل ذكره الميداني في أمثاله 2: 39، والمفضل الضبي في أمثاله: 62، والمفضل ابن سلمة في كتابه الفاخر ص: 170، 241، واللسان (رتع) . وأصله أن عمرو بن الصعق، أسرته شاكر، من همدان، فأحسنوا إليه. وكان فارق قومه نحيفًا، فهرب من شاكر، فلما وصل إلى قومه قالوا: أي عمرو، خرجت من عندنا نحيفًا، وأنت اليوم بادن؟ فقال: "القيد والرتعة" ، فأرسلها مثلا. و "الرتعة" الخصب.

(2)
سلف البيت وتخريجه وشرحه 1: 116، تعليق: 1.

لأبي عمرو: كيف يقولون "نلعب" ، وهم أنبياء؟ قال: لم يكونوا يومئذٍ أنبياء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءة في ذلك عندي بالصواب، قراءةُ من قرأه في الحرفين كليهما بالياء، وبجزم العين في "يرتع" ، لأن القوم إنما سألوا أباهم إرسال يوسف معهم، وخدعوه بالخبر عن مسألتهم إياه ذلك، عما ليوسف في إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك، لا بالخبر عن أنفسهم.
* * *
وبذلك أيضا جاء تأويل أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18814- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب) ، يقول: يسعى وينشطُ.
18815 - حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال، قال ابن عباس: (يرتع ويلعب) قال: يلهو، وينشط ويسعى.
18816- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب) ، قال: ينشط ويلهو.
18817- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، بنحوه. (1)
18818- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يرتع ويلعب) ، قال: يسعى ويلهو.
18819- حدثنا القاسم، قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني هشيم، عن
(1)
الأثر: 18817 - "الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، وانظر تفسير هذا الإسناد فيما سلف رقم: 18807.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:48 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (856)
صــ 571 إلى صــ 580




جويبر، عن الضحاك، قوله: (يرتع ويلعب) ، قال: يتلهَّى ويلعب..
18820- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يرتع ويلعب) ، قال: يتلهَّى ويلعب.
18821- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يرتع ويلعب) قال: ينشط ويلعب.
18822- ... قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى: (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب،) يلهو.
18823- قال، حدثنا حسين بن علي، عن شيبان، عن قتادة: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) ، قال: ينشط ويلعب.
18824 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا نعيم بن ضمضم العامري، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، في قوله: (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب) ، قال: يسعى وينشط. (1)
* * *
وكأن الذين يقرأون ذلك: "يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ" بكسر العين من يرتع، يتأوّلونه على الوجه الذي:-
18825- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال، ابن زيد في
(1)
الأثر: 18824 - "نعيم بن ضمضم العامري" ، لم أجد له ترجمة في غير لسان الميزان 6: 169، قال: "نعيم بن ضمضم، والضحاك، بحديث في الوضوء. وضعفه بعضهم. انتهى. وهذا روى عنه سفيان بن عيينة، وأبو أحمد الزبيري، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرحمن ابن صالح الكوفي، وآخرون. وذكر البخاري روايته في ترجمة عمران بن حميري (؟) ولم يفرده بترجمة. وما عرفت إلى الآن من ضعفه. وقد تقدم في" عمران، أن ابن حبان سمى أباه جهضما، ويقال: ضمعج. قلت: وهما خطأ، فقد أخرج حديثه البزار، والطبراني، والحارث بن أبي أسامة في أسانيدهم، وأبو الشيخ. في كتاب الثواب، كلهم من رواية عبد العزيز بن أبان، فقال:عن نعيم بن ضمضم، عن عمران بن حميري، كما وقع عند البخاري ". انتهى ما قاله الحافظ ابن حجر، وهو جليل الفائدة، وزادنا الطبري في إسناده أنه العامري"

قوله: "أرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ" قال: يرعى غنمه، وينظر ويعقل، فيعرف ما يعرف الرجُل.
* * *
وكان مجاهد يقول في ذلك بما:-
18826- حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: "نَرْتَعِ" ، بحفظ بعضنا بعضًا، نتكالأ نتحارس. (1)
18827- حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "نَرْتَعِ" قال: يحفظ بعضنا بعضًا، نتكالأ
18828- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
18829- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
18830- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، بنحوه.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: أرسله معنَا غدًا نلهو ونلعب وننعم، وننشط في الصحراء، ونحن حافظُوه من أن يناله شيء يكرهه أو يؤذيه.
(1)
"نتكالأ" من قولهم: "كلأه" ، أي حفظه ورعاه وحرسه.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لهم: إني ليحزنني أن تذهبوا به معكم إلى الصحراء، (1) مخافة عليه من الذئب أن يأكله، وأنتم عنه غافلون لا تشعرون. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئبُ في الصحراء، ونحن أحد عشر رجلا معه نحفظه= وهم العصبة (3) = (إنا إذًا لخاسرون) ، يقول: إنا إذًا لعجزة هالكون. (4)
* * *
(1)
انظر تفسير "الحزن" فيما سلف ص: 142، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير: "الغفلة" فيما سلف ص: 551، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "العصبة" فيما سلف ص: 562.

(4)
انظر تفسير "الخسران" فيما سلف من فهارس اللغة (خسر) .

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15) }
قال أبو جعفر: وفي الكلام متروكٌ حذف ذكره، اكتفاءً بما ظهر عما ترك، وهو ": فأرسله معهم" ، (فلما ذهبوا به وأجمعوا) ، يقول: وأجمع رأيهم، (1) وعزموا على (أن يجعلوه في "غيابة الجب" (2 ) ) . كما:-
(1)
انظر تفسير "الإجماع" فيما سلف ص: 147، 148.

(2)
انظر تفسير "غيابة الجب" فيما سلف ص: 565، 566.

18831- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قوله: (إني ليحزنني أن تذهبوا به) ، الآية، قال، قال: لن أرسله معكم، إني أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون= (قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنَّا إذًا لخاسرون) ، فأرسله معهم، فأخرجوه وبه عليهم كرامة، فلما برزوا به إلى البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه، فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيمًا، (1) فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه! يا يعقوب! لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء! فلما كادوا يقتلونه، قال يهوذا (2) أليس قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجبّ ليطرحوه، فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلّق بشَفير البئر.
فربطوا يديه، ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه! ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ! فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحد عشر كوكبًا تؤنسك! قال: إني لم أر شيئًا، فدلوه في البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادةَ أن يموت. وكان في البئر ماءٌ فسقط فيه، ثم أوَى إلى صخرة فيها فقام عليها. قال: فلما ألقوه في البئر، جعل يبكي، فنادوه، فظنّ أنها رحمة أدركتهم، فلبَّاهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه، فقام يهوذا فمنعهم، وقال: قد أعطيتموني موثقًا أن لا تقتلوه! وكان يهوذا يأتيه بالطعام.
* * *
وقوله: (فلما ذهبوا به وأجمعوا) فأدخلت "الواو" في الجواب، كما قال امرؤ القيس:
(1)
انظر ما قلته في "جعل" وأشباهها، وأنها أفعال استعانة، لها مكان في التعبير لا يغني مكانها شيء غيرها. انظر ج 11 تعليق: 1.

(2)
انظر ما سلف ص: 565، تعليق: 1 في اسم هذا القائل، وأنه "روبيل" أو "شمعون" ، ولم يذكر هناك "يهوذا" .

فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَى ... بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفاف عَقَنْقَل (1)
فأدخل الواو في جواب "لما" ، وإنما الكلام: فلما أجزنا ساحة الحي، انتحى بنا، وكذلك: (فلما ذهبوا وأجمعوا) ، لأن قوله: "أجمعوا" هو الجواب.
* * *
وقوله: (وأوحينا إليه لتنبِّئنهم بأمرهم) ، يقول: وأوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك= (بأمرهم هذا) يقول: بفعلهم هذا الذي فعلوه بك (وهم لا يشعرون) يقول: وهم لا. يعلمون ولا يدرُون (2) .
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله عز وجل بقوله: (وهم لا يشعرون) .
فقال بعضهم: عنى بذلك: أن الله أوحى إلى يوسف أنّ يوسف سينبئ إخوته بفعلهم به ما فعلوه: من إلقائه في الجب، وبيعهم إياه، وسائر ما صنعوا به من صنيعهم، وإخوته لا يشعرون بوحي الله إليه بذلك.
*ذكر من قال ذلك:
18832- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأوحينا إليه) إلى يوسف.
18833- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا) قال: أوحينا إلى يوسف: لتنبئن إخوتك.
18834- ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم
(1)
معلقته المشهورة، وسيأتي في التفسير 17: 73 (بولاق) ، وكان في المطبوعة: "ذي حقاف" ، وأثبت روايته هذه من المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "شعر" فيما سلف 12: 576، تعليق: 3، والمراجع هناك.

لا يشعرون) قال: أوحى إلى يوسف وهو في الجبّ أنْ سينبئهم بما صنعوا، وهم لا يشعرون بذلك الوحي
18835- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (وأوحينا إليه) ، قال: إلى يوسف.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وأوحينا إلى يوسف بما إخوته صانعون به، وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إيّاه بذلك.
*ذكر من قال ذلك:
18836- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) ، بما أطلع الله عليه يوسف من أمرهم، وهو في البئر.
18837- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) ، قال: أوحى الله إلى يوسف وهو في الجب أن ينبئهم بما صنعوا به، وهم لا يشعرون بذلك الوحي.
18838- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، بنحوه= إلا أنه قال: أن سينبئهم.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن يوسف سينبئهم بصنيعهم به، وهم لا يشعرون أنه يوسف.
*ذكر من قال ذلك:
18839-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (وهم لا يشعرون) يقول: وهم لا يشعرون أنه يوسف.
18840- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا صدقة بن عبادة الأسدي، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما دخل إخوة
يوسف فعرفهم وهم له منكرون، قال: جيء بالصُّوَاع، فوضعه على يده، ثم نقره فطنَّ، فقال: إنه ليخبرني هذا الجامُ أنه كان لكم أخٌ من أبيكم يقال له يوسف، يدنيه دونكم، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب! قال: ثم نقره فطنَّ= فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدَمٍ كذب! قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم! قال ابن عباس: فلا نرى هذه الآية نزلت إلا فيهم: (لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) . (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وجاء إخوة يوسف أباهم، بعد ما ألقوا يوسف في غيابة الجبّ عشاء يبكون.
* * *
وقيل: إن معنى قوله: (نستبق) ننتضل من "السباق" (2) كما:-
18841- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا
(1)
الأثر: 18840 - "صدقة بن عبادة بن نشيط الأسدي" ، روى عن أبيه عن ابن عباس. روى عنه أبو داود الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، وغيرهما، مترجم في الكبير 2 / 2 / 298، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 433. /8 وأبوه "عبادة بن نشيط الأسدي" ، روى عن ابن عباس، روى عنه ابنه صدقة، مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 96. ولم يذكروا فيه ولا في ابنه جرحًا. ومع ذلك فالخبر عندي غير مستقيم. وكفاه اختلالا أنه مخالف لصريح القرآن، ولو وافقه لكان أولى به أن يكون قال لهم ذلك، لما دخلوا عليه فقال لهم: "هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون" ، في آخر السورة.

(2)
انظر تفسير "الاستباق" فيما سلف 3: 196 / 10: 391.

أسباط، عن السدي، قال: أقبلوا على أبيهم عشاء يبكون، فلما سمع أصواتهم فزع وقال: ما لكم يا بنيّ؟ هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا! قال: فما فعل يوسف؟ قالوا: (يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب) ! فبكى الشيخ وصاح بأعلى صوته، وقال: أين القميص؟ فجاءوه بالقميص عليه دمٌ كذب، فأخذ القميص فطرحه على وجهه، ثم بكى حتى تخضَّب وجهه من دم القميص.
* * *
وقوله: (وما أنت بمؤمن لنا) ، يقولون: وما أنت بمصدّقنا على قِيلنا: إن يوسف أكله الذئب، ولو كنا صادقين! كما:-
18842 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وما أنت بمؤمن لنا) قال: بمصدق لنا!

* * *
[فإن قال قائل: (ولو كنا صادقين) وقوله] : (1) (ولو كنا صادقين) ، إما خبرٌ عنهم أنهم غير صادقين، فذلك تكذيب منهم أنفسَهم = أو خبرٌ منهم عن أبيهم أنه لا يصدِّقهم لو صدَقوه، فقد علمت أنهم لو صَدَقوا أباهم الخبرَ صَدَّقهم؟
قيل: ليس معنى ذلك بواحد منهما، وإنما معنى ذلك: وما أنت بمصدِّق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يُتَّهمون، لسوء ظنك بنا، وتُهمَتك لنا.
* * *
(1)
هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام، وظني أنه سقط من كلام الطبري شيء، فلذلك وضعت قبله أسطرًا من النقط، لأني أرى أنه لم يتم تفسير الآية على عادته في كل ما سلف.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) ، وسماه الله "كذبًا" لأن الذين جاؤوا بالقميص وهو فيه، كذَبوا، فقالوا ليعقوب: "هو دم يوسف" ، ولم يكن دمه، وإنما كان دم سَخْلةٍ، (1) فيما قيل.
*ذكر من قال ذلك:
18843- حدثني أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: دم سخلة. (2)
18844- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: دم سخلة، شاة.
18845- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (بدم كذب) قال: دم سخلة = يعني: شاة.
18846- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (بدم كذب) قال: دم سخلةٍ، شاة.
(1)
"السخلة" . ولد الشاة من المعز والضأن، ذكرًا كان أو أنثى.

(2)
الأثر: 18843 - "أحمد بن عبد الصمد بن علي بن عيسى الأنصاري الزرقي" ، "أبو أيوب" ، شيخ الطبري، مشهور لا بأس به. مترجم في تاريخ بغداد 4: 270، ولسان الميزان 1: 214، وروى عنه الطبري في تاريخه 5: 22، في موضع واحد. وانظر ما سيأتي رقم: 18855.

18847- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بدم كذب) قال: كان ذلك الدم كذبًا، لم يكن دمَ يوسف.
18848- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (بدم كذب) قال: دم سخلة، شاة.
18849- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (بدم كذب) قال: بدم سخلة.
18850- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال: ذبحوا جديًا من الغنم، ثم لطَّخوا القميص بدمه، ثم أقبلوا إلى أبيهم، فقال يعقوب: إن كان هذا الذئبُ لرحيما! كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه؟ يا بني، يا يوسف ما فعل بك بنو الإماء!
18851- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لو أكله السبع لخرق القميص.
18852- حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا أبو خالد، قال، حدثنا سفيان بإسناده عن ابن عباس، مثله= إلا أنه قال: لو أكله الذئب لخرَّق القميص.
18853- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) ، قال: لو كان الذئب أكله لخرَّقه.
18854- حدثني عبيد الله بن أبي زياد قال، حدثنا عثمان بن عمرو قال، حدثنا قرة، عن الحسن، قال: جيء بقميص يوسف إلى يعقوب، فجعل
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:52 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (857)
صــ 581 إلى صــ 586





ينظر إليه فيرى أثر الدم، ولا يرى فيه خَرْقًا، قال: يا بني ما كنت أعهدُ الذئب حليمًا؟
18855- حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري، قال، حدثنا أبو عامر العقدي، عن قرة، قال: سمعت الحسن يقول: لما جاؤوا بقميص يوسف، فلم ير يعقوب شقًّا، قال: يا بني، والله ما عهدت الذئب حليمًا؟ (1)
18856- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا حماد بن مسعدة، عن عمران بن مسلم، عن الحسن، قال: لما جاء إخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم، قال: جعل يقلبه فيقول: ما عهدت الذئب حليمًا؟ أكل ابني، وأبقى على قميصه!
18857- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لما أتوا نبيَّ الله يعقوب بقميصه، قال: ما أرى أثرَ سبع ولا طعْنٍ، ولا خرْق.
18858- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بدم كذب) الدم الكذب، لم يكن دم يوسف.
18859- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي قال: ذبحوا جديًا ولطخوه من دمه. فلما نظر يعقوب إلى القميص صحيحًا، عرف أن القوم كذبوه. فقال لهم: إن كان هذا الذئب لحليمًا، حيث رَحم القميص ولم يرحم ابني! فعرف أنهم قد كذبوه.
18860- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سيفان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لما أتي يعقوب بقميص يوسف، فلم ير فيه خرقًا، قال: كذبتم، لو أكله السبع لخرق قميصه!
(1)
الأثر 18855 - "أحمد بن عبد الصمد الأنصاري" ، انظر ما سلف رقم: 18843.

18861- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الأزرق، ويعلى، عن زكريا، عن سماك، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات:حين جاؤوا على قميصه بدم كذب. قال: وقال يعقوب: لو أكله الذئب لخرقَ قميصه.
18862- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد قال، حدثنا زكريا، عن سماك، عن عامر قال: إنه كان يقول: في قميص يوسف ثلاث آيات: حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرًا، وحين قُدَّ منْ دُبُر، وحين جاؤوا على قميصه بدم كذب.
18863- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات: الشقُّ، والدم، وألقاه على وجه أبيه فارتدَّ بصيرًا.
18864- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن الحسن، قال: لما جيء بقميص يوسف إلى يعقوب، فرأى الدم ولم ير الشق قال: ما عهدت الذئب حليمًا؟
18865- قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا قرة، عن الحسن، بمثله.
* * *
*
فإن قال قائل: كيف قيل: (بدم كذب) وقد علمت أنه كان دمًا لا شك فيه، وإن لم يكن كان دم يوسف؟
قيل: في ذلك من القول وجهان:
أحدهما: أن يكون قيل (بدم كذب) لأنه كُذِب فيه كما يقال ": الليلة الهلالُ" ، وكما قيل: (فما ربحت تجارتهم) [سورة البقرة 16] . وذلك قولٌ كان بعض نحويي البصرة يقوله.
والوجه الآخر: وهو أن يقال: هو مصدر بمعنى "مفعول" . وتأويله: وجاؤوا على قميصه بدم مكذوب= كما يقال: "ما له عقل ولا معقول" ، و "لا له جَلَد ولا له مجْلود" . والعرب تفعل ذلك كثيرًا، تضع "مفعولا" في موضع المصدر، والمصدر في موضع مفعول، كما قال الراعي:
حَتَّى إذَا لم يَتْرُكُوا لِعِظَامِهِ ... لَحْمًا وَلا لِفؤادِهِ مَعْقول (1)
وذلك كان يقوله بعض نحويي الكوفة. (2)
* * *
وقوله: (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرًا) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذبا لهم في خبرهم ذلك: ما الأمر كما تقولون، (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا) يقول: بل زيَّنت لكم أنفسكم أمرًا في يوسف وحسنته، ففعلتموه كما:-
18866- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(1)
جمهرة أشعار العرب: 175، وغيرها، من ملحمته المشهورة، قالها لعبد الملك بن مروان، وكان بعض عماله على الصدقات، قد أوقع ببني نمير قوم الراعي، لأن قيسًا كانت زبيرية الهوى، فقال: أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّا مَعْشَرٌ ... حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وأصِيلاَ

عَرَبٌ، نَرَى لِلهِ في أمْوالِنا ... حَقَّ الزَّكاةِ مُنَزَّلاً تنزيلاَ
إنَّ السُّعاةَ عَصَوْكَ يَوْمَ أمْرَتَهُمْ ... وأتَوْا دَواهِيَ، لو عَلِمْتَ، وغُولا
ثم يقول له: أخَذُوا العَرِيفَ فَقَطَّعُوا حَيْزُومَهُ ... بِالأصْبَحِيَّةِ قائمًا مَغْلُولاً
حَتَّى إذَا لَمْ يَتْرُكُوا ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جَاءوا بِصَكِّهِمُ، وَأَحْدَبَ أَسْأَرَتْ ... مِنْهُ السِّياطُ يَرَاعَةً إجْفِيلا
وهي من جيد الشعر.
(2)
هو الفراء في معاني القرآن، في تفسير هذه الآية.

قال (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا) ، قال: يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا.
* * *
وقوله: (فصبر جميل) يقول: فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف صبرٌ جميل= أو فهو صبر جميل.
* * *
وقوله (والله المستعان على ما تصفون) يقول: واللهَ أستعين على كفايتي شرّ ما تصفون من الكذب (1) .
* * *
وقيل ": إن الصبر الجميل" ، هو الصبر الذي لا جزع فيه.
*ذكر من قال ذلك:
18867- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فصبر جميل) قال: ليس فيه جزع.
18868- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18869- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18870- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (فصبر جميل) في غير جزع.
18871-.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18872- قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة، قال: سئل رسول الله صلى الله
(1)
انظر تفسير "الوصف" فيما سلف 12: 10، 11، 152.

عليه وسلم عن قوله: (فصبر جميل) قال: صبر لا شكوى فيه. قال: من بثّ فلم يصبر. (1)
18873- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله: (فصبر جميل) قال: صبر لا شكوى فيه. (2)
18874- ... قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فصبر جميل) : ليس فيه جزع.
18875- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18876- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد في قوله: (فصبر جميل) : قال: في غير جزع.
18877- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18878- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن بعض أصحابه قال: يقال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدِّث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكّي نفسك=
قال أخبرنا الثوري، عن حبيب
(1)
الأثر: 18872 - "حبان بن أبي جبلة المصري" ، أحد العشرة الذين بعثهم عمر، ليفقهوا أهل مصر، مضى برقم: 2195، 10180. أما "عبد الرحمن بن يحيى" ، فلم أعرف من يكون، وقد سلف في مثل هذا الإسناد برقم: 10180، وظن أخي هناك أنه قد يكون "عبد الرحمن بن زياد بن أنعم" ، ولكن قد اتفق أن يكون في الموضعين، يكون في الموضعين، على تباعدهما "عبد الرحمن بن يحيى" ، فهذا مبعد له عن التصحيف والتحريف، إلا أن يكون هذا أحد الرواة عن حبان، لم نعرفه. وعسى أن يأتي في التفسير بعد ما يوضحه. ثم انظر أيضًا الإسناد الذي يليه.

(2)
الأثر: 18873 - "عبد الرحمن بن يحيى" ، انظر التعليق السابق.

بن أبي ثابت: أن يعقوب النبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد سقط حاجبَاه، فكان يرفعهما بخرقةٍ، فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان، وكثرة الأحزان! فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا يعقوب، أتشكوني؟ قال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها لي.
* * *
وقوله: (والله المستعان على ما تصفون) . (1)
18879- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والله المستعان على ما تصفون،) أي على ما تكذبون.
* * *
(1)
انظر تفسير "الوصف" فيما سلف ص: 584، تعليق 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وجاءت مارَّةُ الطريق من المسافرين (1) = (فأرسلوا واردهم) وهو الذي يرد المنهل والمنزل، و "وروده إياه" ، مصيره إليه ودخوله (2) . (فأدلى دلوه) يقول: أرسل دلوه في البئر.
* * *
يقال: "أدليت الدلو في البئر" إذا أرسلتها فيه، فإذا استقيت فيها قلت: "دلوْتُ أدْلُو دلوًا" .
* * *
وفي الكلام محذوف، استغنى بدلالة ما ذكر عليه، فترك، وذلك: (فأدلى دلوه) = فتعلق به يُوسف، فخرج، فقال المدلي: (يا بشرى هذا غلام) .
* * *
وبالذي قلنا في ذلك، جاءت الأخبار عن أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
18880 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه) فتعلق يوسف بالحبل،
(1)
انظر تفسير "السيارة" فيما سلف 15: 567، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الورود" فيما سلف 15: 466.

فخرج، فلما رآه صاحب الحبل نادَى رجلا من أصحابه يقال له "بُشرى" : (يا بشرى هذا غلامٌ) .
18881 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه) فتشبث الغلام بالدلو، فلما خرج قال: (يا بشرى هذا غلام) .
* * *
18882 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فأرسلوا واردهم) يقول: أرسلوا رسولهم، فلما أدلى دلوه تشبث بها الغلام (= (قال يا بشرى هذا غلام) .
* * *
واختلفوا في معنى قوله:: (يا بشرى هذا غلام) .
فقال بعضهم: ذلك تبشير من المدلي دلوَه أصحابَه، في إصابته يوسف بأنه أصاب عبدًا (1) .
* ذكر من قال ذلك:
18883 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال يا بشرى هذا غلام) تباشروا به حين أخرجوه. وهي بئر بأرض بيت المقدس معلومٌ مكانها
18884 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يا بشرى هذا غلام) قال: بشّرهم واردهم حين وجدَ يوسف.
* * *
وقال آخرون: بل ذلك اسم رجل من السيَّارة بعينه، ناداه المدلي لما خرج يوسف من البئر متعلِّقًا بالحبل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "البشرى" فيما سلف من فهارس اللغة (بشر) .

18885 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (يا بشرى هذا غلام) قال: نادى رجلا من أصحابه يقال له "بشرى" ، فقال: (يا بشرى هذا غلام) .
18886 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا خلف بن هشام، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس بن الربيع، عن السدي، في قوله: (يا بشرى هذا غلام) قال: كان اسم صاحبه "بشرى" .
18887 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، في قوله: (يا بشرى هذا غلام) قال: اسم الغلام "بشرى" ; قال: "يا بشرى" ، كما تقول ": يا زيد" .
* * *
واختلفت القراء في قراءة ذلك:
فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة: "يا بُشْرَيَّ" بإثبات ياء الإضافة، غير أنه أدغم الألف في الياء طلبا للكسرة التي تلزم ما قبل ياء الإضافة من المتكلم، في قولهم ": غلامي" و "جاريتي" ، في كل حال، وذلك من لغة طيئ، (1) كما قال أبو ذؤيب:
سَبَقوا هَوَيَّ وأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ ... فَتُخِرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ (2)
* * *
(1)
ولغة هذيل أيضًا، كما قال الأصمعي.

(2)
ديوانه (في ديوان الهذليين) 1: 2، وشرح المفضليات: 854، وغيرهما، وهي إحدى عجائب أبي ذؤيب، يقولها في بنيه الذين ماتوا، سبقه بهم الطاعون في عام واحد، وكانوا خمسة: أَوْدَى بَنِيَّ، وأعْقَبُونِي غُصَّةً ... بَعْدَ الرُّقادِ، وعَبْرةً لا تُقْلِعُ

سَبَقوا هوَيَّ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ ... وَإخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبِعُ
يقول: سبقوني بما اختاروه من الموت والذهاب، وساروا سيرًا حثيثًا إلى الذي اختاروه، فتخرمتهم المنية، فأخذتهم واحدًا بعد واحد. ولكل جنب مصرع لا يخطئه، فحيث قدر الله له الميتة أدركته.
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (يا بُشْرَى) بإرسال الياء وترك الإضافة.
وإذا قرئ ذلك كذلك احتمل وجهين من التأويل:
أحدهما ما قاله السدي، وهو أن يكون اسم رجل دعاه المستقي باسمه، كما يقال: "يا زيد" ، و "يا عمرو" ، فيكون "بشرى" في موضع رفع بالنداء.
والآخر: أن يكون أرادَ إضافة البشرى إلى نفسه، فحذف الياء وهو يريدها، فيكون مفردًا وفيه نيَّة الإضافة، كما تفعل العرب في النداء فتقول: "يا نفس اصبري" ، و "يا نفسي اصبري" ، و "يا بُنَيُّ لا تفعل" ، و "يا بُنَيِّ لا تفعل" ، فتفرد وترفع، وفيه نية الإضافة. وتضيف أحيانًا فتكسر، كما تقول: "يا غلامِ أقبل" ، و "يا غلامي أقبل" .
* * *
قال أبو جعفر: وأعجب القراءة في ذلك إليَّ قراءةُ من قرأه بإرسال الياء وتسكينها ; لأنه إن كان اسم رجل بعينِه كان معروفًا فيهم كما قال السدي، فتلك هي القراءة الصحيحة لا شك فيها (1) . وإن كان من التبشير فإنه يحتمل ذلك إذا قرئ كذلك على ما بيَّنت.
وأما التشديد والإضافة في الياء، فقراءة شاذة، لا أرى القراءة بها، وإن كانت لغة معروفة ; لإجماع الحجة من القرأة على خلافها.
* * *
وأما قوله: (وأسروه بضاعة) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: وأسرَّه الوارد المستقي وأصحابُه من التجار الذين كانوا معهم، وقالوا لهم ": هو بضاعة استبضعناها بعضَ أهل مصر" ; لأنهم خافوا إن علموا أنهم اشتروه بما اشتروه به أن يطلبوا منهم فيه الشركة.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "فذلك هي" ، والأجود ما أثبت.

18888 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأسرو بضاعة) قال: صاحب الدلو ومن معه، قالوا لأصحابهم: "إنما استبضعناه" ، خيفةَ أن يشركوهم فيه إن علموا بثمنه. وتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه: استوثق منه لا يأبَقْ! حتى وَقَفوه بمصر، فقال: من يبتاعني ويُبَشَّر؟ فاشتراه الملك، والملك مُسلم.
18889 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه = غير أنه قال: خيفة أن يستشركوهم إن علموا به، واتبعهم إخوته يقولون للمدلي وأصحابه: استوثقوا منه لا يأبق! حتى واقفوه بمصر (1) = وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو.
18890 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
18891 -.... قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه = غير أنه قال: خيفة أن يشاركوهم فيه، إن علموا بثمنه.
18892 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه = إلا أنه قال: خيفة أن يستشركوهم فيه إن علموا ثمنه. وقال أيضًا: حتى أوقفوه بمصر.
18893 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وأسروه بضاعة) قال: لما اشتراه الرجلان فَرَقًا من الرفقة أن يقولوا: "اشتريناه" فيسألونهم الشركة، فقالا إن سألونا ما هذا؟ قلنا بضاعة استبضَعَناه أهل الماء. فذلك قوله: (وأسروه بضاعة) بينهم
* * *
(1)
في المطبوعة: "حتى أوقفوه" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب، وانظر هذه الرواية في رقم: 18892.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 18-07-2025 08:56 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (858)
صــ 6 إلى صــ 16






وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأسرّه التجار بعضهم من بعض.
* ذكر من قال ذلك:
18894 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (وأسروه بضاعة) قال: أسرّه التجار بعضهم من بعض.
18895 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم الفضل، قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (وأسروه بضاعة) قال: أسرّه التجار بعضهم من بعض.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أسرُّوا بيعَه.
* ذكر من قال ذلك:
18896 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: (وأسروه بضاعة) قال: أسروا بيعه.
18897 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن جابر، عن مجاهد: (وأسروه بضاعة) قال: قالوا لأهل الماء: إنما هو بضاعة.
* * *
وقال آخرون: إنما عني بقوله: (وأسروه بضاعة) إخوة يوسف، أنهم أسرُّوا شأن يوسف أن يكون أخَاهم، قالوا: هو عبدٌ لنا.
* ذكر من قال ذلك:
18898 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وأسروه بضاعة) يعني: إخوة يوسف أسرُّوا شأنه وكتموا أن يكون أخاهم، فكتم يوسف شأنه مخافةَ أن تقتله إخوته، واختار البيع. فذكره إخوته لوارد القوم، فنادى أصحابه قال: يا بشرى! هذا غلامٌ يباع. فباعه إخوته.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب: قولُ من قال: "وأسرَّ وارد القوم المدلي دلوَه ومن معه من أصحابه، من رفقته السيارة، أمرَ يوسف أنهم أشتروه، خيفةً منهم أن يستشركوهم، وقالوا لهم: هو بضاعة أبضَعَها معنا أهل الماء = وذلك أنه عقيب الخبر عنه، فلأن يكون ما وليه من الخبر خبرًا عنه، أشبهُ من أن يكون خبرًا عمَّن هو بالخبر عنه غيرُ متَّصِل (1) ."
* * *
وقوله: (والله عليم بما يعملون) يقول تعالى ذكره: والله ذو علم بما يعمله باعَةُ يوسف ومشتروه في أمره، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولكنه ترك تغيير ذلك ليمضي فيه وفيهم حكمه السابق في علمه، وليري إخوة يوسف ويوسف وأباه قدرتَه فيه. (2)
* * *
وهذا، وإن كان خبرًا من الله تعالى ذكره عن يوسف نبيّه صلى الله عليه وسلم، فإنه تذكير من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وتسلية منه له عما كان يلقى من أقربائه وأنسبائه المشركين من الأذى فيه، يقول: فاصبر، يا محمد، على ما نالك في الله، فإنّي قادرٌ على تغيير ما ينالك به هؤلاء المشركون، كما كنت قادرًا على تغيير ما لقي يوسف من إخوته في حال ما كانوا يفعلون به ما فعلوا، ولم يكن تركي ذلك لهوان يوسف عليّ، ولكن لماضي علمي فيه وفي إخوته، فكذلك تركي تغييرَ ما ينالك به هؤلاء المشركون لغير هوان بك عليّ، ولكن لسابق علمي فيك وفيهم، ثم يصير أمرُك وأمرهم إلى عُلوّك عليهم، وإذعانهم لك، كما صار أمر إخوة يوسف إلى الإذعان ليوسف بالسؤدد عليهم، وعلوِّ يوسف عليهم. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "الإسرار" فيما سلف 15: 103، 239.

(2)
انظر تفسير "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .

(3)
عند هذا الموضع انتهى الجزء الثاني عشر من مخطوطتنا، وفي آخرها ما نصه: "نجز الجزء الثاني عشر، بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم يتلوه في أول الجزء الثالث عشر إن شاء الله تعالى: القول في تأويل قوله تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين} وكان الفراغ منه في شهر رمضان المعظم سنة خمس عشرة وسبعمئة" .

يتلوه الجزء الثالث عشر، وأوله ما نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم"
رب يسر ""
القول في تأويل قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وشروه) به: وباع إخوة يوسف يوسف.
* * *
= فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه، قال: "اشتريته" ، (1) ومنه قول ابن مفرّغ الحميري:
وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ قَبْلِ بُرْدٍ كنْتُ هَامَهْ (2)
يقول: "بعت بردًا" ، وهو عبدٌ كان له.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
18899 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن
(1)
انظر تفسير "الشراء" فيما سلف 14: 150، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(2)
مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 2: 341، تعليق: 3، والمراجع هناك.

مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، أنه كره الشراء والبيع للبدويّ. قال: والعرب تقول: "اشر لي كذا وكذا" ، أي: بع لي كذا وكذا = وتلا هذه الآية (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) يقول: باعوه، وكان بيعه حرامًا.
18900 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إخوة يوسف أحد عشر رجلا باعوه حين أخرجَه المدلي بدلوه.
18901 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله.
18902 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن أبي نجيح، عن مجاهد
18903 - وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18904 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
18905 -.... قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج (وشروه) قال: قال ابن عباس: فبيع بينهم.
18906 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (وشروه بثمن بخس) قال: باعوه.
18907 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
18908 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فباعه إخوته بثمن بخس.
* * *
وقال آخرون: بل عني بقوله: (وشروه بثمن بخس) السيارةَ أنهم باعوا يوسف بثمن بخس.
* ذكر من قال ذلك:
18909 - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وشروه بثمن بخس) وهم السيارة الذين باعوه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: تأويل ذلك: وشَرى إخوةُ يوسف يوسف بثمن بخس (1) وذلك أن الله عز وجل قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرُّوا شراء يوسف من أصحابهم، خيفة أن يستشركوهم، بادّعائهم أنَّه بضاعة. ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلُص لهم دونهم، واسترخاصًا لثمنه الذي ابتاعوه به، لأنهم ابتاعوه كما قال جل ثناؤه (بثمن بخس) . ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين، لم يكن لقيلهم لرفقائهم: "هو بضاعة" ، معنى = ولا كان لشرائهم إياه، وهم فيه من الزاهدين وجهٌ، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبًا على عقولهم ; لأنه محال أن يشتري صحيح العقل ما هو فيه زاهدٌ من غير إكراهِ مكرِهٍ له عليه، ثم يكذب في أمرِه الناس بأن يقول: "هو بضاعة لم أشتره" ، مع زهده فيه. بل هذا القولُ من قول من هو بسلعته ضنينٌ لنفاستها عنده، ولما يرجُو من نفيس الثَّمن لها وفضلِ الربح.
* * *
وأما قوله: (بخس) فإنه يعني: نَقْص.
* * *
وهو مصدر من قول القائل: "بخست فلانًا حقه" : إذا ظلمته، يعني: ظلمه فنقصه عما يجبُ له من الوفاء: "أبخَسُه بَخْسًا" ، ومنه قوله:
(1)
في المطبوعة: "وشروا أخوة يوسف. يوسف" ، وهو فاسد، صوابه من المخطوطة.

(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) [سورة هود: 85] ، وإنما أريد: بثمن مبخوس منقوصٍ، فوضع "البخس" وهو مصدر مكان "مفعول" ، كما قيل:: (بدم كذب) وإنما هو "بدم مكذوب فيه" (1) .
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: قيل (بثمن بخس) لأنه كان حرامًا عليهم.
* ذكر من قال ذلك:
18910 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر عن الضحاك: (وشروه بثمن بخس) قال: "البخس" : الحرام.
(1)
انظر تفسير "البخس" فيما سلف 15: 262، تعليق: 4، والمراجع هناك.

18911 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن جويبر، عن الضحاك:: (وشروه بثمن بخس) ، قال: حرام. (1)
18912 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: كان ثمنه بخسًا، حرامًا، لم يحلّ لهم أن يأكلوه.
18913 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (وشروه بثمن بخس) قال: باعوه بثمن بخس، قال: كان بيعه حرامًا وشراؤه حرامًا.
18914 - حدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (بثمن بخس) قال: حرام.
18915 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (بثمن بخس) يقول: لم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنَه.
* * *
وقال آخرون: معنى البخس هنا: الظلم.
* ذكر من قال ذلك:
18916 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وشروه بثمن بخس) قال ": البخس" : هو الظلم. وكان بيع يوسف وثمنه حرامًا عليهم
18917 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال قتادة: (وشروه بثمن بخس) قال: ظلم.
* * *
وقال آخرون: عني بالبخس في هذا الموضع: القليل (2) .
* ذكر من قال ذلك:
18918 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن جابر، عن عكرمة، قال: "البخس" : القليل.
18919 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن جابر، عن عكرمة، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وقد بينا الصحيح من القول في ذلك.
* * *
وأما قوله (دراهم معدودة) ، (3) فإنه يعني عز وجل أنهم باعوه بدراهم غير
(1)
الأثر: 18911 - في المطبوعة، أسقط سطرًا كاملًا من المخطوطة، فساق الخبرين رقم: 18911، 18912، سياقًا واحدًا هكذا: " على بن عاصم، عن الحسين بن الفرج" ، ورددته إلى أصله من المخطوطة.

(2)
في المخطوطة أسقط "القليل" ، والصواب إثباتها كما فعل ناشر المطبوعة.

(3)
انظر تفسير "معدودة" فيما سلف من فهارس اللغة (عدد) .

موزونة، ناقصة غير وافية، لزهدهم كان فيه.
* * *
وقيل: إنما قيل "معدودة" ليعلم بذلك أنها كانت أقلّ من الأربعين، لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهمًا، لأن أقل أوزانهم وأصغرها كان الأوقية، وكان وزن الأوقية أربعين درهمًا. قالوا: إنما دلَّ بقوله: (معدودة) على قلة الدراهم التي باعُوه بها.
* * *
فقال بعضهم: كان عشرين درهمًا.
* ذكر من قال ذلك:
18920 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: إن ما اشتري به يوسف عشرون درهمًا.
18921 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) قال: عشرون درهمًا.
18922 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف البكالي، في قوله: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) قال: عشرون درهمًا.
18923 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشاميّ: "بخس دراهم" قال: كانت عشرين درهمًا. (1)
(1)
الأثر: 18923 - "نوف الشامي" ، هو نفسه "نوف بن فضالة البكالي" ، وقد سلف مرارًا. وقد غيره في المطبوعة، وكتب "نوف البكالي" .

18924 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن نوف، مثله.
18925 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: (بثمن بخس دراهم معدودة) قال: عشرون درهمًا.
18926 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (دراهم معدودة) قال: كانت عشرين درهمًا.
18927 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنه بيع بعشرين درهمًا = (وكانوا فيه من الزاهدين) .
18928 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
18929 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي إدريس، عن عطية، قال: كانت الدراهم عشرين درهمًا، اقتسموها درهمين درهمين.
* * *
وقال آخرون: بل كان عددها اثنين وعشرين درهمًا، أخذ كل واحد من إخوة يوسف، وهم أحد عشر رجلا درهمين درهمين منها.
* ذكر من قال ذلك:
18930 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أسباط، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (دراهم معدودة) قال: اثنين وعشرين درهمًا.
18931 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (دراهم معدودة) قال:
اثنان وعشرون درهمًا لإخوة يوسف، [وكان إخوة] أحد عشر رجلا. (1)
18932 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (دراهم معدودة) =
18933 -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
18934 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
* * *
وقال آخرون: بل كانت أربعين درهمًا.
* ذكر من قال ذلك:
18935 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن جابر، عن عكرمة: (دراهم معدودة) قال: أربعين درهمًا.
18936 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: باعوه ولم يبلغ ثمنه الذي باعوه به أوقية، وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمان بالأواقي، فما قصَّر عن الأوقية فهو عَدد ; يقول الله: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) أي لم يبلغ الأوقية.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعُوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولم يحدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحتمل أن يكون كان عشرين = ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين = وأن يكون كان أربعين، وأقل من ذلك وأكثر، وأيُّ ذلك كان، فإنها كانت معدودة
(1)
هذه زيادة لا بد منها، وسقطت من الناسخ، لأنه كان أسقط صدر الخبر، ثم كتبه في الهامش، فلعله نسي بعضه.

غير موزونة ; وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين، ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه. والإيمان بظاهر التنزيل فرضٌ، وما عَداه فموضوعٌ عنا تكلُّفُ علمه. (1)
* * *
وقوله: (وكانوا فيه من الزاهدين) يقول تعالى ذكره: وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين، لا يعلمون كرامته على الله، ولا يعرفون منزلته عنده، فهم مع ذلك يحبّون أن يحولوا بينه وبين والده، ليخلو لهم وجهه منه، ويقطعوه عن القرب منه، لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم، مصروفةً إليهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
18937 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (وكانوا فيه من الزاهدين) قال: لم يعلموا بنبوّته ومنزلته من الله.
18938 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، في قوله: (وجاءت سيارة) فنزلت على الجب، (فأرسلوا واردهم) فاستقى من الماء فاستخرج يوسف، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلامًا لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه، فزهدوا فيه، فباعوه. وكان بيعه حرامًا، وباعوه بدراهم معدودة.
18939 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني هشيم، قال:
(1)
هذا من موازين أبي جعفر، التي فرق ذكرها في كتابه، ولم يذكرها عند كل موضع.

وهي الحكم بينه وبين من يزعمونه ذهب في تفسيره مذهب الاعتقاد لكثير مما أورده، مما لم تأت به بينة صحيحة من خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حجة عقل يجب التسليم لها.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 18-07-2025 09:01 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (859)
صــ 17 إلى صــ 27






أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (وكانوا فيه من الزاهدين) قال إخوته زهدوا، فلم يعلموا منزلته من الله ونبوته ومكانه.
18940 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: إخوته زهدوا فيه، لم يعلموا منزلته من الله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الذي اشترى يوسف من بائعه بمصر.
* * *
وذكر أن اسمه: "قطفير" .
18941 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: كان اسم الذي اشتراه قطفير. (1)
* * *
وقيل: إن اسمه إطفير بن روحيب، وهو العزيز، وكان على خزائن مصر، وكان الملك يومئذ الريَّان بن الوليد، رجل من العماليق، كذلك: -
18942 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق (2) .
* * *
(1)
الأثر: 18941 - رواه الطبري في تاريخه 1: 172، وكان في المخطوطة في الموضعين: "قطيفين" ، وفي التاريخ قبل الخبر "قطين" ، وفي الخبر "قطفير" .

(2)
الأثر: 18942 - رواه الطبري في تاريخه 1: 172.

وقيل: إن الذي باعه بمصر كان مالك بن ذعر بن بُويب بن عفقان بن مديان بن إبراهيم، (1) كذلك: -
18943 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس.
* * *
= (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته) ، واسمها فيما ذكر ابن إسحاق: راعيل بنت رعائيل.
18944 - حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
* * *
(أكرمي مثواه) ، يقول: أكرمي موضع مقامه، وذلك حيث يَثوِي ويُقيم فيه.
* * *
يقال: "ثوى فلان بمكان كذا" : إذا أقام فيه. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
18945 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أكرمي مثواه) منزلته، وهي امرأة العزيز.
18946 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه) ، قال: منزلته.
(1)
في التاريخ 1: 172: "دعر" بالدال مهملة، وكان في المطبوعة هنا "عنقاء" وفي المخطوطة: "عفقا" بغير نون في آخره. وكان في المطبوعة: "ثويب" ، وهي غير منقوطة في المخطوطة، فتبعت ما في التاريخ.

(2)
انظر تفسير "المثوى" فيما سلف 7: 279 \ 12: 117.

18947 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد اشتراه الملك، والملك مسلم.
* * *
وقوله: (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) ذكر أن مشتري يوسف قال هذا القول لامرأته، حين دفعه إليها، لأنه لم يكن له ولد، ولم يأت النساء، فقال لها: أكرميه عسَى أن يكفينا بعض ما نعاني من أمورنا إذا فهم الأمور التي يُكلَّفها وعرفها = (أو نتخذه ولدًا) ، يقول: أو نتبنَّاه.
18948 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان إطفير فيما ذكر لي رجلا لا يأتي النساء، وكانت امرأته راعيل امرأةً حسناء ناعمةً طاعمة، في مُلك ودُنْيا. (1)
18949 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس في يوسف فقال لامرأته: (أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) = وأبو بكر حين تفرَّس في عمر = والتي قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [سورة القصص: 26] .
18950 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: انطُلِق بيوسف إلى مصر، فاشتراه العزيز ملك مصر، فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته: (أكرمي مثْواه عسى أن ينفعنا أو نتخذهُ ولدًا) .
18951 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: (أكرمي مثواه) ، والقوم فيه زاهدون = وأبو بكر حين تفرَّس في عمر فاستخلفه = والمرأة التي قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه) .
* * *
(1)
الأثر: 18948 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 172، 173.

وقوله: (وكذلك مكنَّا ليوسف في الأرض) يقول عز وجل: وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد هموا بقتله، وأخرجناه من الجبّ بعدَ أن ألقي فيه، فصيرناه إلى الكرامة والمنزلة الرفيعة عند عزيز مصر، كذلك مكنّا له في الأرض، فجعلناه على خزائنها. (1)
* * *
وقوله: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) يقول تعالى ذكره: وكي نعلم يوسف من عبارة الرؤيا، (2) مكنا له في الأرض، كما: -
18952 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
18953 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18954- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) قال: تعبير الرؤيا.
18955 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) قال: عبارة الرؤيا.
* * *
وقوله: (والله غالب على أمره) يقول تعالى ذكره: والله مستولٍ على أمر يوسف، يسوسه ويدبّره ويحوطه.
* * *
و "الهاء" في قوله: (على أمره) عائدة على يوسف.
* * *
وروي عن سعيد بن جبير في معنى "غالب" ، ما: -
(1)
انظر تفسير "التمكين" فيما سلف 11: 63 \ 12: 315.

(2)
انظر تفسير "التأويل" فيما سلف 15: 560، تعليق: 1، والمراجع هناك.

18956- حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن حبير: (والله غالب على أمره) قال: فعالٍ. (1)
* * *
وقوله (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يقول: ولكن أكثر الناس الذين زهدوا في يوسف، فباعوه بثمن خسيس، والذين صَار بين أظهرهم من أهل مصر حين بيع فيهم، لا يعلمون ما الله بيوسف صانع، وإليه يوسف من أمره صائرٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لما بلغ يوسف أشده، يقول: ولما بلغ منتهى شدته وقوته في شبابه وحَدِّه، وذلك فيما بين ثماني عشرة إلى ستين سنة، وقيل إلى أربعين سنة. (2)
* * *
يقال منه: "مضت أشُدُّ الرجل" : أي شدته، وهو جمع مثل "الأضُرّ" و "الأشُرّ" ، (3) لم يسمع له بواحد من لفظه. ويجب في القياس أن يكون واحده "شدَّ" ، كما واحد "الأضر" "ضر" ، وواحد "الأشُر" "شر" ، كما قال الشاعر
(1)
ممكن أن تقرأ "فعال" مشددة العين من "الفعل" ، ولكني أستجيد أن تقرأها "فعال" الفاء حرف عطف بعده "عال" من "العلو" . أما الأولى، فإني لا أكاد أرتضيها.

(2)
انظر تفسير "الأشد" فيما سلف 12: 222.

(3)
هكذا جاءني المخطوطة والمطبوعة، إلا أنه كان في المخطوطة "الأسر" ، و "سر" ، وقد مضى هذان اللفظان أيضا فيما سلف 12: 222، وظننت هناك أنهما محرفتان، ولكن عجيب أن يظل التحريف هو. هو على بعد المكانين وأخشى أن يكون صواب "الأضر" هو "الأضب" جمع "ضب" ومهما يكن من شيء، فهذا مما لم أتبينه ولا عرفته، وفوق كل ذي علم عليم.

: (1)
هَلْ غَيْرُ أَنْ كَثُرَ الأشُرُّ وَأَهْلَكَتْ ... حَرْبُ المُلُوكِ أَكَاثِرَ الأَمْوَالِ (2)
وقال حُميد:
وَقَدْ أَتَى لَوْ تُعْتِبُ الْعَوَاذِلُ ... بَعْدَ الأشُدّ أَرْبَعٌ كَوَامِلِ (3)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله به في هذا الموضع من "مبلغ الأشد" .
فقال بعضهم: عني به ثلاث وثلاثون سنة.
* ذكر من قال ذلك:
18957 - حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد، قالا حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولما بلغ أشده) ، قال: ثلاثًا وثلاثين سنة.
18958 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18959 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
18960 - حدثت عن علي بن الهيثم، عن بشر بن المفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول في قوله: (ولما بلغ أشده) قال: بضعًا وثلاثين سنة.
* * *
وقال آخرون: بل عني به عشرون سنة.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
في المطبوعة: "كثر الأشد" ، وفي المخطوطة بالراء، ولم أجد البيت في غير هذا المكان.

(3)
لم أجده في غير هذا المكان. ولا أدري أهي في الرجز "الأشد" أو "الأشر" .

18961 - حدثت عن علي بن المسيب، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله: (ولما بلغ أشده) قال: عشرين سنة.
* * *
وروي عن ابن عباس من وجه غير مرضيّ أنه قال: ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين. وقد بينت معنى "الأشُدّ" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى يوسف لما بلغ أشدهُ حكمًا وعلمًا = و "الأشُدّ" : هو انتهاء قوته وشبابه = وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثماني عشرة سنة = وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة = وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة = ولا دلالة له في كتاب الله، ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في إجماع الأمة، على أيّ ذلك كان. وإذا لم يكن ذلك موجودًا من الوجه الذي ذكرت، فالصوابُ أن يقال فيه كما قال عز وجل، حتى تثبت حجة بصحة ما قيل في ذلك من الوجه الذي يجب التسليم له، فيسلم لها حينئذ.
* * *
وقوله: (آتيناه حكمًا وعلمًا) يقول تعالى ذكره: أعطيناه حينئذ الفهم والعلم، (1) كما: -
18962 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حكمًا وعلمًا) قال: العقل والعلم قبل النبوة.
* * *
وقوله: (وكذلك نجزي المحسنين) يقول تعالى ذكره: وكما جزيت يوسف فآتيته بطاعته إيّاي الحكمَ والعلمَ، ومكنته في الأرض، واستنقذته من أيدي إخوته
(1)
انظر تفسير "الحكم" فيما سلف 6: 538، وما سلف من فهارس اللغة (حكم) .

الذين أرادوا قتله، كذلك نجزي من أحسن في عمله، فأطاعني في أمري، وانتهى عما نهيته عنه من معاصيّ. (1)
* * *
وهذا، وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن، فإن المرادَ به محمدٌ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم. يقول له عز وجل: كما فعلت هذا بيوسف من بعد ما لقي من إخوته ما لقي، وقاسى من البلاء ما قاسى، فمكنته في الأرض، ووطَّأتُ له في البلاد، فكذلك أفعل بك فأنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأمكن لك في الأرض، وأوتيك الحكم والعلم، لأنّ ذلك جزائي أهلَ الإحسان في أمري ونهيي.
* * *
18963 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وكذلك نجزي المحسنين) يقول: المهتدين.
* * *
(1)
انظر تفسير "الجزاء" و "الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) ، (حسن) .

القول في تأويل قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وراودت امرأة العزيز، وهي التي كان يوسفُ في بيتها [يوسفَ] عن نفسه، (1) أن يواقعها، كما: -
18964 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولما بلغ أشدَّه، راودته التي هو في بيتها عن نفسه، امرأة العزيز.
(1)
الزيادة بين القوسين، لا يستقيم الكلام إلا بها.


18965 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه) قال: أحبته.
18966 -.... قال: وحدثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: قالت: تعالَهْ.
* * *
وقوله: (وغلقت الأبواب) ، يقول: وغلقت المرأة أبواب البيوت عليها وعلى يوسف، لما أرادت منه وراودته عليه، بابًا بعد باب.
* * *
وقوله: (وقالت هيت لك) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الكوفة والبصرة: (هَيْتَ لَكْ) بفتح، الهاء والتاء، بمعنى: هلمَّ لك، وادن وتقرَّب، كما قال الشاعر لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه: (1)
أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ... أَخَا العِرَاقِ إذَا أَتَيْنَا ... أَنَّ العِرَاقَ وَأَهْلَهُ ... عُنُقٌ إِلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا (2)
يعني: تعال واقرب.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك تأوّله من قرأه كذلك:
18967 - حدثني محمد بن عبد الله المخرمي، قال: حدثنا أبو الجواب، قال: حدثنا عمار بن رزيق، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (هيت لك) قال: هلمَّ لك. (3)
(1)
لم أعرف الآن قائله.

(2)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 305، واللسان (هيت) ، (عنق) . وقوله: "عنق إليك" أي مائلون إليك، كأنهم لووا أعناقهم إليك شوقًا أو ترقبًا.

(3)
الأثر: 18967 - "محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي" ، شيخ الطبري سلف مرارًا.

"أبو الجواب" ، هو "الأحوص بن جواب الضبي" ، روى عن سفيان الثوري، وسعير ابن الخمس، وعمار بن رزيق، وغيرهم. كان ثقة، وربما وهم. مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 59، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 328.
"وعمار بن رزيق الضبي" ، "أبو الأحوص" ، ثقة مضى برقم: 10191.
18968- حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (هيت لك) قال: هلم لك.
18969 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: (هيت لك) تقول: هلمّ لك.
18970 - حدثني المثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، أنه كان يقرأ هذا الحرف: (هيتَ لك) نصبًا، أي: هلم لك.
18971 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس، قوله: (هيت لك) قال: تقول: هلم لك.
18972 - حدثني أحمد بن سهيل الواسطي، قال: حدثنا قرة بن عيسى، قال: حدثنا النضر بن عربيّ الجزري، عن عكرمة، مولى ابن عباس، في قوله: (هيت لك) قال: هلم لك = قال: هي بالحَوْرانية. (1)
18973 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وقالت هيت لك) قال الحسن: يقول: هلم لك.
18974 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن: (هيت لك) يقول بعضهم: هلم لك.
(1)
الأثر: 18972 - "أحمد بن سهيل الواسطي" شيخ الطبري. قال الحاكم: "في حديثه بعض المناكير" ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: حدثنا عنه حبيش بن عبد الله النهشلي بواسط. مترجم في ميزان الاعتدال 1: 48، ولسان الميزان 1: 185.

وأما "قرة بن عيسى" فلم أجد من يسمى بهذا الاسم. ولكن الذي يروي عن "النضر بن عربي" هو: "بشر بن عبيس بن مرحوم العطار" ، مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 1 / 1 / 362.
وأما "النضر بن عربي الجزري الباهلي" ثقة لا بأس به، مضى برقم: 1307، 5864، وكان في المطبوعة "النضر بن علي الجزري" ، غير ما في المخطوطة وأساء.
18975 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وقالت هيت لك) قال: هلم لك = وهي بالقبطية.
18976 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن عمرو، عن الحسن: (هيت لك) قال: كلمة بالسريانية، أي: عليك.
18977 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن: (هيت لك) قال: هلمَّ لك.
18978 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا خلف بن هشام، قال: حدثنا محبوب، عن قتادة، عن الحسن: (هيت لك) قال: هلم لك.
18979 - ... قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد، عن عاصم، عن زرّ: (هيت لك) ، أي: هلم.
18980 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الثوري، قال: بلغني في قوله: (هيت لك) قال: هلم لك.
18981 - حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قرأ: (هيت لك) وقال: تدعوه إلى نفسها.
18982 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى: (هيت لك) قال: لغة عربية، تدعُوه بها.
18983 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله = إلا أنه قال: لغة بالعربية، تدعوه بها إلى نفسها.
18984 - حدثنا الحسن، قال: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو سواء.





ابوالوليد المسلم 18-07-2025 09:06 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (860)
صــ 28 إلى صــ 40





18985 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
18986 - حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن: (هيت لك) بفتح الهاء والتاء، وقال: تقول: هلم لك.
18987 - حدثني الحارث قال: قال أبو عبيد: كان الكسائي يحكيها = يعني: (هيت لك) قال: وقال: وهي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز، معناها: "تعال" . قال: وقال أبو عبيدة: سألت شيخًا عالمًا من أهل حوران، فذكر أنها لغتُهم، يعرفها.
18988 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (هيت لك) قال: تعال.
18989 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وقالت هيت لك) قال: هلمَّ لك، إليَّ.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين: "وَقَالَتْ هِئْتُ لَكَ" بكسر الهاء، وضم التاء، والهمزة، بمعنى: تهيَّأت لك، من قول القائل: "هئت للأمر أهِيء هَيْئَةً" .
وممن روي ذلك عنه ابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وجماعة غيرهما.
18990 - حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحجاج، عن هارون، عن أبان العطار، عن قتادة: أن ابن عباس قرأها كذلك، مكسور الهاء، مضمومة التاء. قال أحمد: قال أبو عبيدة: لا أعلمها إلا مهموزة.
18991 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن أبان العطار، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن السلمي: "هِئْتُ لَكَ" أي: تهيأت لك.
18992 -.... قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، مثله.
18993 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرمة يقول: تهيأت لك.
18994 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: "هِئْتُ لَكَ" قال عكرمة: تهيأت لك.
18995 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، قال: كان أبو وائل يقول: "هِئْتُ لَكَ" : أي تهيأت لك. وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة.
18996 - حدثت عن علي بن المغيرة، قال: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: شهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد = أو أحمد = وكان عالما بالقرآن (1) [وكان لألاء، ثم كبر، فقعد في بيته، فكان يؤخذ عنه القرآن، ويكون مع القضاة، فسأله] عن قول من قال: "هِئْتُ لَكَ" بكسر الهاء، وهمز الياء. فقال: أبو عمرو: [سى] (2) إي: باطل، جعلها، "فعلت" من "تهيأت" ، فهذا الخندق، (3) فاستعرض العربَ حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحدًا يقول: "هئت لك" ؟ (4)
18997 - حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: لم يكن الكسائي يحكي
(1)
هذه الزيادة بين القوسين، من كتاب أبي عبيدة، مجاز القرآن 1: 305. وقوله "لألاء" ، هو بائع اللؤلؤ، ويقال أيضًا: "لأء" ولأل "(بتشديد الهمزة بعد هاء ألف) على وزن" نجار "."

(2)
هكذا رسم الكلمة في المخطوطة، وف المطبوعة "ينسى" ، وفي مجاز القرآن "بنسى" ، (بكسر النون، وسكون الباء، وكسر السين، بعدها ياء) ، وأنا في شك من ذلك كله، وأخشى أن تكون "بسبس" (بفتح فسكون ففتح) و "البسبس" ، الباطل، و "البسابس" مثله.

(3)
"الخندق" ، هو خندق سابور، حفره من مدينة "هيت" ، يشق طف البادية إلى كاظمة، مما يلي البصرة، وجعل عليه المسالح. وشرحه أبو عبيدة في المجاز شرحًا وافيًا، فراجعه هناك.

(4)
الأثر: 18996 - هو نص كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 305 - 306.

"هئت لك" عن العرب.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة: "هِيْتَ لَكَ" بكسر الهاء، وتسكين الياء، وفتح التاء.
* * *
وقرأه بعض المكيين: "هَيْتُ لَكَ" بفتح الهاء، وتسكين الياء، وضم التاء.
* * *
وقرأه بعض البصريين، وهو عبد الله بن إسحاق: "هَيْتِ لَكَ" بفتح الهاء، وكسر التاء.
* * *
وقد أنشد بعض الرواة بيتًا لطرفة بن العبد في "هيت" بفتح الهاء، وضم التاء، وذلك:
لَيْسَ قَومِي بِالأبْعَدِينَ إذَا مَا ... قَالَ دَاعٍ مِنَ الْعَشِيرَةِ هَيْتُ (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءة في ذلك، قراءة من قرأه: (هَيْتَ لَكَ) بفتح الهاء والتاء، وتسكين الياء، لأنها اللغة المعروفة في العرب دون غيرها، وأنها فيما ذُكِر قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
18998 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال ابن مسعود: قد سمعت القرأة، فسمعتهم متقاربين، فاقرءوا كما عُلِّمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدكم: "هلم" و "تعال" . ثم قرأ عبد الله: (هَيْتَ لَكَ) فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إن ناسًا يقرءونها: "هَيْتُ لَكَ" فقال عبد الله: إني أقرؤها كما عُلِّمْت، أحبُّ إليَّ. (2)
(1)
لم أجد البيت في مكان آخر.

(2)
الأثر: 18998 - هذا إسناد صحيح، مر تفسير مثله مرارًا، وسيأتي من طرق مختصرًا. وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 274، 275،) ، مختصرا. ورواه أبو داود أيضًا مختصرا في سننه 4: 52، 53 برقم: 4004، 4005. ورواه أبو جعفر فيما سلف من طرق أخرى، مختصرًا، ليس فيه "هيت لك" ، برقم: 48، في أول الكتاب. وفصل الحافظ ابن حجر في الفتح، الكلام فيه بما لا مزيد عليه.

18999 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ هذه الآية: (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) قال: فقالوا له: ما كنا نقرؤها إلا "هَيْتُ لَكَ" ، فقال عبد الله: إنّي أقرؤها كما عُلِّمت، أحبُّ إليّ. (1)
19000 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن منصور، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: (هَيْتَ لَكَ) فقال له مسروق: إن ناسًا يقرءونها: "هَيْتُ لَكَ" فقال: دعوني، فإني أقرأ كما أقرئت أحبُّ إليّ. (2)
19001 - حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن شقيق، عن ابن مسعود قال: (هَيْتَ لَكَ) بنصب الهاء، والتاء، وبلا همز. (3)
* * *
وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى: أنَّ العرب لا تثني "هيت" ولا تجمع ولا تؤنث، (4) وأنها تصوره في كل حال،، وإنّما يتبين العدد بما بعد، وكذلك التأنيث والتذكير. وقال: تقول للواحد: "هيت لك" ، وللإثنين: "هيت لكما" ، وللجمع: "هيت لكم" ، وللنساء: "هيت لكن" . (5)
* * *
وقوله: (قال معاذ الله) يقول جل ثناؤه: قال يوسف إذ دعته المرأة
(1)
الأثر: - 18999 - مكرر الأثر السالف، مختصرًا.

(2)
الأثر: - 19000 - مكرر الأثرين السالفين، من طريق أخرى صحيحة، مختصر.

(3)
الأثر: 19001 - مختصر الآثار السالفة، من طريق صحيحة.

(4)
في المطبوعة: "هيت لك" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(5)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 305.

إلى نفسها، وقالت له: "هلم إلي" : أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه، واستجير به منه. (1)
* * *
وقوله: (إنه ربي أحسن مثواي) يقول: إن صاحبك وزوجك سيدي، (2) كما: -
19002 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (معاذ الله إنه ربي) قال: سيدي.
19003 -.... قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح: (إنه ربي) قال: سيدي.
19004 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19005 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19006 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19007 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) قال: سيدي = يعني: زوج المرأة.
19008 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال معاذ الله إنه ربي) يعني: إطفير. يقول: إنه سيدي.
* * *
وقوله: (أحسن مثواي) يقول: أحسن منزلتي، وأكرمني وائتمنني، فلا أخونه، (3) كما:-
(1)
انظر تفسير "عاذ" فيما سلف 15: 352، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الرب" فيما سلف 1: 141، 142 / 12: 385، 386، وغيرهما في فهارس اللغة (ربب) .

(3)
انظر تفسير "المثوى" فيما سلف ص: 18، تعليق: 2، والمراجع هناك.

19009 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: (أحسن مثواي) أمنني على بيته وأهله.
19010 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (أحسن مثواي) فلا أخونه في أهله.
19011 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (أحسن مثواي) قال: يريد يوسف سيدَه زوجَ المرأة.
* * *
وقوله: (إنه لا يفلح الظالمون) يقول: إنه لا يدرك البقاء، ولا ينجح من ظلم، (1) ففعل ما ليس له فعله. وهذا الذي تدعوني إليه من الفجور، ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منزله، كما:-
19012 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إنه لا يفلح الظالمون) قال: هذا الذي تدعوني إليه ظلم، ولا يفلح من عمل به.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) }
قال أبو جعفر: ذكر أنَّ امرأة العزيز لما هَمَّت بيوسف وأرادت مُراودته، جعلت تذكر له محاسنَ نفسه، وتشوّقه إلى نفسها، كما:-
19013 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (ولقد همت به وهم بها) قال: قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك!
(1)
انظر تفسير "الفلاح" فيما سلف 15: 156، تعليق: 3، والمراجع هناك.

قال: هو أوَّل ما ينتثر من جسدي. قالت: يا يوسف، ما أحسن وجهك! قال: هو للتراب يأكله. فلم تزل حتى أطمعته، فهمَّت به وهم بها، فدخلا البيت، وغلَّقت الأبواب، وذهب ليحلّ سراويله، فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت، قد عضَّ على إصبعه، يقول: "يا يوسف لا تواقعها (1) فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النَّمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه" ، فربط سراويله، وذهب ليخرج يشتدُّ، (2) فأدركته، فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته، حتى أخرجته منه وسقط، وطرحه يوسف واشتدَّ نحو الباب. (3)
19014 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أكبَّت عليه - يعني المرأة - تُطمعه مرة وتخيفه أخرى، وتدعوه إلى لذّة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها، وهو شاب مستقبل يجد من شَبق الرجال ما يجد الرجل ; حتى رَقَّ لها مما يرى من كَلَفها به، ولم يتخوَّف منها حتى همَّ بها وهمَّت به، حتى خلوا في بعض بُيوته.
* * *
ومعنى "الهم بالشيء" ، في كلام العرب: حديث المرء نفسه بمواقعتِه، ما لم يُواقِع
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "تواقعها" بغير "لا" ، وأثبتها من التاريخ.

(2)
"اشتد" ، أسرع العدو.

(3)
الأثر: 19013 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 173.

(1)

* * *
فأما ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره، وذلك ما:-
19015 - حدثنا أبو كريب وسفيان بن وكيع، وسهل بن موسى الرازي، قالوا: حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حَلّ الهِمْيان، وجلس منها مجلس الخاتن (2) = لفظ الحديث لأبي كريب. (3)
19016 - حدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا حدثنا ابن عيينة، قال: سمع عبيد الله بن أبي يزيد ابن عباس في (ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الخاتن، وحلّ الهميان.
19017 - حدثنا زياد بن عبد الله الحسَّاني، وعمرو بن علي، والحسن بن محمد، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس سئل: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهميان، وجلس منها مجلس الخاتن.
19018 - حدثني زياد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها.
19019 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة: (ولقد همت به وهم بها) قال: استلقت له، وحلّ ثيابه.
19020 - حدثني المثنى، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (ولقد همت به وهم بها) ،
(1)
انظر تفسير "الهم" فيما سلف 9: 199 / 10: 100 / 14: 158، ولم يشرحها هناك شرحًا يغني، وشرحها هنا.

(2)
قوله: "مجلس الخاتن" ، هو الذي يختن الفتى أو الفتاة وفي مطبوعة تاريخ الطبري: "مجلس الحائز" ، ولكن ستأتي في مخطوطة التفسير "الخاتن" في كل مكان وسيأتي تفسير "الهميان" في رقم: 19022، وفي اللسان أنه "تكة السراويل" .

(3)
الأثر: 19015 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 173، بهذا الإسناد نفسه.

ما بلغ؟ قال: استلقت له وجلس بين رجليها، وحلّ ثيابه = أو ثيابها.
19021 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت على قفاها، وقعد بين رجليها لينزعَ ثيابه.
19022 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: سئل ابن عباس، عن قوله: (ولقد همت به وهم بها) ما بلغ من هم يوسف؟ قال: حل الهميان = يعني السَّراويل.
19023 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت الأعمش، عن مجاهد، في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حلَّ السراويل حتى أَلْيَتيه (1) واستلقت له.
19024 - حدثنا زياد بن عبد الله الحساني، قال: حدثنا مالك بن سعير، قال: حدثنا الأعمش، عن مجاهد، في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حلّ سراويله، حتى وقع على أَلْيَتيه. (2)
19025 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولقد همت به وهم بها) قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته.
(1)
في المطبوعة: "حتى التبان" ، وهو سراويل صغير مقدار شبر، يستر العورة المغلظة، وليس بشيء. وفي المخطوطة في هذا الموضع "التبن" غير منقوطة ثم في رقم: 19024 فيها: "حتى وقع على التنتين" ، ثم في رقم: 19029، فيها أيضًا: "على الثنات" ، وقد جعلها الناشر في جميعها "التبان" برسم واحد، ورجحت أنا أكتبها "أليتيه" في موضعين و "ألياته" في آخر المواضع، لأني وجدت الخبر عن مجاهد في القرطبي 9: 166 "حل السراويل حتى بلغ الأليتين" ، ولو كتبتها كما في القرطبي، لكان صوابًا، و "الألية" (بفتح الهمزة) ، هي العجيزة للناس وغيرهم، وهما من الناس "أليتان" ، ويقال: "إنه لذو أليات" ، كأنه جعل كل جزء "ألية" ، ثم جمع على هذا.

(2)
انظر التعليق السالف، وكان في المطبوعة: "على التبان" .

19026 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، قال: حدثني القاسم بن أبي بزة: (ولقد همت به وهم بها) قال: أمّا همّها به، فاستلقت له = وأما همُّه بها، فإنه قعد بين رجليها ونزع ثيابه.
19027 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثني حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، قال: قلت لابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها ينزع ثيابه.
19028 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا يحيى بن اليمان، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير وعكرمة، قالا حلّ السراويل، وجلس منها مجلس الخاتن.
19029 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد: (ولقد همت به وهم بها) قال: استلقت، وحلّ ثيابه حتى بلغ ألياته. (1)
19030 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (ولقد همت به وهم بها) قال: أطلق تِكَّة سراويله.
19031 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، قال: شهدت ابن عباس سئل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال: حلّ الهِميان، وجلس منها مجلس الخاتن.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا، وهو لله نبيّ؟
قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك.
(1)
"أليات" جمع "ألية" ، وانظر ما سلف ص: 36، تعليق رقم: 1.

فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة، (1) فإنما ابتلاه الله بها، ليكون من الله عز وجلّ على وَجَلٍ إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقًا منها، ولا يتّكل على سعة عفو الله ورحمته.
* * *
وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك، ليعرّفهم موضع نعمته عليهم، بصفحه عنهم، وتركه عقوبتَه عليه في الآخرة.
* * *
وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رَجاء رحمة الله، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا.
* * *
وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة.
فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه، لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه، وكفَّه ذلك عما همّ به من أذاها = لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها. قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها، وهو غير "الفحشاء" .
* * *
وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف، فقيل: "وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه" . كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها، وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) ، [النساء: 83] .
* * *
(1)
في المطبوعة: "كان ممن ابتلى ..." ، والصواب ما في المخطوطة.

قال أبو جعفر: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم جواب "لولا" قبلها، لا تقول: "لقد قمت لولا زيد" ، وهي تريد ": لولا زيد لقد قمت" ، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يؤخذ تأويله.
* * *
وقال آخرون منهم: بل قد همَّت المرأة بيوسف، وهم يوسف بالمرأة، غير أن همَّهما كان تميِيلا منهما بين الفعل والترك، (1) لا عزمًا ولا إرادة. قالوا: ولا حرج في حديث النفس، ولا في ذكر القلب، إذا لم يكن معهما عزْمٌ ولا فعلٌ.
* * *
وأما "البرهان" الذي رآه يوسف، فترك من أجله مواقعة الخطيئة، فإن أهل العلم مختلفون فيه.
فقال بعضهم: نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة.
* ذكر من قال ذلك:
19032 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: نودي: يا يوسف، أتزني، فتكون كالطير وَقَع ريشه، فذهب يطير فلا ريش له؟
19033 -.... قال: حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: لم يُعْطِ على النداء، (2) حتى رأى برهان
(1)
في المخطوطة والمطبوعة: "تمثيلا منهما" ، وهو خطأ. و "التمييل" الترجيح، أي الأمرين تأخذ، وأيهم تدع. يقال: "إني لأميل بين ذينك الأمرين، وأمايل بينهما، أيهما أركب، أو أيهما أفضل" .

(2)
في المطبوعة: "لم يتعظ" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صحيح المعنى، يعني لم يعط المقادة والطاعة وهو كقوله في رقم: 19037، "فلم يطع على النداء" ، ثم قوله في رقم 19038 "فلم يعط على النداء شيئا" ، فجاء بها في المطبوعة على الصواب.

ربه، قال: تمثالَ صورة وجه أبيه = قال سفيان: عاضًّا على أصبعه = فقال: يا يوسف، تزني، فتكون كالطير ذهب ريشه؟
19034 - حدثني زياد بن عبد الله الحساني، قال: حدثني محمد بن أبي عدي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: نُودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطائر له ريش، فإذا زنى ذهب ريشه، أو قعد لا ريش له. قال: فلم يُعْطِ على النداء، (1) فلم يزد على هذا = قال ابن جريج: وحدثني غير واحد، أنه رأى أباه عاضًّا على إصبعه.
19035 - حدثني أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي =، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: نودي فلم يسمع، فقيل له: يا ابن يعقوب، تريد أن تزني، فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟
19036 - حدثنا ابن حميد. قال: حدثنا سلمة، عن طلحة، عن عمرو الحضرمي، عن ابن أبي مليكة، قال: بلغني أنّ يوسف لما جلس بين رجلي المرأة فهو يحلّ هميانه، نودي: يا يوسف بن يعقوب، لا تزن، فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه. فأعرض، ثم نودي فأعرض، فتمثل له يعقوب عاضًّا على إصبعه، فقام.
19037 - حدثني المثنى، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: نودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه، وبقي لا ريش له! فلم يطع على النداء، ففُزِّع.
19038 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن
(1)
انظر التعليق السالف ص 39.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 08:44 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (861)
صــ 41 إلى صــ 50






ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب لا تكونَنّ كالطائر له ريش، فإذا زنى ذهب ريشه = قال: أو قعد لا ريش له = فلم يُعْطِ على النداء شيئًا، حتى رأى برهان ربه، ففَرِق ففرَّ.
19039 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن عباس: نودي: يا ابن يعقوب، أتزني، فتكون كالطير وقع ريشه، فذهب يطيرُ فلا ريش له؟
19040 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن همام بن يحيى، عن قتادة قال: نودي يوسف فقيل: أنت مكتوب في الأنبياء، تعمل عمل السفهاء؟
19041 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يمان. عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، قال: نودي: يُوسفَ بن يعقوب، تزني، فتكون كالطير نتف فلا ريش له؟
* * *
وقال آخرون: "البرهان" الذي رأى يوسف فكفّ عن مواقعة الخطيئة من أجله، صورة يعقوب عليهما السلام يتوعّده.
* ذكر من قال ذلك:
19042 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورةَ = أو: تمثالَ = وجهِ يعقوب عاضًّا على إصبعه، فخرجت شهوته من أنامله.
19043 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب، فضرب في صدره، فخرجت شهوته من أنامله. (1)
19044 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بشر، عن مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثال وجه أبيه، قائلا بكفه هكذا = وبسط كفه = فخرجت شهوته من أنامله.
19045 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب عاضًّا على أصابعه، فضرب صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
19046 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورة يعقوب واضعًا أنملته على فيه، يتوعَّده، ففرَّ.
19047 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن عباد، قال: حدثنا جرير بن حازم، قال سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث، عن ابن عباس، في قوله: (ولقد همت به وهم بها) قال: حين رأى يعقوبَ في سقف البيْت، قال: فنزعت شهوته التي كان يجدها، حتى خرج يسعى إلى باب البيت، فتبعته المرأة.
19048 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي = عن قرة بن خالد السدوسي، عن الحسن، قال: زعموا، والله
(1)
الأثر: 19043 - "عمرو بن محمد العنقزي" ، مضى مرارًا، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عمرو بن العنقزي" ، سقط اسم أبيه.

أعلم، أن سقف البيت انفرج، فرأى يعقوبَ عاضًّا على أصابعه.
19049 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثالَ يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف!
19050 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، نحوه.
19051 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عمرو العنقزي، قال: أخبرنا سفيان الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثال وجه يعقوب، فخرجت شهوته من أنامله.
19052 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، قال: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من أنامله. فكلُّ ولد يعقوب وُلِدَ له اثنا عشر رجلا إلا يوسف، فإنه نقص بتلك الشهوة، ولم يولد له غير أحد عشر.
19053 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره: أن البرهان الذي رأى يوسف، يعقوبُ.
19054 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عيسى بن المنذر، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا يونس بن يزيد الإيلي، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، مثله.
19055 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب.
19056 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
19057 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: يعقوب.
19058 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19059 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19060 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: مَثَل له يعقوب.
19061 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: جلس منها مجلس الرجل من امرأته، حتى رأى صورةَ يعقوب في الجدُر (1) .
19062 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مثل له يعقوب.
19063 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن القاسم بن أبي بزة، قال: نودي: يا ابن يعقوب، لا تكونن كالطير له ريش، فإذا زنى قَعَد ليس له ريش. فلم يُعْرِض للنداء وقعد، فرفع رأسه، فرأى وجهَ يعقوب عاضًّا على إصبعه، فقام مرعوبًا استحياء من الله، فذلك قول الله: (لولا أن رأى برهان ربه) ، وجهَ يعقوب.
(1)
في المطبوعة: "على الجدار" وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.

19064 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، قال: مثل له يعقوب عاضًّا على أصابعه.
19065 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، مثله.
19066 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: مثل له يعقوب، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
19067 -.... قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، قال: كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر ابنًا، إلا يوسف، ولد له أحد عشر، من أجل ما خرج من شهوته.
19068 - حدثني يونس، قال: أخبرنا: ابن وهب، قال: قال أبو شريح: سمعت عبيد الله بن أبي جعفر يقول: بلغ من شهوة يوسف أن خرجت من بَنَانه.
19069 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، عن محمد الخراساني، قال: سألت محمد بن سيرين، عن قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب عاضًّا على أصابعه يقول: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، اسمك في الأنبياء، وتعمل عمل السفهاء؟
19070 - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن يونس، عن الحسن، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف!
19071 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال، قال قتادة: رأى صورة يعقوب، فقال: يا يوسف، تعمل عمل الفجَّار، وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فاستحيى منه.
19072 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (لولا أن رأى برهان ربه) رأى آية من آيات ربه، حجزه الله بها عن معصيته. ذكر لنا أنه مثل له يعقوب حتى كلمه، فعصمه الله، ونزع كل شهوة كانت في مفاصله.
19073 -.... قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أنه مَثَل له يعقوب وهو عاضٌّ على إصبع من أصابعه.
19074 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت عاضًّا على إصبعه يقول: يا يوسف! يا يوسف! يعني قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) .
19075 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن منصور ويونس عن الحسن، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) ، قال: رأى صورة يعقوب في سقف البيت، عاضًّا على إصبعه.
19076 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح مثله، وقال عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف!
19077 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يا يوسف! فذاك حيث كفَّ، وقام فاندفع.
19078 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن سالم وأبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من بين أنامله.
19079 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى تمثال وجه أبيه، فخرجت الشهوة من أنامله.
19080 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى= يعني ابن عباد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: (لولا أن رأى برهان ربه) ، قال: تمثال صورة يعقوب في سقف البيت.
19081 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: رأى يعقوب عاضًّا على يده.
19082 -.... قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) ، قال: يعقوب، ضرب بيده على صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
19083 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) ، آية من ربه ; يزعمون أنه مَثَلَ له يعقوب، فاستحيىمنه.
* * *
وقال آخرون: بل البرهان الذي رأى يوسف، ما أوعد الله عز وجل على الزنا أهله.
* ذكر من قال ذلك:
19084 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن أبي مودود، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال: رفع رأسَه إلى سقف البيت، فإذا كتاب في حائط البيت: (لا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) ، (1) [سورة الإسراء: 32] .
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: {إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا} ، وهذه آية أخرى، هي آية نكاح ما نكح الآباء من النساء، وهي آية المقت "سورة النساء: 22" ، وزيادة "ومقتًا" سهو من الناسخ، لا شك في ذلك، وجاءت على صواب التلاوة في الأثر التالي، ولكن الناشر زاد "ومقتًا" ، هناك، فأساء غاية الإساءة.

19085 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن أبي مودود، عن محمد بن كعب، قال: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ، فرأى كتابًا في حائط البيت: (لا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) .
19086 -.... قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: لولا ما رأى في القرآن من تعظيم الزنا.
19087 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن أبي صخر، قال: سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رأى يوسف: ثلاث آيات من كتاب الله: (إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ) الآية، [سورة الانفطار: 10] ، وقوله: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ) الآية، [سورة يونس: 61] ، وقوله: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) [سورة الرعد: 33] . قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي، وزاد آية رابعة: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا) .
19088 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي: (لولا أن رأى برهان ربه) فقال: ما حرَّم الله عليه من الزنا.
* * *
وقال آخرون: بل رأى تمثال الملك.
* ذكر من قال ذلك:
19089 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) يقول: آيات ربه، أُرِيَ تمثالَ الملك.
19090 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
كان بعض أهل العلم، فيما بلغني، يقول: البرهان الذي رأى يوسف فصرف عنه السوءَ والفحشاء، يعقوبُ عاضًّا على إصبعه، فلما رآه انكشفَ هاربًا = ويقول بعضهم: إنما هو خيال إطفير سيده، حين دَنا من الباب، وذلك أنه لما هرب منها واتبعته، ألفياه لدى الباب.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آيةٌ من الله، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة = وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب = وجائز أن تكون صورة الملك - وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا = ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك [كان] من أيٍّ. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه.
* * *
وقوله: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) ، يقول تعالى ذكره: كما أرينَا يوسف برهاننا على الزجر عمَّا همّ به من الفاحشة، كذلك نسبّب له في كلِّ ما عرض له من همٍّ يهمُّ به فيما لا يرضاه، ما يزجره ويدفعه عنه ; كي نصرف عنه ركوب ما حرَّمنا عليه، وإتيان الزنا، لنطهره من دنس ذلك. (1)
* * *
وقوله: (إنه من عبادنا المخلصين) اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة المدينة والكوفة (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) بفتح اللام من "المخلصين" ، بتأويل: إن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا، واخترناهم لنبوّتنا ورسالتنا.
* * *
(1)
انظر تفسير "الصرف" فيما سلف 15: 254، تعليق: 3، والمراجع هناك.

= وتفسير "الفحشاء" فيما سلف 12: 547، تعليق: 3، والمراجع هناك.
وقرأ بعض قرأة البصرة: "إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ" بكسر اللام = بمعنى: إن يوسف من عبادنا الذين أخلَصوا توحيدنا وعبادتنا، فلم يشركوا بنا شيئًا، ولم يعبدُوا شيئًا غيرنا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من القرأة، وهما متفقتا المعنى. وذلك أن من أخلصه الله لنفسه فاختاره، فهو مُخْلِصٌ لله التوحيدَ والعبادة، ومن أخلص توحيدَ الله وعبادته فلم يشرك بالله شيئًا، فهو ممن أخلصه الله، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصوابِ مصيبٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: واستبق يوسف وامرأة العزيز بابَ البيت، (1) أما يوسف ففرارًا من ركوب الفاحشة لما رأى برهان ربه فزجره عنها، وأما المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها منه التي راودته عليها، فأدركته فتعلقت بقميصه، فجذبته إليها مانعةً له من الخروج من الباب،، فقدَّته من دبر = يعني: شقته من خلف لا من قدام، (2) لأن يوسف كان هو الهارب، وكانت هي الطالبة، كما: -
19091 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن
(1)
انظر تفسير "الاستباق" فيما سلف 15: 577، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الدبر" فيما سلف 14: 15، تعليق: 4، والمراجع هناك.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 08:47 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (862)
صــ 51 إلى صــ 60





معمر، عن قتادة: (واستبقا الباب) ، قال: استبق هو والمرأة الباب، (وقدت قميصه من دبر) .
19092 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رأى برهان ربه، انكشفَ عنها هاربًا، واتبعته، فأخذت قميصه من دبر، فشقَّته عليه.
* * *
وقوله: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، يقول جل ثناؤه: وصادفا سيدها (1) = وهو زوج المرأة (2) = "لدى الباب" ، يعني: عند الباب (3) . كالذي: -
19093 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد: (وألفيا سيدها) ، قال: سيدها: زوجها =، (لدى الباب) ، قال: عند الباب.
19094 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن الحسن، عن زيد بن ثابت، قال ": السيد" ، الزوج.
19095 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، أي: عند الباب.
19096 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، قال: جالسًا عند الباب وابن عمّها معه، فلما رأته قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا؟ إنه راودني عن نفسي، فدفعته عن نفسي، فشققت قميصه. قال يوسف: بل هي راودتني عن نفسي، وفررت منها فأدركتني، فشقت قميصي. فقال ابن عمها: تِبْيان هذا في القميص،
(1)
انظر تفسير "ألفى" فيما سلف 3: 306، 307.

(2)
انظر تفسير "السيد" فيما سلف 6: 374.

(3)
انظر تفسير "لدى فيما سلف 6: 407."

فإن كان القميص، قدّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين. فأتي بالقميص، فوجده قدّ من دبر قال: (إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم. يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) .
19097 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وألفيا سيدها لدى الباب) ، إطفير، قائمًا على باب البيت، فقالت وهابَتْه: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) ولطخته مكانها بالسيئة، فَرَقًا من أن يتهمها صاحبُها على القبيح. فقال هو، وصَدقه الحديث: (هي راودتني عن نفسي) .
* * *
وقوله: (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا) يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز لزوجها لما ألفياه عند الباب، فخافت أن يتهمها بالفجور: ما ثواب رجل أرادَ بامرأتك الزنا إلا أن يسجن في السجن، (1) أو إلا عذاب أليم = يقول: موجع.
* * *
وإنما قال: (إلا أن يسجن أو عذاب أليم) ، لأن قوله: (إلا أن يسجن) ، بمعنى إلا السجن، فعطف "العذاب" عليه ; وذلك أن "أن" وما عملت فيه بمنزلة الاسم.
* * *
(1)
انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) .

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لما قذفته امرأة العزيز بما قذفته من إرادته الفاحشة منها، مكذِّبًا لها فيما قذفته به ودفعًا لما نسب إليه: ما أنا راودتها عن نفسها، بل هي راودتني عن نفسي. (1)
* * *
وقد قيل: إن يوسف لم يرد ذكر ذلك، لو لم تقذفه عند سيدها بما قذفته به.
* ذكر من قال ذلك:
19098 - حدثني محمد بن عمارة، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا شيبان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي، قال: ما كان يوسف يريد أن يذكره، حتى قالت: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا) ، الآية، قال: فغضب فقال: (هي راودتني عن نفسي) . (2)
* * *
وأما قوله: (وشهد شاهد من أهلها) فإن أهل العلم اختلفوا في صفة الشاهد.
فقال بعضهم: كان صبيًّا في المهد.
(1)
انظر تفسير "المراودة" فيما سلف ص: 24، 25.

(2)
الأثر: 19098 - في المطبوعة: "نوف الشيباني" ، وهو خطأ محض، مأتاه من سوء كتابة المخطوطة، وإن كانت واضحة بعض الوضوح، والصواب "نوف الشامي" ، وهو: "نوف ابن فضالة البكالي الحميري، الشامي" ، انظر ما سلف رقم: 18923، والتعليق عليه.

* ذكر من قال ذلك:
19099 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا العلاء بن عبد الجبار، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: تكلم أربعة في المهد وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم عليه السلام. (1)
19100 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: عيسى، وصاحب يوسف، وصاحب جريج = يعني: تكلموا في المهد. (2)
19101 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زائدة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وشهد شاهد من أهلها) ، قال: صبي.
19102 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وشهد شاهد من أهلها) ، قال: كان في المهد صبيًّا.
19103 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا أيوب بن جابر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: صبي. (3)
(1)
الأثر: 19099 - "العلاء بن عبد الجبار" ، "أبو الحسن العطار" ، روى عن حماد بن سلمة، وروى عنه الحميدي، وابنه عبد الجبار بن العلاء. صالح الحديث. مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 358.

(2)
الأثر: 19100 - "أبو بكر الهذلي" ، كلن يكذب، متروك الحديث. مضى مرارًا، آخرها رقم: 17616، 18439، ولكن حديث أبي هريرة مطولا رواه البخاري في صحيحه (الفتح 6: 344 - 348) ، ومسلم في صحيحه 16: 106، ورواه أحمد في المسند: 8057، 8058 بإسناد صحيح، وانظر شرح أخي رحمه الله.

(3)
الأثر: 19103 - "أيوب بن جابر بن سيار اليمامي" ، ضعيف. مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 410، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 242، وميزان الاعتدال 1: 132.

19104 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، بمثله.
19105 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، قال: كان صبيًّا في مهده.
19106 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن هلال بن يساف: (وشهد شاهد من أهلها) قال: صبي في المهد.
19107 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (وشهد شاهد من أهلها) ، قال: صبي أنطقه الله. ويقال: ذو رأي برأيه. (1)
19108 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا عفان، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرني عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تكلم أربعة وهم صغار" ، فذكر فيهم شاهد يوسف (2) .
19109 - حدثت عن الحسين بن الفرج. قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وشهد شاهد من أهلها) يزعمون أنه كان صبيًّا في الدار.
19110 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عمي
(1)
قوله: "ذو رأي برأيه" ، أي كان الشاهد رجلا ذا رأي، قال ذلك برأيه. وانظر الأثر التالي رقم: 19127.

(2)
الأثر: 19108 - حديث حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، حديث طويل، رواه أحمد في مسنده رقم: 2822، 2823، 2824، 2825، وفي آخره: قال "قال ابن عباس: تكلم أربعة صغار، عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وشاهد يوسف، وابن ماشطة فرعون" ، ولم يرفع هذا القول الأخير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسناده إسناد صحيح.

قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وشهد شاهد من أهلها) ، قال: كان صبيًّا في المهد.
* * *
وقال آخرون: كان رجلا ذا لحية.
* ذكر من قال ذلك:
19111 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي =، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان ذا لحية.
19112 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي =، عن سفيان، عن جابر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (وشهد شاهد من أهلها) ، قال: كان من خاصّة الملك.
19113 -.... وبه قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، سمع عكرمة يقول: (وشهد شاهد من أهلها) قال: ما كان بصبيّ، ولكن كان رجلا حكيمًا.
19114 - حدثنا سوّار بن عبد الله، قال، حدثنا عبد الملك بن الصباح، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، وذكره عنده: (وشهد شاهد من أهلها) فقالوا: كان صبيًّا. فقال: إنه ليس بصبي، ولكنه رجل حكيم (1) .
19115 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (وشهد شاهد من أهلها) قال: كان رجلا.
19116 - حدثنا ابن بشار، قال، حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان،
(1)
الأثر: 19114 - "عبد الملك بن الصباح المسمعي" ، ثقة / مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 354.

عن منصور، عن مجاهد: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل.
19117 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل.
19118 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل.
19119 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وشهد شاهد من أهلها) قال: ذو لحية.
19120 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: ابن عمها كان الشاهدَ من أهلها.
19121 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وشهد شاهد من أهلها) قال: ذو لحية.
19122 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ذو لحية.
19123 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا قيس، عن جابر، عن ابن أبي مليكة: (وشهد شاهد من أهلها) قال: كان من خاصة الملك.
19124 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل حكيم كان من أهلها.
19125 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل حكيم من أهلها.
19126 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (وشهد شاهد من أهلها) قال: كان رجلا.
19127 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أصحابه، عن الحسن، في قوله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: رجل له رأي أشارَ برأيه.
19128 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وشهد شاهد من أهلها) قال: يقال: إنما كان الشاهد مشيرًا، رجلا من أهل إطفير، وكان يستعين برأيه = إلا أنه قال: أشهد إن كان قميصه قدّ من قبل لقد صدقت وهو من الكاذبين.
* * *
وقيل: معنى قوله: (وشهد شاهد) : حكم حاكم.
19129 - حدثت بذلك عن الفراء، عن معلي بن هلال، عن أبي يحيى، عن مجاهد.
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بالشاهد، القميصَ المقدودَ.
* ذكر من قال ذلك:
19130 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وشهد شاهد من أهلها) قال: قميصُه مشقوق من دبر، فتلك الشهادة.
19131 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وشهد شاهد من أهلها) ، قميصُه مشقوق من دبر، فتلك الشهادة.
19132 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد: (وشهد شاهد من أهلها) لم يكن من الإنس.
19133 -.... قال: حدثنا حفص، عن ليث، عن مجاهد: (وشهد شاهد من أهلها) ، قال: كان من أمر الله، ولم يكن إنسيًا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، قول من قال: كان صبيًّا في المهد = للخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنه ذكر من تكلم في المهد. فذكر أنَّ أحدهم صاحب يوسف.
* * *
فأمّا ما قاله مجاهد من أنه القميص المقدود، فما لا معنى له ; لأن الله تعالى ذكره أخبر عن الشاهد الذي شهد بذلك أنه من أهل المرأة فقال: (وشهد شاهد من أهلها) ، ولا يقال للقميص هو من أهل الرجل ولا المرأة.
* * *
وقوله: (إن كان قميصه قُدّ من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين) ، لأن المطلوب إذا كان هاربًا فإنما يؤتى من قِبل دبره، فكان معلومًا أن الشق لو كان من قُبُل لم يكن هاربًا مطلوبًا. ولكن كان يكون طالبًا مدفوعًا، وكان يكون ذلك شهادة على كذبه.
19134 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال: أشهد إن كان قميصه قُدّ من قُبُل لقد صدقت وهو من الكاذبين. وذلك أن الرجل إنما يريد المرأة مقبلا = (وإن كان قميصه قُدّ مِن دُبر فكذبت وهو من الصادقين) وذلك أن الرجل لا يأتي المرأة من دُبر. وقال: إنه لا ينبغي أن يكون في الحقّ إلا ذاك. فلما رأى إطفير قميصَه قدَّ من دُبر عرف أنه من كيدها، فقال: (إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم) .
19135 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قال = يعني: الشاهدُ من أهلها =: القميصُ يقضي بينهما، (إن كان قميصه قدّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُدّ من دُبر فكذبت
وهو من الصادقين. فلما رأى قميصه قُد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم) .
* * *
قال أبو جعفر: وإنما حذفت "أنَّ" التي تتلقَّى بها "الشهادة" لأنه ذهب بالشهادة إلى معنى "القول" ، كأنه قال: وقال قائل من أهلها: إن كان قميصه = كما قيل: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ) [سورة النساء: 11] ، لأنه ذهب بالوصية إلى "القول" .
* * *
وقوله: (فلما رأى قميصه قدّ من دبر) ، خبر عن زوج المرأة، وهو القائل لها: إن هذا الفعل من كيدكن = أي: صنيعكن، يعني من صنيع النساء (1) = (إن كيدكن عظيم) .
* * *
وقيل: إنه خبر عن الشاهد أنه القائلُ ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) }
قال أبو جعفر: وهذا فيما ذكر عن ابن عباس، خبرٌ من الله تعالى ذكره عن قِيل الشاهد أنه قال للمرأة وليوسف.
* * *
يعني بقوله: (يوسف) يا يوسف = (أعرض عن هذا) ، يقول: أعرض عن ذكر ما كان منها إليك فيما راودتك عليه، فلا تذكره لأحد، (2) كما:-
(1)
انظر تفسير "الكيد" فيما سلف 15: 558، تعليق: 2 والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف 15: 407، تعليق: 1، والمراجع.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 08:51 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (863)
صــ 61 إلى صــ 70





19136 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (يوسف أعرض عن هذا) ، قال: لا تذكره، (واستغفري) أنت زوجك، يقول: سليه أن لا يعاقبك على ذنبك الذي أذنبتِ، وأن يصفح عنه فيستره عليك.
* * *
= (إنك كنت من الخاطئين) ، يقول: إنك كنت من المذنبين في مراودة يوسف عن نفسه.
* * *
يقال منه: "خَطِئ" في الخطيئة "يخطَأ خِطْأً وخَطَأً" (1) كما قال جل ثناؤه: (إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) [سورة الإسراء: 31] ، و "الخطأ" في الأمر.
وحكي في "الصواب" أيضًا "الصوابُ" ، و "الصَّوْبُ" ، (2) كما قال: الشاعر: (3)
لَعَمْرُكَ إِنَّمَا خَطَئِي وَصَوْبِي ... عَلَيَّ وَإِنَّ مَا أَهْلَكْتُ مَالُ (4)
وينشد بيت أمية:
عِبَادُكَ يُخْطِئُونَ وَأَنْتَ رَبٌّ ... بِكَفَّيْكَ الْمَنَايَا وَالْحُتُومُ (5)
(1)
انظر تفسير "خطئ" فيما سلف 2: 110 / 6: 143.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "أيضًا الصواب، والصوب" ، وكأن الصواب ما أثبت. وأخشى أن يكون: "والخطأ" و "الخطاء" في الأمر، وحكي في "الصواب ..." ، يعني المقصور والممدود.

(3)
هو أوس بن غلفاء.

(4)
نوادر أبي زيد: 47، طبقات فحول الشعراء: 140، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 241، اللسان (صوب) ، من أبيات يقولها لامرأته: أَلا قالَتْ أُمَامَةُ يَوْمَ غُوْلٍ: ... تَقَطَّعَ بِابنِ غَلْفاء الحِبالُ

ذَرِيني إنَّما خَطَئِي وصَوْبي ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَإِنْ تَرَنِي أُمَامَة قَلَّ مالِي ... وَأْلَهانِي عَنِ الغَزْوِ ابْتِذَالُ
فَقَدْ ألْهُو مَعَ النَّفَرِ النَّشَاوَى ... لِيَ النَّسَبُ المُوَاصَلُ والخِلالُ
(5)
ديوانه: 4، واللسان (خطأ) ، (حتم) ، وقبل البيت: سَلامَكَ رَبَّنا فِي كُلِّ فَجْرٍ ... بَرِيئًا ما تَلِيقُ بِكَ الذًّمُومُ

وبعده: غَدَاةَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ ... ألاَ يَاليْتَ أُمَّكُمُ عَقِيمُ
.ن خطئ الرجل.

* * *
وقيل: (إنك كنت من الخاطئين) ، لم يقل: من الخاطئات، لأنه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء، وإنما قصد به الخبر عمَّن يفعل ذلك فيخطَأ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وتحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز في مدينة مصر، وشاع من أمرهما فيها ما كان، فلم ينكتم، وقلن: (امرأة العزيز تراود فتاها) ، (1) عبدها (2) = (عن نفسه) ، كما:-
19137 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وشاع الحديث في القرية، وتحدث النساء بأمره وأمرها، وقلن: (امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) ، أي: عبدها.
* * *
وأما "العزيز" فإنه: "الملك" في كلام العرب، (3) ومنه قول أبي دؤاد:
دُرَّةٌ غَاصَ عَلَيْهَا تَاجِرٌ ... جُلِيَتْ عِنْدَ عَزِيزٍ يَوْمَ طَلِّ (4)
يعني بالعزيز، الملك، وهو من "العزّة" . (5)
* * *
(1)
انظر تفسير "المراودة" فيما سلف ص: 53، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الفتى" فيما سلف 8: 188.

(3)
هذا التفسير من عزيز اللغة، وليس في المعاجم، فليقيد في مكانه.

(4)
لم أجد البيت في مكان آخر.

(5)
انظر تفسير "العزة" فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) .

وقوله: (قد شغفها حبًّا) ، يقول قد وصل حبُّ يوسف إلى شَغَاف قلبها فدخل تحته، حتى غلب على قلبها.
* * *
و "شَغَاف القلب" : حجابه وغلافه الذي هو فيه، وإياه عنى النابغة الذبياني بقوله:
وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُونَ ذَلِكَ دَاخِلٌ ... دُخُولَ شَغَافٍ تَبْتَغِيهِ الأصَابِعُ (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19138 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة يقول في قوله: (شغفها حبًّا) قال: دخل حبه تحت الشَّغاف.
19139 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (قد شغفها حبًّا) ، قال: دخل حبه في شَغافها.
19140 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قد شغفها حبًّا) ، قال: دخل حبه في شَغافها.
(1)
ديوانه: 38، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 308، وغيرهما، مع اختلاف في روايته، وقبله: عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا ... وَقُلْتُ: أَلَمَّا تَصْحُ والشَّيْبُ وَازِعُ ?

و "الأصابع" يعني أصابع الأطباء. وجعله الطبري من "الشغاف" بالفتح، واللغويون يجعلونه من "الشغاف" (بضم الشين "، وهو داء يأخذ تحت الشراسيف من الشق الأيمن. وإذا اتصل بالطحال قتل صاحبه. وهذا أجود الكلاميين."
19141 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قد شغفها حبًّا) ، قال: كان حبه في شَغافها.
19142 -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث الحسن بن محمد، عن شبابة.
19143 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قد شغفها حبًّا) ، يقول: عَلَّقها حبًّا.
19144 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (قد شغفها حبًّا) ، قال: غَلَبها.
19145 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن أبيه عن أيوب بن عائذ الطائي عن الشعبي: (قد شغفها حبًّا) ، قال: "المشغوف" : المحب، و "المشعوف" ، (1) المجنون. (2)
19146 -.... وبه قال، حدثنا أبي، عن أبي الأشهب، عن أبي رجاء والحسن: (قد شغفها حبًّا) ، قال أحدهما: قد بَطَنَها حبًّا. وقال الآخر: قد صَدَقها حبًّا.
19147 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (قد شغفها حبا) ، قال: قد بطنَها حبًّا = قال يعقوب: قال أبو بشر: أهل المدينة يقولون: "قد بَطَنها حبًّا" .
19148 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن
(1)
"المشعوف" ، بالعين المهملة، وكان في المطبوعة بالغين المعجمة، وهو خطأ. وأراد الشعبي أن يفرق بينهما.

(2)
الأثر: 19145 - "أيوب بن عائذ المدلجي الطائي" ، ثقة، مضى برقم: 10338، 10339

الحسن، قال: سمعته يقول في قوله: (قد شغفها حبا) ، قال: بَطنَها حبًّا. وأهل المدينة يقولون ذلك.
19149 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن قرة، عن الحسن: (قد شغفها حبًّا) ، قال: قد بَطَن بها حبًّا. (1)
19150 - حدثنا الحسن، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن: (قد شغفها حبًّا) ، قال: بَطَنها حبه.
19151 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة. عن الحسن: (قد شغفها حبًّا) ، قال: بطَن بها.
19152 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (قد شغفها حبًّا) ، قال: استبطنها حبها إياه.
19153 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قد شغفها حبًّا) ، أي: قد عَلَّقها.
19154 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد: (قد شغفها حبًّا) ، قال: قد عَلَّقَها حبًّا.
19155 - حدثنا بن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: هو الحب اللازق بالقلب.
19156 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، في قوله: (قد شغفها حبًّا) ، يقول: هلكت عليه حبًّا، و "الشَّغَاف" : شَغَاف القلب.
19157 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا
(1)
في المخطوطة: "بطن لها" ، وانظر رقم: 19151.

أسباط، عن السدي: (قد شغفها حبًّا) ، قال: و "الشَّغاف" : جلدة على القلب يقال لها ": لسان القلب" ، (1) يقول: دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب.
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الأمصار بالغين: (قَدْ شَغَفَهَا) ، على معنى ما وصفت من التأويل.
* * *
وقرأ ذلك أبو رجاء: "قَدْ شَعَفَهَا" بالعين. (2)
19158 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو قطن، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن أبي رجاء: "قَدْ شَعَفَهَا" .
19159 -.... قال: حدثنا خلف، قال: حدثنا هشيم، عن أبي الأشهب، أو عوف عن أبي رجاء: "قَدْ شَعَفَهَا حُبًّا" ، بالعين.
19160 -.... قال: حدثنا خلف، قال: حدثنا محبوب، قال: قرأه عوف: "قَدْ شَعَفَهَا" .
19161 -.... قال: حدثنا عبد الوهاب، عن هارون، عن أسيد، عن الأعرج: "قَدْ شَعَفَهَا حُبًّا" ، وقال: شَعَفَهَا إذا كان هو يحبها.
* * *
ووجَّه هؤلاء معنى الكلام إلى أنَّ الحبَّ قد عمَّها.
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: هو من قول القائل:
(1)
هكذا في المطبوعة والمخطوطة، وأنا أرجح أن الصواب "لباس القلب" ، لأنهم قالوا في شرح اللفظ: "الشغاف: غلاف القلب، وهو جلدة دونه كالحجاب، وسويداؤه" ، وقالوا "هو غشاء القلب" وقال أبو الهيثم: "يقال لحجاب القلب، وهي شحمة تكون لباسًا للقلب الشغاف" .

(2)
هكذا في المخطوطة: "شعفها" ، وظني أن الصواب: "شغف بها، إذا كان هو يحبها" ، وذلك بالبناء للمجهول، أما هذا الذي قاله، فمما لا يعرف.

"قد شُعفَ بها" ، كأنه ذهب بها كل مَذهب، من "شَعَف الجبال" ، وهي رؤوسها.
* * *
وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: "الشغف" ، شغف الحب = و "الشعف" ، شعف الدابة حين تذعر.
19162 - حدثني بذلك الحارث، عن القاسم، أنه قال: يروى ذلك عن أبي عوانة، عن مغيرة عنه.
= قال الحارث: قال القاسم، يذهب إبراهيم إلى أن أصل "الشَّعَف" ، هو الذعر. قال: وكذلك هو كما قال إبراهيم في الأصل، إلا أن العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها ; قال امرؤ القيس:
أَتَقْتُلُنِي وَقَدْ شَعَفْتُ فُؤَادَهَا ... كَمَا شَعَفَ المَهْنُوءَة الرَّجُلُ الطَّالِي (1)
قال: و "شعف المرأة" من الحبّ، و "شعف المهنوءة" من الذعر، فشبه لوعة الحب وجَوَاه بذلك.
* * *
وقال ابن زيد في ذلك ما: -
19163 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قد شغفها حبًّا) قال: إن "الشغف" و "الشعف" ، مختلفان،
(1)
ديوانه: 142، واللسان "شعف" ، وغيرها، من قصيدة البارعة، يقول وقد ذكر صاحبته وبعلها: فَأَصْبحْتُ مَعْشُوقًا وَأَصْبَحَ بَعْلُها ... عَلَيْه القَتامُ سَيِّءَ الظَّنِّ وَالبالِ

يَغِط غَطِيطَ البَكْرِ شُدَّ خِناقُهُ ... لِيَقْتُلَنِي، والمرْءُ لَيْسَ بقَتَّالِ
أَيَقْتُلَني والمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي ... وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيابِ أَغْوَالِ
ولَيْسَ بذي رُمْحٍ فَيَطْعُنُني بهِ ... وَلَيْسَ بِذي سَيْفٍ، ولَيْسَ بِنَبَّالِ
أيقتُلَني أنِّي شعفتُ فُؤَادها ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَقَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى، وإنْ كانَ بَعلَها ... بِأَنَّ الفَتَى يَهْذِي ولَيْسَ بفَعَّال
و "الشعف" ، في البغض = و "الشغف" في الحب.
* * *
وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له، لأن "الشعف" في كلام العرب بمعنى عموم الحب، أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندنا من القراءة: (قَدْ شَغَفَهَا) ، بالغين، لإجماع الحجة من القرأة عليه.
* * *
وقوله: (إنا لنراها في ضلال مبين) ، قلن: إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه، وغلبة حبه عليها، لفي خطأ من الفعل، وجَوْر عن قصد السبيل = "مبين" ، لمن تأمله وعلمه أنه ضلال، وخطأ غير صواب ولا سداد. (1) وإنما كان قيلهنّ ما قلن من ذلك، وتحدُّثهن بما تحدَّثن به من شأنها وشأن يوسف، مكرًا منهن، فيما ذكر، لتريَهُنَّ يوسف.
* * *
(1)
انظر تفسير "الضلال" و "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) ، (بين) .

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عز وجل عنهن =
* * *
وكان مكرهنَّ ما: -
19164 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (فلما سمعت بمكرهن) ، يقول: بقولهن.
19165 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما أظهر النساء ذلك، من قولهن ": تراود عبدها!" مكرًا بها لتريهن يوسف، وكان يوصف لهن بحُسنه وجماله ; (فلما سمعت بمكرهن (1) أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ) .
19166 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فلما سمعت بمكرهن) :، أي بحديثهن، (= أرسلت إليهن) ، يقول: أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف.
* * *
(وأعتدت) ، "أفعلت" من العتاد، وهو العدَّة، (2) ومعناه: أعدّت لهن = "متكأ" ، يعني: مجلسًا للطعام، وما يتكئن عليه من النمارق والوَسائد:
* * *
= وهو "مفتعل" من قول القائل: "اتَّكأت" ، يقال: "ألق له مُتَّكأ" ، يعني: ما يتكئ عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19167 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن اليمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد: (وأعتدت لهن متكأ) قال: طعامًا وشرابًا ومتكأ.
19168 -.... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: يتكئن عليه.
(1)
انظر تفسير "المكر" فيما سلف 15: 49، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "أعتد" فيما سلف 8: 103، 355 / 9: 353، 392.

19169 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية عن علي، عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: مجلسًا.
19170 -.... قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي الأشهب، عن الحسن أنه كان يقرأ: (مُتَّكَآءً) ، ويقول: هو المجلس والطعام. (1)
19171 -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد: من قرأ: "مُتْكَأً" ، خفيفة، يعني طعامًا. ومن قرأ (مُتَّكَأً) ، يعني المتكأ.
* * *
فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه تأويل هذه الكلمة، هو معنى الكلمة، وتأويل "المتكأ" ، وأنها أعدّت للنسوة مجلسًا فيه متكأ وطعام وشراب وأترج. ثم فسر بعضهم "المتكأ" بأنه الطعام على وجه الخبر عن الذي أعدّ من أجله المتكأ = وبعضهم عن الخبر عن الأترج. إذ كان في الكلام: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، لأن السكين إنما تعد للأترج وما أشبهه مما يقطع به = وبعضهم على البزماورد.
19172 - حدثني هارون بن حاتم المقرئ، قال: حدثنا هشيم بن الزبرقان، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: البزماورد.
* * *
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: "المتكأ" : هو النُّمْرُق يتكأ عليه. وقال: زعم قوم أنه الأترج. قال: وهذا أبطل باطل في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع "المتكأ" أترج يأكلونه. (2)
* * *
(1)
قراءة الحسن بالمد، آخره همز، ذكر هذه القراءة ابن خالويه في شواذ القراءات ص: 63 عن الحسن، وذكرها أبو حيان في تفسيره 5: 302، ونسبها إلى الحسن وابن هرمز، وقال: "بالمد والهمز. وهي مفتعل، من الاتكاء، إلا أنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف كما قالوا" : وَأَنْتَ مِنَ الغَوَائِل حَيْثُ تُرْمَى ... ومِنْ ذَمِّ الرِّجالِ بِمُنْتَزَاحِ

أي: بمنتزح، فأشبع.
(2)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 309.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 08:54 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (864)
صــ 71 إلى صــ 80





وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة، ثم قال: والفقهاء أعلم بالتأويل منه. ثم قال: ولعله بعضُ ما ذهب من كلام العرب، فإنّ الكسائي كان يقول: قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله.
* * *
قال أبو جعفر: والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة، كما قال أبو عبيد لا شك فيه، غير أن أبا عبيدة لم يُبْعد من الصواب في هذا القول، بل القول كما قال: مِن أن مَن قال للمتكأ: هو الأترج، إنما بيَّن المعدَّ في المجلس الذي فيه المتكأ، والذي من أجله أعطين السكاكين، لأن السكاكين معلومٌ أنها لا تعدُّ للمتكأ إلا لتخريقه! (1) ولم يعطين السكاكين لذلك.
* * *
ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، من أن "المتكأ" هو المجلس.
ثم رُوي عن مجاهد عنه، ما: -
19173 - حدثني به سليمان بن عبد الجبار، قال، حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، قال: أعطتهن أترجًّا، وأعطت كل واحدة منهن سكّينًا.
* * *
فبيّن ابن عباس في رواية مجاهد هذه، ما أعطت النسوة، وأعرض عن ذكر بيان معنى "المتكأ" ، إذ كان معلومًا معناه.
* * *
* ذكر من قال في تأويل "المتكأ" ما ذكرنا:
19174 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: التُّرُنْج.
19175 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم،
(1)
يقول: إلا إذا أعطين السكاكين لكي يمزقن النمارق والوسائد، وهي المتكأ.

عن عوف، قال: حدثت عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: "مُتْكًا" مخففة، ويقول: هو الأترُجّ.
19176 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: "وأعتدت لهن متكأ" ، قال الطعام.
19177 - حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: طعامًا.
19178 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.
19179 - حدثنا ابن بشار وابن وكيع، قالا حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وأعتدت لهن مُتَّكأ) ، قال: طعامًا.
19180 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، نحوه.
19181 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: من قرأ (مُتَّكَأ) فهو الطعام، ومن قرأها "مُتْكًأ" فخففها، فهو الأترجّ.
19182- حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (متكأ) ، قال: طعامًا
19183- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19184 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
19185 - وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19186 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو خالد القرشي، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: من قرأ: "مُتْكًا" ، خفيفة، فهو الأترجّ.
19187 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، بنحوه.
19188 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن ليث، قال سمعت بعضهم يقول: الأترج.
19189 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وأعتدت لهن متكأ) :، أي طعامًا.
19190 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
19191 -.... قال: حدثنا يزيد، عن أبي رجاء، عن عكرمة، في قوله: (متكأ) ، قال: طعامًا.
19192 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكًا) ، يعني الأترج.
19193 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وأعتدت لهن متكأ) ، والمتكأ، الطعام.
19194 -.... قال: حدثنا جرير عن ليث، عن مجاهد: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: الطعام.
19195 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وأعتدت لهن متكأ) ، قال: طعامًا.
19196 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مُتَّكَأً) ، فهو كل شيء يجزّ بالسكين.
* * *
قال أبو جعفر: قال الله تعالى ذكره، مخبرًا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدَّثن بشأنها في المدينة: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، يعني بذلك جل ثناؤه: وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها، سكينًا لتقطع به من الطعام ما تقطع به. وذلك ما ذكرت أنَّها آتتهن إما من الأترج، وإما من البزماورد، أو غير ذلك مما يقطع بالسكين، كما:-
19197 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، وأترجًّا يأكلنه.
19198 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، قال: أعطتهن أترجًّا، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا.
19199 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا) ، ليحتززن به من طعامهنّ.
19200 - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وآتت كل واحدة منهن سكينا) ، وأعطتهن تُرنجًا وعسلا فكن يحززن الترنج بالسكين، ويأكلن بالعسل.
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذه الكلمة بيانُ صحة ما قلنا واخترنا في قوله
(1)
(وأعتدت لهن متكأ) . وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوةَ السكاكينَ، وترك ما لَهُ آتتهن السكاكين، إذ كان معلومًا أن السكاكين لا تدفع إلى من دعي إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل إذا قطع بها. فاستغني بفهم السامع بذكر إيتائها صواحباتها السكاكين، عن ذكر ما له آتتهن ذلك. فكذلك استغني بذكر اعتدادها لهنّ المتكأ، عن ذكر ما يعتدُّ له المتكأ مما يحضر المجالس من الأطعمة والأشربة والفواكه وصنوف الالتهاء ; لفهم السامعين بالمراد من ذلك، ودلالة قوله: (وأعتدت لهن متكأ) ، عليه. فأما نفس "المتكأ" فهو ما وصفنا خاصةً دون غيره.

* * *
وقوله: (وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه) ، يقول تعالى ذكره: وقالت امرأة العزيز ليوسف: (اخرج عليهن) ، فخرج عليهن يوسف = (فلما رأينه أكبرنه) ، يقول جل ثناؤه: فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللْنه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19201 - حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أكبرنه) ، أعظمنه.
19202 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
19203 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
(1)
في المطبوعة: "وأخبرنا في قوله" ، لم يحسن قراءة المخطوطة.

19204 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلما رأينه أكبرنه) :، أي: أعظمنه.
19205 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وقالت اخرج عليهن) ، ليوسف = (فلما رأينه أكبرنه) :، عظَّمنه.
19206 - حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي، قال: حدثنا علي بن عابس، قال: سمعت السدي يقول في قوله: (فلما رأينه أكبرنه) ، قال: أعظمنه. (1)
19207 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (اخرج عليهن) ، فخرج، فلما رأينه أعظمنه وبُهِتن.
19208 - حدثنا إسماعيل بن سيف. قال: حدثنا عبد الصمد بن علي الهاشمي، عن أبيه، عن جده، في قوله: (فلما رأينه أكبرنه) ، قال: حِضْن. (2)
19209 - حدثنا علي بن داود، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: (فلما رأينه أكبرنه) ، يقول: أعظمنه.
19210 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول = أعني القول الذي روي عن عبد الصمد، عن أبيه، عن جده، في معنى (أكبرنه) ، أنه حِضْن = إن لم يكن عَنَى به أنهن حضن من إجلالهن يوسف وإعظامهن لما كان الله قسم له من البهاء والجمال، ولما يجد من مثل ذلك النساءُ عند معاينتهن إياه = فقولٌ لا معنى له. لأن
(1)
الأثر: 19206 - "إسماعيل بن سيف العجلي" ، شيخ برقم الطبري مضى: 3843، وذكر أخي هناك أنه لم يجد له ترجمة، وظنه "إسماعيل بن سيف، أبو إسحاق" ، بل قطع بذلك. والله أعلم.

و "علي بن عابس الأسدي" ، ضعيف، مضى برقم: 11233.
(2)
الأثر: 19208 - "إسماعيل بن سيف العجلي" ، انظر رقم: 19206

و "عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي" ، كان أميرًا بمكة، وذكره العقيلي في الضعفاء. مترجم في ميزان الاعتدال 2: 132، ولسان الميزان 4: 21.
تأويل ذلك: فلما رأين يوسف أكبرنه، فالهاء التي في "أكبرنه" ، من ذكر يوسف، ولا شك أن من المحال أن يحضنَ يوسف. ولكن الخبر، إن كان صحيحًا عن ابن عباس على ما روي، فخليقٌ أن يكون كان معناه في ذلك أنهن حضن لِمَا أكبرن من حسن يوسف وجماله في أنفسهن، ووجدن ما يجد النساء من مثل ذلك.
* * *
وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في "أكبرن" بمعنى حضن، بيتًا لا أحسب أنَّ له أصلا لأنه ليس بالمعروف عند الرواة، وذلك:
نَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلا ... نَأْتِي النِّسَاءَ إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارَا (1)
وزعم أن معناه: إذا حضن (2) .
* * *
وقوله: (وقطعن أيديهن) ، اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: أنهن حَززن بالسكين في أيديهن، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترُجّ.
* ذكر من قال ذلك:
19211 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وقطعن أيديهن) ، حزًّا حزًّا بالسكين.
19212 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقطعن أيديهن) ، قال: حزًّا حزًّا بالسكاكين.
(1)
لسان العرب (كبر) .

(2)
ذكر أبو منصور الأزهري، عن أبي الهيثم أنه قال: "سألت رجلا من طيئ فقلت: يا أخا طيئ، ألك زوجة؟ قال: لا والله ما تزوجت، وقد وعدت في ابنة عم لي. قلت: ما سنها؟ قال: قد أكبرت = أو: كبرت = قلت: ما أكبرت؟ قال: حاضت" . قال: الأزهري: "وإن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى الحيض، فلها مخرج حسن. وذلك أن المرأة أول ما تحيض فقد خرجت من حد الصغر إلى حد الكبر، فقيل لها: أكبرت، أي: حاضت فدخلت في حد الكبر الموجب عليها الأمر والنهي."

19213 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
19214 -.... قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقطعن أيديهن) ، قال: حزًّا حزًّا بالسكين.
19215 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وقطعن أيديهن) قال: جعل النسوة يحززن أيديهن، يحسبن أنهن يقطعن الأترج.
19216 - حدثنا إسماعيل بن سيف، قال: حدثنا علي بن عابس، قال: سمعت السدي يقول: كانت في أيديهن سكاكين مع الأترج، فقطعن أيديهنّ، وسالت الدماء، فقلن: نحن نلومك على حبّ هذا الرجل، ونحن قد قطعنا أيدينا وسالت الدماء!
19217 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: جعلن يحززن أيديهن بالسكين، ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج، قد ذهبت عقولهن مما رأين!
19218 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقطعن أيديهن) ، وحززن أيديهن.
19219 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: جعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج.
19220 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وقطعن أيديهن) ، قال: جعلن يحززن أيديهن، ولا يشعرن بذلك.
19221 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت ليوسف: (اخرج عليهن) ، فخرج عليهن = (فلما رأينه أكبرنه) ، وغلبت عقولهن عجبًا حين رأينه، فجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن، ما يعقلن شيئًا مما يصنعن = (وقلن حاش لله ما هذا بشرًا) .
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهن قطعن أيديهن حتى أبنَّها، وهن لا يشعرن.
* ذكر من قال ذلك:
19222 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينَها.
19223 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (وقطعن أيديهن) ، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عنهن أنهن قطَّعن أيديهن وهن لا يشعرن لإعظام يوسف، وجائز أن يكون ذلك قطعًا بإبانة = وجائز أن يكون كان قطع حزّ وخدش = ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنزيل.
* * *
19224 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. (1)
(1)
الآثار 19224 - 19227 - حديث موقوف صحيح الإسناد، خرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 17 من طرق وبألفاظ مختلفة، وخرجه الهيثمي بهذا اللفظ، في مجمع الزوائد 8: 203. وبغير هذا اللفظ مطولا. وقال: "رواه الطبراني موقوفًا، ورجاله رجال الصحيح" ثم ذكر هذا المختصر، فقال: رواه الطبراني، والظاهر أنه وهم ". وذلك أن نص الأول المطول:" أعطى يوسف وأمه ثلثي حسن الناس "."

19225 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، مثله.
19226 -.... وبه عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قسم ليوسف وأمه ثلث الحسن.
19227 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الخلق.
19228 - حدثني أحمد بن ثابت، وعبد الله بن محمد الرازيّان، قالا حدثنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطي يوسف وأمه شَطْرَ الحسن (1) .
19229 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبي معاذ، عن يونس، عن الحسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطي يوسف وأمه ثلث
(1)
الأثر: 19228 - "أحمد بن ثابت بن عتاب الرازي" ، "فرخويه" ، شيخ الطبري كذاب، مضى برقم: 2055.

و "عبد الله بن محمد الرازي" ، شيخ الطبري، لم أعرفه، وفي التاريخ: "حدثني عبد الله بن محمد، وأحمد بن ثابت الشيان.." ، ولا أدري ما هذا؟
و "عفان" ، هو "عفان بن مسلم الصفار" ، ثقة من شيوخ أحمد والبخاري، مضى برقم: 5392، أخرج له الجماعة.
و "حماد بن سلمة" ، ثقة، مضى مرارًا.
و "ثابت" هو "ثابت بن أسلم الناني" تابعي ثقة، مضى مرارًا.
وهذا خبر صحيح الإسناد، ولا يضره كذب "أحمد بن ثابت" ، فالثقات قد رووه، رواه أحمد في مسنده 3: 286، عن عفان نفسه، بهذا اللفظ.
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 570، من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، ومحمد بن غالب بن حرب، وإسحاق بن الحسن بن ميمون، جميعًا عن عفان بن مسلم. بمثله، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.
ورواه الطبري في تاريخه من هذا الطريق نفسه 1: 173.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 08:57 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (865)
صــ 81 إلى صــ 90





حُسن أهل الدنيا، وأعطي الناس الثلثين = أو قال: أعطي يوسف وأمه الثلثين، وأعطي الناس الثلث.
19230 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي =، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن، والنصف الآخر بين سائر الخلق.
19231 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين: فقسم ليوسف وأمه النصف، والنصف لسائر الناس.
19232 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين، فجعل ليوسف وسارَة النصف، وجعل لسائر الخلق نصف. (1)
19233 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الحسن: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا، وأعطي الناس الثلثين.
* * *
وقوله: (وقلن حاش لله) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الكوفيين: (حَاشَ لِلّهِ) بفتح الشين وحذف الياء.
* * *
وقرأه بعض البصريين بإثبات الياء "حَاشَى لله" .
* * *
(1)
الآثار: 19230 - 19232 - "ربيعة الجرشي" ، مختلف في اسم أبيه، وفي صحبته. فقيل في اسم أبيه "ربيعة بن عمرو" ، و "ربيعة بن الغاز" ، انظر ترجمته في الإصابة، والكبير للبخاري 2 / 1 / 256، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 472، وابن سعد في الطبقات 7 / 2 / 150، وقال: "وفي بعض الحديث أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، قال: وكان ثقة، وقتل يوم مرج راهط في ذي الحجة سنة 64" .

وفيه لغات لم يقرأ بها: "حَاشَى اللهِ" ، كما قال الشاعر: (1)
حَاشَى أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ ... ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ وَالشَّتْمِ (2)
* * *
وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة: "حَشَى اللهَ" ، و "حاشْ اللهَ" ، (3) بتسكين الشين والألف، يجمع بين الساكنين.
* * *
وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الأوليين، فمن قرأ: (حَاشَ لله) بفتح الشين وإسقاط الياء، فإنه أراد لغة من قال: "حاشى لله" ، بإثبات الياء، ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب، كما حذفت العرب الألف من قولهم: "لا أب لغيرك" ، و "لا أب لشانيك" ، وهم يعنون: "لا أبا لغيرك" . و "لا أبا لشانيك" .
* * *
(1)
هو الجميح، منقد بن الطماح الأسدي، ونسب لسبرة بن عمرو الأسدي.

(2)
المفضليات 718، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 310، والخزانة 2: 150، والعيني (بهامش الخزانة) 4: 129، واللسان (حشى) في موضعين، بروايتين، وهو من شعر له هجا فيه بني رواحه بن قطيعة بن عبس، ويستثنى منهم عمرو بن عبد الله أبا ثوبان، يقول: وَبَنُو رَوَاحَةَ يَنْظُرُونَ إذَا ... نَظَرَ النَّدِيُّ بِآنُفٍ خُثْمِ

حَاشَا أبِي ثَوْبَانَ إنّ أبَا ... ثَوْبَان لَيْسَ بِبُكْمَةٍ فَدْمِ
عَمْرُو بنَ عَبْدِ اللهِ إنَّ بِهِ ... ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ والشَّتْمِ
وخلط في الشعر أبو عبيدة وغيره، وفي المخطوطة "أبي ثروان" ، وفي اللسان في أحد الموضعين "أبي مروان" ، كأنه نقل محرف عن رواية "ثروان" ، إن صحت، رواه المفضل "حاشى أبا ثوبان" بالنصب.
و "الندى" المجلس، واراد أهله. و "الآنف" جمع "أنف" ، "الخثم" جمع "أخثم" ، وهو الأنف العظيم الكثير اللحم، ليس برقيق ولا أشم، وهو ذم.
و "البكمة" ، الأبكم، و "الفدم" العيي الثقيل الفهم. و "الملحاة" مصدر ميمي من "لحوت الرجل ولحيته" ، إذا ألححت عليه باللائمة، وكأنه يعني المشاغبة.
(3)
في المطبوعة، أسقط "حشى الله" ، وأثبتها منها.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أن لقولهم: "حاشى لله" ، موضعين في الكلام:
أحدهما: التنزيه.
والآخر: الاستثناء. وهو في هذا الموضع عندنا بمعنى التنزيه لله، كأنه قيل: معاذ الله.
* * *
قال أبو جعفر: وأما القول في قراءة ذلك. فإنه يقال: للقارئ الخيار في قراءته بأي القراءتين شاء، إن شاء بقراءة الكوفيين، وإن شاء بقراءة البصريين، وهو: (حَاشَ لله) و "حَاشَى لله" ، لأنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنى واحد، وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها، لأنا لا نعلم قارئًا قرأ بها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19234 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقلن حاش لله) ، قال: معاذ الله.
19235 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (حاش لله) ، معاذ الله.
19236 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقلن حاش لله) : معاذ الله.
19237 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (حاش لله) : معاذ الله.
19238 -.... قال: حدثنا عبد الوهاب، عن عمرو، عن الحسن: (حاش لله) : معاذ الله.
19239 - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
وقوله: (ما هذا بشرًا) ، يقول: قلن ما هذا بشرًا، لأنهن لم يرين في حسن صورته من البشر أحدًا، فقلن: لو كان من البشر، لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر، ولكنه من الملائكة لا من البشر، كما:-
19240 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وقلن حاش لله ما هذا بشرا) : ما هكذا تكون البشر!
* * *
وبهذه القراءة قرأ عامة قرأة الأمصار. وقد: -
19241 - حدثت عن يحيى بن زياد الفراء، قال: حدثني دعامة بن رجاء التيمي = وكان غَزَّاءً (1) = عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأ: "ما هذا بِشِرًى" ، أي ما هذا بمشتري. (2)
* * *
= يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثلُه مستعبدًا يشترى ويُبَاع.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها، لإجماع قرأة الأمصار على خلافها. وقد بينا أن ما أجمعت عليه، فغير جائز خلافُها فيه.
* * *
وأما "نصب" البشر، فمن لغة أهل الحجاز إذا أسقطوا "الباء" من الخبر نصبوه، فقالوا: "ما عمرو قائمًا" . وأما أهل نجد، فإن من لغتهم رفعه، يقولون: "ما عمرو قائم" ; ومنه قول بعضهم حيث يقول:
(1)
كان في المطبوعة: "غرا" ، والصواب ما أثبت، وهو كذلك في معاني القرآن.

(2)
الأثر: 19241 - هو في معاني القرآن للفراء في تفسير الآية.

(1)

لَشَتَّانَ مَا أَنْوِي وَيَنْوِي بَنُو أَبِي ... جَمِيعًا، فَمَا هَذَانِ مُسْتَوِيَانِ ... تَمَنَّوْا لِيَ المَوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى ... وَكُلُّ فَتًى وَالمَوْتُ يَلْتَقِيَانِ (2)
وأما القرآن، فجاء بالنصب في كل ذلك، لأنه نزل بلغة أهل الحجاز.
* * *
وقوله: (إن هذا إلا مَلَك كريمٌ) ، يقول: قلن ما هذا إلا ملك من الملائكة، كما: -
19242 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (إن هذا إلا ملك كريم) ، قال: قلن: ملك من الملائكة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن، فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه، وفي نظرة منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وعُزوب الفهم وَلَهًا، ألِهتُنّ حتى قطعتن أيديكن، (3) هو الذي لمتنني في حبي إياه، وشغف فؤادي به، فقلتنّ: قد شغف امرأة العزيز فتاها حُبًّا، إنا لنراها في ضلال مبين! ثم أقرّت لهن بأنها قد راودته عن نفسه،
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
رواهما الفراء في معاني القرآن، في تفسير الآية.

(3)
في المطبوعة: "وغروب الفهم ولها إليه حتى قطعتن.." ، وأثبت الصواب من المخطوطة. و "عزوب الفهم" ، ذهابه. يقال: "عزب عنه حلمه يعزب عزوبًا" ، ذهب. وقوله: "ألهتن" من "أله يأله ألهًا" ، إذا تحير، وأصله "وله، يوله، ولهًا" ، بمعنى واحد، وإنما قلبت الواو همزة.

وأن الذي تحدثن به عنها في أمره حق (1) فقالت: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) ، مما راودته عليه من ذلك (2) كما: -
19243 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قالت: (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) :، تقول: بعد ما حلّ السراويل استعصى، لا أدري ما بَدَا له.
19244 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فاستعصم) ، أي: فاستعصى.
19245 - حدثني علي بن داود، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (فاستعصم) ، يقول: فامتنع.
* * *
وقوله: (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونًا من الصاغرين) ، تقول: ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه = (ليسجنن) ، تقول: ليحبسن (3) = وليكونًا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن، ولأهينَنَّه (4)
* * *
والوقف على قوله: "ليسجنن" ، بالنون، لأنها مشددة، كما قيل: (لَيُبَطِّئَنَّ) ، [سورة النساء: 72]
* * *
وأما قوله: (وليكونًا) فإن الوقف عليه بالألف، لأنها النون الخفيفة، وهي شبيهةُ نون الإعراب في الأسماء في قول القائل: "رأيت رجلا عندك" ، فإذا وقف على "الرجل" قيل: "رأيتُ رجلا" ، فصارت النون ألفًا. فكذلك ذلك في: "وليكونًا" ، ومثله قوله: (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ) ، [سورة العلق: 15، 16] الوقف عليه بالألف لما ذكرت ; ومنه قول الأعشي:
(1)
انظر تفسير "المراودة" فيما سلف ص: 62، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "العصمة" فيما سلف 15: 331، تعليق 2:، ولمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "السجن" فما سلف ص: 52. ""

(4)
انظر تفسير "الصغار" فيما سلف 14: 200، تعليق: 2، والمراجع هناك.

وَصَلِّ عَلَى حَينِ العَشَيَّاتِ والضُّحَى ... وَلا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا (1)
وإنما هو: "فاعبدن" ، ولكن إذا وقف عليه كان الوقف بالألف.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) }
قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله يدلُّ على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه، وتوعَّدته بالسّجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ; لأنها لو لم تكن عاودته وتوعَّدته بذلك، كان محالا أن يقول: (ربّ السجن أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه) ، وهو لا يدعَى إلى شيء، ولا يخوَّف بحبس.
* * *
و "السجن" هو الحبس نفسه، وهو بيت الحَبْس.
* * *
وبكسر السين قرأه قرأة الأمصار كلها. والعرب تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال (2) . فتقول: "طلعت الشمس مطلعًا، وغربت مغربًا" ،
(1)
ديوانه: 103، وغيره كثير، قاله عند إقباله على الإسلام، ثم مات ميتة جاهلية والخبر مشهور، ورواية ديوانه: وَذَا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ ... وَلا تَعْبُدِ الأَوْثَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا

وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ والضُّحَى ... وَلا تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فاحْمَدا
وهي أجود الروايتين.
(2)
"الأفعال" يعني "المصادر" ، وانظر ما سلف من فهارس المصطلحات.

فيجعلونها، وهي أسماء، خلفًا من المصادر، فكذلك "السجن" ، فإذا فتحت السين من "السَّجن" كان مصدرًا صحيحًا.
* * *
وقد ذكر عن بعض المتقدمين أنه يقرأه: "السَّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ" ، بفتح السين. ولا أستجيز القراءة بذلك، لإجماع الحجة من القرأة على خلافها.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: قال يوسف: يا رب، الحبس في السجن أحبُّ إليَّ مما يدعونني إليه من معصيتك، ويراودنني عليه من الفاحشة، كما: -
19246 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه) : من الزنا.
19247 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف، وأضاف إلى ربه، واستغاثه على ما نزل به (1) (رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه) ، أي: السجن أحبّ إليّ من أن آتي ما تكره.
* * *
وقوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن) ، يقول: وإن لم تدفع عني، يا رب، فعلهن الذي يفعلن بي، في مراودتهن إياي على أنفسهن (2) = "أصب إليهن" ، يقول: أمِلْ إليهن، وأتابعهن على ما يُرِدن مني ويهوَيْن.
* * *
= من قول القائل: "صَبا فلان إلى كذا" ، ومنه قول الشاعر:
(1)
في المخطوطة: "وأحاف إلى ربه واستغاثه" ، والصواب في الأولى ما في المطبوعة، وفي المطبوعة "استعانه" ، فأثبت ما في المخطوطة. "أضاف إلى ربه" ، خاف وأشفق، فلجأ إليه مستجيرًا به.

(2)
انظر تفسير "الصرف" فيما سلف ص: 49، تعليق 1:، والمراجع هناك.

= وتفسير "الكيد" فيما سلف ص: 60، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(1)

إِلَى هِنْدٍ صَبَا قَلْبِي ... وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
19248 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (أصب إليهن) ، يقول: أتابعهن.
19249 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإلا تصرف عني كيدهن) ، أي: ما أتخوَّف منهن = (أصب إليهن) .
19250 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) ، قال: إلا يكن منك أنت العون والمنعة، لا يكن منّي ولا عندي.
* * *
وقوله: (وأكن من الجاهلين) ، يقول: وأكن بصبوتي إليهن، من الذين جهلوا حقك، وخالفوا أمرك ونهيك، (3) كما: -
19251 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وأكن من الجاهلين) ، أي: جاهلا إذا ركبت معصيتك.
* * *
(1)
هو يزيد بن ضبة الثقفي "."

(2)
الأغاني 7: 102 (دار الكتب) ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 311، من أبيات له هو مطلعها، وبعده: وهِنْدٌ غَادَةٌ غَيْدَا ... ءُ مِنْ جُرْثُومَةٍ غُلْبِ

وَمَا إنْ وَجَدَ النَّاسُ ... مِنَ الأدْوَاءِ كالحُبِّ.
(3)
انظر تفسير "الجهل" فيما سلف 13: 332، تعليق: 1، 2، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) }
قال أبو جعفر: إن قال قائل: وما وجه قوله: (فاستجاب له ربه) ، ولا مسألةَ تقدَّمت من يوسف لربّه، ولا دعا بصَرْف كيدهنَّ عنه، وإنما أخبر ربه أن السجن أحب إليه من معصيته؟
قيل: إن في إخباره بذلك شكايةً منه إلى ربه مما لقي منهنَّ، وفي قوله: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن) ، معنى دعاءٍ ومسألةٍ منه ربَّه صرفَ كيدهِنَّ، ولذلك قال الله تعالى ذكره: (فاستجاب له ربه) ، وذلك كقول القائل لآخر: "إن لا تزرني أهنك" ، فيجيبه الآخر: "إذن أزورَك" ، لأن في قوله: "إن لا تزرني أهنك" ، معنى الأمر بالزيارة.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فاستجاب الله ليوسف دعاءه، فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله، كما: -
19252 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم) ، أي: نجاه من أن يركب المعصية فيهن، وقد نزل به بعض ما حَذر منهنَّ.
* * *
وقوله: (إنه هو السميع) ، دعاءَ يوسف حين دعاه بصرف كيد النسوة عنه، ودعاءَ كل داع من خلقه = (العليم) ، بمطلبه وحاجته، وما يصلحه، وبحاجة جميع خلقه وما يُصْلحهم. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير "السميع" و "العليم" فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 09:00 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (866)
صــ 91 إلى صــ 100






القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بدا للعزيز، زوج المرأة التي راودت يوسف عن نفسه.
* * *
وقيل: "بدا لهم" ،، وهو واحد، لأنه لم يذكر باسمه ويقصد بعينه، وذلك نظير قوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ، [سورة آل عمران: 173] ، وقيل: إن قائل ذلك كان واحدًا.
* * *
وقيل: معنى قوله: (ثم بدا لهم) في الرأي الذي كانوا رأوه من ترك يوسف مطلقًا، ورأوا أن يسجنوه (من بعد ما رأوا الآيات) ببراءته مما قذفته به امرأة العزيز.
* * *
وتلك "الآيات" ، كانت قدَّ القميص من دُبُر، وخمشًا في الوجه، وقَطْعَ أيديهن، كما:-
19253 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن نصر بن عوف، عن عكرمة، عن ابن عباس: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: كان من الآيات: قدٌّ في القميص، وخمشٌ في الوجه. (1)
19254 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي وابن نمير، عن [نصر] ، عن عكرمة، مثله. (2)
(1)
الأثر: 19253 - "نصر بن عوف" ، لم أجد في الرواة من يسمى بذلك، والذي عندي أنه "نضر بن عربي الباهلي" ، فهو الذي يروي عن عكرمة، ويروي عنه وكيع، وقد سلف مرارًا وانظر رقم: 1307، 5864، وسلف التحريف في اسمه كثيرًا.

(2)
الأثر: 19254 - "نصر بن عوف" ، انظر التعليق السالف، هو "نضر بن عربي" .

19255 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: قدُّ القميص من دبر.
19256 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: قدُّ القميص من دبر.
19257 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
19258 -.... قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19259 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (من بعد ما رأوا الآيات) ، قال: "الآيات" : حزُّهن أيديهن، وقدُّ القميص.
19260 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قدُّ القميص من دبر.
19261 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه) ، ببراءته مما اتهم به، من شق قميصه من دُبر = (ليسجننه حتى حين) .
19262 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (من بعد ما رأوا الآيات) ، القميصُ، وقطع الأيدي.
* * *
وقوله: (ليسجننه حتى حين) ، يقول: ليسجننه إلى الوقت الذي يرون فيه رأيهم. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير "الحين" فيما سلف 1: 540 / 12: 359.

وجعل الله ذلك الحبس ليوسف، فيما ذكر، عقوبةً له من همِّه بالمرأة، وكفارة لخطيئته.
19263 - حدثت عن يحيى بن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: (ليسجننه حتى حين) ، عثر يوسف عليه السلام ثلاثَ عثرات: حين همَّ بها فسجن. وحين قال: (اذكرني عند ربك) ، فلبث في السجن بضع سنين، وأنساه الشيطان ذكر ربه. وقال لهم: (إنكم لسارقون) ، فقالوا: (إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل) .
* * *
وذكر أن سبب حبسه في السجن، كان شكوى امرأة العزيز إلى زوجها أمرَه وأمرَها، كما: -
19264 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) ، قال: قالت المرأة لزوجها: إن هذا العبدَ العبرانيَّ قد فضحني في الناس، يعتذر إليهم، ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستَني. فذلك قول الله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) .
* * *
وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول هذه "اللام" في: (ليسجننه) .
فقال بعض البصريين: دخلت ههنا، لأنه موضع يقع فيه "أيّ" ، فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه دخلته النون، لأن النون تكون في الاستفهام، تقول: "بدا لهم أيّهم يأخذنّ" ، أي: استبان لهم.
* * *
وأنكر ذلك بعض أهل العربية فقال: هذا يمين، وليس قوله: "هل تقومن" بيمين، و "لتقومن" ، لا يكون إلا يمينًا.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: "بدا لهم" ، بمعنى ": القول" ، و "القول" يأتي بكل الكلام، بالقسم وبالاستفهام، فلذلك جاز: "بدا لهم قام زيد" ، و "بدا لهم ليقومن" .
* * *
وقيل: إن "الحين" في هذا الموضع معنِيٌّ به سبع سنين.
* ذكر من قال ذلك:
19265 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن داود، عن عكرمة: (ليسجننه حتى حين) ، قال: سبع سنين.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ودخل مع يوسف السجن فتيان = فدل بذلك على متروكٍ قد ترك من الكلام، وهو: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) ، فسجنوه وأدخلوه السجن = ودخل معه فتيان، فاستغنَى بدليل قوله: (ودخل معه السجن فتيان) ، على إدخالهم يوسف السجن، من ذكره.
* * *
وكان الفتيان، فيما ذكر، (1) غلامين من غلمان ملك مصر الأكبر، أحدهما صاحبُ شرابه، والآخر صاحبُ طعامه، كما: -
(1)
انظر تفسير "الفتى" فيما سلف 8: 188 / 16: 62.

19266 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فطرح في السجن = يعني يوسف = (ودخل معه السجن فتيان) ، غلامان كانا للملك الأكبر الرّيان بن الوليد، كان أحدهما على شرابه، والآخر على بعض أمره، في سَخْطَةٍ سخطها عليهما، اسم أحدهما "مجلث" والآخر "نبو" ، و "نبو" الذي كان على الشراب.
19267 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ودخل معه السجن فتيان) ، قال: كان أحدهما خبازًا للملك على طعامه، وكان الآخر ساقيه على شرابِه.
* * *
وكان سبب حبس الملك الفتيين فيما ذكر، ما: -
19268 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: إن الملك غضب على خبَّازه، بلغه أنه يريد أن يسمّه، فحبسه وحبس صاحب شرابه، ظنَّ أنه مالأه على ذلك. فحبسهما جميعًا ; فذلك قول الله: (ودخل معه السجن فتيان) .
* * *
وقوله: (قال أحدهما إني أراني أعصر خمرًا) ، ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما أدخل السجن، قال لمن فيه من المحبَّسين، وسألوه عن عمله: إني أعبُرُ الرؤيا: فقال أحد الفتيين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه: تعال فلنجربه، كما: -
19269 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال: لما دخل يوسف السجن قال: أنا أعبُرُ الأحلام. فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلمَّ نجرّب هذا العبد العبرانيّ فتراءَيَا له! فسألاه، (1) من غير أن يكونا رأيا شيئًا. فقال الخباز: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير
(1)
في المطبوعة: "نتراءى له" ، والصواب من المخطوطة، والتاريخ.

منه؟ وقال الآخر: إني أراني أعصر خمرًا؟ (1)
19270 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا، وإنما كانا تحالما ليجرِّبا علمه.
* * *
وقال قوم: إنما سأله الفَتَيان عن رؤيا كانا رأياها على صحةٍ وحقيقةٍ، وعلى تصديق منهما ليوسف لعلمه بتعبيرها.
* ذكر من قال ذلك:
19271 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رأى الفتيان يوسف، قالا والله، يا فتى لقد أحببناك حين رأيناك.
19272 -.... قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أن يوسف قال لهم حين قالا له ذلك: أنشدكما الله أن لا تحباني، فوالله ما أحبني أحدٌ قط إلا دخل عليَّ من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء، ثم لقد أحبني أبي فدخل عليّ بحبه بلاء، ثم لقد أحبتني زوجةُ صاحبي هذا فدخل عليَّ بحبها إياي بلاء، فلا تحباني بارك الله فيكما! قال: فأبيا إلا حبه وإلفه حيث كان، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله. وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا، فرأى "مجلث" أنه يحمل فوق رأسه خبزًا تأكل الطير منه، ورأى "نبو" أنه يعصر خمرًا، فاستفتياه فيها، وقالا له: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ، إن فعلت.
* * *
وعني بقوله: (أعصر خمرًا) ، أي: إني أرى في نومي أني أعصر عنبًا. وكذلك ذلك في قراءة ابن مسعود فيما ذكر عنه.
19273 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن أبي سلمة الصائغ، عن
(1)
الأثر: 19269 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 176.

إبراهيم بن بشير الأنصاري، عن محمد بن الحنفية قال في قراءة ابن مسعود: "إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ عِنَبًا. (1) "
* * *
وذكر أن ذلك من لغة أهل عمان، وأنهم يسمون العنب خمرًا.
* ذكر من قال ذلك:
19274 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إني أراني أعصر خمرًا) ، يقول: أعصر عنبًا، وهو بلغة أهل عمان، يسمون العنب خمرًا.
19275 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي = عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: (إني أراني أعصر خمرًا) ، قال: عنبًا، أرضُ كذا وكذا يدعُون العنب "خمرًا" .
19276 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: (إني أراني أعصر خمرًا) ، قال: عنبًا.
19277 - حدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي حمزة، عن عكرمة، قال: أتاه فقال: رأيت فيما يرى النائم أني غرست حَبَلة من عنب، (2) فنبتت، فخرج فيه عناقيد فعصرتهنّ، ثم سقيتهن الملك، فقال: تمكث في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرج فتسقيه خمرًا.
* * *
وقوله: (وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه نبئنا
(1)
الأثر: 19273 - "أبو سلمة الصائغ" هو "راشد، أبو سلمة الصائغ الفزاري" ، روى عن الشعبي، وزيد الأحمسي، وغيرهما. مترجم في الكبير 2 / 1 / 272، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 485، ولم يذكرا فيه جرحًا.

و "إبراهيم بن بشير الأنصاري" ، روى عن ابن الحنفية، مترجم في الكبير 1 / 1 / 274 زابن أبي حاتم 1 / 1 / 89.
وهذا الخبر، ذكره البخاري في ترجمة "إبراهيم بن بشير" .
(2)
"الحبلة" (بفتح الحاء والباء) ، القضيب من شجر الأعناب، يغرس فينبت.

بتأويله) ، يقول تعالى ذكره: وقال الآخر من الفَتيين: إني أراني في منامي أحمل فوق رأسي خبزًا ; يقول: أحمل على رأسي = فوضعت "فوق" مكان "على" (1) = (تأكل الطير منه) ، يعني: من الخبز.
* * *
وقوله: (نبئنا بتأويله) ، يقول: أخبرنا بما يؤول إليه ما أخبرناك أنَّا رأيناه في منامنا، ويرجع إليه، (2) كما: -
19278 - حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا يزيد، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (نبئنا بتأويله) ، قال: به = قال الحارث، قال أبو عبيد: يعني مجاهد أن "تأويل الشيء" ، هو الشيء. قال: ومنه: "تأويل الرؤيا" ، إنما هو الشيء الذي تؤول إليه.
* * *
وقوله: (إنا نراك من المحسنين) اختلف أهل التأويل في معنى "الإحسان" الذي وصف به الفتيان يوسف. (3)
فقال بعضهم: هو أنه كان يعود مريضهم، ويعزي حزينهم، وإذا احتاج منهم إنسان جَمَع له.
* ذكر من قال ذلك:
19279 - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم، قال: كنت جالسًا معه ببلخ، فسئل عن قوله: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ، قال: قيل له: ما كان إحسان يوسف؟ قال: كان إذا مرض إنسان قام عليه، وإذا احتاج جمع له، وإذا ضاق أوْسَع له.
(1)
انظر تفسير "فوق" فيما سلف 13: 430.

(2)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) .

= وتفسير "التأويل" فيما سلف ص: 20، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(3)
انظر تفسير "الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (حسن) .

19280 - حدثنا إسحاق، عن أبي إسرائيل، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: سأل رجل الضحاك عن قوله: (إنا نراك من المحسنين) ما كان إحسانه؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن قامَ عليه، وإذا احتاج جمع له، وإذا ضاق عليه المكان وسَّع له.
19281 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن قتادة، قوله: (إنا نراك من المحسنين) ، قال: بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم، ويعزِّي حزينهم، ويجتهد لربه. وقال: لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قومًا قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم، فطال حزنهم، فجعل يقول: أبشروا واصبروا تؤجَروا، إن لهذا أجرًا، إن لهذا ثوابًا. فقالوا: يا فتى، بارك الله فيك، ما أحسن وجهك، وأحسن خلقك، لقد بورك لنا في جوارك، ما نحبُّ أنَّا كنا في غير هذا منذ حبسنا، لما تخبرنا من الأجر والكفَّارة والطَّهارة، فمن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف، ابن صفي الله يعقوب، ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وكانت عليه محبَّة. وقال له عامل السجن: يا فتى، والله لو استطعت لخلَّيت سبيلك، ولكن سأحسن جِوارك، وأحسن إسارك، فكن في أيِّ بيوت السجن شئت.
19282 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن خلف الأشجعي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك في: (إنا نراك من المحسنين) ، قال: كان يوسع للرجل في مجلسه، ويتعاهد المرضى.
* * *
وقال آخرون: معناه: (إنا نراك من المحسنين) ، إذا نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه.
* ذكر من قال ذلك:
19283 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: استفتياه في رؤياهما، وقالا له: (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ، إن فعلت.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة.
* * *
فإن قال قائل: وما وجهُ الكلام إن كان الأمر إذن كما قلت، وقد علمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما، ليست من الخبَر عن صفته بأنه يعود المريض ويقوم عليه، ويحسن إلى من احتاج في شيء، وإنما يقال للرجل: "نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم" ، وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم، لا بغيره؟
قيل: إن وجه ذلك أنهما قالا له: نبئنا بتأويل رؤيانا محسنًا إلينا في إخبارك إيانا بذلك، كما نراك تحسن في سائر أفعالك: (إنا نراك من المحسنين) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قال) يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا: (لا يأتيكما) ، أيها الفتيان في منامكما = (طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) ، في يقظتكما = (قبل أن يأتيكما) .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif







ابوالوليد المسلم 19-07-2025 09:03 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (867)
صــ 101 إلى صــ 110





19284 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: قال يوسف لهما: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، في النوم = (إلا نبأتكما بتأويله) ، في اليقظة.
19285 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف لهما: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، يقول: في نومكما = (إلا نبأتكما بتأويله) .
* * *
ويعنى بقوله (بتأويله) : ما يؤول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه.
* * *
وقوله: (ذلكما مما علمني ربي) ، يقول: هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا، مما علمني ربى فعلمته = (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) = وجاء الخبر مبتدأ، أي: تركت ملة قوم، والمعنى: ما ملت، وإنما ابتدأ بذلك، لأن في الابتداء الدليل على معناه.
* * *
وقوله: (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) ، يقول: إني برئت من ملة من لا يصدق بالله، ويقرّ بوحدانيته (1) = (وهم بالآخرة هم كافرون) ، يقول: وهم مع تركهم الإيمان بوحدانية الله، لا يقرّون بالمعاد والبعث، ولا بثواب ولا عقاب.
* * *
= وكُررت "هم" مرتين، فقيل: (وهم بالآخرة هم كافرون) ، لما دخل بينهما قوله: (بالآخرة) ، فصارت "هم" الأولى كالملغاة، وصار الاعتماد على الثانية، كما قيل: (وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [سورة النمل: 2/ سورة لقمان: 4] ، وكما قيل: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [سورة المؤمنون: 35]
* * *
(1)
انظر تفسير "الملة" فيما سلف 12: 561، تعليق: 4، والمراجع هناك.

فإن قال قائل: ما وجه هذا الخبر ومعناه من يوسف؟ وأين جوابه الفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما، من هذا الكلام؟
قيل له: إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما، لما علم من مكروه ذلك على أحدهما، فأعرض عن ذكره، وأخذ في غيره، ليعرضا عن مسألته الجوابَ عما سألاه من ذلك.
* * *
وبنحو ذلك قال أهل العلم.
* ذكر من قال ذلك:
19286 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: (إني أراني أعصر خمرًا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله) .، قال: فكره العبارة لهما، وأخبرهما بشيء لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علمًا. وكان الملك إذا أراد قتل إنسان، صنع له طعامًا معلومًا، فأرسل به إليه، فقال يوسف: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، إلى قوله: (تشكرون) .، فلم يدَعَاه، فعدل بهما، وكره العبارة لهما. فلم يدعاه حتى يعبر لهما، فعدل بهما وقال: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) ، إلى قوله: (يعلمون) ، فلم يدعاه حتى عبر لهما، فقال: (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) . قالا ما رأينا شيئًا، إنما كنا نلعب! قال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) .
* * *
قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج، فقوله: (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، في اليقظة لا في النوم،. وإنما أعلمهما على هذا القول أنَّ عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره، لأنه قد علم النوعَ الذي إذا أتاهما كان علامةً لقتل من أتاه ذلك منهما، والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك، فأخبرهما أنه عنده علم ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب) ، واتبعت دينهم لا دين أهل الشرك= (ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء) ، يقول: ما جاز لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته وطاعته، بل الذي علينا إفراده بالألُوهة والعبادة= (ذلك من فضل الله علينا) ، يقول: اتباعي ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب على الإسلام، وتركي ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون، من فضل الله الذي تفضّلَ به علينا، فأنعم إذ أكرمنا به = (وعلى الناس) ، يقول: وذلك أيضًا من فضل الله على الناس، إذ أرسلنا إليهم دعاةً إلى توحيده وطاعته= (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) ، يقول: ولكن من يكفر بالله لا يشكر ذلك من فضله عليه، لأنه لا يعلم من أنعم به عليه ولا يعرف المتفضِّل به.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19287 - حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (ذلك من فضل الله علينا) ، أن جعلنا أنبياء= (وعلى الناس) ، يقول: أن بعثنا إليهم رسلا.
19288 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
قوله: (ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس) ، ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول: يا رُبَّ شاكرٍ نعمةِ غيرِ منعم عليه لا يدري، وربّ حامل فقه غيرِ فقيه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) }
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلوات الله عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن، لأن أحدهما كان مشركًا، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الآلهة والأوثان، فقال: (يا صاحبي السجن) ، يعني: يا من هو في السجن، وجعلهما "صاحبيه" لكونهما فيه، كما قال الله تعالى لسكان الجنة: فَـ (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وكذلك قال لأهل النار، وسماهم "أصحابها" لكونهم فيها. (1)
* * *
وقوله: (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) ، يقول: أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر، خيرٌ أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه، الذي قهر كل شي فذلله وسخره، فأطاعه طوعًا وكرهًا. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19289 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة،
(1)
انظر تفسير "الصاحب" ، فيما سلف من فهارس اللغة (صحب) .

(2)
انظر تفسير "القهار" فيما سلف 13: 42، تعليق: 1، والمراجع هناك.

قوله: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون) إلى قوله: (لا يعلمون) ، لما عرف نبيُّ الله يوسف أن أحدهما مقتولٌ، دعاهما إلى حظّهما من ربهما، وإلى نصيبهما من آخرتهما.
19290 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا صاحبي السجن) يوسفُ يقوله.
19291- ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19292 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام، فقال: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) ، أي: خيرٌ أن تعبدوا إلهًا واحدًا، أو آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئا؟
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) }
قال أبو جعفر: يعنى بقوله: (ما تعبدون من دونه) ، ما تعبدون من دون الله.
وقال: (ما تعبدون) وقد ابتدأ الخطاب بخطاب اثنين فقال: (يا صاحبي السجن) لأنه قصد المخاطب به، ومن هو على الشرك بالله مقيمٌ من أهل مصر، فقال للمخاطَب بذلك: ما تعبد أنتَ ومن هو على مثل ما أنت عليه من عبادة الأوثان= (إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) ، وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة أربابًا،
شركًا منهم، وتشبيهًا لها في أسمائها التي سمَّوها بها بالله، تعالى عن أن يكون له مثل أو شبيه= (ما أنزل الله بها من سلطان) ، يقول: سموها بأسماء لم يأذن لهم بتسميتها، ولا وضع لهم على أن تلك الأسماء أسماؤها، دلالةً ولا حجةً، ولكنها اختلاق منهم لها وافتراء. (1)
* * *
وقوله: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) ، يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتم وجميعُ خلقه، إلا الله الذي له الألوهة والعبادة خالصةً دون كل ما سواه من الأشياء، كما:-
19293- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا أياه) ، قال: أسَّسَ الدين على الإخلاص لله وحده لا شريك له.
* * *
وقوله: (ذلك الدين القيم) ، يقول: هذا الذي دعوتكما إليه من البراءة من عبادة ما سوى الله من الأوثان، وأن تخلصا العبادة لله الواحد القهار، هو الدِّين القويم الذي لا اعوجاج فيه، والحقُّ الذي لا شك فيه (2) (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ، يقول: ولكن أهل الشرك بالله يجهلون ذلك، فلا يعلمون حقيقته.
* * *
(1)
انظر تفسير "السلطان" فيما سلف 15: 465، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "القيم" فيما سلف 14: 237.

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه، مخبرًا عن قِيل يوسف للذين دخلا معه السجن: (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا) ، هو الذي رأى أنه يعصر خمرًا، فيسقي ربَّه= يعني سيده، وهو ملكهم (1) = "خمرا" ، يقول: يكون صاحب شرابه.
* * *
19294 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: (فيسقي ربه خمرًا) ، قال: سيده.
* * *
=وأما الآخر، وهو الذي رأى أن على رأسه خبزًا تأكل الطير منه "فيصلب فتأكل الطير من رأسه" ، فذكر أنه لما عبَر ما أخبراه به أنهما رأياه في منامهما، قالا له: ما رأينا شيئًا! فقال لهما: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) يقول: فُرغ من الأمر الذي فيه استفتيتما، (2) ووجب حُكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل العلم.
*ذكر من قال ذلك:
19295 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عمارة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: قال اللذان دخلا السجن
(1)
انظر تفسير "الرب" فيما سلف ص: 32، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "قضى" فيما سلف 15: 151، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الاستفتاء" فيما سلف 9: 253، 430.

على يوسف: ما رأينا شيئًا! فقال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) .
19296- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد الله: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) ، قال: لما قالا ما قالا أخبرهما، فقالا ما رأينا شيئا! فقال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) .
19297- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن عمارة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، في الفتيين اللذين أتيا يوسف والرؤيا، إنما كانا تحالما ليجرّباه، فلما أوَّل رؤياهما قالا إنما كنا نلعب! قال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) .
19298- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عمارة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا، إنما كانا تحالما ليجرّبا علمه، فقال أحدهما: إني أراني أعصر عنبًا! وقال الآخر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه؟ (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ! قال: (يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) . فلما عبَّر، قالا ما رأينا شيئًا! قال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) ، على ما عبَّر يوسف.
19299 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال: لمجلث: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك. وقال لنبو: أما أنت فتردُّ على عملك، فيرضى عنك صاحبك، (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) = أو كما قال.
19300 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال،قال ابن جريج فيه تستفتيان. (1)
(1)
هذا خبر سقط منه شيء كثير، فوضعت النقط مكان السقط.

19301 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) ، عند قولهما: ما رأينا رؤيا إنما كنا نلعب! قال: قد وقعت الرؤيا على ما أوَّلتُ.
19302- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (الذي فيه تستفتيان) ، فذكر مثله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذين استعبراه الرؤيا: (1) (اذكرني عند ربك) يقول: اذكرني عند سيدك، (2) وأخبره بمظلمتي، وأني محبوس بغير جُرْم، كما:-
19303 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،قال= يعني لنبو= (اذكرني عند ربك) : أي اذكر للملك الأعظم مظلمتي وحبسي في غير شيء، قال: أفعل.
19304 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (اذكرني عند ربك) قال للذي نجا من صاحبي السجن، يوسف يقول: اذكرني عند الملك.
(1)
انظر تفسير "الظن" فيما سلف من فهارس اللغة (ظنن) .

(2)
انظر تفسير "الرب" فيما سلف ص: 107، تعليق: 1، والمراجع هناك.

19305- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
19306 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن أسباط: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك) ، قال: عند ملك الأرض.
19307 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (اذكرني عند ربك) ، يعني بذلك الملك.
19308- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك) ، الذي نجا من صاحبي السجن، يقول يوسف: اذكرني للملك.
19309 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال أخبرنا العوّام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي: أنه لما انتهى به إلى باب السجن، قال له صاحبٌ له: حاجتَك أوصني بحاجتك! قال: حاجتي أن تذكرني عند ربك= سوى الربِّ، قال يوسف. (1)
* * *
وكان قتادة يوجِّه معنى "الظن" في هذا الموضع، إلى "الظنِّ" ، الذي هو خلاف اليقين.
19310 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك) ، وإنما عبارة الرؤيا بالظن، فيحقُّ الله ما يشاءُ ويُبْطِل ما يشاء.
* * *
(1)
في المطبوعة: "أن تذكرني عند ربك، ينوي الرب الذي ملك يوسف" ، غير ما في المخطوطة، وأثبت ما فيها، إلا أنه كان هنا "أن تذكرني عند رب" بغير كاف، والصواب ما أثبت.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 09:06 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (868)
صــ 111 إلى صــ 120





قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله قتادة، من أن عبارة الرؤيا ظن، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء. فأما الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائنٌ ثم لا يكون، أو أنه غير كائن ثم يكون، مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن، لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها، لم يُؤمَن مثل ذلك في كل أخبارها. وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها، سقطت حُجَّتها على من أرسلت إليه. فإذا كان ذلك كذلك، كان غير جائزٍ عليها أن تخبر بخبرٍ إلا وهو حق وصدق. فمعلومٌ، إذ كان الأمر على ما وصفت، أن يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذين استعبراه أنه كائن، فيقول لأحدهما: (أما أحدكما فيسقي ربه خمرًا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) ، ثم يؤكد ذلك بقوله: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) ، عند قولهما: (لم تر شيئا) ، إلا وهو على يقين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه، أنه كائن لا محالة لا شك فيه. وليقينه بكون ذلك، قال للناجي منهما: (اذكرني عند ربك) . فبيِّنٌ إذًا بذلك فسادُ القول الذي قاله قتادة في معنى قوله: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما) .
* * *
وقوله: (فأنساه الشيطان ذكر ربه) وهذا خبرٌ من الله جل ثناؤه عن غفلة عَرَضت ليوسف من قبل الشيطان، نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصه، ولكنه زلَّ بها فأطال من أجلها في السجن حبسَه، وأوجع لها عقوبته، كما:-
19311 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن بسطام بن مسلم، عن مالك بن دينار قال: لما قال يوسف للساقي: (اذكرني عند ربك) ، قال: قيل: يا يوسف، اتخذت من دوني وكيلا؟ لأطيلن حبسك! فبكى يوسف وقال: يا ربّ، أنسى قلبي كثرة البلوى، فقلت كلمة، فويل لإخوتي.
19312 - حدثنا الحسن قال،أخبرنا عبد الرزاق قال،أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أنه= يعني يوسف = قال الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث.
19313 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية قال، حدثنا يونس، عن الحسن قال: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله يوسف لولا كلمته ما لبث في السجن طولَ ما لبث= يعني قوله: (اذكرني عند ربك) ، قال: ثم يبكي الحسن فيقول: نحن إذا نزل بنا أمرٌ فزعنا إلى الناس."
19314- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن في قوله: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك) ، قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا كلمة يوسُف، ما لبث في السجن طولَ ما لبث.
19315 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم يقل يوسف= يعني الكلمة التي قال = ما لبث في السجن طول ما لبث= يعني حيث يبتغي الفرج من عند غير الله. (1)
19316 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو لم يستعن يوسف على ربّه، ما لبث في السجن طول ما لبث. .
(1)
الأثر: 19315 - "إبراهيم بن يزيد الخوزي القرشي" ، متروك منكر الحديث، ليس بثقة، كان يتهم بالكذب. مضى مرارًا، آخرها رقم: 17313.

فهذا خبر ضعيف الإسناد جدًا، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 39، مطولا، قال: "رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن يزيد القرشي المكي، وهو متروك" . ورواه الطبري في تاريخه 1: 177.
أما سائر الأخبار قبله وبعده، فهي مرسلة لا حجة في شيء منها.
19317 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لولا أنّ يوسف استشفع على ربه، ما لبث في السجن طول ما لبث، ولكن إنما عوقب باستشفاعه على ربّه.
19318 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قال له: (اذكرني عند ربك) ، قال: فلم يذكره حتى رأى الملك الرؤيا، وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكرَ ربه، وأمره بذكر الملك وابتغاء الفرج من عنده، فلبث في السجن بضع سنين) بقوله: (اذكرني عند ربك) .
19319- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه = غير أنه قال: فلبث في السجن بضع سنين، عقوبةً لقوله: (اذكرني عند ربك) .
19320- ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل حديث محمد بن عمرو، سواء.
19321- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثل حديث المثنى، عن أبي حذيفة.
* * *
وكان محمد بن إسحاق يقول: إنما أنسى الشيطانُ الساقي ذكر أمر يوسف لملكهم.
19322 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما خرج = يعني الذي ظنّ أنه ناج منهما= رُدّ على ما كان عليه، ورضي عنه صاحبه، فأنساه الشيطان ذكر ذلك للملك الذي أمره يوسف أن يذكره، فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين. يقول جل ثناؤه: فلبث يوسف في السجن، لقيله للناجي من صاحبي السجن من القيل: "اذكرني عند سيدك" ، بضع سنين، عقوبةً له من الله بذلك.
* * *
واختلف أهل التأويل في قدر "البضع" الذي لبث يوسف في السجن.
فقال بعضهم: هو سبع سنين.
*ذكر من قال ذلك:
19323 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد أبو عثمة قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: لبث يوسف في السجن سبعَ سنين. (1)
19324- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلبث في السجن بضع سنين) ، قال: سبع سنين.
19325 - حدثنا الحسن قال،أخبرنا عبد الرزاق قال،أخبرنا عمران أبو الهذيل الصنعاني قال: سمعت وهبًا يقول: أصاب أيُّوب البلاء سبع سنين، وترك في السجن يوسف سبع سنين، وعذب بختنصر، فحُوِّل في السباع سبع سنين. (2)
19326- حدثني المثنى قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: زعموا أنها= يعني "البضع" = سبع سنين، كما لبث يوسف.
* * *
وقال آخرون: "البضع" ، ما بين الثلاث إلى التسع.
*ذكر من قال ذلك:
19327 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال
(1)
الأثر: 19323 - "محمد، أبو عثمة" ، هو: "محمد بن خالد بن عثمة" ، سلف مرارًا، آخرها رقم: 10142، وانظر رقم: 5314، 5483، ورواية محمد بن بشار عنه، وروايته هو عن "سعيد بن بشير" ، عن قتادة.

(2)
الأثر: 19325 - "عمران أبو الهذيل الصنعاني" ، هو: "عمران بن عبد الرحمن بن مرثد" ، "أبو الهذيل" ثقة سمع وهب بن منبه، وزياد بن فيروز، والقاسم بن تنخسره. مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 301.

وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 177، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "يجول في السباع" والمخطوطة غير منقوطة. والصواب من التاريخ، وعنى بقوله "حول في السباع" . أي: مسخ سبعًا من السباع.
قال: سمعت قتادة يقول: "البضع" ، ما بين الثلاث إلى التسع.
19328 - حدثنا وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد: (بضع سنين) ، قال: ما بين الثلاث إلى التسع.
* * *
وقال آخرون: بل هو ما دون العشر.
*ذكر من قال ذلك:
19329 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال،قال ابن جريج، قال ابن عباس: (بضع سنين) ، دون العشرة.
* * *
وزعم الفراء أن "البضع" لا يذكر إلا مع "عشر" ، ومع "العشرين" إلى التسعين، وهو "نَيِّفٌ" ما بين الثلاثة إلى التسعة. (1) وقال: كذلك رأيت العرب تفعل. ولا يقولون: "بضع ومئة" (2) ولا "بضع وألف" ، وإذا كانت للذكران قيل: "بضع" .
* * *
قال أبو جعفر:-
والصواب في "البضع" من الثلاث إلى التسع، إلى العشر، ولا يكون دون الثلاث. وكذلك ما زاد على العقد إلى المئة، وما زاد على المئة فلا يكون فيه "بضع" .
* * *
(1)
الأثر: 19327: "ابن بشار" ، هو "محمد بن بشار" مضى مرارًا. و "سلمان" هو "وسليمان بن داود بن الجارود" ، أبو داود الطيالسي الإمام المشهور، مضى مرارًا.

و "أبو هلال" هو "محمد بن سليم الراسبي" ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 15351.
وكان في المطبوعة والمخطوطة "سمعت أبا قتادة" ، وهو خطأ، فإن أبا هلال الراسبي، يروي عن "قتادة" .
(2)
هذه عبارة غير واضحة. وقد نقل صاحب اللسان عن ابن بري قال: "وحكى عن الفراء في قوله:" بضع سنين "، أن" البضع "لا يذكر إلا مع العشر والعشرين إلى التسعين. ولا يقال فيما بعد ذلك = يعني أنه يقال: مئة ونيف" . اللسان (بضع) .

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) }
قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: وقال ملك مصر: إني أرى في المنام سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبعٌ من البقر عجاف. (1) وقال: "إني أرى" ، ولم يذكر أنه رأى في منامه ولا في غيره، لتعارف العرب بينها في كلامها إذا قال القائل منهم: "أرى أني أفعل كذا وكذا" ، أنه خبر عن رؤيته ذلك في منامه، وإن لم يذكر النوم. وأخرج الخبر جلّ ثناؤه على ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بينهم.
* * *
= (وسبع سنبلات خضر) ، يقول: وأرى سبع سُنْبلات خضر في منامي = (وأخر) يقول: وسبعًا أخر من السنبل= (يابسات يا أيها الملأ) ، (2) يقول: يا أيها الأشراف من رجالي وأصحابي (3) = (أفتوني في رؤياي) ، فاعبروها، (إن كنتم للرؤيا) عَبَرَةً. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
لم يفسر "العجاف" في هذه الآية، وسيفسرها فيما بعد في الآيات التالية.

(2)
انظر تفسير "السنبلة" فيما سلف 5: 512 - 515.

(3)
انظر تفسير "الملأ" فيما سلف 15: 466، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
"عبرة" جمع "عابر" ، وهو الذي يعبر الرؤيا، ويفسرها.

19330- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي قال،إن الله أرى الملك في منامه رؤيا هالته، فرأى سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فجمع السحرة والكهنة والحُزَاة والقافة، (1) فقصَّها عليهم، فقالوا: (أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) . (2)
19331 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم إن الملك الريان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى فهالته، وعرف أنها رؤيا واقعة، ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته: (إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) إلى قوله: (بعالمين) .
* * *
(1)
"الحزأة" جمع "حاز" ، وهو المتكهن، يحرز الأشياء ويقدرها بظنه، ويقال للذي ينظر في النجوم وأحكامها بظنه وتقديره، فربما أصاب: "الحزاء" . وجاء في تاريخ الطبري "الحازة والقافة" ، كأنه جمع آخرها على غير القياس. وفي جمعه أيضًا "الحوازي" .

و "القافة" جمع "قائف" ، وهو الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه.
(2)
الأثر: 19330 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 177، مطولا.




القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعَالِمِينَ (44) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبير رؤياه: رؤياك هذه "أضغاث أحلام" ، يعنون أنها أخلاطٌ، رؤيا كاذبةٌ لا حقيقة لها.
* * *
= وهي جمع "ضغث" ، و "الضغث" أصله الحزمة من الحشيش، يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها = و "الأحلام" ، جمع حلم، وهو ما لم
يصدق من الرؤيا، ومن "الأضْغَاث" قول ابن مقبل:
خَوْدٌ كَأَنَّ فِرَاشَهَا وُضِعَتْ بِهِ ... أضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالٍ (1)
ومنه قول الآخر: (2)
يَحْمِي ذِمَارَ جَنِينٍ قَلَّ مَانِعُهُ ... طَاوٍ كَضِغْثِ الخَلا فِي البَطْنِ مُكْتَمِن (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19332 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (أضغاث أحلام) يقول: مشتبهة.
19333 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أضغاث أحلام) ، كاذبة.
19334 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال،لما قصّ الملك رؤياه التي رأى على أصحابه، قالوا: (أضغاث أحلام) ، أي فعل الأحلام.
19335 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أضغاث أحلام) ، قال: أخلاط أحلام= (وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) .
19336 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك قال، "أضغاث أحلام" ، كاذبة.
(1)
لم أجده في غير هذا المكان. و "الخود" ، الفتاة الناعمة الشابة. و "الشمال" هي الريح المعروفة، وهي الباردة. وما أطيب ما وصف ابن مقبل وما أبصره!

(2)
لم أعرف قائله.

(3)
هذا بيت لم أجده، ولا أحسن تفسيره مفردًا.

19337 - ... قال، حدثني المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: "قالوا أضغاث" قال: كذب.
19338- حدثت عن الحسين بن الفرج قال،سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أضغاث أحلام) ، هي الأحلام الكاذبة.
* * *
وقوله: (وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) ، يقول: وما نحن بما تئول إليه الأحلام الكاذبة بعالمين. (1)
* * *
والباء الأولى التي في "التأويل" من صلة "العالمين" ، والتي في "العالمين" "الباء" التي تدخل في الخبر مع "ما" التي بمعنى الجحد= ورفع "أضغاث أحلام" ، لأن معنى الكلام: ليس هذه الرؤيا بشيء، إنما هي أضغاث أحلام.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِي (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال الذي نجا من القتل من صاحبي السجن اللذين استعبرا يوسف الرؤيا= (وادّكر) ، يقول: وتذكر ما كان نسي من أمر يوسف، وذِكْرَ حاجته للملك التي كان سأله عند تعبيره رؤياه أن يذكرها
(1)
انظر تفسير "التأويل" فيما سلف ص: 98، تعليق: 2، والمراجع هناك.

له بقوله: (اذكرني عند ربك) = (بعد أمة) ، يعني بعد حين، كالذي:-
19339- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس: (وادّكر بعد أمة) ، قال: بعد حين (1) .
19340- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، مثله.
19341- حدثنا الحسن بن يحيى قال،أخبرنا عبد الرزاق قال،أخبرنا الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، مثله.
19342 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش: (وادّكر بعد أمة) ، بعد حين.
19343 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد قال،أخبرنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين قال: (وادّكر بعد أمة) ، قال: بعد حين.
19344- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس مثله.
19345-....قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وادّكر بعد أمة) ، يقول: بعد حين.
19346- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وادّكر بعد أمة) ، قال: ذكر بعد حين.
19347 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن: (وادكر بعد أمة) بعد حين.
(1)
انظر تفسير "الأمة" فيما سلف....، تعليق:، والمراجع هناك.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 09:09 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (869)
صــ 121 إلى صــ 130





19348 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن، مثله.
19349- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، مثله.
19350 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وادّكر بعد أمة) ، بعد حين.
19351 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال،قال ابن كثير: (بعد أمة) : بعد حين= قال ابن جريج: وقال ابن عباس: (بعد أمة) ، بعد سنين.
19352 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وادّكر بعد أمة) ، قال: بعد حين.
19353 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة: (وادّكر بعد أمة) ، أي: بعد حقبة من الدهر.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا التأويل على قراءة من قرأ: (بَعْدَ أُمَّةٍ) بضم الألف وتشديد الميم، وهي قراءة القرأة في أمصار الإسلام.
* * *
وقد روي عن جماعة من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك: "بَعْدَ أَمَةٍ" بفتح الألف، وتخفيف الميم وفتحها بمعنى: بعد نسيان.
* * *
وذكر بعضهم أن العرب تقول من ذلك: "أمِهَ الرجل يأمَهُ أمَهًا" ، إذا نسي.
* * *
وكذلك تأوّله من قرأ ذلك كذلك.
ذكر من قال ذلك:
19354 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال، حدثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: "بَعْدَ أمَهٍ" ويفسّرها، بعد نسيان.
19355- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا بهز بن أسد، عن همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قرأ: "بَعْدَ أَمَهٍ" يقول: بعد نسيان.
19356 - حدثني أبو غسان مالك بن الخليل اليحمدي قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة أنه قرأ: "بَعْدَ أَمَهٍ" ، و "الأمه" : النسيان. (1)
19357- حدثني يعقوب، وابن وكيع، قالا حدثنا ابن علية، قال، حدثنا أبو هارون الغنوي، عن عكرمة، مثله.
19358 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب قال، قال هارون، وحدثني أبو هارون الغنوي، عن عكرمة: "بَعْدَ أَمَهٍ" ، بعد نسيان.
19359- ... قال، حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن عكرمة: "وَادَّكَرَ بَعْدَ أًمًهٍ" : بعد نسيان.
19360- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس: أي بعد نسيان.
19361 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "وادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ" قال: من بعد نسيانه.
19362 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد
(1)
الأثر: 19356 - "مالك بن الخليل اليحمدي الأزدي" ، "أبو غسان" ، شيخ الطبري، روى عنه النسائي وغيره، مترجم في التهذيب.

بن زيد، عن عبد الكريم أبي أمية المعلم، عن مجاهد: أنه قرأ: "وادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ" .
19363 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَةٍ) قال: بعد نسيان.
19364- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ" يقول: بعد نسيان.
* * *
وقد ذكر فيها قراءة ثالثة، وهي ما:-
19365- حدثني به المثنى قال،أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن حميد قال،قرأ مجاهد: "وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمْهٍ" ، مجزومة الميم مخففة.
* * *
وكأنّ قارئ ذلك كذلك أراد به المصدرَ من قولهم: "أمه يأمَهُ أمْهًا" ، وتأويل هذه القراءة، نظير تأويل من فتح الألف والميم.
* * *
وقوله: (أنا أنبئكم بتأويله) يقول: أنا أخبركم بتأويله (1) = (فأرسلون) ، يقول: فأطلقوني، أمضي لآتيكم بتأويله من عند العالم به.
* * *
وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره استغناء بما ظهر عما ترك، وذلك: "فأرسلوه، فأتى يوسف، فقال له" : يا يوسف، يا أيها الصديق، (2) كما:-
19366 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال الملك للملأ حوله: (إني أرى سبع بقرات سمان) ، الآية، وقالوا له ما قال،
(1)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف من فهارس اللغة

= وتفسيره "التأويل" فيما سلف ص: 119، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير "الصديق" فيما سلف 8: 530 - 532 / 10: 485.

وسمع نبو من ذلك ما سمع ومسألته عن تأويلها، (1) ذكر يوسف وما كان عبَرَ له ولصاحبه، وما جاء من ذلك على ما قال من قوله، قال: (أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) ، يقول الله: (وادّكر بعد أمة) ، أي حقبة من الدهر، فأتاه فقال: يا يوسف، إن الملك قد رأى كذا وكذا، فقصّ عليه الرؤيا، فقال فيها يوسف ما ذكر الله لنا في الكتاب، فجاءهم مثلَ فلق الصبح تأويلُها، فخرج نبوا من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك، وأخبره بما قال.
* * *
وقيل: إن الذي نجا منهما إنما قال: "أرسلوني" ، لأن السجن لم يكن في المدينة.
* ذكر من قال ذلك:
19367 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وقال الذي نجا منهما وادّكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون) ، قال ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة، فانطلق الساقي إلى يوسف، فقال: (أفتنا في سبع بقرات سمان) الآيات.
* * *
قوله: (أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات) ، فإن معناه: أفتنا في سبع بقرات سمان رُئين في المنام، يأكلهن سبعٌ منها عجاف= وفي سبع سنبلات خضر رئين أيضًا، وسبع أخر منهن يابسات. فأما "السمان من البقر" ، فإنها السنون المخصبة، كما:-
19368 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) ، قال: أما السمان فسنون منها مخصبة، وأما السبع العجاف، فسنون مجدبة لا تنبت شيئًا.
19369- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "سمع" بغير "واو" ، والصواب إثباتها.

(أفتنا في سبع بقرات سمان) ، فالسمان المخاصيب، والبقرات العجاف: هي السنون المحُول الجُدُوب.
* * *
قوله: (وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات) ، أما (الخضر) فهن السنون المخاصيب وأما (اليابسات) فهن الجدوب المحول.
و "العِجاف" جمع "عَجِف" وهي المهازيل.
* * *
وقوله: (لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون) ، يقول: كي أرجع إلى الناس فأخبرهم = (لعلهم يعلمون) يقول: ليعلموا تأويل ما سألتك عنه من الرؤيا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف لسائله عن رؤيا الملك: (تزرعون سبع سنين دأبًا) يقول: تزرعون هذه السبع السنين، كما كنتم تزرعون سائر السنين قبلها على عادتكم فيما مضى.
* * *
و "الدأب" ، العادة، (1) ومن ذلك قول امرئ القيس:
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا ... وَجَارَتِها أُمِّ الرَّبَابِ بِمأْسَلِ (2)
يعني كعادتك منها.
* * *
(1)
انظر تفسير "الدأب" فيما سلف 6: 224، 225 / 14: 19.

(2)
مضى البيت وتخريجه فيما سلف 6: 225.

وقوله: (فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون) ، وهذا مشورة أشار بها نبي الله صلى الله عليه وسلم على القوم، ورأيٌ رآه لهم صلاحًا، يأمرهم باستبقاء طعامهم، كما:-
19370 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: قال لهم نبيّ الله يوسف: (تزرعون سبع سنين دأبًا) الآية، فإنما أراد نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم البقاء.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) }
قال أبو جعفر: يقول: ثم يجيء من بعد السنين السبع التي تزرعون فيها دأبًا، سنون سبع شداد، يقول: جدوب قحطة= (يأكلن ما قدمتم لهن) ، يقول: يؤكل فيهنّ ما قدمتم في إعداد ما أعددتم لهن في السنين السبعة الخصبة من الطعام والأقوات.
* * *
وقال جل ثناؤه: (يأكلن) ، فوصف السنين بأنهن (يأكلهن) ، وإنما المعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فيهن، كما قيل: (1)
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ والرَّدَى لَكَ لازِمُ (2)
(1)
هو عبد الله بن عبد الأعلى بن أبي عمرة.

(2)
الأخبار الطوال: 333، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي: 225، تاريخ ابن كثير 9: 206، وغيرها، يقول: أَيَقْظَانُ أَنْتَ اليَوْمَ أَمْ أَنْتَ حَالِمُ ... وكيف يطيق النَّوْمَ حَيْرَانُ هَائِمُ

فَلَوْ كُنْتَ يَقْظَانَ الغَدَاةَ لَحَرَّقَتْ ... مَحَاجِرَ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعُ السَّوَاجِمُ
بَلَ أَصْبَحْتَ فِي النَّوْمِ الطَّوِيلِ وَقَدْ دَنَتْ ... إلَيْكَ أُمُورٌ مُفْظِعَاتٌ عَظَائمُ
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... ولَيْلُكَ نَوْمٌ، وَالرَّدَى لك لاَزِمُ
تُسَرُّ بِمَا يَبْلَى، وَتُشْغَلُ بِالمُنَى ... كَمَا سُرَّ بِالأَحْلامِ فِي النَّوْم نَائِمُ
وَسَعْيُكَ فِيما سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ البَهَائِمُ
فَلا أَنْتَ فِي النُّوَّامِ يَوْمًا بِسَالِمٍ ... وَلا أَنْتَ فِي الأيْقَاظِ يَقْظَانُ حَازِمُ
.
فوصف النهار بالسهو والغفلة، والليل بالنوم، وإنما يسهى في هذا ويغفل فيه، وينام في هذا، لمعرفة المخاطبين بمعناه والمراد منه.
* * *
= (إلا قليلا مما تحصنون) ، يقول: إلا يسيرًا مما تحرزونه.
* * *
والإحصان: التصيير في الحصن، وإنما المراد منه الإحراز.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19371 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (يأكلن ما قدمتم لهن) ، يقول: يأكلن ما كنتم اتخذتم فيهن من القوت = (إلا قليلا مما تحصنون) .
19372- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد) ، وهنّ الجدوب المحُول = (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون) .
19373- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد) ، وهن الجدوب، (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون) ، مما تدَّخرون.
19374 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: (إلا قليلا مما تحصنون) ، يقول: تخزنون.
19375- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال،قال ابن عباس: (تحصنون) ، تحرزون.
19376 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون) ، قال: مما تَرْفَعون.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال في قوله: (تحصنون) ، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيه، فإن معانيها متقاربة، وأصل الكلمة وتأويلها على ما بيَّنت.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) }
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من يوسف عليه السلام للقوم عما لم يكن في رؤيا ملكهم، ولكنه من علم الغيب الذي آتاه الله دلالةً على نبوته وحجة على صدقة، كما:-
19377- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: ثم زاده الله علم سنة لم يسألوه عنها، فقال: (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) .
* * *
ويعني بقوله: (فيه يغاث الناس) ، بالمطر والغيث.
* * *
وبنحو ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19378 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس) ، قال: فيه يغاثون بالمطر.
19379 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (فيه يغاث الناس) ، قال: بالمطر.
19380 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال،قال ابن عباس: (ثم يأتي من بعد ذلك عام) ، قال: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه، وكان الله قد علمه إياه، (عام فيه يغاث الناس) ، بالمطر.
19381 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فيه يغاث الناس) ، بالمطر.
* * *
وأما قوله: (وفيه يعصرون) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: وفيه يعصرون العنب والسمسم وما أشبه ذلك.
*ذكر من قال ذلك:
19382 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وفيه يعصرون) ، قال: الأعناب والدُّهْن.
19383- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال،قال ابن عباس: (وفيه يعصرون) ، السمسم دهنًا، والعنب خمرًا، والزيتون زيتًا.
19384- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) ، يقول: يصيبهم غيث، فيعصرون فيه العنب، ويعصرون فيه الزيت، ويعصرون من كل الثمرات.
19385 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وفيه يعصرون) ، قال: يعصرون أعنابهم.
19386 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وفيه يعصرون) ، قال: العنب.
19387 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (وفيه يعصرون) ، قال: الزيت.
19388 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة: "وفيه يعصرون" قال: كانوا يعصرون الأعناب والثمرات.
19389- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وفيه يعصرون) ، قال: يعصرون الأعناب والزيتون والثمار من الخصب. هذا علم آتاه الله يوسف لم يُسْأل عنه.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (وفيه يعصرون) ، وفيه يَحْلِبون.
*ذكر من قال ذلك:
19390 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني فضالة، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وفيه يعصرون) ، قال: فيه يحلبون.
19391 - حدثني المثنى قال،أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثنا الفرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة قال: كان ابن عباس يقرأ: "وَفِيهِ تَعْصرُونَ" بالتاء، يعني: تحتلبون.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعض قرأة أهل المدينة والبصرة والكوفة: (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) ، بالياء، بمعنى ما وصفت، من قول من قال: عصر الأعناب والأدهان.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: "وَفِيهِ تَعْصِرُونَ" ، بالتاء.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif





ابوالوليد المسلم 19-07-2025 09:12 AM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (870)
صــ 131 إلى صــ 140





وقرأ بعضهم: "وَفِيهِ يُعْصَرُونَ" ، بمعنى: يمطرون.
وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، لخلافها ما عليه قرأة الأمصار.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك أن لقارئه الخيارَ في قراءته بأي القراءتين الأخريين شاء، إن شاء بالياء، ردًّا على الخبر به عن "الناس" ، على معنى: فيه يُغاث الناس وفيه يَعْصرون أعنابهم وأدهانهم= وإن شاء بالتاء، ردًّا على قوله: (إلا قليلا مما تحصنون) ، وخطابًا به لمن خاطبه بقوله: (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون) =لأنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار باتفاق المعنى، وإن اختلفت الألفاظ بهما. وذلك أن المخاطبين بذلك كان لا شك أنهم إذا أغيثوا وعَصَروا، أغيث الناس الذين كانوا بناحيتهم وعصروا. وكذلك كانوا إذا أغيث الناس بناحيتهم وعصروا، أغيث المخاطبون وعَصَروا، فهما متفقتا المعنى، وإن اختلفت الألفاظ بقراءة ذلك.
* * *
وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل، ممن يفسر القرآن برأيه على مَذهب كلام العرب، (1) يوجه معنى قوله: (وفيه يعصرون) إلى: وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث، ويزعم أنه من "العَصَر" و "العُصْرَة" التي بمعنى المنجاة، (2) من قول أبي زبيد الطائي:
صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ ... وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ (3)
(1)
يعني أبا عبيدة معمر بن المثنى، فهو قائل ذلك في كتابه مجاز القرآن 1: 313، 314.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة (من العصر والعصر) التي بمعنى المناجاة، والصواب من مجاز القرآن لأبي عبيدة.

(3)
أمالي اليزيدي: 8، وجمهرة أشعار العرب: 138، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 313 واللسان (نجد) و (عصر) ، وغيرها، من قصيدة رثى بها أخاه اللجلاج، وكان مات عطشًا في طريق مكة. يقول قبله، وهو من جيد الشعر: كُلَّ مَيْتٍ قَدِ اغْتَفَرَتُ فَلاَ أَجْـ ... ـزَعُ مِنْ وَالِدٍ وَلاَ مَوْلُودِ

غَيْرَ أَنَّ اللّجْلاجَ هَدَّ جَنَاحِي ... يَوْمَ فَارَقْتُهُ بِأَعْلَى الصَّعِيدِ
فِي ضَرِيحٍ عَلَيْهِ عِبْءٌ ثَقِيلٌ ... مِنْ تُرَابٍ وَجَنْدَلٍ مَنْضودِ
عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ صَدٍ حَرَّ ... انَ يَدْعُو باللَّيْلِ غَيْرَ مَعُودِ
و "المنجود" المكروب، والمقهور، والهالك، كله جيد.
أي المقهور. ومن قول لبيد:
فَبَاتَ وَأَسْرَى الْقَوْمُ آخِرَ لَيْلِهِمْ ... وَمَا كَانَ وقافًا بِغَيْرِ مُعَصَّرِ (1)
وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه خلافه قول جميع أهل العلم من الصحابة والتابعين.
* * *
وأما القول الذي رَوَى الفرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة، (2) فقولٌ لا معنى له، لأنه خلاف المعروف من كلام العرب، وخلاف ما يعرف من قول ابن عباس.
* * *
(1)
ديوانه، القصيدة 14، بيت رقم: 12، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 295، 314، واللسان (عصر) ، وغيرها، من قصيدة ذكر فيها من هلك من قومه، وهذا البيت من ذكر قيس بن جزء ابن خالد بن جعفر، وكان خرج غازيًا فظفر، فلما رجع مات فجأه على ظهر فرسه، بات على فرسه ربيئة لأصحابه، وعليه الدرع، فهرأه البرد فقتله. ففي ذلك يقول لبيد: وقيسُ بن جَزْءٍ يَوْمَ نَادَى صِحَابَهُ ... فَعَاجُوا عَلَيْهِ مِنْ سَوَاهِمَ ضمَّرِ

طَوَتْهُ المَنَايَا فَوْقَ جَرْدَاءَ شَطْبَةٍ ... تَدِفُّ دَفِيفَ الطَّائحِ المُتَمَطِّرِ
فَبَات ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يقول: نادى صحابه، فعطفوا عليه خيلا قد لوحها السفر وهزلها، وقد أخذته يد الموت وهو على ظهر فرسه الجرداء الطويلة، "تدف" ، أي تطير طيرانًا كما يفعل الطائر وهو قريب من وجه الأرض، و "الرائح المتمطر" ، وهو الطائر الذي يؤوب إلى فراخه، طائرًا في المطر، هاربًا منه، فذلك أسرع له.
يقول: فبات عليها هلكًا، وسار أصحابه، ولم يتأخر عنهم إلا لأمر أصابه. ورواية الديوان: "بدار معصر" ، وذكر الرواية الأخرى.
(2)
انظر رقم: 19391.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع الرسول الذي أرسلوه إلى يوسف، الذي قال: (أنا أنبئكم بتأويله فارسلون) فأخبرهم بتأويل رؤيا الملك عن يوسف = علم الملك حقيقة ما أفتاه به من تأويل رؤياه وصحة ذلك، وقال الملك: ائتوني بالذي عبَر رؤياي هذه. كالذي:-
19392 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: فخرج نبو من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك حتى أتى الملك، فأخبره بما قال، فلما أخبره بما في نفسه كمثل النهار، (1) وعرف أن الذي قال كائن كما قال، قال: "ائتوني به" .
19393 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما أتى الملك رسوله قال: "ائتوني به" .
* * *
وقوله: (فلما جاءه الرسول) ، يقول: فلما جاءه رسول الملك يدعوه إلى الملك = (قال ارجع إلى ربك) ، يقول: قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك (2) (فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ؟ وأبى أن يخرج مع الرسول وإجابةَ الملك، حتى يعرف صحّة أمره عندهم مما كانوا قرفوه به من شأن النساء، (3) فقال للرسول: سل الملك ما شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن، والمرأة التي سجنت بسببها؟ كما:-
(1)
في المطبوعة: "بمثل النهار" ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة، والصواب ما أثبت.

(2)
انظر تفسير "الرب" فيما سلف ص: 107، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "قذفوه" ، وأثبت الصواب من المخطوطة. "قرفه بالشيء" ، اتهمه به.

19394 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ، والمرأة التي سجنت بسبب أمرها، عما كان من ذلك.
19395 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما أتى الملك رسوله فأخبره، قال: (ائتوني به) ، فلما أتاه الرسول ودعاه إلى الملك، أبى يوسف الخروجَ معه = (وقال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) الآية. قال السدي، قال ابن عباس: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلمَ الملك بشأنه، ما زالت في نفس العزيز منه حاجَةٌ! يقول: هذا الذي راود امرأته.
19396 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجل، عن أبي الزناد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله يوسف إن كان ذا أناة! لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إليَّ لخرجت سريعًا، إن كان لحليمًا ذا أناة! (1)
19397- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم جاءني الداعي لأجبته، إذ جاءه الرسول فقال: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) الآية. (2)
(1)
الأثر: 19396 - هذا حديث ضعيف الإسناد، لإبهام الرجل الذي حدث عن أبي الزناد.

(2)
الأثر: 19397 - حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، رواه أبو جعفر من ثلاث طرق، هذا، والذي يليه، ورقم: 19401، 19402.

و "محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 12822، وغيرها قبله وبعده.
ومن طريق محمد بن عمرو، ورواه أحمد في مسند أبي هريرة، ونقله بإسناده ولفظه ابن كثير في تفسيره 4: 448، قال: "حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة" . ولم أوفق لاستخراجه من المسند، لطول مسند أبي هريرة.
وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 40، وقال: "قلت: له حديث في الصحيح غير هذا - رواه أحمد، وفيه محمد بن عمرو، وهو حسن الحديث" .
19398- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال،أخبرني سليمان بن بلال، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله. (1)
19399- حدثنا زكريا بن أبان المصريّ قال، حدثنا سعيد بن تليد قال، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال، حدثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي. (2)
19400- حدثني يونس قال،أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله (3) .
19401- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان بن مسلم قال، حدثنا
(1)
الأثر: 19398 - مكرر الذي قبله.

"سليمان بن بلال التيمي" ، ثقة روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11503.
(2)
الأثر: 19399: زكريا بن أبان المصري "، هو" زكريا بن يحيى بن أبان المصري "، شيخ الطبري، وسلف برقم: 5973، 12803، وانظر ما كتبته عن الشك في أمره هناك. وكان في المطبوعة:" المقرئ "، فكان" المصري "، لم يحسن قراءة المخطوطة."

وهذا الخبر صحيح الإسناد، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 277) ، عن سعيد بن تليد، بمثله مطولا، وانظر التعليق التالي.
(3)
الأثر: 19400 - هذه طريق أخرى للأثر السالف.

ومن هذه الطريق رواه البخاري في صحيحه مطولا (الفتح 6: 293 - 295) ، واستقصى الحافظ شرحه وتخريجه هناك.
ورواه مسلم في صحيحه مطولا 2: 183 / 15: 122، 123.
حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ هذه الآية: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم) ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت أنا، لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العُذر. (1)
19402- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم = ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأ: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ، الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو بعث إليَّ لأسرعت في الإجابة، وما ابتغيت العذر. (2)
19403 - حدثنا الحسن بن يحيى قال،أخبرنا عبد الرزاق قال،أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم بشيء حتى أشترط أن يخرجُوني.
ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم البابَ، ولكنه أراد أن يكون له العذر. (3)
19404- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة) ، أراد نبيُّ الله عليه السلام أن لا يخرج حتى يكون له العذر.
19405- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
(1)
الأثر: 19401 - من هذه الطريق رواه أحمد في مسنده، وانظر التعليق على رقم: 19397.

(2)
الأثر: 19042 - هو حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، كما بينته في رقم: 19397.

(3)
الأثر: 19403 - هذا حديث مرسل.

ابن جريج، قوله: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ، قال: أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن.
* * *
وقوله: (إن ربي بكيدهن عليم) ، يقول: إن الله تعالى ذكره ذو علم بصنيعهن وأفعالهن التي فعلن، بي ويفعلن بغيري من الناس، لا يخفى عليه ذلك كله، وهو من ورَاء جزائهن على ذلك. (1)
* * *
وقيل: إن معنى ذلك: إن سيدي إطفير العزيز، زوج المرأة التي راودتني عن نفسي، ذو علم ببراءتي مما قرفتني به من السوء. (2)
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) }
قال أبو جعفر: وفي هذا الكلام متروك، قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عنه، وهو: "فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته، فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن وامرأة العزيز" فقال لهن: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه) ، كالذي:-
19406 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: فلما
(1)
انظر تفسير "الكيد" فيما سلف ص: 88، تعليق: 2، والمراجع هناك.

= وتفسير "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .
(2)
في المطبوعة: "قذفتني به" ، والصواب من المخطوطة: أي: اتهمتني به.

جاء الرسول الملك من عند يوسف بما أرسله إليه، جمع النسوة وقال: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه) ؟
* * *
ويعني بقوله: (ما خطبكن) ، ما كان أمركن، وما كان شأنكن= (إذ راودتن يوسف عن نفسه) (1) = فأجبنه فقلن: (حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) ، (2) تقول: الآن تبين الحق وانكشف فظهر، (أنا راودته عن نفسه) = وإن يوسف لمن الصادقين في قوله: (هي راودتني عن نفسي) .
* * *
وبمثل ما قلنا في معنى: (الآن حصحص الحق) ، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19407 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (الآن حصحص الحق) ، قال: تبيّن.
19408 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (الآن حصحص الحق) ، تبيّن.
19409- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19410- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19411- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
(1)
انظر تفسير "المراودة" فيما سلف ص: 86، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "حاش الله" فيما سلف ص: 81 - 84.

19412 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (الآن حصحص الحق) ، الآن تبين الحق.
19413- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19414- حدثنا الحسن بن يحيى قال،أخبرنا عبد الرزاق قال،أخبرنا معمر، عن قتادة: (الآن حصحص الحق) ، قال: تبيّن.
19415- حدثنا الحسن بن محمد قال،حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (الآن حصحص الحق) قال: تبين.
19416- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، مثله.
19417- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال،أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله.
19418- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قالت راعيل امرأة إطفير العزيز: (الآن حصحص الحق) ، أي: الآن برز الحق وتبيَّن = (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) ، فيما كان قال يوسف مما ادّعَت عليه.
19419- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: قال الملك: ائتوني بهن! فقال: (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) ، ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه، ودخل معها البيت وحلّ سراويله، ثم شدَّه بعد ذلك،، فلا تدري ما بدا له.
فقالت امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق) .
19420 - حدثني يونس قال،أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد، في قوله: (الآن حصحص الحق) ، تبين.
* * *
وأصل حَصحص: "حصَّ" ، ولكن قيل: "حصحص" ، كما قيل: (فَكُبْكِبُوا) ، [سورة الشعراء: 94] ، في "كبوا" ، وقيل: "كفكف" في "كف" ، و "ذرذر" في "ذرّ" . (1) وأصل "الحص" : استئصال الشيء، يقال منه: "حَصَّ شعره" ، إذا استأصله جزًّا. وإنما أريد في هذا الموضع بقوله: (حصحص الحق) ، (2) ذهب الباطل والكذب فانقطع، وتبين الحق فظهر.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، هذا الفعل الذي فعلتُه، من ردّي رسول الملك إليه، وتركي إجابته والخروج إليه، ومسألتي إيّاه أن يسأل النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن عن شأنهن إذ قطعن أيديهن، إنما فعلته ليعلم أني لم أخنه في زوجته= "بالغيب" ، يقول: لم أركب منها فاحشةً في حال غيبته عني. (3) وإذا لم يركب ذلك بمغيبه، فهو في حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدًا من ركوبه، كما:-
19421- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال،يقول يوسف: (ذلك ليعلم) ، إطفير سيده = (أني لم أخنه بالغيب) ، أني لم أكن لأخالفه إلى أهله من حيث لا يعلمه.
(1)
في المخطوطة: "وردرد" ، في: رد، وكأن الصواب ما في المطبوعة. و "الذرذرة" ، تفريقك الشيء وتبديدك إياه. و "ذر الشيء" ، بدده.

(2)
في المطبوعة: أسقط قوله: "بقوله" .

(3)
انظر تفسير "الغيب" فيما سلف من فهارس اللغة (غيب) .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 03:45 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (871)
صــ 141 إلى صــ 150





19422 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، يوسف يقوله.
19423- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) يوسف يقوله: لم أخن سيِّدي.
19424-....قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال يوسف يقوله.
19425 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال: هذا قول يوسف.
19426- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال هو يوسف، لم يخن العزيز في امرأته.
19427- حدِثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" ، هو يوسف يقول: لم أخن الملك بالغيب.
* * *
وقوله: (وأنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين) ، يقول: فعلت ذلك ليعلم سيدي أني لم أخنه بالغيب = (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) ، يقول: وأن الله لا يسدّد صنيع من خان الأمانات، ولا يرشد فعالهم في خيانتهموها. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

= وتفسير "الكيد" فيما سلف ص: 137، تعليق 1، والمراجع هناك.
واتصل قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، بقول امرأة العزيز: (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) ، لمعرفة السامعين لمعناه، كاتصال قول الله: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) ، بقول المرأة: (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) ، [سورة النمل: 34] وذلك أن قوله: (وكذلك يفعلون) ، خبر مبتدأ، وكذلك قول فرعون لأصحابه في "سورة الأعراف" ، (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) ، وهو متصل بقول الملأ (يُريدُ أن يُخْرِجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ) [سورة الأعراف: 110] . (1)
* * *
(1)
انظر ما سلف 13: 20.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) }
قال أبو جعفر: يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها= (إن النفس لأمارة بالسوء) ، يقول: إن النفوسَ نفوسَ العباد، تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله= (إلا ما رحم ربي) يقول: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمرُه به من السوء = (إن ربي غفور رحيم) .
* * *
و "ما" في قوله: (إلا ما رحم ربي) ، في موضع نصب، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله، كقوله: (ولا هُمْ يُنْقَذُونَ إلا رَحْمَةً مِنَّا) [سورة يس: 43، 44] بمعنى: إلا أن يرحموا. و "أن" ، إذا كانت في معنى المصدر، تضارع "ما" .
* * *
ويعني بقوله: (إن ربي غفور رحيم) ، أن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه، بتركه عقوبته عليها وفضيحته بها = "رحيم" ، به بعد توبته، أن يعذبه عليها.
* * *
وذُكر أن يوسف قال هذا القول، من أجل أن يوسف لما قال: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال ملك من الملائكة: ولا يومَ هممت بها! فقال يوسفُ حينئذ: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
* * *
وقد قيل: إن القائل ليوسف: "ولا يومَ هممت بها، فحللت سراويلك" ! هو امرأة العزيز، فأجابها يوسف بهذا الجواب.
* * *
وقيل: إن يوسف قال ذلك ابتداءً من قبل نفسه.
* * *
*ذكر من قال ذلك:
19428 - حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة فسألهن: هل راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن حَاشَ لله، ما علمنا عليه من سوء! قالت امرأة العزيز: (الآن حصحص الحق) الآية. قال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال فقال له جبريل: ولا يوم هممت بما هممت! فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19429- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة، قال لهن: أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ = ثم ذكر سائر الحديث، مثل حديث أبي كريب، عن وكيع.
19430- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو قال،أخبرنا إسرائيل
عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما جمع فرعون النسوة، (1) قال: أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر نحوه= غير أنه قال: فغمزه جبريل، فقال: ولا حين هممت بها! فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19431 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير قال: لما قال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) . قال جبريل، أو مَلَك: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19432- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، بنحوه= إلا أنه قال: قال له المَلَك: ولا حين هممت بها؟ ولم يقل: "أو جبريل" ، ثم ذكر سائر الحديث مثله.
19433- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، وأحمد بن بشير، عن مسعر، عن أبى حصين، عن سعيد بن جبير: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال فقال له الملك= أو: جبريل=: ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19434 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل قال: لما قال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال له جبريل: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19435- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، بمثله.
19436- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو قال،أخبرنا مسعر،
(1)
في المطبوعة: "لما جمع الملك" ، وأثبت ما في المخطوطة.

عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، مثل حديث ابن وكيع، عن محمد بن بشر وأحمد بن بشير سواءً.
19437 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا العلاء بن عبد الجبار، وزيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال له جبريل: اذكر همَّك! فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19438 - حدثنا الحسن قال، حدثنا عفان قال، حدثنا حماد، عن ثابت، عن الحسن: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) قال جبريل: يا يوسف اذكر همك! قال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19439 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، في قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال: هذا قول يوسف قال: فقال له جبريل: ولا حين حللت سراويلك؟ قال فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) ، الآية.
19440- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال،أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح، بنحوه.
19441 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ذُكر لنا أن الملك الذي كان مع يوسف، قال له: اذكر ما هممت به. قال نبي الله: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
19442- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: بلغني أن الملك قال له حين قال ما قال: أتذكر همك؟ فقال: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) .
19443 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال الملك،
وطَعَن في جنبه: يا يوسف، ولا حين هممت؟ قال: فقال: (وما أبرئ نفسي) .
* * *
*ذكر من قال: قائل ذلك له المرأة.
19444- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ، قال: قاله يوسف حين جيء به، ليعلم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين. فقالت امرأة العزيز: يا يوسف، ولا يوم حللت سراويلك؟ فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) .
* * *
* ذكر من قال: قائل ذلك يوسف لنفسه، من غير تذكير مذكّر ذكره ولكنه تذكّر ما كان سلف منه في ذلك.
19445- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) ، هو قول يوسف لمليكه، حين أراه الله عذره، فذكر أنه قد همَّ بها وهمت به، فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) ، الآية.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "وقال الملك" ، يعني ملك مصر الأكبر، وهو فيما ذكر ابن إسحاق: الوليد بن الرّيان.
19446 - حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عنه.
* * *
= حين تبين عذر يوسف، وعرف أمانته وعلمه، قال لأصحابه: (ائتوني به أستخلصه لنفسي) ، يقول: أجعله من خُلصائي دون غيري.
* * *
وقوله: (فلما كلمه) ، يقول: فلما كلم الملك يوسفَ، وعرف براءته وعِظَم أمانته قال له: إنك يا يوسف، "لدينا مكين أمين" ، أي: متمكن مما أردت، وعرض لك من حاجة قبلنا، لرفعة مكانك ومنزلتك، لدينا = أمين على ما أؤتمنت عليه من شيء.
19447 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما وجد الملك له عذرًا قال: (ائتوني به أستخلصه لنفسي) .
19448 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أستخلصه لنفسي) ، يقول: أتخذه لنفسي.
19449- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل قال الملك: (ائتوني به أستخلصه لنفسي) قال: قال له الملك: إني أريد أن أخلصك لنفسي، غير أني آنَفُ أن تأكُل معي.
فقال يوسف: أنا أحق أن آنفَ، أنا ابن إسحاق= أو: أنا ابن إسماعيل= أبو جعفر شكَّ، وفي كتابي: ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله.
19450- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل بنحوه= غير أنه قال: أنا ابن إبراهيم خليل الله، ابن إسماعيل ذبيح الله.
19451- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: قال العزيز ليوسف: ما من شيء إلا وأنا أحبُّ أن تشركني فيه، إلا أني أحب أن لا تشركني في أهلي، وأن لا يأكل معي عَبْدي! قال: أتأنف أن آكل معك؟ فأنا أحق أن آنف منك، أنا ابن إبراهيم خليل الله، وابن إسحاق الذبيح، وابن يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن.
19452 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا سفيان بن عقبة، عن حمزة الزيات، عن ابن إسحاق، عن أبي ميسرة قال: لما رأى العزيز لَبَقَ يوسف وكيسه وظَرْفه، دعاه فكان يتغدى ويتعشى معه دون غلمانه. فلما كان بينه وبين المرأة ما كان، قالت له: تُدْنِي هذا! مُرْهُ فليتغدَّ مع الغلمان. قال له: اذهب فتغدَّ مع الغلمان. فقال له يوسف في وجهه: ترغب أن تأكل معي = أو تَنْكَف (1) = أنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال يوسف للملك: اجعلني على خزائن أرضك.
* * *
وهي جمع "خِزَانة" .
* * *
و "الألف واللام" دخلتا في "الأرض" خلفًا من الإضافة، كما قال الشاعر:
(1)
يقال: "نكف من الشيء" و "استنكف منه" بمعنى واحد.

(1)

والأَحْلامُ غَيْرُ عَوَازِبِ (2)
* * *
وهذا من يوسف صلوات الله عليه، مسألة منه للملك أن يولّيه أمر طعام بلده وخراجها، والقيام بأسباب بلده، ففعل ذلك الملك به، فيما بلغني، كما:-
19453 - حدثني يونس قال،أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد في قوله: (اجعلني على خزائن الأرض) ، قال: كان لفرعون خزائن كثيرة غير الطعام قال: فأسلم سلطانه كُلَّه إليه، وجعل القضاء إليه، أمرُه وقضاؤه نافذٌ.
19454- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا إبراهيم بن المختار، عن شيبة الضبي، في قوله: (اجعلني على خزائن الأرض) ، قال: على حفظ الطعام (3) .
* * *
وقوله: (إني حفيظ عليم) اختلف أهل التأويل في تأويله.
فقال بعضهم: معنى ذلك: إني حفيظ لما استودعتني، عليم بما وليتني.
*ذكر من قال ذلك:
19455 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إني حفيظ عليم) ، إني حافظ لما استودعتني، عالم بما وليتني. قال: قد فعلت.
19456 - حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إني حفيظ عليم) ، يقول: حفيظ لما وليت، عليم بأمره.
(1)
هو النابغة الذبياني.

(2)
سلف البيت وتخريجه وشرحه 5: 160 /13: 106، وهو: لَهُمْ شِيمَةٌ لَمْ يُعْطِهَا الدَّهُرْ غَيْرَهُم ... مِنَ النَّاسِ، والأَحْلامُ غيْرُ عَوَازِبِ

(3)
الأثر: 19454 - "إبراهيم بن المختار التميمي" ، ممن يتقى حديثه، وبخاصة من رواية محمد بن حميد عنه، مضى برقم: 4038، 14365، 17631.

و "شيبة الضبي" ، هو "شيبة بن نعامة الضبي" ، "أبو نعامة" ، ضعيف الحديث لا يحتج به، مترجم في الكبير 2 / 2 / 143، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 335، وميزان الاعتدال 1: 452، ولسان الميزان 3: 159.
وانظر الإسناد الآتي رقم: 19457.
19457 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا إبراهيم بن المختار، عن شيبة الضبي في قوله: (إني حفيظ عليم) يقول: إني حفيظ لما استودعتني، عليم بسني المجاعة. (1)
* * *
وقال آخرون: إني حافظ للحساب، عليم بالألسن.
*ذكر من قال ذلك:
19458 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن الأشجعي: (إني حفيظ عليم) ، حافظ للحساب، عليم بالألسن.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: "إني حافظ لما استودعتني، عالم بما أوليتني" ، لأن ذلك عقيب قوله: (اجعلني على خزائن الأرض) ، ومسألته الملك استكفاءه خزائن الأرض، فكان إعلامه بأن عنده خبرةً في ذلك وكفايته إياه، أشبه من إعلامه حفظه الحساب، ومعرفته بالألسن. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) }
(1)
الأثر: 19457 - انظر بيانه في التعليق على رقم: 19454.

(2)
انظر تفسير "حفيظ" فيما سلف 15: 449، تعليق: 1، والمراجع هناك

= وتفسير "عليم" في فهارس اللغة (علم) .


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 03:49 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (872)
صــ 151 إلى صــ 160





قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهكذا وطَّأنا ليوسف في الأرض (1) = يعني أرض مصر = (يتبوأ منها حيث يشاء) ، يقول: يتخذ من أرض مصر منزلا حيث يشاء، بعد الحبس والضيق (2) = (نصيب برحمتنا من نشاء) ، من خلقنا، كما أصبنا يوسف بها، فمكنا له في الأرض بعد العبودة والإسار، وبعد الإلقاء في الجبّ = (ولا نضيع أجر المحسنين) ، يقول: ولا نبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه، وعمل بما أمره، وانتهى عما نهاه عنه، كما لم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله. (3)
* * *
وكان تمكين الله ليوسف في الأرض كما:-
19459 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما قال يوسف للملك: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) قال الملك: قد فعلت! فولاه فيما يذكرون عمل إطفير وعزل إطفير عما كان عليه، يقول الله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) ، الآية. قال: فذكر لي، والله أعلم أن إطفير هَلَك في تلك الليالي، وأن الملك الرَّيان بن الوليد، زوَّج يوسف امرأة إطفير راعيل، وأنها حين دخلت عليه قال: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيُّها الصديق، لا تلمني، فإني كنت امرأة كما ترى حسنًا وجمالا ناعمةً في ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنتَ كما جعلك الله في حسنك وهيئتك، فغلبتني نفسي على ما رأيت. فيزعمون أنه وجدَها عذراء، فأصابها، فولدت له رجلين: أفرائيم بن يوسف، وميشا بن يوسف.
19460 - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
(1)
انظر تفسير "التمكين" فيما سلف ص: 20، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "تبوأ" فيما سلف 15: 198، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الأجر" و "الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) ، (حسن)

(وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها، وكان يلي البيعَ والتجارة وأمرَها كله، فذلك قوله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) .
19461 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد في قوله: (يتبوأ منها حيث يشاء) قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا، يصنع فيها ما يشاء، فُوِّضَتْ إليه. قال: ولو شاء أن يجعَل فرعون من تحت يديه، ويجعله فوقه لفعل.
19462 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال،أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن مجاهد قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة= (خير للذين آمنوا) يقول: للذين صدقوا الله ورسوله، مما أعطى يوسف في الدنيا من تمكينه له في أرض مصر = (وكانوا يتقون) ، يقول: وكانوا يتقون الله، فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال محارمه، فيطيعونه في أمره ونهيه.
* * *
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم) ، يوسف، (وهم) ليوسف (منكرون) لا يعرفونه.
* * *
وكان سبب مجيئهم يوسفَ، فيما ذكر لي، كما:-
19463 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما اطمأن يوسف في ملكه، وخرج من البلاء الذي كان فيه، وخلت السنون المخصبة التي كان أمرهم بالإعداد فيها للسنين التي أخبرهم بها أنها كائنة، جُهد الناس في كل وجه، وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلدة. وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الجهد، قد آسى بينهم، (1) وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا، ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين، تقسيطًا بين الناس، وتوسيعًا عليهم، (2) فقدم إخوته فيمن قدم عليه من الناس، يلتمسون الميرة من مصر، فعرفهم وهم له منكرون، لما أراد الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام فيما أراد. (3)
19464- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: أصاب الناس الجوعُ، حتى أصاب بلادَ يعقوب التي هو بها، فبعث بنيه إلى مصر، وأمسك أخا يوسف بنيامين ; فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون ; فلما نظر إليهم، قال: أخبروني ما أمركم، فإني أنكر شأنكم! قالوا: نحن قوم من أرض الشأم. قال: فما جاء بكم قالوا: جئنا نمتار طعامًا. قال:
(1)
في المطبوعة: "أسا بينهم" ، والصواب من المخطوطة. و "آسى بين القوم" ، سوى بينهم، وجعل كل واحد أسوة لصاحبه، أي مثله.

(2)
"التقسيط" التفريق، أعطى لكل امرئ قسطًا، وهو من العدل بينهم.

(3)
في المطبوعة: "ما أراد" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.

كذبتم، أنتم عيون، كم أنتم؟ قالوا: عشرة. قال: أنتم عشرة آلاف، كل رجل منكم أمير ألف، فأخبروني خبركم. قالوا: إنّا إخوة بنو رجل صِدِّيق، وإنا كنا اثنى عشر، وكان أبونا يحبّ أخًا لنا، وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها، وكان أحبَّنا إلى أبينا. قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه. قال: فكيف تخبروني أن أباكم صدِّيق، وهو يحب الصغير منكم دون الكبير؟ ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون) ، قال: فضعُوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا. فوضعوا شمعون.
19465- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وهم له منكرون) قال: لا يعرفونه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ (59) }
قال أبو جعفر: يقول: ولما حمَّل يوسف لإخوته أبا عرهم من الطعام، فأوقر لكل رجل منهم بعيرَه، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) كيما أحمل لكم بعيرًا آخر، فتزدادوا به حمل بعير آخر، (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، (1) فلا أبخسه
(1)
انظر تفسير "الإيفاء" فيما سلف 15: 492، تعليق: 1، والمراجع هناك.

= وتفسير "الكيل" فيما سلف 15: 446، تعليق: 1، والمراجع هناك.
أحدًا= (وأنا خير المنزلين) ، وأنا خير من أنزل ضيفًا على نفسه من الناس بهذه البلدة، فأنا أضيفكم. كما:
19466- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأنا خير المنزلين) ، يوسف يقوله: (1) أنا خيرُ من يُضيف بمصر.
19467- حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جهز يوسف فيمن جهَّز من الناس، حَمَل لكل رجل منهم بعيرًا بعدّتهم، ثم قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) ، أجعل لكم بعيرًا آخر، أو كما قال= (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، أي: لا أبخس الناس شيئًا= (وأنا خير المنزلين) :، أي خير لكم من غيري، فإنكم إن أتيتم به أكرمت منزلتكم وأحسنت إليكم، وازددتم به بعيرًا مع عدّتكم، فإني لا أعطي كلّ رجل منكم إلا بعيرًا (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) ، لا تقربوا بلدي.
19468- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) ، يعني بنيامين، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل يوسف لإخوته: (فإن لم تأتوني به) ، بأخيكم من أبيكم= (فلا كيل لكم عندي) ، يقول: فليس لكم عندي طعام أكيله لكم= (ولا تقربون) ، يقول: ولا تقربوا بلادي.
(1)
في المطبوعة: "يوسف يقول" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.

وقوله: (ولا تقربون) ، في موضع جزم بالنهي، و "النون" في موضع نصب، وكسرت لما حذفت ياؤها، والكلام: ولا تقربُوني.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) : (قالوا سنراود عنه أباه) ، ونسأله أن يخليّه معنا حتى نجيء به إليك (1) = (وإنا لفاعلون) يعنون بذلك: وإنا لفاعلون ما قلنا لك إنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ولنجتهدنَّ كما:-
19469- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإنا لفاعلون) ، لنجتهدنّ.
* * *
وقوله: (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول تعالى ذكره: وقال يوسف= "لفتيانه" ، وهم غلمانه، (2) كما:-
19470- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وقال لفتيانه) ، أي: لغلمانه.
* * *
(اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول: اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم (3) = "في رحالهم" .
(1)
انظر تفسير "المراودة" فيما سلف ص: 138، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الفتى" فيما سلف ص: 94، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "البضاعة" فيما سلف ص 4 - 7

= و "الرحال" ، جمع "رَحْل" ، وذلك جمع الكثير، فأما القليل من الجمع منه فهو: "أرْحُل" ، وذلك جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في معنى "البضاعة" ، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19471- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) : أي: أوراقهم (1)
19472- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام، فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون.
19473- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: وقال لفتيته وهو يكيل لهم: "اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون" إليّ.
* * *
فإن قال قائل: ولأيّةِ علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم؟
قيل: يحتمل ذلك أوجهًا:
أحدها: أن يكون خَشي أن لا يكون عند أبيه دراهم، إذ كانت السَّنة سنة جَدْب وقَحْط، فيُضِرُّ أخذ ذلك منهم به، وأحبّ أن يرجع إليه.
= أو: أرادَ أن يتسع بها أبوه وإخوته، مع [قلّة] حاجتهم إليه، (2) فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب ردّه، تكرمًا وتفضُّلا.
(1)
"الأوراق" جمع "ورق" (بفتح فكسر) ، و "ورق" (بفتحتين) ، وهو الفضة، أو المال كله ما كان.

(2)
في المخطوطة: "وأراد" ، والصواب "أو" كما في المطبوعة. والذي بين القوسين ليس في المخطوطة أيضًا، فزدته استظهارًا، لحاجة المعنى إليه.

والثالث: وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع، إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملَكهُ عليهم غيرهم، عوضًا من طعامه، (1) ويتحرّجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدُّوه على صاحبه، فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم= (قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل) ، يقول: منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا، ولم يكل لكل رجُلٍ منّا إلا كيل بعير- (فأرسل معنا أخانا) ، بنيامين يكتلَ لنفسه كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا= (وإنا له لحافظون) ، من أن يناله مكروه في سفره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19474- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامةَ ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، وإنه ارتهن شمعون، وقال: ائتوني بأخيكم هذا
(1)
في المطبوعة: "عوضًا من طعامهم" ، وإنما فعل ذلك لأن معنى الكلام خفي عليه.

وهو كلام بلا شك خفي المعنى، ومعناه: أن هذا الثمن قد ملكه غيرهم، وغلبهم على ملكه من أعطاهم هذا الطعام عوضًا عن الثمن.
الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك، فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي. قال يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين) ؟ قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوه مني السلام، وقولوا: إن أبانا يصلِّي عليك، ويدعو لك بما أوليتنا.
19475-حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: خرجوا حتى قدموا على أبيهم، وكان منزلهم، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعرَبات من أرض فلسطين بِغَوْرِ الشأم= وبعض يقول: بالأولاج من ناحية الشّعب، أسفل من حِسْمى (1) = وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل، فقالوا: يا أبانا، قدمنا على خير رجُلٍ، أنزلنا فأكرم منزلنا، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا، وقد أمرنا أن نأتِيَه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا، فلا تقربُنِّي ولا تدخلُنّ بلدي. فقال لهم يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) ؟
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (نكتل) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة، وبعض أهل مكة والكوفة (نَكْتَلْ) ، بالنون، بمعنى: نكتل نحن وهو.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: "يَكْتَلْ" ، بالياء؛ بمعنى يكتل هو لنفسه، كما نكتال لأنفسنا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ. وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادةَ الكيل على عدد رءوسهم، فقالوا: (يا أبانا مُنع منا الكيل) = ثم
(1)
في المخطوطة: "من حسو" ، والصواب ما في المطبوعة.

سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه، فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم، فقد دخل "الأخ" في عددهم. فسواءٌ كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه، أو عن جميعهم بلفظ الجميع، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قَبْلِه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (فالله خير حافظا) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا) ، بمعنى: والله خيركم حفظًا.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض أهل مكة: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا) بالألف على توجيه "الحافظ" إلى أنه تفسير للخير، كما يقال: "هو خير رجلا" ، والمعنى: فالله خيركم حافظًا، ثم حذفت "الكاف والميم" .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علمٍ بالقرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا، ومن

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 03:53 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (873)
صــ 161 إلى صــ 170





وصفه بأنه خيرهم حافظًا، فقد وصفه بأنه خيرهم حفظًا
* * *
= (وهو أرحم الراحمين) ، يقول: والله أرحم راحمٍ بخلقه، يرحم ضعفي على كبر سنِّي، ووحدتي بفقد ولدي، فلا يضيعه، ولكنه يحفظه حتى يردَّه عليَّ لرحمته.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنزدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعَهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف= (وجدوا بضاعتهم) ، وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه= رُدّت إليهم، (قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا) يعني أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا! تطييبًا منهم لنفسه بما صُنع بهم في ردِّ بضاعتهم إليهم. (1)
* * *
وإذا وُجِّه الكلام إلى هذا المعنى، كانت "ما" استفهامًا في موضع نصب بقوله: (نبغي) .
* * *
وإلى هذا التأويل كان يوجِّهه قتادة.
19476-حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
(1)
في المطبوعة: "ردت إليه" ، والجيد ما أثبت.

(ما نبغي) يقول: ما نبغي وراء هذا، إن بضاعتنا ردت إلينا، وقد أوفى لنا الكيل.
* * *
وقوله: (ونمير أهلنا) ، يقول: ونطلب لأهلنا طعامًا فنشتريه لهم.
* * *
يقال منه: "مارَ فلانٌ أهلهَ يميرهم مَيْرًا" ، ومنه قول الشاعر: (1)
بَعَثْتُكَ مَائِرًا فَمَكَثْتَ حَوْلا ... مَتَى يَأْتِي غِيَاثُكَ مَنْ تُغِيثُ
* * *
(ونحفظ أخانا) ، الذي ترسله معنا (ونزداد كيل بعير) ، يقول: ونزداد على أحمالنا [من] الطعام حمل بعير (2) يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا= (ذلك كيل يسير) ، يقول: هذا حمل يسير. كما:-
19477-حدثني الحارث، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج: (ونزداد كيل بعير) قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير، فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير= وقال ابن جريج: قال مجاهد: (كيل بعير) حمل حمار. قال: وهي لغة= قال القاسم: يعني مجاهد: أن "الحمار" يقال له في بعض اللغات: "بعير" .
19478- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ونزداد كيل بعير) ، يقول: حمل بعير.
19479- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ونزداد كيل بعير) نَعُدّ به بعيرًا مع إبلنا= (ذلك كيل يسير) .
* * *
(1)
لم أعرف قائله، ولم أجد البيت في مكان، وإن كنت أخالني أعرفه.

(2)
الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر= (حتى تؤتون موثقًا من الله) ، يقول: حتى تعطون موثقًا من الله= بمعنى "الميثاق" ، وهو ما يوثق به من يمينٍ وعهد (1) (لتأتنني به) يقول لتأتنني بأخيكم= (إلا أن يحاط بكم) ، يقول: إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19480- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فلما آتوه موثقهم) ، قال: عهدهم.
19481- حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
19482- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إلا أن يحاط بكم) :، إلا أن تهلكوا جميعًا.
19483- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
(1)
انظر تفسير "الميثاق" فيما سلف 14: 82، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإحاطة" فيما سلف 15: 462، تعليق: 1، والمراجع هناك.

19484- قال، وحدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19485- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: (إلا أن يحاط بكم) ، قال: إلا أن تغلَبوا حتى لا تطيقوا ذلك.
19486- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قوله: (إلا أن يحاط بكم) :، إلا أن يصيبكم أمرٌ يذهب بكم جميعًا، فيكون ذلك عذرًا لكم عندي.
* * *
وقوله: (فلما آتوه موثقهم) ، يقول: فلما أعطوه عهودهم= "قال" ، يعقوب: (الله على ما نقول) ، أنا وأنتم= (وكيل) ، يقول: هو شهيد علينا بالوفاء بما نقول جميعًا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادُوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد، وادخلوا من أبواب متفرقة.
(1)
انظر تفسير "الوكيل" فيما سلف 15: 220، تعليق: 3، والمراجع هناك.

* * *
وذكر أنه قال ذلك لهم، لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة، (1) فخاف عليهم العينَ إذا دخلوا جماعة من طريق واحدٍ، وهم ولد رجل واحد، فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها. كما:-
19487- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك: (لا تدخلوا من بابٍ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: خاف عليهم العينَ.
19488- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد) خشي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم العينَ على بنيه، كانوا ذوي صُورة وجَمال.
19489- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالا فخشي عليهم أنفُسَ الناس.
19490- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، قال: رهب يعقوب عليه السلام عليهم العينَ.
19491- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لا تدخلوا من باب واحد) ، خشي يعقوب على ولده العينَ.
19492- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: (لا تدخلوا من باب واحد) ، قال: خشي عليهم العين.
(1)
في المطبوعة: "وهيبة" ، لأنها في المخطوطة: "وهمة" ، غير منقوطة، وستأتي كذلك بعد، وسأصححها دون أن أشير هذا التصحيح في سائر المواضع.

19493- ... قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم على بنيه العين، فقال: (يا بني لا تدخلوا من باب واحد) . فيقال: هؤلاء لرجل واحدٍ! ولكن ادخلوا من أبواب متفرقة.
19494- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما أجمعوا الخروجَ= يعني ولد يعقوب= قال يعقوب: (يا بنيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) ، خشي عليهم أعين الناس، لهيأتهم، وأنهم لرجل واحدٍ.
* * *
وقوله: (وما أغني عنكم من الله من شيء) ، يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير، لأن قضاءه نافذ في خلقه (1) = (إن الحكم إلا لله) ، يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء، فإنه يحكم في خلقه بما يشاء، فينفذ فيهم حكمه، ويقضي فيهم، ولا يُرَدّ قضاؤه= (عليه توكلت) ، يقول: على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم عليّ، حتى يردكم إليّ وأنتم سالمون معافون، لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة= (وعليه فليتوكل المتوكلون) ، يقول: وإلى الله فليفوِّض أمورَهم المفوِّضون. (2)
* * *
(1)
انظر تفسير "أغنى" فيما سلف 15: 472، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "التوكل" فيما سلف 15: 545، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب (من حيث أمرهم أبوهم، وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرقة= (ما كان يغني) ، دخولهم إياها كذلك= (عنهم) من قضاء الله الذي قضاه فيهم فحتمه، (من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، إلا أنهم قضوا وطرًا ليعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفًا من العين عليهم، فاطمأنت نفسه أن يكونوا أوتوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه. كما:-
19495- حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، خيفة العين على بنيه.
19496- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19497- ... قال: أخبرنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19498- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال: خشية العين عليهم.
19499- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قوله: (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) ، قال: ما تخوَّف على بنيه من أعين الناس لهيأتهم وعِدّتهم.
* * *
وقوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) ، يقولُ تعالى ذكره: وإن يعقوب لذو علم لتعليمنا إياه.
* * *
وقيل: معناه وإنه لذو حفظٍ لما استودعنا صدره من العلم.
* * *
واختلف عن قتادة في ذلك:
19500- فحدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإنه لذو علم لما علمناه) : أي: مما علمناه.
19501- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن أبي عروبة عن قتادة: (وإنه لذو علم لما علمناه) ، قال: إنه لعامل بما عَلم.
19502- ... قال: المثنى قال إسحاق قال عبد الله قال سفيان: (إنه لذو علم) ، مما علمناه. وقال: من لا يعمل لا يكون عالمًا.
* * *
= (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ، يقول جل ثناؤه: ولكن كثيرًا من الناس غير يعقوب، لا يعلمون ما يعلمه، لأنَّا حَرَمناه ذلك فلم يعلمه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما دخل ولد يعقوب على يوسف= (آوى إليه أخاه) ، يقول: ضم إليه أخاه لأبيه وأمه. (1)
* * *
وكان إيواؤه إياه، (2) كما:-
19503- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) ، قال: عرف أخاه، فأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب. فلما كان الليلُ جاءهم بِمُثُل، فقال: لينم كل أخوين منكم على مِثَال. (3) فلما بقي الغلام وحده، قال يوسف: هذا ينام معي على فراشي. فبات معه، فجعل يوسف يشمُّ ريحه، ويضمه إليه حتى أصبح، وجعل روبيل يقول: ما رأيْنا مثل هذا! أريحُونا منه!
19504- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما دخلوا= يعني ولد يعقوب= على يوسف، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتَنا أن نأتيك به، قد جئناك به. فذكر لي أنه قال لهم: قد أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي= أو كما قال. ثم قال: إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم. ودعا [صاحب]
(1)
انظر تفسير "الإيواء" فيما سلف 15: 422، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
كان الكلام في المطبوعة هكذا: "وكل أخوه لأبيه" ، فلم يحسن قراءة المخطوطة، فجاء بكلام لا معنى له، وكان فيها: "وكل إيواوه إياه" غير منقوطة، وهذا صواب قراءته.

(3)
"المثال" (بكسر الميم) ، وجمعه "مثل" (بضمتين) ، وهو الفراش، وفي الحديث أنه دخل على سعد بن أبي وقاص، وفي البيت متاع رث ومثال رث أي: فراش خلق بال. ويقال: هو النمط الذي يفترش من مفارش الصوف الملونة.

ضيافته. (1) فقال: أنزل كل رجلين على حدة، ثم أكرمهما، وأحسن ضيافتهما. ثم قال: إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثانٍ، فسأضمه إليّ، فيكون منزله معي. فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتَّى، وأنزل أخاه معه، فآواه إليه. فلما خلا به قال إني أنا أخوك، أنا يوسف، فلا تبتئس بشيء فعلوه بنا فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا، ولا تعلمهم شيئًا مما أعلمتك. يقول الله: (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) .
19505- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه) ، ضمه إليه، وأنزله، وهو بنيامين.
19506- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول= وسئل عن قول يوسف: (ولما دخلوا على يوسف آوى الله أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون) =: كيف أصابه حين أخذ بالصُّواع، وقد كان أخبره [أنه] أخوه، (2) وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرًا لهم يكايدهم حتى رجعوا؟ فقال: إنه لم يعترف له بالنسبة، ولكنه قال: (أنا أخوك) مكانَ أخيك الهالك= (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول: لا يحزنك مكانهُ.
* * *
وقوله: (فلا تبتئس) ، يقول: فلا تستكِنْ ولا تحزن.
* * *
(1)
في المطبوعة "ودعا ضافته" ، ولا أجد لها وجهًا. وفي المخطوطة كما أثبتها، ولكنه لا يستقيم إلا بالذي زدته بين القوسين.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "كيف أجابه حين أخذ بالصواع، وقد كان أخبره أخوه" ، ولعل الصواب ما أثبت، مع هذه الزيادة بين القوسين.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 03:56 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (874)
صــ 171 إلى صــ 180





وهو: "فلا تفتعل" من "البؤس" ، يقال منه: "ابتأس يبتئس ابتئاسًا" . (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19507- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلا تبتئس) ، يقول: فلا تحزن ولا تيأس.
19508- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد قال: سمعت وهب بن منبه يقول: (فلا تبتئس) ، يقول: لا يحزنك مكانه.
19509- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ، يقول: لا تحزن على ما كانوا يعملون.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك، وفي أخيك من أمك، وما كانوا يفعلون قبلَ اليوم بك.
* * *
(1)
انظر تفسير "ابتأس" فيما سلف 15: 306، 307.


القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) }
قال أبو جعفر: يقول: ولما حمّل يوسف إبل إخوته ما حمّلها من الميرة وقضى حاجتهم، (1) كما:-
19510- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
(1)
انظر تفسير "التجهيز" و "الجهاز" فيما سلف ص: 154.

قوله: (فلما جهزهم بجهازهم) ، يقول: لما قضى لهم حاجتهم ووفّاهم كيلهم.
* * *
وقوله: (جعل السقاية في رحل أخيه) ، يقول: جعل الإناء الذي يكيلُ به الطعام في رَحْل أخيه.
* * *
و "السقاية" : هي المشربة، وهي الإناء الذي كان يشرب فيه الملك ويكيلُ به الطعام.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19511- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عفان قال: حدثنا عبد الواحد، عن يونس، عن الحسن: أنه كان يقول: "الصواع" و "السقاية" ، سواء، هو الإناء الذي يشرب فيه.
19512- ... قال: حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "السقاية" و "الصواع" ، شيء واحد،، كان يشرب فيه يوسف.
19513- ... قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال "السقاية" : "الصواع" ، الذي يشرب فيه يوسف.
19514- حدثنا محمد بن الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (جعل السقاية) ، قال: مشربة الملك.
19515- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (السقاية في رحل أخيه) ، وهو إناء الملك الذي كان يشرب فيه.
19516- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير) وهي "السقاية" التي كان يشرب فيها الملك= يعني مَكُّوكه.
19517- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد قوله: (جعل السقاية) وقوله: (صواع الملك) ، قال: هما شيء واحد، "السقاية" و "الصواع" شيء واحد، يشرب فيه يوسف.
19518- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (جعل السقاية في رحل أخيه) ، هو الإناء الذي كان يشرب فيه الملك.
19519- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (جعل السقاية في رحل أخيه) ، قال: "السقاية" هو "الصواع" ، وكان كأسًا من ذهب، فيما يذكرون.
* * *
قوله: (في رحل أخيه) ، فإنه يعني: في متاع أخيه ابن أمه وأبيه (1) وهو بنيامين.
وكذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19520- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (في رحل أخيه) أي: في متاع أخيه.
* * *
وقوله: (ثم أذّن مؤذن) ، يقول: ثم نادى منادٍ. (2)
* * *
وقيل: أعلم معلم.
* * *
= (أيتها العير) ، وهي القافلة فيها الأحمال= (إنكم لسارقون) .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1)
انظر تفسير "الرحل" فيما سلف ص: 157.

(2)
انظر تفسير "أذن" فيما سلف من فهارس اللغة (أذن) .

*ذكر من قال ذلك:
19521- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) ، والأخ لا يشعر. فلما ارتحلوا أذّن مؤذن قبل أن ترتحل العير: (إنكم لسارقون) .
19522- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ثم جهزهم بجهازهم، وأكرمهم وأعطاهم وأوفاهم، وحمَّل لهم بعيرًا بعيرًا، وحمل لأخيه بعيرًا باسمه كما حمل لهم. ثم أمر بسقاية الملك= وهو "الصواع" ، وزعموا أنها كانت من فضة= فجعلت في رحل أخيه بنيامين. ثم أمهلهم حتى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية، أمر بهم فأدركوا، فاحتبسوا، ثم نادى مناد: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، قفوا. وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم، ونوفِّكم كيلكم، ونحسن منزلتكم، ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم، وأدخلناكم علينا في بيوتنا ومنازلنا؟ = أو كما قال لهم قالوا: بلى، وما ذاك؟ قال: سقاية الملك فقدناها، ولا نتَّهم عليها غيركم. (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) .
* * *
وقوله: (أيتها العير) ، قد بينا فيما مضى معنى "العير" ، وهو جمع لا واحد له من لفظه. (1)
* * *
وحكي عن مجاهد أن عير بني يعقوب كانت حميرًا.
19523- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريح، عن مجاهد: (أيتها العير) ، قال: كانت حميرًا.
19524- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان
(1)
انظر ما سلف ص: 173.

قال: حدثني رجل، عن مجاهد، في قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، قال: كانت العير حميرًا
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال بنو يعقوب لما نودوا: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: (ماذا تفقدون) ، ما الذي تفقدون؟ = (قالوا نفقد صواع الملك) ، يقول: فقال لهم القوم: نفقد مشربة الملك.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فذكر عن أبي هريرة أنه قرأه: "صَاعَ المَلِكِ" ، بغير واوٍ، كأنه وجَّهه إلى "الصاع" الذي يكال به الطعام.
* * *
وروي عن أبي رجاء أنه قرأه: "صَوْعَ المَلِكِ" .
* * *
وروي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه: "صَوْغَ المَلِكِ" ، بالغين، كأنه وجَّهه إلى أنه مصدر من قولهم: "صاغ يَصُوغ صوغًا" .
* * *
وأما الذي عليه قرأة الأمصار: فَـ (صُوَاعَ المَلِكِ) ، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها.
* * *
و "الصواع" ، هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام. وكذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19525- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذا الحرف: (صواع الملك) قال: كهيئة المكُّوك. قال: وكان للعباس مثله في الجاهلية يَشْرَبُ فيه
19526- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (صواع الملك) ، قال، كان من فضة مثل المكوك. وكان للعباس منها واحدٌ في الجاهلية.
19527- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (قالوا نفقد صواع الملك) ، قال: كان من فضة.
19528- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأ: (صواع الملك) ، قال وكان إناءه الذي يشرب فيه، وكان إلى الطول ما هو.
19529- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: (صواع الملك) ، قال، المكوك الفارسي.
19530- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال، (صواع الملك) ، قال، هو المكوك الفارسيّ الذي يلتقي طرفاه، كانت تشرب فيه الأعاجم.
19531- ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (صواع الملك) ، قال، إناء الملك الذي كان يشرب فيه.
19532- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا يحيى= يعني ابن عباد= قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: (صواع الملك) ، مكّوك من فضة يشربون فيه. وكان للعباس واحدٌ في الجاهلية.
19533- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (صواع الملك) ، إناء الملك الذي يشرب فيه.
19534- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (صواع الملك) ، قال: هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه.
19535- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، "الصواع" ، كان يشرب فيه يوسف.
19536- حدثنا محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا صدقة بن عباد، عن أبيه عن ابن عباس: (صواع الملك) ، قال، كان من نحاس.
* * *
وقوله: (ولمن جاء له حمل بعير) ، يقول: ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام، كما:-
19537- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولمن جاء به حمل بعير) ، يقول: وقر بعير.
19538- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: (حمل بعير) ، قال:
حمل حمار= وهي لغة. (1)
19539- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال=
19540- وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (حمل بعير) قال: حمل حمار= وهي لغة.
19541- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19542- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، قوله: (حمل بعير) قال، حمل حمار.
* * *
وقوله، (وأنا به زعيم) ، يقول: وأنا بأن أوفيّه حملَ بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيلٌ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19543- حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وأنا به زعيم) ، يقول: كفيل.
19544- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (وأنا به زعيم) ، "الزعيم" ، هو المؤذّن الذي قال: (أيتها العير) .
19545- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "حمل طعام" ولا معنى له، والصواب ما أثبت، وهو تفسير لقوله: "بعير" ، انظر ما سلف ص: 162، رقم: 19477، 19478، 19523، 19524 وصوبت ذلك لقوله: "وهي لغة" لأنه زعموا ذلك لغة في الحمار، أما "الطعام" ، فلا يصح أن يكون فيه لغة يقال لها "بعير" ! .

عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19546- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19547- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، وأبو خالد الأحمر، عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد، ثم ذكر نحوه.
19548- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن ورقاء بن إياس، عن سعيد بن جبير: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل.
19549- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وأنا به زعيم) : أي: وأنا به كفيلٌ.
19550- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل.
19551- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل.
19552- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، فذكر مثله.
19553- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (وأنا به زعيم) ، قال: كفيل.
19554- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال لهم الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير، وأنا به كفيلٌ بذلك حتى أؤدّيه إليه.
* * *
ومن "الزعيم" الذي بمعنى الكفيل، قول الشاعر:
(1)

فَلَسْتُ بِآمِرٍ فِيهَا بِسَلْمٍ ... وَلَكِنِّي عَلَى نَفْسِي زَعِيمُ (2)
وأصل "الزعيم" ، في كلام العرب: القائم بأمر القوم، وكذلك "الكفيل" و "الحميل" . ولذلك قيل: رئيس القوم زعيمهم ومدبِّرهم. يقال منه: "قد زَعُم فلان زعامة وزَعامًا" ، (3) ومنه قول ليلى الأخيلية:
حَتَّى إذَا بَرَزَ اللِّوَاءُ رَأَيْتَهُ ... تَحْتَ اللِّوَاءِ عَلَى الخَمِيسِ زَعِيمَا (4)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف: (تالله) يعني: والله.
* * *
وهذه التاء في (تالله) ، إنما هي "واو" قلبت "تاء" كما فعل ذلك في "التوراة" وهي من "ورّيت" ، (5) و "التُّراث" ، وهي من "ورثت" ، و "التخمة"
(1)
هو حاجز بن عوف الأزدي السروي اللص الجاهلي، وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة: "وقال المؤسى الأزدي" ، وأخشى أن يكون "المؤسى" تصحيف لنسبته، وهي "السروى" ، نسبة إلى "السرأة" وهي جبال الأزد.

(2)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 315، وبعد البيت، وفيه تمام معناه: بِغَزْوٍ مِثْلِ وَلْغِ الذِّئْبِ حَتَّى ... يَنُوءَ بِصَاحِبي ثَأْرٌ مُنِيمُ

وهذا البيت في لسان العرب مادة (ولغ) ، منسوبًا لحاجز اللص.
(3)
قوله: "وزعامًا" ، هذا المصدر مما أغفلته معاجم اللغة، فليقيد في مكانه.

(4)
اللسان (زعم) وأمالي القالي 1: 248، وسمط اللآلئ 561، وتمام تخريجها هناك، من قصيدة لها تعرض فيها بابن الزبير، وقبل البيت: وَمُخَرَّقِ عَنْهُ القَمِيصُ تَخَالُه ... وَسْطَ البُيُوتِ مِنَ الحَياء سَقِيمَا.

(5)
في المطبوعة: "كما فعل ذلك في التورية، وهي من وريت" ، فأساء غاية الإساءة، فضلا عما فيه من الجهالة. والصواب من المخطوطة، و "التوراة" ، وهي التي أنزلها الله على موسى، قال الفراء في كتاب المصادر إنها "تفعلة" من "وريت" ، وجرت على لغة طئ، كقولهم في "التوصية" "توصاة" وفي "الجارية" "جاراة" . وقال البصريون: "التوراة" ، أصلها "فوعلة" ، مثل "الحوصلة" و "الدوخلة" وكل ما كان على "فوعلت" ، فمصدره "فوعلة" ، وقلبت الواو تاء، كما قلبت في "تولج" وأصلها "ولج" .



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 03:59 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (875)
صــ 181 إلى صــ 190





وهي من "الوخامة" ، قلبت الواو في ذلك كله تاء، و "الواو" في هذه الحروف كلها من الأسماء، وليست كذلك في (تالله) ، لأنها إنما هي واو القسم، وإنما جعلت تاء لكثرة ما جرى على ألسن العرب في الأيمان في قولهم: "والله" ، فخُصَّت في هذه الكلمة بأن قلبت تاء. ومن قال ذلك في اسم الله فقال: "تالله" . لم يقل "تالرحمن" و "تالرحيم" ، ولا مع شيء من أسماء الله، ولا مع شيء مما يقسم به، ولا يقال ذلك إلا في "تالله" وحده.
* * *
وقوله: (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، يقول: لقد علمتم ما جئنا لنعصى الله في أرضكم. (1)
* * *
كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19555- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، في قوله: (قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، نقول: ما جئنا لنعصى في الأرض.
* * *
فإن قال قائل: وما كان عِلْمُ من قيل له (2) (لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض) ، بأنهم لم يجيئوا لذلك، حتى استجاز قائلو ذلك أن يقولوه؟
قيل: استجازوا أن يقولوا ذلك لأنهم فيما ذكر ردُّوا البضاعة التي وجدوها
(1)
انظر تفسير "الفساد في الأرض" فيما سلف من فهارس اللغة (فسد) .

(2)
في المطبوعة: "وما كان أعلم من قيل له" ، وهو عبث وفساد، صوابه ما في المخطوطة.

في رحالهم، فقالوا: لو كنا سُرَّاقًا لم نردَّ عليكم البضاعة التي وجدناها في رحالنا.
وقيل: إنهم كانوا قد عُرِفوا في طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلمون أحدًا ولا يتناولون ما ليس لهم، فقالوا ذلك حين قيل لهم: (إنكم لسارقون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السَّرَق إن كنتم كاذبين في قولكم (1) (ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) ؟ = (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) .، يقول جل ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السرق من وجد في متاعه السرق (فهو جزاؤه) ، (2) يقول: فالذي وجد ذلك في رحله ثوابه بأن يسلم بسَرِقته إلى من سرق منه حتى يستَرِقّه= (كذلك نجزي الظالمين) ، يقول: كذلك نفعل بمن ظلم ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19556- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فهو
(1)
"السرق" (بفتحتين) ، ومصدره فعل السارق. وسوف يسمى "المسروق" "سرقًا" ، بعد قليل، وهو صحيح في العربية جيد. وهكذا كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء.

(2)
"السرق" (بفتحتين) ، ومصدره فعل السارق. وسوف يسمى "المسروق" "سرقًا" ، بعد قليل، وهو صحيح في العربية جيد. وهكذا كان يقوله أئمة الفقهاء القدماء.

جزاؤه) ، أي: سُلِّم به= (كذلك نجزي الظالمين) ، أي: كذلك نصنع بمن سرقَ منَّا.
19557- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال، بلغنا في قوله: (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين) ، أخبروا يوسف بما يحكم في بلادهم أنه من سرق أخذ عبدًا، فقالوا: (جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) .
19558- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) ، تأخذونه فهو لكم.
* * *
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: قالوا: ثوابُ السَّرَق الموجودُ في رحله= كأنه قيل: ثوابه استرقاق الموجود في رحله "، ثم حذف" استرقاق "، إذ كان معروفًا معناه. ثم ابتدئ الكلام فقيل: (هو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين) ."
* * *
وقد يحتمل وجهًا آخر: أن يكون معناه: قالوا ثوابُ السَّرق، الذي يوجدُ السَّرق في رحله، فالسارق جزاؤه= فيكون "جزاؤه" الأول مرفوعًا بجملة الخبر بعده، ويكون مرفوعًا بالعائد من ذكره في "هو" ، و "هو" مرافع "جزاؤه" الثاني. (1)
* * *
ويحتمل وجهًا ثالثًا: وهو أن تكون "مَنْ" جزاءً (2) وتكون مرفوعة بالعائد من ذكره في "الهاء" التي في "رحله" ، و "الجزاء" الأول مرفوعًا بالعائد من
(1)
في المطبوعة: "رافع" ، وأثبت ما في المخطوطة. وهذا الوجه الثاني مكرر في المخطوطة، كتب مرتين.

(2)
في المطبوعة: "جزائية" ، وهو تصرف معيب.

ذكره في "وجد" ، ويكون جواب الجزاء "الفاء" في "فهو" . و "الجزاء" الثاني مرفوع ب "هو" ، فيكون معنى الكلام حينئذ: قالوا: جزاء السَّرق، من وجد السرق في رحله فهو ثوابه، يُستَرَقُّ ويُستعبَد. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم، طالبًا بذلك صواعَ الملك، فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه، فجعل يفتشها وعاء وِعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه، فإنه أخّر تفتيشه، ثم فتش آخرها وعاء أخيه، فاستخرج الصُّواع من وعاء أخيه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19559- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به، حتى بقي أخوه، وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى فاستبْرِهِ! (2) ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم
(1)
انظر معاني القرآن للفراء في تفسير هذه الآية، فقد ذكر هذه الوجوه بغير هذا اللفظ.

(2)
"بلى" ، انظر استعمالها في غير جواب الجحد فيما سلف، في التعليق على رقم: 16987، والمراجع هناك. وقوله "استبره" من "الاستبراء" سهلت همزتها، وأصله: واستبرئه، و "الاستبراء" طلب البراءة من الشيء، ما كان تهمة أو عيبًا أو قادحًا.

= (ثم استخرجها من وعاء أخيه) .
19560- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: (فاستخرجها من وعاء أخيه) ، قال: كان كلما فتح متاعًا استغفر تائبًا مما صنع، حتى بلغ متاعَ الغلام، فقال: ما أظن هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى، فاستَبْره!
19561- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي قال، (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، فلما بقي رحل الغلام قال: ما كان هذا الغلام ليأخذه! قالوا: والله لا يترك حتى تنظر في رحله، لنذهب وقد طابت نفسك. فأدخلَ يده فاستخرجه من رحله. (1)
19562- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما قال الرسول لهم: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) ، قالوا: ما نعلمه فينَا ولا معنَا. قال: لستم ببارحين حتى أفتّش أمتعتكم، وأعْذِر في طلبها منكم! فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاءً يفتشها وينظر ما فيها، حتى مرّ على وعاء أخيه ففتشه، فاستخرجها منه، فأخذ برقبته، فانصرف به إلى يوسف. يقول الله: (كذلك كدنا ليوسف) .
19563- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: ذُكر لنا أنه كان كلما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثمًا، قد علم أين موضع الذي يَطْلُب! حتى إذا بقي أخوه، وعلم أن بغيته فيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه، ولا أبالي أن لا أبحث متاعه! قال إخوته: إنه أطيبُ لنفسك وأنفسنا أن تستبرئ متاعه أيضًا. فلما فتح متاعه استخرج بغيته منه، قال الله: (كذلك كدنا ليوسف) .
* * *
(1)
في المطبوعة: "فاستخرجها" ، وأثبت ما في المخطوطة.

واختلف أهل العربية في الهاء والألف اللتين في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه) .
فقال بعض نحويي البصرة: هي من ذكر "الصواع" ، قال: وأنّث وقد قال: (ولمن جاء به حمل بعير) ، لأنه عنى "الصواع" . قال، و "الصواع" ، مذكر، ومنهم من يؤنث "الصواع" ، وعني ههنا "السقاية" ، وهي مؤنثة. قال: وهما اسمان لواحد، مثل "الثوب" و "الملحفة" ، مذكر ومؤنث لشيءٍ واحدٍ.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه) ، ذهب إلى تأنيث "السرقة" . قال: وإن يكن "الصواع" في معنى"الصاع (1) فلعل هذا التأنيث من ذلك. قال، وإن شئت جعلته لتأنيث السقاية. قال: و "الصواع" ذكر، و"الصاع "يؤنث ويذكر، فمن أنثه قال، ثلاث أصوُع، مثل ثلاث أدور، ومن ذكره قال" أصواع "، مثل أبواب."
* * *
وقال آخر منهم: إنما أنّث "الصواع" حين أنث لأنه أريدت به "السقاية" ، وذكّر حين ذكّر، لأنه أريد به "الصواع" . قال: وذلك مثل "الخوان" و "المائدة" ، و "سنان الرمح" و "عاليته" ، وما أشبه ذلك من الشيء الذي يجتمع فيه اسمان: أحدهما مذكر، والآخر مؤنث.
* * *
وقوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: هكذا صنعنا ليوسف، (2) حتى يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه، بإقرارٍ منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه، ويحول بينه وبينهم. وذلك أنهم قالوا، إذ قيل لهم: (ما جزاؤه إن كنتم
(1)
في المطبوعة: "وإن لم يكن الصواع" ، زاد "لم" فأفسد الكلام، وإنما عنى أن "الصاع" يذكر ويؤنث، فمن أجل ذلك أنث "الصواع" .

(2)
انظر تفسير "الكيد" فيما سلف ص: 141، تعليق: 1، والمراجع هناك.

كاذبين) : جزاءُ من سرق الصُّواع أن من وجد ذلك في رحله فهو مستَرَقٌّ به، وذلك كان حكمهم في دينهم. فكاد الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذ أخاه منهم، فصار عنده بحكمهم وصُنْعِ الله له.
* * *
وقوله: (ما كان ليأخذ أخا في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم، لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترقّ أحد بالسَّرَق، فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه، إلا أن يشاء الله بكيده الذي كاده له، حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم عليه، وطابت أنفسهم بالتسليم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19564- حدثنا الحسن قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، إلا فعلة كادها الله له، فاعتلّ بها يوسف.
19565- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19566- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كذلك كدنا ليوسف) كادها الله له، فكانت علَّةً ليوسف.
19567- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، قال: إلا فعلة كادها الله، فاعتلّ بها يوسف= قال حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، قال، صنعنا.
19568- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: صنعنا ليوسف.
19569- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: صنعنا ليوسف
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) .
فقال بعضهم: ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك.
*ذكر من قال ذلك:
19570- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في سلطان الملك.
19571- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ، يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في سلطان الملك.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: في حكمه وقضائه.
*ذكر من قال ذلك:
19572- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة.
19573- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
معمر، عن قتادة: (في دين الملك) ، قال: لم يكن ذلك في دين الملك= قال: حكمه.
19574- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي، عن رجل قد سماه، عن عبد الله بن المبارك، عن أبي مودود المديني قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) = (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا ولكن الله كاد لأخيه، حتى تكلموا ما تكلموا به، فأخذهم بقولهم، وليس في قضاء الملك. (1)
19575- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر قال: بلغه في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: كان حكم الملك أن من سَرَق ضوعف عليه الغُرْم.
19576- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في حكم الملك.
19577- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) :، أي: بظلم، ولكن الله كاد ليوسف ليضمّ إليه أخاه.
19578- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته. قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه، أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا يسترقّ.
* * *
(1)
الأثر: 19574 - "محمد بن ليث المروزي" ، "أبو صالح" ، لم أجد له ترجمة في شيء من المراجع التي بين يدي.

و "أبو مودود المديني" هو "عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي" ، كان قاصًا لأهل المدينة، كان من أهل النسك والفضل، وكان متكلمًا يعظ، ورأى أبا سعيد الخدري وغيره من الصحابة. ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 384.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال وإن اختلفت ألفاظ قائليها في معنى "دين الملك" ، فمتقاربة المعاني، لأن من أخذه في سلطان الملك عامله بعمله، فبرضاه أخذه إذًا لا بغيره، (1) وذلك منه حكم عليه، وحكمه عليه قضاؤه.
* * *
وأصل "الدين" ، الطاعة. وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
وقوله: (إلا أن يشاء الله) كما:-
19579- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (إلا أن يشاء الله) ، ولكن صنعنا له، بأنهم قالوا: (فهو جزاؤه) .
19580- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا أن يشاء الله) إلا بعلة كادَها الله، فاعتلَّ بها يوسف.
* * *
وقوله: (نرفع درجات من نشاء) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم: "نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ" بإضافة "الدرجات" إلى "من" بمعنى: نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره، كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم. (3)
* * *
وقرأ ذلك آخرون: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) بتنوين "الدرجات" ، بمعني: نرفع
(1)
في المطبوعة: "فيريناه أخذه إذا لم يغيره" ، وهو كلام مختل لا معنى له، وهو في المخطوطة غير منقوط بعضه، وصواب قراءته إن شاء الله ما أثبت، وأساء الناسخ في كتابته، لأنه لم يحسن القراءة عن الأم التي نقل منها، فجعل "فبرضاه" "فيريناه" ، وجعل "لا" ، "لم" ، أما "بغيره" فهي غير منقوطة في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "الدين" فيما سلف 3: 571 / 6: 273، 274، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة (دين) .

(3)
انظر تفسير "الدرجة" فيما سلف 14: 173، تعليق: 6، والمراجع هناك.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 04:04 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (876)
صــ 191 إلى صــ 200





من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره، كما رفعنا يوسف. فـ "مَنْ" على هذه القراءة نصبٌ، وعلى القراءة الأولى خفض. وقد بينا ذلك في "سورة الأنعام" . (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19581- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريح قوله: (نرفع درجات من نشاء) ، يوسف وإخوته، أوتوا علمًا، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.
* * *
وقوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، يقول تعالى ذكره: وفوق كل عالم من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله. وإنما عنى بذلك أنّ يوسف أعلم إخوته، وأنّ فوق يوسف من هو أعلم من يوسف، حتى ينتهي ذلك إلى الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19582- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر العقدي قال، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه حدّث بحديث، فقال رجل عنده: (وفوق كل ذي علم عليم) ، فقال ابن عباس: بئسما قلت! إن الله هو عليم، وهو فوق كل عالم.
19583- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير قال: حدَّث ابن عباس بحديث، فقال رجل عنده: الحمد لله، (وفوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: العالم الله، وهو فوق كل عالم.
(1)
انظر ما سلف 11: 505.

19584- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس، فحدث حديثًا، فتعجب رجل فقال، الحمد لله، (فوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: بئسما قلت: الله العليم، وهو فوق كل عالم.
19585- حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع قالا حدثنا عمرو بن محمد قال، أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوق كل عالم.
19586- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، أخبرنا أبو الأحوص، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله الخبير العليم، فوق كل عالم.
19587- حدثني المثنى قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: الله فوق كل عالم.
19588- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال، سأل رجل عليًّا عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا. قال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ، (وفوق كل ذي علم عليم) .
19589- حدثني يعقوب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: علم الله فوق كل أحد.
19590- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله عز وجل.
19591- حدثنا ابن وكيع، حدثنا يعلى بن عبيد، عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: الله أعلم من كل أحد.
19592- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن، في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19593- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا جويرية، عن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية يومًا: (وفوق كل ذي علم عليم) ، ثم وقف فقال: إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه، حتى يعود العلم إلى الذي علَّمه.
19594- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا علي، عن جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: فوق كل عالم عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19595- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، حتى ينتهي العلم إلى الله، منه بدئ، وتعلَّمت العلماء، وإليه يعود. في قراءة عبد الله: "وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ" .
* * *
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق (1) ويقول: (أيتها العير إنكم لسارقون) ؟
قيل: إن قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، إنما هو خبَرٌ من الله عن مؤذِّن أذَّن به، لا خبر عن يوسف. وجائز أن يكون المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد
(1)
"يسرق" ، أي ينسبهم إلى السرقة، "سرقة يسرقه" (بتشديد الراء) ، نسبه إلى ذلك.

الصُّواع (1) ولا يعلم بصنيع يوسف. وجائز أن يكون كان أذّن المؤذن بذلك عن أمر يوسف، واستجاز الأمر بالنداء بذلك، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سَرِقةً في بعض الأحوال، فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسَّرق، ويوسف يعني ذلك السَّرق لا سَرَقهم الصُّواع. وقد قال بعض أهل التأويل: إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف، فعاقبه الله بإجابة القوم إيّاه: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، وقد ذكرنا الرواية فيما مضى بذلك. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف، كما:-
19596- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، ليوسف.
19597- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19598- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "أن فقد الصواع" ، والصواب ما أثبت.

(2)
انظر ما سلف رقم: 19559 - 19563، وذلك أنه كان يستغفر كلما فتش وعاء من أوعيتهم، تأثمًا مما فعل. وعنى أبو جعفر أن يوسف كان يعلم أنه مخطئ في فعله. أما جواب إخوته له، فلم يمض له ذكر فيما سلف.

ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يعني يوسف.
19599- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يوسف.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في "السَّرَق" الذي وصفُوا به يوسف.
فقال بعضهم: كان صنمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاء على الطريق.
*ذكر من قال ذلك:
19600- حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا الفيض بن الفضل قال، حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: سرق يوسف صَنَمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاه في الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك. (1)
19601- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فقد سرق أخ له من قبل) ذكر أنه سرق صنمًا لجده أبي أمه، فعيَّروه بذلك.
19602- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) : أرادوا بذلك عيبَ نبيّ الله يوسف. وسرقته التي عابوه بها، صنم كان لجده أبي أمه، فأخذه، إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخير، فعابوه.
19603- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
(1)
الأثر: 19600 "أحمد بن عمرو البصري" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 9875، 13928، والكلام عنه في الرقم الأول.

و "الفيض بن الفضل البجلي الكوفي" ، مترجم في الكبير 4 / 1 / 140، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 88، ولم يذكرا فيه جرحًا. وكان في المطبوعة: "العيص" وأخطأ لأن المخطوطة واضحة هناك كما أثبتها. وهذا الخبر، رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 182.
ابن جريج في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: كانت أمّ يوسف أمرت يوسف يسرق صنمًا لخاله يعبده، وكانت مسلمةً.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:-
19604- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي قال: كان بنو يعقوب على طعام، إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق فخبأه، (1) فعيّروه بذلك (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (2)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
19605- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد أبي الحجاج قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها [صارت] منطقة إسحاق (3) وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختانها ممن وليها (4) كان له سَلَمًا لا ينازع فيه، (5) يصنع فيه ما شاء. وكان يعقوب حين وُلِد له يوسف، كان قد حضَنه عَمَّتَهُ (6) فكان معها وإليها، فلم يحبَّ أحدٌ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه. حتى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ، ووقعت نفس
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "اضطر يوسف إلى عرق" ، وهو خطأ محض، وإنما وصل الكاتب "إذ" بقوله بعده "نظر" . و "العرق" (بفتح فسكون) : العظم عليه اللحم. فإن لم يكن عليه لحم، فهو "عراق" (بضم العين) .

(2)
الأثر: 19604 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 182، مطولا.

(3)
الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري.

(4)
في المطبوعة: "فكان من اختص بها" ، غير ما في المخطوطة، فأفسد الكلام وأسقطه. والصواب منها ومن التاريخ. "اختانها" ، سرقها.

(5)
"السلم" (بفتحتين) انقياد المذعن المستخذى، كالأسير الذي لا يمتنع ممن أسره، يقال: "أخذه سلمًا" ، إذا أسره من غير حرب، فجاء به منقادًا لا يمتنع.

(6)
في المطبوعة: "قد كان حضنته عمته" ، وأثبت ما في التاريخ. وأما المخطوطة، فهي غير منقوطة.

وقوله: "حضنه عمته" فهو هنا فعل متعد إلى مفعولين، وليس هذا المتعدي مما ذكرته كتب اللغة. وإنما ذكر "حضنت المرأة الصبي" ، إذا وكلت به تحفظه وتربيه، وهي "الحاضنة" ، تضم إليها الطفل فتكفله. وهذا المتعدي إلى مفعولين، صحيح عريق في قياس العربية، بمعنى: أعطاها إياه لتحضنه. وهذا مما يزاد عليها إن شاء الله.
يعقوب عليه، (1) أتاها فقال، يا أخيَّة سلّمي إليّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة! قالت: فوالله ما أنا بتاركته، (2) والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة! (3) قال: فوالله ما أنا بتاركه! قالت: فدعه عندي أيامًا أنظرْ إليه وأسكن عنه، لعل ذلك يسلّيني عنه= أو كما قالت. فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنْطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت مِنْطقة إسحاق، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتُمِسَتْ، ثم قالت: كشِّفوا أهل البيت! (4) فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لسَلَمٌ، أصنع فيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل ذلك، فهو سَلَمٌ لك، ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت. قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (5)
= قال ابن حميد. قال ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوب ما صنع إخْوة يوسف، ولم يشكُّوا أنه سرق، قالوا= أسفًا عليه، لما دخل عليهم في أنفسهم (6) تأنيبًا له: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . فلما سمعها يوسف قال: (أنتم شر مكانًا) ،
(1)
في والمطبوعة المخطوطة: "وقعت" بغير واو، والصواب إثباتها، كما في تاريخ الطبري وقوله: "وقعت نفسه عليه" ، أي اشتاق إليه شديدا. وهذا مجاز لم تذكره معاجم اللغة، وهو في غاية الحسن والدقة وبلاغة الأداء عن النفس وانظر بعد قوله: "ما أقدر على أن يغيب عني ساعة" ، فهو دليل على المعنى الذي استظهرته.

(2)
في المطبوعة: "فقالت: والله ..." غير ما في المخطوطة، وهو الموافق لما في تاريخ الطبري أيضًا.

(3)
قولها: "والله ما أقدر ..." ، ليست في تاريخ الطبري، فهي زيادة في المخطوطة.

(4)
في المطبوعة: "اكشفوا" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.

(5)
الأثر: 19605 - إلى هذا الموضع، رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 170.

(6)
في المطبوعة والمخطوطة: "أسفًا عليهم" ، وهو لا يكاد يستقيم، وكان في المخطوطة أيضًا: "في أنفسنا" ، فصححها في المطبوعة، وأصاب.

سِرًّا في نفسه (ولم يبدها لهم) = (والله أعلم بما تصفون) .
* * *
وقوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يعني بقوله: (فأسرها) ، فأضمرها. (1)
* * *
وقال: (فأسرها) فأنث، لأنه عنى بها "الكلمة" ، وهي: "(أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون. ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا، كما قيل: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) [سورة هود:49] ، و (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى) ، [سورة هود:100] "
* * *
وكنى عن "الكلمة" . ولم يجر لها ذكر متقدِّم. والعرب تفعل ذلك كثيرًا، إذا كان مفهومًا المعنى المرادُ عند سامعي الكلام. وذلك نظير قول حاتم الطائي:
أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (2)
(1)
انظر تفسير "الإسرار" فيما سلف ص: 7، تعليق، والمراجع هناك.

(2)
ديوانه: 39، وغيره، من قصيدته المشهورة، يقول بعده، وهو من رائع الشعر: إذَا أنَا دَلاَّني الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ ... بِمَلْحُودةٍ زَلْخٍ، جَوَانِبُهَا غُبْرُ

وَرَاحُوا عِجَالاً ينفُضُونَ أكُفَّهُمْ ... يَقُولُونَ: قَدْ دَمَّى أَنَامِلَنَا الحفْرُ!.
"ملحودة" ، يعني قبرًا قد لحد له. و "زلخ" ، ملساء، يزل نازلها فيتردى فيها.
يريد: وضاق بالنفس الصدر= فكنى عنها ولم يجر لها ذكر، إذ كان في قوله: "إذا حشرَجَت يومًا" ، دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله: "وضاق بها" . ومنه قول الله: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة النحل:110] ، فقال: "من بعدها" ، ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19606- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، أما الذي أسرَّ في نفسه فقوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) .
19607- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، قال هذا القول.
19608- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، يقول: أسرَّ في نفسه قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) .
* * *
وقوله: (والله أعلم بما تصفون) ، يقول: والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الوصف" فيما سلف: 15: 586، تعليق: 1، والمراجع هناك.

19609- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يقولون: يوسف يقوله.
19610- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19611- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19612- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والله أعلم بما تصفون) ، أي: بما تكذبون.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، قال: أنتم شرّ عند الله منزلا ممن وصفتموه بأنه سرق، وأخبث مكانًا بما سلف من أفعالكم، والله عالم بكذبكم، وإن جهله كثيرٌ ممن حضرَ من الناس.
* * *
وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم، كما:-
19613- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم، وقالوا: يا بني راحيل، ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصوع؟ (1) فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقرَ فيه، ثم أدناه من أذنه، ثم قال، إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا وأنكم انطلقتم
(1)
في المطبوعة: "حتى أخذت" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 04:08 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (877)
صــ 201 إلى صــ 210





بأخٍ لكم فبعتموه. فلما سمعها بنيامين، قام فسجد ليوسف، ثم قال، أيها الملك، سل صواعك هذا عن أخي، أحيٌّ هو؟ (1) فنقره، ثم قال، هو حيٌّ، وسوف تراه. قال، فاصنع بي ما شئت، فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني. قال، فدخل يوسف فبكى، ثم توضَّأ، ثم خرج فقال بنيامين: أيها الملك إني أريد أن تضرب صُواعك هذا فيخبرك بالحقّ، فسله من سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبان، وهو يقول: كيف تسألني مَنْ صاحبي، (2) وقد رأيتَ مع من كنت؟ (3) قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقُوا، فغضب روبيل، وقال: أيها الملك، والله لتتركنا أو لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمصر امرأةٌ حامل إلا ألقت ما في بطنها! وقامت كل شعرة في جسد رُوبيل، فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسَّه. وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسَّه الآخر ذهب غضبه، فمر الغلام إلى جنبه فمسَّه، فذهب غضبه، فقال روبيل: مَنْ هذا؟ إن في هذا البلد لبَزْرًا من بَزْر يعقوب! (4) فقال يوسف: من يعقوب؟ فغضب روبيل فقال: يا أيها الملك لا تذكر يعقوب، فإنه سَرِيُّ الله، (5) ابن ذبيح الله، ابن خليل الله. قال يوسف: (6) أنت إذًا كنت صادقًا. (7)
* * *
(1)
في التاريخ: "أين هو" ، ولكنه في المخطوطة: "أحي هو" .

(2)
في المطبوعة: "عن صاحبي" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ.

(3)
في المطبوعة وحدها: "وقد رؤيت" .

(4)
"البزر" (بفتح فسكون) ، الولد. يقال: "ما أكثر بزره" ، أي: ولده.

(5)
في التاريخ: "إسرائيل الله" ، وكأن الذي في التفسير هو الصواب، لأن "إيل" بمعنى "الله" ، و "إسرا" ، يضاف إليه، وكأن "إسرا" ، بمعنى "سرى" ، وهو بمعنى المختار، كأنه: "صفي الله" الذي اصطفاه. وفي تفسير ذلك اختلاف كثير.

(6)
في المطبوعة، حذف "إن" من قوله: "إن كنت صادقًا" .

(7)
الأثر: 19613 - رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا 1: 182، 183.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت إخوه يوسف ليوسف: (يأيها العزيز) ، يا أيها الملك (1) (إن له أبًا شيخًا كبيرًا) كلفًا بحبه، يعنون يعقوب= (فخذ أحدنا مكانه) ، يعنون فخذ أحدًا منّا بدلا من بنيامين، وخلِّ عنه = (إنا نراك من المحسنين) ، يقول: إنا نراك من المحسنين في أفعالك.
* * *
وقال محمد بن إسحاق في ذلك ما:-
19614- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إنا نراك من المحسنين) ، إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلتَ.
* * *
(1)
انظر تفسير "العزيز" فيما سلف ص: 62، تعليق: 5، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) } قال أبو جعفر:-
يقول تعالى ذكره: قال يوسف لإخوته: (معاذ الله) ، أعوذ بالله.
* * *
وكذلك تفعل العرب في كل مصدر وضعته موضع "يفعل" و "تفعل" ، فإنها تنصب، كقولهم: "حمدًا لله، وشكرًا له" بمعنى: أحمد الله وأشكره.
* * *
والعرب تقول في ذلك: "معاذَ الله" ، و "معاذةَ الله" فتدخل فيه هاء
التأنيث. كما يقولون: "ما أحسن معناة هذا الكلام" = و "عوذ الله" ، و "عوذة الله" ، و "عياذ الله" . ويقولون: اللهم عائذًا بك، كأنه قيل: "أعوذ بك عائذا" ، أو أدعوك عائذًا.
* * *
= (أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) يقول: أستجير بالله من أن نأخذ بريئًا بسقيم، (1) كما:-
19615 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون) ، يقول: إن أخذنا غير الذي وجدنا متاعنا عنده إنَّا إذًا نفعل ما ليس لنا فعله ونجور على الناس.
19616 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قالوا يا أيها العزيز إن له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون) ، قال يوسف: إذا أتيتم أباكم فأقرئوه السلام، وقولوا له: إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ابنك يوسف، حتى يعلمَ أنّ في أرض مصر صدِّيقين مثلَه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) }
قال أبو جعفر يعني تعالى ذكره: (فلما استيأسوا منه) فلما يئسوا منه من أن يخلى يوسف عن بنيامين، ويأخذ منهم واحدًا مكانه، وأن يجيبهم إلى ما سألوه من ذلك.
* * *
(1)
انظر تفسير "عاذ" فيما سلف ص: 32، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وقوله (استيأسوا) ، "استفعلوا" ، من: "يئس الرجل من كذا ييأس" ، كما:-
19617 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما استيأسوا منه) يئسوا منه، ورأوا شدّته في أمره.
* * *
وقوله: (خلصوا نجيًّا) ، يقول بعضهم لبعض يتناجون، لا يختلط بهم غيرهم.
* * *
و "النجيّ" ، جماعة القوم المنتجين، يسمى به الواحد والجماعة، كما يقال: "رجل عدل، ورجال عدل" ، و "قوم زَوْر، وفِطْر" . وهو مصدر من قول القائل: "نجوت فلانا أنجوه نجيًّا" ، جعل صفة ونعتًا. ومن الدليل على أن ذلك كما ذكرنا، قول الله تعالى (وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) [سورة مريم: 52] فوصف به الواحد، وقال في هذا الموضع: (خلصوا نجيًّا) فوصف به الجماعة، ويجمع "النجيّ" أنجية، كما قال لبيد:
وَشَهِدْتُ أنْجِيَةَ الأفَاقَةِ عَاليًا ... كَعْبي وَأَرْدَافُ المُلُوكِ شُهُودُ (1)
وقد يقال للجماعة من الرجال: "نَجْوَى" كما قال جل ثناؤه: (وإذْ هُمْ نَجْوَ ى) [سورة الإسراء: 47] وقال: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ) [سورة المجادلة: 7] وهم القوم الذين يتناجون. وتكون "النجوى" أيضا مصدرًا، كما قال الله:
(1)
ديوانه قصيدة: 7، بيت: 7، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 315 من أبيات يقولها لابنته بسرة، يذكر طول عمره، فيقول لها: وَلَقَدْ سَئِمْتُ من الحَيَاةِ وطُولِهَا ... وسُؤَالِ هذَا النَّاسِ: كَيْف لَبِيدُ ?

وَغَنِيتُ سَبْتًا قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ ... لَوْ كَانَ للنِّفْسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ
وَشَهِدْتُ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
"مجرى داحس" ، هو الخبر المشهور عن داحس والغبراء وإجرائهما، وكانت بسببه الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة، وقوله: "سبتًا" ، أي: دهرًا.
و "الأفاقة" اسم موضع، حيث كان اليوم المشهور بين لبيد، والربيع بن زياد العبسي. و "أرداف الملوك" ، من "الردف" ، وهو الذي يكون مع الملك، وينوب عنه إذا قام من مجلسه.
(إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ) [سورة المجادلة: 10] تقول منه ": نجوت أنجو نجوى" فهي في هذا الموضع، المناجاة نفسها، ومنه قول الشاعر (1)
بُنَيَّ بَدَا خِبُّ نَجْوَى الرِّجَالِ ... فَكُنْ عِنْدَ سرّكَ خَبَّ النَّجِيّ (2)
فـ "النجوى" و "النجي" ، في هذا البيت بمعنى واحد، وهو المناجاة، وقد جمع بين اللغتين.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (خلصوا نجيًّا) قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19618- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) وأخلص لهم شمعون، وقد كان ارتهنه، خَلَوْا بينهم نجيًّا، يتناجون بينهم.
19619 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (خلصوا نجيًّا) خلصوا وحدهم نجيًّا.
19620 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (خلصوا نجيًّا) : أي خلا بعضهم ببعض، ثم قالوا: ماذا ترون؟
* * *
وقوله: (قال كبيرهم) اختلف أهل العلم في المعنيِّ بذلك.
(1)
هو الصلتان العبدي.

(2)
شرح الحماسة 3: 112، والشعر والشعراء: 479، والخزانة 1: 308، وغيرها، وهو من وصيته المشهورة التي أوصى بها ولده التي يقول فيها: أَشَابَ الصّغيرَ وَأَفْنَى الكَبيرَ ... كَرُّ الغَدَاةِ وَمَرُّ العَشِي

ثم يقول له بعد البيت الشاهد: وَسِرُّكَ مَا كَانَ عِنْدَ امْريٍ ... وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الخَفِي
و "الحب" (بكسر الخاء) ، المكر، و "الخب" (بفتحها) ، المكار.
فقال بعضهم: عنى به كبيرهم في العقل والعلم، لا في السن، وهو شمعون. قالوا: وكان روبيل أكبر منه في الميلاد.
*ذكر من قال ذلك:
19621 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (قال كبيرهم) قال: هو شمعون الذي تخلّف، وأكبر منه=أو: أكبر منهم= في الميلاد، روبيل.
19622- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قال كبيرهم) :، شمعون الذي تخلّف، وأكبر منه في الميلاد روبيل.
19623- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19624- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد: (قال كبيرهم) ، قال: شمعون الذي تخلف، وأكبرهم في الميلاد روبيل.
* * *
وقال آخرون: بل عنى به كبيرهم في السن، وهو روبيل.
*ذكر من قال ذلك:
19625 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال كبيرهم) ، وهو روبيل، أخو يوسف، وهو ابن خالته، وهو الذي نهاهم عن قتله.
19626- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (قال كبيرهم) ، قال: روبيل، وهو الذي أشار عليهم أن لا يقتلوه.
19627 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (قال كبيرهم) في العلم (1) = (إن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض) ، الآية، فأقام روبيل بمصر، وأقبل التسعة إلى يعقوب، فأخبروه الخبرَ، فبكى وقال: يا بنيّ ما تذهبون مرَّة إلا نقصتم واحدًا! ذهبتم مرة فنقصتم يوسف، وذهبتم الثانية فنقصتم شمعون، وذهبتم الآن فنقصتُم روبيل!
19628 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًّا) قال: ماذا ترون؟ فقال روبيل كما ذكر لي، وكان كبير القوم: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ،الآية.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: عنى بقوله: (قال كبيرهم) روبيل، لإجماع جميعهم على أنه كان أكبرهم سنًّا. ولا تفهم العرب في المخاطبة إذا قيل لهم: "فلان كبير القوم" ، مطلقا بغير وصل، إلا أحد معنيين: إما في الرياسة عليهم والسؤدد، وإما في السن. فأما في العقل، فإنهم إذا أرادوا ذلك وصَلوه، فقالوا: "هو كبيرهم في العقل" . فأما إذا أطلق بغير صلته بذلك، فلا يفهم إلا ما ذكرت.
وقد قال أهل التأويل: لم يكن لشمعون= وإن كان قد كان من العلم والعقل بالمكان الذي جعله الله به= على إخوته رياسةٌ وسؤدد، فيعلم بذلك أنه عنى بقوله: (قال كبيرهم) فإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلا الوجه الآخر، وهو الكبر
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "في العلم" ، ولم أجد ما أستوثق به من أن يكون الخبر في معنى الترجمة، أعني مكان "في العلم" ، "في السن" .

في السن، وقد قال الذين ذكرنا جميعًا ": روبيل كان أكبر القوم سنًّا" ، فصح بذلك القول الذي اخترناه.
* * *
وقوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله،) يقول: ألم تعلموا، أيها القوم؛ أنَّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهودَ الله ومواثيقه: (1) لنأتينه به جميعا، إلا أن يحاط بكم= (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ، (2) ومن قبل فعلتكم هذه، تفريطكم في يوسف. يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف؟ = وإذا صرف تأويل الكلام إلى هذا الذي قلناه، كانت "ما" حينئذ في موضع نصب.
وقد يجوز أن يكون قوله: (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) خبرا مبتدأ، ويكون قوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله) خبرًا متناهيًا فتكون "ما" حينئذ في موضع رفع، كأنه قيل: "ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف" = فتكون "ما" مرفوعة بـ "من" قبلُ.
هذا ويجوز أن تكون "ما" التي هي صلة في الكلام، (3) فيكون تأويل الكلام: ومن قبل هذا فرطتم في يوسف. (4)
* * *
وقوله: (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها، وهي مصر فأفارقها= (حتى يأذن لي أبي) بالخروج منها، كما:-
19629 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها اليوم= (حتى يأذن لي أبي) ، بالخروج منها.
19630 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(1)
انظر تفسير "الموثق" فيما سلف ص: 163، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
زدت نص الآية، وإن لم يكن ثابتًا في المخطوطة أو المطبوعة.

(3)
في المطبوعة: "التي تكون صلة" ،، وفي المخطوطة: "التي صلة" ، ورجحت ما أثبت

= و "الصلة" ، الزيادة، انظر ما سلف من فهارس المصطلحات.
(4)
في المطبوعة "تفريطكم في يوسف" ، والصواب ما أثبت، لأن "ما" زائدة هنا.

ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قال شمعون: (لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) .
* * *
وقوله: (أو يحكم الله لي) ، أو يقضي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين، وإلا فإني غير خارج= (وهو خير الحاكمين) ، يقول: والله خير من حكم، وأعدل من فصل بين الناس. (1)
* * *
وكان أبو صالح يقول في ذلك بما:-
19631 - حدثني الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: (حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي،) قال: بالسيف.
* * *
=وكأنَّ أبا صالح وجّه تأويل قوله: (أو يحكم الله لي) ، إلى: أو يقضي الله لي بحرب من مَنَعَني من الانصراف بأخي بنيامين إلى أبيه يعقوب، فأحاربه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل روبيل لإخوته، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه: ارجعوا، إخوتي، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق) .
(1)
انظر تفسير "الحكم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) .

* * *
والقرأة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف: (إن ابنك سرق) .
* * *
ورُوي عن ابن عباس: "إنَّ ابْنَكَ سُرِّقَ" بضم السين وتشديد الراء، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، بمعنى: أنه سَرَق= (وما شهدنا إلا بما علمنا) .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك، لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره.
*ذكر من قال ذلك:
19632 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ارجعوا إلى أبيكم) فإني ما كنت راجعًا حتى يأتيني أمرُه= (فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا) ، أي: قد وجدت السرقة في رحله، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب= (وما كنا للغيب حافظين) .
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا.
*ذكر من قال ذلك:
19633 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال لهم يعقوب عليه السلام: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم! فقالوا: (ما شهدنا إلا بما علمنا) ، لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذلك الذي علمنا. قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا فيسترقّ.
* * *
وقوله: (وما كنا للغيب حافظين) ، يقول: وما كنا نرى أن ابنك يسرق
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 04:11 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (878)
صــ 211 إلى صــ 220





ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما قلنا (ونحفظ أخانا) مما لنا إلى حفظه منه السبيل.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19634 - حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي. قال، حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة: (وما كنا للغيب حافظين) . قال: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق. (1)
19635 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وما كنا للغيب حافظين) ، لم نشعر أنه سيسرق.
19636- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال: لم نشعر أنه سيسرق.
19637- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وما كنا للغيب حافظين) قال: لم نشعر أنه سيسرق.
19638- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد= وأبو سفيان، عن معمر، عن قتادة: (وما كنا للغيب
(1)
الأثر: 19634 - "الحسين بن الحريث" ، "أبو عمار المروزي" ، شيخ الطبري، مضى برقم 11771.

"الفضل بن موسى السيتاني" ، مضى أيضًا برقم: 11771.
"الحسين بن واقد المروزي" ، مضى أيضًا برقم: 4810، 6311، 11771، وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا أيضًا "الحسن بن واقد" ، وهو خطأ بين، كما أشرت إليه قبل.
حافظين) قال: ما كنا نظن ولا نشعر أنه سيسرق.
19639- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وما كنا للغيب حافظين) قال: ما كنا نرى أنه سيسرق.
19640- حدثنا محمد بن عبد الأعلى. قال حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وما كنا للغيب حافظين) ، قال: ما كنا نظن أن ابنك يسرق.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله: (وما شهدنا إلا بما علمنا) قولُ من قال: وما شهدنا بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه= لأنه عَقيِب قوله: (إن ابنك سرق) ؛ فهو بأن يكون خبرًا عن شهادتهم بذلك، أولى من أن يكون خبرًا عما هو منفصل.
* * *
وذكر أن "الغيب" ، في لغة حمير، هو الليل بعينه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) }
قال أبو جعفر: يقول: وإن كنتَ مُتَّهمًا لنا، لا تصدقنا على ما نقول من أن ابنك سرق: (فاسأل القرية التي كنا فيها) ، وهي مصر، يقول: سل من فيها من أهلها= (والعير التي أقبلنا فيها) ، وهي القافلة التي كنا فيها، (2) التي أقبلنا منها معها، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سَرَقِهِ، (3) فإنك تَخْبُر
(1)
هذا معنى عزيز في تفسير "الغيب" ، لم أجده في شيء من كتب اللغة التي بين أيدينا.

(2)
انظر تفسير: "العير" فيما سلف ص: 173، 174.

(3)
سرق الشيء يسرقه سرقًا (بفتحتين) ، وسرقًا (بفتح السين وكسر الراء) ، وسرقة.

مصداق ذلك = (وإنّا لصادقون) فيما أخبرناك من خبره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19641 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (واسأل القرية التي كنا فيها) ، وهي مصر.
19642 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (واسأل القرية التي كنا فيها) قال: يعنون مصر.
19643 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قد عرف رُوبيل في رَجْع قوله لإخوته، أنهم أهلُ تُهمةٍ عند أبيهم، لما كانوا صنعوا في يوسف. وقولهم له: (اسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) ، فقد علموا ما علمنا وشهدوا ما شهدنا، إن كنت لا تصدقنا= (وإنا لصادقون) .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) }
قال أبو جعفر: في الكلام متروك، وهو: فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم، وتخلف روبيل، فأخبروه خبره، فلما أخبروه أنه سرق قال= (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا) ، يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا هممتم به وأردتموه (1) (فصبر جميل) ، يقول: فصبري على ما نالني من فقد ولدي، صبرٌ جميل لا جزع فيه
(1)
انظر تفسير: "التسويل" فيما سلف 15: 583.

ولا شكاية (1) = عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعًا فيردّهم عليّ= (إنه هو العليم) ، بوحدتي، وبفقدهم وحزني عليهم، وصِدْقِ ما يقولون من كذبه = (الحكيم) ، في تدبيره خلقه (2) .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19644 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) ، يقول: زينت = وقوله: (عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا) يقول: بيوسف وأخيه وروبيل.
19645 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما جاءوا بذلك إلى يعقوب، يعني بقول روبيل لهم، اتَّهمهم وظن أن ذلك كفعلتهم بيوسف، ثم قال: (بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) أي: بيوسف وأخيه وروبيل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره، بقوله: (وتولى عنهم) ، وأعرض عنهم يعقوب (3) = (وقال يا أسفا على يوسف) ، يعني: يا حَزَنا عليه.
(1)
انظر تفسير: "صبر جميل" فيما سلف 15: 584.

(2)
انظر تفسير: "العليم" و "الحكيم" فيما سلف عن فهارس اللغة (علم) ، (حكم) .

(3)
انظر تفسير: "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) .

* * *
يقال: إن "الأسف" هو أشدُّ الحزن والتندم. يقال منه ": أسِفْتُ على كذا آسَفُ عليه أسَفًا" .
* * *
يقول الله جل ثناؤه: وابيضَّت عينا يعقوب من الحزن= (فهو كظيم) ، يقول: فهو مكظوم على الحزن، يعني أنه مملوء منه، مُمْسِك عليه لا يُبينه.
* * *
= صُرِف "المفعول" منه إلى "فعيل" ، ومنه قوله: (والكَاظِمِينَ الغَيْظَ) [سورة آل عمران: 134] ، وقد بينا معناه بشواهده فيما مضى. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: (وقال يا أسفا على يوسف) :
19646 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وتولى عنهم) ، أعرض عنهم، وتتَامَّ حزنه، وبلغ مجهودَه، حين لحق بيوسف أخوه، وهيَّج عليه حزنه على يوسف، فقال: (يا أسَفَا على يوسف وابيضَّت عيناه من الحزن فهو كظيم) .
19647 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وتولى عنهم وقال يا أسفَا على يوسف) ، يقول: يا حزني على يوسف.
19648 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء=، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يا أسفا على يوسف) ، يا حَزَنَا.
19648- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف) ، يا جزعاه.
(1)
انظر تفسير "الكظم" فيما سلف 7: 214.

19649- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف) ، يا جَزَعاه حزنًا.
19650- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يا أسفا على يوسف) ، يا جَزَعَا.
19651 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يا أسفا على يوسف) أي: حَزَناه.
19652- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يا أسفَا على يوسف) ، قال: يا حزناه على يوسف. (1)
19653- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن قتادة، نحوه.
19654 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وقال يا أسفا على يوسف) (2)
19655 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن أبي حجيرة، عن الضحاك: (يا أسفا على يوسف) ، قال: يا حَزَنَا على يوسف.
19656- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي مرزوق، عن جويبر، عن الضحاك: (يا أسفَا) ، يا حَزَنَاه. (3)
(1)
في المطبوعة، أسقط قوله: "على يوسف" .

(2)
لم يذكر مقالة ابن عباس في تفسير الآية، سقط من النساخ.

(3)
الأثر: 19656 - "عمرو" ، لعله "عمرو بن حماد بن طلحة القناد" ، وهو الذي يروي عنه "سفيان بن وكيع" = أو "عمرو بن عون" ، وقد أكثر الرواية عنه.

وأما "أبو مرزوق" هذا، فلم أستطع أن أجد له ذكرًا، و "أبو مرزوق التجيبي" ، و "أبو مرزوق" الذي روى عن أبي غالب عن أبي أمامة، أقدم من هذا الذي يروي عن "جوبير" .
فهذا إسناد في النفس منه شيء، وأخشى أن يكون سقط منه بعض رواته، فاستبهم على بيانه.
19657- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (يا أسفا) يا حزنا= (على يوسف) .
19658 - حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن سفيان العصفري، عن سعيد بن جبير قال: لم يُعْطَ أحدٌ غيرَ هذه الأمة الاسترجاع، (1) ألا تسمعون إلى قول يعقوب: (يا أسفَا على يوسف) ؟
19659- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن سعيد بن جبير، نحوه.
* * *
*ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) .
19660 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيم الحزن.
19661- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيم الحزن.
19662- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
19663- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: الحزن.
19664- حدثني المثنى قال، أخبرنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(1)
"الاسترجاع" ، هو قولنا نحن المسلمين، إذا أصابتنا مصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} .

ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، مكمود. (1)
19665- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فهو كظيم) ، قال: كظيمٌ على الحزن.
19666 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (فهو كظيم) ، قال: "الكظيم" ، الكميد.
19667- حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (فهو كظيم) ، قال: كميد.
19668- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: (كظيم) ، قال: كميد.
19669 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وابيضت عيناه من الحرن فهو كظيم) ، يقول: تردَّدَ حُزْنُه في جوفه، ولم يتكلّم بسوء.
19670- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (فهو كظيم) ، قال: كظيم على الحزن، فلم يقل بأسًا.
19671- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا الحسين بن الحسن قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) قال: كظيم على الحزن فلم يقل إلا خيرًا.
19672 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن يزيد بن زريع، عن عطاء الخراساني: (فهو كظيم،) قال: مكروب.
19673 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدى: (فهو كظيم) قال: من الغيظ.
(1)
في المخطوطة: "مكنود" ، والصواب ما في المطبوعة.

19674 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) ، قال: "الكظيم" الذي لا يتكَّلم، بلغ به الحزن حتى كان لا يكلِّمهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: قال ولد يعقوب= الذين انصرفوا إليه من مصر له، حين قال: (يا أسفا على يوسف) =: تالله لا تزال تذكر يوسف.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19675 - حدثني محمد بن عمرو، قال حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفتأ) تفتر من حبه.
19676 - حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تفتأ) ، تفتر من حبه. (1)
قال أبو جعفر:
هكذا قال الحسن في حديثه، (2) وهو غلط، إنما هو: تفتر من حبه، تزال تذكر يوسف. (3)
19677- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف) قال: لا تفتر من حبه.
(1)
في المطبوعة: "ما تفتر" بزيادة "ما" هنا، وأثبت ما في المخطوطة كالذي قبله.

(2)
في المطبوعة: "كذا قال" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
اعتراض الطبري على خبر الحسن بن محمد، يدل على أن الذي في أصله شيء آخر قوله غير: "تفتر من حبه" ، كما وردت في الخبر، ولم أستطع أن أتبين كيف هذا الحرف في رواية الحسن.

19678- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تفتأ) : تفتر من حبه.
19679....- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (تالله تفتأ تذكر يوسف) ، قال: لا تزال تذكر يوسف.
19680 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف،) قال: لا تزال تذكر يوسف. قال، لا تفتر من حبه.
19681 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تفتأ تذكر يوسف) قال: لا تزال تذكر يوسف.
19682- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (تفتأ تذكر يوسف،) قال: لا تزال تذكر يوسف. (1)
* * *
يقال منه: "ما فَتِئت أقول ذاك" ، "وما فَتَأت" لغة، "أفْتِئُ وأفْتَأ فَتأً وفُتوُءًا" (2) . وحكي أيضًا: "ما أفتأت به" ، ومنه قول أوس بن حجر:
فَمَا فَتِئَتْ حَتَّى كأَنَّ غُبَارَهَا ... سُرَادِقُ يَوْمٍ ذِي رِيَاحٍ تَرَفَّعُ (3)
وقوله الآخر
(1)
الأثر: 19682 - هذا الأثر مكرر في المطبوعة والمخطوطة بإسناده ولفظه، وبين أنه سهو من الناسخ، فحذفته.

(2)
قوله: "أفتئ" ، هكذا جاءت في المخطوطة والمطبوعة، وليس في كتب اللغة ما يؤيد هذا الذي قاله أبو جعفر، وهو غريب جدًا.

(3)
ديوانه، البيت: 17، القصيدة: 12، اللسان (شرم) ، وروايته فيهما: "فما فتئت خيل كأن غبارها" .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 19-07-2025 04:14 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (879)
صــ 221 إلى صــ 230





فَمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبَ وَتَدَّعِي ... وَيَلْحَقُ مِنْهَا لاحِقٌ وتَقَطَّعُ (2)
بمعنى: فما زالت.
وحذفت "لا" من قوله: (تفتأ) وهي مرادة في الكلام، لأن اليمين إذا كان ما بعدها خبرًا لم يصحبها الجحد، ولم تسقط "اللام" التي يجاب بها الأيْمان، وذلك كقول القائل: "والله لآتينَّك" ، وإذا كان ما بعدها مجحودًا تُلُقِّيت بـ "ما" أو بـ "لا" . فلما عرف موقعها حُذِفت من الكلام، لمعرفة السامع بمعنى الكلام، (3) ومنه قول امرئ القيس:
فَقُلْتُ يَمِينَ اللهِ أبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وأوْصَالِي (4)
فحذفت "لا" من قوله: "أبرح قاعدًا" ، لما ذكرت من العلة، كما قال الآخر:
فَلا وأَبِي دَهْمَاءَ زَالَتْ عَزِيزَةً ... عَلَى قَوْمِهَا مَا فَتَّلَ الزَّنْدَ قَادِحُ (5)
يريد: لا زالت.
* * *
وقوله: (حتى تكون حرضًا،) يقول: حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبولَ العقل.
* * *
وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق، ومنه قول العَرْجيّ:
(1)
هو قول أوس بن حجر أيضًا.

(2)
ديوانه القصيدة: 17، البيت: 10، الجمهرة 3: 287، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 316، والمعاني الكبير: 1002.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء في تفسير الآية.

(4)
مضى البيت وتخريجه فيما سلف 4: 425، ويزاد عليه معاني القرآن للفراء.

(5)
معاني القرآن للفراء، في تفسير الآية، ومشكل القرآن: 174، والخزانة 4: 45، 46، وشرح شواهد المغني: 278، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ما قبل الزند" ، وهو خطأ صرف.

إنِّي امْرُؤٌ لَجّ بي حُبٌّ فأَحْرَضَني ... حَتَّى بَلِيتُ وحَتّى شَفَّني السَّقَمُ (1)
يعني بقوله: "فأحرضني" ، أذابني فتركني مُحْرَضًا. يقال منه: "رجل حَرَضٌ، وامرأة حَرَضٌ، وقوم حَرَضٌ، ورجلان حَرَضٌ" ، على صورة واحدة للمذكر والمؤنث، وفي التثنية والجمع. ومن العرب من يقول للذكر: "حَارِض" ، وللأنثى "حارضة" . فإذا وُصف بهذا اللفظ ثُنِّي وجُمع، وذكِّر وأنث. وَوُحِّد "حَرَض" بكل حال ولم يدخله التأنيث، لأنه مصدر، فإذا أخرج على "فاعل" على تقدير الأسماء، لزمه ما يلزم الأسماء من التثنية والجمع والتذكير والتأنيث. وذكر بعضهم سماعًا: "رجُل مُحْرَضٌ" ، إذا كان وَجِعًا، وأنشد في ذلك بيتًا:
طَلَبَتْهُ الخَيْلُ يَوْمًا كَامِلا ... وَلَوَ الْفَتْهُ لأضْحَى مُحْرَضَا (2)
وذكر أنَّ منه قول امرئ القيس:
أَرَى المَرْءَ ذَا الأذْوَادِ يُصْبِحُ مُحْرَضًا ... كَإِحْرَاضِ بَكْرٍ في الدِّيَارِ مَريضِ (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19683 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (حتى تكون حرضًا) يعني: الجَهْدَ في المرض، البالي.
19684 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حتى تكون حرضًا) قال: دون الموت.
(1)
ديوانه: 5، مجاز القرآن لأبي عبيدة: 317، واللسان (حرض) .

(2)
لم أجد البيت، ولم أعرف قائله.

(3)
ديوانه: 77، واللسان (حرض) .

19685- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد: (حتى تكون حرضًا) قال: الحرض، ما دون الموت.
19686- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19687 - ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19688- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19689- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19690- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19691 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (حتى تكون حرضًا) حتى تبلى أو تهرم.
19692- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (حتى تكون حرضًا) حتى تكون هَرِمًا.
19693 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (حتى تكون حرضًا) قال: هرمًا.
19694 - ... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: "الحرض" ، الشيء البالي.
19695- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: (حتى تكون حرضًا) قال: الحرض: الشيء البالي الفاني.
19696....- قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك
، عن أبي معاذ، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك: (حتى تكون حَرَضًا) "الحرضُ" البالي.
19697- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك يقول في قوله: (حتى تكون حرضًا) : هو البالي المُدْبر. (1)
19698 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (حتى تكون حرضًا) باليًا.
19699 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما ذكر يعقوبُ يوسفَ قالوا= يعني ولده الذين حضروه في ذلك الوقت، جهلا وظلمًا=: (تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا،) أي: تكون فاسدًا لا عقل لك= (أو تكون من الهالكين.)
19700 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين) ، قال: "الحرض" : الذي قد رُدَّ إلى أرذل العمر حتى لا يعقل، أو يهلك، فيكون هالكًا قبل ذلك.
* * *
وقوله: (أو تكون من الهالكين) ، يقول: أو تكون ممن هلك بالموت.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19701 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد: (أو تكون من الهالكين،) قال: الموت.
19702- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو تكون من الهالكين،) من الميتين.
19703 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن
(1)
في المطبوعة: "البالي المندثر" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو أجود.

الضحاك، (أو تكون من الهالكين) قال: الميتين.
19704- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
19705 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن عون، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (أو تكون من الهالكين) ، قال: الميتين.
19706 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو تكون من الهالكين) ، قال: أو تموت.
19707- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أو تكون من الهالكين،) قال: من الميتين.
19708 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (أو تكون من الهالكين،) قال: الميتين. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب للقائلين له من ولده: (تالله تفتأ تذكر يوسفَ حتى تكون حرضًا أو تكون من الهالكين) : = لست إليكم أشكو بثي وحزني، وإنما أشكو ذلك إلى الله.
* * *
ويعني بقوله: (إنما أشكو بثي) ، ما أشكو هَمِّي وحزني إلا إلى الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1)
في المطبوعة: "من الميتين" ، بزيادة "من" .

* ذكر من قال ذلك:
19709 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (إنما أشكو بثي) ، قال ابن عباس: "بثي" ، همي.
19710 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال يعقوب عَنْ عِلْمٍ بالله: (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) ، لما رأى من فظاظتهم وغلظتهم وسوء لَفْظهم له: (1) لم أشك ذلك إليكم= (وأعلم من الله ما لا تعلمون) .
19711 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن الحسن: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) قال: حاجتي وحزني إلى الله.
19712- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا هوذة بن خليفة قال، حدثنا عوف، عن الحسن، مثله.
* * *
وقيل: إن "البثّ" ، أشد الحزن، (2) وهو عندي من: "بَثّ الحديث" ، وإنما يراد منه: إنما أشكو خبري الذي أنا فيه من الهمِّ، وأبثُّ حديثي وحزني إلى الله.
* * *
19713 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن، (إنما أشكو بثي) ، قال: حزني.
19714 - حدثنا ابن بشار قال، حدثني يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن: (إنما أشكو بثي وحزني) ، قال: حاجتي.
(1)
في المخطوطة والمطبوعة: "لفظهم به" ، وهو لا يستقيم، صوابه ما أثبت، ويعني جفاءهم فيما يخاطبونه به من الكلام.

(2)
هو لفظ أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 317.

* * *
وأما قوله (وأعلم من الله ما لا تعلمون) فإن ابن عباس كان يقول في ذلك فيما ذكر عنه ما:-
19715 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وأعلم من الله ما لا تعلمون،) يقول: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني سأسجد له.
19716- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) ، قال: لما أخبروه بدعاء الملك، أحسَّت نفسُ يعقوب وقال: ما يكون في الأرض صِدِّيق إلا نبيّ! فطمع قال: لعله يوسف. (1)
19717- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) الآية، ذكر لنا أن نبي الله يعقوب لم ينزل به بلاءٌ قط إلا أتى حُسْنَ ظنّه بالله من ورائه.
19718- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الحسن قال، قيل: ما بلغ وجدُ يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين ثكلى! . قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مئة شهيدٍ. قال: وما ساء ظنه بالله ساعةً من ليل ولا نهارٍ.
19719- حدثنا به ابن حميد مرة أخرى قال، حدثنا حكام، عن أبي معاذ، عن يونس، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
19720- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن المبارك بن مجاهد، عن رجل من الأزد، عن طلحة بن مصرِّف الإيامي قال، ثلاثة لا تذْكُرْهنّ واجتنب ذكرهُنّ: لا تشك مَرَضَك، ولا تَشكُّ مصيبتك، ولا تزكِّ نفسك. قال:
(1)
هذا خبر مضطرب اللفظ، أخشى أن يكون فيه سقط أو تحريف.

وأنبئت أنّ يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له، فقال له: يا يعقوب ما لي أراك قد انهشمت وفنيتَ، ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قال: هَشَمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف وذكره! فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتُها، فاغفرها لي! قال: فإني قد غفرت لك. وكان بعد ذلك إذا سئل قال، (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) .
19721- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثني مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال، بلغني أن يعقوب كبر حتى سقط حاجبَاه على وجنتيه، فكان يرفعهما بخِرْقَة، فقال له رجل: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه: يا يعقوب تشكوني؟ قال: خطيئة فاغفرها.
19722- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا ثور بن يزيد قال: دخل يعقوب على فرعون وقد سقط حاجبَاه على عينيه، فقال: ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا: إنّه يعقوب، فقال: ما بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فقال الله: يا يعقوب أتشكوني؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها لي.
19723- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا هشام، عن ليث بن أبي سليم قال، دخل جبريل على يوسف السجنَ، فعرفه، فقال: أيها المَلَكُ الحسن وجهه، الطيبة ريحُه، الكريمُ على ربه، ألا تخبرني عن يعقوب أحيٌّ هو؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الحسنُ وجههُ، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: أيها الملك الحسن وجهه، الطيبة ريحه، الكريم على ربه، فهل في ذلك من أجر؟ قال: أجر مئة شهيد.
19724- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: حُدّثت أن جبريل أتى يوسف صلى الله عليه وسلم وهو بمصر في صورة رجل، فلما رآه يوسف عرَفه، فقام إليه: فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهرُ ثيابه، الكريم على ربه، هل لك بيعقوب من علم؟ قال: نعم! قال: أيها الملك الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فكيف هو؟ قال: ذهب بصره. قال: أيها الملك الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما الذي أذهب بصره؟ قال: الحزنُ عليك. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، فما أعطي على ذلك؟ قال: أجر سبعين شهيدًا.
19725- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال أبو شريح: سمعت من يحدث أن يوسف سأل جبريل: ما بلغ من حزن يعقوب؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره؟ قال: أجر سبعين شهيدًا.
19726- ... قال: أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني نافع بن يزيد، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال، دخل جبريل على يوسف في البئر أو في السجن، فقال له يوسف: يا جبريل، ما بلغ حزن أبي؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره من الله؟ قال: أجر مئة شهيدٍ.
19727- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل قال، سمعت وهب بن منبه يقول: أتى جبريل يوسف بالبشرى وهو في السجن. فقال: هل تعرفني أيها الصِّدِّيق؟ قال: أرى صورة طاهرة ورُوحًا طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين. قال: فإني رسول رب العالمين، وأنا الروح الأمين. قال: فما الذي أدخلك على مُدْخَل المذنبين، وأنت أطيب الطيبين، ورأس المقربين، وأمين رب العالمين؟ قال: ألم تعلم يا يوسف أن الله يطّهر البيوت بطُهْر النبيين، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأرَضِين،
وأن الله قد طهَّر بك السجن وما حوله يا أطهر الطاهرين وابن المطهَّرين؟ (1) إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلَصِين! قال: كيف لي باسم الصّدِّيقين، وتعدُّني من المخلصين، وقد أدخلت مُدْخَل المذنبين، وسميت في الضالين المفسدين؟ (2) قال: لم يُفْتَتَنْ قلبُك، ولم تطع سيدتك في معصية ربك، ولذلك سمَّاك الله في الصديقين، وعدّك من المخلَصين، وألحقك بآبائك الصالحين. قال: لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال: نعم، وهبه الله الصبر الجميل، وابتلاه بالحزن عليك، فهو كظيم. قال: فما قَدْرُ حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فماذا له من الأجر يا جبريل؟ قال: قدر مئة شهيدٍ.
19728- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن ثابت البناني قال، دخل جبريل على يوسف في السجن، فعرفه يوسف قال، فأتاه فسلم عليه، فقال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم. قال: أيها الملك الطيبُ ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل تدري ما فعل؟ قال: ابيضَّت عيناه. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، ممّ ذاك؟ قال: من الحزن عليك. (3) قال، أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل له على ذلك من أجر؟ قال: نعم أجر مئة شهيدٍ.
19729- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال، أتى جبرئيل يوسف وهو في السجن فسلّم عليه، وجاءه في صورة رجلٍ حسن
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "يا طهر الطاهرين" ، والصواب ما أثبت.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "وسميت بالضالين المفسدين" ، وهو لا يستقيم، صوابه ما أثبت. وانظر بعد قوله: "وسماك الله في الصديقين" .

(3)
في المخطوطة: "قال: قد ابيضت عيناه من الحزن عليك" ، وحذف ما بين الكلامين من سؤال وجواب.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 19-07-2025 04:18 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (880)
صــ 231 إلى صــ 240





الوجه طيّب الريح نقيّ الثياب، فقال له يوسف: أيها المَلك الحسن وجهه، الكريم على ربه، الطيب ريحه، حدثني كيف يعقوب؟ قال: حزن عليك حزنًا شديدًا. قال: وما بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مُثْكِلة. قال: فما بلغ من أجره؟ قال: أجر سبعين أو مئة شهيدٍ. قال يوسف: فإلى من أوَى بعدي؟ قال: إلى أخيك بنيامين. قال: فتراني ألقاه أبدًا؟ قال: نعم. فبكى يوسف لما لقي أبوه بعده، ثم قال: ما أبالي ما لقيت إنِ اللهُ أرانيه.
19730- ... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال، أتى جبريل يوسف وهو في السجن، فسلم عليه، فقال له يوسف، أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، هل لك من علم بيعقوب؟ قال: نعم ما أشد حزنه! قال: أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، ماذا لَه من الأجر؟ قال: أجر سبعين شهيدًا. قال: أفتراني لاقيه؟ قال: نعم. قال: فطابت نفس يوسف.
19731- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن سعيد بن جبير قال: لما دخل يعقوب على الملك وحاجباه قد سقطا على عينيه، قال الملك: ما هذا؟ قال: السنون والأحزان، أو: الهموم والأحزان، فقال ربه: يا يعقوب لم تشكوني إلى خلقي، ألم أفعل بك وأفعل؟
19732- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: من بثَّ لم يصبر (1) ثم قرأ: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) .
19733- حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال، حدثنا أبو أسامة،
(1)
في المخطوطة: "من بب فلم نصير" ، غير منقوطة وعلى الجملة حرف (ط) دلالة على الخطأ، والذي في المطبوعة، هو نص ما في الدر المنثور 4: 31.

عن هشام، عن الحسن قال، كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى يوم رجع ثمانون سنة، لم يفارق الحزن قلبه، يبكي حتى ذهبَ بصره. قال الحسن: والله ما على الأرض يومئذ خليقةٌ أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حين طمع يعقوب في يوسف، قال لبنيه: (يا بني اذهبوا) إلى الموضع الذي جئتم منه وخلفتم أخويكم به= (فتحسَّسوا من يوسف) ، يقول: التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره.
* * *
وأصل "التحسُّس" ، "التفعل" من "الحِسِّ" .
* * *
= (وأخيه) يعني بنيامين= (ولا تيأسوا من روح الله) ، يقول: ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فيرينيهما= (إنه لا ييأس من روح الله) يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه (1) (إلا القوم الكافرون) ، يعني: القوم الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "اليأس" فيما سلف 9: 516.

19734- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) ، بمصر= (ولا تيأسوا من روح الله) ، قال: من فرج الله أن يردَّ يوسف.
19735- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) ، أي من رحمة الله.
19736- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة نحوه.
19737- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ثم إن يعقوب قال لبنيه، وهو على حسن ظنه بربه مع الذي هو فيه من الحزن: (يا بني اذهبوا) إلى البلاد التي منها جئتم= (فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله) : أي من فرجه= (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)
19738- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) ، يقول: من رحمة الله.
19739- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تيأسوا من روح الله) ، قال: من فرج الله، يفرِّج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) }
قال أبو جعفر: وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف، وذلك: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها، فدَخلوا على يوسف= (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) ، أي الشدة من الجدب والقحط (1) = (وجئنا ببضاعة مزجاة) . كما:-
19740- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، وخرجوا إلى مصر راجعين إليها= (ببضاعة مزجاة) : أي قليلة، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به، إلا أن يتجاوز لهم فيها، وقد رأوا ما نزل بأبيهم، وتتابعَ البلاء عليه في ولده وبصره، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا: (يا أيها العزيز) ، رَجَاةَ أن يرحمهم في شأن أخيهم (2) = (مسنا وأهلنا الضر) .
* * *
وعنى بقوله: (وجئنا ببضاعة مُزْجاة) بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها.
* * *
وأصل "الإزجاء" : السوق بالدفع، كما قال النابغة الذبياني:
وَهَبّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ ذِي أُرُلٍ ... تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ مِنْ صَرَّادِهَا صِرَمَا (3)
(1)
انظر تفسير "الضر" فيما سلف من فهارس اللغة (ضرر) .

(2)
في المطبوعة: "رجاء" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو بمثل معناه.

(3)
ديوانه: 52، و "ذو أرل" ، جبل بديار غطفان. و "الصراد" ، سحاب بارد رقيق تسفره الريح وتسوقه. و "الصرم" جمع صرمة، وهي قطع السحاب. وقبل البيت: هَلاَّ سَأَلْتَ بَني ذُبْيَانَ ما حَسَبي ... إذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأشْمَطَ البَرَمَا

من أبيات يذكر فيها كرمه في زمن الجدب والشتاء.
يعني تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
الوَاهِبُ المِئةَ الهِجَانَ وعَبْدَهَا ... عُوذًا تُزَجِّي خَلْفَها أطْفَالَها (1)
وقول حاتم:
لِبَيْكِ عَلَى مِلْحَانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ ... وَأَرْمَلَةٌ تُزْجِى مَعَ اللَّيلِ أَرْمَلا (2)
يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك قيل: (ببضاعة مزجاة) ، لأنها غير نافقة، وإنما تُجَوَّز تجويزًا على وَضعٍ من آخذيها. (3)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة.
*ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك:
19741- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (ببضاعة مزجاة) قال: رديَّةٍ زُيُوفٍ لا تنفق حتى يُوضَع منها.
19742- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: الردِيّة التي لا تنفق حتى يُوضَع منها.
(1)
ديوانه: 25، من قصيدته في قيس بن معد يكرب، مضت منها أبيات. و "الهجان" ، الإبل الأبيض، وهي كرام الإبل. و "العوذ" جمع عائذ، وهي الناقة الحديثة النتاج.

(2)
ليس في ديوانه، وأنشده ابن بري غير منسوب (اللسان: رمل) ، وظاهر أن الشعر لحاتم، لأن "ملحان" ، هو ابن عمه "ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج الطائي" ، وكنت وقفت على أبيات من هذا الشعر، ثم أضعتها اليوم.

(3)
في المخطوطة والمطبوعة: "على نفع من آخذيها" ، والصواب ما أثبتناه، إن شاء الله، تدل عليه الآثار الآتية بعد. ولو قرئت "على دفع" ، فلا بأس بذلك.

19743- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: خَلَقٍ (1) الغِرَارة والحبلُ والشيء.
19744- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة قال، سمعت ابن عباس، وسئل عن قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: رِثَّةُ المتاع، (2) الحبلُ والغرارةُ والشيء.
19745- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، مثله.
19746- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: "البضاعة" ، الدراهم، (3) و "المزجاة" : غير طائل.
19747- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن ابن أبي زياد، عمن حدثه، عن ابن عباس قال، كاسدة غير طائل.
19748- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو حصين، عن سعيد بن جبير، وعكرمة،: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال سعيد: ناقصة= وقال عكرمة: دراهم فُسُول. (4)
(1)
الخلق: البالي.

(2)
الرث (بفتح الراء) ، والرثة (بكسرها) ، والرثيث: الخلق الخسيس البالي من كل شيء.

(3)
انظر تفسير "البضاعة" فيما سلف: ص: 4، 156.

(4)
"فسول" جمع "فسل" (بفتح فسكون) : وهو الردئ الرذل من كل شيء. يقال: "دراهم فسول" ، أي: زيوف.

19749- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة، مثله.
19750- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي=، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير وعكرمة: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال أحدهما: ناقصة. وقال الآخر: رديَّةٌ.
19751- ... وبه قال، حدثنا أبي عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال، كان سَمْنًا وصُوفًا.
19752- حدثنا الحسن قال، حدثنا علي بن عاصم، عن يزيد بن أبي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: قليلةٌ، متاعُ الأعراب: الصوفُ والسَّمن.
19753- حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري، قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي، قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن مروان بن عمرو العذري، عن أبي إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قالالصنوبر والحبة الخضراء. (1)
19754- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن يزيد بن الوليد، عن إبراهيم، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: قليلة، ألا تسمع إلى قوله: "فَأَوْقِرْ رِكَابَنَا" ، وهم يقرءون كذلك. (2)
(1)
الأثر: 19753 - "إسحاق بن زياد القطان" ، "أبو يعقوب البصري" ، شيخ الطبري لم أجد له بعد ترجمة، وقد مضى برقم: 14146، وهو هناك "العطار النصري" ، ثم في رقم: 17430، وهو هناك: "إسحاق بن زيادة العطار؛" بزيادة التاء. ولا طاقة لنا بالفصل في ذلك، حتى نجد ما يدل عليه.

و "محمد بن إسحاق البلخي: مضى برقم: 14146، روى عنه هناك" إسحاق بن زياد "أيضًا."
و "مروان بن معاوية الفزاري" ، مضى مرارًا آخرها: 15446.
أما "مروان بن عمرو العذري" ، فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم، وأخشى أن كون فيه تحريف وأما "أبو إسماعيل" . فلم أتبين من يكون، لما في هذا الإسناد من الظلمة.
(2)
يعني أصحاب عبد الله بن مسعود، كما سترى في الأثر التالي.

19755- حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: ما أراها إلا القليلة، لأنها في مصحف عبد الله: "وَأَوْقِرْ رِكَابَنا" ، يعني قوله: "مزجاة" .
19756- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن القعقاع بن يزيد، عن إبراهيم قال، قليلة، ألم تسمع إلى قوله: "وَأَوْقِرْ رِكَابنَا" ؟
19757- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أبي بكر الهذلي، عن سعيد بن جبير والحسن: بضاعة مزجاة قال سعيد: الرديّة= وقال الحسن: القليلة.
19758- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث قال، متاع الأعراب سمنٌ وصوف.
19759- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية قال، دراهم ليست بطائل. (1)
19760- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مزجاة) ، قال: قليلة.
19761- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة.
19762- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19763- ... قال، حدثنا قبيصة بن عقبة، قال، حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: (وجئنا ببضاعة مزجاة) قال: شيء من صوف، وشيء من سمن.
(1)
] في المخطوطة: "ليس بطائل" ، ولا بأس به.

19764- ... قال، حدثنا عمرو بن عون، قال، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحسن قال: قليلة.
19765- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عمن حدثه، عن مجاهد: (مزجاة) قال: قليلة.
19766- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
19767- ... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن عكرمة قال: ناقصة= وقال سعيد بن جبير: فُسُولٌ.
19768- ... قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن سعيد بن جبير: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قال: رديّة.
19769- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة لا تنفق.
19770- حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قالأخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة.
19771- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة، عن جويبر، عن الضحاك قال: كاسدة غير طائل.
19772- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ببضاعة مزجاة) ، يقول: كاسدة غير نافقة.
19773- حدثنا أحمد بن إسحاق، قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (وجئنا ببضاعة مزجاة) ، قالالناقصة= وقال عكرمة: فيها تجوُّزٌ.
19774- ... قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الدراهم الرديّة التي لا تجوز إلا بنقصان.
19775- ... قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: الدراهم الرُّذَال، (1) التي لا تجوز إلا بنقصان. (2)
19776- حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: دراهم فيها جَوازٌ.
19777- حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) :، أي: يسيرة.
19778- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
19779- حدثنا يونس، قال، أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وجئنا ببضاعة مزجاة) قال: "المزجاة" ، القليلة.
19780- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وجئنا ببضاعة مزجاة) :، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك، إلا أن تتجاوز لنا فيها.
* * *
وقوله: (فأوف لنا الكيل) بها (3) وأعطنا بها ما كنت تعطينا
(1)
] يقال: "هذا رذل" و "هذا رذال" (بضم الراء) أي: دون خسيس رديء. وفي المخطوطة (الرذل) وهو مثله.

(2)
الأثر (19775) في المطبوعة (إسرائيل عن ابن أبي نجيح) غير ما في المخطوطة، فإنه كان فيها: "عن أبي يحيى" كأنه أراد أن يكتب "نجيح" ، ثم صيرها: "يحيى" ، غير منقوطة. و "أبو يحيى" ، هو: "أبو يحيى القتات الكوفي" ، وهو الذي يروي عن مجاهد، وقد سلف برقم: 12139، 15697.

(3)
لا شك عندي أنه قد سقط من كلام أبي جعفر شيء في تفسير "أوف لنا" ، لم يبق منه إلا قوله: "بها" ، فلذلك وضعت هذه النقط. والمراد من ذلك ظاهر، كأنه كتب: "فأتم لنا حقوقنا في الكيل بها، وأعطنا ..." ، وانظر تفسير "الإيفاء" فيما سلف 12: 224، 554.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif





الساعة الآن : 02:01 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 1,319.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,317.75 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.13%)]