رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 235 الى صــــــــ239 الحلقة (41) التسبيح في الركوع والسجود ومنها أن يقول، وهو راكع: سبحان ربي العظيم (1) ، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى؛ وفي عدد التسبيح الذي تؤدي به السنة اختلاف في المذاهب ذكرناه تحت الخط (2) . وضع المصلي يديه على ركبتيه، ونحو ذلك ومنها أن يضع المصلي يديّه على ركبتيه حال الركوع، وأن تكون أصابع يديه مفرجة، وأن يبعد الرجل عضديه عن جنبيه، لقوله صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه؛ "وإذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك، وفرج بين أصابعك، وارفع يديك عن جنبيك، أما المرأة فلا تجافي بينهما، بل تضمهما إلى جنبيها، لأنه أستر لها، وهذا الحكم متفق عليه عند ثلاثة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . __________ (1) المالكية قالوا: إن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وليس له لفظ معين، والأفضل أن يكون باللفظ المذكور (2) الحنفية قالوا: لا تحصل السنة إلا إذا أتى بثلاث تسبيحات، فإن أتى بأقل لم تحصل السنة. الحنابلة قالوا: إن الإتيان بصيغة التسبيح المذكورة واجب، وما زاد على ذلك سنة. الشافعية قالوا: يحصل أصل السنة بأي صيغة من صيغ التسبيح وإن كان الأفضل أن يكون بالصيغة المذكورة، أما ما زاد على ذلك إلى إحدى عشرة تسبيحة فهو الأكمل، إلا أن الإمام يأتي بالزيادة إلى ثلاث من غير شرط، وما زاد على ذلك لا يأتي به، إلا إذا صرح المأمومن بأنهم راضون بذلك. المالكية قالوا: ليس للتسبيح فيها عدد معين (3) المالكية قالوا: إن وضع يديه على ركبتيه، وإبعاد عضديه عن جنبيه مندوب لا سنة. أما تفريق الأصابع أو ضمها فإنه يترك لطبيعة المصلي، إلا إذا توقف عليه تمكين اليدين من الركبتين ******************** تسوية المصلي ظهره وعنقه حال الركوع ومنها أن يسوّي بين ظهره وعنقه في حالة الركوع، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع يسوي ظهره حتى لو صب عليه الماء استقر، وأن يسوي رأسه بعجزه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لم يرفع رأسه، ولم يخفضها، وهذه السنة متفق عليها. كيفية النزول للسجود والقيام منه ومنها أن ينزل إلى السجود على ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه، وبعكس ذلك عند القيام من السجود بأن يرفع وجهه، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، على أن هذا إذا لم يكن به عذر، أما إذا كان ضعيفاً، أو لابس خف، أو نحو ذلك، فيفعل ما استطاع بالإجماع. كيفية وضع اليدين حال السجود وما يتعلق به ومنها أن يجعل المصلي في حال السجود كفيه حذو منكبيه، مضمومة الأصابع، موجهة رؤوسها للقبلة، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) . ومنها أن يبعد الرجل في حال سجوده بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض؛ وهذا إذا لم يترتب عليه إيذاء جاره في الصلاة، وإلا حرم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى - باعد بين بطنه وفخذيه - أما المرأة فيسن لها أن تلصق بطنها بفخذيها محافظة على __________ (1) الشافعية قالوا: يسن حال القيام من السجود أن يرفع ركبتيه قبل يديه، ثم يقوم معتمداً على يديه، ولو كان المصلي قوياً أو امرأة. المالكية قالوا: يندب تقديم اليدين على الركبتين عند النزول إلى السجود، وأن يؤخرهما عن ركبتيه عند القيام للركعة التالية (2) المالكية قالوا: يندب وضع اليدين حذو الأذنين أو قربهما في السجود، مع ضم الأصابع وتوجيه رؤوسها للقبلة. الحنفية قالوا: إن الأفضل أن يضع وجهه بين كفيه، وإن كان وضع كفيه حذاء منكبيه تحصل به السنة أيضاً *********************** سترها، وهذا متفق عليه إلا عند المالكيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . ومنها أن تزيد الطمأنينة عن قدر الواجب، وهذا متفق عليه. الجهر بالقراءة ومن السنن الجهر بالقراءة للإمام والمنفرد في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء، وفي ركعتي الصبح والجمعة، وهذا متفق عليه عند المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) . حد الجهر والإسرار في الصلاة ومن السنن الإسرار لكل مصل، فيما عدا ذلك من الفرائض الخمس، وهو سنة عند ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة؛ أما الجهر والإسرار في غير الفرائض كالوتر ونحوه والنوافل، ففيه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (3) ، وفي حد الجهر والإسرار __________ (1) المالكية قالوا: يندب للرجل أن يبعد بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن ركبتيه، وضبعيه عن جنبيه إبعاداً وسطاً في الجميع (2) الحنفية قالوا: الجهر واجب على الإمام، وسنة للمنفرد، كما تقدم، ثم إن المنفرد مخير بن الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية، فله أن يجهر فيها، وله أن يسر، إلا أن الجهر أفضل، وكذلك المسبوق في الصلاة الجهرية بأن فاتته ركعة من الجمعة خلف الإمام أو الصبح أو العشاء أو المغرب، ثم قام يقضيها، فإنه مخير بين أن يسر فيها وبين أن يجهر، ولا فرق في الصلاة الجهرية بين أن تكون أداء أو قضاء على الصحيح، فإذا فاتته صلاة العشاء مثلاً، وأراد قضاءها في غير وقتها، فإنه مخير بين أن يسر فيها أو يجهر؛ أما صلاة السرية فإنه المنفرد ليس مخيراً فيها. بل يجب عليه أن يسر على الصحيح، فإن جهر في صلاة العصر أو الظهر مثلاً، فإنه يكون قد ترك الواجب، ويكون عليه سجود السهو بناء على تصحيح القول بالوجوب، أما المأموم فإنه يجب عليه الانصات في كل حال، كما تقدم. الحنابلة قالوا: المنفرد مخير بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية (3) المالكية قالوا: يندب الجهر في جميع النوافل الليلية، ويندب السر في جميع النوافل النهارية، إلا النافلة التي لها خطبة، كالعيد والاستسقاء، فيندب الجهر فيها. الحنابلة قالوا: يسن الجهر في صلاة العيد والاستسقاء والكسوف والتراويح والوتر إذا وقع بعد التراويح، ويسر فيما عدا ذلك. الشافعية قالوا: يسن الجهر في العيدين، وكسوف القمر، والاستسقاء والتراويح، ووتر رمضان: وركعتي الطواف ليلاً أو وقت صبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة، فيتوسط فيها بين الجهر مرة والإسرار أخرى. ************************ للرجل والمأة تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . هيئة الجلوس في الصلاة ومن السنن أن يضع المصلي يديه على فخذيه، بحيث تكون رأس أصابعهما على الركبتين حال الجلوس متجهة إلى القبلة، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنفية، وخالف المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) . أما هيئة الجلوس فإنه فيها تفصيل __________ الشافعية قالوا: يسن الجهر في العيدين، وكسوف القمر، والاستسقاء والتراويح، ووتر رمضان: وركعتي الطواف ليلاً أو وقت صبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة، فيتوسط فيها بين الجهر مرة والإسرار أخرى. الحنفية قالوا: يجب الجهر على الإمام في كل ركعات الوتر في رمضان، وصلاة العيدين، والتراويح، ويجب الإسرار على الإمام والمنفرد في صلاة الكسوف والاستسقاء والنوافل النهارية أما النوافل الليلية، فهو مخير فيها (1) المالكية قالوا: أقل جهر الرجل أن يسمع من يليه، ولا حد لأكثره، وأقل سره حردّ. اللسان، وأعلاه إسماع نفسه فقط. أما المرأة فجهرها مرتبة واحدة، وهو إسماع نفسها فقط، وسرها هو حركة لسانها على المعتمد. الشافعية قالوا: أقل الجهر أن يسمع من يليه، ولو واحداً، لا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأة إلا أن المرأة لا تجهر إذا كانت بحضرة أجنبي، وأقل الإسرار أن يسمع نفسه فقط، حيث لا مانع. الحنابلة قالوا: أقل الجهر أن يسمع من يليه ولو واحداً، واقل السر أن يسمع نفسه، أما المرأة، فإنه لا يسن لها الهجر، ولكن لا بأس بجهرها إذا لم يسمعها أجنبي؛ فإن سمعها أجنبي منعت من الجهر. الحنفية قالوا: أقل الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه، كأهل الصف الأول، فلو سمع رجل، أو رجلان، فقط لا يجزئ، وأعلاه لا حد له، وأقل المخافتة إسماع نفسه، أو من بقربه من رجل أو رجلين؛ أما حركة اللسان مع تصحيح الحروف؛ فإنه لا يجزئ على الأصح، أما المرأة فقد تقدم في مبحث "ستر العورة" أن صوتها ليس بعورة على المعتمد، وعلى هذا لا يكون بينها وبين الرجل فرق في حكم الجهر بالقراءة في الصلاة، ولكن هذا مشروط بأن لا يكون في صوتها نغمة؛ أو لين، أو تمطيط يترتب عليه ثوران الشهوة عند من يسمعها من الرجال فإن كان صوتها بهذه الحالة كان عورة: ويكون جهرها بالقراءة على هذا الوجه مفسداً للصلاة، ومن هنا منعت من الأذان (2) المالكية قالوا: وضع يديه على فخذيه مندوب لا سُنة. الحنابلة قالوا: يكفي في تحصيل السنة وضع اليدين على الفخذين بدون جعل رؤوس الأسابع على الركبتين *************************** المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . الإشارة بالأصبع السبابة في التشهد وكيفية السلام ومنها أن يشير بسبابته في التشهد على تفصيل في المذاهب (2) . ومنها الالتفاف بالتسليمة الأولى جهة اليمين حتى يرى خدّه الأيمن، والالتفاف بالتسليمة __________ (1) المالكية قالوا: يندب الإفضاء للرجل والمرأة، وهو أن يجعل رجله اليسرى مع الألية اليسرى على الأرض، ويجعل قدم اليسرى جهة الرجل اليمنى، وينصل قدم اليمنى عليها، ويجعل باطن إبهام اليمنى على الأرض. الحنفية قالوا: يسن للرجل أن يفرض رجله اليسرى، وينصب اليمنى؛ ويوجه أصابعه نحو القبلة؛ بحيث يكون باطن أصابع رجله اليمنى نحو القبلة بقدر الاستطاعة، ويسن للمرأة أن تتورك بأن تجلس على أليتيها، وتضع الفخذ على الفخذ، وتخرج رجلها من تحت وركها اليمنى. الشافعية قالوا: يسن الافتراش، وهو الجلوس على بطن قدمه اليسرى، ونصب قدمه اليمنى في جميع جلسات الصلاة إلا الجلوس الأخير، فإنه يسن فيه التورك بأن يلصق الورك الأيسر على الأرض؛ وينصب قدمه اليمنى، إلا إذا أن يسجد للسهور، فإنه لا يسن له التورك في الجلوس الأخير، بل يسن له في هذه الحالة الافتراش. الحنابلة قالوا: يسن الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، وهو أن يفترش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويخرجها من تحته، ويثني أصابعها جهة القبلة، أما التشهد الأخير في الصلاة الرباعية والثلاثية، فإنه يسن له التورك، وهو أن يفترش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى ويخرجهما عن يمينه؛ ويجعل أليتيه على الأرض (2) المالكية قالوا: يندب في حالة الجلوس للتشهد أن يعقد ما عدا السبابة والإبهام تحت الإبهام من يده اليمنى؛ وأن يمد السبابة والإبهام، وأن يحرك السبابة دائماً يميناً وشمالاً تحريكاً وسطاً. الحنفية قالوا: يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط، بحيث لو كانت مقطوعة أو عليلة لم يشر بغيرها من أصابع اليمنى، ولا اليسرى عند انتهائه من التشهد، بحيث يرفع سبابته عند نفي الألوهية عما سوى الله تعالى بقوله: لا إله إلا الله، ويضعها عند إثبات الألوهية لله وحده بقوله: إلا الله، فيكون الرفع إشارة إلى النفي، والوضع إلى الإثبات. |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 239 الى صــــــــ247 الحلقة (42) الإشارة بالأصبع السبابة في التشهد وكيفية السلام ومنها الالتفاف بالتسليمة الأولى جهة اليمين حتى يرى خدّه الأيمن، والالتفاف بالتسليمة الثانية جهة اليسار حتى يرى خده الأيسر، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . نية المصلي من على يمينه ويساره بالسلام يسن أن ينوي المصلي بسلامه الأول من على يمينه، وبسلامه الثاني من على يساره، على تفصيل في المذاهب (2) . __________ الحنابلة قالوا: يعقد الخنصر والبنصر من يده، ويحلق بإبهامه مع الوسطى، ويشير بسبابته في تشهد ودعائه عند ذكر لفظ الجلالة، ولا يحركها.(تمام لصــــــ239 ) الشافعية قالوا: يقبض جميع أصابع يده اليمنى في تشهده إلا السبابة، وهي التي تلي الإبهام، ويشير بها عند قوله إلا الله، ويديم رفعها بلا تحريك إلى القيام في التشهد الأول، والسلام في الشهد الأخير، ناظراً إلى السبابة في جميع ذلك، والأفضل قبض الإبهام بجنبها، وأن يضعها على طرف راحته (1) المالكية قالوا: يندب للمأموم أن يتيامن بتسليمة التحليل، وهي التي يخرج بها من الصلاة، وأما سلامه على الإمام فهو سنة، ويكن جهة القبلة، كما يسن أيضاً أن يسلم على من على يساره من المأمومين إن شاركه في ركعة فأكثر، وأما الفذ والإمام، فلا يسلم كل منهما إلا تسليمة واحدة هي تسليمة التحليل، ويندب لهما أن يبدآها لجهة القبلة ويختماها عند النطق بالكاف والميم من "عليكم" لجهة اليمين بحيث يرى من خلفهما صفحة وجهيهما، ويجزئ في غير تسليمة التحليل: سلام عليكم، وعليك السلام: والأولى عدم زيادة: ورحمة الله وبركاته في السلام مطلقاً، إلا إذا قصد مراعات خلاف الحنابلة، فيزيد. ورحمة الله، مسلماً على اليمين واليسار (2) الحنابلة قالوا: يسن في كيفية السلام أن يسلم عن يمينه أولاً، ثم على يساره حتى يرى بياض خده الأيمن والأيسر، فإذا نسي وسلم على يساره ابتداء، سلم على يمينه فقط، ولا يعيد السلام على يساره ثانياً، أما إذا سلم تلقاء وجهه، فإنه يسلم عن يمينه ويساره، والسنة أن يقول: "السلام عليكم ورحمة الله"، وأن تكون الثانية أخفض من الأولى، ثم إن كان إماماً ينوي بضمير الخطاب المصلين من الإنس والجن والملائكة، وإن كان مقتدياً ينوي إمامه والمصلين، وإن كان منفرداً ينوي الملائكة الحفظة. الشافعية قالوا: ينوي السلام على من لم يسلم عليه من ملائكة ومؤمني إنس وجن، وينوي الرد على من سلم عليه من إمام ومأموم من ابتداء جهة السلام إلى نهايتها. الحنابلة قالوا: يسن له أن ينوي بالسلام الخروج من الصلاة، ولا يسن له أن ينوي به الملائكة ومن معه في الصلاة، ولكن إن نوى به الخروج من الصلاة مع السلام على الحفظة ومن معه فيها فلا بأس. المالكية قالوا: يندب أن يقصد المصلي بالتسليمة الأولى الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة إن كان غير إمام، وإن كان إماماً قصد الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة والمقتدين، وليس على الإمام والفذ غيرها؛ بخلاف المأموم، كما تقدم **************************** الصلاة على النبي في التشهد الأخير ومنها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، وأفضلها أن يقول: "اللهم صلى الله عليه وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد" وهذه الصيغة سنة عند المالكية، والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . الدعاء في التشهد الأخير ومنها الدعاء في التشهد الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تفصيل في المذاهب (2) . __________ (1) الشافعية، والحنابلة قالوا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني فرض، كما تقدم تفصيله في مذهب كل واحد منهما في "فرائض الصلاة". والأفضل عند الحنابلة أن يقول: "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وقد زاد متأخرو الشافعية لفظ السيادة، فيقول: - سيدنا محمد، وسيدنا إبراهيم - (2) الحنفية قالوا: يسن أن يدعو بما يشبه ألفاظ القرآن، كأن يقول: "ربنا لا تزغ قلوبنا" أو بما يشبه ألفاظ السنة، كأن يقول: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةمن عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"، ولا يجوز له أن يدعو بما يشبه كلام الناس، كأن يقول: اللهم زوجني فلانة، أو أعطني كذا من الذهب والفضة والمناصب، لأنه يبطلها قبل القعود بقدر التشهد، ويفوت الواجب بعده قبل السلام. المالكية قالوا: يندب الدعاء في الجلوس الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وله أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل الوارد، ومنه: اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزماً، اللهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلمنا، وما أنت أعلم به منا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. الشافعية قالوا: يسن الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل السلام بخيري الدين والدنيا، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرم أو مستحيل أو معلق، فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته، والأفضل أن يدعو بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يقول: "اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت وما أسررت، وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت" رواه مسلم ويسن أن لا يزيد الإمام في دعائه عن قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. الحنابلة قالوا: يسن للمصلي بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير أن يقول: "أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، وله أن يدعو بما ورد أو بأمر الآخرة، ولو لم يشبه ما ورد، وله أن يدعو لشخص معين بغير كاف الخطاب، وتبطل الصلاة بالدعاء بكاف الخطاب، كأن يقول: اللهم أدخلك الجنة يا والدي. أما لو قال: اللهم أدخله الجنة، فلا بأس به، وليس له أن يدعو بما يقصد منه ملاذ الدنيا وشهواتها كأن يقول: اللهم الرزقني جارية حسناء، أو طعاماً لذيذاً ونحوه، فإن فعل ذلك بطلت صلاته، ولا بأس بإطالة الدعاء ما لم يشق على مأموم ******************************* مندوبات الصلاة قد عرفت مما ذكرناه قبل أن الشافعية، والحنابلة لا يفرقون بين المندوب والسنة والمستحب، فكلها عندهم بمعنى واحد، وقد تقدمت سنن الصلاة مفصلة ومجملة، فهي تسمي عندهم مندوباً ومستحباً، كما تسمى سنناً، أما الذين يفرقون بين المندوب والسنة، وهم المالكية، والحنفية فقد ذكرنا مندوبات الصلاة عندهم تحت الخط (1) . __________ (1) المالكية قالوا: مندوبات الصلاة ثمانية وأربعون: نية الأداء والقضاء في محلهما؛ نية عدد الركعات، الخشوع، وهو استحضار عظمة الله وهيبته، وأنه لا يعبد سواه وهذا هو المندوب، وأما أصل الخشوع فواجب: رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام فقط وإرسالها بوقار، إكمال سورة الفاتحة، تطويل قراءة الصبح والظهر، مع ملاحظة أن الظهر دون الصبح، تقصير القراءة في العصر والمغرب؛ توسط القراءة في العشاء؛ تقصير الركعة الثانية عن الركعة الأولى في الزمن "ومساواتها لها وتطويل الثانية عن الأولى خلاف الأولى، كما تقدم، إسماع المصلي نفسه القراءة في الصلاة السرية؛ قراءة المأموم في الصلاة السرية؛ تأمين المأموم والفذ مطلقاً، أي في السرية والجهرية؛ تأمين الإمام في الصلاة السرية فقط؛ الإسرار بالتأمين؛ تسوية المصلي ظهره في الركوع، وضع يديه على ركبتيه فيه تمكين اليدين من الركبتين فيه أيضاً، صب الركبتين؛ التسبيح في الركوع، بأن يقول: سبحان ربي العظيم، كما تقدم، مباعدة الرحل مرفقيه عن جنبيه؛ التحميد للفذ والمقتدي؛ التكبير حال الخفض والرفع إلا في القيام من اثنتين، فينتظر بالتكبير حتى يستقل قائماً، ولا يقوم المأموم من اثنتين حتى يستقل إمامه، تمكين الجبهة من الأرض في السجود؛ تقديم اليدين على الركبتين عند الهوي له؛ تأخيرهما عن الركعتين عند القيام، وضع اليدين حذو الأذنين، أو قربهما في السجود مع ضم أصابعهما وجعل رؤوسهما للقبلة أن يباعد الرجل في السجود مرفقيه عن ركبتيه، وبطنه عن فخذيه، وضبعيه عن جنبيه مع مراعاة التوسط في ذلك، وأما المرأة فتكون منضمة لبناء أمرها على الستر، كما تقدم؛ رفع العجز في السجود، الدعاء فيه، التسبيح فيه، الإفضاء في الجلوس كله، وقد تقدم تفصيله، وضع الكفين على رأس الفخذين في الجلوس، تفريج ما بين الفخذين في الجولس، عقد ما عدا السبابة والإبهام من أصابع اليد اليمنى تحت إبهامها في جلوس التشهد مطلقاً، مع مدّ السبابة والإبهام، وتحريك السبابة دائماً، يميناً وشمالاً، القنوت في صلاة الصبح خاصة؛ كونه قبل الركوع في الركعة الثانية، لفظه الخاص: "اللهم إنا نستعينك، ونسغفرك، ونؤمن بك؛ ونتوكل عليك، ونخضع لك؛ ونخلع، ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجدّ، إن عذابك بالكافرين ملحق؛ وهو رواية الإمام مالك، دعاء قبل السلام كونه سراً، كون التشهد سراً، تعميم الدعاء، التيامن بتسليمه التحليل فقط. الحنفية قالوا: المندوب والأدب والمستحب بمعنى واحد، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يواظف عليه، كما تقدم، فمن آداب الصلاة أن لا ينظر المصلي إلى شيء يشغله عنها، كأن يقرأ مكتوباً بالحائط، أو يتلهى بنقوشه، أو نحو ذلك؛ أو ينظر في قيامه إلى موضع سجوده وفي ركوعه إلى ظاهر قدميه، وفي سجوده إلى ما لان من أنفه؛ وفي قعوده إلى حجره، وفي سلامه إلى كتفيه، الاجتهاد في دفع السعال الطارئ قهراً بقدر الاستطاعة، أما السعال المتصنع، وهو الحاصل بغير عذر، فإنه مبطل للصلاة إذا اشتمل على حروف، كالجشاء، كما يأتي، الاجتهاد في دفع التثاؤب لقوله صلى الله عليه وسلم: "التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فيكظم ما استطاع" أي فليدفعه، بنحو أخذ شفته السفلى، بين اسنانه، فإن لم يستطع ذلك غطى فمه بكمه أو بظاهر يده اليسرى، التسمية بين الفاتحة والسورة، أن يخرج الرجل يديه من كميه عند التحريمة أما المرأة فلا تفعل ذلك محافظة على سترها، أن يقوم المصلي عند سماع، حي على الصلاة، ممن يقيم الصلاة، شروع الإمام في الصلاة بالفعل عند قول المبلغ: قد قامت الصلاة، ليتحقق القول بالفعل أن يدفع المصلي من يمر بين يديه بإشارة خفيفة ولا يزيد على ذلك ***************************** سترة المصلي يتعلق بها مباحث: أولاً: تعريفها، ثانياً: حكمها ثالثاً: شروطها وما يتعلق بها، أما تعريفها فهي ما يجعله المصلي أمامه من كرسي، أو عصا، أو حائط، أو سرير: أو غير ذلك ليمنع مرور أحد بين يديه، وهو يصلي، ولا فرق بين أن تكون السترة مأخوذة من شيء ثابت كالجدار والعمود أولا عند الأئمة الثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . __________ (1) الشافعية قالوا: إن مراتب السترة أربع لا يصح الانتقال عن مرتبة منها إلى التي تليها إلا إذا لم تسهل الأولى، فالمرتبة الأولى: هي الأشياء الثابتة الطاهرة؛ كالجدار والعمد، والمرتبة الثانية: العصا المغروزة ونحوها، كالأثاث إذا جمعه أمامه بقدر ارتفاع السترة، المرتبة الثالثة: المصلى التي يتخذها للصلاة عليها من سجادة وعباءة ونحوهما، بشرط أن لا تكون من فرشٍ المسجد، فإنها لا تكفي في السترة، المرتبة الرابعة: الخط في الأرض بالطول أو بالعرض وكونه بالطول أولى يشترط في المرتبة الأولى والثانية أن تكون ارتفاع ثلثي ذراع فأكثر، وأن لا يزيد ما بينهما وبين المصلي عن ثلاثة أذرع فأقل من رؤوس الأصابع بالنسبة للقائم، ومن الركبتين بالنسبة للجالس، ويشترط في المرتبة الثالثة، والرابعة أن يكون امتدادهما جهة القبلة ثلثي ذراع فأكثر، وأن لا يزيد ما بين رؤوس الأصابع ونهاية ما وضعه من جهة القبلة عن ثلاثة أذرع ******************************** وأما حكمها فهو الندب، فيندب للمصلى اتخاذ هذه السترة باتفاق، وقد عرفت أن الشافعية والحنابلة لا يفرقون بين المندوب والسنة؛ فيقولون: إن اتخاذ السترة سنة، كما يقولون: إنه مندوب؛ على أن الحنفية؛ والمالكية الذين يقولون: إن اتخاذ السترة مندوب أقل من السنة، فإنهم يقولون: إذا صلى شخص في طريق الناس بدون سترة، ومر أحد بين يديه بالفعل يأثم لعدم احتياطه بصلاته في طريق الناس، أما الشافعية، والحنابلة فإنهم يقولون لا إثم فيه؛ وإنما يكره فقط، كما سيأتي، في المبحث الذي بعد هذا، وترك السترة لا إثم فيه باتفاق وإنما يندب اتخاذ السترة للإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يندب له، لأن سترة الإمام سترة المأموم، وأما شروطها فهي مختلفة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) . __________ (1) الحنفية قالوا: يشترط في السترة أمور: أحدها: أن تكون طول ذراع فأكثر، أما غلظها فلا حد لأقله، فتصح بأي ساتر، ولو كان في غلظ القلم ونحوه، ثانيها: أن تكون مستقيمة، فلا تصح السترة إذا كانت مأخوذة من شيء به اعوجاج، ثالثها: أن تكون المسافة بينها وبين قدم المصلي قدر ثلاثة أذرع، فإذا وجد المصلي ما يصلح أن يكون سترة، ولكنه لم يمكنه أن يغرزه في الأرض لصلابتها، فإنه يصح أن يضعه بين يديه عرضاً أو طولاً، ولكن وضعه عرضاً أفضل، فإن لم يجد المصلي شيئاً يجعله سترة، فإنه يخط بالأرض خطاً في شكل الهلال، وإذا خط خطاً مستقيماً أو معوجاً، فإنه يصح، ولكن الشكل الأول أفضل؛ ويصح أن يستتر بظهر الآدمي، فلو كان أمام المصلي شخص جالس، فله أن يصلي إلى ظهره، ويجعله سترة، أما إذا كان جالساً ووجهه إلى المصلي، فإنه لا يصح الاستتار به؛ بشرط أن لا يكون الآدمي كافراً أو امرأة أجنبية، وإذا كان يملك المصلي سترة مغصوبة أو نجسة، فإنه يصح أن يستتر بها وإن كان الغصب حراماً. الشافعية قالوا: يشترط في السترة أن تكون ثلثي ذراع على الأقل طولاً، وأما غلظها فلا حد لأقله، كما يقول الحنفية، والحنابلة، وخالف المالكية، كما ستعرفه من مذهبهم، وأن تكون مأخوذة من شيء مستوياً مستقيماً؛ كما يقول الحنفية؛ والحنابلة أيضاً، وأن يكون بينها وبين المصلي قدر ثلاثة أذرع من ابتداء قدميه، وفاقاً للحنفية، والحنابلة، وخلافاً للمالكية الذين قالوا: يكفي أن يكون بين المصلي وسترته قدر مرور الشاة زائداً على محل ركوعه أو سجوده، بل يكفي أن يكون قدر مرور الهرة،وتسن السترة للمصلي سواء خاف أن يمر أحد بين يديه أو لا، وفاقاً للحنابلة، وخلافاً للمالكية، والحنفية، فإن وجد ما يصلح أن يكون سترة، وتعذر غرزة بالأرض لصلابتها فإنه يضعه بين يديه عرضاً أو طولاً؛ ووضعه بالعرض أولى، كما يقول الحنفية، والحنابلة، وخالف المالكية، فقالوا: لا يكفي وضعه على الأرض طولاً أو عرضاً، بل لا بد من وضعه منصوباً، فإن لم يجد شيئاً أصلاً، فإنه يخط خطاً بالأرض مستقيما عرضاً أو طولاً، بل لا بد من وضعه منصوباً، فإن لم يجد شيئاً أصلاً، فإنه يخط خطاً بالأرض مستقيماً عرضاً أو طولاً، وكونه بالطول أولى، وهذا الحكم قد خالف فيه الشافعية باقي الأئمة الذين قالوا: إن الأولى أن يكون الخط مقوساً كالهلال، ولا يصح الاستتار بظهر الآدمي أو بوجهه مطلقاً عند الشافعية خلافاً للمالكية والحنفية الذين قالوا: يصح الاستتار بظهر الآدمي دون وجهه، وخلافاً للحنابلة الذين قالوا: يصح الاستتار بظهر الآدمي وبوجهه؛ ويصح الاستتار بالسترة المغصوبة، وفاقاً للحنفية، والمالكية، وخلافاً للحنابلة الذين قالوا: لا يصح الاستتار بالسترة المغصوبة، والصلاة إليها مكروهة، وكذا يصح الاستتار بالسترة النجسة، وفاقاً للأئمة؛ ما عدا المالكية الذين قالوا: لا يصح الاستتار بشيء نجس، أو متنجس؛ كقصبة المرحاض ونحوها. المالكية قالوا: يشترط في السترة أن تكون طول ذراع فأكثر، وأن لا تقل عن غلظ الرمح، وأن يكون بين المصلي وبين سترته قدر مرور الهرة، أو الشاة، زائداً على محل ركوعه وسجوده، وأن تكون منصوبة. فو تعذر غرزها بالأرض لصلابتها، فإنه لا يكفي وضعها بين يديه عرضاً أو طولاً؛ ويصح الاستتار بظهر الآدمي لا بوجهه، بشرط أن لا يكون كافراً، ولا امرأة أجنبية، ويصح الاستتار بالسترة المغصوبة، وإن كان الغصب حراماً، أما السترة النجسة، فإنه لا يصح الاستتار بها؛ وإن لم يجد شيئاً يجعله سترته. فإنه يخط بالأرض خطاً، والأولى أن يكون الخط مقوساً، كالهلال، ولا فرق بين أن تكون السترة جداراً، أو عصا أو كرسياً، أو نحو ذلك باتفاق، وقد ذكرنا لك المتفق عليه، والمختلف فيه في مذهب الشافعية قبل هذا، فارجع إليه إن شئت. الحنابلة قالوا: يشترط في السترة أن تكون طول ذراع أو أكثر، ولا حد لغلظها، كما يقول الحنفية، والشافعية، وأن تكون مستوية مستقيمة، فلا تصح بشيء معوج، وأن يكون بينها وبين قدمي المصلي ثلاثة أذرع، وإذا لم يمكن أن يغرز السترة في الأرض لصلابتها، فإنه يضعها بين يديه عرضاً، وهو أولى من وضعها طولاً، وإن لم يجد شيئاً أصلاً خط بالأرض خطاً كالهلال، وهو أولى من غيره من الخطوط، ويصح الاستتار وبظهر الآدمي ووجهه، بشرط أن يكون مسلماً، وأن لا تكون امرأة أجنبية، ولا يصح الاستتار بالسترة المغصوبة أما النجسة فيصح السترة بها ************************* حكم المرور بين يدي المصلي يحرم المرور بين يدي المصلي، ولو لم يتخذ سترة بلا عذر، كما يحرم على المصلي أن يتعرض بصلاته لمرور الناس بين يديه، بأن يصلي بدون سترة بمكان يكثر فيه المرور إن مر بين يديه أحد فيأثم بمرور الناس بين يديه بالفعل لا بترك السترة فلو لم يمر أحد لا يأثم، لأن اتخاذ السترة في ذاته ليس واجباً، ويأثمان معاً إن تعرض المصلي، وكان للمار مندوحة؛ ولا يأثمان إن لم يتعرض المصلي، ولم يكن للمار مندوحة، وإذا قصر أحدهما دون الآخر أثم وحده، وهذا الأحكام متفق عليها بين الحنفية، والمالكية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، ويجوز المرور بين يدي المصلي لسد فرجة في الصف، سواء كان موجوداً مع المصلين قبل الشروع في الصلاة، أو دخل وقت الشروع فيها، وهذا الحكم متفق عليه، ما عدا المالكيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، كما يجوز مرور من يطوف بالبيت بين يدي المصلي على تفصيل في المذاهب (3) ، وفي القدر الذي يحرم المرور فيه بين يدي المصلي اختلاف المذاهب (4) . ويسن للمصلي أن يدفع المارّ بين يديه بالإشارة بالعين أو الرأس أو اليد، فإن لم يرجع فيدفعه بما يستطيعه، ويقدم الأسهل فالأسهل، بشرط أن لا يعمل في ذلك عملاً كثيراً يفسد الصلاة، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما الحنفية والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ، هذه هي أحكام السترة، وهي من السنن أو المندوبات الخارجة عن هيئة الصلاة، وبقي من هذه السنن الأذان، والإقامة، وسيأتي بيانهما. __________ (1) الشافعية قالوا: لا يحرم المرور بين يدي المصلي، إلا إذا اتخذ سترة بشرائطها المتقدمة وإلا فلا حرمة ولا كراهة، وإن كان خلاف الأولى، فإذا تعرض المصلي للمرور بين يديه، ولم يتخذ سترة، ومر أحد بين يديه، فلا إثم على واحد منهما: نعم يكره للمصّلي أن يصلي في مكان يكون فيه عرضة لمرور أحد بين يديه، سواء مر أحد بين يديه أو لم يمر. الحنابلة قالوا: إن تعرض المصلي بصلاته في موضع يحتاج للمرور فيه يكره له مطلقاً سواء مر أحد أو لم يمر بين يديه، كما يقول الشافعية، والكراهة خاصة بالمصلي، أما المارّ فإنه يأثم ما دامت له مندوحة للمرور من طريق أخرى (2) المالكية قالوا: الداخل الذي لم يشرع في الصلاة لا يجوز له ذلك، إلا إذا تعين ما بين يدي المصلي طريقاً له (3) المالكية: أجازوا المرور بالمسجد الحرام أمام مصل لم يتخذه سترة، أما المستتر فالمرور بين يديه كغيره، وكذلك يكره مرور الطائف أمام مستتر، وأما أمام غيره فلا. الحنفية قالوا: يجوز لمن يطوف بالبيت أن يمر بين يدي المصلي، وكذلك يجوز المرور بين يدي المصلي داخل الكعبة، وخلف مقام إبراهيم عليه السلام، وإن لم يكن بين المصلي والمار سترة. الحنابلة قالوا: لا يحرم المرور بين يدي المصلي بمكة كلها وحرمها. الشافعية قالوا: يجوز مرور من يطوف بالبيت أمام المصلي مطلقاً (4) الحنفية قالوا: إن كان يصلي في مسجد كبير أو في الصحراء فيحرم المرور بين يديه من موضع قدمه إلى موضع سجوده وإن كان يصلي في مسجد صغير، فإنه يحرم المرور من موضع قدميه موضع قدمه إلى موضع سجوده وإن كان يصلي في مسجد صغير، فإنه يحرم المرور من موضع قدميه إلى حائط القبلة، وقدر بأربعين ذراعاً على المختار. المالكية قالوا: إن صلى لسترة حرم المرور بينه وبين سترته، ولا يحرم المرور من ورائها، وإن صلى لغير سترة حرم المرور في موضع ركوعه وسجوده فقط. الشافعية قالوا: إن القدر الذي يحرم المرور فيه بين المصلي وسترته هو ثلاثة أذرع فأقل. الحنابلة قالوا: إن اتخذ المصلي سترة حرم المرور بينه وبينها ولو بعدت، وإن لم يتخذ سترة حرم المرور في ثلاثة أذرع معتبرة من قدمه (5) الحنفية قالوا: يرخص له في فعل ذلك، وإن لم يعدوه سنة، وليس له أن يزيد على نحو الإشارة بالرأس أو العين أو التسبيح، وللمرأة أن تصفق بيديها مرة أو مرتين. المالكية قالوا: يندب له أن يدفع المارّ بين يديه |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 258 الى صــــــــ263 الحلقة (44) ما يكره فعله في المساجد وما لا يكره المرور في المسجد يكره اتخاذ المسجد طريقاً إلا لحاجة على تفصيل في المذاهب (1) . النوم في المسجد والأكل فيه يكره النوم في المسجد على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) . __________ (1) الحنفية قالوا: يكره تحريماً اتخاذ المسجد طريقاً بغير عذر، فلو كان لعذر جاز، ويكفي أن يصلي تحية لمسجد كل يوم مرة واحدة، وإن تكرر دخوله، ويكون فاسقاً إذا اعتاد المرور فيه لغير عذر بحيث يتكرر مروره كثيراً، أما مروره مرة أو مرتين فلا يفسق به ويخرج عن الفسق بنية الاعتكاف، وإن لم يمكث. المالكية قالوا: يجوز المرور في المسجد إن لم يكثر، فإن كثر كره إن كان بناء المسجد سابقاً على الطريق، وإلا فلا كراهة، ولا يطالب الماء بتحية المسجد مطلقاً. الشافعية قالوا: يجوز المرور في المسجد للطاهر وللجنب مطلقاً، وأما الحائض فإنه يكره لها المرور به، ولو لحاجة، بشرط أن تأمن تلويث المسجد؛ وإلا حرم، ويسن أن يصلي المار بالمسجد تحيته كلما دخل إن كان متطهراً، أو يمكنه التطهير عن قرب. الحنابلة قالوا: يكره اتخاذ المسجد طريقاً للطاهر والجنب، وإن حرم عليه اللبث به لا وضوء، وكذلك يكره للحائض والنفساء إن أمت تلويث المسجد بلا حاجة، فإن كان للحاجة فلا يكره للجميع ومن الحاجة كونه طريقاً قريباً، فتنتفي الكراهة بذلك (2) الحنفية قالوا: يكره النوم في المسجد إلا للغريب، والمعتكف، فإنه لا كراهة في نومهما به، ومن أراد أن ينام به ينوي الاعتكاف، ويفعل ما نواه من الطاعات، فإن نام بعد ذلك نام بلا كراهة. الشافعية قالوا: لا يكره النوم في المشجد غلا إذا ترتب عليه تهويش، كأن يكون للنائم صوت مرتفع بالغطيط. الحنابلة قالوا: إن النوم في المسجد مباح للمعتكف وغيره، إلا أنه لا ينام أمام المصلين لأن الصلاة إلى النائم مكروهة، ولهم أن يقيموه إذا فعل ذلك. المالكية - قالوا: يجوز النوم في المسجد وقت القيلولة، سواء كان المسجد بالبادية أو الحاضرة وأما النوم ليلاً فإنه يجوز لمسجد البادية دون الحاضرة فإنه يكره لمن لا منزل له، أو لمن صعب عليه الوصول إلى منزله ليلاً؛ وأما السكنى دائماً، فلا تجوز إلا لرجل تجرد للعبادة، أما المرأة فلا يحل لها السكنى فيه ************************* وكذا يكره الأكل فيه لغير معتكف على تفصيل في المذاهب؛ فانظره تحت الخط (1) . رفع الصوت في المسجد يكره رفع الصوت بالكلام أو الذكر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) . __________ (1) الحنفية قالوا: يكره تنزيهاً أكل ما ليست له رائحة كريهة، أما ما كان له رائحة كريهة كالثوم والبصل؛ فإنه يكره تحريماً، ويمنع آكله من دخول المسجد، ومثله من كان فيه بخر تؤذي رائحته المصلين، وكذا يمنع من دخول المسجد كل مؤذ، ولو بلسانه. المالكية قالوا: يجوز للغرباء الذين لا يجدون مأوى سوى المساجد أن يأووا إليها ويأكلوا فيها ما لا يقذر، كالتمر، ولهم أن يأكلوا ما شأنه التقذير، إذا أمن تقذير المسجد به بفرش سفرة أو سماط من الجلد ونحوه، وكل هذا في غير ما له رائحة كريهة، أما هو فيحرم أكله في المسجد. الشافعية قالوا: الأكل في المسجد مباح ما لم يترتب عليه تقذير المسجد، كأكل العسل والسمن، وكل ما له دسومه وإلا حرم، لأن تقذير المسجد بشيء من ذلك ونحوه حرام، وإن كان طاهراً، أما إذا ترتب عليه تعفيش المسجد بالطاهر لا تقذيره، كأكل نحول القول في المسجد فمكروه. الحنابلة قالوا: يباح للمعتكف وغيره أن يأكل في المسجد أي نوع من أنواع المأكولات بشرط أن لا يلوثه؛ ولا يلقي العظام ونحوها فيه: فإن فعل وجب عليه تنظيفه من ذلك. هذا فيما ليس له رائحة كريهة، كالثوم والبصل، وإلا كره، ويكره لآكل ذلك ومن في حكمه كالأبخر دخول المسجد، فإن دخله استحب إخراجه دفعاً للأذى، كما يكره إخراج الريح في المسجد لذلك (2) الحنفية قالوا: يكره رفع الصوت بالذكر في المسجد إن ترتب عليه تهويش على المصلين أو إيقاظ للنائمين، وإلا فلا يكره، بل قد يكون أفضل إذا ترتب عليه إيقاظ قلب الذاكر، وطرد النوم عنه، وتنشيطه للطاعة، أما رفع الصوت بالكلام، فإن كان بما لا يحل فإنه يكره تحريماً، وأن كان مما يحل، فإن ترتب عليه تهويش على المصلي أو نحو ذلك كره؛ وإلا فلا كراهة، ومحل عدم الكراهة إذ دخل المسجد للعبادة، أما إذا دخله لخصوص الحديث فيه فإنه يكره مطلقاً. الشافعية قالوا: يكره رفع الصوت بالذكر في المسجد إن هوش على مصلٍّ، أو مدرسٍّ أو قارئ، أو مطالع، أو نائم لا يسنّ إيقاظه، وإلا فر كراهة، أما رفع الصوت بالكلام، فإن كان بما لا يحل كمطالعة الأحاديث الموضوعة ونحوها، فإنه يحرم مطلقاً. وإن كان بما يحل لم يكره إلا إذا ترتب عليه تهويش ونحوه. المالكية قالوا: يكره رفع الصوت في المسجد، ولو بالذكر والعلم. واستثنوا من ذلك أموراً أربعة: الأول: ما إذا احتاج المدرّس إليه لإسماع المتعلمين فلا يكره، الثاني: ما إذا أدى الرفع إلى التهويش على مصل؛ فيحرم؛ الثالث: رفع الصوت بالتلبية في مسجد مكة أو منى، فلا يكره؛ الرابع رفع صوت المرابط بالتكبير ونحوه؛ فلا يكره. الحنابلة قالوا: رفع الصوت بالذكر في المسجد مباح، إلا إذا ترتب عليه تهويش على المصلين، وإلا كره، أما رفع الصوت في المسجد بغير الذكر، فإن كان بما يباح فلا كراهة إلا إذا ترتب عليه تهويش فيكره، وإن كان بما لا يباح فهو مكروه مطلقاً **************************** البيع والشراء في المسجد يكره إيقاع العقود كالبيع والشراء، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . نقش المسجد وإدخال شيء نجس فيه ومنها نقش المسجد وتزويقه بغير الذهب والفضة، أما نقشه بهما فهو حرام، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ؛ __________ (1) الحنفية قالوا: يكره إيقاع عقود المبادلة بالمسجد كالبيع والشراء والإجارة؛ أما عقد الهبة ونحوها، فإنه لا يكره، بل يستحب فيه عقد النكاح، ولا يكره للمعتكف إيقاع سائر العقود بالمسجد إذا كانت متعلقة به أو بأولاده بدون إحضار السلعة، أما عقود التجارة فإنها مكروهة له كغيره. المالكية قالوا: يكره البيع والشراء ونحوهما بالمسجد بشرط أن يكون في ذلك تقليب ونظر للمبيع وإلا فلا كراهة، وأما البيع في المسجد بالسمسرة فيحرم؛ أما الهبة ونحوها، وعقد النكاح فذلك جائز، بل عقد النكاح مندوب فيه، والمراد بعقد النكاح مجرد الإيجاب والقبول بدون ذكر شروط ليست من شروط صحته ولا كلام كثير. الحنابلة قالوا: يحرم البيع والشراء والإجارة في المسجد، وإن وقع فهو باطل، ويسن عند النكاح فيه. الشافعية قالوا: يحرم اتخاذ المسجد محلاً للبيع والشراء إذا أزرى بالمسجد - اضاع حرمته - فإن لم يزر كره إلا لحاجة ما لم يضيق على مصل فيحرمن أما عقد النكاح به فإنه يجوز للمعتكف (2) المالكية قالوا: يكره نقش المسجد وتزويقه، ولو بالذهب والفضة، سواء كان ذلك في محرابه أو غيره كسقفه وجدرانه، أما تجصيص المسجد وتشييده فهو مندوب. الحنفية قالوا: يكره نقش المحراب وجدران القبلة بجص ماء ذهب إذا كان النقش بمال حلال لا من مال الوقف، فإن كان بمال حرام أو من مال الوقف حرم، ولا يكره نقش سقفه وباقي جدرانه بالمال الحلال المملوك، وإلا حرم، ولا بأس بنقشه من مال الوقف إذا خيف ضياع المال فيأيدي الظلمة، أو كان في صيانة للبناء، أو فعل الواقف مثله ************************* ويحرم إدخال النجس والمتنجس فيه ولو كان جافاً، فلا يجوز الاستصباح فيه بالزيت أو الدهن المتنجس، كما لا يجوز بناءه ولا تجصيصه بالنجس، ولا البول فيه ونحوه، ولو في إناء إلا لضرورة، ويستثنى من ذلك الدخول فيه بالنعل المتنجس، فإنه يجوز للحاجة، وينبغي الاحتراز عن تنجيس المسجد بما يتساقط منه؛ وهذا الحكم عند المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية؛ والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . إدخال الصبيان والمجانين في المسجد ومنها إدخال الصبيان والمجانبين في المسجد، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) . البصق أو المخاط بالمسجد ومنها البصق والمخاط بالمسجد، على تفصيل في المذاهب، ذكرناه تحت الخط (3) . __________ (1) الحنفية قالوا: يكره تحريماً كل ما ذكر من إدخال النجس والمتنجس فيه أو الاستصباح فيه بالمتنجس أو بنائه بالنجس، أو البول فيه. الحنابلة قالوا: إن أدى إدخال النجس أو المتنجس فيه إلى سقوط شيء منه في المسجد حرم الإدخال وإلا فلا، وأما الاستصباح فيه بالمتنجس فحرام، كذلك البول فيه ولو في إناء، أما بناءه وتجصيصه بالنجس فهو مكروه (2) الحنفية قالوا: إذا غلب على الظن أنهم ينجسون المسجد يكره تُحريماً إدخالهم، وإلا يكره تنزيهاً. المالكية قالوا: يجوز إدخال الصبي المسجد إذا كان لا يعبث، أو يكف عن العبث إذا نهى عنه، وإلا حرم إدخاله، كما يحرم إدخاله وإدخال المجانين إذا كان يؤدي إلى تنجس المسجد. الشافعية قالوا: يجوز إدخال الصبي الذي لا يميز والمجانين المسجد إن أمن تلويثه وإلحاق ضرر بمن فيه، وكشف عورته، وأما الصبي المميز فيجوز إدخاله فيه إن لم يتخذه ملعباً وإلا حرم. الحنابلة قالوا: يكره دخول الصبي غير المميز المسجد لغير حاجة، فإن كان لحاجة كتعليم الكتابة فلا يكره إدخال المجانين فيه أيضاً (3) الشافعية قالوا: إن حفر لبصاقه ونحوه حفرة يبصق فيها، ثم دفنها بالتراب. فإنه لا يأثم أصلاً، وإن بصق قبل أن يحفر فإنه يأثم ابتداء، فإن دفنها بعد ذلك رفع عنه دوام الإثم، ومثل ذلك ما لو بصق على بلاط المسجد، فإنه يرتفع عنه دوام الإثم بحك بصاقه حتى يزول أثره، فإن بصق بدون أن يفعل شيئاً من ذلك فقد فعل محرماً. الحنابلة قالوا: إن البصاق في المسجد الحرام، فإن كانت أرضه ترابية أو مفروشة بالحصباء، فإن دفن بصاقه فقد رفع عنه دوام الإثم، وإن كان أرضه بلاطاً وجب عليه مسحه، ولا يكفي أن يغطيها بالحصير، وإن لم يو بصاقه يلزم من يراه إزالته بدفن أو غيره. المالكية قالوا: يكره البصاق القليل في المسجد إذا كانت أرضه بلاطاً، ويحرم الكثير، أما إذا كانت أرضه مفروشة بالحصاء، فإنه لا يكره. الحنفية قالوا: إن ذلك مكروه تحريماً فيجب تنزيه المسجد عن البصاق أو المخاط والبلغم، سواء كان على جدرانه أو أرضه، وسواء كان فوق الحصير أو تحتها، فإن فعل وجب عليه رفعه، ولا فرق في ذلك بين أن تكون أرض المسجد ترابية، أو مبلطة، أو مفروشة، أو غير ذلك ************************* نشد الشيء الضائع بالمسجد ومنها نشد الضالة فيه، وهي الشيء الضائع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رايتم من ينشد الضالة في المسجد فقولوا له: لا ردها الله عليك" وهذا الحكم متفق عليه، إلا أن للشافعية فيه تفصيلاً، فانظره تحت الخط (1) . إنشاد الشعر بالمسجد ومنها إنشاد الشعر على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) . __________ (1) الشافعية قالوا: يكره فيه إنشاد الضالة إن لم يهوش على المصلين أو النائمين، وإلا حرم، وهذا في غير المسجد الحرام، فإنه لا يكره فيه إنشاد الضالة لأنه مجمع الناس (2) الحنفية قالوا: الشعر في المسجد إن كان مشتملاً على مواعظ وحكم وذكر نعمة الله تعالى وصفة المتقين فهو حسن، وإن كان مشتملاً على ذكر الأطلال والأزمان، وتاريخ الأمم فمباح، وإن كان مشتملاً على هجو وسخف، فحرام، وإن كان مشتملاً على وصف الخدود والقدود والشعور والخصور، فمكروه إن لم يترتب عليه ثوران الشهوة، وإلا حرم. الحنابلة قالوا: الشعر المتعلق بمدح النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يحرم ولا يكره يباح إنشاده في المسجد. المالكية قالوا: إنشاد الشعر في المسجد حسن إن تضمن ثناء على الله تعالى، أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو حثاً على خير، وغلا فلا يجوز. الشافعية: إنشاد الشعر في المسجد إن اشتمل على حكم مواعظ وغير ذلك مما لا يخالف الشرع؛ ولم يشوش جائز، وإلا حرم **************************** السؤال في المسجد، وتعليم العلم به لا يجوز السؤال في المسجد، ولا إعطاء السائل صدقة فيه، على تفصيل في المذاهب (1) ، ويجوز تعليم العلم في المسجد، وقراءة القرآن والمواعظ والحكم، مع ملاحظة عدم التهويش على المصلين، باتفاق، وسطح المسجد له حكم المسجد، فيكره ويحرم فيه ما يكره ويحرم في المسجد، أما المنازل التي فوق المساجد فليس لها حكم المساجد الكتابة على جدران المسجد والوضوء فيه وإغلاقه في غير أوقات الصلاة ومنها الكتابة على جدرانه، على تفصيل في المذاهب، ذكرناه تحت الخط (2) ، ويباح الوضوء في المسجد ما لم يؤد إلى تقذيره ببصاق أو مخاط، وإلا كان حراما عند الشافعية والحنابلة، وأما المالكية والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) ، وكذلك يباح إغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة عند الأئمة الثلاثة، ما عدا الحنفية، فإن لهم تفصيلا فانظره تحت الخط (4) __________ (1) (الحنابلة قالوا: يكره سؤال الصدقة في المسجد، والتصدق على السائل فيه، ويباح التصدق في المسجد على غير السائل وعلى من سأل له الخطيب. الشافعية قالوا: يكره السؤال فيه، إلا إذا كان فيه تهويش فيحرم. المالكية قالوا: ينهى عن السؤال في المسجد، ولا يعطى السائل، وأما التصدق فيه فجائز. الحنفية قالوا: يحرم الشؤال في المسجد، ويكره إعطاء السائل فيه) (2) (المالكية قالوا: إن كانت الكتابة في القبلة كرهت لأنها تشغل المصلي، سواء كان المكتوب قرآنا غيره، ولا تكره فيما عدا ذلك. الشافعية قالوا: يكره كتابة شيء من القرآن على جدران المسجد وسقوفه، ويحرم الاستناد لما كتب فيه من القرآن. بأن يجعله خلف ظهره. الحنابلة قالوا: تكره الكتابة على جدران المسجد وسقوفه، وإن كان فعل ذلك من مال الوقف حرم فعله، ووجب الضمان على الفاعل، وإن كان من ماله لم يرجع به على جهة الوقف. الحنفية قالوا: لا ينبغي الكتابة على جدران المسجد خوفاً من أن تسقط وتهان بوطء الأقدام) (3) (الحنفية، والمالكية قالوا: الوضوء في المسجد مكروه مطلقاً) (4) (الحنفية قالوا: يكره إغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة إلا لخوف على متاع، فإنه لا يكره) . |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 264 الى صــــــــ270 الحلقة (45) تفضيل بعض المساجد على بعض بالنسبة للصلاة فيها الشريعة الإسلامية لا تفضل مكاناً على آخر لذاته، ولكن التفاضل بين الأمكنة كالتفاضل بين الأشخاص، إنما يكون بسبب ميزة من المزايا المعنوية. فالتفاضل بينمسجد آخر إنما يأتي بسبب كون المسجد قد وقع فيه من الحوادث الدينية والأدبية أكثر من صاحبه، مثلاً المسجد الحرام بمكة، مركز للكعبة التي أمرنا الله تعالى بعبادته على كيفية خاصة عندها، وكذلك المسجد النبوي بالمدينة، له من الفضل بقدر ما وقع فيه من الحوادث الدينية العظيمة، كنزول الوحي فيه وكونه مركزاً لأئمة الدين الذين تلقوا قواعده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا، فلهذا فضل الفقهاء بعض هذه المساجد على بعض، بحسب ما ترجح عندهم من المزايا الدينية الواقعة فيها ولهذا كان في هذا التفاضل تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) ، على أن المراد بالتفاضل بينها هنا إنما هو بالنسبة للصلاة فيها، لا بالنسبة لذاتها. __________ (1) الحنفية قالوا: أفضل المساجد المسجد الحرام بمكة، ثم المسجد النبوي بالمدينة، ثم المسجد الأقصى بالقدس، ثم مسجد قباء، ثم أقدم المساجد، ثم أعظمها مساحة، ثم أقربها للمصلي، والصلاة في المسجد المعدّ لسماع الدروس الدينية أفضل من الأقدم، وما بعده ومسجد الحي أفضل من المسجد الذي به جماعة كثيرة، لأن له حقاً، فينبغي أن يؤديه ويعمره، فالأفضل لمن يصلي في مسجد أن يصلي في المساجد المذكورة بهذا الترتيب. الشافعية - قالوا: أفضل المساجد المكي، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، ثم الأكثر جمعاً، ما لم يكن إمامه ممن يكره الاقتداء به، وإلا كان قليل الجمع أفضل منه، وكذا لو ترتب على صلاته في الأكثر جمعاً تعطيل المسجد القليل الجمع، لكونه إمامه، أو تحضر الناس بحضوره، وإلا كانت صلاته في القليل الجمع أفضل. المالكية قالوا: أفضل المساجد المسجد النبوي، ثم المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى وبعد ذلك المساجد كلها سواء. نعم الصلاة في المسجد القريب أفضل لحق الجوار. الحنابلة قالوا: أفضل المساجد المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، ثم المساجد كلها سواء، ولكن الأفضل أن يصلي في المسجد الذي تتوقف الجماعة فيه على حضوره، أو تقام بغير حضوره، ولكن ينكسر قلب إمامه، أو جماعته بعدم حضوره. ثم المسجد العتيق. ثم ما كان أكثر جمعاً، ثم الأبعد ***************************** مبطلات الصلاة لنذكر لك مبطلات الصلاة مجتمعة في المذاهب تحت الخط (1) ، ثم نذكر لك بعد ذلك المتفق عليه والمختلف فيه من هذه المبطلات مشروحاً. __________ (1) الشافعية قالوا: مبطلات الصلاة: الحدث بأقسامه السابقة، سواء كان موجباً للوضوء؛ أو الغسل، الكلام في الصلاة، وسيأتي تفصيل القدر المبطل؛ البكاء والأنين، الفعل الكثير الذي ليس من جنسها، أو من جنسها، وقد تقدم تفصيله، ومن تحريك يده برفعها وخفضها أو تحريكها الى جهة اليمين وعودها إلى جهة الشمال، أو العكس ثلاث مرات، بحيث يحسب الذهاب والعودة مرة واحدة مع الاتصال، وأما مع الانفصال، فكل منهما يعدّ مرة، بخلاف ذهاب الرِّجل وعودها، فإن كلا منهما يعد مرة، ولو مع الاتصال، الشك في النية، أو في شيء من شروطه صحة الصلاة، أو كيفية النية، بأن يشك هل نوى ظهراً أو عصراً مثلاً، وإنما يبطل الشك في ذلك كله إن دام زمناً يسمع ركناً من أركان الصلاة، وغلا فلا: نية الخروج من الصلاة قبل تمامها، التردد في قطع الصلاة والاستمرار فيها، تعليق قطع الصلاة بشيء، ولو محالاً عادياً. كأن يقول بقلبه إن جاء زيد قطعت الصلاة؛ أما إذا علق الخروج من الصلاة على محال عقلي، كالجمع بين الضدين، فلا يضر، صرف نية الصلاة إلى صلاة أخرى؛ إلا الفرض، فله أن يصرفه إلى النفل إذا كان منفرداً ورأى جماعة يريد أن يدخل معهم، طرو الردة أو الجنون في الصلاة، انكشاف العورة في الصلاة مع القدرة على سترها، على ما تقدم، أن يجد من يصلي عرياناً ساتراً، على ما تقدم، اتصال نجاسة غير معفو عنها ببدنه أو بلمبوسه، ولو داخل عينيه أثناء الصلاة، وإنما تبطل بذلك إذا لم يفارقها سريعاً بدون حملها أو حمل ما اتصلت به، تطويل الرفع من الركوع أو الجلوس بين السجدتين؛ ويحصل تطويل الأول بالزيادة على الذكر الوارد فيه بقدر الفاتحة، وتطويل الثاني بالزيادة على الدعاء الوارد فيه بمقدار الواجب من التشهد الأخير، ويستثنى من ذلك تطويل الرفع في الركعة الأخيرة، وتطويل الجلوس بين السجدتين في صلاة التسابيح، فلا يضر مطلقاً؛ سبق المأموم إمامه بركنين فعليين، أو تأخره عنه بهما، ويشترط أن يكون كل منهما من غير عذر؛ التسليم عمداً قبل محلهح تكرير تكبيرة الإحرام بنية الافتتاح مرة ثانية. ترك ركن من أركان الصلاة عمداً، ولو قولياً؛ انقضاء مدة المسح على الخف أثناء الصلاة، أو ظهور بعض ما ستر به من رجل أو لفافة، اقتداؤه بمن لا يقتدي به لكفر أو غيره؛ تكرير ركن فعلي عمداً؛ وصول مفطر إلى جوف المصلي، ولو لم يؤكل؛ تحول عن القبلة بالصدر: تقديم الركن الفعلي عمداً على غيره. المالكية: عدوا مبطلات الصلاة كما يأتي: ترك ركن من أركانها عمداً، ترك ركن من أركانها سهواً، ولم يتذكر حتى سلم معتقداً إذا طال الأمر عرفاً، إما إذا سلم معتقداً الكمال، ثم تذكر عن قرب، فإنه يلغي ركعة النقص ويبني على غيرها وتصح صلاته، وأما إذا لم يسلم معتقداً الكمال، بأن لم يسلم أصلاً أو سلم غلطاً، فإن كان الركن المتروك من الركعة الأخيرة، فإنه يأتي به، ويتمم صلاته، وإن كان من غير الأخيرة أتى به إن لم يعقد ركوع الركعة التالية لركعة النقص، فإن عقد كوع الركعة التالية ألغى ركعة النقص، ولا يأتي بالركن المتروك (عقد الركوع برفع الرأس منه مطمئناً معتدلاً إلا في ترك الركوع، فإن عقد الركعة التالية يكون بمجرد الانحناء في ركوعها) ؛ رفض النية وإلغاؤها: زيادة ركن فعلي عمداً كركوع أو سجود؛ زيادة تشهد بعد الركعة الأولى أو الثالثة عمداً إذا كان من جلوس؛ القهقهة عمداً أو سهواً؛ الأكل أو الشرب عمداً؛ الكلام لغير إصلاح الصلاة عمداً، فإن كان لإصلاحها، فإن الصلاة تبطل بكثيره دون يسيره، على ما تقدم؛ التصويت عمداً، النفخ بالفم عمداً، القيء عمداً، ولو كان قليلاً، السلام حال الشك في تمام الصلاة، طرو ناقض الوضوء، أو تذكره، كشف العورة المغلظة، أو شيء منها، سقوط النجاسة على المصلي، أو علمه بها أثناء الصلاة، على ما تقدم، فتح المصلي على غير إمامه، الفعل الكثير ليس من جنس الصلاة، طرو شاغل عن إتمام فرض، كاحتباس بول يمنع من الطمأنينة مثلاً، تذكر أولى الحاضرتين المشتركتي الوقت، كالظهر والعصر، وهو في الثانية، فإذا كان يصلي العصر، ثم تذكر أنه لم يصل الظهر بطلت صلاته، وقيل: لا تبطل، بل يجري فيها التفصيل المتقدم في ترتيب يسير الفوائت، زيادة أربع ركعات يقيناً سهواً على الرباعية، ولو كان مسافراً، أو على الثلاثية، واثنتين على الثنائية والوتر، وزيادة مثل النفل المحدود، كالعيد، سجود المسبوق الذي لم يدرك ركعة مع امام، السجود المرتب على إمامه قبل قيامه لقضاء ما عليه، سواء كان السجود قبلياً أو بعدياً، وأما إذا أدرك معه ركعة، فإنه يسجد تبعاً لسجود إمامه، لكن إن كان السجود قبل السلام سجده معه قبل قيامه للقضاء، وإن كان بعد السلام وجب عليه تأخيره حتى يقضي ما عليه، فإن قدمه قبل القضاء بطلت صلاته، السجود قبل السلام لترك سنة خفيفة، كتكبيرة واحدة، أو تسميعة، أو لترك مستحب، كالقنوت، ترك ثلاث سنن من سنن الصلاة سهواً، مع ترك السجود لها حتى سلم وطال الأمر عرفاً. الحنابلة: عدوا مبطلات الصلاة كالآتي: العمل الكثير من غير جنسها بلا ضرورة، طرو نجاسة لم يعف عنها، ولم تزل في الحال، استدبار القبلة، طرو ناقض للوضوء، تعمد كشف عورة، بخلاف ما لو كشفت بريح وسترت في الحال، استناده استناداً قوياً لغير عذر، بحيث لو أزيل ما استند إليه لسقط، رجوعه للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة إن كان عالماً ذاكراً للرجوع، تعمده زيادة ركن فعلي، كركوع، تقدم بعض الأركان على بعض عمداً، سلامه عمداً قبل تمام الصلاة، أن يلحن في القراءة لحناً يغير المعنى مع قدرته على إصلاحه، كضم ناء "انعمت"، فسخ النية، بأن ينوي قطع الصلاة، التردد في الفسخ، العزم على الفسخ، وإن لم يفسخ بالفعل، الشك في النية بأن عمل عملاً مع الشك، كأن ركع أو سجد مع الشك، الشك في تكبيرة الإحرام، الدعاء بملاذ الدنيا، كأن يسأل جارية حسناء مثلاً إتيانه بكاف الخطاب لغير الله تعالى ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، القهقهة مطلقاً، الكلام مطلقاً، تقدم المأموم على إمامه، بطلان صلاة الإمام، إلا إذا صلى محدثاً ناسياً حدثه ونحوه، كما يأتي في باب الإمامة، سلام المأموم عمداً قبل الإمام، سلامه سهواً، إذا لم يعده بعد سلام إمامه، الأكل والشرب، إلا اليسير لناس وجاهل، ولا يبطل النفل بالشرب اليسير عمداً، بلع ما يتحلل من السكر ونحوه، إلا إن كان يسيراً من ساه وجاهل التنحنح بلا حاجة، النفخ إن بان منه حرفان، البكاء لغير خشية الله تعالى، إذا بان منه حرفان، بخلاف ما إذا غلبه، ولا تبطل إذا غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب وإن بان منه حرفان، كلام النائم غير الجالس والقائم، أما كلام النائم القليل إذا كان نوماً يسيراً وكان جالساً أو قائماً، فإنه لا يبطل. الحنفية: عدوا مبطلات الصلاة، كما يأتي: الكلام المبين فيما مر إذا كان صحيح الحروف مسموعاً، سواء نطق به سهواً، أو عمداً، أو خطأً، أو جهلاً. الدعاء بما يشبه كلام الناس، نحو: اللهم البسني ثوباً، أو اقض ديني، أو ارزقني فلانة، السلام، وإن لم يقل: عليكم السلام، بنية التحية، ولو ساهياً. رد السلام بلسانه، ولو سهواً، لأنه من كلام الناس، أو رد السلام بالمصافحة، العمل الكثير، تحويل الصدر عن القبلة، أكل شيء أو شربه من خارج فمه، ولو قليلاً، أكل ما بين أسنانه، وإن كان قليلاً، وهو قدر الحمصة؛ التنحنح بلا عذر، لما فيه من الحروف، التأفف؛ كنفخ التراب والتضجر؛ الأنين؛ وهو أن يقول: آه؛ التأوه، وهو أن يقول؛ أوه؛ ارتفاع بكائه من ألم بجسده أو مصيبة، كفقد حبيب أو مال، تشميت عاطس بيرحمك الله، جواب مستفهم عن ند الله بقول: لا إله إلا الله؟ قوله: {إنا لله وإنا إليه راجعون} عند سماع خبر سوء، تذكر فائتة إذا كان من أهل الترتيب، وكان الوقت متسعاً، وإنما تبطل إذا لم يصل بعدها خمس صلوات، وهو متذكر للفائتة، فإذا صلى كذلك انقلبت جائزة، كما يأتي في مبحث "قضاء الفوائت"، قول: الحمد لله، عند سماع خبر سار، قول: سبحان الله، أو لا إله إلا الله للتعجب من أمر، كل شيء من القرآن قصد به الجواب، نحو "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" لمن طلب كتاباً ونحوه، وقوله؛ "آتنا غداءنا" لمستفهم عن شيء يأتي به، وقوله: "تلك حدود الله فلا تقربوها" لمن استأذن في أخذ شيء، وإذا لم يرد بهذا ونحوه الجواب، بل أراد الإعلام، بأنه في الصلاة لا تفسد، رؤية المتيمم ماء قدر على استعماله قبل قعوده قدر التشهد، وكذا إذا كان متوضئاً، ولكنه يصلي خلف إمام متيمم فإن فرضه يبطل وتنقلب صلاته في هذه الحالة نفلاً، تمام مدة مسح الخفين قبل قعود قدر التشهد، ومثله نزع الخف ولو بعمل يسير، تعلم الأمي آية إن لم يكن مقتدياً بقارئ، سواء تعلمها بالتلقي أو بالتذكر إن كان ذلك قبل القعود قدر التشهد، وإلا فالتعلم بالتلقي لا يفسدها، إذا قدر من يصلي بالإيماء على الركوع والسجود، فإن الباقي من الصلاة يكون قوياً فلا يصح بناءه على ضعيف، استخلاف من لا يصلح إماماً كأمي ومعذور، طلوع الشمس وهو يصلي الفجر، ويكفي أن يرى الشعاع إن لم يمكنه رؤية القرص، إذا زالت الشمس، وهو في صلاة أحد العيدين، دخول وقت العصر وهو يصلي لفوات شرط صحتها وهو الوقت، سقوط الجبيرة عن برء، زوال عذر المعذور بناقض غير سبب العذر أو زواله بخلو وقت كامل عنه، الحدث عمداً، أما سبق الحدث فلا يبطل، بشروط ستأتي، الإغماء، والجنون، والجنابة بنظر أو احتلام نائم متمكن، المحاذاة، وسيأتي بيانها في مبحث خاص، ويفسدها ظهور عورة من سبقه الحدث، وهو ذاهب للوضوء، أو عائد منه، مكنه قدر أداء ركن بعد سبق الحدث مستيقظاً بلا عذر، فلو مكث لزحام، أو ليقطع رعافه لا تبطل، إذا جاوز بغير عذر، أما إذا لم يخرج من المسجد فلا تفسد، انصرافه عن مقامه للصلاة، ظاناً أنه غير متوضئ، أو أن مدة مسحه انقضت، أو أنه عليه فائتة، أو نجاسة، وإن لم يخرج من المسجد، فتح المأموم على غير إمامه لتعليمه بلا ضرورة، أما فتحه على إمامه، فإنه جائز، ولو قرأ المفروض، أخذ المصلي بفتح غيره، امتثال أمر الغير في الصلاة، التكبير بنية الانتقال لصلاة أخرى غير صلاته، كما إذا نوى المنفرد الإقتداء بغيره، أو العكس، أو انتقل بالتكبير من فرض لفرض، أو من فرض إلى نفل وبالعكس، وإنما تفسد الصلاة بواحدة مما ذكر إذا حصل قبل القعود الأخير قدر التشهد. وإلا فلا تفسد على المختار، مد الهمزة في التكبير كما تقدم أن يقرأ ما لا يحفظه في المصحف، أو يلقنه غير القراءة، أداء ركن، أو مضي زمن يسع أداء ركن، مع كشف العورة، أو مع نجاسة مانعة عن الصلاة، أن يسبق المقتدير إمامه بركن لم يشاركه فيه، متابعة المسبوق إمامه في سجود السهو إذا تأكد انفراده، بأن قام بعد سلام الإمام أو قبله بعد قعوده قدر التشهد، وقيد ركعته بسجدة، فتذكر الإمام سجود سهو، فتابعه المأموم فيه، عدم إعادة الجلوس الأخير بعد أداء سجدة صلبية. أو سجدة تلاوة تذكرها بعد الجلوس، عدم إعادة ركن أداه نائماً، قهقهة إمام المسبوق، وإن لم يتعمدها، السلام على رأس الركعتين في الرباعين، إذا ظن أنه يصلي غيرها، كما إذا كان في الظهر، فظن أنه يصلي الجمعة، تقدم المأموم على الإمام بقدمه أما مساواته، فإنها لا تبطل، وسيأتي تفصيله في "مبحث الإمامة" **************************** إذا صلت المرأة جنب الرجل أو أمامه، وهي مقتدية، ويعبر عن ذلك بالمحاذاة اتفق الأئمة الثلاثة على أن المرأة إذا صلت خلف الإمام وهي بجنب رجل، أو أمامه لا تبطل صلاتها بذلك، كما لا تبطل صلاة أحد من المصلين المحاذين لها. وخالف الحنفية في ذلك، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . __________ (1) الحنفية قالوا: إذا صلت المرأة المشتهاة بجنب الرجل، أو أمامه وهي مأمومة بطلت صلاتها، بشروط تسعة: الأول: أن تكون المرأة مشتهاة. فإذا كانت صغير لا تشتهي، فإنه لا يضر، الثاني: أن تحاذي المرأة رجلاً من المصلين بساقها وكعبها أما إذا كانت متأخرة عنه بساقها وكعبها، فإنه يصح. الثالث: أن تحاذيه في أداء ركن، أو قدر ركن، فإذا كبرت تكبيرة الإحرام، وهي محاذية له، ثم تأخرت، فإن صلاتها لا تبطل، لأن تكبيرة الإحرام ليست ركناً ولا قدر ركن، الرابع: أن لا تكون في صلاة الجنازة ونحوها، فإذا حاذته في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل، ومثلها كل صلاة ليست مشتملة على ركوع وسجود. الخامس: أن تكون مقتدية به، أو تكون محاذية لرجل مقتد معها بإمام واحد. أما إذا كانت تصلي خلف إمام، وهيو يصلي خلف إمام آخر، وكانت محاذية له، فإنه لا يضر؛ السادس: أن لا يكون بينهما حائل قدر ذراع أو فرجة تسع رجلاً: السابع: أن لا يشير إليها بالتأخر، فإذا أشار إليها بالتأخر، ولم تتأخر، فإن صلاته لا تبطل، الثامن: أن ينوي إمامتها، أما إذا لم ينوي إمامتها فإن صلاتها لاتصح، ولا تضر محاذاتها في هذه الحالة، التاسع: أن يتحد المكان، فإذا صلت في مكان عال، فإن الصلاة تصح لعدم وجود المحاذاة في هذه الحالة ********************** شرح مبطلات الصلاة التكلم بكلام أجنبي عنها عمداً التكلم بكلام أجنبي عن الصلاة عمداً مبطل لها باتفاق، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، رواه مسلم. وحد الكلام المبطل هو ما كان مشتمل على بعض حروف الهجاء، وأقله ما كان منتظماً من حرفين، وإن لم يفهما، أو حرف واحد مفهم لمعنى، كما إذا قال "ع" - بكسر العين - فإنه حرف واحد، ولكن له معنى في اللغة لأن معناه احفظ. أما إذا نطق بحرف واحد لا معنى له، كما إذا قال: "ج" فإن صلاته لا تبطل بذلك، ومثل النطق بالحرف المهمل الذي لا يمعنى له الصوت الذي لا يشتمل على حرف مفهم، أو أكثر، وهذا متفق عليه عند الأئمة الثلاثة، وللمالكية تفصيل، فانظره تحت الخط (1) ، أما الحرف الواحد المهمل الذي لا يفهم منه معنى، فإنه لا يبطل الصلاة، وكذلك الصوت الذي لم يشتمل حروفاً، فإنه لا يبطلها. التكلم في الصلاة بكلام أجنبي سهواً أو جهلاً الكلام الأجنبي في الصلاة مبطل لها، ولو كان المتكلم ناسياً، عند الحنفية، والحنابلة؛ وخالفهم الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وإذا تكلم في الصلاة جاهلاً بأن __________ (1) المالكية قالوا: حد الكلام المبطل للصلاة هو ما كان كلمة واحدة مفهمة فأكثر، وقال بعضهم: هو مطلق الصوت، وإن لم يفهم (2) الشافعية قالوا: إن تكلم في الصلاة ناسياً: فإنها لا تبطل بذلك الكلام، سواء تكلم قبل السلام أم بعده، بشرط أن يكون الكلام يسيراً وحد اليسير ما كان ست كلمات عرفية فأقل ************************ الكلام يفسد الصلاة، فإن صلاته تبطل باتفاق ثلاثة من الأئمة، لا فرق في ذلك بين أن يكون قد تربى بعيداً عن البلاد الإسلامية التي ليس بها علماء أو كان لا يستطيع الوصول إليهم أولاً، وخالف الشافعية في ذلك التفصيل، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وإذا أكرهه أحد على الكلام وهو في الصلاة، فإنه تبطل باتفاق، وإذا نام نوماً يسيراً لا ينقض الوضوء وهو في الصلاة، وتكلم في هذه الحالة، فإن صلاته تبطل باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، والظاهر يؤيد من قال ببطلان الصلاة، لأن الذي ينام في صلاته، ويتكلم بكلام أجنبي يكون غافلاً عن ربه تمام الغفلة، فما قيمة صلاة من يفعل هذا؟ التكلم عمداً لإصلاح الصلاة إذا نسي الإمام شيئاً من الصلاة، فقال له أحد المأمومين: أنت نسيت كذا، فإن صلاته تبطل باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، وإنما الذي لا يبطل هو لفظ السلام، فلو سلم في صلاة الظهر مثلاً من ركعتين ناسياً، فإن صلاته لا تبطل بالسلام. __________ (1) الشافعية قالوا: إن تكلم الجاهل في صلاته كلاماً يسيراً لا تبطل، بشرط أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو يكون قد تربى بعيداً عن العلماء بحيث لا يستطيع الوصول إليهم لخوف، أو عدم مال، أو ضياع من تلزمه تفقتهم، أو نحو ذلك، وإلا فسدت صلاته، ولا يعذر بالجهل (2) الحنابلة قالوا: إذا تكلم في صلاته وهو نائم على هذه الحالة، فإنها لا تبطل (3) المالكية قالوا: الكلام لإصلاح الصلاة لا يبطلها، سواء وقع قبل السلام أو بعده من الإمام أو من المأموم، أو منهما، فإن وقع من المأموم، فإنه لا يبطل الصلاة بشرطين: الأول: أن لا يكون كثيراً عرفاً، بحيث يكون به معرضاً عن الصلاة: وإن كانت تدعو الحاجة إليه؛ الثاني: أن لا يفهم الإمام الغرض بالتسبيح له، فإن كثر كلامه أو كان إمامه يفهم إذا سبح له بطلت صلاته، مثلاً إذا سلم إمامه في الرباعية من ركعتين أو صلاها أربعاً، وقام للخامسة، ولم يفهم بالتسبيح، فإن للمأموم أن يقول له: أنت سلمت من اثنتين، أو قمت للركعة الخامسة، أو نحو ذلك. هذا إذا وقع الكلام من المأموم. أما إذا وقع من الإمام، فإنه لا يبطل بثلاثة شروط: الشرطين المذكورين في المأموم ويزيد شرط ثالث؛ وهو أن لا يحصل له شك في صلاته من نفسه، بأن لم يشك أصلاً، أو حصل له شك من كلام المأمومين، فإن شك من نفسه وجب عليه أن يطرح ما شك فيه، ويبني صلاته على يقينه، ولا يسأل أحداً؛ وإلا بطلت صلاته |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
|
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
|
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 287 الى صــــــــ293 الحلقة (48) إجابة المؤذن إجابة المؤذن مندوبة لمن يسمع الأذان، ولو كان جنباً، أو كانت حائضاً أو نفساء، فيندب أن يقول مثل ما يقول المؤذن، إلا عند قول "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح" فإنه يجيبه فيها بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا الحكم متفق عليه، إلا أن الحنفية اشترطوا أن لا تكون حائضاً أو نفساء، فإن كانت فلا تندب لها الإجابة، بخلاف باقي الأئمة، والحنابلة اشترطوا أن لا تكون حائضاً أو نفساء، فإن كانت فلا تندب لها الإجابة، بخلاف باقي الأئمة، والحنابلة اشترطوا أن لا يكون قد صلى الفرض الذي يؤذن له، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وكذلك يجيبه في أذان الفجر عند قوله: "الصلاة خير من النوم"، يقول: صدقت، وبررت، وإنما تندب الإجابة في الأذان المشروع، أما غير المشروع فلا تطلب فيه الإجابة، وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) . ولا تطلب الإجابة أيضاً من المشغول بالصلاة، ولو كانت نفلاً، أو صلاة جنازة، بل تكره ولا تبطل بالإجابة إلا إذا أجابه بقول: صدقت، وبررت، أو بقول: "حي على الصلاة، أو الصلاة خير من النوم" فإنها تبطل كذلك، أما لو قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو صدق الله، أو صدق رسول الله، فإنها لا تبطل، ولا تطلب الإجابة من المشغول بقربان أهله، أو قضاء حاجة، لأنهما في حالة تنافي الذكر، وكذلك لا تطلب من سامع خطبة، وهذه الأحكام متفق عليها عند الشافعية والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، بخلاف المعلم والمتعلم؛ فإن الإجابة تطلب منهما، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: لا تطلب من المعلم أو المتعلم للعلم الشرعي، أما القارئ والذاكر فتطلب منهما الإجابة باتفاق. وأما الأكل فتطلب الإجابة منه عند المالكية؛ والحنابلة؛ وقال الشافعية؛ والحنفية: لا تطلب؛ وتطلب الإجابة في الترجيع عند المالكية؛ والشافعية؛ القائلين به إلا أن الشافعية يقولون: يندب أن يجيبه مرتين؛ والمالكية يقولون: يكتفي بالإجابة في أحدها وإذا تعدد المؤذنون وترتبوا، أجاب كل واحد بالقول ندباً. هذا، ويندب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإجابة، ثم يقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته". الأذان للصلاة الفائتة يسن أن يؤذن للفائتة برفع الصوت إذا كان يصلي في جماعة، سواء أكان في بيته أم في الصحراء، بخلاف ما إذا كان يصلي في بيته منفرداً، فإنه لا يرفع صوته، أما قضاء الفائتة في المسجد، فإنه لا يؤذن لها مطلقاً، ولو كانت في جماعة، وهذا الحكم متفق عليه إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، وإن كانت عليه فوائت كثيرة، وأراد قضاءها في مجلس واحد أذن للأولى منها، ويخير في باقيها، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية فقد عرفت أن الأذان عندهم مكروه للفائتة على أي حال، والشافعية قالوا: يحرم الأذان لباقي الفوائت إذا قضاها في مجلس واحد، أما لو أراد قضاء كل واحدة في مجلس فإنه يؤذن لها بخصوصها. الترسل في الأذان الترسل معناه التمهل والتأني، بحيث يفرد المؤذن كل جملة بصوته، على أن الفقهاء لهم تفصيل في معنى الترسل، فانظره تحت الخط (5) ، أما حكم الترسل فقد اتفق الحنفية، والمالكية على أنه سنة، وتركه مكروه، بخلاف الشافعية والحنابلة، فإنهم قالوا: إن الترسل مندوب، وتركه خلاف الأولى، أما معنى الترسل السابق فقد زاد فيه بعض المذاهب قيوداً أخرى، فانظره تحت الخط (6) . مكروهات الأذان: أذان الفاسق يكره في الأذان أمور؛ منها أذان الفاسق، فلو أذن الفاسق صح مع الكراهة عند الحنفية، والشافعية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) . ترك استقبال القبلة في الأذان، وأذان المحدث يكره ترك استقبال القبلة حال الأذان إلا للإسماع، كما تقدم، كما يكره أن يكون المؤذن محدثاً أصغر أو أكبر، والكراهة في الأكبر أشد، وهذه الكراهة متفق عليها عند المالكية، والشافعية، أما الحنفية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (8) . الأذان لصلاة النساء الأذان لصلاة النساء في الأداء والقضاء، مكروه عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) . الكلام حال الأذان يكره الكلام اليسير بغير ما يطلب شرعاً. أما بما يطلب شرعاً كرد السلام، وتشميت العاطس، ففيه خلاف المذاهب (10) ، وإنما يكره الكلام حال الأذان ما لم يكن لإنقاذ أعمى ونحوه، وإلا وجب، فإن كان يسيراً بنى على ما مضى من أذانه، وإن كان كثيراً استأنف الأذان من أوله، ومنها أن يؤذن قاعداً أو راكباً من غير عذر إلا للمسافر، فلا يكره أذانه وهو راكب، ولو بلا عذر، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند المالكية، فإن أذان الراكب عندهم غير مكروه على المعتمد. التغني بالأذان التغني والترنم في الأذان بالطريقة المعروفة عند الناس في زماننا هذا لا يقرها الشرع، لأنه عبادة يقصد منها الخشوع لله تعالى، على أن في حكم ذلك تفصيل في المذاهب ذكرناه تحت الخط (11) . هذا. ولا يكره أذان الصبي المميز، والأعمى إذا كان معه من يدله على الوقت، عند الحنفية والحنابلة، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا: يكره أذان الصبي المميز، كما تقدم. المالكية قالوا: متى اعتمد الصبي المميز في أذانه أو في دخول الوقت على بالغ صح أذانه وإلا فلا) . الإقامة تعريفها وصفتها الإقامة هي الإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص؛ وألفاظها هي "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة؛ قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله"، وهذه الصفة متفق عليها بين الحنابلة والشافعية، أما الحنفية، والمالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (12) . حكم الإقامة الإقامة كالأذان، فحكمها حكمه عند ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (13) . شروط الإقامة شروط الإقامة كشروط الأذان المتقدمة قريباً. إلا في أمرين: أحدهما: الذكورة، فإنها ليست شرطاً في الإقامة، فتصح إقامة المرأة، بشرط أن تقيم لنفسها، أما إذا كانت تصلي مع رجال فإن إقامتها لهم لا تصح عند الشافعية، والمالكية، أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) . ثانيهما: إن الإقامة يشترط اتصالها بالصلاة عرفاً دون الأذان، فلو أقام الصلاة، ثم تكلم بكلام كثير، أو شرب؛ أو أكل، أو نحو ذلك، وصلى بدون إقامة، فإنه يصح، لأنه أتى بسنة الإقامة، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: لا تعاد الإقامة إلا إذا قطعها عن الصلاة كلام كثير، أو عمل كثير، كالأكل، أما لو أقام المؤذن، ثم صلى الإمام بعد الإقامة ركعتي الفجر، فلا تعاد) . وقت قيام المقتدي للصلاة عند الإقامة اختلفت المذاهب في وقت قيام المقتدي الذي يسمع إقامة الصلاة، فانظره تحت الخط (15) . __________ الشافعية قالوا: يسن التوجه للقبلة إذا كانت القرية صغيرة عرفاً، بحيث يسمعون صوته بدون دوران، بخلاف الكبيرة عرفاً، فيسن الدوران، كما يسن استقبال القرية دون القبلة إذا كانت المنارة واقعة في الجهة القبلية من القرية. الحنفية قالوا: يسن استقبال القبلة حال الأذان، إلا في المنارة فإنه يسن له أن يدور فيها ليسمع الناس في كل جهة، وكذا إذا أذن وهو راكب، فإنه لا يسن له الاستقبال، بخلاف الماشي. الحنابلة قالوا: يسن للمؤذن أن يكون مستقبل القبلة في أذانه كله، ولو أذن على منارة ونحوها (1) الحنابلة قالوا: إنما تندب الإجابة لمن لم يكن قد صلى تلك الصلاة في جماعة، فإن كان كذلك فلا يجيب، لأنه غير مدعو بهذا الأذان. الحنفية قالوا: ليس على الحائض أو النفساء إجابة؛ لأنهما ليستا من أهل الإجابة بالفعل؛ فكذا بالقول (2) المالكية قالوا: لا يحطي السامع قول المؤذن: "الصلاة خير من النوم"، ولا يبدلها بهذا القول على الراجح، والمندوب في حكاية الأذان عندهم إلى نهاية الشهادتين فقط (3) المالكية قالوا: تندب الإجابة للمتنفل، ولكن يجب أن يقول عند: "حي على الصلاة، حي على الفلاح": لا حول ولا قوة إلا بالله؛ إن أراد أن يتم، فإن قالهما كما يقول المؤذن بطلت صلاته إن وقع ذلك عمداً أو جهلاً. وأما المشغول بصلاة الفرض، ولو كان فرضه منذوراً فتكره له حكاية الأذان في الصلاة، ويندب له أن يحكيه بعد الفراغ منه. الحنفية قالوا: إذا أجاب المصلي مؤذناً فسدت صلاته، سواء قصد الإجابة أو لم يقصد شيئاً. أما إذا قصدر الثناء على الله ورسوله فلا تبطل صلاته ولا فرق بين النفل والفرض (4) المالكية قالوا: يكره الأذان للفائتة مطلقاً، سواء كان المصلي في بيته، أو في الصحراء، وسواء كان في الجماعة أو منفرداً، بلا فرق بين أن يقضيها في مجلس واحد أو لا، كثيرة كانت أو يسيرة (5) الحنفية قالوا: الترسل هو التمهل، بحيث يأتي المؤذن بين كل جملتين بسكتة تسع إجابته فيما نطق به، غير أن هذه السكتة تكون بين كل تكبيرتين لا بين كل تكبيرة وأخرى. المالكية قالوا: الترسل هو عدم تمطيط في الأذان؛ وإنما يكون التمطيط مكروهاً ما لم يتفاحش عرفاً، وإلا حرم، وبهذا تعلم أن الخروج بالأذان إلى الأغاني الملحونة في زماننا حرام عند المالكية، وفي هذا من الزجر الشديد لمثل هؤلاء الناس ما لا يخفى (6) الشافعية قالوا: الترسل هو التأني، بحيث يفرد كل جملة بصوت، إلا التكبير في أوله وفي آخره، فيجمع كل جملتين في صوت واحد. الحنابلة قالوا: إن الترسل هو التمهل والتأني في الأذان (7) المالكية قالوا: لا يصح أذان الفاسق، إلا إذا اعتمد على غيره، كما تقدم. الحنابلة قالوا: لا يصح أذان الفاسق بحال (8) الحنابلة، والحنفية قالوا: يكره أذان الجنب فقط، أما المحدث حدثاً أصغر فلا يكره أذانه، وزاد الحنفية أن أذان الجنب يعاد ندباً (9) الشافعية قالوا: الأذان لصلاة النساء إن وقع من رجل فلا كراهة فيه، وإن وقع من واحدة منهن فهو باطل، ويحرم إن قصدن التشبة بالرجال، أما إذا لم يقصدن ذلك كان أذانهن مجرد ذكر، ولا كراهة فيه إذا خلا عن رفع الصوت (10) الحنفية قالوا: يكره الكلام اليسير، ولو برد السلام، وتشميت العاطس، ولا يطلب من المؤذن أن يرد أو يشمت لا في أثناء الأذان ولا بعده؛ ولو في نفسه، فإن وقع من المؤذن كلام في أثنائه أعاده. الشافعية قالوا: إن الكلام اليسير برد السلام، وتشميت العاطس ليس مكروهاً، وإنما هو خلاف الأولى، على الراجح، ويجب على المؤذن أن يرد السلام، ويسن له أن يشمت العاطس بعد الفراغ، وإن طال الفصل. الحنابلة قالوا: رد السلام وتشميت العاطس مباح، وإن كان لا يجب عليه الرد مطلقاً؛ ويجوز الكلام اليسير عندهم في أثناء الأذان لحاجة غير شرعية، كأن يناديه إنسان فيجيبه. المالكية قالوا: الكلام برد السلام وتشميت العاطس مكروه أثناء الأذان ويجب على المؤذن أن يرد السلام، ويشمت العاطس بعد الفراغ منه (11) الشافعية قالوا: التغني هو الانتقال من نغم إلى نغم آخر، والسنة أن يستمر المؤذن في أذانه على نغم واحد. الحنابلة قالوا: التغني هو الإطراب بالأذان، وهو مكروه عندهم. الحنفية قالوا: التغني بالأذان حسن، إلا إذا أدى إلى تغيير الكلمات بزيادة حركة أو حرف، فإنه يحرم فعله، ولا يحل سماعه. المالكية قالوا: يكره التطريب في الأذان لمنافاته الخشوع؛ إلا إذا تفاحش عرفاً فإنه يحرم (12) الحنفية قالوا: إن تكبيرات الإقامة أربع في أولها، واثنتان في آخرها، وباقي ما ذكر في ألفاظها يذكر مرتين، ونصها هكذا: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر؛ أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله" (13) المالكية قالوا: إن حكم الإقامة ليس كحكم الأذان المتقدم، بل هي سنة عين لذكر بالغ، وسنة كفاية لجماعة الذكورة البالغين، ومندوبة عيناً لصبي وامرأة، إلا إذا كانا مع ذكر بالغ فأكثر، فلا تندب لهما اكتفاء بإقامة الذكر البالغ (14) الحنفية قالوا: إن الشروط المذكورة شروط كمال لا شروط صحةن كما تقدم، فيكره أن يتخلف منها شرط، والإقامة مثل الأذان في ذلك، إلا أنه يعاد الأذان ندباً عند فقد شيء منها، ولا تعاد الإقامة، ومن هذا تعلم أن المرأة إذا أقامت الصلاة لرجال، فإن إقامتها تصح مع الكراهة. الحنابلة قالوا: إن الذكورة شرط في الإقامة أيضاً، فلا تطلب من المرأة، كما لا يطلب منها الأذان (15) المالكية قالوا: يجوز لمن يريد الصلاة غير المقيم أن يقوم للصلاة حال الإقامة أو بعدها بقدر ما يستطيع، ولا يحد ذلك بزمن معين، أما المقيم فيقوم من ابتدائها. الشافعية قالوا: يسن أن يكون قيامه للصلاة عقب فراغ المقيم من الإقامة. الحنابلة قالوا: يسن أن يقوم عند قول المقيم: قد قامت الصلاة، إذا رأى الإمام قد قام، وإلا تأخر حتى يقوم. الحنفية قالوا: يقوم عند قول المقيم: "حي على الفلاح" |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 293 الى صــــــــ300 الحلقة (49) سنن الإقامة ومندوباتها سنن الإقامة كسنن الأذان المتقدمة، إلا في أمور: منها أنه يسن أن يكون الأذان بموضع مرتفع دون الإقامة باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ؛ ومنها أن يندب الترجيع في الأذان دون الإقامة عند من يقول بالترجيع، وهم المالكية، والشافعية، أما الحنابلة، والحنفية، فقالوا: لا ترجيع لا في الأذان ولا في الإقامة؛ ومنها أنه يسن في الأذان التأني، ويسن في الإقامة الإسراع باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ؛ ومنها أنه يسن أن يضع المؤذن طرفي إصبعيه المسبحة في صماخ أذنيه باتفاق الحنابلة، والشافعيةن وخالف المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . الأذان لقضاء الفوائت يسن في قضاء الفوائت الأذان للأولى فقط، بخلاف الإقامة، فإنها تسن لكل فائتة، عند ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، ثم إن الإقامة مطلوبة للرجل والمرأة، بخلاف الأذان، فإنه لا يطلب من المرأة عند ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) . هذا ويزاد في الإقامة بعد فلاحها "قد قامت الصلاة" كما تقدم في نصها. الفصل بين الأذان والإقامة أولاً: يسن للمؤذن أن يجلس بين الأذان والإقامة بقدر ما يحضر الملازمون للصلاة في المسجد مع المحافظة على وقت الفضيلة، إلا في صلاة المغرب، فإنه لا يؤخرها، وإنما يفصل بين الأذان والإقامة فيها بفاصل يسير كقراءة ثلاث آيات، وهذا الحكم عند الشافعية، والحنفية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) . أخذ الأجرة على الأذان ونحوه ثانياً: يجوز أخذ الأجرة على الأذان ونحوه، كالإمامة والتدريس باتفاق الحنفية، والشافعية؛ وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) . الأذان في أذن المولود، والمصروع ووقت الحريق، والحرب، ونحو ذلك يندب الأذان في أذن المولود اليمنى عند ولادته، كما تندب الإقامة في اليسرى، وكذا يندب الأذان وقت الحريق، ووقت الحرب، وخلف المسافر. وفي أذن المهموم والمصروع. الصلاة على النبي قبل الأذان والتسابيح قبله بالليل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقبه مشروعة بلا خلاف، سواء كانت من المؤذن أو من غيره، لما رواه مسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ فقوله: "ثم صلوا عليّ" عام يشمل المؤذن وغيره من السامعين، ولم ينص الحديث على أن تكون الصلاة سراً، فإذا رفع المؤذن صوته بالصلاة بتذكير الناس بهذا الحديث، ليصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم حسناً، إنما الذي يجب الالتفات إليه هو الخروج بالصلاة والسلام عن معنى التعبد إلى التغني، والإتيان بأناشيد تقتضي الانسلاخ من التعبد إلى التطريب، كما يفعله بعض المؤذنين في زماننا، فإن ذلك من أسوأ البدع التي ينبغي تركها، وقد صرح الشافعية، والحنابلة بأنها سنة، ولعلهم أرادوا المعنى الذي ذكرناه. أما التسابيح والاستغاثات بالليل قبل الأذان فمنهم من قال: إنها لا تجوز، لأن فيها إيذاء للنائمين الذين لم يكلفهم الله، ومنهم من قال: إنها تجوز لما فيه من التنبيه، فهي وإن لم تكن عليها ضرر شرعي، والأولى تركها، إلا إذا كان الغرض منها إيقاظ الناس في رمضان، لأن في ذلك منفعة لهم. مباحث صلاة التطوع تعريفها، وأقسامها صلاة التطوع هي ما يطلب فعله من المكلف زيادة على المكتوبة طلباً غير جازم، وهي إما أن تكون غير تابعة للصلاة المكتوبة، كصلاة الاستسقاء والكسوف والخسوف والتراويح؛ وسيأتي لكل منها فصل خاص، وإما أن تكون تابعة للصلاة المكتوبة، كالنوافل القبلية والبعدية فأما التابعة للصلاة المكتوبة فمنها ما هو مسنون وما هو مندوب، وما هو رغيبة، وغير ذلك مما هو مفصل في المذاهب تحت الخط (8) . الذكر الوارد عقب الصلاة وختم الصلاة وردت الشريعة بأذكار خاصة تقال بعد الفراغ من كل صلاة مكتوبة، ومنها أن يقول: سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين، ويقول: الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، ويقول: الله أكبر، ثلاثاً وثلاثين عقب كل صلاة مفروضة من صبح وظهر ... الخ. ومنها غير ذلك، مما ستعرفه، وهل يسن أن يقول هذه الأذكار قبل صلاة النافلة بدون فاصل، أو يقولها بعد صلاة النافلة؟ فإذا صلى الظهر مثلاً، ثم فرغ منه يشرع في قراءة الذكر، أو يصلي سنة الظهر، ثم يشرع في ختم الصلاة بالذكر، في ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (8) . __________ (1) الحنابلة قالوا: يسن أن تكون الإقامة بموضع عال كالأذان، إلا أن يشق ذلك (2) المالكية قالوا: إن التأني المتقدم تفسيره في الأذان مطلوب في الإقامة أيضاً (3) الحنفية قالوا: إن هذا مندوب في الأذان دون الإقامة، فالأحسن الإتيان به، ولو تركه لم يكره. المالكية قالوا: وضع الأصبعين في الأذنين للإسماع في الأذان دون الإقامة جائز لا سنة (4) المالكية قالوا: يكره الأذان للفوائت مطلقاً، بخلاف الإقامة، فإنها تطلب لكل فائتة، على التفصيل السابق (5) الحنابلة قالوا: لا تطلب الإقامة من المرأة أيضاً، بل تكره كما يكره أذانها (6) المالكية قالوا: الأفضل للجماعة التي تنتظر غيرها تقديم الصلاة أول الوقت بعد صلاة النوافل القبلية إلا الظهر، فالأفضل تأخيرها لربع القامة، ويزاد على ذلك عند اشتداد الحر، فيندب التأخير إلى وسط الوقت، وأما الجماعة التي لا تنتظر غيرها والفذ فالأفضل لهم تقديم الصلاة أو الوقت مطلقاً بعد النوافل القبلية، إن كان للصلاة نوافل قبلية. الحنابلة قالوا: يجلس المؤذن بين الأذان والإقامة بقدر ما يفرغ قاضي الحاجة من حاجته والمتوضئ من وضوئه، وصلاة ركعتين، إلا في صلاة المغرب، فإنه يندب أن يفصل بين الأذان والإقامة بجلسة خفيفة عرفاً (7) المالكية قالوا: يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة، وعلى الإمامة إن كانت تبعاً للأذان أو للإقامة، وأما أخذ الأجرة عليها استقلالاً فمكروه إن كانت الأجرة من المصلين، وأما إن كانت من الوقف، أو بيت المال فلا تكره. الحنابلة قالوا: يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة إن وجد متطوع بهما، وإلا رزق ولي الأمر من يقوم لهما من بيت مال المسلمين لحاجة المسلمين إليهما (8) الحنابلة قالوا: تنقسم صلاة التطوع التابعة للصلاة المكتوبة إلى قسمين: راتبة، وغير راتبة؛ فالراتبة عشر ركعات، وهي ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، وسردها" وهي سنة مؤكدة بحيث إذا فاتته قضاها إلا ما فات منهما مع الفرائض وكثر، فتركه أولى، دفعاً للحرج، ويستثنى من ذلك سنة الفجر، فإنها تقضي ولو كثرت، وإذا صلى السنة القبلية للفرض بعده كانت قضاء، ولو لم يخرج الوقت، وغير الرواتب عشرون، وهي: اربع ركعات قبل صلاة الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل صلاة العصر؛ وأربع بعد صلاة المغرب، وأربع بعد صلاة العشاء، ويباح أن يصلي ركعتين بعد أذان المغرب، وقبل صلاتها، لحديث أنس: كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس، فسئل أنس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها؟ قال: كان يرانا نصليها، فلم يأمرنا ولم ينهنا، ويباح أن يصلي ركعتين من جلوس بعد الوتر، والأفضل أن يصلي الرواتب والوتر، وما لا تشرع له الجماعة من الصلوات في بيته، ويسن أن يفصل بين كل فرض وسنته بقيام أو كلام، وللجمعة سنة راتبة بعدها وأقلها ركعتان، وأكثرها ست، ويسن أن يصلي قبلها أربع ركعات؛ وهي غير راتبة: لأن الجمعة ليس لها راتبة قبلية. الحنفية قالوا: تنقسم النافلة التابعة للفرض إلى مسنونة ومندوبة، فأما المسنونة فهي خمس صلوات: إحداها: ركعتان قبل صلاة الصبح، وهما أقوى السنن، فلهذا لا يجوز أن يؤديهما قاعداً أو راكباً بدون عذر، ووقتهما وقت صلاة الصبح، فإن خرج وقتهما لا يقضيان إلا تبعاً للفرض، فلو نام حتى طلعت عليه الشمس قضاهما أولاً، ثم قضى الصبح بعدهما، ويمتد وقت قضائهما إلى الزوال، فلا يجوز قضاءهما بعده، أما إذا خرج وقتهما وحدهما بأن صلى الفرض وحده فلا يقضيان بعد ذلك،لا قبل طلوع الشمس، ولا بعده؛ ومن السنة فيهما أن يصليهما في بيته في أول الوقت، وأن يقرأ في أولاهما سورة "الكافرون" وفي الثانية "الإخلاص"، وإذا قامت الجماعة لصلاة الصبح قبل أن يصليهما فإن أمكنه إدراكها بعد صلاتهما فعل، وإلا تركهما وأدرك الجماعة، ولا يقضيهما بعد ذلك كما سبق، ولا يجوز له أن يصلي أية نافلة إذا أقيمت الصلاة سوى ركعتي الفجر، ثانيتها: أربع ركعات قبل صلاة الظهر بتسليمة واحدة؛ وهذه السنة آكد السنن بعد سنة الفجر؛ ثالثتها: ركعتان بعد صلاة الظهر، وهذا في غير يوم الجمعة، أما فيه فيسن أن يصلي بعدها أربعاً، كما يسن أن يصلي قبلها أربعاً، رابعتها: ركعتان بعد المغرب، خامستها: ركعتان بعد العشاء، وأما المندوبة فهي أربع صلوات: إحداها: أربع ركعات قبل صلاة العصر، وإن شار ركعتين، ثانيتها: ست ركعات بعد صلاة المغرب، ثالثتها أربع ركعات قبل صلاة العشاء، رابعتها: أربع ركعات بعد صلاة العشاء؛ لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العشاء أربعاً، ثم يصلي بعدها أربعاً، ثم يضطجع وللمصلي أن يتنفل عدا ذلك بما شاء، والسنة في ذلك أن يسلم على رأس كل أربع في نفل النهار في غير أوقات الكراهة، فلو سلم على رأس ركعتين لم يكن محصلاً للسنة، وأما في المغرب فله أن يصليها كلها بتسليمة بين الفرض والسنة البعدية بقوله: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، أو بأي ذكر وارد في ذلك. الشافعية قالوا: النوافل التابعة للفرائض قسمان: مؤكد، وغير مؤكد، أما المؤكد فهو ركعتا الفجر، ووقتهما وقت صلاة الصبح، وهو من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ويسن تقديمها على صلاة الصبح إن لم يخف فوات وقت الصبح أو فوات صلاته في جماعة، فإن خاف ذلك قدم الصبح، وصلى ركعتي الفجر بعده بلا كراهة، وإذا طلعت الشمس، ولم يصل الفجر صلاهما قضاء، ويسن أن يقرأ فيها بعد الفاتحة آية {قولوا آمنا بالله} إلى قوله تعالى: {ونحن له مسلمون} في الركعة الأولى، في سورة البقرة، وفي الركعة الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} إلى {مسلمون} ، في سورة آل عمران، ويسن أن يفصل بينهما وبين صلاة الصبح بضجعة أو تحول أو كلام غير دنيوي، ومن المؤكد ركعتان قبل الظهر أو الجمعة؛ وركعتان بعد الظهر أو الجمعة، وإنما تسن ركعتان بعد الجمعة إذا لم يصل الظهر بعدها، وغلا فلا تسن لقيام سنة الظهر مقامها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وتسن في الركعة الأولى قراءة "الكافرون" وفي الثانية "الإخلاص" وركعتان بعد صلاة العشاء، والصلوات المذكورة تسمى رواتب، وما كان منها قبل الفرض يسمى راتبة قبلية، وما كان منها بعد الفرض يسمى راتبة بعدية، ومن المؤكد الوتر وأقله ركعة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات وأعلاه إحدى عشرة ركعة، والأفضل أن يسلم من كل ركعتين، ووقته بعد صلاة العشاء. ولو كانت مجموعة مع المغرب جمع تقديم، ويمتد وقته لطلوع الفجر، ثم يكون بعد ذلك قضاء، وغير المؤكد اثنتا عشرة ركعة، ركعتان قبل الظهر، سوى ما تقدم، وركعتان بعدها كذلك، والجمعة كالظهر وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، ويسن تخفيفهما وفعلهما بعد إجابة المؤذن، لحديث "بين كل أذانين صلاة" والمراد الأذان والإقامة، وركعتان قبل العشاء. المالكية قالوا: النوافل التابعة للفرائض قسمان: رواتب وغيرها، أما الرواتب فهي النافلة قبل صلاة الظهر، وبعد دخول وقتها، وبعد صلاة الظهر، وقبل صلاة العصر، وبعد دخول وقتها، وبعد صلاة المغرب، وليس في هذه النوافل كلها تحديد بعدد معين، ولكن الأفضل فيها ما وردت الأحاديث بفضله، وهو أربع قبل صلاة الظهر، وأربع بعدها وأربع قبل صلاة العصر، وست بعد صلاة المغرب؛ وحكم هذه النوافل أنها مندوبة ندباً أكيداً: وأما المغرب فيكره التنفل قبلها لضيق وقتها، وأما العشاء فلم يرد في التنفل قبلها نصر صريح من الشارع، نعم يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة" أنه يستحب التنفل قبلها، والمراد بالأذانين في الحديث الأذان والإقامة "وأما غير الرواتب فهي صلاة الفجر وهي ركعتان، وحكمها أنها رغيبة، والرغيبة ما كان فوق المستحب، ودون السنة في التأكد، ووقتها من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ثم تكون قضاء بعد ذلك إلى زوال الشمس، ومتى جاء الزوال فلا تقضى، ومحلها قبل صلاة الصبح، فإن صلى الصبح قبلها كره فعلها إلى أن يجيء وقت حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس بعد طلوعها قدر رمح من رماح العرب، وهو طول اثني عشر شبراً بالشبر المتوسط، فإذا جاء وقت حل النافلة فعلها، نعم إذا طلعت الشمس، ولم يكن صلى الصبح، فإنه يصلي الصبح أولاً على المعتمد. ويندب أن يقرأ في ركعتي الفجر بفاتحة الكتاب فقط لا يزيد سورة بعدها، وإن كانت الفاتحة فرضاً كما تقدم، ومن غير الرواتب الشفع، وأقله ركعتان وأكثره لا حد له، ويكون بعد صلاة العشاء، وقبل صلاة الوتر، وحكم الشفع الندب، ومنها الوتر وهو سنة مؤكذة آكد السنن بعد ركعتي الطواف، ووقته بعد صلاة العشاء المؤداة بعد مغيب الشفق للفجر، وهذا هو وقت الاختيار، ووقته الضروري من طلوع الفجر إلى تمام صلاة الصبح، ويكره تأخيره لوقت الضرورة بلا عذر، وإذا تذكر الوتر في صلاة الصبح ندب له قطع الصلاة ليصلي الوتر إلا إذا كان مأموماً، فيجوز له القطع ما لم يخف خروج وقت الصبح. ويندب أن يقرأ في الشفع سورة الأعلى في الركعة الأولى، وسورة "الكافرون" في الثانية، وفي الوتر سورة الإخلاص، والمعوذتين، والسنة في النفل كله أن يسلم من ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى" وحملت نافلة النهار على نافلة الليل، لأنه لا فارق (9) الحنفية قالوا: يكره تنزيهاً أن يفصل بين الصلاة والسنة إلا بمقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" وأما ما ورد من الأحاديث في الأذكار فإنه لا ينافي ذلك، لأن السنن من لواحق الفرائض، فليست بأجنبية عنها: ويستحب أن يستغفر بعد السنن ثلاثاً ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين، ويسبح، ويحمد ويكبر في كل ثلاثاً وثلاثين، ويهلل تمام المائة، بأن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ثم يقلو: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد؛ ويدعو ويختم بقول: سبحان ربك رب العزة عما يصفون. المالكية قالوا: الأفضل في الراتبة التي تصلى بعد الصلاة المكتوبة أن تكون بعد الذكر الوارد بعد صلاة الفريضة، كقراءة "آية الكرسي"، وسورة "الإخلاص"؛ والتسبيح، والتحميد، والتكبير كل منها ثلاث وثلاثون مرة. ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الشافعية قالوا: يسن أن يفصل بين المكتوبة والسنة بالأذكار الواردة، فيستغفر الله ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام. تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ويسبح الله ثلاثاً وثلاثين. ويحمده ثلاثاً وثلاثين. ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول بعد ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. الحنابلة قالوا: يأتي بالذكر الوارد عقب الصلاة المكتوبة قبل أداء السنن فيقول: أستغفر الله؛ ثلاث مرات، ثم يقول: الله أنت السلام ومنك وإليك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام؛ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا غياه له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ويسبح، ويحمد، ويكبر ثلاثاً وثلاثين. والأفضل أن يفرغ منهن معاً، بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 301 الى صــــــــ312 الحلقة (50) التنفل في المكان الذي صلى فيه مع جماعة إذا صلى الفرض في جماعة، وأراد أن يصلي النافلة، فهل يصليها في المكان الذي صلى فيه الفرض مع الجماعة، أو ينتقل منه إلى مكان آخر؟ في ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . صلاة الضحى وتحية المسجد صلاة الضحى سنة عند ثلاثة من الآئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح، إلى زوالها، والأفضل أن يبداها بعد ربع النهار، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) وأقلها ركعتان، وأكثرها ثمان، فإن زاد على ذلك عامداً عالماً بنية الضحى، لم ينعقد ما زاد على الثمان، فإن كان ناسياً أو جاهلاً انعقد نفلاً مطلقاً عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ويسن قضاؤها إذا خرج وقتها عند الشافعية. والحنابلة. وانظر مذهب المالكية. والحنفية تحت الخط (5) . تحية المسجد إذا دخل المصلي مسجداً، فإنه يسن له أن يصلي ركعتين بنية تحية المسجد، وله أن يزيد ما شاء بهذه النية باتفاق الشافعية، والحنابلة. أما الحنفية. والمالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ويشترط لتحية المسجد شروط: أحدها: أن يدخل المسجد في غير الأوقات التي نهي عن صلاة النفل فيها، كوقت طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر، وسيأتي بيان هذه الأوقات في مبحث خاص. ولا يشترط أن يقصد المكث في المسجد؛ فلو دخل المسجد بنية المرور منه إلى جهة أخرى، فإن تحية المسجد تطلب منه عند ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ؛ ثانيها: أن يدخل المسجد، وهو متوضئ. فلو دخل المسجد وهو محدث، فإن تحية المسجد لم تطلب منه باتفاق ثلاثة من الأئمة وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) : ثالثها: أن لا يصادف دخوله إقامة صلاة الجماعة، فإذا دخل ووجد الإمام يصلي بجماعة فإنه لا يصلي تحية المسجد باتفاق ثلاثة من الأئمة. وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) : رابعها: أن لا يدخل المسجد عقب خروج الخطيب للخطبة يوم الجمعة، والعيدين، ونحوهما، فإن دخل في ذلك الوقت فلا يصليها عند المالكية، والحنفية؛ أما الشافعية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (10) ، ويستثنى من المساجد المسجد الحرام لحدث بمكة، فإن لتحيته أحكاماً خاصة مفصلة في المذاهب (11) ، وإذا لم يتمكن من تحية المسجد لحدث أو غيره، فإنه يندب له أن يقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر أربع مرات، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنابلة: لا يندب له أن يقول ذلك. هذا. وينوب عن تحية المسجد مطلق يصليها ذات ركوع وسجود عند دخوله. فمن صلى فائتة كانت عليه بدخوله المسجد. فإن تحية المسجد تؤدي بها ضمناً، بشرط أن ينويها وقال الحنفية والشافعية: يحصل له ثوابها إن لم ينوها. أما إذا نوى عدم صلاة تحية المسجد فإنها تسقط عنه، ولا يحصل له ثوابها. هذا ولا تسقط تحية المسجد بالجلوس قبل فعلها وإن كان مكروهاً باتفاق الحنفية،صلاة ركعتين عقب الوضوء وعند الخروج للسفر، أو القدوم منه تندب صلاة ركعتين عقب الطهارة وتندب صلاة ركعتين عند الخروج للسفر، وركعتين عند القدوم منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفراً"، رواه الطبراني، ولما روى كعب بن مالك، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدم من السفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين. ثم جلس فيه، رواه مسلم. التهجد بالليل وركعتا الاستخارة يندب أيضا التهجد بالليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة" رواه الطبراني مرفوعاً، وهو أفضل من صلاة النهار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل صلاة بعد الفريضة صلاة الليل، رواه مسلم، ومن المندوب أيضاً ركعتا الاستخارة، لما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، قال: ويسمي حاجته" رواه أصحاب السنن، إلا مسلماً. صلاة قضاء الحوائج يندب لمن كانت له حاجة مشروعة أن يصلي ركعتين، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له عند الله حاجة، أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضأ، ويحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل برْ، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لي رضاً إلا قضيتها يا أرحم الراحمين" أخرجه الترمذي عن عبد الله بن أبي أوفى. صلاة الوتر، وصيغة القنوت الواردة فيه، وفي غيره من الصلوات اتفق ثلاثة من الأئمة على أن صلاة الوتر سنة، وقال الحنفية: إن الوتر واجب، وقد عرفت أن الواجب عندهم أقل من الفرض، وكما عرفت أن التحقيق عندهم هو أن ترك الواجب لا يوجب العقوبة الأخروية، كما يوجبها ترك الفرض القطعي وإنما يوجب الحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك عقوبة عند المؤمنين الذين يرجون شفاعة المصطفى، وقد ذكرنا أحكام الوتر عند كل مذهب تحت الخط (12) . صلاة التراويح: حكمها، ووقتها هي سنة عين مؤكدة للرجال والنساء عند ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ، وتسن فيها الجماعة عيناً، بحيث لو صلتها جماعة، لا تسقط الجماعة عن الباقين، فلو صلى الرجل في منزله صلاة التراويح فإنه يسن له أن يصلي بمن في داره جماعة، فلو صلاها وحده فقد فاته ثواب سنة الجماعة، وهذا الحكم متفق عليه عند الشافعية والحنابلة؛ أما المالكية والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) وقد ثبت كونها سنة في جماعة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الشيخان "أنه صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل ليالي من رمضا، وهي ثلاث متفرقة: ليلة الثالث، والخامس، والسابع والعشري، وصلى في المسجد، وصلى الناس بصلاته فيها، كان يصلي بهم ثمان ركعات، ويكملون باقيها في بيوتهم، فكان يسمع له أزيز كأزيز النحل، ومن هذا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم سن لهم التراويح، والجماعة فيها، ولكنه لم يصل بهم عشرين ركعة، كما جرى عليه العمل من عهد الصحابة، ومن بعدهم إلى الآنن ولم يخرج إليهم بعد ذلك، خشية أن تفرض عليهم، كما صرح به في بعض الروايات، ويتبين أيضاً أن عددها ليس مقصوراً على الثمان ركعات التي صلاها بهم، بدليل أنهم كانوا يكملونها في بيوتهم، وقد بين فعل عمر رضي الله عنه أن عددها عشرون، حيث أنه جمع الناس أخيراً على هذا العدد في المسجد، ووافقه الصحابة على ذلك؛ ولم يوجد لهم مخالف ممن بعدهم من الخلفاء الراشدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود وقد سئل أو حنيفة عما فعله عمر رضي الله عنهما، فقال التراويح سنة مؤكدة، ولم يتخرجه عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعاً، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه، وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم زيد فيها في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهن فجعلت ستاً وثلاثين ركعة، ولكن كان القصد من هذه الزيادة مساواة أهل مكة في الفضل، لأنهم كانوا يطوفون بالبيت بعد كل أربع ركعات مرة، فرأى رضي الله عنه أن يصلي بدل كل طواف أربع ركعات، وهذا دليل على صحة اجتهاد العلماء في الزيادة على ما ورد من عبادة مشروعة، إذ مما لا ريب فيه أن للإنسان أن يصلي من النافلة ما استطاع بالليل والنهار، إلا في الأوقات التي ورد النهي عن الصلاة فيها؛ أما كونه يسمي ما يصليه زيادة على الوارد تراويح أولاً، فلذلك يرجع إلى الإطلاق اللفظي، والأولى أن يقتصر في التسمية على ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المجتهدون. وقد ثبت أن صلاة التراويح عشرون ركعة سوى الوتر (15) ، أما وقتها فهو من بعد صلات العشاء، ولو مجموعة جمع تقديم مع المغرب عند من يقول بجواز الجمع للمسافر سفر قصر ونحوه بالشرائط الآتية في مبحث "الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً" إلا عند المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (16) ، وينتهي بطلوع الفجر، وتصح قبل الوتر وبعده وبدون كراهية، ولكن الأفضل أن تكون قبله، باتفاق ثلاثة. وخالف المالكية فقالوا: إن تأخيرها عن الوتر مكروه، فانظر مذهبهم تحت الخط (17) ، فإذا خرج وقتها بطلوع الفجر، فإنه لا تقضى. سواء كانت وحدها أو مع العشاء. باتفاق ثلاثة من الأئمة. وخالف الشافعية. فانظر مذهبهم تحت الخط (18) . مندوبات صلاة التراويح يندب أن يسلم في آخر كل ركعتين. فلو فعلها بسلام واحد وقعد على رأس كل ركعتين صحت مع الكراهة. إلا عند الشافعية. فانظر مذهبهم في تفصيل المذاهب تحت الخط (19) أما إذا لم يقعد على رأس كل ركعتين ففيه اختلاف المذاهب؛ فانظره تحت الخط (20) ، ويندب لمن يصلي التراويح أن يجلس بدون صلاة للاستراحة، وفي ذلك الجلوس تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (21) ويجلس بعد كل أربع ركعات للاستراحة. هكذا كان يفعل الصحابة رضوان الله عليهم، ولهذا سميت تراويح. حكم قراءة القرآن كله في صلاة التراويح وحكم النية فيها، وما يتعلق بذلك تسن قراءة القرآن بتمامه فيها بحيث يختمه آخر ليلة من الشهر، إلا إذا تضرر المقتدون به، فالأفضل أن يراعي حالهم، بشرط أن لا يسرع إسراعاً مخلاً بالصلاة، وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (22) ، وكل ركعتين منها صلاة مستقلة؛ فينوي في أولها ويدعو بدعاء الافتتاح بعد تكبيرة الإحرام، وقبل القراءة عند من يقول به، أما من لا يقول به، وهم المالكية، فانظر تحت الخط (23) ، ويزيد على التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا، والأفضل أن يصلي من قيام عند القدرة، فإن صلاها من جلوس صحت، وخالف الأولى، ويكره أن يؤخر المقتدي القيام إلى ركوع الإمام، لما فيه من إظهار الكسل في الصلاة؛ والأفضل صلاتها في المسجد، لأن كل ما شرعت فيه الجماعة فعله بالمسجد أفضل، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (24) . __________ (1) الحنفية قالوا: إذا كان يصلي الفرض إماماً فإنه يكره له أن ينتقل من مكانه لصلاة النفل، أما المأموم فإن له أن يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفرض، وله أن ينتقل منه بدون كراهة، ولكن الأحسن للمأموم أن ينتقل من مكانه. الشافعية قالوا: يسن لمصلي الفرض أن ينتقل من مكانه بعد الفراغ منه لصلاة النفل. فإذا لم يتيسر له الانتقال لزحام ونحوه فإنه يسن له أن يتكلم بكلمة خارجة عن أعمال الصلاة، كأن يقول: أنهيت صلاة الفريضة، ونحو ذلك، ثم يشرع في صلاة النافلة التي يريدها. المالكية قالوا: إذا كان يصلي النوافل الراتبة، وهي السنن المطلوبة بعد الفرائض، فالأفضل صلاتها في المسجد، سواء صلاها في المكان الذي صلى فيه الفريضة أو انتقل إلى مكان آخر، وإذا كان يصلي نافلة غير راتبة، كصلاة الضحى، فالأفضل أن يصليها في منزله، ويستثنى من ذلك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فإنه يندب لمن كان بالمدينة أن يصلي النافلة في المكان الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمام المحراب الذي بجنب المنبر وسط المسجد، فإنه هو المكان الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم. الحنابلة قالوا: صلاة السنن الراتبة وغيرها سوى ما تشرع فيه الجماعة فعلها في البيت أفضل على كل حال. فإذا صلاها في المسجد فله أن يصليها في المكان الذي صلى فيه الفرض أو ينتقل منه إلى مكان آخر، على أن الشافعية يوافقون أيضاً على أن صلاة النافلة في البيت أفضل (2) المالكية قالوا: إن صلاة الضحى مندوبة ندباً أكيداً وليست سنة (3) المالكية قالوا: الأفضل تأخير صلاة الضحى حتى يمضي بعد طلوع الشمس مقدار ما بين دخول وقت العصر، وغروب الشمس (4) الحنفية قالوا: أكثرها ست عشرة، وإذا زاد على الأكثر في صلاة الضحى، فإما أن يكون قد نواها كلها بتسليمة واحدة، وفي هذه الحالة يجزئه ما صلاه بنية الضحى؛ وينعقد الزائد نفلاً مطلقاً، إلا أنه يكره له أن يصلي في نفل النهار زيادة على أربع ركعات بتسليمة واحدة، وإما أن يصليها مفصلة اثنتين اثنتين، أو أربعاً، وفي هذه الحالة لا كراهة في الزائد مطلقاً. المالكية قالوا: إن زاد على الثمان صح الزائد، ولا يكره على الصواب (5) المالكية، والحنفية قالوا: إن جميع النوافل إذا خرج وقتها لا تقضى، إلا ركعتي الفجر فإنهما يقضيان إلى الزوال؛ كما تقدم (6) الحنفية قالوا: تحية المسجد ركعتان، أو أربع وهي أفضل من الاثنتين؛ ولا يزيد على ذلك بنية تحية المسجد. المالكية قالوا: تحية المسجد ركعتان بدون زيادة. وقال المالكية: إن تحية المسجد مندوبة ندباً أكيداً على الراجح. وبعضهم يقول: إنها سنة. والأمر في ذلك سهل (7) المالكية قالوا: لا تطلب تحية المسجد إلا ممن دخل المسجد قاصداً الجلوس فيه: أما من قصد مجرد المرور به فإن تحية المسجد لا تطلب منه (8) الشافعية قالوا: إذا دخل محدثاً، وأمكنه التطهر في زمن قريب فإنها تطلب منه. وإلا فلا تطلب (9) المالكية قالوا: إن صادف دخلوه إقامة الصلاة للإمام الراتب، فإن تحية المسجد: لا تطلب منه: أما إن صادف دخوله صلاة جماعة بإمام غير راتب: فإنه يجوز له أن يصلي تحية المسجد (10) الشافعية، والحنابلة قالوا: إذا دخل المسجد والإمام فوق المنبر سن له تحية المسجد قبل أن يجلس بركعتين خفيفتين: ولا يزيد عليهما. فإن جلس لا يقوم لأدائهما (11) المالكية قالوا: من دخل الحرام بمكة، وكان مطالباً بالطواف ولو ندباً، أو قاصداً له فتحيته في الطواف، ومن دخل مكة لمشاهدة البيت مثلاً، ولم يكن مطالباً بالطواف، فلا يخلو إما أن يكون من أهل مكة أولا، فإن كان من أهل مكة فتحيته الركعتان، وإلا فتحيته الطواف. الحنفية قالوا: التحقيق أن تحية المسجد الحرام هي الركعتان: ولكن من دخل المسجد الحرام، وكان مطالباً بالطواف، أو قاصداً له، فإنه يقدم الطواف، ويصلي بعد ذلك ركعتي الطواف، وتحصل بهما تحية المسجد. الشافعية قالوا: من دخل المسجد الحرام وأراد الطواف طلب منه تحيتان، تحية للبيت وهي الطواف، وتحية للمسجد وهي الصلاة والأفضل أن يبدأ بالطواف، ثم يصلي بعده ركعتي الطواف، وتحصل في ضمنها تحية للمسجد. وله أن يصلي بعد الطواف أربعاً ينوي بالأوليين تحية المسجد، وبالأخريين سنة الطواف، ولا يصح العكس؛ أما إذا دخل المسجد غير مريد الطواف فلا يطلب منه إلا تحية المسجد بالصلاة. الحنابلة قالوا: إن تحية المسجد الحرام الطواف، وإن لم يكن قاصداً له (12) الحنفية قالوا: الوتر واجب، وهو ثلاث ركعات بتسليمة واحدة في آخرها، ويجب أن يقرأ في كل ركعة منها الفاتحة، وسورة أو ما يماثلها من الآيات. وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة "الأعلى". وفي الثانية سورة "الكافرون" وفي الثالثة "الإخلاص". فإذا فرغ المصلي من القراءة في الركعة الثالثة وجب عليه أنيرفع يديه. ويكبر كما يكبر للافتتاح إلا أنه لا يدعو بدعاء الافتتاح. وهو "سبحانك اللهم وبحمدك. وتبارك اسمك. وتعالى جدك. ولا إله غيرك" بل يقرأ القنوت وهو كل كلام تضمن ثناء على الله تعالى ودعاء، ولكن يسن أن يقنت بما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، ونصه: اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع، وترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، ثم يصلي على النبي وآله ويسلم"؛ ووقته من غروب الشفق إلى طلوع الفجر، فلو تركه ناسياً أو عامداً وجب عليه قضاءه، وإن طالت المدة، ويجب أن يؤخرة عن صلاة العشاء لوجوب الترتيب، فلو قدمه عليها ناسياً صح، كذا لو صلاهما على الترتيب، ثم ظهر له فساد العشاء دونه، فإنه يصح، ويعيد العشاء وحدها، لأن الترتيب يسقط بمثل هذا العذر، ولا يجوز أن يصليه قاعداً مع القدرة على القيام، كما لا يجوز أن يصليه راكباً من غير عذر، والقنوت واجب فيه. ويسن أن يقرأ سراً سواء كان إماماً، أو منفرداً، أو مأموماً، ومن لم يحسن القنوت يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة؛ وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، أو يقول: اللهم اغفر لنا ثلاث مرات، وإذا نسي القنوت، ثم تذكره حال الركوع، فلا يقنت في الركوع، ولا يعود إلى القيام، بل يسجد للسهو بعد السلام، فإن عاد إلى القيام وقنت، ولم يعد الركوع لم تفسد صلاته، وإن ركع قبل قراءة السورة والقنوت سهواً فعليه أن يرفع رأسه لقراءة السورة والقنوت،ويعيد الركوع؛ ثم يسجد للسهو؛ وإذا نسي الفاتحة وقراءة السورة والقنوت وركع فإنه يرفع رأسه؛ ويقرأ الفاتحة والسورة والقنوت؛ ويعيد الركوع؛ فإن لم يعده صحت صلاته؛ ويسجد للسهو على كل حال؛ ولا يقنت في غير الوتر إلا في النوازل، أي شدائد الدهر، فيسن له أن يقنت في الصبح، لا في كل الأوقات، على المعتمد، وأن يكون قنوته بعد الرفع من الركوع، بخلاف الوتر، وإنما يسن قنوت النوازل للإمام لا للمنفرد، وأما المأموم فإنه يتابع إمامه في قراءة القنوت، إلا إذا جهر بالقنوت، فإنه يؤمن، ولم تشرع الجماعة في صلاة الوتر إلا في وتر رمضان، فإنها تستحب، لأنه في حكم النوافل من بعض الوجوه، وإن كان واجباً، أما في غير رمضان فإن الجماعة تكره فيه إن قصد بها دعاء الناس للاجتماع فيه، أما لو اقتدى واحد بآخر، أو اثنان بواحد، أو ثلاثة بواحد، فإنه لا يكره، إذ ليس فيه دعاء للاجتماع. الحنابلة قالوا: إن الوتر سنة مؤكدة، وأقله ركعة، ولا يكره الإتيان بها، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وله أن يوتر بثلاث، وهو أقل الكمال، وبخمس، وبسبع، وبتسع، فإن أوتر بإحدى عشرة، فله أن يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة، وهذا أفضل، وله أن يصليها بسلام واحد، إما بتشهدين، أو بتشهد واحد، وذلك بأن يصلي عشراً، ويتشهد، ثم يقوم للحادية عشرة من غير سلام، فيأتي بها، ويتشهد، أو يصلي الإحدى عشراً، ويتشهد، ثم يقوم للحادية عشرة من غير سلام، فيأتي بها ويتشهد، ويسلم، وهذا أفضل، وله أن يصليها بتشهد واحد، بأن يصلي التسعة، ويتشهد ويسلم، وله أن يسلم من كل ركعتين، ويأتي بالتاسعة، ويسلم، وإن أوتر بسبع، أو بخمس، بالأفضل أن يصليه بتشهد واحد، وسلام واحد، وله أن يصليه بتشهدين بأن يجلس بعد السادسة أو الرابعة، ويتشهد، ولا يسلم، ثم يقوم فيأتي بالباقي، ويتشهد، ويسلم، وله أن يسلم من كل ركعتين، وإن أوتر بثلاث أتى بركعتين يقرأ في أولهما سورة "سبح" وفي الثانية سورة "الكافرون"، ثم يسلم، ويأتي بالثالثة، ويقرأ فيها سورة الإخلاص، ويتشهد ويسلم، وله أن يصليها بتشهدين، وسلام واحد: كالمغرب، وهذه الصورة هي أقل الصور فضلاً، ويسن له أن يقنت بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة من الوتر في جميع السنة، بلا فرق بين رمضان وغيره. والأفضل أن يقنت بالوارد، وهو: "اللهم إنا نستعينك، ونستهديك؛ ونستغفرك، ونتوب إليك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك؛ ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك. إن عذابك الجد بالكافرين ملحق": "اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيم عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت، إنك سبحانك تقضي ولا يقضي عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"؛ "اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوط من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ وله أن يصلي على الآل أيضاً، ولا بأس أن يدعو في قنوته بما يشاء غير ما تقدم من الوارد، وإن كان الوارد أفضل، ويسن أن يجهر بالقنوت إن كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فيؤمن جهراً على قنوت إمامه، كما يسن للمنفرد أن يفرد الضمائر المتقدمة في نحو "اهدنا"، ويجمع الإمام الضمير، كاللفظ الوارد، ويسن للمصلي أن يقول بعد سلامه من الوتر: سبحان الملك القدوس ثلاثاً، وأن يرفع صوته بالثالثة منها، ويكره القنوت في غير الوتر، إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون، فيسن للسلطان ونائبه أن يقنت في جميع الصلوات المكتوبة للناس، - إلا الجمعة -، بما يناسب تلك النازلة، أما الطاعون فلا يقنت له، فإذا قنت للنازلة غير السلطان ونائبه لا تبطل صلاته، سواء كان إماماً أو منفرداً، وإذا ائتم بمن يقنت في الفجر تابعه في قنوته، وأمن على دعائه إن كان يسمعه، وإن لم يسمع في هذه الحالة سن له أن يدعو بما شاء، ويجوز للمصلي أن يقنت قبل ركوع الركعة الأخيرة من الوتر، بأن يكبر، ويرفع يديه، ثم يقنت، ثم يركع، ولكن الأفضل أن يكون بعد الرفع من الركوع، كما تقدم، ويسن في حال قنوته أن يرفع يديه إلى صدره مبسوطتين، ويجعل بطونهما جهة السماء، ويمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من القنوت، ووقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، والأفضل فعله آخر الليل إن وثق من قيامه فيه، فإن لم يثق من ذلك أوتر قبل أن ينام، ويسن له قضاؤه مع شفعه إذا فات، ويسن فعله جماعة في رمضان، ويباح فعله جماعة في غير رمضان. الشافعية قالوا: الوتر سنة مؤكدة، وهو آكد السنن وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة، فلو زاد على العدد المذكور عامداً عالماً، لم تنعقد صلاته الزائدة، أما لو زاد جاهلاً أو ناسياً، فلا تبطل صلاته، بل تنعقد نفلاً مطلقاً، والاقتصار على ركعة خلاف الأولى، ويجوز لمن يصلي الوتر أكثر من ركعة واحدة أن يفعله موصولاً، بأن تكون الركعة الأخيرة متصلة بما قبلها، أو مفصولاً بأن لا تكون كذلك، فلو صلى الوتر خمس ركعات مثلاً، جاز له أن يصلي ركعتين بتسليمة، ثم يصلي الثلاثة بعدها بتسليمة، وجاز له أن يفصل، بحيث يصلي الركعة الأخيرة منفصلة عما قبلها. سواء صلى ما قبلها ركعتين ركعتين، أو أربعاً، ولا يجوز له في حالة الوصل أن يأتي بالتشهد أكثر من مرتين، والأفضل أن يصليه مفصولاً، ووقته بعد صلاة العشاء، ولو جمعت جمع تقديم مع المغرب، وينتهي إلى طلوع الفجر الصادق، ويسن تأخيره عن أول الليل لمن يثق بالانتباه آخره، كما يسن تأخيره عن صلاة الليل بحيث يختم به، وتسن فيه الجماعة في شهر رمضان، والقنوت في الركعة الأخيرة منه في النصف الثاني من ذلك الشهر، كما يسن القنوت بعد الرفع من ركوع الثانية في الصبح كل يوم، والقنوت كل كلام يشتمل عن ثناء ودعاء، ولكن يسن أن يكون مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك. وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، استغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم"، ويقول هذه الصيغة إذا كان منفرداً، فيخص نفسه بالدعاء، بأن يقول: اهدني،وعافني ... الخ، إلا كلمة ربنا في قوله: تباركت ربنا، فإنه لا يقول فيها، ربي، أما الإمام فيقوله بصيغة الجمع: اهدنا، وعافنا ... الخ، ويسن للإمام أن يجهر بالقنوت، ولو كانت صلاته قضاء، ويسن للمنفرد أن يسر به، ولو كانت صلاته أداء أما المأموم، فإنه يؤمن على دعاء الإمام، وإذا ترك المصلي شيئاً من القنوت يسجد له، ويسن قضاء الوتر إذا فات وقته، وكذا كل نفل مؤقت. هذا، ويسن أن يقنت للشدائد في جميع أوقات الصلاة، ويجهر فيه الإمام والمنفرد، ولو كانت الصلاة سرية، والمأموم يؤمن على دعاء الإمام، وإذا فات منه شيء لا يسجد له. المالكية قالوا: الوتر سنة مؤكدة، بل هو آكد السنن بعد ركعتي الطواف، والعمرة فآكد السنن على الإطلاق ركعتا الطواف الواجب ثم ركعتا الطواف غير الواجب، ثم العمرة ثم الوتر، وهو ركعة واحدة، ووصلها بالشفع مكروه، ويندب أن يقرأ فيها بعد الفاتحة سورة "الإخلاص - والمعوذتين" ويتأكد الجهر بهما، فإن زاد ركعة أخرى فلا يبطل على الصحيح وإن زاد ركعتين بطل، وله وقتان: وقت اختياري، ووقت ضروري، أما الاختياري فيبتدئ من بعد صلاة العشاء الصحيحة المؤداة بعد مغيب الشفق الأحمر، فإن صلى الوتر بعد العشاء، ثم ظهر له فسادها، أعاد الوتر بعد أن يصلي العشاءمرة أخرى، وإذا جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم وذلك للمطر، كما يأتي، أخر الوتر حتى يغيب الشفق، فلا تصح صلاتهقبله، يمتد وقته الاختياري إلى طلوع الفجر الصادق، والضروري من طلوع الفجر إلى تمام صلاة الصبح، فلو تذكر الوتر، وهو في صلاة الصبح ندب له قطعها؛ ليصلي الوتر، سواء كان إماماً، أو منفرداً. ويستخلف الإمام ما لم يخف خروج الوقت. أما إذا كان مأموماً فيجوز له القطع، ويجوز له التمادي، ومتى قطع صلاة الصبح للوتر صلى الشفع، ثم الوتر، وأعاد ركعتي الفجر لتتصلا بالصبح، ويكره تأخير الوتر إلى وقت الضرورة بلا عذر، ومتى صلى الصبح، فلا يقضي الوتر، لأن النافلة لا تقضي، إلا ركعتا الفجر، كما تقدم، ولا قنوت في الوتر، وإنما هو مندوب في صلاة الصبح فقط، كماتقدم، ويندب أن يكون قبل الركوع، فإن نسيه حتى ركع، فلا يرجع إليه، بل يؤديه بعد الركوع، وبذلك يحصل ندب الإتيان به ويفوت ندب تقديمه، فهما مندوبان كل واحد منهما مستقل، فإن رجع بطلت صلاته ويجوز مع الكراهة صلاة الوتر جالساً مع القدرة على القيام، على المعتمد، وأما الاضطجاع فيه، فلا يجوز مع القدرة على القعود، وتجوز صلاته على الدابة بالركوع والسجود مطلقاً، وبالإيماء للمسافر سفر قصر، ويكون المصلي مستقبلاً جهة السفر إلى آخر ما سيذكر في صلاة النافلة على الدابة، وتقديم الشفع على الوتر شرط كمال، فيكره فعله من غير أن يتقدمه شفع، ويندب تأخيره إلى آخر الليل لمن عادته الاستيقاظ آخره، ليختم به صلاة الليل. عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً" وغذا قدمه عقب صلاة العشاء، ثم استيقظ آخر الليل، وتنفل، كره له أن يعيد الوتر تقديماً، لحديث النهي وهو قوله صلى الله عليه وسلم، "لا وتران في ليلة" على حديث "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً" لأن الحاظر مقدم على المبيح، عند تعارضهما، وإذا استيقظ من النوم، وقد بقي على طلوع الشمس ما يسع ركعتين بعد الطهارة ترك الوتر،وصلى الصبح، وأخر ركعتي الفجر يقضيهما بعد حل النافلة للزوال، وإن بقي على طلوعها ما يسع ثلاث ركعات صلى الوتر والصبح، وترك الشفع، وأخر الفجر، كما تقدم، وأما إذا بقي ما يسع خمس ركعات فإنه يصلي الشفع، والوتر والصبح، ويؤخر الفجر، وإن اتسع الوقت لسبع ركعات صلى الجميع، ولا تطلب الجماعة في الشفع والوتر إلا في رمضان، فتندب الجماعة فيهما، كما تندب التراويح (13) المالكية قالوا: هي مندوبة ندباً أكيداً لكل مصل من رجال ونساء (14) المالكية قالوا: الجماعة فيها مندوبة. الحنفية قالوا: الجماعة فيها سنة كفاية لأهل الحي، فلو قام بها بعضهم سقط الطلب عن الباقين (15) المالكية قالوا: عدد التراويح عشرون ركعة سوى الشفع والوتر (16) المالكية قالوا: إذا جمعت العشاء مع المغرب جمع تقديم أخرت صلاة التراويح حتى يغيب الشفق، فلو صليت قبل ذلك كانت نفلاً مطلقاً ولم يسقط طلبها (17) المالكية قالوا: تصلى التراويح قبل الوتر وبعد العشاء، ويكره تأخيرها عن لوتر، لقوله عليه السلام: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً" (18) الشافعية قالوا: إن خرج وقتها قضيت مطلقاً (19) الحنفية قالوا: إذا صلى أربع ركعات بسلام واحد نابت عن ركعتين اتفاقاً، وإذا صلى أكثر من أربع بسلام واحد اختلف التصحيح فيه، فقيل: ينوب عن شفع من التراويح، وقيل: يفسد. الحنابلة قالوا: تصح مع الكراهة، وتحسب عشرين ركعة. المالكية قالوا: تصح، وتحسب عشرين ركعة، ويكون تاركاً لسنة التشهد والسلام في كل ركعتين. وذلك مكروه. الشافعية قالوا: لا تصح إلا إذا سلم بعد كل ركعتين، فإذا صلاها بسلام واحد لم تصح، سواء قعد على رأس كل ركعتين، أو لم يقعد، فلا بد عندهم من أن يصليها ركعتين ركعتين، ويسلم على رأس كل ركعتين (20) الحنفية قالوا: هذا الجلوس مندوب، ويكون بقدر الأربع ركعات، وللمصلي في هذا الجلوس أن يشتمل بذكر أو تهليل أو يسكت. المالكية قالوا: إذا أطال القيام فيها ندب له أن يجلس للاستراحة اتباعاً لفعل الصحابة وإلاّ فلا (21) الحنابلة قالوا: هذا الجلوس مندوب، ولا يكره تركه، والدعاء فيه خلاف الأولى. الشافعية قالوا: يندب هذا الجلوس اتباعاً للسلف، ولم يرد فيه ذكر (22) المالكية قالوا: يندب للإمام قراءة القرآن بتمامه في التراويح جميع الشهر، وتركذلك خلاف الأولى، إلا إذا كان لا يحفظ القرآن، ولم يوجد غيره يحفظه، أو يوجد غيره يحفظه، ولكن لا يكون على حالة مرضية بالنسبة للإمامة (23) المالكية قالوا: يكره الدعاء بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، وهو المسمى بدعاء الاستفتاح عند غيرهم، وقد تقدم بيانه غير مرة، وهو "سبحانك اللهم وبحمدك ... إلخ"، أو "وجهت وجهي ... " إلخ (24) المالكية قالوا: يندب صلاتها في البيت ولو جماعة لأنه أبعد عن الرياء بشروط ثلاثة: أن ينشط بفعلها في بيته، وأن لا يكون بأحد الحرمين المكي والمدني؛ وهو من أهل الآفاق لا من أهل مكة، ولا من أهل المدينة. وأن لا يلزم من فعلها في البيت تعطيل المساجد، وعدم صلاتها فيها رأساً فإن تخلف شرط من هذه الشروط فعلت في المسجد |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 313 الى صــــــــ322 الحلقة (51) مباحث صلاة العيدين يتعلق بصلاة العيدين مباحث: أحدها: حكمها ووقتها؛ ثانيها: دليل مشروعيتها، ثالثها: كيفيتها؛ رابعها: حكم الجماعة فيها وقضاءها إذا فاتت: خامسها: أحكام خطبة العيدين، أركانها، شروطها؛ سادسها: حكم الأذان، وإقامة الصلاة في العيدين؛ سابعها: سنن العيدين ومندوباتهما؛ ثامنها: إحياء ليلة العيدين؛ تاسعها: المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد؛ عاشرها: تكبير التشريق. حكم صلاة العيدين، ووقتهما في حكم صلاة العيدين ووقتهما تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . دليل مشروعية صلاة العيدين شرعت في السنة الأولى من الهجرة، كما رواه أبو داود عن أنس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد ابدلكما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطرة". كيفية صلاة العيدين في كيفية صلاة العيدين تفصيل المذاهب، فانظرها تحت الخط (2) . حكم الجماعة وقضائها إذا فات وقتها وفي حكم الجماعة فيها وقضائها إذا فاتته مع الإمام تفصيل، فانظره تحت الخط (3) . سنن العيدين ومندوباتهما لصلاة العيدين سنن: منها الخطبتان، وقد تقدم بيانهما؛ وتقدم أن المالكية قالوا: إنهما مندوبتان؛ ومنها أن يندب لمستتمع خطبتي العيدين أن يكبر عند تكبير الخطيب، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يحرم الكلام عندها، ولو بالذكر، عند المالكية، والحنابلة؛ أما الشافعية، فقالوا: إن الكلام مكروه أثناء خطبتي العيدين والجمعة ولو بالذكر، وأما الحنفية قالوا: لا يكره الكلام بالذكر أثناء خطبتي الجمعة والعيدين، في الأصح ويحرم بما عداه. ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى من ذكر، وصلاة، وتلاوة قرآن، ونحو ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا ليلة الفطر، وليلة الأضحى محتسباً، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"، رواه الطبراني، ويحصل الإحياء بصلاة العشاء، والصبح في جماعة؛ وقد يقال: إن الوارد في الحديث من الأجر لا يتناسب مع كون ذلك الإحياء مندوباً، لأن حياة القلوب يوم القيامة معناه الظفر برضوان الله تعالى الذي لا سخط لعده، والجواب: أن الشريعة الإسلامية قد كلفت الناس بواجبات، فمن قام بها على الوجه المطلوب للشرع فقد استحق رضوان الله تعالى بدون نزاع، ومن تركها استحق سخطه، أما ما عداها من فضائل الأعمال، فإن الشريعة رغبت فيها فاعلها بالجزاء الحسن، ومن يتركها فلا شيء عليه، وبديهي أن هذا الجزاء لا يحصل لمن لم يقم بالواجبات، فإذا ترك المكلفون صيام رمضان، وترك القادرون الحج إلى بيت الله الحرام، والصدقات المطلوبة منهم، ثم أحيوا ليلة العيد من أولها إلى آخرها لم يفدهم ذلك شيئاً. نعم إذا كان الغرض من ذلك الإقلاع عن الذنب بالتوبة الصحيحة، كان له أثر كبير، وهو محو الذنوب والآثام، لأن التوبة تمحو الكبائر باتفاق. ويندب أيضاً الغسل للعيدين بالكيفية المذكورة في صحيفة 108، وما بعدها، فارجع إليها إن شئت، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنه سنة. ويندب التطيب والتزين يوم العيد، أما النساء فلا يندب لهن ذلك إذا خرجن لصلاة العيد خشية الافتتان بهن، أما إذا لم يخرجن فيندب لهن ما ذكر، كما يندب للرجال الذين لم يصلوا العيد، لأن الزينة مطلوبة لليوم لا للصلاة، وذلك متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: إنه سنة لا مندوب. ويندب أن يلبس الرجال والنساء أحسن ما لديهم من ثياب، سواء كانت جديدة أو مستعملة، بيضاء، أو غير بيضاء باتفاق، إلا أن المالكية قالوا: يندب لبس الجديد، ولو كان غيره أحسن منه، والحنفية قالوا: لبس الجديد سنة لا مندوب. ويندب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر، وأن يكون المأكول تمراً ووتراً - ثلاثاً، أو خمساً - وأما يوم الأضحى فيندب تأخير الأكل حتى يرجع من الصلاة. ويندب أن يأكل شيئاً من الأضحية إن ضحى، فإن لم يضح خير بين الأكل قبل الخروج وبعده عند الحنابلة، والحنفية، أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) . ويندب لغير الإمام أن يبادر بالخروج إلى المصلى بعد صلاة الصبح، ولو قبل الشمس باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ، أما الإمام فيندب له تأخير الخروج إلى المصلى، بحيث إذا وصلها صلى ولا ينتظر. ويندب يوم العيد تحسين هيئته بتقليم الأظافر وإزالة الشعر والأدران (6) . ويندب أن يخرج إلى المصلى ماشياً، وأن يكبر في حال خروجه جهراً، وأن يستمر على تكبيره إلى أن تفتح الصلاة، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: الأفضل أن يكبر سراً (7) . والمالكية قالوا: يستمر على التكبير إلى مجيء الإمام. أو إلى أن يقوم إلى الصلاة، ولو لم يشرع فيها، والقولان متساويان، أما الإمام قيستمر على تكبيره إلى أن يدخل المحراب. ويندب لمن جاء إلى المصلى من طريق أن يرجع من أخرى. ويندب أيضاً أن يظهر البشاشة والفرح في وجه من يلقاه من المؤمنين، وأن يكثر من الصدقة النافلة بحسب طاقته، وأن يخرج زكاة القطر إذا كان مطالباً بها قبل صلاة العيد وبعد صلاة الصبح. المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد تؤدي صلاة العيد بالصحراء، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (8) . ومتى خرج الإمام للصلاة في الصحراء ندب له أن يستخلف غيره ليصلي بالضعفاء الذين يتضررون بالخروج إلى الصحراء لصلاة العيد بأحكام المتقدمة: لأن صلاة العيد يجوز أداؤها في موضعين (9) . مكروهات صلاة العيد يكره التنفل للإمام والمأموم قبل صلاة العيد وبعدها على تفصيل (10) . وهناك مندوبات ومكروهات أخرى زادها المالكية؛ والشافعية، والحنفية؛ فانظرها تحت الخط (11) . الأذان والإقامة غير مشروعين لصلاة العيد لا يؤذن لصلاة العيدين، ولا يقام لها، ولكن يندب أن ينادي لها بقول: "الصلاة جامعة" باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فقالوا: النداء لها بقول: "الصلاة جامعة" ونحوه مكروه أو خلاف الأولى، وبعض المالكية يقول: إن النداء بذلك لا يكره إلا إذا اعتقد أنه مطلوب. وإلا فلا كراهة. حكم خطبة العيدين خطبتا العيدين سنة باتفاق، إلا عند المالكية، فإنهم يقولون: إنهما مندوبتان لا سنة، وقد عرفت أن الحنابلة، والشافعية لا يفرقون بين المندوب والسنة، فهم مع المالكية الذين يقولون: إن الخطبتين المذكورتين مندوبتان، ومع الحنفية الذين يقولون: إنهما سنة، ومع ذلك فإن لهما أركاناً وشروطاً كخطبتي الجمعة وإليك بيان أركانهما وشروطهما. أركان خطبتي العيدين لا توجد حقيقة خطبتي العيدين إلا إذا تحققت أركانهما، هي كأركان خطبتي الجمعة إلا في الافتتاح، فإنهما يسن افتتاحهما بالتكبير، وقد ذكرنا عدد التكبير المطلوب في كيفية صلاة العيدين، فارجع إليه. أما خطبة الجمعة فإنها تفتتح بالحمد، وقد ذكرنا أركان الخطبتين عند كل مذهب تحت الخط (12) . شروط خطبتي العيدين قد ذكرنا شروط خطبتي العيدين مجملة عند كل مذهب تحت الخط (13) . __________ (1) الشافعية قالوا: هي سنة عين مؤكدة لكل من يؤمر بالصلاة، وتسن جماعة لغير الحاج، أما الحجاج فتسن لهم فرادى. المالكية قالوا: هي سنة عين مؤكدة تلي الوتر في التأكد، يخاطب بها كل من تلزمه الجمعة بشرط وقوعها جماعة مع الإمام، وتندب لمن فاتته معه، وحينئذ يقرأ فيها سراً، كما تندب لمن لم تلزمه، كالعبيد والصبيان؛ ويستثنى من ذلك الحاج، فلا يخاطب بها لقيام وقوفه بالمشعر الحرام مقامها، نعم تندب لأهل "منى" غير الحجاج وحداناً لا جماعة، لئلا يؤدي ذلك إلى صلاة الحجاج معهم. الحنفية قالوا: صلاة العيدين واجبة في الأصح على من تجب عليه الجمع بشرائطها، سواء كانت شرائط وجوب أو شرائط صحة، إلا أنه يستثنى من شرائط الصحة الخطبة، فإنها تكون قبل الصلاة في الجمعة وبعدها في العيد، ويستثنى أيضاً عدد الجماعة، فإن الجماعة في صلاة العيد تتحقق بواحد مع إمام، بخلاف الجمعة، وكذا الجماعة فإنها واجبة في العيد يأثم بتركها، وإن صحت الصلاة بخلافها في الجمعة، فإنها لا تصح إلا بالجماعة، وقد ذكرنا معنى الواجب عند الحنفية في "واجبات الصلاة" وغيرها، فارجع إليه. الحنابلة قالوا: صلاة العيد فرض كفاية على كل من تلزمه صلاة الجمعة، فلا تقام إلا حيث تقام الجمعة ما عدا الخطبة، فإنها سنة في العيد، بخلافها في الجمعة، فإنها شرط، وقد تكون صلاة العيد سنة، وذلك فيمن فاتته الصلاة مع الإمام، فإنه يسن له أن يصليها في أي وقت شاء بالصفة الآتية. الشافعية قالوا: وقتها من ابتداء طلوع الشمس، وإن لم ترتفع إلى الزوال، ويسن قضاءها بعد ذلك على صفتها الآتية. المالكية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، ولا تقضى بعد ذلك. الحنابلة قالوا: وقتها من حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس قدر رمح بعد طلوعها إلى قبيل الزوال، وإن فاتت في يومها تقضى في اليوم التالي، ولو أمكن قضاءها في اليوم الأول، وكذلك تقضى، وإن فاتت أيام لعذر، أو لغير عذر. الحنفية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، فإذا زالت الشمس وهو فيها فسدت إن حصل الزوال قبل القعود قدر التشهد، ومعنى فسادها أنها تنقلب نفلاً، أما قضاؤها إذا فاتت فسيأتي حكمه بعد. الشافعية قالوا: يسن تأخير صلاة العيدين إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح. المالكية قالوا: لا يسن تأخير صلاة العيدين عن أول وقتها (2) الحنفية قالوا: ينوي عند أداء كل من صلاة العيدين بقلبه، ويقلو بلسانه، أصلي صلاة العيد لله تعالى، فإن كان مقتدياً ينوي متابعة الإمام أيضاً، ثم يكبر للتحريم، ويضع يديه تحت سرته بالكيفية المتقدمة، ثم يقرأ الإمام والمؤتم الثناء، ثم يكبر الإمام تكبيرات الزوائد، ويتبعه المقتدون، وهي ثلاث سوى تكبيرة الإحرام والركوع، ويسكت بعد كل تكبيرة بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا يسن في أثناء السكوت ذكر، ولا بأس بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويسن أن يرفع المصلي - سواء كان إماماً أو مقتدياً - يديه عند كل تكبيرة منها، ثم إن كان إماماً يتعوذ، ويسعى سراً، ثم يقرأ جهراً الفاتحة؛ ثم سورة؛ ويندب أن تكون سورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع الإمام ويتبعه المقتدون ويسجد، فإذا قام للثانية ابتدأ بالتسمية ثم بالفاتحة ثم بالسورة، ويندب أن تكون سورة "هل أتاك"، وبعد الفراغ من قراءة السورة يكبر الإمام والقوم تكبيرات الزوائد، وهي ثلاث سوى تكبيرة الركوع، ويرفعون أيديهم عند كل تكبيرة، ثم يتم صلاته. وصلاة العيدين بهذه الكيفية أولى من زيادة التكبير على ثلاث، ومن تقديم تكبيرات الزوائد على القراءة في الركعة الثانية، فإن قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا لو كبر الإمام زيادة على الثلاث فيجب على المقتدي أن يتابعه في ذلك إلى ست عشرة تكبيرة، فإن زاد لا تلزمه المتابعة، وإذا سبق المقتدي بتكبيرات بحيث أدرك الإمام قائماً بعدها كبر للزوائد وحده قائماً، وإذا سبقه الإمام بركعة كاملة وقام بعد فراغ الإمام لإتمام صلاته قرأ أولاً ثم كبر للزوائد ثم ركع، ومن أدرك الإمام راكعاً كبر تكبيرة الإحرام، ثم تكبيرات الزوائد قائماً إن أمن مشاركته في ركوعه، وإلا كبر للإحرام قائماً، ثم ركع، ويكبر للزوائد في ركوعه من غير رفع اليدين، ولا ينتظر الفراغ من صلاة الإمام في قضاء التكبيرات، لأن الفائت من الذكر يقضى قبل فراغ الإمام؛ بخلاف الفائت من الفعل، فإنه يقضى بعد فراغه، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المقتدي تكبيراته سقط عنه ما بقي منها، لأنه إن أتمه فاتته متابعة الإمام الواجبة في الرفع من الركوع، وإن أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع فلا يأتي بالتكبير الزائد، بل يقضي الركعة التي فاتته مع تكبيرات الزوائد بعد فراغ الإمام. الشافعية قالوا: صلاة العيد ركعتان كغيرها من النوافل، سوى أن يزيد ندباً في الركعة الأولى - بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الافتتاح، وقبل التعوذ والقراءة - سبع تكبيرات، يرفع يديه إلى حذو المنكبين في كل تكبيرة؛ ويسن أن يفضل بين كل تكبيرتين منها بقدر آية معتدلة، ويستحب أن يقول في هذا الفصل سراً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويسن أن يضع يمناه على يسراه تحت صدره بين كل تكبيرتين، ويزيد في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات يفصل بين كل اثنتين منها، ويضع يمناه على يسراه حال الفصل، كما تقدم في الركعة الأولى، وهذه التكبيرات الزائدة سنة، وتسمى: هيئة، فلو ترك شيئاً منها فلا يسجد للسهو؛ وإن كره تركها؛ ولو شك في العدد بنى على الأقل، وتقديم هذه التكبيرات على التعوذ مستحب، وعلى القراءة شرط في الاعتداد بها، فلو شرع في القراءة ولو ناسياً فلا يأتي بالتكبيرات لفوات محله. والمأموم والإمام في كل ما ذكر سواء، غير أن المأموم إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية فإنه يكبر معه خمساً غير تكبيرة الإحرام؛ فإن زاد لا يتابعه، ثم يكبر في الركعة الثانية التي يقضيها بعد سلام الإمام خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، وإذا ترك الإمام تكبيرات الزوائد تابعة المأموم في تركها، فإن فعلها بطلب صلاته إذا رفع ليديه معها ثلاث مرات متوالية، لأنه فعل كثير تبطل به الصلاة، وإلا فلا تبطل، أما إذا اقتدى بإمام يكبر أقل من ذلك العدد فإنه يتابعه، والقراءة في صلاة العيدين تكون جهراً لغير الموأموم، أما التكبير فيسن الجهر فيه للجميع، ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة "ق" أو "الأعلى" أو "الكافرون" وفي الثانية "القمر" أو "الإخلاص". الحنابلة قالوا: إذا أراد أن يصلي صلاة العيد نوى صلاة ركعتين فرضاً كفائياً. ثميقرأ دعاء الاستفتاح ندبا، ثم يكبر ست تكبيرات ندباً يرفع يديه مع كل تكبيرة، سواء كان إماماً، ويندب أن يقول بين كل تكبيرتين سرأ: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على النبي وآله وسلم تسليماً، ولا يتعين ذلك، بل له أن يأتي بأي ذكر شاء؛ لأن المدوب مطلق الذكر؛ ولا يأتي بذكر بعد التكبيرة الأخيرة من تكبيرات الزوائد المذكورة؛ ثم يتعوذ؛ ثم يبسمل ويقرأ فاتحة الكتاب وسورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع ويتم الركعة؛ ثم يقوم إلى الثانية فيكبر خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويقول بين كل تكبيرتين منها ما تقدم ذكره في الركعة الأولى، ولا يشرع بعد التكبيرة الأخيرة من هذه التكبيرات الزوائد ذكر، ثم يبسمل ندباً؛ ويقرأ الفاتحة ثم سورة "الغاشية" ثم يركع ويتم صلاته، وإن أدرك المأموم إمامه بعد تكبيرات الزوائد أو بعد بعضها لم يأت به، لأنه سنة فات محلها، وإن نسي المصلي التكبير الزائدأو بعضه حتى قرأ، ثم تذكره لم يأت به لفوات محله كما لو ترك الاستفتاح أو التعوذ حتى قرأ الفاتحة، فإنه لا يعود له. المالكية قالوا: صلاة العيد ركعتان كالنوافل. سوى أنه يسن أن يراد في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام؛ وقبل القراءة ست تكبيرات، وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام. وقبل القراءة خمس تكبيرات، وتقديم هذا التكبير على القراءة مندوب، فلو أخره على القراءة صح وخالف المندوب، وإذا اقتدى شخص بإمام يزيد أو ينقص في عدد التكبير الذي ذكر، أو يؤخره عن القراءة فلا يتبعه في شيء من ذلك، ويندب موالاة التكبير إلا الإمام. فيندب له الانتظار لعد كل تكبيرة حتى يكبر المقتدون به؛ ويكون في هذا الفصل ساكتاً، ويكره أن يقول شيئاً من تسبيح أو تهليل أو غيرهما، وكل تكبيرة من هذه التكبيرات الزائدة سنة مؤكدة؛ فلو نسي شيئاً منها؛ فإن تذكره قبل أن يركع أتى به؛ وأعاد غير المأموم القراءة ندباً وسجد بعد السلام لزيادة القراءة الأولى، وإن تذكره بعد أن ركع فلا يرجع له ولا يأتي به في ركوعه، فإن رجع بطلت الصلاة، وإذا لم يرجع سجد قيل السلام لنقص التكبير: ولو كان المتروك تكبيرة واحدة؛ إلا إذا كان التارك له مقتدياً فلا يسجد؛ لأن الإمام يحمله عنه، وإذا لم يسمع المقتدي تكبيرة الإمام تحرى تكبيره وكبر وإذا دخل مع الإمام أثناء التكبير كبر معه ما بقي منه، ثم كمل بعد فراغ الإمام منه، ولا يكبر ما فاته، سواء دخل في الركعة الأولى أو الثانية، فإن كان في الأولى أتى بست تكبيرات؛ وإن كان في الثاني كبر خمساً، ثم بعد سلام الإمام يكبر في الركعة التي يقضيها ستاً غير تكبيرة القيام، أما إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة فإنه يقوم للقضاء بعد سلامه، ثم يكبر ستاً في الأولى بعد تكبير القيام ويكره رفع اليدين في هذه التكبيرات الزائدة. إنما يرفعهما عند تكبيرة الإحرام ندباً. كما في غيرها من الصلوات. ويندب الجهر بالقراءة في صلاة العيدين. كما يندب أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سروة "الأعلى" أو نحوها. وفي الركعة الثانية سورة "الشمس" أو نحوها (3) الحنفية قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، فإن فاتته مع الإمام فلا يطالب بقضائها لا في الوقت ولا بعده، فإن أحب قضاءها صلى أربع ركعات بدون تكبيرات الزوائد، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة "الأعلى"، وفي الثانية "الضحى" وفي الثالثة "الانشراح" وفي الرابعة "التين". الحنابلة قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، إلا أنه يسن لمن فاتته مع الإمام أن يقضيها في أي وقت شاء على صفتها المتقدمة. الشافعية قالوا: الجماعة فيها سنة لغير الحاج، ويسن لمن فاتته مع الإمام أن يصليها على صفتها في أي وقت شاء، فإن كان فعله لها بعد الزوال فقضاء، وإن كان قبله فأداء. المالكية قالوا: الجماعة شرط لكونها سنة، فلا تكون صلاة العيدين سنة إلا لمن أراد إيقاعها في الجماعة، ومن فاتته مع ندب الإمام له فعلها إلى الزوال، ولا تقضى بعد الزوال (4) المالكية والشافعية قالوا: يندب تأخير الأكل في عيد الأضحى مطلقاً ضحى أم لا (5) المالكية قالوا: يندب لغير الإمام أن يخرج بعد طلوع الشمس إن كان منزله قريباً من المصلى، وإلا خرج بقدر ما يدرك الصلاة مع الإمام (6) الحنابلة قالوا: يندب ذلك لكل مطالب بالصلاة، وإن لم تكن صلاة العيد (7) الحنفية قالوا: إن السنة تحصل بالتكبير مطلقاً، سواء كان سراً أو جهراً، إلا أن الأفضل يكبر سراً على المعتمد (8) المالكية قالوا: يندب فعلها بالصحراء ولا يسن، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر إلا بمكة، فالأفضل فعلها بالمسجد الحرام لشرف البقعة، ومشاهدة البيت. الحنابلة قالوا: تسن صلاة العيد بالصحراء بشرط أن تكون قريبة من البنيان عرفاً، فإن بعدت عن البنيان عرفاً، فلا تصح صلاة العيد فيها رأساً، ويكره صلاتها في المسجد بدون عذر إلا لمن بمكة، فإنهم يصلونها في المسجد الحرام، كما يقول المالكية. الشافعية قالوا: فعلها بالمسجد أفضل لشرفه إلا لعذر كضيفه؛ فيكره فيه للزحام، وحينئذ يسن الخروج للصحراء. الحنفية: لم يستثنوا مسجد مكة من المساجد التي يكره فعلها فيها؛ ووافقوا الحنابلة والمالكية فيما عدا ذلك (9) المالكية قالوا: لا يندب أن يستخلف الإمام من يصلي بالضعفاء؛ ولهم أن يصلوا، ولكن لا يجهرون بالقراءة، ولا يخطبون بعدها، بل يصلونها سراً من غير خطبة، وصلاة العيدين كالجمعة تؤدي في موضع واحد، وهو المصلى مع الإمام متى كان الشخص قادراً على الخروج لها. فمن فعلها قبل الإمام لم يأت بالسنة على الظاهر، ويسن له فعلها معه. نعم إن فاتته مع الإمام ندب له فعلها، كما تقدم (10) المالكية قالوا: يكره التنفل قبلها وبعدها إن أديت بالصحراء كما هو السنة، وأما إذا أديت بالمسجد على خلاف السنة فلا يكره التنفل لا قبلها ولا بعدها. الحنابلة قالوا: يكره التنفل قبلها بالموضع الذي تؤدي فيه، سواء المسجد أو الصحراء. الشافعية قالوا: يكره للإمام أن يتنفل قبلها بعدها، سواء كان في الصحراء أو غيرها، وأما المأموم فلا يكره له التنفل قبلها مطلقاً ولا بعدها إن كان ممن لم يسمع الخطبة لصمم أو بعد وإلا كره. الحنفية قالوا: يكره التنفل قبل صلاة العيد في المصلى وغيرها. ويكره التنفل بعدها في المصلى فقط، وأما في البيت فلا يكره (11) المالكية قالوا: يندب الجلوس في أو الخطبتين وبينهما في العيد وأما في خطبة الجمعة فيسن، ولو أحدث في أثناء خطبتي العيدين فإنه يستمر فيهما ولا يستخلف، بخلاف خطبتي الجمعة، فإنه إن أحدث فيهما يستخلف. الشافعية قالوا: إن خطبتي الجمعة يشترط لها القيام والطهارة وستر العورة، وأن يجلس بينهما قليلاً؛ بخلاف خطبتي العيدين، فلا يشترط فيهما ذلك، بل يستحب. الحنفية قالوا: يكره أن يجلس قبل الشروع في خطبة العيد الأولى، بل يشرع في الخطبة بعد الصعود، ولا يجلس، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يسن أن يجلس قبل الأولى قليلاً (12) الحنفية قالوا: خطبة العيدين كخطبة الجمعة، لها ركن واحد، وهو مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير، فيكفي لتحقيق الخطبة المذكورة تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، ولا تشترط عندهم الخطبة الثانية، بل هي سنة كما يأتي في الجمعة. المالكية قالوا: خطبتا العيدين كخطبتي الجمعة، لهما ركن واحد، وهو أن يكونا مشتملتين على تحذير أو تبشير، كما يأتي في "الجمعة". الحنابلة قالوا: أركان خطبة العيدين ثلاثة: أحدها. الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة، ثانيها: قراءة آية من كتاب الله تعالى، يلزم أن يكون لهذه الآية معنى مستقل، أو تكون مشتملة على حكم من الأحكام، فلا يكفي قوله تعالى: {مدها متان} ، ثالثها: الوصية بتقوى الله تعالى، وأقلها أن يقول: اتقوا الله، واحذروا مخالفة أمره، أو نحو ذلك. أما التكبير في افتتاح خطبة العيد فهو سنة بخلاف الجمعة، فإن افتتاحها بالحمد لله ركن من أركان الخطبة، كما يأتي. الشافعية قالوا: أركان خطبة العيدين أربعة: أحدها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في كل من الخطبتين، ولا بد من لفظ الصلاة، فلا يكفي رحم الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتعين لفظ محمد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الطاهرة، ولا يكفي الضمير في ذلك، ولو مع تقدم المرجع على المعتمد؛ ثانيها: الوصية بالتقوى في كل من الخطبتين ولو بغير لفظها، فيكفي نحو وأطيعوا الله، ولا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها في ذلك، بل لا بد من أن يحثهم الخطيب على الطاعة، ثالثها: قراءة آية من القرآن في إحدى الخطبتين، والأولى أن تكون في الخطبة الأولى، ويشترط أن تكون آية كاملة إذا كانت الآية قصيرة، أما الآية الطويلة فتكفي قراءة بعضها، وأن تكون الآية مشتملة على وعد أو وعيد أو حكم، أو تكون مشتملة على قصة أو مثل أو خبر، فلا يكفي في أداء ركن الخطبة أن يقول: "ثم نظر"، رابعها: أن يدعو الخطيب للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية، ويشترط أن يكون الدعاء بأمر أخروي كالغفران، فإن لم يحفظ فيكفي أن يدعو لهم بالأمر الدنيوي، كأن يقول: اللهم ارزق المؤمنين والمؤمنات ونحو ذلك، وأن يكون الدعاء مشتملاً على الحاضرين في نية الخطيب بأن يقصدهم مع غيرهم، فلو قصد غيرهم بالدعاء بطلت الخطبة، أما افتتاح خطبة العيدين فيسن أن تكون بالتكبير المذكور في كيفية صلاة العيدين، بخلاف افتتاح خطبة الجمعة، فلا بد أن تكون من مادة الحمد، نحو الحمد لله أو أحمد الله أو نحو ذلك، وذلك ركن من أركان خطبة الجمعة، كما ستعرفه (13) المالكية قالوا: يشترط في خطبتي العيدين أن تكونا باللغة العربية، ولو كان القوم عجماً لا يعرفونها، فإن لم يوجد فيهم أحد يحسن الخطبة سقطت عنهم الجمعة، وأن تكون الخطبتان بعد الصلاة؛ فإذا خطب قبل الصلاة فإنه يسن إعادتهما بعد الصلاة إن لم يطل الزمن عرفاً. الحنفية قالوا: يشترط لصحة الخطبة أن يحضر شخص واحد على الأقل لسماعها؛ بشرط أن يكون ممن تنعقد بهم الجمعة؛ كما يأتي بيانه في مباحث "صلاة الجمعة"، ولا يشترط أن يسمع الخطبة، فلو كان بعيداً عن الخطيب أو أصم فإن الخطبة تصح؛ ويكفي حضور المريض والمسافر؛ بخلاف الصبي والمرأة، ولا يشترط أن تكون باللغة العربية عند الحنفية؛ وكذا لا يشترط أن يخطب بعد الصلاة، وإنما يسن تأخيرهما عن الصلاة، فإن قدمهما على الصلاة، فقد خالف السنة. ولا يعيدهما بعد الصلاة أصلاً. الشافعية قالوا: يشترط لصحة الخطبة في العيدين والجمعة أن يجهر الخطيب بأركان الخطبة وحد الجهر المطلوب أن يسمع صوته أربعون شخصاً: وهم الذين لا تنعقد الجمعة بأقل منهم؛ ولا يشترط أن يسمعوا بالفعل؛ بل الشرط أن يكونوا جميعاً قريباً منه مستعدين لسماعه لصمم أو نوم أو بعيدين عنه فإن الخطبتين لا تصح لعدم السماع بالقوة؛ وكذا يشترط أن تكون الخطبتان بعد الصلاة، فإن قدمها على الصلاة فإنه لا يعتد بهما؛ ويندب له إعادتهما بعد الصلاة؛ وإن طال الزمن؛ وهذا هو رأي الحنابلة أيضاً. الحنابلة قالوا: يشترط لصحة خطبتي العيدين والجمعة أن يجهر بهما الخطيب؛ بحيث يسمعه العدد الذي تصح به الجمعة؛ وهو أربعون؛ كما يقول الشافعية، فإن لم يسمعوا أركان الخطبتين بلا مانع من نوم أو غفلة أو صمم بطلتا. أما إذا لم يسمع الأربعون بسبب خفض الصوت، أو بعدهم عنه فإنه الخطبة لا تصح، وكذا يشترط أن تكونا قبل الصلاة، كما ذكرنا آنفاً |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 323 الى صــــــــ334 الحلقة (52) التكبير عقب الصلوات الخمس أيام العيد اتفق اثنان من الأئمة على أن التكبير عقب الصلوات الخمس أيام العيد سنة، وقال الحنفية: إنه واجب لا سنة؛ وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة: وقد جرت عادتهم أن يسموا هذا التكبير تكبير التشريق؛ ومعنى التشريق تقديد اللحم في منى في هذه الأيام "وقد ذكرنا حكمته؛ وكيفيته مفصلة عند كل مذهب تحت الخط (1) . مباحث صلاة الاستسقاء يتعلق بها مباحث: أحدها: تعريف الاستسقاء لغة وشرعاً، ثانيها: كيفية صلاة الاستسقاء، ثالثها: حكمها ووقتها. رابعها: ما يستحب للإمام قبل فعلها. وإليك بيانها على هذا الترتيب:تعريف الاستسقاء وسببه معنى الاستسقاء في اللغة طلب السقيا من الله أو من الناس، فإذا احتاج أحد إلى الماء وطلبه من الآخر، فإنه يقال لذلك الطلب: استسقاء، وأما معناه في الشرع فهو طلب سقي العباد من الله تعالى عند حاجتهم إلى الماء كما إذا كانوا في موضع لا يكون لأهله أودية وأنهار وآبار يشربون منها ويسقون زرعهم ومواشيهم، أو يكون لهم ذلك ولكن الماء لا يكفيهم، فهذا معنى الاستسقاء وسببه. كيفية صلاة الاستسقاء إذا احتاج الناس إلى الماء على الوجه الذي ذكرناه فإنه يطلب من المسلمين أن يصلوا صلاة اللاستسقاء بكيفية مفصلة في المذاهب، فانظر تحت الخط (2) . حكم صلاة الاستسقاء ووقتها هي سنة مؤكدة عند الحاجة إلى الماء، فمتى احتاج الناس إلى الماء فإنه يسن لهم أن يصلوا صلاة الاستسقاء بالكيفية التي ذكرناها، ومتى صلوها على أي كيفية من الكيفيات التي ذكرناها في المذاهب المتقدمة فإنها تجزئ، ولا يلزم أن تصلي على مذهب خاص، لأن تكبيرات الزوائد نقلوا عن بعض أئمتهم أن يكبر فيها كصلاة العيدين، وهكذا؛ ولذا ذكرنا كيفيتها عند كل مذهب على حدة، ليسهل على الناس معرفتها كاملة بدون خلط، أما كونها سنة مؤكدة فقد اتفقت عليه المذاهب ما عدا الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، أما وقتها فهو الوقت الذي تباح فيه صلاة النافلة عند الحنفية، والحنابلة، وسيأتي بيان الأوقات التي تباح فيها النافلة في مبحث خاص، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (4) . هذا، وإذا تأخر نزول المطر فإنه يسن تكرار صلاة الاستسقاء على الصفة السابقة، حتى يأتي الغيث، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) . ما يستحب للإمام فعله قبل الخروج لصلاة الاستسقاء يستحب له أمور: أحدها: أن يأمر الناس قبل الخروج إلى الصلاة بالتوبة والصدقة، والخروج من المظالم باتفاق الجميع، ثانيها: أن يأمرهم بمصالحة الأعداء، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فقالوا: لا يندب له ذلك، ثالثها: أن يأمرهم بصيام ثلاثة أيام، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع مشاة في أية ساعة منه، باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف الحنابلة والمالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، رابعها: أن يخرج بهم في ثياب خلقة متذللين، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) . خامسها: أن يأمرهم بأن يخرجوا معهم الصبيان والشيوخ والعجائز والدواب، ويبعدوا الرضع عن أمهاتهم ليكثر الصياح. فيكون ذلك أقرب إلى رحمة الله عز وجل، وهذا متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، وخالف المالكية، والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط (8) . صلاة كسوف الشمس ويتعلق بها مباحث، أولها: حكمها ودليله، وحكمه مشروعيتها: ثانيها: كيفية صلاتها، ثالثها: فرضها وسننها؛ رابعها: حكم الخطبة فيها. حكمها ودليله، وحكمة مشروعيتها صلاة كسوف الشمس سنة مؤكدة، وقد ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا، حتى ينكشف ما بكم" رواه الشيخان. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى لكسوف الشمس، بحديث رواه الشيخان، كما ثبت أنه صلى لخسوف القمر، كما سيأتي، أما حكمة مشروعيتهان فإن الشمس نعمة من أكبر نعم الله تعالى التي تتوقف عليها حياة الكائنات، وظاهر أن كسوفها فيه إشعار بأنها قابلة للزوال، بل فيه إشعار بأن العالم كله في قبضة إله قدير، يمكنه أن يذهبه في لحظة، فالصلاة في هذه الحالة معناها إظهار التذلل، والخضوع لذلك الإله القوي المتين، وذلك من محاسن الإسلام، الذي جاء بالتوحيد الخالص، وترك عبادة الأوثان، ومنها الشمس والقمر وغيرهما من العوالم. كيفية صلاة كسوف الشمس اتفق ثلاثة من الأئمة على أنها ركعتان بدون زيادة، فإن فرغ منها قبل انجلائها دعا الله تعالى حتى تنجلي، ويزيد في كل ركعة منها قياماً وركوعاً، فتكون كل ركعة مشتملة على ركوعين وقيامين، وخالف الحنفية في ذلك. فانظر ممذهبهم تحت الخط (9) ، على أن الذين خالفوا الحنفية قالوا: إنه يصح أداء صلاة الكسوف بغير هذه الكيفية، فلو صلاها ركعتين، كهيئة النفل أجزأه ذلك بدون كراهة، فالفرق بينهم وبين الحنفية هو أن الحنفية يقولون: لا بد من صلاتها بركوع واحد وقيام واحد، وغيرهم يقول: يجوز أن يصليها بالكيفية المذكورة، وبغيرها، ومن قال: إنها تصلي بركوعين وقيامين، فإنه يقول: إن الفرض هو القيام الأول، والركوع الأول. أما القيام الثاني والركوع الثاني فهو مندوب على هذا. سنن صلاة الكسوف يسن أن يطيل القراءة فيقرأ في القيام الأول من الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة "البقرة" أو نحوها؛ وفي القيام الثاني منها بعد الفاتحة سورة "آل عمران" أو نحوها، ويقرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحو سورة "النساء" وفي القيام الثاني نحو سورة "المائدة" بعد الفاتحة فيهما، وهذه الكيفية متفق عليها، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) . ويسن أن يطيل الركوع والسجود في كل من الركعتين بمقادير مختلفة في المذاهب (11) فلا تدرك الركعة بالدخول مع الإمام في القيام الثاني، أو الركوع الثاني من كل ركعة، وخالف المالكية في ذلك، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) ، ولا يراعى حال المأمومين في هذه الصلاة. فيشرع التطويل فيها على ما تقدم، ولو لم يرض المأموم، باتفاق ثلاثة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ، ولا أذان لها؛ ولا إقامة، وإنما يندب أن ينادى لها بقول: "الصلاة جامعة"، يندب إسرار القراءة، إلا عند الحنابلةن فإنهم قالوا: يسن الجهر بالقراءة فيها، ويندب أن تصلى جماعة، ولا يشترط في إمامها أن يكون إمام الجمعة، أو مأذوناً من قبل السلطان؛ وخالف الحنفية في ذلك، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) ، ويندب فعلها في الجامع باتفاق ثلاثة، وقال المالكية: لا يندب فعلها في الجامع إلا إذا صلاها جماعة، أما المنفرد فله أن يصليها في أي مكان شاء. وقت صلاة الكسوف وقتها من ابتداء الكسوف إلى أن تنجلي الشمس ما لم يكن الوقت وقت نهي عن النافلة، فإذا وقع الكسوف في الأوقات التي ينهي عن النافلة فيها اقتصر على الدعاء، ولا يصلي عند الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (15) . الخطبة في صلاة الكسوف الخطبة غير مشروعة فيها، فإذا انجلت الشمس أثناء الصلاة أتمها على صفتها، فإذا غربت الشمس منكسفة فلا يصلي لها؛ أما كون الخطبة غير مشروعة، فهو متفق عليه، إلا عند الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (16) . __________ (1) الحنفية قالوا: تكبير التشريق واجب على المقيم بالمصر بشروط ثلاثة: أحدها: أن يؤدي الصلاة المفروضة في جماعة، فإن صلاها منفرداً فلا يجب عليه التكبير. ثانيها: أن تكون الجماعة من الرجال، فإذا صلت النساء جماعة خلف واحدة منهن فلا يجب عليهن التكبير. أما إذا صلت النساء خلف الرجل فإنه يجب عليهن التكبير سراً لا جهراً. أما الإمام ومن معه من الرجال فإنهم يكبرون جهراً، ولا يجب التكبير على من صلى منفرداً أو صلى صلاة غير مفروضة، ثالثها: أن يكون مقيماً، فلا يجب التكبير على المسافر، رابعها: أن يكون بالمصر، فلا يجب على المقيم بالقرى، ويبتدئ وقته عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة، وينتهي عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو اليوم الرابع من أيام العيد، وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي تلي العيد، ولفظه هو أن يقول مرة واحدة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، وله أن يزيد الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، إلى آخر الصيغة المشهورة، وينبغي أن يكون متصلاً بالسلام حتى لو تكلم أو أحدث بعد السلام متعمداً سقط عنه التكبير ويأثم، فلو سبقه حدث بعد السلام فهو مخير إن شاء كبر في الحال لعدم اشتراط الطهارة فيه، وإن شاء توضأ وأتى به، ولا يكبر عقب صلاة الوتر ولا صلاة العيد، وإذا فاتته صلاة من الصلوات التي يجب عليه أن يكبر عقبها فإنه يجب عليه أن يقضي التكبير تبعاً لها، ولو قضاها في غير أيام التشريق وأما إذا قضى فائتة لا يجب عليه التكبير عقبها في أيام التشريق، فإنه لا يكبر عقبها، وإذا ترك الإمام التكبير يكبر المقتدي، ولكن بعد أن يفصل الإمام بين الصلاة والتكبير بفاصل يقطع البناء على صلاته، كالخروج من المسجد، والحدث العمد والكلام، فإن جلس الإمام بعد الصلاة في مكانه بدون كلام وحدث فلا يكبر المأموم. الحنابلة قالوا: يسن التكبير عقب كل صلاة مفروضة أديت في جماعة، ويبتدئ وقته من صلاة صبح يوم عرفة إذا كان المصلي غير محرم، ومن ظهر يوم النحر إذا كان محرماً، وينتهي فيهما بعصر آخر أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم العيد، ولا فرق في ذلك بين المقيم والمسافر، والذكر والأنثى، ولا بين الصلاة الحاضرة والصلاة المقضية في أيام التشريق، بشرط أن تكون من عام هذا العيد، فلا يسن التكبير عقب صلاة النوافل، ولا الفرائض إذا أديت فرادى، وصفته أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد يجزئ في تحصيل السنة أن يقول ما ذكره مرة واحدة، وإن كرره ثلاث مرات فلا بأس، وإذا فاتته صلاة من هذه الصلوات التي يطلب التكبير بعدها وقضاها بعد أيام التشريق فلا يكبر عقب قضائها، ويكبر المأموم إذا نسيه إمامه، ومن عليه سجود بعد السلام، فإنه يؤخره عن السجود، والمسبوق يكبر بعد الفراغ من قضاء ما فاته وبعد السلام، وهذا التكبير يسمى المقيد وعندهم أيضاً تكبير مطلق، وهو بالنسبة لعيد الفطر من أول ليلته إلى الفراغ من الخطبة، وبالنسبة لعيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى الفراغ من خطبتي العيد، ويسن الجهر بالتكبير مطلقاً أو مقيداً لغير أنثى. المالكية قالوا: يندب لكل مصل ولو كان مسافراً أو صبياً أو امرأة أنيكبر عقب خمس عشرة فريضة، سواء صلاها وحده أو جماعة، وسواء كان من أهل الأمصار أو غيرها، ويبتدئ عقب صلاة الظهر يوم العيد، وينتهي بصلاة الصبح من اليوم الرابع، وهو آخر أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التالية ليوم العيد، ويكره أن يكبر عقب النافلة، وعقب الصلاة الفائتة، سواء كانت من أيام التشريق أو من غيرها، ويكون التكبير عقب الصلاة، كما تقدم، فيقدمه على الذكر الوارد بعد الصلاة، كقراءة آية الكرسي والتسبيح ونحوه، إلا أنه إذا ترتب عليه سجود بعدي أخره عنه لأن السجود البعدي ملحق بالصلاة، وإذا ترك التكبير عمداً أو سهواً فإنه يأتي به إن قرب الفصل عراً، وإذا ترك الإمام التكبير كبر المقتدي، ولقظ التكبير "الله أكبر الله أكبر" لا غير على المعتمد، والمرأة تسمع نفسها في التكبير فقط، وأما الرجل فيسمع نفسه ومن يليه. الشافعية قالوا: التكبير المذكور سنة بعد الصلاة المفروضة، سواء صليت جماعة أو لا، وسواء كبر الإمام أم لا؛ وبعد النافلة وصلاة الجنازة، وكذا يسن بعد الفائتة التي تقضي في أيام التكبير، ووقته لغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم العيد، أما الحاج فإنه يكبر من ظهر يوم النحر إلى غروب آخر أيام التشريق، ولا يشترط أن يكون متصلاً بالسلام. فلو فصل بين الفراغ من الصلاة والتكبير فاصل عمداً أو سهواً كبر، وإن طال الفصل ولا يسقط بالفصل؛ وأحسن ألفاظه أن يقول: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً" وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله؛ ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم صلي على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً" ويسمى التكبير عقب الصلوات بهذه الصيغة: التكبير المقيد، ويسن أيضاً أن يكبر جهراً في المنازل والأسواق والطرق وغير ذلك بهذه الصيغة. من وقت غروب شمس ليلتي العيدين إلى أن يدخل الإمام في صلاة العيد وإذا صلى منفرداً فإنه يكبر إلى أن يحرم بصلاة العيدين، أما إذا لم يصل العيدين، فإنه يكبر إلى الزوال، سواء كان رجلاً أو امرأة، إلا أن المرأة لا ترفع صوتها بالتكبير مع غير محارمها من الرجال، ويسمى ذلك التكبير بالتكبير المطلق، ويقدم التكبير المقيد على الذكر الوارد عقب الصلاة، بخلاف المطلق، فإنه يؤخر عنها (2) الشافعية قالوا: صلاة الاستسقاء ركعتان تؤديان في جماعة، ويشترط أن يكون الإمام حاكم المسلمين الأعلى أو نائبه، فإن لم يوجد فإنه يصلي بهم رئيسهم الذي له نفوذ وشوكة، وكيفيتها كصلاة العيدين، فيكبر الإمام ومن خلفه من المأمومين في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، ويكبران في الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، ويرفع يديه حذو منكبيه عند كل تكبيرة، ثم يتعوذ؛ ثم يأتي بدعاء الافتتاح، ويستحب أن يفصل بين كل تكبيرتين بقدر آية معتدلة، وأن يأتي بذكر بينهما سراً ثم يقرأ جهراً، ويستحب بعد الفاتحة أن يقرأ في الركعة الأولى سورة "ق" أو "سبح اسم ربك الأعلى" وفي الثانية "اقتربت الساعة" أو "هل أتاك حديث الغاشية" قياساً على الوارد في صلاة العيدين، وبعد الفراغ من صلاة الركعتين يندب أن يخطب خطبتين كخطبتي العيدين، إلا أنه لا يكبر في الخطبتين، بل يستغفر الله قبل الشروع في الخطبة الأولى تسع مرات، وفي الخطبة الثانية تسع مرات، وصيغة الاستغفار الكاملة هي أن يقول: "استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا الله الحي القيوم وأتوب إليه" ولو قال استغفر الله، فإنه يكفي، ويندب أن يحول الخطيب رداءه - ولو كان شالاً أو عباءة - وكيفية التحويل أن يجعل يمينه يساره، ويجعل أعلاه أسفله، فيمسك بيده اليمنى طرف ردائه الأسفل من جهة يساره، ويجعله على عاتقه الأيمن، ويمسك بيده اليسرى طرف ردائه الأيمن، ويجعله على عاتقه الأيسر، ويفعل ذلك بعد مضي ثلث الخطبة الثانية، فإذا فرغ من ثلث الخطبة الثانية فإنه يسن له أن يستقبل القبلة ثم يحول رداءه بالكيفية التي ذكرناها، ويكره له أن يترك التحويل، ومتى حول الإمام رداءه فإنه يسن للمأمومين الحالسين أن يحولوا أرديتهم وهم جلوس، كما فعل الإمام، ويسن أن يكثر من الدعاء سراً وجهراً، كما يسن أن يكثر في افتتاح دعائه الكرب، وهو: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم" وكذا يسن للخطيب أن يكثر من الاستغفار، ويقرأ قوله تعالى: {استغفروا ربكم أنهاراً} ويدعو في خطبته بدعاء الني صلى الله عليه وسلم؛ وهو "اللهم اجعلها رحمة لا سقيا عذاب، ولا محق، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق؛ اللهم على الزراب - التلال الصغيرة - ومنابت الشجر، وبطون الأودية، اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً - منقذاً من الشدة - هنيئاً مريئاً مريعاً - ذا ريع وخصب - سحاً - شديد الوقع على الأرض عاماً؛ غدقاً، طبقاً، مجللاً، دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من الجهد والجوع والضنك مالا نشكو إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً". الحنفية قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء مختلف فيها، فمنهم من قال: إنها دعاء واستغفار بدون صلاة، وذلك بأن يدعو الإمام قائماً مستقبل القبلة، رافعاً يديه والناس قعود، مستقبلين القبلة يؤمنون على دعائه، وهو: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، مريئاً مريعاً، غدقاً، مجللاً، سحاً طبقاً؛ دائماً"، وما أشبه ذلك من الدعاء سراً وجهراً، وهذا القول غير راجح، بل القول الراجح هو أن يصلي للاستسقاء ركعتين، كما يقول غيرهم من الأئمة، غايته أنهم يقولون، إنها مندوبة، وغيرهم يقولون: إنها سنة، كما ستعرفه في بيان حكمها، وكيفيتها، كصلات العيدين، إلا أنه لا يكبر لها تكبيرات الزوائد، بل يقتصر على التكبيرات المطلوبة للصلاة، وبعد الفراغ من الصلاة يخطب الإمام، أو نائبه خطبتين، كالعيد، إلا أنه يقف على الأرض وبيده قوس، أو سيف أو عصا، ويقلب الإمام رداءه بعد أن يمضي جزء من خطبته الأولى، فإن كان مربعاً جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه، وإن كان مدوراً جعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، وإن كان مبطناً - كالبالطو - جعل باطنه خارجاً؛ وظاهره داخلاً. أما الجماعة الذين يصلون معه فإنهم لا يقبلون أرديتهم باتفاق، بلى يكتفي في ذلك بالإمام. الحنابلة قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد تماماً؛ فيكبر فيها سبعاً في الركعة الأولى، وخمساً في الثانية، ويقرأ في الأولى "سبح" وفي الثانية "هل أتاك حديث الغاشية" وإن شاء قرأ "إنا أرسلنا نوحاً" في الركعة الأولى، وقرأ في الثانية ما يشاء، ثم يخطب خطبة واحدة لا خطبتين، يجلس قبلها إذا صعد المنبر جلسة الاستراحة، ثم يفتتحها بالتكبير تسعاً، كخطبة العيد، ويكثر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر فيها الاستغفار، ويقرأ فيها "استغفروا ربكم" الآية، ويسن أن يرفع يديه وقت الدعاء حتى يرى بياض إبطيه، وهو قائل، وتكون ظهور اليدين نحو السماء، وبطونهما جهة الأرض، ويؤمن المأمومون على دعائه؛ ويرفعون أيديهم كالإمام وهم جالسون، ويصح بكل ما يراه، ولكن الأفضل الدعاء بالوارد وهو "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً - منقذا من الشدة - هنيئاً - حاصل بلا مشقة، مريئاً - محمود العاقبة - مريعاً - كثير النبات - غدقاً - بفتح الدال وكسرها، ومعناه كثيراً - مجللاً - المجلل السحاب الذي يعم البلاد نفعه - سحاً - سائلاً من فوق إلى أسفل عاماً، طبقاً - بفتح الطاء والباء؛ وهو الذي طبق البلا مطره - دائماً، نافعاً غير ضار؛ عاجلاً غير آجل، اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت. اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم؛ ولا غرق، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء - الشدة - والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم أنبت لنا الزرع؛ وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء، وانزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء ع لينا مدراراً. وإذا دعا الإمام أمن المستمعون، ويستحب أن يستقبل الإمام القبلة أثناء الخطبة ثم يحول رداءه، فيجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ويفعل المأمومون مثل فعله فيحولون أرديتهم، ويتركون الرداء محولاً، حتى ينزعوه مع ثيابهم، ويدعو سراً حال استقبال القبلة لنزع الرداء فيقول: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد فإذا فرغ من ذلك الدعاء استقبلهم ثانياً وحثهم على الصدقة والخير، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ ما تيسر من القرآن، ثم يقول: أستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، وبذلك ينتهي من خطبته، ولا يشترط لصلاة الاستسقاء أذان، كما لا يشترط الأذان لخطبتها، وينادي لها بقول: الصلاة جامعة، ويفعلها المسافر وسكان القرى؛ ويخطب بهم أحدهم. المالكية قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء كصلاة العيدين، إلا أنه لا يكبر فيها إلا التكبير المعتاد في الصلوات الأخرى، فلا يزيد التكبيرات المطلوبة في العيدين، وفاقاً للحنفية، وخلافاً للشافعية، والحنابلة، ويخطب فيها خطبتين، فإذا فرغ الإمام من الخطبة الثانية ندب له أن يستقبل القبلة، فيجعل ظهره للناس، ثم يقلب رداءه من خلفه، فيجعل ما على عاتقه الأيسر على عاتقه الأيمن، وبالعطس، ولا يجعل أسفل الرداء أعلاه، ولا أعلى الرداء أسفله، ويندب للرجال الذين يصلون خلفه أن يقلبوا أرديتهم وهم جلوس، بخلاف النساء، ثم يدعو الإمام برفع ما نزل بالناس ويطيل في الدعاء، ويندب الدعاء بالوارد، ومنه ما جاء في خبر الموطأ وهو: كان صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: "اللهم اسق عبادك وبهيمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت". المالكية: متفقون مع الشافعية، والحنابلة على أنها سنة مؤكدة تلي صلاة العيد في التأكد للرجال إذا أديت جماعة ولكنها تندب لمن فاتته مع الإمام، كما تندب للصبي المميز؛ وللمرأة المسنة. أما الشابة فإنه يكره لها الخروج لصلاة الاستسقاء، وإن خيفت الفتنة بخروجها، فإنه يحرم عليها الخروج (3) الحنفية قالوا: الصحيح أنها مندوبة؛ نعم قد ثبت طلبها بالكتاب والسنة، ولكن الثابت بهما هو الاستغفار، والحمد لله، والثناء عليه، والدعاء، أما الصلاة فإنها لم ترد فيها أحاديث صحيحة، على أنه لا خلاف عندهم في أنها مشروعة للمنفرد بدون جماعة، لأنها نفل مطلق، أما ما ورد في الكتاب الكريم فهو قوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً} وشرع منقبلنا شرع لنا إذا قصه الله ورسوله من غير إنكار، وقد رويت أحاديث صحيحة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فدعا الله تعالى، ومما يناسب المقام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استسقى به وهو صغير، فقد ورد أن أهل مكة أصابهم قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجب العيال. فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام، كأنه شمس تجلت عنها سحابة قتماء، وحول أغيلمة فأخذه أبو طالب، وألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا؛ وهنا؛ واغدودق؛ وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي؛ وفي ذلك يقول أبو طالب: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه؟؟ ثمال اليتامى عصمة للأرامل أخرجه ابن عساكر (4) المالكية قالوا: وقتها كالعيد من حل النافلة بعد طلوع الشمس إلى زوالها. الشافعية قالوا: تصح ولو في أوقات النهي عن النافلة؛ لأنها صلاة ذات سبب (5) الحنفية قالوا: إن تكرار صلاة الاستسقاء مندوب لا سنة، كما تقدم، ولا تكرار إلا في ثلاثة أيام متتالية بدون زيادة (6) الحنابلة قالوا: لا يندب أن يخرج بهم في اليوم الرابع؛ بل يندب الخروج مع الإمام في اليوم الذي يعينه. المالكية قالوا: يندب الخروج في ضحى اليوم الرابع، إلا من بعدت داره، فإنه يخرج في الوقت الذي يمكنه من إدراك صلاتها مع الإمام (7) الحنابلة قالوا: يخرجون لصلاة الاستسقاء بثياب الزينة، كصلاة العيد (8) المالكية قالوا: المندوب هو إخراج الصبيان المميزين الذين تصح صلاتهم، أما غيرهم من الأطفال فإنه يكره إخراجهم، كما يكره إخراج البهائم. الحنابلة قالوا: يسن خروج الصبيان المميزين، كما يقول المالكية أما غيرهم فإنه يباح إخراجهم كالبهائم والعجائز (9) الحنفية قالوا: صلاة الكسوف لا تصح بركوعين وقيامين، بل لا بد من قيام واحد، وركوع واحد كهيئة النفل بلا فرق، على أنهم قالوا: أقلها ركعتان، وله أن يصلي أربعاً أو أكثر، والأفضل أن يصلي أربعاً بتسليمة واحدة أو بتسليمتين (10) الحنفية قالوا: يسن تطويل القراءة في الركعة الأولى بنحو سورة "البقرة" وفي الثانية بنحو "آل عمران" ولو خففهما، وطول الدعاء، فقد أتى بالسنة. لأن السنة عندهم استيعاب وقت الكسوف بالصلاة والدعاء، فإذا خفف أحدهما طول الآخر، ليبقى على الخشوع، والخوف إلى الانجلاء (11) الحنفية قالوا: يسن تطويل الركوع والسجود فيهما، بلا حد معين. الحنابلة قالوا: يطيل الركوعين في كل ركعة بلا حد، ولكن يسبح في الركوع الأول من الركعة الأولى بمقدار مائة آية. وفي الركوع الثاني منها بمقدار سبعين آية، ومثلها الركعة الثانية، إلا أن أفعالها تكون أقصر من أفعال الأولى، أما السجود فيسن تطويله في كل من الركعتين بحسب العرف. الشافعية قالوا: يطيل الركوع الأول من الركعة الأولى بمقدار مائة آية من سورة "البقرة" والثاني بمقدار ثمانين آية منها، ويطيل الأول من الركعة الثانية بمقدار سبعين آية منها، والثاني بمقدار خمسين آية منها، أما السجود، فإنه يطيل منه السجدة من كل ركعة بمقدار الركوع الأول منها، ويطيل السجدة الثانية من كل ركعة بمقدار الركوع الثاني منها. المالكية قالوا: يندب تطويل كل ركوع بما يقرب من قراءة السورة التي قبله، فيطول الركوع الأول بما يقرب من قراءة سورة "البقرة" والثاني بما يقرب من قراءة سورة "آل عمران" وهكذا؛ أما السجود في كل ركعة، فيندب تطويله، كالركوع الذي قبله، والسجدة الثانية تكون أقصر من الأولى، قريباً منها، ويندب أن يسبح في ركوعه وسجوده (12) المالكية قالوا: الفرض في كل ركعة هو قيامها وركوعها الأخيران، والسنة هو الأولان، فلو دخل مع الإمام في القيام الثاني في إحدى الركعتين فقد أدرك الركعة (13) المالكية قالوا: إنما يشرع التطويل فيها على الصفة المتقدمة ما لم يتضرر المأمومون أو يخش خروج وقتها الذي هو من حل النافلة إلى زوال الشمس (14) الحنفية قالوا: يشترط في إمامها أن يكون إمام الجمعة على الصحيح، فإن لم يوجد فلا بد من إذن السلطان، فإن لم يمكن ذلك صليت فرادى في المنازل (15) الشافعية قالوا: متى تيقن كسوف الشمس سن له أن يصلي هذه الصلاة. ولو في وقت النهي، لأنها صلاة ذات سبب. المالكية قالوا: وقتها من حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس بعد طلوعها قدر رمح إلى الزوال فلا تصلي قبل هذا الوقت، ولا بعده (16) الشافعية قالوا: يسن لها خطبتان لجماعة الرجال - كالعيد - بعد صلاتها، ولو انجلت الشمس، ويبدل التكبير بالاستغفار، لأنه هو المناسب للحال، ولا يشترط فيهما من شروط خطبتي الجمعة إلا أن يسمع الناس، وكونها باللغة العربية، وكون الخطيب ذكراً. المالكية قالوا: إذا انجلت الشمس بتمامها أثناء الصلاة، فإن كان ذلك قبل إتمام ركعة بسجدتيها أتمها كالنوافل من غير زيادة القيام، والركوع في كل ركعة، ومن غير تطويل، أما إذا كان ذلك بعد تمام ركعة بسجدتيها، فقيل: يتمها على هيئتها بزيادة القيام والركوع، ولكن من غير تطويل، وقيل: يتمها كالنوافل، والقولان متساويان. الحنفية قالوا: صلاة خسوف القمر كصلاة كسوف الشمس، إلا أنها مندوبة ولا تشرع فيها الجماعة، ولا يسن إيقاعها في الجامع بل تؤدي في المنازل وحداناً. الشافعية قالوا: صلاة الخسوف كصلاة الكسوف، إلا في أمرين: أحدهما: الجهر بالقراءة في الخسوف دون الكسوف، ثانيهما: إن صلاة الكسوف تفوت بغروب الشمس كاسفة. بخلاف القمر، فإنه إذا غرب خاسفاً فعلت صلاته إلى أن تطلع الشمس، وإذا فاته كل من صلاة الكسوف والخسوف لم يقض |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 334 الى صــــــــ343 الحلقة (53) صلاة خسوف القمر، والصلاة عند الفزع وأما صلاة خسوف القمر، فحكمها وصفتها، كصلاة كسوف الشمس المتقدمة، إلا في أمور مفصلة في المذاهب (1) ، وأما الصلاة عند الفزع فهي مندوبة، فندب أن يصلي ركعتين عند الفزع من الزلازل أو الصواعق أو الظلمة والريح الشديدين، أو الوباء، أو نحو ذلك من الأهوال، لأنها آيات من الله تعالى يخوف بها عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعوا إلى طاعته، فعند وقعها ينبغي الرجوه إليه تعالى بالعبادة التي يدور عليها أمر سعادتهم في الدنيا والآخرة، وهي كالنوافل المطلقة فلا جماعة لها ولا خطبة، ولا يسن فعلها في المسجد بل الأفضل فيها أن تؤدي بالمنازل، وهذا متفق عليه عند المالكية، والحنفية. أما الحنابلة فقالوا: لا تندب الصلاة لشيء من الأشياء المذكورة إلا للزلازل إذا دامت فيصلي لها ركعتان كصلاة الكسوف، وأما الشافعية فلم يذكروا أن الصلاة مندوبة لشيء من هذه الأمور. الأوقات التي نهى الشارع عن الصلاة فيها تقدم في مباحث أوقات الصلاة الخمس المفروضة أن للصلوات أوقاتاً تؤدي فيها. بحيث لو تأخرت عنها كان المصلي آثماً إذا فعلها في وقت الحرمة، وفاعلاً للمكروه إذا صلاها في وقت الكراهة، ولكن اتفق ثلاثة من الأئمة على أن الصلاة تكون صحيحة متى وقعت بعد دخول وقتها، وخالف الحنفية في ثلاثة من الأئمة على أن الصلاة تكون صحيحة متى وقعت بعد دخول وقتها، وخالف الحنفية في ثلاثة أوقات، فقالوا: إن الصلاة المفروضة لا تنعقد فيها أصلاً، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وأما صلاة النافلة فقد اختلفت آراء المذاهب في أوقاتها المنهي عن صلاتها فيها، فانظرها تحت الخط (3) . قضاء النافلة إذا فات وقتها أو فسدت بعد الشروع إذا فاتت النافلة فلا تقضى إلا ركعتي الفجر، فإنهما يقضيان من وقت حل النافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال، على التفصيل المتقدم، باتفاق الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (4) . وإذا شرع في النفل ثم أفسده فلا يجب عليه قضاؤه، لأنه لا يتعين بالشروع فيه، باتفاق الشافعية والحنابلة، وخالف المالكية؛ والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) . هل تصلي النافلة في المنزل أو في المسجد؟ صلاة النافلة في المنزل أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، رواه البخاري؛ ومسلم ويستثنى النافلة التي شرعت لها الجماعة كالتراويح؛ فإن فعلها في المسجد أفضل على التفصيل المتقدم في مبحثها. صلاة النفل على الدابة وتجوز صلاة النافلة على الدابة بلا عذر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (6) . مباحث الجمعة يتعلق بها مباحث: أحدها: حكمها ودليله: ثانيها: وقتها، ثالثها: متى يجب السعي لصلاة الجمعة، رابعها: شروطها، خامسها: شرح بعض هذه الشروط، وهي حكم حضور النسار الجمعة، حكم تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة في البلد الواحد، الجماعة التي تصح بها الجمعة، الخطبة - أركانها - شروطها - سننها - مكروهاتها - الكلام حال الخطبة وعند خروج الخطيب من خلوته وجلوسه على المنبر - الترقية بين يدي الخطيب، سادسها: بيان ما لا يجوز فعله يوم الجمعة في المسجد أو يره، كتخطي رقاب الناس في المسجد، وعدم جواز السفر يومها، سابعها: هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة؛ ثامنها: هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر جماعة؛ تاسعها: بيان حكم من أدرك إمام الجمعة في بعض الصلاة؛ عاشرها: مندوبات صلاة الجمعة، وإليك بيان هذه المباحث بالتفصيل. حكم الجمعة، ودليله صلاة الجمعة فرض على كل من استكملت فيه الشروط الآتي بيانها، وهي ركعتان، لما روي عن عمر رضي الله عنه عنه أنه قال: "صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد والنسائي، وابن ماجة بإسناد حسن، وهي فرض عين على كل مكلف قادر مستكمل لشروطها، وليست بدلاً عن الظهر فإذا لم يدركها فرض عليه صلاة الظهر أربع ركعات، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والاجماع؛ أما الكتاب فقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع} ، وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفوا عن الجمعة بيوتهم" رواه مسلم، وقد انعقد الاجماع على أن الجمعة فرض عين. وقت الجمعة، ودليله وقت الجمعة وهو وقت الظهر، من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الاستواء، كما تقدم بيانه في مبحث "أوقات الصلاة" فلا تصح الجمعة قبل هذا الوقت، ولا بعده باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف الحنابلة، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) وإذا خرج الوقت وهم في صلاة الجمعة، ففي حكم صلاتهم خلاف في المذاهب، فانظره تحت الخط (8) ، أما دليل وقتها فهو ما رواه البخاري في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس، وأخرج مسلم عن سلمة بن الأكوع، قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء (الظل) . متى يجب السعي لصلاة الجمعة، ويحرم البيع؟، الأذان الثاني يجب السعي لصلاة الجمعة على من تجب عليه الجمعة إذا نودي لها بالأذان الذين بين يدي الخطيب، ويحرم البيع في هذه الحالة لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع} فقد أمر الله تعالى بالسعي إلى الصلاة عند النداء، ولم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى هذا الأذان، فكان إذا صعد صلى الله عليه وسلم المنبر أذن المؤذن بين يديه، وقد روى ذلك البخاري، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وقد زاد عثمان رضي الله عنه نداء قبل هذا عندما كثر الناس، روي عن السائب بن يزيد، قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر. فلما كان زمن عثمان، وكثر الناس، زاد النداء الثاني على الزوراء، وفي رواية زاد الأذان الثالث ولكن المراد به هنا الأذان، وإنما سماه ثالثاً لأن الإقامة تسمى أذاناً؛ ومما لا ريب فيه أن زيادة هذا الأذان مشروعة، لأن الغرض منه الإعلام، فلما كثر الناس كان إعلامهم بوقت الصلاة مطلوباً، وسيدنا عثمان من كبار الصحابة المجتهدين الذين عرفوا قواعد الدين ونقلوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أنه يجب على المكلف بالجمعة أن يسعى إليها متى سمع النداء الذي بين يدي الخطيب، لأنه هو المقصود بالآية الكريمة، وخالف الحنفية فقالوا: متى سمع أذان الجمعة بعد زوال الشمس فإنه يجب عليه أن يسعى، فالأذان المعروف الآن على المئذنة ونحوها يوجب السعي إلى الصلاة، لأنه نداء مشروع، والآية عامة، فلم تخصه بالأذان الذي بين يدي الخطيب، كما يقول الثلاثة. أما البيع فقد اتفق الحنفية، والشافعية على أنه حرام عند أذان الجمعة. وإن كان صحيحاً، إلا أن الشافعية أرادوا الأذان الذين بين يدي الخطيب، والحنفية، أرادوا الأذان الذي قبله إلى انتهاء الصلاة، أما المالكية، والحنابلة؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (9) . هذا حكم من تجب عليهم الجمعة، أما من لا تجب عليهم فإنه لا يجب عليهم السعي، ولا يحرم عليهم البيع، فإن كان أحد المتعاقدين يلزمه، والآخر لا يلزمه، فإنه يحرم عليهما معاً، وذلك لأن من لا تجب عليه أعان من تجب عليه على المعصية. ومن هذا تعلم أنه لا يجب السعي، ولا يحرم البيع قبل الأذان المذكور على الخلاف المتقدم؛ نعم يجب السعي على من كانت داره بعيده عن المسجد بقدر ما يدرك به أداء الفريض. __________ (1) المالكية قالوا: صلاة خسوف القمر مندوبة لا سنة على المعتمد، بخلاف الكسوف فإنها سنة، كما تقدم، وصفتها كالنوافل بلا تطويل في القراءة، وبدون زيادة القيام والركوع؛ ويندب الجهر فيها بالقراءة، ووقتها من ابتداء الخسوف إلى انجلاء القمر، وينهى عنها في أوقات النهي عن النافلة، ويحصل المندوب بصلاة ركعتين، ويندب تكرارها حتى ينجلي القمر أو يغيب أو يطلع الفجر، بخلاف صلاة الكسوف، فإنه لا تكرر إلا إذا انجلت الشمس ثم انكسفت، ويكره إيقاعها في المسجد، كما تكره الجماعة فيها. الحنابلة قالوا: صلاة الخسوف كالكسوف، إلا أنه إذا غاب القمر خاسفاً ليلاً أديت صلاة الخسوف بخلاف الشمس، كما تقدم (2) الحنفية قالوا: إن الصلاة المفروضة لا تنعقد أصلاً في ثلاثة أوقات: أحدها: وقت طلوع الشمس إلى أن ترتفع، فلو شرع في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس قبل أن يفرغ من صلاته، بطلت صلاته؛ إلا إذا كان في الركعة الأخيرة وجلس بمقدار التشهد، فإنهم اختلفوا في هذه الحالة، فمنهم من قال تبطل، ومنهم من قال: لا، ثانيها: وقت توسط الشمس في كبد السماء إلى أن تزول، وقد تقدم معنى الزوال في مباحث "أوقات الصلاة، ثالثها: وقت احمرار الشمس حال غروبها إلى أن تغرب، إلا عصر اليوم نفسه، فإنه ينعقد، ويصح بعد احمرار الشمس المذكور عند غروبها مع الكراهة التحريمية، ومثل الصلوات المفروضة في هذا الحكم سجدة التلاوة ولكن عدم صحة سجدة التلاوة في هذه الأوقات مشروطة بوجوبها قبل دخول هذه الأوقات، بأ، سمعها مثلاً قبل طلوع الشمس، ثم سجد وقت طلوع الشمس، أما إذا سمع آية سجدة في وقت من هذه الأوقات، وسجد فإنه يصح، فلو سمع قارئاً يقرأ آية سجدة عند طلوع الشمس أو وقت توسط الشمس في كبد السماء، أو حال احمرار الشمس عند غروبها، وسجد فإن سجدته تصح، ولكن الأفضل تأخير السجدة إلى الوقت من هذه الأوقات ولم يصل عليها فلا يصح له أن يصلي عليها عند دخول هذه الأوقات، أما إذا حضرت وقت دخولها فإن الصلاة عليها تصح، بل يكره تأخير الصلاة إلى الوقت الذي تجوز فيه الصلاة، وهذا كله في الصلوات المفروضة (1) الحنفية قالوا: يكره التنفل تحريماً في أوقات، وهي: بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح، إلا سنتها فلا تكره، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس فلا يصلي في هذا الوقت نافلة، ولو سنة الفجر إذا فاتته، لأنها متى فاتت وحدها سقطت، ولا تعاد، كما تقدم، وبعد صلاة فرض العصر إلى غروب الشمس، وعند خروج الخطيب من خلوته للخطبة، سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو حج أو نكاح أو كسوف أو استسقاء، وعند إقامة المؤذن للصلاة المكتوبة، إلا سنة الفجر إذا أمن فوت الجماعة في الصبح، كما تقدم، وقبل صلاة العيد وبعدها على ما تقدم، وبين الظهر والعصر المجموعتين في عرفة جمع تقديم ولو سنة الظهر، وبين المغرب والعشاء المجموعتين في المزدلفة جمع تأخير، ولو سنة المغرب، وعند ضيق وقت المكتوبة، وإذا وقع النفل في وقت من هذه الأوقات انعقد مع الكراهة التحريميةن ويجب قطعه وأداؤه في وقت الجواز. الحنابلة قالوا: يحرم التنفل ولا ينعقد، ولو كان له سبب في أوقات ثلاثة، وهي: أولاً: من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قدر رمح إلا ركعتي الفجر، فإنها تصح في هذا الوقت قبل صلاة الصبح، وتحرم ولا تنعقد بعده؛ ثانياً: من صلاة العصر، ولو مجموعة مع الظهر جمع تقديم، إلى تمام الغروب، إلا سنة الظهر، فإنها تجوز بعد العصر المجموعة مع الظهر؛ ثالثاً: عند توسط الشمس في كبد السماء حتى نزول، ويستثنى من ذلك كله ركعتا الطواف، فإنها تصح في هذه الأوقات مع كونها نافلة، ومثلها الصلاة المعادة. بشرط أن تقام الجماعة وهو بالمسجد، فإنه يصح أن يعيد الصلاة التي صلاها مع الجماعة، وإن وقعت نافلة، وكذا تحية المسجد إذا دخل حال خطبة الإمام وقت توسط الشمس في كبد السماء فإنها تصح، وإذا شرع في صلاة النافلة قبل دخول وقت من هذه الأوقات ثم دخل الوقت وهو فيها فإنه يحرم عليه إتمامها، وإن كان صحيحة، أما صلاة الجنازة فإنها تحرم في وقت توسط الشمس في كبد السماء إلى أن تزول، وفي وقت شروعها في الغروب إلى أن يتكامل الغربو؛ وفي وقت طلوعها إلى أن تتكامل، فيحرم فعلها في هذه الأوقات، ولا تنعقد إلا لعذر فيجوز. الشافعية قالوا: تكره صلاة النافلة التي ليس لها سبب تحريماً، ولا تنعقد في خمسة أوقات، وهي: أولاً: بعد صلاة الصبح أداء إلى أن ترتفع الشمس: ثانياً: عند طلوع الشمس إلى ارتفاعها قدر رمح؛ ثالثاً: بعد صلاة العصر أداء، ولو مجموعة مع الظهر في وقته، رابعاً: عند اصفرار الشمس حتى تغرب؛ خامساً: وقت استواء الشمس في كبد السماء إلى أن تزول؛ أما الصلاة التي لها سبب متقدم عليها كتحية المسجد وسنة الوضوء، وركعتي الطواف، فإنها تصح بدون كراهة في هذه الأوقات لوجود سببها المتقدم، وهو الطواف، والوضوء، ودخول المسجد، وكذا الصلاة التي لها سبب مقارن، كصلاة الاستسقاء، والكسوف، فإنها تصح بدون كراهة أيضاً لوجود سببها المقارن، وهو القحط، وتغيب الشمس؛ أما الصلاة التي لها سبب متأخر كصلاة الاستخارة والتوبة، فإنها لا تنعقد لتأخير سببها؛ ويستثنى من ذلك الصلاة بمكة، فإنها تنعقد بلا كراهة في أي وقت من أوقات الكراهة، وإن كانت خلاف الأولى؛ ويستثنى أيضاً من وقت الاستواء يوم الجمعة، فإنه لا تحرم فيه الصلاة، نعم تحرم الصلاة مطلقاً بعد جلوس الخطيب على المنبر يوم الجمعة إلا تحية المسجد، فإنها تسن بشرط أن لا تزيد عن ركعتين، فلو قام لثالثة بطلت صلاته كلها؛ وأما خطبة غير الجمعة فتكره الصلاة فيها تنزيهاً؛ ويكره تنزيهاً التنفل عند إقامة الصلاة المفروضة غير الجمعة؛ أما هي فيحرم التنفل عند إقامتها إن ترتب عليه فوات ركوعها الثاني مع الإمام، ويجب قطع النافلة عند ذلك، وإذا شرع في النفل قبل إقامة الصلاة ثم أقيمت وهو يصليه أتمه إن لم يخش فوات الجماعة بسلام الإمام، وإلا ندب له قطعه إن لم يغلب على ظنه الحصول على جماعة أخرى. المالكية قالوا: يحرم التنفل، وهو كل ما عدا الصلوات الخمس المفروضة، كالجنازة التي لم يخف عليها التغير، وسجود التلاوة وسجود السهو، في سبع أوقات، وهي من ابتداء طلوع الشمس إلى تمامه، ومن ابتداء غروب الشمس إلى تمامه، وحال خطبة الجمعة اتفاقاً، والعيد على الراجح، وحال خروج الإمام للخطبة، وحال ضيق الوقت الاختياري، أو الضروري للصلاة المكتوبة، وحال تذكر الفائتة - إلا الوتر لخفته - لأنه يجب قضاءها بمجرد تذكرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" وحال إقامة الصلاة للإمام الراتب، لقوله عليه الصلاة والسلام: "وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ويكره ما ذكر من النفل وما ماثله مما تقدم في أوقات. الأول: بعد طلوع الفجر إلى قبيل طلوع الشمس، ويستثنى من ذلك أمور: رغيبة الفجر، فلا تكره قبل صلاة الصبح، أما بعدها فتكره، والورد، وهو ما رتبه الشخص على نفسه من الصلاة ليلاً، فلا يكره فعله بعد طلوع الفجر. بل يندب، ولكن بشروط: -1 - أن يفعله قبل صلاة الفجر والصبح، فإن صلى الصبح فات الورد، وإن تذكره في أثناء ركعتي الفجر قطعهما وصلى الورد، وإن تذكره بعد الفراغ منهما صلى الورد وأعاد الفجر، لأن الورد لا يفوت إلا بصلاة الصبح، كما تقدم 2 - أن يكون فعله قبل الاسفار؛ فإن دخل الاسفار كره فعله 3 - أن يكون معتاداً له، فإن لم يعتد التنفل في الليل كره له التنفل بعد طلوع الفجر 4 - أن يكون تأخيره بسبب غلبة النوم آخر الليل، فإن أخره كسلاً كره فعله بعد طلوع الفجر 5 - أن لا يخاف بفعله فوات صلاة الصبح في جماعة، وإلا كره الورد إن كان الشخص خارج المسجد، وحرام إن كان فيه. وكانت الجماعة للإمام الراتب، ويستثنى أيضاً من الكراهة في الوقت المذكور صلاة الشفع والوتر إذا لم يصلهما حتى طلع الفجر، فإنه يطالب بهما ما دام لم يصل الصبح إلا إذا أخر الصبح حتى بقي على طلوع الشمس مقدار صلاته فقط، فإنه يترك الشفع والوتر حينئذ ويصليه، ويستثنى أيضاً صلاة الجنازة، وسجود التلاوة إذا فعل قبل الإسفار ولو بعد صلاة الصبح. فلا تكرهان، أما بعد الإسفار فتكره صلاتهما، إلا إذا خيف على الجنازة التغير بالتأخير فلا تؤخر؛ الثاني: من أوقات الكراهة بعد تمام طلوع الشمس إلى أن ترتفع قدر رمح، وهو اثنا عشر شبراً بالشبر المتوسط، الثالث: بعد أداء فرض العصر إلى قبيل الغروب، ويستثنى من ذلك صلاة الجنازة، وسجود التلاوة إذا فعلا قبل اصفرار الشمس، أما بعد الاصفرار فتكرهان، إلا إذا خيف على الجنازة التغير، الرابع: بعد تمام غروب الشمس إلى أن تصلى المغرب، الخامس: قبل صلاة العيد أو بعدها بالمصلى، على التفصيل السابق، وإنما ينهى عن التنفل في جميع الأوقات السابقة - أوقات الحرمة والكراهة - إذا كان مقصوداً، فمتى قصد التنفل كان منهياً عنه نهي تحريم أو كراهة، على ما تقدم، ولو كان منذوراً، أو قضاء نفل أفسده، أما إذا كان النفل غير مقصود كأن شرع في فريضة وقت النهي فتذكر أن عليه فائتة بعد صلاة ركعة من الفرض الحاضر فإنه يندب أن يضم إليها ركعة أخرى، ويجعله نفلاً ولا يكره، وإذا أحرم بنفل في وقت النهي وجب عليه قطعه إن كان في أوقات الحرمة إلا من دخل المسجد والإمام يخطب، فشرع في النفل جهلاً أو نسياناً فلا يقطعه، أما إذا خرج الخطيب إلى المنبر بعد الشروع في النفل فلا يقطعه، ولو لم يعقد ركعة، بل يجب الإتمام، وندب له قطعه في أوقات الكراهة، ولا قضاء عليه فيهما (4) الشافعية قالوا: يندب قضاء النفل الذي له وقت كالنوافل التابعة للمكتوبة والضحى والعيدين، أما ما ليس له وقت فإنه لا يقضي، سواء كان له سبب، كصلاة الكسوف، أو ليس له سبب كالنفل المطلق. الحنابلة قالوا: لا يندب قضاء شيء من النوافل إلا السنن التابعة للفريضة والوتر (5) الحنفية قالوا: إذا شرع في النفل المطلوب منه ثم أفسده، لزمه قضاءه: فإن نوى ركعتين أو لم ينو عدداً، ثم أفسده، لزمه قضاء ركعتين، وكذا إن نوى أربعاً على الصحيح، ولو شرع في نفل يظنه مطلوباً منه، ثم تبين له أثناء الصلاة أنه غير مطلوب لم يلزمه قضاءه. المالكية قالوا: يجب قضاء النفل إذا أفسده فإن نوى ركعتين أو لم ينو عدداً ثم أفسده وجب عليه قضاء ركعتين. أما إذا نوى أربع ركعات، ثم أفسدها: فإن كان الافساد قبل عقد الركعة الثالثة برفع رأسه من ركوعها مطمئناً معتدلاً وجب قضاء ركعتين، وإن كان بعد عقد الركعة الثالثة بما ذكر وجب عليه قضاء أربع ركعات (6) الشافعية قالوا: صلاة النافلة على الدابة جائزة إلى الجهة التي يقصدها المسافر، ولا يجوز له الانحراف عنها إلا للقبلة، فإن انحراف لغير القبلة عالماً عامداً بطلت صلاته. وإنماتجوز بشرط السفر، ولو لم يكن سفر قصر؛ ويصليها صلاة تامة بركوع وسجود. إلا إذا الشافعية قالوا: عليه ذلك فإنه يومئ بركوعه وسجوده، بحيث يكون انحناء السجود أخفض من انحناء الركوع إن سهل، وإلا فعل ما أمكنه ويجب عليه فيها استقبال القبلة إن لم يشق عليه. فإن شُق عليه استقبالها في كل الصلاة وجب عليه أن يستقبلها عند افتتاح الصلاة بتكبيرة الإحرام، فإن شُق عليه ذلك أيضاً سقط استقبال القبلة بشروط ستة: الأول: أن يكون السفر مباحاً، الثاني: أن يقصد السفر إلى مكان لا يسمع فيه نداء الجمعة. الثالث: أن يكون السفر لغرض شرعي، كالتجارة، الرابع: دوام السفر حتى يفرغ من الصلاة التي شرع فيها، فلو قطع السفر وهو يصلي لزمه استقبالها، الخامس: دوام السير، فلو نزل أو وقف للاستراحة في أثناء الصلاة لزمه الاستقبال ما دام غير سائر السادس: ترك فعل الكثير بلا عذر، كالركض والعدو بلا حاجة في أثناء الصلاة المذكورة، أما إن كان لحاجة فلا يضر، ويجب أن يكون مكانه على الدابة طاهراً؛ بخلاف ما إذا بالت الدابة أو دمي فمها أو وطئت نجاسة رطبة: فإن كان زمامها بيده بطلت صلاته، وإلا فلا، أما إن كانت النجاسة جافة فإن فارقتها الدابة حالاً صحت الصلاة، وإلا فلا تصح، ومن جعل دابته تطأ نجاسة بطلت صلاته مطلقاً، ويجوز للمسافر أن يتنفل ماشياً، فإن كان في غير وحل لزمه إتمام الركوع والسجود والتوجه فيهما إلى القبلة، كما يجب عليه التوجه إليها عند إحرامه والجلوس بين السجدتين، ولا يمشي إلا في قيامه واعتداله من الركوع قائماً، وتشهده وسلامه كذلك، ومن كان ماشياً في نحو ثلج أو وحل أو ماء جاز له الإيماء بالركوع والسجود، إلا أنه يلزمه استقبال القبلة فيهما، والماشي إذا وطئ نجاسة عمداً في أثنائها بطلت صلاته مطلقاً، فإن وطئها سهواً صحت صلاته إن كانت جافة وفارقها حالاً، وإلا بطلت صلاته. المالكية قالوا: يجوز للمسافر سفراً تقصر فيه الصلاة - وسيأتي بيانه - أن يصلي النفل، ولو كان وتراً، على ظهر الدابة، بشرط أن يكون راكباً لها ركوباً معتاداً، وله ذلك متى وصل إلى مبدأ قصر للصلاة على الأحوط، ثم إن كان راكباً في "شقدف وتختروان" ونحوهما مما يتيسر في الركوع والسجود عادة صلى بالركوع والسجود قائماً أو جالساً إن شاء بالإيماء، ويقوم استقبال جهة السفر مقام استقبال القبلة، وإن كان راكباً لأتان ونحوها صلى بالركوع والإيماء للسجود، بشرط أن يكون الإيماء للأرض لا للسرج ونحوه، وأن يحسر عمامته عن جبهته، ولا تشترط طهارة الأرض التي يومئ لها. ولا يجب عليه استقبال القبلة أيضاً. ويكفيه استقبال جهة السفر، فلو انحرف عنها عمداً لغير ضرورة بطلت صلاته. إلا إن كان الانحراف للقبلة فتصح، لأن القبلة هي الأصل، ويندب للمسافر المذكور أن يبدأ صلاته لجهة القبلة، ولا يجب ولو تيسر، أما الماشي والمسافر سفراً لا تقصر فيه الصلاة لكونه قصيراً أو غير مباح مثلاً، وكذا راكب الدابة ركوباً غير معتاد - كالراكب مقلوباً - فلا تصح صلاته إلا بالاستقبال والركوع والسجود. ويجوز للمتنفل على الدابة أن يفعل ما لا بد منه من ضرب الدابة بسوط ونحوه، وتحريك رجله، وإمساك زمامها بيده، ولكنه لا يتكلم ولا يلتفت، وإذا شرع في الصلاة على ظهرها ثم وقف، فإن نوى إقامة تقطع حكم السفر نزل وتمم بالأرض بالركوع والسجود، وغلا خفف القراءة وأتم على ظهرها، وأما الفرض على ظهر الدابة ولو كان نفلاً منذوراً، فلا يصح إلا في الهودج ونحوه، بشرط استقبال القبلة والركوع والسجود والقيام، أما على الأتان ونحوها فلا يصح إلا لضرورة، كما تقدم في مباحث "استقبال القبلة في صلاة الفرض". الحنفية قالوا: تندب الصلاة على الدابة إلى أي جهة توجهت إليها دابته؛ فلو صلى إلى جهة غير التي توجهت إليها دابته لا تصح لعدم الضرورة، ولا يشترط في ذلك السفر، بل يتنفل المقيم بلا عذر، متى جاوز المصر إلى المحل الذي يجوز للمسافر فيه الصلاة فيه، وينبغي أن يومئ لأن الصلاة على الدابة شرعت بالإيماء، فلو سجد على شيء وضعه أو سجد على السرج اعتبر سجوده إيماء إن كان أخفض من الركوع، ولا يشترط استقبال القبلة في ابتداء الصلاة، لأنها لما جازت إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها، نعم يستحب ذلك مع عدم المشقة، ويجوز أن يحث دابته على السير بالعمل القليل، كما يجوز له أن يفتتح صلاته على الدابة، ثم ينزل عنها بالعمل القليل ويتمها بانياً على ما صلاه؛ أما إذا افتتح الصلاة وهو على الأرض، فلا يجوز له أن يتمها بانياً على ظهر الدابة، ولو افتتح صلاته خارج المصر، ثم دخل المصر أتم على الدابة، وأما صلاة الفرض والواجب وسنة الفجر، فإنها لا تجوز على الدابة إلا لضرورة، كخوف من لص أو سبع على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل، وقد تقدم بيانه في "استقبال القبلة"، ولا يمنع صحة الصلاة على الدابة نجاسة كثيرة عليها. ولو كانت في السرج والركابين في الأصح، ولا يجوز للماشي أن يتنفل ماشياً بل يقف إذا أراد التنفل، ويؤدي الصلاة تامة. الحنابلة قالوا: يجوز للمسافر سفراً مباحاً إلى جهة معينة، سواء كان سفر قصر أو لا أن يتنفل على ظهر الدابة أو على الأرض إذا كان ماشياً؛ ويجب على المتنفل على الدابة أن يركع ويسجد ويستقبل القبلة في جميع الصلاة متى أمكنه ذلك بلا مشقة. فإن شُق عليه شيء من ذلك فلا يجب، فيستقبل جهة سفره إن شُق عليه استقبال القبلة، ويومئ للركوع، أو السجود إن تعسر واحد منهما، ويلزم أن يكون الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع إن تيسر، وأما الماشي فيلزمه افتتاح الصلاة إلى جهة القبلة. وأن يركع ويسجد بالأرض إلى جهة القبلة أيضاً، ويفعل باقي الصلاة وهو ماس مستقبلاً جهة مقصده، ومن كان يتنفل على الدابة وهو ماش، وكان مستقبلاً جهة مقصده، ثم عدلت به دابته أو عدل هو عنها فإن كان العدل لجهة القبلة صحت وإن كان لغيرها، فإن كان لغير عذر بطلت صلاته مطلقاً، وإن كان لعذر وطال العدول عرفاً بطلت، وإلا فلا، ويشترط طهارة ما تحت الراكب المتنفل من برذغة ونحوها بخلاف الحيوان، فلا تشترط طهارته، أما من سافر ولم يقصد جهة معينة، وكذا من سافر سفراً مكروهاً أو محرماً فإنه يلزمه كل ما يلزم في الصلاة من استقبال القبلة وغيرها (7) الحنابلة قالوا: يبتدئ وقت الجمعة من ارتفاع الشمس قدر رمح، وينتهي بصيرورة ظل كل شيء مثله، سوى ظل الزوال، ولكن ما قبل الزوال وقت جواز يجوز فعلها فيه، وما بعد الزوال وقت وجوب يجب إيقاعها فيه، وإيقاعها فيه أفضل. المالكية قالوا: وقتها من زوال الشمس إلى غروبها، بحيث يدركها بتمامها مع الخطبة قبل الغروب، فإن علم أن الوقت الباقي إلى الغروب لا يسع إلا ركعة منها بعد الخطبة. فلا يسرع فيها، بل يصلي الظهر فإن شرع يصح (8) الحنفية قالوا: تبطل صلاتهم بخروج الوقت قبل تمامها لفوات الشرط، ولو بعد القعود قدر التشهد. الشافعية قالوا: إذا شرعوا في صلاتها، وقد بقي من الوقت ما يسعها، ولكنهم أطالوا فيها حتى خرج الوقت لم يبطل ما صلوه، بل يتمونها ظهراً بانين على صلاتهم الأولى من غير نية الظهر، ويسر الإمام فيما بقي. ويحرم أن يقطعوا الصلاة. ويستأنفوا الظهر من أوله، أما إذا شرعوا فيها بعد أن ضاق الوقت ظانين أنه يسعها فلم يسعها، وخرج وهم في الصلاة بطلت صلاتهم، ولا تنقلب ظهراً. الحنابلة قالوا: إذا شرعوا في صلاة الجمعة آخر وقتها فخرج الوقت وهم فيها أتموها جمعة. المالكية قالوا: إن شرع في الجمعة معتقداً إدراكها بتمامها ثم غربت الشمس قبل تمامها، فإن كان الغروب بعد تمام ركعة بسجدتيها أتمها جمعة، وغلا أتمها ظهراً (9) المالكية قالوا: إذا وقع البيع وقت الأذان المذكور كان فاسداً ويفسخ، إلا إذا تغيرت ذات المبيع، كأن ذبح أو أكل منه أو نحو ذلك، وكذا إذا تغير سوقه، كأن نزل ثمنه أو صعد ونحو ذلك مما يفوت به البيع الفاسد، كما يأتي في "الجزء الثاني" فإذا وقع شيء من ذلك فإن البيع يمضي، وتجب قيمة المبيع يوم قبضه لا الثمن الذي وقع العقد عليه. الحنابلة قالوا: إذا وقع البيع في هذا الوقت لا ينعقد رأساً |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 344 الى صــــــــ354 الحلقة (54) [شروط الجمعة، تعريف المصر والقرية] يشترط لصلاة الجمعة ما يشترط لصلاة الظهر وغيره من الصلوات المذكورة في صحيفة 161 وما بعدها في مبحث "شروط الصلاة" المتقدم بيانها، ولكن للجمعة شروط زائدة على شروط الصلاة المتقدمة، فلنذكرها لك مجتمعة عند كل مذهب تحت الخط (1) ، ثم نبين المتفق عليه، والمختلف فيه. [حضور النساء الجمعة] قد عرفت أن الذكورة شرط في وجوب الجمعة، فلا تجب على المرأة، ولكن تصح منها إذا صلتها بدل الظهر، وهل الأفضل للمرأة أن تصلي الجمعة، أو تصلي الظهر في بيتها؟ في ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (2) ، أما غير المرأة ممن تجب عليهم الجمعة، كالعبد، فإنه يستحب له حضور الجمعة. [تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة] الغرض من صلاة الجمعة هو أن يجتمع الناس في مكان واحد خاشعين لربهم، فتتوثق بينهم روابط الإلفة، وتقوى صلات المحبة، وتحيا في أنفسهم عاطفة الرحمة والرفق، وتموت عوامل البغضاء والحقد، وكل منهم ينظر إلى الآخر نظرة المودة والإخاء، فيعين قويهم ضعيفهم، ويساعد غينيهم فقيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويشعرون جميعاً بأنهم عبيد الله وحده، وأنه هو الغني الحميد، ذو السلطان القاهر، والعظمة التي لا حد لها.ذلك بعض أغراض الشريعة الإسلامية من حيث الناس على الاجتماع في العبادة؛ ومما لا ريب فيه أن تعدد المساجد لغير حاجة يذهب بهذه المعاني السامية، لأن المسلمين يتفرقون في المساجد. فلا يشعرون بفائدة الاجتماع، ولا تتأثر أنفسهم بعظمة الخالق الذي يجتمعون لعبادته خاضعين متذللين، فمن أجل ذلك قال بعض الأئمة: إذا تعددت المساجد لغير حاجة فإن الجمعة لا تصح إلا لمن سبق بها في هذه المساجد، فمن سبق بيقين كانت الجمعة له، وأما غيره فإنه يصليها ظهراً، وإليك بيان آراء المذاهب في هذا الموضوع تحت الخط (3) . [هل تصح صلاة الجمعة في الفضاء؟] اتفق ثلاثة من الأئمة على جواز صحة الجمعة في الفضاء، وقال المالكية: لا تصح إلا في المسجد وقد ذكرنا بيان المذاهب تحت الخط (4) . [الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بها] اتفق الأئمة على أن الجمعة لا تصح إلا بجماعة، ولكنهم اختلفوا في عدد الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بهم، كما اختلفوا في شروط هذه الجماعة، وقد ذكرنا آراء المذاهب تحت الخط (5) .(1) الحنفية قالوا: تنقسم شروط الجمعة الزائدة على شروط الصلاة إلى قسمين: شروط وجوب؛ وشروط صحة، فشروط وجوبها عندهم ستة، أحدها: الذكورة، فلا تجب على الأنثى، ولكن إذا حضرتها وأدتها، فإنها تصح منها، وتجزئها عن صلاة الظهر، ثانيها: الحرية، فلا تجب على من به رق، ولكن إذا حضرها وأداها فإنها تصح منه، ثالثها: أن يكون صحيحاً، فلا تجب على المريض الذي يتضرر بالذهاب لحضورها ماشياً، فإن عجز عن الذهاب إلى المسجد ماشياً سقطت عنه الجمعة، وإن وجد من يحمله باتفاق الحنفية، أما الأعمى الذي لا يمكنه الذهاب إليها بنفسه فالإمام يقول: إنها تسقط عنه؛ ولو وجد قائداً متبرعاً، أو بأجر يقدر عليه، والصاحبان يقولان إن قدر على الذهاب، ولو بقائد متبرع، أو بأجر يقدر عليه لزمه الذهاب، فيجوز للأعمى أن يقلد أحد الرأيين، ولكن الأحوط أن يقلد مذهب الصاحبين، خصوصاً أن الجمعة تصح منه باتفاق، رابعها: الإقامة في المحل الذي تقام فيه الجمعة، أو في محل متصل به، فمن كان في محل يبعد عن مكان الجمعة فإنها لاتجب عليه، وقدروا مسافة البعد بفرسخ، وهو ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع، وهي - خمسة كيلو مترات، وأربعون متراً - وهذا هو المختار للفتوى، وبعضهم قدر هذه المسافة بأربعمائة ذراعٍ؛ وتسمى "غلوة"، وبذلك تعلم أنها لا تجب على المسافر إلا إذا نوى أن يقيم خمسة عشر يوماً، خامسها: أن يكون عاقلاً، فلا تجب على المجنون ومن في حكمه؛ سادسها: البلوغ، فلا تجب على الصبي الذي لم يبلغ. هذا، ولا يشتبه عليك عد العقل والبلوغ من شروط وجوب الجمعة الزائدة على شروط وجوب الصلاة، وذلك لأن الحنفية عدوا في كتبهم المشهورة شروط الصلاة مقصورة على شروط الجواز والصحة، وإلا فمما لا شك في أن البلوغ من شروط وجوب الصلاة، وكذلك القدرة في شرائط الجمعة اكتفاء بعدّها في شروط الصلاة كان له وجه حسن؛ وأما شروط صحتها فهي سبعة أحدها: المصر، فلا تجب على من كان مقيماً بقرية لقول علي رضي الله عنه: "لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة" رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" موقوفاً على علي "رضي الله عنه"، وكذلك رواه عبد الرزاق، والفرق بين القرية والمصر أن المصر ما لا تسع أكبر مساجده أهله المكلفين بصلاة الجمعة، ولو لم يحضروا بالفعل، وبهذا أفتى أكثر فقهاء الحنفية، وعليه فتصح الجمعة في كل بلاد القطر المصري التي بها مساجد تقام فيها الجمعة، إذ لا توجد قرية يسع أكبر مساجدها جميع أهلها المكلفين، فإذا فرض ووجدت قرية صغيرة، ويقال لها: نزلة، لا ينطبق عليها هذا الشرط، فإنه لا يصح من أهلها الجمعة إذا لم يكن بينها وبين بلدة أخرى أقل من مسافة فرسخ، وإلا فإنه يلزمهم الذهاب إلى هذه البلدة لأداء الجمعة؛ ولكن المشهور من مذهب أبي حنيفة أن المصر هو كل موضع له أمير وقاض يقدر على إقامة أكثر الحدود، وإن لم ينفذها بالفعل، فلا تصح الجمعة على هذا الرأي في مساجد البلدان التي لا ينطبق عليها هذا الشرط وحيث أن معظم علماء المذهب أفتوا بالرأي الأول فمن الحيطة العمل به خصوصاً أن جميع الأئمة لم يشترطوا هذا الشرط، فالذين يتركون صلاة الجمعة بناء على ما اشتهر عند بعض الحنفية في تعريف المصر لم يأخذوا بالأحوط لديهم، خصوصاً إذا ترتب على ترك الجمعة تشكيك العامة واستهانتهم بأداء واجباتهم الدينية، على أن عندهم الذي يعولون عليه في هذا هو ما رواه ابن أبي شيبة عن علي موقوفاً، وقد نقل الزيلعي في كتابه "نصب الراية" أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه في هذا الموضوع شيء، وعلى فرض أنه حديث صحيح فمن أين جاء تعريف المصر بأنه ما كان له أمير وقاض ينفذ الحدود؟، فالحق واضح، والارتكاز على هذا لا يفيد مطلقاً، ولهذا جرى جمهور محققي الحنفية على أن المصر هو ما كان أكبر مسجد فيه لا يسع أهله الذين تجب عليهم الصلاة، وإن لم يحضروا فعلاً؛ أما الأئمة الآخرون فإنهم لم يعولوا على هذا الأثر الذي نقل عن علي كرم الله وجهه، وستعرف شرائطهم بعد هذا؛ ثانيها: إذن السطان أو نائبه الذي ولاه إمارة، فإذا ولى الإمام خطيباً فغن له أن يولي غيره، ولو لم يأذن بالإنابة على الظاهر، وبعضهم يقول: لا يجوز إلا إذنه بإنابة غيره: ثالثها: دخول الوقت، فلا تصح الجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر، وقد عرفت أن دخول الوقت شرط لصحة الصلاة مطلقاً، ولو غير جمعة، كما هو شرط لوجوبها، ولكنهم ذكروه أيضاً في شرائط صحة الجمعة تساهلاً، وإذا خرج الوقت قبل تمام صلاتها فإن صلاتهم تبطل، ولو بعد القعود قدر التشهد؛ وقد عرفت أن وقت الجمعة هو وقت الظهر، وهو من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الاستواء؛ رابعها: الخطبة، وسيأتي بيانها؛ خامسهاً: أن تكون الخطبة قبل الصلاة؛ سادسها: الجماعة، فلا تصح الجمعة إذا صلاها منفرداً، ويشترط في الجماعة عند الحنفية أن يكونوا ثلاثة غير الإمام، وإن لم يحضروا الخطبة، كما سيأتي في مبحث "الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بها"؛ سابعها: الإذن العام من الإمام - الحاكم - فلا تصح الجمعة في مكان يمنع منه بعض المصلين، فلو أقام الإمام الجمعة في داره بحاشيته وخدمه، فإنها تصح مع الكراهة، ولكن بشرط أن يفتح أبوابها، ويأذن للناس بالدخول فيها، ومثلها الحصن والقلعة، على أنه لا يضر إغلاق الحصن أو القلعة لخوف من العدو، فتصح الصلاة فيها مع إغلاقها متى كان مأذوناً للناس بالدخول فيها، وتصح صلاة الجمعة في الفضاء، بشرطين: أحدهما إذن الإمام؛ ثانيهما: أن لا يبعد عن المصر أكثر من فرسخ، أو يكون له علاقة بالمصر، كالمحل الذي أعد لسباق الخيل، أو لدفن الموتى، وسيأتي في مبحثه. المالكية قالوا: تنقسم شروط الجمعة إلى قسمين: شروط وجوب، وشرط صحة، فأما شروط وجوبها فهي كشروط وجوب الصلاة المتقدمة، وتزيد عليها أمور؛ أحدها الذكورة، فلا تجب الجمعة على المرأة، ولكن إن صلتها مع الجماعة فإنها تصح منها، وتجزئها عن صلاة الظهر؛ ثانيها: الحرية، فلا تجب على العبد، ولكن إذا حضرها وأداها فإنها تصحمنه، وهذا الشرطان متفق عليهما في المذاهب بنصهما، ثالثها: عدم العذر المبيح لتركها، فتسقط عن المريض الذي يتضرر بالذهاب إليها راكباً أو محمولاً، فإذا قدر على السعي لها، ولو بأجرة لا تجحف به، فإنها تجب عليه، وإذا كان مقعداً فإنه لا يلزمه الذهاب إلى الجمعة، إلا إذا وجد من يحمله، ولم يتضرر من ذلك؛ رابعها: أن يكون مبصراً، فلا تجب على الأعمى إذا تعذر عليه الحضور بنفسه، أو لم يجد قائداً، فإن أمكنه المشي بنفسه، أو وجد قائداً، فإنها تجب عليه؛ خامسها: أن لا يكون شيخاً هرماً يصعب عليه الحضور، سادسها: أن لا يكون وقت حر أو برد شديدين، ومثل الحروالبر الشديدين المطر والوحل الشديدان، سابعها: أن يخاف من ظالم يحبسه أو يضربه ظلماً، أما إن كان يستحق ذلك فإن الجمعة لا تسقط عنه، ثامنها: أن يخاف على مال أو عرض أو نفس، ويشترط في المال أن يكون ضياعه مجحفاً به، تاسعها: أن يكون مقيماً بالبلد الذي تقام به الجمعة، أو مقيماً بقرية أو خيمة تبعد عنه ثلاثة أميال وثلث ميل. وتعتبر هذه المسافة من المنارة التي في طرف البلد إن جاز تعدد مساجد الجمعة، بأن كان هناك ضرورة توجب التعدد، أما إذا منع تعدد المساجد فتعتبر هذه المسافة من منارة الجامع الذي أقيمت فيه الجمعة أولاً، فالمقيم والمسافر الذي نوى إقامة أربع أيام تامة تجب عليه الجمعة، وإن كانت لا تنعقد بالمسافر الذي نوى الإقامة؛ أما الاستيطان، وهو الإقامة بنية التأبيد، فهو شرط لوجوبها ابتداء ولصحتها، فلاتجب الجمعة ابتداء إلا على قوم أقاموا في بلدة على التأبيد بحيث يمكن حمايتها والذود عنها من الطوارئ الغالبة؛ عاشرها: أن يكون في بلدة مستوطنة، فلو نزل جماعة كثيرة بمكان ونووا فيه الإقامة شهراً مثلاً، وأرادوا أن يقيموا جمعة في ذلك المكان، فلا تجب عليهم ولا تصح، ولا يشترط في بلد الجمعة أن يكون مصراً، فتصح في القرية وفي الأخصاص، وهي البيوت المبنية من الجريد أو القصب الفارسي - البوص -؛ وأما بيوت الشعر فلا تجب الجمعة على أهلها، ولا تصح، لأن الغالب عليهم الارتحال، إلا إذا كانوا قريبين من بلدها، فتجب عليهم تبعاً، كما تقدم. وأما شروط صحة الجمعة فهي خمسة: الأول استيطان قوم ببلدة أو جهة، بحيث يعيشون في هذا البلد دائماً آمنين على أنفسهم من الطوارئ الغالبة، وكما أن الاستيطان شرط في الصحة، فهو شرط في الوجوب، كما تقدم بيانه في "شرائط الوضوء": الثاني: حضور اثني عشر غير الإمام، ويلزم حضور جميع أهل البلد، ولو في أول جمعة على الصحيح؛ نعم يشترط وجودهم في البلد أو قريباً منه بحيث يمكن الاستنجاد بهم في كلجمعة؛ الثالث: الإمام ويشترط فيه أمران: أحدهما: أن يكون مقيماً أو مسافراً نوى إقامة أربعة أيام، وقد تقدم. ثانيهما: أن يكون هو الخطيب، فلو صلى بهم غير من خطب، فالصلاة باطلة إلا إذا منع الخطيب من الصلاة مانع يبيح له الاستخلاف، كرعاف، ونقض وضوء، فيصح أو يصلي غيره إن لم ينتظر زوال عذره في زمن قريب، وإلا وجب انتظاره؛ والقرب مقدار صلاة الركعتين الأوليين من العشاء وقراءتهما: الرابع الخطبتان، وقد تقدم الكلام عليهما؛ الخامس: الجامع، فلا تصح الجمعة في البيوت ولا في أرض براح مثلاً، ويشترط في الجامع شروط أربعة الأول: أن يكون مبنياً، فلا تصح في مسجد حوط عليه بأحجار أو طوب من غير بناء؛ الثاني: أن يكون بناؤه مساوياً على الأقل للبناء المعتاد لأهل البلد، فلو كان البلد أخصاصاً صح بناء المسجد من البوص؛ الثالث: أن يكون في البلد أو قريباً منها، بحيث يصل إلى المكان المقيم به دخان البلد التي تقام فيها الجمعة، الرابع: أن يكون المسجد واحداً فلو تعددت المساجد في البلد الواحد فلا يصح إلا في الجامع القديم، على التفصيل الذي تقدم في "مبحث تعدد المساجد". الشافعية قالوا: تنقسم شروط الجمعة إلى قسمين: شروط وجوب: وشروط صحة، فأما شروط وجوبها الزائدة على ما تقدم في شروط وجوب الصلاة، فمنها الشروط التي ذكرها المالكية إلى الشرط العاشر، فمنهم متفقون معهم في أن الجمعة لا تجب على المريض والمقعد والأعمى إلا بالشروط التي ذكرها المالكية في شرائط الوجوب، وكذا لا تجب في حال البرد والحر الشديدين جداً، كما يقول المالكية، ومثلهما المطر والوحل والخوف من عدو ظالم أو حاكم ظالم كذلك، وكذا لا تجب على من خاف ضياع مال، سواء كان مجحفاً به أو لا، خلافاً للمالكية في ذلك، وكذا لا تجب على من خاف على عرضه أو نفسه، كما لا تجب على المرأة والرقيق، ولكنها تصح منهما، وقد وافق الحنابلة على هذه الشروط أيضاً، إلا أن الحنابلة قالوا: لا تجب على الأعمى، إلا إذا وجد قائداً أو ما يقوم مقامه من علامة يستند إليها حتى يصل إلى المسجد، كجدار يمكنه أن يستند إليه أو حبل يمسكه أو نحو ذلك، وقد عرفت أن الحنفية يقولون: تسقط عن المريض الذي يتضرر بالذهاب لحضورها ماشياً، فإن عجز عن ذلك سقطت عنه، وإن وجد من يحمله باتفاق، أما الأعمى ففيه خلاف، فبعضهم يقول: تسقط عنه، ولو وجد قائداً متبرعاً، ومنهم من يقول: إذا قدر الذهاب ولو بقائد متبرع أو بأجر يقدر عليه فإن الذهاب يجب عليه. كما تقدم في شرائط الوجوب عند الحنفية، وقد وافق الحنفية جميع الأئمة على أن الجمعة لا تجب على من خاف من ظالم يعتدي على ماله أو عرضه أو نفسه، بشرط أن يكون ضياع ماله مجحفاً به، كما يقول المالكية، والحنابلة، خلافاً للشافعية، أما إن كان ظالماً، فإن الجمعة لا تسقط عنه بالخوف من القصاص. ومن شروط وجوب الجمعة عند الشافعية الإقامة بمحل الجمعة أو بمحل قريب منه، كما يقول غيرهم من الأئمة، إلا أن لهم في ذلك تفصيلاً، وهو أنهم يشترطون فيمن كان مقيماً بمحل قريب من محل الجمعة أن يسمع الأذان أو النداء، فلا تجب الجمعة على من كان مقيماً بمكان بعيد لا يسمع أهله النداء، إلا إذا بلغ عددهم أربعين، فتجب عليهم في هذه الحالة إقامة الجمعة بمحلهم. ولا يلزمهم السعي للبلد القريب منهم، ولا يشترط في وجوب الجمعة الاستيطان، وهو الإقامة على التأبيد، بحيث لا يرحلون عن محلهم صيفاً أو شتاءً إلا لحاجة، كالمعتاد في القاطنين ببلد، وإنما الاستيطان المذكور شرط لانعقاد الجمعة، فلا تنعقد الجمعة إلا بمن كان مستوطناً، بمعنى أنه لو حضر من المستوطنين أقل من أربعين، وكمل العدد بغير متوطن، فإن الجمعة لا تنعقد، ولا تصح، كما لا تجب عليهم من أول الأمر، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب الجمعة على المسافر، إلا إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام في بلد الجمعة، وإذا خرج للسفر من بلده بعد فجر الجمعة فإنها تجب عليه إذا أدرك الجمعة في المحل المسافر إليه، إما إذا خرج من بلده قبل فجر يوم الجمعة، فإنها لا تجب عليه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السفر طويلاً أو قصيراً، إلا إذا كان يريد الذهاب إلى مكان قريب يسمع فيه أذان الجمعة من البلدة التي خرج منها، أما إذا سمع النداء من بلدة غيرها فإنها لا تجب عليه، وعلى هذا إذا خرج الحصادون والعمال من بلدهم إلى مكان أعمالهم قبل الفجر، فإن الجمعة عند الشافعية فهي ستة أشياء: الأول: أن تقع كلها وخطبتاها في وقت الظهر يقيناً: الثاني: أن تقع بأبنية مجتمعة، سواء كانت مصراً أو قرية، أو بلداً، أو غاراً بالجبل، أو سرداباً، فلا تصح في الصحراء، والضابط المعتمد لصحة الجمعة في الأبنية ما لا تقصر الصلاة فيه تصح فيه الجمعة كفضاء داخل سور البلد، وما تقصر الصلاة فيه لا تصح فيه، الثالث: أن تقع الصلاة جماعة بشرائطها المتقدمة، الرابع: أن يكون عدد جماعتها أربعين بالشروط المتقدمة، الخامس. أن تكون صلاة الجمعة متقدمة على غيرها في مكانها، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث "تعدد الجمعة"، السادس: تقدم الخطبتين بالأركان والشروط الآتي بيانها. الحنابلة قالوا: تنقسم شروط الجمعة الزائدة على شرائط الصلاة المتقدمة إلى شروط وجوب. وشروط صحة، فأما شروط وجوبها الزائدة على ما تقدم، فمنها الشروط التي ذكرت عند المالكية، والشافعية، والحنفية، ومنها الحرية، فلا تجب على العبد، والذكورة، فلا تجب على الإناث، وتصح منهم إذا حضروها، ومنها عدم العذر المبيح لتركها، فلا تجب على المريض الذي يتضرر بالذهاب إليها راكباً أو محمولاً، أما إذا قدر ولو بأجرة لا تجحف به، فإنها تجب عليه، ومثل المريض المقعد، ومنها أن يكون مبصراً، فلا تجب على الأعمى ولو وجد قائداً؛ إلا إذا أمكنه أن يستند إلى حبل متصل بمسجد الجمعة، ومنها أن لا يكون وقت حر أو برد شديدين، أو وقت مطر ووحل شديدين كذلك، ومنها أن يخاف من حبس ونحوه، وهو مظلوم لا ظالم، ومنها أن يخاف على مال من الضياع، أو يخاف على عرض أو نفسه، ويشترط أن يكون ضياع المال مجحفاً به، ومنها الإقامة ببناء يشمله اسم واحد كمصر، فكل القاطنين في مدينة مصر تجب عليهم الجمعة، ولو كان بينهم وبين المحل التي تقام فيه فراسخ كثيرة، لأنها مدينة واحدة لها اسم واحد، أما الجهات التي لها أسماء خاصة بها، كعين شمس، ومصر الجديدة، والزيتون ومعادي الخبيري، ونحو ذلك، فإن كل جهة منها مستقلة بنفسها في هذا الشرط، بحيث لا تجب الجمعة إلا على من كان متوطناً بها إذا كانت الجمعة تقام فيها، فإن لم تكن بها مساجد تقام فيها الجمعة، ولكن بجوارها جهة أخرى تقام فيها الجمعة، فإنه يجب أن يذهب إلى الجهة التي تقام فيه الجمعة، بشرط أن تكون بين الجهتين مسافة فرسخ فأقل. أما إذا كانت المسافة أكثر فإن الجمعة لا تجب، وقد عرفت حد الفرسخ فيما مضى من مذهب الحنفية، ولا تجب الجمعة على سكان الخيام، ولا على أهل القرى الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها أربعين، فإن كانوا أربعين فأكثر، فإن الجمعة تجب عليهم إذا كانوا لا يفارقونها صيفاً ولا شتاءً، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب على المسافر إلا إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؛ وأقل مسافة السفر المعتبرة عند الحنابلة أن يكون بين المسافر وبين المحل التي تقام فيه الجمعة فرسخ فأقل، وإلا فلا تجب عليه؛ وأما شروط صحة الجمعة فهي أربعة: أحدها. دخول الوقت، فلا تصح قبله ولا بعده، ولكن وقت الجمعة عندهم كوقت صلاة العيد، فمتى طلعت الشمس وارتفعت بمقدار ما تحل فيه الصلاة النافلة. فإن صلاة الجمعة تبتدئ عندهم، وقد تقدم توضيح مذهبهم في مبحث "وقت الجمعة" فارجع إليه أن شئت، ثانيها: أن يكون مقيماً بمدينة أو قرية على الوجه المتقدم ذكره في شروط الوجوب، فلا تصح الصلاة عندهم في صحراء أو خيمة أو نحو ذلك، خلافاً للحنفية الذين قالوا: تصح في الصحراء، ثالثها: أن يحضرها أربعون فأكثر بالإمام، وإن كان بعضهم أخرس، أما إن كانوا كلهم كذلك فإن الجمعة لا تصح، رابعها: الخطبتان بشروطهما وأحكامهما يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
(2) الحنفية قالوا: الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها ظهراً، سواء كانت عجوزاً أو شابة، لأن الجماعة لم تشرع في حقها. المالكية قالوا: إن كانت المرأة عجوزاً انقطع منها ارب الرجل جاز لها أن تحضر الجمعة، وغلا كره لها ذلك، فإن كانت شابة وخيف من حضورها الافتتان بها في طريقها أو في المسجد، فإنه يحرم عليه الحضور دفعاً للفساد. الشافعية قالوا: يكره للمرأة حضور الجماعة مطلقاً في الجمعة وغيرها إن كانت مشتهاة، ولو كانت في ثياب رثة، ومثلها غير المشتهاة إن كانت تزينت أو تطيبت، فإن كانت عجوزاً وخرجت في أثواب رثة، ولم تضع عليها رائحة عطرية، ولم يكن للرجال فيها غرض؛ فإنه يصح لها أن تحضر الجمعة بدون كراهة؛ على أن كل ذلك مشروط بشروطين: الأول: أن يأذن لها وليها بالحضور، سواء كانت شابة أو عجوزاً، فإن يأذن حرم عليها؛ الثاني: أن لا يخشى من ذهابها للجماعة افتتان أحد بها، وإلا حرم عليها الذهاب. الحنابلة قالوا: يباح للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة، بشرط أن تكون غير حسناء؛ أما إن كانت حسناء، فإنه يكره لها الحضور مطلقاً (3) الشافعية قالوا: إما أن تتعدد الأمكنة التي تقام فيها الجمعة لغير حاجة إلى هذا التعدد، أو تتعدد لحاجة، كأن يضيق المسجد الواحد عن أهل البلدة، فإذا تعددت المساجد أو الأمكنة التي تقام فيها الجمعة لغير حاجة كانت الجمعة لمن سبق بالصلاة، بشرط أن يثبت يقيناً أن الجماعة التي صلت في هذا المكان سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، أما إذا لم يثبت ذلك، بل ثبت أنهم صلوا جميعاً في وقت واحد، بأن كبروا تكبيرة الإحرام معاً، أو وقع شك في أنهم كبروا معاً، أو سبق أحدهم بالتكبير فإن صلاتهم تبطل جميعاً، وفي هذه الحالة يجب عليهم أن يجتمعوا معاً، ويعيدوها جمعة إن أمكن ذلك، وإن لم يمكن صلوها ظهراً. أما إذا تعددت لحاجة، فإن الجمعة تصح في جميعها، ولكن يندب أن يصلوا الظهر بعد الجمعة. المالكية قالوا: إذا تعددت المساجد في بلد واحد، فإن الجمعة لا تصح إلا في أول مسجد أقيمت فيه الجمعة من البلد، ولو كان بناءه متأخراً، مثلاً إذا كان في البلد - زوايا - لم تقم فيها الجمعة، ثم بني مسجد أقيمت فيه الجمعة، ثم بني بعده مسجد آخر أقيمت فيه الجمعة، فإن الجمعة لا تصح إلا في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة أولاً، ولكن هذا الحكم عندهم مشروط بأربعة شروط: أحدها: أن لا يهجر القديم بالصلاة في الجديد، بأن يترك الناس الصلاة في القديم رغبة في الجديد بدون عذر؛ ثانيها: أن يكون القديم ضيقاً، ولا يمكن توسعته، فيحتاج الناس إلى الجديد، - والمسجد الضيق هو الذي لا يسع من يغلب حضورهم الجمعة وإن لم تكن واجبة عليهم -، ثالثها: أن لا يخشى من اجتماع أهل البلدة في مسجد واحد حدوث فتنة أو فساد، كما إذا كان بالبلدة أسرتان متنافستان إحداهما شرقي البلد، والثانية غربيها، فإنه يصح لكل منهما أن تتخذ لها مسجداً خاصاً؛ رابعها: أن لا يحكم حاكم بصحتها في المسجد الجديد. الحنابلة قالوا: تعدد الأماكن التي تقام فيها الجمعة في البلد الواحد إما أن يكون لحاجة أو لغير حاجة، فإن كان لحاجة، كضيق مساجد البلد عمن تصح منهم الجمعة، وإن لم تجب عليهم، وإن لم يصلوا فعلاً - فإنه يجوز، وتصح الجمعة، سواء أذن فيها ولي الأمر، أو لم يأذن، وفي هذه الحالة يكون الأولى أن يصلي الظهر بعدها، أما إن كان التعدد لغير حاجة، فإن الجمعة لا تصح إلا في المكان الذي أذن بإقامتها فيه ولي الأمر، ولا تصح في غيره حتى ولو سبقت، وإذا أذن ولي الأمر بإقامتها في مساجد متعددة لغير حاجة، أو لم يأذن أصلاً، فالصحيحة منها ما سقت غيرها بتكبيرة الإحرام، فإن وقعت الصلاة في وقت واحد، بأن كبروا تكبيرة الإحرام معاً بطلت صلاة الجميع إن تيقنوا ذلك، ثم إذا أمكن إعادتها جمعة أعادوها، وإلا صلوها ظهراً، أما إذا لم تعلم الجمعة السابقة، فإن الجمعة تصح في واحد غير معين، فلا تعاد جمعة، ولكن يجب على الجميع أن يصلوا ظهراً. الحنفية قالوا: تعدد الأماكن التي تصح فيها الجمعة لا يضر، ولو سبق أحدها الآخر في الصلاة على الصحيح، ولكن إذا علم يقيناً من يصلي الجمعة في مسجد أن غيره سبقه من المصلين في المساجد الأخرى، فإنه يجب عليه أن يصلي أربع ركعات بنية آخر ظهر بتسليمة واحدة، والأفضل أن يصليها في منزله حتى لا يعتقد العامة أنها فرض، وقد عرفت أن الواجب عند الحنفية أقل من الفرض، وإن شئت قلت: إنه سنة مؤكدة. أما إذا شك في أن غيره سبقه فإنه يندب له أن يصلي أربع ركعات بنية آخر ظهر فقط، وعليه أن يقرأ في كل ركعة سورة أو ثلاث آيات قصار، لاحتمال أن تكون هذه الصلاة نافلة، وقد تقدم أن قراءة السورة ونحوها واجبة في جميع ركعات النفل، وهل يصلي الركعات الأربع المذكورة قبل صلاة أربع ركعات سنة الجمعة أو بعدها؟ والجواب: يصليها بعدها فإذا صلاها قبلها فقد خالف الأولى والأمر في ذلك سهل، وعلى هذا يطلب ممن يصلي الجمعة أن يصلي بعدها أربع ركعات سنة الجمعة، ثم يصلي بعدها أربع ركعات بنية آخر ظهر، على الوجه المتقدم، ثم يصلي بعدها ركعتين سنة وقت الظهر كما تقدم في السنن (4) المالكية قالوا: لا تصح الجمعة في البيوت ولا في الفضاء، بل لا بد أن تؤدي في الجامع. الحنابلة قالوا: تصح الجمعة في الفضاء إذا كان قريباً من البناء، ويعتبر القرب بحسب العرف فإن لم يكن قريباً فلا تصح الصلاة، وإذا صلى الإمام في الصحراء استخلف من يصلي بالضعاف. الشافعية قالوا: تصح الجمعة في الفضاء إذا كان قريباً من البناء، وحد القرب عندهم المكان الذي لا يصح فيه للمسافر أن يقصر الصلاة متى وصل عنده، وسيأتي تفصيله في مباحص "قصر الصلاة" ومثل الفضاء الخندق الموجود داخل سور البلد إن كان لها سور. الحنفية قالوا: لا يشترط لصحة الجمعة أن تكون في المسجد، بل تصح في الفضاء، بشرط أن لا يبعد عن المصر بأكثر من فرسخ، وأن يأذن الإمام بإقامة الجمعة فيه، كما تقدم في الشروط (5) المالكية قالوا: أقل الجماعة التي تنعقد بها الجمعة اثنا عشر رجلاً غير الإمام، ويشترط فيهم شروط: أحدها: أن يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة، فلا يصح أن يكون منهم عبد أو صبي أو امرأة، الثاني: أن يكونوا متوطنين، فلا يصح أن يكون منهم مقيم ببلد الجمعة لتجارة مثلاً أو مسافر نوى الإقامة أربعة أيام، الثالث: أن يحضروا من أول الخطبتين إلى تمام الصلاة، فلو بطلت صلاة واحد منهم، ولو بعد سلام الإمام، وقبل سلامه هو، فسدت الجمعة على الجميع؛ الرابع أن يكونوا مالكيين أو حنفيين، فإن كانوا من الشافعية أو الحنابلة الذين يشترطون أن يكون عدد الجماعة أربعين، فلا تنعقد الجمعة بهم إلا إذا قلدوا مالكاً أو أبا حنيفة، ولا يلزم عند إقامة أول جمعة في قرية حضور أهل القرية كلهم، بل يكفي حضور الاثني عشر على الراجح؛ ويشترط في الإمام أن يكون ممن تجب عليه الجمعة ولو كان مسافراً نوى الإقامة أربعة أيام، لكن بشرط أن تكون الإقامة بغير قصد الخطبة، فإن أقام بقصد الخطبة فلا يصح أن يكون إماماً. الحنفية قالوا: يشترط في الجماعة التي تصح بها الجمعة أن تكون بثلاثة غير الإمام، وإن لم يحضروا الخطبة، فلو خطب بحضور واحد، ثم انصرف قبل الصلاة وحضر ثلاثة رجال بعد ذلك وصلى بهم صحت من غير أن يعيد عليهم الخطبة، ويشترط فيها أن يكونوا رجالاً ولو كانوا عبيداً أو مرضى أو مسافرين أو أميين أو بهم صمم، لأنهم يصلحون للإمامة في الجمعة، إما لكل أحد، وإما لمثلهم في الأمي والأخرس بعد أن يخطب واحد غيرهم، إذ لا يشترط أن يكون الخطيب هو إمام الجمعة، فصلاحيتهم للابتداء لغيرهم أولى، بخلاف النساء أو الصبيان، فإن الجماعة في الجمعة لا تصح بهم وحدهم لعدم صلاحيتهم للإمامة بمثلهم فيها ويشترط أن يستمروا مع الإمام حتى يسجد السجدة الأولى. فإن تركوه بعد ذلك بطلت صلاتهم وحدهم وأتمها هو جمعة، وإن تركوه قبل أن يسجد بطلت صلاة الجميع عند أبي حنيفة؛ ويشترط في الإمام أن يكون ولي الأمر الذي ليس فوقه ولي أو من يأذنه بإقامة الجمعة، وهذا شرط في صحة الجمعة، فلو لم يكن الإمام ولي الأمر أو نائبه لم تنعقد الجمعة وصلاها الناس ظهراً، ويجوز لمن أذنه الإمام بإقامة الجمعة أن ينيب غيره، وأن يصرح له بذلك. الشافعية قالوا: يشترط في الجماعة التي تصح بها الجمعة أمور: أحدها: أن يكونوا أربعين ولو بالإمام، فلا تنعقد الجمعة بأقل من ذلك؛ فإن نقص العدد عن ذلك جاز تقليد إمام لا يشترط ذلك العدد بشرط أن يحترز المقلد عن التلفيق، كأن يكون في طهارته موافقاً لذلك المذهب؛ ويشترط فيهم أن يكونوا ممن تنعقد بهم الجمعة، بأن يكونوا أحراراً ذكوراً مكلفين متوطنين بمحل واحد، فلا تنعقد بالعبيد والنساء والصبيان والمسافرين، وأن يستمروا مع الإمام في صلاة صحيحة مغنية عن القضاء، بحيث لا تلزمهم إعادتها لعذر إلى أن تنتهي الركعة الأولى، أما الركعة الثانية فلا يشترط فيها بقاء الجماعة، بمعنى أنهم لو نووا مفارقة الإمام فيها وأتموا صلاتهم لأنفسهم صحت جمعتهم، وكذلك الإمام إذا نوى مفارقتهم فيها وأتم لنفسه. أما إذا فسدت صلاة واحد منهم قبل سلام الإمام أو بعده فإن صلاة الجمعة تبطل على الجميع، لأنه يشترط دوام العدد إلى تمامها، فإن أمكنهم إعادتها جمعة لاتساع الوقت وجبت وإلا صلوها ظهراً؛ ويشترط أيضاً أن يفتتح المقتدون صلاتهم عقب افتتاح الإمام صلاته بدون أن يتأخروا عنه زمناً لا يسع قراءة الفاتحة والركوع قبل رفعه من الركوع، فلو تأخروا عن تكبيرة الإمام حتى صار الزمن الذي بين تكبيرهم للإحرام ورفع الإمام من الركوع لا يسع قراءة الفاتحة والركوع لم تنعقد الجمعة، أما الإمام فإن كان من الأربعين فإنه يشترط فيه أن يستكمل الشروط التي شرطت في المقتدين. وإن كان زائداً عن الأربعين صح أن يكون صبياً أو عبداً أو مسافراً؛ ويشترط أن ينوي الإمام الإمامة وإن كان صبياً أو عبداً أو مسافراً؛ وكذا يشترط في المقتدين أو ينووا الاقتداء. فإن لم ينو الإمام أو المقتدون ذلك لم تنعقد، ويشترط أيضاً بقاء العدد كاملاً من أول الخطبة إلى انتهاء الصلاة. الحنابلة قالوا: يشترط في جماعة الجمعة شروط: 1 - أن لا يقل عددهم عن أربعين، ولو بإمام. -2 - أن يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم، وهم الأحرار الذكور البالغون المستوطنون بالمحل الذي يصح أن تقام فيه الجمعة، وهو البلد المبني بناء معتاداً، فلا يصح أن يكون من جماعة الجمعة رقيق ولا أنثى ولا صبي ولا مسافر ولا مقيم غير مستوطن ولا مستوطن بمحل خارج عن بلد الجمعة وإن وجبت عليه تبعاً، كما تقدم. -3 - أن يكونوا قد حضروا الخطبة والصلاة ولا يشترط أن يحضروا جميع الصلاة. فلو حضر الأربعون جميع الخطبة وبعض الصلاة ثم انصرفوا بعد مجيء بدلهم صحت، أما لو نقص العدد عن الأربعين في أثناء الصلاة قبل حضور ما يكمله، فإنه تبطل. وتجب إعادتها جمعة إن أمكن؛ ثم نقص عدد الأربعين حتى صاروا اثني عشر. فإن الصلاة لا تبطل عليهم، ويجب على الإمام أن يستخلف منهم من يتم بهم صلاتهم. أما هو فصلاته باطلة حيث كان مذهبه يشترط الأربعين؛ فإن كان المأمومون يرون أنه لا بد من أربعين والإمام لا يرى ذلك، ثم نقص عددهم عن الأربعين قبل حضور ما يتم به العدد المذكور، فإن الصلاة تبطل على الجميع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 354 الى صــــــــ364 الحلقة (55) [أركان خطبتي الجمعة، افتتاحها بالحمد] قد ذكرنا لك في مباحث "صلاة العيدين" أن أركان خطبتها كأركان خطبة الجمعة ما عدا افتتاح خطبة العيد، فإنه يكون بالتكبير وافتتاح خطبة الجمعة يكون بالحمد، وقد ذكرنا لك في مباحث "صلاة العيد" اركان الخطبتين مفصلة عند كل مذهب، على أننا قد بينا هناك أن افتتاح خطبة الجمعة بالحمد ركن عند الشافعيةن والحنابلة، أما المالكية، والحنفية قالوا: إنه ليس بركن لا في خطبة العيد ولا في خطبة الجمعة، ولذا رأينا أن نذكر لك أركان خطبة الجمعة ههنا أيضاً ليسهل نظرها في كل مذهب، فانظرها تحت الخط (1) . [شروط خطبتي الصلاة، هل يشترط أن تكونا بالعربية، وهل يشترط لهما النية؟] يشترط لخطبتي الجمعة أمور: أحدها: أن تتقدما على الصلاة، فلا يعتد بهما إن تأخرتا عنها، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، ثانيها: نية الخطبة فلو خطب بغير النية لم يعتد بخطبته عند الحنفيةن والحنابلة، وقال الشافعية والمالكية: إن النية ليست بشرط في صحة الخطبة، إلا أن الشافعية اشترطوا عدم الانصراف عن الخطبة، فلو عطس وقال: الحمد لله، بطلت خطبته، وهذا الشرط لم يوافقهم عليه أحد، ثالثها: أن تكونا بالعربية على تفصيل في المذاهب. فانظره تحت الخط (3) ، رابعها: أن تكونا في الوقت، فلو خطب قبله، وصلى فيه لم تصح باتفاق، خامسها: أن يجهر الخطيب بهما، بحيث يسمع الحاضرين، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (4) . [هل يصح الفصل بين الخطبتين والصلاة بفاصل؟] سادسها: أن لا يفصل الخطيب بين الخطبة والصلاة بفاصل طويل، وقد اختلفت في تحديد المذاهب فانظره تحت الخط (5) . هذا وقد ذكرنا الشروط مجتمعة عند كل مذهب تحت الخط (6) . [سنن الخطبة - الدعاء لأئمة المسلمين وولاة الأمور في الخطبة] وأما سنن الخطبة فقد ذكرناها مجتمعة عند كل مذهب تحت الخط (7) . [مكروهات الخطبة] مكروهات الخطبة هي ترك سنة من السنن المتقدمة، فمن ترك سنة من سنن الخطبة فإنه يكره له ذلك باتفاق الحنفية، والمالكية، أما الشافعية، والحنابلة فلهم في ذلك تفصيل ذكرناه تحت الخط (8) . يبتدع بعض الناس أن يتكلموا بين يدي الخطيب بقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية، ويزيدون عليها أنشودة طويلة، ثم إذا فرغ المؤذن الذي يؤذن بين يديه يقول: "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة: أنصت، فقد لغوت" الحديث: ثم يقول بعد ذلك: أنصتوا تؤجروا، وكل هذا بدعة لا داعي إليها، ولا لزوم لها، خصوصاً ما يعلنه ذلك المؤذن من الجهل بمعنى الحديث، لأنه يأمر بالانصات وعدم الكلام، ثم يتكلم هو بعده بقوله: أنصتوا تؤجروا، ولا أدري ما هو الداعي لهذه الزيادة التي لم يأمرنا بها الدين، وقواعده تأباها، لأن الغرض في هذا المقام إظهار الخضوع والخشوع لله عز وجل، فكل تهويش أو كلام سوى كلام الخطيب لغو فاسد لا قيمة له، وقد وافق على هذا المالكية، والحنفية على المعتمد عندهم، وإليك تفصيل المذاهب في ذلك تحت الخط (9) . [مبحث الكلام حال الخطبة] لا يجوز الكلام حال الخطبة على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (10) . [تخطي الجالسين لحضور الجمعة أو اختراق الصفوف] لا يجوز اختراق صفوف الجالسين لحضور الجمعة، ويقال له: تخطي الرقاب بشروط مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (11) . [السفر يوم الجمعة] لا يجوز السفر يوم الجمعة باتفاق المذاهب، إلا أن في حكمه تفصيلاً ذكرناه تحت الخط (12) .[لا يصح لمن فاتته الجمعة بغير عذر أن يصلي الظهر قبل فراغ الإمام]من وجبت عليه الجمعة، وتخلف عن حضورها بغير عذر لا يصح أن يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من صلاة الجمعة بسلامه منها، فلو صلى الظهر في هذه الحالة لم تنعقد، باتفاق الشافعية، والحنابلة، وخالف الحنفية، والمالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (13) .(1) الحنفية قالوا: الخطبة لها ركن واحد، وهو مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير. فيكفي لتحقق الخطبة المفروضة تحميد أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، كما سيأتي في سنن الخطبة، والمشروط عندهم إنما هو الخطبة الأولى، وأما تكرارها فهو سنة كما يأتي في السنن. الشافعية قالوا: أركان الخطبة خمسة: أحدها: حمد الله، ويشترط أن يكون من مادة الحمد، وأن يكون مشتملاً على لفظ الجلالة، فلا يكفي أن يقول: أشكر الله، أو أثني عليه، أو الحمد للرحمن، أو نحو ذلك، وجاز له أن يقول: أحمد الله، أو إني حامد لله، وهذا الركن لا بد منه في كل من الخطبتين الأولى والثانية، ثانيها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل من الخطبتين، ولا بد من لفظ الصلاة، فلا يكفي رحم الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا يتعين لفظ محمد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الظاهرة، ولا يكفي الضمير في ذلك، ولو مع تقدم المرجع على المعتمد، ثالثها: الوصية بالتقوى في كل من الخطبتين، ولو بغير لفظها، فيكفي نحو: وأطيعوا الله، ولا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها في ذلك من غير حث على الطاعة، رابعها: قراءة آية من القرآن في إحداهما، وكونها في الأولى أولى، ويشترط أن تكون آية كاملة أو بعضاً منها طويلاً، وأن تكون مفهمة معنى مقصوداً من وعد أو وعيد أو حكم أو قصة أو مثل أو خبر، أما نحو قوله تعالى: {ثم نظر} فلا يكفي في أداء ركن الخطبة. خامسها: الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في خصوص الثانية، ويشترط أن يكون الدعاء بأمر أخروي، كالغفران إن حفظه، وإلا كفى الدعاء بالأمر الدنيوي، وأن لا يخرج منه الحاضرين بأن يقصد غيرهم. المالكية قالوا: الخطبة لها ركن واحد. وهو أن تكون مشتملة على تحذير أو تبشير، ولا يشترط السجع فيهما على الأصح فلو أتي بها نظماً أو نثراً صح وندب إعادتها إذا لم يصل، فإن صلى فلا إعادة. الحنابلة قالوا: أركان الخطبتين أربعة: الأول: الحمد لله في أول كل منهما بهذا اللفظ، فلا يكفي أحمد الله مثلاً؛ الثاني: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة، الثالث: قراءة آية من كتاب الله تعالى، ويلزم أن تكون مستقلة بمعنى أو حكم، فنحو قوله تعالى: {مدها متان} لا يكفي في ذلك؛ الرابع:: الوصية بتقوى الله تعالى، وأقلها أن يقول: اتقول الله. أو نحو ذلك (2) المالكية قالوا: إذا أخرت الخطبتان عن الصلاة أعيدت الصلاة فقط وصح الخطبتان لاو يعيدهما، بشرط أن يعيد الصلاة قبل أن يخرج من المسجد بدون تأخير، أما إذا لم يعدها قبل الخروج من المسجد أو مضى زمن طويل عرفاً قبل إعادتها. فإنه يجب أن يعيد الخطبتين ويعيد الصلاة بعدهما (3) الحنفية قالوا: تجوز الخطبة بغير العربية ولو لقادر عليها، سواء كان القوم عرباً أو غيرهم. الحنابلة قالوا: لا تصح الخطبة بغير العربية إن كان قادراً عليها، فإن عجز عن الإتيان بها أتى بغيرها مما يسحنه، سواء كان القوم عرباً أو غيرهم؛ لكن الآية التي هي ركن من أركان الخطبتين لا يجوز له أن ينطق بها بغير العربية، فيأتي بدلها بأي ذكر شاء بالعربية، فإن عجز سكت بقدر قراءة الآية. الشافعية قالوا: يشترط أن تكون أركان الخطبتين باللغة العربية؛ فلا يكفي غير العربية متى أمكن تعلمها، فإن لم يمكن خطب بغيرها، هذا إذا كان القوم عرباً، أما إن كانوا عجماً فإنه لا يشترط أداء أركانهما بالعربية مطلقاً، ولو أمكنه تعلمها ما عدا الآية، فإنه لا بد أن ينطق بها بالعربية: إلا إذا عجز عن ذلك، فإنه يأتي بدلها بذكر أو دعاء عربي؛ فإن عجز عن هذا أيضاً فعليه أن يقف بقدر قراءة الآية؛ ولا يترجم، وأما غير أركان الخطبة فلا يشترط لها العربية بل ذلك سنة. المالكية قالوا: يشترط في الخطبة أن تكون باللغة العربية، ولو كان القوم عجماً لا يعرفونها فإن لم يوجد فيهم من يحسن اللغة العربية بحيث يؤدي الخطبة بها سقطت عنهم الجمعة (4) الحنفية قالوا: يشترط الجهر بالخطبة بحيث يسمعها من كان حاضراً إذا لم يكن به مانع من سماعها؛ فإذا قام به مانع من صمم ونحوه أو كان بعيداً عن الخطيب. فإنه لا يشترط أن يسمعه، على أن الخطبة عند الحنفية تكفي بقول: لا إله إلا الله؛ أو بقول: الحمد لله، أو بقول: سبحان الله. فإذا جهر بهذا فإنه يكون خطبة ولو لم يسمعه أحد؛ ولكن يكره الاقتصار على ذلك والصاحبان يقولان: أقل الخطبة أن يأتي بذكر قدر التشهد من قول: التحيات لله إلى قول: عبده ورسوله، وعلى كل حال فلا بد من حضور واحد على الأقل لسماعها ممن تنعقد بهم الجمعة، بأن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً ولو كان معذوراً بسفر أو مرض. الشافعية قالوا: يشترط أن يجهر الخطيب بأركان الخطبة بحيث يمكنه أن يسمع الأربعين الذين تنعقد بهم الجمعة، أما سماعهم بالفعل فليس بشرط، بل يكفي أن يسمعوه ولو بالقوة، بمعنى أنهم يكونون جميعاً قريباً منه مستعدين لسماعه وإن انصرفوا عن سماعه بنعاس ونحوه؛ أما إن كانوا غير مستعدين لسماعه، كأن كانوا صماً أو نياماً نوماً ثقيلاً أو بعيدين عنه؛ فلا تجزء الخطبتان لعدم السماع بالقوة. الحنابلة قالوا: يشترط لصحة الخطبتين أن يجهر الخطيب بهما بحيث يسمع العدد الذي تجب عليه الجمعة بنفسه أركان الخطبتين حيث لا مانع من نوم أو غفلة؛ أو صمم ولو لبعضهم؛ فإن لم يسمع العدد المذكور لخفض صوته أو بعدهم عنه لم تصح لفوات المقصود من الخطبة. المالكية قالوا: من شروط صحة الخطبة الجهر بها؛ فلو أتي بها سراً لم يعتد بها ولا يشترط سماع الحاضرين ولا إصغاؤهم؛ وإن كان الإصغاء واجباً عليهم في ذاته (5) الشافعية قالوا: يشترط الموالاة بين الخطبتين، أي بين أركانهما: وبينهما وبين الصلاة، وحد الموالاة أن لا يكون الفصل بقدر ركعتين بأخف ممكن، فإذا زاد عن ذلكك بطلت الخطبة ما لم تكن الزيادة عظة. المالكية قالوا: يشترط وصل الخطبتين بالصلاة، كما يشترط وصلهما ببعضهما، ويغتفر الفصل اليسير عرفاً. الحنفية قالوا: يشترط أن لا يفصل الخطيب بين الخطبتين والصلاة بفاصل أجنبي، كالأكل ونحوه، أما الفاصل غير الأجنبي كقضاء فائتة وافتتاح تطوع بينهما فإنه لا يبطل الخطبة، وإن كان الأولى إعادتها، وكذا لو أقسد الجمعة ثم أعادها، فإن الخطبة لا تبطل: الحنابلة قالوا: يشترط لصحة الخطبتين الموالاة بين أجزائهما. وبينهما وبين الصلاة، والمولاة هي أن لا يفصل بينهما بفاصل طويل عرفاً (6) الحنفية قالوا: شروط صحة الخطبة ستة: أن تكون قبل الصلاة، أن تكون بقصد الخطبة. أن تكون في الوقت. أن يحضرها واحد على الأقل، أن يكون ذلك الواحد ممن تنعقد بهم الجمعة، أن لا يفصل بين الخطبة والصلاة بفاصل أجنبي، أن يجهر بها الخطيب بحيث يسمعها من كان حاضراً إن لم يوجد مانع كما تقدم، أما العربية فإنها ليست شرطاً في صحة الخطبة ولو كان قادراً عليها عند الإمام وشرطاً للقادر عليها عندهما، على ما تقدم في تكبيرة الإحرام وأذكار الصلاة. الشافعية قالوا: شروط صحة الخطبة خمسة عشر: أن تكون قبل الصلاة، أن تكون في الوقت، أن لا ينصرف عنها بصارف: أن تكون بالعربية، أو يوالي بين الخطبتين، وبينهما وبين الصلاة: أن يكون الخطيب متطهراً من الحدثين، ومن نجاسة غير معفو عنها، أن يكون مستور العورة في الخطبتين: أن يخطب واقفاً، إن قدر فإن عجز صحت الخطبة من جلوس، أن يجلس بين الخطبتين بقدر الطمأنينة، فلو خطب قاعداً لعذر سكت بينهما وجوباً بما يزيد عن سكتة التنفس، وكذا يسكت بينهما إن خطب قائماً وعجز عن الجلوس، أن يجهر بحيث يمكنه أن يسمع الأربعين الذين تنعقد بهم الجمعة أركان الخطبتين، أن يكون الأربعون سامعين، ولو بالقوة أن تقعا في مكان تصح فيه الجمعة، أن يكون الخطيب ذكراً، أن تصح إمامته بالقوم، أن يعتقد الركن ركناً، والسنة سنة إن كان من أهل العلم، وإلا وجب أن لا يعتقد الفرض سنة، وإن جاز عكس ذلك. الحنابلة قالوا: شروط صحة الخطبتين تسعة: أن تكون في الوقت، أن يكون الخطيب ممن تجب عليه الجمعة بنفسه، فلا تجزئ خطبة عبد أو مسافر، ولو نى إقامة مدة ينقطع بها السفر، أن يشتملا على حمد الله تعالى، أن يكونا باللغة العربية، أن تشتمل كل منهما على الوصية بتقوى الله تعالى، أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقرأ آية كاملة من القرآن في كل منهما أن يوالي بين أجزائهما وبينهما وبين الصلاة أن يؤديهما بنية، أن يجهر بأركانهما بحيث يسمع العدد الذي تجب عليه الجمعة بنفسه حيث لا مانع من السماع، كنوم أو غفلة، أو صمم بعضهم. المالكية قالوا: يشترط لصحة الخطبتين تسعة شروط: أن يكونا قبل الصلاة، أن تتصل الصلاة بهما أن تتصل أجزاؤهما بعضها ببعض، أن يكون باللغة العربية، أن يجهر بهما، أن يكونا داخل المسجد، أن يكونا مما تسميه العرب خطبة، أن يحضرهما الجماعة التي تنعقد بها الجمعة وهي اثنا عشر رجلاً، كما يأتي، وإن لم يسمعوا الخطبة، القيام فيها، وقيل: إنه سنة، وقد اعتمد كل من القولين؛ فمن الاحتياط القيام فيها يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
(7) الشافعية قالوا: سنن الخطبة هي: ترتيب الأركان بأن يبدأ بالحمد أولاً. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يوصي الناس بالتقوى، ثم يقرأ الآية، ثم يدعو للمؤمنين، والدعاء في الخطبة الثانية لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح واعانة على الحق؛ ولا بأس بالدعاء للملك والسلطان بخصوصه، وزيادة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة عليه، والصلاة والسلام على الآل والصحب، والانصات وقت الخطبة لمن كان يسمعها لو أنصت، أما من لا يستطيع سماعها، فيندب له الذكر، وأفضله سورة "الكهف" ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أن تكون الخطبة على منبر؛ فإن لم يكن؛ فعلى شيء مرتفع عن مستوى القوم، وأن يكون المنبر عن يمين من يستقبل المحراب، وأن يسلم الخطيب على من كان عند المنبر قبل الصعود عليه إن خرج من الخلوة المعهودة، فإن دخل من باب المسجد سلم على كل من مر عليه كغيره، وأن يقبل عليهم إذا صعد فوق المنبر؛ وأن يجلس على المنبر قبل الخطبة الأولى، وأن يسلم على القوم قبل أن يجلس، أما رد القوم السلام عليه كلما سلم فواجب، وأن يؤذن واحد بين يدي الخطيب لا جماعة. وإلا كره، وأما الأذان الذي قبله على المنارة فسنة إن توقف اجتماع الناس لها عليه، وأن تكون الخطبة فصيحة قريبة منفهم العامة، متوسطة بين الطوب والقصر، يسراه بسيف، ولو من خشب، أو عصا، أو نحو ذلك، ويشغل يمناه بحرف المنبر. الحنابلة قالوا: سنن الخطبة هي أن يخطب الخطيب على منبر أو موضع مرتفع، وأن يسلم على المأمومين إذا خرج عليهم، وأن يسلم عليهم أيضاً بعد أن يصعد على المنبر، ويقبل عليهم بوجهه، وأن يجلس حتى يؤذن المؤذن بين يديه، وأن يجلس بين الخطبتين قليلاً بقدر سورة "الإخلاص" وأن يخطب قائماً؛ وأن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا. وأن يستقبل بخطبته جهة وجهه، فلا يلتفت يميناً أو شمالاً، وأن يقصر الخطبتين، وأن تكون الأولى أطول من الثانية وأن يرفع صوته بهما حسب طاقته، وأن يدعو للمسلمين، ويباح الدعاء لواحد معين، كولي الأمر أو ابنه أو أبيه، ونحو ذلك، وأن يخطب من صحيفة. المالكية قالوا: يسن للإمام أن يجلس على المنبر قبل الخطبة الأولى حتى يفرغ المؤذن من الأذان، وأن يجلس بين الخطبتين قليلاً، وقدّره بعضهم بقراءة سورة "الإخلاص"، ويندب أن تكون الخطبة على منبر، والأفضل أن لا يصعد إلى أعلاه لغير حاجة، بل يقتصر في الصعود على قدر ما يتمكن من إسماع الناس، وأن يسلم على الناس حال خروجه للخطبة، وأصل البدء بالسلام سنة، وكونه حال الخروج وهو المندوب، ويكره أن يؤخر السلام إلى صعوده على المنبر فلو فعل؛ فلا يجب على سامعه الرد عليه، وأن يعتمد حال الخطبتين على عصا ونحوها؛ وابتداء كل من الخطبتين بالحمد والثناء على الله تعالى، وأن يبتدئهم بعد الحمد بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختم الأولى بشيء من القرآن، وختم الثانية بقول: يغفر الله لنا ولكم، ويقوم مقام ذلك: اذكروا الله يذكركم، واشتمالهما على الأمر بالتقوى والدعاء لجميع المسلمين، والترضي على الصحابة، ويستحب الدعاء لوليّ الأمر بالنصر على الأعداء وإعزاز الإسلام به، ويستحب أيضاً الطهارة في الخطبتين، وأن يدعو فيهما بإجزال النعم، ودفع النقم، والنصر على الأعداء، والمعافاة من الأمراض والأدواء، وجاز الدعاء لوليّ الأمر بالعدل والإحسان، ويندب أن يزيد في الجهر حتى يسمع القوم الخطبة، وأن يكون جهره في الثانية أقل من جهره في الأولى، وأن تكون الثانية أقصر من الأولى، وأن يخفف الخطبتين. الحنفية قالوا: يسن للخطبة أمور: بعضها يرجع إلى الخطيب، وبعضها يرجع إلى نفس الخطبة، فيسن للخطيب أن يكون طاهراً من الحدثين الأكبر والأصغر؛ فإن لم يكن كذلك صحت مع الكراهة، ويندب إعادة خطبة الجنب إن لم يطل الفصل، وأن يجل الخطيب على المنبر قبل الشروع في الخطبة، وأن يخطب وهو قائم، فلو خطب قاعداً أو مضطجعاً أجزأه مع الكراهة، وأن يعتمد على سيف متكئاً عليه بيده اليسرى في البلاد التي فتحت عنوة، بخلاف البلاد التي فتحت صلحاً، فإنه يخطب فيها بدون سيف، وأن يستقبل القوم بوجهه فلا يلتفت يميناً ولا شمالاً، وأن يخطب خطبتين إحداهما سنة والأخرى شرط لصحة الجمعة: كما تقدم، وأن يجلس بينهما بقدر ثلاث آيات على المذهب، فلو ترك الجلوس أساء، وأن يبدأ الأولى منهما بالتعوذ في نفسه، ثم يجهر فيها بالحمد لله والثناء عليه بما هو أهله؛ والشهادتين، والصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم، والعظة بالزجر عن المعاصي، والتخويف والتحذير مما يوجب مقت الله تعالى وعقابه وسبحانه والتذكير بما به النجاة في الدنيا والآخرة، وقراءة آية من القرآن، ويبدأ الثانية بالحمد لله والثناء عليه. والصلاة والسلام على رسوله، ويدعو فيها للمؤمنين والمؤمنات، ويستغفر لهم، أما الدعاء للملك والأمير بالنصر والتأييد والتوفيق لما فيه مصلحة رعيته ونحو ذلك فإنه مندوب، لأن أبا موسى الأشعري كان يدعو لعمر في خطبته، ولم ينكر عليه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ويسن للخطيب أيضاً أن يجلس في ناحية خلوته، ويكره له أن يسلم على القوم، وأن يصلي في المحراب قبل الخطبة، وأن يتكلم في الخطبتين بغير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (8) الحنابلة قالوا: إن ترك السنن المتقدمة منه ما هو مكروه، ومنه ما هو خلاف الأولى، فمن المكروه استدبار القوم حال الخطبة، ورفع يديه حال الدعاء فيه (9) المالكية قالوا: الترقية بدعة مكروهة لا يجوز فعلها، إلا إذا شرطها واقف في كتاب وقفه. الحنفية قالوا: إن الكلام بعد خروج الإمام من خلوته إلى أن يفرغ من صلاته مكروه تحريماً، سواء كان ذكراً أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو كلاماً دنيوياً، وهذا هو مذهب الإمام، وهو المعتمد. وبذلك تعلم أن الترقية وكل كلام مكروه تحريماً في هذا المقام، وقال صاحباه: لا يكره الكلام كذلك إلا حال الخطبة، أما بعد خروج الإمام من خلوته وحال جلوسه على المنبر ساكتاً فلا يكره الكلام، وإنما تكره الصلاة، وعلى هذا فلو تكلم بذكر أو صلاة على النبي بدون تهويش، فإنها تجوز عندهما، وعلى كل حال فالترقية بهذه الكيفية بدعة مكروهة في نظر الحنفية، وتركها أحوط على كل حال. الشافعية قالوا: إن الترقية المعروفة بالمساجد - وإن كانت بدعة، لم تكن في عهد رسول الله ولا عهد أصحابه - ولكنها حسنة لا يأباها الدين، لأنها لا تخلو من حث على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتحذير بالجواز لا يبيحون التغني بالصيغ المشهورة المعروفة، كقولهم: اللهم صل وسلم وكرم ومجد وبارك على من تظلله الغمامة، الخ، فإن ذلك التغني لا يجوز لاتفاق. الحنابلة قالوا: لا يجوز الكلام حال الخطبتين، أما قبلهما أو بينهما عند سكوت الخطيب فإن الكلام يباح، ويباح الكلام أيضاً إذا شرع الخطيب في الدعاء، وبذلك تعلم حكم الترقية عندهم (10) الحنفية قالوا: يكره الكلام تحريماً حال الخطبة، سواء أكان بعيداً عن الخطيب أم قريباً منه في الأصح، وسواء أكان الكلام دنيوياً أم بذكر ونحوه على المشهور؛ وسواء حصل من الخطيب لغو بذكر الظلمة أو لا، وإذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه في نفسه، ولا بأس أن يشير بيده ورأسه عند رؤية المنكر، وكما يكره الكلام تحريماً حال الخطبة كذلك تكره الصلاة كما تقدم، باتفاق أهل المذهب: أما عند خروج الإمام من خلوته فالحكم كذلك عن أبي حنفية، لأن خروج الإمام عنده يقطع الصلاة والكلام، وعند صاحبيه يقطع الصلاة دون الكلام، ومن الكلام المكروه رد السلام بلسانه ويقلبه، ولا يلزمه قبل الفراغ من الخطبة أو بعدها، لأن البدء بالسلام غير مأذون فيه شرعاً، بل يأثم فاعله، فلا يجب الرد عليه، وكذا تشميت العاطس، ويكره للإمام أن يسلم على الناس، وليس من الكلام المكروه والتحذير من عقرب أو حية، أو النداء لخوف على أعمى ونحو ذلك، مما يترتب عليه دفع ضرر. المالكية قالوا: يحرم الكلام حال الخطبة وحال جلوس الإمام على المنبر بين الخطبتين، ولا فرق في ذلك بين من يسمع الخطبة وغيره، فالكل يحرم عليه الكلام، ولو كان برحبة المسجد أو الطرق المتصلة به، وإنما يحرم الكلام المذكور ما لم يحصل من الإمام لغو في الخطبة، كأن يمدح من لا يجوز مدحه أو يذم من لا يجوز ذمه، فإن فعل ذلك سقطت حرمته، ويجوز الكلام حال جلوسه على المنبر قبل الشروع في الخطبة وفي آخر الخطبة الثانية عند شروع الخطيب في الدعاء للمسلمين أو لأصحاب الرسول عليه السلام أو الخليفة، ومن الكلام المحرم حال الخطبة ابتداء السلام ورده على من سلم، ومنه أيضاً نهي المتكلم حال الخطبة. وكما يحرم الكلام تحرم الإشارة لمن يتكلم ورميه بالحصى ليسكت؛ ويحرم أيضاً الشرب وتشميت العاكس، لكن يندب للعاطس والإمام يخطب أن يحمد الله سراً، وكذلك إذا ذكر الخطيب آية عذاب أو ذكر النار مثلاً، فإنه يندب للحاضر أن يتعوذ سراً قليلاً، وإذا دعا الخطيب ندب للحاضر التأمين، ويكره الجهر بذلك، ويحرم الكثير منه ومثل التأمين التعوذ والاستغفار والصلاة على النبي عليه السلام إذا وجد السبب لكل منهما، فيندب كل منهما سراً إذا كان قليلاً، وأما التنفل فيحرم بمجرد خروج الإمام للخطبة، والقاعدة أن خروج الخطيب يحرم الصلاة، وكلامه يحرم الكلام. الشافعية قالوا: من كان قريباً من الخطيب بحيث لو أنصت يسمعه يكره له تنزيهاً أن يتكلم أثناء أداء الخطيب أركان الخطبة، وإن لم يسمع بالفعل، وقيل: يحرم؛ أما ما زاد على أركان الخطبة فإنه لا يكره الكلام في أثناء أدائه، كما لا يكره الكلام قبل الخطبة، ولو خرج الإمام من خلوته ولا بعدها قبل إقامة الصلاة ولا بين الخطبتين، وكذا لا يكره كلام من كان بعيداً عنه، بحيث لو أنصت لا يسمع؛ ويسن له حينذاك أن يشتغل بالذكر، ويستثنى من كراهة الكلام المذكور أربعة أمور: الأول: تشميت العاطس، فإنه مندوب؛ الثاني: رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه الكرم من غير مبالغة في رفعه، فإنه مندوب أيضاً؛ الثالث: رد السلام، فإنه واجب، وإن كان البدء بالسلام على مستمع الخطبة من الكلام المكروه؛ الرابع: ما قصد به دفع أذى، كإنقاذ أعمى أو التحذير من عقرب ونحوه، فإنه واجب، أما الصلاة حال الخطبة فقد تقدم حكمها. الحنابلة قالوا: يحرم على من كان قريباً من الخطيب يوم الجمعة - بحيث يسمعه - أن يتكلم حال الخطبة بأي كلام، ذكراً كان أو غيره، ولو كان الخطيب غير عدل، إلا الخطيب نفسه، فإنه يجوز له أن يتكلم مع غيره لمصلحة، كما يجوز لغيره أن يتكلم معه: نعم يباح للمستمع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه، ولكن يسن له أن يصلي عليه سراً، وكذا يجوز له أن يؤمِّن على الدعاء، وأن يحمد إذا عطس خفية، وأن يشمت العاطس، وأن يرد السلام بالقول لا بالإشارة؛ أما من كان بعيداً عن الخطيب بحيث لا سمعه، فإنه يجوز له الكلام، وإذا اشتغل بالقراءة والذكر ونحو ذلك كان أفضل من السكوت، وليس له أن يرفع صوته بذلك لئلا يشغل غيره عن الاستماع للخطيب، وكذلك لا يحرم الكلام قبل الخطبتين أو بعدهما، ولا في حال سكوت الخطيب بين الخطبتين، ولا عند شروع الخطيب في الدعاء، لأنه يكون قد فرغ من أركان الخطبة، والدعاء لا يجب الانصات له ومن سمع غيره يتكلم فليس له إسكاته بالقول، بل له أن يشير له بوضع إصبعه السبابة على فيه، وقد يجب الكلام حال الخطبة إذا كان لإنقاذ ا'مى أو تحذير الغير من حية أو عقرب أو نار أو نحو ذلك (11) الحنفية قالوا: تخطي الصفوف يوم الجمعة لا بأس به بشرطين: الأول: أن لا يؤذي أحداً به، بأن يطأ ثوبه أو يمس جسده؛ الثاني: أن يكون ذلك قال شروع الإمام في الخطبة، وإلا كره تحريماً، ويستثنى من ذلك ما إذا تخطى لضرورة، كأن لم يجد مكاناً يجلس فيه إلا بالتخطي، فيباح له حينئذ مطلقاً. الشافعية قالوا: تخطي الرقاب يوم الجمعة مكروه، وهو أن يرفع رجله، ويخطي بها كتف الجالس؛ أما المرور بين الصفوف بغير ذلك فليس من التخطي، ويستثنى من التخطي المكروه أمور: منها أن يكون المتخطي ممن لا يتأذى منه كأن يكون رجلاً صالحاً أو عظيماً، فإنه لا يكره؛ ومنها أن يجد أمامه فرجة يريد سدها، فيسن له في هذه الحالة أن يتخطى لسدها؛ ومنها أن يجلس في الصفوف الأمامية التي يسمع الجالسو فيها الخطيب من لا تنعقد بهم الجمعة، كالصبيان ونحوهم، فإنه يجب في هذه الحالة على من تنعقد بهم الجمعة أن يتخطوا الرقاب؛ ومنها أن يكون المتخطي إمام الجمعة. إذا لم يمكنه الوصول إلى المنبر إلا بالتخطي. الحنابلة قالوا: يكره لغير الإمام والمؤذن بين يدي الخطيب إذا دخل المسجد لصلاة الجمعة أن يتخطى رقاب الناس إلا إذا وجد فرجة في الصف المتقدم، ولا يمكنه الوصول إليها إلا بالتخطي، فإنه يباح له ذلك؛ والتخطي المكروه وهو أن يرفع رجله، ويخطي بها كتف الجالس. المالكية قالوا: يحرم تخطي الرقاب حال وجود الخطيب على المنبر، ولو كان لسد فرجة في الصف، ويكره قبل وجود الخطيب على المنبر إن كان لغير سد فرجة، ولم يترتب عليه إيذاء أحد من الجالسين، فإن كان لسد فرجة جاز، وإن ترتب عليه إيذاء حرم، ويجوز التخطي بعد فراغ الخطبة وقبل الصلاة، كما يجوز المشي بين الصفوف ولو حال الخطبة (12) الحنفية قالوا: يكره الخروج من المصر يوم الجمعة بعد الأذان الأول إلى أن يصلي الجمعة على الصحيح، أما السفر قبل الزوال فلا يكره. المالكية قالوا: يكره السفر بعد فجر الجمعة لمن لا يدركها في طريقه وإلا جاز، كما يجوز السفر قبل الفجر، أما السفر بعد الزوال فحرام، ولو كان قبل الأذان إلا لضرورة، كفوات رفقة يخشى منه ضرراً على نفسه أو ماله، كذا إذا علم أنه يدركها في طريقه، فيجوز له السفر في الحالتين. الشافعية قالوا: يحرم على من تلزمه الجمعة السفر بعد فجر يومها إلا إذا ظن أنه يدركها في طريقه أو كان السفر واجباً، كالسفر لحج ضاق وقته وخاف فوته، أو كان لضرورة، كخوفه فوات رفقة يلحقه ضرر بفوتهم، وأما مجرد الوحشة بفوتهم فلا يبيح السفر، أما السفر قبل فجرها فمكروه. الحنابلة قالوا: يحرم سفر من تلزمه الجمعة بعد الزوال إلا إذا لحقه ضرر، كتخلفه عن رفقته في سفر مباح فيباح له السفر بعد الزوال حينئذ، أما السفر قبل الزوال فمكره، وإنما يكون السفر المذكور حراماً أو مكروهاً إذا لم يأت بها في طريقه، وإلا كان مباحاً (13) الحنفية قالوا: من لا عذر له يمنعه عن حضور الجمعة إذا لم يحضرها وصلى الظهر قبل صلاة الإمام انعقد ظهره موقوفاً، فإن اقتصر على ذلك بأن انصرف عن الجمعة بالمرة صح ظهره؛ وإن حرم عليه ترك الجمعة، أما إذا لم ينصرف بأن مشى إلى الجمعة، فإن كان الإمام لم يفرغ من صلاته، بطل ظهره بالمشي إذا انفصل عن داره وانعقد نفلاً، ووجب عليه أن يدخل مع الإمام في صلاته، فإن لم يدركه أعاد الظهر، وإن كان الإمام قد فرغ من صلاته لم يبطل ظهره بالمشي، ومثله ما إذا كان مشيه مقارناً لفراغ الإمام أو قبل إقامة الجمعة. المالكية قالوا: من تلزمه الجمعة، وليس له عذر يبيج له التخلف عنها إن صلى الظهر، وهو يظن أنه لو سعى إلى الجمعة أدرك منها فصلاته باطلة على الأصح، ويعيدها أبداً، وأما إذا كان بحيث لو سعى إلى الجمعة لا يدرك منها ركعة فصلاته الظهر صحيحة، كما تصح ممن لا تلزمه الجمعة، ولو علم أنه لو سعى إليها يدركها بتمامها |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 364 الى صــــــــ376 الحلقة (56) أما من لا تجب عليه الجمعة كالمريض ونحوه صلاة الظهر منه، ولو حال اشتغال الإمام بصلاة الجمعة، ويندب له تأخير الظهر إذا رجال زوال عذره، أما إذا لم يرج ذلك فيندب له تعجيلها في أول وقتها، ولا ينتظر سلام الإمام، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . [هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر جماعة؟] من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره جاز له أن يصلي الظهر جماعة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) . [من أدرك الإمام في ركعة أو أقل من صلاة الجمعة] من أدرك الإمام في الركعة الثانية فقد أدرك الجمعة. فعليه أن يأتي بركعة ثانية ويسلم باتفاق أما إذا أدركه في الجلوس الأخير فقط فإنه يلزمه أن يصلي أربع ركعات ظهراً، بأن يقف بعد سلام الإمام، ويصلي أربع ركعات؛ ولا يكون مدركاً للجمعة باتفاق المالكية، والشافعية، وخالف الحنفية؛ والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . [مندوبات الجمعة] تحسين الهيئة - قراءة سورة الكهف - المبادرة بالذهاب للمسجد، وغير ذلك.وأما مندوبات الجمعة، فمنها تحسين الهيئة، بأن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وينتف إبطه ونحو ذلك ومنها التطيب والاغتسال، وهو سنة باتفاق ثلاثة. وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة. والأمر في ذلك سهل، ذكرناه قبلاً، ومنها قراءة سورة الكهف يومها وليلتها، فيندب لمن يحفظها أو يمكنه قراءتها. في المصحف أن يفعل ذلك؛ أما قراءتها في المساجد فإن ترتب عليها تهويش أو إخلال بحرمة المسجد برفع الأصوات، والكلام الممنوع، فإنه لا يجوز باتفاق، وقد تقدم في مبحث "ما يجوز فعله في المساجد. وما لا يجوز" فارجع إليه إن شئت: ومنها الاكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الاكثار من الدعاء يومها لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها، رواه مسلم، ومنها المبادرة بالذهاب إلى موضع إقامتها لغير الإمام؛ أما هو فلا يندب له التكبير، وليس للمبادرة وقت معين، فله أن يذهب قبل الأذان. ومنها المشي بسكينة إلى موضعها بساعتين أو أكثر أو أقل، عند ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، ومنها أن يتزين بأحسن ثيابه، والأفضل ما كان أبيض؛ باتفاق الشافعية، والحنفية، أما المالكية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (5) . [مباحث الإمامة في الصلاة] يتعلق بها مباحث: الأول: تعريفها، وبيان العدد الذي تتحقق به، الثاني: حكمها، ودليله، الثالث: شروطها، ويتعلق بالشروط أمور: منها حكم إمامة النساء، ومنها حكم إمامه الصبي المميز، ومنها حكم إمامة الأميّ الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومنها حكم إمامة المحدث الذي نسي حدثه، ومنها حكم إمامة الألثغ ونحوه، ومنها نية المأموم الاقتداء، ومنها نية الإمام الإمامة، ومنها اقتداء الذي يصلي فرضاً بإمام يصلي نفلاً؛ ومنها متابعة المأموم لإمامه، ومنها اتحاد فرض المأموم والإمام، فلا تصح صلاة الظهر خلف عصر مثلاً؛ فكل هذه المباحث تتعلق بمبحث واحد من مباحث الإمامة، وهو المبحث الثالث، وبقي من مباحثها المبحث الرابع: أعني الأعذار التي تسقط بها صلاة الجماعة، الخامس: مبحث من له حَق التقدم في الإمامة، السادس: مبحث مكروهات الإمامة، السابع: مبحث كيف يقف المأموم مع إمامه،؟ وكيف يقف الإمام مع المأمومين،؟ ومن أحق بالوقوف في الصف الأول، الثامن: تراص الصفوف وتسويتها، التاسع: يصح لمن صلى فرضاً جماعة أن يصلي مع جماعة أخرى، العاشر: تكرار الجماعة في المسجد الواحد، الحادي عشر: مبحث بيان القدر الذي تدرك به الجماعة، الثاني عشر: مبحث إذا فات المقتدي أداء بعض الركعات أو كلها مع إمامه لعذر، كزحمة ونحوها، الثالث عشر: مبحث الاستخلاف. وإليك بيانها بالعناوين الآتية. [تعريف الإمامة في الصلاة، وبيان العدد الذي تتحقق به] الإمامة في الصلاة معروفة، وهي أن يربط الإنسان صلاته بصلاة إمام مستكمل للشروط الآتي بيانها، فيتبعه في قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه ونحو ذلك، مما تقدم بيانه في "أحكام الصلاة" فهذا الربط يقال له: إمامة، ولا يخفى أن هذا الربط واقع من المأموم: لأنه كناية عن اتباع المأموم الإمام في أفعال الصلاة. بحيث لو بطلت صلاة المأموم لا تبطل صلاة الإمام، أما إذا بطلت صلاة الإمام فإن صلاة المأموم تبطل، لأنه قد ربط صلاته بصلاة الإمام، وتتحقق الإمامة في الصلاة بواحد مع الإمام فأكثر، لا فرق بين أن يكون الواحد المذكور رجلاً أو امرأة، باتفاق، فإن كان صبياً مميزاً فإن الإمامة تتحقق به عند الحنفية، والشافعية: وخالف المالكية، والحنابلة، فقالوا: لا تتحقق صلاة الجماعة بصبي مميز مع الإمام وحدهما. [حكم الإمامة في الصلوات الخمس، ودليله] اتفقت المذاهب على أن الإمامة مطلوبة في الصلوات المفروضة فلا ينبغي للمكلف أن يصلي منفرداً بدون عذر من الأعذار الآتي بيانها؛ على أن الحنابلة قالوا: إنها فرض عين في كل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة، ولم يوافقهم على ذلك أحد من الأئمة الثلاثة، كما ستعرفه في التفصيل الآتي؛ وقد استدل الحنابلة، ومن وافقهم من العلماء على ذلك بما رواه البخاري عن أبي هيرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب. ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجدب عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء "العرق" - بفتح العين، وسكون الراء - قطعة لحم على عظم، "والمرماتين" بكسر الميم - تثنية مرماة: وهي سهم دقيق يتعلم عليه الرمي ليصطاد به ما يملأ به بطنه، فهذا الحديث يدل على أن الجماعة فرض، لأن عقوبة التحريق بالنار لا تكون إلا على ترك الفرض، وارتكاب المحرم الغليظ، ولا يلزم في الدلالة على ذلك أن يحرقهم بالفعل، بل يكفي أن يعلم الناس عظيم قدر الجماعة، واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها، وهذا وجيه، ولكن مما لا شك فيه أن هذا الحديث لم تذكر فيه سوى صلاة العشاء، فإذا كان للحنابلة ومن معهم وجه في الاستدلال به، فإنما يكون في صلاة العشاء وحدها، أما باقي الصلوات الخمس فلا تؤخذ من هذا الحديث؛ على أن علماء المذاهب الأخرى قد أجابوا عن هذا بأجوبة كثيرة: منها أن هذا الحديث كان في بدء الإسلام، حيث كان المسلمون في قلة، وكانت الجماعة لازمة في صلاة العشاء بخصوصها، لأنها وقت الفراغ من الأعمال، فلما كثر المسلمون نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماع تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، فإن الأفضلية تقتضي الاشتراك في الفضل، ويلزم من كون صلاة الفذ فاضلة أنها جائزة، وأيضاً فقد ثبت نسخ التحريق بالنار في الحنفية قالوا: المتخلفين باتفاق؛ فالاستدلال به على الفرضية ضعيف، وقد استدل الحنابلة على فرضية الصلاة جماعة أيضاً بقوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، فلتقم طائفة منهم معك، وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} ، ووجه الإستدلال أن الله تعالى قد كلفهم بصلاة الجماعة في وقت الشدة والحرج، فلو لم تكن الجماعة واجبة لما كلفهم بأن يصلوها على هذا الوجه، ولكن علماء المذاهب الأخرى قالوا: إن الآية تدل على أن الإمامة مشروعة، لا على أنها فرض عين؛ أما قولهم: إن هذا الوقت وقت خوف وشدة فذلك صحيح، ولكن تعليمهم للصلاة بهذه الكيفية قد يكون فيه حذر أكثر من صلاتهم فرادى، لأن الفئة الواقفة إزاء العدو حارسة للأخرين، فإذا وجدت فرصة للعدو للهجوم عليهم بغتة نبهتهم الفرقة الحارسة ليقطعوا صلاتهم، ويقاوموا عدوهم، وذلك منتهى الدقة والحذر؛ نعم تدل الآية على عظم قدر الصلاة جماعة عند المسلمين الأولين الذين كانوا يشعرون بعظمة خالف الكائنات الحي الدائم الذي لا يفنى حقاً، ويعرفون أن الصلاة تذلل لخالقهم، وخضوع لا ينبغي إهماله حتى في أحرج المواقف وأخطرها، ومما لا شك فيه أن صلاة الجماعة مطلوبة باتفاق، إنما الكلام في أنها فرض عين في جميع الصلوات الخمس، وجمهور أئمة المسلمين على أنها ليست كذلك.وبعد فحكم صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة مبين في كل مذهب من المذاهب الأربعة تحت الخط (6) . [حكم الإمامة في صلاة الجمعة والجنازة والنوافل] قد عرفت حكم الإمامة في الصلوات الخمس المفروضة، وبقي حكمها في غير ذلك من الصلوات الأخرى، كصلاة الجنازة والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء، وباقي النوافل، فانظره مفصلاً في كل مذهب تحت الخط (7) . [شروط الإمامة: الإسلام] يشترط لصحة الجماعة شروط: منها الإسلام، فلا تصح إمامة غير المسلم باتفاق، فمن صلى خلف رجل يدعي الإسلام، ثم تبين له أنه كافر. فإن صلاته الذي صلاها خلفه تكون باطلة، وتجب عليه إعادتها؛ وقد نظر بعضهم أن هذه الصورة نادرة الوقوع، ولكن الواقع غير ذلك، فإن كثيراً ما يتزيا غير المسلم بزي المسلم لأغراض مادية، ويظهر الورع والتقوى ليظفر ببغيته، وهو في الواقع غير مسلم. [البلوغ، وهل تصح إمامة الصبي المميز؟] ومن شروط صحة الإمامة البلوغ، فلا يصح أن يقتدي بالغ بصبي مميز في صلاة مفروضة، باتفاق ثلاثة من الأئمة: وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) . هذا في الصلاة المفروضة، أما صلاة النافلة فيصح للبالغ أن يقتدي بالصبي المميز فيها، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) . هذا، ويصح للصبي المميز أن يصلي إماماً بصبي مثله باتفاق. [إمامة النساء] ومن شروط الإمامة - الذكورة المحققة - فلا تصح إمامة النساء، وإمامة الخنثى المشكل إذا كان المقتدي به رجال، أما إذا كان المقتدي به نساء فلا تشترط الذكورة في إمامتهن، بل يصح أن تكون المرأة إماماً لا مرأة مثلها، أو الخنثى. باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) . [العقل] ومن شروط صحة الإمامة العقل، فلا تصح إمامة المجنون إذا كان لا يفيق من جنونه، أما إذا كان يفيق أحياناً ويجن أحياناً، فإن إمامته تصح حال إفاقته، وتبطل حال جنونه باتفاق. [اقتداء القارئ بالأمي] اشترطوا لصحة الإمامة أن يكون الإمام قارئاً إذا كان المأموم قارئاً، فلا تصح إمامة أمي بقارئ، والشرط هو أن يحسن الإمام قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، فلو كان إمام قرية مثلاً يحسن قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، فإنه يجوز للمتعلم أن يصلي خلفه، أما إذا كان أميّاً، فإنه لا تصح إمامته إلا بأمي مثله، سواء وجد قارئ يصلي بهما أولا، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (11) . [سلامة الإمام من الأعذار كسلس البول] ويشترط أيضاً لصحة الإمامة أن يكون الإمام سليماً من الأعذار، كسلس البول، والإسهال المستمر، وانفلات الريح، والرعاف، ونحو ذلك، فمن كان مريضاً بمرض من هذه فإن إمامته لا تصح بالسليم منها، وتصح بمريض مثله إن اتحد مرضهما، أما إن اختلف، كأن كان أحدهما مريضاً بسلس البول، والآخر بالرعاف الدائم، فإن إمامتهما لبعضهما لا تصح، وهذا القدر متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) . [طهارة الإمام من الحدث والخبث] ومن شروط صحة الإمامة المتفق عليها أن يكون الإمام طاهراً من الحدث والخبث؛ فإذا صلى شخص خلف رجل محدث أو على بدنه نجاسة، فإن صلاته تكون باطلة، كصلاة إمامه، بشرط أن يكون الإمام عالماً بذلك الحدث، ويتعمد الصلاة. وإلا فلا تبطل، على تفصيل في المذاهب، ذكرناه تحت الخط (13) . [إمامة من بلسانه لثغ ونحوه] من شروط صحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليماً لا يتحول في النطق عن حرف إلى غيره، كأن يبدل الراء غيناً، أو السين ثاء، أو الذال زاياً، أو الشين سيناً، أو غير ذلك من حروف الهجاء. وهذا ما يقال له: ألثغ لأن اللثغ في اللغة تحول اللسان من حرف إلى حروف الهجاء. وهذا يقال له ألثغ لأن اللثغ في اللغة تحول اللسان من حرف إلى حرف، ومثل هذا يجب عليه تقويم لسانه، ويحاول النطق بالحرف صحيحاً بكل ما في وسعه، فإن عجز بعد ذلك فإن إمامته، لا تصح إلا لمثله، أما إذا قصر، ولم يحاول إصلاح لسانه فإن صلاته تبطل من أصلها، فضلاً عن إمامته، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، والحنابلة، إلا أن الحنفية يقولون: إن مثل هذا إذا كان يمكنه أن يقرأ موضعاً من القرآن صحيحاً غير الفاتحة وقرأه فإن صلاته لا تبطل، لأن قراءة الفاتحة غير فرض عندهم، وخالف في ذلك كله المالكية، فقالوا: إن إمامته صحيحة مطلقاً، كما هو موضح في مذهبم الآتي، ومثل الألثغ في هذا التفصيل من يدعم حرفاً في آخر خطأ، كأن يقلب السين تاء، ويدغمها في تاء بعدها، فيقول مثلاً المتقيم بدل "المستقيم"؛ فمثل هذا يجب عليه أن جتهد في إصلاح لسانه، فإن عجز صحت إمامته لمثله، وإن قصر بطلت صلاته وإمامته.أما الفأفأء، وهو الذي يكرر الفاء في كلامه، والتمتام وهو الذي يكرر التاء فإن إمامته تصح لمن كان مثله، ومن لم يكن، مع الكراهة عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية قالوا: إنها تصح بدون كراهة مطلقاً، والحنفية قالوا: إن إمامتهما كإمامة الألثغ، فلا تصح إلا لمثلهما بالشرط المتقدم، وقد ذكرنا مذهب المالكية في ذلك كله تحت الخط (14) . [إمامة المقتدي بإمام آخر] من شروط صحة الإمامة أن لا يكون الإمام مقتدياً بإمام غيره، مثلاً إذا أدرك شخص إمام المسجد في الركعتين الأخيرتين من صلاة العصر، ثم سلم الإمام، وقام ذلك الشخص ليقضي الركعتين، فجاء شخص آخر ونوى صلاة العصر مقتدياً بذلك الشخص الذي يقضي ما فاته، فهل تصح صلاة المقتدي الثاني أو لا؟ وأيضاً إذا كان المسجد مزدحماً بالمصلين، وجاء شخص في آخر الصفوف، ولم يسمع حركات الإمام، فاقتدى بأحد المصلين الذين يصلون خلفه، فهل يصح اقتداؤه أو لا؟ في ذلك كله تفصيل، فانظره تحت الخط (15) . (1) الحنفية قالوا: يسن للمعذور تأخير صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، أما صلاته قبل ذلك فمكروهة تنزيهاً، سواء رجا زوال عذره أو لا (2) الحنفية قالوا: من فاتته صلاة الجمعة لعذر أو لغيره يكره له صلاة ظهر الجمعة بالمصر بجماعة، أما أهل البوادي الذين لا تصح منهم الجمعة فيجوز لهم صلاة ظهر الجمعة بجماعة من غير كراهة، لأن يوم الجمعة بالنسبة لهم كغيره من باقي الأيام. الشافعية قالوا: من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره سن له أن يصلي الظهر في جماعة، ولكن إن كان عذره ظاهراً كالسفر ونحوه سن له أيضاً إظهار الجماعة، وإن كان عذره خفياً، كالجوع الشديد، سن إخفاء الجماعة، ويجب على من ترك الجمعة بلا عذر أن يصلي عقب سلام الإمام فوراً. الحنابلة قالوا: من فاتته الجمعة لغير عذر أو لم يفعلها لعدم وجوبها عليه، فالأفضل له أن يصلي الظهر في جماعة مع إظهاره، ما لم يخش الفتنة من إظهار جماعتها؛ وإلا طلب إخفاءها. المالكية قالوا: تطلب الجماعة في صلاة الظهر يوم الجمعة من معذور يمنعه عذره من حضور الجمعة، كالمريض الذي لا يستطيع السعي لها والمسجون؛ ويندب له إخفاء الجماعة لئلا يتهم بالإعراض عن الجمعة؛ كما يندب له تأخيرها عن صلاة الجمعة، أما من ترك الجمعة بغير عذر أو لعذر لا يمنعه من حضورها، كخوف على ماله لو ذهب للجمعة، فهذا يكره له الجماعة في الظهر (3) الحنفية قالوا: من أدرك الإمام في أي جزء من صلاته فقد أدرك الجمعة ولو تشهد سجود السهو، وأتمها جمعة على الصحيح. الحنابلة قالوا: من أدرك مع إمام الجمعة ركعة واحدة بسجدتيها أتمها جمعة، وإلا أتمها ظهراً إن كان يصلي الجمعة في وقت الظهر؛ بشرط أن ينويه، وإلا أتمها نفلاً، ووجبت عليه صلاة الظهر (4) المالكية قالوا: يندب الذهاب للجمعة وقت الهاجرة، ويبتدئ بقدر ساعة قبل الزوال، وأما التكبير، وهو الذهاب قبل ذلك؛ فمكروه (5) المالكية قالوا: المندوب لبس الأبيض يوم الجمعة، فإن وافق يوم الجمعة يوم العيد لبس الجديد أو النهار، ولو كان أسود، لما عرفت أن السنة يوم العيد هي أن يلبس الجديد مطلقاً أبيض أو أسود فإذا خرج لصلاة الجمعة فإنه يندب له أن يلبس الأبيض، وبذلك يكون قد أدى حَق العيد وحَق الجمعة. الحنابلة قالوا: المندوب يوم الجمعة هو الأبيض لا غير (6) المالكية قالوا: في حكم الجماعة في الصلوات الخمس قولان: أحدهما مشهور، والثاني أقرب إلى التحقيق، فأما الأول فهو أنها سنة مؤكدة بالنسبة لكل مصل، وفي كل مسجد، وفي البلد الذي يقيم به المكلف، على أنه إن قام بها بعض أهل البلد لا يقاتل الباقون على تركها، وإلا قوتلوا لاستهانتهم بالسنة، وأما الثاني فهو أنه فرض كفاية في البلد، فإن تركها جميع أهل البلد قوتلوا؛ وإن قام بها بعضهم سقط الفرض عن الباقين، وسنة في كل مسجد للرجال، ومندوبة لكل مصل في خاصة نفسه، وللمالكي أن يعمل بأحد الرأيين، فإذا قال: إنها سنة عين مؤكدة يطلب اداؤها من كل مصل وفي كل مسجد؛ فقوله صحيح عندهم، على أنها وإن كانت سنة عين مؤكدة بالنسبة لكل مصل. ولكن إن قام بها بعض أهل البلد لا يقاتل الباقون على تركها، فالبلد الذي فيها مسجد تقام فيه الجماعة يكفي في رفع القتال عن الباقين، ومن قال إنها فرض كفاية فإنه يقول إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وقد وافقهم الشافعية في هذا القول، وإن خالفوهم في التفصيل الذي بعده. الحنفية قالوا: صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة سنة عين مؤكدة، وإن شئت قلت هي واجبة، لأن السنة المؤكدة هي الواجب على الأصح؛ وقد عرفت أن الواجب عند الحنفية أقل من الفرض، وأن تارك الواجب يأثم إثماً أقل من إثم تارك الفرض، وهذا القول متفق مع الرأي الأول للمالكية الذين يقولون: إنها سنة عين مؤكدة: ولكنهم يخالفونهم في مسألة قتال أهل البلدة من أجل تركها، وإنما تسن في الصلاة المفروضة للرجال العقلاء الأحرار، غير المعذورين بعذر من الأعذار الآتية. إذا لم يكونوا عراة، وسيأتي بيان الجماعة في حَق النساء والصبيان، وباقي شروط الإمامة. الشافعية قالوا: في حكم صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة أقوال عندهم: الراجح منها أنها فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، فإذا أقيمت الجماعة في مسجد من مساجد البلدة سقطت عن باقي سكان البلدة، وكذا إذا أقامها جماعة في جهة من الجهات، فإنها تسقط عن باقي أهل الجهة. وبعض الشافعية يقول: إنها سنة عين مؤكدة، وهو مشهور عندهم، ومثل الصلوات الخمس في ذلك الحكم صلاة الجنازة، على أنهم قالوا: إن صلاة الجنازة تسقط إذا صلاها رجل واحد أو صبي مميز، بخلاف ما إذا صلتها امرأة واحدة، كما سيأتي في مباحث "صلاة الجنازة". الحنابلة قالوا: الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة، فرض عين بالشرائط الآتي بيانها، وقد عرفت استدلالهم (7) المالكية قالوا: الجماعة في صلاة الجمعة شرط لصحتها، فلا تصح إلا بها، والجماعة في صلاة الكسوف والاستسقاء والعيدين شرط لتحقق سنيتها، فلا يحصل له ثواب السنة إلا إذا صلاها جماعة، والجماعة في صلاة التراويح مستحبة. أما باقي النوافل فإن صلاتها جماعة تارة يكون مكروهاً، وتارة يكون جائزاً، فيكون مكروهاً إذا صليت بالمسجد، أو صليت بجماعة كثيرين، أو كانت بمكان يكثر تردد الناس عليه، وتكون جائزة إذا كانت بجماعة قليلة، ووقعت في المنزل ونحوه في الأمكنة التي لا يتردد عليها الناس. الحنفية قالوا: تشترط الجماعة لصحة الجمعة والعيدين، وتكون سنة كفاية في صلاة التراويح والجنازة، وتكون مكروهة في صلاة النوافل مطلقاً، والوتر في غير رمضا؛ وإنما تكره الجماعة في ذلك إذا زاد المقتدون عن ثلاثة، أما الجماعة في وتر رمضان ففيها قولان مصححان: أحدهما: أنها مستحبة؛ ثانيهما: أنها غير مستحبة، ولكنها جائزة، وهذا القول أرجح. الشافعية قالوا: الجماعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة فرض عين، وفي الركعة الثانية من صلاة الجمعة سنة، فلو أدرك الإمام في الركعة الأولى من صلاة الجمعة، ثم نوى مفارقته في الركعة الثانية وصلاها وحده صحت صلاته: وكذلك تكون فرض عين في خمسة مواضع أخرى: الأول: في كل صلاة أعيدت ثانياً في الوقت، فلو صلى الظهر مثلاً منفرداً أو في جماعة، ثم أراد أن يعيد صلاته مرة أحرى، فإنه لا يجوز له ذلك، إلا إذا صلاه جماعة؛ الثاني: تفترض الجماعة في الصلاة المجموعة جمع تقديم في حالة المطر، وإنما تفترض الجماعة في الصلاة الثانية فإذا وجد مطر شديد بعد دخول وقت الظهر مثلاً، فإن له أن يصلي الظهر منفرداً، ويصلي العصر مع الظهر لشدة المطر، بشرط أن يصلي العصر جماعة، فلو صلاه منفرداً فلا تصح صلاته؛ الثالث: الصلاة التي نذر أن يصليها جماعة، فإنه يفترض عليه أن يصليها كذلك، بحيث لو صلاها منفردا، فإنها لا تصح؛ الرابع: الصلاة المفروضة التي لم يوجد أحد يصليها جماعة إلا اثنان: فإذا فرض ولم يوجد في جهة إلا اثنان، فإن الجماعة تكون فرضاً عليهما، وذلك لأنك عرفت أن الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة فرض كفاية في الأصح، فإذا لم يوجد أحد يصليها إلا اثناء تعينتت عليهما؛ الخامس: تكون الجماعة فرض عين إذا وجد الإمام راكعاً، وعلم أنه اقتدى به أدرك ركعة في الوقت، ولو صلى منفرداً فاتته الركعة. أما الجماعة في صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان فهي مندوبة عند الشافعية، ومثل ذلك الصلاة التي يقضيها خلف إمام يصلي مثلها، كما إذا كان عليه ظهر قضاء، فإنه يندب أن يصليه خلف إمام يصلي ظهراً مثله، وكذلك تندب الجماعة لمن فاتته الجمعة لعذر من الأعذار، فإنه يندب له أن يصلي الظهر بدلاً عن الجمعة في جماعة وتباح الجماعة في الصلاة المنذورة وتكره في صلاة أداء خلف قضاء وعكسه، وفي فرض خلف نفل وعكسه، وفي وتر خلف تراويح وعكسه. الحنابلة قالوا: تشترط الجماعة لصلاة الجمعة، وتسن الرجال الأحرار القادرين في الصلوات المفروضة إذا كانت قضاء، كما تسن لصلاة الجنازة؛ أما النوافل فمنها ما تسن فيه الجماعة وذلك كصلاة الاستسقاء والتراويح والعيدين ومنها ما تباح فيه الجماعة، كصلاة التهجد ورواتب الصلوات المفروضة (8) الشافعية قالوا: يجوز اقتداء البالغ بالصبي المميز في الفرض إلا في الجمعة، فيشترط أن يكون بالغاً إذا كان الإمام من ضمن العدد الذي لا يصح إلا به، فإن كان زائداً عنهم صح أن يكون صبياً مميزاً (9) الحنفية قالوا: لا يصح اقتداء البالغ بالصبي مطلقاً، لا في فرض، ولا في نفل على الصحيح (10) المالكية قالوا: لا يصح أن تكون المرأة ولا الخنثى المشكل إماماً لرجال أو نساء، لا في فرض، ولا في نفل، فالذكورة شرط في الإمام مطلقاً مهما كان المأموم (11) المالكية قالوا: لا يصح اقتداء أمي عاجز عن قراءة الفاتحة بمثله إن وجد قارئ ويجب عليهما معاً أن يقتديا به، وإلا بطلت صلاتهما، أما القادر على قراءة الفاتحة، ولكنه لا يحسنها، فالصحيح أنه يمنع ابتداء من الاقتداء بمثله إن وجد من يحسن القراءة، فإن اقتدى بمثله صحت، إما إذا لم يوجد قارئ فيصح اقتداء الأمي بمثله على الأصح (12) المالكية قالوا: لا يشترط في صحة الإمامة سلامة الإمام من الأعذار المعفو عنها في حقه فإذا كان الإمام به سلس بول معفو عنه لملازمته ولو نصف الزمن، كما تقدم، صحت إمامته، وكذا إذا كان به انفلات ريح أو غير ذلك مما لا ينقض الوضوء، ولا يبطل الصلاة، فإمامته صحيحة نعم يكره أن يكون إماماً لصحيح ليس به عذر. الشافعية قالوا: إذا كان العذر القائم بالإمام لا تجب معه إعادة الصلاة، فإمامته صحيحة، ولو كان المقتدي سليماً (13) المالكية قالوا: لا تصح إمامة المحدث إن تعمد المحدث، وتبطل صلاة من اقتدى به؛ أما إذا لم يتعمد، كأن دخل في الصلاة ناسياً الحدث أو غلبه الحدث، وهو فيها، فإن عمل بالمأمومين عملاً من أعمال الصلاة بعد علمه بحدثه أو بعد أن غلبة بطلت صلاتهم، كما تبطل صلاتهم إذا اقتدوا به بعد عملهم بحدثه وإن لم يعلم الإمام، أما إذا لم يعلموا بحدثه ولم يعلم الإمام أيضاً إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاتهم صحيحة، وأما صلاة الإمام فباطلة في جميع الصور، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة، وحكم صلاة الإمام والمأموم إذا علق بالإمام نجاسه، كالحكم إذا كان محدثاً في هذا التفصيل، إلا أن صلاته هو تصح إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة، لأن الطهارة من الخبث شرك لصحة الصلاة مع العلم، كما تقدم. الشافعية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمحدث إذا علم المأموم به ابتداء، فإن علم بذلك في أثناء الصلاة وجبت عليه نية المفارقة، وأتم صلاته وصحت، وكفاه ذلك، وإن علم المأموم بحدث إمامه بعد فراغ الصلاة فصلاته صحيحة؛ وله ثواب الجماعة؛ أما صلاة الإمام فباطلة في جميع الأحوال لفقد الطهارة التي هي شرط للصلاة، ويجب عليه إعادتها؛ ولا يصح الاقتداء أيضاً بمن به نجاسة خفية، كبول جف مع علم المقتدي بذلك، بخلاف ما إذا جهله، فإن صلاته صحيحة في غير الجمعة، وكذا في الجمعة إذا تم العدد بغيره، وإلا فلا تصح للجميع لنقص العدد المشترط في صحة الجمعة؛ أما إذا كان على الإمام نجاسة ظاهرة، بحيث لو تأملها أدركها، فإنه لا يصح الاقتدار به مطلقاً، ولو مع الجهل بحاله. الحنابلة قالوا: لا تصح إمامة المحدث حدثاً أصغر أو أكبر، ولا إمامة من به نجاسة إذا كان يعلم بذلك. فإن جهل ذلك المقتدي أيضاً حتى الصلاة صحت صلاة المأموم وحده، سواء كانت صلاة جمعة أو غيرها، إلا أنه يشترط في الجمعة أن يتم العدد المعتبر فيها، وهو - أربعون - بغير هذا الإمام وإلا كانت باطلة على الجميع، كما تبطل عليهم أيضاً إذا كان بأحد المأمومين حدث أو خبث إن كان لا يتم العدد إلا به. الحنفية قالوا: لا تصح إمامة المحدث ولا من به نجاسة لبطلان صلاته، أما صلاة المقتدين به فصحيحة إن لم يعلموا بفساد علمون بشهادة عدول، أو بإخبار الإمام العدل عن نفسه بطلب صلاتهم ولزمهم وإعادتها؛ فإن لم يكون الثي أخبر بفساد صلاته عدلاً فلا يقبل قوله ولكنيستحب لهم إعادتها احتياطاً (14) المالكية قالوا: الألثغ، والتمتام والفأفاء، والأرت، وهو الذي يدغم حرفاً في آخر خطأً، ونحوهم من كل ما لا يستطيع النطق ببعض الحروف. تصح إمامته وصلاته لمثله ولغير مثله من الأصحاء الذين لا اعوجاج في ألسنتهم، ولو وجد من يعلمه، وقبل التعليم، واتسع الوقت له، ولا يجب عليه الاجتهاد في إصلاح لسانه على الراجح، ومن هذا تعلم أن المالكية لا يشترطون لصحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليماً (15) المالكية قالوا: من اقتدى بمسبوق أدرك مع إمامه ركعة بطلت صلاته، سواء كان المقتدي مسبوقاً مثله أو لا. أما إذا حاكى المسبوق مسبوقاً آخر في صورة إتمام الصلاة بعد سلام الإمام من غير أن ينوي الاقتداء به، فصلاته صحيحة، وكذا إن كان المسبوق لم يدرك مع إمامه ركعة كأن دخل مع الإمام في التشهد الأخير، فيصح الاقتداء به، لأنه منفرد لم يثبت له حكم الاقتدار. الحنفية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمسبوق، سواء أدرك مع إمامه ركعة أو أقل منها، فلو اقتدى اثنان بالإمام، وكانا مسبوقين، وبعد سلام الإمام نوى أحدهما الاقتداء بالآخر بطلت صلاة المقتدي، أما إن تابع أحدهما الآخر ليتذكر ما سبقه من غير نية الاقتداء، فإن صلاتهما صحيحة لارتباطهما بإمامهما السابق. الشافعية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، فإن اقتدى به بعد أن سلم الإمام أو بعد أن نوى مفارقته - ونية المفارقة جائزة عندهم صح الاقتداء به، وذلك في غير الجمعة؛ أما في صلاتها، فلا يصح الاقتداء. الحنابلة قالوا: لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، فإن سلم إمامه، وكان مسبوقاً صح اقتداء مسبوق مثله به، إلا في صلاة الجمعة، فإنه لا يصح اقتداء المسبوق بمثله |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 376 الى صــــــــ386 الحلقة (57) [الصلاة وراء المخالف في المذاهب] من شروط الإمامة أن تكون صلاة الإمام صحيحة في مذهب المأموم، فلو صلى حنفي خلف شافعي وسال منه دم ولم يتوضأ بعده، أو صلى شافعي خلف حنفي لمس امرأة مثلاً، فصلاة المأموم باطلة، لأنه يرى بطلان صلاة إمامه، باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . [تقدم المأموم على إمامه وتمكن المأموم من ضبط أفعال الإمام] ومن شروط صحة الإمامة أن لا يتقدم المأموم على إمامه، فإذا تقدم المأموم بطلت الإمامة والصلاة، وهذا الحكم متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، على أن الذين اشترطوا عدم تقدم المأموم على إمامه استثنوا من هذا الحكم الصلاة حول الكعبة، فقالوا: إن تقدم المأموم على إمامه جائز فيها، إلا أن الشافعية لهم في الصلاة حول الكعبة، فقالوا: إن تقدم المأموم على إمامه جائز فيها، إلا أن الشافعية لهم في هذا تفصيل مذكور تحت الخط (3) ثم إن كانت الصلاة من قيام، فالعبرة في حصة صلاة المقتدي بأن لا يتقدم مؤخر قدمه على مؤخر قدم الإمام، وإن كانت من جلوس. فالعبرة بعدم تقدم عجزه على عجز الإمام فإن تقدم المأموم في ذلك لم تصح صلاته؛ أما إذا حاذاه فصلاته صحيحة بلا كراهة، عند الأئمة الثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ؛ ومنها تمكن المأموم منضبط أفعال إمامه برؤية أو سماع، ولو بمبلغ فمتى تمكن المأموم من ضبط أفعال إمامه صحت صلاته: إلا إذا اختلف مكانهما، فإن صلاته تبطل على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (5) . [نية المأموم الاقتداء، ونية الإمام الإمامة] ومن شروط صحة الإمامة: نية المأموم الاقتداء بإمامه في جميع الصلوات، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، وتكون النية من أول صلاته بحيث تقارن تكبيرة الإحرام من المأموم حقيقة أو حكماً، على ما تقدم في بحث "النية" فلو شرع في الصلاة بنية الانفراد، ثم وجد إماماً في أثنائها فنوى متابعته، فلا تصح صلاته لعدم وجود النية من أول الصلاة، فالمنفرد لا يجوز انتقاله للجماعة، كما لا يجوز لمن بدأ صلاته في جماعة أن ينتقل للانفراد، بأن ينوي مفارقة الإمام إلا لضورة، كأن أطال عليه الإمام، وهذا كله متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) . أما نية الإمام الإمامة، كأن ينوي صلاة الظهر أو العصر إماماً، فإنها ليست بشرط في الإمامة، إلا في أحوال مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (8) . [اقتداء المفترض بالمتنفل] ومن شروط الإمامة أن لا يكون الإمام أدنى حالاً من المأموم، فلا يصح اقتداء مفترض بمتنفل، إلا عند الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، وكذا لا يجوز اقتداء قادر على الركوع مثلاً بالعاجز عنه، ولا كاس بعار لم يجد ما يستتر به، باتفاق الحنفية، والحنابلة، وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (10) ، لا متطهر بمتنجس عجز عن الطهارة، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (11) ، وكذا لا يجوز اقتداء القارئ بالأمي، كما تقدم، نعم يصح اقتداء القائم بالقاعد الذي عجز عن القيام، على تفصيل في المذاهب. [متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصلاة] ومن شروط الإمامة متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصلاة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (12) (1) المالكية، والحنابلة قالوا: ما كان شرطاً في صحة الصلاة، فالعبرة فيه بمذهب الإمام فقط، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي بحنفي أو شافعي لم يمسح جميع الرأس في الوضوء فصلاته صحيحة لصحة صلاة الإمام في مذهبه، وأما ما كان شرطاً في سحة الاقتداء، فالعبرة فيه بمذهب المأموم، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي في صلاة فرض بشافعي يصلي نفلاً فصلاته باطلة، لأن شرط الاقتداء اتحاد صلاة الإمام والمأموم (2) المالكية قالوا: لا يشترط في الاقتداء عدم تقدم المأموم على الإمام، فلو تقدم المأموم على إمامه - ولو كان المتقدم جميع المأمومين - صحت الصلاة على المعتمد على أنه يكره التقدم لغير ضرورة (3) الشافعية قالوا: لا يصح تقدم المأموم على الإمام حول الكعبة إذا كانا في جهة واحدة؛ أما إذا كان المأموم في غير جهة إمامه، فإنه يصح تقدمه عليه؛ ويكره التقدم لغير ضرورة، كضيق المسجد، وإلا فلا كراهة (4) الشافعية قالوا: تكره محاذاة المأموم لإمامه (5) الشافعية قالوا: إذا كان الإمام والمأموم في المسجد فهما في مكان واحد غير مختل، سواء كانت المسافة بين الإمام والمأموم تزيد على ثلاثمائة ذراع أو لا، فلو صلى الإمام في آخر المسجد والمأموم في أوله صح الاقتداء، بشرط أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل يمنع وصول المأموم إليه - كباب مسمر - قبل دخوله في الصلاة، فلو سدت الطريق بينهما في أثناء الصلاة لا يضر، كما لا يضر الباب المغلق بينهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون إمكان وصول المأموم إلى الإمام مستقبلاً أو مستديراً للقبلة، وفي حكم المسجد رحبته ونحوها. أما إذا كانت صلاتهما خارج المسجد، فإن كانت المسافة بينهما لا تزيد على ثلاثمائة ذراع الآدمي صحت الصلاة، ولو كان بينهما فاصل: كنهر تجري فيه السفن، أو طريق يكثر مرور الناس فيه على المعتمد، بشرط أن لا يكون بينهما حائل يمنع المأموم من الوصول إلى الإمام لو أراد ذلك، بحيث يمكنه الوصول إليه غير مستدبر للقبلة، ولا منحرف، ولا فرق في الحائل الضارّ بين أن يكون باباً مسمراً أو مغلقاً أو غير ذلك، فإن كان أحدهما في المسجد والآخر خارجه، فإن كانت المسافة بين من كان خارجاً عن المسجد وبين طرف المسجد الذي يليه أكثر من ثلاثمائة ذراع بطل الاقتداء، وإلا فيصح بشرط أن لا يكون بينهما الحائل الذي مر ذكره في صلاتهما خارج المسجد. الحنفية قالوا: اختلاف المكان بين الإمام والمأموم مفسد للإقتداء، سواء اشتبه على المأموم حال إمامه أو لم يشتبه على الصحيح، فلو اقتدى رجل في داره بإمام المسجد، وكانت داره منفصلة عن المسجد بطريق ونحوه، فإن الاقتداء لا يصح لاختلاف المكان، أما إذا كانت ملاصقة للمسجد بحيث لم يفصل بينهما إلا حائط المسجد، فإن صلاة المقتدي تصح إذا لم يشتبه عليه حال الإمام، ومثل ذلك ما إذا صلى المقتدي على سطح داره الملاصق لسطح المسجد، لأنه في هاتين الحالتين لا يكون المكان مختلفاً، فإن اتحد المكان وكان واسعاً، كالمساجد الكبيرة، فإن الاقتداء يكون به صحيحاً لما دام لا يشتبه على المأموم حال إمامه إما بسماعه أو بسماع المبلغ أو برؤيته أو برؤية المقتدين يه، إلا أنه لا يصح اتباع المبلغ إذا قصد بتكبيرة الإحرام مجرد التبليغ، لأن صلاته تكون باطلة حينئذ، فتبطل صلاة من يقتدي بتبليغه، وإنما يصح الاقتداء في المسجد الواسع إذا لم يفصل بين الإمام وبين المقتدي طريق نافذ تمر فيه العجلة - العربة - أو نهر يسع زورقاً يمر فيه. فإن فصل بينهما ذلك لم يصح الاقتداء، أما الصحراء فإن الاقتداء فيها لا يصح إذا كان بين الإمام والمأموم خلاء يسع صفين، ومثل الصحراء المساجد الكبيرة جداً، كبيت المقدس. المالكية قالوا: اختلاف مكان الإمام والمأموم لا يمنع صحة الاقتداء، فإذا حال بين الإمام والمأموم نهر أو طريق أو جدار فصلاة المأموم صحيحة متى كان متمكناً من ضبط أفعال الإمام، ولو بمن يسمعه، نعم لو صلى المأموم الجمعة في بيت مجاور للمسجد، مقتدياً بإمامه، فصلاته باطلة، لأن الجامع شرط في الجمعة، كما تقدم, الحنابلة قالوا: اختلاف مكان الإمام والمأموم يمنع صحة الاقتداء على التفصيل الآتي، وهو إن حال بين الإمام والمأموم نهر تجري فيه السفن بطلت صلاة المأموم، وتبطل صلاة الإمام أيضاً، لأنه ربط صلاته بصلاة من لا يصح الاقتداء به، وإن حال بينهما طريق، فإن كانت الصلاة مما لا تصح في الطريق عند الزحمة لم يصح الاقتداء، ولو اتصلت الصفوف بالطريق، وإن كانت الصلاة مما لا تصح في الطريق عند الزحمة، كالجمعة ونحوها، مما يكثر فيه الاجتماع، فإن اتصلت الصفوف بالطريق صح الاقتداء مع الفصل بين الإمام والمأموم، وإن لم تتصل الصفوف فلا يصح الاقتداء، وإن كان الإمام والمأموم بالمسجد صح الاقتداء، ولو كان بينهما حائل متى سمع تكبيرة الإحرام، أما إذا كان خارج المسجد أو المأموم خارجه والإمام فيه، فيصح الاقتداء بشرط أن يرى المأموم الإمام، أو يرى من وراءه ولو في بعض الصلاة، أو من شباك، ومتى تحققت الرؤية المذكورة صح الاقتداء، ولو كان بينهما أكثر من ثلاثمائة ذراع (6) الحنفية قالوا: نية الاقتداء شرط في غير الجمعة والعيد على المختار، لأن الجماعة شرط في صحتهما، فلا حاجة إلى نية الاقتداء (7) الشافعية قالوا: لا تشترط نية الاقتداء في أول الصلاة، فلو نوى الاقتداء في أثناء صلاته صحت مع الكراهة إلا في الجمعة ونحوها مما تشترط فيه الجماعة، فإنه لا بد فيها من نية الاقتداء من أول الصلاة، بحيث تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، وكذا يصح للمأموم أن ينوي مفارقة إمامه ولو من غير عذر، لكن يكره إن لم يكن هناك عذر، ويستثنى من ذلك الصلاة التي تشترط فيها الجماعة كالجمعة، فلا تصح نية المفارقة في الركعة الأولى منها ومثلها الصلاة التي يريد إعادتها جماعة؛ فلا تصح نية المفارقة في شيء منها، وكذا الصلاة المجموعة تقديماً ونحوها. الحنفية قالوا: تبطل الصلاة بانتقال المأموم للانفراد، إلا إذا جلس مع إمام الجلوس الأخير بقدر التشهد، ثم عرضت ضرورة، فإنه يسلم ويتركه، وإذا تركه بدون عذر صحت الصلاة مع الإثم، كما سيأتي في مبحث "أحوال المقتدي" (8) الحنابلة قالوا: يشترط في صحة الاقتداء نية الإمام الإمامة في كل صلاة، فلا تصح صلاة المأموم إذا لم ينو الإمام الإمامة. الشافعية قالوا: يشترط في صحة الاقتداء أن ينوي نية الإمام الجماعة في الصلوات التي تتوقف صحتها على الجماعة، كالجمعة، والمجموعة للمطر، والمعادة. الحنفية قالوا: نية الإمامة شرط لصحة صلاة المأموم إذا كان إماماً لنساء، فتفسد صلاة النساء إذا لم ينو إمامهن الإمامة، وأما صلاته هو فصحيحة، ولو حاذته امرأة، كما تقدم في المحاذاة. المالكية قالوا: نية الإمامة ليست بشرط في صحة المأموم، ولا في صحة صلاة الإمام إلا في مواضع: أولاً: صلاة الجمعة، فإذا لم ينو الإمامة بطلت صلاته، وصلاة المأموم؛ ثانياً: الجمع ليلة المطر، ولا بد من نية الإمامة في افتتاح كل من الصلاتين، فإذا تركت في واحدة منهما بطلت على الإمام والمأموم لاشتراط الجماعة فيها، وصحت ما نوى فيها الإمامة، إلا إذا ترك النية في الأولى، فتبطل الثانية أيضاً تبعاً لها، ولو نوى الإمامة؛ وقال بعض المالكية: إن الأولى لا تبطل على أي حال، لأنها وقعت في محلها؛ ثالثها: صلاة الخوف على الكيفية الآتية: وهي أن يقسم الإمام الجيش نصفين، يصلي بكل قسم جزءاً من الصلاة، فإذا ترك الإمام الإمامة بطلت الصلاة على الطائفة الأولى فقط، وصحت للإمام والطائفة الثانية، رابعاً المستخلف الذي قام مقام الإمام لعذر، فيشترط في صحة صلاة من اقتدى به أن ينوي هو الإمامة، فإذا لم ينوه فصلاة من اقتدى به باطلة، وأما صلاته هو فصحيحة، ولا تشترط نية الإمامة لحصول فضل الجماعة على المعتمد، فلو أم شخص قوماً، ولم ينو الإمامة حصل له فضل الجماعة؛ والمراد بكون نية الإمام شرطاً في المواضع السابقة أن لا ينوي الانفراد (9) الشافعية قالوا: يصح اقتداء المفترض بالمتنفل مع الكراهة (10) الشافعية قالوا: يصح اقتداء الكاسي بالعاري الذي لم يجد ما يستتر به، إلا أن المالكية قالوا: إنه يكره، والشافعية لم يقولوا بالكراهة يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
(11) المالكية قالوا: يصح اقتداء المتطهر بالمتنجس العاجز عن الطهارة مع الكراهة. المالكية قالوا: لا يصح اقتداء القائئم بالقاعد العاجز عن القيام، ولو كانت الصلاة نفلاً، إلا إذا جلس المأموم اختياراً في النفل، فتصح صلاته خلف الجالس فيه، أما إذا كان المأموم عاجزاً عن الأركان فيصح أن يقتدي بعاجز عنها إذا استويا في العجز بأن يكونا عاجزين معاً عن القيام، ويستثنى من ذلك من يصلي بإيماء، فلا يصح أن يكون إماماً لمثله؛ لأن الإيماء لا ينضبط فقد يكون إيماء الإمام أقل من إيماء المأموم، فإن لم يستويا في العجز كأن يكون الإمام عاجزاً عن السجود، والمأموم عاجزاً عن الركوع فلا تصح الإمامة. الحنفية قالوا: يصح اقتداء القائم بالقاعد الذي يستطيع أن يركع ويسجد، أما العاجز عن الركوع والسجود فلا يصح اقتداء القائم به إذا كان قادراً، فإن عجز كل من الإمام والمأموم، وكانت صلاتهما بالإيماء صح الاقتداء، سواء كانا قاعدين أو مضطجعين أو مستلقيين أو مختلفين، بشرط أن تكون حالة الإمام أقوى من حالة المقتدي، كأن يكون مضطجعاً، والإمام قاعداً. الشافعية قالوا: تصح صلاة القائم خلف القاعد والمضطجع العاجزين عن القيام والقعود، والقادر على الركوع والسجود بالعاجز عنهما. الحنابلة قالوا: لا يصح اقتداء القائم بالقاعد الذي عجز عن القيام، إلا إذا كان العاجز عن القيام إماماً راتباً، وكان عجزه عن القيام بسبب علة يرجى زوالها (12) الحنفية قالوا: متابعة المأموم لإمامه تشمل أنواعاً ثلاثة: أحدها: مقارنة فعل المأموم لفعل إمامه، كأن يقارن إحرامه إحرام إمام وركوعه ركوعه وسلامه سلامه؛ ويدخل في هذا القسم ما لو ركع قبل إمامه، وبقي راكعاً حتى ركع إمامه فتابعه فيه، فإنه يعتبر في هذه الحالة مقارناً له في الركوع؛ ثانيها: تعقيب فعل المأموم لفعل إمامه، بأن يأتي به عقب فعل الإمام مباشرة ثم يشاركه في باقية؛ ثالثها: التراخي في الفعل بأن يأتي بعد إتيان الإمام بفعله متراخياً عنه، ولكنه يدركه فيه قبل الدخول في الركن الذي بعده فهذه الأنواع الثلاثة يصدق عليها أنها متابعة في أفعال الصلاة فلو ركع إمامه فركع معه مقارناً أو عقبه مباشرة وشاركه فيه أو ركع بعد رفع إمامه من الركوع، وقبل أن يهبط للسجود، فإنه يكون متابعاً له في الركوع، وهذه المتابعة بأنواعها تكون فرضاً فيما هو فرض من أعمال الصلاة، وواجبة في الواجب، وسنة في السنة، فلو ترك المتابعة في الركوع مثلاً بأن ركع ورفع قبل ركوع الإمام، ولم يركع معه أو بعده في ركعة جديدة بطل صلاته؛ لكونه لم يتابع في الفرض؛ وكذا لو ركع وسجد قبل الإمام، فإن الركعة التي يفعل فيها ذلك تلغى، وينتقل ما في الركعة الثانية إلى الركعة الأولى، وينتقل ما في الثالثة إلى الثانية، وما في الرابعة إلى الثالثة، فتبقى عليه ركعة يجب عليه قضاؤها بعد سلام الإمام: وإلا بطلت صلاته، وسيأتي لهذا إيضاح في مبحث "صلاة المسبوق"، ولو ترك المتابعة في القنوت إثم، لأنه ترك واجباً، ولو ترك المتابعة في تسبيح الركوع مثلاً فقد ترك السنة، وهناك أمور لا يلزم المقتدي أن يتابع فيها إمامه، وهي أربعة أشياء: الأول: إذا زاد الإمام في صلاته سجدة عمداً، فإن لا يتباعه، الثاني: أن يزيد عما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في تكبيرات العيد، فإنه لا يتابعه؛ الثالث: أن يزيد عن الوارد في تكبيرات صلاة الجنازة بأن يكبر لها خمساً، فإنه لا يتابعه، الرابع: أن يقوم ساهياً إلى ركعة زائدة عن الفرض بعد القعود الأخير، فإن فعل وقيد ما قام لها بسجدة سلم المقتدي وحده، وإن لم يقيدها بسجدة وعاد إلى القعود الأخير وسلم سلم المقتدي معه، أما إن قام الإمام إلى الزائدة قبل القعود الأخير وقيدها بسجدة؛ فإن صلاتهم جميعاً تبطل؛ وهناك أمور تسعة إذا تركها الإمام يأتي بها المقتدي ولا يتابعه في تركها وهي: رفع اليدين في التحريمة؛ وقراءة الثناء؛ وتكبيرات الركوع؛ وتكبيرات السجود؛ والتسبيح فيهما، والتسميع؛ وقراءة التشهد، والسلام، وتكبير التشريق، فهذه الأشياء التسعة إذا ترك الإمام شيئاً منها لم يتابعه المقتدي، في تركها بل يأتي بها وحده، وهناك أمور مطلوبة إذا تركها المقتدي وهي خمسة أشياء: تكبيرات العيد والقعدة الأولى، وسجدة التلاوة، وسجود السهو، والقنوت إذا خاف فوات الركوع أما إن لم يخف ذلك فعليه القنوت. هذا، وقد تقدم أن القراءة خلف الإمام مكروهة تحريماً، فلا تجوز المتابعة فيها، وسيأتي الكلام في المتابعة في السلام والتحريمة في مبحث "إذا فات المقتدي بعض الركعات أو كلها" أنه يجب على المأموم أن يتبع إمامه في السلام متى فرغ المأموم من قراءة التشهد، فإذا أتم المأموم تشهده قبل إمامه، ثم سلم قبله، فإن صلاته تصح مع كراهة التحريم إن وقع ذلك بغير عذر، والأفضل في المتابعة في السلام أن يسلم المأموم مع إمامه لا قبله ولا بعده؛ وقد عرفت حكم ما إذا سلم قبله؛ أما إذا سلم بعده فقد ترك الأفضل، أما إن كبر تكبيرة الإحرام قبله، فلا تصح صلاته، وإن كبر معه، فإن صلاته لا تصح، وإن كبر بعده فقد فاته إدراك وقت فضيلة تكبيرة الإحرام؛ وسيأتي بيان هذا في مبحث "إذا فات المقتدي بعض الركعات" ... الخ. المالكية قالوا: متابعة المأموم لإمامه هي عبارة عن أن يكون فعل المأموم في صلاته واقعاً عقب فعل الإمام، فلا يسبقه، ولا يتأخر عنه، ولا يساويه، وتنقسم هذه المتابعة إلى أربعة أقسام: الأول: المتابعة في تكبيرة الإحرام، وحكم هذه المتابعة أنها شرط لصحة صلاة المأموم، فلو كبر المأموم تكبيرة احرام قبل إمامه أو معه بطلت صلاته؛ بل يشترط أن يكبر المأموم بعد أن يفرغ إمامه من التكبير؛ بحيث لو كبر بعد شروع إمامه؛ ولكن فرغ من التكبير قبل فراغ الإمام أو معه بطلت صلاته، الثاني: المتابعة في السلام؛ فيشترط فيها أن يسلم المأموم بعد سلام إمامه، فلو سلم قبله سهواً، فإنه ينتظر حتى يسلم الإمام، ويعيد السلام بعده، وتكون الصلاة صحيحة، فإذا بدأ المأموم بالسلام بعد الإمام، وختم معه أو بعده فإن صلاته تصح؛ أما إذا ختم قبله بطلت صلاته؛ فيحسن أن يسرع الإمام بالسلام كي لا يسبقه أحد من المأمومين بالفراغ من السلام قبله، فتبطل صلاته، وكذلك تكبيرة الإحرام؛ وإذا ترك الإمام السلام، وطال الزمن عرفاً بطلت صلاة الجميع، ولو أتى به المأموم، لما عرفت من أن السلام ركن لكل مصل فلو تركه الإمام بطلت صلاته، وتبطل صلاة المأمومين تبعاً؛ الثالث: المتابعة في الركوع والسجود، ولهذه المتابعة ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يركع أو يسجد قبل إمامه سهواً أو خطأً، وفي هذه الحالة يجب أن ينتظر إمامه حتى يركع أو يسجد ثم يشاركه في ركوعه مطمئناً ولا شيء عليه، فإن لم ينتظر إمامه بل رفع من ركوعه عمداً أو جهلاً بطلت صلاته، أما إذا رفع سهواً فإنه عليه أن يرجع ثانياً إلى الاشتراك مع الإمام في ركوعه وسجوده، وتصح صلاته؛ الصورة الثانية: أن يركع أو يسجد قبل إمامه عمداً، وفي هذه الحالة إن انتظر الإمام وشاركه في ركوعه وسجوده، فإن صلاته تصح، ولكنه يأثم لتعمد سبق الإمام، أما إذا لم ينتظره ورفع من ركوعه أو سجوده قبل الإمام، فإن كان ذلك عمداً، فإن صلاته تبطل. وإن كان سهواً فإنه ينبغي له أن يرجع إلى الاشتراك مع الإمام ثانياً، ولا شيء عليه؛ الصورة الثالثة: أن يتأخر المأموم عن إمامه حتى ينتهي من الركن، كأن ينتظر حتى يركع إمامه؛ ويرفع من الركوع وهو واقف يقرأ مثلاً وفي هذه الصورة تبطل صلاة المأموم بشرطين: الأول: أن يفعل ذلك في الركعة الأولى، أما إذا وقع منه ذلك في غير الركعة الأولى، فإن صلاته تصح، ولكنه يأثم بذلك؛ الثاني: أن يصدر منه ذلك الفعل عمداً لا سهواً، أما إذا وقع منه سهواً، فإن عليه أن يلغي هذه الركعة ويعيدها بعد فراغ الإمام من صلاته؛ القسم الرابع: ما لا تلزم فيه المتابعة، وله حالات ثلاث: الحالة الأولى: ما يطلب من المأموم. وإن لم يأت به الإمام، وذلك في أمور: منها ما هو سنة، وذلك كما في تكبيرات الصلاة، سوى تكبيرة الإحرام والتشهد. فيسن للمأموم أن يأتي بها وإن لم يأت بها الإمام، ومثلها تكبيرات العيد، فإنها يأت بها المأموم، ولو تركها الإمام؛ ومنها ما هو مندوب كالتكبير في أيام التشريق عقب الصلوات المفروضة المتقدم بيانه في مباحث "العيدين" فإنه يندب أن يأتي به المأموم، فلو تركه الإمام فإنه يندب المأموم أن يأتي به؛ الحالة الثانية: ما لا تصح متابعة الإمام فيه، وذلك فيما إذا وقع من الإمام عمل غير مشروع في الصلاة من زيادة أو نقصان أو نحو ذلك، فإذا زاد في صلاته ركعة أو سجدة أو نحوهما من الأركان فإن المأموم لا يتبعه في ذلك؛ بل يسبح له، وإن زاد الإمام ذلك عمداً بطلت صلاته وصلاة المأموم طبعاً، وكذا لا يتبع المأموم إمامه إذا زاد في تكبيرات العيد على ما يراه المالكي، كما تقدم في العيد، ومثل ذلك ما إذا زاد الإمام في تكبير صلاة الجنازة على أربع، فإن المأموم لا يتبعه في هذه الزيادة، ومثل ذلك ما إذا زاد الإمام في تكبير صلاة الجنازة على أربع، فإن المأموم لا يتبعه في هذه الزيادة، ومثل ذلك ما إذا زاد الإمام ركناً في صلاته، كما إذا صلى الظهر أربع ركعات ثم سها وقام للخامسة، فإن المأموم لا يتبعه في ذلك القيام، بل يجلس ويسبح له، وإن تابعه المأموم فيها عمداً بطلت صلاته، إلا إذا تبين أن المأموم مخطئ، والإمام مصيب بعد الصلاة. هذا وإذا ترك الإمام الجلوس الأول وهمَّ للقيام للركعة الثالثة فإذا لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه، ورجع، فلا شيء عليه، أما إذا فارق الأرض بيديه وركبتيه ثم رجع، فإن صلاته لا تبطل على الصحيح، ويسجد بعد السلام، لأن المفروض أنه رجع قبل أن يقوم، ويقرأ الفاتحة وعلى المأموم أن يتابعه في كل ذلك، والحنفية يقولون: إذا فعل ذلك، وكان للقيام أقرب بطلت صلاته، وكذا يتبع المأموم إمامه إن سجد للتلاوة في الصلاة، فإذا ترك المأموم السجود، كما إذا كان حنفياً يرى أن سجود التلاوة يحصل ضمن الركوع، فإن المأموم يتركه أيضاً. الحنابلة قالوا: متابعة المأموم لإمامه، هي أن لا يسبق المأموم إمامه بتكبيرة الإحرام أو السلام أو فعل من أفعال الصلاة، فإذا سبقه بتكبيرة الإحرام، فإن صلاته لم تنعقد، سواء فعل ذلك عمداً أو سهواً. ومثل ذلك ما إذا ساواه في تكبيرة الإحرام بأن كبر مع إمامه، فإن صلاته لم تنعقد، فالمقارنة في تكبيرة الإحرام مفسدة للصلاة، بخلاف غيرها من باقي الأركان، فإنها مكروهة فقط، وإذا سبق المأموم إمامه بالسلام، فإن كان ذلك عمداً بطلت صلاته، فإذا سلم قبله ولم يأت بالسلام بعده بطلت صلاته؛ هذا ما إذا سبق المأموم إمامه بتكبيرة الإحرام أو السلام. أما إذا سبقه في فعل غير ذلك؛ فلا يخلو إما أن يسبقه بالركوع، أو بالهوي للسجود، أو بالسجود أو بالقيام، ولكل منها أحكام: فإذا سبقه بالركوع عمداً بأن ركع ورفع من الركوع قبل إمامه متعمداً بطلت صلاته، أما إذا ركع قبل إمامه، وظل راكعاً حتى ركع إمامه، وشاركه في ركوعه، فإن صلاته لا تبطل إذا رجع وركع بعد ركوع إمامه، أو ركع ورفع قبل إمامه سهواً أو خطاً، فإنه يجب عليه أن يرجع ويركع ويرفع بعد إمامه، ويلغو ما فعله أولاً في الحالتين، فإن ركع ورفع وحده عمداً أو سهواً قبل الإمام، وظل واقفاً حتى فرغ الإمام من الركوع والرفع منه، ثم شاركه في الهوي للسجود بطلت صلاته. هذا إذا ركع ورفع قبل إمامه: أما إذا ركع قبله ورفع ولم يتبعه في ذلك عمداً، فإن صلاته تبطل، أما إذا تخلف عن متابعة الإمام في ركوعه ورفعه سهواً أو لعذر، فإن صلاته لا تبطل، وفي هذه الحالة يجب عليه أن يركع ويرفع وحده إذا لم يخف فوات الركعة الثانية مع الإمام، فإن خاف ذلك فإنه يجب عليه أن يتبع الإمام في أفعاله، ويلغي الركعة التي فاتته مع الإمام، وعلي قضاؤها بعد سلام إمامه، ومثل الركوع في هذا الحكم غيره من أفعال الصلاة، سواء كان سجوداً أو قياماً أو غيرهما، فإنه إذا لم يتبع الإمام فيه سهواً أو لعذر، فإن عليه أن يقضيه وحده إن لم يخف فوت ما بعده مع إمامه، وإلا تبع الإمام فيما بعده، وأتى بركعة بعد سلام إمامه. هذا، إذا لم يتبع إمامه في الركوع؛ أما إذا لم يتبعه في الهوي للسجود، فإن هوى الإمام للسجود وهو واقف حتى سجد الإمام ثم هوى وحده وأدرك الإمام في سجوده، أو سبق الإمام في القيام للركعة التالي، بأن سجد مع الإمام ثم قام قبل أن يقوم الإمام فإن صلاته لا تبطل بذلك، ولكن يجب عليه أن يرجع ليتبع الإمام في ذلك وإذا وقع منه ذلك سهواً فإنه لا يضر من باب أولى، ولكن يجب عليه أن يرجع أيضاً، ويتابع فيه إمامه، ويلغي ما فعله وحده فإذا لم يأتِ به فإن الركعة لا تحسب له، وعليه أن يأتي بها بعد سلام الإمام، وإذا لم يتبع إمامه في ركنين، كأن ركع إمامه وسجد ورفع من سجوده وهو قائم، فإن كان ذلك عمداً فإن صلاته تبطل على أي حال، وإن كان سهواً فإن أمكنه أن يأتي بهما ويدرك إمامه في باقي أفعال الصلاة، فذاك وإلا ألغيت الركعة، وعليه الإتيان بها بعد السلام، وإذا تخلف بركعة كاملة أو أكثر عن الإمام لعذر، كنوم يسير حال الجلوس، ثم تنبه، فإنه يجب عليه عند تنبهه أن يتبع الإمام فيما بقي من الصلاة، ثم يقضي ما فاته بعد سلام إمامه لأنه يكون كالمسبوق. الشافعية قالوا: متابعة المأموم لإمامه لازمة في أمور يعبر عنها بعضهم - بشروط القدوة - الأول: أن يتبع المأموم إمامه في تكبيرة الإحرام، فلو تقدم المأموم على إمامه أو ساواه في حرف من تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته أصلاً، وإذا شك في تقدمه على إمامه بتكبيرة الإحرام، فإن صلاته تبطل، بشرط أن يحصل له هذا الشك أثناء الصلاة؛ أما إذا شك في ذلك بعد الفراغ من الصلاة فإن شكه لا يعتبر، ولا تجب عليه الإعادة، الثاني: ان لا يسلم المأموم قبل سلام إمامه، فلو وقع منه ذلك بطلت صلاته، أما إذا سلم معه فإن صلاته تصح مع الكراهة، وإذا شك في أنه سلم قبل الإمام بطلت صلاته؛ الثالث: أن لا يسبق المأموم إمامه ركنين من أركان الصلاة؛ ولهذا المأموم حالتان: أن يكون المأموم مسبوقاً، وهو الذي لم يدرك مع إمامه ذلك الزمن، فإذا كان مدركاً وسبق إمامه بركنين، كأن ترك إمامه قائماً، ثم ركع وحده ورفع من الركوع وهوى للسجود، ولم يشترك مع إمامه، فإن صلاته تبطل، بشروط: الأول: أن يسبقه بركنين، كما ذكرنا، فلو سبق المأموم إمامه بركن واحد، كأن ترك إمامه يقرأ، ثم ركع وحده، ولم يرفع من ركوعه حتى ركع إمامه وشاركه في ركوعه، فإن صلاة المأموم لا تبطل بذلك السبق، ولكن يحرم على المأموم أن يسبق إمامه بركن واحد فعلي بغير عذر؛ الثاني: أن لا يكون الركنان فعليان لا قوليان، فإذا سبق المأموم إمامه بركنين قوليين، كأن قرأ التشهد وصلى على النبي قبل إمامه، فإن ذلك لا يضر، سواء كان عمداً أو جهلاً أو نسياناً؛ وإذا سبق إمامه بركنين: أحدهما قولي، والآخر فعلي، كأن قرأ الفاتحة قبل إمامه، ثم ركع قبله، فإنه يحرم عليه سبقه بالركوع، أما سبقه بقراءة الفاتحة فإنه لا شيء فيه. الشرط الثالث: أن يسبقه بالركنين عمداً، أما إذا ركع قبل إمامه ورفع جهلاً، فإن صلاته لا تبطل؛ وكذا لو فعل ذلك نسياناً، ولكن يجب عليه في هذه الحالة أن يرجع ويتبع إمامه متى ذكر، ويلغي ما عمله وحده، ومثل ذلك ما إذا لو فرض وتعلم الجاهل وهو في الصلاة، فإنه يجب عليه أن يرجع ويتبع إمامه، وإلا بطلت صلاتهما. هذا حكم ما إذا كان المأموم مدركاً، وسبق إمامه بركنين فعليين عمداً أو جهلاً أو نسياناً، أو سبقه بركنين قوليين أو بركن قولي وركن فعلي؛ أما إذا كان المأموم مدركاً وتخلف عن إمامه بأن سبقه إمامه، كما إذا كان المأموم بطيء القراءة، والإمام معتدل القراءة، فإنه في هذا الحال يغتفر للمأموم أن يتخلف عن إمامه ولا يتبعه في ثلاثة أركان طويلة، وهي الركوع والسجدتان، أما الاعتدال من الركوع أو من السجود؛ والجلوس بين السجدتين فهما ركنان قصيران، فلا يحسبان في تخلف المأموم عن إمامه، فإذا سبقه الإمام بأكثر من ذلك كأن لم يفرغ المأموم من قراءته إلا بعد شروع الإمام في الركن الرابع، فإن عليه في هذه الحالة أن يتبع إمامه فيما هو فيه من أفعال الصلاة، ثم يقضي ما فاته منها بعد سلام الإمام، فإن لم يتبع إمامه قبل شروعه في الركن الخامس فإن صلاته تبطل، ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون المأموم المدرك مشغولاً بقراءة مفروضة أو بقراءة مسنونة، كدعاء الافتتاح. هذا حكم المأموم المدرك، وهو الذي ذكرناه في الحالة الأولى، أما الحالة الثانية للمأموم المسبوق، وهو الذي لم يدرك مع إمامه زمناً يسع قراءة الفاتحة فهي أنه يسن له أن لا يشتغل بسنة، بل عليه أن يشتغل بقراءة السنة، ثم ركع إمامه وهو يقرأ الفاتحة، فإنه يجب عليه أن يتبع إمامه في الركوع، ويسقط عنه في هذه الحالة ما بقي عليه من قراءة الفاتحة، فإن لم يتبع الإمام في الركوع في هذه الحالة حتى رفع الإمام فاتته الركعة، ولا تبطل صلاته إلا إذا تخلف عن الإمام بركنين فعليين، كأن يترك إمامه يركع ويرفع من الركوع، ويهوي للسجود، وهو واقف يقرأ الفاتحة، فإذا اشتغل المسبوق بسنة، كقراءة دعاء الافتتاح فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يتخلف عن الإمام، ويقرأ بقدر هذا الدعاء من الفاتحة، فإذا فرغ من ذلك وأدرك الركوع مع الإمام احتسبت له الركعة، أما إذا رفع الإمام من الركوع وأدركه في هذا الرفع، فإنه يجب عليه أن يتبع إمامه في الرفع من الركوع، ولا يركع هو، وتفوته الركعة، فإذا لم يفرغ من قراءة ما عليه وأراد الإمام الهوي للسجود، فيجب على المأموم في هذه الحالة أن ينوي مفارقة إمامه، ويصلي وحده، فإن لم ينو المفارقة عند هوي الإمام للسجود، في هذه الحالة بطلت صلاته، سواء هوى معه للسجود أو لا. هذذا حكم المأموم المسبوق، وبقي في الموضوع أمور: منها إذا سها المأموم عن قراءة الفاتحة، ثم ذكرها قبل ركوع الإمام وجب عليه التخلف عن الإمام لقراءة الفاتحة، ويغفر له مفارقة الإمام بثلاثة أركان طويلة، كما تقدم، أما إذا تذكرها بعد ركوعه مع الإمام، فلا يعود لقراءتها ثم يأتي بعد سلام الإمام بركعة، وإذا لم يقرأ الفاتحة انتظاراً لسكوت إمامه بعد الفاتحة، فلم يسكت الإمام، وركع قبل أن يقرأ المأموم الفاتحة، فإنه يكون في هذه الحالة معذوراً، ويلزمه أن لا يتبع إمامه في ركوعه، بل عليه أن يقرأ الفاتحة، ويغتفر له عدم المتابعة في ثلاثة أركان طويلة، وهي الركوع والسجودان، وعليه أن يتم الصلاة خلف الإمام حسب الحالة التي هو عليها، سواء أدرك الإمام في أفعاله أو لا. هذا إذا كان الإمام معتدل القراءة، أما إن كان سريع القراءة، وكان المأموم موافقاً لإمامه، فإنه يقرأ ما يمكنه من الفاتحة، ويتحمل عنه الإمام الباقي، ولا يغتفر له التخلف عن إمامه بثلاثة أركان طويلة |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 386 الى صــــــــ402 الحلقة (58) [اقتداء مستقيم الظهر بالمنحني] ومن شروط صحة الإمامة أن لا يكون ظهر الإمام منحنياً إلى الركوع، فإن وصل انحناؤه إلى حد الركوع فلا يصح اقتداء الصحيح به؛ ولكن يصح لمثله أن يقتدي به، وهذا متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية فقالوا: إن إمامته تصح لمثله ولغيره، ولو وصل انحناؤه إلى حد الركوع. [اتحاد فرض الإمام والمأموم] ومنها اتحاد فرض الإمام والمأموم فلا تصح صلاة ظهر مثلاً خلف عصر، ولا ظهر أداء، خلف ظهر قضاء، ولا عكسه، ولا ظهر يوم السبت خلف ظهر يوم الأحد، وإن كان كل منهما قضاء، هذا متفق عليه بين المالكية، والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ؛ نعم يصح اقتداء المتنفل بالمفترض، وناذر نفل بناذر آخر، والحالف أن يصلي نفلاً بحالف آخر؛ والناذر بالحالف، ولو لم يتحد المنذور أو المحلوف عليه، كأن نذر شخص صلاة ركعتين عقب الزوال، ونذر الآخر صلاة ركعتين مطلقاً، كما يصح اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت وخارجه، ويلزم إتمام الصلاة أربعاً، وهذا متفق عليه إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) . هذا، وللإمامة شروط أخرى مبينة في المذاهب في أسفل الصحيفة (3) . [الأعذار التي تسقط بها الجماعة] تسقط الجماعة بعذر من الأعذار الآتية: المطر الشديد، والبرد الشديد؛ والوحل الذي يتأذى به، والمرض، والخوف من ظالم، والخوف من الحبس لدين إن كان معسراً؛ والعمى، إن لم يجد الأعمى قائداً، ولم يهتد بنفسه، وغير ذلك مما تقدم في الأعذار التي تسقط بها الجمعة. [من له التقدم في الإمامة] قد ذكرنا من له التقدم على غيره في الإمامة عند كل مذهب تحت الخط (4) . [مبحث مكروهات الإمامة: إمامه الفاسق والأعمى] تكره إمامة الفاسق إلا إذا كان إماماً لمثله باتفاق الحنفية، والشافعية، أما الحنابلة، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (5) ، وكذا تكره إمامة المبتدع إذا كانت بدعته غير مكفرة باتفاق، ويكره تنزيهاً للإمام إطالة الصلاة، إلا إذا كان إمام قوم محصورين، ورضوا بذلك فإنه لا يكره كما تقدم، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) . [اقتداء المتوضئ بالمتيمم وغير ذلك] هذا، ويصح اقتداء متوضئ بمتيمم، وغاسل بماسح على خف أو جبيرة بلا كراهة، باتفاق الحنفية والحنابلة، أما الشافعية، والمالكية فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) . وللإمامة مكروهات أخرى مبينة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (8) . [كيف يقف المأموم مع إمامه] إذا كان مع الإمام رجل واحد أو صبي مميز قام ندباً عن يمين الإمام مع تأخره قليلاً، فتكره مساواته (9) ووقوفه عن يساره أو خلفه، إذا كان معه رجلان قاما خلفه ندباً، وكذلك إذا كان خلفه رجل وصبي، وإن كان معه رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه والمرأة خلف الرجل، ومثل الرجل في هذه الصورة الصبي، وإذا اجتمع رجال وصبيان وخناثى وإناث، قدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم الإناث، وهذه الأحكام متفق عليها بين الأئمة، إلا الحنابلة، فإنهم قالوا: إذا صلى رجل واحد مع إمام واقف عن يسار الإمام ركعة كاملة، بطلت صلاته، وإذا صلى رجل وصبي، فإنه يجب أن يكون الرجل عن يمين الإمام، وللصبي أن يصلي عن يمينه أو يساره لا خلفه.وينبغي للإمام أن يقف وسط القوم، فإن وقف عن يمينهم أو يسارهم فقد أساء بمخالفته السنة؛ وينبغي أن يقف أفضل القوم في الصف الأول حتى يكونوا متأهلين للإمامة عند سبق الحدث ونحوه، والصف الأول أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الثالث، وهكذا؛ وينبغي أيضاً لمن يسد الفرج أن يكون أهلاً للوقوف في الصف الذي به الفرجة، فليس للمرأة أن تنتقل من مكانها المشروع لسد فرجة في صف لم يشرع لها الوقوف فيه، أما الصبيان فإنهم في مرتبة الرجال إذا كان الصف ناقصاً، فيندب أن يكملوه إذا لم يوجد من يكمله من الرجال، باتفاق ثلاثة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) . وينبغي للقوم إذا قاموا إلى الصلاة أن يتراصوا، ويسدوا الفرج، ويسووا بين مناكبهم في الصفوف، فإذا جاء أحد للصلاة، فوجد الإمام راكعاً أو وجد فرجة بعد أن كبر تكبيرة الإحرام ففيما يفعله في هاتين الحالتين تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (11) . [إعادة صلاة الجماعة] إذا صلى الظهر أو المغرب أو العشاء وحده أو في جماعة، ثم وجد جماعة أخرى تصلي ذلك الفرض الذي صلاه. فهل له أن يعيده مع هذه الجماعة؟ في هذا الحكم تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (12) . [تكرار الجماعة في المسجد الواحد] يكره تكرار الجماعة في المسجد الواحد بأن يصلي فيه جماعة بعد أخرى، وفيه تفصيل في المذاهب(13) . [ما تدرك به الجماعة، والجماعة في البيت] تدرك الجماعة إذا شارك المأموم إمامه في جزء من صلاته، ولو آخر القعدة الأخيرة قبل السلام، فلو كبر قبل سلام إمامه فقد أدرك الجماعة، ولو لم يقعد معه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة، والشافعية، إلا أن الشافعية استثنوا من ذلك صلاة الجمعة فقالوا: إنها لاتدرك إلا بإدراك ركعة كاملة مع الإما، كما تقدم "في الجمعة"، أما المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (14) .هذا، ولا فرق في إدراك فضل الجماعة بين أن تكون في المسجد أو في البيت، ولكنها في المسجد أفضل إلا للنساء. [إذا فات المقتدي بعض الركعات أو كلها] من لا يدرك إمامه في جميع صلاته لا يخلو حاله عن أمرين: أحدهما: أن يفوته ركعة من ركعات الصلاة أو أكثر بسبب عذر أو زحمة ونحوها، بعد الدخول في الصلاة، ثانيهما: أن يفوته شيء من ذلك قبل الدخول فيها مع الإمام، كأن يدرك الإمام في الركعة الثانية أو الثالثة أو الأخيرة، وفي كل هذا تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (15) . (1) الشافعية، والحنابلة قالوا: يصح الاقتداء في كل ما ذكر، إلا أن الحنابلة قالوا: لا يصح ظهر خلف عصر ولا عكسه، ونحو ذلك؛ والشافعية قالوا: يشترط اتحاد صلاة المأموم وصلاة الإمام في الهيئة والنظام، فلا يصح صلاة ظهر مثلاً خلف صلاة جنازة، لاختلاف الهيئة، ولا صلاة صبح مثلاً خلف صلاة كسوف، لأن صلاة الكسوف ذات قيامين وركوعين (2) الحنفية قالوا: لا يصخ اقتداء ناذر بناذر لم ينذر عين ما نذر الإمام، أما إذا نذر المأموم عين ما نذره الإمام، كأن يقول: نذرت أن أصلي الركعتين اللتين نذرهما فلان، فيصح الاقتداء، وكذا لا يصح اقتداء الناذر بالحالف، أما اقتداء الحالف بالناذر. والحالف بالحالف فصحيح، كذا قالوا: ولا يصح اقتداء المسافر بالمقيم في الرباعية خارج الوقت: لأن المأموم بعد الوقت فرضه الركعتان، فتكون الجلسة الأولى فرضاً بالنسبة له، والإمام فرضه الأربع، لأنه مقيم، فتكون الجلسة الأولى سنة بالسنة له، فيلزم اقتداء مفترض بمتنفل، وهو لا يصح وسيأتي في "صلاة المسافر" (3) الحنفية: زادوا في شروط صحة الاقتداء أن لا يفصل بين المأموم والإمام صف من النساء، فإن كن ثلاثة فسدت صلاة ثلاثة رجال خلفهن من كل صف إلى آخر الصفوف، وإن كانتا اثنتين فسدت صلاة اثنين من الرجال خلفهما إلى آخر الصفوف، وإن كانت واحدة فسدت صلاة من كانت محاذية له عن يمينها ويسارها ومن كان خلفها، وقد تقدمت شروط فساد الصلاة بمحاذاة المرأة في "مفسدات الصلاة". الحنابلة: زادوا في شروط الاقتداء أن يقف المأموم إن كان واحداً عن يمين الإمام، فإن وقف عن يساره أو خلفه بطلت إن كان ذكراً أو خنثى، أما المرأة فلا تبطل صلاتها بالوقوف خلفه، لأنه موقفها المشروع، وكذا بالوقوف عن يمين الإمام، نعم تبطل صلاتها بالوقوف عن يساره، وهذا كله فيما إذا صلى المأموم المخالف لموقفه الشرعي ركعة مع الإمام، أما إذا صلى بعض ركعة، ثم عاد إلى موقفه الشرعي، وركع مع الإمام فإن صلاته لا تبطل، وأن يكون الإمام عدلاً، فلا تصح إمامة الفاسق ولو كان بمثله، ولو كان فسقه مستوراً، فلو صلى خلف من يجهل فسقه، ثم علم بذلك بعد فراغ صلاته وجبت عليه إعادتها إلا في صلاة الجمعة والعيدين، فإنهما تصحان خلف الفاسق بلا إعادة إن لم تتيسر صلاتهما خلف عدل، والفاسق هو من اقترف كبيرة أو دوام على صغيرة. الشافعية: زادوا في شروط صحة الاقتداء موافقة المأموم لإمامه في سنّة تفحش المخالفة فيها، وهي محصورة في ثلاث سنن: الأولى؛ سجدة التلاوة في صبح يوم الجمعة، فيجب على المقتدي أن يتابع إمامه إذا فعلها، وكذا يجب عليه موافقته في تركها، الثانية: سجود السهو، فيجب على المأموم متابعة إمامه في فعله فقط، أما إذا تركه الإمام فيسن للمأموم فعله بعد سلام إمامه، الثالثة: التشهد الأول، فيجب على المأموم أن يتركه إذا تركه إمامه، ولا يجب عليه أن يفعله إذا فعله الإمام، بل يسن له فعله عند ذلك، أما القنوت فلا يجب على المقتدي متابعة إمامه فيه فعلاً ولا تركاً، وأن يكون الإمام في صلاة لا تجب إعادتها، فلا يصح الاقتداء بفاقد الطهورين، لأن صلاته تجب إعادتها. المالكية: زادوا في شروط صحة الإمامة أن لا يكون الإمام معيداً صلاته لتحصيل فضل الجماعة، فلا يصح اقتداء مفترض بمعيد؛ لأن صلاة المعيد نفل، ولا يصح فرض خلف نفل؛ وأن يكون الإمام عالماً بكيفية الصلاة على الوجه الذي تصح به؛ وعالماً بكيفية شرائطها، كالوضوء والغسل على الوجه الصحيح، وإن لم يميز الأركان من غيرها، وأن يكون الإمام سليماً من الفسق المتعلق بالصلاة، كأن يتهاون في شرائطها أو فرائضها، فلا تصح إمامة من يظن فيه أن يصلي بدون وضوء، أو يترك قراءة الفاتحة، أما إذا كان فسقه غير متعلق بالصلاة، كالزاني وشارب الخمر، فإن إمامته تصح مع الكراهة على الراجح (4) الحنفية قالوا: الأحق بالإمامة الأعلم بأحكام الصلاة صحة وفساداً، بشرط أن يجتنب الفواحش الظاهرة، ثم الأحسن تلاوة وتجويداً للقراءة، ثم الأورع، ثم الأقدم إسلاماً؛ ثم الأكبر سناً، إن كانا مسلمين أصليين، ثم الأحسن خلقاً، ثم الأحسن وجهاً، ثم الأشرف نسباً، ثم الأنظف ثوباً فإن استووا في ذلك كله أقرع بينهم إن تزاحموا على الإمامة، وإلا قدموا من شاؤوا، فإن اختلفوا ولم يرضوا بالقرعة قدم من اختاره أكثرهم، فإن اختار أكثرهم غير الأحق بها أساؤوا بدون إثم، وهذا كله إذا لم يكن بين القوم سلطان، أو صاحب منزل اجتمعوا فيه، أو صاحب وظيفة، وإلا قدم السلطان، ثم صاحب البيت مطلقاً، ومثله الإمام الراتب في المسجد، وإذا وجد في البيت مالكه ومستأجره؛ فالأحق بها المستأجر. الشافعية قالوا: يقدم ندباً في الإمامة الوالي بمحل ولايته، ثم الإمام الراتب، ثم الساكن بحق إن كان أهلاً لها، فإن لم يكن فيهم من ذكر قدم الأفقه، فالأقرأ: فالأزهد، فالأورع، فالأقدم هجرة. فالأسن في الإسلام، فالأفضل نسباً، فالأحسن سيرة، فالأنظف ثوباً وبدناً وصنعة، فالأحسن صوتاً،فالأحسن صورة، فالمتزوج، فإن تساووا في كل ما ذكر أقرع بينهم، ويجوز للأحق بالإمامة أن يقدم غيره لها، ما لم يكن تقدمه بالصفة، كالأفقه، فليس له ذلك. المالكية قالوا: إذا اجتمع جماعة كل واحد منهم صالح للإمامة يندب تقديم السلطان أو نائبه، ولو كان غيرهما أفقه وأفضل، ثم الإمام الراتب في المسجد، ورب المنزل، ويقدم المستأجر له على المالك. فإن كان رب المنزل امرأة كانت هي صاحبة الحق، ويجب عليها أن تنيب عنها، لأن إمامتها لا تصح، ثم الأعلم بأحكام الصلاة؛ ثم الأعلم بفن الحديث رواية وحفظاً، ثم العدل على مجهول الحال، ثم الأعلم بالقراءة، ثم الزائد في العبادة، ثم الأقدم إسلاماً، ثم الأرقى نسباً، ثم الأحسن في الخلق، ثم الأحسن لباساً، وهو لابس الجديد المباح فإن يتساوى أهل رتبة قدم أورعهم، وحرم على عبدهم، فإن استووا في كل شيء أقرع بينهم، إلا إذا رضوا بتقديم أحدهم، فإذا كان تزاحمهم بقصد العلو والكبر سقط حقهم جميعاً. الحنابلة قالوا: الأحق بالإمامة الأفقه الأجود قراءة، ثم الفقيه الأجود قراءة، ثم الأجود قراءة فقط، وإن لم يكن فقيهاً إذا كان يعلم أحكام الصلاة، ثم الحافظ لما يجب للصلاة الأفقه، ثم الحافظ لما يجب لها الفقيه، ثم الحافظ لما يجب العالم فقد صلاته، ثم قارئ لا يعلم فقه صلاته، فإن استووا في عدم القراءة قدم الأعلم بأحكام الصلاة، فإن استووا في القراءة والفقه قدم أكبرهم سناً، ثم الأشرف نسباً، فالأقدم هجرة بنفسه، والسابق بالإسلام كالسابق بالهجرة، ثم الأتقى، ثم الأورع، فإن استووا فيما تقدم أقرع بينهم، وأحق الناس بالإمامة في البيت صاحبه إن كان صالحاً للإمامة، وفي المسجد الإمام الراتب، ولو عبداً فيهما، وهذا إذا لم يحضر البيت أو المسجد ذو سلطان، وإلا فهو الأحق (5) الحنابلة قالوا: إمامة الفاسق، ولو لمثله، غير صحيحة إلا في صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره، فتجوز إمامته للضرورة. المالكية قالوا: إمامة الفاسق مكروهة ولو لمثله (6) الحنفية قالوا: يكره للإمام تحريماً التطويل في الصلاة إلا إذا كان إمام قوم محصورين، ورضوا بالتطويل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أم فليخفف"، والمكروه تحريماً إنما هو الزيادة عن الإتيان بالسنن (7) الشافعية قالوا: إنما يصح ذلك بشرط أن لا تلزم الإمام إعادة الصلاة التي يصليها، فإذا مسح شخص على جبيرة وكان ذلك المسح غير كاف في صحة الصلاة بدون إعادة فإنه يصح أن يكون إماماً، وغلا فلا. المالكية قالوا: اقتداء المتوضء بالمتيمم والغاسل بالماسح على خف أو جبيرة مكروه، فهو من مكروهات الإمامة عندهم (8) الحنفية قالوا: يكره تنزيهاً إمامة الأعمى إلا إذا كان أفضل القوم، ومثله ولد الزنا، وكذا تكره إمامة الجاهل، سواء كان بدوياً أو حضرياً مع وجود العالم، وتكره أيضاً إمامة الأمرد الصبيح الوجه، وإن كان أعلم القوم إن كان يخشى من إمامته الفتنة، وإلا فلا، وتكره إمامة السفيه الذي لا يحسن التصرف، والمفلوج، والأبرص، الذي انتشر برصه، والمجذوم، والمجبوب والأعرج الذي يقوم ببعض قدمه، ومقطوع اليد، ويكره أيضاً إمامة من يؤم الناس بأجر، إلا إذا شرط الواقف له أجراً، فلا تكره إمامته، لأنه يأخذه كصدقة ومعونة، وتكره أيضاً إمامة من خالف مذهب المقتدي في الفروع إن شك في كونه لا يرعى الخلاف فيما يبطل الصلاة أو الوضوء أما إذا لم يشك في ذلك بأن علم أنه يرعى الخلاف، أو لم يعلم من أمره شيئاً، فلا يكره، ويكره أيضاً ارتفاع مكان الإمام عن سائر المقتدين بقدر ذراع فأكثر، فإن كان أقل من ذلك فلا كراهة، كما يكره أيضاً ارتفاع المقتدين عن مكانه بمثل هذا القدر، والكراهة في كلتا الحالتين مقيدة بما إذا لم يكن مع الإمام في موقفه أحد منهم ولو واحداً، فإن كان معه واحد فأكثر فلا كراهة، وتكره إمامة من يكره الناس إذا كان ينفرهم من الصلاة خلفه لنقص فيه، ويكره تحريماً جماعة النساء، ولو في التراويح، إلا في صلاة الجنازة، فإن فعلن تقف المرأة فيه، ويكره تحريماً جماعة النساء، ولو في التراويح، إلا في صلاة الجنازة، فإن فعلن تقف المرأة وسطهن، كما يصلي العراة، ويكره حضورهن الجماعة، ولو الجمعة والعيد والوعظ بالليل، أما بالنهار فجائز إذا أمنت الفتنة، وكذا تكره إمامة الرجل لهن في بيت ليس معهن رجل غيره ولا محرم منه، كزوجه وأخته. الشافعية قالوا: تكره إمامة من تغلب على الإمامة ولا يستحقها، ومن لا يتحرز عن النجاسة، ومن يحترف حرفة ذيئة كالحجام، ومن يكهه أكثر القوم لأمر مذموم كإكثار الضحك، ومن لا يعرف له أب، وكذا ولد الزنا إلا لمثله؛ وتكره إمامة الأقلف، ولو بالغاً، كما تكره إمامة الصبي، ولو أفقه من البالغ؛ وكذا الفأفاء والوأواء، ولا تكره إمامة الأعمى، وتكره إمامة من كان يلحن لحناً لا يغير المعنى، وتكره أيضاً إمامة من يخالف مذهب المقتدير في الفروع، كالحنفي الذي يعتقد أن التسمية ليست فرضاً، ويكره ارتفاع مكان الإمام عن مكان المأموم وعكسه من غير حاجة، كأن كان وضع المسجد يقتضي ذلك، فإنه لا يكره الارتفاع حينئذ. الحنابلة قالوا: تكره إمامة الأعمى والأصم والأقلف، ولو بالغاً، ومن كان مقطوع اليدين أو الرجلين أو إحداهما إذا أمكنه القيام، وإلا فلا تصح إمامته إلا لمثله، وتكره إمامة مقطوع الأنف، ومن يصرع أحياناً، وتكره إمامة الفأفاء والتمتام، ومن لا يفصح ببعض الحروف، ومن يحلن لحناً لا يغير المعنى، كأن يجردال الحمد لله، ويكره أيضاً ارتفاع مكان الإمام عن المأموم ذراعاً فأكثر، أما المأموم فلا كراهة في ارتفاع مكانه وتكره إمامة من يكرهه أكثر القوم بحق لخلل في دينه أو فضله، ولا يكره الاقتداء به، وتكره إمامة الرجل للنساء، ولو واحدة، إن كن أجنبيات، ولم يكن معهن رجل. المالكية قالوا: تكره إمامة البدوي - وهو ساكن البادية - للحضري - ساكن الحاضرة - ولو كان البدوي أكثر قراءة من الحضري، أو أشد إتقاناً للقراءة منه، لما فيه من الجفاء والغلظة، والإمام شافع فينبغي أن يكون ذا لين ورحمة؛ وكذا تكره إمامة من يكرهه بعض الناس لتقصير في دينه غير ذوي الفضل من الناس، وأما من يكرهه أكثر الناس أو ذو الفضل، فتحرم إمامته، ويكره أن يكون الخصي إماماً راتباً، وكذلك من يتكسر في كلامه كالنساء، وولد الزنا. وأما إمامتهم من غير أن يكونوا مرتبين، فلا تكره، ويكره أن يكون العبد إماماً راتباً: والكراهة في الخصي وما بعده مخصوصة بالفرائض والسنن، وأما النوافل فلا يكره أن يكون واحد من هؤلاء إماماً راتباً فيها، وتكره إمامة الأقلف - وهو الذي لم يختن - ومجهول الحال الذي لا يدري هل هو عدل أو فاسق، ومجهول النسب، وهو الذي لا يعرف أبوه، ويكره اقتداء من بأسفل السفينة بمن في أعلاها، لئلا تدور السفينة، فلا يتمكنون من ضبط أعمال الإمام واقتداء من عل جبل أبي قبيس بمن في المسجد الحرام، وتكره صلاة رجل بين نساء أو امرأة بين رجال، وصلاة الإمام بدون رداء يلقيه على كتفه إن كان في المسجد، وتنفل الإمام بمحرابه، والجلوس به على هيئته وهو في الصلاة، وأما إمامة الأعمى فهو جائزة، ولكن البصير أفضل، وكذلك يجوز علو المأموم على إمامه ما لم يقصد به الكبر، وإلا حرم، وبطلت به الصلاة، ولو كان المأموم بسطح المسجد، وهذا في غير الجمعة، أما صلاة الجمعة على سطح المسجد فباطلة، كما تقدم؛ وأما علو الإمام على مأمومه فهو مكروه، إلا أن يكون العلو بشيء يسير، كالشبر والذراع، أو كان لضرورة، كتعليم الناس كيفية الصلاة فيجوز، ويكره اقتداء البالغ بالصبي في النفل، ويكره اقتداء المسافر بالمقيم وبالعكس، إلا أن الكراهة في الأول آكد يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
(9) الحنفية قالوا: لا تكره المساواة (10) الحنفية قالوا: إذا لم يكن في القوم غير صبي واحد دخل في صف الرجال، فإن تعدد الصبيان جعلوا صفاً وحدهم خلف الرجال، ولا تكمل بهم صفوف الرجال (11) الحنفية قالوا: إذا جاء الصلاة أحد فوجد الإمام راكعاً، فإن كان في الصف الأخير فرجة فلا يكبر للإحرام خارج الصف، بل يحرم فيه، ولو فاتته الركعة، ويكره له أن يحرم خارج الصف، أما إذا لم يكن في الصف الأخير فرجة، فإن كان في غيره من الصفوف الأخرى فرج لا يكبر خارجها أيضاً، وإن لم يكن بها فرج كبر خلف الصفوف، وله أن يجذب إليه واحداً ممن أمامه في الصف بشرط أن لا يعمل عملاً كثيراً مفسداً للصلاة ليكون له صفاً جديداً، فإن صلى وحده خلف الصفوف كره وأما إذا دخل المقتدي في الصلاة، ثم رأى فرجة في الصفوف التي أمامه مما يلي المحراب، فيندب له أن يمشي لسد هذه الفرجة بمقدار صف واحد، فإذا كان المقتدي المذكور في الصف الثاني، ورأى الفرجة في الصف الأول جاز له الانتقال إليه؛ أما إذا كان في الثالث والفرجة في الأول، فلا يمشي إليها ولا يسدها، فإن فعل ذلك بطلت صلاته، لأنه عمل كثير. الحنابلة قالوا: إذا جاء إلى الصلاة فوجد الإمام راكعاً. وكان في الصف الأخير فرجة جاز له أن يكبر خارج الصف محافظة على الركعة، وأن يمشي إلى الفرجة فيسدها، وهو راكع، أو بعد رفعه من الركوع إذا لم يسجد الإمام، فإن لم يدخل الصف قبل سجود الإمام، ولم يجد واحداً يكون معه صفاً جديداً بطلت صلاته؛ أما إذا كبر خلف الصف لا لخوف فوات الركعة، ولم يدخل في الصف إلا بعد الرفع من السجود، فإن صلاته تبطل، وإذا أحرم المقتدي ثم وجد فرجة في الصف الذي أمامه ندب له أن يمشي لسدها إن لم يؤد ذلك إلى عمل كثير عرفاً، وإلا بطلت صلاته؛ أما إذا جاء ليصلي مع الجماعة فلم يجد فرجة في الصف، ولا يمكنه أن يقف عن يمين الإمام، فيجب عليه أن ينبه رجلاً من الصف يقف معه خلف الصف بكلام أو بنحنحة، ويكره له أن ينبهه بجذبه، ولو كان عبده، أو ابنه، فإن صلى ركعة كاملة خلف الصف وحده بطلت صلاته. المالكية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام في الصلاة، فإن ظن أنه يدرك الركعة إذا أخر الدخول معه حتى يصل إلى الصف أخر الإحرام ندباً حتى يصل إليه، وإن ظن أن الركعة تفوته إذا أخر الإحرام حتى يصل إلى الصف ندب له الإحرام إن ظن أنه يدرك الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع لو مشى إليه بعد الدخول في الصلاة، وإن لم يظن ذلك آخر الإحرام حتى يدخل في الصف، ولو فاتته الركعة إلا إذا كان الإمام في الركعة الأخيرة، فإنه يحرم خارج الصف للمحافظة على إدراك الجماعة، وإذا مشى في الصلاة لسد الفرجة، فإنه يرخص له في المشي مقدار صفين، سوى الذي خرج منه، والذي دخل فيه، فإذا تعددت الفرج مشى للأول من جهة المحراب حيث كانت المسافة لا تزيد على ما ذكر، وإذا مشى وهو جالس أو ساجد أو رافع من الركوع؛ فإن فعل ذلك كره، ولا تبطل على المعتمد، وإذا جاء المأموم ولم يجد في الصف فرجة، فإنه يحرم خارجه، ويكره له أن يجذب أحداً من الصف ليقف معه، ولو جذب أحداً كره له أن يوافقه. الشافعية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام راكعاً، وفي الصف فرجة ندب له أن يؤخر الدخول معه حتى يصل إلى الصف، ولو فاتته الركعة. وأما إذا دخل في الصلاة، ثم وجد بعد ذلك فرجة في صف من الصفوف جاز له أن يخترق الصفوف حتى يصل إلى الفرجة، بشرط أن لا يمشي ثلاث خطوات متوالية، وبشرط أن يكون مشيه في حال قيامة وغلا بطلت صلاته؛ وإنما يمشي في الصلاة لسد الفرجة إذا كانت موجودة قبل دخوله في الصلاة، أما إذا حدثت الفرجة بعد دخوله في الصلاة، فليس له أن يخترق الصفوف، وأما إذا جاء إلى الصلاة، ولم يجد فرجة في الصف، فإنه يحرم خارجه، وليس له بعد إحرامه أن يجذب في حال قيامه رجلاً من الأحرار يرجو أن يوافقه في القيام معه، بشرط أن يكون الصف المجذوب منه أكثر من اثنين، وإلا فلا يسن الجذب (12) الشافعية قالوا: تسن إعادة الصلاة في الوقت مطلقاً، سواء صلى الأولى منفرداً أو بجماعة،بشرط أن تكون الصلاة الثانية كلها في جماعة، وأن ينوي إعادة الصلاة المفروضة؛ وأن تقع الثانية في الوقت ولو ركعة فيه على الراجح، وأن يعيدها الإمام مع من يرى جواز إعادتها أو ندبها، وأن تكون الأولى مكتوبة أو نفلاً تسن فيه الجماعة، وأن تعاد مرة واحدة على الراجح، وأن تكون غير صلاة الجنازة؛ وأن تكون الثانية صحيحة، وإن لم تغن عن القضاء، وأن لا ينفرد وقت الإحرام بالصلاة الثانية عن الصف، مع إمكان دخوله فيه، فإن انفرد فلا تصح الإعادة، أما إذا انفرد بعد إحرامه، فإنها تصح، وأن تكون الصلاة الثانية من قيام لقادر، وأن تكون الجماعة مطلوبة في حَق من يعيدها الصلاة في جماعة إذا أقيمت الجماعة، وهو في المسجد، سواء كان وقت الإعادة وقت نهي أو لا، وسواء كان الذي يعيد معه هو الإمام الراتب أو غيره، أما إذا دخل المسجد فوجد الجماعة مقامة، فإن كان الوقت وقت نهي حرمت عليه الإعادة، ولم تصح، سواء قصد بدخوله المسجد تحصيل الجماعة أو لا، أما إذا لم يكن الوقت وقت نهي وقصد المسجد للإعادة، فلا يسن له الإعادة، وإن لم يقصد ذلك كانت الإعادة مسنونة، وهذا كله في غير المغرب، أما المغرب فلا تسن إعادته مطلقاً، ومن أعاد الصلاة ففرضه الأولى، والثانية نافلة، فينويها معادة أو نافلة. المالكية قالوا: من أدى الصلاة وحده أو صلاها إماماً لصبي يندب له أن يعيدها ما دام الوقت باقياً في جماعة أخرى منعقدة بدونه بأن تكون مركبة من اثنين سواه، ولا يعيدها مع واحد إلا أن يكون إماماً راتباً، فيعيد معه؛ ويستثنى من الصلاة التي تعاد المغرب والعشاء بعد الوتر فتحرم إعادتهما لتحصيل فضل الجماعة، ويستثنى أيضاً من صلى منفرداً بأحد المساجد الثلاثة، وهي: مسجد مكة، والمدينة، وبيت المقدس فلا يندب له إعادتها جماعة خارجها، ويندب إعادتها جماعة فيها، وإذا أعاد المصلي منفرداً صلاته لتحصيل فضل الجماعة تعين أن يكون مأموماً، ولا يصح أن يكون إماماً لمن لم يصل هذه الصلاة، كما تقدم، وينوي المعيد الفرض، مفوضاً الأمر لله تعالى في قبول أي الصلاتين، فإذا نوى النفل بالصلاة المعادةن ثم تبين بطلان الأولى، فلا تجزئه الثانية؛ وأما من أدى الصلاة في جماعة فيكره له صلاتها في جماعة مرة أخرى، إلا إذا كانت الجماعة الأولى خارج المساجد الثلاثة، ثم دخل أحدها فيندب له إعادتها به جماعة لا فرادى. الحنفية قالوا: إذا صلى منفرداً، ثم أعاد صلاته مع إمام جماعة جاز له ذلك، وكانت صلاته الثانية نفلاً، وإنما تجوز إذا كان إمامه يصلي فرضاً لا نفلاً، لأن صلاة النافلة خلف الفرض غير مكروهة، وإنما المكروه صلاة نفل خلف نفل إذا كانت الجماعة أكثر من ثلاثة، كما تقدم، فإن صلوا جماعة ثم أعادوا الصلاة ثانياً بجماعتهم كره إن كانوا أكثر من ثلاثة. وإلا فلا يكره إذا أعادوها بغير أذان، فإن أعادوها بأذان كرهت مطلقاً، ومتى علم أن الصلاة الثانية تكون نفلاً أعطيت حكم الصلاة النافلة في الأوقات المكروهة، فلا تجوز إعادة صلاة العصر، لأن النفل ممنوع بعد العصر، وإذا شرع في صلاته منفرداً أو كانت الصلاة أداء لا قضاء ولا منذورة ولا نافلة، ثم أقيمت بجماعة فيستحب له أن يقطعها واقفاً بتسليمة واحدة ليدرك فضل الجماعة، وهذا إذا لم يسجد، أما إعادة الصلاة لخلل فيها كترك واجب ونحوه، فسيأتي بيانه في قضاء الفوائت. بعيداً عنه، فلا يكره وإلا كره تحريماً؛ كما لا يكره مطلقاً تكرار الجماعة في مسجد المحلة بلا أذان وإقامة (13) الحنفية قالوا: لا يكره تكرار الجماعة في مساجد الطرق، وهي ما ليس لها إمام وجماعة معينون، أما مسجد المحلة - وهي ما لها إمام وجماعة ميعنون - فلا يكره تكرار الجماعة فيها أيضاً إن كانت على غير الهيئة الأولى، فلو صليت الأولى في المحراب والثانية صليت بعد ذلك. الحنابلة قالوا: إذا كان الإمام الراتب يصلي بجماعة فيحرم على غيره أن يصلي بجماعة أخرى وقت صلاته، كما يحرم أن تقوم جماعة قبل صلاة الإمام الراتب، بل لا تصح صلاة جماعة غير الإمام الراتب في كلتا الحالتين، ومحل ذلك إذا كان بغير إذن الإمام الراتب، أما إذا كان بإذنه، فلا تحرم، كما لا تحرم صلاة غيره، إذا تأخر الإمام الراتب لعذر أو ظن عدم حضوره، أو ظن حضوره، ولكن كان الإمام لا يكره أن يصلي غيره في حال غيبته، ففي هذه الأحوال لا تكره إمامة غيره، وأما إمامة غير الراتب بعد إتمام صلاته فجائزة من غير كراهة إلا في المسجد الحرام، والمسجد النبوي، فإن إعادة الجماعة فيهما مكروهة إلا لعذر، كمن نام عن صلاة الإمام الراتب بالحرمين، فله أن يصلي جماعة بعد ذلك بلا كراهة، ويكره للإمام أن يؤم بالناس مرتين في صلاة واحدة بأن ينوي بالثانية فائتة، وبالأولى فرض الوقت مثلاً. الشافعية قالوا: يكره إقامة الجماعة في مسجد بغير إذن إمامه الراتب مطلقاً قبله أو بعده أو معه إلا إذا كان المسجد مطروقاً أو ليس له إمام راتب، أو له وضاق المسجد عن الجميع أو خيف خروج الوقت، وإلا فلا كراهة. المالكية قالوا: يكره تكرار الجماعة مرة أخرى بعد صلاة الإمام الراتب في كل مسجد أو موضع جرت العادة باجتماع الناس للصلاة فيه، وله إمام راتب، ولو أذن الإمام في ذلك، وكذلك تكره إقامة الجماعة قبل الإمام الراتب إذا صلى في وقته المعتاد له، وإلا فلا كراهة، وأما إقامة جماعة مع جماعة الإمام الراتب فهي محرمة، والقاعدة عندهم أنه متى أقيمت الصلاة للإمام الراتب فلا يجوز أن تصلي صلاة أخرى فرضاً أو نفلاً، لا جماعة ولا فرادى، ويتعين على من في المسجد الدخول مع الإمام إذا كان لم يصل هذه الصلاة المقامة أو صلاها منفرداً، أما إذا كان قد صلاها جماعة فيتعين عليه الخروج من المسجد لئلا يطعن على الإمام، وإذا كان على من بالمسجد فرض غير الفرض الذي يريد الإمام أن من يصليه، كأن كان عليه الظهر وأقيمت صلاة العصر للراتب فإنه يتابع الإمام في الصورة فقط، وينوي الظهر وهو منفرد فيها، وعليه أن يحافظ على ما يجب على المنفرد، وإذا وجد بمسجد أئمة متعددة مرتبون، فإن صلوا في وقت واحد حرم لما فيه من "التشويش"، وإذا ترتبوا أن يصلي أحدهم، فإذا انتهى صلى الآخر، وهكذا، فهو مكروه على الراجح، وأما المساجد أو الموضع التي ليس لها إمام راتب فلا يكره تكرار الجماعة فيها بأن يصلي جماعة جماعة، ثم يحضر آخرون فيصلون جماعة، وهكذا (14) المالكية قالوا: تدرك الجماعة، ويحصل فضلها الوارد في الحديث السابق بإدراك ركعة كاملة مع الإمام بأن ينحني المأموم في الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه منه، وإن لم يطمئن في الركوع إلا بعد رفع الإمام، ثم يدرك السجدتين أيضاً مع الإمام، ومتى أدرك الركعة على هذا النحو حصل له الفضل، وثبتت له أحكام الاقتداء، فلا يصح أن يكون إماماً في هذه الصلاة ولا يعيدها في جماعة أخرى؛ ويلزمه أن يسجد لسهو الإمام قبلياً كان أو بعدياً، ويسلم على الإمام، وعلى من على يساره وغير ذلك من أحكام المأموم، أما إذا دخل مع الإمام بعد الرفع من الركوع أو ادرك الركوع معه ولم يتمكن من السجود معه لعذر، كزحمة ونحوها مما تقدم، فلا يحصل له فضل الجماعة، ولا يثبت له أحكام الاقتداء، فيصح أن يكون إماماً في هذه الصلاة، ويستحب أن يعيدها في جماعة أخرى لإدراك فضل الجماعة، ولا يسلم على الإمام، ولا على المأموم الذي على يساره ونحو ذلك، وإنما قالوا: إن الفضل الوارد في الحديث هو الذي يتوقف على إدراك ركعة كاملة، لأن مطلق الأجر لا يتوقف على ذلك، فمن أدرك التشهد فقط مع الإمام لا يحرم من الثواب والأجر، وإن كان لا يحصل له الفضل الوارد في قوله عليه السلام: صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بسبعة وعشرين درجة، وهذا هو الحديث السابق (15) الحنفية قالوا: إن الأول يسمى لاحقاً، والثاني يسمى مسبوقاً، فاللاحق هو من دخل الصلاة مع الإمام، ثم فاته كل الركعات أو بعضها لعذر، كزحام؛ والمسبوق هو من سبقه إمامه بكل الركعات أو بعضها، وحكم اللاحق كحكم المؤتم حقيقة فيما فاته، فلا تنقطع تبعيته للإمام، فلا يقرأ في قضاء ما فاته من الركعات، ولا يسجد للسهو فيما يسهو فيه حال قضائه، لأن لا سجود على المأموم فيما يسهو فيه خلف إمامه، ولا يتغير فرضه أربعاً بنية الإقامة إن كان مسافراً، وكيفية قضاء ما فاته أن يقضيه في أثناء صلاة الإمام ثم يتابعه فيما بقي إن أدركه، فإن لم يدركه مضى في صلاته إلى النهاية، ولا يقرأ شيئاً في قيامه حال القضاء، لأنه معتبر خلف الإمام، وإذا كان على الإمام سجود سهو فلا يأتي به اللاحق إلا بعد قضاء ما فاته، وقد يكون اللاحق مسبوقاً بأن يدخل مع الإمام في الركعة الثانية ثم تفوته ركعة أو أكثر وهو خلف الإمام، وفي هذه الحالة يقضي ما سبق به بعد أن يفرغ من قضاء ما فاته بعددخوله مع الإمام، وعليه القراءة في قضاء ما سبق به، فاللاحق إذا كان مسبوقاً عليه أن يقضي ما فاته بعد دخوله في الصلاة بدون قراءة ثم يتابع الإمام فيما بقي من الصلاة ان أدركه فيها ثم يقصي ما سبق به بقراءة، فإن كان على الإمام سجود سهو في هذه الحالة أتى به بعد قضاء ما سبق به فإن قضى ما سبق به قبل أن يقتضي ما فاته صحت صلاته مع الإثم لترك الترتيب المشروع. أما المسبوق له أحكام كثيرة: منها أنه إن أدرك الإمام في ركعة سرية أتى بالثناء بعد تكبيرة الإحرام، وإن أدركه في صلاة ركعة جهرية لا يأتي به على الصحيح مع الإمام، وإنما يأتي به عند قضاء ما فاته وحينئذ يتعوذ، ويبسمل للقراءة كالمنفرد. فإن أدرك الإمام وهو راكع أو ساجد تحرّى، فإن غلب على ظنه أنه لو أتى بالثناء أدركه في جزء من ركوعه أو سجوده أتى به وإلا فلا، وإن أدركه في القعود لا يأتي بالثناء، بل يكبر ويقعد قدر التشهد، إلا في مواضع: الأول: إذا خاف المسبوق الماسح زوال مدته إذا انتظر سلام الإمام، الثاني: إذا خاف خروج الوقت وكان صاحب عذر، لأنه إذا انتظره في هذه الحالة ينتقض وضوءه، الثالث: إذا خاف في الجمعة دخول وقت العصر إذا انتظر سلام الإمام، الرابع إذا خاف المسبوق دخول وقت العصر في العيدين أو خاف طلوع الشمس إذا انتظر سلام الإمام، الخامس إذا خاف المسبوق أن يسبقه الحدث؛ السادس: إذا خاف أن يمر الناس بين يديه إذا انتظر سلام الإمام، فهذه المواضع كلها يقوم فيها المسبوق قبل أن يسلم إمامه، ويقضي ما فاته متى كان الإمام قد قعد قدر التشهد؛ أما إذا قام قبل أن يتم الإمام القعود بقدر التشهد، فإن صلاة المسبوق تبطل، وكما أن المسبوق لا تجب عليه متابعة إمامه في سلام عند وجود عذر من هذه الأعذار، فكذلك المدرك لا تجب عليه المتابعة عند وجود ذلك العذر، فإن لم يوجد عذر وجب على المأموم أن يتابع إمامه في السلام إن كان قد أتم التشهد، فإن سلم إمامه، قبل ذلك لا يسلم معه، بل يتم تشهده ثم يسلم، فإذا أتم المأموم، تشهده قبل إمامه، ثم سلم قبله صحت صلاته مع الكراهة إن كانت بغير عذر من تلك الأعذار، والأفضل في المتابعة في السلام أن يسلم المأموم مع إمامه لا قبله ولا بعده، فإن سلم قبله كان الحكم ما تقدم، وإن سلم بعده فقد ترك الأفضل، وكذلك المتابعة في تكبيرة الإحرام، فإن المقارنة فيها أفضل، أما إن كبر قبله فلا تصح صلاته، وإن كبر بعده فقد فاته إدراك وقت فضيلة تكبيرة الإحرام، ومنها أن يقضي أول صلاته بالنسبة للقراءة، وآخرها بالنسبة للتشهد، فلو أدرك ركعة من المغرب قضى ركعتين، وقرأ في كل واحدة منهما الفاتحة وسورة، لأن الركعتين اللتين يقضيهما هما الأولى والثانية بالنسبة للقراءة، ويقعد على رأس الأولى منهما ويتشهد، لأنها الثانية بالنسبة لها، فيكون قد صلى المغرب في هذه الحالة بثلاث قعدات، ولو أدرك ركعة من العصر مثلاً قضى ركعة يقرأ فيها الفاتحة والسورة ويتشهد، ثم يقضي ركعة أخرى يقرأ فيها الفاتحة والسورة ولا يتشهد، ثم يقوم لقضاء الأخيرة وهو مخير في القراءة فيها وعدمها، والقراءة أفضل، ولو أدرك ركعتين من العصر مثلاً قضى ركعتين يقرأ فيهما الفاتحة والسورة، ويتشهد، فلو ترك القراءة في إحداهما بطلت صلاته، ومنها أنه في حكم المنفرد فيما يقضيه إلا في مواضع أربعة؛ أحدها: أنه لا يجوز له أن يقتدي بمسبوق مثله، ولا أن يقتدي به غيره، فلو اقتدى مسبوق بمسبوق فسدت صلاة المقتدي دون الإمام، ولو اقتدى هو بغيره بطلت صلاته، ثانيها: أنه لو كبر ناوياً لاستثناف صلاة جديدة من أولها وقطع الصلاة الأولى تصح، بخلاف المنفرد، ثالثها: أنه لو سها الإمام إلى سجود التلاوة، فإن صلاته وصلاة المسبوق صحيحة. المالكية قالوا: المقتدي إن فاتته ركعة أو أكثر قبل الدخول مع الإمام فهو مسبوق، وحكمه أنه يجب عليه أن يقضي بعد سلام الإمام ما فاته من الصلاة، إلا أن يكون بالنسبة للقول قاضياً، وبالنسبة للفعل بانياً، ومعنى كونه قاضياً أن يجعل ما فاته أول صلاته؛ فيأتي به على الهيئة التي فات عليها بالنسبة للقراءة، فيأتي بالفاتحة وسورة أو بالفاتحة فقط سراً أو جهراً على حسب ما فاته، ومعنى كونه بانياً أن يجعل ما أدركه أو صلاته، وما فاته آخر صلاته، لإيضاح ذلك نقول: دخل المأموم مع الإمام في الركعة الرابعة من العشاء وفاتته ثلاث ركعات قبل الدخول؛ فإذا سلم الإمام يقوم المأموم فيأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة وسورة جهراً، لأنها أولى صلاته بالنسبة للقراءة؛ ثم يجلس على رأسها للتشهد، نها ثانية له بالنسبة للجلوس، ثم يقوم بعد التشهد فيأتي بركعة بالفاتحة وسورة جهراً، لأنها ثانية له بالنسبة للقراءة، ولا يجلس للتشهد على رأسها، لأنها ثالثة له بالنسبة للجلوس، ثم يقوم فيأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة فقط سراً: لأنها ثالثة له بالنسبة للقراءة ويجلس على رأسها للتشهد، لأنها رابعة له بالنسبة للأفعال ثم يسلم، ومن القول الذي يكون قاضياً فيه القنوت، فإذا دخل مع الإمام في ثانية الصبح يقنت فيها تبعاً مامه، فإذا سلم الإمام قام بركعة القضاء، ولا يقنت فيها، لأنها أولى بالنسبة للقنوت؛ ولا قنوت في أولى الصبح، فالقول الذي يكون قاضياً فيه هو القراءة والقنوت، ثم إذا ترتب على الإمام سجود سهو، فإن كان قبلياً سجده مع الإمام قبل قيامه للقضاء، وإن كان بعيداً أخره حتى يفرغ من قضاء ما عليه، والمسبوق يقوم بالقضاء بتكبير إن أدرك مع الإمام ركعتين أو أدرك أقل من ركعة، وإلا فلا يكبر حال القيام، بل يقوم ساكتاً، وأما إذا فات المأموم شيء من الصلاة بعد الدخول مع الإمام لعذر، كزحمة أو نعاس لا ينقض الوضوء، فله ثلاث أحوال: الأولى أن يفوته ركوع أو رفع منه، الثانية: أن تفوته سجدة أو السجدتان: الثالثة: أن تفوته ركعة أو أكثر، فالحالة الأولى أنه إذا فات المأموم الركوع أو الرفع منه مع الإمام؛ فإما أن يكون ذلك في الركعة الأولى أو غيره، فإن كانت في الركعة الأولى تبع الإمام فيما هو فيه من الصلاة، وألغى هذه الركعة لعدم انسحاب المأمومية عليه بفوات الركوع مع الإمام. ولعدم عقد الركعة مع الإمام في حالة فوات الرفع معه بناء على أن عقد الركوع برفع الرأس منه مع الإمام، وعليه أن يقضي ركعة بعد سلام الإمام بدل الركعة التي ألغاها، وإن كان ذلك الفوات في غير الركعة الأولى، فإن ظن أنه لو ركع أو رفع يمكنه أن يسجد مع الإمام ولو سجدة واحدة فعل ما فاته ليدرك الإمام، ثم إن تحقق ظنه فالأمر واضح، وإن تخلف ظنه، كأن كان بمجرد ركوعه رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية؛ فإنه يلغي ما فعله، ويتبع الإمام فيما هو فيه، ويقضي ركعة بعد سلامه: وإن لم يظن إدراك شيء من السجود مع الإمام ألغى هذه الركعة؛ وقضى ركعة بعد سلام الإمام، فإن خالف ما أمر به، وأتي بما فاته، فإن أدرك مع الإمام شيئاً من السجود صحت صلاته وحسبت له الركعة، وإلا بطلت لمخالفة ما أمر به مع قضاء ما فاته من طلب إمامه؛ الحالة الثانية: أن يفوته سجدة أو سجدتان، وحكم ذلك أن المأموم إما أن يظن أن يدرك الإمام قبل رفع رأسه من ركوع الركعة التالية أو لا، ففي الحالة الأولى يفعل ما فاته، ويلحق الإمام وتحسب له الركعة، وفي الحالة الثانية يلغي الركعة، ويتبع الإمام فيما هو فيه، ويأتي بركعة بعد سلام الإمام، ولا سجود عليه بعد السلام لزيادة الركعة التي ألغاها، لأن الإمام يحمل مثل ذلك عنه؛ الحالة الثالثة: أن تفوته ركعة أو أكثر بعد الدخول مع الإمام، وحكم ذلك أنه يقضي ما فاته بعد سلام الإمام على نحو ما فاته بالنسبة للقراءة والقنوت، ويكون بانياً في الأفعال على ما تقدم، وقد يفوت المأموم جزء من الصلاة قبل الدخول مع الإمام؛ ثم يفوته ركعة أيضاً أو أكثر بعد الدخول لزحمة ونحوها، مثال ذلك: أن يدخل المأموم مع الإمام في الركعة الثانية الرباعية؛ فيدرك معه الثانية والثالثة، وتفوته الرابعة فقد فاته الآن ركعتان: إحداهما: قبل الدخول مع الإمام، والثانية بعد الدخول معه، وحكم ذلك أنه يقدم في القضاء الركعة الثانية التي هي رابعة الإمام، فيأتي بها بالفاتحة فقط سراً، ولو كانت الصلاة جهرية لم يجلس عليها،لأنها أخيرة الإمام، ثم يقوم فيأتي بركعة بدل الأول؛ ويقرأ فيها بالفاتحة وسورة لأنها أولى؛ ويجهر إن كانت الصلاة جهرية، ويجلس عليها، لأنها أخيرته هو ثم يسلم. الحنابلة قالوا: من اقتدى بالإمام من أول الصلاة أو بعد ركعة فأكثر وفاته شيء منها؛ فهو في الحالتين مسبوق، فمن دخل مع إمامه من أول صلاته وتخلف عنه بركن بعذر كغفلة أو نوم لا ينقض الوضوء وجب عليه أن يأتي بما فاته متى زال عذره إذا لم يخش فوت الركعة التالية بعدم إدراك ركوعها مع الإمام، وصارت الركعة معتداً بها، فإن خشي فوت الركعة التالية مع الإمام على صفتها وإن تخلف عن إمامه بركعة فأكثر لعذر من الأعذار السابقة تابعه، وقضى ما تخلف به عن إمامه بعد فراغه على صفته، ومعنى قضاء ما فاته على صفته، أنه لو كان ما فاته الركعة الأولى أتى عند قضائها بما يطلب فعله فيها من استفتاح وتعوذ وقراءة سورة بعد الفاتحة، وإن كانت الثانية قرأ سورة بعد الفاتحة، وإن كانت الثالثة أو الرابعة قرأ الفاتحة فقطن وإن دخل مع إمامه وأدرك ركوع الأولى ثم تخلف عن السجود معه لعذر وزوال عذره بعد رفع إمامه من ركوع الثانية تابع إمامه في سجود الثانية وتمت له بذلك ركعة ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية، ويقضي ما فاته بعد سلام إمامه على صفته. كما تقدم وهذا كله إذا كان المقتدي قد دخل مع إمامه من أول صلاته، أما إذا دخل معه بعد ركعة فأكثر فيجب عليه قضاء ما فاته بعد فراغ إمامه من الصلاة؛ ويكون ما يقضيه أول صلاته، وما أداه مع إمامه آخر صلاته، فمن أدرك الإمام في الظهر في الركعة الثالثة وجب عليه قضاء الركعتين بعد فراغ إمامه، فيسفتح ويتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة في أولاهما، ويقرأ الفاتحة وسورة في الثانية لما علمت، ويخير في الجهر إن كانت الصلاة جهرية غير جمعة، فإنه لا يجهر فيها، ويجب على المسبوق أن يقوم للقضاء قبل تسليمة الإمام الثانية، فإن قام فيها بلا عذر ويبيح المفارقة وجب عليه أن يعود ليقوم بعدها، وإلا انقلبت صلاته نفلاً، ووجبت عليه إعادة الفرض الذي صلاه مع الإمام، وإنما يكون ما يقصيه المسبوق أول صلاته فيما عدا التشهد، أما التشهد فإنه إذا أدرك إمامه في ركعة من رباعية، أو من المغرب فإنه يتشهد بعد قضاء ركعة أخرى لئلا يغير هيئة الصلاة، وينبغي للمسبوق أن يتورك في تشهد إمامه الأخير إذا كانت الصلاة مغرباً أو رباعية تبعاً لإمامه، وإذا سلم المسبوق مع إمامه سهواً وجب عليه أن يسجد للسهو في آخر صلاته، وكذا يسجد للسهو إن سها فيما يصليه مع الإمام، وفيما انفرد بقضائه، ولو شارك الإمام في سجوده لسهوه، وإذا سها الإمام ولم يسجد لسهوه وجب على المسبوق سجود السهو بعد قضاء ما فاته، ويعتبر المسبوق مدركاً للجماعة متى أدرك تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام التسليمة الأولى، ولا يكون المسبوق مدركاً للركعة إلا إذا أدرك ركوعها مع الإمام، ولو لم يطمئن معه، وعليه أن يطمئن وحده، ثم يتابعه. الشافعية قالوا: ينقسم المقتدي إلى قسمين: مسبوق، وموافق؛ فالمسبوق هو الذي لم يدرك مع الإمام زمناً يسع قراءة الفاتحة من قارئ معتدل، ولو أدرك الركعة الأولى؛ والموافق هو الذي أدرك مع الإمام بعد إحرامه وقبل ركوع إمامه زمناً يسع الفاتحة، ولو في آخر ركعة من الصلاة، فالعبرة في السبق وعدمه بإدراك الزمن الذي يسع قراءة الفاتحة بعد إحرامه وقبل ركوع الإمام وعدم إدراكه، ولكل حكم؛ أما المسبوق فله ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يدخل مع الإمام وهو راكع، الحالة الثانية: أن يدخل مع الإمام وهو قائم، ولكنه بمجرد إحرامه ركع مع الإمام؛ الحالة الثالثة: أن يدخل مع الإمام وهو قائم، ولكنه قريب من الركوع بحيث يتمكن المأموم من قراءة شيء من الفاتحة، وحكم المأموم في الحالتين الأوليين أنه يجب عليه الركوع مع الإمام من قراءة شيء من الفاتحة، وتحسب له الركعة إن اطمأن مع الإمام يقيناً في الركوع، وغلا فلا يعتد بها، ويأتي بركعة بدلها بعد سلام الإمام، وفي الحالة ويندب له ترك دعاء الاستفتاح والتعوذ، فإن اشتغل بشيء منهما وجب عليه أن يستمر قائماً بدون ركوع حتى يقرأ من الفاتحة بقدر الزمن الذي صرفه في دعاء الاستفتاح أو التعوذ؛ ثم إن اطمأن مع الإمام في الركوع يقيناً حسبت له الركعة وإلا فلا، وتصح صلاته ولا تجب عليه نية المفارقة، إلا إذا استمر في القراءة الواجبة عليه حتى هوى الإمام للسجود، فحينئذ تجب عليه نية المفارقة، وإلا بطلت صلاته لتأخره عن إمامه بركنين فعليين بلا عذر، وأما الموافق فقد تقدمت أحكامه في مبحث "المتابعة"، ثم إن كلا من المسبوق والموافق بالمعنى المتقدم قد يكون مسبوقاً، بمعنى أنه فاته بعض ركعات الصلاة مع الإمام، وحكم هذا أن أول صلاة المأموم في هذه الحالة هو ما أدركه مع الإمام، فلو أدرك مع الإما الركعة الثانية، ثم قام للإتيان بما فاته تحسب له الركعة التي أداها مع الإمام الأولى، وإن كانت ثانية بالنسبة للإمام فيسن له أن يقنت في الركعة التي يأتي بها، لأنها ثانية له، وإن كان قد قنت في الركعة التي أداها مع الإمام متابعة له. وينبغي للمسبوق الذي لم يتحمل عنه الإمام الفاتحة أن يجعل صلاته غير خالية من السورة بعد الفاتحة، فمثلاً إذا أدرك الإمام في ثالثة الظهر ثم فعل ما فاته بعد فراغه يسن له أن يأتي بآية أو سورة بعد الفاتحة فيهما، لئلا تخلو صلاته من سورة |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 402 الى صــــــــ417 الحلقة (59) [الاستخلاف في الصلاة] [تعريفه - وحكمه مشروعيته] الاستخلاف في اصطلاح الفقهاء هو أن ينيب إمام الصلاة أو أحد المأمومين رجلاً صالحاً للإمامة ليكمل بهم الصلاة بدل إمامهم لسبب من الأسباب الآتية، مثال ذلك أن يصلي الإمام بجماعة ركعة أو ركعتين أو أقل أو أكثر ثم يعرض له في الصلاة مانع يمنعه من إتمام الصلاة بهم، كمرض فجائي أو سبق حدث أو غير ذلك من الموانع، ففي هذه الحالة يصح أن يختار الإمام رجلاً من المصلين خلفه أو من غيرهم من الموجودين ويوقفه إماماً ليكمل ما بقي من الصلاة بالمأمومين، فإن لم يفعل الإمام ذلك فللمأمومين أن يختاروا واحداً منهم وينيبوه بدل هذا الإمام بدون أن يتكلموا أو يتحولوا عن القبلة، كما ستعرفه، ولعل قائلاً يقول: لماذا كل هذا؟ أليس من السهل المعقول أنه إذا عرض مانع يمنع الإمام من المضي في صلاته تبطل، ويأتي غيره من الصالحين للإمامة ويصلي بالجماعة؟ والجواب: إن الصلاة لها حرمة عظيمة في نظر الشريعة الإسلامية، فمتى شرع الإنسان في الصلاة وقف يناجي ربه خاضعاً خاشعاً، فإنه ينبغي له أن يحتفظ بموقفه هذا حتى يفرغ منه، فإذا سها عن فعل لزمه أن يأتي به ويجبره بالسجود، وإذا عرض للإمام ما يبطل صلاة الجماعة خرج من الصلاة واستخلف غيره ليكملها، والغرض من كل هذا تأدية الصلاة كاملة بعد الشروع فيها، لأنها عمل من الأعمال اللازمة في نظر الشريعة الإسلامية التي لا ينبغي التساهل في أمره على كل حال. [سبب الاستخلاف] أما سبب الاستخلاف ففيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . [حكم الاستخلاف في الصلاة] اختلفت المذاهب الأربعة في حكم الاستخلاف، فانظر كل مذهب تحت الخط (2) . [مباحث سجود السهو] [تعريفه - محله - هل تلزم النية فيه؟] معنى السجود في اللغة مطلق الخضوع، سواء كان بوضع الجبهة على الأرض أو كان بأمارة أخرى من أمارات الخضوع، كالطاعة، ومعنى السهو في اللغة الترك من غير علم، فإذ قيل سها فلان، فمعناه ترك الفعل من غير علمه، أما إذا قيل سها عن كذا، فمعناه تركه وهو عالم، وبذا تعلم أن اللغة تفرق بين قول سها فلان، وبين قول سها فلان عن كذا، ولا فرق في اللغة بين النسيان وبين السهو، أما الفقهاء فإنهم لا يفرقون بين النسيان وبين السهو أيضاً، بل عندهم السهو والنسيان والشك بمعنى واحد، وإنما يفرقون بين هذه الأشياء وبين الظن؛ فيقولون: إن الظن هو إدراك الطرف الراجح، فإذا ترجح عند الشخص أنه فعل الفعل كان ظاناً، بخلاف السهو والنسيان والشك، فإنه يستوي عند إدراك الفعل وعدمه، بدون أن يرجح أنه فعل، أو أنه لم يفعل.هذا هو معنى سجود السهو في اللغة، أما معناه في اصطلاح الفقهاء وبيان محله وبيان النية فيه، فانظره تحت الخط (3) . [سبب سجود السهو] الأسباب التي يشرع من أجلها سجود السهو مختلفة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (4) . (1) الحنفية قالوا: سبب الاستخلاف هو أن يحدث الإمام في الصلاة بدون اختيار، يخرج منه ريح أو يسيل منه دم أو نحو ذلك من النجاسات التي تخرج من بدن الإنسان وهو يصلي، أما إذا أصابته نجاسة تمنع من الاستمرار في الصلاة، أو كشفت عورته بمقدار ركن من أركان الصلاة ونحو ذلك، فإن صلاته تفسد وتفسد معها صلاة المأمومين فلا يصح الاستخلاف في هذه الحالة، كما لا يصح الاستخلاف إذا ضحك الإمام قهقهة أو جن أو أغمي عليه أو غير ذلك مما يأتي في شروط الاستخلاف، ويجوز الاستخلاف إذا عجز عن قراءة القدر المفروض، أما إذا عجز عن الركوع أو السجود بسبب حصر البول أو الغائط فإنه لا يستخلف إذا أمكنه أن يصلي قاعداً، وعلى المأمومين في هذه الحالة أن يتموا صلاتهم خلفه قياماً، وهذا هو رأي الإمام أبي حنيفة، ولا يصح الاستخلاف إذا خاف حصول ضرر أو ضياع مال، بل يقطع الصلاة، ويبتدئ المقتدون به الصلاة من أولها بحسب ما يتاح لهم. المالكية قالوا: أسباب الاستخلاف ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن يخاف الإمام وهو في صلاته على مال، سواء كان ماله أو مال غيره، وفي هذه الحالة يجب عليه قطع الصلاة لإنقاذ ذلك المال، ويندب له أن يستخلف إماماً غيره، على أنه يشترط لقطع الصلاة بسبب الخوف على المال أن يترتب على ضياعه أو تلفه هلاك صاحبه أو حصول ضرر شديد له، وفي هذه الحالة يجب على الإمام أن يقطع الصلاة مطلقاً، سواء كان المال قليلاً أو كثيراً، وسواء اتسع الوقت لإدراك الصلاة بعد ذلك أو لم يتسع. أما إذا لم يخف ضياعه، ولكنه لم يطمئن لتركه بدون حراسة فإنه في هذه الحالة يصح له أن يقطع الصلاة بشرطين: الشرط الأول: أن يكون الوقت متسعاً بحيث يمكنه أن يؤدي الصلاة التي قطعها قبل خروج الوقت، الشرط الثاني؛ أن يكون المال كثيراً - والمال الكثير هنا هو ما كان له قيمة وشأن عند صاحبه - فإذا فقد شرط من هذين الشرطين في هذه الحالة فإنه لا يصح له قطع الصلاة، ومثل الخوف على المال الخوف على نفس من الهلاك والتلف، فإذا خاف على أعمى الاصطدام بسيارة أو الوقوع في حفرة عميقة يضره الوقوع فيها فإنه في هذه الحالة يجب عليه قطع الصلاة لإنقاذه. والحاصل أن الخوف على المال أو النفس بالشروط المذكورة يجعل قطع الصلاة فرضاً على الإمام، ويندب له أن يستخلف من يكمل بهم الصلاة، وعرفت أن الحنفية قالوا: إن الخوف على مثل هذا يوجب قطع الصلاة، ولكن لا يجوز له حال الخوف أن يستخلف، بل تبطل صلاته وصلاة من خلفه، وللمأمومين أن يقيموا إمامين يصلي كل إمام بفريق، وإذا أقام الصلاة خليفة عنه وأقام المقتدون إماماً ثانياً، وصلت كل فرقة خلف واحد منهما، فإن الصلاة تصح، ولكن إذا أقام الإمام خليفة حرم على المأمومين أن يقيموا غيره، وإن كانت تصح الصلاة خلف من أقاموه. هذا كله في غير صلاة الجمعة، أما إذا وقع ذلك وهو يصلي الجمعة إماماً. فإذا لم يستخلف في الجمعة وصلوها فرادى فإنها تبطل لاشتراط الجماعة فيها، وإذا استخلف الإمام واحداً واستخلف المقتدون واحداً فإن الجمعة تصح خلف من استخلفه الإمام، وتبطل خلف غيره، فإن لم يستخلف الإمام أحداً، واستخلف المقتدون اثنين فإن الجمعة تصح لمن سبق منهم، فإن تساويا في السلام بطلت صلاة الجمعة، وعليهم أن يقيموها جمعة ثانياً إن كان الوقت باقياً، وإلا صلوها ظهراً وقد خالف الحنفية في ذلك كله فقالوا: إن لم يستخلف الإمام وصلوها فرادى بطلت صلاتهم، سواء في الجمعة أو في غيرها، وكذلك إذا استخلف الإمام واحداً واستخلف المقتدون واحداً. بطلت الصلاة خلف من استخلفه المقتدون، وإذا لم يستخلف الإمام ولا المقتدون، وتقدم واحد عن المصلين وأتم بهم الصلاة، فإنها تصح. الشافعية قالوا: سبب الاستخلاف خروج الإمام عن الإمامة بطرو حدث، سواء كان الحدث عمداً أو قهراً عنه، أو تبين له أنه كان محدثاً قبل شروعه في الصلاة، وهذا السبب عندهم ليس ضروراً، بل للإمام أن يستخلف غيره، ولو بدون سبب، وإذا قدم الإمام واحداً وقدم المقتدون واحداً، فإن الصلاة تصح خلف كل منهما، ولكن الأولى بالإمامة من قدمه المقتدون، لا من قدمه الإمام، إلا إذا كان إماماً راتباً، فإن الأولى بالإمامة من قدمه الإمام الراتب، وإذا قدم الإمام الواحد، وتقدم واحد آخر بدون أن يقدمه أحد فإن الصلاة تصح خلف كل منهما، ولكن الأولى بالإمامة من قدمه الإمام، سواء كان راتبا أو غير راتب، ولا يخفى أن الشافعية قد خالفوا الحنفية، والمالكية في هذه الأحكام. الحنابلة قالوا: سبب الاستخلاف هو أن يحصل للإمام مرض شديد يمنعه من إتمام الصلاة؛ ومنه ما إذا عجز عن ركن قولي، كقراءة الفاتحة؛ أو واجب قولي، كتسبيحات الركوع والسجود، فإن حصل له عذر كهذا فإنه يجوز له أن يستخلف واحداً بدله؛ ولو لم يكن من المقتدين، ليتم بهم الصلاة، وليس من الأعذار عندهم سبق الحدث، فإذا انتقض وضوء الإمام أثناء صلاته بطلت صلاته وصلاة من خلفه؛ ولا يجوز له الاستخلاف، وإذا حصل للإمام عذر يبيح الاستخلاف ولم يستخلف جاز للمقتدين أن يستخلفوا واحداً ليتم بهم الصلاة؛ كما يجوز لهم أن يتموها فرادى بدون إمام، وإذا استخلف القوم واستخلف الإمام واحداً آخر فالصلاة لا تصح إلا خلف من استخلفه الإمام، كما يقول الحنفية (2) الحنفية قالوا: إن الاستخلاف أفضل، بحيث لو لم يتسخلف الإمام أو المقتدون، ولم يتقدم واحد منهم بدون استخلاف فإن الصلاة تبطل، ويعيدوها من أولها مع مخالفة الأفضل، بشرط أن يكون الوقت متسعاً لأداء الصلاة فيه، أما إذا ضاق الوقت فإن الاستخلاف يكون واجباً، ولا فرق عندهم في ذلك بين الجمعة وغيرها؛ وإذا استخلف الإمام واحداً، واستخلف المقتدون واحداً آخر، فإن الصلاة لا تصح إلا خلف من استخلفه الإمام، وإذا تقدم واحدا من المقتدين بدون استخلاف وأتم بهم الصلاة فإنها تصح، أما إذا يستخلف الإمام أو القوم، أو يتقدم واحد بدون استخلاف وصلوا وحدهم فرادى، فإن صلاتهم تبطل. الحنابلة قالوا: حكم الاستخلاف الجواز، فيجوز عند حصول سبب من الأسباب المتقدم بيانها أن يستخلف الإمام واحداً من المقتدين به أو من غيرهم ليكمل بهم الصلاة، وإذا استخلف الإمام واحداً واستخلف المقتدون غيره، فإن الصلاة لا تصح إلا خلف من استخلفه الإمام، كما يقول الحنفية، على أنهم قالوا: يجوز للمقتدين أن يتمو صلاتهم فرادى بدون استخلاف خلافاً للحنفية؛ كما هو موضح في مذهبهم، ولذا لم يشترط الحنابلة أن يكون الوقت متسعاً، لأنهم يبيحون للمقتدين أن يكملوا صلاتهم وحدهم بدون إمام في مثل هذه الحالة، وكذا لم يفرقوا بين صلاة الجمعة وغيرها، لأن لهم أن يتموا صلاة الجمعة وحدهم بدون إمام. المالكية قالوا: حكم الاستخلاف الندب، لأنك قد عرفت في تفصيل مذهبهم أنه يجوز للمقتدين أن يتموا صلاتهم فرادى إذا لم يستخلف الإمام، أو لم يستخلف هم واحداً، بشرط أن لا يكونوا في صلاة الجمعة، أما الجمعة، فتبطل إذا صلوها فرادى، وعليهم إعادتها جمعة إن كان الوقت متسعاً، ولم يستخلفوا، كما تقدم تفصيله في مذهبهم قريباً، على أنهم لم يصرحوا بكون الاستخلاف واجباً في صلاة الجمعة، كما قال الشافعية: بل ظاهر مذهبهم أن حكم الاستخلاف الندب على أي حال، فيكره للإمام والمأمومين أن لا يستخلفوا. الشافعية قالوا: حكم الاستخلاف الندب، بشرط أن يكون الخليفة صالحاً لإمامة هذه الصلاة، إلا في الجمعة، فإن الاستخلاف فيها واجب في الركعة الأولى، فإذا طرأ عذر على الإمام في الركعة الأولى فإنه يجب عليه أن يستخلف عنه من يتم الصلاة، أما إذا صلى بهم ركعة كاملة ثم طرأ عليه العذر، فإنه يندب له أن يستخلف من يصلي بهم الركعة الثانية، ولهم أن ينووا مفارقة الإمام بعد ذلك، ويصلوا الركعة الثانية فرادى؛ ويشترط لصحة الاستخلاف في الجمعة شرطان: أحدهما: أن يكون الخليفة مقتدياً بالإمام قبل الاستخلاف، فلا يصح في الجمعة استخلاف من لم يكن مقتدياً به، كما يصح في غيرها؛ ثانيهما: أن يكون الاستخلاف سريعاً، فلو مضى زمن قبل الاستخلاف يسع ركناً قصيراً من أركان الصلاة، كالركوع، فإنه لا يصح الاستخلاف بعد ذلك، ثم إن خليفة الجمعة إن كان قد أدرك الركعة الأولى مع الإمام الأولى، فإن الجمعة تتم له وللمقتدين، أما إذا اقتدى بالإمام في الركعة الثانية فإن الجمعة تتم للمقتدين به فقط، أما هو فلا تتم له الجمعة. الشافعية قالوا: لا يشترط شيء لصحة الاستخلاف في غير الجمعة، كما تقدم، فيجوز أن يستخلف غير مقتد، وأن يستخلف بعد طول الفصل، ولو خرج الإمام من المسجد، إلا أنهم يحتاجون لنية الإقتداء بالقلب بدون نطق في حالة ما إذا كان الخليفة غير مقتد قبل الإستخلاف، وكانت صلاته مخالفة لصلاة الإمام، كأن كان في الركعة الأولى مثلاً والإمام في الثانية، فإن لم يكن كذلك لا يحتاجون لنية، وكذا فيما إذا طال الفصل بأن مضى زمن يسع ركناً فأكثر، فإنهم يحتاجون لتجديد النية، وعلى الخليفة أن يراعي نظم صلاته بما يفيد أنهم ينتظرونه أو يفارقونه إن كان مسبوقاً، والإنتظار أفضل، وإذا لم يستخلف أحد في غير الجمعة ينوي المقتدين المفارقة ويتمون صلاتهم فرادى وتصح؛ أما الجمعة فمتى أدركوا الركعة الأولى جماعة فإن لهم نية المفارقة، ويتموا فرادى في الثانية إذا بقي العدد إلى آخر الصلاة. الحنفية قالوا: يشترط لصحة الاستخلاف ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن لا يخرج الإمام من المسجد الذي كان يصلي فيه قبل الاستخلاف، فإن خرج لم يصح الاستخلاف، لا منه ولا من القوم، لأن صلاة الجميع تبطل بخروجه، الشرط الثاني: أن يكون الخليفة صالحاً للإمامة، فإذا استخلف أمياً أو صبياً بطلت صلاة الجميع. وصورة الاستخلاف أن يتأخر منحنياً واضعاً يده على أنفه، كأنه سال منه دم الرعاف قهراً، وهذا وإن كان خلاف الواقع، ولكن الحكمة فيه واضحة، وهي المحافظة على نظام الصلاة والآداب العامة، الشرط الثالث من شروط الاستخلاف: تحقق شروط البناء على ما أداه من الصلاة، فإذا لم تتحقق هذه الشروط فإن الصلاة تبطل ولا يصح الاستخلاف، وهي أحد عشر شرطا: الأول: أن يكون الحدث قهرياً الثاني: أن يكون من بدنه، فلو أصابته نجاسة مانعة لا يجوز له البناء، الثالث: أن يكون الحدث غير موجب للغسل، كإنزال بالتفكر؛ الرابع: أن لا يكون نادراً، كالقهقهة والإغماء والجنون. الخامس: أن لا يؤدي الإمام ركناً مع الحدث أو يمشي، السادس: أن لا يفعل منافياً، كأن يحدث عمداً بعد الحدث القهري، السابع: أن لا يفعل ما لا احتياج إليه: كأن يذهب إلى ماء بعيد مع وجود القريب، الثامن: أن لا يتراخى قدر ركن بغير عذر كزحمة، التاسع: أن لا يتبين أنه كان محدثاً قبل الدخول في الصلاة، العاشر: أن لا يتذكر فائتة إن كان صاحب ترتيب، الدي عشر: أن لا يتم المؤتم في غير مكانه، فلو سبق المصلي الحدث سواء كان إماماً أو مأموماً ثم ذهب ليتوضأ وجب عليه بعد الوضوء أن يعود ويصلي مع الإمام، أما المنفرد فهو بالخيار إن شاء أتم في مكانه أو غيره. المالكية قالوا: يشترط لصحة الاستخلاف أن يكون الخليفة قد أدرك مع الإمام جزءاً من الركعة التي حصل فيها العذر قبل تمام رفع الإمام رأسه من الركوع، فلا يصح استخلاف من فاته الركوع مع الإمام إذا حصل له العذر بعده في هذه الركعة، كما لا يصح استخلاف من دخل مع الإمام بعد حصول العذر، وعلى الخليفة أن يراعي نظم صلاة الإمام، فيقرأ من انتهاء قراءة الإمام إن علم الإنتهار، وإلا ابتدأ القراءة، ويجلس في محل الجلوس وهكذا، فإذا كان الخليفة مسبوقاً أتم بالقوم صلاة الإمام حتى لو كان على الإمام سجود قبلي سجده وسجده معه القوم، ثم أشار لهم بالانتظار؛ وقام لقضاء ما فاته، فإذا أتى به وسلم سلموا بسلامه، فإذا سلموا ولم ينتظروه بطلت صلاتهم، وأما إذا كان على الإمام الأول سجود بعدي فيؤخره الخليفة المسبوق حتى يقضي ماعليه، ويسلم بالقوم ثم يسجده بعد ذلك، وإذا كان في المأمومين مسبوق فلا يقوم لقضاء ما عليه حتى يسلم الخليفة، ولو كان الخليفة مسبوقاً انتظره جالساً حتى يقضي ما عليه ويسلم، فإذا سلم قام هو للقضاء، وإن لم ينتظره بطلت صلاته، مثلاً إذا أدرك المقتدي الإمام الأول في الركعة الثانية، ثم استخلف الإمام الثاني في الركعة الثالثة، وكان الخليفة أيضاً مسبوقاً مثل المأموم، فإنه في هذه الحالة يجب على المقتدي أن لا يسلم، بل ينتظر وهو جالس حتى يفرغ الإمام الثاني - وهو الخليفة - من قضاء ما عليه ويسلم، فإذا سلم قام المقتدي المنتظر وقضى ما عليه، وإن لم ينتظره وقام لقضاء ما عليه بطلت صلاته. هذا ويندب الإمام أن يخرج ممسكاً بأنفه موهما أنه راعف، كما يقول الحنفية. الحنابلة قالوا: لا يشترط في الخليفة إلا الشروط المطلوبة في الإمام، فلا يشترط أن يكون مقتدياً؛ كي لا يشترط شيء من الشروط التي ذكرها الحنفية، لأن الاستخلاف لا يصح عند الحنابلة إلا عند العجز عن أداء ركن قولي أو فعلي من أركان الصلاة؛ أما من عرض له ناقض ينقض وضوءه فقد بطلت صلاته، ولا يصح له أن يستخلف، على أنهم قالوا: يجب على الخليفة أن يبني على نظم صلاة الإمام لئلا يختلط الأمر على المقتدين، فإذا كان الخليفة مسبوقاً بنى على نظم صلاة الإمام، واستخلف قبل السلام من يسلم بهم، وقام لقضاء ما سبقه به الإمام، فإن لم يفعل، فلهم أن يسلموا لأنفسهم ولهم أن ينتظروه من جلوس حتى يقضي ما فاته، ويسلم بهم (3) الحنفية قالوا: سجود السهو هو عبارة عن أن يسجد المصلي سجدتين بعد أن يسلم عن يمينه فقط، ثم يتشهد بعد السجدتين، ويسلم بعد التشهد، فإن لم يتشهد يكون تاركاً للواجب، وتصح صلاته، وبعد الفراغ من التشهد لسجود السهو يجب أن يسلم، فإن لم يسلم يكون تاركاً للواجب، ولا يكفيه السلام الأول الذي خرج به من الصلاة، لأن السجود للسهو يرفعه، كما يرفع التشهد الأخير الذي قبل السلام، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء فإنه يأتي بهما في التشهد الأخير قبل السلام، ولا يأتي بهما في سجود السهو على المختار، وقيل: يأتي بهما فيه أيضاً احتياطاً، وقولهم: يأتي بسجود السهو بعد أن يسلم عن يمينه فقط، خرج به ما إذا سلم التسليمة الثانية، فإنه إذا سلم التسليمتين فقد سقط سجود السهو عنه على الصحيح، فإن فعل ذلك عمداً فإنه يأثم بترك الواجب، وإن سلم التسليمتين سهواً فقد سقط عنه سجود السهو، ولا إثم عليه، كما لا إعادة لسجود السهو مرة أخرى، لأن نسيان سجود السهو يسقطه، وكذا إذا تكلم بكلام أجنبي عن الصلاة عمداً أو سهواً، فإن فعل ذلك سقط عنه سجود السهو، ولا يجب السجود إذا ترك الواجب عمداً أو ترك ركناً من أركان الصلاة أو نحو ذلك عمداً، لأنه إن ترك الواجب عمداً صحت صلاته مع الإثم، وسقط عنه السجود، وإن ترك الركن عمداً بطلت صلاته، ولا يجبره سجود السهو، فالسجود عند الحنفية لا يكون إلا عند السهو، أما الترك عمداً فلم يشرع لجبره السجود؛ وهل تجب نية لسجود السهو أو لا؟ فقال بعضهم: إن سجود السهو لا تجب له نية، وذلك لأنه قد جيء به لجبر نقص واجب من صلاته، أو لجبر خلل وقع فيها ثم أصلحه، والنية لا تجب لكل جزء من أجزاء الصلاة، فسجود السهو لا تجب له النية؛ وقال بعضهم: بل تجب له النية، لأنه صلاة، ولا تصح صلاة بدون نية، فكما تجب النية لسجود التلاوة وسجدة الشكر، فكذلك تجب لسجود السهو، لأنها كلها كالصلاة، فكما تجب النية للصلاة تجب لها، وهذا القول الثاني هو الظاهر والاحتياط في العمل بهز الشافعية قالوا: سجود السهو هو أن يأتي المصلي بسجدتين كسجود الصلاة قبل السلام، وبعد التشهد والصلاة على النبي وآله بنية، وتكون النية بقلبه لا بلسانه، لأنه إن تلفظ بها بطلت صلاته، لأنك قد عرفت أن سجود السهو عندهم لا يكون إلا قبل السلام من الصلاة، فإذا تكلم بطلت صلاته طبعاً، وإذا سجد بدون نية عامداً عالماً بطلت صلاته، وإنما تشترط النية للإمام والمنفرد، أما المأموم فإنه لا يحتاج للنية اكتفاء بنية الاقتداء بإمامه، ولا يلزم عند الشافعية أن يكون ذلك السجود بسبب السهو، بل يكون بترك جزء من الصلاة على الوجه الآتي بيانه في أسباب سجود السهو عمداً أو سهواً، وإنما سمي سجود السهو، لأن الغالب أن الإنسان لا يترك بعض صلاته عمداً، وإذا كان سببه السهو يحسن أن يقول في سجوده: سبحان الذي لا ينام ولا يسهو، أما إذا كان عمداً، فيحسن أن يستغفر الله في سجوده وبهذا تعلم أن الحنفية متفقون مع الشافعية في اشتراط النية لسجود السهو، ومختلفون معهم فيما عدا ذلك، لأن الشافعية يقولون: هو قبل: السلام، والحنفية يقولون: بل هو بعده، والشافعية يقتصرون على السجدتين؛ والحنفية يقولون: لا بد من التشهد والجلوس. المالكية قالوا: سجود السهو سجدتان يتشهد بعدهما بدون دعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن كان سجود السهو بعد السلام، فإنه يسجد ويتشهد ويعيد السلام وجوباً، فإن لم يعده فلا تبطل صلاته، وقد عرفت مذهبي الشافعية، والحنفية في ذلك، فأما الشافعية، فإنهم يقولون: إن سجود السهو قبل السلام دائماً، فالسلام بعد السجدتين لا بد منه، وأما الحنفية فإنهم يقولون إن السلام في سجود السهو واجب بحيث لو تركه يصح السجود مع الإثم، ثم إن سجود السهو عند المالكية إذا كان قبل السلام فلا يحتاج إلى نية، لأن نية الصلاة تكفي لكونه بمنزلة جزء من الصلاة عندهم، أما إن كان بعد السلام فإنه يحتاج لنية لكونه خارجاً عن الصلاة، وهم في ذلك متفقون مع الحنفية في أن النية لازمة لسجود السهو بعد السلام، ومختلفون مع الشافعية، كما عرفت في مذهبهم. هذا، وإذا نسي سجود السهو في صلاة الجمعة بسبب نقص ثم سلم فإنه يتعين عليه أن يسجد بالجامع الذي صلى فيه، وأما إذا كان لزيادة فيها فيسجده في أي جامع كان، لأنه بعد السلام، ولا يجزئ سجوده في غير مسجد تقام فيه الجمعة، ثم إن كان سجود السهو نقصاً فقط أو نقصاً وزيادة، فإن محله يكون قبل السلام، فإذا نقص السورة ناسياً مثلاً، ولم يتذكر حتى انحنى للركوع، فإنه لا يرجع لقراءة السورة، وإلا بطلت صلاته إذا رجع، وإذا لم يرجع فعليه أن ينتظر، حتى يتشهد التشهد الأخير، ويصلي على النبي ويدعو ثم يسجد سجدتين يتشهد فيهما والتشهد فيهما سنة، ولا يصلي على النبي في تشهده، ولا يدعو ثم يسلم، وإن كان سببه الزيادة فقط سجد بعد السلام، وإذا أخره كره، وإذا قدم البعدي حرم إن تعمد التقديم أو التأخير، وغلا فلا كراهة، ولا حرمة، ولا تبطل صلاته فيهما. الحنابلة قالوا: سجود السهور هو أن يكبر ويسجد سجدتين، وهذا القدر متفق عليه، ويجوز أن يكون قبل السلام وبعده لسبب من الأسباب الآتي بيانها، ثم إن كان السجود بعدياً فإنه يأتي بالتشهد قبل السلام، وإذا كان قبلياً لا يأتي بالتشهد في سجود السهو اكتفاء بالتشهد الذي قبله، كما يقول الشافعية؛ على أن الحنابلة يقولون: الأفضل أن يكون سجود السهو قبل السلام مطلقاً إلا في صورتين: إحداهما: أن يسجد لنقص ركعة فأكثر في صلاته، فإنه يأتي بالنقص ثم يسجد بعد السلام؛ ثانيتهما: أن يشك الإمام في شيء من صلاته، ثم يبني على غالب ظنه، فإن الأفضل في هذه الحالة أيضاً أن يسجد بعد السلام، ويكفيه لجميع سهوه سجدتان، وإن تعدد موجبه، وإذا اجتمع سجود قبلي وبعدي رجح القبلي (4) الحنفية قالوا: أسباب سجود السهو أمور: "السبب الأول": أن يزيد أو ينقص في صلاته ركعة أو أكثر أو نحو ذلك، فإذا تيقن أنه زاد ركعة في الصلاة مثلاً، كأن صلى الظهر أربعاً، ثم قام للركعة الخامسة، وبعد رفعه من الركوع تبين أنها الخامسة، فإن له في هذه الحالة أن يقطع الصلاة بالسلام قبل أن يجلس، وله أن يجلس ثم يسلم، ولكن الأولى أن يجلس ثم يسلم، ويسجد للسهو على كل حال ومثل ذلك ما إذا تيقن أنه نقص ركعة بأن صلى الظهر ثلاث ركعات وجلس، ثم تذكر، فإن عليه أن يقوم لأداء الركعة الرابعة، ثم يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، الخ، ثم يسجد للسهو بالكيفية المتقدمة؛ أما إذا شك في صلاته فلم يدر كم صلى فلا يخلو إما أن يكون الشك طارئاً عليه فلم يتعوده، أو يكون الشك عادة له، فإن كان الشك نادراً يطرأ عليه في بعض الأحيان فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يقطع الصلاة، ويأتي بصلاة جديدة، ولا بد أن يقطع الصلاة بفعل مناف لها، فلا يكفي قطعها بمجرد النية، وقد عرفت أن قطعها بلفظ السلام واجب، وله في هذه الحالة أن يجلس ويسلم، فإذا سلم وهو قائم فإنه يصح مع مخالفة الأولى، كما تقدم، أما إذا كان الشك عادة له فإنه لا يقطع الصلاة، ولكن يبني على ما يغلب على ظنه، مثلاً إذا صلى الظهر وشك في الركعة الثالثة هل هي الثالثة أو الرابعة، فإن عليه أن يعمل بما يظنه؛ فإن غلب على ظنه أنه في الرابعة وجب عليه أن يجلس ويتشهد ويصلي على النبي ثم يسلم ويسجد للسهو بالكيفية المتقدمة في تعريفه، وإن غلب على ظنه أنه في الركعة الثالثة فإنه يجب عليه أن يأتي بالركعة الرابعة ويتشهد كذلك، ويصلي على النبي ... الخ، ثم يسلم ويسجد للسهو بعد السلام بالكيفية المتقدمة؛ وعلى هذا القياس. هذا إذا كان يصلي منفرداً، أما إذا كان إماماً وشك في صلاته وأقره المأمومون على أنه زاد أو نقص في صلاته فإنه يلزمه أن يعيد الصلاة عملاً بقولهم، أما إذا اختلف معهم، فأجمعوا على أنه صلى ثلاث ركعت، وقال هو إنه موقن بأنه صلى أربعاً فإنه لم يعد الصلاة عملاً ببقينه، فإذا انضم واحد من المصلين أو أكثر إلى الإمام أخذ بقول الإمام، وإذا شك الإما وتيقن بعض المصلين بتمام الصلاة وبعضهم بنقصها، فإن الإعادة تجب على من شك فقطن وإذا تيقن الإمام بالنقص لزمهم الإعادة إلا إذا تيقنوا بالتمام، وإذا تيقن واحد من المأمومين بالنقص وشك الإمام والقوم فإن كان في الوقت فالأولى أن يعيدوا احتياطاً، وإلا فلا. هذا، وإذا أخبره عدل، ولو من غير المأمومين بعد الصلاة، بأنه صلى الظهر ثلاثاً وشك في صدقه وكذبه أعاد الصلاة احتياطاً، أما لو أخبره عدلان فإنه يلزمه الأخذ بقولهما، ولا يعتبر شكه، فإذا كان المخبر غير عدل فإن قوله لا يقبل، وإذا شك في النية أو تكبيرة الإحرام، أو شك وهو في الصلاة في أنه أحدث أو أصابته نجاسة أو نحو ذلك، فإن كان هذا الشك عارضاً له في أول مرة فإن عليه أن يقطع الصلاة ويتأكد مما شك فيه ويعد الصلاة، أما إن اعتاد ذلك الشك فإنه لا يعبأ به، ويمضي في صلاته، أما إذا شك بعد تمام الصلاة فإن شكه لا يضر؛ يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
"السبب الثاني من أسباب سجود السهو": أن يسهو عن القعود الأخير المفروض ويقوم، وحكم هذه الحالة أنه يعود ويجلس بقدر التشهد ثم يسلم ويسجد للسهو، لأنه أخر القعود المفروض عن محله، فإذا مضى في الصلاة وسجد قبل أن يجلس انقلبت صلاته نفلاً بمجرد رفع رأسه من السجدة ويضم إليها ركعة سادسة، ولو كان في صلاة العصر، ولا يسجد للسهو في هذه الحالة على الأصح، لأنه انقلابه نفلاً يرفع سجود السهو، بخلاف ما لو كان نفلاً من الأصل، فإنه يسجد له، وعلى كل حال فيكون ملزماً بإعادة الفرض الذي انقلب نفلاً، "السبب الثالث من أسباب سجود السهو" أن يسهو عن القعود الأول، وهو واجب لا فرض، فإذا سها عن القعود الأول من صلاة الفرض بأن لم يجلس في الركعة الثانية، وهم بالقيام، فإن تذكر قبل أن يقوم وجلس ثانياً فإن صلاته تصح ولا سجود عليه أما إن تذكر بعد أن يستوي قائماً فإنه لا يعود للتشهد، ولو عاد فبعضهم يقول: إن صلاته تبطل، وذلك لأن الجلوس للتشهد الأول ليس بفرض والقيام فرض، وقد اشتغل بالنفل، وترك الفرض لما ليس بفرض مبطل للصلاة، ولكن التحقيق أن صلاته بهذا العمل لا تفسد، لأنه في هذه الحالة لم يترك فرض القيام، بل أخره، ونظير ذلك ما لوسها عن قراءة السورة وركع، فإنه يبطل الركوع ويعود إلى القيام، ويقرأ السورة وتصح صلاته، وعليه سجود السهو لتأخير الركن أو الفرض عن محله. هذا إذا كان المصلي منفرداً أو إماماً إذا كان مأموماً وقام وجلس إمامه للتشهد فإنه يجب عليه أن يجلس، لأن، هذا الجلوس يفترض عليه بحكم المتابعة لإمامه، "السبب الرابع": أن يقدم ركناً على ركن، أو يقدم ركناً على واجب، ومثال ما إذا قدم ركناً على ركن هو أن يقدم الركوع على القراءة المفروضة، بأن يكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ الثناء مثلاً، ثم يسهو ويركع قبل أن يقرأ شيئاً، وفي هذه الحالة إذا ذكر فإنه يجب عليه أن يعود، ويقرأ ثم يركع ثانياً، ويسجد للسهو على الوجه المتقدم، فإن لم يذكر فإن الركعة تعتبر ملغاة، وعليه أن يأتي بركعة قبل أن يسلم ثم يسلم ويسجد للسهو، ومثال ما إذا قدم ركناً على واجب فهو كتقديم الركوع على قراءة السورة، وقد عرفت حكمه مما تقدم قريباً، وهو أنه إذا ذكر أثناء الركوع فإنه يرفع من الركوع ويقرأ السورة ثم يركع ثانياً، وإن لم يذكر فإنه يسجد للسهو بعد السلام، "السبب الخامس من أسباب سجود السهو": أن يترك واجباً من الواجبات الآتية، وهي أحد عشر "الأول": قراءة الفاتحة، فإن تركها كلها أو أكثرها في ركعة من الأوليين في الفرض وجب سجود السهو، أما لو ترك أقلها فلا يجب، لأن للأكثر حكم الكل، ولا فرق في ذلك بين الإمام والمنفرد، وكذا لو تركها أو أكثرها في أي ركعة من النفل أو الوتر فإنه يجب عليه سجود السهو لوجوب قراءتها في كل الركعات "الثاني": ضم سورة أو ثلاث آيات قصار أو آية طويلة إلى الفاتحة، فإن لم يقرأ شيئاً أو قرأ آية قصيرة وجب عليه سجود السهو، أما إن قرأ آيتين قصيرتين فإنه لا يسجد، لأن للأكثر حكم الكل، فإن نسي قراءة الفاتحة أو قراءة السورة وركع ثم تذكرها عاد وقرأ ما نسيه، فإن كان ما نسيه هو الفاتحة أعادها وأعاد بعدها قراءة السورة وعليه إعادة الركوع ثم يسجد للسهو، أما إذا نسي قنوت الوتر وخر راكعاً ثم تذكره، فإنه لا يعود لقراءته، وعليه سجود السهو، فإن عاد وقنت لا يرتفض ركوعه وعليه سجود السهو أيضاً، من قرأ الفاتحة مرتين سهواً وجب عليه سجود السهو، لأنه أخر السورة عن موضعها ولو نكس قراءته بأن قرأ في الأولى سورة الضحى، والثانية سورة سبح مثلاً لا يجب عليه سجود السهو، لأن مراعات ترتيب السور من واجبات نظم القرآن لا من واجبات الصلاة، وكذا من آخر الركوع عن آخر السورة بأن سكت قبل أن يركع، فإنه لا يجب عليه سجود السهو، وهذه الصورة كثيرة الوقوع عند الشافعية فيما إذا كان يصلي إماما: "الثالث": تعيين القراءة في الأوليين من الفرض فلو قرأ في الأخريين أو في الثانية والثالثة فقط وجب عليه سجود السهو، بخلاف النفل والوتر، كما تقدم "الرابع": رعاية الترتيب في فعل مكرر في ركعة واحدة وهو السجود، فلو سجد سجدة واحدة سهواً، ثم قام إلى الركعة التالية فأداها بسجدتيها، ثم ضم إليها السجدة التي تركها سهواً صحت صلاته ووجب عليه سجود السهو لترك هذا الواجب، وليس عليه إعادة ما قبلها، أما عدم رعاية الترتيب في الأفعال التي لم تتكرر كأن أحرم فركع ورفع ثم قرأ الفاتحة والسورة، فإن الركوع يكون ملغى، وعليه إعادته بعد القراءة، ويسجد للسهو لزيادة الركوع الأول "الخامس": الطمأنينة في الركوع والسجود، فمن تركها ساهياً وجب عليه سجود السهو على الصحيح "السادس": القعود الواجب، وهو ما عدا مضى في صلاته وسجد للسهو. لأنه ترك واجب القعود، وقد تقدم بيان ذلك قريباً "السابع" قراءة التشهد، فلو تركه سهواً سجد للسهو، ولا فرق بين تركه في القعود الأول أو الثاني، وقد عرفت تفصيل حكمها قريباً "الثامن": قنوت الوتر، ويتحقق تركه بالركوع قبل قراءته فمن تركه سجد للسهو "التاسع": تكبيرة القنوت، فمن تركها سهواً سجد للسهو "العاشر": تكبيرة ركوع الركعة الثانية من صلاة العيد، فإنها واجبة بخلاف تكبيرة الأولى، كما تقدم "الحادي عشر": جهر الإمام وإسراره فيما يجب فيه ذلك، فإن ترك ما يجب من ذلك وجب عليه سجود السهون وهذا في غير الأدعية والثناء ونحوها، فإنه لو جهر بشيء منها لم يسجد للسهو، ولا فرق في كل ما تقدم بين أن تكون الصلاة فرضاً أو تطوعاً. المالكية قالوا: أسباب سجود السهو تنحصر في ثلاثة أشياء: "السبب الأول": أن ينقص من صلاته سنة، وهذا السبب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن يترك سنة مؤكدة داخلة في الصلاة. كالسورة إذا لم يقرأها في محلها سهواً، فإن وقع منه ذلك، سواء كان ذلك الترك محققاً، أو مشكوكاً فيه، فإنه يعتبر نقصاً ويسجد قبل السلام، ومثل ذلك ما لو شك في كون الحاصل منه نقصاً، أو زيادة، فإنه يعتبره نقصاً، ويسجد قبل السلام، لما عرفت من أن القاعدة عندهم أن النقص يجبر بالسجود قبل السلام، ويشترط لسجود السهو بترك السنة ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن تكون مؤكدة، كما ذكر، فإن لم تكن مؤكدة، كما إذا ترك تكبيرة واحدة من تكبيرات الركوع أو السجود، أو ترك مندوباً، كالقنوت في الصبح سهواً، فإنه لا سجود عليه، فإذا سجد للسنة غير المؤكدة قبل السلام بطلت صلاته، لكونه قد زاد فيها ما ليس منها؛ أما إن سجد بعد السلام فإنها لا تبطل، لكونه زاد زيادة خارجة عن الصلاة، فلا تضر؛ الشرط الثاني: أن تكون داخلة في الصلاة، أما إذا ترك سنة من السنن الخارجة عن الصلاة، كالسترة المتقدمة، فإنه لا يسجد لها إذا نسيها؛ الشرط الثالث: أن يتركها سهواً، أما إذا ترك سنة مؤكدة عمداً داخلة في الصلاة، ففي صحة صلاته وبطلانها خلاف؛ ومثل السنة المؤكدة في هذا الحكم، وفي الشروط السنتان غير المؤكدتين الداخلتين في الصلاة، فمن تركهما سهواً فإنه يسجد لهما قبل السلام، ومن تركهما عمداً ففي صلاته خلاف، وأما من ترك من سنتين عمداً فصلاته باطلة على الراجح، فعليه أن يستغفر الله ويعيدها. وحاصل هذا كله أن ترك السنة المؤكدة والسنتين الخفيفتين يجبر بسجود السهو وإن ترك السنة الخفيفة والمندوب - ويقال له فضيلة - لا يشرع له السجود، فإذا سجد له قبل السلام بطلت صلاته، وإذا سجد له بعد السلام فلا تبطل، أما إذا ترك فرضاً من الفرائض فإنه لا يجبر بسجود السهو، ولا بد من الإتيان به، سواء تركه في الركعة الأخيرة أو غيرها، إلا أنه إذا كان الركن المتروك من الأخيرة فإنه يأتي به إذا تذكره قبل أن يسلم معتقداً كما صلاته، فإن سلم معتقداً ذلك فإن تدارك الركن المتروك وألغى الركعة الناقصة وأتى بركعة بدلها صحت صلاته، وعليه أن يسجد للسهو بعد سلامه لكونه قد زاد ركعة ألغاها، وهذا إن قرب الزمن عرفاً بعد السلام، وغلا بطلت صلاته، وإن كان الركن المتروك من غير الركعة الأخيرة فإنه يأتي به ما لم يعقد ركوع الركعة التي تليها، وعقد الركوع يكون برفع الرأس منه مطمئناً معتدلاً، إلا إذا كان المتروك سهواً هو الركوع، فإن ع قد الركعة التالية يكون بمجرد الانحناء في ركوعها وإن لم يرفع منه، كما تقدم، فإذا ترك سجود الركعة الثانية ثم قام للركعة الثالثة، فإنه يأتي بالسجود المتروك إذا تذكؤ قبل أن يرفع رأسه من ركوع الركعة التي قام لها مطمئناً معتدلاً، فإن لم يتذكر حتى رفع من ركوعها مضى في صلاته وجعل الثالثة ثانية، فيجلس على رأسها، ويأتي بعدها بركعتين ثم يسلم ويسجد قبل سلامه لنقص السورة من الركعة الثانية التي كانت ثالثة قرأ فيها بأم القرآن فقط، ولزيادة الركعة التي ألغاها، وكيفية الإتيان بالنقص أن تارك الركوع يرجع قائماً، ويندب له أن يقرأ شيئاً يصل لحد الركوع ثم يرفع بنيته، وتدرك سجدة واحدة يجلس ليأتي بها من جلوس، وتارك سجدتين يهوي لهما من قيام ثم يأتي بهما، ويستثنى مما تقدم الفاتحة إذا تركها سهواً، ولم يتذكر حتى ركع، فإنه يمضي في صلاته على المشهور، ويسجد قبل السلام، سواء كان الترك لها في ركعة من الصلاة أو أكثر متى أتى بها، ولو في ركعة واحدة من صلاته، وذلك لأن الفاتحة، وإن كان المعتمد في المذهب هو القول بوجوبها في كل ركعة من ركعات الصلاة، إلا أنه إذا أتى بها في ركعة واحدة منها وتركها في الباقي سهواً، فإن صلاته تصح، ويجبر تركها بالسجود قبل السلام مراعاة للقول بوجوبها في ركعة واحدة، ويندب له إعادة الصلاة احتياطاً في الوقت وخارجه، فإن ترك السجود لترك الفاتحة فإن كان عمداً بطلت الصلاة وإن كان سهواً أتى به إن قرب الزمن عرفاً، وإلا بطلت، كما تبطل إذا ترك الفاتحة عمداً أو تركها سهواً، وتذكر قبل الركوع، ولم يأت بها على القول بعدم وجوبها في كل ركعة لاشتهار القول بوجوبها في الكل. السبب الثاني: الزيادة، وهي زيادة فعل ليس من جنس أفعال الصلاة، كأكل خفيف سهواً أو كلام خفيف كذلك، أو زيادة ركن فعلي من أركان الصلاة كالركوع والسجود، أو زيادة بعض من الصلاة، كركعة أو ركعتين على ما تقدم في "مبطلات الصلاة"، فأما إذا كانت الزيادة من أقوال الصلاة، فإن لم يكن القول المزيد فريضة، كأن زاد سورة في الركعتين الأخيرتين من الرباعية سهواً، فلا يطلب منه السجود ولا تبطل صلاته إذا سجد بعد السلام؛ لأنها زيادة خارج الصلاة فلا تضر، كما تقدم، وإن كان القول المزيد فريضة، كالفاتحة إذا كررها سهواً، فإنه يسجد لذلك، والزيادة على ما ذكر تقتضي السجود، ولو كانت مشكوكاً فيها، فمن شك في صلاة الظهر مثلاً هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، فإنه يبني على اليقين، ويأتي بركعة، ويسجد بعد السلام، لاحتمال أن الركعة التي أتى بها زائدة بركعة وتراً، ويسجد بعد السلام، لاحتمال أنه صلى الشفع ثلاث ركعات، فيكون قد زاد ركعة. ومن الزيادة أن يطيل في محل لا يشرع فيه التطويل، كحال الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين، والتطويل أن يمكث أزبد من الطمأنينة الواجبة والسنة زيادة ظاهرة، أما إذا طول بمحل يشرع فيه التطويل، كالسجود والجلوس الأخير، فلا يعد ذلك زيادة، فلا سجود، ومن الزيادة أيضاً أن يترك الإسرار بالفاتحة، ولو في ركعة، ويأتي بدله بأعلى الجهر، وهو أن يزيد على إسماع نفسه ومن يليه؛ أما إذا ترك الجهر، وأتى بدله بأقل السر، وهو - حركة اللسان - فإنه نقص لا زيادة، فيسجد له قبل السلام إن كان ذلك في الفاتحة فقط، أو فيها وفي السورة فإن كان في السورة فقط، فلا يسجد له إن كان ذلك في ركعة واحدة لأنه سنة خفيفة، بخلاف ما إذا كان في ركعتين، فإنه يسجد له. هذا، وإذا ترك المنفرد أو الإمام الجلوس للتشهد الأول، فإنه يرجع للإتيان به استناناً ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه، وإلا فلا يرجع، فلو رجع فلا تبطل صلاته، ولو كان رجوعه بعد قراءة شيء من الفاتحة، أما إذا رجع بعد تمام الفاتحة فتبطل، وعلى المأموم أن يتبع إمامه في الركوع إذا رجع قبل مفارقة الأرض بيديه وركبتيه، أو رجع بعد المفارقة وقبل تتميم الفاتحة، كما يتبعه في عدم الرجوع إذا فارق الأرض بيديه وركبتيه، فإن خالفه في شيء من ذلك عمداً ولم يكن متأولاً أو جهلاً بطلت صلاته. السبب الثالث من أسباب السجود: نقص وزيادة معاً، والمراد بالنقص هنا نقص سنة، ولو كانت غير مؤكدة، والمراد بالزيادة ما تقدم في السبب الثاني، فإذا ترك الجهر بالسورة وزاد ركعة في الصلاة سهواً فقد اجتمع له نقص وزيادة، فيسجد لذلك قبل السلام ترجيحاً لجانب النقص على الزيادة. الحنابلة قالوا: أسباب السهو ثلاثة، وهي: الزيادة، والنقص، والشك في بعض صوره إذا وقع شيء من ذلك سهواً، أما إن حصل عمداً فلا يسجد له، بل تبطل به الصلاة إن كان فعلياً، ولا تبطل إن كان قولياً في غير محله، ولا يكون السهو موجباً للسجود إلا إذا كان في غير صلاة جنازة، أو سجدة تلاوة، أو سجود سهو، أو سجود شكر. فإنه لا يسجد للسهو في ذلك كله، أما الزيادة في الصلاة فمثالها أن يزيد قياماً أو قعوداً، ولو كان القعود قدر جلسة الاستراحة عند من يقول بها، أو أن يقرأ الفاتحة مع التشهد في القعود أو يقرأ التشهد مع الفاتحة في القيام؛ فإنه يسجد للسهو وجوباً في الزيادة الفعلية، وندباً في القولية التي أتى بها في غير محلها، كما ذكر؛ وأما النقص في الصلاة فمثاله أن يترك الركوع أو السجود أو قراءة الفاتحة، أو نحو ذلك سهواً، فيجب عليه إذا تذكر ما تركه قبل الشروع في قراءة الركعة التي تليها أن يأتي به وبما بعده ويسجد للسهو في آخر صلاته، فإن لم يتذكره حتى شرع في قراءة الركعة التالية لغت الركعة وقامت ما بعدها مقامها، وأتى بركعة بدلها، ويسجد للسهو وجوباً، فإن رجع إلى ما فاته بعد الشروع في قراءة التالية عالماً بحرمة الرجوع، فإن صلاته تبطل، أما إذا كان معتقداً جوازه فلا تبطل، وإذا تذكره قبل الشروع في قراءة التالية، ولم يعد إلى ما تركه عمداً، فإن كان عالماً بالحكم بطلت صلاته، وإن كان جاهلاً بالحكم لغت الركعة، وقامت تاليتها مقامها، وأتى بركعة بدلها وسجد للسهو وجوباً: أما إذا لم يتذكر ما فاته إلا بعد سلامه، فيجب عليه أن يأتي بركعة كاملة إن كان ما تركه من غير الركعة الأخيرة، فإن كان منها فيجب عليه أن يأتي به وبما بعده، ثم يسجد للسهو، وهذا إذا لم يطل الفصل، ولم يحدث أو يتكلم، وإلا بطلت صلاته، وجبت إعادتها، وأما الشك في الصلاة الذي يقتضي سجود السهو، فمثاله أن يشك في ترك ركن من أركانها، أو في عدد الركعات، فإنه في هذه الحالة يبني على المتيقن، ويأتي بما شك في فعله؛ ويتم صلاته، ويسجد للسهو وجوباً، ومن أدرك الإمام راكعاً، فشك هل شارك الإمام في الركوع قبل أن يرفع أو لم يدركه لم يعتد بتلك الركعة، ويأتي بها مع ما يقضيه ويسجد للسهو، أما إذا شك في ترك واجب من واجبات الصلاة؛ كأن شك في ترك تسبيحة من تسبيحات الركوع أو السجود، فإنه لا يسجد للسهو، لأن سجود السهو لا يكون للشك في ترك الواجب، بل يكون لترك الواجب سهواً؛ وإذا أتم الركعات وشك وهو في التشهد في زيادة الركعة الأخيرة لا يسجد للسهو، أما إذا شك في زيادة الركعة الأخيرة قبل التشهد، فإنه يجب عليه سجود السهو. ومثل ذلك ما إذا شك في زيادة سجدة على التفصيل المتقدم. ومما تقدم يعلم أن الشك لا يسجد له في بعض صوره، فمن سجد السهو في حالة لم يشرع لها سجود السهو وجب عليه أن يسجد للسهو لذلك، لأنه زاد في صلاته سجدتين غير مشروعتين، ومن علم أنه سها في صلاته، ولم يعلم هل السجود مشروع لهذا السهو أو لا لم يسجد، لأنه لم يتحقق سببه، والأصل عدمه، ومن سها في صلاته وشك هل سجد لذلك السهو أو لا سجد للسهو سجدتين فقطن وإذا كان المأموم واحداً وشك في ترك ركن أو ركعة، فإنه يجب عليه أن يبني على الأقل، كالمنفرد، ولا يرجع لفعل إمامه، فإذا سلم إمامه لزمه أن يأتي بما شك فيه، ويسجد للسهو، ويسلم، فإن كان مع إمامه غيره من المأمومين، فإنه يجب عليه أن يرجع إلى فعل إمامه، وفعل من معه من المأمومين، وإذا شك شكاً يشرع السجود له، ثم تبين له أن مصيب لم يسجد لذلك الشك، ومن لحن لحناً يغير المعنى سهواً أو جهلاً وجب عليه أن يسجد للسهو، وإذا ترك سنة من سنن الصلاة أبيح له السجود. الشافعية قالوا: تنحصر أسباب سجود السهو في ستة أمور: الأول: أن يترك الإمام أو المنفرد سنة مؤكدة، وهي التي يعبر عنها بالأبعاض، وذلك كالتشهد الأول، والقنوت الراتب، وهو غير قنوت النازلة، أما لو ترك سنة غير مؤكدة، وهي التي يعبر عنها بالهيئات، كالسورة ونحوها مما تقدم، فإنه لا يسجد لتركها عمداً أو سهواً، فلو ترك فرضاً، كسجدة أو ركوع، فإن تذكره قبل أن يفعل مثله أتى به فوراً، وإن لم يتذكره إلا بعد فعل مثله قام المثل مقامه، بحيث يعتبر أولاً، ويلغي ما فعله بينهما، فإن ترك الركوع مثلاً ثم تذكره قبل أن يأتي بالركوع الثاني أتى به، ثم يلغى مما فعله أولاً، ويمضي في إتمام صلاته، ويسجد قبل السلام، فإن تذكره بعد الإتيان بالركوع الثاني قام الثاني مقام الأول؛ وهكذا يقوم المتأخر مقام المتقدم، ويلغي مابينهما متى تذكر قبل السلام، وأما إذا تذكره بعد السلام، فإن لم يطل الفصل عرفاً ولم تصبه نجاسة غير معفو عنها، ولم يتكلم أكثر من ست كلمات؛ ولم يأت بفعل كثير مبطل وجب عليه أن يقوم ويركع، ثم يأتي بما يكملهان ويتشهد، ويسجد للسهو، ثم يسلم، ومن ترك سنة مؤكدة كالتشهد الأول المتقدم ذكره، ثم قام، فإن كان إلى القيام أقرب؛ فلا يعود له؛ فإن عاد عامداً عالماً بطلت صلاته، أما إن عاد ساهياً أو جاهلآً، فلا تبطل؛ إلا أنه يسن له السجود؛ ولو ترك القنوت المشروع لغير النازلة؛ ونزل للجلوس حتى بلغ حد الركوع لا يعود له، فإن عاد عالماً عامداً بطلت صلاته، وإلا كان حكمه كما تقدم في التشهد؛ وهذا إن كان غير مأموم، فإن كان مأموماً وترك التشهد والقنوت قصداً فهو مخير بين أن يعود لمتابعة إمامه أو ينتظره حتى يلحقه إمامه فيمضي معه، وإن تركهما سهواً يجب عليه العود مع الإمام، فإن لم يعد بطلت صلاته، إلا إذا نوى المفارقة في الصورتين، فإنه حينئذ يكون منفرداً، فلو ترك الإمام والمقتدي التشهد الأول مثلاً أو القنوت عمداً وكانا إلى القيام أقرب في الأول، وبلغا حد الركوع في الثاني، ثم عاد الإمام فيجب على المأموم أن لا يعود معه، وإنما يفارقه بالنية بقلبه أو ينتظره في القيام أو في السجود، فإن عاد المأموم معه عالماً عامداً بطلت صلاته، وإلا فلا تبطل، وإذا ترك الإمام التشهد الأول وقام، وجب على المأموم أن يقوم معه، فإن عاد الإمام، فلا يعود المأموم معه؛ السبب الثاني: الشك في الزيادة، فلو شك في عدد ما أتى به من الركعات بنى على اليقين، وتمم الصلاة وجوباً، وسجد لاحتمال الزيادة، ولا يرجع الشاك إلى ظنه ولا لإخبار مخبر، إلا إذا بلغ عدد المخبرين التواتر فيرجع لقولهم؛ السبب الثالث: فعل شيء سهواً يبطل عمده فقط، كتطويل الركن القصير بأن يطيل الاعتدال أو الجلوس بين السجدتين، ومثل ذلك الكلام القليل سهواً، ولا يسجد إلا إذا تيقنه، فإن شك فيه فلا يسجد، أما ما لا يبطل عمده ولا سهوه، كالتفات بالعنق، ومشي خطوتين، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده، وأما ما يبطل عمده وسهوه ككلام كثير وأكل، فلا يسجد له أصلاً، لبطلان الصلاة؛ السبب الرابع: نقل ركن قولي غير مبطل في غير محله، كأن يعيد قراءة الفاتحة كلها أو بعضها في الجلوس، وكذلك نقل السنة القولية، كالسورة من محلها إلى محل آخر. كأن يأتي بها في الركوع فإنه يسجد له؛ ويستثنى من ذلك إذا قرأ السورة قبل الفاتحة، فلا يسجد لها؛ السبب الخامس: الشك في ترك بعض معين، كأن شك في ترك قنوت: لغير النازلة، أو ترك بعض مبهم، كأن لم يدر هل ترك القنوت أو الصلاة على النبي في القنوت. وأما إذا شك هل أتى بك الأبعاض أو ترك شيئاً منها؛ فلا يسجد؛ السبب السادس: الاقتداء بمن في صلاته خلل، ولو في اعتقاد المأموم، كالاقتداء بمن ترك القنوت في الصبح، أو بمن يقنت قبل الركوع فإنه يسجد بعد سلام الإمام وقبل سلام نفسه، وكذلك إذا اقتدى بمن يترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، فإنه يسجد |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 417 الى صــــــــ424 الحلقة (60) [حكم سجود السهو] في حكم سجود السهو تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) . [مباحث سجدة التلاوة] [دليل مشروعيتها] ورد في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيقرأ السورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته" وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" رواه مسلم. وقد أجمعت الأمة على أنها مشروعة عند قراءة مواضع مخصوصة من القرآن.[حكمها]أما حكمها، فهو السنية للقارئ والمستمع، بالشروط الآتية، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) . [شروط سجدة التلاوة] وأما شروطها فمنها أن يكون السامع قاصداً للسماع، فإن لم يقصد فلا تجب عليه عند المالكية، والحنابلة، أما الشافعية والحنفية فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، ومنها غير ذلك مما هو مفصل تحت الخط (4) . [أسباب سجود التلاوة] أسباب سجود التلاوة موضحة في المذاهب: فانظرها تحت الخط (5) . [صفة سجود التلاوة، أو تعريفها وركنها] في صفة سجود التلاوة أو تعريفها وركنها تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (6) . (1) الحنفية قالوا: سجود السهو واجب على الصحيح، يأثم المصلي بتركه، ولا تبطل صلاته، وإنما يجب إذا كان الوقت صالحاً للصلاة، فلو طلعت الشمس عقب الفراغ من صلاة الصبح، وكان عليه سجود سهو سقط عنه لعدم صلاحية الوقت للصلاة، وكذا إذا تغيرت الشمس بالحمرة قبل الغروب وهو في صلاة العصر، أو فعل بعد السلام مانعاً من الصلاة وكأن أحدث عمداً، أو تكلم، وكذا إذا خرج من المسجد بعد السلام، ونحو ذلك مما يقطع البناء كما تقدم ففي كل هذه الصور يسقط عنه سجود السهون ولا تجب عليه إعادة الصلاة، إلا إذا كان سقوط السجود بعمل مناف لها عمداً، فتجب عليه الإعادة، وإنما يجب سجود السهو على الإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يجب عليه سجود السهو إذا حصل موجبه منه حال اقتدائه بالإمام، أما إذا حصل الموجب من إمامه، فيجب عليه أن يتابعه في السجود إذا سجد الإمام، وكان هو مدركاً أو مسبوقاً كما تقدم، فإن لم يسجد الإمام سقط عن المأموم؛ ولا تجب عليه إعادة الصلاة إلا إذا كان ترك الإمام إياه بعمل مناف للصلاة عمداً، فيجب عليه الإعادة، كما تجب على إمامه، والأولى ترك سجود السهو في الجمعة والعيدين إذا حضر فيها جمع كثير لئلا يشتبه الأمر على المصلين. الحنابلة قالوا: سجود السهو تارة يكون واجباً، وتارة يكون مسنوناً، وتارة يكون مباحاً وذلك لاختلاف سببه على ما يأتي، وهذا بالنسبة للإمام والمنفرد، أما المأموم فيجب عليه متابعة إمامه في السجود، ولو كان مباحاً، فإن لم يتابعه بطلت صلاته، فإن ترك الإمام أو المنفرد السجود فإن كان مسنوناً أو مباحاً، فلا شيء في تركه، وإن كان واجباً، فإن كان الأفضل فيه أن يكون قبل السلام، كأن كان لترك واجب من واجبات الصلاة سهواً بطلت الصلاة بتركه عمداً، أما إذا تركه سهواً وسلم، فإن تذكره عن قرب عرفاً أتى به وجوباً، ولو تكلم أو انحرف عن القبلة ما لم يحدث أو يخرج من المسجد، وإلا سقط عنه، ولا تجب عليه إعادة الصلاة، كما إذا طال الزمن عرفاً، وإن ترك جهلاً لم تبطل صلاته، وأما إذا كان الأفضل فيه أن يكون بعد السلام - وهو ما إذا كان سببه السلام سهواً قبل إتمام الصلاة - فإن تركه عمداً أثم ولا تبطل صلاته، وإن تركه سهواً وتذكره في زمن قريب عرفاً وجب الإتيان به، وغلا أثم والصلاة صحيحة، وإن طال الزمن عرفاً أو أحدث أو خرج من المسجد سقط عنه، وإن تركه جهلاً، فلا إثم عليه وصحت صلاته، وإذا سها المأموم حال اقتدائه، وكان موافقاً يحمله عنه الإمام فإن كان مسبوقاً طلب منه السجود كالمنفرد، وقد تقدم معنى الموافق وغيره، وإذا ترك الإمام سجود السهو الواجب فعله المأموم وجوباً إذا يئس من فعل الإمام له، إلا إذا كان مسبوقاً فيجب عليه أن يسجد بعد قضاء ما فاته. المالكية قالوا: سجود السهو سنة للإمام والمنفرد، أما المأموم إذا حصل منه سبب السجود، فإن الإمام يحمله عنه إذا كان ذلك حال الاقتداء، فإن كان على إمامه سجود سهو، فإنه يتابعه فيه، وإن لم يدرك سببه مع الإمام، فإن لم يتابعه بطلت صلاته حيث يكون ترك السجود مبطلاً وغلا فلا، وسيأتي بيان ما يبطل تركه وما لا يبطل، وإذا ترك الإمام أو المنفرد السجود، فإن كان محله بعد السلام سجد في أي وقت كان، ولو في أوقات النهي، وإذا ترك السجود الذي محله قبل السلام، فإن كان سببه نقص ثلاث سنن من سنن الصلاة بطلت صلاته إذا كان الترك عمداً، وإن كان سهواً فإن تذكره قبل أن يطول الزمن عرفاً أتى به وصحت صلاته، بشرط أن يحصل منه مناف للصلاة بعد السلام. كالحدث ونحوه، وغلا بطلت صلاته كما تبطل إذا لم يتذكر حتى طال عليه الزمن عرفاً بعد السلام، وأما إذا كان سبب السجود نقص أقل من ثلاث سنن كتكبيرتين من تكبيرات الصلاة المسنونة، فلا شيء عليه إن تركه عمداً، وإن تركه سهواً وسلم، فإن قرب الزمن أتى به، وإلا تركه وصلاته صحيحة، وإذا ترتب على الإمام سجود سهو طلب من المأموم أن يأتي به، ولو تركه إمامه. الشافعية قالوا: سجود السهو تارة يكون واجباً، وتارة يكون سنة، فيكون واجباً في حالة واحدة، وهي ما إذا كان المصلي مقتدياً وسجد إمامه للسهو، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد تبعاً لإمامه، فإن لم يفعل عمداً بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها إن لم يكن قد نوى المفارقة قبل أن يسجد الإمام، وإذا ترك الإمام سجود السهور، فلا يجب على المأموم أن يسجد، بل يندب ويكون سنة في حَق المنفرد والإمام لسبب من الأسباب الآتية إلا إذا أدى سجود الإمام - لتشويش - على المقتدين به لكثرتهم، فيسن له ترك السجود وإذا ترك المنفرد أو الإمام السجود المسنون، فلا شيء فيه، ولا تبطل الصلاة بتركه، أما المأموم إذا سها حال اقتدائه بإمامه فلا سجود عليه لتحمل الإمام له إذا كان أهلاً للتحمل، كأن لم يتبين أنه محدث، أما إذا سها المأموم حال انفراده عن الإمام، كأن سها في حال قضاء ما فاته معه، فإنه كالمنفرد يسن له السجود حيث وجد سببه (2) الحنفية قالوا: حكم سجدة التلاوة الوجوب تارة يكون موسعاً وتارة يكون مضيقاً، فيكون موسعاً إن حصل موجبه خارج الصلاة فلا يأثم بتأخير السجود إلى آخر حياته إن مات ولم يسجد، ولكن يكره تأخيره تنزيهاً، ويكون الوجوب مضيقاً إن حصل موجب للسجود في الصلاة بأن تلا آية السجدة وهو يصلي، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يؤديه فوراً، وقدر الفور بأن لا يكون بين السجدة وبين تلاوة آيتها زمن يسع أكثر من قراءة ثلاث آيات، فإن مضى بينهما زمن يسع ذلك بطول الفور، ثم إن آية السجدة إما أن تكون وسط السورة أو آخرها، فإن كانت وسطها فالأفضل للمصلي أن يسجد لها عقب قراءتها وقبل إتمام السورة ثم يقوم فيختم السورة ويركع، فإن لم يسجد وركع قبل انقطاع الفور السابق ونوى بالركوع السجدة أيضاً فإنه يجزئه كما يجزئ السجود للصلاة قبل انقطاع الفور المذكور ولو لم ينوبه السجدة أيضاً، انقطع الفور فلا تسقط عنه لا بالركوع ولا بسجود الصلاة وعليه قضاءها بسجدة خاصة ما دام في صلاته، فإذا خرج من الصلاة فلا يقضيها لفوات وقتها، إلا إذا كان خروجه بالسلام، ولم يأت بمناف للصلاة بعده فإنه يقضيها عقب السلام أما إن كانت الآية آخر السورة فالأفضل أن يركع وينوي السجدة ضمن الركوع، فإذا سجد لها ولم يركع وعاد إلى القيام فيندب أن يتلو آيات من السورة التي تليها ثم يركع ويتم للصلاة (3) الحنفية قالوا: لا يشترط القصد، بل يطلب من السامع السجود ولو لم يقصد السماع (4) الحنفية قالوا: يشترط لها ما يشترط للصلاة إلا التحريمة ونية تعين الوقت، فإنهما لا يشترطان لها، ولا يؤتى بالتحريمة فيها كما سيأتي في صفتها، ويشترط لوجوبها كذلك ما يشترط لوجوب الصلاة من الإسلام والبلوغ والعقل والطهارة من الحيض والنفاس، فلا تجب على كافر وصبي ومجنون، ولا على حائض أو نفساء، لا فرق بين أن يكون أحد هؤلاء قارئاً أو سامعاً، أما من سمع من أحدهم فإنه يجب عليه السجود إن كان أهلاً للوجوب أداء أو قضاء، فيجب على السكران والجنب لأنهما أهل للوجوب قضاء، إلا إذا كان القارئ مجنوناً فإنها لا تجب على من سمع منه، ومثله الصبي الذي لا يميز، لأنه صحة التلاوة يشترط لها التمييز، وكذا إذا سمع آية السجدة من غير آدمي كأن يسمعها من الببغاء أو من آلة حاكية (كالفونوغراف) ، فإن هذا السماع لا يوجب السجود لعدم صحة التلاوة بفقد التمييز. الحنابلة قالوا: يشترط لها بالنسبة للقارئ والمستمع ما يشترط لصحة الصلاة من طهارة الحدث واجتناب النجاسة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك مما تقدم، ويزاد في المستمع شرطاً. الأول: أن يصلح القارئ للإمامة له ولو في صلاة النفل، فلو سمعها من امرأة لا يسن له السجود، وأولى إذا سمعها من غير آدمي كالآلة الحاكية والببغاء، نعم إذا سمعها من أمي أو زمن لا يصلحان لإمامته فإنه يسن أن يسجد للاستماع منهما؛ الثاني: أن يسجد القارئ، فإن لم يسجد فلا يسن للمستمع، ولا يصح السجود أمام القارئ أو عن يساره إذا كان يمينه خالياً، ويكره أن يقرأ الإمام آية سجدة في صلاة سرية، ولا يلزم المأموم متابعته لو سجد لذلك، بخلاف الجهرية، فإنه يلزم متابعته فيها. المالكية قالوا: يشترط لها في القارئ والمستمع شروط صحة الصلاة من طهارة حدث وخبث واستقبال قبلة وستر عورة وغير ذلك مما تقدم، ويسجدها القارى، ولو كان غير صالح للإمامة؛ كالفاسق والمرأة، ولو قصد بقراءته إسماع الناس حسن صوته، وكذلك يسجدها في الصلاة إذا قرأ آيتها فيها، ولو كانت صلاة فرض، إلا أنه يكره تعمد قراءة آيتها في الفريضة. هذا إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً، أما المأموم فإنه يسجد تبعاً لإمامه، فلو لم يسجد فلا تبطل صلاته، لأنها ليست جزءاً من الصلاة، وإذا قرأها هو دون إمامه فلا يسجد، فلا سجد بطلت صلاته لمخالفة فعله فعل الإمام؛ ويستثنى من الصلاة صلاة الجنازة فلا يسجد فيها، كما أنه إذا قرأ آية السجدة في خطبة جمعة أو غيرها لا يسجد، ولا تبطل صلاة الجنازة ولا الخطبة لو سجد، ويزاد في المستمع شروط ثلاثة: أولاً: أن يكون القارئ صالحاً للإمامة في الفريضة، بأن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً مسلماً متوضئاً، فلو كان القارئ مجنوناً أو كافراً أو غير متوضئ فلا يسجد هو ولا المستمع، كما لا يسجد السامع الذي لم يقصد الاستماع، وإن كان القارئ امرأة أو صبياً سجد القارئ دون المستمع؛ ثانياً: أن لا يقصد القارئ إسماع الناس حسن صوته، فإن كان ذلك فلا يسجد المستمع؛ ثالثاً: أن يكون قصد السامع من السماع أن يتعلم من القارئ القراءة أو أحكامها من إظهار وإدغام ومد وقصر وغير ذلك، أو الروايات، كرواية ورش أو غيره، أو يعلم القارئ ذلك، ومتى استكملت شروط السامع فإنه يسجدها، ولو ترك القارئ السجود إلا في الصلاة فيتركها تبعاً للإمام، وإذا كان القارئ غير متوضئ ترك آية السجود ويلاحظها بقلبه محافظة على نظام التلاوة، وكذا إذا كان الوقت ينهي فيه عن سجود التلاوة، وإذا كرر المعلم أو المتعلم آية السجدة فيسن السجود لكل منهما عند قراءتها أول مرة فقط، وإذا جاوز القارئ محل السجود بيسير كآية أو آيتين طلب منه السجود ولا يعيد قراءة محله مرة أخرى وإن جاوره بكثير أعاد آية السجدة وسجد، ولو كان في صلاة فرض، ولكن لا يسجد في الفرض إلا إذا لم ينحن للركوع؛ أما في النفل فإنه يأتي بآية السجدة في الركعة الثانية، ويسجد إن لم يركع، فإن ركع في الثانية فاتت السجدة. الشافعية قالوا: يشترط لسجود التلاوة شروط: أولاً: أن تكون القراءة مشروعة، فلو كانت محرمة، كقراءة الجنب، أو مكروهة، كقراءة المصلي في حال الركوع مثلاً، فلا يسن السجود للقارئ ولا للسامع، ثانياً: أن تكون مقصودة، فلو صدرت من ساه ونحوه، كالطير (والفونوغراف) ، فلا يشرع السجود؛ ثالثاً: أن يكون المقروء كل آية السجدة، فلو قرأ بعضها فلا سجود؛ رابعاً: أن لا تكون قراءة آية السجدة بدلاً من قراءة الفاتحة لعجزه عنها، وغلا فلا سجود، خامساً: أن لا يطول الفصل بين قراءة الآية والسجود، وأن لا يعرض عنها، فإن طال وأعرض عنها فلا سجود، والطول أن يزيد على مقدار صلاة ركعتين بقراءة متوسطة بين الطول والقصر؛ سادساً: أن تكون قراءة الآية من شخص واحد، فلو قرأ واحد بعض الآية، وكملها شخص آخر فلا سجود؛ سابعاً: يشترط لها ما يشترط للصلاة من طهارة واستقبال وغير ذلك، وهذه الشروط في جملتها عامة للمصلي وغيره، ويزاد في المصلي شرطان آخران: أولاً: أن لا يقصد بقراءة الآية السجود، فإن قصد ذلك وسجد بطلت صلاته إن سجد عامداً عالماً، ويستثنى من ذلك قراءة سورة "السجدة" في صبح يوم الجمعة، فإنها سنة، ويسن السجود حينئذ، فإن قرأ في صبح يوم الجمعة غير هذه السورة وسجد بطلت صلاته بالسجود إن كان عامداً عالماً، كما تبطل صبح يوم الخميس مثلاً لو قرأ فيها السورة المذكورة وسجد، ويجب على المأموم أن يسجد تبعاً لإمامه حيث كان سجوده مشروعاً، فإن ترك متابعة الإمام عمداً مع العلم بطلت صلاته، ثانياً: أن يكون هو القارئ؛ فإن كان القارئ غيره وسجد فلا يسجد، فإن سجد بطلت صلاته إذا كان عالماً عامداً، ولا يسجدها مصلي الجنازة بخلاف الخطيب، فيسن له السجود، ويحرم على القوم السجود لما فيه من الإعراض عن الخطبة (5) الحنفية قالوا: أسباب سجود التلاوة ثلاثة أمور: الأول: التلاوة؛ فتجب على التالي، ولو لم يسمع نفسه، كأن كان أصم، لا فرق بين أن يكون خارج الصلاة أو فيها، إماماً كان أو منفرداً، أما المأموم فلا تجب عليه بتلاوته، لأنه ممنوع من القراءة خلف إمامه فلا تعتبر تلاوته موجباً لها، وإذا تلا الخطيب يوم الجمعة أو العيدين آية سجدة وجبت عليه وعلى من سمعه، فينزل من فوق المنبر ثم يسجد ويسجد الناس معه، ولكن يكره له أن يأتي بآية السجدة وهو على المنبر؛ أما الإتيان بها وهو في الصلاة، فإنه لا يكره إذا أدى السجدة ضمن الركوع أو السجود؛ بخلاف ما إذا أتى بها وحدها، فإنه يكره لما فيه من التهويش على المصلين، الثاني: سماع آية سجدة من غيره، والسامع إما أن يكون في الصلاة أو لا، وكذا المسموع منه، فإن كان السامع في الصلاة، وكان منفرداً أو إماماً، فإنه يجب في الصلاة أو لا، وكذا المسموع منه، فإن كان السامع في الصلاة، وكان منفرداً أو إماماً، فإنه يجب عليه فعلها خارج الصلاة، إلا إذا سمعها من مأموم على الصحيح، فإنه لا تجب عليه السجدة، أما إذا كان السامع مأموماً، فإن سمعها من غير إمامه فحكمه كذلك، وإن سمعها من إمامه، فإن كان مدركاً للصلاة وجبت عليه متابعته في سجوده، وإن كان مسبوقاً فإن أدرك الإمام قبل سجوده للتلاوة تابعه أيضاً، وإن أدركه بعد سجود التلاوة في الركعة التي تلا فيها الآية لم يسجد أصلاً، وإن أدركه في الركعة التي بعدها سجد بعد الصلاة؛ الثالث: الاقتداء، فلو تلاها الإمام وجبت على المقتدي وإن لم يسمعها. الحنابلة قالوا: لها سببان: التلاوة، والاستماع بالشروط المتقدمة، وبشرط أن لا يطول الفصل عرفاً بينها وبين سببها، فإن كان القارئ أو السامع محدثاً ولا يقدر على استعمال الماء تيمم وسجد، أما إذا كان قادراً على استعمال الماء فإن السجود يسقط عنه، لأنه لو توضأ يطول الفصل هذا، ولا يسجد المقتدي للتلاوة إلا متابعة لإمامه: المالكية قالوا: سببها التلاوة والسماع بشرط أن يقصده، كما تقدم بيانه في شروطها. الشافعية قالوا: سببها التلاوة والسماع بالشروط المتقدمة (6) الحنفية قالوا: صفة سجود التلاوة أو تعريفه هو أن يسجد الإنسان سجدة واحدة بين تكبيرتين: إحداهما: عند وضع بجهته على الأرض للسجود، وثانيتهما: عند رفع جبهته، ولا يقرأ التشهد ولا يسلم، والتكبيرتان المذكورتان مسنونتان، فلو وضع جبهته على الأرض دون تكبير صحت السجدة مع الكراهة، فلسجود السهو ركن واحد عندهم، وهو وضع الجبهة على الأرض، أو ما يقوم مقامه من الركوع أو السجود، أو من الإيماء للمريض: أو للمسافر الذي يصلي على الدابة في السفر، لأن سجدة التلاوة تؤدي عند الحنفية ضمن الركوع أو السجود أو الإيماء، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثاً، أو يقول ما يشاء مما ورد، نحو اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، ويستحب لمن تلاها جالساً أن يقف ويخر لها ساجداً، ومن كرر آية سجدة في مجلس واحد سجد كذلك سجوداً واحداً، فإن اختلف المجلس فإنه يكرر السجود. الحنابلة قالوا: تعريف سجدة التلاوة هو أن يسجد بدون تكبيرة إحرام، بل بتكبيرتين: إحداهما عند وضع جبهته على الأرض، والثانية. عند رفعها، ولا يتشهد، إلا أنه يندب له الجلوس إذا لم يكن في الصلاة ليسلم جالساً على أنهم قالوا: إن التكبيرتين ليستا من أركان السجدة بل هما واجبتان؛ فأركان السجدة عندهم ثلاثة: السجود، والرفع منه، والتسليمة الأولى، أما التسليمة الثانية فليست بركن ولا واجب، ويندب أن يدعو في سجوده بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية. المالكية قالوا: تعريف سجود التلاوة هو أن يسجد سجدة واحدة بلا تكبيرة إحرام وبلا سلام "بل يكبر للهوي وللرفع استناناً. وإذا كان قائماً يهوي لها من قيام، سواء كان في صلاة أو غيرها، ولا يطلب منه الجلوس، بل يسجد كما يسجد القائم من ركوع الصلاة المعتادة، لا فرق بين أن يكون في صلاة أو غيرها، وإذا كان راكباً على دابة أو غيرها نزل وسجد على الأرض، إلا إذا كان مسافراً أو كان مقيماً وتوفرت فيه شروط صلاة النفل على الدابة المتقدم ذكرها، ويسجد عليها بالإيماء. هذا، ويندب أن يدعو في سجوده بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية. الشافعية قالوا: سجدة التلاوة، إما أن يفعلها المتلبس بالصلاة أو غيره، فتعريفها بالنسبة لغير المصلي هو أن ينوي بلسانه، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يسجد سجدة واحدة كسجدات الصلاة، ثم يجلس بعد السجدة ثم يسلم، وبهذا تعلم أن أركان سجدة التلاوة لمن لم يكن في الصلاة خمسة، أما إذا كان في الصلاة وقرأ آية فيها سجدة فإنه يسجد، وتتحقق السجدة بأمرين؛ أحدهما: النية ولا بد أن تكون بالقلب، بحيث لو تلفظ بها بطلت صلاته، ثانيتهما: أن يسجد سجدة واحدة كسجدات الصلاة؛ وإذا كان مأموماً فلا تطلب منه النية بل تكفيه نية إمامه، ويشترط لغير المصلي أن يقارن بين النية وتكبيرة الإحرام، ويسن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ويسن التكبير للهوّي للسجود والرفع منه، والدعاء فيه، والتسليمة الثانية ويسن أن يدعو بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية. هذا، ويقوم مقام سجود التلاوة ما يقوم مقام تحية المسجد، فمن لم يرد فعل سجدة التلاوة قرأ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أربع مرات، فإن ذلك يجزئه عن سجدة التلاوة، ولو كان متطهراً |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 425 الى صــــــــ437 الحلقة (61) [المواضع التي تطلب فيها سجدة التلاوة] تطلب في أربعة عشر موضعاً: وهي آخر آية في الأعراف: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه، وله يسجدون} ، وآية الرعد: {ولله يسجد ما في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، وظلالهم بالغدوّ والآصال} وآية النحل: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة، والملائكة، وهم لا يستكبرون، يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} ، وآية الإسراء التي آخرها: {يزيدهم خشوعاً} ، وآية مريم التي آخرها: {خرُّوا سجداً وبكياً} ، وآيتان في سورة الحج: أولاهما {ويفعل ما يشاء} في آخر الربع {لعلكم تفلحون} ، عند الشافعية، والحنابلة، وخالف، المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) : وآية الفرقان وهي: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن، قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً} ، وآية النمل وهي: {أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، ويعلم ما تخفون وما تعلنون، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} ، وآية سورة السجدة وهي: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً} إلى قوله تعالى: {وهم لا يستكبرون} وآية سورة فصلت وهي: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} وآية النجم وهي: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا} وآية سورة الانشقاق، وهي قوله تعالى: {وإذ ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .وأما آية "ص" وهي: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب} ، فليست من مواضع سجود التلاوة عند الشافعية، والحنابلة خلافاً للمالكية، والحنفية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية، والمالكية قالوا: إنها من مواضع سجود التلاوة، إلا أن المالكية قالوا: إن السجود عند قوله تعالى: {وأناب} والحنفية قالوا: الأولى أن يسجد عند قوله تعالى: {وحسن مآب} . ومن هذا يتضح أن عدد مواضع سجدة التلاوة عند الحنفية أربعة عشر موضعاً بنقص آية أخر الحج، وزيادة أية {ص} . وعند المالكية أحد عشر موضعاً بنقص آية النجم، والانشقاق، وسورة اقرأ، وزيادة آية ص) ، والسجود يكون عند آخر كل آية من آياتها المتقدمة باتفاق، إلا عند الحنفية في بعض المواضع، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . [سجدة الشكر]هي سجدة واحدة كسجود التلاوة عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، ولا تكون إلا خارج الصلاة، فلو أتي بها في الصلاة بطلت صلاته، ولو نواها ضمن ركوع الصلاة وسجودها لم تجزه، وهي مستحبة، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية. فانظر مذهبهم تحت الخط (4) . [مباحث قصر الصلاة الرباعية] [حكمها] يجوز للمسافر المجتمعة فيه الشروط الآتي بيانها أن يقصر الصلاة الرباعية - الظهر والعصر والعشاء - فيصليها ركعتين فقط، كما يجوز له أن يتم عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية قالوا: إن قصر الصلاة مطلوب من المسافر لا جائز، ولكنهم اختلفوا في حكمه، فقال الحنفية: إنه واجب، والواجب عندهم أقل من الفرض، ومساو للسنة المؤكدة، وعلى هذا فيكره للمسافر أن يتم الصلاة الرباعية، وإذا أتمها فإن صلاته تكون صحيحة إذا لم يترك الجلوس الأول، لأنه فرض في هذه الحالة، ولكنه يكون مسيئاً بترك الواجب، وهو وإن كان لا يعذب على تركه بالنار، ولكنه يحرم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، كما تقدم.هذا هو رأي الحنفية، أما المالكية فقد قالوا: إن قصر الصلاة سنة مؤكدة آكد من صلاة الجماعة، وإذا تركه المسافر فلا يؤاخذ على تركه، ولكنه يحرم من ثواب السنة المؤكدة فقط، ولا يحرم من شفاعة النبي، كما يقول الحنفية، فالمالكية، والحنفية متفقون على أنه سنة مؤكدة ولكنهم مختلفون في الجزاء المترتب على تركه.هذا هو ملخص المذاهب في هذا الحكم، ولكن لكل مذهب تفصيل، فانظر تفصيل كل مذهب على حدة تحت الخط (5) . [دليل حكم قصر الصلاة] ثبت قصر الصلاة بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ، فهذه الآية قد دلت على أن قصر الصلاة مشروع حال الخوف، وهي وإن لم تدل على أنه مشروع حال الأمن، ولكن الأحاديث الصحيحة والإجماع قد دلت على ذلك، فمن ذلك ما رواه يعلى بن أمية، قلت لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته، رواه مسلم. وقال ابن عمر رضي الله عنه: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان كذلك؛ متفق عليه، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إماماً بأهل مكة بعد الهجرة صلاة رباعية، فسلم على رأس ركعتين ثم التفت إلى القوم فقال: "أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر".هذا، وقد أجمعت الأمة على مشروعية القصر. [شروط صحة القصر: مسافة السفر التي يصح فيها القصر] يشترط لصحة قصر الصلاة شروط: منها أن يكون السفر مسافة تبلغ ستة عشر فرسخاً ذهاباً فقط، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع بذراع اليد، وهذه المسافة تساوي ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين متراً - مسيرة يوم وليلة بسير الإبل المحملة بالأثقال سيراً معتاداً - وتقدير المسافة بهذا متفق عليه بين الأئمة الثلاثة ما عدا الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، ويقدر الشافعية هذه المسافة بمرحلتين، والمرحلة عندهم ثمانية فراسخ، ولا يضر نقصان المسافة عن المقدار المبين بشيء قليل، كميل أو ميلين باتفاق الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية والشافعيةن فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) ، ولا يشترط أن يقطع هذه المسافة في المدة المذكورة - يوم وليلة - فلو قطعها في أقل منها ولو في لحظة صح القصر، كما إذا كان مسافراً بالطائرة ونحوها، وهذا متفق عليه. [نية السفر] لا يصح القصر إلا إذا نوى السفر، فنية السفر شرط لصحة القصر باتفاق، ولكن يشترط لنية السفر أمران: أحدهما: أن ينوي قطع تلك المسافة بتمامها من أول سفره، فلو خرج هائماً على وجهه لا يدري أين يتوجه لا يقصر، ولو طاف الأرض كلها، لأنه لم يقصد قطع المسافة،وهذا الحكم متفق عليه، وكذلك لا يقصر إذا نوى قطع المسافة، ولكنه نوى الإقامة أثناءها مدة قاطعة لحكم السفر وسيأتي بيانها، وخالف في هذا الحكم الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) ؛ ثانيهما: الاستقلال بالرأي، فلا تعتبر نية التابع بدون نية متبوعة، كالزوجة مع زوجها، والجندي مع أميره، والخادم مع سيده، فلو نوت الزوجة مسافة القصر دون زوجها لا يصخ لها أن تقصر، وكذلك الجندي والخادم ونحوهما، سواء نوى التابع التخلص من متبوعه عند سنوح الفرصة أو لا، باتفاق؛ وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، ولا يشترط في نية السفر البلوغ؛ فلو نوى الصبي مسافة القصر قصر الصلاة، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) . [حكم قصر الصلاة في السفر المحرم والمكروه] ومن الشروط أن يكون السفر مباحاً. فلو كان السفر حراماً كأن سافر لسرقة مال أو لقطع طريق أو نحو ذلك فلا يقصر، وإذا قصر لم تنعقد صلاته؛ باتفاق الشافعية، والحنابلة؛ وخالف الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (11) ، فإن كان السفر مكروهاً ففيه تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط (12) . وأما إذا كان السفر مباحاً، ولكن وقعت فيه المعصية فلا يمنع القصر. [المكان الذي يبدأ فيه المسافر صلاة القصر] لا يصح للمسافر أن يقصر الصلاة قبل أن يشرع في سفره ويفارق محل إقامته بمسافة مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (13) . [اقتداء المسافر بالمقيم] من شروط القصر أن لا يقتدي المسافر الذي يقصر الصلاة بمقيم أو مسافر يتم الصلاة فإن فعل ذلك وجب عليه الإتمام، سواء اقتدى به في الوقت أو بعد خروج الوقت، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) .ولا فرق في ذلك بين أن يدرك مع الإمام كل الصلاة أو بعضها حتى ولو أدرك التشهد الأخير، فإنه يتم، باتفاق، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (15) ، ولا يكره اقتداء المسافر بالمقيم إلا عند المالكية، فإنهم يقولون: يكره، إلا إذا كان الإمام أفضل أو به ميزة. [نية القصر] ومنها أن ينوي القصر عند كل صلاة تقصر على التفصيل المتقدم في مبحث "النية" باتفاق الشافعية، والحنابلة؛ وخالف المالكية، والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (16) . [ما يمنع القصر: نية الإقامة] يمتنع القصر بأمور: منها أن ينوي الإقامة مدة مفصلة في المذاهب (17) . [ما يبطل به القصر، وبيان الوطن الأصلي وغيره] يبطل القصر بالعودة إلى المكان الذي يباح له القصر عنده حين ابتدأ سفره، سواء كان ذلك المكان وطناً له أو لا؛ ومثل العودة بالفعل نية العودة، وفي ذلك كله تفصيل في المذاهب فانظره تحت الخط (18) .(1) المالكية، والحنفية لم يعدوا آية آخر الحج من المواضع التي يطلب فيها سجود التلاوة (2) المالكية قالوا: إن آية النجم، وآية الانشقاق، وآية اقرأ ليست من المواضع التي يطلب فيها سجود التلاوة (3) الحنفية قالوا: إن السجود في آية سورة فصلت عند قوله تعالى: {وهم لا يسأمون} (4) المالكية قالوا: سجدة الشكر مكروهة، وإنما المستحب عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة صلاة ركعتين، كما تقدم. الحنفية قالوا: سجدة الشكر مستحبة - على المفتى به -، وإذا نواها ضمن ركوع الصلاة أو سجودها أجزأته، ويكره الإتيان بها عقب الصلاة لئلا يتوهم العامة أنها سنة أو واجبة (5) الحنفية قالوا: قصر الصلاة واجب بالمعنى الذي فصلناه فوق الخط، فإذا أتم الصلاة فقد فعل مكروهاً بترك الواجب، على أن في الإتمام أيضاً تأخيراً للسلام الواجب عن محله، وذلك لأنه يجب على المصلي أن يسلم بعد الفراغ من القعود الأخير، والقعود الأخير في صلاة المسافر هو ما كان في نهاية الصلاة المطلوبة منه، وهي ركعتان، فإذا صلى ركعتين ولم يجلس في الركعة الثانية بطلت صلاته، لأنه هذا الجلوس فرض كالجلوس الأخير، وإذا لم يسلم بعد القعود وقام للركعة الثالثة فقد فعل مكروهاً، لأنه بذلك يكون قد أخر السلام المطلوب منه عن محله. المالكية قالوا: قصر الصلاة سنة مؤكدة، كما ذكرنا فوق الجدول، فمن تركه وأتم الصلاة فقد حرم من ثواب هذه السنة، وإذا لم يجد المسافر مسافراً مثله ليقتدي به صلى منفرداً صلاة قصر، ويكره له أن يقتدي بإمام مقيم، لأنه لو اقتدى بإمام مقيم لزمه أن يتم الصلاة معه فتفوته سنة القصر المؤكدة. الشافعية قالوا: يجوز للمسافر مسافة قصر أن يقصر الصلاة، كما يجوز له الإتمام، بلا خلاف،ولكن القصر أفضل من الإتمام، بشرط أن تبلغ مسافة سفره ثلاثة مراحل، وإلا لم يكن القصر أفضل، وذلك لأن أقل مسافة القصر عندهم مرحلتان، وسيأتي قريباً بيان معنى المرحلة عندهم، فإذا كانت مسافة سفره مرحلتين فقط، فإنه يجوز له أن يقصر، كما يجوز له أن يتم، أما إذا كانت ثلاث مراحل فأكثر فإن القصر يكون أفضل، وإنما يكون القصر في هذه الحالة أفضل إذا لم يكن المسافر ملاحاً، والملاح هو القائم بتسيير السفينة ومساعدوه، ويقال لهم: البحارة، فإذا كان هؤلاء مسافرين فإن إتمام الصلاة أفضل لهم، وإن كانت مسافة سفرهم تزيد على ثلاث مراحل. هذا، وإذا أخر المسافر الصلاة إلى آخر وقتها بحيث لم يبق من الوقت إلا ما يسع صلاة ركعتين فقط، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يصلي قصراً، ولا يجوز له الإتمام بحال، لأنه في هذه الحالة يمكنه أن يوقع الصلاة كلها في الوقت، كما تقدم في المسح على الخف، فإنه إذا ضاق الوقت كانت المسح فرضاً لإدراك الصلاة في وقتها. الحنابلة قالوا: القصر جائز، وهو أفضل من الإتمام، فيجوز للمسافر مسافة قصر أن يتم الصلاة الرباعية وأن يقصرها بلا كراهة، وإن كان الأفضل له الإتمام، ويستثنى من ذلك أمور سنذكرها في شروط القصر، ومنها أن يكون المسافر ملاحاً - بحاراً - فإنه إذا كان معه أهله في السفينة فإنه في هذه الحالة لا يجوز له قصر الصلاة لكونه في حكم المقيم، وقد عرفت حكم هذا عند الشافعية، وهو أن إتمام الصلاة أفضل في حقهم فقط، أما الحنفية، والمالكية فلم يفرقوا بين الملاح وغيره في الحكم الذي تقدم بيانه عندهم (6) الحنفية قالوا: المسافة مقدرة بالزمن، وهو ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة، ويكفي أن يسافر في كل يوم منها من الصباح إلى الزوال، والمعتبر السير الوسط، أي سير الإبل، ومشي الأقدام، فلو بكر في اليوم الأول ومشى إلى الزوال، وبلغ المرحلة، ونزل وبات فيها، ثم بكر في اليوم الثاني، وفعل ذلك، ثم فعل ذلك في اليوم الثالث أيضاً فقد قطع مسافة القصر، ولا عبرة بتقديرها بالفراسخ على المعتمد، ولا يصح القصر في أقل من هذه المسافة وبعض الحنفية يقدرها بالفرسخ، ولكنه يقول: إنها أربعة وعشرون فرسخاً، فهي ثلاث مراحل لا مرحلتان يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
(7) المالكية قالوا: إن نقصت المسافة عن القدر المبين بثمانية أميال وقصر الصلاة صحت صلاته، ولا إعادة عليه على المشهور، ويستثنى من اشتراط المسافة أهل مكة ومنى ومزدلفة والمحصب إذا خروجوا في موسم الحج للوقوف بعرفة، فإنه يسن لهم القصر في حال ذهابهم وكذا في حال إيابهم إذا بقي عليهم عمل من أعمال الحج التي تؤدي في غير وطنهم، وإلا أتموا. الشافعية قالوا: يضر نقصان المدة عن القدر المبين، فإذا نقصت ولو بشيء يسير فإن القصر لا يجوز، على أنهم اكتفوا في تقدير المسافة بالظن الراجح، ولم يشترطوا اليقين (8) الحنفية قالوا: نية إقامة المدة القاطعة لحكم السفر لا تبطل حكم القصر إلا إذا أقام بالفعل، فلو سافر من القاهرة مثلاً ناوياً الإقامة بأسيوط مدة خمسة عشر يوماً فأكثر يجب عليه القصر في طريقه إلى أن يقيم (9) الشافعية: زادوا حكماً آخر، وذلك أن التابع إذا نوى أنه متى تخلص من التبعية يرجع من سفره كالجندي إذا شطب اسمه، والخادم إذا انفصل من الخدمة. فلا يقصر في هذه الحالة حتى يقطع مسافة القصر وهي المرحلتان، فإن فاتته صلاة حين بلوغه المرحلتين قضاها مقصورة لأنها فائتة سفر (10) الحنفية قالوا: يشترط فينية السفر أن تكون من بالغ، فلا تصح نية الصبي، فشروط نية السفر عندهم ثلاثة: نية قطع المسافة بتمامها من أول السفر، والاستقلال بالرأي، والبلوغ (11) الحنفية، والمالكية قالوا: لم يشترطوا ذلك، فيجب القصر على كل مسافر، ولو كان محرماً. ويأثم بفعل المحرّم عند الحنفية، أما المالكية فقالوا: إذا كان السفر محرماً فإن القصر يصح الإثم (12) الحنفية قالوا: يجوز القصر في السفر المكروه أيضاً كغيره. الشافعية قالوا: يجوز القصر في السفر المكروه. المالكية قالوا: يكره القصر في السفر المكروه. الحنابلة قالوا: لا يجوز القصر في السفر المكروه، ولو قصر لا تنعقد صلاته كالسفر المحرم (13) الشافعية قالوا: لا بد أن يصل إلى محل يعد فيه مسافراً عرفاً، وابتداء السفر لساكن الأبنية يحصل بمجاوزة سور مختص بالمكان الذي سافر منه إذا كان ذلك السور صوب الجهة التي يقصدها المسافر، وإن كان داخله أماكن خربة ومزارع ودور، لأن كل هذا يعد من ضمن المكان الذي سافر منه، ولا عبرة بالخندق والقنطرة مع وجود السور، ومثل السور ما يقيمه أهل القرى من السجور، فإن لم يوجد السور المذكور، وكان هناك قنطرة أو خندق فلا بد من مجاوزته، فإن لم يوجد شيء من ذلك فالعبرة بمجاوزة العمران وإن تخلله خراب، ولا يشترط مجاوزة الخراب الذي في طرف العمران إذا ذهبت أصول حيطانه، ولا مجاوزة المزارع ولا البساتين، ولو بنيت بها قصور أو دور تسكن في بعض فصول السنة، ولا بد من مجاوزة المقابر المتصلة بالقرية التي لا سور لها، وإذا اتصل بالبلد عرفاً قرية أو قريتان مثلاً، فيشترط مجاوزتهما إن لم يكن بينهما سور، وإلا فالشرط مجاوزة السور، فإن لم تكونا متصلتين اكتفي بمجاوزة قرية المسافر عرفاً، أما القصور التي في البساتين المتصلة بالبلد، فإن كانت تضمن في كل السنة فحكمها كالقريتين المذكورتين، وإلا فلا، كما تقدم. وابتداء السفر لساكن الخيام يكون بمجاورة تلك الخيام ومرافقها، كمطرح الرماد وملعب الصبيان ومرابط الخيل، ولا بد أيضا من مجاوزة المهبط إن كان في ربوة، ومجاوزة المصعد إن كان في منخفض، ولا بد أيضاً من مجاوزة عرض الوادي إن سافر فيعرضه، وهذا إذا لم يخرج المهبط والمصعد والوادي عن الاعتدال، أما لو اتسع شيء منها جداً فيكتفي بمجاوزة الحلة، وهي البيوت التي يجتمع أهلها للسمر، ويستطيعون استعارة لوازمهم بعضهم من بعض، أما المسافر الذي سكن غير الأبنية وغير الخيام، فابتداء سفره يكون بمجاوزة محل رحله ومرافقه. هذا إذا كان السفر براً، أما لو كان في البحر المتصل ببلدة كالسويس وجدة، فابتداء سفره من أول تحرك السفينة للسفر ولا عبرة بالأسوار، ولو وجدت بالبلدة على المعتمد، وإذا كانت السفينة تجري محاذية للأبنية التي في البلدة، فلا يقصر حتى تجاوز تلك الأبنية. الحنابلة قالوا: يقصر المسافر إذا فارق بيوت محل إقامته العامرة بما يعد مفارقة عرفاً، سواء كانت داخل السور أو خارجه، وسواء اتصل بها بيوت خربة أو صحراء، أما إذا اتصل بالبيوت الخربة بيوت عامرة، فلا يقصر إلا إذا فارقهما معاً، وكذا لا يقصر إذا اتصل بالخراب بساتين يسكنها أصحابها للرياضة في الصيف مثلاً، إلا إذا جاوز تلك البساتين، أما إذا كان من سكان الخيام أو من سكان القصور أو البساتين، فلا يقصر حتى يفارق خيامه أو المكان الذي نسب إليه البساتين أو القصور عرفاً،وكذا إذا كان من سكان عزب مصنوعة من أعواد الذرة ونحوها، فإنه لا يقصر حتى يفارق محل إقامة قومه. الحنفية قالوا: من قصد سفر مسافة القصر المتقدم بيانه قصر الصلاة متى جاوز العمران من موضع إقامته، سواء كان مقيماً في المصر أو في غيره، فإذا خرج من المصر لا يقصر إلا إذا جاوز بيوته من الجهة التي خرج منها، وإن كان بإزائه بيوت من جهة أخرى، ويلزم أن يجاوز كل البيوت، ولو كانت متفرقة متى كان أصلها من المصر، فلو انفصلت عن المصر محلة كانت متصلة بها قبل ذلك الانفصال لا يقصر إلا إذا جاوزها، بشرط أن تكون عامرة، أما إذا كانت خربة لا سكان فيها، فلا يلزم مجاوزتها؛ ويشترط أيضاً أن يجاوز ما حول المصر من المساكن، وأن يجاوز القرى المتصلة بذلك. بخلاف القرى المتصلة بالفناء، فلا يشترط مجاوزتها، ولا يشترط أن تغيب البيوت عن بصره، وإذا خرج من الأخبية - الخيام - لا يكون مسافراً إلا إذا جاوزها، سواء كانت متصلة أو متفرقة، أما إذا كان مقيماً على ماء أو محتطب، فإنه يعتبر مسافراً إذا فراق الماء أو المحتطب ما لم يكن المحتطب واسعاً جداً، أو النهر بعيد المنبع أو المصب، وغلا فالعبرة بمجاوزة العمران، ويشترط أيضاً أن يجاوز الفناء المتصل بموضع إقامته، وهو المكان المعد لمصالح السكان، كركض الدواب، ودفن الموتى، وإلقاء التراب، فإن انفصل الفناء عن محل الإقامة بمزرعة أو بفضاء قدر أربعمائة ذراع، فإنه لا يشترط مجاوزته، كما لا يشترط مجاوزة البساتين، لأنها لا تعتبر من العمران. وإن كانت متصلة بالبناء، سواء سكنها أهل البلدة في كل السنة أو بعضها. المالكية قالوا: المسافر إما أن يكون مسافراً من أبنية أو من خيام - وهو البدوي - أو من محل لا بناء به ولا خيام، كساكن الجبل، فالمسافر من البلد لا يقصر إلا إذا جاوز بنيانها والفضاء الذي حواليها، والبساتين المسكونة بأهلها ولو في بعض العام، بشرط أن تكون متصلة بالبلد حقيقة أو حكماً، بأن كان ساكنوها ينتفعون بأهل البلد، فإن كانت غير مسكونة بالأهل في وقت من العام، فلا تشترط مجاوزتها كالمزارع، وكذا إذا كانت منفصلة عن البلد، ولا ينتفع ساكنوها باهلها، فلا تشترط مجاوزتها، ولا يشترط مجاوزة ثلاثة أميال من سور بلد الجمعة على المعتمد، بل العبرة بمجاوزة البساتين المذكورة فقط، ولو كان مسافراً من بلد تقام فيها الجمعة، ومثل البساتين القريبة المتصلة بالبلد التي سافر منها إذا كان أهلها ينتفعون بأهل البلد، فلا بد من مجاوزتها أيضاً، فالعزب المتجاورة متى كان بين سكانها ارتفاق، فهي كبلد واحد، فلا يقصر المسافر من عربة منها حتى يجاوز الجميع، وأما ساكن الخيام فلا يقصر إذا سافر حتى يجاوز جميع الخيام، التي يجمع سكانها اسم قبيلة ودار واحدة؛ أو اسم الدار فقط، فإن جمعهم اسم القبيلة فقط أو لم يجتمعوا في قبيلة ولا دار، فإن كان بينهما ارتفاق فلا بد من مجاوزة الكل، وإلا كفى أن يجاوز المسافر خيمته فقط، وأما المسافر من محله خال عن الخيام والبناء، فإنه يقصر متى انفصل عن محله (14) الحنفية قالوا: لا يجوز اقتداء المسافر بالمقيم إلا في الوقت، وعليه الإتمام حينئذ، لأن فرضه يتغير عند ذلك من اثنين لأربع، أما إذا خرج الوقت فلا يجوز له الاقتداء بالمقيم لأنه فرضه بعد خروج الوقت لا يتغير إلى أربع، لأنه استقر في ذمته ركعتين فقط، فلو اقتدى به بطلت صلاته، لأن القعدة الأولى حينئذ في حَق المسافر المقتدي فرض، وهي في حَق إمامه المقيم بالمسافر فيصح مطلقاً في الوقت وبعده، ويصلي معه ركعتين، فإذا سلم قام المأموم وكمل صلاته كالمسبوق بركعتين (15) المالكية قالوا: إذا لم يدرك المسافر مع الإمام المقيم ركعة كاملة، فلا يجب عليه الإتمام، بل يقصر لأن المأمومية لا تتحقق إلا بإدراك ركعة كاملة مع الإمام (16) المالكية قالوا: تكفي نية القصر في أول صلاة يقصرها في السفر، ولا يلزم تجديدها فيما بعدها من الصلوات، فهي كنية الصوم أول ليلة من رمضان، فإنها تكفي لباقي الشهر. الحنفية قالوا: إنه يلزمه نية السفر قبل الصلاة، ومتى نوى السفر كان فرضه ركعتين، وقد علمت أنه لا يلزمه في النية تعيين عدد الركعات، كما تقدم (17) الحنفية قالوا: يمتنع القصر إذا نوى الإقامة خمسة عشر يوماً متوالية كاملة، فلو نوى الإقامة أقل من ذلك، ولو بساعة لا يكون مقيماً، ولا يصح له قصر الصلاة بشروط أربعة: الأول: أن يترك السير بالفعل، فلو نوى الإقامة، وهو يسير لا يكون مقيماً، ويجب عليه القصر؛ الثاني: أن يكون الموضع الذي الإقامة فيه صالحاً لها، فلو نوى الإقامة في صحراء ليس فيها سكان أو في جزيرة خربة أو في بحر فإنه يجب عليه القصر؛ الثالث: أن يكون الموضع الذي نوى الإقامة فيه واحداً، فلو نوى الإقامة ببلدتين لم يعين إحداهما لم تصح نيته أيضاً؛ الرابع: أن يكون مستقلاً بالرأي، فلو نوى التابع الإقامة لا تصح نيته، ولا يتم إلا علم نية متبوعة، كما تقدم، ومن نوى السفر مسافة ثلاثة أيام ثم رجع قبل إتمامها وجب عليه إتمام الصلاة بمجرد عزمه على الرجوع، وكذا إذا نوى الإقامة قبل إتمامها، فإنه يجب عليه الإتمام في الموضع الذي وصل إليه، وإن لم يكن صالحاً للإقامة فيه، كما يأتي، ومن نوى الإقامة أقل من خمسة عشر يوماً أو أقام بمحل منتظراً قافلة مثلاً وعلم أنها لا تحضر إلا بعد خمسة عشر يوماً، فإنه يعتبر ناوياً الإقامة، ويجب عليه إتمام الصلاة في هذه الحالة. الحنابلة قالوا: يمتنع القصر لو نوى المسافر إقامة مطلقة، ولو في مكان غير صالح للإقامة فيه أو نوى الإقامة مدة يجب عليه فيها أكثر من عشرين صلاة، وكذا إذا نوى الإقامة لحاجة يظن أنها لا تنقضي إلا في اربعة أيام، ويوم الدخول، ويوم الخروج يحسبان من المدة، ومن أقام في أثناء سفره لحاجة بلا نية إقامة، ولا يدري متى تنقضي فله القصر، ولو أقام سنين، سواء غلب على ظنه كثرة مدة الإقامة أو قلتها بعد أن يحتمل انقضاؤها في مدة لا ينقطع حكم السفر بها، وإذا رجع إلى المحل الذي سافر منه قبل قطع المسافة، فلا يقصر في عودته. المالكية قالوا: يقطع حكم السفر ويمنع القصر نية إقامة أربعة أيام بشرطين: أحدهما: أن تكون تامة لا يحتسب منها يوم الدخول إن دخل بعد طلوع الفجر ولا يوم الخروج إن خرج في أثنائه، وثانيهما: وجوب عشرين صلاة على الشخص في هذه الإقامة، فلو أقام أربعة أيام تامة، وخرج بعد غروب الشمس من اليوم الرابع، وكان ناوياً ذلك قبل الإقامة، فإنه يقصر حال إقامته لعدم وجوب عشرين صلاة، وكذا إذا دخل عند الزوال، وكان ينوي الارتحال بعد ثلاثة أيام، وبعض الرابع غير يوم الدخول، فإنه يقصر لعدم تمام الأيام الأربعة، ثم إن نية الإقامة إما أن تكون في ابتداء السير، وإما أن تكون في أثنائه، فإن كانت في ابتداء السير، فلا يخلو إما أن تكون المسافة بين محل النية، ومحل الإقامة مسافة قصر أو لا، فإن كانت مسافة قصر قصر الصلاة حتى يدخل محل الإقامة بالفعل، وإلا أتم من المسافة بينهما دون مسافة القصر على المعتمد؛ ولا يشترط في محل الإقامة المنوية أن يكون صالحاً للإقامة فيه، فلو نوى الإقامة المذكورة بمحل لا عمران به، فلا يقصر بمجرد دخوله على ما تقدم، ومثل نية الإقامة أن يعلم بالعادة أن مثله يقيم في جهة أربعة أيام فأكثر فإنه يتم، وإن لم ينو الإقامة، أما إن أراد أن يخالف العادة، ونوى أن لا يقيم فيها الأربعة أيام المعتادة، فإنه لا ينقطع حكم سفره، ويستثنى من نية الإقامة نية العسكر بمحل خوف، فإنها لا تقطع حكم السفر، أما إذا أقام بمحل في أثناء سفره بدون أن ينوي الإقامة به فإن إقامته به لا تمنع القصر ولو أقام مدة طويلة، بخلاف ما إذا أقام بدون نية في محل ينتهي إليه سفره، فإن هذه الإقامة تمنع من القصر، إذا علم أو ظن أنه يخرج منه قبل المدة القاطعة للسفر، ومن رجع بعد الشروع في السفر إلى المحل الذي سافر منه، سواء كان وطناً أو محل إقامة اعتبر الرجوع في حقه سفراً مستقلاً، فإن كان مسافة قصر قصر وإلا فلا، ولو لم يكن ناوياً الإقامة في ذلك المحل، وسواء كان رجوعه لحاجة نسيها أو لا. الشافعية قالوا: يمتنع القصر إذا نوى الإقامة أربعة أيام تامة غير يومي الدخول والخروج؛ فإذا نوى أقل من أربعة أيام أو لم ينو شيئاً، فله أن يقصر حتى يقيم أربعة أيام بالفعل. هذا إذا لم تكن له حاجة في البقاء، أما إذا كانت له حاجة، وجزم بأنها لا تقضي في أربعة أيام، فإن سفره ينتهي بمجرد المكث والاستقرار، سواء نوى الإقامة بعد الوصول له أولا، فإن توقع قضاءها من وقت لآخر بحيث لا يجزم بأنه يقيم أربعة أيام، فله القصر إلى ثمانية عشر يوماً (18) الحنفية قالوا: إذا عاد المسافر إلى المكان الذي خرج منه، فإن كان ذلك قبل أن يقطع مقدار مسافة القصر بطل سفره، وكذلك يبطل بمجرد نية العودة، وإن لم يعد، ويجب عليه في الحالتين إتمام الصلاة، أما إذا عاد بعد قطع مسافة القصر، فإنه لا يتم إلا إذا عاد بالفعل، فلا يبطل القصر بمجرد نية العودة، ولا بالشروع فيها، ثم إن الوطن عندهم ينقسم إلى قسمين: وطن أصلي، وهو الذي ولد فيه الإنسان، أو له فيه زوج في عصمته، أو قصد أن يرتزق فيه، وإن لم يولد به، ولم يكن له به زوج؛ ووطن إقامة، وهو المكان الصالح للإقامة فيه مدة خمسة عشر يوماً، فأكثر إذا نوى الإقامة، ثم إن الوطن الأصلي لا يبطل إلا بمثله، فإذا ولد شخص بأسيوط مثلاً كانت له وطناً أصلياً، فإن خرج منها إلى القاهرة، وتزوج بها أو مكث فيها بقصد الاستقرار والتعيش كانت له وطناً أصلياً كذلك، فإذا سافر من القاهرة إلى أسيوط التي ولد بها وجب عليه قصر الصلاة فيها ما لم ينو المدة التي تقطع القصر، لأن أسيوط، وإن كانت وطناً أصلياً له، إلا أنه بطل بمثله وهو القاهرة ولا يشترط في بطلان أحدهما بالآخر أن يكون بينهما مسافة القصر، فلو ولد في الواسطي مثلاً ثم انتقل إلى القاهرة قاصداً الاستقرار فيها، أو تزوج فيها ثم سافر إلى أسيوط، ومر في طريقه على الواسطي، أو دخل فيها، فإنه يقصر، لأنها - وإن كانت وطناً أصلياً - إلا أنه بطل بمثله، وهو القاهرة، وإن لم يكن بينهما مسافة القصر: فلا يبطل الوطن الأصلي بوطن الإقامة، فلو سافر من محل ولادته أو بلدة زوجه أو محل ارتزاقه إلى جهة ليست كذلك، وأقام بها خمسة عشر يوماً، ثم عاد إلى المحل الذي خرج منه، فإنه يجب عليه الإتمام وإن لم ينو الإقامة لأن وطن الإقامة لا يبطل الوطن الأصلي؛ أما وطن الإقامة فإنه يبطل بثلاثة أمور: أحدها: الوطن الأصلي، فإذا أقام شخص بمكة مثلاً خمسة عشر يوماً، ثم سافر منها إلى منى، فتزوج بها، ثم رجع إلى مكة، فإنه يتم الصلاة لبطلان وطن الإقامة، وهو مكة، بالوطن الأصلي، وهو منى، ثانيها: يبطل بمثله، فلو سافر مسافة قصر إلى مكان صالح للإقامة، وأقام به خمسة عشر يوماً ناوياً، ثم ارتحل عنه إلى مكان آخر وأقام به كذلك، ثم عاد إلى المكان الأول وجب عليه قصر الصلاة إن لم ينو الإقامة به خمسة عشر يوماً، لأن وطن الإقامة الأول بطل بوطن الإقامة الثاني، ولا يشترط في بطلان وطن الإقامة به خمسة عشر يوماً، لأن وطن الإقامة الأول بطل بوطن الإقامة الأصلي، ولا يشترط في بطلان وطن الإقامة بمثله أن يكون بينهما مسافة قصر، كما تقدم في الوطن الأصلي، ثالثها: إنشاء السفر من وطن الإقامة فلو أقام المسافر سفر قصر بمكان صالح خمسة عشر يوماً فأكثر، ثم نوى السفر بعد ذلك إلى مكان آخر بطل وطن الإقامة بإنشاء السفر منه، فلو عاد إليه ولو لحاجة لا يتم لبطلان كونه وطن إقامة له بإنشاء السفر منه، أما إنشاء السفر من غ يره، فإنه لا يبطله إلا بشرطين: أحدهما: أن لا يمر المسافر في طريقه على وطن إقامته، فإذا مر عليه لم يبطل كونه وطن إقامة، ثانيهما: أن يكون بين المكان الذي أنشأ منه السفر بين وطن الإقامة مسافة القصر، فلو كان أقل من ذلك لا يبطل كونه وطن إقامة، مثلاً إذا خرج تاجران، أحدهما من أسيوط، والآخر من جرحا، وأقام الأول بالقاهرة خمسة عشر يوماً ناوياً، وأقام الثاني بكفر الزيات كذلك، فصارت القاهرة وطن الإقامة للأول، وكفر الزيات وطن الإقامة للثاني، وبين القاهرة وكفر الزيات مسافة القصر، فإذا قام كل منهما إلى بنها، ففي هذه الحالة يتمان، لأن بين القاهرة وبنها دون مسافة القصر، وكذلك من كفر الزيات إلى بنها، فإذا أقاما ببنها خمسة عشر يوماً بطل وطن إقامة لهما، فإذا قاما من بنها إلى كفر الزيات بقصد إنشاء السفر من كفر الزيات إلى القاهرة؛ فأقاما بكفر الزيات يوماً، ثم قاما إلى القاهرة، فإنهما يتمان في كفر الزيات، لأن المسافة دون مسافة القصر، وكذلك يتمان في طريقهما إلى القاهرة إذا مرا على بنها، لأنه - وإن كان بين كفر الزيات وبين القاهرة مسافة قصر - إلا أنهما لمرورهما في سفرهما على بنها لم يبطل كونها وطن إقامة لهما، لأن وطن الإقامة لا يبطل بإنشاء السفر من غيره، وهو كفر الزيات ما دام المسافر يمر عليه، وما دامت المسافة بينه وبين المكان الذي أنشأ السفر منه دون مسافة القصر. المالكية قالوا: إذا سافر من بلدة قاصداً قطع مسافة القصر، ثم رجع إلى تلك البلدة، فتلك البلدة، إما أن تكون بلدته الأصلية، وهي التي نشأ فيها وإليها ينتسب، وإما أن تكون بلدة أخرى ويريد أن يقيم بها دائماً، وإما أن تكون محلاً أقام فيه المدة القاطعة لحكم السفر بنية، فإذا رجع إلى بلدته الأصلية، أو البلدة التي نوى الإقامة فيها على التأبيد، فإنه يتم بمجرد دخولها، ولو لم ينو بها الإقامة القاطعة، إلا إذا خرج منها أولاً رافضاً لسكناها، فإن دخوله فيها لا يمنع القصر إلا إذا نوى إقامة بها قاطعة، أو كان بها زوجة بنى بها، وإذا رجع إلى محل الإقامة فدخوله فيه لا يمنع القصر، إلا إذا نوى إقامة المدة المذكورة. هذا هو الحكم في حال وجوده بالبلدة التي خرج منها، وأما حال رجوعه وسيره إلى هذه البلدة فينظر للمسافة، فإن كانت مسافة الرجوع مسافة قصرٍ قصر، وإلا فلا، ومتى كانت مسافة الرجوع أقل من مسافة القصر فقد بطل السفر، وأتم الصلاة في حال رجوعه وحال وجوده بالبلدة مطلقاً، ولو كانت غير بلدته الأصلية، وغير محل الإقامة على التأبيد، وأما إذا كانت بلدته الأصلية أو البلدة التي نوى الإقامة فيها على الدوام في أثناء طريقه، ثم دخلها، فإن مجرد دخوله يقطع حكم السفر ومثل ذلك بلدة الزوجة التي بنى بها وكان غير ناشز، فمجرد دخولها يقطع حكم السفر أيضاً، فإن نوى في أثناء سيره دخول ما ذكر نظر إلى المسافة بين محل النية والبلدة المذكورة وهي بلدته الأصلية، أو بلدة الإقامة على الدوام، أو بلدة الزوجة، فإن كانت مسافة قصر قصر في حال سيره إليها، وإلا فلا، واعتمد بعضهم القصر مطلقاً، ومجرد المرور لا يمنع حكم القصر، كما أن دخول بلدة الزوجة التي لم يدخل لها أو كانت ناشزاً لا يمنعه. الشافعية قالوا: الوطن هو المحل الذي يقيم فيه المرء على الدوام صيفاً وشتاءً، وغيره ما ليس كذلك، فإذا رجع إلى وطنه بعد أن سافر منه انتهى سفره بمجرد وصوله إليه، سواء رجع إليه لحاجة أو لا، وسواء نوى إقامة أربعة أيام به أو لا، ويقصر في حال رجوعه حتى يصل، وإن رجع إلى غير وطنه فإما أن يكون رجوعه لغير حاجة، أو لا، فإن كان رجوعه لغير حاجة فلا ينتهي سفره إلا بنية إقامة المدة القاطعة قبل وصوله، أو نية الإقامة مطلقاً، بشرط أن ينوي وهو ماكث لا سائر، مستقل لا تابع، وحينئذ ينتهي سفره بمجرد الوصول؛ فإن لم ينو الإقامة المذكورة، فلا ينقطع حكم السفر إلا بأحد أمرين: إقامة المدة المذكورة بالفعل أو نيتها بعد الوصول، وإن كان رجوعه لحاجة، فإن جزم بأنها تقضى في أربعة أيام انقطع سفره بمجرد الاستقرار في البلدة والمكث فيها، وإن لم ينو الإقامة، أما إذا علم أنها تقضى فيها، فلا ينقطع سفره وله القصر ما دام في هذه البلدة. هذا إذا لم يتوقع قضاء الحاجة كل وقت، فإن توقع قضاءها كذلك فله القصر مدة ثمانية عشر يوماً كاملة، ومثل الرجوع إلى الوطن نيته، فينتهي السفر بمجرد النية، بشرط أن ينوي وهو ماكث غير سائر، وأما نية الرجوع إلى غير وطنه، فينتهي سفره بها إذا كان الرجوع لغير حاجة فإن كان الرجوع المنوي لحاجة فلا ينقطع سفره بذلك، ومثل نية الرجوع التردد فيه. الحنابلة قالوا: إذا رجع لوطنه الذي ابتدأ منه أولاً أو نوى الرجوع إليه، فإن كانت المسافة دون مسافة القصر وجب عليه الإتمام بمجرد ذلك حتى يفارق وطنه ثانياً أو يعدل عن نية الرجوع؛ ولا يلزمه إعادة ما قصره من الصلوات قبل أن يرجع أو ينوي الرجوع، ولا فرق في كل ذلك بين أن يكون رجوعه لحاجة أو للعدول عن السفر بالمرة، وإن كانت المسافة بين وطنه وبين المحل الذي نوى الرجوع فيه قدر مسافة القصر قصر في حال رجوعه؛ لأنه سفر طويل فيقصر فيه، وإذا مر المسافر بوطنه أتم، ولو لم يكن له به حاجة سوى المرور عليه لكونه طريقه، وكذا إذا مر ببلدة تزوج فيها، وإن لم تكن وطناً له، فإنه يتم حتى يفارق تلك البلدة |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 438 الى صــــــــ450 الحلقة (62) مباحث الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً يتعلق به أمور: أحدها: تعريفه، ثانيها: حكمه. ثالثها: شروطه وأسبابه. [تعريفه] هو أن يجمع المصلي بين الظهر والعصر تقديماً في وقت الظهر، بأن يصلي العصر مع الظهر قبل حلول وقت العصر، أو يجمع بينهما تأخيراً، بأن يؤخر الظهر حتى يخرج وقته، ويصليه مع العصر في وقت العصر، ومثل الظهر والعصر، المغرب والعشاء، فيجمع بينهما تقديماً وتأخيراً. أما الصبح فإنه لا يصح فيه الجمع على أي حال، ولا يجوز للمكلف أن يؤخر فرضاً عن وقته أو يقدمه بدون سبب من الأسباب التي سنذكرها، لأنه الله سبحانه قد أمرنا بأداء. الصلاة في أوقاتها المبينة في مبحث "أوقات الصلاة" حيث قال: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} ولكن الدين الإسلامي دين يسر فأباح الصلاة في غير أوقاتها عند وجود مشقة دفعاً للحرج. [حكمه وأسبابه] أما حكمه فهو الجواز؛ وأما أسبابه وشروطه، فإن فيها تفصيل المذاهب؛ فانظرها تحت الخط (1) . [مباحث قضاء الفوائت] يجب أداء الصلاة المفروضة في أوقاتها، فمن أخرها عن وقتها بغير عذر كان آثماً إثماً عظيماً، كما تقدمفي مبحث "أوقات الصلاة"، أما من أخرها لعذر فلا إثم عليه، وتارة يكون العذر مسقطاً للصلاة رأساً، وتارة يكون غير مسقط بحيث يجب على من فاتته صلاة لعذر أن يقتضيها عند زوال العذر، وإليك بيان الأعذار:الأعذار التي تسقط بها الصلاة رأساًتسقط الصلاة رأساً عن الحائض والنفساء، فلا يجب عليهما قضاء ما فاتهما أثناء الحيض والنفاس بعد زوالهما، وكذلك تسقط عن المجنون والمغمى عليه، والمرتد إذا رجع إلى الإسلام، فهو كالكافر الأصلي لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة، عند المالكية، والحنفية؛ أما الشافعية فقد خالفوا في المرتد، وقالوا: إن الصلاة لا تسقط عنه، وأما الحنابلة فقد خالفوا في الإغماء ونحوه، وقد ذكرنا تفصيل كل هذا في المذاهب تحت الخط (2) . [الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن وقتها] وأما الأعذار المبيحة لتأخير الصلاة عن أوقاتها فقطن فقد تقدم بعضها في مبحث "الجمع بين الصلاتين" وبقي منها النوم والنسيان. والغفلة عن دخول الوقت، ولو كان ناشئاً عن تقصير، خلافاً للشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . [مباحث قضاء الصلاة الفائتة] [حكمه] قضاء الصلاة المفروضة التي فاتت واجب على الفور، سواء فاتت بعذر غير مسقط لها، أو فاتت بغير عذر أصلاً، باتفاق ثلاثة من الأئمة (4) . ولا يجوز تأخير القضاء إلا لعذر، كالسعي لتحصيل الرزق وتحصيل العلم الواجب عليه وجوباً عينياً، وكالأكل والنوم، ولا يرتفع الإثم بمجرد القضاء، بل لا بد من التوبة، كما لا ترتفع الصلاة بالتوبة، بل لا بد من القضاء لأن من شروط التوبة الإقلاع عن الذنب، والتائب بدون قضاء غير مقلع عن ذنبه، ومما ينافي القضاء فوراً الاشتغال بصلاة النوافل على تفصيل في المذاهب (5) . [كيف تقضى الفائتة؟] من فاتته صلاة قضاها على الصفة التي فاتت عليها، فإن كان مسافراً سفر قصر وفاتته صلاة رباعية قضاها ركعتين ولو كان القضاء في الحضر، عند الحنفية، والمالكية؛ وخالف الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما، تحت الخط (6) ، وإن كان مقيماً وفاتته تلك الصلاة قضاها أربعاً، ولو كان القضاء في السفر، وإذا فاتته صلاة سرية، كالظهر مثلاً، فإنه يقرأ في قضائها سراً ولو كان القضاء ليلاً، وإذا فاتته جهرية كالمغرب مثلاً، فإنه يقرأ في قضائها جهراً ولو كان القضاء نهاراً، عند الحنفية، والمالكية؛ وخالف الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) . [مراعاة الترتيب في قضاء الفوائت] ينبغي مراعاة الترتيب في قضاء الفوائت بعضها مع بعض، فيقضي الصبح قبل الظهر؛ والظهر قبل قضاء العصر وهكذا؛ كما ينبغي مراعاة الترتيب بين الفوائت والحاضرة، وبين الحاضرتين كالصلاتين المجموعتين في وقت واحد، وفي ذلك تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط (8) .(1) المالكية قالوا: أسباب الجمع هي: السفر، والمرض، والمطر، والطين مع الظلمة في آخر الشهر، ووجود الحاج بعرفة أو مزدلفة: الأول: السفر، والمراد به مطلق السفر، سواء كان مسافة قصر أو لا، ويشترط أن يكون غير محرم ولا مكروه، فيجوز لمن يسافر سفراً مباحاً أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، بشرطين: أحدهما: أن تزول عليه الشمس حال نزوله بالمكان الذي ينزل فيه المسافر للاستراحة: ثانيهما: أن ينوي الارتحال قبل دخول وقت العصر والنزول للاستراحة مرة أخرى بعد غروب الشمس، فإن نوى النزول قبل اصفرار الشمس صلى الظهر قبل أن يرتحل، وأخر العصر وجوباً حتى ينزل، لأنه ينزل في وقتها الاختياري، فلا داعي لتقديمها، فإن قدمها مع الظهر صحت مع الإثم وندب إعادتها في وقتها الاختياري بعد نزوله، وإن نوى النزول بعد الاصفرار وقبل الغروب صلى الظهر قبل أن يرتحل وخير في العصر، فإن شاء قدمها، وإن شاء آخرها حتى ينزل، لأنها واقعة في الوقت الضروري على كل حال، لأنه إن قدمها صلاها في وقتها الضروري المقدم لأجل السفر، وإن أخرها صلاها في وقتها الضروري المشروع، وإن دخل وقت الظهر - وهو بزوال الشمس - وكان سائراً؛ فإن نوى النزول وقت اصفرار الشمس أو قبله جاز له تأخير الظهر حتى يجمعها مع العصر، ولا تأخير العصر حتى ينزل، لأنه يؤدي إلى إخراج كل من الصلاتين عن وقتها، وإنما يجمع بينهما جمعاً صورياً، فيوقع في جميع هذا التفصيل، ولكن مع ملاحظة أو أول وقت المغرب، وهو غروب الشمس ينزل منزلة الزوال بالنسبة للظهر، وأن ثلث الليل الأول ينزل منزلة اصفرار الشمس بعد العصر، وأن طلوع الفجر بمثابة غروب الشمس فيما تقدم، فإذا دخل وقت المغرب وهو نازل، فإن نوى الارتحال قبل دخول وقت العشاء والنزول بعد طلوع الفجر جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم قبل ارتحاله، وإن نوى النزول قبل الثلث الأول أخر العشاء حتى ينزل، وإن نوى النزول بعد الثلي الأول من الليل صلى المغرب قبل ارتحاله وخير في العشاء، وعلى هذا القياس، والجمع للسفر جائز بمعنى خلاف الأولى، فالأولى تركه، وإنما يجوز إذا كان مسافراً في البر، فإن كان مسافراً في البحر، فلا يجوز له؛ لأن رخصة الجمع إنما ثبتت في سفر البر لا غير، الثاني: المرض؛ فمن كان مريضاً يشق عليه القيام لكل صلاة أو الوضوء كذلك، كالمبطون يجوز له الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمعاً صورياً، بأن يصلي الظهر في آخر وقتها الاختياري، والعصر في أول وقتها الاختياري، ويصلي المغرب قبيل مغيب الشفق، والعشاء في أول مغيبه، وليس هذا جمعاً حقيقياً لوقوع كل صلاة في وقتها، وهو جائز من غير كراهة؛ وتحصل لصاحبه فضيلة أو الوقت بخلاف غير المعذور، فإنه - وإن جاز له هذا الجمع الصوري - ولكن تفوته فضيلة أول الوقت، وأما الصحيح إذا خاف حصول دوخة تمنعه من أداء الصلاة على وجهها، أو إغماء يمنعه من الصلاة عند دخول وقت الصلاة الثانية كالعصر بالنسبة للظهر؛ والعشاء بالنسبة للمغرب، فإنه يجوز له أن يقدم الصلاة الثانية كالعصر بالنسبة للظهر؛ والعشاء بالنسبة للمغرب، فإنه يجوز له أن يقدم الصلاة الثانية مع الأولى، فإن قدمها، ولم يقع ما خافه أعادها في الوقت، ولو الضروري استحباباً. الثالث؛ والرابع: المطر والطين مع الظلمة إذا وجد مطر غزير يحمل أواسط الناس على تغطية رؤوسهم أو وحل كبير، وهو ما يحمل أواسط الناس على خلع الحذاء مع الظلمة، جاز جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم محافظة على صلاة العشاء في جماعة من غير مشقة، فيذهب إلى المسجد عند وقت المغرب، ويصليهما دفعة واحدة، وهذا الجمع جائز بمعنى خلاف الأولى، وهو خاص بالمسجد، فلا يجوز بالمنازل، وصفة هذا الجمع أن يؤذن للمغرب أولاً بصوت مرتفع كالعادة، ثم يؤخر صلاة المغرب ندباً بعد الأذان بقدر ثلاث ركعات، ثم يصلي المغرب، ثم يؤذن للعشاء ندباً في المسجد لا على المنارة لئلا يظن دخول وقت العشاء المعتاد، ويكون الأذان بصوت منخفض، ثم يصلي العشاء، ولا يفصل بينهما بنفل، وكذا يكره التنفل بين كل صلاتين مجموعتين، فإن تنفل فلا يمتنع الجمع، وكذا لا يتنفل بعد العشاء في جمع المطر ويؤخر صلاة الوتر حتى يغيب الشفق، لأنها تصح إلا بعده، ولا يجوز الجمع للمنفرد في المسجد إلا أن يكون إماماً راتباً له منزل ينصرف إليه، فإنه يجمع وحده ينوي الجمع والإمامة، لأنه منزل منزلة الجماعة، ومن كان معتكفاً بالمسجد جاز له إن انقطع قبل الشروع؛ الخامس: الوجود بعرفة، فيسن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بعرفة، سواء كان من أهلها، أو من أهل غيرها من أماكن النسك، كمنى ومزدلفة، أو كان من أهل الآفاق، ويقصر من لم يكن من أهل عرفة للسنة، وإن لم تكن المسافة مسافة قصر؛ السادس: الوجود بمزدلفة، فيسن للحاج بعد أن يدفع من عرفة أن يؤخر المغرب حتى يصل إلى المزدلفة فيصليها مع العشاء مجموعة جمع تأخير، وإنما يسن الجمع لمن وقف مع الإمام بعرفة وإلا صلى كل صلاة في وقتها، ويسن قصر العشاء لغير أهل المزدلفة؛ لأن القاعدة أن الجمع سنة لكل حاج، والقصر خاص بغير أهل المكان الذي فيه، وهو عرفة ومزدلفة. الشافعية قالوا: يجوز الجمع بين الصلاتين المذكورتين جمع تقديم أو تأخير للمسافر مسافة القصر المتقدمة بشروط السفر، ويجوز جمعها جمع تقديم فقط بسبب نزول المطر، ويشترط في جميع التقديم ستة شروط: الأول: الترتيب بأن يبدأ بصاحبة الوقت، فلو كان في وقت الظهر وأراد أن يصلي معه العصر في وقته يلزمه أن يبدأ بالظهر، فلو عكس صحت صلاة الظهر، وهي صاحبة الوقت، وأما التي بدأ بها وهي العصر، فلم تنعقد لا فرضاً ولا نفلاً إن لم يكن عليه فرض من نوعها، وإلا وقعت بدلاً منه، وإن كان ناسياً أو جاهلاً وقعت نفلاً: الثاني: نية الجمع في الأولى بأن ينوي بقلبه فعل العصر بعد الفراغ من صلاة الظهر، ويشترط في النية أن تكون في الصلاة الأولى ولو مع السلام منها، فلا تكفي قبل التكبير، ولا بعد السلام؛ الثالث: الموالاة بين الصلاتين، بحيث لا يطول الفصل بينهما بما يسع ركعتين بأخف ما يمكن فلا يصلي بينهما النافلة الراتبة، ويجوز الفصل بينهما بالأذان والإقامة والطهارة، فلو صلى الظهر وهو متيمم ثم أراد أن يجمع معه العصر، فلا يضره أن يفصل بالتيمم الثاني للعصر، إذا لا يجوز أن يجمع بين صلاتين بالتيمم، كما تقدم؛ الرابع: دوام السفر إلى أن يشرع في الصلاة الثانية بتكبيرة الإحرام، ولو انقطع سفره بعد ذلك أثناءها، أما إذا انقطع سفره قبل الشروع فيها فلا يصح الجمع لزوال السبب؛ الخامس: بقاء وقت الصلاة الأولى جمعة في مكان تعددت فيه لغير حاجة وشك في السبق والمعية لا يصح جمع العصر معها جمع تقديم. هذا، والأولى ترك الجمع لأنه مختلف في جوازه في المذاهب، لكن يسن الجمع إذا كان الحاج مسافراً وكان بعرفة أو مزدلفة، فالأفضل للأول جمع العصر مع الظهر تقديماً، وللثاني جمع المغرب مع العشاء تأخيراً، لاتفاق المذاهب على جواز الجمع فيهما. واعلم أن الجمع قد يكون أيضاً واجباً ومندوباً، فيجب إذا ضاق وقت الأولى عن الطهارة والصلاة أن يجمع تأخيراً، ويندب للحاج المسافر على ما سبق بيانه، كما يندب إذا ترتب على الجمع كمال الصلاة، كأن يصليها جماعة عند الجمع بدل صلاتها منفرداً عند عدمه، ويشترط لجمع الصلاة جمع تأخير في السفر شرطان: الأول نية التأخير في وقت الأولى ما دام الباقي منه يسع الصلاة تامة أو مقصورة، فإن لم ينو التأخير أو نواه والباقي من الوقت لا يسعها فقد عصى، وكانت قضاء إن لم يدرك منها ركعة في الوقت، وإلا كانت أداء مع الحرمة، الثاني: دوام السفر إلى تمام الصلاتين، فلو أقام قبل ذلك صارت الصلاة التي نوى تأخيرها قضاء؛ أما الترتيب والموالاة بين الصلاتين في جمع التأخير فهو مسنون، وليس بشرط، ويجوز للمقيم أن يجمع في السفر ولو عصراً مع الجمعة تقديماً في وقت الأولى بسبب المطر، ولو كان المطر قليلاً بحيث يبل أعلى الثوب: أو أسفل النعل، ومثل المطر الثلج والبرد الذائبان، ولكن لا يجمع المقيم هذا الجمع إلا بشروط: الأول: أن يكون المطر ونحوه موجوداً عند تكبيرة الإحرام فيهما، وعند السلام من الصلاة الأولى حتى تتصل بأول الثانية: ولا يضر القطاع المطر في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدهما، الثاني: الترتيب بين الصلاتين؛ الثالث: الموالاة بينهما؛ الرابع: نية الجمع كما تقدم في "جمع السفر"، الخامس: أن يصلي الثانية جماعة، ولو عند إحرامها: ولا يشترط وجود الجماعة إلى آخر الصلاة الثانية على الراجح، ولو انفرد قبل تمام ركعتها الأولى، السادس: أن ينوي الإمام الإمامة والجماعة؛ والسابع: أن يكون الجمع في مصلى بعيد عرفاً بحيث يأتونه بمشقة في طريقهم إليه، ويستثنى من ذلك الإمام الراتب، فله أن يجمع بالمأمومين بهذا السبب وإن لم يتأذ بالمطر، فإذا تخلف شرط من ذلك، فلا يجوز الجمع للمقيم، وليس من الأسباب التي تبيح للمقيم هذا الجمع الظلمة الشديدة والريح والخوف والوحل والمرض على المشهور، ورجح جواز الجمع تقديماً وتأخيراً للمرض. الحنفية قالوا: لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت واحد لا في الحضر بأي عذر من الأعذار إلا في حالتين: الأولى: يجوز جمع الظهر والعصر في وقت الظهر جمع تقديم بشروط أربعة: الأول: أن يكون ذلك يوم عرفة؛ الثاني: أن يكون محرماً بالحج؛ الثالث: أن يصلي خلف إمام المسلمين أو من ينوب عنه؛ الرابع: أن تبقى صلاة الظهر صحيحة، فإن ظهر فسادها وجبت إعادتها، ولا يجوز له في هذه الحالة أن يجمع معها العصر، بل يجب أن يصلي العصر إذا دخل وقته؛ الثانية: يجوز جمع المغرب والعشاء في وقت العشاء جمع تأخير، بشرطين: الأول: أن يكون ذلك بالمزدلفة؛ الثاني: أن يكون محرماً بالحج، وكل صلاتين جمعتا لا يؤذن لهما إلا أذان واحد، وإن كان لكل منهما إقامة خاصة، قال عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها، إلا صلاتين: جمع بين الظهر والعصر بعفرة، وبين المغرب والعشاء بجمع - أي بالمزدلفة - رواه الشيخان. الحنابلة قالوا: الجمع المذكور بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً مباح وتركه أفضل، وإنما يسن الجمع بين الظهر والعصر تقديماً بعرفة، وبين المغرب والعشاء تأخيراً بالمزدلفة، ويشترط في غباحة الجمع أن يكون المصلي مسافراً سفراً تقصر فيه الصلاة، أو يكون مريضاً تلحقه مشقة بترك الجمع، أو تكون امرأة مرضعة أو مستحاضة، فإنه يجوز لها الجمع دفعاً لمشقة الطهارة عند كل صلاة، ومثل المستحاضة المعذور كمن به سلس بول، وكذا يباح الجمع المذكور للعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة، وللعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى والساكن تحت الأرض وكذا يباح الجمع لمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه، ولمن يخاف ضرراً يلحقه بتركه في معيشته؛ وفي ذلك سعة للعمال الذين يستحيل عليهم ترك أعمالهم. وهذه الأمور كلها تبيح الجمع بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة بسبب الثلج والبرد والجليد والوحل والريح الشديدة الباردة والمطر الذي يبل الثوب، ويترتب عليه حصول مشقة، لا فرق في ذلك بين أن يصلي بداره أو بالمسجد، ولو كان طريقه مسقوفاً، والأفضل أن يختار في الجمع ما هو أهون عليه من التقديم أو التأخير، فإن استوى الأمران عنده فجمع التأخير أفضل ويشترط لصحة الجمع تقديماً وتأخيراً أن يراعي الترتيب بين الصلوات، ولا يسقط هنا بالنسيان؛ كما يسقط في قضاء الفوائت الآتي بعد؛ ويشترط لصحة جمع التقدم فقط أربعة شروط: الأول أن ينوي الجمع عند تكبيرة الإحرام في الصلاة الأولى؛ الثاني: أن لا يفصل بين الصلاتين إلا بقدر الإقامة والوضوء الخفيف، فلو صلى بينهما نافلة راتبة لم يصح الجمع؛ الثالث: وجود العذر المبيح للجمع عند افتتاحهما، وعند سلام الأولى؛ الرابع: أن يستمر العذر إلى فراغ الثانية؛ ويشترط لجمع التأخير فقط شرطان: الأول: نية الجمع في وقت الصلاة الأولى، إلا إذا ضاق وقتها عن فعلها، فلا يجوز أن يجمعها مع الثانية حينئذ؛ الثاني: بقاء العذر المبيح للجمع من حين نية الجمع وقت الصلاة الأولى إلى دخول وقت الثانية يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
(2) الحنفية قالوا: تسقط الصلاة رأساً عن المغمى عليه والمجنون بشرطين: الأول: أن يستمر الإغماء والجنون أكثر من خمس صلوات، أما إن استمر ذلك خمس صلوات فأقل، ثم أفاق وجب عليه قضاء ما فاته؛ الثاني: أن لا يفيق مدة الجنون أو الإغماء إفاقة منتظمة بأن لا يفيق أصلاً أو يفيق إفاقة متقطعة، فإذا أفاق إفاقة منتظمة في وقت معلوم، كوقت الصبح مثلاً، فإن إفاقته هذه تقطع المدة، ويطالب بالقضاء، ومن استتر عقله بدواء مباح كالبنج إذا استعمله بقصد التداوي لا بقصد السكر، فإنه يجب عليه القضاء على الراجح، وإذا طرأ عذر من الأعذار المسقطة للصلاة في آخر وقتها بحيث لم يبق من الوقت إلا ما يسع التحريمة، فلا يجب قضاء تلك الصلاة بعد زوال العذر، أما إذا زال العذر وقد بقي من الوقت ما يسع التحريمة، فإنه يجب عليه قضاء ذلك الفرض، إلا أن الحائض والنفساء إذا زال عذرهما بانقطاع الحيض والنفاس، فإن كان ذلك الانقطاع لأكثر المدة المحددة لكل منهما وجب عليهما قضاء الفرض إن بقي من الوقت ما يسع التحريمة فقط، كغيرهما، وإن كان الانقطاع لأقل المدة لا يجب عليهما القضاء إلا إذا بقي من الوقت ما يسع الغسل والتحريمة. المالكية: زادوا على الأعذار المذكورة: السكر بالحلال، كأن شرب لبناً حامضاً وهو يعتقد أنه لا يسكر فسكر منه؛ وأما السكر بحرام فإنه لا يسقط القضاء، ولا ينتفي معه إثم تأخير الصلاة، ثم إن هذه الأعذار لها ثلاث حالات: الأولى: أن تستغرق جميع وقت الصلاة الاختياري والضروري، كأن يحصل الإغماء مثلاً من زوالالشمس إلى غروبها، وفي هذه الحالة تسقط الصلاة ولا يجب قضاؤها بعد الإقامة، الثانية: أن يطرأ العذر في أثناء الوقت، فإن طرأ وقد بقي ما يسع الصلاتين - الظهر والعصر مثلاً - ففي هذه الحالة تسقط الصلاتان معاً، وأن طرأ وقد بقي من الوقت ما يسع الصلاة الأخيرة فقط أو جزء منها أقله ركعة كاملة بسجدتيها سقطت الأخيرة وبقيت الأولى في ذمته يجب عليه قضاؤها بعد زوال العذر "ومقدار الزمن الذي يسع الصلاتين، وهو ما يسع خمس ركعات حضراً وثلاثاً سفراً بالنسبة للظهر والعصر، وما يسع أربع ركعات حضراً وسفراً بالنسبة للمغرب والعشاء، لأنه يعتبر للمغرب ثلاث ركعات ولو في السفر نظراً لكونها لا تقصر ويعتبر للعشاء ركعة واحدة، لأن الوقت يدرك بها، أما إن طرأ العذر، وقد بقي من الوقت أقل مما ذكر، فإن الوقت يختص بالصلاة الأخيرة، فيعتبر أن العذر طرأ في وقتها فقطن فتسقط دون الأولى، الثالثة، أن يرتفع العذر في آخر الوقت بعد وجوده، وفي هذه الحالة يسقط عن الشخص ما استغرق العذر، وقد بقي من الوقت بعد وجوده، وفي هذه الحالة يسقط عن الشخص ما استغرق العذر وقته من الصلوات السابقة، أما الصلاة التي ارتفع العذر في آخر وقتها فحكمها أنه إن ارتفع العذر، وقد بقي من الوقت زمن يسع الصلاتين بعد الطهارة وجب عليه قضاؤهما، وإن ارتفع وقد بقي منه ما يسع الصلاة الأخيرة فقط أو ركعة منها، كما تقدم، بعد الطهارة وجب عليه قضاءها وتسقط عنه الأولى لخروج وقتها حال وجود العذر، لأن الوقت إذا ضاق اختص بالأخيرة. ويتضح من هذا أن الطهارة تقدر في جانب إدراك الصلاة حين زوال العذر، ولا تعتبر في جانب السقوط عند طروه فمن زال عذره، وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة من الصلاة بعد الطهارة وجبت، وإلا فلا، ومن طرأ عذره وقد بقي من الوقت ما يسع إدراك الصلاة ولو بدون الطهارة سقطت عنه الصلاة فلا يقضيها بعد زوال العذر، وكل ما تقدم من الأحكام إنما هو بالنسبة لمشتركي الوقت (الظهر والعصر والمغرب والعشاء) أما الصبح فإن زال العذر وقد بقي من وقتها الضروري ما يسع ركعة بعد الطهارة وجبت وإلا فلا، لأن الوقت لا يدرك إلا بركعة كاملة، كما تقدم، ويلاحظ في هذه الركعة أن يقرأ فيها الفاتحة قراءة معتدلة، وأن يطمئن ويعتدل فيها، ولا يلاحظ الإتيان بالسنن كالسورة، وإن طرأ العذر وقد بقي من وقت الصبح ما يسع ركعة ولو بدون طهارة سقطت وإلا وجب قضاؤها بعد زوال العذر لخروج وقتها قبل طروّه حكماً. الحنابلة قالوا: إذا طرأ عذر من هذه الأعذار بعد أن مضى من أول الوقت زمن يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة بعد زوال العذر، وإن ارتفعت وقد بقي من الوقت ما يسع ذلك وجبت الصلاة التي ارتفع العذر في وقتها والصلاة التي تجمع معها، كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، مثلاً إذا استمر الجنون وقتاً كاملاً، فلا يجب قضاء الصلاة؛ أما إذا طرأ بعد أن مضى من أول الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام فإن الصلاة يجب قضاؤها، فإذا ارتفع الجنون قبل خروج الوقت بزمن يسع تكبيرة الإحرام وجب قضاء الصلاة التي ارتفع فيها والتي قبلها إن كانت تجمع معها، ومثل المجنون في ذلك الصبي إذا بلغ وقد بقي من الوقت ما يسع تكبيرة الإحرام، وقالوا: من استتر عقله بسكر محرم، أو حلال، أو دواء مباح، أو بمرض غير الجنون؛ فإنه يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة. الشافعية قالوا: إن استمر الجنون وقتاً كاملاً، فلا يجب على المجنون قضاء الصلاة إن كان جنونه بلا تعد منه، وإلا وجب القضاء، ومثل المجنون في ذلك السكران غير المتعدي والمغمى عليه؛ أما إذا طرأ الجنون ونحوه، كالحيض بعد أن مضى من أول الوقت ما يسع الصلاة وطهرها بأسرع ما يمكن، فإنه يجب قضاء الصلاة، وإذا ارتفع العذر وكان الباقي من الوقت قدر تكبيرة الإحرام فأكثر وجب قضاء تلك الصلاة مع ما قبلها إن كانت تجمع معها، كالظهر مع العصر، بشرط أن يستمر ارتفاع العذر زمناً متصلاً يسع الطهر والصلاتين زيادة على ما يسع الصلاة المؤداة وطهرها. هذا إذا كان الطهر بالوضوء، فإن كان بالتيمم فيشترط أن يسع قدر طهرين وصلاتين، فإن لم يسع إلا طهراً واحداً وصلاة واحدة لم تجب ما قبلها، وقالوا: إن المرتد لا تسقط عنه الصلاة زمن ردته، فإذا عاد إلى الإسلام وجب عليه قضاء ما فاته منها (3) الشافعية قالوا: إنما يكون النسيان عذراً رافعاً لإثم التأخير إذا لم يكن ناشئاً عن تقصير، فإذا نسي الصلاة لاشتغاله بلعب (النرد أو المنقلة) أو نحو ذلك فإنه لا يكون معذوراً بذلك النسيان، ويأثم بتأخيرها عن وقتها (4) الشافعية قالوا: إن كان التأخير بغير عذر وجب القضاء على الفور، وإن كان بعذر وجب على التراخي: ويستثنى من القسم الأول أمور لا يجب فيها القضاء على الفور: منها تذكر الفائتة وقت خطبة الجمعة، فإنه يجب تأخيرها حتى يصلي الجمعة، ومنها ضيق وقت الحاضرة عن أن يسع الفائتة الت فاتت بغير عذر وركعة من الحاضرة، ففي هذه الحالة يجب عليه تقديم الحاضرة لئلا يخرج وقتها؛ ومنها لو تذكر فائتة بعد شروعه في الصلاة الحاضرة فإنه يتمها، سواء ضاق الوقت أو اتسع (5) الحنفية قالوا: الاشتغال بصلاة النوافل لا ينافي القضاء فوراً، وإنما الأولى أن يشتغل بقضاء الفوائت ويترك النوافل إلا السنن الرواتب، وصلاة الضحى، وصلاة التسبيح، وتحية المسجد، والأربع قبل الظهر، والست بعد المغرب. المالكية قالوا: يحرم على من عليه فوائت أن يصلي شيئاً من النوافل إلا فجر يومه والشفع والوتر إلا السنة كصلاة العيد، فإذا صلى نافلة غير هذه كالتراويح كان مأجوراً من جهة كون الصلاة في نفسها طاعة، وآثماً من جهة تأخير القضاء؛ ورخصوا في يسير النوافل كتحية المسجد، والسنن الرواتب. الشافعية قالوا: يحرم على من عليه فوائت يجب عليه قضاؤها فوراً، وقد تقدم ما يجب فيه الفور - أن يشتغل بصلاة التطوع مطلقاً، سواء كانت راتبة أو غيرها حتى تبرأ ذمته من الفوائت. الحنابلة قالوا: يحرم على من عليه فوائت أن يصلي النفل المطلق، فلو صلاه لا ينعقد؛ وأما النفل المقيد كالسنن الرواتب والوتر، فيجوز له أن يصليه في هذه الحالة، ولكن الأولى له تركه إن كانت الفوائت كبيرة؛ ويستثنى من ذلك سنة الفجر؛ فإنه يطلب قضاؤها ولو كثرت الفوائت لتأكدها وحث الشارع عليها (6) الحنابلة، والشافعية قالوا: إن كان مسافراً وفاتته صلاة رباعية قضاها ركعتين إن كان القضاء في السفر؛ أما إن كان في الحضر فيجب قضاؤها أربعاً، لأن الأصل الإتمام، فيجب الرجوع إليه في الحضر (7) الشافعية قالوا: العبرة بوقت القضاء سراً أو جهراً، فمن صلى الظهر قضاء ليلاً جهر، ومن صلى المغرب قضاء نهاراً أسر. الحنابلة قالوا: إذا كان القضاء نهاراً فإنه يسر مطلقاً، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية، وسواء أكان إماماً أو منفرداً؛ وإن كان القضاء ليلاً فإنه يجهر في الجهرية إذا كان إماماً لشبه القضاء الأداء في هذه الحالة، أما إذا كانت سرية فإنه يسر مطلقاً، وكذا إذا كانت جهرية وهو يصلي منفرداً فإنه يسر (8) الحنفية قالوا: الترتيب بين الفوائت بعضها مع بعض وبين الفائتة والوقتية لازم، فلا يجوز أداء الوقتية قبل قضاء الفائتة، ولا قضاء فائتة الظهر قبل قضاء فائتة الصبح مثلاً، وكذلك الترتيب بين الفرائض والوتر، فلا يجوز أداء الصبح قبل قضاء فائتة الصبح مثلاً، وكذلك الترتيب بين الفرائض والوتر، فلا يجوز أداء الصبح قبل قضاء فائتة الوتر؛ كما لا يجوز أداء الوتر قبل أداء العشاء، وإنما يجب الترتيب إذا لم تبلغ الفوائت ستاً غير الوتر، فلو كانت عليه فوائت أقل من ست صلوات وأراد قضاءها يلزمه أن يقضيها مرتبة، فيصلي الصبح قبل الظهر، والظهر قبل العصر، وهكذا، فلو صلى الظهر قبل الصبح فسدت صلاة الظهر ووجبت عليه إعادتها بعد قضاء فائتة الصبح، وكذا إذا صلى العصر قبل الظهر، وهلم جراً؛ أما إذا بلغت الفوائت ستاً غير الوتر، فإنه يسقط عنه حينئذ الترتيب، كما سنذكره، وكذا لو كان عليه فوائت أقل من ست وأراد قضاءها والخامسة، ومتى خرج وقت الخامسة ولم يقض الفائتة الأولى صحت الصلوات التي صلاها جميعاً وعليه أن يقضي الفائتة فقط، لأنها صارت كالفوائت يسقط بها الترتيب؛ لأن مراعاة الترتيب بين الفائتة والوقتية كما يسقط بكثرة الفوائت يسقط بكثرة المؤدى، أما إذا قضى الفائتة قبل خروج وقت الخامسة انقلبت الصلوات التي صلاها كلها نفلاً ولزمه قضاؤها، فلو فاتته صلاة الصبح ثم صلى الظهر بعدها وهو ذاكر فسدت صلاة الظهر فساداً موقوفاً، فلو صلى العصر قبل قضاء الصبح وقعت صلاة العصر اليوم الأول قبل ذلك فسدت فرضية كل ما صلاه، وانقلب نفلاً ولزمه إعادته، وإلا صح كل ما صلاه ولزمه فقط إعادة الفائتة التي عليه وحدها، ومن تذكر فائتة أو أكثر في أثناء أداء صلاته انقلبت صلاته نفلاً وأتمها ركعتين ثم يقضي ما فاته مراعياً الترتيب بين الفوائت، وبينها وبين الوقتية، أما إذا تذكر صلاة الصبح وهو يصلي الجمعة، فإن لم يخف فوت وقت الجمعة أتى بصلاة الفائتة ثم صلى الوقتية جمعة أو ظهراً، وإن خاف فوت وقت الجمعة أتمها ثم أتى بالفائتة، ويسقط الترتيب بثلاثة أمور: الأول: أن تصير الفوائت ستاً، كما ذكر ولا يدخل الوتر في العدد المذكور، الثاني: ضيق الوقت عن أن يسع الوقتية الفائتة، الثالث: نسيان الفائتة وقت الأداء، لأن الظهر إنما يجيء من حلول وقتها قبل الوقتية، والفائتة عند نسيانها لم يوجد وقتها لعدم تذكرها، فلا تزاحم الوقتية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه". المالكية قالوا: يجب ترتيب الفوائت في نفسها، سواء كانت قليلة أو كثيرة بشرطين: أن يكون متذكراً للسابقة، وأن يكون قادراً على الترتيب، بأن لا يكره على عدمه وهذا الوجوب غير شرطي، فلو خالفه لا تبطل المقدمة على محلها، ولكنه يأثم ولا إعادة عليه للصلاة المقدمة لخروج وقتها بمجرد فعلها: ويجب أيضاً بالشرطين السابقين ترتيب الفوائت اليسيرة مع الصلاة الحاضرة، والفوائت اليسيرة ما كان عددها خمساً فأقل، فيصليها قبل الحاضرة، ولو ضاق وقتها فإن قدم الحاضرة عمداً صحت مع الإثم، ويندب له إعادتها بعد قضاء الفوائت إذا كان وقتها باقياً ولو الوقت الضروري، وقد تقدم بيانه في مبحث "أوقات الصلاة"، أما إن قدمها ناسياً أن عليه فوائت، ولم يتذكر حتى فرغ منها، فإنها تصخ ولا إثم، وأعاد الحاضرة ندباً، كما تقدم، وأما لو تذكر الفوائت اليسيرة في أثناء المحاضرة، فإن كان تذكره قبل تمام ركعة منها بسجدتيها قطعها وجوباً ورجع للفوائت، سواء كان منفرداً أو إماماً، ويقطع مأمومه تبعاً له، فإن كان مأموماً وتذكر في الحاضرة أن عليه فوائت يسيرة فلا تقطع صلاته نظراً لححق الإمام، وندب له أن يعيدها بعد قضاء الفوائت إن كان وقتها باقيا، ولو الضروري؛ وإن كان التذكر بعد تمام ركعة بسجدتيها ضم إليها ركعة أخرى ندباً وجعلها نافلة وسلم ورجع للفوائت، وإن كان التذكر بعد صلاة ركعتين من الثنائية أو الثلاثية أو بعد ثلاث من الرباعية أتمها ثم يصلي الفوائت ثم يعيد الحاضرة ندباً في الوقت إن كان باقياً، وإذا تذكر يسير الفوائت وهو في نفل أتمه مطلقاً، إلا إذا خاف خروج وقت حاضرة لم يكن صلاها ولم يعقد من النفل ركعة، فيقطعه حينئذ؛ وأما إذا كانت الفوائت أكثر من خمس فلا يجب تقديمها على الحاضرة، بل يندب تقديم الحاضرة عليها إن اتسع وقتها، فإن ضاق قدمها وجوباً، ويجب وجوباً شرطياً ترتيب الحاضرتين المشتركتي الوقت، وهما الظهر والعصر والمغرب والعشاء، سواء كانتا مجموعتين أولا، بأن يصلي الظهر قبل العصر، والمغرب قبل العشاء فإن خالف بطلت المقدمة على محلها، إلا إذا أكره على التقديم، أو كان التقديم نسياناً، فإنها تصح إن لم يتذكر الأولى حتى فرغ من الثانية، وأعادها ندباً بعد أن يصلي الأولى إن كان الوقت باقياً ولو الضروري؛ أما إذا تذكر الأولى في أثناء الثانية، فحكمه حكم من تذكر يسير الفوائت في الصلاة الحاضرة على المعتمد، فيقطع إن عقد ركعة، ويندب له أن يضم إليها أخرى، ويجعلها نفلاً إن عقدها، إلى آخر ما تقدم تفصيله. الحنابلة قالوا: ترتيب الفوائت في نفسها واجب، سواء كانت قليلة أو كثيرة، فإذا خالف الترتيب، كأن صلى العصر الفائتة قل الظهر الفائتة لم تصح المتقدمة على محلها، كالعصر في المثال السابق إن خالف وهو متذكر للسابقة، فإن كان ناسياً أن عليه الأولى فصلى الثانية ولم يتذكر الأولى حتى فرغ منها صحت الثانية؛ أما إذا تذكر الأولى في أثناء الثانية كانت الثانية باطلة. وترتيب الفوائت مع الصلاة الحاضرة واجب إلا إذا خاف فوات وقت الحاضرة ولو الاختياري، فيجب تقديمها على الفوائت، وتكون صحيحة، كما تصح إذا قدمها على الفوائت ناسياً أن عليه فوائت ولم يتذكر حتى فرغ من الحاضرة؛ وترتيب الصلاتين الحاضرتين واجب أيضاً بشرط التذكر للأولى على ما تقدم من التفصيل بتمامه، فإذا كان مسافراً، وأراد أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر مثلاً وجب عليه أن يقدم الظهر على العصر، فإذا خالف وكان متذكراً للظهر ولو في اثناء العصر بطلت، وإن استمر ناسياً للظهر حتى فرغ من صلاة العصر صحت، ولا يسقط الترتيب بجهل وجوبه، ولا بخوف فوت الجماعة، فمن فاتته صلاة الصبح وصلاة العصر فصلى الظهر قبل الصبح جاهلاً وجوب الترتيب بينهما ثم صلى العصر في وقتها صحت صلاة العصر، لاعتقاده عدم وجوب الترتيب بينهما ثم صلى العصر في وقتها صحت صلاة العصر، لاعتقاده عدم وجوب الترتيب بينهما ثم صلى العصر في وقتها صحت صلاة العصر، لاعتقاده عدم وجوب صلاة عليه حال صلاة العصر، ويجب عليه إعادة الظهر. الشافعية قالوا: ترتيب الفوائت في نفسها سنة، سواء كانت قليلة أو كثيرة، فلو قدم بعضها على بعض صح المقدم على محله، وخالف الستة، والأولى إعادته، فمن صلى العصر قبل الظهر أو صلى ظهر الخميس القضاء قبل ظهر يوم الأربعاء الذي قبله صح، وترتيب الفوائت مع الحاضرة سنة أيضاً بشرطين: الأول: أن لا يخشى فوات الحاضرة - وفواتها يكون بعدم إدراك ركعة منها في الوقت؛ الثاني: أن يكون متذكراً للفوائت قبل الشروع في الحاضرة، فإن لم يتذكرها حتى شرع فيها أتمها، ولا يقطعها للفوائت، ولو كان وقتها متسعاً؛ وإذا شرع في الفائتة قبل الحاضرة معتقداً سعة الوقت، فظهر له بعد الشروع فيها أنه لو أتم الفائتة خرج وقت الحاضرة فإما أن يقطعها، وإما أن يقلبها نفلاً، ويسلم ليدرك الحاضرة في الصلاتين، وهو الأفضل، وترتيب الحاضرتين المجموعتين تقديماً واجب، وفي المجموعتين تأخيراً سنة، كما تقدم |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 450 الى صــــــــ462 الحلقة (63) [إذا كان على المكلف فوائت لا يدري عددها] من عليه فوائت لا يدري عددها يجب عليه أن يقضي حتى يتيقن براءة ذمته، عند الشافعية، والحنابلة؛ وقال المالكية، والحنفية: يكفي أن يغلب على ظنه براءة ذمته، ولا يلزم عند القضاء تعيين الزمن، بل يكفي تعيين المنوي كالظهر أو العصر مثلاً، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) . [هل تقضى الفائتة في وقت النهي عن النافلة؟] تقضي الفائتة في جميع الأوقات ولو في وقت النهي عن صلاة النافلة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) . [مباحث صلاة المريض] [كيف يصلي] من كان مريضاً لا يستطيع أن يصلي الصلاة المفروضة قائماً صلى قاعداً، فإذا أمكنه القيام ولكن يلزم من قيامه حدوث مرض آخر أو زيادة مرضه أو تأخر شفائه فله أن يصلي قاعداً أيضاً، وإذا كان مرضه سلس البول مثلاً، وعلم أنه لو صلى قائماً نزل منه البول، وإن صلى قاعداً بقي على طهارته، فإنه يصلي أيضاً قاعداً، وكذلك الصحيح الذي علم بتجربة أو غيرها أنه إذا صلى نائماً أصابه إغماء أو دوار في رأسه، فإنه يصلي من جلوس، ويجب إتمام الصلاة بركوع وسجود في جميع ما تقدم، وإذا عجز عن القيام استقلالاً، ولكنه يقدر عليه مستنداً على حائط أو عصا، أو نحو ذلك تعين عليه القيام مستنداً، ولا يجوز له الجلوس، باتفاق الحنفية، والحنابلة؛ وخالف المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) . وإذا قدر على بعض القيام، ولو بقدر تكبيرة الإحرام تعين عليه أن يقوم بالقدر المستطاع، ثم يصلي من جلوس بعد ذلك؛ والصلاة من جلوس تكون بدون استناد إلى شيء حال الجلوس متى قدر، فإن لم يقدر على الجلوس إلا مستنداً تعين عليه الاستناد، ولا يجوز له الاضطجاع، فإن عجز عن الجلوس بحالتيه صلى مضطجعاً أو مستلقياً، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (4) . كيف يجلس المصلي قاعداًيندب لمن يصلي قاعداً لعجزه عن القيام أن يكون متربعاً، عند المالكية، والحنابلة؛ وخالف الحنفية، والشافعية، وللجميع تفصيل، فانظره تحت الخط (5) . [إذا عجز عن الركوع والسجود] إذا عجز عن الركوع والسجود أو عن أحدهما صلى بالإيماء ما عجز عنه، فإن قدر على القيام والسجود، وعجز عن الركوع فقط، فإنه يجب عليه أن يقوم للإحرام والقراءة، ويومئ للركوع ثم يسجد، وإن قدر على القيام مع العجز عن الركوع والسجود كبر الإحرام وقرأ قائماً، ثم أومأ للركوع من قيام، وللسجود من جلوس، فلو أومأ للسجود من قيام، أو للركوع من جلوس بطلت صلاته إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، وإن لم يقدر على القيام أومأ للركوع والسجود من جلوس، ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع وجوباً، وإن قدر على القيام ولم يقدر على الجلوس، وعجز عن الركوع والسجود أومأ لهما من قيام ولا يسقط القيام متى قدر عليه بالعجز عن السجود، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع وجوباً، وإن لم يقدر على شيء من أفعال الصلاة إلا بأن يشير إليه بعينه، أو يلاحظ أجزاءها بقلبه وجب عليه ذلك، ولا تسقط ما دام عقله ثابتاً، فإن قدر على اشارة بالعين، فلا بد منها، ولا يكفيه مجردا استحضار الأجزاء بقلبه خلافاً للحنفية فانظر مذهبهم تحت الخط (8) . ويكره لمن فرضه الإيماء أن يرفع شيئاً يسجد عليه، فلو فعل وسجد عليه يعتبر مومياً في هذه الحالة، فلا يصح أن يقتدي به من هو أقوى حالاً منه، خلاف الشافعيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، وإذا برأ المريض في أثناء الصلاة بنى على ما تقدم منها وأتمها بالحالة التي قدر عليها. باتفاق، وللحنفية تفصيل تحت الخط (10) . [مباحث الجنائز] [ما يفعل بالمحتضر] يسن أن يوجه من حضرته الوفاة إلى القبلة بأن يجعل على جنبه الأيمن ووجه لها إن لم يشق ذلك وإلا وضع على ظهره ورجلاه للقبلة، ولكن ترفع رأسه قليلاً ليصير وجهه لها، وقال: المالكية هذا الوضع مندوب لا سنة، ويستحب أن يلقن الشهادة بأن تذكر عنده ليقولها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه ليس مسلم يقولها عند الموت إلا أنجته من النار" وهذا الحديث رواه أبو حفص بن شاهين في كتاب "الجنائز" عن ابن عمر مرفوعاً، وروى مسلم عن أبي هريرة: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله"، ولا يقال له: قل، لئلا يقول: لا، فيساء به الظن، ولا يلح عليه متى نطق بها مخافة أن يضجر، إلا إذا تكلم بكلام أجنبي بعد النطق بها، فإنه يعاد له التلقين ليكون النطق بها مخافة أن يضجر، إلا إذا تكلم بكلام أجنبي بعد النطق بها، فإنه يعاد له التلقين ليكون النطق بها آخر كلامه من الدنيا، ويستحب تلقينه أيضاً بعد الفراغ من دفنه وتسوية التراب عليه، والتلقين هنا هو أن يقول الملقن مخاطباً للميت: يا فلان ابن فلانة، إن كان يعرفه، وإلا نسبه إلى حواء عليها السلام، ثم يقول بعد ذلك: اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من القبور، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً، وهذا التلقين مستحب عند الشافعية والحنابلة؛ وخالف المالكية، والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (11) . ويندب أن يدخل عليه حال احتضاره أحسن أهله وأصحابه، وكثرة الدعاء له وللحاضرين، ويندب غبعاد الحائض والنفساء والجنب وكل شيء تكرهه الملائكة كآلة اللهو، ويندب أن يوضع عند طيب. ويستحب أن يقرأ عند سورة {يس} لما ورد في الخبر "ما من مريض يقرأ عند {يس} إلا مات ريان، وأدخل قبره ريان، وحشر يوم القيامة ريان"، رواه أبو داود، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) ، على أنه ينبغي للقارئ أن يقرأها سراً كي لا يزعج المحتضر، أما بعد موته فلا يقرأ عنده شيء باتفاق، ويندب للمحتضر أن يحشن ظنه بالله تعالى، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله أن يرحمه ويعفو عنه"، وفي الصحيحين: قال الله تعالى: {أنا عند ظن عبدي بي} . ويندب لمن يكون عند المحتضر أن يحمله على تحسين ظنه بالله تعالى. ويسن تغميض عينيه، وأن يقول مغمضة: بسم الله، وعلى ملة رسول الله، اللهم اغفر له، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، عليه، إلا عند المالكية، فإنهم يقولون: إن تغميض العينين مندوب لا سنة، وإن الدعاء، وهو بسم الله وعلى ملة رسول الله، الخ، ليس بمطلوب عندهم. [مبحث ما يفعل بالميت قبل غسله] إذا مات المحتضر يندب شد لحييه بعصابة عريضة تربط من فوق رأسه وتليين مفاصله برفق، ورفعه عن الأرض، وستره بثوب صوناً له عن الأعين بعد نزع ثيابه التي قبض فيها، إلا عند المالكية، فإن لهم في ذلك تفصيلاً تحت الخط (13) ، ويجب الانتظار بتجهيزه حتى يتحقق موته، وبعد التحقق من الموت ينبغي الإسراع بتجهيزه ودفنه؛ ويستحب إعلام الناس بموته، ولو بالنداء في الأسواق ليشهدوا جنازته من غير إفراط في المدح، بأن يقول مثلاً: مات الفقير إلى الله تعالى فلان ابن فلان، فاسعوا في جنازته، وهذا متفق عليه، إلا عند الحنابلة، فإنهم يقولون: إن الإعلام مباح، ويكره رفع الصوت به، ووافقهم المالكية على كراهة رفع الصوت به، والمناسب لمذهبيهما أن يكون الإعلام بطريق الإعلانات في الصحف ونحوها مما يفعل في زماننا. [مبحث غسل الميت - حكمه] غسل الميت فرض كفاية على الأحياء، إذا قم به البعض سقط عن الباقين، والمفروض غسله مرة واحدة بحيث يعم بها جميع بدنه، أما تكرار غسله وتراً فهو سنة، كما يأتي في مبحث "كيفية الغسل" باتفاق، إلا عند المالكية، فإنهم قالوا: تكرار الغسل وتراً مندوب لا سنة.[شروط غسل الميت]ويشترط لفريضة غسل الميت شروط: الأول: أن يكون مسلماً، فلا يفترض تغسيل الكافر، بل يحرم، باتفاق ثلاثة، وقال الشافعية: إنه ليس بحرام، لأنه للنظافة لا للتعبد؛ الثاني: أن لا يكون سقطاً، فإنه لا يفترض غسل السقط، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (14) ؛ الثالث: أن يوجد من جسد الميت مقدار، ولو كان قليلاً، باتفاق الشافعية،والحنابلة؛ وخالف الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (15) ؛ الرابع: أن لا يكون شهيداً قتل في إعلاء كلمة الله، كما سيأتي في مبحث "الشهيد" لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: "لا تغسلوهم، فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكاً يوم القيامة، ولم يصل عليهم"، رواه أحمد، ويقوم التيمم مقام غسل الميت عند فقد الماء أو تعذر الغسل، كأن مات حريقاً، ويخشى أن يتقطع بدنه إذا غسل بذلك أو بصب الماء عليه بدون دلك، أما إن كان لا يتقطع بصب الماء فلا ييمم، بل يغسل بصب الماء بدون دلك. [حكم النظر إلى عورة الميت ولمسها وتغسيل الرجال النساء، وبالعكس] يجب ستر عورة الميت، فلا يحل للغاسل ولا غيره أن ينظر إليها، وكذلك لا يحل لمسها، فيجب أن يلف الغاسل على يده خرقة ليغسل بها عورته، سواء كانت مخففة أو مغلظة؛ أما باقي بدنه فيصح للغاسل أن يباشر بدون خرقة، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنابلة يقولون: إنه يندب لف خرقة لغسل باقي البدن، وفي قول صحيح للحنفية: إن لمس العورة المخففة من الميت غير محرم، ولكن يطلب سترها وعدم لمسها، ولا يحل للرجال تغسيل النساء، وبالعكس، إلا الزوجين، فيحل لكل منهما أن يغسل الآخر إلا إذا كانت المرأة مطلقة ولو طلاقاً رجعياً، فإنه لا يحل لأحد الزوجين غسل الآخر حينئذ، وهذا الحكم متفق عليه بين المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (16) ، فإذا ماتت امرأة بين رجال ليس معهم امرأة غيرها أو زوج لها وتعذر إحضار امرأة تغسلها كأن ماتت في طريق سفر منقطع ففي ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (17) فإن كان الميت صغيراً جاز للنساء تغسيله، وإن كانت صغيرة جاز للرجال تغسلها، وفي حد الصغير والصغيرة المذكورين التفصيل المتقدم في مبحث "ستر العورة"؛ وفي تغسيل الخنثى المشكل تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (18) . [مندوبات غسل الميت وتكرار الغسلات إلى ثلاث] تندب في غسل الميت أشياء. أحدها: تكرار الغسلات إلى ثلاث. بحيث تعم كل غسلة منها جميع بدن الميت، بالكيفية الآتي بيانها، وإحدى الغسلات الثلاث التي تعم جميع البدن فرض، والغسلتان اللتان بعدها مندوبتان، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية فقالوا: إن الغسلتين. مسنونتين، وقد يوافقهم على ذلك الشافعية، والحنابلة، إذ لا فرق عندهم بين المندوب والمسنون، ومتى غسل الميت ثلاث غسلات عمت كل غسلة منها جميع بدنه، ونظف بدنه بها، فإنه يكره أن يزاد عليها، كما يكره أن ينقص عنها، ولو نظف بأقل من الثلا باتفاق، أما إذا لم ينظف البد بالثلاث المذكورة المستوعبة لجميع البدن، فإنه يندب أن يزاد عليها حتى ينظف البدن بدون عدد معين، ولكن يندب أن تنتهي الزيادة إلى وتر، فإن حصل تنظيف البدن بأربع زيد عليها خامسة، وهكذا؛ وهذا الحكم متفق عليه عند الشافعية، والحنفية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (19) . [حكم خلط ماء الغسل بالطيب ونحوه] ثاني المندوبات: أن يجعل في ماء السغلة الأخيرة كافور ونحوه من الطيب، إلا أن الكافرو أفضل، أما غير الغسلة الأخيرة فيندب أن يكون بماء فيه ورق نبق ونحوه مما ينظف كالصابون، وإنما يوضع الطيب في ماء غسل الميت إذا لم يكن متلبساً بالإحرام - للحج -، أما المتلبس بالإحرام فإنه لا يوضع في ماء غسله طيب، كما لو كان حياً، وهذا متفق عليه عند الحنابلةن والشافعية، أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (20) . [تسخين ماء الغسل] ثالث المندوبات: أن يغسل بالماء البارد إلا لحاجة، كشدة برد، أو إزالة وسخ، وهذا متفق عليه عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية فقالوا: لا فرق بين أن يكون الماء بارداً أو ساخناً؛ وأما الحنفية فقالوا: الماء الساخن أفضل على كل حال. [تطييب رأس الميت ولحيته] رابعها: رأس الميت ولحيته بعد تمام الغسل بطيب، بشرط أن لا يكون الطيب زعفران، وأن يوضع الطيب على الأعضاء التي يسجد عليها، وهي الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان، وكذلك يوضع الطيب على عينيه وأذنيه وتحت إبطيه. والأفضل أن يكون الطيب كافوراً، وهذا كله إذا لم يكن متلبساً بالإحرام، وغلا فلا يطيب، وهذا الحكم متفق عليه إلا عند المالكية، فإنهم قالوا: وضع الطيب على رأس الميت ولحيته ليس بمندون. [إطلاق البخور عند الميت، وتجريده من ثيابه عند الغسل] خامس المندوبات: إطلاق البخور عند الميت على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (21) . سادسها: أن يجرد الميت عند غسله من ثيابه ما عدا ساتر العورة، باتفاق ثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا: يندب تغسيل الميت في قميص رقيق لا يمنع وصول الماء، فإن أمكن أن يدخل الغاسل يديه في كمه الواسع فذاك، وإن لم يمكن شقه من الجانبين(1) الحنفية قالوا: لا بد من تعيين الزمن فينوي أول ظهر عليه أدرك وقته ولم يصله وهكذا، أو ينوي آخر ظهر عليه كذلك يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
(2) الحنفية قالوا: لا يجوز قضاء الفوائت في ثلاثة أوقات: وقت طلوع الشمس، ووقت الزوال، ووقت الغروب، وما عدا ذلك يجوز فيه القضاء ولو بعد العصر. المالكية قالوا: إن كانت الفائتة في ذمته يقيناً أو ظناً قضاها ولو في وقت النهي عن صلاة النافلة، فيقضيها عند طلوع الشمس وعند غروبها، وغير ذلك من أوقات النهي عن النافلة، وتقدم بيانها، وإن شك في شغل ذمته بها وعدمه قضاها في غير أوقات النهي عن النافلة، أما في أوقات النهي فيحرم قضاؤها في أوقات حرمة النافلة، ويكره في أوقات كراهة النافلة. الشافعية قالوا: يجوز قضاء الفوائت في جميع أوقات النهي، إلا إذا قصد قضاء الفوائت فيها بخصوصها، فإنه لا يجوز ولا تنعقد الصلاة، أما الوقت المشغول بخطبة خطيب الجمعة فإنه لا يجوز فيه قضاء الفوائت، ولا تنعقد بمجرد جلوس الخطيب على المنبر، وإن لم يشرع في الخطبة إلى أن تتم الخطبتان بتوابعهما. الحنابلة قالوا: يجوز قضاء الفوائت في جميع أوقات النهي بلا تفصيل (3) المالكية قالوا: من قدر على القيام مستنداً لا يتعين عليه القيام، وله أن يجلس إذا أمكنه الجلوس من غير استناد إلى شيء، أما إذا لم يمكنه الجلوس استقلالاً، فيتعين عليه القيام مستنداً. الشافعية قالوا: إذا قدر على القيام مستنداً إلى شخص تعين عليه القيام إذا كان يحتاج إلى المعين المذكور في ابتداء قيام كل ركعة فقط، أما إذا كان يحتاج إليه في القيام كله فلا يجب عليه القيام، ويصلي من قعود، وإذا قدر على القيام مستنداً إلى عصا ونحوها، كحائط، فيجب عليه القيام، ولو احتاج إلى الاستناد في القيام كله (4) المالكية قالوا: من عجز عن الجلوس بحالتيه اضطجع على جنبه اليمن مصلياً بالإيماء ووجهه إلى القبلة، فإن لم يقدر اضطجع على جنبه الأيسر ووجهه للقبلة أيضاً، فإن لم يقدر استلقى على ظهره ورجلاه للقبلة، والترتيب بين هذه المراتب الثلاث مندوب، فلو اضطجع على جنبه الأيسر مع القدرة على الاضطجاع على الجانب الأيمن، أو استلقى على ظهره مع القدرة على الاضطجاع بقسميه صحت صلاته، وخالف المندوب، فإن لم يقدر على الاستلقاء على الظهر استلقى على بطنه جاعلاً رأسه للقبلة وصلى بالإيماء برأسه، فإن استلقى على بطنه مع القدرة على الاستلقاء على الظهر بطلت صلاته لوجوب الترتيب بين هاتين المرتبتين. الحنفية قالوا: الأفضل أن يصلي مستلقياً على ظهره ورجلاه نحو القبلة وينصب ركبتيه ويرفع رأسه يسيراً ليصير وجهه إلى القبلة، وله أن يصلي على جنبه الأيمن أو الأيسر. والأيمن أفضل من الأيسر، وكل هذا عند الاستطاعة، أما إذا لم يستطع، فله أن يصلي بالكيفية التي تمكنه. الحنابلة قالوا: إذا عجز عن الجلوس بحالتيه صلى على جنبه ووجهه إلى القبلة، والجنب الأيمن أفضل، ويصح أن يصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة مع استطاعته الصلاة على جنبه الأيمن مع الكراهة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه صلى على ظهره ورجلاه إلى القبلة. الشافعية قالوا: إذا عجز عن الجلوس مطلقاً صلى مضطجعاً على جنبه متوجهاً إلى القبلة بصدره ووجه، ويسن أن يكون الاضطجاع على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيسر ويركع ويسجد وهو مضطجع إن قدر على الركوع والسجود، وإلا أومأ لهما، فإن عجز عن الاضطجاع صلى مستلقياً على ظهره، ويكون باطناً قدميه للقبلة، ويجب رفع رأسه وجوباً بنحو وسادة ليتوجه للقبلة بوجهه، ويومئ برأسه لركوعه وسجوده؛ ويجب أن يكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع إن قدر، وإلا فلا، فإن عجز عن الإيماءء برأسه أومأ بأجفانه، ولا يجب حينئذ أن يكون الإيماء للسجود أخفض من الركوع، فإن عجز عن ذلك كله أجرى أركان الصلاة على قلبه (5) المالكية قالوا: يندب له التربع إلا في حال السجود والجلوس بين السجدتين والجلوس للتشهد، فإنه يكون على الحالة التي تقدم بيانها في "سنن الصلاة ومندوباتها". الحنفية قالوا: له أن يجلس وقت القراءة والركوع كيف شاء، والأفضل أن يكون على هيئة المتشهد، أما في حال للسجود والتشهد فإنه يجلس على الهيئة التي تقدم بيانها، وهذا إذا لم يكن فيه حرج أو مشقة، وغلا اختار الأيسر في جميع الحالات. الحنابلة قالوا: إذا صلى من جلوس سنّ له أن يجلس متربعاً في جميع الصلاة إلا في حالة الركوع والسجود، فإنه يسن له أن يثني رجليه، وله أن يجلس كما شاء. الشافعية قالوا: إذا صلى من جلوس فإنه يسن له الافتراش إلا في حالتين: حالة سجوده، فيجب وضع بطون أصابع القدمين على الأرض، وحالة الجلوس للتشهد الأخير، فيسن فيه التورك كما تقدم (6) الحنفية قالوا: الإيماء للركوع والسجود يصح وهو قائم، ويصح وهو جالس، ولكن الإيماء وهو جالس أفضل (7) الحنفية قالوا: إذا عجز عن السجود، سواء عجز عن الركوع أيضاً أو لا، فإنه يسقط عنه القيام على الأصح، فيصلي من جلوس مومياً للركوع والسجود، وهو أفضل من الإيماء قائماً، كما تقدم (8) الحنفية قالوا: إذا قدر على الإيماء بالعين أو الحاجب أو القلب فقط سقطت عنه الصلاة، ولا تصح بهذه الكيفية، سواء كان يعقل أو لا، ولا يجب عليه قضاء ما فاته وهو في مرضه. هذا إذا كان أكثر من خمس صلوات، وإلا وجب القضاء (9) الشافعية قالوا: يصح أن يقتدي به من هو أقوى حالاً منه متى كانت صلاته مجزئة عن القضاء، كما تقدم (10) الحنفية قالوا: إذا كان عاجزاً عن القيام وكان يصلي من جلوس بركوع وسجود، ثم قدر عليه في صلاته بنى على ما تقدم منها، وأتمها من قيام، ولو لم يركع أو يسجد بالفعل؛ أما إذا كان يصلي من قعود بالإيماء ثم قدر على الركوع والسجود، فإن كان ذلك بعد أن أومأ في ركعة أتمها بانياً على ما تقدم وإلا قطعها، واستأنف صلاة جديدة، كما يستأنف مطلقاً لو كان يومئ مضطجعاً، ثم قدر على القعود (11) الحنفية قالوا: التلقين بعد الفراغ من الدفن لا ينهى عنه ولا يؤمر به، وظاهر الرواية يقتضي النهي عنه. المالكية قالوا: التلقين بعد الدفن وحاله مكروه، وإنما التلقين يندب حال الاحتضار فقط كما ذكر (12) المالكية: رجحوا القول لكراهة قراءة شيء من القرآن عند المحتضر، لأنه ليس من عمل السلف، وقال بعضهم: يستحب قراءة سورة {يس} عنده. الحنفية قالوا: تكره القراءة عند الميت قبل غسله إذا كان القارئ قريباً منه، أما إذا بعد عنه فلا كراهة، كما لا تكره القراءة قريباً منه إذا كان جميع بدن الميت مستوراً بثوب طاهر، والمكروه في الصورة الأولى إنما هو القراءة برفع الصوت. الشافعية قالوا: يقتصر في الدعاء حال التغميض على قول: بسم الله، وعلى ملة رسول الله (13) المالكية قالوا: في نزع ثيابه التي قبض فيها أحد قولين: الأول: تنزع، ولكن لا تنزع بتمامها، بل يترك عليه قميصه، والثاني: أنه لا ينزع شيء من ثيابه، ويزاد عليها ثوب آخر يستر جميع بدنه عن الأعين (14) الشافعية قالوا: إن السقط النازل قبل عدة تمام الحمل، وهي ستة أشهر ولحظتان، إما أن تعلم حياته فيكون كالكبير في افتراض غسله، وإما أن لا تعلم حياته، وفي هذه الحالة إما أن يكون قد ظهر خلقه فيجب غسله أيضاً دون الصلاة عليه، وإما أن لا يظهر خلقه فلا يفترض غسله، وأما السقط النازل بعد المدة المذكورة، فإنه يفترض غسله وإن نزل ميتاً، وعلى كل حال، فإنه يسن تسميته، بشرط أن يكون قد نفخت فيه الروح. الحنفية قالوا: إن السقط إذا نزل حياً بأن سمع له صوت، أو رئيت له حركة، وإن لم يتم نزوله وجب غسله، سواء كان قبل تمام مدة الحمل أو بعده؛ وأما إذا نزل ميتاً، فإن كان تام الخلق فإنه يغسل كذلك، وإن لم يكن تام الخلق، بل ظهر بعض خلقه، بإنه لا يغسل المعروف، وإنما يصب عليه الماء، ويلف في خرقة، وعلى كل حال، فإنه يسمى، لأنه يحشر يوم القيامة. الحنابلة قالوا: السقط إذا تم في بطن أمه أربعة أشهر كاملة ونزل وجب غسله، وأما إن نزل قبل ذلك فلا يجب غسله. المالكية قالوا: إذا كان السقط محقق الحياة بعد نزوله بعلامة تدل على ذلك كالصراخ والرضاع الكثير الذي يقول أهل المعرفة إنه لا يقع مثله إلا ممن فيه حياة مستقرة وجب تغسيله، وإلا كره (15) الحنفية قالوا: لا يفرض الغسل إلا إذا وجد من الميت أكثر البدن أو وجد نصفه مع الرأس. المالكية قالوا: لا يفترض غسل الميت إلا إذا وجد ثلثا بدنه ولو مع الرأس، فإن لم يوجد ذلك كان غسله مكروهاً (16) الحنفية قالوا: إذا ماتت المرأة فليس لزوجها أن يغسلها لانتهاء ملك النكاح فصار أجنبياً منها، أما إن مات الزوج فلها أن تغسله، لأنها في العدة، فالزوجية باقية في حقها ولو كانت مطلقة رجعياً قبل الموت، أما إن كانت بائنة فليس لها أن تغسله ولو كانت في العدة. الحنابلة قالوا: المرأة المطلقة رجعياً يجوز لها أن تغسل زوجها، أما المطلقة طلاقاً بائناً فلا (17) المالكية قالوا: إذا ماتت المرأة وليس معها زوجها ولا أحد من النساء، فإن كان معها رجل محرم لها غسلها وجوباً ولف على يديه خرقة غليظة لئلا يباشر جسدها، وينصب ستارة بينه وبينها، ويمد يده من داخل الستارة، مع غض بصره، فإن لم يوجد معها إلا رجال أجانب وجب عليهم أن ييممها واحد منهم لكوعيها فقط: ولا يزيد في المسح إلى المرفقين، وإذا مات رجل بين نساء، فإن كان منهن زوجته غسلته، ولا يغسله غيرها: وإن لم توجد زوجته، فإن وجد من بينهن امرأة محرم له غسلته، ويجب عليها أن لا تباشره إلا بخرقة تلفها على يدها، ويجب عليها ستر عورته فقط، فإن لم يوجد محرم له من النساء يممته واحدة من الأجنبيات، ويكن التيمم لمرفقيه. الحنفية قالوا: إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها، فإن كان معها رجل محرم يممها باليد إلى المرفق، وإن كان معها أجنبي وضع خرقة على يده ويممها كذلك، ولكنه يغض بصره عن ذراعيها، والزوج كالأجنبي، إلا أنه لا يكلف بغض البصر عن الذراعين، ولا فرق في ذلك بين الشابة والعجوز، وإذا مات الرجل بين نساء ليس معهن رجل ولا زوجة، فإن كان معهن قاصرة لا تشتهي علمنها الغسل وغسلته، وإن لم توجد قاصرة بينهن يممنه إلى مرفقيه مع غض بصرهن عن عورته، فإذا غسل الميت مع مخالفة شيء مما ذكر صح غسله مع الإثم. الشافعية قالوا: إذا ماتت المرأة بين رجال ليس فيهم محرم ولا زوج يممها الأجنبي إلى مرفقيها مع غض البص عن العورة ومع عدم اللمس، فإن وجد محرم وجب عليه تغسيلها إن لم يوجد زوجها، وإلا قدم على المحرم، وإذا مات الرجل بين نساء ليس بينهن زوجته ولا محرم يممته واحدة من الأجنبيات بحائل يمنع اللمس مع غض البصر عن العورة، فإن كان بينهن زوجته غسلته وجوباً ولو بلا حائل، فإن لم توجد الزوجة، ولكن وجد بينهن امرأة محرم كبنته وأخته وأمه غسلته أيضاً، والزوجة مقدمة على المحرم. الحنابلة قالوا: إذا ماتت المرأة بين رجال ليس فيهم زوج يممها واحد من الأجانب بحائل، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهن يممته واحدة أجنبية بحائل، ويحرم أن ييمم بغير حائل إلا إذا كان الميمم محرماً من رجل أو امرأة، فيجوز بلا حائل) . (18) المالكية قالوا: إن أمكن وجود أمة للخنثى، سواء كانت من ماله، أو من بيت المال، أو من مال المسلمين، فإنها تغسله، ولا يغسله أحد سواها. الحنفية قالوا: الخنثى المشكل المكلف أو المراهق لا يغسل رجلاً ولا امرأة، ولا يغسله رجل ولا امرأة، وإنما ييمم وراء ثوب. الحنابلة قالوا: إذا مات الخنثى المشكل الذي له سبع سنين فأكثر، وكانت له أمة غسلته، وإلا ييمم بحائل يمنع المس، والرجل أولى من المرأة بتيميمه. الشافعية قالوا: يجوز للرجل والمرأة الأجنبيين تغسيل الخنثى المشكل الكبير عند فقد محرمه مع وجوب غض البصر وعدم اللمس، ويجب أن يقتصر في غسله على غسله واحدة تعم بدنه؛ أما الخنثى الصغير فهو كباقي الصبيان (19) المالكية قالوا: إن احتاج إلى غسله أربع مرات. الأولى: منها تكون بالماء القراح، والثلاثة التي بعدها بمنظف، كالصابون ونحوه، ثم يزيد غسله خامسة ليصير عدد الغسل وتراً، فإن لم ينظف جسده بذلك غسله ستاً بمنظف ما عدا الأولى، وزاد السابعة ليصير العدد وتراً، فإن لم ينظف إلا بثمانية اقتصر عليها ولا يزيد تاسعة، وعلى كل حال فيجعل الطيب في الغسلة الأخيرة وتكون الغسلة بالماء القراح. الحنابلة قالوا: إن لم ينظف جسد الميت بثلاث غسلات وجبت الزيادة عليها إلى سبع، فإن لم ينظف بالسبع كان الأولى أن يزاد عليها حتى ينقى، ولكن يندب أن ينتهي إلى وتر (20) الحنفية، والمالكية قالوا: يندب وضع الطيب ونحوه في ماء غسل الميت، سواء كان متلبساً بالإحرام أو لا، وذلك لأن الميت غير مكلف، وينقطع إحرامه بالموت، ولذا تغطي رأسه، بخلاف ما لو كان متلبساً بالإحرام وهو حي، إلا أن المالكية قالوا: إنه يلزم أن تكون الغسلة الأولى بالماء القراح، وذلك لأن مذهبهم أن طهورية الماء تسلبها الصابون ونحوه، كما تقدم في مباحث "المياه" (21) المالكية قالوا: لا يندب إطلاق البخور. الحنفية قالوا: يندب إطلاق البخور في ثلاثة مواضع: أحدها: عند خروج روح الميت، فمتى تيقن موته يوضع على مكان مرتفع - سرير أو دكة - وقبل وضعه على المكان المرتفع يبخر ذلك المكان ثلاث مرات أو خمساً، بأن تدار المجمرة - المبخرة - حول السرير ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، ولا يزاد على ذلك ثم يوضع الميت عليه؛ ثانيها: عند غسله بأن تدار المجمرة حول - دكة - غسله بالكيفية المذكورة، ثالثها: عند تكفينه بالصفة المتقدمة. الحنابلة قالوا: التبخير يكون في مكان الغسل إلى أن يفرغ منه. الشافعية قالوا: يندب أن يستمر البخور عند الميت من وقت خروج روحه إلى أن يصلى عليه) . |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 462 الى صــــــــ476 الحلقة (64) [هل يوضأ الميت قبل غسله؟] يندب أن يوضأ كما يتوضأ الحي عند الغسل من الجنابة إلا المضمضة والاستنشاق، فإنهما لا يفعلان في وضوء الميت، لئلا يدخل الماء إلى جوفه، فيسرع فساده، ولوجود مشقة في ذلك ولكن يستحب أن يلف الغاسل خرقة على سبابته وإبهامه ويبلها بالماء ثم يمسح بها سنان الميت ولثته ومنخريه، فيقوم ذلك مقام المضمضة والاستنشاق، وهذا متفق عليه بين الحنفية؛ والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) . [ما يندب أن يكون عليه الغاسل من الصفات] يندب أن يكون الغاسل ثقة كي يستوفي الغسل ويستر ما يراه من سوء، ويظهر ما يراه من حسن، فإن رأى ما يعجبه من تهلل وجه الميت وطيب رائحته ونحو ذلك، فإنه يستحب له أن يتحدث به إلى الناس، وإن رأى ما يكرهه من نتن رائحة أو تقطيب وجه أو نحو ذلك لم يجز له أن يتحدث به، ويندب أن يجفف بدن الميت بعد الغسل حتى لا تبتل أكفانه. [ما يكره فعله بالميت] يكره تسريح شعر رأسه ولحيته، إلا عند الشافعية، فإنهم قالوا: يسن تسريحهما إن تلبد الشعر، وإلا فلا يسن ولا يكره، وكذا يكره قص ظفره وشعره وشاربه وإزالة شعر إبطيه وشعر عانته، بل المطلوب أن يدفن بجميع ما كان عليه، فإن سقط منه شيء من ذلك رد إلى كفنه، ليدفن معه، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنفية، أما الحنابلة؛ والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) . [إذا خرج من الميت نجاسة بعد غسله] إذا خرج من الميت بعد غسله نجاسة علقت ببدنه أو بكفنه فإنها تجب إزالتها، ولا يعاد الغسل مرة أخرى، باتفاق المالكية؛ والشافعية، أما الحنفية؛ والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) . [كيفية غسل الميت] ذكرت كيفية غسل الميت مفصلة في المذاهب؛ فانظرها تحت الخط (4) . [التكفين] تكفين الميت فرض كفاية على المسلمين، إذا ام به البعض سقط عن الباقين، وأقله ما يستر جميع بدن الميت، سواء كان ذكراً أو أنثى، وما دون ذلك لا يسقط به فرض الكفاية عن المسلمين ويجب تكفين الميت من ماله الخاص الذي لم يتعلق به الحنفية قالوا: الغير كالمرهون؛ فإن لم يكن له مال خاص فكفنه على من تلزمه نفقته في حال حياته: ولو كانت زوجة تركت مالاً فيجب على الزوج القادر تكفين زوجه (5) ، فإن لم يكن لمن تلزمه نفقته مال كفن من بيت المال إن كان للمسلمين بيت مال وأمكن الأخذ منه، وإلا فعلى جماعة المسلمين القادرين، ومثل الكفن في هذا التفصيل مؤن التجهيز كالحمل إلى المقبرة، والدفن نحوه. وفي أنواع الكفن وصفته تفصيل في المذاهب مذكورة تحت الخط (6) . [مباحث صلات الجنازة] [حكمها] هي فرض كفاية على الأحياء، فإذا قام بها البعض ولو واحداً سقطت عن الباقين، فلا يكلفون بها، ولكن ينفرد بثوابها من قام بها منهم. [صفة صلاة الجنازة] نريد أن نبين هنا كيفية صلاة الجنازة في كل مذهب من المذاهب بطريق الإجمال، ثم نذكر ما هو ركن، وما هو شرط، وما هو سنة، أو مندوب، فانظر كيفيتها في كل مذهب تحت الخط (7) . [أركان صلاة الجنازة] لصلاة الجنازة أركان لا تتحقق إلا بها بحيث لو نقص منها ركن بطلت، ولزمت إعادتها، وأول هذه الأركان النية، وهي ركن عند المالكية، والشافعية، أما الحنفية، والحنابلة فقالوا: إنها شرط لا ركن، وعلى كل حال فلا بد منها في صلاة الجنازة؛ كغيرها من الصلوات، أما صفة النية المذكورة ففيها تفصيل في المذاهب ذكرناه تحت الخط (8) . ثانيها: التكبيرات، وهي أربع بتكبيرة الإحرام، وكل تكبيرة منها بمنزلة ركعة، وهي ركن باتفاق؛ ثالثها: القيام فيها إلى أن تتم، فلو صلاها قاعداً بغير عذر لم تصح، باتفاق؛ رابعها: الدعاء للميت، وفي محله وصفته تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (9) ؛ خامسها:السلام بعد التكبيرة الرابعة وهو ركن عند ثلاثة، وقال الحنفية: إنه واجب، كالسلام في باقي الصلوات، فلا تبطل الصلاة بتركه، ومنها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، وهي ركن عند الشافعية، والحنابلة: أما الحنفيةن والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (10) ؛ وأما قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ففيها اختلاف في المذاهب، فانظره تحت الخط (11) [شروط صلاة الجنازة] وأما شروطها: فمنها أن يكون الميت مسلماً، فتحرم الصلاة على الكافر لقوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً} ، ومنها أن يكون الميت حاضراً، فلا تجوز الصلاة على الغائب، أما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي فهي خصوصية له، باتفاق الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (12) ، ومنها تطهير الميت، فلا تجوز الصلاة عليه قبل الغسل أو التيمم، باتفاق المذاهب، ومنها أن يكون الميت مقدّماً أمام القوم، فلا تصح الصلاة عليه إذا كان موضوعاً خلفهم، باتفاق، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ، ومنها أن لا يكون الميت محمولاً على دابة، أو على أيدي الناس، أو أعناقهم وقت الصلاة، عند الحنفية، والحنابلة؛ وخالف الشافعية، والمالكية، فانظره تحت الخط (14) ومنها أن لا يكون شهيداً، وسيأتي بيانه في مبحث خاص، فتحرم الصلاة عليه لحرمة غسله، باتفاق ثلاثة، وقال الحنفية: إن الشهيد لا يغسل، ولكن تجب الصلاة عليه، ومنها أن يكون الحاضر من بدن الميت الجزء الذي يلزم تغسيله، على ما تقدم في الغسل. وتجب الصلاة على السقط إذا كان غسله واجباً، على ما تقدم تفصيله في المذاهب؛ وأما شروطها المتعلقة بالمصلي، فهي شروط الصلاة من النية، والطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، ونحو ذلك. [سنن صلاة الجنازة: كيف يقف الإمام للصلاة على الميت] لصلاة الجنائز سنن مفصلة في المذاهب مذكورة تحت الخط (15) . (1) المالكية، والشافعية قالوا: يوضأ يمضمضة واستنشاق، وأن تنظيف أسنانه ومنخريه بالخرقة مستحب ولا يغني عن المضمضة والاستنشاق (2) الحنابلة قالوا: يسن قص شارب غير المحرم وتقليم أظافره إن طالما وأخذ شعر إبطيه إلا أنها بعد نزعها توضع معه في كفنه، أما حلق رأسه الميت فحرام، لأنه إنما يكون لنسك أو زينة، أما حلق عانته فهو حرام لا مكروه، لما قد يترتب على ذلك من مس عورته أو نظرها. المالكية قالوا: ما يحرم فعله في الشعر مطلقاً حال الحياة يحرم بعد الموت، وذلك كحلق لحيته وشاربه، وما يجوز حال الحياة يكره بعد الموت (3) الحنفية قالوا: النجاسة الخارجة من الميت لا تضر، سواء أصابت بدنة أو كفنه، إلا أنها تغسل قبل التكفين تنظيفاً لا شرطاً في صحة الصلاة عليه، أما بعد التكفين فإنها لا تغسل، لأن في غسلها مشقة وحرج، بخلاف النجاسة الطارئة عليه، كأن كفن بنجس فإنها تمنع من صحة الصلاة عليه. الحنابلة قالوا: إذا خرج من الميت نجاسة بعد غسله وجبت إزالتها وإعادة غسله إلى سبع مرات. فإن خرج بعد السبع وجب غسل الخارج فقط ولا يعاد الغسل. هذا إذا كان خروج النجاسة قبل وضعه في الكفن، أما بعده فلا ينتقض الغسل ولا يعاد (4) الحنفية قالوا: يوضع الميت على شيء مرتفع ساعة الغسل - كخشبة الغسل - ثم يبخر حال غسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً بأن تدار المجمرة حول الخشبة ثلاث مرات أو خمساً أو سبعاً، كما تقدم ثم يُجرد من ثيابه ما عدا ساتر العورة، ويندب أن لا يكون معه أحد سوى الغاسل ومن يعينه، ثم يلف الغاسل على يده خرقة، يأخذ بها الماء ويغسل قُبُله ودبره - الاستنجاء -، ثم يوضأ، ويبدأ في وضوئه وجهه، لأن البدء بغسل اليدين إنما هو للأحياء الذين يغسلون أنفسهم فيحتاجون إلى تنظيف أيديهم، أما اللميت فإنه يغسله غيره، ولأن المضمضة والاستنشاق لا يفعلان في غسل الميت، ويقوم مقامهما تنظيف الأسنان والمنخرين بخرقة، كما تقدم ثم يغسل رأسه ولحيته بمنظف كالصابون ونحوه إن كان عليهما شعر؛ فإن لم يكن عليهما شعر لا يغسلان كذلك؛ ثم يضجع الميت على يساره ليبدأ بغسل يمينه، فيصب الماء على شقه الأيمن من رأسه إلى رجليه ثلاث مرات حتى يعم الماء الجانب الأسفل، ولا يجوز كب الميت على وجهه لغسل ظهره، بل يحرك من جانبه حتى يعمه الماء؛ وهذه هي الغسلة غسلتان أخريان؛ وذلك بأن يضجع ثانياً على يمينه ثم يصب الماء على شقه الأيسر ثلاثاً بالكيفية المتقدمة؛ ثم يجلسه الغاسل ويسنده إليه ويمسح بطنه برفق ويغتسل ما يخرج منه، وهذه هي الغسلة الثانية، ثم يضجع بعد ذلك على يساره ويصب الماء على يمينه بالكيفية المتقدمة، وهذه هي الغسلة الثالثة، وتكون الغسلتان الأوليان بماء ساخن مصحوب بمنظف، كورق النبق والصابون، أما الغسلة الثالثة فتكون بماء مصحوب بكافور؛ ثم بعد ذلك يجفف الميت ويوضع عليه الطيب، كما تقدم. هذا؛ ولا يشترط لصحة الغسل نية، وكذلك لا تشترط النية لإسقاط فرض الكفاية على التحقيق، إنما تشترط النية لتحصيل الثواب على القيام بفرض الكفاية. المالكية قالوا: إذا أريد تغسيل الميت وضع أولاً على شيء مرتفع، ثم يجرد من جميع ثيابه ما عدا ساتر العورة، فإنه يجب إبقاؤه، سواء كانت مغلظة أو مخففة، ثم يغسل يدي الميت ثلاث مرات، ثم يعصر بطنه برفق ليخرج ما عسى أن يكون فيها من الأذى، فلا يخرج بعد الغسل، ثم يلف الغاسل على يده اليسرى خرقة غليظة ويغسل بها مخرجيه حال صب الماء عليهما، ثم يغسل ما على بدنه من أذى، ثم يمضمضه وينشفه ويميل رأسه لجهة صدره برفق حال المضمضة والاستنشاق، ثم يمسح أسنانه وداخل أنفه بخرقة؛ ثم يكمل وضوءه؛ ويكون هذا الوضوء ثلاث مرات في كل عضو، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات بلا نية، فإن النية ليست مشروعة في غسل الميت، ثم يغسل شقه الأيمن ظهراً وبطناً، الخ، ثم يغسل شقه الأيسر كذلك وقد تم بذلك غسله. وهذه هي الغسلة الأولى، وتكون بماء قراح؛ وبها يحصل الغسل المفروض ثم يندب أن يغسله غسلة ثانية وثالثة للتنظيف، وتكون أولى هاتين الغسلتين بالصابون ونحوه، فيدلك جسده بالصابون أولاً، ثم يصب عليه الماء؛ أما الغسلة الثانية منهما فتكون بماء فيه طيب، والكافور أفضل من غيره، ولا يزاد على هذه الغسلات الثلاث متى حصل بها إنقاء جسده من الأوساخ، فإن احتاج لغسلة رابعة غسله أربع مرات، إلى آخر ما تقدم في "المندوبات" ثم ينشف جسده ندباً، ثم يجعل الطيب في حواسه ومحل سجوده، كالجبهة واليدين والرجلين، وفي المحال الغائرة منه؛ ثم يجعل في منافذه قطناً، وعليه شيء من الطيب. الشافعية قالوا: إذا أريد غسل الميت وضع على شيء مرتفع ندباً، وأن يكون غسله في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل، ومن يعينه، وأن يكون في قميص رقيق لا يمنع وصول الماء، فإن أمكن الغاسل أن يدخل يده في كمه الواسع اكتفى بذلك، وإن لم يمكن شقه من الجانبين، فإن لم يوجد قميص يغسل فيه وجب ستر عورته، ويستحب تغطية وجهه من أول وضعه على المغتسل، وأن يكون الغسل بماء بارد مالح إلا لحاجة، كبرد أو وسخ، فيسخن قليلاً، ثم يجلسه الغاسل على المرتفع برفق، ويجعل يمينه على كتف الميت، وإبهامه على نقرة قفاه، ويسند ظهره بركبته اليمنى، ويمسح بيساره بطنه، ويكرر ذلك مع تحامل خفيف ليخرج ما في بطنه من الفضلات، ويندب أن يكون عنده مجمرة - مبخرة - يفوح منها الطيب، ويكثر من صب الماء كيلا تظهر الرائحة من الخارج؛ ثم بعد ذلك يضجع الميت على ظهره، ويلف الغاسل خرقة على يده اليسرى فيغسل بها سوأتيه وباقي عورته، ثم يلقي الغاسل الخرقة ويغسل يد نفسه بماء وصابون إن تلوثت بشيء من الخارج ثم يلف خرقة أخرى على سبابته اليسرى، وينظف بها أسنان الميت ومنخريه، ولا يفتح أسنانه إلا إذا تنجس فمه، فإنه يفتح أسنانه للتطهير، ثم يوضئه كوضوء الحي بمضمضة واستنشاق ويجب على الغاسل أن ينوي الوضوء بأن يقول: نويت الوضوء عن هذا الميت، على المعتمد، أما نية الغسل فسنة، كما تقدم، ثم يغسل رأسه فلحيته، سواء كان عليهما شعر أو لا، بمنظف، كورق نبق وصابون، ويسرح شعر الرأس واللحية لغير المحرم إن كان متلبداً بمشط ذي اسنان واسعة، ويكون تسريحهما برفق حتى لا يتساقط شيء من الشعر، فإن سقط شيء رد إلى الميت في كفنه، ثم يغسل شقه الأيمن من عنقه إلى قدمه من جهة وجهة ثم شقه الأيسر كذلك، ثم يحركه إلى جنبه الأيسر، فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه وظهره إلى قدمه، ثم يحركه إلى شقه الأيمن فيغسل شقه الأيسر كذلك مستعيناً في كل غسلة بصابون ونحوه، ويحرم كب الميت على وجهه احتراماً له، ثم يصب عليه ماء من رأسه إلى قدمه ليزيل ما عليه من الصابون ونحوه، ثم يصل عليه ماءً قراحاً خالصاً، ويكون فيه شيء من الكافور بحيث لا يغير الماء. هذا إذا كان الميت غير محرم، كما تقدم، وهذه الغسلات الثلاث تعد غسلة واحدة، إذ لا يحسب منها سوى الأخيرة لتغير الماء بما قبلها من الغسلات، فهي المسقطة للواجب، ولذا تكون نية الغسل معها لا مع ما قبلها، فإذا اقتصر على ذلك سقط فرض الكفاية، ولكن يسن الغسل ثانية وثالثة بالكيفية السابقة، فيكون عدد الغسلات تسعاً، ولكن التكرار يكون في غسل الرأس والوجه واللحية، أما غسلهما يندب تكراره. يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الحنابلة قالوا: إذا شرع في غسل الميت وجب ستر عورته على ما تقدم، ثم يجرد من ثيابه ندباً، فلو غسل في قميص خفيف واسع الكمين جاز، ويسن ستر الميت عن العيون وأن يكون تحت سقف أو خيمة، ثم يرفع رأسه قليلاً برفق في أول الغسل إلى قريب من جلوسه، إن لم يشق ذلك، ثم يعصر بطنه برفق ليخرج ما عساه أن يكون من أذى، إلا إذا كانت امرأة حاملاً فإن بطنها لا تعصر؛ وعند عصر بطنه يكثر من صب الماء، ليذهب ما خرج، ولا تظهر رائحته وكذلك يكون في مكان الغسل بخور ليهذب بالرائحة، ثم يضع الغاسل على يده خرقة خشنة، فيغسل بها أحد فرجي الميت، ثم يضع خرقة أخرى كذلك فيغسل بها الفرج الثاني، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة، ثم بعد تجريده من ثيابه وستر عورته وغسل قبله ودبره بالكيفية الموضحة ينوي الغاسل غسله، وهذه النية شرط في صحة الغسل، فلو تركها الغاسل لم يصح ثم يقول الغاسل. بسم الله، ولا يزيد على التسمية بذلك ولا ينقص، ثم يغسل كفيّ الميت ويزيل ما على بدنه من نجاسة، ثم يلف الغاسل خرقة خشنة على سبابته وإبهامه ويبلها بالماء، ويمسح بها أسنان الميت ومنخريه، وينظفهما بها وتنظيف أسنانه ومنخريه بالخرقة المذكورة مستحب، ثم يسن أن يوضئه في أول الغسلات، كوضوء المحدث ما عدا المضمضة والاستنشاق، وهذا الوضوء سنة، ثم يغسل رأسه ولحيته فقط برغوة ورق النبق ونحوه مما ينظف، ويغسل باقي بدنه بورق النبق ونحوه ويكون ورق النبق ونحوه في كل غسلة منالغسلات، ثم يغسل شقه الأيمن من رأسه إلى رجليه يبدأ بصفحة عنقه، ثم يده اليمنى إلى الكتف، ثم كتفه، ثم الشافعية قالوا: صدره الأيمن، ثم فخذه وساقه إلى الرجل، ثم يغسل شقه الأيسر كذلك ويقلبه الغاسل على جنبه مع غسل شقيه، فيرفع جانبه الأيمن، ويغسل ظهره ووركه وفخذه، ولا يكبه على وجهه؛ ويفعل بجانبه الأيسر كذلك، ثم يصب الماء القراح على جميع بدنه، وبذلك يتم الغسل مرة واحدة ويجزءى الاقتصار عليها، ولكن السنة أن يكرر الغسل بهذه الكيفية ثلاث مرات؛ كما تقدم وتراً (5) المالكية، والحنابلة قالوا: لا يلزم الزوج بتكفين زوجه، ولو كانت فقيرة (6) الشافعية قالوا: لا يجوز تكفين الميت إلا بما كان يجوز له لبسه حال حياته، فلا يكفن الرجل ولا الخنثى بالحرير والمزعفر إن وجد غيرهما، وإلا جاز للضرورة، ويكره تكفينهما بالمعصفر أما الصبي والمجنون والمرأة فيجوز تكفينهم بالحرير والمعصفر والمزركش بالذهب أو الفضة مع الكراهة، والأفضل أن يكون الكفن أبيض اللون قديماً مغسولاً، فإن لم يوجد ذلك كفن بما يحل، فإن لم يوجد إلا حرير، وجلد، وحشيش، وحناء معجونة؛ وطين، قدم الحرير على الجلد، والجلد على الحشيش، والحشيش على الحناء المعجونة؛ وهي مقدمة على الطين، ويجب أن يكون الكفن طاهراً، فلا يجوز تكفينه بالمتنجس مع القدرة على الطاهر، ولو كان حريراً، فإن لم يوجد طاهر صلي عليه عارياً ثم كفن بالمتنجس ودفن، وتكره المغالاة في الكفن بأن يكون غالي القيمة كما يكره للحي أن يدّخر لنفسه كفناً حال حياته إلا إذا كان ذلك الكفن من آثار الصالحين فيجوز، ويحرم كتابة شيء من القرآن على الكفن؛ ويكره أن يكون في الكفن شيء غير البياض، كالعصفر ونحوه، ثم الكفن ثلاثة من تركته، ولم يكن عليه دين مستغرق للتركة، ولم يوصي أن يكفن بثوب واحد، وإلا كفن أثواب للذكر والأنثى يستر كل واحد منها جميع بدن الميت إلا رأس المحرم ووجه المحرمة، وهذا إذا كفن بثوب واحد ساتر لجميع بدن غير المحرم، ويجوز الزيادة على ذلك إن تبرع بها غيره، أما من يكفن من بيت المال؛ أو من المال الموقوف على أكفان الموتى فيحرم الزيادة فيه على ثوب واحد، إلا إن شرط الواقف زيادة على ذلك فينفذ شرطه، ويجوز أن يزاد على الثلاثة الأثواب المتقدمة في كفن الرجل قميص تحتها وعمامة على رأسه، ولكن الأفصل والأكمل الاقتصار على الثلاثة فقط، وإنما تجوز الزيادة ما لم يكن في الورثة قاصر أو محجور عليه، وإلا حرمت الزيادة. أما الأنثى فالأكمل أن يكون كفنها خمسة أشياء: إزار، فقميص، فخمار، فلفافتان، وكيفيته أن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها ويوضع عليه حنوط - نوع من الطيب - ونحوه كالكافور، وتوضع الثانية فوقها ويوضع عليه الحنوط وكذا الثالثة إن كانت، ثم يوضع الميت فوقها برفق مستلقياً على ظهره؛ وتجعل يداه على صدره، ويمناه على يسراه أو يرسلان في جنبيه، ثم تشد أليتاه بخرقة بعد أن يدس بينهما قطن مندوف عليه حنوط حتى تصل الخرقة إلى حلقة الدبر من غير إدخال، وينبغي أن تكون الخرقة مشقوقة الطرفين على هيئة - الحفاظ - وتلف عليه اللفائف واحدة واحدة بأن يثنى حرفها الذي يلي شقه الأيسر على الأيمن وبالعكس، وينبغي جميع الباقي من الكفن عند رأسه ورجليه وتشد لفائف غير المحرم بأربطة خشية الانتشار عند مله، وتحل الأربطة بعد وضعه في القبر تفاؤلاً بحل الشدائد عنه، ولا يطيب المحرم مطلقاً في كفنه ولا في بدنه ولا في ماء غسله، كما تقدم، كما لا يجوز تكفينه بشيء يحرم عليه لبسه في حال إحرامه، كالمخيط. الحنفية قالوا: أحب الأكفان أن تكون بالثياب البيض، سواء كانت جديدة أو خلقة، وكل ما يباح للرجال لبسه في حال الحياة يباح التكفين به بعد الوفاة، وكل ما لا يباح في حال الحياة يكره التكفين فيه، فيكره للرجال التكفين بالحرير والمعصفر والمزعفر ونحوها إلا إذا لم يوجد غيرها، أما المرأة فيجوز تكفينها بذلك وينظر في كفن الرجل إلى مثل ثيابه لخروجه في العيدين، وينظر في كفن المرأة إلى مثل ثيابها عند زيارة أبويها، والكفن ثلاثة أنواع: كفن السنة وكفن الكفاية، وكفن الضرورة، وكل منها إما أن يكون للرجل أو للمرأة، فكف السنة للرجال والنساء قميص وإزار ولفافة، والقميص من اصل العنق إلى القدم، والإزار من قرن الرأس إلى القدم، ومثله اللفافة، ويزاد للمرأة على ذلك خمار يستر وجهها، وخرقة تربط ثدييها، ولا تعمل للقميص أكمام ولا فتحات في ذيله، وتزاد اللفافة عند رأسه وقدمه كي يمكن ربط أعلاها وأسفلها، فلا يظهر من الميت شيء، ويجوز ربط أوسطها بشريط من قماش الكفن إذا خيف انفراجها، وأما كفن الكفاية فهو الاقتصار على الإزار أو اللفافة أو مع الخمار وخرقة الثديين للنساء مع ترك القميص فيهما، فيكفي هذا بدون كراهة، وأما كفن الضرورة فهو ما يوجد حال الضرورة ولو بقدر ما يستر العورة، وإن لم يوجد شيء يغسل ويجعل عليه الإذخر إن وجد، ويصلى على قبره، وإذا كان للمرأة ضفائر وضعت على صدرها بين القميص وإزار، ويندب تبخير الكفن، كما تقدم. هذا وإذا كان مال الميت قليلاً وورثته كثيرون، أو كان مديناً يقتصر على كفن الكفاية، وكيفية التكفين أن تبسط اللفافة ثم يبسط عليها إزار، ثم يوضع الميت على الإزار ويقمص ثم يطوى الإزار عليه من قبل اليسار، ثم من قبل اليمين، وأما المرأة فتبسط لها اللفافة والإزار ثم توضع على الإزار وتلبس الدرع، ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدرع، ثم يجعل الخمار فوق ذلك، ثم يطوي الإزار واللفافة، ثم الخرقة بعد ذلك تربط فوق الأكفان وفوق القدمين. المالكية قالوا: يندب زيادة الكفن على ثوب واحد بالنسبة للرجل والمرأة، والأفضل أن يكفن الرجل في خمسة أشياء: قميص له أكمام وإزار، وعمامة لها "عذبة" قدر ذراع تطرح على وجهه، ولفافتان، وأن تكفن المرأة في سبعة أشياء: إزار، وقميص، وخمار وأربع لفائف، ولا يزاد على ما ذكر للرجل ولا للمرأة إلا - الحفاظ، وهو خرقة تجعل فوق القطن المجعول بين الفخذين مخافة ما يخرج من أحد السبيلين، ويندب أن يكون الكفن أبيض، ويجوز التكفين بالمصبوغ بالزعفران أو الورس - نبت أصفر باليمن -، ويكره المعصفر والأخضر وكل ما ليس بأبيض غير المصبوغ بالزعفران والورس، ويكره أيضاً بالحرير والخز والنجس؛ ومحل الكراهة في ذلك كله إن وجد غيره، وإلا فلا كراهة، ويجب تكفين الميت فيما كان يلبسه لصلاة الجمعة ولو كان قديماً، وإذا تنازع الورثه فطلب بعضهم تكفينه فيما كان يلبسه في الجمعة، وطلب البعض الآخر تكفينه في غيره قضي للفريق الأول، ويندب تبخير الكفن وأن يوضع الطيب داخل كل لفافة وعلى قطن يجعل بمنافذه كأنفه وقمه وعينيه وأذنيه ومخرجه، والأفضل من الطيب الكافور، كما تقدم، ويندب ضفر شعر المرأة وإلقاءه من خلفها. الحنابلة قالوا: الكفن نوعان: واجب، ومسنون، فالواجب ثوب يستر جميع بدن الميت مطلقاً، ذكراً كان أو غيره، ويجب أن يكون الثوب مما يلبس في الجمع والأعياء، إلا إذا أوصى بأن يكفن بأقل من ذلك فتنفذ وصيته، ويكره تكفينه فيما هو أعلى من ملبوس مثله في الجمع والأعياد ولو أوصى بذلك، وأما المسنون فمختلف باختلاف الميت، فإن كان رجلاً سن تكفينه في ثلاث لفائف بيض من قطن، ويكره الزيادة عليها، كما يكره أن يجعل له عمامة، وكيفتيه أن تبسط اللفائف على بعضها، ثم تبخر بعود ونحوه، ويوضع الميت عليها، ويسن أن تكون اللفافة الظاهرة أحسن الثلاث، وأن يجعل الحنوط - وهو أخلاط من اطيب - فيما بينها، ثم يجعل قطن محنط بين أليتيه، وتشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالسراويل، ويحسن تطيب الميت كله، ثم يرد طرف اللفافة العليا الأيمن على الشافعية قالوا: الميت الأيسر، وطرفها الأيسر على شقه الأيمن، ثم يفعل باللفافة الثانية والثالثة كذلك، ويجعل أكثر الزائد من اللفائف عند رأسه، ثم تربط هذه اللفائف عليه، ثم تحل إذا وضع في القبر، أما الأنثى والخنثى البالغان فيكفنان في خمسة أثواب بيض من قطن وهي: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتان، والكيفية في اللفافتين، كما تقدم، والخمار يجعل على الرأس والإزار في الوسط والقميص يلبس لها؛ ويسن أن يكفن الصبي في ثوب واحد، وأن تكفن الصبية في قميص ولفافتين، ويكره التكفين بالشعر والصوف والمزعفر والمعصفر والرقيق الذي يحدد الأعضاء، أما الرقيق الذي يشق عما تحته فلا يكفي؛ ويحرم التكفين بالجلد والحرير ولو لامرأة، وكذا بالمذهب والمفضض، ويجوز التكفين بالحرير والمذهب والمفضض إن لم يوجد غيرها (7) الحنفية قالوا: صفتها أن يقوم المصلي بحذاء صدر الميت، ثم ينوي أداء فريضة صلاة الجنازة عبادة لله تعالى، ثم يكبر للإحرام مع رفع يديه حين التكبير، ثم يقرأ الثناء، ثم يكبر تكبيرة أخرى بدون أن يرفع يديه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر ثالثة بدون رفع يديه أيضاً، ثم يدعو للميت ولجميع المسلمين، والأحسن أن يكون بالدعاء السابق، ثم يكبر رابعة بدون رفع يديه أيضاً، ثم يسلم تسليمتين: إحداهما عن يمينه، وينوي بها السلام على من على يمينه، ثانيتهما: على يساره؛ وينوي بها السلام على من على يساره؛ ولا ينوي السلام على الميت في التسليمتين، ويسر في الكل إلا في التكبير. المالكية قالوا: صفتها أن يقوم المصلي عند وسط الميت إن كان رجلاً، وعند منكبيه إن كان امرأة، ثم ينوي الصلاة على من حضر من أموات المسلمين، ثم يكبر تكبيرة الإحرام مع رفع يديه عندها، كما في الصلاة، ثم يدعو، كما تقدم. ثم يكبر تكبيرة ثانية بدون رفع يديه، ثم يدعو أيضاً، ثم يكبر ثالثة بدون رفع يديه، ثم يدعو، ثم يكبر رابعة بدون رفع، ثم يدعو، ثم يسلم تسليمة واحدة على يمينه يقصد بها الخروج من الصلاة، كما تقدم في الصلاة، ولا يسلم غيرها، ولو كان مأموماً؛ ويندب الإسرار بكل أقوالها إلا الإمام فيجهر بالتسليم والتكبير ليسمع المأمومون، كما تقدم، ويلاحظ في كل دعاء أن يكون مبدوءاً بحمد الله تعالى، وصلاة على نبيه عليه السلام. الشافعية قالوا: كيفيتها أن يقف الإمام أو المنفرد عند رأسه إن كان ذكراً، وعند عجزه إن كان أنثى أو خنثى، ثم ينوي بقلبه قائلاً بلسانه: نويت أن أصلي أربع تكبيرات على من حضر من أموات المسلمين فرض كفاية لله تعالى، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، وإن كان مقتدياً ينوي الاقتداء، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بدون دعاء الافتتاح، ثم يقرأ الفاتحة؛ ولا يقرأ سورة بعدها؛ ثم يكبر التكبيرة الثانية؛ ثم يقول: اللهم صلي ع لى سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد؛ كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما رابكت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم؛ في العالمين؛ إنك حميد مجيد؛ ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو بعدها للميت بأي دعاء آخروي، والأفضل أن يكون بالدعاء المتقدم، ثم يكبر التكبيرة الرابعة، ويقول بعدها: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ثم يقرأ قوله تعالى: {الذين يحملون العرش، ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم} الآية، ثم يسلم التسليمة الأولى ينوي بها من على يمينه، ثم يسلم الثانية ناوياً بها من على يساره، ويرفع يديه عند كل تكبيرة، ويضعهما تحت صدره، كما في الصلاة. الحنابلة قالوا: صفتها أن يقف المصلي عند صدر الذكر، ووسط الأنثى، ثم ينوي الصلاة على من حضر من أموات المسلمين أو على هذا الميت، ونحو ذلك. ثم يكبر للإحرام مع رفع يديه، كما في الصلاة ثم يتعوذ، ثم يبسمل، ثم يقرأ الفاتحة، ولا يزيد عليها، ثم يكبر تكبيرة ثانية رافعاً يديه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، كما في التشهد الأخير، ثم يكبر تكبيرة ثالثة مع رفع يديه، ثم يدعو للميت، كما تقدم، ثم يكبر رابعة مع رفع يديه أيضاً، ولا يقول بعدها شيئاً، ويصبر قليلاً ساكتاً، ثم يسلم تسليمة واحدة، ولا بأس بتسليمة ثانية (8) الحنفية قالوا: يكفي أن ينوي في نفسه صلاة الجنازة، وبعضهم يقول: لا بد من أن ينوي الصلاة على رجل أو أنثى أو صبي أو صبية، ومن لم يعرف يقول: نويت أن أصلي الصلاة على الميت الذي يصلي عليه الإمام، وذلك لأن الميت سبب للصلاة، ولا بد من تعيين السبب، وهذا هو الظاهر الأحوط، وبعضهم يقول: إنه لا بد مع هذا أن ينوي الدعاء على الميت أيضاً. المالكية - قالوا: يكفي أن يقصد الصلاة على هذا الميت، ولا يضر عدم معرفة كونه ذكراً أو أنثى لو اعتقد أنها ذكر فبانت أنثى وبالعكس، فإنه لا يضر، ولا يلزمه أن ينوي الفرضية كما هو رأي الحنفية. الشافعية - قالوا: لا بد فيها من أن يقصد صلاة الجنازة. ويقصد أداء فرض صلاتها، وإن لم يصرح بفرض الكفاية، ولا يشترط تعيين الميت الحاضر، فإن عينه وظهر غيره لم تصح. الحنفية - قالوا: صفة النية ههنا ذا، هي أن ينوي الصلاة على هذا الميت، أو هؤلاء الموتى إن كانوا جماعة، سواء عرف عددهم أو لا. (9) المالكية - قالوا: يجب الدعاء عقب كل تكبيرة حتى الرابعة على المعتمد وأقله أن يقول: اللهم اغفر له، ونحو ذلك، وأحسنه أن يدعو بدعاء أبي هريرة رضي الله عنه، وهو أن يقول بعد حمد الله تعالى، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به؛ اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته؛ اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تقتنا بعده، ويقول في المرأة: اللهم إنها أمتك، وبنت عبدك، وبنت أمتك ويستمر في الدعاء المتقدم بصيغة التأنيث؛ ويقول في الطفل الذكر: اللهم إنه عبدك، وابن عبدك أنت خلقته ورزقته، وأنت أمته وأنت تحييه؛ اللهم اجعله لوالديه سلفاً وذخراً، وفرطاً وأجراً، وثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، ولا تفتنا وإياهما بعده، اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهله خيراً من أهله، وعافه من فتنة القبر، وعذاب جهنم؛ فإن كان يصلي على ذكر وأنثى معاً يغلب الذكر على الأنثى، فيقول: إنهما عبداك، وابنا عبديك، وابنا أمتيك، الخ. وكذا إذا كان يصلي على جماعة من رجال ونساء، فإنه يغلب الذكور على الإناث؛ فيقول: اللهم إنهم عبيدك وابناء عبيدك. الخ. فإن كن نسار يقول: اللهم إنهن إماؤك، وبنا عبيدك، وبنا إمائك، كن يشهدْن، الخ؛ وزاد على الدعاء المذكور في الحنفية قالوا: كل ميت بعد التكبيرة الرابعة: اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا، ومن سبقنا بالإيمان؛ اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، واغفر للمسليمن والمسلمات، ثم يسلم. الحنفية - قالوا: الدعاء يكون بعد التكبيرة الثالثة، ولا يجب الدعاء بصيغة خاصة، بل المطلوب الدعاء بأمور الآخرة، والأحسن أن يدعو بالمأثور في حديث عوف بن مالك، وهو: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار. هذا إذا كان الميت رجلاً، فإن كان أنثى يبدل ضمير المذكر بضمير الأنثى، ولا يقول: وزوجاً خيراً من زوجها، وإن كان طفلاً يقول: اللهم اجعله لنا فرطاً؛ اللهم اجعله لنا ذخراً وأجراً؛ اللهم اجعله لنا شافعاً ومشفعاً، فإن كان لا يحسن المصلي هذا الدعاء دعا بما شاء. الشافعية قالوا: يشترط في الدعاء أن يكون بعد التكبيرة الثالثة طلب الخير للميت الحاضر، فلو دعا للمؤمنين بغير دعاء له بخصوصه لا يكفي إلا إذا كان صبياً، فإنه يكفي كما يكفي الدعاء لوالديه، وأن يكون المطلوب به أمراً أخروياً. كطلب المغفرة والرحمة، ولو كان الميت غير مكلف، كالصبي والمجنون الذي بلغ مجنوناً واستمر كذلك إلى الموت، ولا يتقيد المصلي في الدعاء بصيغة خاصة، ولكن الأفضل أن يدعو بالدعاء المشهور عند الأمن من تغير رائحة الميت. فإن خيف ذلك وجب الاقتصار على الأقل، والدعاء المشهور هو: اللهم هذا عبدك وابن عبدك، خرج من روح الدنيا وسعتها، ومحبوبه وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك، وأنت أعلم به منا، اللهم إنه نزل بك، وأنت خير منزول به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك، وقِهِ فتنة القبر وعذابه، وأفسح له في قبره؛ وجافي الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه آمناً إلى جنتك برحمتك يا ارحم الراحمين؛ ويستحب أن يقول قبله: اللهم اغغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا، فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا، فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره. ويندب أن يقول قبل الدعاءين المذكورين: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأعذه من عذاب القبر وفتنته، ومن عذاب النار، وينبغي أن يلاحظ قارئ الدعاء التذكير والتأنيث والتثنية والجمع بما يناسب حال الميت الذي يصلي عليه، وله أن يذكر مطلقاً بقصد الشخص، وأن يؤنث مطلقاً بقصد الجنازة، ويصح أن يقول في الدعاء على الصغير بدل الدعاء المذكور: اللهم اجعله فرطاً لأبويه، وسلفاً وذخراً وعظة واعتباراً وشفيعاً، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتهما بعده، ولا تحرمهما أجره. هذا، ويسن أن يرفع يديه عند كل تكبيرة. الحنابلة قالوا: محل الدعاء بعد التكبيرة الثالثة، ويجوز عقب الرابعة، ولا يصح عقب سواهما، وأقل الواجب بالنسبة للكبير: اللهم اغفر له ونحوه، وبالنسبة للصغير: اللهم اغفر لوالديه بسببه، ونحو ذلك، والمسنون الدعاء بما ورد، ومنه اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا إنك نعلم متقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا، فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، وأفسح له قبره ونور له فيه، وهذا الدعاء للميت الكبير ذكراً كان أو أنثى، إلا أنه يؤنث الضمائر في الأنثى، وإن كان الميت صغيراً أو بلغ مجنوناً واستمر على جنونه حتى مات قال في الدعاء: اللهم اجعله دخراً لوالديه، وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موزاينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم، يقال ذلك في الذكر والأنثى، إلا أنه يؤنث في المؤنث (10) الحنفية قالوا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية مسنونة وليست ركناً. المالكية قالوا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مندوبة عقب كل تكبيرة قبل الشروع في الدعاء (11) الحنفية قالوا: قراءة الفاتحة بنية التلاوة في صلاة الجنازة مكروهة تحريماً، أما بنية الدعاء فجائزة. الشافعية قالوا: قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ركن من أركانها، والأفضل قراءتها بعد التكبيرة الأولى، وله قراءتها بعد أي تكبيرة، ومتى شرع فيها بعد أي تكبيرة وجب إتمامها، ولا يجوز قطعها ولا تأخيرها إلى ما بعدها، فإن فعل ذلك بطلت صلاته، ولا فرق بين المسبوق وغيره. الحنابلة قالوا: قراءة الفاتحة فيها ركن، ويجب أن تكون بعد التكبيرة الأولى. المالكية قالوا: قراءة الفاتحة فيها مكروهة تنزيهاً (12) الحنابلة قالوا: تجوز الصلاة على الغائب إن كان بعد موته بشهر، فأقل. الشافعية قالوا: تصح الصلاة على الغائب عن البلد من غير كراهة (13) المالكية قالوا: الواجب حضور الميت، وأما وضعه أمام المصلي بحيث يكون عند منكبي لمرأة ووسط الرجل فمندوب (14) الشافعية، والمالكية قالوا: تجوز الصلاة على الميت المحمول على دابة، أو أيدي الناس، أو أعناقهم (15) الحنفية قالوا: يسن الثناء بعد التكبيرة الأولى، وهو: سبحانك اللهم وبحمدك، إلى آخر ما تقدم في "سنن الصلاة" والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، والدعاء على القول بأنه ليس ركناً؛ ويندب أن يقوم الإمام بحذاء صدر الميت، سواء كان ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً. ويندب أيضاً أن تكون صفوف المصلين عليه ثلاثة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليه ثلاثة صفوف غفر له" فلو كان عدد المصلين سبعة قدم واحد، ثم ثلاثة؛ ثم اثنان، ثم واحد. المالكية قالوا: ليس لصلاة الجنازة سنن، بل لها مستحبات، وهي الإسرار بها؛ ورفع اليدين عند التكبيرة الأولى فقط حتى يكونا حذو أذنيه، كما في الإحرام لغيرها من الصلوات، وابتداء الدعاء بحمد الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم؛ ووقوف الإمام والمنفرد على وسط الرجل، وعند منكبي المرأة، ويكون رأس الميت عن يمينه، رجلاً كان أو امرأة، إلا في الروضة الشريفة، فإنه يكون عن يساره ليكون جهة القبر الشريف؛ وأما المأموم فيقف خلف الإمام كما يقف في غيرها من الصلاة، وقد تقدم في صلاة الجماعة؛ وجهر الإمام بالسلام والتكبير بحيث يسمع من خلفه، وأما غيره فيسر فيها. الحنابلة قالوا: سننها فعلها في جماعة، وأن لا ينقص عدد كل صف عن ثلاثة إن كثر المصلون، وإن كانوا ستة جعلهما الإمام صفين، وإن كانوا أربعة جعل كل اثنين صفاً، ولا تصح صلاة من صلى خلف الصف كغيرها من الصلاة، وأن يقف الإمام والمنفرد عند صدر الذكر، ووسط الأنثى، وأن يسر بالقراءة والدعاء فيها. الشافعية قالوا: سننها التعوذ قبل الفاتحة؛ والتأمين بها، والإسرار بكل الأقوال التي فيها، ولو فعلت ليلاً، إلا إذا احتيج لجهر الإمام أو المبلغ بالتكبير والسلام فيجهران بهما، وفعلها في جماعة؛ وأن يكون ثلاثة صفوف إذا أمكن، وأقل الصف اثنان ولو بالإمام، ولا تكره مساواة المأموم للإمام في الوقوف حينئذ، وأكمل الصلاة على النبي عليه السلام، وقد تقدم في سنن الصلاة؛ والصلاة على الآل دون السلام عليهم وعلى النبي عليه السلام؛ والتحميد قبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الصلاة على النبي؛ والدعاء المأثور في صلاة الجنازة؛ والتسليمة الثانية؛ وأن يقول بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ثم يقرأ الآية {الذين يحملون العرض، ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم، ويؤمنون به} الآية. وأن يقف الإمام أو المنفرد عند رأس الذكر، وعند عجز الأنثى أو الخنثى؛ وأن يرفع يديه عند كل تكبيرة، ثم يضعهما تحت صدره، وأن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق صلاته، وأن تكرر الصلاة عليه من أشخاص متغايرين، أما إعادتها ممن أقاموها أولاً فمكروهة، ومن السنن ترك دعاء الافتتاح وترك السورة، ويكره أن يصلي عليه قبل أن يكفن |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصلاة] صـــــ 476 الى صــــــــ490 الحلقة (65) [مبحث الأحق بالصلاة على الميت] في الأحق بالصلاة على الميت اختلاف في المذاهب؛ مذكورة تحت الخط (1) . [إذا زاد الإمام في التكبير على أربع أو نقص] أولاً: إذا زاد الإمام في التكبير على أربع أو نقص عنها ففي متابعة المأمومين إياه صحة الصلاة تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) . [إذا فات المصلي تكبيرة أو أكثر مع الإمام] إذا جاء المأموم إلى الصلاة الجنازة فوجد الإمام قد كبر قبله تكبيرة أو أكثر من تكبيرة، ففي حكمه تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (3) . [هل يجوز تكرار الصلاة على الميت] يكره تكرار الصلاة على الجنازة، فلا يصلي عليها إلا مرة واحدة حيث كانت الصلاة الأولى جماعة، فإن صلى أولاً بدون جماعة أعيدت ندباً في جماعة ما لم تدفن، عند الحنفية؛ والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة، كما هو مذكور تحت الخط (4) . [هل يجوز الصلاة على الميت في المساجد] تكره الصلاة على الميت في المساجد، وإن كان الميت خارج المسجد، كما يكره إدخاله في المسجد من غير صلاة، عند الحنفية، والمالكية، أما الحنابلة؛ والشافعية؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (5) . [مبحث الشهيد] في حد الشهيد وحكمه وأقسامه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (6) . [[مباحث مختلفة]] [حكم حمل الميت وكيفيته] حمل الميت إلى المقبرة فرض كفاية، كغسله وتكفينه والصلاة عليه، وفي كيفيته المسنونة تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (7) . [حكم تشييع الميت، وما يتعلق به] وأما تشييعه فهو سنة، وقال المالكية: إنه مندوب، والأمر سهل، ويندب أن يكون المشيع ماشياً، ويكره الركوب إلا لعذر، فيجوز له ذلك، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) ، ويندب للمشيع أن يتقدم أمام الجنازة إن كان ماشياً، وأن يتأخر عنها إن كان راكباً، عند المالكية، والحنابلة؛ وخالف الحنفية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (9) ، ويندب أن يكون قريباً منها عرفاً: باتفاق ثلاثة، وقال المالكية: لا يندب ذلك ويندب الإسراع بالسير في الجنازة إسراعاً وسطاً، بحيث يكون فوق المشي المعتاد، وأقل من الهرولة، ويكره للنساء أن يشيعن الجنائز، إلا إذا خيف منهن الفتنة، فيكون تشييعهن للجنائز حراماً، باتفاق الشافعية والحنابلة؛ أما الحنفية، والمالكية فانظر مذهبيهما تحت الخط (10) ،ويسن أن يكون المشيعون سكوتاً، فيكره لهم رفع الصوت، ولو بالذكر، وقراءة القرآن، وقراءة البردة، والدلائل ونحوها، ومن أراد منهم أن يذكر الله تعالى، فليذكره في سره، وكذلك يكره أن تتبع الجنازة بالمباخر والشموع. لما روي: "لا تتبعوا الجنازة بصوت ولا نار"، وإذا صاحب الجنازة منكر - كالموسيقى والنائحة - فعلى المشيعين أن يجتهدوا في منعه، فإن لم يستطيعوا فلا يرجعوا عن تشييع الجنازة، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة: إذا عجز عن إزالة المنكر حرم عليه أن يتبعها، لما فيه من إبرار المعصية، والأفضل أن يسير المشيع إلى القبر، وينتظر إلى تمام الدفن، ولكن لا كراهة في الرجوع، سواء رجع قبل الصلاة أو بعدها، عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (11) ، أما جلوس المشيع قبل وضع الجنازة على الأرض ففيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (12) .هذا، ويكره أن يقوم الناس عند مرور الجنازة عليهم وهم جلوس، باتفاق ثلاث، وقال الشافعية: يستحب القيام عند رؤية الجنازة على المختار.[مبحث البكاء على الميت، وما يتبع ذلك]يحرم البكاء على الميت برفع الصوت والصياح، عند المالكية، والحنفية، وقال الشافعية، والحنابلة: إنه مباح، أما هطل الدموع بدون صياح فإنه مباح باتفاق؛ وكذلك لا يجوز الندب؛ وهو عد محاسن الميت بنحو قوله: واجملاه، واسنداه، ونحو ذلك، ومنه ما تفعله النائحة "المعددة" كما لا يجوز صبغ الوجوه، ولطم الخدود، وشق الجيوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" رواه البخاري؛ ومسلم. هذا ولا يعذب الميت ببكاء أهله المحرم عليه، إلا إذا أوصى به، وإذا علم أنه أهله سيكون عليه بعد الموت، وظن أنهم لو أوصاهم بتركه امتثلوا ونفذوا وصيته، وجب عليه أن يوصيهم بتركه، وإذا لم يوص عذب ببكائهم عليه بعد الموت. [حكم دفن الميت، وما يتعلق به] دفن الميت فرض كفاية إن أمكن، فإن لم يمكن، كما إذا مات في سفينة بعيدة عن الشاطئ ويتعسر أن ترسو على مكان يمكن دفنه به قبل تغير رائحته، فإنه يرتبط بمثقل، ويلقى في الماء، وعند إمكان دفنه يجب أن يحفر له حفرة في الأرض، وأقلها عمقاً ما يمنع ظهور الرائحة ونبش السباع، وما زاد على ذلك، ففيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (13) ، أما أقلها طولاً وعرضاً، فهو ما يسع الميت ومن يتولى دفنه، ولا يجوز وضع الميت على وجه الأرض والبناء عليه من غير حفرة، إلا إذا لم يمكن الحفر، ثم إن كانت الأرض صلبة فيسن فيها اللحد، وهو أن يحفر أسفل القبر من جهة القبلة حفرة تسع الميت، والمالكية يقولون: إن اللحد في الأرض الصلبة مستحب لا سنة، وإن كانت رخوة فيباح فيها الشق، وهو أن يحفر في الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (14) ، ويسقف بعد وضع الميت، وهذا حيث تعذر اللحد، ويجب وضع الميت في قبره مستقبل القبلة، وهذا الوجوب متفق عليه إلا عند المالكية، فإنهم قالوا: إن هذا مندوب لا واجب. ويسن أن يوضع الميت في قبره على جنبه الأيمن، وأن يقول واضعه: بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، باتفاق ثلاثة؛ وزاد المالكية أمرين: أحدهما: أنه يندب وضع يده اليمنى على جسده بعد وضعه في القبر، وأن يقول القائم بوضعه: اللهم تقبله بأحسن قبول، وإذا ترك شيء من هذه الأشياء بأن وضع الميت غير موجه للقبلة أو جعل رأسه موضع رجليه أو وضع على ظهره أو على شقه الأيسر، فإن أهيل عليه التراب لم ينبش القبر بقصد تدارك ذلك، أما قبل إهالة التراب عليه،فينبغي تدارك ما فات من ذلك، ولو برفع اللبن بعد وضعه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والمالكية، وقال الشافعية، والحنابلة: إذا دفن غير موجه للقبلة. فإنه يجب نبش القبر ليحوله إلى القبلة، ويستحب أن يسند رأس الميت ورجلاه بشيء من التراب أو اللبن في قبره؛ ويكره أن يوضع الميت في صندوق إلا لحاجة، كنداوة الأرض ورخاوتها، كما يكره وضع وسادة أو فراش أو نحو ذلك معه في قبر - باتفاق الحنفية؛ والشافعية؛ أما المالكية؛ والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (15) ، ثم بعد دفن الميت في اللحد أو الشق وسد قبره باللبن ونحوه يستحب أن يحثو كل واحد ممن شهد دفنه ثلاث حثيات من التراب بيديه جميعاً، ويكون من قبل رأس الميت، ويقول في الأولى: {منها خلقناكم} ، وفي الثانية: {وفيها نعيدكم} ، وفي الثالثة: {ومنها نخرجكم تارة أخرى} ثم يهال عليه بالتراب حتى يسد قبره؛ وقال المالكية، والحنابلة: لا يقرأ شيئاً من القرآن عند حثو التراب؛ ويندب ارتفاع التراب فوق القبر بقدر شبر، ويجعل كسنام البعير، باتفاق ثلاثة، وقال الشافعية: جعل التراب مستوياً منظماً أفضل من كونه كسنام البعير، ويكره تبييض القبر بالجبس أو الجير، أما طلاؤه بالطين فلا بأس به، لأنه لا يقصد به الزينة، عند ثلاثة، وقال المالكية: طلاء القبر أحجاء أو خشب أو نحو ذلك، إلا إذا خيف ذهاب معالم القبر، فيجوز وضع ذلك للتمييز، أما إذا قصد به التفاخر والمباهاة فهو حرام؛ وهذا متفق عليه، إلا عند الشافعية، فإنهم قالوا: يسن وضع حجر أو نحوه عند رأس القبر لتمييزه، أما الكتابة على القبر ففيها تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (16) . [اتخاذ البناء على القبور] يكره أن يبنى على القبر بيت أو قبة أو مدرسة أو مسجد أو حيطان تحدق به - كالحيشان - إذا لم يقصد بها الزينة والتفاخر، وإلا كان ذلك حراماً، وهذا إذا كانت الأرض غير مسبلة ولا موقوفة؛ والمسبلة هي التي اعتاد الناس الدفن فيها، ولم يسبق لأحد ملكها؛ والموقوفة: هي ما وقفها مالك بصيغة الوقف، كقرافة مصر التي وقفها سيدنا عمر رضي الله عنه أما المسبلة والموقوفة فيحرم فيهما البناء مطلقاً، لما في ذلك من الضيق والتحجير على الناس، وهذا الحكم متفق عليه بين الأئمة، إلا أن الحنابلة قالوا: إن البناء مكروه مطلقاً، سواء كانت الأرض مسبلة أو لا، والكراهة في المسبلة أشد؛ وبذلك تعلم حكم ما ابتدعه الناس من التفاخر في البنيان على القبور، وجعلها قصوراً ومساكن قد لا يوجد مثلها في مساكن كثير من الأحياء، ومن الأسف أنه لا فرق في هذه الحالة بين عالم وغيره. [القعود والنوم وقضاء الحاجة والمشي على القبور] يكره القعود والنور على القبر، ويحرم البول والغائط ونحوهما، كما تقدم في باب "قضاء الحاجة" وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (17) ويكره المشي على القبور إلا لضرورة، كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بذلك، باتفاق؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (18) . [نقل الميت من جهة موته] وفي نقل الميت من الجهة التي مات فيها إلى غيرها قبل الدفن وبعده تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (19) . [نبش القبر] يحرم نبش القبر ما دام يظن بقاء شيء من عظام الميت فيه، ويستثنى من ذلك أمور: منها أن يكون الميت قد كفن بمغصوب، وأبى صاحبه أن يأخذ القيمة، ومنها أن يكون قد دفن في أرض مغصوبة، ولم يرص مالكها ببقائه، ومنها أن يدفن معه مال بقصد أو بغير قصد، سواء كان هذا المال له أو لغيره، وسواء كان كثيراً أو قليلاً، ولو درهماً، سواء تغير الميت أو لا، وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (20) . [دفن أكثر من واحد في قبر واحد] دفن أكثر من ميت واحد في قبر واحد فيه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (21) ، وإذا وقع ذلك جعل الأفضل جهة القبلة ويليه المفضول، ويلاحظ تقديم الكبير على الصغير، والذكر على الأنثى ونحو ذلك؛ ويندب أن يفصل بين كل اثنين بتراب، ولا يكفي الفصل بالكفن، وإذا بلي الميت وصار تراباً في قبره جاز نبش القبر وزرعه والبناء عليه وغير ذلك، باتفاق إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (22) . [التعزيه] التعزيه لصاحب المصيبة مندوبة، ووقتها من حين الموت إلى ثلاثة أيام، وتكره بعد ذلك، إلا إذا كان المعزِّي أو المعزَّى غائباً، فإنها لا تكره حينئذ بعد ثلاثة أيام؛ وليس للتعزيه صيغة خاصة؛ بل يعزي كل واحد بما يناسب حاله، وهذا متفق عليه إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (23) ، والأولى أن تكون التعزيه بعد الدفن، وإذا اشتد بهم الجزع فتكون قبل الدفن أولى، باتفاق، وللمالكية تفصيل في ذلك، فانظره تحت الخط (24) . ويستحب أن تعم التعزيه جميع أقارب الميت نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً؛ إلا المرأة الشابة، فإنه لا يعزيها إلا محارمها دفعاً للفتنة وكذا الصغير الذي لا يميز، فإنه لا يعزى، ويكره لأهل المصيبة أن يجلسوا لقبول العزاء، سواء أكان في المنزل أم في غيره، عند الشافعية، والحنابلة، وقال الحنفية: إنه حلاف الأولى، وقال المالكية: إنه مباح، أما الجلوس على قارعة الطريق، وفرش البسط ونحوها مما اعتاد الناس فعله فهو بدعة منهي عنها، وإذا عزي أهل الميت مرة كره تعزيتهم مرى أخرى؛ باتفاق ثلاثة، وقال المالكية: لا تكره تعزيتهم مرة أخرى.الشافعية قالوا: سننها التعوذ قبل الفاتحة؛ والتأمين بها، والإسرار بكل الأقوال التي فيها، ولو فعلت ليلاً، إلا إذا احتيج لجهر الإمام أو المبلغ بالتكبير والسلام فيجهران بهما، وفعلها في جماعة؛ وأن يكون ثلاثة صفوف إذا أمكن، وأقل الصف اثنان ولو بالإمام، ولا تكره مساواة المأموم للإمام في الوقوف حينئذ، وأكمل الصلاة على النبي عليه السلام، وقد تقدم في سنن الصلاة؛ والصلاة على الآل دون السلام عليهم وعلى النبي عليه السلام؛ والتحميد قبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بعد الصلاة على النبي؛ والدعاء المأثور في صلاة الجنازة؛ والتسليمة الثانية؛ وأن يقول بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، ثم يقرأ الآية {الذين يحملون العرض، ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم، ويؤمنون به} الآية. وأن يقف الإمام أو المنفرد عند رأس الذكر، وعند عجز الأنثى أو الخنثى؛ وأن يرفع يديه عند كل تكبيرة، ثم يضعهما تحت صدره، وأن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق صلاته، وأن تكرر الصلاة عليه من أشخاص متغايرين، أما إعادتها ممن أقاموها أولاً فمكروهة، ومن السنن ترك دعاء الافتتاح وترك السورة، ويكره أن يصلي عليه قبل أن يكفن (1) الحنفية قالوا: يقدم في الصلاة عليه السلطان إن حضر، ثم نائبه وهو أمير المصر، ثم القاضي، ثم صاحب الشرطة، ثم إمامه الحي إذا كان أفضل من ولي الميت، ثم ولي الميت على ترتيب العصبة في النكاح، فيقدم الابن، ثم ابن الابن، وإن سفل، ثم الأب، ثم الجد، وإن علا، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ الأب، ثم ابن الأخ الشقيق، وهكذا الأقرب فالأقرب، كما هو مفصل في "باب النكاح" فإن لم يكن له ولي، قدم الزوج، ثم الجيران، وإذا أوصى لأحد بأن يصلي عليه أو بأن يغسله فهي وصية باطلة لا تنفذ، ولمن له الحنفية قالوا: التقدم أن يأذن غيره في الصلاة. الحنابلة قالوا: الأولى بالصلاة عليه إماماً: الوصي العدل، فإذا أوصى بأن يصلي عليه شخص عدل قدم على غيره، ثم السلطان، ثم نائبه، ثم أب الميت، وإن علا، ثم ابنه، وإن نزل. ثم الأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث، ثم ذوو الأرحام، ثم الزوج، فإن تساوى الأولياء في القرب كإخوة أو أعمام، قدم الأفضل منهم على ترتيب الإمامة، وقدم تقدم في صلاة الجماعة، فإن تساووا في جميع جهات التقديم أقرع بينهم عند التنازع، وإذا أناب الولي عنه واحداً كان بمنزلته، فيقدم على من يليه في الرتبة، بخلاف نائب الوصي، فلا يكون بمنزلته. الشافعية قالوا: الأولى بإمامتها أب الميت، وإن علا، ثم ابنه، وإن سفل، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، وهكذا على ترتيب الميراث. فإن لم يكن قريب قدم معتق الميت، ثم عصبته الأقرب فالأقرب، ثم الإمام الأعظم، أو نائبه، ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، ويقدم الأسن في الإسلام العدل عند التساوي في درجة، كابنين، ثم الأفقه، والأقرأ، والأورع؛ وإذا أوصى بالصلاة عليه لغير من يستحق التقدم ممن ذكر فلا تنفذ وصيته. المالكية قالوا: الأحق بالصلاة على الميت من أوصى الميت بأن يصلي عليه إذا كان الإيصاء لرجاء بركة الموصى له، وإلا فلا، ثم الخليفة، وهو الإمام الأعظم، وأما نئبه فلا الحنفية قالوا: له في التقدم، إلا إذا كان نائباً عنه في الحكم والخطبة، ثم أقرب العصبة، فيقدم الابن، ثم ابنه، ثم الأخ ثم ابن الأخ، ثم الجد، ثم العم، ثم ابن العم، وهكذا، فإن تعددت العصبة المتساوون في القرب من الميت تقدم الأفضل منهم لزيادة فقه، أو حديث، ونحو ذلك، ولا الحنفية قالوا: لخروج غير عصبة الميت، في التقدم بخلاف السيد فله الحق، ويكون بعد العصبة، فإن لم يوجد عصبة ولا سيد، فالأجانب سواء إلا أنه الأفضل منهم، كما في صلاة الجماعة، وقد تقدم (2) الحنفية قالوا: إذا زاد الإمام عن أربع، فالمقتدي لا يتابعه في الزيادة، بل ينتظر حتى يسلم معه، وصحت صلاة الجميع، أما إذا نقص عنها فتبطل صلاة الجميع إن كان النقص عمداً، فإن كان سهواً فالحكم كحم نقص ركعة في الصلاة، إلا أنه لا سجود للسهو في صلاة الجنازة. وقد تقدم حكم نقصان ركعة في الصلاة. الشافعية قالوا: لو زاد عن الأربع فلا يتابعه المأموم، بل ينوي المفارقة بقلبه ويسلم قبله أو ينتظره ليسلم معه، والأفضل الانتظار، وتصح صلاة الكل، إلا إذا والى الإمام رفع يديه في التكبيرات الزائدة ثلاث مرات، فإن الصلاة تبطل عليه وعلى المأمومين إن انتظروه، وإن نقص عنها بطلت عليه وعلى المأمومين إن كان النقص عمداً، فإن كان سهواً تداركه كالصلاة، ولا سجود للسهو هنا. المالكية قالوا: إذا زاد الإمام عن الأربع عمداً أو سهواً كره للمأمومين أن ينتظروه، بل يسلمون دونه وصحت صلاته وصلاتهم، وإن نقص عنها عمداً وهو يرى ذلك مذهباً له فلا يتبعه المأمومون في النقص، بل يكملون التكبير أربعاً، وصحت صلاة الجميع، وأما إذا نقص عمداً وهو لا يرى ذلك مذهباً، فإن صلاته تبطل، صلاة المأمومين تبعاً لبطلان صلاته، فإن نقص سهواً سبح له المأمومون، فإن رجع عن قرب، وكمل التكبير كملوه معه وصحت صلاة الجميع، وإن لم يرجع ولم يتنبه إلا بعد زمن طويل، كما تقدم في الصلاة كملواهم، وصحت صلاتهم، وبطلت صلاته. الحنابلة قالوا: إذا زاد الإمام عن أربع تكبيرات تابعه المأمومون في الزيادة إلى سبع تكبيرات، فإن زاد عن السبع نبهوه، ولا يجوز لهم أن يسلموا قبله، وتصح صلاة الجميع، وإن نقص عنها، فإن كان عمداً، بطلت صلاة الجميع، وإن كان سهواً، فلا يسلم المأمومون، بل ينبهونه، فإن أتى بما تركه عن قرب صحت صلاة الجميع، وإن طال الفصل أو وجد من الإمام مناف للصلاة بطلت صلاة الإمام، وتبطل صلاة المأمومين إن لم ينووا المفارقة، وإلا صحت (3) الحنفية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام قد فرغ من التكبيرة الأولى، واشتغل بالثناء، أو الثانية، واشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ أو الثالثة، واشتغل بالدعاء فلا يكبر في الحال، بل ينتظر إمامه ليكبر معه، فإن لم ينتظره وكبر فلا تفسد صلاته، ولكن لا تحتسب هذه التكبيرة، ثم بعد سلام الإمام يأتي المسبوق بالتكبيرات التي فاتته إن لم ترفع الجنازة فوراً فإن رفعت فوراً سلم ولا يقضي ما فاته من التكبيرات، فلو جاء بعد أن كبر الإمام التكبيرة الرابعة، وقبل أن يسلم، فالصحيح أن يدخل معه ثم يتمم بعد سلامه، على التفصيل السابق. يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
المالكية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام مشتغلاً بالدعاء فإنه يجب عليه أن لا يكبر، وينتظر حتى يكبر الإمام، فيكبر معه، فإن لم ينتظر وكبر صحت صلاته، ولا تحتسب هذه التكبيرة في حالة الانتظار وعدمه، وإذا سلم الإمام قام المأموم بقضاء ما فاته من التكبير، سواء رفعت الجنازة فوراً، أو لئلا يكون مصلياً على غائب، والصلاة على الغائب ممنوعة، كما تقدم، أما إذا جاء المأموم، وقد فرغ الإمام ومن معه من التكبيرة الرابعة، فلا يدخل معه على الصحيح لأنه في حكم التشهد، فلو دخل معه يكون مكرراً للصلاة على الميت، وتكرارها مكروه. الحنابلة قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام قد كبر التكبيرة الأولى، واشتغل بالقراءة أو الثانية، واشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو الثالثة، واشتغل بالدعاء؛ فإنه يكبر فوراً ولا ينتظر الإمام حتى يرجع إلى التكبير، ثم يتبع الإمام فيما يفعله، ثم يقضي بعد سلام إمامه ما فاته على صفته، بأن يقرأ الفاتحة بعد أول تكبيرة يأتي بها بعد سلام الإمام، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية إن لم يخف رفع الجنازة فإن خشي رفعها كبر تكبيراً متتابعاً بدون دعاء ونحوه، وسلم، ويجوز له أن يسلم بدون أن يقضي ما فاته، كما يجوز له أن يدخل مع الإمام بعد التكبيرة الرابعة، ثم يقضي الثلاثة استحباباً. الشافعية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام قد فرغ من التكبيرة الأولى أو غيرها، واشتغل بما بعدها من قراءة أو غيرها فإنه يدخل معه، ولا ينتظر حتى يكبر التكبيرة الثالثة؛ إلا أنه يسير في صلاته على نظم الصلاة لو كان منفرداً، فبعد أن يكبر التكبيرة الأولى يقرأ من الفاتحة ما يمكنه قراءة قبل تكبير الإمام، ويسقط عنه الباقي، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية وهكذا، فإذا فرغ الإمام أتم المأموم صلاته على النظم المذكور، سواء بقيت الجنازة أو رفعت، وإذا لم يمكنه قراءة شيء من الفاتحة بأن كبر إمامه عقب تكبيره هو للإحرام كبر معه وتحمل الإمام عنه كل الفاتحة (4) الشافعية قالوا: تسن الصلاة على الجنازة مرة أخرى لمن لم يصلِّ أولاً، ولو بعد الدفن. الحنابلة قالوا: يجوز تكرار الصلاة على الجنازة لمن لم يصلِّ أولاً، ولو بعد الدفن، كما تقدم، ويكره التكرار لمن صلى أولاً (5) الحنابلة قالوا: تباح الصلاة على الميت في المساجد إن لم يخش تلويث المسجد، وغلا حرمت الصلاة عليه وحرم إدخاله. الشافعية قالوا: يندب الصلاة على الميت في المسجد (6) الحنفية قالوا: الشهيد هو من قتل ظلماً، سواء قتل في حرب أو قتله باغ أو حربي أو قاطع طريق أو لص، ولو كان قتله بسبب غير مباشر، وينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: الشهيد الكامل وهو شهيد الدنيا والآخرة، ويشترط في تحقق الشهادة الكاملة ستة شروط، وهي: العقل، البلوغ، والإسلام والطهارة من الحدث الأكبر، والحيض، والنفاس، وأن يموت عقب الإصابة بحيث لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، ولا يتداوى ولا ينتقل من مكان الإصابة إلى خيمته أو منزله حياً، ولا يمضي عليه وقت الصلاة، وأن يجب بقتله القصاص، وإن رفع القصاص لعارض، كصلح ونحوه، أما إذا وجب بقتله عوض مالي، كما إذا قتل خطأ فإنه لا يكون كامل الشهادة، ويدخل في هذا القسم من قتل مدافعاً عن ماله أو نفسه أو المسلمين أو أهل الذمة ولكن بشرط أن يقتل بمحدد، وحكم هذا القسم من الشهداء أن لا يغسل إلا لنجاسة أصابته غير دمه، ويكفن في أثوابه بعد أن ينتزع عنه ما لا يصلح للكفن مثل الفرو والحشو والقلنسوة والخف والسلاح، والدرع، بخلاف السراويل، وكذلك الحشو والفرو إذا لم يوجد غيرهما؛ ثم يزاد إن نقص ما عليه عن كفن السنة، وينقص إن زاد ما عليه عن ذلك، ويصلي عليه، ويدفن بدمه وثيابه، الثاني: من الشهداء شهيد الآخرة فقط، وهو كل من فقد شرطاً من الشروط السابقة بأن قتل ظلماً؛ وهو جنب أو حائض أو نفساء، أو لم يمت عقب الإصابة، أو كان صغير أو مجنوناً، أو قتل خطأ ووجب بقتله مال، فهؤلاء ليسوا كاملي الشهادة إلا أنهم شهداء في الآخرة، لهم الأجر الذي وعد به الشهداء يوم القيامة فيجب تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم كغيرهم، ومثل هؤلاء في شهادة الآخرة، الغرقى، والحرقى، ومن مات بسقوط جدران عليه وكذلك الغرباء والموتى بالوباء، وبداء الاستسقاء، أو الإسهال، أو ذات الجنب، أو النفاس؛ أو السل؛ أو الصرع؛ أو الحمى، أو لدغ العقرب ونحوه، كالموتى في أثناء طلب العلم، والموتى ليلة الجمعة، ومثل هؤلاء يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم. وإن كان لهم أجر الشهداء في الآخرة، الثالث الشهيد في الدنيا فقط، وهو المنافق الذي قتل في صفوف المسلمين ونحوه، وهذا لا يغسل، ويكفن في ثيابه، ويصلى عليه اعتباراً بالظاهر. الحنابلة قالوا: الشهيد هو من مات بسبب قتال كفار حين قيام القتال، ولو كان غير مكلف، أو كان غالاً - بأن كتم من الغنيمة شيئاً - رجلاً كان أو امرأة، وحكمه أن يحرم غسله والصلاة عليه، ويجب دفنه بثيابه التي قتل فيها، إلا إذا وجب عليه غسل غير غسل الإسلام قبل قتله، فإنه يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه بدمه الذي عليه، إلا إذا كانت عليه نجاسه غير الدم، فإنه يجب غسلها، ويجب نزع ما كان عليه من سلاح أو جلود، وأن لا يزاد أو ينقص من ثيابه التي قتل فيها، فإن سلبت عنه وجب تكفينه في غيرها، ومثل الشهيد المتقدم، المقتول ظلماً بأن قتل وهو يدافع عن عرضه أو ماله ونحو ذلك، فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يكفن، بل يدفن بثيابه، بخلاف من تردى عن دابته في الحرب، أو عن شاهق جبل بغير فعل العدو فمات بسبب ذلك، أو عاد سهمه إليه فمات؛ أو وجد بغير المعركة ميتاً، أو جرح ثم حمل، فأكل أو شرب، أو عطش، أو طال بقاؤه عرفاً فإنه يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه كغير الشهداء، وإن كان من الشهداء يوم القيامة، والشهيد الذي تقدم بيانه، هو شهيد الدنيا والآخرة وهناك شهيد الآخرة، وهو من لم تتوفر فيه الشروط السابقة، إلا أن الآثار الصحيحة دلت على أنه من الشهداء يوم القيامة، وذلك نحو من مات بالطاعون، أو وجع البطن، أو الغرق، أو الشرق، أو بالحرق؛ أو بالهدم، أو بذات الجنب، أو بالسل، أو اللقوة، أو سقط من فوق جبل، أو مات في سبيل الله؛ ومنه من مات في الحج، أو طلب العلم، أو خرج من بيته للقتال في سبيل الله بنية الشهادة والمقتول مدافعاً عن دينه أو عرضه أو ماله أو نفسه، ومن قتلته السباع وغير ذلك. المالكية قالوا: الشهيد هو من قتله كافر حربي أو قتل في معركة بين المسلمين والكفار، سواء كان القتال ببلاد الحرب، أو ببلاد الإسلام، كما إذا غزا الحربيون المسلمين، وحكم الشهيد المذكور أنه يحرم تغسيله والصلاة عليه، ولو لم يقاتل، بأن كان غافلاً أو نائماً ثم قتل، وكذلك إذا قتله مسلم يظنه كافراً، أو داسته الخيل، أو رجع عليه سيفه أو سهمه فقتله، أو تردى في بئر أو سقط من شاهق جبل فمات، فكل هؤلاء يحرم تغسليهم والصلاة عليهم، ولا فرق بين الجنب وغيره؛ إنما يشترط أن لا يرفع من المعركة حيا؛ فإن رفع حيا غسل وصلي عليه، إلا إذا رفع مغموراً - والمغمور هو الذي لا يأكل ولا يشرب؛ ولا يتكلم - فهذا كالمرفوع ميتاً، فلا يغسل؛ ولا يصلي عليه؛ ويجب دفن الشهيد بثيابه التي مات فيها متى كانت مباحة، ولا يزاد عليها إن سترت جميع بدنه، فإن لم تستر جميع بدنه زيد عليها ما يستره؛ ولا ينزع خفه، ولا قلنسوته - وهي ما يتعمم عليه؛ وتسمى الطاقية - ولا تنزع منطقته، وهي ما يشد في وسطه إن كان ثمنها قليلاً؛ وكذلك يبقى خاتمه إن قل ثمن فصه، وكان الخاتم من فضة. وإلا نزع ودفن بدونه. وينزع عنه آلة الحرب كالسيف والدرع؛ والشهيد المذكور يشمل شهيد الدنيا والآخرة، وهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وشهيد الدنيا فقط وهو من قاتل للغنيمة؛ وأما شهيد الآخرة فقط وهو المبطون والغريق والحريق ونحوهم والمقتول ظلماً في غير قتال الحربيين ولم يقتله حربي فهو كغيره من الموتى في غسله وغيره. فيجب تغسيله والصلاة عليه. ولا يجب دفنه في ثيابه وشهيد الآخرة المذكور له في الآخرة الأجر الوارد في الشرع إن شاء الله تعالى، وأما شهيد الدنيا فقط فلا أجر له في الآخرة، وإن كان يعامل معاملة الشهداء في الدنيا، كما تقدم. الشافعية قالوا: الشهيد ثلاثة أقسام: "1" شهيد الدنيا والآخرة، وهو من قاتل الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى من غير رياء ولا غلول من الغنيمة - الغلول هو الأخذ من الغنيمة قبل قسمها بين المجاهدين - "2" شهيد الدنيا فقط، وهو من قاتل بهدم أو غرق أو نحوها، كالمقتول ظلماً، والقسمان الأولان يحرم تغسيلهما والصلاة عليهما، ولو كان بهما حدث أصغر أو أكبر. ولا فرق بين أن يقتل واحد من القسمين المذكورين بسلاح كافر أو مسلم خطأ، وكذا من يقتل بسلاح نفسه. بأن يرجع عليه سلاحه فيقتله، أو يسقط عن دابته فيموت، أو تطأه الدواب، أو نحو ذلك، ولا فرق أيضاً بين أن يموت في الحال أو يبقى حياً بعد الإصابة، بشرط أن يكون بذلك السبب قبل انقضاء الحرب، أو يموت بعد انقضاء الحرب إذا كانت حياته غير مستقرة بأن لم يبق فيه إلا حركة مذبوح، ويجب تكفينه، ويسن أن يكفن بثيابه، وتكمل بما يستره إن لم تستره، ويندب أن ينزع عنه آلات الحرب، كالدرع والخف والفروة والسلاح ونحوها، وأما القسم الثالث فهو شهيد في ثواب الآخرة فقط، وأما في الدنيا فهو كغيره من الموتى يغسل ويصلي عليه، ويلاحظ فيه كل ما تقدم مما يتعلق بسائر الموتى، وتجب إزالة النجاسة من على بدن من يحرم غسله سوى دم الشهادة، ولو أدى إزالتها إلى إزالة دم الشهادة (7) الحنفية قالوا: يحصل أصل السنة في حمل الجنازة بأن يحملها أربعة رجال على طريق التعاقب، بأن تحمل من كل جانب عشر خطوات، وأما كمال السنة فيحصل بأن يبتدأ الحامل بحمل يمين مقدم الجنازة، فيضعه على عاتقه الأيمن عشر خطوات، ثم ينتقل إلى المؤخر الأيمن فيضعه على عاتقه الأيمن عشر خطوات أيضاً، ثم ينتقل إلى المقدم الأيسر فيحمله على عاتقه الأيسر كذلك ثم ينتقل إلى المؤخر الأيسر فيضعه على عاتقه الأيسر كذلك، ويكره أن تحمل على الكتف ابتداء، بل السنة أن يأخذ قائمة السرير بيده أولاً، ثم يضعها على كتفه، ويكره حمله بين عمودين بأن يحملها رجلان: أحدهما في المقدم، والآخر في المؤخر، إلا عند الضرورة، وكيفية حمل الصغير الرضيع أو الفطيم أو فوق ذلك قليلاً هي أن يحمله رجل واحد على يديه، ويتداوله الناس بالحمل على أيديهم، ولا بأس بأن يحمله على يديه وهو راكب، ويكره حمل الكبير على الدابة ونحوها إلا لضرورة؛ ويندب أن يسرع بالسير بالجنازة إسراعاً غير شديد، بحيث لا يضطرب به الميت في نعشه؛ ويغطى نعش المرأة ندباً، كما يغطي قبرها عند الدفن إلى أن يفرغ من لحدها، إذ المرأة عورة من قدمها إلى قرنها، فربما يبدو شيء منها، وإذا تأكد ظهور شيء منها وجبت التغطية. الحنابلة قالوا: يسن أن يحمل الجنازة أربعة رجال بحيث يحمل كل واحد منهم من كل قائمة من القوائم الأربع مرة بأن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة حال السير على كتفه اليمنى، ثم يدعها لغيره، وينتقل إلى القائمة اليسرى المؤخرة ويضعها على كتفه اليمنى أيضاً، يم يدعها لغيره، ثم يضع القائمة اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى، ثم يدعها لغيره، ثم ينتقل إلى القائمة اليمنى المؤخرة، فيضعها على كتفه اليسرى أيضاً، ولا يكره الحمل بين قائمتي السرير، وكذلك لا يكره حمل الطفل على يديه من غير نعش، ولا يكره حمل الجنازة على دابة إذا كان لحاجة، كبعد المقبرة ونحو ذلك، ومن السنة ستر نعش المرأة بغطاء مثل القبة يوضع فوق النعش، يصنع من خشب أو جريد، وفوقه ثوب. المالكية قالوا: حمل الميت ليس له كيفية معينة، فيجوز أن يحمله أربعة أشخاص وثلاثة واثنان بلا كراهة؛ ولا يتعين البدء بناحية من السرير - النعش - والتعين من البدع؛ ويندب حمل ميت صغير على الأيدي، وكره حمله في نعش لما فيه من التفاخر، ويندب أن يجعل على المرأة ما يستر سريرها كالقبة، لأنه أبلغ في الستر المطلوب بالنسبة لها، وكره فرش النعش بحرير، وأما ستر النعش بالحرير فجائز إذا لم يكن ملوناً، وإلا كره. الشافعية قالوا: للحمل كيفيتان كل منهما حسن: أولاً: التثليث، وصفته أن يحمل ثلاثة من الرجال بحيث يكون الأول حاملاً لمقدم السرير يضع طرفيه على كتفيه، ورأسه بينهما، ثم يحمل المؤخر رجلان كل منهما يضع طرفاً على عاتقه، وهذه الكيفية أفضل من التربيع الآتي؛ ثانياً التربيع، وهو أن يحمله أربعة: اثنان يحملان مقدم سرير الميت واثنان يحملان مؤخره، بحيث يضع من على يمين الميت طرف السرير على عاتقه الأيسر، ومن على يسار الميت يضع الطرف الآخر على عاتقه الأيمن؛ ويجب في حمل الميت أن لا يكون بهيئة تنافي الكرامة، كأن يحمل ميت كبير على اليد والكتف ونحو ذلك، بخلاف الصغير؛ ويسن أن يغطي نعش المرأة بغطاء أو يوضع عليه نحو قبة، لأنه أستر، ويجوز ستر غطاء نعشها بحرير، وكذا نعش الطفل على المعتمد، أما الرجل فلا يجوز ستر نعشه بالحرير (8) الحنفية قالوا: لا بأس بالركوب في الجنازة، والمشي أفضل، إلا أنه إذا كان المشيع راكباً كره له أن يتقدم الجنازة، لأنه يضر بمن خلفه بإثارة الغبار (9) الحنفية قالوا: الأفضل للمشيع أن يمشي خلفها، ويجوز أن يمشي أمامها، إلا إن تباعد عنها، أو تقدم على جميع الناس، فإنه يكره المشي أمامها حينئذ، أما المشي عن يمينها أو يسارها فهو خلاف الأولى. هذا إذا لم يكن خلف الجنازة نساء يخشى الاختلاط بهن، أو كان فيهن نائحة، فإن كان ذلك فالمشي أمامها يكون أفضل. الشافعية قالوا: إن المشيع شفيع، فيندب أن يقدم أمام الجنازة، سواء كان راكباً أو ماشياً (10) المالكية قالوا: إذا كانت المرأة مسنة جاز لها أن تشيع الجنازة مطلقاً، وتكون في سيرها متأخرة عنها وعن الراكب من الرجال إن وجد. وإن كانت شابة لا يخشى منها الفتنة جاز خروجها لجنازة من يعز عليها، كأب وولد وزوج وأخ، وتكون في سيرها كما تقدم، وأما من يخشى من خروجها الفتنة فلا يجوز خروجها مطلقاً. الحنفية قالوا: تشييع النساء للجنازة مكروه تحريماً مطلقاً (11) المالكية، والحنفية قالوا: يكره الرجوع قبل الصلاة مطلقاً، وأما بعد الصلاة فلا يكره الرجوع إن أذن به أهل البيت؛ وزاد المالكية أنه يكره الرجوع إذا طالت المسافة، ولو بغير إذن (12) المالكية قالوا: يجوز ذلك بلا كراهة. الحنفية قالوا: يكره ذلك تحريماً إلا لضرورة. الحنفية قالوا: يجوز ذلك لمن كان بعيداً عن الجنازة، ويكره لمن كان قريباً منها. الشافعية قالوا: يسن أن لا يقعد حتى توضع (13) المالكية قالوا: يكره الزيادة في العمق على ذلك لغير حاجة. الحنفية قالوا: يسن أن يكون أقل العمق مقدار نصف قامة رجل متوسط، وما زاد على ذلك فهو أفضل. الشافعية قالوا: يسن الزيادة في العمق إلى قدر قامة رجل متوسط الخلقة باسط ذراعيه إلى السماء. الحنابلة قالوا: يسن تعميق القبر من غير حد معين (14) المالكية، والشافعية قالوا: يستحب الشق في الأرض الرخوة، وهو أفضل من اللحد فليس هو مباح فقط، كما يقول الآخرون. الشافعية قالوا: يسن أن يقول واضعه. بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم افتح أبواب السماء لروحه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، ووسع له في قبره (15) الحنابلة قالوا: إن وضع الميت في صندوق ونحوه مكروه مطلقاً. المالكية قالوا: إن دفن الميت في التابوت - الصندوق ونحوه خلاف الأولى (16) المالكية قالوا: الكتابة على القبر إن كانت قرآنا حرمت، وإن كانت لبيان اسمه، أو تاريخ موته، فهي مكروهة. الحنفية قالوا: الكتابة على القبر مكروهة تحريماً مطلقاً، إلا إذا خيف ذهاب أثره فلا يكره. الشافعية قالوا: الكتابة على القبر مكروهة، سواء كانت قرآنا أو غيره، إلا إذا كان قبر عالم أو صالح، فيندب كتابة اسمه، وما يميزه ليعرف. الحنابلة قالوا: تكره الكتابة على القبور من غير تفصيل بين عالم وغيره. فهذه نصوص المذاهب الربعة. فلعل الناس يرجعون إلى دينهم ويتركون التفاخر بكتابة النقوش المذهبة ونحوها على القبور، فإن المقام مقام عظة واعتبار، لا مقام مباها، وافتخار (17) الحنفية قالوا: القعود والنوم على القبر مكروه تنزيهاً، والبول والغائط ونحوهما مكروه تحريماً. المالكية قالوا: الجلوس على المقابر جائز، وكذا النوم، أما التبول ونحوه فحرام (18) المالكية قالوا: يكره المشي على القبر إن كان مسنماً والطريق دونه، وإلا جاز، كما يجوز المشي عليه إذا لم يبق من الميت جزء مشاهد، ولو كان القبر مسنماً (19) المالكية قالوا: يجوز نقل الميت قبل الدفن وبعده من مكان إلى آخر بشروط ثلاثة: أولها: أن لا ينفجر حال نقله، ثانيها: أن لا تهتك حرمته بأن ينقل على وجه يكون فيه تحقير له، ثالثها: أن يكون نقله لمصلحة، كأن يخشى من طغيان البحر على قبره، أو يراد نقله إلى مكان له قيمة، أو إلى مكان قريب من أهله، أو لأجل زيارة أهله إياه فإن فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل. الحنفية قالوا: يستحب أن يدفن الميت في الجهة التي مات فيها، ولا بأس بنقله من بلدة إلى أخرى قبل الدفن عند أمن تغير رائحته، أما بعد الدفن فيحرم إخراجه ونقله، إلا إذا كانت الأرض التي دفن فيها مغصوبة، أو أخذت بعد دفنه بشفعة. الشافعية قالوا: يحرم نقل الميت قبل دفنه من محل موته إلى آخر ليدفن فيه ولو أمن من تغيره، إلا إن جرت عادتهم بدفن موتاهم في غير بلدتهم، ويستثنى من ذلك من مات في جهة قريبة من مكة، أو المدينة المنورة، أو بيت المقدس، أو قريباً من مقبرة قوم صالحين فإنه يسن نقله إليها إذا لم يخش تغير رائحته، وإلا حرم، وهذا كله إذا كان قد تم غسله وتكفينه والصلاة عليه في محل موته، وأما قبل ذلك فيحرم مطلقاً، وكذلك يحرم نقله بعد دفنه إلا لضورة، كمن دفن في أرض مغصوبة فيجوز نقله إن طالب بها مالكها. الحنابلة قالوا: لابأس بنقل الميت من الجهة التي مات فيها إلى جهة بعيدة عنها، بشرط أن يكون النفل لغرض صحيح، كأن ينفل إلى بقعة شريفة ليدفن فيها أو ليدفن بجوار رجل صالح، وبشرط أن يؤمن تغير رائحته، ولا فرق في ذلك بين أن يكون قبل الدفن أو بعده (20) المالكية قالوا: إذا دقن مع الميت مال نسياناً، كأن سقطت ساعة أو خاتم أو دنانير أو دراهم حال الدفن، وأهيل عليها التراب، فلا يخلو، إما أن تكون مملوكة له قبل موته، أو هي ملك لغيره، فإن كانت مملوكة لغيره فإن له أن ينبش القبر ويخرج ماله إن لم يتغير الميت، وإلا يجبر على أخذ قيمة ماله من التركة مثلياً، كالدراهم والدنانير، وقيمته إن كان مقوماً، كالثياب. هذا إذا كان ملكاً لغير الميت، أما إذا كان ملكاً له فتتركه الورثة جبراً عند تغير الميت، ولو كانت له قيمة، أما إذا لم يتغير الميت، وكانت له قيمة، فإن لهم نبش القبر؛ وأيضاً إنما ينبش القبر لإخراج المال إذا لم يطل الزمن بحيث يظن تلف المال، وإلا فلا ينبش، لأنه لا فائدة في نبشه في هذه الحالة (21) الحنفية قالوا: يكره ذلك إلا عند الحاجة، فيجوز عند الحاجة دفن أكثر من واحد. المالكية قالوا: يجوز جمع أموات بقبر واحد لضرورة، كضيق المقبرة، ولو كان الجمع في أوقات، كأن تفتح المقبرة بعد الدفن فيها لدفن ميت آخر، وأما عند عدم الضرورة فيحرم جمع أموات في أوقات، ويكره في وقت واحد. الشافعية، والحنابلة قالوا: يحرم ذلك إلا لضرورة، ككثرة الموتى، وخوف تغيرهم أو لحاجة، كمشقة على الأحياء (22) المالكية قالوا: إذا بلي الميت ولم يبق منه جزء محسوس جاز نبش القبر للدفن فيه، والمشي عليه، وأما زرعه والبناء عليه، فلا يجوز، لأنه بمجرد الدفن صار حبساً لا يتصرف فيه بغير الدفن، سواء بقي الميت أو فني (23) الحنفية قالوا: يستحب أن يقال للمصاب: "غفر الله تعالى لميتك. وتجاوز عنه وتعمده برحمتك، ورزقتك الصبر على مصيبته، وآجرك على موته، وأحسن صيغة في هذا الباب صيغة رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله ما أخذ؛ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى" فيحسن أن يضيفها إلى ما ذكر (24) المالكية قالوا: الأولى أن يكون العزاء بعد الدفن مطلقاً، وإن وجد منهم جزع شديد |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصيام] صـــــ 490 الى صــــــــ504 الحلقة (66) [مبحث ذبح الذبائح، وعمل الأطعمة في المآتم] ومن البدع المكروهة ما يفعل الآن من ذبح الذبائح عند خروج الميت، من البيت، أو عند القبر، وإعداد الطعام لمن يجتمع للتعزيه: وتقديمه لهم كما يفعل ذلك في الأفراح ومحافل السرور وإذا كان في الورثة قاصر عن درجة البلوغ، حرم إعداد الطعام وتقديمه، روى الإمام أحمد، وابن ماجة عن جرير بن عبد الله قال: "كنا نعد الإجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة". أما إعداد الجيران والأصدقاء طعاماً لأهل الميت وبعثه لهم، فذلك مندوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد جاءهم ما يشغلهم"، ويلح عليهم في الأكل، لأن الحزن قد يمنعهم منه. [خاتمة في زيارة القبور] زيارة القبور مندوبة للاتعاظ وتذكر الآخرة، وتتأكد يوم الجمعة، ويوماً قبلها، ويوماً بعدها، عند الحنفية، والمالكية، وخالف الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) وينبغي للزائر الاشتغال بالدعاء والتضرع والاعتبار بالموتى وقراءة القرآن للميت، فإن ذلك ينفع الميت على الأصح، ومما ورد أن يقول الزائر عند رؤية القبور: "اللهم رب الأرواح الباقية والأجسام البالية، والشعور المتمزقة، والجلود المتقطعة، والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أنزل عليها روحاً منك وسلاماً مني"، ومما ورد أيضاً أن يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شار الله بكم لاحقون" ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة أو بعيدة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، بل يندب السفر لزيارة الموتى خصوصاً مقابر الصالحين: أما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أعظم القرب، وكما تندب زيارة القبور للرجال تندب أيضاً للنساء العجائز اللاتي لا يخشى منهن الفتنة إن لم تؤد زيارتهن إلى ندب أو النياحة، وإلا كانت محرمة. أما النساء التي يخشى منهن الفتنة، ويترتب على خروجهن لزيارة القبور مفاسد، كما هو الغالب على نساء هذا الزمان، فخروجهن للزيارة حرام، باتفاق الحنفية، والمالكية، أما الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، وينبغي أن تكون الزيارة مطابقة لأحكام الشريعة، فلا يطوف حول القبر ولا يقبل حجراً، ولا عتبة ولا خشباً، ولا يطلب من المزور شيئاً إلى غير ذلك. [كتاب الصيام] [[مباحث عامة]] [تعريف الصيام] معنى الصيام في اللغة مطلق الإمساك عن الشيء، فإذا أمسك شخص عن الكلام، أو الطعام فلم يتكلم، ولم يأكل، فإنه يقال له في اللغة: صائم، ومن ذلك قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوماً} أي صمتاً وإمساكاً عن الكلام، وأما معناه في اصطلاح الشرع فهو الإمساك عن المفطرات يوماً كاملاً، من طلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس، بالشروط الآتي بيانها. وهذا التعريف متفق عليه بين الحنفية؛ والحنابلة، أما المالكية والشافعية فإنهم يزيدون في آخره كلمة "بنيّة"، وذلك لأن النية ليست بركن من أركان الصيام عند الحنفية، والحنابلة، فليست جزءاً من التعريف، على أنها شرط لازم لا بد منه، فمن لم ينو بالكيفية الآتي بيانها، فإن صيامه يبطل، باتفاق؛ ومن هذا تعلم أن الخلاف في كون النية شرطاً أو ركناً فلسفة فقهية يحتاج إلى معرفتها طلبة العلم، أما إيرهم فإنهم ملزمون بمعرفة أن نية الصيام لازمة؛ فلا يصح الصيام بدونها. [أقسام الصيام] اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة على أن الصيام ينقسم إلى أربعة أقسام: أحدها صيام مفروض، وهو صيام شهر رمضان أداءً وقضاءً، وصيام الكفارات، والصيام المنذور، ثانيها: الصيام المسنون، ثالثها: الصيام، المحرم، رابعها: الصيام المكروه وسيأتي بيان كل قسم من هذه الأقسام عند الثلاثة، أما الحنفية فقالوا: إن أقسام الصيام كثيرة، فانظرها تحت الخط (4) . [القسم الأول: الصيام المفروض] قد عرفت أن الصيام المفروض هو صيام شهر رمضان أداءً وقضاءً، وصيام الكفارات، والصيام المنذور. وعرفت أن هذا القدر متفق عليه عند الأئمة، وإن كان بعض الحنفية يخالف في الصيام المنذور، ويقول: إنه واجب لا فرض، وإليك بيان الصيامات المذكورة على هذا الترتيب: [صيام شهر رمضان - دليله] هو فرض عين على كل مكلف قادر على الصوم، وقد فرض في عشر من شهر شعبان بعد الهجرة بسنة ونصف، ودليل الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتِبَ عليكم الصيام} إلى قوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} فشهر رمضان خير لمبتدأ محذوب تقديره هو شهر رمضان، أي المكتوب عليكم صيامه، هو شهر رمضان ... الخ، وقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ، وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" رواه البخاري، ومسلم عن ابن عمر، وأما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فرضيته، ولم يخالف أحد من المسلمين، فهي معلومة من الدين بالضرورة، ومنكرها كافر، كمنكر فرضية الصلاة، والزكاة، والحج. [أركان الصيام] للصيام ركن واحد عند الحنفية، والحنابلة، وهو الإمساك عن المفطرات الآتي بيانها، أما المالكية والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (5) . [شروط الصيام] تنقسم شروط الصيام الى: شروط وجوب، وشروط صحة، وشروط أداء، على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (6) . [ثبوت شهر رمضان] يثبت شهر رمضان بأحد أمرين: الأول: رؤية هلاله إذا كانت السماء خالية مما يمنع الرؤية من غيم أو دخان أو غبار أو نحوها: الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً إذا لم تكن السماء خالية مما ذكر لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لريته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"؛ رواه البخاري عن أبي هريرة، ومعنى الحديث: أن السماء إذا كانت صحواً أمر الصوم متعلقاً برؤيته الهلال، فلا يجوز الصيام إلا إذا رئي الهلال، أما إذا كان بالسماء غيم، فإن المرجع في ذلك يكون إلى شعبان، بمعنى أن نكمله ثلاثين يوماً. بحيث لو كان ناقصاً في حسابنا نلغي ذلك النقص، وإن كان كاملاً وجب الصوم، وهذه القاعدة وضعها الشارع الذي أمر بالصيام، فهو صاحب الحق المطلق في نصب العلامات التي يريدها، وهو قد قال لنا: إن كانت السماء صحواً، ويمكن رؤية الهلال، فارصدوه؛ وصوموا عند رؤيته، وإلا فلا، أما إذا كانت غيماً، فلنرجع إلى حساب شهر شعبان، ونكمله ثلاثين يوماً وبهذا أخذ ثلاثة من الأئمة وخالف الحنابلة حال الغيم عملاً بلفظ آخر ورد في حديث آخر، وهو صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فاقدروا له. فقالوا: إن معنى "فاقدروا له" احتاطوا له بالصوم؛ وقد احتج الحنابلة لذلك بعمل ابن عمر راوي الحديث، فقد ثبت أنه كان إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك، وإن لم ير، ولم يحل دون منظره سحاب؛ وقتر، أصبح مفطراً، وإن حال أصبح صائماً. ولا يقال لهذا اليوم: يوم شك في هذه الحالة؛ بل الشك عندهم لا يوجد إلا إذا كان اليوم صحواً، وتقاعد الناس عند رؤية الهلال، وقد ذكرنا مذهب الحنابلة تحت الخط (7) ، أما كيفية إثبات الهلال، ففيها تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (8) . [إذا ثبت الهلال بقطر من الأقطار] إذا ثبت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائل الأقطار، لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقاً، عند ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) . [هل يعتبر قول المنجم؟] لا عبرة بقول المنجمين، فلا يجب عليهم الصوم بحاسبهم، ولا على من وثق بقولهم، لأن الشارع علق الصوم على أمارة ثابتة لا تتغير أبداً، وهي رؤية الهلال أن إكمال العدة ثلاثين يوماً أما قول المنجمين فهو إن كان مبنياً على قواعد دقيقة، فإنا نراه غير منضبط، بدليل اختلاف آرائهم في أغلب الأحيان، وهذا هو رأي ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (10) . [حكم التماس الهلال] يفترض على المسلمين فرض كفاية أن يلتمسوا الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان ورمضان حتى يتبينوا أمر صومهم وإفطارهم، ولم يخالف في هذا سوى الحنابلة فقالوا: إن التماس الهلال مندوب لا واجب؛ ولا يخفى أن رأي غيرهم هو المعقول، لأن صيام رمضان من أركان الدين؛ وقد علق على رؤية الهلال فكيف يكون طلب الهلال مندوباً فقط، وإذا رئي الهلال نهاراً قبل الزوال أو بعده وجب صوم اليوم الذي يليه إذا كانت الرؤية في آخر شعبان، ووجب إفطار اليوم الذي يليه إن كان آخر رمضان، ولا يجب عند رؤية الهلال الإمساك في الصورة الأولى، ولا الإفطار في الثانية، وهذا الحكم عند المالكية، والحنفية، وخالف الشافعية، والحنابلة؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (11) . [هل يشترط حكم الحاكم في الصوم؟] لا يشترط في ثبوت الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس حكم الحاكم. ولكن لو حكم بثبوت الهلال بناء على أي طريق في مذهبه وجب الصوم على عموم المسلمين. ولو خالف مذهب البعض منهم. لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وهذا متفق عليه، إلا عند الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) . [ثبوت شهر شوال] يثبت شهر شوال برؤية هلاله كبعاً، وفي كيفية تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (13) فإن لم يرهلال شوال وجب إكمال رمضان ثلاثين. فإذا تم رمضان ثلاثين يوماً ولم يلا هلال شوال، فإما أن تكون السماء صحواً أو لا، فإن كانت صحواً فلا يحل الفطر في صبيحة تلك الليلة، بل يجب الصوم في اليوم التالي؛ وكذب شهود هلال رمضان، وإن كانت غير صحو وجب الإفطار في صبيحتها واعتبر ذلك اليوم من شوال؛ عند الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية، والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط (14) . [مبحث صيام يوم الشك] في تعريف يوم الشك وحكم صومه تفصيل في المذاهب. فانظره تحت الخط (15) .(1) الحنابلة قالوا: لا تتأكد الزيارة في يوم دون يوم. الشافعية قالوا: تتأكد من عصر يوم الخميس إلى طلوع شمس يوم السبت. وهذا قول راجح عند المالكية (2) الحنابلة قالوا: القبور إذا كانت بعيدة لا يوصل إليها إلا بسفر فزيارتها مباحة لا مندوبة (3) الحنابلة، والشافعية قالوا: يكره خروج النساء لزيارة القبور مطلقاً، سواء كن عجائز أو شواب إلا إذا علم أن خروجهن يؤدي إلى فتنة أو وقوع محرم. وإلا كانت الزيارة محرمة (4) الحنفية: قد اختلفت آراؤهم في الصيام المنذور، سواء كان معيناً. وهو نذر صوم يوم بعينه. كيوم الخميس مثلاً. أو غير معين. كنذر صيام يوم أو شهر بدون تعيين فمنهم من قال: إن قضاء هذا النذر واجب لا فرض. وقد عرفت مما تقدم أن الواجب عندهم بمعنى السنة المؤكدة، فلا يعاقب تاركه بالنار. وإن كان يحرم من شفاعة النبي المختار. وحجة هذا القائل أن الوفاء بالنذر ثبت بقوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} وهذه الآية ليست قطعية الدلالية. لأن من نذر معصية فإنه لا يلزمه الوفاء بها. ومتى خصصت الآية ينذر المعصية. فإنها لا تكون قطعية الدلالة. على فرضية الوفاء بالنذر وأيضاً فقد فرق الحنفية بين قضاء الصلاة المنذورة وقضاء الصلاة المفروضة، فقالوا: لو نذر شخص أن يصلي لله ركعتين مثلاً، فإنه لا يصح له أن يصليهما بعد صلاة العصر، بخلاف ما لو فاتته صلاة الصبح مثلاً، فإن له أن يصليهما بعد صلاة العصر، فدل ذلك على أن النذر واجب لا فرض لاختلافه عن الفرض في الأداء، ومنهم من قال: إن الوفاء بالنذر فرض، فمن نذر أن يصوم يوماً معيناً أو أكثر، أو نذر أن يصوم يوماً بغير تعيين، فإنه يفترض عليه الوفاء بهذا النذر، ولم تثبت الفرضية بآية {وليوفوا نذورهم} وإنما ثبتت بالإجماع، وهذا الرأي هو الراجح عند الحنفية، وبه قال غيرهم من الأئمة، فعلى الرأي الأول تنقسم الصيامات عندهم إلى ثمانية أقسام: أحدها: الصيامة المفروض فرضاً معيناً، كصوم رمضان أداءً في وقته، ثانيها: الصيام المفروض فرضاً غير معين، كصوم رمضان قضاءً في غير وقته؛ فمن فاته صيام شهر رمضان أو بعضه، فإنه لا يلزمه أن يقضيه في وقت خاص، ومثله صوم الكفارات، فإنه فرض غير معين، ثالثها: صيام واجب معين، كالنذر المعين، رابعها: صيام واجب غير معين، كالنذر المطلق، خامسها: صيام النفل، سادسها الصيام المسنون سابعها: الصيام المستحب، ثامنها: المكروه تنزيهاً أو تحريماً، فالأقسام عنده ثمانية، أما على الرأي الثاني فإنها تنقسم إلى سبعة أقسام: الأول: فرض معين، وهو ماله وقت خاص كصوم رمضان أداء، والنذر المعين، الثاني: فرض غير معين، وهو ما ليس له وقت خاص؛ كصوم رمضان قضاءً، والنذر غير المعين؛ الثالث: الواجب؛ وهو صوم التطوع بعد الشروع فيه، فمن أراد أن يتطوع بصوم يوم الخميس مثلاً. ثم شرع فيه فإنه يجب عليه أن يتمه، بحيث لو أفطر يأثم إثماً صغيراً، كما تقدم، وكذلك يجب عليه قضاؤه إذا أفطره. ومثله صوم الاعتكاف غير المنذور، فإنه واجب كذلك، الرابع: الصيام المحرم، الخامس: الصيام المسنون، السادس، صيام النفل: السابع: الصيام المكروه، وسيأتي بيان كل قسم منها (5) المالكية: اختلفوا، فقال بعضهم: إن للصيام ركنين: أحدهما: الإمساك، ثانيهما: النية، فمفهوم الصيام لا يتحقق إلا بهما، ورجح بعضهم أن النية شرط لا ركن، فمفهوم الصيام يتحقق بالإمساك فقط. الشافعية قالوا: أركان الصيام ثلاثة: الإمساك عن المفطرات، والنية، والصائم، فمفهوم الصيام عندهم لا يتحقق إلا بهذه الثلاثة، وقد عرفت أن الحنابلة، والحنفية يقولون: إن النية والصائم شرطان خارجان عن مفهوم الصيام، ولكن لا بد منهما يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
(6) الشافعية قالوا: تنقسم شروط الصيام إلى قسمين: شروط وجوب، وشروط صحة، أما شروط وجوبه فأربعة: أحدها البلوغ، فلا يجب الصيام على الصبي، ولكن يؤمر به لسبع سنين إن أطاقه، ويضرب على تركه لعشر سنين، ووافقهم على هذه الحنفية؛ أما المالكية فقد قالوا: لا يجب على الولي أمر الصبي بالصيام، ولا يندب، ولو كان الصبي مراهقاً؛ الحنابلة قالوا: المعول في ذلك على القدرة والإطاقة، فإذا كان الصبي مراهقاً يطيق الصيام، فيجب على الولي أن يأمره به، ويضربه إذا امتنع؛ ثاينها: الإسلام، فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة، وإن كان يعاقب عليه في الآخرة؛ أما المرتد فإنه يجب عليه وجوب مطالبة فيطلب منه بعد عوده إلى الإسلام، ثالثها: العقل، فلا يجب على المجنون إلا أن كان زوال عقله بتعديه، فإنه يلزمه قضاءه بعد الإفاقة، ومثله السكران إن كان متعدياً بسكره، فيلزمه قضاؤه، وإن كان غير متعد كما إذا شرب من إناء يظن أن فيه ماء، فإذا به خمر سكر متعدياً بسبب الإغماء أم لا، رابعها: الإطاقة حساً وشرعاً، فلا يجب على من لم يطقه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لعجزه حساً، ولا على نحو حائض لعجزها شرعاً، وأما شروط صحته، فأربعة أيضاً: الأول: الإسلام حال الصيام، فلا يصح من كافر أصلي، ولا مرتد، الثاني: التمييز، فلا يصح من غير مميز، فإن كان مجنوناً لا يصح صومه، وإن جن لحظة من نهار، وإن كان سكران أو مغمى عليه لا يصح صومهما إذا كان عدم التمييز مستغرقاً لجميع النهار، أما إذا كان في بعض النهار فقط فيصح، ويكفي وجود التمييز ولو حكماً، فلو نوى الصوم قبل الفجر ونام إلى الغروب صح صومه، لأنه مميز حكماً، الثالث: خلو الصائم من الحيض والنفاس والولادة وقت الصوم وإن لم تر الوالدة دماً، الرابع: أن يكون الوقت قابلاً للصوم. فلا يصح صوم يومي العيد وأيام التشريق، فإنها أوقات غير قابلة للصوم، ومنها يوم الشك إلا إذا كان هناك سبب يقتضيه، كأن صامه قضاء عما في ذمته، أو نذر صوم يوم الاثنين القابل، فصادف يوم الشك، فله صومه، أو كان من عادته صوم الخميس وصادف ذلك يوم الشك فله صومه أيضاً، أما إن قصد صومه، لأنه يوم الشك فلا يصح صومه، كما سيأتي في مبحث "صيام يوم الشك"، وكذلك لو صام النصف الثاني من شعبان أو بعضه، فإنه لا يصح، ويحرم، إلا إن كان هناك سبب يقتضي الصوم من نحو الأسباب التي بينا في يوم الشك، أو كان قد وصله ببعض النصف الأول، ولو بيوم واحد. هذه هي الشروط عند الشافعية، وليست منها النية، لأنها ركن، كما تقدم، ويجب تجديدها لكل يوم صامه؛ ولا بد من تبييتها، أي وقوعها ليلاً قبل الفجر، ولو من المغرب؛ ولو وقع بعدها ليلاً ما ينافي الصوم، لأن الصوم يقع بالنهار لا بالليل؛ وإن كان الصوم فرضاً، كرمضان والكفارة والنذر فلا بد من إيقاع النية ليلاً مع التعيين بأن يقول بقلبه: نويت صوم غد من رمضان، أو نذراً علي، أو نحو ذلك، ويسن أن ينظق بلسانه بالنية، لأنه عون للقلب، كأن يقول: نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان الحاضر لله تعالى؛ وأما إن كان الصوم نفلاً فإن النية تكفي فيه ولو كانت نهاراً، بشرط أن تكون قبل الزوال، وبشرط أن لا يسبقها ما ينافي الصوم على الراجح، ولا يقوم مقام النية التسحر في جميع أنواع الصوم، إلا إذا خطر له الصوم عند التسحر ونواه، كأن يتسخر بنية الصوم، وكذلك إذا امتنع من الأكل عند طلوع الفجر خوف الإفطار. فيقوم هذا مقام النية. الحنفية قالوا: شروط الصيام ثلاثة أنواع: شروط وجوب، وشرطو وجوب الأداء، وشروط صحة الأداء. فأما شروط الوجوب، فهي ثلاثة: أحدها: الإسلام فلا يجب على الكافر لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة كما تقدم، وكذا لا يصح منه لأن النية شرط لصحته كما سيأتي؛ وقد تقدم أن النية لا تصح إلا من مسلم؛ فالإسلام شرط للوجوب وللصحة ثانيها العقل فلا يجب على المجنون حال جنونه ولو جن نصف الشهر. ثم أفاق. وجب عليه صيام ما بقي. وقضاء ما فات، أما إذا أفاق بعد فراغ الشهر، فلا يجب عليه قضاؤه، ومثل المجنون المغمى عليه. والنائم إذا أصيب بمرض النوم قبل حلول الشهر، ثم ظل نائماً حتى فرغ الشهر، ثالثها: البلوغ، فلا يجب الصيان على صبيّ، ولو مميزاً، ويؤمر به عند بلوغ سبع سنين، ويضرب على تركه عند بلوغ سنه عشر سنين إن أطاقه، وأما شروط وجوب الأداء فاثنان: أحدهما: الصحة، فلا يجب الأداء على المريض، وإن كان مخاطباً بالقضاء بعد شفائه من مرضه؛ ثانيهما: الإقامة، فلا يجب الأداء على مسافر، وإن وجب عليه قضاءه، وأما شروط صحة الأداء. فاثنان أيضاً: أحدهما: الطهارة من الحيض والنفاس؛ فلا يصح للحائض والنفساء أداء الصيام وإن كان يجب عليهما؛ ثانيهما: النية؛ فلا يصح أداء الصوم إلا بالنية تمييزاً للعبادات عن العادات. والقدر الكافي من النية أن يعلم بقلبه أنه يصوم كذا؛ ويسن له أن يتلفظ بها؛ ووقتها كل يوم بعد غروب الشمس إلى ما قبل نصف النهار. والنهار الشرعي: من انتشار الضوء في الأفق الشرقي عند طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ فيقسم هذا الزمن نصفين. وتكون النية في النصف الأول بحيث يكون الباقي من النهار إلى غروب الشمس أكثر مما مضى، فلو لم يبيت النية بعد غروب الشمس حتى أصبح بدون نية ممسكاً، فله أن ينوي إلى ما قبل نصف النهار. كما سبق؛ ولا بد من النية لكل يوم من رمضان، والتسحر نية، إلا أن ينوي معه عدم الصيام ولو نوى الصيام في أول الليل، ثم رجع عن نيته قبل طلوع الفجر صح رجوعه في كل أنواع الصيام، ويجوز صيام رمضان، والنذر المعين، والنفل بنية مطلق الصوم، أو بنية النفل من الليل إلى ما قبل نصف النهار، ولكن الأفضل تبييت النية وتعيينها: ونوى صوماً واجباً، فإنه يقع عن ذلك الواجب، لأنه مرخص له بالفطر حال السفر؛ أما القضاء والكفارة والنذر المطلق، فلا بد من تبييت النية فيها وتعيينها، أما صيام الأيام المنهي عنها، كالعيدين، وأيام التشريق، فإنه يصح، ولكن مع التحريم، فلو نذر صيامها صح نذره، ووجب عليه قضاؤها في غيرها من الأيام، ولو قضاه فيها صح مع الإثم. المالكية قالوا: للصوم شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، أما شروط الوجوب فهي اثنان: البلوغ، والقدرة على الصوم، فلا يجب على صبي، ولو كان مراهقاً، ولا يجب على الولي أمره به ولا يندب، ولا على العاجز عنه، وأما شروط صحته فثلاثة: الإسلام، فلا يصح من للكافر، وإن كان واجباً عليه، ويعاقب على تركه زيادة على عقاب الكفر، والزمان القابل للصوم، فلا يصح في يوم العيد. والنية على الراجح. وسيأتي تفصيل أحكامها، وشروط وجوبه وصحته معاً ثلاثة: العقل، فلا يجب على المجنون والمغمى عليه: ولا يصح منهما، وأما وجوب القضاء، ففيه تفصيل حاصله: أنه إذا أغمي على الشخص يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو أغمي عليه معظم اليوم، سواء كان مفيقاً وقت النية أو لا في الصورتين، أو أغمي عليه نصف اليوم أو أقله، ولم يكن مفيقاً وقت النية في الحالتين فعليه القضاء بعد الإفاقة في كل هذه الصور، أما إذا أغمى عليه اليوم أو أقله، وكان مفيقاً وقت النية في الصورتين: فلا يجب على التقصاء متى نوى قبل حصول الإغماء، والجنون كالإغماء في هذا التفصيل، ويجب عليه القضاء على التفصيل السابق إذا جن أو أغمي عليه، ولو استمر ذلك مدة طويلة، والسكران كالمغمى عليه في تفصيل القضاء سواء كان السكر بحلال أو حرام، وأما النائم فلا يجب عليه قضاء ما فاته وهو نائم متى بيت النية في أول الشهر. الشرط الثاني: النقاء من دم الحيض والنفاس. فلا يجب الصوم على حائض ولا نفساء ولا يصح منهما. ومتى طهرت إحداهما قبل الفجر، ولو بلحظة، وجب عليها تبييت النية، ويجب على الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما من صوم رمضان بعد زوال المانع. الشرط الثالث: دخول شهررمضان فلا يجب صوم رمضان قبل ثبوت الشهر، ولا يصح، أما النية فهي شرط لصحة الصوم الراجح، كما تقدم، وهي قصد الصوم، وأما نية التقرب إلى الله تعالى فهي مندوبة، فلا يصح صوم فرضاً كان أو نفلاً؛ بدون النية. ويجب في النية تعيين المنوي بكونه نفلاً أو قضاءً أو نذراً مثلاً؛ فإن جزم بالصوم وشك بعد ذلك هل نوى التطوع أو النذر أو القضاء انعقد تطوعاً، وإن شك هل نوى النذرأو القضاء، فلا يجزئ عن واحد منهما وانعقد نفلاً، فيجب عليه إتمامه، ووقت النية من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فلو نوى الصوم في آخر جزء من الليل بحيث يطلع الفجر عقب النية صحت، والأولى أن تكون متقدمة على الجزء الأخير من الليل؛ لأنه أحوط، ولا يضر ما يحدث بعد النية من أكل أو شرب؛ أو جماع أو نوم، بخلاف الإغماء، والجنون إذا حصل أحدهما بعدها؛ فتبطل؛ ويجب تجديدها، وإن بقي وقتها بعد الإفاقة، ولا تصح النية نهاراً في أي صوم، ولو كان تطوعاً، وتكفي النية الواحدة في كل صوم يجب تتابعه، كصيام رمضان، وصيام كفارته، وكفارة القتل أو الظهار ما دام لم ينقطع تتابعه، فإن انقطع التتابع بمرض أو سفر أو نحوهما، فلا بد من تبييت النية كل ليلة ولو استمر صائماً على المعتمد، فإذا انقطع السفر والمرض كفت نية للباقي من الشهر، وأما الصوم الذي لا يجب فيه التتابع، كقضاء رمضان وكفارة اليمين، فلا بد فيه من النية كل ليلة، ولا يكفيهنية واحدة في أوله، والنية الحكمية كافية، فلو تسحر، ولم يخطر بباله الصوم، وكان بحيث لو سئل لماذا تتسحر؟ أجاب بقوله: إنما تسحرت لأصوم، كفاه ذلك. الحنابلة قالوا: شروط الصوم ثلاثة أقسام: شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، فأما شروط الوجوب فقط، فهي ثلاثة: الإسلام، والبلوغ، والقدرة على الصوم، فلا يجب على صبي، ولو كان مراهقاً، ويجب على وليه أمره به إذا أطاقه، ويجب أن يضربه إذا امتنع، ولا يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، وأما المريض الذي يرجى برؤه فيجب عليه الصيام إذا برأ، وقضاء ما فاته من رمضان، وأما شروط الصحة فقط فهي ثلاثة: أولها: النية؛ ووقتها الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر إن كان الصوم فرضاً أما إذا كان الصوم نفلاً فتصح نيته نهاراً، ولو بعد الزوال إذا لم يأت بمناف للصوم من أكل أو شرب مثلاً من أول النهار، ويجب تعيين المنوي من كونه رمضان أو غيره؛ ولا تجب نية الفرضية، وتجب النية لكل يوم؛ سواء رمضان وغيره، ثانيها: انقطاع دم الحيض؛ ثالثها: انقطاع دم النفاس؛ فلا يصح صوم الحائض والنفساء، وإن وجب عليهما القضاء؛ وأما شروط الوجوب والصحة معاً، فهي ثلاثة: الإسلام؛ فلا يجب الصوم على كافر، ولو كان مرتداً؛ ولا يصح منه. والعقل، فلا يجب الصوم على مجنون، ولا يصح منه، والتمييز فلا يصح من غير مميز كصبي لم يبلغ سبع سنين، لكن لو جن في أثناء يوم من رمضان أو كان مجنوناً وأفاق أثناء يوم رمضان وجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأما إذا جنَّ يوماً كاملاً أو أكثر، فلا يجب عليه قضاؤه بخلاف المغمى عليه، فيجب عليه القضاء، لو طال زمن الإغماء، والسكران والنائم، كالمغمى عليه، لا فرق بين أن يكون السكران معتدياً بسكره أو لا (7) الحنابلة قالوا: إذا غم الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان، فلا يجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً. ووجب عليه تبيين النية وصوم اليوم التالي لتلك الليلة، سواء كان في الواقع من شعبان أو رمضان، وينويه عن رمضان، فإن ظهر في أثنائه أنه من شعبان لم يجب إتمامه (8) الحنفية قالوا: إذا كانت السماء خالية من موانع الرؤية، فلا بد من رؤية جماعة كثيرين يقع بخبرهم العلم، وتقدير الكثرة منوط برأي الإمام أو نائبه، فلا يلزم فيها عدد معين على الراجح؛ وشترط في الشهود في هذه الحالة أن يذكروا في شهادتهم لفظ: "أشهد"، وإن لم تكن السماء خالية من الموانع المذكورة، وأخبر واحد أنه رآه اكتفى بشهادته إن كان مسلماً عدلاً عاقلاً بالغاً، ولا يشترط أن يقول: أشهد، كما لا يشترط الحكم. ولا مجلس القضاء، ومتى كان بالسماء علة فلا يلزم أن يراه جماعة لتعسر الرؤية حينئذ، ولا فرق في الشاهد بين أن يكون ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، وإذا رآه واحد ممن تصح شهادته، وأخبر بذلك واحد آخر تصح شهادته، فذهب الثاني إلى القاضي؛ وشهد على شهادة الأول، فللقاضي أن يأخذ بشهادته، ومثل العدل في ذلك مستور الحال على الأصح، ويجب على من رأى الهلال ممن تصح شهادته أن يشهد بذلك في ليلته عند القاضي إذا كان في المصر، فإن كان في قرية فعليه أن يشهد بين الناس بذلك في المسجد، ولو كان الذي رآه امرأة مخدرة؛ ويجب على من رأى الهلال، وعلى من صدقه الصيام، ولو ورد القاضي شهادته، إلا أنهما لو أفطرا في حالة رد الشهادة فعليهما القضاء دون الكفارة. الشافعية قالوا: يثبت رمضان برؤية عدل، ولو مستوراً، سواء كانت السماء صحواً أو بها ما يجعل الرؤية متعسرة؛ ويشترط في الشاهد أن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً حراً ذكراً عدلاً، ولو بحسب ظاهره، وأن يأتي في شهادته بلفظ: أشهد، كأن يقول أمام القاضي: أشهد أنني رأيت الهلال، ولا يلزم أن يقول: وإن غداً من رمضان، ولا يجب الصوم على عموم الناس إلا إذا سمعها القاضي، ولو لم يشهد عند القاضي، أو شهد ولم تسمع شهادته، وكذا يجب على كل من صدقه أن يصوم متى بلغته شهادته ووثف بها؛ ولو كان الراي صبياً أو امرأة أو عبداً أو فاسقاً أو كافراً. المالكية قالوا: يثبت هلال رمضان بالرؤية؛ وهي على ثلاثة أقسام: الأول: أن يراه عدلان والعدل هو الذكر الحر البالغ العاقل الخالي من ارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة، أو فعل ما يخل بالمروءة، الثاني: أن يراه جماعة كثيرة يفيد خبرهم العلم، ويؤمن تواطؤهم على الكذب، ولا يجب أن يكونوا كلهم ذكوراً أحراراً عدولاً؛ الثالث: أن يراه واحد، ولكن لا تثبت الرؤية بالواحد إلا في حَق نفسه أو في حَق من أخبره إذا كان من أخبره لا يعتني بأمر الهلال؛ أما من له اعتناء بأمره، فلا يثبت في حقه الشهر برؤية الواحد، وإن وجب عليه الصوم برؤية نفسه، ولا يشترط في الواحد الذكورة، ولا الحرية، فمتى كان غير مشهور بالكذب وجب على من لا اعتناء لهم بأمر الهلال أن يصوموا بمجرد إخباره، ولو كان امرأة أو عبداً، متى وثقت النفسبخبره واطمأنت له؛ ومتى رأى الهلال عدلان، أو جماعة مستفيضة وجب على كل من سمع منهما أن يصوم، كما يجب على كل من نقلت إليه رؤية واحد من القسمين الأولين، إنما إذا كان النقل عن العدلين، فلا بد أن يكون الناقل عن كل منهما عدلين، ولا يلزم تعدد العدلين في النقل، فلو نقل عدلان الرؤية عن واحد، ثم نقلاها عن الآخر أيضاً وجب الصوم على كل من نقلت إليه، أو جماعة مستفيضة، ولا يكفي نقل الواحد، وأما إذا كان النقل عن الجماعة المستفيضة، فيكفي فيه العدل الواحد، كما يكفي إذا كان النقل ثبوت الشهر عند الحاكم، أو عن حكمه بثبوته؛ وإذا رأى الهلال عدل واحد، أو مستور الحال وجب عليه أن يرفع الأمر للحاكم ليفتح باب الشهادة، فربما ينضم إليه واحد آخر إذا كان عدلاً، أو جماعة مستفيضة إن كان غير عدل، ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم أن يكون بلفظ: أشهد. الحنابلة قالوا: لا بد من رؤية هلال رمضان من إخبار مكلف عدل ظاهراً وباطناً، فلا تثبت برؤية صبي مميز، ولا بمستور الحال ولا فرق في العدل بين كونه ذكراً أو أنثى. حراً أو عبداً، ولا يشترط أن يكون الإخبار بلفظ: أشهد، فيجب الصوم على من سمع عدلاً يخبر برؤية هلال رمضان، ولو رد الحاكم خبره، لعدم عمله بحاله، ولا يجب على من رأى الهلال أن يذهب إلى القاضي، ولا إلى المسجد، كما لا يجب عليه إخبار الناس (9) الشافعية قالوا: إذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا بناء على هذا للثبوت، والقرب يحصل باتحاد المطلع، بأن يكون بينهما أقل من أربعة وعشرين فرسخاً تحديداً، أما أهل الجهة البعيدة، فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع (10) الشافعية قالوا: يعتبر قول المنجم في حَق نفسه وحَق من صدقه، ولا يجب الصوم على عموم الناس بقوله على الراجح (11) الشافعية، والحنابلة قالوا: إن رؤية الهلال نهاراً لا عبرة بها، وإنما المعتبر رؤيته بعد الغروب (12) الشافعية قالوا: يشترط في تحقيق الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس أن يحكم به الحاكم، فمتى حكم به وجب الصوم على الناس، ولو وقع حكمه عن شهادة واحد عدل (13) الحنفية قالوا: يثبت شوال بشهادة رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين كذلك إن كانت السماء، بها علة، كغيم ونحوه، أما إن كانت صحواً، فلا بد من رؤية جماعة كثيرين، ويلزم أن يقول الشاهد: أشهد. المالكية قالوا: يثبت هلال شوال برؤية العدلين أو الجماعة المستفيضة، وهي الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب، ويفيد خبرها العلم، ولا يشترط فيها الحرية، ولا الذكورة، كما تقدم في "ثبوت هلال رمضان"، وتكفي رؤية العدل الواحد في حَق نفسه، ويجب عليه أن يفطر بالنية، فلا ينوي الصوم، ولكنه لا يجوز له أن يأكل أو يشرب أو نحو ذلك من المفطرات، ولو أمن اطلاع الناس عليه، نعم إن طرأ له ما يبيح السفر أو طرأ عليه مرض، فإنه يجوز له أن يأكل ويشرب وغير ذلك، وإذا أفطر بغير عذر مبيح، بالأكل ونحوه، وعظ وشدد عليه إن كان ظاهر الصلاح، فإن لم يكن ظاهر الصلاح عاقبه القاضي بما يراه تعزيراً. الشافعية قالوا: تكفي شهادة العدل الواحد في ثبوت هلال شوال، فهو كرمضان على الراجح، ويلزم أن يقول الشاهد؛ أشهد؛ فلفظ الشهادة متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة ما عدا المالكية. الحنابلة قالوا: لا يقبل في ثبوت شوال إلا رجلان عدلان يشهدان بلفظ الشهادة (14) الشافعية قالوا: إذا صام الناس بشهادة عدل وتم رمضان ثلاثين يوماً وجب عليهم الإفطار على الأصح، سواء كانت السماء صحواً أو لا. الحنابلة قالوا: إن كان صيام رمضان بشهادة عدلين وأتموا عدة رمضان ثلاثين يوماً، ولم يروا الهلال ليلة الواحد والثلاثين وجب عليهم الفطر مطلقاً، أما إن كان صيام رمضان بشهادة عدل واحد، أو بناء على تقدير شعبان تسعة وعشرين يوماً بسبب غيم ونحوه، فإنه يجب عليهم صيام الحادي والثلاثين (15) الحنفية قالوا: يوم الشك هو آخر يوم من شعبان احتمل أن يكون من رمضان، وذلك بأن يم ير الهلال بسبب غيم بعد غروب يوم التاسع والعشرين من شعبان، فوقع الشك في اليوم التالي له هل هو من شعبان أو من رمضان، أو حصل الشك بسبب رد القاضي شهادة الشهود أو تحدث الناس بالرؤية، ولم تثبت، أما صومه فتارة يكون مكروهاً تحريماً أو تنزيهاً، وتارة يكون مندوباً، وتارة يكون باطلاً، فيكره تحريماً إذا نوى أن يصومه جازماً أنه من رمضان، ويكره تنزيهاً إذا نوى صيامه عن واجب نذر، وكذا يكره تنزيهاً إذا صامه جازماً أنه من رمضان، ويكره تنزيهاً إذا نوى صيامه عن واجب نذر، وكذا يكره تنزيهاً إذا صامه متردداً بين الفرض والواجب بأن يقول: نويت صوم غد إن كان من رمضان، وإلا فعن واجب آخر، أو متردداً بين الفرض والنفل، بأن يقول: نويت صوم غد فرضاً إن كان من رمضان، وتطوعاً إن كان من شعبان، ويندب صومه بنية التطوع إن وافق اليوم الذي اعتاد صومه، ولا بأس بصيامه بهذه النية، وإن لم يوافق عادته، ويكون صومه باطلاً إذا صامه متردداً بين الصوم والإفطار، بأن يقول نويت أن أصوم غداً إن كان من رمضان، وإلا فأنا مفطر، وإذا ثبت أن يوم الشك من رمضان أجزأه صيامه، ولو كان مكروهاً تحريماً، أو تنزيهاً، أو مندوباً أو مباحاً. الشافعية قالوا: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برية الهلال ليلته، ولم يشهد به أحد، أو شهد به من لا تقبل شهادته، كالنساء والصبيان، ويحرم صومه، سواء كانت السماء في غروب اليوم الذي سبقه صبحواً أو بها غيم، ولا يراعى في حالة الغيم خلاف الإمام أحمد القائل بوجوب صومه حينئذ، لأن مراعاة الخلاف لا تستحب متى خالف حديثاً صريحاً، وهو هنا خبر: "فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، فإن لم يتحدث الناس برؤية الهلال، فهو من شعبان جزماً، وإن شهد به عدل؛ فهو من رمضان جزماً، ويستثنى من حرمة صومه ما إذا صامه لسبب يقتضي الصوم، كالنذر، والقضاء، أو الاعتياد، كما إذا اعتاد أن يصوم كل خميس، فصادف يوم الشك. فلا يحرم صومه؛ بل يكون واجباً في الواجب، ومندوباً في التطوع، وإذا أصبح يوم الشك مفطراً، ثم تبين أنه من رمضان وجب الإمساك باقي يومه ثم قضاه بعد رمضان على الفور، وإن نوى صيام يوم الشك على أنه من رمضان، فإن تبين أنه من شعبان لم يصح صومه أصلاً لعدم نيته، وإن تبين أنه من رمضان، فإن كان صومه مبنياً على تصديقه من أخبره ممن لا تقبل شهادته كالعبد والفاسق صح عن رمضان، وإن لم يكن صومه مبنياً على هذا التصديق لم يقع عن رمضان، وإن نوى صومه على أنه إن كان من شعبان فهو نفل، وإن كان من رمضان فهو عنه، صح صومه نفلاً إن ظهر أنه من شعبان؛ فإن ظهر أنه من رمضان لم ي صح فرضاً ولا نفلاً. المالكية قالوا: عرفوا يوم الشك بتعريفين: أحدها: أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث ليلته من لا تقبل شهادته برؤية هلال رمضان: كالفاسق، والعبد، والمرأة، الثاني: أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا كان بالسماء ليلته غيم، ولم ير هلال رمضان، وهذا هو المشهور في التعريف، وإذا صامه الشخص تطوعاً من غير اعتياد أو لعادة، كما إذا اعتاد أن يصوم كل خميس؛ فصادف يوم الخميس يوم الشك، كان صومه مندوباً، وإن صامه قضاء عن رمضان السابق، أو عن كفارة يمين أو غيره أو عن نذر صادفه، كما إذا نذر أن يصوم يوم الجمعة؛ فصادف يوم الشك وقع واجباً عن القضاء، وما بعده إن لم يتبين أنه من رمضان، فإن تبين أنه من رمضان فلا يجزي عن رمضان الحاضر لعدم نيته، ولا عن غيره من القضاء والكفارة والنذر، لأن زمن رمضان لا يقبل صوماً غيره، ويكون عليه قضاء ذلك اليوم عن رمضان الحاضر؛ وقضاء يوم آخر عن رمضان الفائت أو الكفارة، أما النذر، فلا يجب قضاؤه، لأنه كان معيناً وفات وقته، وإذا صامه احتياطاً بحيث ينوي أنه إن كان من رمضان لحتسب به، وإن لم يكن من رمضان كان تطوعاً. ففي هذه الحالة يكون صومه مكروهاً، فإن تبين أنه من رمضان فلا يجزئه عنه. وإن وجب الإمساك فيه لحرمة الشهر؛ وعليه قضاء يوم، وندب الإمساك يوم الشك حتى يرتفع النهار، ويتبين الأمر من صوم أو إفطار، فإن تبين أنه من رمضان وجب إمساكه وقضاء يوم بعدن فإن أفطر بعد ثبوت أنه من رمضان عامداً عالماً فعليه القضاء والكفارة. الحنابلة قالوا: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال ليلته مع كون السماء صحواً لا علة بها، ويكره صومه تطوعاً. إلا إذا وافق عادة له أو صام قبله يومين فأكثر، فلا كراهة. ثم إن تبين أنه من رمضان. فلا يجزئه عنه ويجب عليه الإمساك فيه وقضاء يوم بعد، أما إذا صامه عن واجب كقضاء رمضان الفائت ونذر كفارة، فيصح؛ ويقع واجباً إن ظهر أنه من شعبان، فإن ظهر أنه من رمضان فلا يجزئ لا عن رمضان ولا عن غيره، ويجب إمساكه وقضاؤه بعد، وإن نوى صومه عن رمضان إن كان منه لم يصح عنه إذا تبين أنه منه، وإن وجب عليه الإمساك والقضاء، كما تقدم، إن لم يتبين أنه من رمضان، فلا يصح لا نفلاً ولا غيره |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصيام] صـــــ 504 الى صــــــــ517 الحلقة (67) الصيام المحرَّم - صيام يوم العيد، وصيام المرأة بغير إذن زوجها حرَّم الشارع الصوم في أحوال: منها الصيام يوم العيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى؛ وثلاثة أيام بعد عيد الأضحى، عند ثلاثة من الأئمة، إلا أن الحنفية قالوا: إن ذلك مكروه تحريماً، وقال المالكية، يحرم صوم يومين بعد عيد الأضحى لا ثلاثة أيام، وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في ذلك تحت الخط (1) ؛ ومنها صيام المرأة نفلاً بغير إذن زوجها، أو بغير أن تعلم بكونه راضياً عن ذلك وإن لم يأذنها صراحة، إلا إذا لم يكن محتاجاً لها، كأن كان غائباً، أو محرماً، أو معتكفاً. وهذا هو رأي الشافعية، والمالكية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر رأيهما تحت الخط (2) . [الصوم المندوب - تاسوعاء - عاشوراء - الأيام البيض - وغير ذلك] الصوم المندوب، منه صوم شهر المحرم، وأفضله يوم التاسع والعاشر منه، والحنفية يقولون: إن صومهما سنة لا مندوب؛ وقد عرفت أن الشافعية، والحنابلة يوافقون على هذه التسمية؛ إذا لا فرق عندهم بين السنة والمندوب، أما المالكية فلا يوافقون؛ للفرق عندهم بين المندوب والسنة كما هو عند الحنفية، ومنه صيام ثلاثة أيام من كل شهر. ويندب أن تكون هي الأيام البيض، أعني الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر العربي، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) . [صوم يوم عرفة] يندب صوم اليوم التاسع من ذي الحجة، ويقال له: يوم عرفة. وإنما يندب صومه لغير القائم بأداء الحج، أما إذا ان حاجاً ففي صومه هذا اليوم تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (4) . [صوم يوم الخميس والإثنين] يندب صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وأن في صومها مَصلحة للأبدان لا تخفى. [صوم ست من شوال] يندب صوم ستة من شوال مطلقاً بدون شروط عند الأئمة الثلاثة، وخالف المالكية، والأفضل أن يصومها متتابعة بدون فاصل، عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية؛ والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (المالكية قالوا: يكره صوم ستة أيام من شوال بشروط: -1 - أن يكون الصائم ممن يقتدي به، أو يخاف عليه أن يعتقد وجوبها. -2 - أن يصومها متصلة بيوم الفطر. -3 - أن يصومها متتابعة. -4 - أن يظهر صومها؛ فإن انتقى شرط من هذه الشروط، فلا يكره صومها، إلا إذا اعتقد أن وصلها بيوم العيد سنة، فيكره صومها، ولو لم يظهرها، أو صامها متفرقة. الحنفية قالوا: تستحب أن تكون متفرقة في كل أسبوع يومان) . [صوم يوم وإفطار يوم] يندب للقادر أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وقد ورد أن ذلك أفضل أنواع الصيام المندوب. [صوم رجب وشعبان وبقية الأشهر الحرم] يندب صوم شهر رجب وشعبان، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ، أما الأشهر الحرم وهي أربع: ثلاثة متوالية، وهي ذو القعدة وذو الحجة؛ والمحرَّم، وواحد منفرد، وهو رجب، فإن صيامها مندوب عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) . [إذا شرع في صيامه النفل ثم أفسده] إتمام صوم التطوع بعد الشروع فيه وقضاؤه إذا أفسده مسنون عند الشافعية، والحنابلة، وخالفهم المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) ، ومثل ذلك صوم الأيام التي نذر اعتكافها، كأن يقول: لله عليَّ أن أعتكف عشرة أيام، فإنه يسن له أن يصوم هذه الأيام العشرة، ولا يفترض صيامها عند الشافعية؛ والحنابلة، وخالفهم المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (8) . [الصوم المكروه] صوم يوم الجمعة وحده والنيروز، والمهرجان، وصوم يوم أو يومين قبل رمضان.من الصوم المكروه صوم يوم النيروز، ويوم المهرجان منفردين بدون أن يصوم قبلهما أو بعدهما ما لم يوافق ذلك عادة له فإنه لا يكره عند ثلاثة، وقال الشافعية: لا يكره صومها مطلقاً، ومن المكروه صيام يوم الجمعة منفرداً، وكذا صيام يوم السبت منفرداً، وقال المالكية: لا يكره إفراد يوم الجمعة أو غيره بالصوم، ومن المكروه أن يصوم قبل شهر رمضان بيوم أو يومين لا أكثر، عند الحنفية، والحنابلة، أما المالكية فقالوا: لا يكره صوم يوم أو يومين قبل رمضان؛ والشافعية قالوا يحرم صوم أو يومين قبل رمضان، وكذا صوم النصف الثاني من شعبان إذا لم يصله بما قبله، ولم يوجد سبب يقتضي صومه من نذر أو عادة؛ ومن المكروه صوم يوم الشبك، وقد تقدم بيانه في المذاهب؛ وهناك مكروهات أخرى مفصلة في المذاهب: فانظرها تحت الخط (9) . ما يوجب القضاء دون الكفارة وما لا يوجب شيئاًقد عرفت ما يوجب القضاء والكفارة، وبقي الكلام فيما يوجب القضاء دون الكفارة، وما لا يفسد الصيام أصلاً، وهو أمرو كثيرة، مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (10) . (1) المالكية قالوا: يحرم صيام يوم عبد الفطر، وعيد الأضحى، ويومين بعد عيد الأضحى، إلا في الحج للتمتع والقارن؛ فيجوز لهما صومهما؛ وأما صيام اليوم الرابع من عيد الأضحى فمكروه. الشافعية قالوا: يحرم ولا ينعقد صيام يوم عيد الفطر وعيد الأضحى، وثلاثة أيام بعد عيد أضحى مطلقاً، ولو في الحج. الحنابلة قالوا: يحرم صيام يوم عيد الفطر، وعيد الأضحى، وثلاثة أيام بعد عيد الأضحى، إلا في الحج للمتمتع والقارن. الحنفية قالوا: صيام يومي العيد، وأيام التشريق الثلاثة مكروه تحريماً إلا في الحج (2) الحنفية قالوا: صيام المرأة بدون إذن زوجها مكروه. الحنابلة قالوا: متى كان زوجها حاضراً؛ فلا يجوز صومها بدون إذنه، ولو كان به مانع من الوطء، كإحرام، أو اعتكاف، أو مرض (3) المالكية قالوا: يكره قصد الأيام البيض بالصوم (4) الحنابلة قالوا: يندب أن يصوم الحاج يوم عرة إذا وقف بها ليلاً ولم يقف بها نهاراً، أما إذا وقف بها نهاراً فيكره له صومه. الحنفية قالوا: يكره صوم يوم عرفة للحاج إن أضعفه، وكذا صوم يوم التروية؛ وهو ثامن ذي الحجة. المالكية قالوا: يكره للحاج أن يصوم يوم عرفة، كما يكره له أيضاً أن يصوم يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة. الشافعية قالوا: الحاج إن كان مقيماً بمكة ثم ذهب إلى عرفة نهاراً فصومه يوم عرفة خلاف الأولى، وإن ذهب إلى عرفة ليلاً، فيجوز له الصوم، أما إن كان الحاج مسافراً فيسن له الفطر مطلقاً (5) الحنابلة قالوا: إفراد رجب بالصوم مكروه، إلا إذا أفطر في أثنائه، فلا يكره (6) الحنفية قالوا: المندوب في الأشهر الحرم أن يصوم ثلاثة أيام من كل منها، وهي: الخميس، والجمعة، والسبت (7) الحنفية قالوا: إذا شرع في صيام نفل ثم أفسده، فإنه يجب عليه قضاؤه، والواجب عندهم بمعنى السنة المؤكدة، فإفساد صوم النفل عندهم مكروه تحريماً، وعدم قضائه مكروه تحريماً، كما تقدم في أقسام "الصوم". المالكية قالوا: إتمام النفل من الصوم بعد الشروع فيه فرض، وكذلك قضاؤه إذا تعمد إفساده؛ ويستثنى من ذلك من صام تطوعاً، ثم أمره أحد والديه، أو شيخه بالفطر شفقة عليه من إدامة الصوم، فإنه يجوز له الفطر، ولا قضاء عليه (8) الحنفية قالوا: يشترط الصوم في صحة الاعتكاف المنذور، كما تقدم. المالكية قالوا: الاعتكاف المنذور يفترض فيه الصوم، بمعنى أن نذر الاعتكاف أياماً لا يستلزم نذر الصوم لهذه الأيام، فيصح أن يؤدي الاعتكاف المنذور في صوم تطوع، ولا يصح أن يؤدي في حال الفطر، لأن الاعتكاف من شروط صحته الصوم عندهم (9) الحنفية قالوا: الصوم المكروه ينقسم إلى قسمين: مكروه تحريماً، وهو صوم أيام الأعياد؛ والتشريق، فإذا صامها انعقد صومه مع الإثم، وإن شرع في صومها ثم أفسدها لا يلزمه القضاء، ومكروه تنزيهاً، وهو صيام يوم عاشوراء منفرداً عن التاسع، أو عن الحادي عشر، ومن المكروه تنزيها إفراد يوم النيروز والمهرجان بالصوم إذا لم يوافق عادة له، كما ذكر في أعلى الصحيفة، ومنه صيام أيام الدهر، لأنه يضعف البدن عادة، ومنه صوم الوصال؛ وهو مواصلة الإمساك ليلاً ونهاراً؛ ومنه صوم الصمت، وهو أن يصوم ولا يتكلم، ومنه صوم المرأة تطوعاً بغير إذن زوجها، إلا أن يكون مريضاً أو صائماً أو محرماً بحج أو عمرة، ومنه صوم المسافر إذا أجهده الصوم. المالكية قالوا: يكره صوم رابع النحر، ويستثنى من ذلك للقارن ونحوه، كالمتمتع، ومن لزمه هدي ينقص في حج أو عمرة فإنه يصومه ولا كراهة، وإذا صام الرابع تطوعاً فيعقد، وإذا أفطر فيه عامداً، ولم يقصد بالفطر التخلص من النهي وجب عليه قضاؤه، وإذا نذر صومه لزمه نظراً لكونه عبادة في ذاته؛ ويكره سرد الصوم وتتابعة لمن يضعفه ذلك عن عمل أفضل من السوم، ويكره أيضاً صوم يوم المولد النبوي، لأنه شبيه بالأعياد، ويكره صوم التطوع لمن عليه صوم واجب كالقضاء، وصوم الضيف بدون إذن رب المنزل، أما صوم المرأة تطوعاً بدون إذن زوجها فهو حرام، كما تقدم، وكذا يحرم الوصال في الصوم، وهو وصل الليل بالنهار في الصوم وعدم الفطر، وأما صوم المسافر فهو أفضل من الفطر، إلا أن يشق عليه الصوم، فالأفضل الفطر. الشافعية قالوا: يكره صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا مشقة شديدة، وقد يكون محرماً في حالة ما إذا خافوا على أنفسهم الهلاك أو تلف عضو بترك الغذاء، ويكره أيضاً إفراد يوم الجمعة، أو يوم سبت أو أحد بالصوم إذا لم يوجد لهم سبب من نذر ونحوه، أما إذا صام لسبب، فلا يكره، كما إذا وافق عادة له، أو وافق يوماً في صومه، وكذا يكره صوم الدهر، ويكره التطوع بصيام يوم، وعليه قضاء فرض، لأن أداء الفرض أهم من التطوع. الحنابلة قالوا: يكره أيضاً صيام الوصال، وهو أن لا يفطر بين اليومين، وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، ويكره إفراد رجب بالصوم (9) الحنفية قالوا: يوجب القضاء والكفارة أمران: الأول أن يتناول غذاء، أو ما في معناه بدون عذر شرعي، كالأكل والشرب ونحوهما، ويميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن، الثاني: أن يقضي شهوة الفرج كاملة، وإنما تجب الكفارة في هذين القسمين، بشروط: أولاً: أن يكون الصائم المكلف مبيتاً للنية في أداء رمضان، فلو لم يبيت النية لا تجب عليه الكفارة، كما تقدم وكذا إذا بيت النية في قضاء ما فاته من رمضان، أو في صوم آخر غير رمضان ثم أفطر، فإنه لا كفارة عليه. ثانياً: أن لا يطرأ عليه ما يبيح الفطر من سفر أو مرض، فإنه يجوز له أن يفطر بعد حصول المرض. أما لو أفطر قبل السفر فلا تسقط عنه الكفارة. ثالثاً: أن يكون طائعاً مختاراً، لا مكرهاً. رابعاً: أن يكون متعمداً. فلو أفطر ناسياً أو مخطئاً تسقط عنه الكفارة كما تقدم. ومما يوجب الجماع في القبل أو الدبر عمداً. وهو يوجب الكفارة على الفاعل والمفعول به. بالشروط المتقدمة. ويزاد عليها. أن يكون المفعول به آدمياً حياً يشتهي. وتجب الكفارة بمجرد لقاء الختانين. وإن لم ينزل، وإذا مكنت المرأة صغيراً أو مجنوناً من نفسها فعليها الكفارة بالاتفاق. أما إذا تلذذت امرأة بامرأة مثلها بالمساحقة المعروفة وأنزلت. فإن عليها القضاء دون الكفارة وأما وطء البهيمة والميت والصغيرة التي لا تشتهي فإنه لا يوجب الكفارة ويوجب القضاء بالإنزال. كما تقدم ومن القسم الأول شرب الدخان المعروف وتناول الأفيون، الحشيش ونحو ذلك. فإن الشهوة فيه ظاهرة. ومنه ابتلاع ريق زوجته للتلذذ به. ومنه ابتلاع حبة حنطة أو سمسمة من خارج فمه، لأنه يتلذذ بها. إلا إذا مضغها فتلاشت ولم يصل منها شيء إلى جوفه، ومنه أكل الطين الأرمني كما تقدم. وكذا قليل الملح ومنه أن يأكل عمداً بعد أن يغتاب آخر ظناً منه أنه أفطر بالغيبة، لأن الغيبة لا تفطر، فهذه الشبهة لا قيمة لها؛ وكذلك إذا أفطر بعد الحجامة، أو المس، أو القبلة بشهوة من غير إنزال، لأن هذه الأشياء لا تفطر، فإذا تعمد الفطر بعدها لزمته الكفارة، ومنه غير ذلك مما يأتي بيانه بيما يوجب القضاء فقط. الشافعية قالوا: ما يوجب القضاء والكفارة ينحصر في شيء واحد وهو الجماع، بشروط. الأول: أن يكون ناوياً للصوم، فلو ترك النية ليلاً لم يصح صومه، ولكن يجب عليه الإمساك، فإذا أتى امرأته في هذه الحالة نهاراً لم تجب عليه الكفارة، لأنه ليس بصائم حقيقة؛ الثاني: أن يكون عامداً، فلو أتاها ناسياً لم يبطل صومه؛ وليس عليه قضاء ولا كفارة؛ الثالث: أن يكون مختاراً، فلو أكره على الوقاع لم يبطل صومه؛ الرابع: أن يكون عالماً بالتحريم، وليس له عذر مقبول شرعاً في جهله، فلو صام وهو قريب العهد بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء، وجامع في هذه الحالة لم يبطل صومه أيضاً؛ والخامس: أن يقع منه الجماع في صيام رمضان أداء بخصوصه، ولو فعل ذلك في صوم النفل، أو النذر، أو في صوم القضاء، أو الكفارة، فإن اكفارة لا تجب عليه ولو كان عامداً؛ السادس: أن يكون الجماع مستقلاً وحده في إفساد الصوم، فلو أكل في حال تلبسه بالفعل، فإنه لا كفارة عليه، وعليه القضاء فقط؛ السابع: أن يكون آثماً بهذا الجماع، بأن كان مكلفاً عاقلاً، أما إذا كان صبياً، وفعل ذلك وهو صائم؛ فإنه لا كفارة عليه، ومن ذلك ما لو كان مسافراً ثم نوى الصيام، وأصبح صائماً: ثم أفطر في أثناء اليوم بالجماع: فإنه لا كفارة عليه بسبب رخصة السفر، الثامن: أن يكون معتقداً صحة صومه: فلو أكل ناسياً فظن أن هذا مفطر، ثم جامع بعد ذلك عمداً. فلا كفارة عليه. وإن بطل صومه ووجب عليه القضاء، التاسع: أن لا يصيبه جنون بعد الجماع وقبل الغربو. فإذا أصابه ذلك الجنون فإنه لا كفارة عليه. العاشر: أن لا يقدم على هذا الفعل بنفسه. فلو فرض وكان نائماً وعلته امرأته. فأتاها وهو على هذه الحالة. فإنه لا كفارة عليه. إلا أن أغراها على عمل ذلك، الحادي عشر: أن لا يكون مخطئاً. فلو جامع ظاناً بقاء الليل أو دخول المغرب. ثم تبين أنه جامع نهاراً. فلا كفارة عليه وإن وجب عليه القضاء والإمساك، الثاني عشر: أن يكون الجماع بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها ونحوه، فلو لم يدخلها أو أدخل بعضها فقط لم يبطل صومه. وإذا أنزل في هذه الحالة فعليه القضاء فقط. ولكن يجب عليه الإمساك فإن لم يسمك بقية اليوم فقد أثم، الثالث عشر: أن يكون الجماع في فرج، دبراً كان، أو قبلاً، ولو لم ينزل، فلو وطئ في غير ما ذكر، فلا كفارة عليه، الرابع عشر: أن يكون فاعلاً لا مفعولاً، فلو أتى أنثى أو غيرها، فالكفارة على الفاعل دون المفعول مطلقاً. هذا، وإذا طلع الفجر وهو يأتي زوجه، فإن نزع حالاً صح صومه، وإن استمر ولو قليلاً بعد ذلك فعليه القضاء والكفارة إن علم بالفجر وقت طلوعه، أما إن لم يعلم فعليه القضاء دون الكفارة. الحنابلة قالوا: يوجب القضاء والكفارة شيئان: أحدهما: الوطء في نهار رمضان في قبل أو دبر، سواء كان المفعول به حياً أو ميتة، عاقلاً أو غيره، ولو بهيمة، وسواء كان الفاعل متعمداً أو ناسياً عالماً أو جاهلاً، مختاراً أو مكرهاً أو مخطئاً، كمن وطئ وهو يعتقد أن الفجر لم يدخل وقته، ثم تبين أنه وطئ بعد الفجر، ودليلهم على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان بالقضاء والكفارة، ولم يطلب منه بيان حاله وقت الجماع، والكفارة واجبة في ذلك، سواء كان الفاعل صائماً حقيقة أو ممسكاً إمساكاً واجباً، وذلك كمن لم يبيت النية، فإنه لا يصح صومه مع وجوب الإمساك عليه، فإذا جامع في هذه الحالة لزمته الكفارة مع القضاء الذي تعلق بذمته. هذا، والنزع جماع: فمن طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزع وجب عليه القضاء والكفارة؛ أما الموطوء، فإن كان مطاوعاً عالماً بالحكم غير ناس للصوم فعليه القضاء والكفارة أيضاً: ثانيهما: إذا باشرت امرأة أخرى وأنزلت إحداهما وجبت عليها الكفارة، ويقال لذلك: المساحقة. هذا، وإذا جامع وهو في حال صحته ثم عرض له مرض، لم تسقط الكفارة عنه بذلك، ومثل ذلك إذا جامع وهو طليق، ثم حبس، أو جامع وهو مقيم، ثم سافر، أو جومعت المرأة وهي غير حائض، ثم حاضت، فإن الكفارة لا تسقط بشيء من ذلك. يتبع |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
المالكية قالوا: موجبات القضاء والكفارة هي كل ما يفسد الصوم بشرائط خاصة، وإليك بيان مفسدات الصوم الموجبة للقضاء والكفارة. أولاً: الجماع الذي يوجب الغسل، ويفسد به صوم البالغ، سواء كان قاعلاً أو مفعولاً، وإذا جامع بالغ صغيرة لا تطيقه، فإن صومه لا يفسد إلا بالإنزال، وإذا خرج المني من غير جماع فإنه يوجب الكفارة دون القضاء، إلا أنه إذا كان بنظر أو فكر فإنه لا يوجب الكفارة إلا بشرطين: أحدهما: أن يديم النظر والفكر. فلو نظر إلى امرأة ثم غض بصره عنها بدون أن يطيل النظر، وأمنى بهذا، فلا كفارة عليه. الثاني: أن تكون عادته الإنزال عند استدامة النظر. فإن لم يكن الإنزال عادته عند استدامة النظر ففي الكفارة وعدمها قولان: وإذا خرج المني بمجرد نظر أو فكر مع لذة معتادة بلا استدامة أوجب القضاء دون الكفارة. وأما إخراج المذي فإنه يوجب القضاء فقط على كل حال، ومن أتى امرأة نائمة في نهار رمضان وجب عليه أن يكفر عنها، كما تجب الكفارة على من صب شيئاً عمداً في خلق شخص آخر وهو نائم ووصل لمعدته، وأما القضاء فيجب على المرأة وعلى المصبوب في حلقه، لأنه لا يقبل النيابة. ثانياً: إخراج القيء وتعمده، سواء ملأ الفم أو لا، فمن فعل ذلك عمداً بدون علة وجب عليه القضاء والكفارة، أما إذا غلبه القيء فلا يفسد الصوم إلا إذا رجع شيء منه، ولو غلبه فيفسد صومه، وهذا بخلاف البلغم إذا رجع، فلا يفسد الصوم، ولو أمكن الصائم أن يطرحه وتركه حتى رجع. ثالثاً: وصول مائع إلى الحلق من فم أو أذن أو عين أو أنف. سواء كان المائع ماء أو غيره إذا وصل عمداً، فإنه تجب به الكفارة والقضاء، أما إذا وصل سهواً، كما إذا تمضمض فوصل الماء إلى الحلق قهراً، فإنه يوجب القضاء فقط، وكذا إذا وصل خطأ، كأكله نهاراً معتقداً بقاء الليل أو غروب الشمس، أو شاكاً في ذلك ما لم تظهر الصحة، كأن يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس، أو شاكاً في ذلك ما لم تظهر الصحة، كأن يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس، وإلا فلا يفسد صومه، وفي حكم المائع: البخور وبخار القدر إذا استنشقهما فوصلا إلى حلقه، وكذلك الدخان الذي اعتاد الناس شربه، وهو مفسد للصوم بمجرد وصوله إلى الحلق، وإن لم يصل إلى المعدة، وأما دخان الحطب فلا أثر له، كرائحة الطعام إذا استنشقها فلا أثر لها أيضاً، ولو اكتحل نهاراً فوجد طعم الكحل في حلقه فسد صومه، ووجبت عليه الكفارة إن كان عامداً، وأما لو اكتحل ليلاً ثم وجد طعمه نهاراً فلا يفسد صومه، ولو دهن شعره عامداً بدون عذر، فوصل الدهن الى حلقه من مسام الشعر، فسد صومه، وعليه الكفارة، وكذا إذا استعملت المرأة الحناء في شعرها عمداً بدون عذر. فوجدت طعمها في حلقها فسد صومها. وعليها الكفارة. رابعاً: وصول أي شيء إلى المعدة. سواء كان مائعاً أو غيره، عمداً بدون عذر، سواء وصل من الأعلى أو من الأسفل. لكن ماوصل من الأسفل لا يفسد الصوم إلا إذا وصل من منفذ، كالدبر. فلا يفسد الصوم بسريان زيت أو نحوه من المسام إلى المعدة. فالحقنة بالإبرة في الذراع أو الألية أو غير ذلكلا تفطر. أما الحقنة في الإحليل، وهو الذكر. فلا تفسد الصوم مطلقاً. ولو وصل إلى المعدة حصاة أو درهم فسد صومه إن كان واصلاً من الفم فقط. وكل ما وصل إلى المعدة على ما بين يبطل الصوم. ويوجب القضاء في رمضان، سواء كان وصوله عمداً أو غلبة، أو سهواً. أو خطأ، كما تقدم في وصول المائع للحلق، إلا أن الواصل عمداً في بعضه الكفارة على الوجه الذي بينا. وبالجملة فمن تناول مفسادا من مفسدات الصوم السابقة وجب عليه القضاء والكفارة بشروط: أولاً: أن يكون الفطر في أداء رمضا، فإن كان في غيره كقضاء رمضان، وصوم منذور أو صوم كفارة، أو نفل، فلا تجب عليه الكفارة. وعليه القضاء في بعض ذلك. على تفصيل يأتي في القسم الثاني؛ ثانياً: أن يكون متعمداً. فإن أفطر ناسياً أو مخطئاً. أو لعذر. كمرض وسفر. فعليه القضاء فقط. ثالثاً: أن يكون مختاراً في تناول المفطر. أما إذا كان مكرهاً فلا كفارة عليه وعليه القضاء رابعاً: أن يكون عالماً بحرمة الفطر. ولو جهل وجوب الكفارة عليه. خامساً: أن يكون غير مبال بحرمة الشهر وهو غير المتأول تأويلاً قريباً وإن كان متأويلاً تأويلاً قريباً فلا كفارة عليه والمتأول تأويلاً قريباً هو المستند في فطره لأمر موجود؛ وله أمثلة: منها أن يفطر أولاً ناسياً أو مكرهاً. ثم ظن أنه لا يجب عليه إمساك بقية اليوم بعد التذكر. أو زوال الإكراه فتناول مفطراً عمداً. فلا كفارة عليه لاستناده لأمر موجود وهو الفطر أولاً نسياناً أو بإكراه. ومنها ما إذا سافر الصائم مسافة أقل من مسافة القصر فظن أن الفطر مباح له. لظاهر قوله تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} فنوى الفطر من الليل وأصبح مفطراً. فلا كفارة عليه. ومنها من رأى هلال شوال نهار الثلاثين من رمضان فظن أنه يوم عيد. وأن الفطر مباح فأفطر لظاهر قوله عليه السلام: "وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" فلا كفارة عليه وأما المتأول تأويلاً بعيداً فهو المستند في فطره إلى أمر غير موجود وعليه الكفارة وله أيضاً أمثلة: منها أن من عادته الحمى في يوم معين. فبيت نية الفطر من الليل ظاناً أنه مباح فعليه الكفارة. ولو حم في ذلك اليوم. ومنها المرأة تعتاد الحيض في يوم معين. فبيتت نية الفطر لظنها إباحته في ذلك اليوم لمجيء الحيض فيه. ثم أصبحت مفطرة فعليها الكفارة. ولو جاء الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه. ومنها من اغتاب في يوم معين من رمضان فظن أن صومه بطل. وأن الفطر مباح فأفطر متعمداً. فعليه الكفارة، سادساً: أن يكون الواصل من الفم. فلو وصل شيء من الأذن أو العين أو غيرهما. مما تقدم، فلا كفارة، وإن وجب القضاء. سابعاً: أن يكون الوصول للمعدة، فلو وصل شيء إلى حلق الصائم، ورده فلا كفارة عليه. وإن وجب القضاء في المائع الواصل إلى الحلق، ومن الأشياء التي تبطل الصوم وتوجب القضاء والكفارة: رفع النية ورفضها نهاراً، وكذا رفع النية ليلاً إذا استمر رافعاً لها حتى طلع الفجر وصول شيء إلى المعدة من القيء الذي أخرجه الصائم عمداً سواء وصل عمداً أو غلبة لا نسياناً ووصول شيء من أثر السواك الرطب الذي يتحلل منه شيء عادة كقشر الجوزن ولو كان الوصول غلبة متى تعمد الاستياك في نهار رمضان، فهذه الأشياء توجب الكفارة بالشروط السابقة ما عدا التعمد بالنسبة للراجع من القيء، والواصل من أثر السواك المذكور، فإنه لا يشترط، بل التعمد والوصول غلبة سواء، وأما الوصول نسياناً فيوجب القضاء فقط فيهما (10) الحنفية قالوا: ما يوجب القضاء دون الكفارة ثلاثة أشياء: الأولى: أن يتناول الصائم ما ليس فيه غذاء أو ما في معنى الغذاء، وما فيه غذاء هو ما يميل الطبع إلى تناوله، وتنقضي شهوة البطن به، وما في معنى الغذاء هو الدواء، الثاني: أن يتناول غذاء أو دواء لعذر شرعي، كمرض أو سفر أو إكراه، أو خطأ، كأن أهمل وهو يتمضمض، فوصل الماء إلى جوفه، وكذا إذا داوى جرحاً في بطنه أو رأسه، وصل الدواء إلى جوفه أو دماغه، أما النسيان فإنه لا يفسد الصيام أصلاً، فلا يجب به قضاء ولا كفارة، الثالث: أن يقضي شهوة الفرج غير كاملة، ومن القسم الأول ما إذا أكل أرزاً نيئاً، أو عكيناً، أو دقيقاً غير مخلوط بشيء يؤكل عادة، كالسمن والعسل، وإلا وجبت به الكفارة، وكذا إذا أكل طيناً غير أرمني إذا لم يعتد أكله أما الطين الأرمني وهو معروف عند العطارين فإنه يوجب الكفارة مع القضاء، أو أكل ملحاً كثيراً دفعة واحدة، فإن ذلك مما لا يقبله الطبع، ولا تنقضي به شهوة البطن. أما أكل القليل منه، فإن فيه الكفارة مع القضاء، لأنه يتلذذ به عادة، وكذا إذا أكل نواة أو قطعة من الجلد أو ثمرة من الثمار التي لا تؤكل قبل نضجها كالسفرجل إذا لم يطبخ أو يملح، وإلا كانت فيه الكفارة، وكذا إذا ابتلع حصاة، أو حديدة، أو درهماً، أو ديناراً: أو تراباً، أو نحو ذلك، أو أدخل ماء أو دواء في جوفه بواسطة الحقنة من الدبر، أو الأنف، أو قبل المرأة، وكذا إذا صب في أذنه دهناً، بخلاف ما إذا صب ماء، فإنه لا يفسد صومه على الصحيح، لعدم سريان الماء، وكذا دخل فمه مطر أو ثلج، ولم يبتلعه بصنعه، وكذا إذا تعمد إخراج القيء من جوفه، أو خرج كرهاً وأعاده بصنعه، بشرط أن يكون ملء الفم في الصورتين، وأن يكون ذاكراً لصومه، فإن كان ناسياً لصومه لم يفطر في جميع ما تقدم، وكذا إذا كان أقل من ملء الفم على الصحيح، وإذا أكل ما بقي من نحو تمرة بين أسنانه إذا كان قدر الحمصة وجب القضاء؛ فإن كان أقل فلا يفسد، لعدم الاعتداد به، وكذا إذا تكون ريقه ثم ابتلعه، أو بقي بلل بفيه بعد المضمضة وابتلعه مع الريق، فلا يفسد صومه، وينبغي أن يبصق بعد المضمضة قبل أن يبتلع ريقه، ولا يشترط المبالغة في البصق، ومن القسم الثاني - وهو ما إذا تناول غذاء؛ أو ما في معناه لعذر شرعي - إذا أفطرت المرأة خوفاً على نفسها أن تمرض من الخدمة، أو كان الصائم نائماً، وأدخل أحد شيئاً مفطراً في جوفه، وكذا إذا أفطر عمداً بشبهة شرعية؛ بأن أكل عمداً بعد أن أكل ناسياً أو جامع ناسياً، ثم جامع عامداً، أو أكل عمداً بعد الجماع ناسياً، وكذا إذا لم يبيت النية ليلاً ثم نوى نهاراً، فإنه إذا أفطر لا تجب عليه الكفارة لشبهة عدم صيامه عند الشافعية، وكذا إذا نوى الصوم ليلاً. ولم ينقص نيته، ثم أصبح مسافراً، ونوى الإقامة بعد ذلك ثم أكل لا تلزمه الكفارة وإن حرم عليه الأكل في هذه الحالة وكذا إذا أكل، أو شرب، أو جامع شاكاً في طلوع الفجر، وكان الفجر طالعاً، لوجود الشبهة. أما الفطر وقت الغروب. فلا يكفي فيه الشك لإسقاط الكفارة بل لا بد من غلبة الظن على إحدى الروايتين. ومن جامع قبل طلوع الفجر ثم طلع عليه الفجر فإن نزع فوراً لم يفسد صومه. وإن بقي كان عليه القضاء والكفارة. ومن القسم الثالث - وهو ما إذا قضى ضهوة الفرج غير كاملة - ما إذا أمنى بوطء ميتة أو بهيمة أو صغيرة لا تشتهى؛ أو أمنى بفخذ أو بطن أو عبث بالكف، أو وطئت المرأة وهي نائمة أو قطرت في فرجها دهناً ونحوه فإنه يجب في كل هذا القضاء دون الكفارة. ويلحق بهذا القسم ما إذا أدخل إصبعه مبلولة بماء أو دهن في دبره واستنجى فوصل الماء إلى داخل دبره، وإنما يفسد ما دخل في الدبر إذا ما وصل إلى محل الحقنة ولم يبق منه شيء. أما إذا بقي منه في الخارج شيء بحيث لم يغب كله لم يفسد صومه وكذلك المرأة إذا أدخلت إصبعها مدهونة بماء أو دهن في فرجها الداخل. أو أدخلت خشبة الحقنة أو نحوها في داخل فرجها، وغيبتها كلها. ففي كل هذه الأشياء ونحوها يجب القضاء دون الكفارة. هذا، ولا يفسد صومه لو صب ماء أو دهناً في إحليله للتداوي، وكذا لو نظر بشهوة فنزل مني بشهوة ولو كرر النظر. كما لا يفطر إذا أمنى بسبب تفكره في وقاع ونحوه، أو احتلم، ولا يفطر أيضاً بشم الروائح العطرية كالورد والنرجس، ولا بتأخير غسل الجنابة حتى تطلع الشمس، ولو مكث جنباً كل اليوم. ولا يفطر بدخول غبار طريق، أو غربلة دقيق؛ أو ذباب، أو بعوض إلى حلقة رغماً عنه. المالكية قالوا: من تناول مفطراً من الأمور المفسدة للصوم المتقدمة، ولم تتحقق فيه شرائط وجوب الكفارة السابة فعليه القضاء فقط، سواء كان الصائم في رمضان أو في فرض غيره كقضاء رمضان، والكفارات، والنذؤ غير المعين، وأما النذر المعين فإن كان الفطر فيه لعذر، كمرض واقع أو متوقع. بأن ظن أن الصوم في ذلك الوقت المعين يؤدي إلى مرضه، أو خاف من الصوم زيادة المرض، أو تأخر البرء، أو كان الفطر لحيض المرأة، أو نفاسها، أو لإغماء، أو جنون، فلا يجب قضاؤه، نعم إذا بقي شيء من زمنه بعد زوال المانع تعين الصوم فيه، أما إذا أفطر فيه ناسياً، كأن نذر صوم يوم الخمس فصام الأربعاء، يظنه الخميس، ثم أفطر يوم الخميس فعليه القضاء. هذا، ومن الصيام المفروض، صوم المتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي، فإن أفطر أحدهما فيهما وجب عليه القضاء. وبالجملة كل فرض أفطر فيه فإنه يجب عليه قضاؤه، إلا النذر المعين على التفصيل السابق، وأما النفل فلا يجب القضاء على من أفطر فيه إلا إذا كان القطر عمداً حراماً، أما ما لا يفسده الصوم، ولا يوجب القضاء، فهو أمور: أحدها: أن يغلبه القيء، ولم يبتلع منه شيئاً فهذا صومه صحيح، ثانيها: أن يصل غبار الطريق أو الدقيق ونحوهما إلى حلق الصائم الذييزاول أعمالاً تتعلق بذلك، كالذي يباشر طحن الدقيق، أو نخله، ومثلهما ما إذا دخل حلقه ذباب، بشرط أن يصل ذلك إلى حلقه قهراً عنه، ثالثها: أن يطلع عليه الفجر وهو يأكل أو يشرب مثلاً، فيطرح المأكول ونحوه من فيه بمجرد طلوع الفجر، فإنه لا يفسد صيامه بذلك، رابعها: من غلبه المني أو المذي بمجرد نظر أو فكر فإن ذلك لا يفسد الصيام، كما تقدم قريباً. خامسها: أن يبتلع ريقه المتجمع في فمه، أو يبتلع ما بين أسنانه من بقايا الطعام؛ فإنه لا يضره ذلك، وصومه صحيح حتى ولو تعمد بلع ما بين أسنانه على المعتمد، إلا إذا كان كثيراً عرفاً وابتلعه. ولو قهراً عنه، فإن صيامه يبطل في هذه الحالة، سادسها: أن يضع دهناً على جرح في بطنه متصلاً بجوفه؛ فإن ذلك لا يفطره، لأن كل ذلك لا يصل للمحل الذي يستقر فيه الطعام والشراب؛ سابعها: الاحتلام، فمن احتلم فإن صومه لا يفسد. الحنابلة قالوا: يوجب القضاء دون الكفارة أمور: منها إدخال شيء إلى جوفه عمداً من الفم أو غيره، سواء كان يذوب في الجوف كلقمة، أو لا، كقطعة حديد أو رصاص، وكذا إذا وجد طعم العلك - اللبان - بعد مضغه نهاراً، أو ابتلع نخامة وصلت إلى فمه أو وصل الدواء بالحقنة إلى جوفه؛ أو وصل طعم الكحل إلى حلقه أو وصل قيء إلى فمه، ثم ابتلعه عمداً، أو أصاب ريقه نجاسة ثم ابتلعه عمداً، فإن صومه يفسد في كل هذه الأحوال، وعليه القضاء دون الكفارة، كما يفسد أيضاً بكل ما يصل إلى دماغه عمداً، كالدواء الذي يصل إلى أم الدماغ إذا داوى به الجرح الواصل إليها، وتسمى - المأمومة - وكذا يفسد صومه، وعليه القضاء دون الكفارة إذا أمنى بسبب تكرار النظر، أو أمنى بسبب الاستمناء بيده، أو بيد غيره، وكذا إذا أمذى بنظر أو نحوه، أو أمنى بسبب تقبيل أو لمس، أو بسبب مباشرة دون الفرج، فإن صومه يفسد إذا تعمد في ذلك، وعليه القضاء، ولو كان جاهلاً بالحكم، ويفسد صومه أيضاً إذا قاء قهراً عنه ولو قليلاً، وعليه القضاء فقط، ويفسد أيضاً بالحجامة؛ فمن احتجم أو حجم غيره عمداً فسد صومه إذا ظهر دم، وإلا لم يفطر، ولا يفسد صومه بشيء من هذه الأمور إذا فعله ناسياً أو مكرهاً ولو كان الإكراه بإدخال دواء إلى دوفه، وأما ما لا يوجب كفارة ولا قضاء، فأمور منها الفصد ولو خرج دم، ومنها التشريط بالموسى بدل الحجامة للتداوي، ومنها الرعاف؛ وخروج القيء رغماً عنه؛ ولو كان عليه دم، ومنها إذا وصل إلى حلق الصائم ذباب أو غبار طريق ونحوه بلا قصد، لعدم إمكان التحرز عنه، ومنها ما إذا أدخلت المرأة إصبعها أو غيره في قبلها، ولو مبتلة، فإنه لا تفطر بذلك، ومنها الإنزال بالفكر، أو الاحتلام فإنه لا يفسد الصوم، ومنها ما إذا لطخ باطن قدمه بالحناء؛ فوجد طعمها في حلقه؛ ومنها ما إذا تمضمض أو استنشق، فسرى الماء إلى جوفه بلا قصد، فإن صومه لا يفسد بذلك حتى ولو بالغ في المضمضة والاستنشاق، ولو كانت المضمضة عبثاً مكروهاً، ومنها ما إذا أكل أو شرب أو جامع شاكاً في طلوع النهار أو ظاناً غروب الشمس ولم يتبين الحال، فإن صومه لا يفسد بذلك أما إذا تبينه في الصورتين فعليه القضاء في الأكل والشرب؛ وعليه القضاء والكفارة في الجماع، ومنها أن يأكل أو يشرب في وقت يعتقده ليلاً فبان نهاراً، أو أكل فظن أنه أفطر بالأكل ناسياً فأكل عامداً، فإن صومه يفسد، وعليه القضاء فقط. الشافعية قالوا: ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة أمور: منها وصول شيء إلى جوف الصائم؛ كثيراً كان أو قليلاً؛ ولو قدر سمسمة أو حصاة، ولو ماء قليلاً، ولا يفسد الصوم بذلك إلا بشروط: أحدها: أن يكون جاهلاً، بسبب قرب إسلامه، ثانيها؛ أن يكون عامداً، فلو وصل شيء قهراً عنه، فإن صومه لا يفسد، ثالثها؛ أن تصل إلى جوفه من طريق معتبر شرعاً كأنفه وفمه وأذنه وقبله ودبره وكالجرح الذي يوصل إلى الدماغ، ومنها تعاطي الدخان المعروف والتمباك والنشوق ونحو ذلك؛ فإنه يفسد الصوم، ويوجب القضاء دون الكفارة، لما عرفت من مذهبهم أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع بالشرائط المتقدمة، ومنها ما لو أدخل إصبعه أو جزءاً منه؛ ولو جافاً حالة الاستنجاء في قبل أو دبر بدون ضرورة فإن صومه يفسد بذلك، أما إذا كان لضرورة فإنه لا يفسد. ومنها أن يدخل عوداً ونحوه في باطن أذنه، فإنه يفطر بذلك. لأن باطن الأذن تعتبر شرعاً من الجوف أيضاً، ومن ذلك ما إذا زاد في المضمضة والاستنشاق عن القدر المطلوب شرعاً من الصائم بأن بالغ فيهما. أو زاد عن الثلاث؛ فترتب على ذلك سبق الماء إلى جوفه، فإن صيامه يفسد ذلك، وعليه القضاء، ومنها ما إذا أكل ما بقي من بين أسنانه مع قدرته على تمييزه وطرحه؛ فإنه يفطر بذلك، ولو كان دون الحمصة، ومنها إذا قاء الصائم عامداً عالماً مختاراً، فإنه يفطر، وعليه القضاء، ولو لم يملأ الفم، ومنها ما إذا دخلت ذبابه في جوفه، فأخرجها، فإن صومه يفسد، وعليه القضاء، ومنها ما إذا تجشى عمداً فخرج شيء من معدته إلى ظاهر حلقه، فإن صومه يفسد بذلك، وظاهر الحلق - هو مخرج الحاء المهملة على المعتمد - وليس من ذلك إخراج النخامة من الباطن - وقذفها إلى الخارج لتكرر الحاجة إلى ذلك، أما لو بلعتها بعد وصولها واستقرارها في فمه فإنه يفطر، ومنها الإنزال بسببب المباشرة، ولو كانت فاحشة، وكذا الإنزال بسبب تقبيل أو لمس أو نحو ذلك، فإنه يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط، أما الإنزال بسبب النظر أو الفكر، فإن كان غير عادة له، فإنه لا يفسد الصوم، كالاحتلام |
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري الجزء الاول [كتاب الصيام] صـــــ 517 الى صــــــــ528 الحلقة (68) [ما يكره فعله للصائم وما لا يكره] يكره للصائم فعل أمور مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) . [حكم من فسد صومه في أداء رمضان] من فسد صومه في أداء رمضان وجب عليه الإمساك بقية اليوم تعظيماً لحرمة الشهر، فإذا داعب شخص زوجه أو عانقها أو قبلها أو نحو ذلك فأمنى، فسد صومه، وفي هذه الحالة يجب عليه الإمساك بقية اليوم، ولا يجوز له الفطر، أما من فسد صومه في غير أداء رمضان، كالصيام المنذور، سواء أكان معيناً أم لا، وكصوم الكفارات، وقضاء رمضان، وصوم التطوع، فإنه لا يجب عليه الإمساك بقية اليوم، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) . [الأعذار المبيحة للفطر] [المرض وحصول المشقة الشديدة] الأعذار التي تبيح الفطر للصائم كثيرة: منها المرض، فإذا مرض الصائم، وخاف زيادة المرض بالصوم، أو خاف تأخر البرء من المرض، أو حصلت له مشقة شديدة بالصوم، فإنه يجوز له الفطر، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة" بل يسن له الفطر، ويكره له الصوم في هذه الأحوال، أما إذا غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم، كما إذا خاف تعطيل حاسة من حواسه، فإنه يجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم، باتفاق.هذا ما إذا كان مريضاً بالفعل، أما إذا كان صحيحاً، وظن بالصوم حصول مرض شديد، ففي حكمه تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط (3) . ولا يجب على المريض إذا أراد الفطر أن ينوي الرخصة التي منحها الشارع للمعذورين، باتفاق ثلاثة؛ وقال الشافعية: بل نية الترخص له بالفطر واجبة، وإن تركها كان آثماً. [خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام] إذا خافت الحامل والمرضع الضرر من الصيام على أنفسهما وولديهما معاً، أو على أنفسهما فقط، أو على ولديهما فقط، فإنه يجوز لهما الفطر على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (4) . [الفطر بسبب السفر] يباح الفطر للمسافر بشرط أن يكون السفر مسافة تبيح قصر الصلاة على ما تقدم تفصيله، وبشرط أن يشرع فيه قبل طلوع الفجر بحيث يصل إلى المكان الذي يبدأ فيه قصر الصلاة قبل طلوع الفجر، فإن كان السفر لا يبيح قصرها لم يجز له الفطر، وهذان الشرطان متفق عليهما، عند ثلاثة. وخالف الحنابلة في الشرط الأول، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ؛ وزاد الشافعية شرطاً ثالثاً فانظره تحت الخط (6) ؛ فإذا شرع في السفر بعد طلوع الفجر حرم عليه الفطر، فلو أفطر فعليه القضاء دون الكفارة؛ عند ثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، ويجوز الفطر للمسافر الذي بيت النية بالصوم؛ ولا إثم عليه، وعليه القضاء، خلافاً للمالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (8) ، ويندب للمسافر الصوم إن لم يشق عليه، لقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} فإن الشافعية قالوا: عليه كان الفطر أفضل؛ باتفاق الحنفية، والشافعية، أما المالكية والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (9) ، إلا إذا أدى الصوم إلى الخوف على نفسه من التلف أو تلف عضو منه، أو تعكيل منفعته، فيكون الفطر واجباً، ويحرم الصوم، باتفاق. [صوم الحائض والنفساء] إذا حاضت المرأة الصائمة أو نفست وجب عليها الفطر، وحرم الصيام، ولو صامت فصومها باطل، وعليها القضاء. [حكم من حصل له جوع أو عطش شديدان] فأما الجوع والعطش الشديدان اللذان لا يقدر معهما على الصوم، فيجوز لمن حصل له شيء من ذلك الفطر؛ وعليه القضاء. [حكم الفطر لكبر السن] الشيخ الهرم الفاني الذي لا يقدر على الصوم في جميع فصول السنة يفطر وتجب عن كل يوم فدية طعام مسكين؛ وقال المالكية: يستحب له الفدية فقط؛ ومثله المريض الذي لا يرجى برؤه، ولا قضاء عليهما لعدم القدرة، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) ، أما من عجز عن الصوم في رمضان، ولكن يقدر على قضائه في وقت آخر، فإنه يجب عليه القضاء في ذلك الوقت، ولا فدية عليه. [إذا طرأ على الصائم جنون] إذا طرأ على الصائم جنون ولو لحظة، ولم يجب عليه الصوم، ولا يصح؛ وفي وجوب القضاء تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (11) . وإذا زال العذر المبيح للإفطار في أثناء النهار، كأن طهرت الحائض، أو أقام المسافر، أو بلغ الصبي، وجب عليه الإمساك بقية اليوم احتراماً للشهر؛ عند الحنفية، والحنابلة، أما المالكية والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) . [ما يستحب للصائم] يستحب للصائم أمور: منها تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب، وقبل الصلاة، ويندب أن يكون على رطب، فتمر؛ فحلو، فماء، وأن يكون ما يفطر عليه من ذلك وتراً، ثلاثة، فأكثر ومنها الدعاء عقب فطره بالمأثور، كأن يقول: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت، وبك آمنت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر، يا واسع الفضل اغفر لي الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت، ومنها السحور على شيء وإن قل، ولو جرعة ماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا، فإن في السحور بركة"، ويدخل وقته بنصف الليل الأخير، وكلما تأخر كان أفضل، بحيث لا يقع في شك في الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يُريبك" ومنها كف اللسان عن فضول الكلام، وأما كفه عن الحرام، كالغيبة والنميمة، فواجب في كل زمان، ويتأكد في رمضان؛ ومنها الإكثار من الصدقة والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين. ومنها الاشتغال بالعلم، وتلاوة القرآن والذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما تيسر له ذلك ليلاً أو نهاراً؛ ومنها الاعتكاف، وسيأتي بيانه في مبحثه. [قضاء رمضان] من وجب عليه قضاء رمضان لفطرة فيه عمداً أو لسبب من الأسباب السابقة فإنه يقضى بدل الأيام التي أفطرها في زمن يباح الصوم فيه تطوعاً، فلا يجزئ القضاء فيما نهى عن صومه، كأيام العيد، ولا فيما تعين لصوم مفروض كرمضان الحاضر، وأيام النذر المعين، كأن ينذر صوم عشرة أيام من أول ذي القعدة، فلا يجزئ قضاء رمضان فيها لتعينها بالنذر، عند المالكية، والشافعية، أما الحنابلة، والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (13) ، كما لا يجزئ القضاء في رمضان الحاضر، لأنه متعين للأداء، فلا يقبل صوماً آخر سواه، فلو نوى أن يصوم رمضان الحاضر أو أياماً منه قضاء عن رمضان سابق، فلا يصح الصوم عن واحد منهما، لا عن الحاضر، لأنه لم ينوه، ولا عن الفائت، لأن الوقت لا يقبل سوى الحاضر، باتفاق ثلاثة،وخالف الحنفية فانظر مذهبيهم تحت الخط (14) ؛ ويجزئ القضاء في يوم الشك لصحة صومه تطوعاً، ويكون القضاء بالعدد لا بالهلال، فمن أفطر رمضان كله؛ وكان ثلاثين يوماً، ثم ابتدأ قضاءه من أول المحرم مثلاً، فكان تسعة وعشرين يوماً، وجب عليه أن يصوم يوماً آخر بعد المحرم ليكون القضاء ثلاثين يوماً كرممضان الذي أفطره، ويستحب لمن عليه قضاء أن يبادر به ليتعجل براءة ذمته، وأن يتابعه إذا شرع فيه؛ فإذا أخر القضاء أو فرقه صح ذلك، وخالف المندوب، إلا أنه يجب عليه القضاء فوراً إذا بقي على رمضان الثاني بقدر ما عليه من أيام رمضان الأول؛ فيتعين القضاء فوراً في هذه الحالة خلافاً للشافعية، والحنفية؛ فانظر مذهبيهما تحت الخط (15) ، ومن أخر القضاء حتى دخل رمضان الثاني وجبت عليه الفدية (الشافعية قالوا: تتكرر الفدية بتكرر الأعوام) زيادة عن القضاء، وهي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء ومقدارها هو ما تعطى لمسكين واحد في الكفارة، كما تقدم في "مبحث الكفارات"، باتفاق ثلاثة؛ وخالف الحنفية، فقالوا: لا فدية على من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني، سواء كان التأخير بعذر أو بغير عذر؛ وإنما تجب الفدية إذا كان متمكناً من القضاء قبل دخول رمضان الثاني، وإلا فلا فدية عليه، ولا تتكرر الفدية بتكرر الأعوام بدون قضاء، باتفاق ثلاثة. وقال الشافعية: بل تتكرر الفدية بتكرر الأعوام. [الكفارة الواجبة على من أفطر رمضان، وحكم من عجز عنها] تقدم أن الصيام ينقسم إلى مفروض وغيره، وأن المفروض ينقسم إلى أقسام. صوم رمضان وصوم الكفارات، والصيام المنذور؛ أما صوم رمضان فقد تقدم الكلام فيه، وأما الكفارات، فأنواع: منها كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة القتل، ولهذه الأنواع الثلاثة مباحث خاصة بها في قسم المعاملات. "وقد ذكرنا كفارة اليمين في الجزء الثاني وكفارة الظهارة في الجزء الرابع، ومن أنواع الكفارات كفارة الصيام، وهي المراد بيانها هنا: فكفارة الصيام هي التي تجب على ما أفطر في أداء رمضان على التفصيل السابق في المذاهب. وهي إعتاق رقبة مؤمنة، باتفاق ثلاثة، وقال الحنفية، لا يشترط أن تكون الرقبة مؤمنة في الصيام، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب المضرة، كالعمى والبكم والجنون، فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين، فإن صام في أول الشهر العربي أكمله وما بعده باعتبار الأهلة، وإن ابتدأ في أثناء الشهر العربي صام باقيه. وصام الشهر الذي بعده كاملاً باعتبار الهلال، وأكمل الأول ثلاثين يوماً من الثالث، ولا يحسب يوم القضاء من الكفارة، ولا بد من تتابع هذين الشهرين بحيث لو أفسد يوماً في أثنائها ولو بعذر شرعي، كسفر، صار ما صامه نفلاً، ووجب عليه استئنافها لانقطاع التتابع الواجب فيها، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة: الفطر لعذر شرعي كالفطر للسفر لا يقطع التتابع، فإن لم يستطع الصوم لمشقة شديدة ونحوها، فإطعام ستين مسكيناً، فهي واجبة على الترتيب المذكور باتفاق ثلاثة. وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (16) ، وقد استدل الثلاثة بخبر الصحيحية عن أبي هريرة رضي الله عنه، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هلكت، قال: وما أهلكك،! قال: واقعت امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، ثم جلس السائل، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر "العرق: مكتل في خوص النخل، وكان فيه مقداره الكفارة" فقال تصدق بهذا، فقال: على أفقر منا يا رسول الله، فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب، فأطعمه أهلك" وما جاء في هذا الحديث من إجراء صرف الكفارة لأهل المكفر، وفيهم من تجب عليه نفقته فهو خصوصية لذلك الرجل، لأن المفروض في الكفارة إنما هو إطعام ستين مسكيناً لغير أهله، بحيث يغطي كل واحد منهم مقداراً مخصوصاً، على تفصيل في المذاهب، مذكور تحت الخط (17) . وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام التي حصل فيها ما يقتضي الكفارة، عند الشافعية، والمالكية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبيهما تحت الخط (18) ، أما إذا تعدد المتقضى في اليوم الواحد فلا تتعدد، ولو حصل الموجب الثاني بعد أداء الكفارة عن الأول، فلو وطئ في اليوم الواحد عدة مرات فعليه كفارة واحدة، ولو كفر بالعتق أو الإطعام عقب الوطء الأول، فلا يلزمه شيء لما بعده، وإن كان آثماً لعدم الإمساك الواجب، فإن عجز عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته إلى الميسرة، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (19) (1) الحنفية قالوا: يكره للصائم فعل أمور: أولاً: ذوق شيء لم يتحلل منه ما يصل إلى جوفه بلا فرق بين أن يكون الصوم فرضاً أو نفلاً إلا في حالة الضرورة، فيجوز للمرأة أن تذوق الطعام لتتبين ملوحته إذا كان زوجها شيء الخلق، ومثلها الطاهي - الطباخ -، وكذا يجوز لمن يشتري شيئاً يؤكل أو يشرب أن يذوقه إذا خشي أن يغبن فيه ولا يوافقه، ثانياً: مضغ شيء الحنابلة لا عذر، فإن كان لعذر كما إذا مضغت المرأة طعاماً لابنها، ولم تجد من يمضغه سواها ممن يحل له الفطر، فلا كراهة، ومن المكروه مضغ العلك - اللبان - الذي لا يصل منه شيء إلى الجوف، ثالثاً: تقبيل امرأته، سواء كانت القبلة فاحشة بأن مضغ شفتها، أو لا، وكذا مباشرتها مباشرة فاحشة، بأن يضع فرجه على فرجها بدون حائل. وإنما يكره له ذلك إذا لم يأمن على نفسه من الإنزال أو الجماع، أما إذا أمن، فلا يكره؛ كما يأتي، رابعاً: جمع ريقه في فمه ثم ابتلاعه، لما فيه من الشبهة، خامساً: فعل ما يظن أنه يضعفه عن الصوم، كالفصد والحجامة، أما إذا كان يظن أنه لا يضعفه فلا كراهة، وأما ما لا يكره للصائم فعله فأمور: أولاً: القبلة، أو المباشرة الفاحشة إن أمن الإنزال والجماع، ثانياً: دهن شاربه، لأنه ليس فيه شيء ينافي الصوم؛ ثالثاً: الاكتحال ونحوه، وإن وجد أثره في حلقه، رابعاً: الحجامة ونحوها إذا كانت لا تضعفه عن الصوم، خامساً: السواك في جميع النهار، بل هو سنة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السواك يابساً أو أخضر؛ مبلولاً بالماء أو لا، سادساً: المضمضة والاستنشاق، ولو فعلهما لغير وضوء؛ سابعاً: الاغتسال، ثامناً: التبرد بالماء بلف ثوب مبلول على بدنه، ونحو ذلك. المالكية قالوا: يكره للصائم أن يذوق الطعام، ولو كان صانعا له، وإذا ذاقه وجب عليه أن يمجه لئلا يصل إلى حلقه منه شيء؛ فإن وصل شيء إلى حلقه غلبة فعليه القضاء في الفرض، على ما تقدم، وإن تعمد إيصاله إلى جوفه فعليه القضاء والكفارة في رمضان، كما تقدم، ويكره أيضاً مضغ شيء كتمر أو لبان؛ ويجب عليه أن يمجه؛ وإلا فكما تقدم، ويكره أيضاً مداواة أيضاً مضغ شيء كتمر أو لبان؛ ويجب عليه أن يمجه؛ ولا فكما تقدم، ويكره أيضاً مداواة حفر الأسنان - وهو فساد أصولها - نهاراً إلا أن يخاف الضرر إذا أخر المداواة إلى الليل فلا تكره نهاراً؛ بل تجب إن خاف هلاكاً أو شديداً أذى بالتأخير، ومن المكروه غزل الكتان الذي له طعم، وهو الذي يعطن في المبلات إذا لم تكن المرأة الغازلة مضطرة للغزل، وإلا فلا كراهة؛ ويجب عليه أن تمج ما تكون في فمها من الريق على كل حال، أما الكتان الذي لا طعم له، وهو الذي يعطن في البحر، فلا يكره غزله، ولو من غير ضرورة، ويكره الحصاد للصائم لئلا يصل إلى حلقه شيء من الغبار فيفطر ما لم يضطر إليه؛ وإلا فلا كراهة، وأما رب الزرع فله أن يقوم عليه عند الحصاد، لأنه مضطر لحفظه وملاحظته، وتكره مقدمات الجماع، كالقبلة، والفكر، والنظر إن علمت السلامة من الإمذاء والإمناء، فإن شك في السلامة وعدمها، أو علم عدم السلامة حرمت، ثم إذا لم يحصل إمداء ولا إمناء فالصوم صحيح، فإن أمذى فعليه القضاء والكفارة في رمضان إن كانت المقدمات محرمة، بأن علم الناظر مثلاً عدم السلامة أو شك فيها؛ فإن كانت مكروهة، بأن علم السلامة فعليه القضاء فقط، إلا إذا استرسل في المقدمة حتى أ، زل، فعليه القضاء والكفارة؛ ومن المكروه الاستياك بالرطب الذي يتحلل منه شيء، وإلا جاز في كل النهار، بل يندب لمقتضى شرعي؛ كوضوء وصلاة، وأما المضمضة للعطش فهي جائزة، والإصباح بالجنابة خلاف الأولى، والأولى الاغتسال ليلاً، ومن المكروه الحجامة والفصد للصائم إذا كان مريضاً وشك في السلامة من زيادة المرض التي تؤدي إلى الفطر؛ فإن علم السلامة جاز كل منهما، كما يجوز أن للصحيح عند علم السلامة أو شك فيها، فإن علم كل منهما عدم السلامة، بأن علم الصحيح أنه يمرض لو احتجم أو قصد، أو علم المريض أنه مرضه يزيد بذلك كان كل منهما محرماً. الحنابلة قالوا: يكره للصائم أمور منها ما إذا تمضمض عبثاً أو سرفاً، أو لحر أو لعطش، أو غاص في الماء لغير تبرد، أو غسل مشروع، فإن دخل الماء في هذه الحالات إلى جوفه فإنه لا يفسد صومه مع كراهة هذه الأفعال، ومنه أن يجمع ريقه، فيبتلعه، وكره مضغ ما لا يتحلل منه شيء، وحرم مضغ ما يتحلل منه شيء، ولو لم يبلع ريقه. وكذا ذوق طعام لغير حاجة. فإن كان ذوقه لحاجة لم يكره؛ ويبطل الصوم بما وصل منه إلى حلقه إذا كان لغير حاجة، وكره له أن يترك بقية طعام بين أسنانه، وشم ما لا يؤمن من وصوله إلى حلقه بنفسه كسحيق مسك وكافور وبخور بنحو عود، بخلاف ما يؤمن فيه جذبه بنفسه إلى حلقه، فإنه لا يكره كالورد؛ وكذا يكره له القبلة، ودواعي الوطء، كمعانقة ولمس، وتكرار نظر، إذا كان ما ذكر يحرك شهوته، وإلا لم يكره، وتحرم عليه القبلة؛ ودواعي الوطء إن ظن بذلك إنزالاً؛ وكذا يكره له أن يجامع وهو شاك في طلوع الفجر الثاني بخلاف السحور مع الشك في ذلك، لأنه يتقوى به على الصوم، بخلاف الجماع فإنه ليس كذلك. الشافعية قالوا: يغتفر للصائم أمور، ويكره له أمور: فيغتفر له وصول شيء إلى الجوف بنسيان أو إكراه، أو بسبب جهل يعذر به شرعاً، ومنه وصول شيء كان بين أسنانه بجريان ريقه بشرط، أن يكون عاجزاً عن مجه؛ أما إذا ابتلعه مع قدرته على مجه، فإنه يفسد صومه، ومثل هذا النخامة، وأثر القهوة على هذا التفصيل، ومن ذلك غبار الطريق، وغربلة الدقيق، والذباب، والبعوض، فإذا وصل إلى جوفه شيء من ذلك لا يضر، لأن الاحتراز عن ذلك من شأنه المشقة والحرج، ويكره له أمور: منها المشاتمة، وتأخير الفطر عن الغروب إذا اعتقد أن هذا فضيلة، وإلا فلا كراهة، ومن ذلك مضغ العلك - اللبان -، ومنه مضغ الطعام، فإنه لا يفسد، ولكنه يكره إلا لحاجة، كأن يمضغ الطعام لولده الصغير ونحوه، ومن ذلك ذوق الطعام، فإنه يكره للصائم إلا لحاجة، كأن يكون طباخاً ونحوه، فلا يكره، ومن ذلك الحجامة والقصد، فإنهما يكرهان للصائم إلا لحاجة، ومن ذلك التقبيل إن لم يحرك الشهوة، وإلا حرم ومثل المعانقة والمباشرة، ومن ذلك دخول الحمام فإنه مضعف للصائم، فيكره له ذلك لغير حاجة. ومن ذلك السواك بعد الزوال فإنه يكره إلا إذا كان لسبب يقتضيه، كتغير فمه بأكل نحو بصل بعد الزوال نسياناً، ومن ذلك تمتع النفس بالشهوات من المبصرات والمشمومات والمسموعات إن كان كل ذلك حلالاً، فإنه يكره، أما التمتع بالمحرم فهو محرم على الصائم والمفطر، كما لا يخفى، ومن ذلك الاكتحال، وهو خلاف الأولى على الراجح يتبع |
الساعة الآن : 08:40 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour