رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (41) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحسن التعامل مع النتائج غير المرضية الناتجة عن القرار، ومارس -صلى الله عليه وسلم- ذلك عمليًّا في درس تطبيقي واضح، لمَّا نزل على رأي المجموع من أصحابه بالخروج لملاقاة قريش في غزوة أُحُد؛ رغم أنه كان يرى أن الأصلح والأفضل هو التحصن بالمدينة، ولم يكن هناك وحي ولا بينات تحسم الأمر؛ وذهب يتأهب للمعركة -صلى الله عليه وسلم-، وكان الناس ينتظرون خروجه، فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير -رضي الله عنهما-: "استكرهتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الخروج فرُدوا الأمر إليه"؛ فندموا جميعًا على ما صنعوا، فلما خرج قالوا له: "يا رسول الله، ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت، إن أحببتَ أن تمكث بالمدينة فافعل"؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إذَا لَبِسَ لَأَمْتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ) (أخرجه أحمد في مسنده، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"). ولما وقعت الهزيمة، لم يعاتبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم لم ينزلوا على رأيه، بل لم تنزل آية من القرآن تعاتبهم على ذلك، بل كان اللوم والعتاب على معصية منفكة عن القرار الذي اتُّخِذ؛ وهي: الخلل الذي حصل في التنفيذ؛ كما قال -تعالى-: (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) (آل عمران: 152)، وأما القرار فقد أدوا ما عليهم، وأبرأوا ذمتهم، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حمراء الأسد ليقلل من آثار ما كان في أُحُد. حيثيات يجب أخذها في الاعتبار: 1- الممارسة والخبرة، وتعدد التجارب أمر معتبر؛ لأنها تكسب الفرد السرعة والمهارة اللازمة في اتخاذ القرار. 2- دائمًا اتخاذ القرار أفضل من عدم اتخاذه -وإن كان في القرار أخطاء في بعض الأمور-؛ لأن عدم اتخاذ القرار يصيب الإنسان بالعجز والشلل في مواجهة الأحداث وحل المشكلات، ويجعله دائمًا منفعلًا أو ردَّ فعل. 3- اتخاذ القرار يحتاج إلى عقليات متفتحة مَرِنَة، لها القدرة على توليد الأفكار. 4- اتخاذ القرار ليس هو نهاية المطاف، بل في الحقيقة هو بداية؛ لأن أثناء التنفيذ قد يحدث العديد من التعديلات وَفْقًا للمستجدات؛ فليس الأمر في اتخاذ القرار فقط، وإنما أهم من ذلك ما بعده من متابعة تطور المدخلات. محاذير لازمة (اللاءات الخمسة): عند اتخاذ القرار هناك بعض الآفات التي قد تحدث بحكم البشرية والتي يجب الحذر منها؛ لأنها قد تتسبب في انحراف القرار عن تحقيق مقصوده النافع؛ لذلك من المحاذير المهمة التي يجب تجنبها عند اتخاذ القرار، خمسة محاذير (اللاءات الخمسة)؛ وهي: 1- لا للمجاملات في اتخاذ القرار. 2- لا لتحكيم العواطف (فالعواطف عواصف). 3- لا للتردد وعدم الحسم في القرارات. 4- لا للإذاعة أو النشر للقرارات أو حيثياتها؛ إلا وَفْقًا للآلية المتفق عليه. 5- لا للتسرع في اتخاذ القرار أو البطء الشديد في اتخاذه أو تنفيذه. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (42) كتبه/ سامح بسيوني حيثيات مهمة يجب أخذها في الاعتبار عند اتخاذ القرار: 1- الممارسة والخبرة وتعدد التجارب أمر معتبر للغاية؛ فهي تكسب الفرد السرعة والمهارة اللازمة في اتخاذ القرار. 2- دائمًا اتخاذ القرار أفضل من عدم اتخاذه، وإن كان في القرار أخطاء في بعض الأمور؛ لأن عدم اتخاذ القرار يصيب الإنسان بالعجز والشلل في مواجهة الأحداث وحل المشكلات، ويجعله دائمًا منفعلًا أو رد فعل. 3- اتخاذ القرار يحتاج إلى عقليات متفتحة مرنة لها القدرة على توليد الأفكار. 4- اتخاذ القرار ليس هو نهاية المطاف، بل في الحقيقة هو بداية؛ لأن أثناء التنفيذ قد يحدث العديد من التعديلات طبقًا للمستجدات، فليس الأمر في اتخاذ القرار فقط، وإنما أهم من ذلك ما بعده من متابعة تطور المدخلات. محاذير لازمة (اللاءات الخمسة): عند اتخاذ القرار هناك بعض الآفات التي قد تحدث بحكم البشرية والتي يجب الحذر منها؛ لأنها قد تتسبب في انحراف القرار عن تحقيق مقصوده النافع؛ لذلك من المحاذير الهامة التي يجب تجنبها عند اتخاذ القرار؛ خمسة محاذير (اللاءات الخمسة)، وهي: 1- لا للمجاملات في اتخاذ القرار. 2- لا لتحكيم العواطف (فالعواطف عواصف). 3- لا للتردد وعدم الحسم في القرارات. 4- لا للإذاعة أو النشر للقرارات أو حيثياتها إلا طبقًا للآلية المتفق عليه. 5- لا للتسرع في اتخاذ القرار أو البطء الشديد في اتخاذه أو تنفيذه. ضبط علاقة الفرد بالمجموع في العمل الإصلاحي المؤسسي: كما أن الشورى موضعها قبل اتخاذ القرار، فالتزام القرارات يلزم الجميع بعد صدور القرار، وكما أن الشورى راحة للقيادة وحق للأتباع، وضمان للمصلحة، فكذلك الطاعة والتزام القرار واجب على الأتباع، وحق للقيادة، وضمان لتحقيق المصلحة على أرض الواقع طالما أن العمل الإصلاحي المؤسسي قائم على أسس ثابتة مشروعة، والتي منها: 1- الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة. 2- عدم التعصب إلا للحق. 3- مراعاة المصلحة ودفع المفسدة التي تضر بالأمة مع تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة (فالكيانات الإسلامية المعاصرة ليست خلافة وليست كلها فرقاً نارية، وإنما هي مرحلة متوسطة تهدف إلى إقامة جماعة المسلمين عن طريق القيام بما تقدر عليه من فروض الكفاية). وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (43) كتبه/ سامح بسيوني الضابط الرابع: تحقيق الشمولية في العمل الإصلاحي المؤسسي: من أعظم أسباب قوة أي كيان إصلاحي وفَلاحِه: قدرته على شمولية التأثير والإصلاح في المجتمع، والدفع في كلِّ أوجه الخير المتاحة في المجتمع، كما قال -تعالى- في بيان صفات أهل الفلاح: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104). فالدعوة للخير هنا تشمل كلَّ مَن يمكن أن تتوجه الدعوة إليه، والألف واللام في كلمة (الخير) تفيد الاستغراق، فتشمل كل أوجه الخير الممكنة؛ وهذا أعظم ما يميز العمل في كيانٍ عن العمل الفردي -كما بيَّنَّا سابقًا-. والحقيقة: أن مفهوم الشمولية في العمل الإصلاحي أمر لازم لتحقيق مفهوم شمولية العبودية المنشودة من أي عمل إصلاحي مؤسسي؛ فالعبودية كما عرَّفها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هي: "كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة"، لكن تحقيق هذه الشمولية المنشودة يحتاج إلى كثيرٍ من الإعداد والجهد، والتنوع المتكامل في المجالات والمهارات، والتخصصات والأعمال. مستلزمات مفهوم الشمولية: الشمولية اللازمة لتحقيق مفهوم شمولية العبودية -التي هي غاية العمل عند الكيانات الإصلاحية-، تستلزم أمرين: الأمر الأول: تنوع مجالات العمل المستهدف داخل الكيان الإصلاحي من حيث: (1) الجانب البنائي للأفراد العاملين داخل المؤسسة: تُعدُّ شمولية بناء الشخصية لأفراد أي كيان إصلاحي أو مؤسسة إصلاحية -لا سيما الكادر منهم- هي أحد مرتكزات قوة الكيان أو المؤسسة، والتي تستلزم عمل برامج بنائية متكاملة داخل المؤسسة لكل أفرادها وَفْقًا لمستوياتهم الإدارية المختلفة، على أن تشتمل على جميع الجوانب اللازمة لبناء الشخصية السوية النافعة من خلال تكامل برامج الإعداد الخاصة بـ(الجانب الإيماني التعبدي - الجانب السلوكي الأخلاقي - الجانب العقدي الفكري - الجانب العلمي المعرفي - الجانب المهاري الوظيفي) بما يضمن تحصيل الحد اللازم وجوده في شخصية الفرد المصلح. (2) الجانب الانتشاري في المجتمع: الانتشار هو أحد عوامل سرعة التأثير الإصلاحي في المجتمع، وهو يتطلب مراعاة عِدَّة أمور: - تنوع الأنشطة الإصلاحية، والخدمات المجتمعية المفيدة والنافعة لطبقات المجتمع المختلفة: حيث يجب أن تتوجه أنشطة الكيان الإصلاحي إلى جميع طبقات المجتمع على اختلاف أعمارهم أو أنواعهم؛ ونعني بذلك -على سبيل المثال-: (الأبناء والبنات - الشباب والفتيات - الرجال والنساء - الفقراء والأغنياء - رجال الأعمال والوجهاء - الحرفيين والمهنيين - أصحاب المناصب والتأثير - إلخ). مع الحذر كل الحذر من التقوقع الداخلي داخل الكيان، أو الاقتصار على استهداف أفراد الكيان فقط بالأنشطة أو بالخدمات المجتمعية -تحت ضغط الواقع أو وجود عوائق وممانعات من بعض هذه الطبقات؛ بسبب التخوفات، أو التشويه الذي قد يتوجه إلى الكيان الإصلاحي ممَّن لا يتفهم مقصده أو يحقد عليه-؛ فهذا قد يتسبب في حدوث فجوة مجتمعية كبيرة بين المجتمع وأفراد الكيان الإصلاحي؛ مما يعرِّض الفكرة الإصلاحية للكيان في حدِّ ذاتها إلى الهدم، أو يعرِّض الكيان إلى التآكل المجتمعي، أو يصيب الأفراد بالعزلة الشعورية المهلكة لأي كيان إصلاحي، والمضيِّعَة للتماسك المجتمعي المؤثر في الإصلاح المنشود. ومن الجدير بالذكر هنا أن نؤكد على: أن ممانعة حالة الانتشار لأي كيان إصلاحي هي حالة مكرورة منذ قديم الزمان، وأن هذا الأمر من طبيعة الطريق الإصلاحي، وأن الاستمرار ودوام الإحسان هو أحد أهم وسائل تغيير القلوب بالقبول والوصول لأبعد الطبقات. كما أن السياسة العملية لأي كيان إصلاحي في مساره الانتشاري تتطلب: الاستمرارية لا الموسمية، والحرص على البناء لا الهدم، والتعاون لا التصادم أو الإقصاء، وحفظ القيم والثوابت مع تطوير الوسائل، والتعلُّم من الأخطاء وإدراك الواقع، مع التطلع للمستقبل بإيجابية، ودوام الإحسان وإن لم تَلْقَ إحسانًا من الآخرين؛ لأن الله يحب المحسنين، وكفى بالله حسيبًا. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (44) كتبه/ سامح بسيوني فقد ذكرنا في المقال السابق: أن الانتشار هو أحد عوامل سرعة التأثير الإصلاحي في المجتمع، وهو يتطلب مراعاة عِدَّة أمور؛ منها: - الحرص على التواجد في كل المساحات والأماكن وَفْقًا للممكن والمتاح، ونعني بذلك: بذل الجهد في الوجود وَفْقًا للمستطاع في كل المساحات الجغرافية المتاحة أفقيًّا أو مهنيًّا. ومن الجدير بالذكر هنا: أن ندرك أن الخبرة العملية الناتجة من الممارسة والتي أثمرت عمليًّا الوجود في مساحات جغرافية أو مهنية جديدة بطريقة إصلاحية مؤثرة، هي أحد أهم مهارات المسؤول التنفيذي في أي مؤسسة إصلاحية -كما ذكرنا ذلك سابقًا في المسئولية الإصلاحية-، وهذه الخبرة العملية تحتاج إلى تدوين تراكمي لها يوضع في دليل إرشادي متجدد، يكون متاحًا لجميع الأفراد العاملين في العمل الإصلاحي؛ للمعاونة في ممارسة الدور الانتشاري الدعوي الإصلاحي المطلوب. - تنوع المهارات التخصصية داخل المؤسسة لتحقيق شمولية التأثير الناجح، فالمهارات التخصصية هي أحد المهارات اللازم تواجدها داخل الكيانات الإصلاحية كونها أحد أدوات سدِّ الثغور المطلوبة وتحقيق شمولية الانتشار المرجوة، واكتساب هذه المهارات التخصصية أمر يجب إدارته داخل المؤسسة الإصلاحية ليتحقق الغرض الكامل المراد في إطار من الإصلاح المؤسسي المتكامل المبني على: 1- التأكد من وضوح الرؤية الأيديولوجية الإصلاحية عند الأفراد أصحاب التخصص؛ حتى لا يغرِّد كلُّ فردٍ من هؤلاء خارج إطار المنهج الإصلاحي، أو الأهداف الإصلاحية للمؤسسة؛ فالمهارة التخصصية أحد وسائل الانجذاب والتأثير، والتي إن لم يكن صاحبها منضبطًا منهجيًّا؛ فسيؤثر - بلا شك - على الأفراد والمجموعات برؤيته المنهجية المضطربة، التي يمكن أن تتسرب في طيات توجيهاته التخصصية. 2- حسن الاستفادة من أصحاب المهارات التخصصية في سدِّ الفجوات داخل الكيان الإصلاحي؛ لذلك فأي كيان إصلاحي ناجح، يحتاج إلى توجيه بعض أفراده إلى التخصصات -لا سيما المؤثرة-؛ لأن أي كيان مهما كان، فإنه لا يستطيع التأثير الشامل بدون وجود كوادر بشرية متخصصة وفاعلة داخله تُعينه على تنوع مجالات التميُّز للكيان؛ مما يثمر فاعلية وانتشارًا، وتأثيرًا أكبر له في المجتمع المحيط به. ولعلنا نتلمح ذلك في أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك الصحابي الشاب زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بأن يتعلم العبرية، وكذلك السريانية حتى يقرأ له الكتب التي تأتيه بهذه اللغة؛ كما جاء في سنن الترمذي عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ"، قَالَ: (إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ)، قَالَ: "فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ"، وفي رواية: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني). فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قد وجَّه زيد بن ثابت -رضي الله عنه- لما رأى نباهته وقدراته في الحِفْظ والعِلْم، إلى هذا التخصص الذي يـُحتاج إليه، ولا يوجد مَن يسده. الأمر الثاني: معرفة الإمكانات مع حسن التوظيف للكوادر داخل الكيان: التعرف على إمكانات الأفراد الموجودين فعليًّا في الكيان، مع حُسن توظيف طاقتهم وإمكاناتهم -بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب-، واستغلال كل الإمكانات المتاحة بدون تَسرع أو مجاملة، من أعظم أسباب شمولية التأثير والنجاح والقدرة على سدِّ الثغرات داخل الكيان. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (45) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد تحدثنا في المقال السابق عن أهمية التعرف على إمكانات الأفراد الموجودين فعليًّا في الكيان، مع حُسن توظيف طاقتهم وإمكاناتهم -بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب-، واستغلال كل الإمكانات المتاحة بدون تَسرع أو مجاملة، من أعظم أسباب شمولية التأثير والنجاح والقدرة على سدِّ الثغرات داخل الكيان. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة الكبرى لنا جميعًا، كان يعرف إمكانات أصحابه جيدًا، ويتحرى اختيار قياداته وسفرائه وعماله كلٌ فيما يجيد؛ فهذا مصعب -رضي الله عنه- على حداثة سنِّه يفتح المدينة بالقرآن والدعوة إلى الله، وهذا أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- على صغره يقود الجيش، وهذا طلق بن علي اليمامي -رضي الله عنه- كان يحسن عجن الطين، يُوضع في مهمة بناء المسجد. ولعلنا نتمعن أيضًا في رفض النبي -صلى الله عليه وسلم- لتولية أبي ذر -رضي الله عنه- في ولاية عامة، مع فضله وبذله، وحبه -صلى الله عليه وسلم- له؛ كما جاء في صحيح مسلم عن أبي ذرٍ -رضي الله عنه-، قال: قُلْتُ: يَا رسول الله أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) (رواه مسلم). والخلاصة في هذه المسألة: أن التوازن بين البناء للأعضاء والانتشار في المجتمع، مع معرفة الإمكانات المتاحة عند الأفراد، وحسن توظيف الكوادر والطاقات، والاعتناء بالتخصصات وحُسن استخدامها داخل الكيان، يسهم -بلا شك- في تميُّز الكيان وقوة تأثيره، وشمولية تواجده وانتشاره. والعكس بالعكس: فالتقوقع على بناء الأفراد دون العمل على الانتشار أو الانسياق في المسارات الانتشارية دون الاهتمام ببناء الأفراد الحاملين للمنهج أو إهمال الكفاءات وأصحاب الطاقات، والمجاملة في استخدام الأفراد في سدِّ الثغرات -بوضع شخص في غير مكانه المناسب-، يؤدي إلى حدوث كثيرٍ من الفجوات، وفقد كثيرٍ من المساحات، والتسبب في وقوع الكثير من الأخطاء والمشاكل من الأفراد؛ إما بسبب كثرة المهام، أو عدم الكفاءة في الأداء، أو عدم الانضباط المنهجي. وهذا مما يتسبب -بعد ذلك- في نفور شرائح كبيرة من المجتمع عن الكيان الإصلاحي، أو يؤدي إلى ذوبان الكيان واضمحلاله، أو انحرافه عن أهدافه الإصلاحية. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (46) كتبه/ سامح بسيوني تحقيق مفهوم التكاملية في الكيانات الإصلاحية: يعد مفهوم التكاملية من أعظم المفاهيم اللازمة والمميزة لأي كيان إصلاحي ناجح، وهو مفهوم يلزم الأفراد والإدارات والملفات الفنية داخل أي كيان إصلاحي، ليصبح العمل أكثر إنتاجية في إطارٍ مِن التناغم والأريحية؛ فالتكاملية المنشودة على مستوى الفرد ومستوى الإدارات لها العديد من المظاهر والوسائل التي يجب أن يعمل الجميع داخل الكيان في تفعيلها، وحسن استثمارها في المستويات المختلفة: 1- على مستوى الفرد. 2- على مستوى اللجان الفنية والإدارات التنفيذية العاملة (تروس متكاملة داخل الماكينة). 3- على مستوى الأنشطة (تهديف الأنشطة). التكاملية على المستوى الشخصي والأداء للأفراد: تعتمد عامة الكيانات الإصلاحية على العمل التطوعي للعنصر البشري فيها، وتكلِّف الكيانات في بعض الأوقات بعض الشخصيات بالعديد من المهام؛ لا سيما من يظهر منهم القدرة على تحمل المسئولية، أو في المراحل الأولى من العمل؛ ولذلك يتعرَّض -غالبًا- عددٌ من الأفراد لا سيما مَن يكونون في طبقة القيادة الوسطى لتحدٍّ كبير يسمَّى: تحدي "تعدد الأدوار"؛ حيث يكون الشخص في بعض أدواره الإصلاحية قائمًا بدور القائد، وفي البعض الآخر يكون قائمًا بدور العضو والجندي، أو يكون مساهمًا مساهمة مباشرة رئيسة في أحد الأعمال الإصلاحية، وفي نفس الوقت له عِدَّة أدوار ثانوية في الكثير من الأعمال الإصلاحية الأخرى. وهذا الأمر يتطلب من الفرد تحقيق مفهوم التكاملية في نفسه؛ سواء على مستوى الاتزان النفسي أو الأداء الحركي؛ حيث يحتاج الفرد هنا إلى عِدَّة أمور؛ منها: - التكامل بتحقيق التوازن بين القيادة والجندية في الشخصية: هناك مساحات عمل يكون فيها الفرد فيها قائدًا، ومساحات أخرى يكون فيها جنديًّا، أو عضوًا في فريق، وتحقيق التوازن بين القيادة والجندية في شخصية الفرد تتطلب منه مراعاة التوصيف الوظيفي في كلِّ مساحة، وعدم الافتئات من العضو على القائد في مساحة من المساحات التي عليه فيها مسئول، ولو كان هذا العضو قائدًا في مساحة أخرى. فمن أعظم المشاكل التي قد تؤدي إلى التنازعات الداخلية داخل الكيانات الإصلاحية: هذا الافتئات الذي قد يحدث من بعض الأفراد المعتادين على دور القيادة حينما يعمل الشخص في مساحة أخرى يكون فيها عضوًا وليس قائدًا؛ فقد يرى -بسبب كونه قائدًا في مساحة أخرى- لنفسه وضعًا خاصًّا متميزًا في التعامل والتوجيه، وإصدار القرارات، يجب أن يتم في ظنه؛ مما يتسبب في توتره أو توتر مَن يعمل معهم بسبب ذلك. والعكس بالعكس: فبعض الأفراد قد يتعود على دور العضو الذي ينتظر توجيه القيادة في المساحات التي يعمل فيها، وحينما يوضع في مساحة يكون هو القائد فيها فلا يقوم بمتطلبات وظيفته الجديدة من حيث أخذ دور المبادرة والتوجيه لمن معه، ويظل منتظرًا للتوجيه من غيره بما قد يتسبب في ضياع المهام والتكليفات، وانهيار فريق العمل. وللحديث -بقية إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (47) كتبه/ سامح بسيوني فيعد التوازن في الشخصية ما بين القيادة والجندية، والعمل بمتطلبات كل مهمة في مساحاتها، من سمات التكامل في الشخصية المطلوبة، ومن ثمار الإخلاص والتجرد في العمل، ومن مقومات القدرة على تحمل وفهم متطلبات المسار الإصلاحي؛ لذلك لا نعجب حينما ينقل لنا أصحاب السِّيَر ما كان من موقف أبي بكر -رضي الله عنه- القوي بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الرجل الأسيف - كما هو معروف عنه -، حينما وَقَف وصَدَع بكلماته التي ثبَّتت المسلمين من حوله حين قال: "أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ" (رواه البخاري). وكذلك موقفه الصلب الشديد -رضي الله عنه- مع مانعي الزكاة بعد ما تولى أمر المسلمين بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال بوضوح وثبات: "وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" (متفق عليه). وأيضًا موقفه المؤسسي العجيب مع أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- "قائد الجيش الذي كان في سنِّ الشباب" حينما استأذنه في طلب بقاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- معه في المدينة، مع أن أبا بكر -رضي الله عنه- هو خليفة المسلمين جميعًا، لكنه أعطى بهذا الموقف الدرس الكبير للجميع بأهمية التكامل والتوازن في الشخصية، والتجرُّد، وضبط المسارات التنفيذية الإصلاحية؛ حيث "نهض بنفسه -يعني أبا بكر رضي الله عنه- إلى الجرف، فاستعرض جيش أسامة وأمرهم بالمسير وسار معهم ماشيًا وأسامة راكبًا وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة الصديق. فقال أسامة: يا خليفة رسول الله! إما أن تركب، وإما أن أنزل. فقال أبو بكر: والله لستَ بنازل ولستُ براكب، ثم استطلق الصديق من أسامة عمرَ بن الخطاب، وكان مكتتبًا في جيشه فأطلقه له؛ فلهذا كان عمر لا يلقاه بعد ذلك إلا قال: السلام عليك أيها الأمير" (البداية والنهاية لابن كثير). ترتيب الأولويات وضبط بوصلة الأداء على المستوى الشخصي: لا شك أن التغلُّب على "تحدي تعدد الأدوار" داخل العمل التطوعي الإصلاحي يُعَدُّ من أعظم التحديات عند الأفراد؛ لا سيما عند التعارض في الأوقات أو المهام بين الأدوار الرئيسية المطلوبة من الفرد، والأدوار الفرعية الداعمة -خاصة مع الاحتساب للأجر والحرص على زيادة الثواب، مع طبيعة القدرة البشرية والواجبات الحياتية-؛ لذلك يحتاج هذا الأمر إلى حسن ترتيب الأولويات وترتيب الأعمال وَفْقًا لدرجة الأهمية، مع التفكير بعقلية أداء الفرض الذي يجب ألا يترك، والنفل الذي يُستزَاد منه تدريجيًّا بما لا يؤثِّر على الفرض. فلا يُقبَل على سبيل المثال: أن يظل الإنسان طيلة الليل يصلي صلاة قيام الليل (النفل) ثم ينام عن صلاة الفجر (الفرض)، بل يجب عليه أن يرتِّب وقته وأولويات ساعات الليل عنده ليحافظ على صلاة الفجر، ولا يحرم نفسه في ذات الوقت من قيام النفل. كما يحسن أيضًا بالفرد الذي يعاني من "تحدي تعدد الأدوار" استثمار الأوقات عبر مسارات التنسيق الدائم مع الإدارات التي يتواجد فيها -قدر المستطاع- لا سيما عند التعارض، أو -على الأقل- الجمع ما أمكن للتكامل في تحقيق أهدافه، مع الاهتمام بتفعيل التفويض المناسب مع المتابعة عن بُعد -لا سيما في الأعمال (العاجلة وغير المهمة) أو (الثانوية غير المؤثرة)- والتي تتيح اكتشاف كوادر مستقبلية تخفف من وطأة تعدد الأدوار، وتحقق التكاملية في الأعمال. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (48) كتبه/ سامح بسيوني التكاملية على مستوى اللجان الفنية والإدارات التنفيذية العاملة: شمولية التأثير في الكيانات الإصلاحية تتطلب تنوعًا للإدارات والتخصصات -كما ذكرنا وأوضحنا سابقًا في محور الشمولية السابق-؛ إلا أنه من الضروري في ذلك أن يدرك العاملون في الكيانات الإصلاحية أن أكبر التحديات في هذا الأمر؛ هو: انفرادية توجهات الإدارات والملفات، أو عدم التكاملية بين الأهداف والمسارات، أو عدم الاستفادة المتبادلة من المخرجات. وهذا يتطلب من جميع الإدارات والملفات أن تدرك أنها جزءٌ من كلٍّ، وهذه الأجزاء تحتاج أن تتكامل فيما بينها لضمان سلامة إنتاجية الكل، كما هو حال التروس داخل الماكينة الواحدة؛ يجب أن تدور معًا في تداخل وتكاملية حتى تدور الماكينة ككلٍّ بصورة مثمرة، فالماكينة تدور بدوران التروس معًا مهما تفاوتت أحجام التروس، ومع انفصال ترس واحد عن منظومة التروس أو عند انفراده بالدوران بدون تداخله مع التروس الأخرى؛ فإن هذا قد يتسبب في توقف الماكينة، أو سوء الإنتاجية المطلوبة. لذلك يجب الانتباه لتحقيق ذلك التكامل إلى: 1- التزام جميع الملفات والإدارات داخل الكيان في خططها التنفيذية بالأهداف الإستراتيجية الموضوعة من الكيان الإصلاحي. 2- التنسيق المتبادل بين الملفات المتخصصة، والإدارات المختلفة عبر عقد اجتماعات تنسيقية دورية تهدف إلى ضبط المساحات التداخلية، والاستفادة المتبادلة من المنتجات والمخرجات التخصصية لكل ملف. 3- التزام كل ملف فني تخصصي أو إدارة تنفيذية بالوصف الوظيفي الموضوع له من إدارة الكيان الإصلاحي، وعدم تجاوزه لمساحات أو وظائف أخرى تخصصية تخص ملفًا أو إدارة أخرى إلا بعد الاعتماد الإداري الواضح. 4- الحرص على الدعم الفني المتبادل من الملفات لبعضها البعض، مع رسم مسارات التأهيل المختلفة، والتسليم المتوالي، والتوظيف المتوازي للكوادر المختلفة داخل المساحات الجغرافية وبين الملفات المتنوعة. التكاملية على مستوى الأنشطة: الكيانات الإصلاحية المحققة للشمولية تتنوع فيها الأنشطة المختلفة عبر الملفات الفنية وعبر الإدارات المتنوعة في المساحات المختلفة، وتتعدد فيها البرامج التنفيذية في مسارات متعددة، ولتعظيم الفائدة من هذه الأنشطة لا بد من الحرص على تهديفها بطريقة تعظم النتائج المرجوة وتحقق التكاملية المستهدفة؛ لأن عدم وضوح الأهداف عند تنفيذ الأعمال المختلفة يؤدي إلى ضياع الفرص والمجهودات؛ فكما يقال: "إذا كنتَ لا تعرف إلى أين تذهب؛ فكل الطرق تؤدي إلى هناك!"؛ لذلك لا بد في الكيانات الإصلاحية ذات الملفات المتنوعة، والإدارات التنفيذية المختلفة من الحرص على تفعيل مبدأ: "تهديف الأنشطة" في كلِّ الأنشطة الانتشارية المتاح تنفيذها داخل المجتمع -كما سيتم بيانه فيما يأتي-: تهديف الأنشطة: لا شك أن الاهتمام بالأنشطة داخل الكيانات الإصلاحية من الأهمية بمكان لتحقيق الانتشار والتأثير الإصلاحي المطلوب، ولكن هذا لا يمكن أن يتحقق بدون وضوح الأهداف عند مؤدي النشاط، فليست العبرة بتأدية النشاط، إنما العبرة بما يثمر عنه هذا النشاط من تأثير نافع للأفراد وللمجتمع. لذلك فلا بد لنا أن ندرك أن المهمة المنوطة بالمصلحين الصادقين ليست معنية بتأدية الأنشطة من باب ملء الفراغ، أو من باب الإشغال أو سد الخانات، بل هي معنية بالأنشطة من باب التأثير الإيجابي، بنقل التوجيهات الربانية والنبوية من السطور إلى الصدور، ومنها إلى العقول؛ لضبط الأفهام على ما يرضي الله، وبما يحقق استقامة الحياة عبر تحسين الأخلاق، والعمل على غرس القِيَم والسلوكيات الإيجابية في أفراد المجتمع. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (49) كتبه/ سامح بسيوني فقد تحدثنا في المقال السابق عن تهديف الأنشطة، وفي هذا المقال نتحدث عن تعريف الأنشطة وأنواعها: أولًا: تعريف الأنشطة وأنواعها: أ- الأنشطة: هي تلك المهام أو الخدمات أو الفاعليات التي تُقدَّم عبر إدارات أو ملفات الكيان الإصلاحي للمستفيدين، والتي يتم تنفيذها وَفْقًا للبرامج التنفيذية المقررة أو المستهدفة. ب- أنواع الأنشطة: 1- نشاط وهمي: وهو نشاط لا يطبق على الواقع، وإنما يتم وضعه في جداول المتابعة والتنفيذ من أجل خداع المتابعين للأعمال، أو للاستفادة الشخصية من بعض ما تحدده الإدارة العليا من دعم لهذا النشاط، وهذا يعد من الكذب والفساد والانحراف الذي يغضب الله -عز وجل-، ويتسبب في سخطه -سبحانه وتعالى-، ويؤدي إلى زيادة الفساد في المجتمع، لا إلى الإصلاح. وهذا النوع لا يصلح ولا يتصور وجوده في منظومة عمل الكيانات الإصلاحية الحقيقة. 2- نشاط إشغالي: وهو نشاط يطبق على الواقع بعشوائية، وبدون ترتيب وضبط لمسارات التنفيذ، وقد يندفع البعض إليه لمجرد عمل حالة من الإشغال، أو خوفًا من العتاب أو تتميمًا للمهام في تقارير المتابعات؛ حتى لا يتعرض للوم أو الاتهام بالتقصير. وهذا النوع من الأنشطة يؤدي غالبًا إلى عملية تضليل لإدارة الكيان الإصلاحي في تقييم الأوضاع، وإلى إحباط للأفراد، ومِن ثَمَّ يحدث بعد ذلك الانقطاع التام. 3- نشاط مهدف: وهو ذلك النشاط الذي يسعى للنجاح الحقيقي الملموس عبر تحقيق الأهداف الواضحة الموضوعة من خلال إعداد خطة تشغيلية مدروسة تشتمل على قراءة حقيقية للواقع الذي يتم فيه النشاط مع إدراك للإمكانات، وتحديد للوسائل المتاحة، ووضوح للتكليفات، في تكاملية منشودة بين الإدارات والملفات العاملة في الأداء. ثانيًا: فوائد تهديف الأنشطة: لا بد أن ندرك أن تحديد الأهداف المراد تحقيقها من كل نشاط أمر مهم له فوائد متعددة؛ منها: 1- تعظيم الأجر والثواب؛ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات) (متفق عليه). 2- تحقيق التكاملية المنشودة داخل الكيان الإصلاحي عبر التنسيق وحسن التوظيف. 3- عدم تضييع الأوقات في غير فائدة، مع ضبط السلوك الخاص للأفراد أثناء الأداء للأعمال، فالهدف هو المسار الموجِّه لسلوك الفرد. 4- بثُّ روح الإصرار والمثُابرة اللازمة لتحقيق النجاح المحفِّز للاستمرار في الأنشطة وتنميتها، وقد وصف الله -عز وجل- مثل هذه الروح، وهذا الوضع في كتابه في بيان حال موسى -عليه السلام- عند توجهه للقاء الخضر -عليه السلام- في قوله -تبارك وتعالى-: (لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (الكهف: 60). 5- اكتشاف الكفاءات والطاقات، وتنمية المهارات والقدرات للأفراد. 6- الاستفادة من النشاط في زيادة الانتشار الأفقي، والتأثير الإيجابي في البيئة المحيطة. 7- تقوية الانتماء والدعم للعمل الإصلاحي الجماعي المؤسسي. 8- المساهمة الحقيقية في حلِّ المشكلات الاجتماعية والسلوكية، وتعزيز القِيَم الاجتماعية الهادفة (كالتعاون، وخدمة الغير، والحرص على النفع المتعدي)؛ لذلك يجب عند التنفيذ لأي نشاط داخل الكيان الإصلاحي أن تكون الأهداف المطلوبة واضحة حتى يتم التفكير بطريقة مثمرة في تحديد الإجراءات اللازم تنفيذها في هذا النشاط لتحقيق تلك الأهداف الموضوعة لخدمة المسار الإصلاحي. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (50) كتبه/ سامح بسيوني أنواع الأهداف المطلوبة: تنقسم الأهداف الموضوعة لخدمة المسار الإصلاحي إلى: 1- أهداف مباشرة متعلقة بالملف أو الإدارة القائمة على النشاط. 2- أهداف أساسية ثابتة في كل نشاط -ولو كانت بطريقة غير مباشرة-؛ للتخديم على المسار الإصلاحي الإستراتيجي. مثلث تهديف الأنشطة وبيان محاوره الثلاثة: تُحَدَّد الأهداف الرئيسة ومِن ثَمَّ الإجراءات التنفيذية المطلوبة في أي نشاط من خلال التخديم على المحاور الثلاثية - لـ"مثلث تهديف الأنشطة" - المتمثلة في: (نشر وإثراء المنهج الصحيح – خدمة المجتمع – تقوية الكيان الإصلاحي). والمقصود بالاهتمام بنشر المنهج وإثرائه من خلال النشاط: أن تكون هناك عِدَّة إجراءات ورسائل توجيهية عبر وسائل محدَّدة داخل النشاط، تُثمِر إنتاج حالة إثرائية معرفية للمستفيدين من النشاط في أحد الجوانب المنشودة للشخصية المسلمة المتكاملة أو في بعضها، واللازمة لتحقيق شمولية العبودية؛ وذلك عبر التركيز على (الجوانب العقدية والفكرية - الجوانب الإيمانية التعبدية – الجوانب السلوكية والأخلاقية - الجوانب العلمية والمعرفية) داخل النشاط. والمقصود بالاهتمام بتقوية الكيان من خلال النشاط: أن تكون هناك عدة إجراءات واضحة عند تأدية النشاط تثمر تعاون ملفات وإدارات الكيان الإصلاحي المختلفة فيما بينها؛ بحيث يؤدي ذلك إلى التماسك الداخلي للكيان واتساع تأثيره، مع حسن التسويق للكيان الإصلاحي عند المستفيدين من النشاط ومحبيهم ودوائر تأثيرهم. والمقصود بالاهتمام بخدمة المجتمع من خلال النشاط: الاهتمام بمدى انتفاع المستفيدين من الخدمة المقدَّمة عبر النشاط، عن طريق الاعتناء بمراعاة احتياجات المجتمع الحقيقية، والحرص على الدعم الحقيقي لرفع المعاناة عن الناس، والاهتمام بجودة الأداء مع المهارة في التنفيذ، والتعامل بالإحسان مع كلِّ المستفيدين من الخدمة باختلاف توجهاتهم أو أيديولوجياتهم. وهذا المحور له أثر واضح في اتساع مساحة الانتشار في المجتمع؛ وتعلُّق القلوب بأهل الإصلاح الحاملين لمشاعل العبودية؛ مما يساهم في نشر حب بذل الخير عند الناس وتلازم ذلك مع مفاهيم العبودية المراد نشرها في المجتمع؛ فالإنسان أسير الإحسان، وجزاء الإحسان عند الله عظيم. مثال توضيحي - وتدريب: أ- مثال توضيحي: نوع النشاط: "نشاط خدمي": قافلة طبية نسائية لخدمة الأهالي في نطاق المنطقة الجغرافية. خطوات تحقيق الهدف الخاص بخدمة المجتمع: 1- الاتفاق مع طبيبات ماهرات. 2- اختيار مكان مناسب ونظيف ومهيأ يسهل الاستفادة من الخدمة الطبية. 3- وجود فريق استقبال حسن التعامل مع الحالات المرضية، والعمل على تسجيل البيانات كاملة قبل العرض على الطبيبة؛ توفيرًا للوقت، والعمل على المتابعة اللاحقة. خطوات تحقيق الهدف الخاص بإثراء المنهج: 1- رفع واقع المشاكل الاجتماعية أو السلوكية الموجودة في المنطقة الجغرافية. 2- إعداد فريق من الملف النسائي في الكيان الإصلاحي للتعرُّف على الحالات النسائية أثناء الانتظار، وعمل حالة توعوية للنساء فيما يخصهم من أمور متعلقة بمشاكلهم التي تم رصدها (مثال: توعية معرفية بأحكام النساء في الطهارة والصلاة - توعية عقدية ببعض الممارسات غير المشروعة التي قد تلجأ إليها بعض النساء؛ مثل: الذهاب للكهنة والعرافين - إلخ). 3- إعداد المادة العلمية، وكذلك الوسائل المتاح استخدامها في التوجيه (مثال: شاشات عرض - أوراق - إلخ). |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (51) كتبه/ سامح بسيوني خطوات تحقيق الهدف الخاص بتماسك الكيان وزيادة تأثيره الإصلاحي: 1- التنسيق مع أعضاء ملف تربية النشء للوجود؛ بحيث يمكنهم التعامل مع الأبناء المصاحبين لأمهاتهم والتعرُّف عليهم. 2- التنسيق مع الملف العلمي لإعداد المواد المطلوبة في التوعية. 3- التنسيق مع الملف الإعلامي لعرض بعض المقاطع الخاصة بالفاعليات أو الخدمات الأخرى المقدَّمة من الكيان للمجتمع. 4- التنسيق مع الملف الاجتماعي لإعداد دراسة حالة لمن يتواجد في تلك القوافل المدعمة لإمكانية متابعته خدميًّا بعد ذلك في أماكنهم عبر الجمعيات الخيرية المتاحة. 5- التنسيق مع الإدارة الجغرافية المعنية لأخذ الموافقات اللازمة للقافلة وتوفير الميزانية المطلوبة لتقديم الخدمة، وتحضير بعض الهدايا البسيطة للمستفيدين من الخدمة، تعمل على حفر الذكريات الطيبة في نفوس المستفيدين تجاه الكيان الإصلاحي. 6- عمل جلسات تحضيرية وترتيبية بين الأعضاء في الإدارة والملفات؛ لتوزيع الأدوار داخل إدارات وملفات الكيان المختلفة، والعمل على ربط المستفيدين ومحبيهم بالأعمال والملفات التي يمكنها تعظيم الاستفادة لهم في مجالات أخرى يحتاجونها. تنبيهات مهمة بتهديف الأنشطة: 1- لا توجد إنجازات ونتائج حقيقية ملموسة في أي نشاط بدون أهداف واضحة. 2- كلما كانت الأهداف مرتبطة بالواقع وعلاج مشاكله، كان الأمر دافعًا للقائمين على العمل أن يحرصوا على النجاح، وكان أكبر جذبًا للمستفيدين، وأعظم أثرًا في المجتمع. 3- الإنجازات هي أعظم المحفِّزات على الاستمرار. 4- الأهم من تأدية النشاط هو: أن يكون النشاط مثمرًا؛ فليست العبرة أن تتقدَّم بسرعة في أي اتجاه، بل العبرة أن تتقدَّم في الاتجاه الصحيح. 5- الرؤية الواضحة تصنع هدفًا مناسبًا؛ فاحذر أن تجعل من أهدافك حلمًا، بل اجعل من أحلامك عبر إدراكك للواقع هدفًا. 6- التكاملية في الأداء من أهمِّ وسائل تحقيق الأهداف، وتماسك الكيان، وجودة الأداء؛ فلا بد من الحرص الدائم على تحقيق التعاون بين الإدارات والملفات المختلفة داخل الكيان الإصلاحي؛ فالكيان هو صانع الإدارات ومنشئ الملفات وَفْقًا لرؤيته الإصلاحية الجماعية، وليس العكس؛ بمعنى أن النظرة الفردية لأحد الإدارات أو الملفات المعنية بنشاطٍ ما، لا يمكن أن تكون حاكمة على الرؤية الجماعية الإصلاحية للكيان؛ لأن هذا قد يتسبب في شرذمة الكيان ووجود صراعات، ومِن ثَمَّ إضعاف المسار الإصلاحي المراد. ضمان الاستمرارية: من أكبر المهام الفارقة في تحقيق الإصلاح المنشود في المجتمع: استمرارية الإصلاح وعدم الانقطاع؛ فإحداث التغيير الإصلاحي المنشود في المجتمع بوجهٍ عامٍّ، لا يكون بضربة حظٍّ تحدثُ فجأة، بل هو عمل دؤوب متتابع عبر أجيال وأجيال؛ لذلك لا بد للمؤسسات والكيانات الإصلاحية أن تحرص على استمرارية رسالتها وعدم انقطاعها بموت الرعيل الأول فيها، بل يجب عليها أن تعمل على عِدَّة محاور في هذا المضمار من أول يوم، وذلك عبر الاهتمام بعدة أمور مهمة كما يأتي: 1- التوريث الدعوي الإصلاحي. 2- المعايشة الدعوية والتربوية. 3- التفويض والمتابعة. 4- حسن اكتشاف الطاقات وبناء الكوادر. 5- بناء فِرَق عمل ناجحة. 1- التوريث الدعوي الإصلاحي: كثيرًا ما نستمع لتلك المقولة الواقعية التي تدعو إلى عدم إهدار الجهود السابقة المبذولة والتي تتلخص في: "فلنبدأ من حيث انتهى الآخرون"، وفي المؤسسات الإصلاحية نحتاج إلى تطوير هذه المقولة بأن ننبِّه على ضرورة التمسك بشعار ومقولة جديدة مهمة؛ تضمن الاستمرارية الإصلاحية في المجتمع، وهي: "قم وأصلح واقعك، وأكمل ما بناه الأولون"، ونعني بذلك استمرارية الإصلاح المجتمعي وَفْقًا للمنهج الصحيح، بناءً على المكتسبات والخبرات المتراكمة التي تحصَّلت عند القادة المصلحين الأولين، وذلك من خلال إيجاد كوادر وصفوف متتالية من الأفراد المصلحين في المؤسسة الإصلاحية قادرين على استمرارية حمل مشاعل الإصلاح المجتمعي، ونشر الخير في الناس وَفْقًا للمنهج الإصلاحي الصحيح. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (52) كتبه/ سامح بسيوني مفهوم التوريث الدعوي: ما نعنيه هنا بالتوريث الدعوي -المحقق للاستمرارية- هو: بناء منظومة إجراءات متكاملة داخل المؤسسات الإصلاحية عبر الإدارات المختلفة فيها، أو عبر قياداتها أو المؤثرين فيها، بما يسهم بشكل سلس في توريث المنهج والخبرات والمكتسبات الإصلاحية إلى الأجيال القادمة، مع العمل على تطويرها وزيادة كفاءتها، لتسهم في تحقيق الغاية الإصلاحية الكبرى التي من أجلها خُلِق الخَلق، وهي: العبودية. فالتوريث الدعوي -بهذا المفهوم- يعد ضرورة ملحة وليست كمالية، بل هو واجبٌ على كل الدعاة والمؤسسات الإصلاحية، ففيه يُقدِّم السابق للاَّحق خلاصة تجاربه، وعصارة خبراته الإصلاحية، ليكمل اللاحق من حيث انتهى الأول، وبهذا لا تُهدَر الجهود، ويستمر المسير، ويُطمئَن معه على عدم الوقوع في الزلل والخلل -بعد فضل الله-؛ لا سيما مع عِظَم المكر من أهل الباطل، وكثرة الشبهات، وانتشار الشهوات في المجتمعات والأجيال عبر آليات ووسائل متنوعة. إن من الخطورة الشديدة والتحديات الكبيرة التي تتعرَّض لها المؤسسات الإصلاحية: أن يغادر المسئولون مواقعهم التي مكثوا فيها سنوات -بسبب الموت أو المرض أو خلافه- فيأتي مَن لا خبرة له، أو صاحب خبرة ضحلة ليتولى مسئولية عمل لم يتقنه، ولم يحط به علمًا من كافة جوانبه كما ينبغي، أو يأتي مَن شارك في فريق ذلك المسئول عن العمل، ولكن بلا همة عالية لازمة لتحمل المسئولية -كالتي كانت من مميزات مسئوله السابق-، وفي كلتا الحالتين فإن هذا يعرض المؤسسة كلها لهزات عنيفة؛ إما لأنه في أكثر الأحيان سيبدأ طريقًا طويلًا يكاد يكون لا صلة له فيه بمَن سبقه، بل قد يخالفه، أو نظرًا لثقل التركة الإصلاحية التي تحتاج إلى همة وتحمل مسئولية حقيقة. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (53) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ صور من اهتمام الأنبياء والمصلحين بمفهوم التوريث الدعوي: لقد كان الأنبياء والمصلحون عبر الزمان من أشدِّ الناس حرصًا على هذا المسار لضمان الاستمرار في تحقيق الإصلاح، ومن ذلك: أ- قوله -تعالى- قاصًّا قول زكريا -عليه السلام-: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم:5، 6)، فزكريا -عليه السلام- يخاف انقطاع النبوة من نسله، ويريد مَن يرثه؛ يرث العلم ويرث النبوة. قال ابن كثير -رحمه الله-: "وجه خوفه: أن خشي أن يتصرفوا بعده في الناس تصرفًا سيئًا؛ فسأل الله ولدًا يكون نبيًّا من بعده ليسوسهم بنبوته وما يُوحَى إليه فأجيب في ذلك؛ لا أنه خشي من وراثتهم له ماله؛ فإن النبي أعظمُ منزلة وأجلُّ قدرًا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حَدُّه أن يأنف من وراثة عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد فيحوز ميراثه دونهم؛ هذا وجه. والثاني: أنه لم يُذكر أنه كان ذا مال، بل كان نجارًا يأكل من كسب يديه، ومثل هذا لا يجمع مالًا، ولا سيما الأنبياء -عليهم السلام-، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا. والثالث: أنه قد ثَبَت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ) (متفق عليه)، وعلى هذا فتعين حمل قوله: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي) على ميراث النبوة" (تفسير ابن كثير). ب- ما كان من توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في عِدَّة مواقف لبيان أهمية هذا السلوك المهم، فمن ذلك: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ) (متفق عليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس لما أرشدهم إلى بعض أمور دينهم -: (احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ) (متفق عليه)؛ فهذا التناقل الذي يوجِّه إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو نوع من التوريث ولا شك. ومن ذلك أيضًا: حرصه الدائم -صلى الله عليه وسلم- على استخلاف أبي بكر -رضي الله عنه- في الصلاة في مرضه؛ وحرصه الدائم -صلى الله عليه وسلم- على استشارة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في الأمور المهمة، فكان ماذا؟! كان أبو بكر -رضي الله عنه- هو الخليفة الأول، وعمر -رضي الله عنه- الخليفة الثاني. ومن ذلك: مشاورته -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في غزو قريش؛ كما روى ذلك ابن أبي شيبة عن محمد بن الحنفية رحمه الله عن أبي مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَعْضِ حُجَرِهِ فَجَلَسَ عِنْدَ بَابِهَا، وَكَانَ إِذَا جَلَسَ وَحْدَهُ لَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ حَتَّى يَدْعُوَهُ، قَالَ: (ادْعُ لِي أَبَا بَكْرٍ)، قَالَ: فَجَاءَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَاجَاهُ طَوِيلًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُمَرَ، فَجَاءَ فَجَلَسَ مَجْلِسَ أَبِي بَكْرٍ فَنَاجَاهُ طَوِيلًا، فَرَفَعَ عُمَرُ صَوْتَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُمْ رَأْسُ الْكُفْرِ، هُمُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّكَ سَاحِرٌ، وَأَنَّكَ كَاهِنٌ، وَأَنَّكَ كَذَّابٌ، وَأَنَّكَ مُفْتَرٍ، وَلَمْ يَدَّعِ شَيْئًا مِمَّا كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَهُ إِلَّا ذَكَرَهُ؛ فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِسَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ. ثُمَّ دَعَا النَّاسَ فَقَالَ: (أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِمِثْلِ صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنِ؟) قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أَلْيَنَ فِي اللَّهِ مِنَ الدُّهْنِ فِي اللَّبَنِ)، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: (إِنَّ نُوحًا كَانَ أَشَدَّ فِي اللَّهِ مِنَ الْحَجَرِ، وَإِنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ عُمَرَ، فَتَجَهَّزُوا)، فَقَامُوا فَتَبِعُوا أَبَا بَكْرٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نَسْأَلَ عُمَرَ مَا هَذَا الَّذِي نَاجَاكَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: قَالَ لِي: (كَيْفَ تَأْمُرُونِي فِي غَزْوَةِ مَكَّةَ؟) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُمْ قَوْمُكَ، قَالَ: حَتَّى رَأَيْتُ أَنَّهُ سَيُطِيعُنِي، قَالَ: ثُمَّ دَعَا عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُمْ رَأْسُ الْكُفْرِ، حَتَّى ذَكَرَ كُلَّ سُوءٍ كَانُوا يَذْكُرُونَهُ، وَايْمُ اللَّهِ لَا تَذِلُّ الْعَرَبُ حَتَّى يَذِلَّ أَهْلُ مَكَّةَ، فَآمُرَكُمْ بِالْجِهَادِ وَلِتَغْزُوا مَكَّةَ. (أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه). وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (54) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ مرتكزات وآليات عملية التوريث الدعوي: فلا بد أن ندرك أن عملية التوريث الدعوي ليست عملية عشوائية، بل هي عملية لها أُسس وآليات؛ فهي عملية ترتكز على ثلاثة مرتكزات: 1- موَّرِث (المسؤول العامل الحامل للمنهج الإصلاحي). 2- الوارث (المرشَّح لحمل المنهج الإصلاحي والعمل على نشره). 3- الميراث (المنهج الإصلاحي ذاته، وآليات وخبرات نشره وتطبيقه، والتي تحتاج -بلا شك- إلى توريث للمهارات والعلاقات). وهذه المرتكزات الثلاثة التي تُبنى عليها عملية التوريث الدعوي يُحتاج معها إلى الاهتمام بتفعيل الآليات المتاحة عبر ممارسة عملية من الموَّرِث تجاه الوارث؛ لإكسابه الميراث المطلوب، تحقيقًا للهدف المنشود نحو استمرارية المسار الإصلاحي. التوريث الدعوي وأثر فتح المسارات الإصلاحية أمام الأجيال: يعد الاهتمام من القيادات بالتوريث الدعوي آكد معالم التميُّز والإخلاص في الشخصيات القيادية؛ فحرصك على التوريث الدعوي يلزمك أن تكون سببًا في تقوية مَن بعدك وتقديمه أمامك لغيرك، مع عدم وجود غضاضة في النفس من الاعتراف بتفوق مَن قدَّمته أنت عليك، كما قال الراهب للغلام: (أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي) (رواه مسلم). وهذا -لا شك- يحتاج إلى قلوب مخمومة، وأهل احتساب صادق، وأصحاب همٍّ إصلاحي حقيقي، يدفعهم لحسن اكتشاف الطاقات وبناء الكوادر، وفتح المسارات والمجالات أمام الكفاءات، وتقديمهم ودعمهم حتى يشتد عودهم، ويقومون بأدوارهم كما ينبغي عبر منظومة من العمل المنظَّم الذي يستلزم بناء فِرَق عمل ناجحة قادرة على ضمان الاستمرارية. وسبحان الله! دائمًا نجد القاعدة المستقرة: "الجزاء من جنس العمل"، تتجلَّى مع مثل هذا السلوك الإيجابي؛ فنجد هؤلاء القادة الذين يهتمون بمثل هذه المسار التوريثي الإصلاحي يكونون دائمًا محط تقديم وتقدير وإجلال من الجميع في حياتهم، ويظل ذكرهم الحسن مستمر بعد موتهم مع ما يحصلونه من ديمومة أجرهم. المعايشة الدعوية والتربوية: نقصد بالمعايشة الدعوية والتربوية: تلك العلاقة الموجَّهة بين المسئول الموَّرِث والعضو الوارث، والتي تقوم على القُرب والاحتكاك المباشر، والاتصال القوي الذي يهدف إلى التوجيه العملي السلوكي والتربوي والمهاري للعضو الوارث، مع إكسابه للخبرات المطلوبة لاستمرارية التأثير للمنهج الإصلاحي المنشود. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعتمد اعتمادًا كبيرًا على خاصية (المعايشة) في الاتصال بأصحابه -رضوان الله عليهم- ومعرفة خصائصهم، وأحوالهم الإيمانية، والاجتماعية، والعلمية، وقدراتهم العملية وما يميزهم وما يعيبهم، فيوجَّههم من خلالها لما يُصلحهم، وما يمكن الاستفادة منهم فيه في صلاح حال الأمة. ومن شواهد معايشته -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: معايشتهم في بناء المسجد، ومعايشتهم في حفر الخندق، ومعايشتهم في أفراحهم وأحزانهم، وفي مشاكلهم الاجتماعية والأسرية، ففي حديث أنس رضي الله عنه قال: "إِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟" (متفق عليه). وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (55) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد تكلمنا في المقال الماضي عن المعايشة الدعوية والتربوية، وفي هذا المقال نتكلم عن فوائد المعايشة؛ فإن للمعايشة فوائد كثيرة متى ما طُبِّقت بطريقة صحيحة. ومن هذه الفوائد: 1- معرفة طبائع الشخصيات ومميزاتهم وقدراتهم: المعايشة تعين المسئول والقائد على معرفة طبائع الأشخاص؛ فالقرب والمعايشة تتيح له اكتشاف جوانب التميز وجوانب القوة، وتعينه على حسن توظيفهم في المهام الملائمة لهم، ولهذا شواهد من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن ذلك: ما جاء في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟! فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (رواه البخاري). فلقد زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي سَبَّ ولعن حمارًا -رضي الله عنه-، مع أن حمارًا كان يشرب الخمر؛ إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أقرب الناس إليه بمعايشته له، وكان أعلم بأعمال حمار من غيره؛ لذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ)، وهذا يعني أن النبي عَلِم من معايشته لحمار -رضي الله عنه- محاسنه التي لم يعلمها البعيد عنه. - وكذلك ما كان منه -صلى الله عليه وسلم- في معايشته ومخالطته لأصحابه واكتشافه لقدراتهم ومؤهلاتهم؛ ومِن ثَمَّ توجيه هذه الطاقات فيما يناسبها: كما في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني). - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ؛ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) (متفق عليه). 2- معرفة جوانب الضعف ومن ثَمَّ معالجتها: المعايشة تتيح للمسئول والقائد اكتشاف جوانب النقص في شخصية من يعايشه ونقاط ضعفه، وتعينه على علاج تلك النقاط بطريقة صحيحة، وتعينه على الارتقاء به وتطويره، وقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعايشته لأصحابه معرفة نقاط القوة لديهم فأحسن توظيفها -كما مَرَّ معنا-، ومعرفة نقاط الضعف فحذَّر ونصح، وعالج وعاون على تجاوزها، ولهذا شواهد من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن ذلك: ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَكُنْتُ غُلَامًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ". قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا. (متفق عليه). ومن ذلك أيضًا: قوله -صلى الله عيه وسلم- لأبي ذر -رضي الله عنه-: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) (رواه مسلم). وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (56) كتبه/ سامح بسيوني من فوائد المعايشة الدعوية والتربوية: معرفة الخصائص النفسية للأفراد ومِن ثَمَّ تحديد أسلوب التعامل الأمثل: طبائع الأفراد تختلف وتتباين، ولكل نفسٍ خصائصها المجبولة عليها، والمعايشة الحقيقية تتيح معرفة خصائص النفوس؛ فينبني على ذلك تحديد الأسلوب الأمثل في التعامل مع كلِّ شخصية، ولهذا شواهد من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن ذلك: - ما جاء عن عمرو بن تَغْلِبَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ)، فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حُمْرَ النَّعَمِ. (رواه البخاري). فالنبي -صلى الله عليه وسلم- من مخالطته ومعايشته لأصحابه يعرف تفاوت طبائعهم، وخصائصهم النفسية؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ)، ويتعامل بناءً على ذلك، ويجبُر بذلك ما قد يكون في نفوس بعضهم بحكم بشريتهم؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ). - وأيضًا ما جاء في قصة إسلام أبي سفيان -رضي الله عنه- في فتح مكة؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال العباس: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا قَالَ: (نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ). فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا). قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهِ حَتَّى حَبَسْتَهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَحْبِسَهُ قَالَ: وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: سُلَيْمٌ. فَيَقُولُ: مَالِي وَلِسُلَيْمٍ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُرُّ الْقَبِيلَةُ قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ. فَيَقُولُ: مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ؟ حَتَّى تَعَدَّتِ الْقَبَائِلُ لَا تَمُرُّ قَبِيلَةٌ إِلَّا قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: بَنُو فُلَانٍ. فَيَقُولُ: مَالِي وَلِبَنِي فُلَانٍ. حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْخَضْرَاءِ كَتِيبَةٌ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لَا يَرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقَ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ؟ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. قَالَ: مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ، وَاللهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْغَدَاةَ عَظِيمًا. قُلْتُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، إِنَّهَا النُّبُوَّةُ. قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا، قُلْتُ: النَّجَاءُ إِلَى قَوْمِكَ. قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَأَخَذَتْ بِشَارِبِهِ، فَقَالَتْ: اقْتُلُوا الدَّسَمَ الْأَحْمَسَ، فَبِئْسَ مِنْ طَلِيعَةِ قَوْمٍ. قَالَ: وَيْحَكُمْ، لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، فَهُوَ آمِنٌ قَالُوا: وَيْلَكَ وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ. قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ، وَإِلَى الْمَسْجِدِ. <أخرجه الطبراني، وتنظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (3341)>. فمعايشة العباس لأبي سفيان -رضي الله عنهما-، ومعرفته بأنه رجل يحب الفخر، جعلته يقترح على النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يجعل له شيء؛ فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وقال: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، فَهُوَ آمِنٌ)، ومعرفته -صلى الله عليه وسلم- بأبي سفيان، وإدراكه -صلى الله عليه وسلم- أنه ليس رجلًا عاديًّا من رجال قريش، لكنه كان من الرجال المعدودين الذين يُرى مكانهم ويُشار إليهم في قريش بالقوة والزعامة والرأي، جعلته -صلى الله عليه وسلم- يأمر العباس: (يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا)؛ ليرى أبو سفيان قوة المسلمين، وكان ما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
الساعة الآن : 09:39 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour