ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194121)

ابوالوليد المسلم 19-03-2019 05:36 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(41)


(باب مسح المرأة رأسها)
إلى (باب مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس)


بين الشارع أنه لا فرق في الأحكام الشرعية بين الرجال والنساء إلا فيما خصه الدليل، ومن جملة ذلك المسح على الأذنين في الوضوء فهو مشترك بينهما،كما جاء ببيان أن الأذنين من الرأس وحقهما المسح معه.
مسح المرأة رأسها

شرح حديث عائشة في مسح المرأة رأسها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مسح المرأة رأسها.أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن جعيد بن عبد الرحمن أخبرني عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذباب أخبرني أبو عبد الله سالم سبلان وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره، فأرتني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فتمضمضت واستنثرت ثلاثاً، وغسلت وجهها ثلاثاً، ثم غسلت يدها اليمنى ثلاثاً واليسرى ثلاثاً، ووضعت يدها في مقدم رأسها ثم مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره، ثم أمرت يديها بأذنيها، ثم مرت على الخدين، قال سالم: كنت آتيها مكاتباً ما تختفي مني، فتجلس بين يدي وتتحدث معي، حتى جئتها ذات يوم، فقلت: ادعي لي بالبركة يا أم المؤمنين, قالت: وما ذاك؟ قلت: أعتقني الله، قالت: بارك الله لك، وأرخت الحجاب دوني, فلم أرها بعد ذلك اليوم].يقول النسائي رحمه الله: باب: مسح المرأة رأسها. ذكر النسائي في التراجم السابقة بعض التراجم المتعلقة بمسح الرأس، وأورد فيه بعض الأحاديث التي فيها بيان كيفية المسح، وعدد ذلك، ثم أورد هذه الترجمة وهي باب: مسح المرأة رأسها.ومن المعلوم أن أحكام الشريعة هي مشتركةٌ بين الرجال والنساء، فلا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام, إلا إذا جاء دليل يخص الرجال بشيء، أو يخص النساء بشيء، وحيث لا دليل على تخصيص أي منهما؛ فإن أحكام الشريعة مشتركة بينهما.وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث: عائشة رضي الله عنها الذي يرويه عنها سالم سبلان، وكانت تستعجب من أمانته وتستأجره، أي: أن هذا الرجل الرقيق كانت تستأجره, وتعرفه بالأمانة والجد في العمل، فأرته كيف الوضوء، فتوضأت وهو يرى، فأتت بماءٍ فأخذت منه وتمضمضت واستنشقت ثلاثاً، ثم غسلت وجهها ثلاثاً، ثم يديها إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسحت رأسها ومسحت أذنيها مع رأسها، ثم غسلت رجليها، والمقصود من ذلك: مسح الرأس؛ لأنها أمرت يدها على رأسها، ثم مسحت بأذنيها، أي: أن حكمهما المسح، وليستا من الوجه فيكون فرضهما الغسل، وإنما هما من الرأس ففرضهما المسح.وقد جاء في ذلك أحاديث في مسحهما مع الرأس، وفي بيان كيفية مسحهما.وحديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها هذا فيه مسح الأذنين مع الرأس، وفي الحديث أنها لما مسحت أذنيها مرت بيديها على خديها، وهذا كما هو معلوم لا دخل له في الوضوء؛ لأن الخدان من الوجه، وقد غسلا قبل غسل اليدين؛ لأن من فروض الوضوء غسل الوجه، ثم إن الوجه يدخل فيه الخدان، ولكن قيل: إن إمرارها يدها على خديها بعد أن مسحت أذنيها، ليذهب ما في يدها من الماء في الخدين، أو يحتمل أن يكون أيضاً: أن اليدين مرت على الخدين وهما في طريقهما للنزول، ويكون مرورهما إنما هو في الطريق إلى إرسالهما, بعد أن فرغت من مسحهما إلى إرسالهما, والاشتغال بغسل الرجلين، فليس لذكر الخدين بعد المسح على الأذنين بيان حكم فيما يتعلق بأحكام الوضوء.ومن المعلوم أن عدم ذكر الرجلين لا ينفيهما، وإنما هذا من اختصار الرواة، يعني: أحياناً يأتينا بالحديث مختصراً، وأحياناً يأتينا به مطولاً، وعدم إيراده لا يعني عدم ذكره.وفي الحديث أنه كان مكاتباً، وكان يأتي إليها وتجلس بين يديه فتتحدث إليه، ثم المكاتب هو: الذي اتفق مع أوليائه على أن يفدي نفسه بأن يجمع لهم الأموال، ويأتي بها إليهم شيئاً فشيئاً، فإذا أدى الذي اتفق معه عليه صار حراً، وما دام بقي عليه درهم فهو رقيق، وكان يأتي إليها وهو مكاتب، ثم إنه في مرةٍ من المرات جاء إليها، وقال: (ادعي لي بالبركة يا أم المؤمنين! قالت: وما ذاك؟ قال: أعتقني الله، قالت: بارك الله لك، ثم أرخت الحجاب, ولم يرها بعد ذلك اليوم).ومن المعلوم أن ملك اليمين يمكن التكشف له، وهو ممن ذكره الله عز وجل في القرآن بقوله: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3]، فإن ملك اليمين تبدي له المرأة أو سيدته زينتها، ولا تحتجب عنه، وهنا في هذا الحديث هو ليس مولى لها، ولا عبداً لها، وإنما هو عبد لغيرها، قال بعض العلماء: ولعله كان مولاً لأقربائها, أو عبداً لأقربائها، فكانت لا تحتجب عنه، وأنها ترى جواز ذلك بالنسبة لمن يكون عبداً للقريب، ومن المعلوم أن القرآن إنما جاء بأنها لا تحتجب عن ملك يمينها، أما ملك يمين غيرها ولو كان من أقربائها، فالواضح والأظهر أنه يُحتجب عنه، ولكن لعل عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت ترى هذا الشيء، ثم لما عتق وصار حراً أرخت الحجاب دونه, ولم يرها بعد ذلك اليوم الذي التقى بها، وطلب منها أن تدعو له بالبركة؛ لأن الله تعالى قد أعتقه.وفي هذا الحديث: مثل ما في الذي قبله من حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على بيان السنن والحق والهدى، رجالهم ونسائهم، هذا شأنهم وديدنهم، يبينون الحق للناس ابتداءً من دون أن يكون ذلك التوجيه والإرشاد مبني على سؤال؛ فإن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أرته كيفية الوضوء, وتوضأت وهو يراها.وفيه أيضاً: بيان التعليم بالفعل, كما يكون بالقول، وهنا علمته, وبينت له بفعلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في مسح المرأة رأسها

قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث ].الحسين بن حريث هو: الخزاعي المروزي، وهو ثقةٌ, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه .[ حدثنا الفضل بن موسى]. وهو: الفضل بن موسى السيناني المروزي، هو أيضاً مروزي مثل تلميذه، وهو ثقةٌ, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الجعيد بن عبد الرحمن].الجعيد بن عبد الرحمن هنا جاء مصغراً، ويأتي مكبراً فيقال: الجعد، يأتي مصغراً كما هنا فيقال: الجعيد. ويأتي منسوباً إلى أبيه وإلى جده، وهو الجعد بن عبد الرحمن بن أوس؛ يقال: الجعد بن عبد الرحمن، ويقال: الجعد بن أوس، وهو ثقةٌ, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه ، مثل: الحسين بن حريث شيخ النسائي هنا.[ عن عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذباب ].وهذا الرجل وصفه الحافظ في التقريب: بأنه مقبول، ولم يخرج له إلا النسائي، وكلمة (مقبولٌ) كما عرفنا فيما مضى تعني أنه يحتاج إلى من يعضده ويساعده، ومن المعلوم أن صفة الوضوء وكيفيته , جاء فيها أحاديث كثيرة، وله شواهد عديدة عن جماعة من الصحابة، كلها تدل على بيان صفة الوضوء، مثل ما جاء عن عائشة وغيرها.[عن أبي عبد الله سالم سبلان].وهو: سالم بن عبد الله المصري، يقال له: سالم سبلان، وهو صدوقٌ, خرج له مسلم, وأبو داود, والنسائي, وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري, ولا الترمذي.وأما عائشة فهي أم المؤمنين, التي مر ذكرها في الأسانيد الماضية مراراً وتكراراً، وهي صاحبة المناقب الكثيرة، والصفات الحميدة، وهي من أوعية العلم والسنة، حفظت الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي التي أنزل الله تعالى براءتها من فوق سبع سماوات في عشر آياتٍ من سورة النور، بين الله تعالى فيها براءتها مما رميت به، فهي الصديقة بنت الصديق، المبرأة بالوحي من الله عز وجل، وكانت مع هذا الفضل الذي حصل لها، وهو إنزال الله عز وجل الوحي ببراءتها متواضعة لله عز وجل، وقد جاء في الصحيح أنها كانت تقول رضي الله عنها وأرضاها: وكنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرؤني الله تعالى بها، ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيَّ آيات تتلى، أي: مثلها, وهي مع علو مكانتها تتواضع لله عز وجل.
مسح الأذنين

شرح حديث ابن عباس: (رأيت رسول الله توضأ... ومسح برأسه وأذنيه مرة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مسح الأذنينأخبرنا الهيثم بن أيوب الطالقاني حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل يديه, ثم تمضمض واستنشق من غرفة واحدة، وغسل وجهه، وغسل يديه مرة مرة، ومسح برأسه وأذنيه مرة، قال عبد العزيز: فأخبرني من سمع ابن عجلان يقول في ذلك: وغسل رجليه].ثم ذكر النسائي هذه الترجمة وهي باب: مسح الأذنين، لما ذكر مسح الرأس ذكر مسح الأذنين، وذلك أن الأذنين من الرأس، ويكون حكمهما المسح، كما أن حكم الرأس المسح، وليس حكمهما الغسل؛ لأنهما لا يعتبران من الوجه فيغسلان، وإنما يعتبران من الرأس فيمسحان.وقد أورد فيه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو في بيان صفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام مرةً مرة، أي: أن كل عضو من أعضاء الوضوء يغسله مرةً واحدة، وقد عرفنا فيما مضى: أن السنة جاءت بالغسل مرةً مرة، واثنتين اثنتين، وثلاثاً وثلاثاً، وبالتفاوت، يعني: يكون مرة ومرتين، أو ثنتين وثلاث، كل هذا جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فحديث ابن عباس يدل على الغسل للأعضاء في الوضوء مرةً مرة، وبين فيه كيفية وضوء النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه تمضمض واستنشق، وغسل وجهه مرة، وغسل يديه مرة مرة، ومسح رأسه مع الأذنين مرة.وذكر أن عبد العزيز بن محمد قال: أخبرني من سمع محمد بن عجلان أنه قال بعد ذلك: ثم غسل رجليه؛ لأن الرواية التي ذكرها ليس فيها ذكر غسل الرجلين، ولكنه أتى إلى طريقٍ أخرى فيها الإشارة إلى غسل الرجلين تبعاً لأعضاء الوضوء، والمقصود من إيراد الحديث هنا: أن ابن عباس توضأ ومسح رأسه مع الأذنين.وقوله: (ومسح برأسه وأذنيه مرة)، أي: أنه عطف الأذنين على الرأس، وجعل حكمهما المسح، كما أن حكم الرأس المسح، وأن ذلك مرة، وهذا مبنيٌ على هذه الصفة التي هي حصول الفعل مرةً مرة، وقد سبق أن مر الحديث من بعض الطرق.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (رأيت رسول الله توضأ ... ومسح برأسه وأذنيه مرة ...)

قوله: [أخبرنا الهيثم].وهو: الهيثم بن أيوب الطالقاني، وهذا هو شيخ النسائي ثقةٌ, انفرد النسائي بإخراج حديثه، ولم يخرج له بقية أصحاب الكتب الستة، أي: في طبعة التقريب المصرية ذكر فيها بعد رمز السين رمز الخاء، وهو خطأ؛ لأن البخاري لم يخرج له، ثم أيضاً هذا مع كونه خطأ، فترتيبه أيضاً خطأ؛ لأن الأصل أن يبدأ بالخاء إذا كان البخاري خرج له، ولا يكون ذكره بعد النسائي، وإنما يكون ذكر البخاري قبل النسائي، وهنا جاء بحرف السين, ثم جاء بعدها بحرف الخاء، فهو خطأ من حيث ذكره؛ حيث لم يخرج له البخاري، وخطأ من حيث الموضع؛ لأن البخاري يذكر مقدماً على غيره.[عن عبد العزيز بن محمد].عبد العزيز بن محمد الدراوردي هذا أيضاً يأتي ذكره لأول مرة، وهو صدوقٌ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن زيد بن أسلم]. زيد بن أسلم، وهو ثقةٌ, من رجال الجماعة.[عن عطاء بن يسار ].عطاء بن يسار شيخه، وهو ثقة، من رجال الجماعة.قوله: [عن ابن عباس].وكذلك ابن عباس رضي الله عنه مر مراراً وتكراراً، وحديثه في الكتب الستة، وهو أحد الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين هم سبعة جمعهم السيوطي في بيتين، قال فيهما: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيوالبحر المقصود به: ابن عباس، يقال له: البحر، ويقال: الحبر.
مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس

شرح حديث ابن عباس: (توضأ رسول الله... ثم مسح برأسه وأذنيه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مسح الأذنين مع الرأس، وما يستدل به على أنهما من الرأسأخبرنا مجاهد بن موسى حدثنا عبد الله بن إدريس حدثنا ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة فمضمض واستنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل يده اليسرى، ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى)].ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب: مسح الأذنين وما يستدل به على أنهما من الرأس، أي: أنهما يمسحان، فيكون فرضهما المسح، هذا هو المقصود بكونهما من الرأس، فيكون المقصود هو: هل حكمهما حكم الرأس فيمسحان أو حكم الوجه فيغسلان؟ المقصود أن حكمهما حكم الرأس فيمسحان.وأورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى وفيه: أنه مسح رأسه مع أذنيه، جعل السباحتين في داخلهما وإبهامه في ظاهرهما، أي: أن كيفية المسح أن يجعل السبابة أو السباحة في داخل الأذن, والإبهام في خارجها، فالسبابة تمسح داخلها، والإبهام تمسح خارجها، والسبابة وهي: الإصبع التي تلي الإبهام، يقال لها: السبابة، ويقال لها: السباحة والمسبحة؛ لأنه يسبح الله بها، ويشار إلى وحدانية الله عز وجل بها، فيقال لها: السباحة، ويقال لها: السبابة؛ لأنه يسب الشيطان بها؛ ولأنهم كانوا في الجاهلية عندما يكون سباب يشيرون بها، يعني: سباً أو من أجل السب.وهذه الترجمة التي عقدها النسائي هنا, مما يستدل به على أن الأذنين من الرأس، يعني: فيمسحان، واستدل بما حصل من مسحهما فيكون حكمها حكم الرأس، وفيه إشارة إلى ما ورد من حديث (الأذنان من الرأس)، وفيه كلام، ولكنه ثابت، ولكن للكلام الذي فيه لعل النسائي اختار أن يستدل على أن الأذنين من الرأس فيمسحان، بحديث ابن عباس هذا, فيكون هذا الحديث صحيح يؤدي ما يؤديه ذلك الحديث، وهو ثابت، يعني: حديث: (الأذنان من الرأس).

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (توضأ رسول الله ... ثم مسح برأسه وأذنيه ...)

قوله: [عن مجاهد بن موسى]. هو الخوارزمي، شيخ النسائي، ثقة، خرج حديثه مسلم, وأصحاب السنن الأربعة. [عن عبد الله بن إدريس].عبد الله بن إدريس هو: الأودي الكوفي، وهو ثقة, عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن عجلان]. هو محمد بن عجلان، وهو ممن خرج حديثه البخاري تعليقاً, ومسلم, وأصحاب السنن، وهو صدوق، وسبق أن ذكرت لكم: أنهم ذكروا في ترجمته أن أمه حملت به وبقي في بطنها ثلاث أو أربع سنين.[عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس].وبقية الإسناد كالذي تقدم، زيد بن أسلم، عطاء بن يسار، ابن عباس.

شرح حديث: (إذا توضأ العبد المؤمن ... فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة وعتبة بن عبد الله عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه, حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه, حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه, حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه, حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له)، قال قتيبة عن الصنابحي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال].هنا أورد النسائي حديث عبد الله الصنابحي، ومقصوده منه بيان مسح الأذنين، والاستدلال على أنهما من الرأس، والحديث من حديث فضائل الأعمال، وأحاديث الترغيب، وفيه بيان فضل الوضوء، وما يحصل به من حط الخطايا والسيئات، فإنه جاء في هذا الحديث أن الإنسان إذا توضأ فغسل وجهه، خرجت الذنوب حتى تخرج من بين أشفار عينيه، بمعنى: أنها تخرج الذنوب من عينيه، يعني: ما حصل من النظر في عينيه، وما إلى ذلك، وكذلك إذا غسل يديه تخرج من تحت أظفار أصابع يديه، وإذا مسح رأسه خرجت من أذنيه، وهذا مما يدل على أن الأذنين من الرأس، فلما ذكر الرأس قال: (خرجت) يعني: خرجت خطاياه من أذنيه، وهذا معناه: أن الأذنين من الرأس، وأن حكمهما حكم الرأس في المسح، وهذا هو الذي أراده النسائي من إيراد الحديث هنا، وكذلك إذا غسل رجليه تخرج الذنوب والخطايا من أظفار قدميه، ثم يكون مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة، يعني: أنها كفرت سيئاته بفعله الوضوء، فيكون مشيه وصلاته نافلة، يعني: زيادة في الثواب، وزيادة في الأجر عند الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا توضأ العبد المؤمن... فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه ...)

قوله: [أخبرنا قتيبة وعتبة بن عبد الله].قتيبة هو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات, الأثبات.أما عتبة بن عبد الله فهو: عتبة بن عبد الله بن عتبة اليحمدي، وهو صدوقٌ, خرج حديثه النسائي وحده. [عن مالك]. ومالك هو إمام دار الهجرة, الذي مر ذكره مراراً وتكراراً. [عن زيد بن أسلم عن عطاء]. وزيد بن أسلم يروي عن عطاء، وكل منهما مر ذكره في الأحاديث الماضية.[ عن عبد الله بن الصنابحي ].وعبد الله الصنابحي اختلف فيه، بل قال الحافظ ابن حجر في التقريب: اختلف في وجوده، يعني: وجود شخص مثل عبد الله الصنابحي؛ لأن من العلماء من قال: إنه موجود، وأنه صحابي وله صحبة، ومنهم من قال: إنه لا يوجد أحد يقال له: عبد الله الصنابحي، وإنما يوجد عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، المخضرم الذي لم يلق النبي عليه الصلاة والسلام، وقد ذكروا في ترجمته أنه جاء قادماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان في الجحفة في الطريق جاءه الخبر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، فلم يحصل له شرف صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال بعض العلماء أظنه الذهبي: كاد أن يكون صحابياً، ما بينه وبين الصحبة إلا شيء يسير، فهو مخضرم، وهو من كبار التابعين، وهو هذا عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، وحديثه عند أصحاب الكتب الذي هو الصنابحي.ثم بالمناسبة الصنابحي ذكر أنه من رجال البخاري، وهو ليس من رجاله، وإنما له ذكر في البخاري، وطريقة المزي أن الرجل عندما يكون له ذكر في البخاري، يرمز له بأنه من رجال البخاري، وإن لم يكن من رواة البخاري. أما عبد الله وكنيته الصنابحي الذي هو عبد الرحمن بن عسيلة أبا عبد الله، فقالوا: إن هذا الذي هو عبد الله الصنابحي هو أبو عبد الله الصنابحي، وإنما حصل خطأ فانقلبت الكنية فصارت اسماً، وهذا هو المشهور عند العلماء أن الصنابحي هو: عبد الرحمن بن عسيلة، وحديثه مرسل، وليس بصحابي، وما يرويه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل المرسل، وليس من المتصل؛ لأنه لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.والشيخ الألباني لما ذكر هذا الحديث في صحيح الترغيب والترهيب، وذكر كلام العلماء في عبد الله الصنابحي؛ لأن المشهور أنه عبد الرحمن بن عسيلة، قال: وإنما أوردته مع كونه مرسل, لوجود الشواهد الكثيرة في معناه، التي تدل على ما يدل عليه ذلك الحديث، فيكون من شواهده، يكون ثابتاً من شواهده، أما لو لم يأت في معناه, إلا هذا الحديث؛ فإنه كما هو معلوم لا يكون ثابتاً, لوجود الانقطاع فيه, لأن الصنابحي تابعي وليس بصحابي، فحديثه يكون مرسلاً، ومن المعلوم أن الحديث المرسل منقطع ليس بمتصل، وابن حجر وكذلك المزي لما ترجموا لـعبد الله الصنابحي رمزوا له بالدال والسين والقاف، يعني: لـأبي داود , والنسائي, وابن ماجه .أما عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي فقد جاء ذكره في الكتب الستة، لكن من جاء بلفظ عبد الله الصنابحي فهو في ثلاثة كتب، في أبي داود , والنسائي , وابن ماجه . ثم إنه في آخر الحديث قال: قال قتيبة عن الصنابحي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.فالمقصود من ذكر هذه الجملة هنا: أن سياق الإسناد يبدو أنه لـعتبة، وليس لـقتيبة، ثم إنه يمكن أن يستدل بهذا الصنيع على أن طريقة النسائي عندما يروي عن شيخين، فيكون اللفظ للثاني منهما؛ لأن الآن هنا السياق للثاني، وشيخه الأول الذي هو قتيبة أتى بعد ذكر سياق الحديث بلفظ الثاني، ما بينه وبينه من المخالفة، إنما هي يسيرة جداً؛ لأن عتبة إسناده وسياقه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم..، وهذا قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم، فالفرق بينهما: كلمة رسول ونبي، فهذا يشعر ويدل على هذا.

ابوالوليد المسلم 22-03-2019 10:32 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(42)

تابع باب مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس - باب المسح على العمامة

بينت الشريعة أن الأذنين من الرأس في الوضوء وليستا من الوجه، ومن سماحتها أنها جاءت بمشروعية المسح على العمامة رفعاً للحرج، لا سيما إذا كان في نزعها مشقة.

تنبيهات على حديث عبد الله الصنابحي: (إذا توضأ العبد المؤمن... فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس.أخبرنا قتيبة وعتبة بن عبد الله عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له). قال قتيبة عن الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال].حديث عبد الله الصنابحي، يحكي فيه عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على فضل الوضوء وعظيم أجره وثوابه عند الله عز وجل، وقد مرّ بنا ما يتعلق بالحديث في إسناده ومتنه في الدرس الفائت.والذي أحب أن أنبه عليه بالنسبة لشيء من إسناد هذا الحديث، هو أولاً: أنني ذكرت في الدرس الفائت: أن هذا السياق الذي ذكره النسائي لـعتبة بن عبد الله بن عتبة اليحمدي وهو الشيخ الثاني من الشيخين اللذين روى عنهم الحديث؛ لأنه قرن هنا بادئاً بـقتيبة ومثنياً بـعتبة، والسياق هو سياق عتبة، بدليل أنه قال في آخر الحديث: وقال قتيبة؛ يعني: أن سياقه يختلف عن سياق عتبة عن الصنابحي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، فقلت بالأمس: إن الفرق بين السياقين: أن عتبة عبر بوصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، حيث قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قتيبة فتعبيره بوصف النبوة، حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم.وهناك شيءٌ آخر يضاف إلى هذا، بل هو أهم منه من حيث تنبيه النسائي على هذا الفرق بين السياقين, وهو أنه قال: عن الصنابحي، فلم يسمه كما سماه عتبة؛ لأن إسناد عتبة فيه تسمية الصنابحي، بأنه عبد الله، وأما سياق قتيبة فليس فيه ذكر تسمية عبد الله، وإنما فيه ذكر الصنابحي فقط، هذا فرقٌ واضح جلي، ولعلّ هذا هو الذي أراده النسائي؛ لأن هذا اللفظ الذي هو الصنابحي يتفق مع ما هو معروفٌ عن أن المشهور بـالصنابحي هو عبد الرحمن بن عسيلة؛ لأنه ما سمي، ورواية عتبة وغيره ممن سموه وقالوا: عبد الله، قال بعض العلماء: إن هذا فيه انقلاب أو قلب؛ لأنه أبو عبد الله الصنابحي، فإذاً: حصل انقلاب على الراوي، فجعل بدل أبي عبد الله عبد الله، فصار فيه وجود هذا الشخص الذي لا يعرف، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: اختلف في وجوده؛ يعني: رجل باسم عبد الله الصنابحي اختلف في وجوده، هل هو موجود أو غير موجود؟ والأكثر على أنه عبد الرحمن بن عسيلة، والمشهور أنه عبد الرحمن بن عسيلة، و عبد الله الصنابحي، فجاء ذكره بهذا الاسم عند النسائي وأبي داود وابن ماجه، أما عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي فإنه جاء حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهذا أول ما أردت أن أنبه عليه بما يتعلق بهذا السياق الذي ذكره النسائي.وذكرت في الدرس الفائت أن هذا السياق الذي ذكره النسائي لـعتبة ثم التنبيه إلى السياق عند قتيبة، أن هذا قد يشعر بأن طريقة النسائي أنه عندما يذكر الحديث عن شيخين فإن اللفظ الذي يسوقه يكون للثاني منهما، قلت: إن هذا مما يستدل به على أن طريقة النسائي عندما يذكر شيخين ولا يذكر من له اللفظ أن اللفظ يكون للثاني؛ وذلك لأنه في هذا الحديث ساقه على سياق عتبة , وهو الثاني، ثم نبه على سياق قتيبة وأنه يختلف عن سياق عتبة.والأمر الثاني من الأمور التي أنبه عليها: أن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ليس له رواية في صحيح البخاري، وأن المزي طريقته أن من له ذكر في الصحيح يعلم عليه أنه من رجال الصحيح وإن لم تكن له رواية في الصحيح، وهذا هو الواقع بالنسبة لطريقة المزي، ومن أمثلة ذلك: أويس القرني جاء ذكره في رجال الكتب الستة وليس له رواية في الصحيحين، ويزيد بن أبي كبشة جاء ذكره في صحيح البخاري وليس له رواية، وذلك في حديث أبي موسى الأشعري الذي قال في إسناده ابنه أبو بردة: اصطحبت أنا ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: أفطر، فإني سمعت أبا موسى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).فجاء ذكره في الإسناد بمناسبة أنه سافر هو وأبو بردة، وكان يزيد يصوم في السفر، فنبهه إلى أنه إذا كان من عادته أنه يصوم في الحضر ثم أفطر في السفر، فالله تعالى يكتب له في حال سفره ما كان يكتب له في إقامته، (إذا مرض العبد أو سافر, كتب له ما كان يعمل وهو صحيحٌ مقيم)، فاستدل أبو بردة بحديث أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما يزيد بن أبي كبشة ليس ممن سمع ذلك ، فرمز له بخاء يعني: أنه من رجال البخاري، وهو كما هو واضح ليس من رجال البخاري.أما بالنسبة للصنابحي فأنا قد وهمت بأنه ليس له رواية، وإنما هو من الجماعة الذين ليس لهم إلا حديث واحد في البخاري، وفيه: (أنه قدم من اليمن مهاجراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في الجحفة جاءهم آت من المدينة, وقال: إنا دفنا الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم كذا؛ يعني: أنه مات ودفن، فبلغه الخبر وهو في الجحفة، ثم إنه سأله عن حديث ليلة القدر فأجابه)، فهذا الحديث موجود في صحيح البخاري, وليس لـعبد الرحمن بن عسيلة ذكراً إلا في هذا الحديث الواحد، فقد ذكر هذا الحافظ ابن حجر في الجزء الثامن من فتح الباري صفحة مائة وثلاث وخمسين، قال: وليس لـعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي في صحيح البخاري إلا هذا الحديث الواحد، أما الذين ليس لهم إلا مجرد الذكر فمنهم: أويس القرني، ومنهم: يزيد بن أبي كبشة الذي أشرت إليه.وهناك حديث سبق أن مر بنا قريباً وفيه ذكر محمد بن سلمة المرادي و الحارث بن مسكين، وقد مر ذكر محمد بن سلمة قبل تلك المرة، وذكرت في هذه المرة أن النسائي له شيخين، كل منهما يقال له: محمد بن سلمة، لكن الحديث رقم سبعة وتسعين لعله في باب حد الغسل، يرويه عن ابن القاسم، وقلت: إن النسائي له شيخين: أحدهما: محمد بن سلمة المرادي المصري، والثاني: محمد بن سلمة الباهلي، وقلت: إن الذي روى عنه النسائي هنا هو محمد بن سلمة المرادي، وهذا هو الواقع؛ لأن الحارث بن مسكين مصري، ومحمد بن سلمة المرادي مصري، وابن القاسم مصري، و النسائي كان في مصر في آخر عمره، فإذاً: محمد بن سلمة الذي يروي عنه النسائي هو المرادي.لكن الواقع أن محمد بن سلمة الباهلي ليس شيخاً للنسائي، وإنما روى له النسائي بالواسطة، والخطأ الذي حصل لي إنما هو من خطأ موجود في طبعة التقريب؛ لأن فيها: من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وتسعين؛ يعني: الحادية عشرة بعد المائتين، والواقع أنه ليس من الحادية عشرة وإنما هو التاسعة أو العاشرة إذا كانت وفاته سنة ثلاثمائة وواحد وتسعين، يعني: معناه في القرن الثاني، أي: مات محمد بن سلمة الباهلي قبل أن يولد النسائي بخمس وعشرين سنة، فهو ليس من شيوخه ولم يدركه، وفي الطبعة المصرية قال: من الحادية عشرة، والحادية عشرة طبعاً بعد المائتين؛ لأن العاشرة أيضاً بعد المائتين؛ يعني: وفاة كثير منهم بعد المائتين والحادية عشرة بعد المائتين.

المسح على العمامة

قال المصنف رحمه الله: [باب المسح على العمامة:أخبرنا الحسين بن منصور حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش (ح) وأنبأنا الحسين بن منصور حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن بلال رضي الله عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)]. ‏

شرح حديث بلال: (رأيت النبي يمسح على الخفين والخمار)

هنا أورد النسائي رحمه الله باب: المسح على العمامة.والمراد بالعمامة: هي العمامة التي يتخذها الرجال، وكان ذلك موجوداً في زمن النبوة، فكانوا يستعملون العمائم التي يدورونها تحت الحنك ويربطونها, ويكون في نزعها كل وقت مشقة؛ أي: جاءت السنة بأنه يمسح عليها كما يمسح على الخفين؛ لأن الخفين في نزعهما مشقة في كل وقت، فكذلك العمامة إذا شدت وربطت وصارت محكمة ومدارة تحت الحنك، ففي نزعها شيء من المشقة، فجاءت السنة بأنه يمسح عليها؛ يعني: إذا توضأ الإنسان فإنه يمسح على العمامة إذا كانت على الطريقة المعروفة عند العرب، والتي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعملها، والتي هي تثبت من تحت الحنك ويحكم ربطها، ويكون في نزعها مشقة، فإنه يمسح عليها كما يمسح على الخف، وقد جاء المسح على الخفين في أحاديث كثيرة، وجاء المسح على العمامة في بعض الأحاديث، وهذا هو المقصود بالعمامة.وقد أورد النسائي حديث بلال بن رباح رضي الله عنه الذي يرويه عنه كعب بن عجرة رضي الله عنه، يقول بلال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)، والمقصود بالخمار: العمامة؛ لأنها هي التي يغطى بها الرأس، والخمار: هو الذي اشتهر بما تغطيه به النساء رءوسهن, يقال له: خمار، والعمامة أيضاً يقال لها: خمار؛ لأنها من التغطية، ولهذا يقال للغطاء: خمار، أي: غطاء, وجاء في حديث الذي وقصته ناقته في عرفة, قال: ( لا يمس طيباً, ولا تخمروا رأسه)، (ولا تخمروا) يعني: لا تغطوا رأسه؛ لأن التخمير هو التغطية، والخمار هو الغطاء، وكذلك الإناء كونه يخمر، يعني: يوضع عليه غطاء، ولكنه غلب بالاستعمال على خمار المرأة، ويطلق أيضاً على العمامة للرجل، فيقال لها: خمار؛ لأنه هنا في الحديث قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)، يعني: العمامة.إذاً: فالخمار الذي هو العمامة في هذا الحديث يمسح عليه أو عليها، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي سيذكرها النسائي فيما بعد.وكذلك النساء إذا حصل منهن شد الخمر عليهن وكان في نزعه مشقة, فيمكن أن يمسحن كما يمسح الرجال، أما إذا كانت الخمر لا تحكم أو نزعها خفيف، أو كانت مثل الغتر التي علينا، أو اللفائف التي تلف من فوق ثم تنزع وترد، أو ما يشبه الطواقي، فكل هذه لا يمسح عليها، وإنما يمسح على العمامة المعروفة عند العرب، والتي يغطى بها الرأس وتحكم وتشد وتدار من تحت الحلق، ويكون في نزعها مشقة، فجاءت السنة بالتخفيف في ذلك وأنه لا بأس بأن يمسح عليها الإنسان.ومن العلماء من منع ذلك وقال: إن الآية إنما جاءت في المسح على الرأس وليس في المسح على العمامة، ومن المعلوم أنه ما دام جاءت به السنة, فإن مجيء السنة كاف في الاستدلال والاعتبار ولو كان من طريق الآحاد، فطريق الآحاد ما ثبت بها يعول عليه في العقائد والأحكام وفي غير ذلك، هذا هو منهج أهل السنة في ذلك، وهذا هو المعروف عنهم، وأما الخفان فسيأتي لهما تراجم تخصهما، فقد مسح الرسول صلى الله عليه وسلم عليهما.

تراجم رجال إسناد حديث بلال: (رأيت النبي يمسح على الخفين والخمار)

قوله: [أخبرنا الحسين بن منصور].ابن جعفر السلمي أبو علي النيسابوري، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري والنسائي، وذكر الحديث من طريقين، وكل من الطريقين من طريق الحسين بن منصور، يعني: شيخ الطريقين واحد، إلا أن الحسين بن منصور يروي من طريقين، يعني: تنقسم الطريقان من بعد الحسين بن منصور. والحسين بن منصور هو الذي روى عنه النسائي الطريقين، يعني: الطريقان كلهما رواهما النسائي عن طريق الحسين بن منصور، فيقول: أخبرني الحسين بن منصور.[ حدثنا أبو معاوية]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقةٌ حافظ، ويقال: هو أحفظ أصحاب الأعمش. والأعمش هو ملتقى الطريقين, ثم ذكر الطريقة الثانية التي يرويها النسائي، عن الحسين بن منصور.[ حدثنا عبد الله بن نمير].عبد الله بن نمير هذا هو: الهمداني الكوفي، وهو ثقةٌ وممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكل من أبي معاوية وعبد الله بن نمير يرويان عن الأعمش.[حدثنا الأعمش].والأعمش هو لقب له، وهو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو مشهور بلقبه، ويأتي ذكره كثيراً بلقبه، كما يأتي ذكره باسمه في بعض المواضع أو في كثير منها، فيأتي باسمه ويأتي بلقبه، وقد ذكرت أن فائدة معرفة الألقاب حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا ذكر مرة بكنيته وذكر مرة بلقبه ومرة باسمه من لا يفهم، فيظن أن سليمان غير الأعمش، وأما الذي يعرف أن الأعمش لقب لـسليمان فلا يلتبس عليه ذلك.[ عن الحكم].الحكم يأتي ذكره لأول مرة، وهو: الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة, فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو من كبار التابعين، وممن ولد في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، وروى عن كثير من الصحابة، ولهذا فهذا الحديث الذي معنا رواه عن سعد، ورواه عن البراء بن عازب، يعني: رواه عن أكثر من صحابي؛ لأن النسائي ذكره من ثلاث طرق، وكلها فيها روايته عن الصحابة؛ لأنه متقدم، وكانت ولادته في خلافة عمر رضي الله عنه، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وله ابن اسمه محمد، وهو الفقيه, المشهور المعروف، فإذا ذكر في الفقه ابن أبي ليلى، فالمقصود منه: ابنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، إلا أنه في الحديث سيئ الحفظ جداً كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، أي أنه ليس بقوي وفيه ضعف، ولكنه هو المعروف بالفقه، وقد تولى القضاء، وليس له رواية في الصحيحين، لكن له رواية عند أصحاب السنن، ولكنه فيه كلام.أما أبوه فهو ثقة وتابعي جليل، وهو الذي روى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه حديث الصلاة الإبراهيمية الذي يقول فيه في صحيح البخاري: (يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى: لقيني كعب بن عجرة وقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى فاهدها إلي، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلنا: قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، هذا هو الذي أهديت إليه تلك الهدية الثمينة النفيسة العظيمة.[ عن كعب بن عجرة].هو كعب بن عجرة صحابي مشهور، وهو صاحب الحديث المتعلق بحلق الرأس في الحج وحصول الفدية فيه، وله في الكتب سبعة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري, ومسلم على اثنين، وانفرد مسلم باثنين، ولم ينفرد البخاري بشيء.[ عن بلال ].هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وله في الكتب أربعة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري, ومسلم منها على حديث، وانفرد البخاري بحديثين، وانفرد مسلم بحديث. وهو مولى لـأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.وكل رجال الإسناد وهم: أبو معاوية , وعبد الله بن نمير , والأعمش، والحكم بن عتيبة، وابن أبي ليلى، وكعب بن عجرة، وبلال، فهؤلاء السبعة كلهم خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة، إلا الحسين بن منصور خرج له البخاري والنسائي.

شرح حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخفين) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي عن طلق بن غنام قال: حدثنا زائدة وحفص بن غياث عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن بلال رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين)].وهذا الحديث فيه رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن بلال؛ لأنه في الأول يروي عن كعب عن بلال، فكل من الحديثين في الطريقين رواية صحابي عن صحابي.وقوله: (رأيته يمسح على الخفين) لا تعلق له في موضوع الباب؛ لأن الباب هو المسح على العمامة، والخفان شيء آخر؛ يعني: إيراد الحديث هنا بهذا اللفظ لا يدل على الترجمة، ولكنه طريق آخر من طرق حديث بلال رضي الله عنه، وفيه إفراد الخفين عن العمامة أو الخمار.

تراجم رجال إسناد حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخفين) من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي ].هو الحسين بن عبد الرحمن الجرجرائي شيخ النسائي، وروى له أبو داود، والنسائي , وابن ماجه ، وقال عنه في التقريب: إنه مقبول. [عن طلق بن غنام]. هو طلق بن غنام بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له مسلم شيئاً.[ حدثنا زائدة وحفص بن غياث].هو زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكان صاحب سنة، وكان لا يروي عن أهل البدع، ويمتحن من يروي عنه أو يحدثه بأنه لا يحدثه إلا عن صاحب سنة، فذكروا هذا في ترجمته رحمة الله عليه، كان لا يحدث عن الرافضة ولا عن القدرية ولا عن أصحاب البدع.وحفص بن غياث فهو ابن عم طلق بن غنام، وهو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي, وطلق بن غنام يروي عن ابن عمه حفص بن غياث؛ لأن غياث وغنام أبوهما طلق بن معاوية، فـطلق بن غنام ابن عم لشيخه أو أحد شيخيه في هذا الإسناد وهو حفص بن غياث، وحفص بن غياث ثقة, وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة؛ لأن ابن عمه الذي هو طلق بن غنام لم يخرج له مسلم، وكل من الاثنين ثقة.ثم اتحد الإسناد بعد ذلك مع إسناد الحديث السابق فقال: [عن الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى]، واختلف عند قوله: [عن البراء بن عازب عن بلال].وذكرنا كعب بن عجرة وقلنا: له سبعة وأربعون حديثاً, وبلال له أربعة وأربعون حديثاً، والبراء بن عازب له ثلاثمائة وخمسة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم على اثنين وعشرين حديثاً، وانفرد البخاري بخمسة عشر، ومسلم بستة أحاديث، وهو صحابي وأبوه صحابي، وفيه رواية صحابي عن صحابي.والإسناد الأول فيه تحويل للحسين بن منصور، والتحويل هو: أن تحول من إسناد إلى إسناد.وفائدته: حتى لا يظن فيما لو حذف التحويل أن يكون المتقدم آخذاً عن المتأخر، وأخبرنا أن معناه: أنه يرجع الإسناد من جديد بإسناد آخر ثم يلتقيان بعد ذلك، ولا يتحد الإسناد فيما بعد، وقد ذكرنا أن النسائي يستعمل التحويل قليلاً ولا يكثر منه ولا يحتاج إليه مثل البخاري؛ لأنه يكرر الحديث في مواضع متعددة، فلا يحتاج إلى التحويل بكثرة، بخلاف مسلم فإنه يحتاج إلى التحويل بكثرة لأنه يجمع الأحاديث في مكانٍ واحد ويستعمل التحويلات الكثيرة في الإسناد.

حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخمار والخفين) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخمار والخفين)].أورد النسائي هذا الحديث، وهو من رواية عبد الرحمن عن بلال نفسه؛ لأن في الأول يرويه عن كلا الصحابيين، مرة عن كعب بن عجرة ومرة عن البراء بن عازب، وهنا يروي عن بلال رأساً؛ لأنه يروي عن الصحابة، وأولئك صحابة، إلا أنها رواية صحابي عن صحابي، وكما هو معلوم يمكن أن يروي الحديث عن كعب وعن البراء وكلاً عن بلال, ثم يلقى بلالاً فيروي عنه مباشرةً، فتكون الرواية على اختلاف الأحوال: مرة رواه نازلاً؛ لأنه ما لقي بلالاً، ثم لما لقي بلالاً صار يرويه عنه مباشرة، فيتحصل أنه لا اختلاف بين الروايات، وهذا يحصل كثيراً في رواية الأحاديث؛ لأن الراوي يروي الحديث عن شخص حي بواسطة؛ لأنه ما لقي ذلك الشخص، ثم يلقاه بعد ذلك فيسمع منه الحديث، فيرويه على الحالين، وهنا مرة يرويه عن كعب بن عجرة عن بلال، ومرة عن البراء عن بلال، ومرة عن بلال نفسه.والحديث هو مثل الحديث الأول إلا أن فيه تقديم الخمار على الخفين؛ يعني: هناك يمسح على الخفين والخمار، وهنا يمسح على الخمار والخفين، فلا فرق بينهما إلا بالتقديم والتأخير، واللفظ واحد، وهو يؤدي ما يؤديه, والحديث نفسه عن بلال؛ أي: صحابي واحد.أما إسناد الحديث فهو نفس الإسناد، وكل رجال الإسناد حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، إلا هناد بن السري، فإنه لم يخرج له البخاري في الصحيح شيئاً، ولكنه خرج له في كتاب خلق أفعال العباد.

ابوالوليد المسلم 22-03-2019 10:33 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(43)

(باب المسح على العمامة مع الناصية) إلى (باب إيجاب غسل الرجلين)

بين الشارع جواز المسح على العمامة، وأنها تعمم بالمسح إذا غطَّت الرأس كله، وإذا ظهرت الناصية -وهي مقدم الرأس- فإنه يمسح عليها ويتمم على العمامة، كما يجب غسل الرجلين في الوضوء وإدخال الكعبين في الغسل.
المسح على العمامة مع الناصية

شرح حديث المغيرة في المسح على العمامة والناصية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المسح على العمامة مع الناصية.أخبرنا عمرو بن علي حدثني يحيى بن سعيد حدثنا سليمان التيمي حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة ، عن المغيرة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح ناصيته وعمامته، وعلى الخفين). قال بكر : وقد سمعته من ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه].يقول النسائي رحمه الله: [باب المسح على العمامة مع الناصية]، وفي الباب السابق المسح على العمامة، والفرق بين البابين: أن المسح على العمامة وحدها يكون فيما إذا كانت مغطية للرأس كله، بما في ذلك المقدمة التي هي الناصية، أما إذا كانت العمامة ليست ساترة لمقدم الرأس الذي هو الناصية، وإنما قد بدأ شيء من الرأس، فإنه يمسح على الناصية المكشوفة وعلى العمامة، بأن يجمع بينهما؛ لأنه جزء من الرأس, وهو -مقدمه الذي هو الناصية- مكشوف، وما وراء الناصية مغطى.وقد أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح على الناصية والعمامة وعلى خفيه)، يعني: فيكون جمع بين المسح على الناصية؛ لأنه قد كشف شيئاً من مقدم الرأس، وعلى العمامة التي غطت ما بعد الناصية، هذا هو الذي يدل عليه الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في المسح على العمامة والناصية

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي ].عمرو بن علي هو: الفلاس, وهو ثقة, حافظ، وهو من أئمة الجرح والتعديل الذين كثر كلامهم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل إنه شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة: البخاري, ومسلم, وأبو داود، والنسائي, وابن ماجه.[ عن يحيى بن سعيد ].وهو: يحيى بن سعيد القطان الإمام المشهور، المحدث, الناقد، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وهو مكثر من الرواية، وهو ثقة, حافظ, متقن، وهو ممن روى له أصحاب الكتب الستة، فإذاً: كل من عمرو بن علي الفلاس ويحيى بن سعيد القطان ، كل منهما إمام من أئمة الجرح والتعديل.[يروي عن سليمان التيمي ].وهو سليمان بن طرخان التيمي ، يقال له: التيمي وليس من التيميين, وإنما نزل فيهم فنسب إليهم، وهو ثقة, حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أبو المعتمر الذي سبق أن مر بنا ذكره.[عن بكر ]. وهو بكر بن عبد الله المزني، وهو ثقة, ثبت, جليل, كما قال الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن الحسن ].ويروي عن الحسن ، والحسن هو: البصري، الحسن بن أبي الحسن ، وهو من الثقات، وهو يدلس ويرسل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والذين لم يمر ذكرهم هم سليمان التيمي وبكر بن عبد الله المزني ، وأما الباقون فقد مر ذكرهم وهم: عمرو بن علي، ويحيى بن سعيد القطان، والحسن البصري .[ عن ابن المغيرة].وهو: حمزة بن المغيرة بن شعبة, وحمزة هذا خرج له مسلم, والنسائي, وابن ماجه، وهو ثقة.[ عن أبيه].ويروي عن أبيه المغيرة بن شعبة ، وهو الصحابي, المشهور, المعروف, رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وسبق أن مر ذكره، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً فرجال الإسناد كلهم وهم: عمرو بن علي الفلاس ، ويحيى بن سعيد القطان ، وسليمان بن طرخان التيمي ، وبكر بن عبد الله المزني ، والحسن البصري ، والمغيرة بن شعبة ، هؤلاء حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، والسابع الذي هو حمزة بن المغيرة بن شعبة لم يخرج حديثه إلا مسلم, والنسائي, وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري, ولا الترمذي ، ولا أبو داود . ثم قال في آخره: قال بكر : (وقد سمعته من ابن المغيرة عن أبيه)، يعني: أن هذا الذي رواه عن ابن المغيرة بواسطة رواه عنه بلا واسطة، يعني: الطريق الأولى التي ساقها المصنف يرويه عن ابن المغيرة بواسطة؛ والطريق التي أشار إليها، وهي التي أيضاً ذكرها في الإسناد الذي بعد هذا، يروي مباشرة عن ابن المغيرة ، وعرفنا فيما مضى أن الراوي قد يروي الحديث بواسطة، ويرويه عن الشخص الذي رواه عنه بدون واسطة؛ وذلك لأنه لم يلق العالي فيرويه عنه بواسطة، فإذا لقيه رواه عنه مباشرة، فيكون رواه على الحالين: رواه بالواسطة، ورواه بغير الواسطة، وهذا لا تعل به الأحاديث؛ لأن هذا شيء معروف ومشهور، وبكر بن عبد الله المزني روى الحديث عن الحسن عن ابن المغيرة ، وقد سمعه من ابن المغيرة عن المغيرة ، فيكون الطريق الثاني عالياً، والطريق الأولى نازلة.

شرح حديث المغيرة في المسح على العمامة والناصية من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن علي وحميد بن مسعدة عن يزيد وهو ابن زريع حدثنا حميد حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن حمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخلفت معه، فلما قضى حاجته قال: أمعك ماء؟ فأتيته بمطهرة فغسل يديه، وغسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه، فضاق كم الجبة، فألقاه على منكبيه، فغسل ذراعيه، ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه)].أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة من طريق أخرى، وهي مثل الطريقة السابقة، إلا أنه هنا يقول: إنه تخلف مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: عن الجيش, وذلك في غزوة تبوك، وقد سبق أن مر في الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لحقه وهو راكب, وقرع ظهره بالعصا، يعني: نبهه, فعدل وعدل معه، يعني: ذهب يميناً أو شمالاً، والجيش يمشي، فذهب لقضاء حاجته, ولحقه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ولما قضى حاجته جاء إليه وقال له: أمعك ماء؟ فكان معه مطهرة، وهي الصفيحة، وهي: وعاءٌ من الجلد يكون فيه الماء، يعني: يكون جلدين يجمع فيما بينهما, فيقال له: صفيحة، وهنا قال: مطهرة، فأفرغ عليه منها ليتوضأ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغسل وجهه، ولما جاء ليغسل اليدين فأراد أن يخرج الذراعين من كم الجبة التي عليه، فلم تخرج؛ لأن كم الجبة ضيق، فأخرج يده من الداخل, ونزع الجبة ووضعها على الكتفين، وغسل ذراعيه عليه الصلاة والسلام، ومسح على العمامة والناصية، ومسح على الخفين، وهنا أورده من وجه قوله: مسح على العمامة والناصية، وقد عرفنا أن المسح على العمامة والناصية فيما إذا كانت الناصية مكشوفة، أما إذا كانت مغطاة فإن المسح يكون على العمامة كلها.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في المسح على العمامة والناصية من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي وحميد بن مسعدة ].وشيخ النسائي في الإسناد الأول هو عمرو بن علي، فهنا ذكره أيضاً مرة أخرى، وذكر معه أيضاً حميد بن مسعدة، وهو صدوق، خرج حديثه مسلم, وأصحاب السنن الأربعة. [عن يزيد وهو: ابن زريع ]. قال في الإسناد: وهو ابن زريع ؛ لأن الراوي عنه، قال: يزيد : ولم ينسبه، فالذي هو دون التلميذ، إذا أراد أن يضيف شيئاً يوضح ذلك الرجل الذي لم ينسب، فإنه يأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (هو فلان)، أو (ابن فلان)، أو (الفلاني)، أو ما إلى ذلك، وهنا قال: هو ابن زريع ، فكلمة (هو) دلتنا على أن الذي قالها هو من دون التلميذ، إما النسائي, وإما من دون النسائي، وأما التلميذ فلا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما ينسبه كما يريد، ويأتي بنسبه وكنيته ولقبه على أي حالة يريد؛ لأن الكلام كلامه. ويزيد بن زريع ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا حميد ].هو: حميد بن أبي حميد الطويل، ويأتي ذكره لأول مرة، وهو ثقة, يدلس، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا بكر بن عبد الله ].وهنا صرح حميد بالتحديث؛ لأنه قال: حدثنا، والمدلس إذا صرح بالتحديث، فإنه لا أثر لتدليسه، وإنما التدليس يخشى فيما إذا جاءت (عن) أو (قال) التي هي تحتمل الاتصال، وتحتمل أن يكون بينه وبينه واسطة، أما إذا صرح بالتحديث كما هنا، فإن الأمر لا إشكال فيه. [عن حمزة بن المغيرة ]. هناك قال: حدثنا بكر بن عبد الله -الذي مر في الإسناد السابق الذي قبل هذا- عن الحسن عن حمزة، وهنا يسمى ابن المغيرة؛ لأن في الإسناد الأول قال: ابن المغيرة ، وهنا قال: حمزة بن المغيرة، فالإسناد متفق مع ما ذكر بعد الحديث السابق: أن بكر بن عبد الله سمع من ابن المغيرة؛ لأنه هنا يروي عن ابن المغيرة، يعني: ليس بينه وبينه واسطة، وإنما يروي عنه مباشرة، فالإسناد الأول نازل؛ لأن فيه واسطة، فيه زيادة رجل بين بكر وبين حمزة بن المغيرة ، وهنا ليس بينه وبينه واسطة، فصار الإسناد عالياً؛ لأنها قلت الوسائط فيه، وحمزة بن المغيرة هو الذي مر في الإسناد السابق، وذكر أنه من رجال مسلم, والنسائي, وابن ماجه .[عن أبيه]. والمغيرة كذلك مر ذكره في الحديث الماضي.

كيف المسح على العمامة

شرح حديث المغيرة في كيفية المسح على العمامة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف المسح على العمامة.أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا يونس بن عبيد عن ابن سيرين أخبرني عمرو بن وهب الثقفي سمعت المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (خصلتان لا أسأل عنهما أحداً بعدما شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنا معه في سفر، فبرز لحاجته، ثم جاء فتوضأ ومسح بناصيته وجانبي عمامته، ومسح على خفيه، قال: وصلاة الإمام خلف الرجل من رعيته، فشهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في سفر، فحضرت الصلاة، فاحتبس عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأقاموا الصلاة، وقدموا ابن عوف فصلى بهم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى خلف ابن عوف ما بقي من الصلاة، فلما سلم ابن عوف قام النبي صلى الله عليه وسلم فقضى ما سبق به)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب: كيف المسح على العمامة، بعدما ذكر حكم المسح على العمامة، ذكر كيفية المسح على العمامة، وأورد فيه حديث المغيرة بن شعبة أيضاً الذي يقول فيه: خصلتان لا أسأل عنهما أحداً بعد أن رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أولهما: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذهب إلى البراز، يعني: إلى مكان بارز، مكان بعيد عن الناس، وكان في سفر، يعني: ترك الجيش وذهب إلى جهة بعيدة عنهم، وقضى حاجته، ثم مسح على الناصية وجانبي العمامة وعلى الخفين.والخصلة الثانية: صلاة الإمام خلف أحد من الرعية، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كان متخلفاً, ومعه المغيرة بن شعبة ليقضي حاجته، حانت الصلاة، وتأخر عليهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقدموا عبد الرحمن بن عوف ليصلي بهم، فصلى بهم ركعة من صلاة الفجر، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام، لحق بهم، وقد سبق أن مر أن المغيرة بن شعبة أراد أن يؤذن عبد الرحمن بن عوف , وأن يخبره بمجيء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعه، وقال: دعه، يعني: يكمل الصلاة، ثم صلى وراءه النبي عليه الصلاة والسلام، الركعة التي بقيت من الصلاة، ولما سلم عبد الرحمن بن عوف قام النبي عليه الصلاة والسلام ومعه المغيرة بن شعبة، قضيا الركعة التي سبقا بها، فـالمغيرة بن شعبة ، يقول: خصلتان لا أسأل عنهما أحداً، أي: وجدت ما يشفي ويكفي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه إذا وجد الحديث ووجد الحكم عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يحتاج إلى أن يسأل أحداً عن ذلك الذي وجد حكمه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.ومحل الشاهد هو ما في الخصلة الأولى: من أنه مسح على الناصية وجانبي العمامة، معناه أنه يمسح على الرأس كله، الناصية وجانبي العمامة؛ لأن الجانبين كما هو معلوم أن اليد تأتي على الرأس من الجانبين، فمعناه أنها استوعبت الرأس، وظاهر ما جاء في الحديث هنا أن المسح إنما هو مرة واحدة، مسح على الناصية وعلى جانبي العمامة، ومن المعلوم أن جانبي العمامة اليمين والشمال، فإذا ذهبت اليدان من الناصية إلى الخلف، فإنها تكون على جانبي العمامة، وأطراف الأصابع هي متلاقية في الوسط، فيكون المسح على الرأس كله على الناصية التي هي مقدم الرأس، وعلى العمامة التي هي مغطية ما وراء الناصية.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة بن شعبة في كيفية المسح على العمامة

قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبرهيم ].يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي وهو ثقة، من رجال الجماعة، بل إنه شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة، يعني: مثل ما حصل بالنسبة لـعمرو بن علي الفلاس , الذي أشرت إليه آنفاً، حصل بالنسبة لـيعقوب بن إبراهيم الدورقي , وهو من الثقات الحفاظ. [حدثنا هشيم ]. هشيم يأتي ذكره لأول مرة، وهو هشيم بن بشير الواسطي أبو معاوية ، وهو ثقة حافظ، ولكنه كثير التدليس والإرسال الخفي، والتدليس معناه كما مضى: كون الراوي يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع منه بــ (عن) أو (قال)، أما إذا أتى بـ سمعت, أو حدثنا, أو أخبرنا, أو أنبأنا، فإن هذا لا تدليس معه.أما الإرسال الخفي فهو: أن يروي عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه، سمي خفياً؛ لأن الشخص معاصر لمن أرسل عنه، أما إذا كان أرسل عن إنسان ما عاصره ولا أدرك عصره، فهذا إرسال واضح ليس بخفي، كأن يكون بينه وبينه عشرات السنين مثلاً، توفي قبل أن يولد، فالأمر هنا واضح أنه مرسل، فالفرق بين التدليس والإرسال: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، يعني: بلفظ موهم سماعه، ما لم يسمعه منه، أما المرسل الخفي فهو يكون في حق من عاصره ولم يعرف أنه لقيه. فـهشيم بن بشير الواسطي هو كثير التدليس، والإرسال الخفي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد هو ابن دينار البصري ، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن سيرين ].هو محمد بن سيرين ، الإمام المشهور الذي سبق أن مر ذكره مراراً، وهو ثقة، من رجال الجماعة. [أخبرني عمرو بن وهب ].عمرو بن وهب الثقفي هذا هو ثقة، خرج حديثه البخاري في القراءة خلف الإمام، وخرج حديثه النسائي ، وهذا الرجل الذي هو عمرو بن وهب الثقفي هو الرجل المبهم الذي سبق أن مر بنا ذكره في الحديث رقم اثنين وثمانين, الذي قال فيه: وعن ابن سيرين عن رجل، وذكرت فيما مضى: أن الرجل المبهم هو عمرو بن وهب الثقفي ، فهنا في هذا الإسناد جاءت تسميته، وهو الذي روى عنه محمد بن سيرين , فقال هنا: أخبرني عمرو بن وهب الثقفي ، وعمرو بن وهب الثقفي يروي عن المغيرة بن شعبة.
إيجاب غسل الرجلين

شرح حديث أبي هريرة: (ويل للعقب من النار)

قال المصنف رحمه الله: [باب: إيجاب غسل الرجلين.أخبرنا قتيبة حدثنا يزيد بن زريع عن شعبة (ح) وأنبأنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (ويل للعقب من النار)].يقول النسائي : باب إيجاب غسل الرجلين. وغسل الرجلين هو آخر فروض الوضوء، وقد مر في الأبواب الماضية ما يتعلق بالفروض التي قبلها، ثم انتهى إلى ذكر التراجم المتعلقة بغسل الرجلين، وبوب له بلفظ الإيجاب، ونص عليه دون غيره مما تقدم، وإن كان كله واجباً، وفرضاً لازماً؛ لأنه لما عرف من بعض الفرق الضالة التي لا تقول بغسل الرجلين، وإنما تقول بمسحهما، ويكون ذلك إلى العظم الناتئ في ظهر القدم، وعندهم أن في كل رجل كعباً، وعند أهل السنة أن فرض الرجلين الغسل، وكل رجل فيها كعبان، وقد مر في حديث علي رضي الله عنه: (أنه غسل الرجل اليمنى إلى الكعبين، ثم اليسرى كذلك)، أي: أن فرض الرجلين الغسل إلى الكعبين بالنسبة لكل رجل، وهنا قال: باب: إيجاب غسل الرجلين. أي: أن فرض الرجلين الغسل، وأنه واجب، وأنه ليس فرضهما المسح، وهذا هو السر في كونه صرح هنا بالإيجاب، دون غيره مما تقدم من الأبواب.وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة بعض الأحاديث الدالة على ما ترجم له، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (ويل للعقب من النار)، والعقب مفرد يراد به الجنس، وليس المقصود به الإفراد، وإنما المقصود به الجنس، وقد بينه الحديث الذي بعده وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (ويل للأعقاب من النار)، والمراد بالعقب: هو ما يكون في مؤخر القدم, مما يكون وراء الكعبين من المكان المنخفض الذي قد ينبو عنه الماء، فيكون خالياً من الماء، بحيث لا يصل إليه الغسل؛ وذلك لعدم الاستيعاب والإسباغ، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ويل للعقب من النار)، وقال ذلك على سبب بينه الحديث الذي بعده، وهو أنه عليه الصلاة والسلام رأى جماعة من أصحابه يتوضئون، وإذا أعقابهم تلوح، أي: أن الماء لم يصل إليها، فقال: (ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء)، وهذا في حديث عبد الله بن عمرو الذي يأتي، وحديث أبي هريرة يقول: (ويل للعقب من النار).إذاً: فلما كانت الأعقاب -وهي في مؤخرة القدم- ينبو عنها الماء، إذا لم يتحقق الاستيعاب، ولم يحصل العناية بالغسل، وقد جاء التوعد على ذلك بالنار، دل ذلك على وجوبه وتعينه؛ إذ لا يتوعد بالنار على أمر ليس بواجب؛ لأن التوعد بالنار يدل على الوجوب، وعلى أن من أخل به، ولم يحصل منه القيام بالواجب، فإنه يعاقب بهذه العقوبة التي هي النار.وقوله: (ويل)، قيل: هي كلمة عذاب، وقيل: هي واد في جهنم، وهي تدل على الوعيد، وعلى التحذير من الوقوع أو فعل ما يوقع في ذلك العذاب الذي توعد عليه بالويل، وإنما خصت الأعقاب بهذا الوعيد؛ لأن عدم إيصال الماء إليها هو السبب في حصول العذاب، ومن المعلوم أن العذاب يكون لصاحبها، وإذا حصل العذاب على ذلك المكان، وخص به فإن جميع جسد الإنسان يناله العذاب، وقد جاء في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيما يتعلق بالحياة الدنيا أنه قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وبالنسبة لأمور الآخرة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر في الحديث الصحيح: (أن أخف الناس عذاباً عمه أبو طالب الذي هو في ضحضاحٍ من نار، عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه)، لأن النعلان في أسفله، ودماغه في أعلاه، وذلك العذاب الذي يحصل في أسفله يغلي منه دماغه؛ لشدة حرارة النار التي تكون في رجليه، والعياذ بالله.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (ويل للعقب من النار)

قوله: [أخبرنا قتيبة ].قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني الذي جاء ذكره في سنن النسائي كثيراً، والذي قد ابتدأ النسائي بالإخراج له، فأول حديث في سنن النسائي شيخه فيه قتيبة بن سعيد ، وهو من الثقات, الحفاظ، وحديثه في الكتب الستة . [حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع هو أحد الثقات, الحفاظ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.قوله: [عن شعبة ]. شعبة هو: ابن الحجاج , وهو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أحد الأشخاص الذين وصفوا بهذا الوصف، وهو من أعلى وأرفع صيغ التعديل، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ ح وأنبأنا مؤمل بن هشام ].و(ح) هذه المقصود منها التحول من إسناد إلى إسناد، يعني: أنه عندما ساق الإسناد الأول أراد أن يرجع من أول, فيأتي بإسناد آخر جديد يلتقي مع الإسناد الأول، ومن فوائدها: أنها لو لم تأت، وركبت الأسانيد بعضها على بعض، لكان المتقدم يروي عن المتأخر، فيكون شعبة يروي عن مؤمل بن إسماعيل ، يعني: لو لم يتضح بهذه الإشارة، من لا يعرف عندما تسقط (ح)، ثم يأتي الإسناد الذي بعده أو الشخص الذي بعده تابعاً للذي قبله، يظن أن الذي قبله راو عن الذي بعده، وشعبة جاء بعده: [وأخبرنا مؤمل بن هشام ]، وشعبة متقدم ومؤمل بن هشام شيخ للنسائي، وقد ذكرت فيما مضى أن النسائي لا يكثر من التحويل؛ لأنه لا يحتاج إليه؛ بسبب أنه يكثر الأبواب، ويكثر من إيراد الأحاديث بطرق متعددة تحت تلك الأبواب، فلا يحتاج إليه، كـالبخاري الذي لا يحتاج إليه؛ لأنه يكثر التراجم فيولج الأحاديث تحت تلك التراجم المختلفة، بخلاف مسلم بن الحجاج رحمه الله لكونه يجمع الأحاديث في مكان واحد، فيحتاج إلى كثرة التحويل.ومؤمل بن هشام هو مؤمل بن هشام اليشكري أبو هشام البصري، كنيته موافقة لاسم أبيه، وقد سبق أن ذكرت فيما مضى: أن من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وقد مر بذلك نظائر، مثل: هناد بن السري أبو السري، وهنا مؤمل بن هشام أبو هشام، فوافقت كنيته اسم أبيه، والفائدة من وراء معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث، حتى لا يظن التصحيف، لو ذكر مرة منسوباً، وذكر مرة بدل النسب كنية، فيما إذا لو قال: حدثنا مؤمل أبو هشام، الذي لا يعرف يظن أن الأب مصحفة عن الابن، لكن كل ذلك صحيح ولا تصحيف؛ لأنه هو أبو هشام، وهو ابن هشام، فإذاً جاء مرة بكنيته، ومرة بنسبه.ومؤمل بن هشام أبو هشام هو من رجال البخاري, وأبي داود, والنسائي، ولم يخرج له مسلم, ولا الترمذي, ولا ابن ماجه. [حدثنا إسماعيل ].إسماعيل هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية، وعلية اسم أمه، اشتهر بالنسبة إليها، وأبوه إبراهيم، ولهذا إذا جاء ذكر نسبه, ثم ذكر نسبته إلى أمه التي اشتهر بها، فإنه يكون مرفوعاً لا يكون مجروراً تابعاً لما قبله، فيما إذا قيل: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية، ما يقال: ابن علية بكسر النون؛ لأن مقسم ليس ابناً لـعلية حتى يكون مثله مجروراً، وإنما ابن علية بضم النون، ترجع إلى إسماعيل، فيكون مرفوعاً؛ لأنه وصف لـإسماعيل، وليس وصفاً لـمقسم، أما إذا ذكر النسب، فإن وصف الابن يكون ما بعد تابع لما قبله من ناحية أنه يكون مجروراً.حدثنا إسماعيل ابنُ.. التي هي الأولى تكون وصفاً لـإسماعيل، ثم ابن إبراهيم، فيكون إبراهيم مجروراً، فيأتي بعد ذلك ابن؛ لأنها وصف لـإبراهيم، فإذا جاءت ابن علية رجعت إلى الأول؛ لأنها ليست أماً لـمقسم، وإنما هي أم لـإسماعيل بن إبراهيم.ثم أيضاً من ناحية الرسم والكتابة: (ابن) إذا كانت بين علمين متناسلين، تكون بدون ألف، لكن إذا جاءت وصفاً، مثل ابن علية، فإنها تأتي الألف قبلها، يعني: إسماعيل بن إبراهيم بدون ألف ابن، وإبراهيم بن مقسم أيضاً بدون ألف، أما إذا جاءت مثل هنا ابن، وترجع إلى الأول، فإنها تكون بالألف، وكذلك فيما إذا كان (ابن) جاءت في أول الكلام، مثل: عن ابن عمر، ما جاء عن عبد الله، فإن الألف التي هي همزة الوصل تكون موجودة قبل كلمة (ابن).ومؤمل بن هشام يروي عن إسماعيل بن علية، وهو صهره، يعني: أن مؤملاً هو زوج ابنة إسماعيل بن علية.وكذلك إذا جاءت (ابن) في أول السطر أو ليس قبلها علم؛ فإنها تثبت أيضاً بالألف قبلها، مثل: عن ابن عمر، أو قال ابن عمر؛ فإنه لا بد من ذكر الألف.وحديثه عند البخاري, وأبي داود, والنسائي فقط. [ عن شعبة ]. عن شعبة، وإسماعيل يروي عن شعبة، وهنا التقى الإسنادان: الإسناد الأول والإسناد الثاني، الإسناد الأول: قتيبة عن يزيد بن زريع عن شعبة ، والثاني: مؤمل بن هشام عن إسماعيل بن علية عن شعبة، فيكون الإسنادان تلاقيا عن شعبة ثم يتحد الإسنادان إلى نهايته, وشعبة خرج له أصحاب الكتب الستة.[ عن محمد بن زياد ].محمد بن زياد هو: الجمحي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة هو الصحابي الجليل الذي هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

شرح حديث عبد الله بن عمرو: (ويل للأعقاب من النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا سفيان ح وأنبأنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان واللفظ له عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو أنه قال: ( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتوضئون، فرأى أعقابهم تلوح، فقال: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء) ].أورد النسائي: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الذي يقول فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى جماعة من أصحابه يتوضئون، ورأى أعقابهم تلوح، يعني: ما جاءها الماء، أي: إذا كان عليها غبار أو كانت باقية على هيئتها، فالذي جاءها الماء تغير لونه، والذي ما جاءه بقي على حالته، فقال عليه الصلاة والسلام: ( ويل للأعقاب من النار، أسبغوا من الوضوء )، وكما أشرت في الحديث الأول: (ويلٌ للعقب) وهي للجنس، ولا تنافي بينها وبين الأعقاب؛ لأن الأعقاب جمع عقب، والعقب المراد به الجنس، فيكون متفقاً مع الجمع ولا تنافي بينهما، ويحصل نبو الماء عن بعض الأماكن، ولا سيما التي تكون فيها انخفاض، يعني: منخفض، مثل العقب الذي يكون وراء الكعب، مكان منخفض، إذا لم تصل اليد إليه بالدلك فإنه قد ينبو عنه الماء، فيكون على هيئته التي هو عليها قبل أن يمس الماء الرجل، فرأى أعقابهم تلوح فقال عليه الصلاة والسلام: ( ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء ).

تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (ويل للأعقاب من النار)

قوله: [ أخبرنا محمود بن غيلان ]. محمود بن غيلان سبق أن مر ذكره، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود، فإنه لم يخرج له شيئاً. [ حدثنا وكيع ]. وكيع هو: ابن الجراح بن مليح الرؤاسي، وهو ثقة، حافظ، سبق أن مر ذكره، وحديثه في الكتب الستة.[ حدثنا سفيان ].سفيان هنا مهمل غير منسوب، والمراد به: الثوري، وقد روى وكيع عن ابن عيينة، لكن الثوري هو الذي عرف إكثار وكيع عنه، وأيضاً هو من أهل بلده، فله به اتصال وملازمة، فيحمل عند الإهمال على من يكون له به علاقة، وخصوصية، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري كما سبق أن نبهت عليه فيما مضى: أنه إذا جاء وكيع عن سفيان، فالمراد به: الثوري لإكثاره عنه، ولإقلاله عن سفيان بن عيينة، وإن كان وكيع روى عن هذا وروى عن هذا؛ لأن سفيان بن عيينة بمكة، وسفيان الثوري بالكوفة، ووكيع من أهل الكوفة، فهو على صلة به دائماً، وقد أكثر من الرواية عنه، أما ابن عيينة فإنه إذا قدم إلى مكة حاجاً أو معتمراً التقى به, وأخذ عنه. [ (ح) وأخبرنا عمرو بن علي ]. قوله: ( (ح) )، يعني: تحويل كما في الحديث الذي قبل هذا. وعمرو بن علي هو الفلاس الذي يأتي ذكره كثيراً، والذي هو أحد أئمة الجرح والتعديل، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.[حدثنا عبد الرحمن ].وعبد الرحمن هو: ابن مهدي، الثقة, الحافظ, العارف بالرجال والحديث، وهو من أئمة الجرح والتعديل كتلميذه عمرو بن علي الفلاس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن سفيان واللفظ له].سفيان هو: الثوري.وكلمة: (واللفظ له)، لأن الإسنادين تلاقيا عند سفيان، لكن يكون اللفظ لـسفيان من رواية عبد الرحمن عنه، وليس من رواية وكيع. [ عن منصور ]. منصور هو: ابن المعتمر الكوفي ، وهو من رجال الجماعة، خرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن يساف ]. هلال بن يساف بكسر الياء، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم, وأصحاب السنن الأربعة. [عن أبي يحيى ]. أبو يحيى اسمه: مصدع الأعرج، فهو أبو يحيى مصدع الأعرج، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وحديثه عند مسلم, وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ].عبد الله بن عمرو بن العاص يأتي ذكره لأول مرة، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم من صغار الصحابة، والذين مر ذكرهم مراراً، وهم: عبد الله بن عمرو هذا، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هؤلاء الأربعة يقال لهم: العبادلة، وفي الصحابة ممن يسمى عبد الله كثير، ومن أشهرهم عبد الله بن مسعود، وليس من العبادلة الأربعة؛ لأنه متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، وأما هؤلاء فقد تأخرت وفاتهم بعده، وهم في عصر واحد، فأطلق عليهم العبادلة من الصحابة، رضي الله تعالى عن الجميع.وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا في ترجمته: ليس بينه وبين أبيه سوى إحدى عشرة سنة, أو ثلاث عشرة سنة، يعني: أن عمرو بن العاص احتلم مبكراً, وتزوج مبكراً, وولد له وهو في سن الثالثة عشرة من عمره، أو الحادية عشرة من عمره، وهذا من النوادر التي تحصل في الرجال، وهو أن يولد له قبل الخامسة عشرة.ومن الأشياء النادرة التي يذكرونها عن الشافعي أنه قال: إن جدة لها إحدى وعشرون سنة -أي: أن امرأة- تزوجت وهي في العاشرة، وولدت، ثم ابنتها بعد أن أكملت عشراً تزوجت وولدت، فصارت الأولى جدة وعمرها إحدى وعشرون سنة، وهذا أيضاً من الأشياء النادرة.وعبد الله بن عمرو بن العاص حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وله فيها سبعمائة حديث، اتفق البخاري ومسلم منها على سبعة عشر، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين حديثاً. وحديث العبادلة الأربعة كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.قوله: (أسبغوا الوضوء).هذه اللفظة جاءت في حديث أبي هريرة مدرجة؛ لأنه جاء في بعض الطرق له قال: (أسبغوا الوضوء, فإن خليلي قال: ويل للأعقاب من النار)، ففهم أنها من كلام أبي هريرة، أما بالنسبة لحديث ابن عمرو، فلا أدري عن إدراجها، والأصل أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتبين الإدراج.[ قال أبو هريرة: قال أبو القاسم ].أبو هريرة رضي الله عنه يأتي في كلامه تكنية الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه أبو القاسم، قال: (من صام اليوم الذي يشك فيه, فقد عصى أبا القاسم ) صلى الله عليه وسلم.ويقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بكنيته حسن، وذكره بوصف الرسالة أحسن، إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحسن من قول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.

ابوالوليد المسلم 22-03-2019 10:34 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(44)


باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل - باب غسل الرجلين باليدين

يستحب عند غسل الرجلين في الوضوء البدء باليمنى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن كما ورد ذلك عن عائشة، ويجوز غسل الرجلين كلتيهما باليد اليمنى.

بأي الرجلين يبدأ بالغسل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل:أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني الأشعث قال: سمعت أبي يحدث عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها، وذكرت: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره ونعله وترجله )، قال شعبة: ثم سمعت الأشعث بواسط يقول: ( يحب التيامن فذكر شأنه كله )، ثم سمعته بالكوفة يقول: ( يحب التيامن ما استطاع ) ].‏

شرح حديث: (أن رسول الله كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره ونعله وترجله)

أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب: بأي الرجلين يبدأ بالغسل ، والمقصود من هذه الترجمة أن البدء يكون باليمنى بالنسبة للرجلين، وبالنسبة لليدين كذلك، فإن البدء يكون باليد اليمنى، وقد أجمع العلماء على أن تقديم اليد اليمنى أو الرجل اليمنى مستحب، وأنه لو حصل أن توضأ وبدأ باليسرى قبل اليمنى يصح الوضوء، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن حجر وكذلك ابن قدامة في المغني، وقالوا: إن هذا مجمعٌ عليه، بمعنى أنه لو بدأ باليسرى قبل اليمنى لصح وضوؤه؛ لأن الترتيب بين اليدين وبين الرجلين مستحب، وليس بواجب، بمعنى أنه لا يصح لو بدأ باليسرى قبل اليمنى، لكن وإن كان يعني مستحباً فالأولى والذي ينبغي ألا يقدم الإنسان اليسرى على اليمنى، وإنما يبدأ باليمنى بالنسبة لليدين، وكذلك اليمنى بالنسبة للرجلين.وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره..)، يعني: في وضوئه، فعندما يتطهر يحب التيامن، يبدأ باليمين في طهوره، وقوله: (ونعله)، يعني: يلبس النعل اليمنى، وقوله: (وترجله)، يعني: عندما يرجل شعره يبدأ باليمين. فإذاً: كان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيامن وهو البدء باليمين.ومن المعلوم أن اليمين تستعمل في الأمور المستحسنة وفي الأمور الطيبة، واليسرى تكون بخلاف ذلك. ومن المعلوم أن الطهور والتنعل وغير ذلك يبدأ باليمين، وتستعمل اليسار بخلاف ذلك؛ معنى هذا: أنه يبدأ بلبس اليمين في النعال، وبالعكس عند الخلع، وكذلك في دخول المسجد يبدأ باليمين، وفي أمور كثيرة.وقول شعبة: (ثم سمعت الأشعث بواسط) يعني: سمع منه أولاً، ثم سمع منه بعد ذلك بواسط يذكر الحديث ويقول: (وفي شأنه كله)، يعني: (يحب التيامن في طهوره، وتنعله، وترجله، وفي شأنه كله)، وهذا سمعها منه بواسط، ثم سمعه بعد ذلك يقول: (يحب التيامن ما استطاع). ومعنى ذلك: أن شعبة سمعه من الأشعث في مرات عديدة، وفي بعضها ليس فيه ذكر: (شأنه كله)، وفي بعضها يقول: (يحب التيامن ما استطاع)، ويقف عند ذلك، ومن المعلوم أن يكون فيه اختصار للمتن أو للرواية في بعض الأحيان.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره ونعله وترجله)

قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ]. محمد بن عبد الأعلى هو الصنعاني، وهو ثقة, خرج حديثه مسلم في صحيحه، وأبو داود في كتاب القدر. [ حدثنا خالد ]. خالد هو ابن الحارث، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ].وشعبة قد مر معنا. [أخبرني الأشعث ]. والأشعث هو ابن أبي الشعثاء المحاربي، وهو: سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ].مسروق هو ابن الأجدع، قال الحافظ ابن حجر: وهو ثقة, فقيه, عابد, مخضرم؛ يعني: ممن أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من المخضرمين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو عائشة. [عن عائشة ]. عائشة هي أم المؤمنين، وقد مر ذكر عائشة في أحاديث متعددة فيما مضى، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وهي أحد السبعة من الصحابة الذين أكثروا رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وقد نظمهم السيوطي كما أشرت إلى ذلك مراراً في ألفيته حيث قال:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدريوجابرٌ وزوجة النبيوزوجة النبي يقصد بها عائشة رضي الله تعالى عنها، فهي من السبعة الذين هم أكثر الصحابة حديثاً، وهي أكثر النساء حديثاً على الإطلاق، لا يماثلها ولا يدانيها أحد، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
غسل الرجلين باليدين شرح حديث القيسي في غسل الرجلين باليدين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ غسل الرجلين باليدين:أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة قال: أخبرني أبو جعفر المدني قال: سمعت ابن عثمان بن حنيف -يعني عمارة- قال: حدثني القيسي: (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأتي بماء، فقال على يديه من الإناء، فغسلهما مرة، وغسل وجهه وذراعيه مرةً مرة، وغسل رجليه بيمينه كلتاهما)].يقول الإمام النسائي رحمه الله تعالى: [باب غسل الرجلين باليدين]، وأورد فيه: حديث القيسي رضي الله تعالى عنه، قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فتوضأ فقال بالإناء وغسل يديه، ثم وجهه، ثم يديه مرةً مرة، ثم غسل رجليه بيمينه كلتاهما). هذا الحديث أورده النسائي من أجل ما جاء في آخره من ذكر غسل الرجلين باليدين، والذي جاء في الحديث أنه يغسل الرجلين كلتيهما باليد اليمنى، وليس فيه ذكر اليدين أنه يغسل بهما جميعاً كما جاء في الترجمة التي هي قوله: غسل الرجلين باليدين، فلا أدري ما وجه هذه الترجمة، مع أن الحديث ليس فيه إلا ذكر اليمين، وليس فيه ذكر اليدين، والغسل للرجلين يكون باليدين ويكون باليد اليمنى، ولعل التنصيص على اليد اليمنى هو كون الإنسان يصب من الإناء بيده اليسرى على رجليه, ثم يغسل باليد اليمنى، فيكون الغسل باليد اليمنى والصب عليهما باليد اليسرى، فلعل هذا هو وجه ذكر اليمين، والأمر في ذلك واسع.والحديث لم يجعله الألباني ضمن صحيح النسائي، وإنما أحال به على الضعيف، ولا أدري ما وجه التضعيف فيه إلا أن يكون من ناحية أحد رجاله وهو: عمارة بن عثمان بن حنيف قال عنه في التقريب: إنه مقبول، ولم يأت شيء يدل على ما دلّ عليه هذا الحديث من جهة ما ترجم له المصنف، فلا أدري ما وجه كونه ليس بصحيح، عند الشيخ الألباني.

تراجم رجال إسناد حديث القيسي في غسل الرجلين باليدين

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار ].محمد بن بشار هو الذي يلقب بندار، وهو -كما ذكرنا سابقاً- أحد الأشخاص الذين يعتبرون مشايخاً لأصحاب الكتب الستة، والذين رووا عنهم مباشرةً، وهو رفيق محمد بن المثنى الزمن، الذي قال عنه الحافظ في التقريب: وكان هو وبندار كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، وهما متفقان في سنة الولادة، وفي سنة الوفاة، ومتفقان بالشيوخ والتلاميذ؛ ولهذا قال الحافظ: وكانا كفرسي رهان، وشيخه محمد لم ينسبه وهو غندر.[ حدثنا محمد ]. هو: محمد بن جعفر الذي يروي عن شعبة. ولقبه غندر وهو من الثقات, وممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة كما عرفنا ذلك فيما مضى، وإذا جاء من يروي عن شعبة، واسمه محمد وهو غير منسوب، فالمراد به محمد بن جعفر الذي هو غندر. [حدثنا شعبة].أما شعبة فهو أمير المؤمنين في الحديث كما قال ذلك بعض العلماء، وهو من أئمة الجرح والتعديل. [ أخبرني أبو جعفر المدني].أبو جعفر المدني هو: عمير بن يزيد الخطمي، وهو صدوق, خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.[ سمعت ابن عثمان بن حنيف ].هو: عمارة بن عثمان بن حنيف وقال وفي الإسناد: (ابن عثمان بن حنيف يعني: عمارة)، فكلمة (يعني عمارة ) هذه جاءت ممن دون تلميذ عمارة بن عثمان بن حنيف، وهو: أبو جعفر المدني، ذكرها من دونه؛ ليبين بها ذلك الرجل الذي نسب ولم يسم، فقال: (يعني)، وكلمة (يعني) القائل لها من دون أبي جعفر المدني، وفاعلها الضمير المستتر فيها هو أبو جعفر المدني، يعني: أن أبا جعفر المدني يعني بقوله: ابن عثمان بن حنيف عمارة، وعمارة بن عثمان بن حنيف قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وخرج حديثه النسائي وحده.[ حدثني القيسي ].أما القيسي الذي يروي عنه عمارة بن عثمان بن حنيف فهو صحابي، يقول: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ)، ولم يأت منسوباً، وإنما جاء بهذا اللفظ: القيسي، وهو صحابي، ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم لا يُحتاج الأمر فيهم إلى معرفة، بل الرجل المجهول فيهم يُعتمد ما جاء به ويعول عليه؛ لأنهم كلهم عدول رضي الله عنهم وأرضاهم، فلا تضر الجهالة، فلو قيل: عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم لاعتمد على ذلك، وكلٌ من الرواة ممن دون الصحابة لا بد من معرفة أحوالهم، أما الصحابة فلا يحتاج إلى معرفة أشخاصهم، ولا معرفة أحوالهم، فالرجل المبهم عمدة يعول على ما جاء به؛ وذلك لأن الله عدلهم وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون بعد تعديل الله وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى تعديل المعدلين, وتوثيق الموثقين، بل يكفيهم ثناء الله عليهم وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين. وقد قال الحافظ: إن القيسي صحابي روى عنه عمارة بن عثمان بن حنيف، ويقال: هو عبد الرحمن بن أبي قراد.وفي الحديث أنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فقال: بالإناء) يعني: فعل؛ لأن القول يأتي بمعنى الفعل، قال هكذا يعني: فعل هكذا، فكلمة (قال) يعني: أشار إلى فعل؛ لأنه ليس فيه قول، وإنما هو فعلٌ عبر عنه بالقول، وقد يأتي القول مراداً به الفعل، وما جاء في هذا الحديث هو من هذا القبيل.

ابوالوليد المسلم 26-03-2019 11:37 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(45)

(باب الأمر بتخليل الأصابع) إلى (باب الوضوء في النعل)

أمر الشرع الحنيف بالتخليل بين الأصابع بالماء في الوضوء؛عدم وصول الماء إلى ثناياها، وأمر بغسل الرجلين إلى الكعبين، وأخبر أن السنة فيهما غسلهما ثلاث مرات، ثم جوز لنا شرعنا الحنيف الوضوء بالنعل ما لم يخش تلفها.
الأمر بتخليل الأصابع

شرح حديث: (إذا توضأت فأسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأمر بتخليل الأصابع:أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير وكان يكنى أبا هاشم ح وأنبأنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأت فأسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع) ].ذكر النسائي ترجمة تخليل الأصابع، والمراد بتخليلها هو: إسباغ الوضوء بحيث يجري الماء بينها، ويتحقق من أن الماء وصل إلى ما بين الأصابع، وإنما نص على تخليل الأصابع؛ لأنها أماكن قد ينبو عنها الماء، فالأصابع بعضها ببعض تكون سبباً في عدم الوصول إلى أصولها فيما بينها، فشرع التخليل، وذلك أن الإنسان يدخل أصابعه, أو يجري الماء بين الأصابع؛ بحيث يتحقق من أن الماء وصل بين الأصابع التي هي عرضة لأن ينبو عنها الماء؛ لأن الأماكن البارزة هذه في الغالب يصل إليها الماء، أما الأماكن المنخفضة، أو الأماكن التي يكون هناك ما يحول دونها، فإنه قد ينبو عنها الماء، مثل: الأعقاب، كما جاء في الحديث الذي مر: (ويلٌ للأعقاب من النار)؛ لأن الماء قد ينبو عنها، وكذلك الذي بين الأصابع ينبو عنها الماء، فجاءت السنة بالأمر بالتخليل، وذلك بإدخال الماء من خلالها، وإيصاله إلى ما بين الأصابع بحيث يصل إليه الماء. وإطلاق الحديث يدل على أن ذلك يكون في اليدين والرجلين، يعني: عند غسل اليدين, وعند غسل الرجلين يتحقق الإنسان أن الماء وصل إلى ما بين أصابع يديه، وإلى ما بين أصابع رجليه، وحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه، وهو أبو رزين العقيلي، وقد مر ذكره فيما مضى، يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (أسبغوا الوضوء، وخللوا بين الأصابع)، والمقصود كما عرفنا: هو كون الماء يدخل بين الأصابع ويسيل بينها، ويتحقق من وصوله إلى الأماكن المنخفضة التي هي غير بارزة، والتي قد ينبو عنها الماء؛ لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخليلها، والتحقق من وصول الماء إليها. وقوله: (أسبغوا الوضوء)، أمرٌ بإسباغه، ويكون بالاستيعاب, ويكون بالعدد، أما الاستيعاب فيكون بالتحقق من وصول الماء، وبدلك الأعضاء باليد. وبالنسبة للعدد: بحيث يوصل إلى ثلاث غسلات، ولا يزاد على الثلاث، فهذا هو الإسباغ.

ترجمة رجال إسناد حديث: (إذا توضأت فأسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وإسحاق بن إبراهيم هو: الحنظلي, المعروف ابن راهويه، وهذا هو إطلاق المحدثين، وإطلاق أهل اللغة يقولون: ابن راهُوَيْه، يختمون بويه، وأما المحدثون فعندهم يقولون: ابن راهُوْيَه، وهو من الثقات, الحفاظ، وممن خرج حديثه الجماعة إلا ابن ماجه ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فلم يخرج له شيئاً.[ أخبرنا يحيى بن سليم ].ويحيى بن سليم هو: الطائفي الذي سبق أن مر ذكره فيما مضى، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق سيئ الحفظ، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن إسماعيل بن كثير ].وإسماعيل بن كثير يكنى بـأبي هاشم، ويأتي بكنيته أحياناً، ويأتي باسمه أحياناً، وهو ممن خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة، وهو ثقة. ثم ذكر النسائي إسناداً آخر، وأتى بصيغة التحويل، فقال: (ح) [وحدثنا محمد بن رافع].ومحمد بن رافع هو: القشيري النيسابوري، وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، فهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، إذاً: فشيخا النسائي هنا في هذا الحديث، وهما: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي , ومحمد بن رافع النيسابوري، كل منهما خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهما شيخان لأصحاب الكتب الستة, وقد أكثر عنه الإمام مسلم، إذ روى عن محمد بن رافع أكثر من ثلاثمائة حديث، ولهذا كثيراً ما يأتي ذكره في صحيح مسلم، بل إن الأحاديث التي رواها مسلم في صحيحه من صحيفة همام بن منبه، هي عن طريق شيخه محمد بن رافع هذا.[عن يحيى بن آدم]. ويحيى بن آدم هو: يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من المصنفين، وله كتاب الخراج المطبوع.[ عن سفيان ]. يروي عن سفيان، وسفيان هو: الثوري، ويحيى بن آدم كوفي، وسفيان الثوري كوفي، ويحيى بن آدم روى عن سفيان الثوري، وسفيان لم ينسب، فالمراد به سفيان الثوري، وسفيان الثوري سبق أن مر بنا مراراً، وهو سفيان بن سعيد المسروق الثوري، الحافظ المتقن، الموصوف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، روى عنه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي هاشم ]. وهو: إسماعيل بن كثير ، والإسناد الثاني أنزل من الإسناد الأول؛ لأن بين النسائي وبين إسماعيل بن كثير واسطتان, وهما: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ويحيى بن سليم الطائفي: وأما الطريق الثانية: فبين النسائي وبين أبي هاشم إسماعيل بن كثير ثلاث وسائط، وهم: محمد بن رافع، ويحيى بن آدم، وسفيان الثوري، فالطريق الأولى تعتبر أعلى من الطريق الثانية؛ لأن في الطريق الأولى: بين النسائي وبين إسماعيل بن كثير اثنان، والطريق الثانية: بين النسائي وبين إسماعيل بن كثير ثلاثة أشخاص.[ عن عاصم بن لقيط ].وعاصم بن لقيط بن صبرة هو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد, وأصحاب السنن الأربعة، وأبوه الصحابي لقيط بن صبرة أبو رزين العقيلي رضي الله عنه. إذاً: فعندنا في هذا الإسناد ثلاثة أشخاص متوالون، حديثهم عند البخاري في الأدب المفرد, وعند أصحاب السنن الأربعة، وهم: إسماعيل بن كثير، وعاصم بن لقيط، ولقيط بن صبرة، وفي الإسناد أيضاً شيخا النسائي: إسحاق بن إبراهيم , ومحمد بن رافع، والذين خرجوا لهم هم أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

عدد غسل الرجلين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب عدد غسل الرجلين:أخبرنا محمد بن آدم عن ابن أبي زائدة حدثني أبي وغيره عن أبي إسحاق عن أبي حية الوادعي أنه قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ، فغسل كفيه ثلاثاً، وتمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. ‏

شرح حديث علي في عدد غسل الرجلين

ذكر النسائي باب: عدد غسل الرجلين، يعني: الغسلات التي تكون للرجلين، وقد أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر من طرقٍ متعددة، إلا أنه أورد، هنا من إحدى الطرق, ليستدل به على أن غسل الرجلين يكون ثلاثاً، وأن كل رجلٍ تغسل ثلاث مرات وإلى الكعبين. وعرفنا فيما مضى: أن علياً رضي الله عنه هو أحد الصحابة الذين رووا صفة الوضوء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى هو أن الرجلين فرضهما الغسل، وليس المسح كما تقوله الرافضة، وإنما فرضهما الغسل، وإلى الكعبين، والنسائي هنا أورده من أجل ذكر العدد، وهو أنه غسلهما ثلاثاً، غسل الرجل اليمنى ثلاثاً، والرجل اليسرى ثلاثاً، فإذاً ففيه الدلالة على العدد، وقد عرفنا فيما مضى: أنها تغسل مرة، وتغسل اثنتين وتغسل ثلاثاً، وكل هذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ترجمة رجال إسناد حديث علي في عدد غسل الرجلين

قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].ومحمد بن آدم هو: ابن سليمان الجهني المصيصي، وهو صدوق, خرج حديثه وأبو داود , والنسائي , في الطبعة المصرية (كتاب التقريب)، توفي سنة خمس ومائتين، والصواب: توفي سنة خمسين ومائتين ولهذا روى له النسائي. [عن ابن أبي زائدة]. وابن أبي زائدة يطلق على شخصين: أحدهما: ينسب إلى أبيه، والثاني: ينسب إلى جده، وهنا المقصود هو الذي ينسب إلى الجد؛ لأنه قال: ابن أبي زائدة يروي عن أبيه، وابن أبي زائدة يطلق على يحيى بن زكريا الذي هو حفيد ابن أبي زائدة، وعلى زكريا الذي هو: ابن أبي زائدة؛ وهنا الحفيد يروي عن الأب؛ ولهذا قال: ابن أبي زائدة عن أبيه، يعني: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة يروي عن أبيه زكريا بن أبي زائدة، فإذاً: الموجود في الإسناد هو الحفيد، وقد نسب إلى جده، فقيل: ابن أبي زائدة، وقيل: إنه يروي عن أبيه، وأبوه يقال له: ابن أبي زائدة، إلا أن أباه منسوب إلى ابن أبي زائدة؛ لأنه أبوه، وأما ذاك فنسب إلى جده وليس أباه. ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة هذا ثقة متقن، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، أما أبوه زكريا بن أبي زائدة فهو أيضاً ثقة، ويدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً. [عن أبي إسحاق]. وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني أبو إسحاق السبيعي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي حية الوادعي]. و أبو حية الوادعي سبق أن مر ذكره في بعض طرق هذا الحديث عن علي.وأبو حية هو: ابن قيس الوادعي الهمداني، وهو مقبول، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [رأيت علياً].وعلي هو: أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، زوج فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، وهو أبو السبطين الحسن , والحسين رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وقد مر ذكره في الأحاديث الماضية.
حد الغسل

شرح حديث عثمان في غسل الرجلين إلى الكعبين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب حد الغسل:أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب: أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره أن حمران مولى عثمان أخبره (أن عثمان دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل رجله اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا, ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه) ]. أورد النسائي رحمه الله [ باب حد الغسل ]، يعني: غسل الرجلين، بعدما ذكر عدد الغسلات, وأورد فيها حديث علي رضي الله عنه، وأنه غسلها ثلاثاً. قوله: [ باب حد الغسل ]، يعني: غسل الرجلين وأنه إلى الكعبين، والغاية داخلةٌ في المغي، أي: أن الكعبين مغسولان، فالغاية داخلة في المغي, وهو المغسول، وأورد فيه: حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه, الذي سبق أن مر من طرقٍ متعددة عن حمران نفسه مولى عثمان رضي الله تعالى عن عثمان. أورده هنا من أجل الاستدلال به على ما ترجم له وهو حد الغسل، وأنه إلى الكعبين، وهو مشتملٌ على ما ترجم له، حيث قال: ثم غسل الرجل اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، والحديث سبق أن مر؛ ولكنه أورده من أجل اشتماله على ما ترجم له وهو حد الغسل.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في غسل الرجلين إلى الكعبين

قوله: [ أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح ].وأحمد بن عمرو بن السرح سبق أن مر ذكره، وهو أبو الطاهر المصري، روى عنه مسلم في صحيحه كثيراً، وكثير ما يذكره بكنيته، وأحياناً يذكره باسمه، يقول: حدثنا أبو الطاهر، والمقصود بـأبي الطاهر هو: أحمد بن عمرو بن السرح. وهو ثقةٌ، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.[ والحارث بن مسكين ].أما الحارث بن مسكين فهو أيضاً المصري، وهو ثقة، وهو قاض في مصر، وخرج له أبو داود , والنسائي، واللفظ المذكور لشيخ النسائي الثاني وهو: الحارث بن مسكين، وقد جرت عادة النسائي كما مر، أنه عندما يذكر الحارث بن مسكين وغيره معه يجعل الحارث بن مسكين هو الثاني، ويقول: واللفظ له، يعني: للحارث بن مسكين، ومرت أحاديث كثيرة متعددة على هذه الطريقة، كأن يذكر مسلم شيخين: أحدهما الحارث بن مسكين، ويجعله الثاني ويقول: [واللفظ له]، أي: للحارث بن مسكين.و الحارث بن مسكين وأحمد بن عمرو بن السرح -وهما مصريان- يرويان عن عبد الله بن وهب .[ عن ابن وهب ].و عبد الله بن وهب مصري، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن يونس ].يروي عن يونس بن يزيد الأيلي، وهو أحد الثقات، وحديثه في الكتب الستة أيضاً.[ عن ابن شهاب ].وابن شهاب هو الزهري الذي مر ذكره مراراً فيما مضى، وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو أحد الثقات المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ أن عطاء بن يزيد الليثي ].وهو: عطاء بن يزيد الليثي، وعطاء بن يزيد الليثي هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [ أخبره: أن حمران ].وحمران هو مولى عثمان، وهو ثقة خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. ورجال هذا الإسناد من أولهم إلى آخرهم قد مروا: أحمد بن عمرو بن السرح، والحارث بن مسكين، وابن وهب، ويونس بن يزيد، والزهري، وعطاء بن يزيد الليثي، وحمران مولى عثمان، وعثمان، وأحاديثهم كلها عند أصحاب الكتب الستة إلا شيخي النسائي: الحارث بن مسكين روى له أبو داود, والنسائي، وأحمد بن عمرو بن السرح روى له بالإضافة.
الوضوء في النعل

شرح حديث ابن عمر في الوضوء بالنعال

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء في النعل:أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله ومالك وابن جريج عن المقبري عن عبيد بن جريج قال: قلت لـابن عمر: (رأيتك تلبس هذه النعال السبتية، وتتوضأ فيها، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها) ]. يقول النسائي رحمه الله: [ باب الوضوء بالنعل ]. المراد من هذه الترجمة كما هو واضح: بيان حكم الوضوء في النعل، وهو كون الإنسان يتوضأ في النعال، معنى أنه يتوضأ والنعال عليه؛ لكن بشرط أن يستوعب الرجلين، وأن يكون الماء جاء عليهما جميعاً، وأيضاً ألا يكون في ذلك إتلاف لتلك النعال لكون الماء يؤثر عليها؛ لأن إضاعة المال قد جاء ما يدل على النهي عن ذلك في سنة الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن استيعاب الغسل أمر لازم وواجب؛ ولأن إتلاف المال جاء ما يدل على منعه والنهي عنه كما جاء في الحديث: ( إن الله ينهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). وقد أورد النسائي في هذا: حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما: أن عبيد بن جريج التابعي قال له: ( رأيتك تلبس هذه النعال السبتية وتتوضأ فيها؟ فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها)، والسبتية: هي المتخذة من الجلود التي لا شعر فيها، والتي دبغت، وقيل: إنها مأخوذةٌ من السبت, أو مضافة إلى السبت، وهي جلود البقر، وابن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما سئل عن ما رؤي يفعله، أجاب بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وفي هذا دليلٌ على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الالتزام بالسنن والأخذ بها، وكذلك أيضاً ما كان عليه سلف هذه الأمة؛ لأن ذلك التابعي الذي رآه يلبس النعال السبتية ويتوضأ فيها سأله عن ذلك, فأجابه بمستنده وبالمعول الذي عول عليه فيه، وهو كونه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك، ففيه بيان ما كان عليه الصحابة من اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان ما كان عليه التابعون من الحرص على معرفة السنن والآثار، وسؤالهم عما يرونه مما قد يرونه مشكلاً، فيسألون أو ينبهون على ذلك، فيعرفون وجه الصواب في ذلك، ويعرفون المستند إليه في ذلك، وهو ما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في الوضوء بالنعال

قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء]. ومحمد بن العلاء هو أبو كريب الهمداني، ويأتي ذكره لأول مرة، وهو مشهور بكنيته، وكثيرٌ ما يأتي بكنيته، والإمام مسلم أكثر من الرواية عنه، ويذكره غالباً بالكنية، أو يجمع الكنية والاسم، والنسائي ذكره هنا باسمه ونسبه، ولم يذكره بكنيته. وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن إدريس ]. و ابن إدريس هو عبد الله بن إدريس الأودي الذي سبق أن مر ذكره فيما مضى، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عبيد الله ]. وعبيد الله هذا لم ينسب ولم يأت ذكره فيما مضى، وهو: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو الذي يقولون له: العمري المصغر، ويقولون ذلك تمييزاً له عن أخيه الذي هو: عبد الله العمري المكبر، وهذان الأخوان، هذا الأول المصغر: هو عبيد الله المصغر هذا ثقة، وأما الثاني المكبر: هو عبد الله فهو ضعيف، فيميزون بين الاثنين بالتعبير بالمصغر والمكبر، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ ومالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ وابن جريج ]. و ابن جريج هو: عبد الملك بن عبد العزيز المكي ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، فـعبد الله بن إدريس الأودي يرويه عن ثلاثة من شيوخه، وهم: عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وعبد الملك بن جريج، وهؤلاء الثلاثة الذين هم مشايخه، هم من الثقات, ومن رجال أصحاب الكتب الستة.[ عن المقبري ].والمقبري هو سعيد بن أبي سعيد، واسمه كيسان أبو سعيد المقبري، فالمقبري تطلق على سعيد , وتطلق على كيسان، كلهم يقال لهم: المقبري؛ لكن المراد هنا في الإسناد هو: سعيد الذي هو الابن, وهو ثقةٌ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد بن جريج ].و عبيد بن جريج هو التيمي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب، إلا الترمذي فإنه لم يخرج له في السنن, وإنما خرج له في الشمائل.[ قلت لـابن عمر ]. وابن عمر هو الصحابي الجليل: عبد الله بن عمر وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والذين قال فيهم السيوطي في ألفيته: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابرٌ وزوجة النبي

ابوالوليد المسلم 26-03-2019 11:38 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(46)


- باب المسح على الخفين

وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشروعية المسح على الخفين، بل بلغت حد التواتر، ومن ذلك أحاديث المغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، وعمرو بن أمية وغيرهم.
المسح على الخفين

شرح حديث جرير بن عبد الله في المسح على الخفين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الخفين.أخبرنا قتيبة حدثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ( أنه توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أتمسح؟! فقال: قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح، وكان أصحاب عبد الله يعجبهم قول جرير ، وكان إسلام جرير قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيسير ) .. ].أورد النسائي المسح على الخفين؛ لأن النسائي رحمه الله لما ذكر فروض الوضوء جاء عند مسح الرأس فذكر مسح الرأس وما يتفرَّع عنه؛ الذي هو المسح على العمامة، ففرع ما يتعلق بالمسح، فجعل ما يتعلق بالرأس تابعاً لمسح الرأس. ولمَّا ذكر غسل الرجلين ذكر ما يتفرَّع عن مسح الرجلين؛ وهو المسح على الخفين فيما إذا كانت مغطاتين بالخفاف، وكذلك ما يماثلها من الجوارب.فإذاً: النسائي رحمه الله ذكر فروض الوضوء، ولما فرغ من الأصل الذي هو مسح الرأس, عقَّبه بما يتعلق بالفرع عنه وهو المسح على العمامة، ثم انتقل إلى غسل الرجلين، ولما فرغ مما يتعلق بغسل الرجلين, عقَّبه بما يتعلق بالفرع عنه وهو المسح على الخفاف. والمسح على الخفين أورد فيه عدة أحاديث:أولها: حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه ( أنه توضأ ومسح على الخفين، فقيل له: أتمسح؟! قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح عليهما )؛ يعني: على الخفين، فهو دليل على ثبوت المسح على الخفين، وأحاديث المسح على الخفين كثيرة، بل قيل: إنها متواترة، وأنها جاءت عن جماعة من الصحابة، وينصون عليهما فيما يتعلق أحياناً بكتب العقائد؛ للإشارة إلى مخالفة بعض أهل البدع فيهما: والمسح عليهما في الحضر والسفر كما جاء به الأثر, يأتي أحياناً ذكره في كتب العقائد؛ للتنبيه إلى ثبوت السنة في ذلك وتواترها، وعمل المسلمين فيها، وأن بعض أهل البدع خالف في ذلك، فهم ينصون عليها في كتب العقائد لهذا، والأحاديث في ذلك كثيرة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، فهو دال على مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على الخفين.

تراجم رجال إسناد حديث جرير بن عبد الله في المسح على الخفين

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].قتيبة هو قتيبة بن سعيد الذي مر ذكره مراراً، وهو أول شيخ روى له النسائي في سننه، وكثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد، يروي عنه النسائي أحاديث كثيرة.[ حدثنا حفص ].حفص هو ابن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي الذي سبق أن مر ذكره فيما مضى، والذي مر ذكره قريباً، يروي عنه ابن عمه طلق بن غنام وطلق بن غنام وحفص بن غياث ابنا عم؛ لأن غنام وغياث أولاد لـطلق بن معاوية، وحفص بن غياث هذا هو الذي مر في ما مضى يروي عنه ابن عمه طلق بن غنام ، وحفص بن غياث هذا ثقة خرَّج حديثه أصحاب الكتب الستة كما عرفنا ذلك فيما مضى.[عن الأعمش].الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الذي سبق أن مر ذكره مراراً وتكراراً، وهو يأتي باللقب كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم والنسب كما يأتي في بعض الأسانيد، ولكنه مشهور بلقبه وهو الأعمش ، وقد ذكرت فيما مضى أن فائدة معرفة الألقاب؛ حتى لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته، فالذي لا يعرف يظن أن هذا غير هذا، ومن عرف أن الأعمش كنية لـسليمان بن مهران لا يلتبس عليه الأمر، فإذا جاء مرة باسمه ومرة بلقبه عرف بأن هذا هو هذا وأن هذا هو هذا، ولا يلتبس على من يعرف، ومن لا يعرف يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه يظن أن سليمان غير الأعمش، وأن الأعمش غير سليمان ، والأعمش ثقة, من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن إبراهيم].إبراهيم هو ابن يزيد النخعي الذي سبق أن مر ذكره فيما مضى, في مواضع عديدة، وهو نخعي, كوفي، وهو ثقة, فقيه, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة, وهو من رجال الجماعة، وذكرت لكم فيما مضى كلمة تؤثر عنه وأنه هو السابق إليها، وهو أول من قالها, وهي التعبير بعبارة: (ما لا نفس لها سائلة) لا ينجس الماء إذا مات فيه، التعبير عن الحيوانات التي لا دم فيها بأنها لا نفس لها سائلة؛ لأن الدم يقال له: نفس.. ويطلق عليه نفس، فيعبرون عن الدواب التي لا دم فيها كالجراد وكالذباب بأنه لا نفس لها سائلة، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، فهي من أولياته، وقد ذكر ذلك ابن القيم في كتابه زاد المعاد، حيث قال: أول من عرف عنه أنه عبر بهذه العبارة هو إبراهيم النخعي وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، فهو محدث فقيه.[ عن همام ].همام يأتي ذكره لأول مرة، وهو همام بن الحارث بن قيس بن عمر النخعي، الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. وجاء في آخر الإسناد: (وكان أصحاب عبد الله يعني: عبد الله بن مسعود يعجبهم قول جرير ) يعني: كونه يروي حديث المسح على الخفين؛ ذلك لأن جريراً أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومعنى هذا: أنَّ المسح على الخفاف كان في أواخر الأمر، وكان في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه حكم محكم غير منسوخ؛ لأن ذلك وقع؛ لأن كون جرير هو الذي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين، وكان ذلك في آخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام.
حديث عمرو بن أمية: (أنه رأى النبي توضأ ومسح على الخفين) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا العباس بن عبد العظيم حدثنا عبد الرحمن حدثنا حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه رضي الله عنه ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين ) .. ]. هذا أيضاً حديث آخر عن عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه (أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الخفين) وهو حديث آخر عن صحابي آخر، فالحديث الأول عن جرير ، وهذا عن عمرو بن أمية الضمري ، ويقول: (إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ومسح على الخفين) فهو من جملة الأحاديث الدالة على إثبات هذا الحكم؛ وهو: المسح على الخفين. قوله: [ أخبرنا العباس بن عبد العظيم ].العباس بن عبد العظيم هو: العنبري، وهو يأتي ذكره لأول مرة، وهو بصري ثقة، وممن خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[ عن عبد الرحمن ].عبد الرحمن هو: ابن مهدي ، الإمام المشهور, الثقة, الحافظ, العارف بالحديث والرجال، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند الكتب الستة وهو بصري.[ حدثنا حرب بن شداد ].حرب بن شداد هو اليشكري, البصري، وهو ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[ عن يحيى بن أبي كثير ].يحيى بن أبي كثير هو: يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة, حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد سبق أن ذكرت لكم عنه الكلمة العظيمة التي بين فيها أن تحصيل العلم لا يحصل بالراحة، وإنما يحصل بالتعب، والذي روى عنه هذه الكلمة الإمام مسلم في صحيحه, في أثناء سياقه لطرق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيان أوقات الصلاة، فإنه روى بإسناده -أي: الإمام مسلم - عن يحيى بن أبي كثير قال: (لا يُستطاع العلم براحة الجسد) يعني: لا يحصل العلم بالراحة، وإنما العلم يحصل بالتعب والمشقة والعناء، فهو صاحب هذه الكلمة العظيمة. وهو من رجال الجماعة، ثقة, خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن أبي سلمة ].أبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن الذي سبق أن مرَّ ذكره فيما مضى، بل في أول حديث في سنن النسائي جاء ذكر أبي سلمة هذا، وهو ثقة, حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأنني سبق أن ذكرت لكم أن الفقهاء السبعة في المدينة من التابعين كانوا في عصر واحد، وكانوا أهل حديث وأهل فقه فيطلق عليهم الفقهاء السبعة، وستة منهم متفق عليهم، والسابع فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، والثاني: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر.[ عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ].جعفر هو: ابن عمرو بن أمية الضمري وهو ثقة, حديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فهو مثل حرب بن شداد الذي مر ذكره في أثناء الإسناد، وخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[ عن أبيه ].أبوه الذي يروي عنه هو صحابي الحديث، وهو عمرو بن أمية الضمري ، فهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وله عشرون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على حديث منها، وانفرد البخاري بحديث، ولم ينفرد مسلم بشيء، فهي عشرون حديثاً.

شرح حديث أسامة بن زيد في المسح على الخفين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وسليمان بن داود واللفظ له عن ابن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال الأسواق، فذهب لحاجته ثم خرج، قال أسامة : فسألت بلالاً: ما صنع؟ فقال بلال : ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ومسح على الخفين، ثم صلى)] . حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه هو من جملة أحاديث المسح على الخفين؛ لأن النسائي رحمه الله عقد ترجمة وهي باب: المسح على الخفين، فأورد فيه جملة من الأحاديث تدل على المسح على الخفين، والنسائي رحمه الله ذكر جملة من الأبواب في المسح على الخفين، فذكر باباً مطلقاً, وهو باب: المسح على الخفين، وهو يشمل المسح مطلقاً؛ يعني: في الحضر والسفر، فترجمة تتعلق بالمسح بالمسافر، وترجمه تتعلق بالمسح بالمقيم، وهذه الترجمة الأولى من تلك التراجم, وهي مطلقة تشمل المسافر والمقيم.وهذا الحديث الذي هو حديث أسامة بن زيد يدل على المسح للمقيم؛ لأن ظاهره أنه كان في الحضر؛ لأن قوله: (أنه دخل الأسواق) هو مكان في المدينة، وكان هو وبلال ، فسأل أسامة بن زيد بلالاً رضي الله تعالى عنهما: ( ما صنع رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقال أنه قضى حاجته, ثم توضأ ومسح على خفيه )، ومحل الشاهد: (ومسح على خفيه)، لكن قوله: (أنه دخل الأسواق) هو وبلال يشعر بأن هذا المسح إنما كان في حال الحضر. ويدلنا أيضاً هذا الحديث على ما كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحرص على معرفة السنن، والسؤال عن أفعال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وسننه عليه الصلاة والسلام؛ لأن أسامة رضي الله عنه سأل بلالاً رضي الله عنه عن الذي صنعه رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فبين أنه توضأ ومسح على خفيه، ثم صلى؛ يعني: أنه بعد ما قضى حاجته, توضأ ومسح على الخفين، ثم صلى، ولم ينزع الخفين عندما قضى حاجته، بل مسح عليهما.وقد ذكرت سابقاً أن أحاديث المسح كثيرة متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام, وقد بلغت حد التواتر، وقيل: إنها جاءت عن نحو سبعين صحابياً؛ منهم العشرة المبشرين بالجنة، رضي الله تعالى عنهم. إذاً: فأحاديث المسح على الخفين متواترة, جاءت عن عدد كبير عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

تراجم رجال إسناد حديث أسامة بن زيد في المسح على الخفين

قوله: [أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وسليمان بن داود واللفظ له].عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم سبق أن مر ذكره فيما مضى، وقد جمع هنا بين اسمه وكنيته ولقبه، وقد ذكرت فيما مضى أنه أورده بالاسم والنسب دون اللقب، وأما هنا فقد جمع بين الاسم واللقب؛ لأنه عبد الرحمن بن إبراهيم ، ولقبه دحيم ، وذكرت فيما مضى أن: الألقاب أحياناً تكون مأخوذة من الأسماء؛ لأن دحيم مأخوذة من عبد الرحمن، ومثل ذلك عبدان من عبد الله، وعباد من عبد الله، وغير ذلك من الألقاب التي تؤخذ من الأسماء، وقد ذكرت مراراً أن فائدة معرفة ألقاب المحدثين هي: ألّا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف يظن أن من ذكر بالاسم غير من ذكر في اللقب لو ذكر في اللقب، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم هذا ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه . أما سليمان بن داود فقد أيضاً مر ذكره فيما مضى، وهو مصري، خرج حديثه أبو داود، والنسائي. [ عن ابن نافع ].ابن نافع هو: عبد الله بن نافع بن أبي نافع الصائغ ، وهو ثقة، في حديثه لين، وقد خرج له أبو داود ، وخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن داود بن قيس ].داود بن قيس هو: الفراء الدباغ، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[ عن زيد بن أسلم ].زيد بن أسلم قد مر ذكره، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عطاء بن يسار ].عطاء بن يسار أيضاً قد مر، وهو ثقة, خرج حديثه أيضاً أصحاب الكتب الستة.[ عن أسامة بن زيد ].أسامة بن زيد هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحب رسول الله عليه الصلاة والسلام, وابن حبه، وهو الذي أمره الرسول عليه الصلاة والسلام، وتوفي رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم أمضى أبو بكر الصديق إمارته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وله مائة وثمانية وعشرون حديثاً، انفرد البخاري ومسلم في كل منها بحديثين؛ البخاري انفرد بحديثين، ومسلم انفرد بحديثين.

شرح حديث سعد بن أبي وقاص: (أن رسول الله مسح على الخفين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه مسح على الخفين)]. ذكر النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أحد الستة أصحاب الشورى، وحديثه: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين )، فهو من جملة الأحاديث الكثيرة عن عدد كبير عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام, ورضي الله عنهم وأرضاهم, الدالة على المسح على الخفين.

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص: (أن رسول الله مسح على الخفين)

قوله: [أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].سليمان بن داود هو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود, والنسائي . ومثله الحارث بن مسكين ، فهو ثقة، خرج حديثه أبو داود, والنسائي أيضاً، وقد سبق أن مر ذكره. وقول النسائي : (قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له) هذه طريقة النسائي أنه إذا ذكر الحارث بن مسكين ومعه غيره، يجعل الحارث بن مسكين هو الثاني، ثم يقول: (قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له) هذا هو الغالب على طريقة النسائي. وسليمان بن داود المصري، والحارث بن مسكين المصري ، كل منهما ثقة، ولم يخرج لهما الشيخان, ولا الترمذي, ولا ابن ماجه . [عن ابن وهب].ابن وهب هو عبد الله بن وهب البصري الذي مر ذكره مراراً، وهو محدث, فقيه, ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو بن الحارث].عمرو بن الحارث هو أيضاً المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كما مر ذكر ابن وهب. [عن أبي النضر].أبو النضر هو سالم بن أبي أمية المدني ، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سلمة].أبو سلمة هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي مر ذكره مراراً، بل قد مر ذكره في أول حديث عند النسائي ، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وذكرت مراراً أنه أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع منهم، وذكرت أن في أحد الأقوال أنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وثانيها أنه: أبو بكر بن عبد الرحمن بن حارث بن هشام ، وثالثها أنه: سالم بن عبد الله بن عمر .[عن عبد الله بن عمر].عبد الله بن عمر هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الصحابي ابن الصحابي الذي هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره مراراً.[عن سعد بن أبي وقاص].سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر رضي الله عنه وأرضاه لهم أمر تولية واحد منهم إليهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان قد ولاه على الكوفة، وقد عزله منها؛ لما قد خشي أن يحصل من الفتنة بينه وبين أهل الكوفة، ثم إنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه -أي: عمر - لما جعل الأمر شورى بين فضل سعد بن أبي وقاص ، وأنه ما عزله من عجز ولا خيانة، وإنما قال: فإن أصابت الإمارة سعداً فذاك، وإلا فليستشره من أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة. فنبه على عزله من الكوفة فيما مضى، وأن السبب في ذلك ما خشي أن يحصل من الفتنة بينه وبينهم، فهو لم ينس أن ينبه على فضله، وأن يبين أن عزله لا ينبغي أن يؤثر على اختياره، فقال: فإن أصابت الإمارة سعداً فذاك، وإلا فليستشره أو فليستعن به من أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة، رضي الله تعالى عن عمر وعن سعد وعن الصحابة أجمعين، وهو الذي تولى أو قاد الجيوش لقتال الفرس ولفتح بلادهم، وهو الذي فتحت على يديه بلاد كسرى, وأخذت كنوز كسرى، وأرسلت إلى عمر رضي الله تعالى عنه، فقسمها في المدينة، رضي الله تعالى عن عمر, وعن سعد، وعن الصحابة أجمعين.وهذا الحديث فيه: رواية صحابي عن صحابي؛ هو عبد الله بن عمر، عن سعد بن أبي وقاص ، وأيضاً فيه: رواية أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، فالصحابي عن الصحابي عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص، والتابعي عن التابعي أبو النضر عن أبي سلمة.

شرح حديث سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: أخبرنا قتيبة حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر عن موسى بن عقبة عن أبي النضر عن أبي سلمة عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (في المسح على الخفين أنه لا بأس به)]. هنا أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وهو من رواية أبي سلمة عن سعد ؛ لأن الطريق الأولى التي قبلها: عن أبي سلمة عن ابن عمر عن سعد ، والطريق الثانية: عن أبي سلمة عن سعد رأساً؛ يعني: أنه من رواية تابعي عن صحابي، وذاك الذي قبله صحابي عن صحابي، ومن المعلوم أن مثل هذا يحمل على أن أبا سلمة سمعه من عبد الله بن عمر عن سعد ، ثم لقي سعداً ورواه عنه مباشرة، فيكون رواه على الوجهين؛ على كون بينه وبين سعد واسطة، وعلى كونه ليس بينه وبينه واسطة، وهذا كثيراً ما يأتي في الأسانيد؛ أن يكون الراوي يرويه عن شخص بواسطة, ثم يلق ذلك الشخص المروي عنه فيروي عنه مباشرة، فيكون رواه على الحالين؛ على الحالة التي فيها واسطة بينه وبينه، وعلى الحالة التي لا واسطة بينه وبينه.عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( في المسح على الخفين لا بأس به ). وكأن هذا اللفظ رواية بالمعنى، وإضافة ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه رخصة، وأن المسح على الخفين رخصة؛ لما في نزعهما عند الوضوء من المشقة، ورخص للناس أن يمسحوا عليهما، وألا يحتاج الأمر إلى نزعهما وغسلهما، بل رخص لهم أن يمسحوا عليهما.

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا قتيبة ].قتيبة هو: ابن سعيد ، وهو أحد الثقات الذين حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر].هوإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن موسى بن عقبه].هو موسى بن عقبه بن أبي عياش ، وهو ثقة, فقيه، إمام في المغازي، يقال: إن مغازيه أصح المغازي، قال ذلك الحافظ ابن حجر ، بل إنه قال في فتح الباري: إن مغازيه أصح المغازي, وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي النضر].أبو النضر هو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، وهو: سالم بن أبي أمية المدني ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي سلمة].هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا أيضاً، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن سعد بن أبي وقاص].سعد بن أبي وقاص حديثه عند أصحاب الكتب الستة. إذاً فهؤلاء الرجال في الإسناد كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، وكلهم يقال لهم: ثقات إلا سعد بن أبي وقاص فهو لا يحتاج إلى أن يوصف بوصف أشرف وأفضل من أن يقال: إنه صحابي صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وزاد مع كونه صحابياً أن يكون من خيار الصحابة، ومن المقدمين في الصحابة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين. إذاً جميع الرجال من رجال الكتب الستة، وجميع الرجال دون الصحابي كلهم من الثقات.

شرح حديث المغيرة في المسح على الخفين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن خشرم حدثنا عيسى عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن المغيرة بن شعبة قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، فلما رجع تلقيته بإداوة فصببت عليه فغسل يديه, ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه فضاقت به الجبة، فأخرجهما من أسفل الجبة فغسلهما، ومسح على خفيه, ثم صلى بنا)]. هنا أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة ، وهو حديث تكرر في قصة كونه كان معه في غزوة تبوك، وأنه كان في الجيش، فالرسول قرع ظهره بعصاه ثم عدل وعدل معه وقضى حاجته، ثم أنه صب عليه الماء، وتوضأ عليه الصلاة والسلام وعليه جبة شامية، ثم أنه أراد لما جاء عند غسل اليدين أراد أن يخرج ذراعيه، فضاقت أكمام الجبة؛ فلم يتمكن من إخراج الذراعين لغسلهما، فأخرج يديه من تحت الجبة، ثم غسل ذراعيه وتوضأ, وغسل ذراعيه ومسح رأسه وعلى خفيه. وفي هذا الحديث قال: (ثم صلى بنا)، والطرق المتعددة التي جاءت تدل على أنهم لحقوا بالجيش، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تأخر، وأنهم قدموا عبد الرحمن بن عوف وصلى بهم، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل معه وصلى معه الركعة الأخيرة، ثم لما سلم عبد الرحمن قام هو والمغيرة بن شعبة وقضيا الركعة التي سبق بها، والأحاديث والطرق كلها تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان إماماً, وإنما كان مأموماً في هذه القضية، وهنا قال: (ثم صلى بنا). ثم أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة من طريق أخرى، وهو قد مر مراراً، وفيه أن الرسول قضى حاجته ومعه إداوة من ماء، وفي بعض الروايات: (مطهرة)، وفي بعضها: (صفيحة)، يعني: ذلك الوعاء بألفاظ متعددة، وأنه سكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ ومسح على خفيه.

ابوالوليد المسلم 26-03-2019 11:39 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(47)

- (باب المسح على الخفين في السفر) إلى (باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر)

جاءت اوالمشقة، ومن ذلك جواز المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها، ويلحق بالخفين الجوارب؛ دفعاً للمشقة وتخفيفاً على المسافرين.
المسح على الخفين في السفر

شرح حديث المغيرة في المسح على الخفين في السفر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الخفين في السفر.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان سمعت إسماعيل بن محمد بن سعد سمعت حمزة بن المغيرة بن شعبة يحدث عن أبيه رضي الله عنه أنه قال:( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: تخلف يا مغيرة! وامضوا أيها الناس، فتخلفت، ومعي إداوة من ماء, ومضى الناس، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، فلما رجع ذهبت أصب عليه وعليه جبة رومية ضيقة الكمين، فأراد أن يخرج يده منها فضاقت عليه، فأخرج يده من تحت الجبة, فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه ومسح على خفيه)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: المسح على الخفين في السفر. قد ذكرت فيما مضى أن النسائي رحمه الله عندما ذكر غسل الرجلين، وذكر الأبواب المتعلقة بالغسل من حيث الإيجاب، ومن حيث عدد الغسلات، ومن حيث حد الغسل، وأنه إلى الكعبين, وأن الغاية داخلة في المغيا، أورد بعد ذلك ما هو فرع عن غسل الرجلين, وهو: المسح على الخفين، فذكر أولاً باباً عاماً يتعلق بالمسح على الخفين، وهو مطلق ليس فيه ذكر سفر ولا حضر، إلا أنه في أحد الأحاديث التي مضت فيه إشارة إلى أنه كان في حضر، وهو حديث أسامة بن زيد : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الأسواق هو وبلال لحاجته وخرج، وسأل أسامة بلالاً رضي الله عنهما: ماذا صنع رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فبين أنه توضأ ومسح على خفيه ). وعرفنا -فيما مضى- أن قوله: (في الأسواق، أو دخل الأسواق) أن ذلك في حضر؛ لأن لفظ الأسواق يشعر بهذا، وكذلك أيضاً مر في بعض الأحاديث ذكر أن المغيرة كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سفر، فهو أيضاً يشعر بالسفر.ولما فرغ من هذه الترجمة والأحاديث المتعلقة بها، ذكر بعد ذلك هذه الترجمة، وهي: باب المسح على الخفين في السفر، وأورد فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه من الطرق الكثيرة, وهو أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان ذلك في غزوة تبوك، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (تخلف يا مغيرة! وامضوا أيها الناس)، هذه الرواية هنا، وسبق في بعض الروايات السابقة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرع ظهره بالعصا، ثم قال: اعدل, فعدلت معه ) يعني: مال إلى جهة غير الجهة التي ذهب فيها الجيش، وذهب وقضى حاجته، وهنا قال: (تخلف يا مغيرة! وامضوا أيها الناس) أي: امضوا في طريقكم وفي سيركم، وهو ذهب لقضاء حاجته، ومعه المغيرة بن شعبة .فيحكي المغيرة بن شعبة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى حاجته، وأنه لما فرغ، وإذا مع المغيرة مطهرة, أو إداوة، وهو وعاء فيه ماء، فسكب على الرسول صلى الله عليه وسلم منه فتوضأ وغسل وجهه، ولما أراد أن يغسل اليدين, وكان عليه جبة رومية، فأراد أن يخرج الذراعين ليغسلهما إلى المرفقين، وإذا بأكمام الجبة ضيقة, فلم يتمكن من إخراج ذراعيه من الجبة؛ حتى يتبين المرفقان فيغسل هذين العضوين من أعضاء الوضوء، فعند ذلك أخرج يده من تحت الجبة وغسل وجهه، واليدين إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم مسح على خفيه، وهذا هو محل الشاهد: (بأنه كان في سفر)، وهنا قال: (مسح على خفيه).والحديث سبق مراراً من طرق في مواضع عديدة في صفة الوضوء؛ لأنه مشتمل على فروض الوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في المسح على الخفين في السفر

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].محمد بن منصور سبق أن عرفنا -فيما مضى- أن للنسائي شيخين, كل منهما يقال له: محمد بن منصور، أحدهما: الجواز المكي، لقبه الجواز، والمكي من أهل مكة، والثاني: محمد بن منصور الطوسي، وكل منهما أخرج له النسائي، وكل منهما روى عن السفيانين، إلا أن سفيان هنا مبهم، فيحمل على أنه ابن عيينة ؛ لأن الجواز مكي، وابن عيينة مكي، فهو أقرب من سفيان الثوري ؛ لأن سفيان الثوري من أهل الكوفة. ومحمد بن منصور الجواز مكي، وقد مر -فيما مضى- أنه روى له النسائي وحده، وهو ثقة.[حدثنا سفيان بن عيينة].أما سفيان بن عيينة فقد مر ذكره فيما مضى، وهو ثقة, حافظ, فقيه, عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[سمعت إسماعيل بن محمد].إسماعيل بن محمد بن سعد، وهو: ابن أبي وقاص, قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة, حجة، وخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.[سمعت حمزة بن المغيرة].حمزة بن المغيرة ، ثقة، وخرج له مسلم, والنسائي, وابن ماجه.[عن أبيه].هو المغيرة بن شعبة ، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عن المغيرة وعن الصحابة أجمعين، وكان أميراً على الكوفة، وتوفي وهو أمير عليها، وكان ذكياً داهية، معروفاً بالدهاء، وهو الذي سبق أن ذكرت لكم: أنه لما كان في حرب الفرس طلبوا واحداً يكلمهم، فذهب المغيرة بن شعبة وتكلم كلاماً عظيماً, جاء في صحيح البخاري في كتاب المغازي؛ يعني: فيه ما يدل على عزة نفسه، وعلى قوته وشجاعته، فإنه قال: كنا كذا فأرسل الله إلينا رسولاً دعانا إلى كل خير، وأمرنا بالجهاد، فإن استجبتم لنا دخلتم فيما دخل فيه الناس، وإلا فإننا نقاتلكم حتى يحصل كذا وكذا، فكان له موقف عظيم، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

المسح على الجوربين والنعلين

شرح حديث: (أن رسول الله مسح على الجوربين والنعلين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المسح على الجوربين والنعلين.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع أخبرنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين).قال أبو عبد الرحمن : ما نعلم أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ).أورد النسائي هذا الحديث, وهو ليس موجوداً في بعض نسخ النسائي، ويقال: إنه ليس في نسخة ابن السني الذي هو أحد رواة النسائي، والذي هذه السنن التي بأيدينا هي من روايته، وقد عرفنا -فيما مضى- أن من العلماء من قال: هو الذي اختصرها من السنن الكبرى، ولكن الصحيح أن الذي اختصرها هو النسائي، وليس ابن السني ، وإنما ابن السني هو أحد رواتها؛ أي: السنن الصغرى.فهذا الحديث في بعض النسخ مذكور, وهو حديث المسح على الجوربين والنعلين. والمقصود بالجوربين والنعلين: المسح على الجوربين إذا كانا في نعلين، وليس المقصود من ذلك المسح على الجوربين وحدهما، وعلى النعلين وحدهما؛ لأن النعلين لا يمسح عليهما؛ لأنهما لا يغطيان الرجلين، لأن المعروف عن النعال أنها جزء منها مكشوف، والخفاف هي التي تغطي الرجلين.فإذاً: المسح على الجوربين والنعلين، يعني: إذا كانت الرجل فيها جوربان, ثم لبس عليها نعلين، يعني: مع الجوربين، فيمسح على النعلين والجوربين في آنٍ واحد، وليس المقصود من ذلك التفريق.وقد أورد النسائي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين)، ثم قال أبو عبد الرحمن وهو النسائي: لا نعلم أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح أنه جاء عن المغيرة في أحاديث كثيرة, ومن طرق عديدة، وهو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ), وجاءت هذه الطريق عن المغيرة وفيها ذكر الجوربين والنعلين، فمن العلماء من تكلم في هذا الحديث وضعفه، ومنهم النسائي, وقال: إن هذه الرواية عن أبي قيس وقد خالف فيها الذين رووا عن المغيرة أحاديث المسح؛ لأنهم يطبقون على ذكر الخفين، وأبو قيس انفرد بهذه الرواية عن هزيل بن شرحبيل بذكر الجوربين والنعلين، فقالوا: إن الصحيح هو أن حديث المغيرة إنما هو في المسح على الخفين، وأن ذكر الجوربين والنعلين غير محفوظ.ومن العلماء من صحح هذه الرواية، وقال: إن رجالها ثقات، وأبو قيس الذي انفرد بهذه الرواية خرج له البخاري في صحيحه، وخرج له أصحاب السنن الأربعة، فيكون ما جاء عنه يعتبر زيادة، ويعتبر حديثاً مستقلاً، ولا يقال: إنها معارضة للأحاديث التي جاءت عن المغيرة في المسح على الخفين؛ لأنه لو كانت القصة واحدة في أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر، وأنه كان عليه جبة، وأنه أراد المسح على الجوربين، عندها يمكن أن يقال: هذه شاذة؛ لأن الذين رووا أحاديث قصة كونه مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، كلهم قالوا: الخفين، ولكن هذه ما ذكر فيها قصة السفر، ولا ذكر فيها أنه كان عليه جبة، وأنه كان يسكب عليه الماء، فلو أنه كان جاء ذكر قصة السفر والجبة وما إلى ذلك لقيل: هذه رواية شاذة، مثلما قلنا في حديث مضى، في بعض طرقه: (ثم صلى بنا)، مع أن الطرق كلها في أن الذي صلى هو عبد الرحمن بن عوف، وأما هذا فيعتبر حديثاً مستقلاً.والذي يظهر ويبدو أنها صحيحة، وأنها لا تتعارض مع الراوية السابقة؛ لأن تلك حادثة وهذه حادثة.وممن ضعفها ابن القيم في تعليقه على تهذيب السنن، ولكنه قال: بأن المسح على الجوربين ثابت بفعل ثلاثة عشر صحابياً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: ثبوت المسح على الجوربين ليس على هذا الحديث، وإنما بفعل الصحابة الذين هم ثلاثة عشر, كلهم جاء عنهم المسح على الجوربين، ولكن كما أشرت أن الحديث صحيح، وقد صححه الترمذي وغيره، وإسناد رجاله ثقات.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله مسح على الجوربين والنعلين)

قوله: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].هو ابن راهويه ، الإمام الثقة, المحدث, الفقيه، الذي مر ذكره مراراً، وهو من رجال أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.[ حدثنا وكيع ].هو وكيع بن الجراح الحافظ, الثقة, المصنف, الذي مر ذكره مراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ أخبرنا سفيان ].قد عرفنا فيما مضى أن وكيعاً إذا روى عن سفيان فيحمل على الثوري إذا كان غير منسوب.إذاً: إذا قال: وكيع حدثنا سفيان، فيحمل على الثوري ؛ لأن وكيعاً مكثر عن الثوري ومقل عن ابن عيينة ، ثم أيضاً هو من أهل بلد الثوري ؛ لأنهما كوفيان، وأما ابن عيينة فهو مكي. فإذاً: ملازمته واتصاله أكثر بـالثوري. وقد قلنا في محمد بن منصور الجواز : أنه أولى أن يكون الجواز من أن يكون الطوسي ؛ لأن الجواز مكي، وابن عيينة مكي، وسفيان الثوري كوفي ووكيع بن الجراح كوفي.وسفيان الثوري ثقة، حافظ، مكثر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو أحد الأشخاص الذين وصفوا بوصف أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة تعتبر من أعلى وأرفع ما يكون من صيغ التعديل، بل من العلماء -كما ذكرت- من يقدمه على شعبة بن الحجاج، وشعبة أيضاً وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وذكرت سبب التفضيل وهو: أنهم يعدون أغلاط الاثنين، ومن كان أقل غلطاً, وكلهم أغلاطهم قليلة، ولكن من كان أقل غلطاً اعتبروه أقدم وأرفع، وهذه المفاضلة إنما هي للذين في القمة، فمن يكون في القمة فإنه يفاضل بينهم بعد أخطائهم، فمثلاً: هذا يجدون عنده عشرة أخطاء، وهذا عنده خمسة أخطاء، فالذي عنده خمسة أخطاء يعتبر أحسن.[ عن أبي قيس ].هو عبد الرحمن بن ثروان الأودي الكوفي، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، ربما خالف، ولعله يشير إلى هذه المخالفة التي قال عنها النسائي: لا نعلم أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية. وهو من رجال البخاري, وأصحاب السنن الأربعة.[ عن هزيل بن شرحبيل ].وهو أيضاً الأودي الكوفي، وهو مثله من رجال البخاري , وأصحاب السنن الأربعة، وهو ثقة؛ لأن كلاً من أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان الأودي الكوفي ، وهزيل بن شرحبيل الأودي الكوفي حديثه عند البخاري وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج لهما مسلم شيئاً.[ عن المغيرة بن شعبة ].وهو الصحابي الذي مر ذكره مراراً.فنجد أن إسحاق بن إبراهيم، ووكيع، وسفيان، نجد أن هؤلاء الثلاثة كلهم خرج لهم البخاري، بل إسحاق بن إبراهيم خرج له الستة إلا ابن ماجه، وكل من وكيع وسفيان الثوري، خرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو قيس، وهزيل خرج لهما البخاري . إذاً: فالإسناد كله من رجال الصحيح، وكون أبي قيس انفرد بهذه الرواية، فهي تعتبر حديثاً مستقلاً، ولا تعتبر معارضة لحديث الخفين؛ لأن هذه حادثة وهذه حادثة.إذاً: فالحديث ثابت، وبعض الذين لا يقولون بثبوته ومنهم: ابن القيم، يقولون: إن العمدة في ذلك ليس الحديث، ولكن فعل ثلاثة عشر صحابياً من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم، فقد كانوا يمسحون على الجوارب.

التوقيت في المسح على الخفين للمسافر

شرح حديث صفوان بن عسال في توقيت المسح على الخفين للمسافر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر.أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عاصم عن زر عن صفوان بن عسال رضي الله عنه أنه قال: (رخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن) ].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: التوقيت في المسح على الخفين للمسافر. وأورد فيه حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه الذي يقول فيه: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن)، فهو يدل على أن المسافر يمسح ثلاثة أيام ولياليها؛ يعني: يبقى الخفان أو الجوارب عليه ثلاثة أيام بلياليها ويمسح عليها.ولكن متى يبدأ المسح؟ أو متى يبدأ العد لليالي؟ فمن العلماء من قال: إنه من اللبس، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه من المعلوم أن الإنسان إذا لبس على طهارة، واستمر على طهارة، فوجود الخفين مثل عدمها، كأنه لم يلبس الخفين ما دام على طهارة، فالفترة التي كان فيها على وضوء فهذه غير محسوبة؛ لأنه كأنه لم يلبس الخفين، لأنه لو لم يلبسهما فإنه يظل على طهارة، وإنما الاستفادة من الخفين فيما إذا أحدث وصار يمسح، فبدل من أن يخلعها ويغسلها فإنه يمسح عليها، وأما أن يكون على وضوء فلا تحسب المدة.بقي قولان: هل وقت المسح يبدأ من الحدث أو من المسح؟ يعني: هل إذا الإنسان أحدث أول إحداث بعد اللبس يبدأ ويعد ثلاثة أيام ولياليها، أو أنه يبدأ من المسح؟ وعلى هذا فالإنسان يحدث, ثم يمضي عليه وقت ولم يتوضأ، مع ذلك يبدأ يحسب من المسح.إذاً: القضية رجعت إلى قولين: من العلماء من قال: إنه يبدأ من الحدث، ومنهم من قال: يبدأ من المسح، والقول بأنه يبدأ من الحدث هو الأولى؛ لأن فيه الاحتياط في الدين، فمن حين أحدث يبدأ الإنسان يحسب المدة، وقبل أن يحدث كأنه لم يلبس؛ يعني: اللبس وعدمه سواء بالنسبة له.يقول: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن)، أي: فنحن نمسح في هذه الفترة، فإذا مضت هذه المدة التي هي ثلاثة أيام بلياليها تعين خلع الخف, وعلى الإنسان أن يتوضأ، ولا يجوز له أن يزيد على ثلاثة أيام بلياليها، وكما قلت لكم: الثلاثة الأيام بلياليها تبدأ إما من الحدث, أو من المسح، ولكن كونه من الحدث أحوط في الدين؛ لأن الإنسان كان على غير طهارة من حين وجد منه الحدث، فيبدأ يحسب من الحدث.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في توقيت المسح على الخفين للمسافر

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد، وهو من الثقات, الأثبات، ومن رجال الكتب الستة.[حدثنا سفيان].هو ابن عيينة ؛ لأنه هو الذي روى عنه قتيبة، لأن المزي في كتابه تهذيب الكمال ذكر من الذين روى عنهم قتيبة سفيان بن عيينة ، ولم يذكر سفيان الثوري.وسفيان بن عيينة -كما عرفنا ذلك- هو أحد الثقات, الحفاظ، وهو من رجال الكتب الستة.[عن عاصم].عاصم يأتي ذكره لأول مرة، وهو عاصم بن أبي النجود أحد القراء، إمام في القراءات، وحجة في القراءات، وهو صاحب القراءة المشهورة قراءة عاصم . وأبو النجود اسمه بهدلة، أي: عاصم بن بهدلة ، ولكن أباه مشهور بكنيته، ولهذا يغلب ذكره، فيقال: عاصم بن أبي النجود ، وأحياناً يأتي مهملاً -كما هنا- غير منسوب، وهو كوفي، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق, له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون؛ يعني: له أحاديث صحيحة، لكنه مقرون بغيره في الرواية، أي: لم يرووا عنه باستقلال، وهو يعتبر من رجال الجماعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ولكنه في الصحيحين مقرون بغيره.[ عن زر ].هو ابن حبيش بن حباشة الأسدي الكوفي ، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن صفوان ].هو صفوان بن عسال رضي الله عنه، وهو من مراد، فهو مرادي، يعني: من اليمن. وحديثه عند الترمذي, والنسائي, وابن ماجه .وقد يقول قائل: ما هو الجورب؟ أو ما الفرق بينه وبين الشراريب؟الجورب هو الشراريب، والجورب هو ما يغطي الرجلين, لكن ليس من الخفاف، وإنما من القماش؛ يعني: ما اتخذ من القماش المنسوج فهي الجوارب، ولكن بحيث تكون مغطية للبشرة، ولا يكون وجودها كعدمها؛ يعني: من حيث إنها شفافة، أو ذات خروق كالمنخل، بل تكون ساترة، ولو لم تكن سميكة جداً، المهم أنها تغطي البشرة وتسترها، فيمسح عليها كما يمسح على الخفاف.

شرح حديث صفوان بن عسال في توقيت المسح على الخفين للمسافر من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أحمد بن سليمان الرهاوي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان الثوري ومالك بن مغول وزهير وأبو بكر بن عياش وسفيان بن عيينة عن عاصم عن زر قال: (سألت صفوان بن عسال رضي الله عنه عن المسح على الخفين: فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا، ولا ننزعها ثلاثة أيام، من غائط, وبول, ونوم, إلا من جنابة)]. ثم ذكر النسائي حديث صفوان بن عسال من طريق أخرى، وفيها: أن زراً؛ أي: ابن حبيش، سأل صفوان بن عسال عن المسح على الخفين، فأخبر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وأنه أمرهم إذا كانوا مسافرين أن لا ينزعوها -أي: الخفاف- ثلاثة أيام من بول, أو غائط, أو نوم، إلا من الجنابة ) يعني: أنهم إذا حصل لهم ناقض للوضوء؛ كالبول والغائط والنوم، فإنهم يبقون الخفاف ويمسحون عليها، إلا من الجنابة، فإنه يتعين خلعهما للاغتسال، وإنما المسح عليها يكون في الحدث الأصغر، وأما في الحدث الأكبر فإنها تخلع عند اغتسال الإنسان.وفي الحديث هذا دليل على أن النوم ينقض الوضوء؛ لأنه جعله مع البول والغائط، وأن المسح يكون من الحدث، ومن الحدث الذي يحصل به نقض الوضوء: النوم؛ يعني: خروج البول والغائط وحصول النوم، كل هذه من نواقض الوضوء، وأما الجنابة فالأمر يستدعي خلع الخفاف للاغتسال.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في توقيت المسح على الخفين للمسافر من طريق أخرى

قوله:[ أخبرنا أحمد بن سليمان الرهاوي ].ابن عبد الملك، وهو أحمد بن سليمان بن عبد الملك الرهاوي ، وهو ثقة, حافظ، انفرد النسائي بالإخراج له، دون بقية أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا يحيى بن آدم ].يروي عن يحيى بن آدم ، ويحيى بن آدم هو الذي مر بنا ذكره، وهو ثقة ثبت, وخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب كتاب الخراج، وهو المؤلف الذي ذكرته لكم.[ حدثنا سفيان الثوري ومالك بن مغول وزهير وأبو بكر بن عياش ].يحيى بن آدم يروي هذا الحديث عن خمسة أشخاص، وهم: سفيان الثوري، ومالك بن مغول، وزهير بن معاوية، وأبو بكر بن عياش، وسفيان بن عيينة، وهم يروونه عن عاصم بن أبي النجود.فـسفيان الثوري سبق أن مر ذكره مراراً وتكراراً، وهو أمير المؤمنين في الحديث -كما عرفنا ذلك- وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.ومالك بن مغول هو ثقة, ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وزهير هو ابن معاوية، زهير بن معاوية بن حديج بالحاء المهملة، ابن حديج بن الرحيل بن زهير بن خيثمة أبو خيثمة الجعفي الكوفي، وكنيته أبو خيثمة ، وهو ثقة, ثبت، إلا أن سماعه من أبي إسحاق السبيعي في آخر الأمر؛ يعني: بعد الاختلاط، والحديث هنا لا علاقة لـأبي إسحاق السبيعي فيه؛ لأنه ليس من روايته عن أبي إسحاق ، وإنما هو من روايته عن عاصم بن أبي النجود ، فهو ثقة, ثبت، وهو من رجال الجماعة. ويوافقه في الكنية وفي الاسم زهير بن حرب شيخ البخاري، ومسلم.وهو أبو خيثمة زهير بن حرب ، الذي أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه حتى روى له أكثر من ألف حديث، فهما متفقان في الاسم والكنية، إلا أن ابن حرب متأخر، فهو من شيوخ الشيخين، وأما هذا فمتقدم؛ لأنه بينه وبين النسائي أحمد بن سليمان الرهاوي ، ويحيى بن آدم، فهو متقدم في طبقة متقدمة، وكل منهما كنيته أبو خيثمة، واسمه زهير. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ وأبو بكر بن عياش ].أبو بكر بن عياش حديثه عند مسلم في مقدمة الصحيح، وعند أصحاب السنن الأربعة، وهو ثقة, ساء حفظه لما كبر، والعلامة التي يرمز لها ابن حجر : م، ق؛ يعني: ميم لـمسلم ، والقاف للمقدمة.[سفيان بن عيينة].سفيان بن عيينة ، وهو أحد السفيانين، وهو ثقة, حجة, إمام، وهو من رجال الجماعة كما ذكر.وأما عاصم وزر فقد تقدما في الإسناد الذي قبل هذا، وهما عاصم بن أبي النجود بهدلة، وزر بن حبيش بن حباشة، وكل منهما أودي كوفي، وعرفنا أن عاصم حديثه في الصحيحين مقرون، وهو من رجال الجماعة، وأن زراً ثقة، وهو من رجال الجماعة.

ابوالوليد المسلم 28-03-2019 09:27 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(48)

- (باب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم) إلى (باب صفة الوضوء من غير حدث)

من يسر الشريعة أنها أباحت المسح على الخفين؛ لكي لا يلحق المسلم مشقة في نزعها، وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم المسح للمقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
التوقيت في المسح على الخفين للمقيم

شرح حديث علي في التوقيت في المسح على الخفين للمقيم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [التوقيت في المسح على الخفين للمقيم.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن عمرو بن قيس الملائي عن الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي رضي الله عنه أنه قال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ويوماً وليلة للمقيم، يعني: في المسح)].هذه الترجمة تتعلق بتوقيت المسح على الخفين في حال الإقامة، وقد سبق أن مر في الترجمتين السابقتين ترجمة مطلقة, وهي تتعلق بالمسح على الخفين وليس فيها ذكر الحضر ولا السفر إلا في بعضها، وهي تتعلق بإثبات المسح على الخفين، أما الترجمة التي قبلها -وهي الثانية- فهي تتعلق بالتوقيت في المسح في حق المسافر، وأنه يمسح ثلاثة أيام بلياليها، وهذه الترجمة تتعلق بالتوقيت في حق المقيم، وأنه يمسح يوماً وليلة، وهي أيضاً مشتملة على ما يتعلق بالمسافر، ولكن كما عرفنا من طريقة النسائي أنه يورد الحديث الذي يدل على الترجمة وإن كان مشتملاً على الدلالة على موضوع آخر أو على أمور أخرى غير ما ترجم له.وقد أورد في هذه الترجمة حديث علي رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وجعل للمقيم يوماً وليلة، يعني: في المسح)؛ أي: جعل للمسافر ثلاثة أيام ولياليها يمسح في هذه المدة، وجعل للمقيم الحاضر يوماً وليلة يمسح فيها، فهو يدل على التفريق بين الحاضر والمقيم، وأن مدة المسح بالنسبة للمقيم يوم وليلة، وبالنسبة للمسافر ثلاثة أيام بلياليها.وهذا التفريق الذي حصل بين حال المسافر وحال المقيم؛ لأن المقيم لما كان في حال الإقامة وأمره فيه سعة، جعل له يوم وليلة، أما المسافر الذي هو بحاجة إلى التخفيف وأنه يمكن أن يكون عليه الخفاف هذه المدة، فيمسح عليها ولا يحتاج إلى الخلع، فجاءت السنة بالتفريق بين الحالين: حال المسافر طولت المدة، وحال المقيم جعلت المدة على الثلث من ذلك؛ أي: يوم وليلة في حق المقيم، وثلاثة أيام بلياليها في حق المسافر.

تراجم رجال إسناد حديث علي في التوقيت في المسح على الخفين للمقيم

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم هو: الحنظلي المعروف بـابن راهويه ، وهو محدث فقيه مجتهد حافظ، وقد مر ذكره مراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه وهو: مروزي من أهل مرو.[ أخبرنا عبد الرزاق ].عبد الرزاق هو: ابن همام الصنعاني الإمام المشهور, المحدث, وهو من اليمن، ورحل إليه المحدثون في اليمن لأخذ الحديث عنه، وهو صاحب مصنف عبد الرزاق المعروف المشهور، وهو كتاب كبير مشتمل على كثير من الآثار، وهو من المظآن التي توجد فيها الآثار عن السلف، فهو كتاب كبير وصاحبه إمام مشهور، وهو الذي جاءت عن طريقه صحيفة همام بن منبه؛ لأنها من رواية عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، وهي مائة وأربعون حديثاً تقريباً، وكلها بإسناد واحد، فهو محدث مكثر من رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورحل إليه العلماء في اليمن، وأخذوا عنه حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من الثقات الذين خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة.[ أخبرنا الثوري ].الثوري هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو إمام محدث فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث -كما ذكرت ذلك من قبل- وهذه من أعلى صيغ التعديل وصيغ التوثيق، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عمرو بن قيس الملائي ].عمرو بن قيس الملائي هو كوفي، وهو ثقة متقن عابد, كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم, وأصحاب السنن الأربعة، ويقال له: الملائي نسبة إلى الملاء؛ وهي نوع من الألبسة كان يبيعها فنسب إليها, فيقال له: الملائي، ويؤثر عنه كلمة جيدة نقلها في تهذيب التهذيب، كان يقول: إذا كسد السوق إنني أرحم هؤلاء المساكين، يعني: أهل السوق الذين يبيعون ويشترون، يقول: لو أن الواحد منهم إذا كسدت الدنيا ذكر الله عز وجل لتمنى يوم القيامة أن يكون أكثر أهل الدنيا كساداً؛ لأنه نشأ على كونه يذكر الله عز وجل ويتنبه، ويستذكر الله عز وجل فيذكره ويعظمه ويثني عليه، لكان ذلك سبباً في تحصيله الخير، لكن إذا جمع بين مصيبتين: الدنيا ما حصلها، ولم يحصل على الآخرة، فما كان ذاكراً لله وما كان رابحاً الدنيا، فيكون قد خسر الدنيا والآخرة، ويقول الشاعر: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعاوأقبح الكفر والإفلاس بالرجلفهو في هذه الكلمة العظيمة يقول: إنني أرحم هؤلاء المساكين، يعني: أهل السوق الذين تكسد تجارتهم، فلا يذكرون الله عز وجل ولا يتنبهون لذلك، فلو أن الواحد منهم إذا كسدت تجارته ذكر الله لتمنى يوم القيامة أن يكون أكثر أهل الدنيا كساداً؛ لأنه نتج عن ذلك كونه يذكر الله عز وجل، ونتج عن ذلك كونه يتنبه ويذكر الله عز وجل، وأن كل شيء بيده وبمشيئته وإرادته، فهو المعطي المانع، وهو النافع الضار، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.فهذا الرجل الذي هو عمرو بن قيس الملائي الكوفي ثقة متقن عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن الحكم بن عتيبة ].هو: الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وقد تقدم ذكر هذا الرجل، وهو ثقة وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن القاسم بن مخيمرة ].القاسم بن مخيمرة كوفي أيضاً، نزل الشام, وهو ثقة، وحديثه عند البخاري تعليقاً، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة، والبخاري خرج له في الأدب المفرد، لكن جرت العادة أنه إذا خرج له في الصحيح ولو تعليقاً لا يذكرون شيئاً غير ما في الصحيح، وإلا فإنه -أي: القاسم بن مخيمرة- خرج له البخاري في الأدب المفرد، والحديث رقم خمسمائة من الأدب المفرد في إسناده القاسم بن مخيمرة. إذاً: إذا كان الرجل له رواية في الكتب الستة ولو تعليقاً عند البخاري فإنهم لا يذكرون غير الكتب الستة، ويكتفون بما في صحيح البخاري ولو تعليقاً، وإن كان عنده شيء، أو خرجوا له في خارج الكتب الستة، إلا أنهم يذكرون ما يتعلق بالأصول أولاً ولو عن طريق التعليق، فإذا ما وجد في الكتب الستة شيء فعند ذلك يذكرون ما عنده في غير الكتب الستة.[عن شريح بن هانئ].شريح بن هانئ أيضاً كوفي, وتقدم ذكره فيما مضى، وهو مخضرم وثقة، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[ عن علي ].علي بن أبي طالب هو رابع الخلفاء الراشدين، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أبو الحسنين، وهو زوج فاطمة ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عن علي وعن الصحابة أجمعين، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومناقبه كثيرة جمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد مر ذكره، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهذا الإسناد الذي هو: إسحاق بن إبراهيم يروي عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق يروي عن سفيان الثوري، وسفيان الثوري يروي عن عمرو بن قيس الملائي، وعمرو بن قيس الملائي يروي عن الحكم بن عتيبة، والحكم بن عتيبة يروي عن القاسم بن مخيمرة، والقاسم بن مخيمرة يروي عن شريح بن هانئ، وشريح بن هانئ يروي عن علي بن أبي طالب، إسناده مكون من ثمانية أشخاص، وهو من الأسانيد الطويلة عند النسائي ، وعنده ما هو أطول من ذلك. وأقصر وأعلى ما عنده من الأسانيد: الرباعيات؛ لأنه ليس له ثلاثيات، فأعلى ما عنده وأقصر ما عنده في الأسانيد الرباعيات، يعني ما بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، والذي عنده ثلاثيات البخاري، والترمذي عنده ثلاثي واحد, وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثيات, أما مسلم فعنده رباعيات، والنسائي عنده رباعيات وليس عنده ثلاثيات، وأبو داود كذلك عنده رباعيات، أما النسائي فأعلى ما عنده الرباعيات؛ أعلى وأقصر، وأقصر معناه: الرجال القليل، وأعلى معناه: أنه في علو، فالقصر من حيث قلة الرجال، والطول من حيث كثرة الرجال، فأعلى أسانيده الرباعيات، وعنده ما هو أطول من ذلك، بل عنده عشاريات -مكون من عشرة- كما سيأتي، لكن هذا الذي معنا -وهو ثمانية- من أطول ما يكون من الأسانيد؛ لأن الأعلى أربعة، وهذا ضعفه، وكانت وفاة النسائي ثلاثمائة وثلاث، فأعلى ما يكون عنده أربعة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.ومن أمثلة الأسانيد العالية ما سيأتي بعد هذا الحديث بعشرة أحاديث؛ وهو الحديث مائة وثمانية وثلاثين، فهذا مائة وثمانية وعشرين ثماني، والحديث مائة وثمانية وثلاثين رباعي، وهو من أعلى ما يكون عنده, وهو الحديث الذي يرويه عن محمد بن منصور، عن سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر عن جابر، فأربعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام.قد يقول قائل: المصنف ما الفرق بينه وبين الجوامع المصنفات؟المصنف هو مثل الجوامع، من حيث أنه مكون من كتب وأبواب، فهو على طريقتها من حيث أنه مبوب ليس مسنداً؛ يعني: أنه مبني على مسانيد الصحابة، فهو قريب منها في الطريقة، إلا أن المصنفات في الغالب يكون فيها كثرة الآثار، ولهذا مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة هي المراجع التي هي مظنة الآثار عن الصحابة ومن بعدهم.

شرح حديث علي في التوقيت في المسح على الخفين للمقيم من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: ائت علياً فإنه أعلم بذلك مني، فأتيت علياً فسألته عن المسح فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يمسح المقيم يوماً وليلة, والمسافر ثلاثاً)].هنا أورد النسائي أيضاً حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أن شريح بن هانئ سأل عائشة فدلته على علي، فسأل علياً فأخبره ( بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا إذا كنا في سفر ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليها، وفي حال الإقامة يوماً وليلة ).وقوله: (يأمرنا) معناه: يرشدهم؛ لأن هذا الأمر ليس أمر إيجاب؛ فلا يجب عليه لأن هذه رخصة، يعني: من لبس فله أن يمسح، ومن لم يلبس فعليه أن يغسل، فهذا الأمر ليس المقصود به الإيجاب، وإنما المقصود به الإرشاد وبيان الحكم والترخيص لهم هذه المدة, وإذا أرادوا أن يخلعوا قبل ذلك فلهم أن يخلعوا؛ لأنه لا يتعين عليهم، لكن من استمر على اللبس لا يجوز أن يمسح فوق ثلاثة أيام ولياليها، ولا يجوز له أن يبقيها عليه أكثر من ذلك، فإذا انتهت المدة يجب عليه أن يخلع وأن يتوضأ إذا مضت المدة المحددة -وهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوم وليلة في حق المقيم- ولو صلى ماسحاً بعد يوم وليلة في حق المقيم وثلاثة أيام بلياليها في حق المسافر فإن عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة التي صلاها بعد تلك المدة؛ لأنه لم يرخص في المسح إلا مدة معلومة، فلا يجوز تجاوزها وتعديها والمسح فيما وراءها.

تراجم رجال إسناد حديث علي في التوقيت في المسح على الخفين للمقيم من طريق أخرى

قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].هناد بن السري هو كوفي، وكنيته أبو السري ، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، وعند مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[ عن أبي معاوية ].أبو معاوية أيضاً مر ذكره، وهي كنية اشتهر بها محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي، وهو: محمد بن خازم أبو معاوية الضرير ، وهو ثقة، وهو أحفظ أصحاب الأعمش لحديث الأعمش، وهو من رجال الكتب الستة، ويأتي بكنيته كثيراً، ويأتي باسمه أحياناً.[ عن الحكم ].الحكم بن عتيبة مر ذكره، وهو كندي كوفي من رجال الكتب الستة.[ عن القاسم بن مخيمرة ].القاسم بن مخيمرة هو الذي مر في الحديث الذي قبل هذا، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري تعليقاً، وعند مسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[ عن شريح بن هانئ ].شريح بن هانئ أيضاً مر، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[سألت عائشة].عائشة هنا ليست من رواة الحديث، يعني: لا تعتبر من الرواة؛ لأنها واسطة دلت عندما سألها، فقالت: ائت علياً فإنه أعلم مني، فالإسناد سباعي لا ثماني، فالحديث من رواية شريح عن علي ، وليس من رواية شريح عن عائشة عن علي ؛ لأن عائشة ما روت الحديث عن علي وأعطته لـشريح بن هانئ ، فالحديث سباعي ليس كالذي قبله ثماني، وذكر عائشة، جاء للدلالة.إذاً: فالحديث من رواية شريح عن علي ، وليس من رواية شريح عن عائشة عن علي ؛ لأن عائشة ليست راوية في هذا الحديث، ولكنها دالة لـشريح على من عنده علم في هذا الحديث.وفي دلالة عائشة لـشريح على علي وإحالتها إياه إليه، دلالة على أن من سئل عليه أن يرشد من سأله إلى من عنده علم في المسألة؛ لأن عائشة رضي الله عنها أحالته على علي وأرشدته إلى علي ، وإنما أرشدته إلى علي رضي الله عنه؛ إما لكونها تعلم أن عنده علم في ذلك، أو لكونه كان يسافر مع النبي عليه الصلاة والسلام فيكون مشاهداً لأحواله في سفره، وأن الحاجة تدعو إلى ذلك، أو أن استعمال الخفاف يكون أكثر في حال السفر وإن كان يوجد في حال الإقامة كما هو معلوم، وحكمه معروف، إلا أنها أرشدته إلى علي لملازمته للرسول صلى الله عليه وسلم في السفر، ولكونه قد يكون عندها علم بأن عنده علم في ذلك فأرشدته إليه، فدل هذا على أن من سئل فإنه يرشد غيره إلى من يكون عنده علم بما سأل عنه ذلك السائل، وهو من الإعانة على الخير والدلالة على الخير، ومن التعاون على البر والتقوى.وفيه أيضاً معرفة عائشة رضي الله عنها لفضل علي وعلمه، ودلالتها عليه يدل على ذلك رضي الله تعالى عن الجميع؛ فإن كونها ترشد إلى علي وتدل عليه، ففي هذا اعتراف بعلمه وبفضله ونبله رضي الله تعالى عن الجميع.ثم هذا الإسناد كله كوفيون؛ لأن عائشة -كما هو معلوم- ليست من الرواة في الإسناد، لكن السبعة الذين هم رواة الإسناد كلهم كوفيون؛ لأن هناد بن السري كوفي، وأبو معاوية كوفي، والأعمش كوفي، والحكم بن عتيبة كوفي، والقاسم بن مخيمرة كوفي، وشريح بن هانئ كوفي، وعلي كوفي؛ لأنه انتقل من المدينة إلى الكوفة ومات بها رضي الله عنه، فهؤلاء السبعة كلهم كوفيون، فهو مسلسل بالرواة الكوفيين، من هناد بن السري إلى علي رضي الله تعالى عنه، كلهم من أهل الكوفة، وعلي كان في المدينة وانتقل إليها في زمن خلافته، فبعدما بويع ذهب إليها واستقر هناك ومات بها رضي الله تعالى عنه وأرضاه.إذاً: السبعة كلهم كوفيون: هناد, وأبو معاوية, والأعمش, والحكم, والقاسم بن مخيمرة, وشريح بن هانئ, وعلي.
صفة الوضوء من غير حدث

شرح حديث علي في صفة الوضوء من غير حدث

قال المصنف رحمه الله تعالى: [صفة الوضوء من غير حدث.أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت النزال بن سبرة قال: (رأيت علياً رضي الله عنه صلى الظهر ثم قعد لحوائج الناس، فلما حضرت العصر أتي بتور من ماء، فأخذ منه كفاً فمسح به وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه، ثم أخذ فضله فشرب قائماً، وقال: إن ناساً يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: صفة الوضوء من غير حدث؛ الذي هو تجديد الوضوء؛ يعني: كون الإنسان على طهارة ولكنه يتطهر مرة أخرى يسمى تجديد الوضوء، ويقال له: الوضوء من غير الحدث، فهو وضوء على وضوء، من غير أن يكون الدافع على الوضوء الحدث، وإنما الدافع عليه تجديد الوضوء.وأورد فيه النسائي حديث علي رضي الله تعالى عنه: أنه صلى بالناس الظهر ثم جلس لحوائج الناس، يعني: يراجع الناس في حوائجهم؛ لأنه إمام المسلمين وأمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فكان يجلس للناس بعد الظهر إلى العصر يراجعونه في حاجاتهم، فلما جاء العصر أتي بتور من ماء -التور: وعاء فيه ماء- فأخذ منه كفاً ومسح وجهه به، ثم مسح يديه ورأسه ورجليه.والمقصود أنه أخذ كفاً فمسح وجهه؛ يعني: غسلها، والمسح يطلق على الغسل الخفيف الذي هو دون الغسل فيقال له أيضاً: مسح، فهنا المراد بذلك الغسل الخفيف، فقوله: (مسح وجهه) يعني: غسل وجهه غسلاً خفيفاً بكف واحدة.ثم قال: (وذراعيه ورأسه ورجليه) يعني: أنه مثل ذلك، وليس المقصود أنها كف واحدة مسح بها وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح رأسه ومسح رجليه كلها، فإن هذا لا يتأتى من كف واحدة أو من غرفة واحدة يغرفها بيده؛ فلا يمكن أن يحصل ذلك، وإنما المقصود أنه أخذ كفاً واحدة ومسح بها وجهه؛ أي: غسله غسلاً خفيفاً، ثم مثلها في يديه وكذلك لما وراء ذلك.والمقصود من ذلك: أنه مرة مرة ولكنه غسل خفيف، وأطلق عليه مسح مع استيعاب العضو؛ لأن هذا لا يقال له غسل، ولا يقال له وضوء إلا مع الاستيعاب.فإذاً: الكف الواحدة ليست لأعضاء الوضوء كلها، وإنما هي للوجه، والمراد بالمسح هو الغسل الخفيف، ولهذا قالوا في قوله سبحانه وتعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] في قراءة الجر أن المقصود به الغسل الخفيف؛ يعني: أن المسح في حقها، إذا عطفت على الرءوس، المقصود من ذلك: الغسل الخفيف، الذي هو ليس المسح الذي مثل مسح الرأس، فيصيب ما يصيب ويترك ما يترك، وإنما هو مسح بمعنى الغسل الخفيف الذي يستوعب فيه العضو إلى الكعبين.فالمسح يطلق ويراد به الغسل الخفيف, وهذا منه؛ ولهذا سماه وضوءاً، ومن المعلوم أن الوضوء إنما هو الغسل، ولكنه غسل خفيف أطلق عليه مسح؛ لأنه غسل خفيف، والكف هي التي أخذها وغسل بها وجهه، ثم ذراعيه ورأسه ورجليه ومثل ذلك.وقوله: (منه) يعني: من الماء الذي في التور، وليس من هذه الكف الواحدة يغسل بها وجهه ويديه ويمسح رأسه ورجليه، فإن هذا لا يتيسر ولا يتأتى أن يتم ذلك وأن يحصل ذلك بالنسبة لجميع أعضاء الوضوء. هذا هو معنى هذا الحديث، يعني: أنه غسل غسلاً خفيفاً أطلق عليه مسح، والغسل الخفيف يطلق عليه أنه مسح، وهنا من هذا القبيل، يعني: هذا الذي معنا ذكر المسح، يعني: معناه أنه كف واحدة يغسل بها وجهه، وكف يغسل بها يديه، ثم كذلك يمسح رأسه ورجليه، وليس المقصود أنه من كف واحدة فعل بها هذا كله؛ لأنه سبق أن عرفنا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد, ويغتسل بالصاع ). قال: (ثم أخذ فضله فشرب قائماً، وقال: إن ناساً يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث).قوله: (ثم أخذ فضله) يعني: فضل هذا الماء الذي في التور، يعني: بعدما توضأ منه وضوءاً خفيفاً قام قائماً وشرب فضله؛ يعني: الباقي، وقال: (إن ناساً يكرهون هذا), فأردت أن أبين ما فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه شرب وهو قائم، فأراد أن يبين أن ذلك جائز وأنه سائغ، وقد سبق أن مر ذلك فيما مضى في حديث علي، وكونه توضأ وشرب فضل وضوئه، وقال: إنه فعل كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام.وقد جاءت أحاديث في النهي عن الشرب قائماً، وأحاديث في جواز الشرب قائماً، والجمع بينها بأن الأولى والأفضل أن يكون الشرب عن جلوس، ويجوز الشرب قائماً، وما جاء من النهي عن الشرب قائماً فإنه يكون للتنزيه، وأنه خلاف الأولى، وأن الأولى هو أن يكون الإنسان جالساً، ولو قام وشرب قائماً فإنه لا بأس بذلك.ثم قال: (وهذا وضوء) يعني: الفعل الذي فعله، من كونه غسل غسلاً خفيفاً، (وضوء من لم يحدث) الذي هو تجديد الوضوء، ومن المعلوم أنه أيضاً يجوز للإنسان أن يتوضأ إذا جدد الوضوء, ولا يلزم أن يكون بهذه الطريقة، لكن إذا توضأ بهذه الطريقة فقد جاءت السنة بذلك، لكن كونه لا يجوز للإنسان أن يغسل العضو مرتين أو ثلاث وإن كان تجديداً فليس هناك ما يمنعه، لكن الحديث الذي معنا دل على أن الإنسان له أن يجدد الوضوء، وأنه يمكن أن يكون ذلك بمرة واحدة.
الأسئلة

كيفية المسح على الجوربين والنعلين
السؤال: ما هي كيفية المسح على الجوربين والنعلين؟ وهل نمسح على النعلين على حدة وعلى الجوربين على حدة؟الجواب: إن النعلين لا يمسح عليهما على حدة، وإنما المسح على الجوربين على حدة، ويمسح عليهما إذا كانا في نعلين على حدة؛ لأنهما مثل الخفين ساتران للمفروض، فلا فرق بينه مع الخفين إلا أن الخف من الجلد، وهذا من الصوف أو من القطن أو من القماش، فكل منهما ساتر، فيمسح على الجوارب مستقلة، ويمسح عليها إذا كانت أيضاً مع نعلين، ولا يمسح على النعلين مستقلين.ولا يمسح النعلان, ممكن أن ينزعها، وممكن أن يمسح عليهما.

ابوالوليد المسلم 28-03-2019 09:28 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(49)


- باب الوضوء لكل صلاة
إن غالب الأحوال على النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ لكل صلاة، ولكن قد ورد عنه أنه صلى الخمس الصلوات بوضوء واحد، وعليه يكون ذلك بياناً للجواز، ولا يجب الوضوء لكل صلاة إلا في حق المحدث.
الوضوء لكل صلاة

شرح حديث أنس في الوضوء لكل صلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء لكل صلاة.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن عمرو بن عامر عن أنس رضي الله عنه أنه ذكر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بإناء صغير فتوضأ، قلت: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم. قال: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات ما لم نحدث، قال: وقد كنا نصلي الصلوات بوضوء)].يقول النسائي رحمه الله: باب: الوضوء لكل صلاة. هذه الترجمة المراد منها كما هو ظاهر: أن كل صلاة يتوضأ لها، ولكن هذا فيما إذا كان الإنسان محدثاً، فهذا متعين، وإذا لم يكن محدثاً, فإنه يتوضأ استحباباً تجديداً للوضوء، وإن لم يتوضأ لكونه على وضوء، فإن ذلك يكون كافياً، وقد جاء فعل ذلك -في بعض الأحيان- عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاء عن الصحابة, كما دلت عليه الأحاديث التي أوردها النسائي تحت هذه الترجمة.وأول هذه الأحاديث التي أوردها النسائي تحت هذه الترجمة: حديث أنس بن مالك : (أنه ذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بإناء صغير فتوضأ منه، فقيل لـأنس : أكان يتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم. قال: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات ما لم نحدث)، ثم بين ذلك بقوله: (وكنا نصلي الصلوات بوضوء)، يعني: أنهم يجمعون بين الصلوات المتعددة بوضوء واحد.فحديث أنس هذا بين فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، وهذا الذي قاله أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مبني على غالب أحواله عليه الصلاة والسلام، والأحوال قليلة جداً عنه أنه كان يصلي الصلوات المتعددة بوضوء واحد.وقد جاء عنه كما في الحديث الذي سيأتي، أنه عام الفتح صلى الصلوات الخمس بوضوء، وكذلك أيضاً جاء عنه أنه في خيبر صلى الظهر والعصر بوضوء واحد، فيكون ما ذكره أنس مبنياً على غالب أحواله، والغالب من فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوضأ لكل صلاة.قال له: فأنتم؟ يعني: ماذا كنتم تصنعون؟ قال: (كنا نصلي ما لم نحدث)، يعني: نصلي الصلوات ما لم نحدث، فإذا وجد الإحداث, فإنه من الأمر الواضح أن الوضوء متعين، ولكن إذا لم يحصل إحداث، فإنهم يجمعون بين صلوات متعددة في وضوء واحد، ثم زاد ذلك وضوحاً في قوله: (وكنا نصلي الصلوات بوضوء)، وهذا يؤيد ويؤكد ما دل عليه كلامه السابق من قوله: (كنا نصلي ما لم نحدث). أي: كنا نصلي الصلوات المتعددة ما لم نحدث، فإذا حصل الإحداث فإن الأمر واضح بأنه لا بد من الوضوء.إذاً: فالحديث يدلنا على أن الوضوء لكل صلاة هو الأولى والأفضل، وأن الجمع بين صلوات متعددة بوضوء واحد سائغ وجائز، وأنه قد جاء عن الصحابة، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض أحواله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث أنس في الوضوء لكل صلاة

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى هذا قد مر ذكره فيما مضى، وهو الصنعاني، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم, وأبو داود في القدر, والترمذي, والنسائي, وابن ماجه .[ حدثنا خالد ].وخالد هو: ابن الحارث ، وهو ثقة وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ حدثنا شعبة ].وشعبة هو: ابن الحجاج ، أمير المؤمنين في الحديث كما وصفه بذلك بعض المحدثين، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عمرو بن عامر ].وهو: عمرو بن عامر الأنصاري الكوفي، وذكره يأتي لأول مرة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].وأنس بن مالك هو خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، وهو أحد المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكثر الله ماله وولده، وكذلك دعا له بطول العمر، وقد عاش رضي الله عنه مدة طويلة؛ حيث كان من أواخر الصحابة موتاً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا ابن علية حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب إليه طعام فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)]. أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء, فقرب إليه طعام، فقالوا له: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)، ووجه إيراد الحديث في (الوضوء لكل صلاة) في الجملة الأخيرة منه، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)، فهذا يشعر بوضوئه عند كل صلاة، وأنه مأمور بالوضوء إذا قام إلى الصلاة عليه الصلاة والسلام، وهو دال على ما ترجم له المصنف.وابن عباس يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء)، يعني: قضى حاجته وقرب له طعام، (فقيل له: ألا نأتيك بوضوء؟)، يعني: لما خرج من الخلاء، عرضوا عليه أن يأتوه بوضوء يتوضأ منه، فقال: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)، فدلنا هذا على أنه لا يتعين على الإنسان إذا قضى حاجته أن يتوضأ، وأن يكون على وضوء، وإن كان الإنسان على وضوء، فهذا شيء طيب وشيء حسن، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه إنما أمر بالوضوء إذا قام إلى الصلاة، فدل هذا على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ لكل صلاة، وأنه لا يتعين الوضوء إذا قضى الإنسان حاجته، بل يمكن أن يكون الإنسان على غير وضوء، وإن كان ينبغي والأولى للإنسان أن يكون على وضوء من أجل ما قد يحتاج إليه من صلاة وقراءة القرآن من المصحف، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يشرع لها الوضوء, ولكنه لا يتعين، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)، وهذا الحصر في قوله: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)، ليس حصراً حقيقياً بمعنى: أنه لا يكون الوضوء إلا للصلاة؛ لأن هناك أموراً يتوضأ لها غير الصلاة، مثل قراءة القرآن من المصحف، فإن هذا مما يتوضأ له، ويحتاج الأمر فيه إلى الوضوء, ومثل الطواف، ولكن يستحب فيه ركعتان.إذاً: فالحصر إضافي أو نسبي؛ لأن الحصر الذي يخرج منه أشياء يقال له: حصر إضافي أو نسبي، وأما الحصر الذي لا يخرج منه شيء، فهذا يقال له: حصر حقيقي، بمعنى: ليس فيه أفراد تستثنى منه، ولا يخرج عن هذا الحصر شيء.وكلمة (الوضوء) جاءت مرتين بفتح الواو وبضمها، أما بفتح الواو التي هي الأولى فالمراد بها: الماء الذي يتوضأ به. وأما الثانية التي بالضم فالمراد به: الفعل، الذي هو كون الإنسان يأخذ الماء ويغسل وجهه ثم يغسل يديه، فهذا الفعل يقال له: وضوء، وأما الماء الذي أعد للوضوء، والذي يتوضأ منه يقال له: وَضوء، وهذا قد نبهت عليه فيما مضى، وذكرت أن له نظائر عديدة، بالفتح اسم للشيء الذي يستعمل، وبالضم اسم للاستعمال.فالوُ� �وء والوَضوء، والطُهور والطَهور، والسُحور والسَحور، والوُجور والوَجور، واللُدود واللَدود، وألفاظ كلها على هذا المنوال وعلى هذا القياس، بالفتح اسم للشيء الذي يستعمل، وبالضم اسم للاستعمال الذي هو الفعل.

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)

قوله: [ أخبرنا زياد بن أيوب ].هو: أبو هاشم البغدادي ، وهو ثقة, حافظ، ويلقب بـدلويه ، وكان أحمد يلقبه بشعبة الصغير، يعني: لحفظه وإتقانه، وكانت وفاته بعد الإمام أحمد بإحدى عشرة سنة، لأن الإمام أحمد توفي سنة مائتين وإحدى وأربعين، وهو توفي سنة مائتين واثنتين وخمسين، روى عنه الإمام أحمد , وخرج حديثه البخاري , وأبو داود , والترمذي , والنسائي .[ حدثنا ابن علية ].وابن علية هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة, حافظ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وله ابن منحرف اسمه إبراهيم بن إسماعيل ، وهو الذي يأتي ذكره في مسائل الفقه، يعني: في مسائل الشذوذ، فإذا قيل في مسائل الفقه؛ في مسألة غريبة أو فيها شذوذ: ابن علية ، فالمراد به ابنه الذي هو من أهل البدع، والذي لما ذكره الذهبي قال عنه: جهمي هالك.وقد ذكر ابن رشد وغيره في بداية المجتهد عند ذكر الإجارة أن العلماء اتفقوا عليها، قال: وخالف فيها ابن علية والأصم.فـ ابن علية الذي خالف فيها هو إبراهيم هذا الجهمي المنحرف المبتدع؛ لأنه يقول: الإجارة لا تجوز، كيف هذا؟! هذا من الشذوذ، فهل يستطيع الإنسان أن يعمل كل شيء بنفسه؟ أيكون حداداً، ونجاراً، وكهربائياً؟ أيكون كل شيء يعمله؟ يعني: ما دام أنه لا يجوز الاستئجار فهو بين أمرين: إما أن الناس يتصدقون عليه، أو أنه يكون عارفاً بجميع الحرف؟ وأما الأصم فإنه إذا ذكر في المسائل التي فيها شذوذ يراد به ابن كيسان الذي هو من المبتدعة، وليس الأصم المشهور الذي هو شيخ الحاكم ؛ لأن الحاكم له شيخ أكثر عنه وهو أبو العباس الأصم ، فإذا قيل: الأصم في مسائل شاذة في الفقه، فالمراد به هو ابن كيسان هذا المبتدع.ومن المسائل التي خالف فيها ابن كيسان: الشفعة، فإنه يقول: إن الشفعة لا تجوز، وقد قال فيه بعض العلماء: وخالف فيها الأصم ؛ لأنه كان عن فهمها أصم.[ حدثنا أيوب ].وهو: ابن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة, حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن أبي مليكة ].و ابن أبي مليكة هو: عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة زهير التيمي الكوفي ، فـأبو مليكة هو جد أبيه، ولكنه اشتهر بالنسبة إلى جد أبيه، فيقال له: ابن أبي مليكة ؛ لأنه هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة زهير. و أبو مليكة اسمه زهير.وهذا يشبه ابن شهاب ؛ لأن ابن شهاب منسوب إلى جد من أجداده، فهذا من جنسه؛ منسوب إلى جد من أجداده؛ وهو جد أبيه، واشتهر بالنسبة إليه.و ابن أبي مليكة ثقة, فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ].و ابن عباس رضي الله تعالى عنه هو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة الذين مر ذكرهم مراراً، وأنهم معروفون بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثهم زاد على ألف حديث، والذين نظمهم السيوطي في بيتين من ألفيته في المصطلح حيث قال:والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيوالبحر هو ابن عباس ، يقال له: البحر، ويقال له: الحبر.

شرح حديث بريدة في صلاة النبي يوم الفتح كل الصلوات بوضوء واحد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر : فعلت شيئاً لم تكن تفعله! قال: عمداً فعلته يا عمر )]. أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة)، وهذا مطابق للترجمة؛ وهي الوضوء لكل صلاة.وحديث بريدة يقول: (إنه كان يتوضأ لكل صلاة)، وهذا مبني على الغالب من فعله، وإلا فقد ورد من فعله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد.فإذاً: كونه يتوضأ لكل صلاة، فهذا الغالب على فعله وعلى أحواله عليه الصلاة والسلام، ولكنه في عام الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فكان هذا مخالفاً لما هو معروف عنه، فقال له عمر : رأيتك عملت شيئاً لم تكن تفعله، يعني: كأنه ظن أنه قد نسي، فقال عليه الصلاة والسلام: (عمداً فعلت)، يعني: ليبين أن ذلك جائز، وأن ذلك سائغ، وأن الإنسان يمكن أن يصلي صلوات عديدة، بل يمكن أن يصلي الصلوات الخمس بوضوء واحد، فإذا حصل هذا فهو سائغ وجائز، وقد فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه في بعض أحواله، فدل على الجواز، وإن كان غيره أولى منه؛ لأن هذا هو الغالب على فعله.

تراجم رجال إسناد حديث بريدة في صلاة النبي يوم الفتح كل الصلوات بوضوء واحد

قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ].عبيد الله بن سعيد هو: اليشكري السرخسي نزيل نيسابور، وهو ثقة, مأمون, سني، كما قال الحافظ ابن حجر: ثقة, مأمون, سني. وحديثه رواه البخاري, ومسلم, والنسائي.[ حدثنا يحيى ].وهو: ابن سعيد القطان ، أحد الثقات الأثبات، وأحد أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ].وسفيان هنا غير منسوب، فيحتمل أنه سفيان الثوري , أوسفيان بن عيينة ، ولكن هنا هو سفيان الثوري ؛ لأن الذي روى عن علقمة بن مرثد هو سفيان الثوري .إذاً: فسفيان هذا الذي هو غير منسوب هو سفيان الثوري ؛ لأن سفيان بن عيينة لم يذكر المزي في ترجمته أنه روى عن علقمة بن مرثد. وسفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق ، وهو ثقة, حافظ, حجة، بل إن بعض العلماء وصفه بأنه أمير المؤمنين في الحديث.[ عن علقمة بن مرثد ].و علقمة بن مرثد هو: الحضرمي الكوفي ، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن ابن بريدة ].وابنا بريدة اثنان، أحدهما: سليمان، والثاني: عبد الله، وسليمان وعبد الله ولدا توأمين، وقد رويا عن أبيهما، ولكن هنا غير منسوب ابن بريدة، يعني: لا قيل: هو عبد الله, ولا قيل: هو سليمان، ولكن جاء في بعض الطرق عند الأئمة الذين خرجوا هذا الحديث, ومنهم: مسلم سماه, سليمان بن بريدة ؛ لأن نفس الحديث هذا رواه مسلم , ورواه غيره، وسموا ابن بريدة سليمان .إذاً: فهنا غير مسمى عند رواية النسائي ، ولكنه في صحيح مسلم منسوب، قال: حدثنا سليمان بن بريدة عن أبيه. فإذاً: تعين أنه سليمان، وليس عبد الله. وقد ذكرت لكم فيما مضى: أن الشخص إذا كان غير مسمى، وأنه يحتمل عدة أشخاص؛ فإن من أقرب الطرق وأيسر الطرق للوصول إلى معرفته: أن ينظر في طرق الحديث إذا كان رواه جماعة.وسليمان بن بريدة الأسلمي ثقة، خرج حديثه مسلم, وأبو داود, والترمذي, والنسائي، وابن ماجه ولم يخرج له البخاري ، وفي نسخة التقريب الطبعة المصرية لم يذكر مسلم ممن خرج له، مع أنه ممن خرج له، بل هذا الحديث نفسه خرجه مسلم في صحيحه, من رواية سليمان بن بريدة عن أبيه.[عن أبيه].هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وبريدة بن الحصيب الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، له مائة وأربعة وستون حديثاً، اتفق البخاري , ومسلم منها على حديث، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بأحد عشر حديثاً.

ابوالوليد المسلم 28-03-2019 09:28 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(50)

- باب النضح
من هدي النبي عليه الصلاة والسلام عند الوضوء النضح بالماء على الفرج سواء مع الاستجمار أو بدونه طرداً للوسوسة.
النضح

شرح حديث سفيان الثقفي في نضح الفرج بالماء عند الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النضح.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن الحكم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال بها هكذا، ووصف شعبة نضح به فرجه، فذكرته لـإبراهيم فأعجبه).قال الشيخ ابن السني : الحكم هو ابن سفيان الثقفي رضي الله عنه].يقول النسائي رحمه الله: باب النضح. هذه الترجمة وهي قوله: (باب النضح) أتى بها مطلقة، والنضح يأتي ويراد به الرش، ويأتي ويراد به الغسل، وهنا يحتمل شيئين: أحدهما: أن يكون المراد به الاستنجاء، وهذا يكون قبل الوضوء. والثاني: أن يكون مراداً به الرش بعد الوضوء، بأن يرش فرجه بالماء؛ حتى لا يحصل شيء من التفكير والوسواس فيما إذا كان هناك بلل فيشوش ذلك عليه. ولعل النسائي أتى بهذه الترجمة مطلقة لاحتمال الحديث الذي ورد فيها من طريقين للمعنيين: أن يكون المراد به الاستنجاء -وهو قبل الوضوء- أو أن يكون المراد به الرش، وهو يكون بعد الوضوء؛ فلكونها محتملة لهذا ولهذا أطلق النسائي الترجمة.ومن العلماء من يقيدها؛ فيقول: بعد الوضوء، ويكون على هذا يراد به الرش بعد الوضوء الذي يكون المقصود به: إبعاد أن يكون هناك تفكير ووسوسة فيما يتعلق بكون شيء خرج من الذكر من بول، أو ما ينتقض به الوضوء، فقد يكون هناك وسواس، فيكون هذا العمل مما يذهب هذا الاحتمال.والنسا� �ي رحمه الله أورد حديث الحكم بن سفيان عن أبيه، وهنا قال: الحكم عن أبيه، والحديث جاء بألفاظ كثيرة عن مجاهد : فمرة عن الحكم بن سفيان عن أبيه، ومرة عن سفيان بن الحكم، ومرة عن الحكم بن سفيان وما قال عن أبيه، وبألفاظ متعددة مما يعد اضطراباً، وهذا الاضطراب الكثير الذي جاء عن مجاهد في الذي روى عنه وتسميته في كونه أحياناً يقول: الحكم عن أبيه، ومرة يقول: الحكم بن سفيان ، ومرة يقول: سفيان بن الحكم ، ومرة يقول: عن الحكم عن رجل من ثقيف؛ مما يؤثر على صحة الحديث بسبب الاضطراب الذي حصل فيه، وعدم ترجح شيء على شيء، ولهذا ضعفه بعض العلماء، ومنهم من قوَّاه بالشواهد التي جاءت عن بعض الصحابة في معناه، ولم يحكم أهل الحديث بالصحة، بل اعتبر إسناده ضعيفاً، لكنه ثبت عنده بشواهده.وهذا هو الذي ذكره الألباني في تعليقه على المشكاة؛ فإنه قال: الإسناد ضعيف بسبب الاضطراب، لكنه لشواهده المتعددة يثبت أو يحتج به؛ ليس للإسناد هذا الذي حصل فيه اضطراب من مجاهد ، وإنما للشواهد المتعددة التي جاءت في معنى الحديث.والطريق الأولى من الطريقين للحديث يقول النسائي : عن الحكم عن أبيه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال به هكذا)، يعني: وأشار شعبة إلى أنه رش بين فخذيه، يعني: أشار إشارة إلى إرسال الماء بين رجليه، يعني: على فرجه، وبهذا يشير إلى الكيفية التي وقعت.قوله: (إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال به هكذا)، يحتمل أنه يراد بالنضح الاستنجاء، فيكون معناه: إذا أراد أن يتوضأ، وعلى هذا يكون النضح قبل الوضوء.ومن المعلوم أنه يأتي مثل هذا التعبير ويراد به إرادته، مثل: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، يعني: إذا أردتم القيام، وكذلك: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98]، يعني: إذا أردت قراءة القرآن، فالمقصود من ذلك أنه يكون قبله. وهذا الاحتمال الأول.والاحتمال الثاني في قوله: (إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال بها هكذا) يعني: بعد الوضوء، فيكون المراد به الرش الذي يكون بعد الوضوء، فالحديث محتمل للاستنجاء، وأن يكون المراد به إذا أراد، ويكون الاستنجاء بعد الاستجمار؛ لأنه كما هو معلوم الاستجمار يكفي، لكن قد يحصل أن ما يخرج من البول قد يتجاوز محل العادة، فيحتاج إلى غسل، أما إذا كان في محل الخروج وما تجاوز فيكفي الاستجمار، فيمكن أن يكون أراد أن يتوضأ بمعنى أنه يستنجي مع الاستجمار، يعني: بعد أن كان قد استجمر، وكون الاستجمار يكفي, لكن بشرط ألّا يكون البول تجاوز موضع الخروج، فإن تجاوز موضع الخروج فلا بد من الغسل من أجل إزالة هذا الذي يصيب الجسد.وقوله: (فذكرته لـإبراهيم فأعجبه)، لا أدري من هو إبراهيم هذا؟ وإذا كان الذي ذكره شعبة فالذي يبدو أنه غير إبراهيم النخعي؛ لأن شعبة توفي سنة ستين ومائة، وإبراهيم النخعي سنة خمس وتسعين من الهجرة، يعني: بين وفاتيهما خمس وستون سنة، وشعبة متأخر عن إبراهيم النخعي بخمس وستين سنة، فلا أدري هل ما نذكر قضية شعبة, وهل هو معمَّر؟ وأنه يمكن أن يحدث به إبراهيم؟ لكن ما ذكروا روايته عن إبراهيم، وإنما ذكروا أن شعبة روى عن عدد ممن يقال لهم إبراهيم, وليس فيهم إبراهيم النخعي، فلا أدري من هو إبراهيم هذا؟ ولا أدري هل الذي ذكر له هو شعبة أو غيره؟ وقوله: (وأنه أعجبه) يعني: الذي ذكره له.ثم قال: (قال الشيخ ابن السني، وابن السني هو راوي كتاب سنن النسائي عن النسائي ، بل سبق أن ذكرت فيما مضى: أن من العلماء من قال: إنه هو الذي اختصر المجتبى من السنن الكبرى، والقول الآخر وهو الأظهر أن الذي اختصره هو النسائي وليس ابن السني ، لكن ابن السني هو راوي الكتاب عن النسائي، فيحتمل أن يكون قال ابن السني, ويكون هذا تفسيراً منه أو إيضاحاً لهذا الاسم المبهم, وهو قوله: الحكم هو ابن سفيان الثقفي. وفي بعض النسخ قال ابن السني : قال أبو عبد الرحمن ، فعلى هذا يكون الكلام لـأبي عبد الرحمن النسائي، وقد مر بنا كثيراً أن النسائي يعلق على بعض الأحاديث، ويأتي ذكره بأن يقول: قال أبو عبد الرحمن، وسواء الذي قال أبو عبد الرحمن هو النسائي أو قالها من دون النسائي, بحيث يقول: قال أبو عبد الرحمن ، فيحتمل أن يكون النسائي هو الذي قال عن نفسه أبو عبد الرحمن ، ويحتمل أن يكون من دون النسائي هو الذي قال: قال أبو عبد الرحمن ، يعني: النسائي ، فهنا قال ابن السني ، وفي بعض النسخ: قال ابن السني: قال أبو عبد الرحمن: هو ابن سفيان الثقفي رضي الله عنه، يعني كلمة: (هو) توضيح للحكم, وأنه ابن سفيان .و الحكم بن سفيان ذكرت لكم أنه قيل: إن له صحبة، وقلت لكم: إنه جاء بألفاظ كثيرة فيها اضطراب: الحكم بن سفيان عن أبيه، سفيان بن الحكم، الحكم عن أبيه، الحكم عن رجل من ثقيف، فورود ألفاظ متعددة في الإسناد تعد اضطراباً يدل على ضعف الإسناد، لكن -كما قلت لكم- الشيخ الألباني قال: إنه يتقوى بالشواهد التي جاءت عن بعض الصحابة في معناه.

تراجم رجال إسناد حديث سفيان الثقفي في نضح الفرج بالماء عند الوضوء

قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].هو: الجحدري ، وهو ثقة روى له النسائي وحده، فهو من رجال النسائي وحده. [ حدثنا خالد بن الحارث ].خالد بن الحارث ثقة, وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن شعبة ].هو: ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وهذا الوصف هو في القمة، والذي هو من أرفع صيغ التعديل, وأعلى صيغ التعديل, وهو أن يقال عنه: أمير المؤمنين في الحديث، فهو أحد الثقات المتقنين، وهو من العارفين بالجرح والتعديل، وكلامه في التوثيق والتعديل والتجريح كثير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن منصور ].هو: ابن المعتمر ، وهو ثقة, من رجال الجماعة. [ عن مجاهد ].هو: ابن جبر المكي، وهو ثقة, إمام في التفسير والعلم، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ عن الحكم عن أبيه ].الحكم هذا هو الذي حصل الاضطراب من مجاهد في تعيينه؛ مرة يقول: الحكم بن سفيان ، ومرة يقول: سفيان بن الحكم ، ومرة يقول: الحكم عن أبيه، ومرة يقول: الحكم عن رجل من ثقيف، على أقوال تبلغ قريباً من عشرة أقوال, أو عشر صيغ، وهي تدل على الاضطراب.

شرح حديث الحكم بن سفيان: (رأيت رسول الله توضأ ونضح فرجه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا العباس بن محمد الدوري حدثنا الأحوص بن جواب حدثنا عمار بن رزيق عن منصور ح وأخبرنا أحمد بن حرب حدثنا قاسم وهو ابن يزيد الجرمي حدثنا سفيان حدثنا منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه. قال أحمد : فنضح فرجه).هنا أورد النسائي الحديث من طريق أخرى, يقول فيه الحكم بن سفيان : (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه) فكلمة (ونضح فرجه) يحتمل أن يكون هذا النضح قبل, أو أن يكون بعد مثلما تقدم؛ يعني: إذا كان للاستنجاء فهو قبل، وإذا كان رشاً بعد الوضوء فهو يكون بعد.

تراجم رجال إسناد حديث الحكم بن سفيان: (رأيت رسول الله توضأ ونضح فرجه)

النسائي أورد الحديث من طريقين، أولاهما قال فيها: [أخبرنا العباس بن محمد الدوري].العباس بن محمد الدوري ثقة, حديثه عند أصحاب السنن الأربعة.[حدثنا الأحوص بن جواب].الأحوص بن جواب يقال له: أبو جواب فكنيته أبو الجواب توافق اسم أبيه، وقد مر بنا مراراً وتكراراً أن من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وذكرت أن فائدة هذا: دفع توهم التصحيف فيما لو ذكر بكنيته؛ فقد يظن -من لا يعرف- أن (أبو) مصحفة عن ابن؛ لأنه إذا قال: الأحوص بن جواب , أو الأحوص أبو جواب فالكل صحيح؛ لأن كنيته توافق اسم أبيه، فسواء قيل: ابن أو قيل: أبو، إن قيل: (ابن) فهو منسوب إلى أبيه، وإن قيل: (أبو) فهو مكنى، وكنيته توافق اسم أبيه، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه عند مسلم , وأبي داود , والترمذي , والنسائي ، فهو عند هؤلاء الأربعة: الإمام مسلم وأصحاب السنن الأربعة إلا ابن ماجه.[ حدثنا عمار بن رزيق ].هو أبو الأحوص، كنيته أبو الأحوص ، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: لا بأس به، وهو ممن روى له مسلم , وأبو داود , والنسائي , وابن ماجه ، ما روى له الترمذي.[ عن منصور ].هو: ابن المعتمر ، وهو ثقة, من رجال الجماعة.[ ح وأخبرنا أحمد بن حرب ].(ح) هذه صيغة التحويل, أو علامة التحويل؛ وهي التحول من إسناد إلى إسناد، وقد ذكرت مراراً وتكراراً: أنها تستعمل من أجل أن يتبين أن ما بعدها رجوع إلى الإتيان بالإسناد من أول، وحتى لو لم يؤت بها لكان ما بعدها تالياً لما قبلها, فيكون المتقدم راوياً عن المتأخر، فإذا جاءت (ح) عرف بأن هناك الرجوع من جديد إلى إسناد آخر يبدأ من المصنف.وأحمد بن حرب هو: الطائي الموصلي ، وهو صدوق, خرج له النسائي وحده.[ حدثنا قاسم وهو ابن يزيد الجرمي ].قاسم هو: ابن يزيد الجرمي وهو أيضاً موصلي، وهو ثقة, حديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وكلمة (هو ابن يزيد) هذه قالها من دون أحمد بن حرب: إما النسائي أو من دون النسائي، وكلمة (هو) يؤتى بها حتى يعرف؛ لأن هذه الزيادة ليست من التلميذ وأنها ممن دونه؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: (هو) بل ينسبه كما يشاء، لكن لما أراد من دون التلميذ أن يأتي بما يوضحه ويزيل إهماله أتى بكلمة (هو) حتى يتبين، وهذا تقدم مراراً وتكراراً. وأحمد بن حرب , وقاسم بن يزيد الجرمي انفرد النسائي بالإخراج لهما، لم يخرج لهما إلا النسائي .[ حدثنا سفيان ].هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري, الإمام, الذي قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة, حافظ, حجة، عابد، وذكر صفات متعددة في حقه، وقد ذكرت أنه ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صيغة من أعلى صيغ التعديل.[ حدثنا منصور ].هو: ابن المعتمر .[ عن مجاهد عن الحكم ].مجاهد الحكم مثل الإسناد المتقدم.ثم قال النسائي بعدما ذكر الرواية أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه) ثم قال: قال أحمد : (فنضح فرجه). قال: قال أحمد , ويقصد بـأحمد شيخه الثاني في الإسناد؛ لأنه ذكر شيخين: الأول: عباس بن محمد الدوري، والثاني: أحمد بن حرب، واللفظ الذي ذكره وهو (نضح فرجه) لفظ شيخه الأول، وكلمة (فنضح) التي هي بالفاء بدل الواو هي عبارة أو لفظ شيخه الثاني، وقد ذكرت لكم فيما مضى عندما جئنا عند حديث رواه النسائي عن قتيبة وعن عتبة بن عبد الله، النسائي ذكره على لفظ عتبة بن عبد الله، وهو حديث الصنابحي في فضل الوضوء، والذي أورده في باب: أن الأذنين من الرأس, وما يستدل به على أن الأذنين من الرأس، قال لما ذكر الإسناد على لفظ عتبة وهو شيخه الثاني، ثم قال: قال قتيبة عن الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم، فساقه على لفظ شيخه الثاني، ثم أشار إليه في شيخه الأول، وذكرنا هناك: أن هذا قد يشعر بأن طريقة النسائي أنه عندما لا يقول: واللفظ لفلان أنه يكون اللفظ للثاني -قلنا هذا فيما مضى- لكن هذا الكلام يعكر على ذاك الاستظهار؛ لأنه هنا أتى باللفظ على اللفظ الأول وهو عباس الدوري ، ثم قال: وقال أحمد: (فنضح فرجه) يعني: أتى بلفظ الشيخ الثاني، فصار على هذا لا يتضح أن النسائي عندما يذكر الإسناد عن شيخين, ثم لا يبين من له اللفظ لا يدل على أنه يراد به الثاني؛ لأن هذا الحديث الذي معنا يدل على أن هذه القاعدة غير منطبقة.وأنا ذكرت لكم فيما مضى: أن طريقة البخاري أنه عندما يذكر شيخين فاللفظ للثاني منهما، وكنا نظن ذلك، لكن لما جئنا عند حديث الصنابحي وكان ذكره عن شيخين وساق الحديث رقم مائة وثلاثة ذكره عن قتيبة , وعن عتبة بن عبد الله، وساقه على لفظ عتبة بن عبد الله، ثم قال: وقال قتيبة على شيخه الأول، هنا عكسه، ذكره عن شيخين: عن عباس الدوري وعن أحمد بن حرب ، ثم ساقه على لفظ الشيخ الأول، ثم أتى بعد ذلك بلفظ الشيخ الثاني، فدل على أنه لا يتخذ من ذلك أو لا يفهم من ذلك قاعدة للنسائي يبنى بها على أنه إذا لم يذكر من له اللفظ يكون للثاني فقد يكون للأول كما تقدم في رقم مائة وثلاثة، وقد يكون للثاني كما جاء هنا في هذا الحديث الذي معنا.

ابوالوليد المسلم 30-03-2019 09:15 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(51)

- باب الانتفاع بفضل الوضوء

يجوز للشخص أن ينتفع بفضل وضوئه؛ بشربه أو غير ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لا يتبرك بفضل وضوء أحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا من خصائصه.
الانتفاع بفضل الوضوء

شرح حديث علي في الانتفاع بفضل الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الانتفاع بفضل الوضوء.أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا أبو عتاب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام فشرب فضل وضوئه، وقال: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت)].ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب: الانتفاع بفضل الوضوء، أي: الانتفاع بما يبقى بعد الوضوء في الإناء، فالإنسان إذا توضأ منه، يمكن لإنسان آخر أن يأتي ويتوضأ منه، ويمكن للإنسان آخر أن يشربه أيضاً؛ لأن النسائي أورد أحاديث منها هذا الحديث الأول: حديث علي رضي الله عنه أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام، وشرب فضل وضوئه، أي: شرب الماء الذي بقي بعد الوضوء، فالانتفاع بفضل الوضوء يدل عليه هذا الحديث، إلا أن النسائي ما أورد من الأحاديث -التي أوردها كلها- ليست كلها على هذا النحو، على اعتبار أنه يراد بها ما يبقى بعد الوضوء؛ لأنه قد يراد بها ما حصل منه الوضوء، مع أنه قد يراد بذلك في بعض الروايات، ولكن هذا الحديث واضح بأن المقصود به ما تبقى بعد الإناء، وكون الإنسان استعمله؛ بأن أدخل يده فيه ويتوضأ، ثم يدخل يده ويغرف ثم يدخل يده ويغرف هذا الاستعمال لا يؤثر عليه، فله أن يشرب هذا الماء الباقي، ولغيره أن يتوضأ فيه، وله أن يتوضأ به مرة أخرى أيضاً إذا بقي، فإذاً: ينتفع بفضل الوضوء، أي: ما يبقى في الإناء.وأما إذا توضأ الإنسان في طست، بحيث يغسل وجهه ويتساقط ماء الوجه في الصحن، ثم يغسل يديه، ويتساقط ماء اليدين في الطست، ثم يغسل رجليه ويتساقط، فهذا الماء لا يتوضأ به مرة أخرى؛ لأنه رفع به حدث، فلا يرفع به الحدث مرة أخرى، ولكن هو طاهر يمكن أن يستفاد منه، في أمور غير الوضوء، أما ما يبقى في الإناء بعد الوضوء فهذا يستفاد منه على كل حال، ولا إشكال فيه، ولا بأس به، فيُتوضأ به، ويستعمل في أي وجوه الاستعمال، في رفع الحدث، وفي غير رفع الحدث.فقد أورد النسائي أولاً: حديث علي، وقد تقدم عن أبي حية أنه قال: (رأيت علياً أتي بإناء فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام وشرب فضل وضوئه، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت)، ومحل الشاهد: كونه شرب فضل وضوئه، يعني: انتفع بفضل ما بقى بعد الوضوء بشربه.

تراجم رجال إسناد حديث علي في الانتفاع بفضل الوضوء

قوله: [أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف].هو أبو داود سليمان بن سيف وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي.[حدثنا أبو عتاب].وهو سهل بن حماد أبو عتاب، وهو صدوق، خرج له مسلم، والأربعة.[حدثنا شعبة].وهو شعبة بن الحجاج وقد تقدم.[عن أبي إسحاق].هو: عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي أبو إسحاق السبيعي، وهو يذكر بكنيته كثيراً، كما هنا أبو إسحاق، وهو ثقة من رجال الجماعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي حية].هو أبو حية بن قيس الهمداني الوادعي الكوفي، وهو مقبول، قال عنه في التقريب: مقبول، وهو من رجال أصحاب السنن الأربعة.

شرح حديث أبي جحيفة في انتفاع الصحابة بفضل وضوء النبي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدره الناس، فنلت منه شيئاً، وركزتُ له العنزة فصلى بالناس، والحمر والكلاب والمرأة يمرون بين يديه)].أورد النسائي حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في البطحاء، فخرج بلال بوضوئه) أي: بفضل ما بقي من وضوئه الذي توضأ منه، فجعل الناس يأخذون منه يتبركون بهذا الماء الذي مسه رسول الله صلى الله عليه وسلم.قوله: [(فنلت منه)] أي: أخذت من هذا الماء بنصيب.قوله: ( وركزت له العنزة ) العنزة: هي عصا في رأسها حديدة تغرز في الأرض ويصلى إليها، وتجعل سترة: ( فجعل الحمر، والنساء، والكلاب يمرون بين يديه ) لأن هذه الأشياء جاء أنها تقطع الصلاة إذا مرت بين الإنسان وسترته، والمقصود في هذا الحديث بقوله: ( بين يديه ) أي: من وراء العنزة، ومن المعلوم أن المشي من وراء السترة لا يؤثر، ولا يقطع الصلاة فيما إذا مر وراءها كما جاء في بعض الأحاديث: أن المرأة، والحمار، والكلب، تقطع الصلاة.إذاً: فقوله: (جعلت المرأة، والحمر، والكلاب يمرون بين يديه) يعني: من وراء العنزة.فالمقصود من إيراد الحديث هو أوله؛ لأن هذا سيأتي في الصلاة فيما يتعلق بركز العنزة، وما يتعلق بالمرور، ولكن هو جاء به من أجل ما جاء في أوله، وهو أن بلالاً جاء بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الناس يصيبون منه، يعني: يأخذون منه، ويبلون به أجسادهم، فيتبركون بما مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم.ومن المعلوم أن التبرك بفضلاته إنما هو خاص به، ولا يجوز مع غيره؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا هذا مع أبي بكر، وعمر، وعثمان وهم خير من مشى على الأرض، فما كانوا يتبركون بفضل وضوئهم، ولا كانوا يفعلون هذا، فصنيع الصحابة وعدم فعلهم ذلك إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم دل على أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يفعل مع غيره، فلا يتبرك بغيره؛ لا بشعره، ولا ببصاقه، ولا بفضل وضوئه، وإنما ذلك من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد كانوا يتبركون بشعره، وبفضل وضوئه، وبعرقه، وبصاقه عليه الصلاة والسلام، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث أبي جحيفة في انتفاع الصحابة بفضل وضوء النبي

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].هو محمد بن منصور الجواز، وعند النسائي شيخان يسميان بمحمد بن منصور هما: محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي.والأقرب والأظهر أن سفيان المروي عنه هنا هو سفيان بن عيينة، لأنه مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، فيكون هو الأولى.ومحمد بن منصور هذا روى له النسائي وحده كما عرفنا ذلك فيما مضى، وأما سفيان بن عيينة فهو ثقة، حافظ، عابد، حجة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا مالك بن مغول].هو مالك بن مغول أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه].هو عون بن وهب بن عبد الله السوائي، وأبوه مشتهر بكنيته، ولهذا يقال: عون بن أبي جحيفة نسبة إلى أبيه بكنيته. وعون هذا ثقة، من رجال الجماعة، وأبوه أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي صحابي، وهو من أصحاب علي، ومن خاصته رضي الله تعالى عنهما، وله خمسة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة.وقد يقول قائل: ورد في الإسناد الأول عن الحكم عن أبيه عن الرسول، وفي الإسناد الثاني عن الحكم بن سفيان قال: (رأيت...)، فأسقط الواسطة، فهل هذا هو الاضطراب؟نقول: هو واحد، وأنا قلت: إن الحكم في هذا الإسناد واحد إلا أن مجاهد اضطرب فيه وأتى به على ثمان صيغ أو تسع صيغ، فمرة يقول: الحكم بن سفيان، ومرة: الحكم عن أبيه، ومرة: الحكم عن رجل من ثقيف، ومرة يقول: سفيان بن الحكم، على تسعة أقوال أو عشرة أو ثمانية..، فيعد اضطراباً، ولو لم يأت إلا من هذا الطريق لصار الحديث ضعيفاً، ولكن لوجود شواهد له عن جماعة من الصحابة في معناه، يدل ذلك على ثبوته.

شرح حديث جابر في صب النبي فضل وضوئه عليه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: سمعت ابن المنكدر يقول: سمعت جابراً رضي الله عنهما يقول: (مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني، فوجداني قد أغمي عليَّ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصب عليَّ وضوءه)]. قوله: [(مرضت فجاء إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني، فوجداني قد أغمي عليَّ، فتوضأ فصب عليَّ وضوءه)] هو هنا مختصر، وجاء في البخاري وفي غيره: أنه أفاق وأنه سأل عن مسألة في الميراث، ولكن النسائي أورده من أجل كونه صب وضوءه عليه، والانتفاع بفضل الوضوء، وهنا يحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ، ثم ما خرج من أعضائه صبه عليه، ويحتمل أن يكون ما بقي في الإناء مما استعمله صبه عليه، ولكن قوله: (وضوءه) يشعر بأنه الذي استعمله، ولما رش عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الوضوء أفاق، ولكن ذكرت في الحديث الذي قبله أن هذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا البخاري رحمه الله لما أورد الحديث عقد له ترجمة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على المريض، ولم يقل: صب الإنسان، أو صب عائد المريض، وضوءه على المريض، وإنما قال: باب صب النبي صلى الله عليه وسلم فضل وضوءه على المريض، معناه: أن الترجمة أتى بها مضافة إلى الرسول، والعمل الذي أضافه إلى الرسول؛ لأن هذا من خصائصه، فليس لأحد إذا زار إنساناً أن يقول: أنا أفعل كما فعل رسول الله فيتوضأ، ويصب عليه فضل وضوئه؛ لأن ذاك من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي يتبرك بما يتساقط من جسده، أو بما يناله جسده الشريف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.والحديث إسناده رباعي، وهو أعلى الأسانيد عند النسائي، وقد أشرت إلى هذا من قبل، وذلك عندما جئنا عند الحديث رقم مائة وثمانية وعشرين، ورجاله ثمانية، وقلت: إن الحديث رقم مائة واثنين وثلاثين أعلى إسناداً عند النسائي ورجاله أربعة أشخاص، فليس بين النسائي فيه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا أربعة أشخاص: محمد بن منصور، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في صب النبي فضل وضوئه عليه

قوله: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان].محمد بن منصور هو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، وسفيان بن عيينة أيضاً مر في الإسناد قبل هذا.[سمعت ابن المنكدر].وهو محمد بن المنكدر التيمي المدني، وهو ثقة، فاضل، من رجال الجماعة.[عن جابر].وأما جابر بن عبد الله فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

ابوالوليد المسلم 30-03-2019 09:15 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(52)

- باب فرض الوضوء - باب الاعتداء في الوضوء


فرض الله علينا الطهارة عند إرادة الصلاة، فلا يقبل الله صلاة العبد إلا بطهارة، لكن الزيادة على ثلاث غسلات للعضو فيه تعد وظلم وإساءة.
فرض الوضوء

شرح حديث: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فرض الوضوء.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)].يقول الإمام النسائي رحمه الله: باب فرض الوضوء، والمراد بالترجمة كما هو واضح من الحديث الذي أورده تحتها: أن الوضوء فرض لازم، وأمر متحتم، هذا هو المراد بفرض الوضوء، بل إنه شرط لصحة الصلاة، وإذا لم يوجد الشرط، لم يوجد المشروط الذي هو الصلاة، فلا بد لكل صلاة من الوضوء لها حيث وجد الماء، فإذا لم يوجد، ينتقل إلى ما ينوب عنه، وهو التيمم.إذاً: فالوضوء شرط من شروط الصلاة التي تسبق المشروط، والتي لا بد من فعلها قبل فعل المشروط، والتي لا تصح الصلاة بدون ذلك الشرط، ولهذا ترجم بقوله: باب: فرض الوضوء، ويعني: أنه فرض لازم متعين، لا تفيد الصلاة بدون وضوء.ثم أورد النسائي رحمه الله حديث أبي المليح عن أبيه أسامة بن عمير رضي الله تعالى عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)]، والمقصود هو الجملة الأولى، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: [(لا يقبل الله صلاة بغير طهور)] والطهور يشمل: الطهارة بالماء، والطهارة بالتراب الذي هو الأصل، وما ينوب عنه الذي هو التيمم، ولهذا جاء التعبير بالطهور، فيكون شاملاً للوضوء، وما يقوم مقام الوضوء إذا عدم الماء وهو التيمم، فلا بد للصلاة من طهارة، ولا بد أن يسبقها وضوء، أو تيمم إن عدم الماء، أو لم يقدر على استعماله.ونفي القبول معناه: أن الصلاة التي لا تكون بوضوء، فإن صاحبها لم يؤد ما فرض الله عليه، ولم تبرأ ذمته، ولم تقع الصلاة صحيحة، بل يتعين الوضوء ثم الصلاة، فلو أن إنساناً نسي، وصلى بغير وضوء، فإن صلاته لا تعتبر، ولا تجزئ، ولا يترتب عليها أثرها الذي هو الثواب، بل يجب عليه ويتعين عليه أن يتطهر بالوضوء، أو التيمم إذا لم يوجد الماء، أو لم يقدر على استعماله، ثم يؤدي الصلاة.إذاً: فالنفي هنا -نفي القبول- لنفي الإجزاء، ونفي الصحة، ونفي الأثر المترتب على ذلك وهو الثواب.فالنفي يدخل فيه نفي الصحة، ومعنى ذلك: أنه لا بد من الوضوء والصلاة، لكن في بعض المواضع يأتي نفي القبول، ولكنه لا يلزم معه الإعادة، وإنما يحصل حرمان الثواب، وعدم حصول الثواب المترتب على الصلاة، ومن ذلك: ما جاء في الحديث: (من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)، فمعنى (لم تقبل) أنه يحرم ثوابها، ويحرم الأجر المترتب على الصلاة، وهذا عقاب على إتيانه العراف، وذهابه للعراف، بأنه فعل فعلاً حرم ثوابه، لكنه لا يقال: إن صلاته غير مجزئة، وأن عليه أن يعيد الصلوات، لأن صلاته غير مقبولة؛ فإن نفي القبول هنا غير نفي القبول في حديث الباب؛ لأن حديث الباب يدل على عدم الإجزاء وعدم الصحة، وأما ذاك فالصلاة قد حصلت، ولا يؤمر بالإعادة، ولكنه يحرم ثوابها.أما الذي معنا هنا في قوله: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) فمعنى ذلك: أنها لا تجزئ ولا تصح، ويتعين على من صلى بغير وضوء أن يتوضأ ويصلي؛ لأن صلاته التي قد حصلت بغير وضوء هي لاغية، ووجودها كعدمها؛ لأنه فُقد شرط من شروطها، الذي لا تعتبر، ولا تنفع، ولا تفيد إلا إذا وجد الشرط قبل وجود المشروط.قوله: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول) الغلول: هو بمعنى الخيانة، وهو يشمل ما يدخل تحته من كل مال حرام، كل مال حرام لا ينتفع صاحبه بالتصدق به؛ لأن الصدقة المقبولة هي: الطيبة التي هي من كسب طيب، وقد جاء في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم ذكر بعد ذلك الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب له؟!).فالغلول يدخل فيه الخيانة، ويدخل فيه أكل المال الحرام، وما يدخل فيه دخولاً أولياً: الغلول من الغنيمة؛ لأن فيه خيانة، وكذلك كل خيانة فهي من الغلول، وكل مال حرام فهو أيضاً داخل في هذا المعنى، بمعنى: أن الصدقة منه لا تقبل، وإنما الصدقة المقبولة النافعة لصاحبها هي التي كانت من مال حلال؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور...)

قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وقد تكرر ذكره كثيراً في سنن النسائي، وهو أحد شيوخ النسائي الذين أكثر عنهم، وهو ثقة، حافظ، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو عوانة].وأبو عوانة هذه كنية اشتهر بها واسمه: الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن قتادة].قتادة هو ابن دعامة السدوسي، وهو ثقة، حافظ، وهو من رجال الجماعة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن أبي المليح].وأبو المليح هي كنية، واسمه قيل: عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد، وهو: ابن أسامة بن عمير الهذلي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].أما أبوه أسامة بن عمير الهذلي، فهو صحابي تفرد بالرواية عنه ابنه، لم يرو عنه إلا ابنه أبو المليح، وله سبعة أحاديث، كلها من طريق ابنه أبي المليح؛ وهذا يسمونه الوحدان فهو من لم يرو عنه إلا واحد، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة.إذاً: فرجال الإسناد كلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة إلا الصحابي؛ فإن حديثه عند أصحاب السنن الأربعة، رجال الإسناد كلهم من رجال الجماعة، قتيبة بن سعيد، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وقتادة بن دعامة السدوسي، وأبو المليح الذي هو: ابن أسامة بن عمير الهذلي.
الاعتداء في الوضوء

شرح حديث عمرو بن العاص في النهي عن الاعتداء في الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاعتداء في الوضوء.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا يعلى حدثنا سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم)].أورد النسائي: الاعتداء في الوضوء، الاعتداء: هو تجاوز الحد الذي حد في الوضوء، وهو أن يزيد على ثلاث غسلات للأعضاء فهذا هو المراد بالاعتداء؛ لأنه لا يزاد على الثلاث، يتوضأ مرة ومرتين وثلاثاً، وكذلك يجوز التفاوت بأن يكون البعض مرة، والبعض مرتين، والبعض ثلاثاً، لكن لا يتوضأ أربع مرات أو خمساً، أو أربع غسلات أو أكثر، وإنما يوقف عند حد الثلاث.وقد أورد فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن أعرابياً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: [(هكذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدى وظلم)].الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين للأعرابي كيفية الوضوء، وأنه يكون ثلاثاً، لكن الثلاث هي الحد التي يكون بها الإسباغ، ولا يزاد على ذلك، والوضوء يكون بدونها ويكون بأقل من الثلاث، فلما توضأ وأراه النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، قال له: [(هكذا الوضوء)]، يعني: الوضوء الكامل الذي فيه الإسباغ، فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدى وظلم، والترجمة هنا أخذها من قوله: (تعدى)، لأنه جاء في الحديث: تعدى، وقال: الاعتداء في الوضوء، يعني: بالزيادة، وتجاوز الحد الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكون الإنسان يزيد على ثلاث فهذا من الإسراف، وهو من العدوان، ومن الظلم، ومن الإساءة، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، حيث قال: [(فقد أساء وتعدى وظلم)].وفي الحديث بيان التعليم بالفعل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله عن الوضوء توضأ وأراه كيف يتوضأ، وأنه يكون ثلاثاً ثلاثاً، ثم إنه بين بالقول فقال: [(هكذا الوضوء)] فجمع بين القول والفعل.وقد جاء عند أبي داود: (فمن زاد على هذا أو نقص)، والتعبير بلفظ: (نقص) هذه زيادة ليست عند الباقين الذين رووه، وإنما انفرد بها أبو داود وهي زيادة منكرة أو شاذة، فهي زيادة غير محفوظة وغير ثابتة؛ لأنها تعارض ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الوضوء مرة ومرتين، وقد جاء فيه أحاديث صحيحة كثيرة، أن الرسول توضأ مرة مرة، وتوضأ مرتين مرتين، وفاوت أيضاً بين الغسلات، بحيث يكون بعض الأعضاء واحداً، وبعضها اثنين، وبعضها ثلاثة، لكن النقصان عن هذا العدد الذي هو الثلاث هذه زيادة منكرة أو شاذة، وإنما الثابت هي الزيادة التي جاءت عند غير أبي داود، ومقتضى هذه الزيادة وهي: (أو نقص) أن الإنسان إذا نقص عن ثلاث فمعناه: أنه ظلم، أو أنه أساء، وهو ليس بمسيء ولا ظالم، بل هو محسن، لفعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن العاص في النهي عن الاعتداء في الوضوء

قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].ومحمود بن غيلان ثقة خرج حديثه الجماعة إلا أبا داود.[حدثنا يعلى].يعلى هو ابن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، إلا في حديثه عن الثوري ففيه لين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[يروي عن سفيان].سفيان هو: الثوري الإمام المعروف، الذي مر ذكره مراراً، والذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن موسى بن أبي عائشة].موسى بن أبي عائشة ثقة، عابد، حديثه عند الجماعة.[عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده]عمرو هو: ابن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صدوق، حديثه عند البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وأصحاب السنن الأربعة.وأبوه الذي يروي عنه هو: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو أيضاً صدوق، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وفي جزء القراءة، وعند أصحاب السنن الأربعة، وقد قال الحافظ: إنه ثبت سماعه عن جده، معناه: أن عمراً يروي عن أبيه، وأبوه شعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون الحديث ثابتاً، والحديث الذي يأتي عن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هو من قبيل الحسن وحديثه حسن، وإذا كان الحديث أو الإسناد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مستقيماً ثابتاً، فإن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا تقل عن الحسن، وهي ثابتة، وقد عول عليها العلماء واحتجوا بتلك الأحاديث التي تأتي عن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.وهذا الحديث هو أول حديث يأتي في سنن النسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

ابوالوليد المسلم 30-03-2019 09:16 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(53)


- باب الأمر بإسباغ الوضوء - باب الفضل في ذلك

لقد أمر الشارع بإسباغ الوضوء، وبين فضله، ومن فضائله أنه يمحو الله به الخطايا، فآخر قطرة ماء تنزل من العضو تنزل معها خطايا هذا العضو، كما أن في إسباغ الوضوء رفعة لدرجات العبد عند ربه عز وجل.
الأمر بإسباغ الوضوء

شرح حديث ابن عباس في الأمر بإسباغ الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بإسباغ الوضوءأخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد حدثنا أبو جهضم حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: كنا جلوساً إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: (والله ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاثة أشياء: فإنه أمرنا أن نسبغ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمر على الخيل)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الأمر بإسباغ الوضوء.إسباغ الوضوء كما عرفنا فيما مضى يكون بالعدد، وهو أن يكون ثلاثاً، ويكون بالدلك والاستيعاب في الغسلات، هذا هو إسباغ الوضوء، أما المجزئ منه فهو الذي يحصل فيه الاستيعاب للأعضاء، ولو مرة واحدة، وهذا الحد الأدنى لا بد فيه من الاستيعاب. والإسباغ هو أن يكون دلكاً، وأن يصل العدد الأكمل الذي هو ثلاثاً، لكن لا يزيد عليها؛ لأنه كما تقدم في الحديث السابق الذي مر آنفاً، أن ذلك اعتداء، وظلم، وإساءة، يعني: التجاوز، وهو من الإسراف.وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (ما خصنا رسول الله) يعني: أهل البيت. (بشيء دون الناس، إلا بثلاثة أشياء؛ فإنه أمرنا بأن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمر على الخيل).ومن المعلوم: أن إسباغ الوضوء ليس خاصاً بآل البيت، وكذلك إنزاء الحمر على الخيل ليس خاصاً بأهل البيت، وإنما الخاص بهم الذي يختصون به عن غيرهم، هو تحريم الصدقة عليهم، ولعل قوله: [(ما خصنا)] أن الخطاب حصل فيها جميعاً، يعني: لا تفعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، أو لا تفعلوا كذا لكن افعلوا كذا.أما إسباغ الوضوء فليس خاصاً بهم، بل الأمر لهم ولغيرهم، وهو حكم عام يشمل الأمة، وإنزاء الحمر على الخيل أيضاً كذلك مشترك بينهم وبين غيرهم، وهو من جنس ما جاء عن علي رضي الله عنه لما سأله أبو جحيفة: (هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: لا، ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة) وهي صحيفة فيها مسائل متعددة، وأحاديث متعددة، معناه: أنها عندهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهنا كذلك هذه الأمور في الحديث هي عندهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، رواها ابن عباس عن رسول الله يعني: هذا الحديث، ولكن الخصوصية لأهل البيت هي بتحريم الصدقة عليهم، أما الإسباغ فإن هذا لهم ولغيرهم، وإنزاء الحمر لهم ولغيرهم.وقوله: [(ولا ننزي الحمر على الخيل)].إنزاء الحمر على الخيل، يعني: كونهم يجعلون الحمر تنزو على الخيل؛ لأنها إنزاء جنس على غير جنس؛ لأن الذي يولد عن طريقها أو بهذه العملية يصير جنساً آخر ليس بجيد، فالرسول نهى أن تنزى الحمر على الخيل، وإنما الحمر على الحمر والخيل على الخيل، ولا تنزى الحمر على الخيل، يعني كونها تمكن من أن تعلو عليها وتنزل فيها ماءها، ويترتب على ذلك ولد من جنس ثالث.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الأمر بإسباغ الوضوء

قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].يحيى بن حبيب بن عربي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا حماد].حماد هو ابن زيد بن دينار البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[حدثنا أبو جهضم].أبو جهضم هو موسى بن سالم، وهو صدوق، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عباس].فـعبد الله بن عبيد الله بن عباس يعني: ابن عبد المطلب، عمه عبد الله بن عباس، وهو هنا يروي عن عمه عبد الله بن عباس؛ لأن هذا عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وعبيد الله هو أخو عبد الله، قال: (كنا جلوساً عند عبد الله بن عباس). وعبد الله بن عبيد الله هو ثقة، حديثه عند الجماعة.[عن عبد الله بن عباس].عبد الله بن عباس هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، والذي مر ذكره مراراً، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في بيتين من الشعر.

شرح حديث: (أسبغوا الوضوء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسبغوا الوضوء)]. أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أسبغوا الوضوء)، وهو يبين أن إسباغ الوضوء أمر عام ليس لأهل البيت خاصة، كما جاء في الحديث الذي قبل هذا.فإذاً: ليس من الثلاث التي تقدمت مما يخص أهل البيت إلا أنه تحرم عليهم الصدقة، أما إسباغ الوضوء، فحديث عبد الله بن عمرو هذا يدل على التعميم، وأن هذا حكم عام لجميع الأمة؛ لأنه قال: (أسبغوا الوضوء) كما في رواية عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (أسبغوا الوضوء)

قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد، ومر ذكره.[حدثنا جرير].جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة من رجال الجماعة.[عن منصور].منصور وهو: ابن المعتمر ،وهو ثقة من رجال الجماعة أيضاً.[عن هلال بن يساف].هلال بن يساف بكسر الياء، وهو ثقة، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، والأربعة.[عن أبي يحيى].أبو يحيى هو: مصدع الأعرج وهو مقبول، روى عنه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عبد الله بن عمرو].عبد الله بن عمرو هو: ابن العاص رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره فيما مضى، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وعرفنا أنه ليس بينه وبين أبيه إلا اثنتي عشرة سنة؛ لأن أباه احتلم، وهو في سن مبكرة، وتزوج وهو صغير، وولد له وهو صغير، يعني: ولد عبد الله لـعمرو وعمرو عمره اثنتا عشرة سنة رضي الله تعالى عنهما.
الفضل في ذلك

شرح حديث أبي هريرة في فضل إسباغ الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفضل في ذلك.أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)].لما ذكر النسائي في الباب الذي قبل هذا الأمر بإسباغ الوضوء، وأورد تحته بعض الأحاديث الدالة على ما ترجم له؛ عقبه بهذه الترجمة، وهي قوله: [الفضل في ذلك] يعني: الفضل في إسباغ الوضوء، وما يدل على فضل إسباغ الوضوء، وعلى ما فيه من الفضيلة، وما فيه من الأجر والثواب. هذا هو المقصود بالترجمة. وأورد حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين أن إسباغ الوضوء على المكاره، وما أضيف إليه من كثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة بين أن الله تعالى يمحو به الخطايا ويرفع به الدرجات. وبين بعد ذلك أيضاً في قوله: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) فدل على الفضل من جهتين: من جهة أنه ذكر أولاً: أن هذا مما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، ثم ختم ذلك بقوله: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).ثم إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟) هذا الكلام الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم تمهيداً لما يريد أن يبينه لأصحابه، هذا من كمال نصحه، وكمال بيانه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أحياناً يحصل منه أن يشير قبل ذكر ما يريد أن يذكره بما يلفت النظر إليه، وبما يحفز الهمم إليه، ولما يجعل النفوس تتطلع إليه، ألا أخبركم بكذا وكذا؟ فيذكر شيئاً من الفضائل في عمل من الأعمال، تجعل السامع يشرئب، ويترقب، وينتظر، ويستعد، ويتهيأ لمعرفة هذا الذي يكون بهذا الوصف، وبهذا الشأن، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما قال أولاً: إسباغ الوضوء، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فيه كذا وكذا، وإنما أتى بشيء فيه استفهام، وهذا من بيانه عليه الصلاة والسلام، ويأتي على صيغ مختلفة، من ذلك ما يأتي في بعض الأحاديث: ثلاث من وجدت فيه فله كذا وكذا، وذلك مثل قوله: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) فهنا ذكر وصف هذا العدد في شيء يجعل النفوس تترقب إليه.ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، فهو تمهيد مشتمل على أوصاف، تجعل السامع يتشوف، ويستعد، ويتهيأ لاستيعاب ما يلقى عليه، وما يبين له، وهذا من كمال نصحه، وكمال بيانه عليه الصلاة والسلام.قوله: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟) ففيه تخليص من ذنوب، ورفعة درجات، تخلية وتحلية، فالتخلية هي: تجاوز، ومحو، ومغفرة الذنوب، والتحلية وهي: رفعة درجات.ففيه حط خطايا، ومحو خطايا، ورفعة درجات، والمحو يمكن أن يكون من صحف الملائكة الذين يكتبون السيئات؛ لأنهم يكتبون الحسنات والسيئات، وليست القضية هي مجرد محو، وإنما مع المحو علو، وسمو، ورفعة درجة، وعلو مكانة، ورفعة الدرجات إنما هي في الجنة؛ لأن الجنة درجات، كما أن النار دركات بعضها أسفل من بعض، فالجنة درجات بعضها فوق بعض، فيرفع الله تعالى له الدرجات في الدنيا والآخرة، بأن يكون له مكانة في النفوس، ومحبة في النفوس، وفي الآخرة رفعة درجات في الجنة، وعلو درجات في الجنة عند الله سبحانه وتعالى.ثم بين ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله: (إسباغ الوضوء على المكاره)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في هذه الترجمة، وهي: فضل إسباغ الوضوء، وهذا الفضل للإسباغ ولغيره معه الذي هو: كثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، هذه الأمور الثلاثة يرفع الله تعالى بها الدرجات، ويحط بها الخطايا، ووصفت بأنها الرباط ثلاث مرات.وقوله: (إسباغ الوضوء على المكاره) يعني: ما كان فيه مشقة، وكون الإنسان يتوضأ، ويسبغ الوضوء، وفي ذلك مشقة عليه، بأن يكون مثلاً الماء فيه برودة، فتجده يصبر على المشقة، وعلى ما تكرهه النفوس، وما يشق على النفوس؛ لما فيه من رفعة الدرجات عند الله عز وجل.وليس معنى هذا أن الإنسان يلازم الإقدام على ذلك الشيء، الذي هو استعمال الماء البارد، وإن حصل له الضرر من ورائه؛ فإن الإنسان لا يجلب لنفسه الضرر، ولكن المقصود من ذلك: الشيء الذي لا يترتب عليه مضرة على الإنسان من مرض أو هلاك، وإنما فيه مشقة تتحملها النفوس، وتصبر عليها في سبيل الله وابتغاء وجه الله عز وجل، وابتغاء الرفعة، وعلو الدرجة عند الله سبحانه وتعالى. هذا هو المقصود بإسباغ الوضوء على المكاره.ثم أيضاً: يصبر على الوضوء، ويقدمه على غيره من أمور الدنيا، فالوضوء، والصلاة، وما طولب به الإنسان من العبادات، فإنه يقدمها، ولا يجعل الدنيا تنافسها، أو تحول دونها، أو تعوق دونها، أو تشغله عنها، بل أمور الآخرة هي المقدمة، وهي التي فيها الشغل عن الدنيا؛ لأن الدنيا والاشتغال بها كل ذلك متاع في الحياة الفانية، والحياة المنتهية، وأما الطاعات والمحافظة عليها فهي الزاد في الحياة الباقية والحياة الدائمة، كما قال الله عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، فالإنسان يصبر على الطاعات وإن شقت على النفوس؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، كما قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، والنار حفت بالشهوات.ومن الأشياء التي فيها مشقة، والنفوس لا تميل إليها، مثل: الذهاب إلى المسجد في شدة الرمضاء، وفي شدة الحر، وفي شدة البرد، وما إلى ذلك من الأشياء التي فيها مشقة على النفوس، ولكنها تستسهل وتخف على النفوس؛ لأن فيها محافظة على طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره)، يعني: أنها تحتاج إلى ابتغاء وجه الله عز وجل، وصبر على طاعة الله؛ لأن الصبر ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، وصبر على أقدار الله، والطاعات يصبر عليها وإن شقت على النفوس، والمعاصي يصبر عنها، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وحفت النار بالشهوات) فيحتاج الإنسان إلى أن يصبر عنها، وإن اشتهتها النفوس، ومالت إليها النفوس، إلا أنها تميل إلى شيء فيه لذة ساعة، ولكن يعقبها شقاوة، ويعقبها حسرة، ويعقبها ندامة، فلا يقدم الإنسان على لذة عاجلة تورث خيبة، وخساراً، وهلاكاً، ودماراً في الدنيا والآخرة، والعياذ بالله.

فضل كثرة الخطا إلى المسجد

قوله: (وكثرة الخطا إلى المساجد)، يعني: بأن يكون الإنسان مكانه بعيداً عن المسجد، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بني سلمة سينتقلون إلى قرب المسجد، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (بلغني ذلك عنكم، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم) يعني: الزموا دياركم تكتب آثاركم؛ لأن كثرة الخطا إلى المساجد مع الصبر والاحتساب فيه عظيم الدرجات.وكان بعض الصحابة -قيل: عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، والحديث في صحيح مسلم- بيته بعيداً، وكان لا تفوته صلاة جماعة، فقيل له: (لو أنك اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء، وفي الليلة الظلماء، فقال: إني ما أحب أن يكون بيتي قرب المسجد، إني أحب أن يكتب الله لي خطواتي في ذهابي إلى المسجد، ورجوعي إلى أهلي، أن يكتبها الله لي، ويحط بها عني خطايا، ويكتب لي الدرجات أو الحسنات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد جمع الله لك ذلك كله).فإذاً: كثرة الخطا إلى المساجد، بكون بيته بعيداً، ويصبر، ويحتسب، هذا مما يرفعه الله تعالى به درجات، ويحط عنه خطيئات، ولهذا جاء في الحديث أنه:(ما يخطو خطوة إلا ويحط الله عنه بها خطيئة، ويرفع له بها درجة) كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فضل انتظار الصلاة بعد الصلاة

ثم قال: (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) هذا يحتمل أن يكون المراد به: كونه يبقى في المسجد بأن يصلي صلاة، ثم يجلس في المسجد ينتظر الصلاة الثانية، ويمكن أيضاً أن يكون المراد به: وإن ذهب من المسجد إلى بيته إلا أن قلبه متعلق بالمسجد، بمعنى: أنه إذا ذهب من المسجد يفكر متى يرجع إليه، وقلبه متعلق بالمسجد، فهو لا يرجع منه إلا وهو يفكر في الذهاب إليه، ويتطلع إلى الرجوع إليه.وهذا هو ما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) يعني: لا يذهب منه إلا وهو مشدود إليه، ومدفوع إليه، يتحرى ويترقب الوقت الذي به يرجع إلى المسجد. إذاً يمكن أن يدخل تحته من يصلي الصلاة، ثم يجلس يقرأ القرآن حتى تأتي الصلاة الأخرى، لا سيما في الأوقات المقاربة، مثل: ما بين العصر والمغرب، والمغرب والعشاء؛ فإن هذه أوقات متقاربة، يمكن أن يكون فيها الجلوس في المسجد، وذكر الله عز وجل، وقراءة القرآن، أو يكون المعنى: أنه يرجع، ولكنه إذا رجع يكون قلبه متعلقاً بالمسجد يفكر متى يرجع إليه.إذاً: هذه الأعمال الثلاثة التي هي: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة) مما يحط الله بها الخطايا، ويرفع بها الدرجات.ثم أيضاً وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذا هو الرباط: (فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)، والرباط: هو المرابطة على الشيء والملازمة له، وهو يطلق على الرباط في سبيل الله، وهو سد الثغور، والمداخل التي يدخل منها الكفار، والأعداء إلى بلاد المسلمين، الأعداء الذين يتحينون الفرص للانقضاض على المسلمين، والإساءة إليهم؛ فإن البقاء في الثغور، والمنافذ، والمداخل التي في طريق الكفار، ويمكن أن يهجم منها العدو؛ هذا من الرباط في سبيل الله؛ لأن فيه ملازمة في الجهاد في سبيل الله؛ لأن كونه يجاهد في سبيل الله، ملازم في المكان الذي يأتي منها الأعداء فهو يحول دونهم، ويصدهم عن أن يدخلوا إلى المسلمين، وأن يفتكوا بهم، ويؤذوهم.فمثله هذا الذي جاء في هذا الحديث، من كون الإنسان يلازم المساجد، ويحرص عليها، ويتعلق قلبه بها، وينتظر الصلاة بعد الصلاة، بمعنى: أنه يجلس في المسجد ينتظر الصلاة التي بعدها، وكذلك إذا خرج هو متعلق قلبه بها، وكذلك أيضاً يذهب إليها، وإن كان مكانه بعيداً ذاهباً آيباً، كل ذلك فيه مشقة عليه، وكل ذلك يكتبه الله عز وجل له، ويحط عنه به الخطايا، ويرفع به الدرجات، وكذلك إسباغه الوضوء على المكاره في الشيء الذي يكون عليه مشقة، وعليه تعب، فإنه يصبر ويحتسب لكن بشرط: أن لا يلحق ذلك به ضرراً: من مرض يحبسه عن الطاعة، أو هلاك، أو موت يترتب على إضراره بنفسه، إذا لم يحصل ذلك، وإنما إن حصل مجرد المشقة، فإن الطريق إلى الجنة شاق، ويحتاج إلى صبر واحتساب، ليس كما يقال: مفروشاً بالورود والرياحين، وإنما فيه العناء والمشقة، فيه التكاليف والتكاليف شاقة، ولكن من يوفقه الله عز وجل يصبر، ويحتسب، وإن شقت التكاليف عليه؛ لأنه يعلم أن العاقبة حميدة، ويعلم أن النتيجة طيبة.إذاً قوله: (فذلكم الرباط) يعني: هذا هو الذي فيه الملازمة والثبوت على هذا العمل الذي يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات، وهو يشبه الرباط في سبيل الله.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في فضل إسباغ الوضوء

قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة، ما أكثر ما يأتي ذكره في الأسانيد، بل هو أول شخص روى عنه النسائي في سننه حديثاً، وأول شيوخه في كتابه السنن وهو: قتيبة بن سعيد، وكثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو من الثقات، الأثبات، وممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].هو: مالك بن أنس إمام دار الهجرة، صاحب المذهب المالكي، أحد المذاهب الأربعة، الذي صار له أصحاب عنوا بجمعه، والتأليف فيه، وتنظيمه، وترتيبه، وبقيت أقواله ومذهبه لعناية أصحابه بفقهه، وإلا فإن غير الأئمة الأربعة في زمانهم وقبل زمانهم من كان مجتهداً، وله كلام في مسائل الفقه، لكنه ما لقي مثل ما لقي هؤلاء الأربعة، من وجود أصحاب لهم، وأتباع لهم يعنون بجمع فقههم.فهذا الرجل الذي هو الإمام مالك رحمة الله عليه محدث، فقيه، وكتابه الموطأ مشتمل على حديث، وعلى فقه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل إن أصح الأسانيد عند البخاري السلسلة التي فيها مالك: مالك عن نافع عن ابن عمر.[عن العلاء بن عبد الرحمن].هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم، وهو صدوق، خرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، والحرقة هم من جهينة.[عن أبيه].أبوه هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني الحرقي مولاهم، وهو ثقة، والذين خرجوا له مثل الذين خرجوا لابنه: البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، فقد خرجوا للاثنين على حد سواء: عبد الرحمن بن يعقوب، وابنه العلاء بن عبد الرحمن.[عن أبي هريرة].هو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو الصحابي الجليل، أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثرهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

ابوالوليد المسلم 01-04-2019 11:09 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(54)

- باب ثواب من توضأ كما أمر

رتب الشارع أجراً عظيماً على إسباغ الوضوء على المكاره، وجعل ذلك بمنزلة المرابط في سبيل الله، بل جعل الشارع للمتوضئ وضوءاً صحيحاً كما أمره الله أنه يُغفر له ما تقدم من ذنبه.
ثواب من توضأ كما أمر

شرح حديث: (من توضأ كما أمر... غفر له ما قدم من عمل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثواب من توضأ كما أمر.أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن أبي الزبير عن سفيان بن عبد الرحمن عن عاصم بن سفيان الثقفي أنه قال: (إنهم غزوا غزوة السلاسل، ففاتهم الغزو فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب وعقبة بن عامر رضي الله عنهما، فقال عاصم: يا أبا أيوب! فاتنا الغزو العام، وقد أخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه، فقال: يا ابن أخي! أدلك على أيسر من ذلك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، غفر له ما قدم من عمل، أكذلك يا عقبة ؟ قال: نعم)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب ثواب من توضأ كما أمر، يعني: من أتى بالوضوء كما أمره الله عز وجل بأن أدى الواجب الذي عليه.ومن المعلوم أن الأمر منه ما هو إيجاب ومنه ما هو استحباب، وأمر الإيجاب هو: المرة الواحدة التي يكون بها الاستيعاب للأعضاء، هذا هو الأمر الواجب الذي لا يجوز أقل منه، ولا يصح الوضوء مع ما هو أقل من ذلك، مرة واحدة فيها الاستيعاب، فلو حصل نقص في بعض أعضاء الوضوء أو في العضو الواحد فإنه لا يصح الوضوء، وقد مر الحديث الذي فيه: (ويل للأعقاب من النار) أي: الذين توضئوا وأعقابهم تلوح بياضاً ما جاءها الماء، فحصل الوعيد.فإذاً: أقل القدر المجزئ والأمر الواجب الذي لا يجوز شيء دونه هو المرة الواحدة مع الاستيعاب، وهو الذي لا بد منه، فإذا نقص، بمعنى: أن بعض الأعضاء ما حصل لها استيعاب من الماء، أو جزء من بعض الأعضاء، أو أحد الأعضاء، فإن الوضوء لا يصح.وأما الذي هو مستحب فهو الوصول إلى ثلاث غسلات، هذا هو المستحب الذي في إسباغ الوضوء والذي هو التثليث، والدلك، وإطالة التحجيل الذي هو عندما يغسل الإنسان اليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، يعني: يزيد قليلاً، وهذا هو الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، فأقصى ما فعله رسول الله هو الإشراع في العضد، أي: بمعنى أنه تجاوز المرفقين لكن لا يبعد كثيراً، فهذا إسباغ الوضوء من حيث الموضع ومن حيث الدلك. وأما من حيث العدد الذي هو التثليث فالإسباغ يكون بالتثليث، ويكون بالدلك، ويكون بمجاوزة المرفقين والكعبين قليلاً بحيث يدخل في الساق وفي العضد، لكنه لا يتوغل ولا يبعد كثيراً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقصى ما ثبت عنه أنه أشرع في العضد، معناه أنه دخل فيها لا أنه أكثر الغسل فيها وأنه غسل قسماً كبيراً منها، وإنما أشرع فيها يعني: دخل فيها، فهذا هو الإسباغ.إذاً: الأمر فيه أمر إيجاب لا أقل منه ولا يصح شيء دونه، وهو المرة الواحدة مع الاستيعاب، وأمر الاستحباب الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالإسباغ، ويدخل تحته العدد الذي هو ثلاث؛ فمن توضأ كما أمره الله، وأدى الواجب الذي أوجبه الله عليه واعتنى بذلك، فإن له ثواباً عظيماً عند الله عز وجل. والترجمة هي: ثواب من توضأ كما أمر، يعني: من توضأ كما أمره الله عز وجل، فإن له ثواباً عظيماً عند الله عز وجل.وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة أحاديث، أولها: حديث أبي أيوب، وعقبة بن عامر؛ لأن هذا الحديث يعتبر حديثين باعتبار الصحابيين؛ لأنه عن أبي أيوب، ثم إن عقبة قال: أكذلك؟ يعني: أكذلك قال رسول الله؟ قال: نعم، إذاً: هو حديث عن صحابيين، والحديث يعتبر حديثين الآن؛ لأن الحديث عندهم واحد باعتبار الصحابي؛ لأنه قد يكون جاء من صحابي آخر فيكون حديثاً آخر، فعندما يعدون الأحاديث في الصحيحين أو في غيرهما، يعدونها باعتبار الصحابة، فلو كان الحديث جاء عن عدة من الصحابة ما يعتبرونه حديث مكرر، هو حديث مكرر باعتبار الصحابي، فإذا جاء عن صحابي واحد في عدة مواضع قالوا: مكرر، لكن إذا جاء الحديث نفسه عن فلان وعن فلان وهو حديث واحد يعتبر حديثين، فلا يعتبرونه حديثاً واحداً، الحديث عندهم باعتبار الصحابي، فلو كان حديثاً جاء عن صحابي آخر اعتبر حديثين، وعندما يعدون ما يعدون عن الصحابيين حديثاً واحداً، وإنما عن كل صحابي حديثاً، والأحاديث بدون تكرار يعدون فيها، لو جاء الحديث عن عدد من الصحابة لاعتبروه عدة أحاديث؛ لأن الحديث عندهم باعتبار الصحابي لا باعتبار متنه ولو كثرت صحابته، وإنما المكرر عندهم باعتبار الصحابي الواحد كونه يأتي عن صحابي ويتكرر ألفاظه، مثل: حديث المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين جاء في مواضع عديدة، هذا يقال له: حديث مكرر في سنن النسائي، لكن هذا الحديث الذي معنا الآن: حديث أبي أيوب، وحديث عقبة بن عامر يعتبران حديثين وليس حديثاً واحداً.إذاً: عاصم بن سفيان يروي الحديث عن أبي أيوب الأنصاري، وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنهما؛ لأن أبا أيوب هو الذي ساق الحديث، ثم قال أبو أيوب لـعقبة بن عامر: أكذلك؟ قال: نعم. معناه: أن عقبة بن عامر وافق أبا أيوب على أنه سمع الحديث من رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث قال له أبو أيوب: أكذلك يا عقبة ؟ قال عقبة: نعم.إذاً: الحديث عن عقبة وعن أبي أيوب معاً، وكما قلت لكم: إن الحديث يكون باعتبار الصحابي، مثل حديث جبريل المشهور، هو متفق عليه من حديث أبي هريرة، وانفرد به مسلم من حديث عمر، هو نفسه حديث جبريل المشهور، لكنه عند مسلم من حديث عمر، وعند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، فهو متفق عليه من حديث أبي هريرة، ومن أفراد مسلم من حديث عمر.إذاً: الحديث باعتبار الصحابي، لا يقال: إن حديث عمر وحديث أبي هريرة مكرر، وإنما حديث عمر إذا جاء في عدة مواضع مكرر، وحديث أبي هريرة إذا جاء في عدة مواضع مكرر، لكن حديث عمر مستقل، وحديث أبي هريرة مستقل.كذلك مثل حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، فهو موجود في البخاري من حديث ابن عمر، وقد قال ابن حجر في شرح الحديث: وهذا الحديث من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، أربعين ألف حديث لا يوجد فيها حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس)، لكنه موجود من حديث أبي هريرة في مسند الإمام أحمد.فقوله: (خلا منه مسند الإمام أحمد) يعني: خلا منه من حديث ابن عمر، لكن ما خلا منه من حديث أبي هريرة؛ ذلك لأن الحديث باعتبار الصحابي لا باعتبار لفظه وباعتبار متنه، بل هو باعتبار صحابيه.ومتن الحديث يقول عاصم بن سفيان الثقفي: أننا غزونا السلاسل ففاتنا الغزو، فرابطنا، يعني: جلسوا في الثغور مدة عند الحدود التي تكون مع الأعداء، جلسوا في الثغور ليحرسوا بلاد المسلمين من أن ينقض عليهم الكفار، ثم عادوا وجاءوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب الأنصاري وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنهما، فقال عاصم يخاطب أبا أيوب: إننا غزونا العام وفاتنا الغزو فرابطنا، وأخبرنا أن من صلى في المساجد الأربعة غفر له ما تقدم من ذنبه، فقال أبو أيوب: ألا أدلك على ما هو أيسر من ذلك؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر؛ غفر له ما تقدم من عمله) يعني من عمل سيئ. هذا هو المقصود من إيراد الحديث، من توضأ كما أمر ففضل الله تعالى أن يغفر له، لكن هذه المغفرة كما عرفنا مراراً هي للسيئات التي هي الصغائر، وأما الكبائر فلا بد فيها من توبة، فالكبائر تكفرها التوبة، وأما الصغائر فتكفرها الأعمال الصالحة، كما قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] يعني: الصغيرة تكفر باجتناب الكبائر، وتكفرها الأعمال، فإذا وجدت الأعمال الصالحة ووجد معها توبة من جميع الذنوب لا شك أن هذه التوبة وهذا العمل الصالح كفر ما مضى من كبائر وصغائر، أما أن يعمل الإنسان العمل الصالح وهو مصر على عمل سيئ؛ فهذا العمل الصالح الذي حصل منه لا يكفر ذلك السيئ الذي هو مصر عليه، وإنما يكفر الصغائر التي تكفر باجتناب الكبائر، والتي تمحوها الحسنات إذا جاءت بعدها، والطاعات إذا جاءت بعد السيئات الصغيرة تمحوها، وأما الكبيرة فلا بد فيها من توبة.إذاً: الحديث يدل على عظم ثواب الوضوء عند الله عز وجل، فمن توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، غفر له ما تقدم من عمل.الحديث في أوله: أنا غزونا، يعني: السلاسل، يعني: غزوة من الغزوات، ولكن فاتهم الغزو، ولكنهم لما فاتهم جلسوا مرابطين في الثغور وفي المداخل، ولما لقوا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم سألوهم، ووجهوا السؤال لـأبي أيوب الأنصاري: أنه بلغنا أن من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه، فـأبو أيوب قال: (ألا أدلك على ما هو أيسر من ذلك؟).هذا اللفظ الذي قال: (أخبرنا). هذا كما هو معلوم لم يبين المخبر، وهو كما هو معلوم لا يقال بالرأي، ولكن الذي قاله تابعي وما عزاه إلى أحد، ولا أدري شيئاً عن ثبوته، لكن أبو أيوب أرشده إلى ما هو أيسر من هذا، فذاك عمل فيه مشقة؛ لأنه يحتاج إلى سفر ويحتاج إلى عناء، لكن هذا الشيء ما يحتاج إلى سفر، كون الإنسان يتوضأ كما أمر، ويصلي كما أمر، ثم يغفر الله له ذنوبه، وهو أسهل من هذا الأمر الذي يحتاج إلى سفر.والمساجد الأربعة هنا مطلقة ولا ندري ما هي، وكما قال أحد الشراح: لعل المقصود بها المساجد الأربعة التي تشد الرحال إليها بإضافة مسجد قباء؛ لأن هذه هي المساجد التي جاءت فيها فضيلة تخصها، والمساجد الثلاثة -وهي: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى- ومسجد قباء، فالثلاثة التي يشد الرحال إليها وقباء، فمن جاء إلى المدينة ومن كان في المدينة؛ فإن ذهابه إلى قباء فيه فضيلة، وفيه أجر عظيم ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمساجد الأربعة لعله يريد بها هذه المساجد التي هي: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، ومسجد قباء.لكن أبا أيوب رضي الله عنه أرشده إلى عمل لا يحتاج إلى سفر، وليس فيه مشقة يعني من حيث السفر، وإنما من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل، أي: من عمل سيئ.فهذا يدلنا على فضل الوضوء وعلى ثواب الوضوء، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له؛ لأن فيه ثواب من توضأ كما أمر، وصلى كما أمر، وهو قوله: (غفر له ما تقدم له من عمل).ثم قال أبو أيوب: (أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم).إذاً: الحديث جاء عن صحابيين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم.وهذا أيضاً يدلنا على ما كان عليه سلف هذه الأمة من الحرص على الجهاد، ومن العمل أو البحث عن عمل فيه أجر وفيه ثواب؛ لأن هؤلاء لما فاتهم الجهاد رابطوا، ثم أيضاً سألوا عن عمل تحط به الخطايا وترفع به الدرجات.

تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ كما أمر... غفر له ما قدم من عمل)

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].وهو قتيبة بن سعيد، وهو الذي تقدم.[حدثنا الليث].هو الليث بن سعد المصري، الإمام المشهور، الثقة الفقيه المحدث، مكثر من الحديث، وإمام مشهور في الفقه، وهو فقيه مصر، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي الزبير].هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي، وهو صدوق يدلس، أي: صاحب تدليس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان بن عبد الرحمن].وهو: سفيان بن عبد الرحمن بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي، وسفيان بن عبد الرحمن مقبول، روى له النسائي وابن ماجه .وقوله: [عن عاصم].و عاصم هو جده، وسفيان بن عبد الرحمن يروي عن جده عاصم بن سفيان بن عبد الله، وعاصم هذا صدوق، وخرج له أصحاب السنن الأربعة، وهذا هو التابعي الذي لقي هؤلاء الصحابة وسأل أبا أيوب، وهو الذي حصل منه الجهاد والرباط، وحصل منه السؤال لـأبي أيوب وكان بحضور معاوية وعقبة، وأجابه أبو أيوب بما أجابه به، ثم قال: أكذلك يا عقبة ؟ فقال: نعم. فدل على أن عاصماً هذا يرويه عن صحابيين؛ يرويه عن أبي أيوب الأنصاري وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنهما.وقوله: [عن أبي أيوب الأنصاري].وهو: أبو أيوب الأنصاري الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نزل عليه في داره لما قدم المدينة، فأول ما قدمها نزل في دار أبي أيوب هذا، وقد مر ذكره فيما مضى، وتوفي وهو في الغزو في بلاد الروم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل في داره كانت مكونة من دورين، أي: دار أبي أيوب كما في صحيح مسلم، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم في الدور الأول وكان هو فوق، ثم بعد ذلك جاء وقال: لا أريد أن أكون تحتك، بل أنت الذي تكون فوق، فألح عليه حتى قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل من فوق، والحديث في صحيح مسلم، يعني: هذا الرجل سبق أن مر، وهو الذي نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في داره عندما قدم المدينة قبل أن يبني المسجد وقبل أن يبني حجرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن.وقوله: [ عقبة بن عامر].هو: عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي جاء عنه في الصحيح أنه قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل، فلما كانت نوبتي روحتها بعشي) يعني: بكر في الانصراف، ثم جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وحضر مجلسه وسمع حديثه، وكان يحدث عن الوضوء وعن الذكر بعد الأذان، فقال لما سمع قال. والحديث في صحيح مسلم، أنه قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: بعضهم بدل ما يكون كل واحد يسرح بإبله يجمعونها وكل واحد يروح فيها يوم، والباقين جالسين يسمعون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما صارت نوبته أتى بها مبكراً بعشي، ثم جاء وأدرك بقية المجلس مع رسول الله، وسمع حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

شرح حديث: (من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد عن شعبة عن جامع بن شداد قال: سمعت حمران بن أبان أخبر أبا بردة في المسجد أنه سمع عثمان رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (من أتم الوضوء كما أمره الله عز وجل، فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن).ثم أورد النسائي حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي يرويه عنه مولاه حمران بن أبان، والذي يقول فيه عثمان: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتم الوضوء كما أمره الله، فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن)، يعني: من أتم الوضوء وصلى الصلوات الخمس، فهو كفارة لما بينهن، فالصلاة من شرطها الوضوء، فمن أتى بالشرط وبالمشروط كما أمره الله، فالصلوات الخمس كفارة لما بينهن.ومن المعلوم أن الصلوات تنبني على وضوء، ولا صلاة بدون وضوء كما تقدم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور)، فإذا توضأ الإنسان وأتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس كفارة لما بينهن، وهذا شاهد للحديث الذي مضى حديث أبي أيوب، وحديث عقبة بن عامر الجهني، أيضاً هو من الشواهد؛ لأنه في معناه والكل يدل على فضل الوضوء وفضل الصلاة، وثواب الوضوء، وثواب من توضأ كما أمر ومن صلى كما أمر، يعني: أن الصلوات كفارة لما بينهن، كل صلاة تكفِّر ما بينها وبين الصلاة الأخرى، أي: الصغائر، أما الكبائر فالأمر يحتاج فيها إلى توبة كما عرفنا ذلك من قبل.إذاً حديث حمران عن عثمان: (من أتم الوضوء كما أمر فالصلوات الخمس كفارة لما بينهن) يدل على فضل الوضوء، إذا توضأ كما أمر، وأتم الوضوء كما أمر، فهو دال على ثوابه وعظم أجره مع الصلوات الخمس؛ لأن الوضوء كما هو معلوم هو شرط للصلاة، والصلاة مشروط الوضوء، وكل منهما فيه هذا الثواب العظيم عند الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى، هو: الصنعاني، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي وابن ماجه، وأبو داود في كتاب القدر ولم خرج له في السنن.[عن خالد].خالد، وهو ابن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة بن الحجاج].وهو شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن جامع بن شداد].وهو جامع بن شداد المحاربي أبو صخرة الكوفي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حمران].وهو حمران بن أبان مولى عثمان، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عثمان].وهو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحديثه عند الكتب الستة. [أخبر أبا بردة].أبو بردة ليس من رواة الإسناد هنا؛ وإنما جاء ذكره لأن جامع بن شداد لم يحدث بالحديث، ولكن الذي حُدث به هو: أبو بردة؛ لأن حمران بن أبان يحدث أبا بردة، وهذا يسمع الذي هو: جامع بن شداد، فروى ما سمعه، وقد عرفنا فيما مضى أن الإنسان له أن يتحمل، وإن لم يقصد هو بالتحديث، فإذا سمع من يحدث غيره فله أن يتحمل ويحدث بما سمع، وقد ذكرنا عمل النسائي مع الحارث بن مسكين، بل إنه منعه من أن يأخذ عنه، ومع ذلك يجلس من وراء الستار ويسمع، وهو يحدث غيره، ثم هو يروي، فرواية الراوي ما سمع وإن لم يكن هو مقصوداً بالتحديث سائغ ومعروف عند المحدثين، وأن الإنسان إذا سمع غيره وإن لم يكن يحدثه هو وإنما يحدث غيره فإنه له أن يروي عنه. وهنا: جامع بن شداد ما حدثه حمران، ولكنه سمع حمران يحدث أبا بردة.إذاً: فالحديث يرويه جامع عن حمران، وحمران يروي عن عثمان، وأبو بردة ليس من رواة الإسناد هنا؛ لأنه ذكر على أنه يحدَّث. وذكرنا سابقاً أن شريح بن هانئ جاء وسأل عائشة عن المسح على الخفين، فدلته على علي، وراح إلى علي وأخبره بالحديث، فـعائشة ليست من رواة الإسناد؛ لأنها دالة فقط، والحديث أخذه شريح بن هانئ عن علي رضي الله عنه.أما هنا فـأبو بردة ليس من رجال الإسناد، وإنما هو الذي حدثه حمران، وفي وقت تحديث حمران إياه، وهو في المسجد سمعه جامع بن شداد.فإذاً: جامع بن شداد ضبط ما روى، وهو الحديث الذي رواه عن حمران عن عثمان.ومما يدل على ضبطه: أنه ذكر الشخص المحدث، وذكر المكان الذي حصل فيه التحديث وهو المسجد، فهذا مما يدل على ضبط الراوي؛ لأنه كونه يذكر مع التحديث أموراً لها علاقة فهذه تدل على ضبط الراوي، ومثلما جاء في الحديث حديث ابن عمر: (أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب)؛ لأنه تذكر الهيئة التي كان عليها.

شرح حديث: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن الوضوء ... إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران مولى عثمان أن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة، إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)].يقول النسائي رحمه الله في هذا الحديث وهو حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة، إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها).وهذا الحديث هو من ضمن الأحاديث التي أوردها النسائي رحمه الله تحت باب: ثواب من توضأ كما أمر، وهو حديث عثمان رضي الله عنه وهو آخرها، وأن هذا من الثواب الذي يحصله من أدى الواجب عليه من الوضوء، الذي هو أحد شروطها، أي: الصلاة.وهذا الحديث من جملة الأحاديث التي أوردها، وبعده حديث في نفس الباب، يقول: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينها وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)، وهذا يدل على عظم فضل الوضوء، وعلى عظم ثوابه عند الله عز وجل، وأن الإنسان إذا توضأ، وصلى فإن الله تعالى يغفر له ما بين الصلاتين، ما بينها وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها.فقوله: (حتى يصليها)، يشعر بأنه يغفر الذنوب المستقبلة، على أنها إذا وقعت التي هي الصغائر، فإنها تكفَّر باجتناب الكبائر، وتكفَّر أيضاً بفعل الصلوات وبفعل الطاعات، ومن ذلك الوضوء والصلاة، فإن الله تعالى جعل ذلك سبباً لمغفرة الخطايا التي هي الصغائر.وأما الكبائر فإنه لا بد فيها من التوبة، ولهذا فإن الإنسان يصلي وهو محسن في صلاته؛ لأن الصلاة من خير ما يفعل الناس، لكن قد يكون عنده ذنوب أخرى اقترفها كبائر؛ فإن صلاته لا تكفِّر عنه تلك الكبائر، وتكفير الكبائر يحتاج إلى توبة، فإذا حصل منه صلاة، وحصل منه وضوء، وقد تاب من الكبائر، وتاب إلى الله توبة نصوحاً، وعمل هذا العمل، فإنه يحصل تكفير الجميع، لكن تكفير الكبائر هو بالتوبة، أما تكفير الصغائر فهو بالأعمال الحسنة، والأعمال الطيبة التي يفعلها، ومن ذلك الوضوء والصلاة، فإنه يكفَّر له ما بينها وبين الصلاة الأخرى.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما من امرئ يتوضأ فيحسن الوضوء ... إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)

قوله: [أخبرنا قتيبة ].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكر هذا الرجل كثيراً، بل إن ورود ذكره أكثر من ذكر غيره، وهو أول شيخ روى له النسائي في سننه، وما أكثر ما يأتي ذكر قتيبة بن سعيد في رواية النسائي عنه.[عن مالك ].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة التي كان لأصحابها أتباع وأصحاب عنوا بتدوين ذلك الفقه وجمعه، فحفظت مذاهبهم وأقوالهم في المسائل الفقهية بسبب وجود أتباع لهم يعتنون بفقههم وغيرهم من الفقهاء في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم، فحصل له مثل ما حصل لهؤلاء من وجود من يعنون بجمع فقههم ويخدمونه ويحرصون عليه، فلهذا لم يحصل تدوين ما جاء عنهم من الفقه وما جاء عنهم من الكلام في مسائل الفقه ما حصل، وإنما حصل لهؤلاء الأربعة الذين هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة الله على الجميع.وهؤلاء الأربعة الذين أولهم: أبو حنيفة، ثم بعده مالك، ثم بعده الشافعي، ثم بعده الإمام أحمد بن حنبل وهو آخرهم، والشافعي ولد في السنة التي مات فيها أبو حنيفة ، وهي مائة وخمسين من الهجرة، وتوفي سنة مائتين وأربع، فعمره أربع وخمسون سنة، وكل من الثلاثة الأخيرين يروي بعضهم عن بعض، وبعضهم شيوخ لبعض، أي: أن مالك شيخ للشافعي ، والشافعي شيخ للإمام أحمد ، وقد جاء في مسند الإمام أحمد حديث يرويه الإمام أحمد عن الشافعي ، والإمام الشافعي يرويه عن الإمام مالك ، فهو مسلسل بثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة المعروفة، وهو حديث: (نسمة المؤمن كطائر يعلق في الجنة)، هذا هو الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك ، فهؤلاء الثلاثة يروي بعضهم عن بعض هذا الحديث، ولهذا لما ذكره ابن كثير في تفسير قول الله عز وجل في سورة آل عمران: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، قال بعد أن ذكره بإسناده، قال: وهذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة يروي بعضهم عن بعض، حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة). فإذاً: الثلاثة الأخيرين كل واحد يروي عن الآخر، وكل منهم يكنى بأبي عبد الله، فـمالك كنيته أبو عبد الله ، والشافعي كنيته أبو عبد الله، والإمام أحمد كنيته أبو عبد الله ، فالثلاثة يروي بعضهم عن بعض، وكل واحد منهم يكنى بأبي عبد الله، وهذا الحديث الذي أشرت إليه هو مما حصل بهذه السلسلة أو بهذه الرواية التي هي كون ثلاثة من أصحاب المذاهب في إسناد هذا الحديث.وحديث الإمام مالك عند أصحاب الكتب الستة: البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .[ عن هشام بن عروة ]. هو: هشام بن عروة بن الزبير ، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو عروة بن الزبير بن العوام ، وهذا من التابعين ومن الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، فيقال عن مسألة اتفقوا عليها: وقال بها الفقهاء السبعة، قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، ويقال لهم: الفقهاء السبعة؛ لأنهم في عصر واحد، وكانوا في المدينة، وكانوا أهل فقه، ويُرجع إليهم في الفقه، وهم أيضاً محدثون؛ لأنهم ممن روى عن الصحابة، وهؤلاء السبعة ستة متفق على عدهم في السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال، فالسبعة المتفق على ذكرهم هم: سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، هؤلاء ستة متفق على عدهم في فقهاء المدينة السبعة.وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال؛ فمن العلماء من يجعل السابع: سالم بن عبد الله بن عمر ، ومنهم من يجعل السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ومنهم من يجعل السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، فهؤلاء ثلاثة اختلف في جعلهم السابع.وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه إعلام الموقعين، حيث ذكر فقهاء الأنصار من الصحابة والتابعين، ولما جاء عند ذكر المدينة وذكر فقهائها في زمن الصحابة وفي زمن التابعين ترى أن من فقهائها في زمن التابعين هؤلاء السبعة، ولكنه جعل السابع منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وذكر بيتين يشتملان على عدهم لا أدري لمن هذين البيتين: هل هما لـابن القيم أو لغيره، يقول فيهما:إذا قيل من في العلم سبعة أبحرروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةهذا البيت الثاني يشمل السبعة، والسابع فيهم على أحد الأقوال: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .وعروة بن الزبير هذا حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن حمران مولى عثمان ].هو حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان ، رضي الله تعالى عن عثمان وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ عن عثمان ].هو أمير المؤمنين ذي النورين، وصهر الرسول صلى الله عليه وسلم على ابنتيه: رقية ، ثم أم كلثوم ، وصاحب المناقب الكثيرة والخصال الحميدة، وهو ثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وعن الصحابة أجمعين، لا سيما في ذكر هذا الحديث الذي يتعلق بالوضوء؛ فإن النسائي أورده في أبواب متعددة يستدل به على موضوعات مختلفة، وهنا أورد الحديث الذي هو حديث حمران عن عثمان الذي فيه بيان ثواب الوضوء، وأن من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلاة فإن الله تعالى يغفر له ما بين الصلاة والصلاة الأخرى حتى يصليها.إذاً: فرجال هذا الإسناد هم: قتيبة بن سعيد ، ومالك بن أنس ، وهشام بن عروة ، وعروة بن الزبير ، وحمران مولى عثمان ، وعثمان، وهؤلاء الستة حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 01-04-2019 11:10 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح حديث عمرو بن عبسة في ثواب من توضأ كما أمر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا الليث هو ابن سعد حدثنا معاوية بن صالح أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر وضمرة بن حبيب وأبو طلحة نعيم بن زياد، قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول: سمعت عمرو بن عبسة رضي الله عنه يقول: قلت: (يا رسول الله! كيف الوضوء؟ قال: أما الوضوء فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك، وغسلت رجليك إلى الكعبين اغتسلت من عامة خطاياك، فإن أنت وضعت وجهك لله عز وجل خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمك.قال أبو أمامة: فقلت: يا عمرو بن عبسة! انظر ما تقول، أكل هذا يعطى في مجلس واحد؟ فقال: أما والله لقد كبرت سني، ودنا أجلي، وما بي من فقر فأكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم)].ثم أورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه الذي يروي فيه الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام المتعلق، أو الدال على ثواب من توضأ، وعِظم ثوابه عند الله عز وجل.وعمرو بن عبسة يرويه عن أبي أمامة الباهلي ، وهما صحابيان، فالحديث من رواية صحابي عن صحابي، وعمرو بن عبسة صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء؟ فقال له: (أما الوضوء فإنك إذا غسلت يديك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك)، يعني: أنه إذا غسلهما عند البدء في الوضوء، فإنه يبدأ بغسل اليدين، وهذا كما هو معلوم وسبق أن مر، وهذا من الأمور المستحبة في الوضوء أنه عندما يبدأ الإنسان بالوضوء يغسل يديه خارج الإناء الذي يتوضأ منه، فإذا غسلهما وأنقاهما أدخل يده اليمنى في الإناء وأخذ -غرف- منها لغسل الأعضاء، فيقول: (إذا غسلت يديك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أناملك وأظفارك)، يعني: أن المقصود من ذلك الخطايا المتعلقة باليدين فإنها تخرج مع الماء.وهذا الحديث الذي معنا يتفق مع ما جاء في الحديث الذي سبق أن مر عن الصنابحي الذي يدل على فضل الوضوء، ولما يحصل من الأجر والثواب وحط الخطايا عند الوضوء، وهنا يقول: (إذا غسل يديه خرجت الخطايا من بين أنامله وأظفاره)، يعني: الخطايا المتعلقة باليدين، والمقصود من ذلك: الخطايا التي هي صغير والتي تغفر بفعل الطاعات، أما الخطايا الكبيرة التي يجتنيها الإنسان ويقترفها بيديه، ويكتسبها بيديه باجتراحه فيهما، وهي أمور كبيرة كأخذ المال الحرام وغير ذلك مما يحصل عن طريق الأيدي من الكبائر، فإن هذا لا يغفر إلا بالتوبة.ثم قال: إنك إذا تمضمضت واستنشقت، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك، وغسلت الرجلين إلى الكعبين، فإنك اغتسلت من عامة خطاياك، أي: غالبها، يعني: أنك نظفت وسلمت منها وطهرت منها كما تحصل النظافة والطهارة لهذه الأعضاء التي قمت بغسلها. قوله: (فإن أنت وضعت وجهك لله عز وجل) يعني: صليت بعدما توضأت، وبعدما حصل لك الطهارة الحسية في غسل هذه الأعضاء، وكنت على طهارة. وقوله: (وضعت وجهك لله) بمعنى أنك صليت لله، سواء كان ذلك فريضة أو نافلة؛ لأن كون الإنسان توضأ وتنفل، أو توضأ وصلى فرضاً فهذا كله فيه وضع الوجه لله عز وجل. قال: (خرجت من خطاياك)، يعني: أنه يخرج نقياً من الذنوب كما ولد، لكن كما أشرت المقصود من ذلك الصغائر، أما الكبائر فإنه لا بد فيها من التوبة، والصغائر هي التي تكفَّر بفعل الطاعات.قوله: (كيوم ولدتك أمك)، يعني: أنه يكون نقياً من الذنوب، لكن المقصود من ذلك الصغائر، والكبائر معها إذا تاب مع فعله هذا، أو أن هذا الفعل قارنه توبة وإقلاع من جميع الذنوب.ومن المعلوم أن التوبة هي التي يتوفر فيها ثلاثة شروط: الأول: أن يقلع الإنسان من الذنب الذي اقترفه، بمعنى: أنه يكف ويمتنع منه. الثاني: أن يندم على فعله الذي مضى؛ لأنه أقلع عنه وكف عنه، لكن الأفعال الماضية قبل الإقلاع يندم عليها ويحزن عليها ويتألم لكونها حصلت منه. الثالث: أن يعزم في المستقبل أن لا يعود إلى ذلك.فهذه هي التوبة النصوح التي إذا حصلت من الإنسان ينتفع بتوبته، وإذا كانت المعصية تتعلق بحقوق آدميين، فإن عليه مع هذه الثلاثة: أن يرد الحقوق إلى أهلها، أو يستبيحهم إذا كانت ليست حقوق تؤدى وتسلَّم لهم، فيتحللهم ويطلب منهم أن يبيحوه، وأن يجعلوه في حل مما حصل منه عليهم من الاعتداء.فهذه هي شروط التوبة التي إذا حصلت من إنسان فإن توبته تنفعه، أما إذا لم تتوفر هذه الشروط، ولم تحصل هذه الشروط، وإنما يقول الإنسان بلسانه مع مخالفة قلبه لذلك، وكونه يحصل منه الامتناع لعدم تمكنه من المعصية، لكنه إذا سنحت له الفرصة انقض على الأمر المحرم وأقدم عليه؛ فهذا إصرار واستمرار.ثم مما ينبغي أن يعلم: أن الصغائر قد تلتحق بالكبائر؛ كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. يعني: أن الصغيرة إذا صحبها إصرار وقلة حياء وقلة مبالاة فإنها تعظم وتضخم حتى تلتحق بالكبائر، وعكس ذلك الكبيرة إذا حصل معها استغفار وندم فإنها تتضاءل وتضمحل وتتلاشى، إذاً الصغيرة مع الإصرار ليست صغيرة، بل تكون كبيرة، والكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتتلاشى حتى تذهب ولا يبقى لها أثر ولا وجود.فالصغائر التي يحصل الإصرار عليها ولا يبالي بها الإنسان، فهذه قد تلتحق بالكبائر؛ لأنه صحبها قلة الحياء من الله، وقلة المبالاة، والإقدام على المعاصي وتكرارها، والإصرار عليها، وأنه متى وجد الفرصة إلى ذلك فعلها، فهذا إصرار، والإصرار على الصغائر يلحقها بالكبائر. وهذا هو معنى كلام ابن عباس: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.إذاً: فهذه شروط التوبة الأربعة التي لا بد منها في السلامة من: الكبائر، وأما الصغائر فإنه إذا لم يحصل الإصرار عليها، والتصميم والعزم على عدم العودة إليها، فإنها تكفَّر باجتناب الكبائر، وتكفَّر أيضاً بفعل الطاعات كما جاء في الأحاديث التي مر جملة منها.قوله: [قال أبو أمامة : فقلت: يا عمرو بن عبسة! انظر ما تقول، أكل هذا يعطى في مجلس واحد؟ فقال: أما والله لقد كبرت سني، ودنا أجلي، وما بي من فقر فأكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم].هنا أراد أبو أمامة رضي الله عنه أن يستثبت من عمرو بن عبسة ، ليس ذلك اتهاماً، ولكنه أراد أن يستثبت منه، وأن يحصل منه ما يدل أو ما يبين ضبطه وإتقانه لهذا الشيء الذي حدث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: (يا عمرو بن عبسة ، انظر ماذا تقول، أكل هذا يعطى في مجلس واحد؟) يعني: هذا الكلام الكثير كله يعطى في مجلس واحد؟ انظر ما تقول يا عمرو بن عبسة ، يقول أبو أمامة لـعمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنهما، فعند ذلك قال: إنه قد كبرت سنه، ودنا أجله، وأنه قريب من الموت، وقادم على الله عز وجل، ولم يحصل منه شيء يجعله عرضة لسخط الله ومقته وعذابه وعقابه. وبعد ذلك أتى بالكلمات المؤكدة فقال: (سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: هذا الكلام الذي قلته قد سمعته أذناي ووعاه قلبي، وهذا فيه الضبط الذي يوضح ويبين أنه قد سمعه، وأن الأذنين قد سمعته من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن قلبه قد وعاه، وهذا مما يؤكد به الكلام ويدل على ضبط الكلام. وقد قال مثل هذه العبارات أبو شريح الخزاعي رضي الله عنه لـعمرو بن سعيد الأشدق وهو يجهز الجيوش لقتال ابن الزبير لما كان في مكة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان والياً للأمويين من الشام، جاءه أبو شريح الخزاعي وقال له: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك حديثاً قام به الرسول صلى الله عليه وسلم من الغد من يوم الفتح سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي وهو يتكلم به، ثم قال: (إن الله تعالى حرم مكة ولم يحرمها الناس، وإنها حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وأنه لا يقطع شجرها، ولا يصاد صيدها، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها كما كانت بالأمس)، فبين أن القتال في مكة أنه لا يجوز.فالحاصل أن أبا شريح أتى بمثل هذه العبارات التي فيها التأكد، والتي فيها الضبط، والتي هي دالة على ضبط الراوي وإتقانه: سمعته أذناي، ووعاه قلبي. فهذا تأكيد الكلام، وضبط الكلام وإتقانه، وأن صاحبه قد أتقن ما أتى به.

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن عبسة في ثواب من توضأ كما أمر

قوله: [ أخبرنا عمرو بن منصور ].هو عمرو بن منصور النسائي ، هو نسائي كما أن المؤلف نسائي، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند النسائي وحده. [ حدثنا آدم بن أبي إياس ].هو آدم بن أبي إياس أحد الثقات، هو ثقة عابد، وحديثه أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.ولم يخرج له مسلم ولا ابن ماجه، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين لم يدركهم النسائي، ولهذا يروي عنه بواسطة؛ لأن آدم بن أبي إياس توفي بعد ولادة النسائي بست سنوات تقريباً، ولهذا يروي عنه بواسطة، فلم يدركه، ولكن البخاري أدركه، فهو من كبار شيوخه، ولهذا يروي عنه كثيراً مباشرة وبدون واسطة، أما النسائي فإنه يروي عنه بالواسطة، فيروي عنه بواسطة شيخه عمرو بن منصور.[حدثنا الليث هو: ابن سعد].كلمة (هو ابن سعد) هذه ما قالها آدم بن أبي إياس الذي هو التلميذ، وإنما قالها من دونه؛ إما عمرو بن منصور، أو النسائي ومن دون النسائي، وإنما قيل: هو؛ لأن هذا القول ممن دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج أن يقول هو، ينسبه كما يشاء، لو يأتي بنسبه عدة أسطر بيده هذا الشيء؛ لأن هذا الكلام كلامه، لكن إذا التلميذ قال كلمة (الليث) وما زاد عليها شيئاً، فإن من يأتي بعده إذا أراد أن يأتي بما يوضح نسب الليث، يضيف كلمة (هو) أو يقول التلميذ: يعني ابن سعد، فهذه العبارة يأتون بها من أجل أن يعرف بأنها زيدت ممن دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقولها، يعني: ينسب كما يشاء ويأتي بالألفاظ التي تتعلق بالشخص من حيث النسب، وهذا الذي ذكره التلميذ هذا يحتاج إلى إضافة هو، وإنما احتاجوا إليها لأنهم لو لم يأتوا بها لكانوا قولوا الشخص ما لم يقل، الذي هو التلميذ؛ فأتوا بعدة ألفاظ وهو ما أتى إلا بلفظ واحد؛ لأنه لو جاءت (حدثنا الليث بن سعد) سنؤمن بأن هذا كلام التلميذ، الذي هو آدم بن أبي إياس، لكن لما جاءت (هو) عرف أن الكلام الذي بعد (هو) ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ، أراد أن يبين هذا الشخص الذي ذكر اسمه ولم ينسب فأتى بنسبه، لكن بعد كلمة (هو). وأحياناً يأتي كلمة (يعني)، فهذه يقولها من دون التلميذ، والضمير ضمير مستتر يرجع للتلميذ، يعني: ابن فلان، فلو جاءت كلمة (يعني) في هذا المكان لكان الفاعل لـ (يعني) هو آدم بن أبي إياس، لكن القائل لها من دون آدم بن أبي إياس.والليث بن سعد أحد الثقات الأثبات، وهو محدث فقيه، وهو فقيه مصر ومحدثها، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا معاوية بن صالح].هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة، ومعاوية بن صالح يروي عن ثلاثة أشخاص وهم: أبو يحيى سليم بن عامر، وضمرة بن حبيب، وأبو طلحة نعيم بن زياد.[أبو يحيى سليم بن عامر].هو أبو يحيى سليم بن عامر، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.[وضمرة بن حبيب].هو ضمرة بن حبيب، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.[وأبو طلحة نعيم بن زياد].هو أبو طلحة نعيم بن زياد ، ثقة يرسل، وحديثه عند أبي داود والنسائي، وهؤلاء الثلاثة شيوخ لـمعاوية بن صالح بن حدير، فروى عنهم هذا الحديث.[قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي].هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وهو أحد الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.[سمعت عمرو بن عبسة].عمرو بن عبسة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وله ثمانية وأربعون حديثاً، لـمسلم عنده حديث واحد، وخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وليس للبخاري عنده أحاديث.

ابوالوليد المسلم 01-04-2019 11:12 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(55)

- باب القول بعد الفراغ من الوضوء - باب حلية الوضوء

بيّن الشرع الحكيم أجر الوضوء، وأن من جاء بالذكر الوارد بعده تفتح له أبواب الجنة الثمانية، وجعل الشارع هذا الوضوء زينة وعلامة لذلك المتوضئ يعرف بها يوم القيامة، فهي كرامة له في الدنيا والآخرة.
القول بعد الفراغ من الوضوء

شرح حديث عمر في القول بعد الفراغ من الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [القول بعد الفراغ من الوضوء.أخبرنا محمد بن علي بن حرب المروزي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)].يقول النسائي رحمه الله: باب: القول بعد الفراغ من الوضوء؛ يعني: الذكر الذي يذكر بعد أن يفرغ المتوضئ من وضوئه ماذا يقول، وقد أورد النسائي فيه حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الذي يرويه عنه عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، فهو من رواية صحابي عن صحابي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء) فهذا هو الذكر الذي يذكر عقب الفراغ من الوضوء، يشهد لله عز وجل بالألوهية والوحدانية، ويشهد لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالعبودية والرسالة فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.فهاتان الشهادتان هما متلازمتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فلا بد من شهادة أن لا إله إلا الله، ولا بد من شهادة أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تكفي واحدة منهما دون الأخرى، وإذا ذكرت إحداهما فإن الأخرى تابعة لها؛ لأن الشهادة لله عز وجل بالوحدانية هي حق الله عز وجل، والشهادة بأن محمداً عبده ورسوله هو بيان الطريق إلى الله عز وجل، والمنهج الذي يوصل به إلى الله سبحانه وتعالى، وهو ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا يأتي كثيراً الجمع بين الشهادتين، وأحياناً يذكر أو يكتفى بشهادة أن لا إله إلا الله، لكن الأخرى تابعة لها، وهي لازمة لها، ولا تنفك عنها؛ لأن من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله فإن شهادته لا تنفعه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه، قوله عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).وهذا فيه بيان أن اليهود والنصارى، وإن زعموا أنهم أتباع الأنبياء، وأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله إلا أنه بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لا بد لكل إنسي وجني بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ومن شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمداً رسول الله فإن ذلك لا ينفعه؛ لأن الله عز وجل أرسل رسوله إلى الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، فمن حين بعث إلى قيام الساعة لا ينفع أحداً أن يقول إنه تابع لنبي من الأنبياء، أو يشهد أن لا إله إلا الله دون أن يضيف إليها أشهد أن محمداً رسول الله، فهما شهادتان متلازمتان.وفي هذا الذكر أيضاً وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه عبد الله ورسوله، وهذا من أحب الأوصاف إليه، ومن الصفات التي أرشد إليها عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رواه البخاري في صحيحه يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، فهذا وصف بأنه عبد وهي من أخص أوصافه، ولهذا الله عز وجل ذكر هذا الوصف في المقامات الشريفة، والمقامات العالية، جاء وصفه به عند إنزال القرآن: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، وعند الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19].فرسوله عبد لا يُعبد؛ لأنه عابد لله عز وجل.أما وصفه بأنه رسول الله فإن هذا الوصف فيه الشهادة له بالرسالة، وأنه رسول من عند الله، فهو عبد لا يُعبد ورسول لا يكذب، بل يطاع، ويتبع عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.فهذان الوصفان من أخص أوصافه، ولهذا يأتي ذكرهما في مواضع عديدة في إرشاد النبي عليه الصلاة والسلام بأن يقال هذا اللفظ، وفي الثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام عندما تذكر الشهادة له بالرسالة، والعبودية مع ذكر الشهادة لله عز وجل بالألوهية والربوبية له سبحانه وتعالى.وحديث: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، جاء في رواية عند الترمذي مع هذا الذكر: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) فهذا الذكر الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين فضله وعظم أجره عند الله عز وجل، مع كون الإنسان يتوضأ، ويحسن الوضوء؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: [(من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)] فهذا يدلنا على فضل هذا الذكر، وعلى فضل الوضوء وإحسانه، والإتيان بهذا الذكر عقبه، وأن فيه هذا الأجر الجزيل، والثواب من الله سبحانه وتعالى.وهذا الحديث رواه عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من رواية صحابي عن صحابي، وقد رواه مسلم في صحيحه، فهذا حديث عقبة من طريق عمر، وروى الحديث الذي سيأتي بعد باب، وهو دال على فضل الوضوء، وعلى صلاة ركعتين بعد الوضوء وقد رواه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بدون واسطة.وهذا الحديث والحديث الذي سيأتي وهو حديث عقبة بن عامر الذي يقول فيه: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة) جمعهما مسلم رحمه الله في حديث واحد، وذلك أن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: أن كل واحد منهم له عدد من الإبل، وبدلاً من أن يرعى كل واحد إبله، ويغيبون عن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا يتناوبون الإبل، يجمعون بعضها إلى بعض، ثم كل واحد يرعاها يوم من الأيام، والباقون يجلسون في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام يتلقون الحديث منه، ويتلقون منه السنن.قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل، فلما جاءت نوبتي روحتها بعشي) يعني: لما كان اليوم الذي يرعى الإبل هو، روحها بعشي مبكراً، فجاء وأدرك النبي عليه الصلاة والسلام قائماً يحدث الناس فسمعه يقول: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة، فقال: ما أجود هذه، وإذا عمر يسمعه)، فقال: (التي قبلها أجود) يعني: هذه التي حضرها؛ لأن عقبة بن عامر حضر هذا الحديث الذي سمعه، ولكن الذي ما حضره، وقد فاته ذكره به، ودله عليه عمر بن الخطاب فقال: (إني رأيتك جئت آنفاً، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال..) وهذا الذي يعنيها بقوله: إنها أجود، وهي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء).فهذا الحديث رواه مسلم من طريق: عقبة بن عامر الجهني، أحد الحديثين رواه عقبة عن النبي عليه الصلاة والسلام وقد أدركه في آخر المجلس، والثاني الذي هو الأول هنا رواه عقبة عن عمر، وهذا هو الذي فاته في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث عمر في القول بعد الفراغ من الوضوء

قوله: [محمد بن علي بن حرب المروزي].محمد بن علي بن حرب المروزي يلقب: الترك، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وأحياناً ينسب إلى جده ويحذف أباه، فيقال: محمد بن حرب، وهو: محمد بن علي بن حرب، وهنا منسوب إلى أبيه.[حدثنا زيد بن الحباب].زيد بن الحباب، وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري، وحديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا معاوية بن صالح].وهو معاوية بن صالح بن حدير الذي مر معنا، وهو صدوق له أوهام، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وعند مسلم، وعند أصحاب السنن الأربعة.[عن ربيعة بن يزيد].وهو ربيعة بن يزيد الدمشقي، وهو ثقة، عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان]. أبو إدريس الخولاني، واسمه: عائذ الله؛ يعني: ذو عياذ بالله، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بها كثيراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.أما أبو عثمان الذي قرن معه فاختلف فيه، فقيل: هو: سعيد بن هانئ الخولاني المصري قال ذلك بعض العلماء، ومنهم من قال: إنه: حريز بن عثمان الرحبي، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب، وقال: هو: سعيد بن هانئ المصري، وقيل: حريز بن عثمان، وإلا فهو مجهول، فهو إما هذا وإما هذا، والرمز له عند مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، ولا يضر سواء عرف أو لم يعرف؛ لأن الحديث ما بني عليه، والإسناد هو تابع، والتعويل على أبي إدريس الخولاني، سواء جاء أبو عثمان، وسواء عرف أو لم يعرف، فالحديث ثابت؛ لأنه ما دام أن الحديث عن أبي إدريس الخولاني، وأبو إدريس الخولاني ثقة، مشهور، وهو من رجال الجماعة فإنه لا يؤثر، والاثنان سعيد بن هانئ المصري وكذلك حريز بن عثمان هما من رجال الصحيحين، أو أحدهما، فلا يؤثر؛ يعني: سواء كان هذا أو هذا أو كان مجهولاً فهو كما لو قالوا في بعض الأسانيد: حدثنا فلان وغيره، فأحياناً هكذا يقولون، كلمة (غيره) هذه لا تؤثر؛ يعني: جاءت (غيره) أو لم تأت فالتعويل على المعطوف عليه لا على المعطوف. إذاً: فالجهل به إن كان مجهولاً فإنه لا يؤثر؛ لأن العمدة على غيره وليس عليه.[عن عقبة].هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وله خمسة وخمسون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم منها على سبعة، وانفرد البخاري بحديث، وانفرد مسلم بتسعة أحاديث وهو صاحب حديث اللقطة الطويل.[عمر بن الخطاب]. عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أمير المؤمنين أبي حفص، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، بل هو ثاني أفضل العشرة بعد أبي بكر رضي الله تعالى عن الجميع، وقد مر ذكره في الأحاديث الماضية، بل في حديث: (إنما الأعمال بالنيات) الذي مر في باب النية في الوضوء.
حلية الوضوء

شرح حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حلية الوضوء.أخبرنا قتيبة عن خلف وهو: ابن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: (كنت خلف أبي هريرة رضي الله عنه وهو يتوضأ للصلاة، وكان يغسل يديه حتى يبلغ إبطيه، فقلت: يا أبا هريرة! ما هذا الوضوء؟ فقال لي: يا بني فروخ! أنتم ها هنا؟ لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حلية الوضوء، أتى بهذه الترجمة؛ لأنها موجودة في لفظ الحديث، والمقصود بالحلية هي الزينة، والمقصود من ذلك أن علامة الأمة يوم القيامة هي: كونهم يتوضئون، يأتون غراً محجلين، فهي زينة لهم، وعلامة لهم يعرفون بها يوم القيامة، فيكون في الوضوء فوائد دنيوية وأخروية، دنيوية تكون فيه نظافة، وجمال ظاهر في الدنيا، في الآخرة فيه زينة وجمال، وأنهم يأتون غراً محجلين من آثار الوضوء، فهي تعتبر جمالاً لهم، وبهاءً، وحسناً.أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، يقول أبو حازم: (كنت وراء أبي هريرة، وهو يتوضأ، فكان يغسل ذراعيه حتى يصل إلى الإبطين) يعني: يبالغ في غسل اليدين حتى يصل إلى الإبطين.فلما رآه قال: (ما هذا يا أبا هريرة! قال: يا بني فروخ! أنتم ها هنا؟ لو كنت أعلم أنكم ها هنا ما توضأ هذا الوضوء) ثم بين مستند في ذلك وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) فكان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه يبالغ، ويزيد حتى يصل إلى المنكبين، ويأخذ من هذا الحديث أنه يبالغ حتى يصل إلى هذا؛ لأن هذه علامة يوم القيامة لهذه الأمة، (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء).هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)، لكن أبو هريرة زاد على القدر المشروع رغبة في أن يزيد تحجليه، أو تزيد تلك الحلية، لكن هل هذا الفعل الذي فعله أبو هريرة جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ لا. ما جاء عن رسول الله، وإنما الذي جاء عنه أنه يشرع في العضد، ويتجاوز المرفقين، ولا يقتصر عليهما فقط، بل يدخل في العضد ويشرع فيهما، وهذا هو الذي ينبغي أن يصار إليه، ولا يزاد على ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.إذاً: فيكون قوله عليه الصلاة والسلام: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) هو الوضوء الشرعي الذي ثبت عن رسول الله، وأقصى حد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التجاوز للمرفقين بحيث يدخل في العضد، ويدخل في الساق بالنسبة للرجلين، لكنه لا يتوغل فيهما، ولا يكثر من الغسل منهما، وإنما يشرع فيهما، ويدخل فيهما.فإذاً: ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يقتصر عليه ويفعل، ويكون معنى قوله: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) يعني: الوضوء الشرعي الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه فهو اجتهاد منه، والأولى هو الاقتصار على ما فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)

قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو: قتيبة بن سعيد، وهو أحد الثقات، الأثبات، ومن رجال الجماعة.[عن خلف بن خليفة].خلف بن خليفة قيل عنه: هو الأشجعي الكوفي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق اختلط في الآخر، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي مالك].وهو: سعد بن طارق الأشجعي أبو مالك الأشجعي، وهو ثقة حديثه عند البخاري تعليقاً، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي حازم].أبو حازم، وهو: سلمان الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المكثرين بل هو أكثرهم على الإطلاق.

شرح حديث: (... فأنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل بهم دهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي فيه أن النبي عليه السلام قال لأصحابه: (وددت أني رأيت إخواني، قالوا: ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد).فالرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا عندما خرج إلى المقبرة، ودعا لأهل القبور وقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين).وقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (وددت أني رأيت إخواني، وقول الصحابة: ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي) ليس ذلك نفياً لكونهم إخواناً له، وإنما المقصود من ذلك الإخوان الذين لم يحصلوا هذا الوقت، وأنهم جمعوا بين وصف الأخوة ووصف الصحبة، ووصف الصحبة هو الشرف الذي لا يماثله شرف، ولا يدانيه شرف، وأما وصف الأخوة في الإسلام هو حاصل لهم ولغيرهم، وأما الصحبة فهم الذين ظفروا بها، وهم الذين أكرمهم الله تعالى بها، ولم يشاركهم فيها أحد من الناس، فهم اختارهم الله لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام.وقوله: (أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد) يعني: أنتم أصحابي مع الأخوة، أما الإخوان الذين ليس لهم إلا الأخوة فهم الذين لم يأتوا بعد، لما قال: (الذين لم يأتوا بعد)، قالوا: كيف تعرفهم؟ يعني: كيف تعرف هؤلاء الذين لم يأتوا بعد وهم من أمتك؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام ضرب لهم مثلاً وقال: (أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة في خيل بهم دهم) يعني: إذا كان إنسان له خيل علامتها أنها غر محجلة؛ فيها بياض في جبهتها وعلى رأسها، وفي أيديها، وأرجلها بياض، وهناك خيل بهم ليس فيها بياض أبداً، شكلها شكل واحد، ألا يعرف خيله إذا كانت خيله غر محجلة مع تلك الخيل التي هي بهم دهم؟ ثم بين أنهم يأتون غراً محجلين من آثار الوضوء، يأتون يوم القيامة وهو يعرفهم بالتحجيل، يعرفهم بهذه العلامة التي هي كونهم غراً محجلين وإن لم يرهم، وإن لم يشاهدهم، وإن كانوا ممن يأتون بعد الرسول وبعد زمنه عليه الصلاة والسلام، لكن هذه العلامة هي الفارقة التي يعرفون بها.إذاً: فهذه حلية، وهذا هو الذي ترجم له النسائي: حلية الوضوء؛ وهي: أن الوضوء يأتي علامة وسيما لأمة محمد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة يعرفون بها، ويعرفهم النبي عليه الصلاة والسلام بهذه العلامة التي هي كونهم غراً محجلين، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ضرب هذا المثل في بيان معرفته لهم لوضوحهم، وأنهم وإن كان لم يشاهدهم في الدنيا وسيشاهدهم في الآخرة فإنه يعرفهم بهذه العلامة.وفي هذا ضرب الأمثال؛ لأن الأمثال فيها توضيح للمعاني وإبراز لها، وأن في ضرب المثل ما يقرب المعنى ويوضحه ويجعله جلياً، وما أكثر ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الأمثال في السنة؛ لأن فيها تقرير وتوضيح وبيان، وهذا من كمال بيانه، ومن فصاحته، وبلاغته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. قوله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)].هذا فيه زيارة القبور، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورها ويرشد إلى زيارتها، وقال: (زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يزور البقيع، ويدعو لأهله ويقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون).وقوله: (إنا إن شاء الله بكم لاحقون) هذا ليس مما يشك فيه، ويتردد، بل هذا من الأمور المحققة؛ لأن الموت آت لكل إنسان، آت لكل مخلوق، لا بد وأن يموت، ولكن ذكر إن شاء الله تبركاً باسم الله عز وجل، وكذلك من استعمال لفظ إن شاء الله في الأمور المستقبلة، وإن كانت محققة لا شك فيها ولا بد منها؛ لأن هذا من الأدب مع الله، وأن كل شيء يكون في المستقبل لا يكون إلا بمشيئة الله عز وجل، لكن حصول الموت شاءه الله تعالى، وهو كائن لا محالة، شاء الله تعالى أن يموت الناس، وهو واقع لا محالة.قوله: (وأنا فرطهم على الحوض) فرطهم يعني: الذي يسبقهم، ويكون أمامهم ينتظرهم، فيأتون يشربون من الحوض فيذاد عنه من يذاد، ويشرب منه من يشرب، وعلامة أمته عندما يردون حوضه ليشربوا منه أنهم غر محجلون من آثار الوضوء.

ابوالوليد المسلم 01-04-2019 11:13 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(56)

- باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين - باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

جعل الشارع ثواباً عظيماً وهو الجنة لمن أحسن الوضوء وصلى ركعتين بعده، كما أنه أخبر بانتقاض وضوء من أمذى ووجهه بأن يغسل موضع خروجه وما حوله.
ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

شرح حديث عقبة بن عامر في ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين.أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح حدثنا ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبير بن نفير الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة)].أورد النسائي باب: ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين، وأورد فيها: حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، الذي يقول فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة)، فهذا يدلنا على فضل هذا العمل، على فضل الوضوء وإحسانه، وعلى صلاة ركعتين بعده، وهذا يدل على استحباب ركعتين بعد الوضوء، وأن فيهما مع إحسان الوضوء هذا الثواب الجزيل من الله عز وجل، وأن تلك الصلاتين أو تلك الركعتين يكون فيهما مقبل بقلبه ووجه على الله عز وجل، بحيث يكون متجهاً إلى الله، وغير منشغل في أمور الدنيا، وإنما متجه إلى الله سبحانه وتعالى، يراه، ويخشى عقابه، فهذا أجره، وهذا ثوابه؛ أن الله تعالى أوجب له الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (وجبت له الجنة)، وهذا يدلنا على فضل هذا العمل، وأن الله عز وجل يجازي على هذا العمل -الذي هو إحسان الوضوء وصلاة ركعتين بعده- بهذا الثواب الجزيل منه سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

قوله: [أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي].وهو: موسى بن عبد الرحمن بن سعيد بن مسروق المسروقي، وهو ثقة، وحديثه عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وهو ثقة، وقد مر ذكره فيما مضى.[حدثنا زيد بن الحباب].وزيد بن الحباب يروي عن معاوية بن صالح، ومعاوية بن صالح يروي عن ربيعة بن يزيد الدمشقي، وربيعة بن يزيد الدمشقي يروي عن أبي إدريس الخولاني، وعن أبي عثمان، ويرويان هنا عن جبير بن نفير، وجبير بن نفير هو: الحضرمي، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو ثقة جليل مخضرم، يعني: ممن أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم المخضرمون، وقد مر علينا جماعة منهم، مثل: أبي وائل، ومثل: أبي عثمان النهدي، ومثل: سويد بن غفلة، ومثل: معرور بن سويد، كل هؤلاء يقال لهم: مخضرمون أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم.وجبير بن نفير يروي عن عقبة بن عامر الجهني، وهو الذي مر ذكره في الحديث السابق، ويروي عن عمر، وقد ذكرت لكم: أن هذين الحديثين رواهما مسلم بإسناده عن عقبة بن عامر، وأنه لما جاءت نوبته في رعاية الإبل روحها بعشي، وأدرك بقية مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه هذا الحديث، فقال لما سمع هذا الحديث: ما أجود هذا! فقال عمر: التي قبلها أجود، ثم ساق له الحديث الأول الذي ذكره النسائي أولاً.
ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

شرح حديث علي في انتقاض الوضوء من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أنه قال: قال علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاء، وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي، فاستحييت أن أسأله، فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله، فقال: فيه الوضوء)].لما فرغ النسائي من الأحاديث المتعلقة بالوضوء، وبيان صفته، وما يتعلق بذلك بدأ بالأبواب المتعلقة بنقض الوضوء؛ الذي ينقض والذي لا ينقض، وهذه الترجمة التي بدأ بها، هي ترجمة فيها شيء من التحريف والتلفيق؛ لأنها في الحقيقة ترجمتان، وليست ترجمة واحدة، ويبدو أنها باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم يأتي عنوان آخر وهو: الوضوء من المذي؛ لأن المذي كله ناقض، فليس فيه شيء ينقض وشيء لا ينقض، فالترجمة يبدو أنها قد حصل فيها شيء من التداخل، أو إدخال شيء بشيء، فصارت على هذا اللفظ، أو على هذا السياق الذي لا يستقيم من حيث المعنى؛ لأنه لو بقيت على ما هي عليه: باب ما ينقض الوضوء، وما لا ينقض من المذي أوهم ذلك أن المذي فيه شيء لا ينقض، والمذي ناقض، وكل ما يخرج من السبيلين فهو ناقض، وإنما القضية هي أن العنوان عام؛ ما ينقض وما لا ينقض، ثم بدأ بالوضوء من المذي، ومعناه: أنه ناقض للوضوء.ويأتي أحياناً ذكر ترجمتين: ترجمة عامة، وترجمة خاصة، ومثل ما مضى في خصال الفطرة، ومثل ما مضى في الوضوء، ثم يأتي جزئيات الوضوء، والأمور المتفرعة التي هي تندرج تحت الوضوء، فهذا كذلك.فكأن الترجمة هنا الذي ينقض والذي لا ينقض؛ لأن من الأشياء ما هو ناقض، ومنها ما هو غير ناقض مما يقال: إن هناك احتمالاً أنه ينقض الوضوء، ويبدو أن فيه عنوانين: العنوان الأول: باب: ما ينقض وما لا ينقض، أو لعله ليس باباً؛ لأن هناك أبواباً متعددة.العنوان الثاني: الوضوء من المذي، يعني: لزوم الوضوء من المذي؛ لأنه ناقض من نواقض الوضوء.إذاً: فهذه بداية لمباحث ولأبواب متعددة تتعلق بنواقض الوضوء؛ لأن هناك أشياء اختلف فيها، هل تنقض أو لا تنقض؟ مثل التقبيل هل هو ناقض أو غير ناقض؟ وهذا مما لا ينقض كما سيأتي.إذاً: فالترجمة (ما ينقض وما لا ينقض)، ثم بدأ بواحد من تلك الجزئيات الخاصة التي تندرج تحت هذا اللفظ العام، وهي: الوضوء من المذي، ثم جاءت عدة أحاديث متعلقة بالوضوء من المذي.فإذاً: العنوان الموجود ليس مستقيماً، بل فيه شيء من التداخل والتلفيق، وهو عنوان عام، وبعده عنوان خاص، ولو جاءت كلمة الوضوء من المذي تحت ما ينقض وما لا ينقض لسهل الأمر واتضح المعنى، ولكن لما جاءت هذه وراء هذه دخلت هذه، في هذه فصارت كلمة الوضوء الثانية كأنها فاعل لكلمة ينقض الثانية، باب: ما ينقض وما لا ينقض الوضوء، فصارت كلمة الوضوء الثانية كأنها فاعل لكلمة ينقض الثانية، وهي ليست فاعلاً، بل هي مبتدأ، بل هي عنوان جديد، وهو الذي جاءت الأحاديث تحته، وهو الوضوء من المذي.المذي هو: ماء رقيق يخرج من الذكر عند المداعبة والملاعبة، وهو ناقض للوضوء، ويجب غسله وهو نجس، ويجب الوضوء من ذلك، وكل ما يخرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، والمذي خارج من أحد السبيلين، فهو ناقض من نواقض الوضوء، ويجب فيه الوضوء، بل إنه ما يكفي الوضوء فقط، بل لا بد من الاستنجاء، ولا بد من إزالة النجاسة التي حصلت على الذكر وما حول الذكر؛ لأن هذا خروج نجاسة.فأورد النسائي في هذه الترجمة؛ ترجمة الوضوء من المذي، حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في قصة طلبه من بعض الصحابة أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي، ولم يجرؤ أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل المصاهرة التي بينهما، فهو لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه لم تسمح نفسه أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال، وإنما طلب من بعض الصحابة أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام فسأله، فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام: بأن فيه الوضوء، وفي بعض الألفاظ: (يغسل مذاكيره ويتوضأ)، يعني: يغسل النجاسة التي حصلت من ذلك المذي الذي خرج من الذكر ويتوضأ؛ لأن هذا الخارج من الذكر ناقض من نواقض الوضوء، فيجب الوضوء عند إرادة الصلاة، أو ما يراد له الوضوء، كقراءة القرآن والطواف، وما إلى ذلك من الأعمال التي لا تفعل إلا مع الوضوء.أورد النسائي حديث علي من طرق متعددة، الطريق الأولى قال فيها: [أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أنه قال: قال علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاءً، وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي؛ فاستحييت أن أسأله، فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله، فقال: فيه الوضوء)].يقول علي: كنت رجلاً مذاءً، يعني: عندما يحصل منه قرب من أهله، ومداعبتهم، وملاعبتهم يخرج منه ذلك الماء الرقيق اللزج، واستحيا أن يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام، والسبب في ذلك أنه صهره، وكون ابنته تحته، فطلب من رجل كان بجنبه في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل عن المذي إذا خرج، فسأله وعلي جالس، فقال عليه الصلاة والسلام: (فيه الوضوء)، يعني: يجب الوضوء من ذلك الخارج الذي هو المذي.إذاً: فهذا الحديث يدلنا على نقض الوضوء بالمذي، وأن من أمذى فقد انتقض وضوءه، ويجب عليه أن يتوضأ، يعني: معناه أنه إذا أراد أن يصلي، أو أراد أن يأتي بأمر يشرع له أو يطلب فيه الوضوء، فإنه لا يقدم على فعله إلا وقد توضأ؛ لأنه ليس على طهارة، فإذا كان متوضئاً وخرج منه ذلك المذي فإنه ينتقض وضوءه، فطلب علي رضي الله عنه من رجل إلى جنبه جالس، يعني: في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وبين السبب في عدم إقدامه على السؤال، واستحيائه من هذا السؤال، وأن ذلك لمكانة ابنته منه، وفي هذا دليل على أن الحديث مع الأصهار فيما يتعلق بالجماع، وفيما يتعلق بالاتصال بالأهل، ولو كان ذلك عن طريق الأمور التي يحتاج إليها كالسؤال، أن ذلك مما لا ينبغي؛ لأن علياً رضي الله عنه وأرضاه استحيا من رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يواجهه بهذا السؤال؛ لأن ابنته فاطمة تحت علي رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.فدل هذا على أن من الآداب التي ينبغي أن تكون بين الأصهار ألا يتحدث الصهر أو الزوج مع أبي البنت أو أخيها أو وليها فيما يتعلق بالاتصال بها، أو الاتصال بالأهل.وهذا الرجل الذي أُبهم جاء في بعض الروايات أنه المقداد بن الأسود، وجاء في بعضها أنه عمار بن ياسر، فهنا مبهم، وقد جاء مسمى في بعض الروايات، وأكثرها أنه: المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه، وأنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام، فأجابه بأن فيه الوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث علي في انتقاض الوضوء من المذي

قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو: هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن أبي بكر بن عياش].هو أبو بكر بن عياش وهذا قد سبق أن مر ذكره فيما مضى، وهو مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على عشرة أقوال، قيل: إن اسمه كنيته، وقيل: إن اسمه غير الكنية، وذكروا أشياء أخر، ولكن المشهور أنه مشتهر بكنيته، ومعروف بكنيته.وأبو بكر بن عياش ثقة، وخرج حديثه مسلم في المقدمة، أي: مقدمة الصحيح، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي حصين].أبو حصين هذه كنية، وهو بفتح الحاء على وزن عظيم، وهو عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي، وهو ثقة، حديث عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي عبد الرحمن].وهو أبو عبد الرحمن السلمي، واسمه عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، مقرئ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهذا غير أبي عبد الرحمن السلمي المتأخر الذي هو معروف بأنه ينسب إلى التصوف، وأنه صوفي، وله كلام كثير في الصوفية، ليس هذا، فهذا متقدم، وهو يروي عن علي، وعثمان، وعن الصحابة، وهو من المتقدمين، وأما ذاك فهو متأخر.[عن علي].هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد مر ذكره مراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث علي في غسل الرجل مذاكيره ووضوئه للصلاة من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه قال: (قلت للمقداد: إذا بنى الرجل بأهله فأمذى ولم يجامع، فاسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فإني أستحيي أن أسأله عن ذلك وابنته تحتي، فسأله، فقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة)].أورد النسائي: حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وأنه طلب من المقداد بن الأسود أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي إذا خرج، وبين للمقداد أنه لا يريد أن يسأل هذا السؤال لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يستحي أن يسأله، ولهذا طلب من المقداد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فسأله المقداد، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة)، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الاستنجاء، واستعمال الماء في غسل الذكر وما اتصل به، ويتوضأ الوضوء الشرعي الذي هو وضوء الصلاة، وبذلك يرجع إلى الطهارة، فيعمل وهو كذلك ما يعمل في حال وضوئه؛ لأنه رجع إلى الطهارة؛ لأن الحدث الذي انتقض به الوضوء زال؛ بأن رفع ذلك الحدث بالوضوء، وعاد الإنسان إلى الطهارة، فيأتي بالأشياء التي يأتي بها وهو متوضئ من صلاة، وقراءة قرآن، وطواف، وما إلى ذلك من الأمور التي لا بد للآتي بها أن يكون متوضئاً، بل الحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله، إلا أن فيه ذكر غسل المذاكير، وإنما قال: (المذاكير)، مع أن الإنسان ليس عنده إلا عضو واحد؛ لما يتصل به من الأنثيين فقد يتجاوز محل الخروج، فيصل إلى غير محل الخروج، فيحتاج الإنسان إلى أن ينظف كل ما وصل ذلك الماء الرقيق اللزج إليه.فإذاً: أرشد عليه الصلاة والسلام إلى غسل تلك النجاسة، وإلى الاستنجاء، وإلى الوضوء أيضاً للصلاة، وبذلك يحصل ارتفاع الحدث، وعودة الطهارة إلى صاحبها.

تراجم رجال إسناد حديث علي في غسل الرجل مذاكيره ووضوئه للصلاة من المذي

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو ابن راهويه الحنظلي، الإمام المشهور، المحدث، الفقيه الذي مر ذكره مراراً، وذكرت فيما مضى: أنه أحد الثقات، الأثبات، وأن حديثه عند الستة إلا ابن ماجه ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه؛ لأنه لم يرو له في سننه شيئاً، وإنما الذين رووا عنه وهو يعتبر شيخاً لهم، هم أصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه ، وهو ثقة، إمام، محدث، فقيه.[ أخبرنا جرير].هو جرير بن عبد الحميد الذي قد مر ذكره أيضاً مراراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة].هو هشام بن عروة بن الزبير، وقد مر أيضاً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[وعروة بن الزبير].هو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو كما ذكرنا مراراً أحد الفقهاء السبعة في المدينة الذين جمعوا بين الحديث والفقه، وهم مشهورون في عصر التابعين.وعروة بن الزبير يروي عن علي رضي الله تعالى عنه.

شرح حديث: (... يكفي من ذلك الوضوء) في المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائش بن أنس: أن علياً قال: (كنت رجلاً مذاء فأمرت عمار بن ياسر يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ابنته عندي، فقال: يكفي من ذلك الوضوء)].أورد النسائي: حديث علي رضي الله عنه في قصة كونه رجلاً مذاء، وأنه طلب من غيره أن يسأل عنه، وقد مر في الطريق الأولى إبهام الرجل المطلوب منه أن يسأل، والطريق التي بعدها فيها: أن المقداد بن الأسود هو الذي طلب منه أن يسأل، وفي هذه الرواية الذي طلب منه أن يسأل هو: عمار بن ياسر رضي الله تعالى عن الجميع، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه حصل منه الطلب من هذا وهذا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل وأجاب، وفي بعض الروايات ما يدل على أن علياً كان حاضراً، ولهذا اعتبر العلماء هذا الحديث من مسند علي، وما اعتبروه من مسند غيره؛ لأنه هو الذي يتحدث عن الذي قد حصل، وفي بعض الألفاظ ما يدل على أنه جالس، يعني: في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن السؤال حصل بحضور علي رضي الله عنه وأرضاه، فأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة.فإذاً: فلا تنافي بين ما جاء من أن المطلوب منه أن يسأل هو المقداد، وبين ما جاء أن المطلوب أن يسأله هو عمار، فيحمل بأن يكون طلب من هذا وهذا، وحصل الذكر من هذا وهذا، وأنه كان حاضراً، أي: علي رضي الله عنه حين إفتاء الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، وإجابته على السؤال الذي سئل عنه في هذا.وفي هذا قال: (يكفيه الوضوء)، يعني: لا يحتاج إلى اغتسال؛ إنما الوضوء، ولكن كما هو معلوم أن هذا الوضوء يحتاج إلى استنجاء قبله من أجل إزالة هذا الذي علق من هذا الخارج اللزج الذي حصل من الإنسان.إذاً: فقوله: (يكفيه الوضوء)، يدل على أن الأمر لا يحتاج إلى اغتسال؛ لأنها ليست جنابة، وإنما هو نقض للوضوء، ويكفي فيه أن الإنسان يتوضأ، ولا يحتاج الأمر إلى شيء أكثر من ذلك، بل يتوضأ، وقبل الوضوء يستنجي كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات.

تراجم رجال إسناد حديث: (... يكفي من ذلك الوضوء) في المذي

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].قتيبة بن سعيد مر ذكره كثيراً، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو من رجال الجماعة، خرج أصحاب الكتب الستة حديثه.[حدثنا سفيان].هو سفيان بن عيينة المكي، وهو أحد الثقات، الأثبات، الحفاظ، العباد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً، وكذلك مر معنا ذكر سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة كثيراً، وهنا المروي عنه سفيان بن عيينة.[عن عمرو].وهو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء].هو عطاء بن أبي رباح، وهو أيضاً أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائش بن أنس].وهو عائش بن أنس البكري الكوفي، وهو مقبول، حديثه عند النسائي وحده.[أن علياً].وعلي رضي الله عنه قد مر معنا.

شرح حديث: (...يغسل مذاكيره ويتوضأ) في المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عثمان بن عبد الله أخبرنا أمية حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن إياس بن خليفة عن رافع بن خديج: (أن علياً رضي الله عنه أمر عماراً أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ)].أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه أيضاً من طريق أخرى، وفيها ما في التي قبلها من أن المطلوب منه أن يسأل هو عمار، وكان جواب النبي عليه الصلاة والسلام أن قال: (يغسل مذاكيره ويتوضأ)، وفي هذا دليل كما مر أن فيه الوضوء، وفيه الاستنجاء قبل الوضوء، والمراد بالمذاكير كما عرفنا هو الذكر وما يتصل به، فالجمع باعتبار ما يتصل به، وإلا كما هو معلوم عضو واحد، فالجمع باعتبار ما يتصل به، وإن كان شيئاً واحداً إلا أنه جمع مع ما حوله وأضيف إليه، وأطلق على الجميع مذاكير، يعني: الذكر وما حوله من الأنثيين، وغير ذلك مما قد يكون وصل إليه المذي الخارج من الإنسان.

تراجم رجال إسناد حديث: (...يغسل مذاكيره ويتوضأ) في المذي

قوله: [أخبرنا عثمان بن عبد الله].وهو ابن محمد بن خرزاذ، وهو ثقة، حديثه عند النسائي وحده.[أخبرنا أمية].وهو ابن بسطام العيشي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي، وما خرج له بقية أصحاب السنن، وإنما الذي خرج له من أصحاب السنن هو النسائي فقط.[حدثنا يزيد بن زريع].يزيد بن زريع سبق أن مر ذكره، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا روح بن القاسم].هو روح بن القاسم أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وأصحاب الكتب الستة خرجوا حديثه ولم يخرج له الترمذي.[عن ابن أبي نجيح].هو عبد الله بن أبي نجيح، واسم أبي نجيح: يسار، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء].هو ابن أبي رباح، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن إياس بن خليفة].وهو صدوق، خرج حديثه النسائي وحده.[عن رافع بن خديج].وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن علي، والحديث من رواية صحابي عن صحابي.إذاً: فالإسناد تساعي، وهو من أطول الأسانيد عند النسائي؛ لأن النسائي يروي عن عثمان بن عبد الله، وعثمان يروي عن أمية بن بسطام، وأمية بن بسطام يروي عن يزيد بن زريع، ويزيد بن زريع يروي عن روح بن القاسم، وروح بن القاسم يروي عن عبد الله بن أبي نجيح، وعبد الله بن أبي نجيح يروي عن عطاء بن أبي رباح، وعطاء بن أبي رباح يروي عن إياس بن خليفة، وإياس بن خليفة يروي عن رافع بن خديج، ورافع بن خديج يروي عن علي، فهم تسعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من أطول الأسانيد التي مرت بنا حتى الآن، وكما سبق أن ذكرت لكم فيما مضى أن النسائي تصل عنده الأسانيد إلى العشاريات، يعني: عنده أسانيد عشاريات، لكن ما وصلنا إلى شيء منها، وهذا الذي وصلنا إليه هو تساعي، وهو من أطول الأسانيد عنده.

ابوالوليد المسلم 03-04-2019 01:52 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(57)

- (تابع باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي) إلى (باب الوضوء من الغائط)
من الأمور التي ينتقض بها الوضوء المذي، فقد أمرنا الشرع بنضح الفرج بالماء عند خروجه، والوضوء عند إرادة الصلاة أو قراءة القرآن أو الطواف، ومن الأمور التي ينتقض بها الوضوء الغائط والبول.
تابع ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

شرح حديث: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي عن مالك وهو ابن أنس عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه: إن علياً رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.وقد مر معنا سابقاً ترجمة مطلقة عامة، وتحتها أبواب متعددة، وهي: ما ينقض وما لا ينقض، والباب الذي بدأ به من هذه التراجم هو الوضوء من المذي من حديث علي رضي الله عنه في قصة طلبه من المقداد، ومن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقد مر بنا بعض الطرق المتعلقة بذلك، وكلها من حديث علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا الحديث الذي معنا هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه؛ لأنه هو الذي يحدث، وهو الذي يحكي ما حصل، بخلاف ما تقدم فإن علياً هو الذي يحكي ما حصل، فهو المحدث بهذا الحديث، وهو الذي أُخذ عنه هذا الحديث.أما هذه الطريقة التي معنا فـالمقداد بن الأسود يقول: إن علياً رضي الله عنه طلب منه أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا أمذى ماذا عليه؟ وأما علي رضي الله عنه فلم يسأل النبي عليه الصلاة والسلام لمكان ابنته فاطمة منه، ولكونه صهره، وأما المقداد يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة)، فالمتن هذا هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه، وهو بمعنى ما تقدم من الأحاديث عن علي رضي الله عنه؛ لأنها كلها قصة واحدة، وكلها موضوعها واحد، وهو أن علياً رضي الله عنه كان رجلاً مذاءً، وأنه لمصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم استحيا أن يواجه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السؤال، فطلب من بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بمحضر من علي، فلهذا كان علي رضي الله عنه يروي الحديث بنفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً المقداد كما هنا يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.وفي هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلينضح فرجه)، والمراد بالنضح: هو الغسل، وهو الاستنجاء الذي سبق أن مرت الإشارة إليه، والنضح يأتي هنا بمعنى الغسل الخفيف وبمعنى الرش.ولكن هنا المقصود به الغسل؛ لأن معنى ينضح فرجه يعني: يغسل فرجه الذي هو الاستنجاء، وذلك لإزالة ما قد يكون ظهر وانتشر من الخارج النجس، الذي هو المذي، وهو -كما عرفنا- من نواقض الوضوء، وهو الذي ترجم له النسائي هنا حيث قال: باب: الوضوء من المذي، فإنه من جملة نواقض الوضوء، بل إن كل خارج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، سواءً كان مذياً أو بولاً أو غير ذلك.قوله: (وليتوضأ وضوءه للصلاة)، ليس المقصود من ذلك من حصل منه هذا فيجب عليه على الفور، وإنما المقصود من ذلك أنه انتقض وضوءه، إذا كان متوضئاً، فإذا أراد أن يصلي، أو أراد أن يقرأ قرآناً، أو أراد أن يطوف، أو يعمل أي عمل من شرطه الطهارة، فإن عليه أن يتوضأ؛ لأنه إذا كان متوضئاً، وحصل منه ذلك المذي الذي خرج نتيجة للملاعبة والمداعبة، فإنه يكون قد انتقض الوضوء، ولابد من إعادته عند إرادة الصلاة، أو القراءة، أو الطواف، أو ما غير ذلك مما يشرع له الوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)

قوله: [أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي].هو عتبة بن عبد الله اليحمدي المروزي، وهو صدوق، وخرج له النسائي وحده، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي، ويروي غالباً عن مالك.[عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفين بالفقه، وهو محدث، فقيه، كثير الحديث، والذي نقل عنه من الفقه شيء كثير.وفي الإسناد (هو ابن أنس)؛ لأن هذه الكلمة تتكرر، وذكرت أن المراد منها بيان أن من دون التلميذ أضاف في بيان اسم الراوي ما يميزه، وما يوضحه، وأُتي بكلمة (هو) حتى يعرف أنها ليست من كلام التلميذ؛ لأن التلميذ الذي هو عتبة بن عبد الله قال: عن مالك، ما زاد على كلمة مالك، لكن الذين بعده لما أرادوا أن يوضحوا وهم: النسائي ومن دون النسائي أتوا بنسبه وهو ابن أنس.[عن أبي النضر].وأبو النضر هي كنية، وصاحبها هو سالم بن أبي أمية، وهو ثقة، ومن رجال الجماعة.[عن سليمان بن يسار].هو سليمان بن يسار الهلالي المدني، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وقد ذكرت: أن الفقهاء السبعة ستة منهم اتفقوا على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه خلاف، وأما الستة المتفق عليهم هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار هذا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فهؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: من العلماء من قال: السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ورحم الله سالماً، والقول الثاني: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقول الثالث: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والذي معنا هنا من الذين اتفق على عده منهم، وليس من الذين اختلف فيهم، وهو سليمان بن يسار الهلالي.قوله: [عن المقداد].هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهرائي الكندي الزهري، ولديه ثلاث نسب، أما النسبة الأولى فهي نسبة أصل وهي البهرائي نسبة إلى بهراء، وهي قبيلته، والنسبة الثانية الكندي نسبة إلى محالفة؛ لأن أباه حالف كنده، فنسب إلى كنده بسبب الحلف، والنسبة الثالثة: الزهري؛ لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه في الجاهلية، فنسب إليه، فيقال له: المقداد بن الأسود، والأسود ليس أباه، وإنما هو أبوه بالتبني، وكان مشهوراً به في الجاهلية، وإلا فأبوه هو: عمرو بن ثعلبة بن مالك؛ ولأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه في الجاهلية لما كان التبني موجوداً في الجاهلية، وقد جاء الشرع ونسخه وألغاه وقضى عليه، وصار الناس إنما ينسبون لآبائهم، لكنه اشتهر بهذه النسبة، فلهذا يذكر أحياناً فيقال: المقداد بن الأسود، وأحياناً يقال: المقداد بن عمرو، فهذه نسبة بسبب التبني، والمقداد بن عمرو هي نسبة نسب وأصل.والمقداد بن عمرو، أو المقداد بن الأسود هذا صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وله اثنان وأربعون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على واحد، وانفرد مسلم بثلاثة أحاديث.

شرح حديث علي في الوضوء من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني سليمان قال: سمعت منذراً عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (استحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: فيه الوضوء)].أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو كالذي قبله، فالقصة واحدة، والموضوع واحد، وكلها تتحدث أن علياً رضي الله عنه كان رجلاً مذاءً؛ يعني: يخرج منه المذي كثيراً بسبب المداعبة والملاعبة لأهله، وأنه استحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بسبب كونه صهره، وابنته فاطمة تحته، فأمر المقداد بن الأسود أن يسأله، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب: (بأن فيه الوضوء)، فهو دال على ما دلت عليه الطرق المتقدمة من أن المذي إذا خرج من الإنسان، وكان متوضئاً فإن وضوءه ينتقض، وأنه عليه إذا أراد أن يتوضأ أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ الوضوء الشرعي المعروف.

تراجم رجال إسناد حديث علي في الوضوء من المذي

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهو ثقة، وحديثه عند مسلم، وعند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وعند أبي داود في كتاب القدر.[حدثنا خالد].هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].هو شعبة بن الحجاج الإمام المعروف، والذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة من أعلى صيغ التعديل، وصيغ التوثيق، وهو من المحدثين الذين لهم معرفة، ولهم كلام كثير في الجرح والتعديل، والكلام في الرجال، فهو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني سليمان].هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، الملقب بـالأعمش، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي ذكره بلقبه الذي هو: الأعمش كثيراً، وقد ذكرت فيما مضى أن معرفة ألقاب المحدثين من الأمور المهمة في مصطلح الحديث؛ لأن الذي لا يعرف اللقب للمحدث قد يراه باسمه مرة، وبلقبه أخرى، فيظن أن هذا غير هذا، ففائدة معرفته دفع أن يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه.وسليمان بن مهران الكاهلي الأعمش هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ومعروف بالتدليس، لكن من الرواة من علم بأنهم لا يروون عن المدلسين إلا ما أمن تدليسه، ومن هؤلاء شعبة، فإنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أمن تدليسهم فيه، فإذا جاء شعبة يروي عن مدلس، فلو عنعن المدلس، فإن روايته محمولة على الاتصال؛ لأنه قد عرف أن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالتحديث، والذي أمن فيه تدليسهم.[سمعت منذراً].هنا قد صرح بالسماع، فلو لم يرو عنه شعبة فإن تصريحه بالسماع هذا هو الأصل؛ لكن مثل شعبة لو جاء يروي عنه وهو معنعن، فإنه محمول على السماع؛ لأن هذه من القواعد التي ينبه عليها عند ذكر مدلسين، وذلك أن بعض تلاميذهم لا يروون عنه إلا ما أمن فيه تدليسهم.و منذر هو: ابن يعلى الثوري أبو يعلى، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن علي].هو محمد بن علي بن أبي طالب، والمعروف بـابن الحنفية، أحد أولاد علي بن أبي طالب، وأمه الحنفية، ولهذا يقال له: ابن الحنفية، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن علي].هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. إذاً: فالإسناد الذي معنا جميع رجاله ممن خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي محمد بن عبد الأعلى؛ فإنه لم يخرج له البخاري، ولم يخرج له أيضاً أبو داود في السنن، وإنما خرج له في كتاب القدر، والبقية من رجال الكتب الستة، وهم خالد بن الحارث، وشعبة بن الحجاج، وسليمان بن مهران الأعمش، ومنذر بن يعلى، ومحمد بن علي بن أبي طالب، الذي هو ابن الحنفية، وعلي بن أبي طالب، فالإسناد سبعة، ستة منهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
الوضوء من الغائط والبول

شرح حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الغائط والبول.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى أخبرنا خالد حدثنا شعبة عن عاصم أنه سمع زر بن حبيش يحدث قال: أتيت رجلاً يدعى صفوان بن عسال فقعدت على بابه، فخرج فقال: ما شأنك؟ قلت: أطلب العلم، قال: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، فقال: عن أي شيء تسأل؟ قلت: عن الخفين، قال: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)].ثم أورد النسائي بعد باب: الوضوء من المذي، باب: الوضوء من الغائط والبول.لأن الترجمة السابقة كما عرفنا ترجمة عامة وهي باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم بدأ بالوضوء من المذي، ثم بباب الوضوء من البول والغائط، وهكذا أبواب متعددة تأتي بعد تلك الترجمة العامة التي هي: ما ينقض وما لا ينقض.وأورد فيه حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه الذي قد مر ذكره في باب: المسح على الخفين، وأورده هنا من بعض الطرق من أجل الدلالة على أن البول والغائط يحصل نقض الوضوء بهما، وذلك أن صفوان رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزعه)، أي: الخفاف، قال: (إلا من الجنابة، لكن من بول أو غائط أو نوم)، يعني أننا نمسح عليهما؛ بسبب حصول البول والغائط وبسبب النوم، أما الجنابة فإنه لابد من خلعهما عند الاغتسال من الجنابة، ولا مسح في الاغتسال من الجنابة على الخفين، وإنما عليه أن ينزعهما ويغسل جميع جسده بما في ذلك الرجلان.أما إذا كان الحدث أصغراً، وكان نقض الوضوء بسبب النوم، أو بسبب الغائط، أو البول، فهذا يتوضأ، ولكنه إذا وصل إلى الرجلين فإنه يمسح على الخفين، ولا يحتاج إلى خلعهما من أجل أن يغسلهما إذا كان قد أدخلهما طاهرتين كما ثبت في ذلك الأحاديث، وكما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.إذاً: فحديث صفوان بن عسال دال على ما ترجم له المصنف من أن البول والغائط يتوضأ منهما، ومحل الشاهد من جهة أنه ذكر أن المسح يكون إذا حصل النوم، معناه: يتوضأ ويمسح، أي: يحصل وضوء ويحصل المسح على الخفين إذا حصل النوم أو البول أو الغائط، أما إذا حصلت الجنابة والإنسان عليه الخفان، فإن عليه أن يخلعهما، ولا يجوز له أن يغتسل وعليه الخفان، بل يجب خلعهما، والاغتسال لكامل الجسد، أما ما دون ذلك والذي هو البول، أو الغائط، أو النوم، فإن الإنسان يمسح يوماً وليلة إذا كان مقيماً، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، وكلما أحدث يتوضأ ويمسح على الخفين، ولا يلزمه خلعهما لذلك.وزر بن حبيش يقول: أتيت إلى صفوان بن عسال وجلست عند بابه، فخرج علي فقال: ما شأنك؟ فقلت: أطلب العلم، فعند ذلك قال صفوان: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، ثم سأله عما يريد من العلم؟ فسأله عن الخفين، فأجابه بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الذي حصل من زر بن حبيش ما كان عليه سلف الأمة من الحرص على طلب العلم، ومن الإتيان إلى من عنده علم؛ من أجل أخذ العلم عنه، ومن أجل الاستفادة من علمه.ثم أيضاً ما كان عليه السلف وما كان عليه الصحابة من الترغيب في طلب العلم والحث عليه؛ لأن صفوان رضي الله عنه لما قال له زر بن حبيش: (إني جئت أطلب العلم). أي: ما سكت، وقال له: اسأل عما تريد، بل أتى بشيء يدل على فضل العلم، وعلى الترغيب في طلب العلم، والحث على طلب العلم، فقال قبل أن يسأله هذه المقالة التي فيها الترغيب في طلب العلم، وهذا اللفظ الذي قاله هو من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهنا ما أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه له حكم الرفع؛ لأن الصحابي إذا أتى بشيء لا مجال للاجتهاد فيه وأضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإن له حكم الرفع، ويسمونه المرفوع حكماً؛ لأن هناك مرفوعاً صراحة، ومرفوعاً حكماً، والمرفوع صراحة هو الذي يقول فيه الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا مرفوع صراحة، أي: تصريحاً، والمرفوع حكماً هو: أن يأتي أو يذكر شيئاً لا مجال للاجتهاد فيه، ولا مجال للرأي فيه، كالأمور الغيبية مثل هذا: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، هذا له حكم الرفع، لكنه جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ضمن حديث طويل، وذكر صفوان رضي الله عنه له هنا يدل على رفعه حكماً؛ لأنه من قبيل ما لا مجال للاجتهاد فيه، والمرفوع عند العلماء قسمان: مرفوع تصريحاً، ومرفوع حكماً.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى، الذي مر في الإسناد السابق.[أخبرنا خالد]. هو خالد بن الحارث هو أيضاً نفس الذي مر.[حدثنا شعبة]. هو نفسه الذي مر أيضاً في الإسناد السابق.[عن عاصم].هو عاصم بن أبي النجود، وأبو النجود اسمه بهدلة، وعاصم بن أبي النجود هو صدوق له أوهام، وهو إمام في القراءة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، لكن حديثه في الصحيحين مقرون؛ يعني: أنه مقرون بغيره، فـالبخاري، ومسلم عندما يذكرانه في الإسناد يذكرانه مقروناً مع غيره.[أنه سمع زر بن حبيش].هو زر بن حبيش بن حباشة، وهو ثقة، ثبت، وهو مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [أتيت صفوان بن عسال].هو صفوان بن عسال المرادي رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، وحديثه عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، أي: عند ثلاثة من أصحاب الكتب الستة.
الوضوء من الغائط

شرح حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول والنوم من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من الغائط.أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود، قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن عاصم عن زر قال: قال صفوان بن عسال رضي الله عنه: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)].هنا أورد النسائي رحمه الله ترجمة أخرى؛ وهي باب: الوضوء من الغائط. وهي بعض الترجمة السابقة؛ أي: جزء منها، وأورد النسائي تحتها حديث صفوان بن عسال وهو نفس الحديث لكن بطريق أخرى، ويتعلق ببيان حالة المسح على الخفين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كانوا في سفر ألا ينزعوا خفافهم إلا من الجنابة، فيمسحون عليها من بول أو غائط أو نوم لمدة ثلاثة أيام، وهذا الأمر كما عرفنا هو أمر ترخيص ليس أمر إيجاب، ولا أمر استحباب، بمعنى: أنه يستحب للناس أن يلبسوا الخفاف، فهو ترخيص، أي: إذا لبسوها يمسحون، وإذا ما لبسوها يغسلون أرجلهم، لكن السنة لا تترك تنزهاً عنها وتنطعاً، ويقال: إنني لا ألبس الخفين وإن كان ذلك مشروعاً؛ يعني: تنطعاً، هذا هو الذي لا يكون، أما كون الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم أمر إرشاد وترخيص، ولا يجب عليه أن يلبس، ولا يستحب له أن يلبس من أجل أن يمسح، إلا إذا كان هناك بيان للسنة، أو تترتب عليه بيان السنة، فهذا يكون له وجه.أما أن يكون فعل ذلك مستحباً، وأنه يستحب للإنسان أنه يكون لابساً حتى يمسح فلا يستحب، وإنما هو مرخص له، بل إن المسح فرع عن الأصل؛ الذي هو الغسل، فالغسل هو الأصل وهذا فرع مرخص فيه للحاجة عندما يكون هناك حاجة إليه.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول والنوم من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود].هو عمرو بن علي الفلاس الإمام العارف بالجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات، الأثبات، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير.وإسماعيل بن مسعود هو البصري، وهو ثقة، ومن شيوخ النسائي، وخرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا يزيد بن زريع].هو يزيد بن زريع، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وبذلك يتحد الإسناد مع الإسناد السابق، وهم شعبة عن عاصم عن زر عن صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه.

ابوالوليد المسلم 03-04-2019 01:54 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(58)


- (باب الوضوء من الريح) إلى (باب ترك الوضوء من مس الذكر)

من قواعد الشريعة الإسلامية أن اليقين لا يزول بالشك، فمن كان على طهارة لا ينقضها مجرد الشك في بقائها ويبقى طاهراً حتى يطرأ على طهارته ناقض من نواقضها، ومن تلك النواقض مس الذكر كما دل عليه حديث بسرة، وكذلك النوم، وأما النعاس فلا يعد ناقضاً، وإنما على الناعس أن يترك الصلاة لئلا يدعو على نفسه.
الوضوء من الريح

شرح حديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من الريح.أخبرنا قتيبة عن سفيان عن الزهري ح وأخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا الزهري أخبرني سعيد يعني ابن المسيب وعباد بن تميم عن عمه وهو عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يجد ريحاً، أو يسمع صوتاً)].يقول النسائي رحمه الله: باب الوضوء من الريح. المراد بهذه الترجمة هو أن ما يخرج من السبيلين يكون ناقضاً للصلاة؛ سواء كان ريحاً أو صوتاً أو غير ذلك، وعليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة، فهذا يدل على قاعدة من قواعد الشريعة وهي: إذا كان الإنسان في خارج الصلاة وهو على طهارة، ولكنه شك هل أحدث أو ما أحدث، فإنه يبقى على ما هو عليه، ما دام أن الطهارة متيقنة والحدث مشكوك فيه فإن بقي على ما هو عليه فلا بأس، وإن جدد الوضوء حتى يذهب ما في نفسه من الشك فإن هذا حسن، وأما في داخل الصلاة، فإنه لا يقطع صلاته ويخرج منها بمجرد ما وقع في نفسه من الشك، بل لا يخرج حتى يحصل التحقق لخروج ريح يشمها، أو سماع صوت لذلك الذي يخرج منه.

تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

قوله: [أخبرنا قتيبة].وهوقتيبة بن سعيد، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا حديثه.[عن سفيان].وسفيان هنا غير منسوب، وهو يروي عن الزهري، ومن المعلوم أن قتيبة إنما روى عن ابن عيينة، ولم يرو عن الثوري.فإذاً: يحمل على أنه ابن عيينة، فيكون عدم نسبته لأن الأمر واضح في حقه، إذ هو الذي روى عنه قتيبة، ثم من جهة أخرى سفيان هنا يروي عن الزهري، والحديث من طريق قتيبة عن سفيان، عن الزهري، وعرفنا فيما مضى: أن سفيان بن عيينة هو المعروف والمشهور بالرواية عن الزهري، وذكرت: أن سفيان بن عيينة مكثر من الرواية عن الزهري، وأن سفيان الثوري مقل عنه، وكان هذا الذي قلته سابقاً مبنياً على أن ابن خلكان في وفيات الأعيان عندما ترجم لـسفيان بن عيينة، ذكر ثلاثة ممن رووا عنه، وهم: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشخص ثالث، وكذلك أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: إن ابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، ففهمت من كلام ابن خلكان، ومن كلام ابن حجر أن سفيان الثوري روى عن الزهري، ولكن بالرجوع إلى تهذيب الكمال للحافظ المزي في ترجمة الزهري فإنه لم يذكر من بين الذين رووا عنه سفيان الثوري، وإنما ذكر سفيان بن عيينة، مع أنه يستقصي في التلاميذ وفي الشيوخ، ويذكرهم على حسب ترتيب حروف المعجم بالنسبة للتلاميذ، وبالنسبة للشيوخ.ثم أيضاً وجدت في فتح الباري أن الحافظ ابن حجر قال: إن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، فإذاً: تبين أن ما أشرت إليه من قبل، هو مبني على ما ذكره ابن خلكان، ومبني على ما فهمته من كلام ابن حجر من قوله في بعض المواضع في الفتح: وابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، يعني: قد يفهم منه أن الثوري ليس معروفاً بالرواية عن الزهري، ولكن الرواية موجودة، لكن ما ذكره ابن حجر في فتح الباري من أن الثوري إنما يروي عن الزهري بواسطة، وأنه لا يروي عنه مباشرة، وكذلك ما جاء في تهذيب الكمال من عدم ذكره في الذين رووا عن الزهري سفيان الثوري يشعر ويدل على أن سفيان الثوري لم يرو عن الزهري مباشرةً، ولعل ما ذكره ابن خلكان وهم؛ لأن الحافظ المزي بتتبعه واستقرائه وإحاطته فيما يتعلق بالرجال، وفيما يتعلق بالمتون -وهو مؤلف كتاب تحفة الأشراف في معرفة الأطراف، وهي الكتب الستة، وهو أيضاً مؤلف تهذيب الكمال، وقد ذكر فيه: أن الذي روى عن الزهري هو ابن عيينة، ولم يذكر الثوري فيمن روى عنه، مما يشعر بأن الثوري لم يرو عن الزهري، وعلى هذا: فإذا جاء ذكر سفيان غير منسوب وهو يروي عن الزهري، فإنه يحمل على ابن عيينة، وهنا يكون الحمل على ابن عيينة من جهتين: من جهة أن قتيبة لم يرو عن الثوري، وإنما روى عن ابن عيينة فقط، ومن جهة أن ابن عيينة هو الذي ذكر أنه روى عن الزهري، ولم يذكر في تهذيب الكمال أن الثوري ممن روى عن الزهري، وإنما الذي ذكره من أن الثوري روى عن الزهري هو ابن خلكان في وفيات الأعيان.ومن المعلوم أن كلام ابن حجر، وكلام المزي في تهذيب الكمال أتقن وأضبط؛ لأن هؤلاء هم أهل الفن، وهم أهل الاختصاص، بخلاف ابن خلكان فإنه ليس مثلهم؛ لأنه مؤرخ وليس معروفاً بالحديث، أو بالعناية برجال الحديث أو الخبرة، فهؤلاء هم المقدمون عليه وعلى غيره ممن يشابهه ويماثله.

تراجم رجال الإسناد الثاني لحديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

وأما ما يتعلق بالإسناد الثاني؛ لأن النسائي عمل تحويلة، يعني: بعدما ذكر الزهري أتى بإسناد آخر فيه تحويل. قال: [ح وأخبرنا محمد بن منصور].ومحمد بن منصور سبق أن عرفنا أن هناك شخصين يقال لكل منهما: محمد بن منصور، وهما من شيوخ النسائي، وهم: محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور المكي الجواز، فهذان الاثنان كل منهما شيخ للنسائي، لكن سبق أن عرفنا: أنه إذا جاء سفيان ويروي عنه محمد بن منصور، فالمراد به ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، وهو أقرب، ويزيد هذا وضوحاً أن سفيان في الإسناد الذي قبل هذا هو ابن عيينة، فيكون هنا أيضاً هو ابن عيينة، ومحمد بن منصور الجواز المكي ثقة، وهو من شيوخ النسائي، ولم يخرج له إلا النسائي من أصحاب الكتب الستة.وأما سفيان بن عيينة في الإسنادين، فقد مر فيما مضى: أنه من رجال الجماعة، وأنه ثقة حافظ، وحجة عابد، وصفات عديدة ذكرها عنه الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الزهري].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده الزهري الذي هو زهرة بن كلاب، وأيضاً إلى جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب، ويقال له: الزهري، وهو مشتهر بهاتين النسبتين، وهو إمام، حجة، معروف بفضله ونبله، وسعة علمه، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أخبرني سعيد يعني: ابن المسيب].والزهري إنما عبر بلفظ أخبرني سعيد، وما زاد عليها عندما ذكر شيخه في هذا الإسناد، ولكن الذين جاءوا من بعده أرادوا أن يوضحوا من هو سعيد، فأتوا بنسبه، وأتوا بكلمة تدل على أن الإضافة كانت ممن دون الزهري، وأنها ليست من الزهري، وذلك بقول: (يعني: ابن المسيب) فكلمة (يعني) هذه لها قائل ولها فاعل، قائلها من دون الزهري، وهو الذي أراد أن يوضح، وفاعل (يعني) وهي فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى الزهري؛ لأن الزهري ما قال: ابن المسيب، وإنما قال: سعيد فقط، لكن الذين جاءوا بعده أضافوا ابن المسيب، وما قالوا: سعيد بن المسيب؛ لأنهم لو قالوها لصارت هي عبارة الزهري، لكنهم أتوا بكلمة (يعني) حتى يفهم أن من دون التلميذ زادها، ليبين هذا الشخص الذي لم ينسب، فلا يضيف إليه ما لم يقله.وسعيد بن المسيب هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وأحد المحدثين، فهو فقيه محدث، وهو ثقة حجة، وهو إمام مشهور ومعروف، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، الذين هم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، هؤلاء الستة المتفق عليهم، والسابع الذي اختلف فيه، فقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر. وسعيد بن المسيب هذا هو أحدهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[و عباد بن تميم].وهوعباد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكل من سعيد بن المسيب، وعباد بن تميم يرويان عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وهنا قال: (عن عمه)، يعني: عم عباد بن تميم، وهو عبد الله بن زيد لأن أم عباد وأم عبد الله بن زيد واحدة، فهما أخوان من أم.[عن عمه]. لأن تميماً وعبد الله بن زيد أخوان من أم، ولهذا يقال: إنه عم عباد، يعني: أخو أبيه لأمه، وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني هو أحد الصحابة، وهو راوي حديث الوضوء الذي سبق أن مر فيما يتعلق بصفة الوضوء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: فرواة هذا الإسناد كلهم من رجال الجماعة، إلا محمد بن منصور شيخ النسائي، فإنه من رجال النسائي وحده، والباقون كلهم من رجال الجماعة؛ الذين هم قتيبة، وابن عيينة، والزهري، وسعيد بن المسيب، وعباد بن تميم، وعبد الله بن زيد.
الوضوء من النوم

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من النوم.أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة، قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)].هنا أورد النسائي باب: الوضوء من النوم. وأورد فيه حديث أبي هريرة، وهو أول حديث أورده النسائي في سننه، وهو: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)، وقد أعاده هنا من أجل الاستدلال على أن النوم ينقض الوضوء. ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات)، يعني: يغسلها، معناه: أن الإنسان يتوضأ إذا قام من نومه، وإذا توضأ فهو يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، هذا هو وجه الاستدلال على أن النوم ناقض للوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الإنسان يتوضأ، ولكن قبل أن يتوضأ لا يغمس يده في الإناء، بل يغسلها خارج الإناء، فإذا غسلها خارج الإناء، أدخلها في الإناء، ويبدأ يتوضأ.ومن الأدلة الدالة على أن النوم ناقض للوضوء: حديث صفوان بن عسال الذي مر في ذكر الوضوء من الغائط والبول، وكذلك من النوم؛ لأن حديث صفوان بن عسال مشتمل على الثلاثة، حيث قال: (إنه كان يأمرنا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، لكن من غائط، أو بول، أو نوم)، يعني: أنهم يتوضئون، ويمسحون، ولا يحتاجون إلى خلع إذا حصل غائط، أو بول، أو نوم، فإذاً الثلاثة كلها ناقضة للوضوء.إذاً: فالنوم كونه ناقض للوضوء دل عليه هذا الحديث الذي هو معنا، من جهة أن من قام من نومه فلا يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً، وفي بعض الروايات: (فلا يدخلها في وضوئه)، يعني: في الماء الذي يتوضأ به قبل أن يغسلها خارج الإناء ثلاث مرات.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات...)

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة].إسماعيل بن مسعود هو: أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.وحميد بن مسعدة هذا صدوق، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكر هذا الرجل في شيوخ النسائي مرات عديدة.[قالا: حدثنا يزيد بن زريع].ويزيد بن زريع هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا معمر].وهو ابن راشد، وهو الذي روى عنه عبد الرزاق كثيراً، ومن جملة ما رواه عنه صحيفة همام بن منبه الطويلة، المشتملة على مئة وأربعين حديثاً، وخرج البخاري ومسلم أحاديث منها على سبيل الاتفاق بينهم، ومنها على سبيل انفراد واحد منهما عن الآخر، وكلها بإسناد واحد، وهو من طريق عبد الرزاق عن معمر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].والزهري هو الإمام المشهور، الذي جاء ذكره كثيراً، وفي الحديث الذي قبل هذا جاء ذكره.[عن أبي سلمة].وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو مشهور بكنيته: أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة على خلاف هل السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب؟وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فهو أحد الثقات.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وقد مر ذكره مراراً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.



يتبع

ابوالوليد المسلم 03-04-2019 01:55 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(58)





النعاس

شرح حديث: (إذا نعس الرجل في الصلاة فلينصرف...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النعاس.أخبرنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه، وهو لا يدري )]. هنا أورد النسائي باب: النعاس. وبعد ما ذكر النوم، وترجمة الوضوء من النوم، وأن النوم ناقض للوضوء قال: باب النعاس، والمقصود من ذلك أنه لا ينقض الوضوء؛ لأن الحديث الذي أورده يدل على عدم نقضه للوضوء، ولأن عائشة رضي الله عنها قالت: ( إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري )، فهذا الحديث الذي أوردته عائشة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي أرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن من نعس وهو في الصلاة أن ينصرف، فهذا يدل على أن النعاس غير ناقض للوضوء؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام علل ذلك بقوله: (لعله يدعو...)، وما قال: أنه قد انتقض وضوءه وأن عليه أن يذهب ويتوضأ، وإنما أرشد إلى أنه ينصرف وألا يستمر في ذلك؛ لئلا يسب نفسه ويدعو على نفسه، فبدل أن يدعو لنفسه يدعو على نفسه بسبب النوم أو بسبب النعاس، فإذاً: هذا يدل على أنه غير ناقض للوضوء؛ لأنه لو كان ناقضاً لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إذا نعس وهو في الصلاة أن يقطع الصلاة ويذهب يتوضأ، فالرسول ما قال هكذا، وإنما أرشد إلى أنه ينصرف؛ لئلا يسب نفسه، ولئلا يدعو على نفسه، فمعناه أن وضوءه صحيح، وأنه باق على وضوئه، فدل على أن النعاس لا ينقض الوضوء، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يجلسون للصلاة وينتظرونها، فيصيبهم النعاس فتخفق رؤوسهم، ثم يقومون إلى الصلاة ولا يتوضئون، فإذا حصل للإنسان وهو جالس وخفق رأسه، فإنه لا ينتقض وضوءه.إذاً: عندنا هناك نوم ونعاس، فالنوم الذي فيه استغراق، وفيه تمكن، وقد يكون فيه اضطجاع، وقد يكون فيه رؤيا وحلم، فهذا ناقض للوضوء بلا شك.وأما إذا كان نعاساً خفيفاً حصل له في الصلاة، مثلاً: نعس وهو جالس، أو ساجد، أو واقف، أو كان ينتظر الصلاة، وحصل منه النعاس، فإنه لا ينتقض وضوءه وصلاته صحيحه، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن ينصرف، ولكن هذا الانصراف الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بقطع للصلاة، وإنما بأن يتمها خفيفة ويخرج منها.فإذا كان الإنسان من عادته أنه يصلي الليل، ويقوم من الليل ركعات، ثم أدرك أو أحس في بعض الركعات بأنه أصابه النعاس فإنه يتم الركعتين اللتين وجد النعاس فيهما، ثم ينصرف، وليس معنى ذلك: أنه ينصرف أثناء الصلاة، فإنما المقصود منه الإرشاد إلى أنه لا يستمر في ذلك، ولكنه يتم صلاته خفيفة، ثم بعد ذلك لا يدخل في صلاة أخرى؛ لئلا يدعو على نفسه.إذاً: فتبين لنا أن النعاس لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء هو النوم، سواءً كان مضطجعاً، أو جالساً متمكناً مستغرقاً، وإذا حصل حلم أو رؤيا في تلك النومة فهذا بلا شك نوم ناقض للوضوء، والذي لا ينقض هو الذي يكون في أثناء الصلاة من النعاس، أو يكون من النعاس في حق من ينتظر وهو جالس، فإنه إذا نعس يخفق رأسه، فيتنبه من تلك الخفقة، فيتنبه ويذهب ما به من نعاس. ولهذا النسائي في الترجمة ما قال فيها مثل التي قبلها: (باب: الوضوء من النعاس)، بل قال: (باب النعاس)، والتي قبلها قال: الوضوء من النوم؛ لأنه ناقض للوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا نعس الرجل في الصلاة فلينصرف ...)

قوله: [أخبرنا بشر بن هلال].وهو بشر بن هلال الصواف البصري، وهو ثقة، حديثه عند مسلم والأربعة، لم يخرج له البخاري شيئاً.[حدثنا عبد الوارث].هو ابن سعيد بن ذكوان، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أيوب].وهو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، وهو ثقة، ثبت، حجة، كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة].وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات.[عن عائشة].وهي خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي كما عرفنا مراراً وتكراراً من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، وهؤلاء السبعة قد نظمهم السيوطي في ألفتيه في بيتين من الشعر، فقال: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيِّوالمقصود بزوجة النبيِّ هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
الوضوء من مس الذكر

شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من مس الذكر.أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم قالا: حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ)].يقول النسائي رحمه الله: (باب الوضوء من مس الذكر). أي: أن مس الذكر ناقض للوضوء، وأن من مس ذكره فإن عليه أن يتوضأ؛ لأنه قد انتقض وضوءه، هذا مقصود الترجمة، وقد أورد النسائي رحمه الله في هذا حديث بسرة بنت صفوان من طريقين، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من مس ذكره، فليتوضأ)، وعلى هذا، فإن مس الذكر ناقض للوضوء، وأن من مس ذكره فعليه أن يتوضأ، وحديث بسرة ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى نقض الوضوء بمس الذكر، أي: إذا كان بدون حائل.وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا ينتقض الوضوء بمس الذكر، ويستدلون على ذلك بحديث طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه، الذي فيه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الوضوء من مس الذكر، قال: (هل هو إلا بضعة منك)، أو (إلا مضغة منك)، وهذا يشعر بأنه غير ناقض للوضوء، والحديث أيضاً صحيح، وهو ثابت، لكن العلماء صاروا إلى أحد القولين، منهم من قال: بأنه ناقض إذا حصل المس، ومنهم من قال: إنه غير ناقض إذا حصل المس، ومنهم من فرق بين المس بشهوة والمس بغير شهوة، فإذا كان بشهوة فهو ينتقض به الوضوء، قالوا: وعليه يحمل ما جاء في حديث بسرة، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينتقض به الوضوء، ويحمل على ما جاء به حديث طلق بن علي رضي الله تعالى عنه.ومن المعلوم أن القول بالانتقاض مطلقاً هو الأولى.أولاً: لأن الحديث الذي فيه الوضوء من مس الذكر ثابت، وهو مطلق، فيدل على النقض مطلقاً.ثانياً: أن حديث طلق بن علي كان المتقدم، وكان في أول الأمر؛ لأنه جاء في بعض طرقه: (جئت وهم يؤسسون المسجد)، أي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فوفد على الرسول عليه الصلاة والسلام في أول الهجرة، وكان ذلك في أول الأمر، قال: فسأله رجل لعله من البادية عن الوضوء من مس الذكر، فقال: (هل هو إلا بضعة منك).ثالثاً: أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وهو انتقاض الوضوء، وحديث طلق مطابق للأصل، وهذا يدل على أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، والأصل البراءة والسلامة، وقد جاء ما يدل على النقض، وهو حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها. فالقول الأولى والأرجح والأحوط هو: أن مس الذكر بدون حائل ناقض للوضوء مطلقاً، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، هذا هو الأظهر، وهو الأحوط في الدين، وهو الذي قاله جماعة كثيرون من أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله]. وهو: أبو موسى الحمال البغدادي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له البخاري شيئاً.[حدثنا معن]. وهو ابن عيسى، صاحب الإمام مالك، وهو من أثبت الناس في مالك، ومن أحفظ الناس لحديث مالك، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا مالك]. ومالك هو إمام دار الهجرة، العلم، المشهور، الإمام، المحدث، الفقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت مراراً: أن الإسناد الذي يكون فيه مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أصح الأسانيد عند البخاري.والنسائ� � روى الحديث عن مالك من طريقين، الطريق الأولى: عن هارون بن عبد الله الحمال، عن معن بن عيسى، عن مالك، والطريق الثانية: عن الحارث بن مسكين قال: (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، عن مالك.[الحارث بن مسكين].الإمام النسائي هنا يقول: (والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع)، ولا يقول: وأخبرني، وإنما يقول: والحارث بن مسكين، وفي بعض الأسانيد يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وذكرت فيما مضى: أن هذا يحمل على حالين: الحال الأولى: وهي التي كان قد منعه من الأخذ عنه، فكان يسمع بدون علم الحارث، وهي الحالة التي لا يقول فيها: أخبرني، وإنما يعطف ويقول: والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، والحالة الثانية: وهي التي قد أذن له فيعبر فيقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع.والحارث بن مسكين ثقةٌ، حديثه عند أبي داود، والنسائي.[عن ابن القاسم].وهو عبد الرحمن بن القاسم المصري، صاحب الإمام مالك، والذي روى عنه الفقه، والحديث، وهو ثقةٌ، خرج حديثه البخاري، والنسائي، وأبو داود في المراسيل، وقد سبق أن عرفنا ذلك فيما مضى، وهو من رجال البخاري، ورجال النسائي، ومن رجال الإمام أبي داود في كتابه المراسيل، ولم يخرج له في كتاب السنن شيئاً.[قالا: حدثنا مالك].وهو الإمام مالك، وقد استعمل النسائي التحويل، وذكرت فيما مضى أن التحويل هو: التحول من إسنادٍ إلى إسناد، ويؤتى بحرف (ح) بين الإسنادين المحول عنه والمحول إليه؛ حتى يتبين بأن فيه تحولاً من إسناد إلى إسناد، وعلامة ذلك حرف (ح) التي يأتون بها بين الإسنادين كما فعل النسائي، وقد ذكرت فيما مضى: أن النسائي مثل البخاري لا يستعمل التحويل كثيراً؛ لأنه على طريقة البخاري يورد الأحاديث من طرقٍ متعددة في أبواب مختلفة، فلا يحتاج إلى التحويل، بخلاف الإمام مسلم الذي يكثر من التحويل؛ لأنه يروي الأحاديث في مكانٍ واحد، فيحتاج إلى أن يستعمل التحويل.وقول النسائي: (قالا: حدثنا مالك)، المقصود بقوله: (قالا) هما: معن بن عيسى، وعبد الرحمن بن القاسم فهما اللذان قالا: حدثنا مالك.[عن عبد الله بن أبي بكر].وهو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقةٌ، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، ولم يسبق أن مر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع عروة بن الزبير].وعروة بن الزبير هو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة.[دخلت على مروان بن الحكم].مروان بن الحكم كان قد دخل عليه في زمن إمارته على المدينة لما كان أميراً على المدينة، فجرى البحث عنده في نواقض الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، يعني: أن مس الذكر من نواقض الوضوء، فقال عروة: ما علمت هذا، يعني: ما علمت شيئاً يدل على هذا، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، فعند ذلك أسند مروان بن الحكم الحديث، وبين الدليل الذي استند إليه في أن مس الذكر من نواقض الوضوء، جاء ذلك في إسناده الحديث إلى بسرة بنت صفوان الصحابية رضي الله عنها، وجاء في بعض طرق الحديث الذي بعد هذا أن عروة لما رآه وجادله أرسل حرسياً له إلى بسرة، فجاء وأخبره بأن الأمر هو كما حدثت به مروان بن الحكم، وجاء في بعض الطرق: أن عروة ذهب إلى بسرة وأخذ منها، وسمع منها مباشرةً، فيكون الحديث من رواية عروة عن بسرة، ومن رواية عروة عن مروان عن بسرة بنت صفوان. ومروان بن الحكم هو أمير المدينة في زمن معاوية، وتولى الخلافة بعد ذلك مدة سنة أو قريباً من السنة، وهو جد الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي جاء من بعده أولاده الأربعة: الوليد، وهشام، وسليمان، ويزيد، ومروان تولى الخلافة مدةً وجيزة، وتولاها بعده ابنه عبد الملك، ثم أولاد عبد الملك الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز، والحديث صحيح ثابت، وهو متصل، وقد رواه عروة عن بسرة نفسها، ورواه عنها بواسطة، فالحديث صحيح.

شرح حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان بن سعيد عن شعيب عن الزهري أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: أنه سمع عروة بن الزبير يقول: (ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك وقلت: لا وضوء على من مسه، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما يتوضأ منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويتوضأ من مس الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلاً من حرسه، فأرسله إلى بسرة، فسألها عما حدثت مروان، فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان)].وهنا أورد النسائي حديث بسرة بنت صفوان من طريق أخرى عن عروة بن الزبير رحمة الله عليه، وهو بمعنى ما تقدم إلا أن فيه ذكر المجادلة والمماراة، وأنه قال: لا يتوضأ، يعني بناء على الأصل، وهو أنه لا يقال بالنقض إلا بدليل؛ لأن الأصل هو عدم النقض حتى يأتي ما يدل على النقض، فأخبره عن بسرة بنت صفوان، أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملةً مما ينقض الوضوء، قال: (ويتوضأ من مس الذكر)، فدل هذا على النقل عن الأصل الذي هو عدم النقض إلى النقض من مس الذكر.

تراجم رجال إسناد حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا أحمد بن محمد]. وهو: أحمد بن محمد بن المغيرة، وهو صدوقٌ، خرج حديثه النسائي وحده، فلم يخرج له من أصحاب الكتب الستة غير النسائي. [حدثنا عثمان بن سعيد]. وهو ابن كثير بن دينار الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن شعيب]. وهوشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: هذا الإسناد فيه ثلاثة حمصيون، وهم: أحمد بن محمد بن المغيرة شيخ النسائي، فهو حمصي، وعثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، فهو أيضاً حمصي، وشعيب بن أبي حمزة وهو حمصي، ففيه ثلاثة حمصيون، الأول لم يرو له إلا النسائي، والثاني روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، والثالث روى له أصحاب الكتب الستة، وهو شعيب بن أبي حمزة.[عن الزهري]. وهو ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب فيقال له: ابن شهاب، وهو إمام جليل، ومحدث كبير، ومن الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني عبد الله بن أبي بكر]. وهو عبد الله بن أبي بكر بن حزم الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع عروة بن الزبير].عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.ومروان بن الحكم حديثه عند البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، وذكرت: أن عروة روى هذا الحديث عن بسرة مباشرةً كما رواه عنها بواسطة.[أخبرتني بسرة بنت صفوان].وبسرة بنت صفوان صحابية، ليس لها أحاديث في الصحيحين، وإنما أحاديثها عند أصحاب السنن الأربعة، وبلغت أحد عشر حديثاً.
ترك الوضوء من ذلك

شرح حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من ذلك. أخبرنا هناد عن ملازم حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ مس ذكره في الصلاة؟ قال: وهل هو إلا مضغة منك، أو بضعة منك)].هنا أورد النسائي بعد الترجمة السابقة -وهي باب: الوضوء من مس الذكر- باب: ترك الوضوء من ذلك، يعني: أنه لا يتوضأ من مس الذكر، وأورد فيه حديث طلق بن علي: أنه قدم وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة، قال: فبايعناه، وصلينا معه، ولما فرغ من الصلاة جاءه رجل كأنه بدوي، وسأله عن الوضوء من مس الذكر، قال: (هل هو إلا بضعة منك، أو إلا مضغة)، وهذا يفيد بأنه لا يتوضأ من مس الذكر، وقد ذكرت الخلاف في هذه المسألة، وأن الأولى هو القول الأول، وقد ذكر أحد الشراح أن صنيع النسائي يشعر بأنه يرجح الأخذ بحديث طلق؛ لأنه ذكره متأخراً، وقدم حديث بسرة الذي فيه الوضوء، قال: فكأنه يرجح عدم النقض؛ لأنه ذكر النقض أولاً وعقبه بعدم النقض، ولا أدري عن طريقة النسائي في التقديم والتأخير، وهل هو يعتبر أن ما يؤخر يكون هو الأرجح، وأن التعويل على ما يؤخره، أو أن له طريقةً أخرى؟ لا أدري عن طريقة النسائي في هذا، لكن أحد الشراح قال: كأن النسائي يرجح الأخذ بحديث طلق؛ لأنه أخره، وهذا يتوقف على معرفة اصطلاحه، وهذا لا يعرف إلا عن طريق الاستقراء، ولم يتبين شيء من طريقة النسائي في ذلك، ولكن من حيث الاحتياط في الدين، والنقل عن الأصل فإن حديث بسرة فيه الاحتياط، وفيه النقل عن الأصل، ومن أخذ به فقد احتاط لدينه، فالأخذ بحديث بسرة هو الأولى، كما أشرت إليه، وكما قال به كثير من أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

قوله: [أخبرنا هناد]. هو هناد بن السري، وهو ثقةٌ، حديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن ملازم].وهو ابن عمرو السحيمي الحنفي اليمامي، وسحيم من بني حنيفة، فينسب ويقال له: السحيمي الحنفي اليمامي نسبة إلى اليمامة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.لقد رأيت الذين وثقوه عدداً؛ وفي الخلاصة نقل جملة من الذين وثقوه، ومنهم: النسائي، وأبو زرعة وغيرهما، وكلام ابن حجر أنا ما اطلعت عليه، والطبعة المصرية ما رأيت فيها ترجمة ملازم، فلا أدري هل هو ساقط، أو أنه وضع في مكان لم أهتد إليه؟ لكنني رأيت الذين وثقوه وهم عدد مما يفيد بأنه ثقة، وإذا كان الحافظ قال عنه: صدوق، فهذا هو الذي انتهى إليه رأيه، كما هي عادته وطريقته.[حدثنا عبد الله بن بدر]. وعبد الله بن بدر أيضاً هو سحيمي حنفي يمامي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب السنن الأربعة.[عن قيس بن طلق]. وقيس بن طلق صدوق، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه].وهو طلق بن علي السحيمي اليمامي، وهو صحابي، وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة، وبايعه وصلى معه كما جاء في هذا الحديث، وله أربعة عشر حديثاً، خرج له أصحاب السنن الأربعة، وعلى هذا فإن رجال الإسناد كلهم إلا هناد هم حنفيون من بني حنيفة، وخرج لهم أصحاب السنن الأربعة، فهؤلاء الأربعة الذين هم: ملازم بن عمرو، وعبد الله بن بدر، وقيس بن طلق، وطلق، هؤلاء أربعة سحيميون من بني حنيفة ومن اليمامة، وممن خرج لهم أصحاب السنن الأربعة، وما خرج لهم البخاري، ومسلم شيئاً، فهؤلاء أربعة ليس لهم في الصحيحين رواية، وإنما روايتهم أربعتهم في كتب السنن الأربعة، وهم سحيميون، حنفيون، ويماميون من اليمامة.والحديث صحيح ثابت؛ الذي هو حديث طلق، إنما الكلام في هل الأخذ به، أو الأخذ بحديث بسرة؟ وقد ذكرت لكم: أن الأخذ بحديث بسرة هو الأولى.

ابوالوليد المسلم 05-04-2019 06:03 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(59)

- باب ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة - باب ترك الوضوء من القبلة

من الأمور التي لا تنقض الوضوء مس الرجل زوجته من غير شهوة، أو تقبيلها بشهوة ما لم يمذ، وقد ثبت مثل هذا من فعله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه.
ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة

شرح حديث عائشة في مس النبي لها برجله وهو يصلي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة. أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب عن الليث أخبرنا ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وأني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله)].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب ترك الرجل الوضوء من مس امرأته بغير شهوة.ومقصود النسائي رحمه الله بهذه الترجمة: هو أن الرجل إذا مس امرأته بغير شهوة، فإن ذلك المس لا ينقض الوضوء، وهذه الترجمة التي عقدها، وأورد أحاديث تدل على مقتضاها؛ لأن الذي أورده تحتها هو حصول لمس في الصلاة، ومن المعلوم أن اللمس في الصلاة بعيد عن أن يكون بشهوة أو بقصد شهوة.إذاً: فهو غير ناقض للوضوء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمس أم المؤمنين وهو مستمر في صلاته، فبذلك لا يكون ناقضاً للوضوء، لكن ليس معنى هذه الترجمة أن المس إذا حصل بشهوة أنه ينقض الوضوء، فالمسألة خلافية؛ من العلماء من قال: مس الرجل المرأة مطلقاً ناقض للوضوء سواءً كان بشهوة أو بغير شهوة، ومنهم من يقول: إنه ينقض إذا كان بشهوة، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا يكون ناقضاً للوضوء، والترجمة التي ذكرها المصنف أتى بها على هذا الموضع من أجل أن ما جاء في الأحاديث مطابق لها من جهة أن النبي عليه الصلاة والسلام مس أم المؤمنين وهو في الصلاة، ومن المعلوم أن المس في الصلاة بعيد عن أن يكون فيه شهوة أو إرادة شهوة، لكن هذا لا يدل على أن المس بشهوة يكون ناقضاً للوضوء؛ لأن الأصل هو عدم النقض حتى يأتي ما يدل على النقض إذا كان بشهوة، ولم يأت ما يدل على ذلك، بل قد جاء ما يدل عليه كما في التقبيل كما سيأتي؛ لأن التقبيل مظنة الشهوة، ومع ذلك لا يكون ناقضاً للوضوء، لكن إذا خرج مذي بسبب هذا اللمس بشهوة، فإن النقض ليس من أجل المس بشهوة، وإنما من أجل المذي الذي خرج من السبيل الذي هو ناقض للوضوء.وقد عرفنا -فيما مضى- في باب: الوضوء من المذي، والحديث الذي جاء عن علي رضي الله عنه من طرق متعددة أن المذي فيه الوضوء، وأن الإنسان يستنجي، ويغسل ذكره، ويتوضأ وضوءه للصلاة، فإذا حصل المس بشهوة، ووجد المذي بسبب ذلك، فإنه يكون ناقضاً للوضوء مطلقاً، سواء كان بمس بشهوة أو بتفكير.إذاً: فالمس بشهوة ليس هناك ما يدل على النقض به، وهو غير ناقض إلا إذا حصل بسبب اللمس خروج مذي، فإن النقض يكون بسبب المذي الذي خرج، أما مجرد اللمس بشهوة فإنه لا يكون ناقضاً؛ لأنه لم يرد دليلٌ يدل على حصول النقض به.وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديثين عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ أحدهما: يتعلق بكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يغمزها وهو في الصلاة برجله إذا جاء في آخر صلاته؛ يوقظها لتقوم فتصلي وتوتر. وكذلك ما جاء في الحديث الآخر الذي جاء من طريقين أنها تكون معترضة، والمكان ضيق، وهي في قبلته، وهو يصلي، وإذا أراد أن يسجد غمزها، فتكف رجليها عن مكان سجوده، ثم إذا سجد وفرغ من السجود، وصار إلى القيام، ترجع رجليها إلى مكانها في قبلته عليه الصلاة والسلام، ويغمزها الرسول صلى الله عليه وسلم غمزات متعددة في الصلاة، فكلما نزل من القيام إلى السجود غمزها بيده أو غمزها برجله فتكف رجليها، فيسجد مكان رجليها، فدل هذا على أن المس لا ينقض الوضوء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمس أم المؤمنين وهو في صلاته، ولم يكن ذلك ناقضاً للوضوء. وقوله: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضةٌ بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله).والحديث يدل على أن عائشة رضي الله عنها كانت معترضة أمام النبي عليه الصلاة والسلام وهو يصلي؛ وذلك لضيق المكان، فكان إذا أراد أن توتر غمزها برجله، حتى تقوم وتتهيأ لصلاة الليل، أو للوتر الذي تختم به صلاة الليل.وفي هذا بيان ما كان عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من دعوة أهله إلى الصلاة، وتنبيههم إلى ذلك، وهو يدل على أن الزوجين يعين أحدهما صاحبه على فعل الخير، وينبهه على ما يحتاج إليه من الأمور التي ينبه عليها في التقرب إلى الله عز وجل. وفيه دليل على أن الجنازة عندما يصلى عليها تعرض أمام الذي يصلي عليها؛ أي: أنها تعرض وتكون معترضة، وقد جاءت السنة بأن المصلى عليه إذا كان رجلاً فإن الإمام يقوم عند رأسه، وإذا كانت امرأة فإنه يقوم عند وسطها، وهذه من الأحكام التي يختلف فيها الرجال عن النساء؛ لأنه يوقف عند رأس الرجل وعند وسط المرأة، فالحكم في الجنازة عندما يصلى عليها أنها تعرض؛ ولهذا قالت عائشة: (معترضةٌ اعتراض الجنازة)، ومعناه: أنها في قبلته كالجنازة التي يصلى عليها حيث تكون في القبلة.وفيه أيضاً: دليل على أن الإنسان إذا صلى وأمامه شخصٌ نائم فإنه لا يؤثر ذلك على صلاته؛ لأن عائشة كانت نائمة، وكانت ممتدة بين يديه عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على أن كون الإنسان يصلي، وأمامه شخصٌ نائم قريبٌ منه، فإن ذلك لا يؤثر عليه.وفيه أيضاً: دليل على أن الاعتراض غير المرور، فالمرور يمنع منه، فالمرأة إذا مرت أمام المصلي جاء ما يدل على أنها تقطع الصلاة. ومثل ذلك الكلب، والحمار، فقد جاء في ذلك حديث صحيح. وإن كان قد اختلف في معنى القطع، إلا أنه يختلف عن الاعتراض؛ لأن الاعتراض والامتداد أمام المصلي وإن كان في مكان سجوده لا يؤثر في ذلك، وهو يختلف عن المرور، فالمرور يمنع منه، وكون الرجل أو الأرجل تكون ممتدة، أو النائم يكون ممتداً أمام المصلي ولو كان امرأة، أن ذلك لا يؤثر على صلاته، ففيه فرقٌ بين المرور وبين الاعتراض، وسبب وجود فرق بين المرور بين يدي المصلي؛ لأن المصلي يمنع منه، والمار يجب عليه أن يمتنع من ذلك، وأما الاعتراض فإنه يختلف عنه؛ لأن عائشة رضي الله عنها تكون معترضة أمام النبي عليه الصلاة والسلام فتكف رجليها، لكن الحديث الذي هنا فيه أنه كان يغمزها وهو في الصلاة برجله؛ لتقوم للوتر، وهو دال على ما ترجم له المصنف من أن لمس الرجل للمرأة وهو في الصلاة لا يؤثر.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في مس النبي لها برجله وهو يصلي

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم]. هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهو ثقة، وهو من شيوخ النسائي وحده.[عن شعيب، عن الليث]. هو ابن الليث بن سعد، وهو ثقة، وخرج حديثه الإمام مسلم، وأبو داود، والنسائي.فهو يروي عن أبيه الليث بن سعد، والليث بن سعد هو المصري، المعروف، المشهور، فقيه مصر ومحدثها، والذي سبق أن مر ذكره مراراً وتكراراً، وهو أحد الثقات، الأثبات، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.[أخبرنا ابن الهاد].هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، ويقال له: ابن الهاد؛ لأن جده كان يوقد النيران في الطريق للدلالة على الطريق، ولإرشاد الناس، فكان يوقد النار ليهدي الناس إلى الطريق.[عن عبد الرحمن بن القاسم]. هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة جليل، قال عنه ابن عيينة: إنه أفضل أهل زمانه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، يروي عن أبيه القاسم.[عن القاسم ].هو القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، وأن المدينة فيها في عصر التابعين سبعة معروفين بالفقه والحديث، وأحد السبعة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وقد ذكرتهم مراراً، وذكرت أن ابن القيم ذكرهم في أول كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين، بدأه ببيان الفقهاء في الأمصار في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولما جاء إلى ذكر المدينة، وذكر الفقهاء فيها في زمن الصحابة، ثم الفقهاء في زمن التابعين، ذكر أن من الفقهاء في زمن التابعين الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، الذين صار هذا علماً عليهم، عندما تأتي مسالة اتفق عليها الفقهاء السبعة يقولون: وقال بها الفقهاء السبعة، وذكر بيتين من الشعر يشتملان عليهم، أو بالأخص البيت الثاني يشملهم والأول تمهيد، يقول فيه ابن القيم ولا أدري الشعر هل هو له أو لغيره: إذا قيل من في العلم سبعة أبحرروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةوقاسم هذا الذي معنا هو أحد هؤلاء السبعة، وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة]. يعني: يروي عن عمته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها؛ لأنه القاسم بن محمد بن أبي بكر، فهي عمته وهو يروي عنها، وهو كثير الرواية عنها، وهي الصديقة بنت الصديق، وهي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، ليس في الصحابيات من هي مثلها، وهي أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث عائشة في مس النبي لها برجله وهو يصلي من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لقد رأيتموني معترضة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي، فضممتها إليّ ثم يسجد)].هنا أورد النسائي حديث عائشة وهو غير الحديث الأول؛ لأن الحديث الأول يتعلق بغمزها لتقوم للوتر، وهنا يغمزها لتكف رجليها المعترضة في مكان سجوده؛ ليسجد مكان رجليها، والمقصود منه: أن اللمس لا ينقض الوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلمس أم المؤمنين وهو مستمر في صلاته، فلو كان ذلك ينقض الوضوء ما فعله رسول الله، فدل فعله للغمز وأنه مستمر في الصلاة أن اللمس غير ناقض للوضوء، وعائشة تقول: إنها كانت معترضة في مكان سجوده، فإذا سجد غمزها، فتكف رجليها، فيسجد مكان رجليها.وفيه ما في الذي قبله من جهة أن الإنسان كونه يصلي وأمامه شخص نائم أنه لا بأس به، وأيضاً يدل على أن العمل في الصلاة إذا كان يحتاج إليه ولو كان متكرراً فإنه لا يؤثر؛ لأنه كلما أراد أن يسجد، وكلما نزل من السجود غمزها، وإذا قام مدت رجليها، فيتكرر ذلك منه، فإذا كان هناك ما يدعو إليه فإنه لا يؤثر على الصلاة شيئاً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يغمزها إذا أراد أن يسجد، وهي إذا قامت مدت رجليها، وإذا غمزها كفت رجليها، وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في مس النبي لها برجله وهو يصلي من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي الذي سبق أن مر ذكره مراراً، وهو من شيوخ البخاري، بل هو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة، فهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت -فيما مضى- أن هناك ثلاثة شيوخ لأصحاب الكتب الستة وماتوا في سنة واحدة؛ وهي سنة 252، وهم: يعقوب بن إبراهيم الدورقي هذا، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن، ومحمد بن بشار الملقب بندار، وهم من صغار شيوخ البخاري؛ معناه: أن وفاتهم كانت قريبة من وفاته، وسنهم كان قريباً من سنه، إلا أنهم أقدم منه، أما شيوخ البخاري الكبار فهم الذين أدركهم في أول بدئه للطلب، وماتوا في حال صغره، هؤلاء يقال لهم: شيوخ البخاري الكبار، أما الشيوخ الذين هم يقاربون له في السن والوفاة، فهؤلاء يقال لهم: شيوخه الصغار، ويعقوب بن إبراهيم هو أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.[حدثنا يحيى].هو يحيى بن سعيد القطان، الإمام المشهور الذي مر ذكره مراراً وتكراراً، وهو من العارفين بالجرح والتعديل، وهو أحد الشخصين اللذين قال الذهبي عنهما: إنهما إذا جرحا شخصاً لا يكاد يندمل جرحه، هو وعبد الرحمن بن مهدي، فهذان الشخصان إذا جرحا شخصاً يعني: أنهما قد أصابا الهدف، فكلامهما معتبر، وكلامهما معول عليه، فـيحيى بن سعيد القطان هذا هو أحد العلماء الأثبات المحدثين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبيد الله].هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب الذي يقال له: عبيد الله المصغر؛ تمييزاً له عن أخيه عبد الله المكبر، والمصغر ثقة، ثبت، والمكبر ضعيف، فيقال: عبيد الله المصغر، وعبد الله المكبر، وهما أخوان.وهذا الرجل الذي معنا أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد خرج أصحاب الكتب الستة حديثه.[سمعت القاسم بن محمد].هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الذي مر ذكره في الإسناد السابق، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو يروي عن عائشة أم المؤمنين.

شرح حديث عائشة في مس النبي لها برجله وهو يصلي من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلاي، فإذا قام بسطهما، والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح)].هنا أورد النسائي حديث عائشة المتعلق بمتدادها في قبلته وهو يصلي، وهو أنه إذا أراد أن يسجد غمزها، وأنها تكف رجليها، أورده من طريق أخرى، تقول: إنه كان يصلي وهي معترضة في قبلته فإذا سجد غمزها؛ يعني: إذا أراد أن يسجد غمزها؛ لأنه يغمزها قبل السجود ليسجد، وليس بعد السجود؛ لأنه يسجد في مكانها، فإنه يغمزها فتكف رجليها، فإذا قام بسطتهما؛ مدتهما وأعادتهما إلى مكانهما، وهو دال على ما دل الذي قبله.وفيه: زيادة اعتذار من عائشة لكونه يغمزها ويكرر غمزها بأن البيوت يومئذ ليس لها مصابيح، فهي ظلام؛ يعني: ما كانت هناك إضاءة بحيث أنها تنظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يسجد، وبسبب الظلام وكونه ليس هناك مصابيح فيحتاج إلى أن يكرر غمزها كلما أراد أن يسجد، وكلما نزل من قيام فيريد السجود فيغمزها، فهي تعتذر لكونه يتكرر ذلك منه في كل ركعة؛ لأن البيوت ليس فيها مصابيح، وقولها: (يومئذ)، يعني: يشعر بأن الأمر تغير، وأنه كان هناك مصابيح فيما بعد؛ لأن قولها: (والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح)، يشعر بأنه قد حصل بعد ذلك وجود المصابيح، ووجود ما يحصل الاستضاءة به.وفي هذا دليل على إبطال ما يذكره بعض الذين يغلون في الرسول عليه الصلاة والسلام حيث يقولون: إنه لا ظل له، وأنه إذا ظهر في الشمس فلا يطلع له ظل؛ لأنه نور يعكس من الشمس، فإن هذا من الغلو ومن الإفراط، ومن الكلام بغير علم، فـعائشة كانت لا تراه إذا أراد أن يسجد، فلو كان له إضاءة أشد من إضاءة الشمس -كما يقولون- لما احتاجت عائشة إلى أن تقول هذا الكلام: (والبيوت يومئذ ليس لها مصابيح)، وتعتذر بذلك، بل ستكون هناك إضاءة شديدة، ولا يحتاج الأمر إلى مصابيح.ومما يدل عليه أن الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث آخر كان هناك امرأة أو رجل كان فقده، فقالوا: إنه مات، وأنهم دفنوه في الليل، ولامهم على ما حصل منهم، فقالوا: كانت ليلة مظلمة فكرهنا أن نشق عليك؛ يعني: في ظلام، وما أرادوا أن يشقوا على الرسول عليه الصلاة والسلام بكونه يذهب معهم للمقبرة في ليلة مظلمة، فلو كان الأمر كما يقوله هؤلاء المفرطون الغالون الواصفون للرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الوصف -وهو من الغلو والإفراط- ما كان هناك حاجة إلى أن يقولوا: الليلة مظلمة؛ لأنه إذا مشى معهم ستكون الأرض كلها ضياء أشد من نور الشمس، فهذا من الإفراط، ومن الكلام بغير علم، ويعتبر هذا من المجاوزة في الحد، فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى مثل هذه الأوصاف التي ما جاءت عنه، ولم يأت ما يدل عليها، وإنما هي إفراط وغلو فيه عليه الصلاة والسلام، فما خصه الله تعالى به من الخصائص، وما أكرمه الله تعالى به من الكرامات ففيه الكفاية، وفيه الغنية عن كذب الكذابين، ووضع الوضاعين، واختلاق المختلقين، وإفك الأفاكين، ليس بحاجة إلى أن يختلق له، وأن يتقول عنه أقوال ما هناك ما يدل عليها، ويكون فيها غلو وإفراط، وهو عليه الصلاة والسلام قد حذر من الغلو فيه والإفراط، حيث قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله).والله تعالى على كل شيء قدير، والرسول أهلٌ لكل إكرام، ولكل خير، لكن هذا ما ثبت، ولو ثبت أنه لا ظل له، وأنه يعكس الشمس لوجب القول به، ولوجب اعتقاده، لكن ما دام ليس هناك ما يدل عليه، فإن هذا من القول بغير علم، وهو من الرجم بالغيب.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في مس النبي لها برجله وهو يصلي من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد الذي كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد، وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المعروف المشهور، الذي هو معروف بالفقه، ومعروف بالحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي النضر].أبو النضر، هذه كنية لـسالم بن أبي أمية المدني، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن أبي سلمة].هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال؛ لأن الفقهاء السبعة ستة منهم اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع: اختلف فيه، وأحد الأقوال في السابع أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أو سالم بن عبد الله بن عمر، فهؤلاء الثلاثة اختلف في عدهم السابع، أما الستة الباقون فهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة.إذاً: فـأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.[عن عائشة].عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي صاحبة الأحاديث الماضية، ومر ذكرها كثيراً.

شرح حديث عائشة في مسها قدمي النبي وهو يصلي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ونصير بن الفرج واللفظ له قالا: حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فجعلت أطلبه بيدي، فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان، وهو ساجد يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)].هنا أورد النسائي حديثاً آخر لـعائشة، وفيه أن اللمس حصل للرسول صلى الله عليه وسلم منها وهو في الصلاة، واستمر في صلاته، وقد لمسته ولمست رجليه وهما منصوبتان، وهو ساجد لله عز وجل في الليل، وهو دال على ما ترجم له النسائي من جهة أن مس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء، والأحاديث التي مضت المس فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، وهذا فيه المس من عائشة له وهو في الصلاة، واستمر في صلاته وقد لمسته، فسواء كان اللمس من الرجل للمرأة، أو من المرأة للرجل في الصلاة فذلك لا ينقض الوضوء، ولا يؤثر على الصلاة شيئاً، سواء كان ذلك بشهوة أو بغير شهوة، أما بالنسبة بغير شهوة فإن هذه الأحاديث دالة عليه، وأما بشهوة فإن الأصل عدم النقض، ولم يأت ما يدل على النقض، إلا إذا خرج بسبب الشهوة مذي، فإن النقض يكون للمذي كما ذكرت ذلك من قبل.وعائشة رضي الله عنها وأرضاه، قالت: (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم)، يعني: قامت واستيقظت من الليل، فلم تجده في فراشه، فصارت تبحث عنه، (فوقعت يدها عليه وهو يصلي)، وطبعاً كان هناك ظلام -وهو يصلي- ولعل ذلك كان في المسجد؛ لأن المسجد متصل بالبيت، ولا يفصل بينهما إلا الباب، فقد يكون عليه الصلاة والسلام خرج من الحجرة، وجعل يصلي في المسجد قريباً من الباب، وهي لما لم تجده صارت تبحث وتتلمس في الظلام (حتى وقعت يدها على رجلي النبي صلى الله عليه وسلم وهما منصوبتان وهو ساجد)؛ يعني: يصلي من الليل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.والحديث يدل على أن المصلي ينصب رجليه في حالة السجود، ولا يجعلهما معترضتين، بل جاء ما يدل على أنه يجعل بطون أصابعهما إلى القبلة، كما جاء في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه.إذاً: فالسجود يكون على الأعضاء السبعة، ومنها: القدمان، ولا بد من تمكينهما، والسنة أن تكونا منصوبتين، وأن تكون بطون أصابعهما إلى القبلة.وفيه أيضاً: مشروعية هذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي عليه الصلاة والسلام وهو في سجوده، والذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في هذا الحديث، ومن المعلوم أن السجود هو أحد المواطن التي يكثر فيها الدعاء؛ لأنه قد جاء في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، وجاء قوله عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيها الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)، وإذا حرص الإنسان على أن يدعو بأدعية الرسول عليه الصلاة والسلام التي ثبتت عنه في سجوده -كما في هذا الحديث- فإن هذا من أفضل ما يدعى به؛ لأن هذا دعاء دعا به الرسول عليه الصلاة والسلام في سجوده، وهو الذي ينبغي أن يختار وأن يحرص عليه.ثم هذا الحديث فيه استعاذة؛ فيه مستعاذ به ومستعاذ منه، وفيه التعوذ بصفة من صفة، وبفعل من فعل، وبالله من الله، وذلك أن قوله عليه الصلاة والسلام في دعائه: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك)، استعاذ بصفة الرضا من صفة الغضب، واستعاذ بفعل العفو من فعل العقوبة، واستعاذ بالله من الله؛ لأن كل شيء هو من الله عز وجل، لا يقع حركة ولا سكون في الوجود إلا وهو بقضاء الله وقدره، وبخلق الله وإيجاده، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما يكون من مخلوق؛ حركة ولا سكون، ولا نفع ولا ضر إلا وهو بخلق الله وبإرادته وبمشيئته؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح؛ حديث وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، فالكل من الله، والكل بقضاء الله وقدره، لا يخرج عن قضاء الله شيء، ولا يخرج عن خلق الله شيء، ولا يوجد في ملك الله عز وجل إلا ما شاءه الله سبحانه وتعالى، وهذا الحديث وهذه الاستعاذة هي من جنس: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، ولا مفر منك إلا إليك)، فالفرار إلى الله منه، ويلجأ إليه منه؛ لأن كل شيء فهو بقضائه وقدره، وبخلقه وإيجاده، وغيره لا يفعل شيئاً إلا بتقديره وبخلقه وإيجاده سبحانه وتعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.ومن المعلوم أن الكلام في هذا الحديث وجد بعض الناس يزل فيه، ويغلط فيه، ويتكلف في تفسيره، وقد جاء في الحواشي الموجودة في شرح هذا الحديث كلام لا يليق ولا ينبغي أن يذكر، ولا أن تسود به الأوراق؛ مثل ما نقله السيوطي أو السندي -لعله السيوطي- قال عن كتاب في أخبار العارفين الذي يقول: إن طلب الاستغاثة من الله نقص في التوكل، هذا كلام ساقط لا قيمة له، فإن الاستغاثة بالله، والاستعانة بالله هذه عبادة وتوحيد وصرف العبادة لمن يستحقها، فكيف يقال: إن طلب الاستغاثة من الله أنه نقص في التوكل؟! هذا كلام باطل، وكلام لا ينبغي أن يقال.ومن أحسن من شرح هذا الحديث شرحاً حسناً سليماً واضحاً جلياً ابن القيم في كتابه شفاء العليل؛ لأن شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، وهذا كتاب نفيس من أحسن الكتب التي ألفت في القضاء والقدر، وقد عقد فيه ثلاثين باباً، مسائل القضاء والقدر أحد هذه الأبواب الثلاثين، وهو الباب السادس والثلاثون شرحٌ لهذا الحديث الذي معنا، وبيان لفقهه، وحكمه وأسراره، ودلالته على القضاء والقدر، وأن كل شيء من الله، وكل شيء بقضاء الله، وأن الله عز وجل هو الذي يفر منه إليه، وأنه لا يحصل إلا ما قدره وقضاه، ولا يوجد في ملك الله إلا شاءه الله.وفيه: أنه يستعاذ بصفات الله كما يستعاذ بالله عز وجل، فمنها ما يستعاذ به، ومنها ما يستعاذ منه؛ لأن صفة الرضا يستعاذ بها، وصفة الغضب يستعاذ منها؛ يعني: يستعيذ الإنسان برضا الله من غضب الله، ومن عفو الله من عقوبة الله، وبالله من الله؛ لأن كل شيء هو بخلقه وإيجاده، فلا يقع حركة ولا سكون في الوجود إلا بقضاء الله، والسحر الذي هو من أعظم الأشياء ضرراً قال الله فيه: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]؛ يعني: السحرة ما يحصل منهم الضرر إلا إذا شاء الله، فإذا شاء الله عز وجل يوجد السبب ولا يوجد المسبب، مثل: إيراد المريض على الصحيح، فإيراد المريض على الصحيح سبب للعدوى، لكن قد يوجد السبب وقد لا يوجد المسبب، فإذا شاء الله أنه لا ينزل فلا ينزل، فقد يكون أمراض مع أصحاء ثم لا يحصل للأصحاء شيء؛ لأنه لا يحصل الضرر إلا بإذن الله، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم بين ذلك في قوله: (من أعدى الأول؟) فلو كان القضية كلها عدوى، وأن المريض يعدي الصحيح، فالمريض الذي أصابه المرض لأول مرة من الذي أعداه؟! فليس هناك مريض يعديه الذي قبله، وإنما الله تعالى هو الذي أوجد هذا المرض، وهو الذي خلق فيه المرض.فإذاً: هذا حديث عظيم، ودعاء عظيم، ومن أحسن ما يرجع إلى فقهه، وفهم معناه كلام ابن القيم في شفاء العليل.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في مسها قدمي النبي وهو يصلي

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ونصير بن الفرج].محمد بن عبد الله بن المبارك هذا ثقة، وخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.ونصير بن الفرج هو أيضاً ثقة، وخرج حديثه أبو داود، والنسائي.[حدثنا أبو أسامة].هو حماد بن أسامة، وهو مشهور بكنيته، وكنيته توافق اسم أبيه، فهو حماد بن أسامة، وأبو أسامة، وهو أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبيد الله بن عمر].هو المصغر الذي مر ذكره قريباً، وهو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن يحيى بن حبان].هو محمد بن يحيى بن حبان، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الأعرج].هو عبد الرحمن بن هرمز، وهو مشهور بلقبه، ويأتي ذكره بلقبه وباسمه، وهنا جاء ذكره باللقب، واسمه عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة رضي الله تعالى عنه هو الصحابي الجليل، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً.[عن عائشة].هي أم المؤمنين، وهي أكثر الصحابيات حديثاً، وإذاً: فالحديث من رواية صحابي عن صحابي، والصحابيان اللذان في الحديث الرجل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، والمرأة هي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق.
ترك الوضوء من القبلة

شرح حديث: (إن النبي كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من القبلة.أخبرنا محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد عن سفيان أخبرني أبو روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ)، قال أبو عبد الرحمن: ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلاً، وقد روى هذا الحديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، قال: قال يحيى القطان: حديث حبيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها هذا، وحديث حبيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (تصلي وإن قطر الدم على الحصير لا شيء)].هنا أورد النسائي رحمه الله: باب: ترك الوضوء من القبلة.لما ذكر النسائي في الترجمة السابقة، وهي ترك الرجل الوضوء من مس امرأته بغير شهوة، وأن المس إذا حصل في الصلاة أنه لا ينقض الوضوء، وكذلك إذا حصل في غير الصلاة، لكن الأحاديث التي أوردها النسائي كلها مس في الصلاة، وهو بعيد عن أن يكون بشهوة، ولهذا قال: بغير شهوة، لكن -كما عرفنا- ليس التقييد بقوله: (بغير شهوة) بمعنى أنه إذا كان بشهوة أنه ينقض الوضوء؛ لأنه ما جاء دليل يدل على نقض الوضوء بالمس بشهوة، اللهم إلا إذا حصل مذيٌ بسبب المس بشهوة، فإن النقض يكون بسبب خروج المذي، وليس بسبب المس بشهوة.ولما ذكر النسائي في الترجمة السابقة وذكر الأحاديث التي تحتها، وكل الأحاديث التي أوردها دالة على عدم النقض، وكله لم تكن في الصلاة، والأصل هو عدم النقض إلا إذا جاء دليل يدل على النقض، ولم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عقب هذا بترجمة هي: ترك الوضوء من القبلة، ومن المعلوم بأن تقبيل المرأة إنما يكون غالباً مع الشهوة، فهذه الترجمة وهي: ترك الوضوء من القبلة هي مماثلة للترجمة السابقة؛ لأن الكل فيه ترك، فمس المرأة بشهوة ومس المرأة بغير شهوة كل هذا لا ينقض الوضوء، لكن إذا حصل التقبيل بشهوة ووجد مذي، فإنه يحصل النقض بسبب المذي، لا بسبب التقبيل ولا بسبب اللمس بشهوة.وهنا أورد النسائي رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله تعالى عنها مسنداً، وحديثاً أشار إليه دون أن يذكره مسنداً، ودون أن يذكر لفظه، فهو أورد الإسناد أولاً عن إبراهيم التيمي عن عائشة (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه، ثم صلى، ولم يتوضأ).وهو واضح مطابق لما ترجم له؛ من حيث حصول التقبيل وعدم النقض، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى ولم يتوضأ، فدل على أن التقبيل غير ناقض للوضوء.ثم أشار إلى حديث من طريق أخرى؛ من طريق حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها، لكن النسائي لما ذكر حديث عائشة الذي ساق إسناده عن طريق إبراهيم التيمي قال: وهذا أحسن شيء في هذا الباب وإن كان مرسلاً، ومن المعلوم أن المرسل ليس حجة عند المحدثين؛ لأن فيه انقطاع، والمراد بالإرسال الذي أشار إليه هو كون إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة، فحديثه عنها مرسل، ولكن ذكر المرسل هنا ليس على اصطلاح المعروف عند المحدثين، وإنما هو جار على استعمالهم، لكن المعروف والمشهور بالمرسل عندهم ما قال فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فلا يذكر الصحابي، أي: ما كان السقوط فيه من أعلاه -من فوق- وذلك بأن يسقط الصحابي، وقد يسقط معه غيره، لكن ليست العلة في سقوط الصحابي؛ لأنه لو لم يسقط إلا الصحابي فليس فيه إشكال، فالصحابة علموا أو جهلوا فما يحتاجون إلى أن يتعرف عليهم، ولا إلى أن يبحث فيهم؛ لأنهم عدول بتعديل الله لهم، وتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن احتمال أن يكون الساقط تابعياً أيضاً، واحتمال أن يكون التابعي أخذه عن صحابي أو تابعي آخر، والتابعي هذا يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، من أجل هذا صار المرسل عندهم من قبيل المردود، وليس من قبيل ما يحتج به، لكن هناك اصطلاح آخر عند الأصوليين؛ وهو أن المرسل ما حصل فيه سقوط؛ يعني: كون الإنسان يروي عمن لم يسمع منه، أو يروي عمن لم يلقه، أو لم يدركه فهذا هو المرسل، والمرسل الذي أشار إليه النسائي هنا في الإسناد هو من هذا القبيل؛ لأن إبراهيم التيمي أرسل عن عائشة؛ يعني: لم يرو عنها، فروايته عنها مرسلة، والمحدثون يستعملون كلمة أرسل، وفلان يرسل، فالمشهور عندهم أنه ما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.وإذا كان السقوط في أثناء الإسناد -سواء كان واحداً أو اثنين- فكل هذا منقطع، وإذا كان السقوط اثنين متواليين فيقال له: معضل، سواء في أعلى السند أو وسطه، وإذا كان في أسفله يقال له: معلق، فكل هذا يسمى مرسلاً عند الأصوليين.فقول النسائي: هذا أحسن شيء ورد في الباب وإن كان مرسلاً، ثم أشار إلى حديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة، ولكنه أشار إلى علته، وهو أن يحيى بن سعيد القطان قال عن هذا الحديث وحديث آخر بهذا الإسناد، قال: لا شيء؛ يعني: هذان الحديثان أو هذان الإسنادان لا شيء.وفي بعض الألفاظ عند الترمذي وعند أبي داود: (شبه لا شيء)، بدل (لا شيء)، فهنا قال: (لا شيء)، معناه: أنه لا يحتج بهذين الحديثين، وعند الترمذي وأبي داود: (شبه لا شيء)، معناه: أنه لا يحتج بهما، لكن حديث ترك الوضوء من القبلة ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ليس من هذه الطريقة المرسلة فقط، والطريقة المرسلة لو لم تكن إلا هي لما ثبت به الحديث لوجود الانقطاع، لكن جاء في الطريق الأخرى التي أشار إليها النسائي وهي رواية حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة التصريح بأن عروة هو ابن الزبير، فهو حديث متصل، فيكون ثابتاً؛ لأن الذين ضعفوا الحديث قالوا: إن عروة هذا لم ينسب، والمراد به عروة المزني، لكن جاء في بعض الطرق تسميته، وأنه عروة بن الزبير، وعلى هذا يكون الإسناد صحيحاً، ويكون الإسناد ثابتاً، ويكون مقوياً لهذا المرسل الذي أسنده النسائي، والذي قال: إنه أحسن شيء في الباب.إذاً: فالحديث ثابت، وقد صححه الشيخ الألباني، وكذلك صححه أحمد شاكر، وبين الشيخ أحمد شاكر أن المراد بـعروة هو ابن الزبير، كما جاء في بعض الطرق، فعلم أنه ليس عروة المزني، وإنما هو عروة بن الزبير، وعلى هذا فيكون الحديث صحيحاً، ثم إن الأصل هو عدم النقض، وقد جاء في الحديث الصحيح ما يؤيد الأصل، وهو عدم النقض، ولو لم يأت الحديث لكان الأصل هو عدم النقض؛ لأنه لا يثبت النقض إلا بدليل، والآن جاء الدليل مطابق للأصل الذي هو عدم النقض، فصارت القبلة أو مس المرأة بشهوة غير ناقض للوضوء، اللهم إلا أن يحصل بسبب اللمس، أو التقبيل مذيٌ، فيصير النقض بسبب المذي، كالذي مرت أحاديثه سابقاً عن علي رضي الله عنه: (أنه كان رجلاً مذاء فطلب من المقداد بن الأسود أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استحيا من أن يسأله لمكانة ابنته فاطمة منه، فقال عليه الصلاة والسلام: يغسل ذكره ويتوضأ)؛ أي: وضوءه للصلاة، فدل هذا على أن المذي إذا حصل بسبب المداعبة، أو اللمس، أو التقبيل، وكذلك أيضاً التفكير فإنه يكون ناقضاً للوضوء.إذاً: فالصحيح هو القول بعدم النقض، والأصل هو عدم النقض، لو لم يأت بذلك حديث، وقد جاء الحديث بذلك وهو ثابت، فيكون مؤيداً للأصل، ومطابقاً للأصل الذي هو البراءة من التكليف بالوضوء، فصار ما جاء في الحديث مؤيداً له ومطابقاً له، ولا يقال بالنقض إلا بدليل ولا دليل، بل قد جاء الدليل بعدم النقض، وهو حديث عائشة الذي أشار إليه النسائي، ولكنه أشار إلى تضعيفه في كلام يحيى بن سعيد القطان، لكن الحديث ثابت، وعروة الذي فيه هو ابن الزبير، فلا إشكال فيه حينئذ.

ابوالوليد المسلم 05-04-2019 06:05 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(60)

- باب الوضوء مما غيرت النار

أمر الشارع في بداية الأمر بالوضوء مما غيرت النار أو مسته، ثم نسخ هذا الحكم تخفيفاً على العباد.
الوضوء مما غيرت النار

شرح حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مما غيرت النارأخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا إسماعيل وعبد الرزاق قالا: حدثنا معمر عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار)].أورد النسائي رحمه الله ترجمة وهي باب: الوضوء مما غيرت النار يعني: مما طبخ في النار من الأكل ففيه الوضوء، هذا هو المقصود بالترجمة، وقد أورد النسائي فيها أحاديث عديدة، لكن الأحاديث التي وردت فيه صحيحة، ولكن الحكم نسخ بترك الوضوء مما مست النار، كما جاء عن جابر أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار).إذاً: هذا ناسخ، وهذا منسوخ، فالأحاديث التي في هذا الباب الذي معنا، والتي تدل على الوضوء مما مست النار هي منسوخة.وناسخها ما جاء من الأحاديث في ترك الوضوء مما مست النار، وكون الصحابي نفسه أشار إلى الأول والآخر، وإلى المتقدم وإلى المتأخر، فقال: (كان آخر الأمرين من رسول الله عليه الصلاة والسلام ترك الوضوء مما مست النار).إذاً: فما مسته النار وما طبخ وأكل فهو غير ناقض للوضوء إلا فيما يتعلق في لحم الإبل، فقد جاء حديث صحيح في صحيح مسلم وغيره يدل على الوضوء من لحم الإبل، حيث (سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الوضوء من لحم الغنم، فقال: إن شئتم)، ولما سئل عن الوضوء من لحم الإبل، قال: (نعم)، أي: توضؤوا من لحوم الإبل، فدل على أن لحم الإبل ناقض للوضوء، وأن من أكله فعليه أن يتوضأ، وهذا الحديث وهو حديث الوضوء من لحم الإبل هو من الأحاديث التي علق الشافعي القول بها على صحة الحديث، وقد قال بعض أتباعه: وقد صح الحديث وهو مذهب الشافعي؛ لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، فهذا الحديث هو مذهب الشافعي، وإن لم يقل الشافعي: إن الحديث صح عنده، لكنه علق القول به على صحته.إذاً: فالوضوء مما مست النار نسخ إلا فيما يتعلق بالوضوء من لحم الإبل فإنه قد جاء ما يخصه، وما يجعل حكمه خاصاً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام (سئل عن الوضوء من لحم الغنم، فقال: إن شئتم)، وسئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: (نعم)، فدل على أنه يتوضأ من لحم الإبل، وأن لحم الإبل ناقض للوضوء إذا أكل، وأما اللحوم الأخرى والمطبوخات الأخرى إذا مستها النار فإن الحكم فيها منسوخ كما سيأتي.قوله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا مما مست النار)].فأورد النسائي حديث أبي هريرة يقول فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا مما مست النار)، فهو أمر من رسول الله عليه الصلاة والسلام بالوضوء مما مسته النار؛ أي: مما طبخ بالنار فإنه ينتقض به الوضوء، إلا أن هذا -كما أشرت- حكم منسوخ ليس باقياً، بل قد نسخ كما سيأتي الناسخ بعد هذا؛ لأنه سيأتي بباب: ترك الوضوء مما مست النار، وهو الناسخ، والوضوء هو المنسوخ.وطريقة الإمام مسلم رحمه الله لما أورد الأحاديث في الوضوء مما مست النار، رتبها كترتيب النسائي الموجود هنا، أتى أولاً بالأحاديث المتعلقة بالوضوء مما مسته النار، ثم أتى بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مسته النار، قال النووي في شرحه في صنيعه: هو تقديم المنسوخ وتأخير الناسخ، أورد الأحاديث المنسوخة، ثم أورد الأحاديث الناسخة، فكان طريقته أنه قدم المنسوخ وأخر الناسخ، وهذه الطريقة أيضاً هي طريقة النسائي هنا، وقد مر بنا في الدرس السابق في الوضوء من مس الذكر، أورد الأحاديث التي فيها حديث بسرة في الوضوء من مس الذكر، ثم أورد حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر، وقال السندي في تعليقه عليه: إن صنيع المؤلف يشعر بأنه يرجح عدم النقض؛ لأنه أخر الحديث المتعلق بعدم النقض، فيكون لمعنى أخره، وقلت لكم إن هذه الطريقة لا ندري هل هي طريقة النسائي، لكن هذا الحديث الذي معنا في هذا الباب والذي يتعلق بالوضوء مما مست النار، وكونه قدم الأحاديث المنسوخة؛ ثم أخر الأحاديث الناسخة، يعني: هذا يشعر بأنه قد يكون يرى أن المعول عليه، وأن العمل عنده على ما جاء في حديث طلق من أنه إذا مسه الإنسان لا يتوضأ، وقد ذكرت لكم فيما مضى أن القول الراجح هو القول بالنقض، وهو الأحوط في الدين، ومر الكلام على ذلك، لكن أشرت إليه هنا من أجل حصول الترتيب الذي حصل عند النسائي هنا، وأن العمل هو على المتأخر الذي فيه ترك الوضوء مما مست النار.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم هذا هو: ابن راهويه الحنظلي، الإمام، المحدث، الفقيه، وهو ثقة ثبت، حجة من رجال الجماعة إلا ابن ماجه .[أخبرنا إسماعيل].إسماعيل هو: ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهي أمه، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[وعبد الرزاق].وهو ابن همام الصنعاني، الإمام، المشهور، المحدث، الفقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً، وهو راوي صحيفة همام بن منبه؛ لأن صحيفة همام تشتمل على 140 حديثاً كلها من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، وهي كلها صحيحة، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره أيضاً مراراً وتكراراً.[حدثنا معمر].وهو معمر بن راشد، وقد سبق أن مر ذكره، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].وهو الإمام، المشهور محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر ذكره مراراً، وهو من الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمر بن عبد العزيز].وهو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، الخليفة الذي تولى الخلافة على رأس المائة الأولى، تولاها بعد سليمان بن عبد الملك؛ لأن الذين تولوا الخلافة من بني أمية، من أولاد عبد الملك أربعة. وأما عمر بن عبد العزيز فقد توسط بينهم؛ لأن فيه الوليد، ثم سليمان، ثم جاء بعده عمر، ثم بعد عمر: يزيد، وهشام، والجميع أولاد عبد الملك، وتوسط بينهم عمر بن عبد العزيز.وعمر بن عبد العزيز هو ابن مروان بن الحكم الخليفة أمير المؤمنين، وقد وصف بأنه أحد الخلفاء الراشدين، وقد اشتهر عدله، واشتهر علمه، واشتهر ورعه فصار الكلام فيه حسناً، وسيرته حسنة ومحمودة، بل من العلماء من قال: إنه خامس الخلفاء الراشدين، لكن التعبير بكونه خامس الخلفاء الراشدين؛ يعني: مع أن معاوية بن أبي سفيان قبله، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعلوم ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في حق أصحابه: (وإن الواحد لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وقد قال بعض العلماء، وقد أحسن فيما قال: ومعاوية أول ملوك المسلمين وهو خير ملوك المسلمين؛ لأن الملك بعد الخلفاء الراشدين صار ملكاً، لكن هو خير ملوك المسلمين؛ لأنه صحابي، والصحابة أفضل ممن جاء بعدهم، فالقول بأنه خامس الخلفاء الراشدين، وعدم ذكر معاوية، أو كونه يأتي بعد الخلفاء الراشدين، مع أن معاوية أفضل منه، وخير منه؛ لصحبته رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو كاتب الوحي لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وما حصل له من شرف الصحبة يفوق ما حصل لـعمر من الفضل، ومن المعلوم أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فالعمل القليل من معاوية يفوق العمل الكثير من غيره ممن جاء بعد الصحابة رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.وعمر بن عبد العزيز لا شك أنه خليفة راشد، وأنه من خيار ملوك المسلمين وخلفاء المسلمين، وهو بعد معاوية، لا شك أنه أولى من غيره، وأفضل من غيره، والثناء عليه كثير، وسيرته مشهورة رحمة الله عليه، وهو محدث، فقيه من حملة الفقه، ومن حملة حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورحم الله تعالى عمر بن عبد العزيز، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهو الذي أمر الزهري بأن يجمع حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي قال فيه السيوطي في ألفيته: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمرفهو الذي أمر بتدوين السنة، وكلف الزهري بأن يقوم بهذه المهمة.[عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ].إبراهيم بن عبد الله بن قارظ صدوق، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي شيئاً.وأحياناً يقال فيه: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ، يقول الحافظ ابن حجر: إنهما شخص واحد، ووهم من قال: إنهما اثنان؛ يعني: أحياناً يقلب اسمه واسم أبيه، فيقال: هو إبراهيم بن عبد الله، ويقال: هو عبد الله بن إبراهيم بن قارظ؛ يعني: إذا جاء عبد الله بن إبراهيم بن قارظ.[عن أبي هريرة].أبو هريرة، هو الصحابي الجليل الذي مر ذكره مراراً وتكراراً.

شرح حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا محمد يعني: ابن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عبد الله بن قارظ أخبره أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار)].وهذا طريق آخر عن أبي هريرة، وهو بلفظ الحديث السابق: (توضئوا مما مست النار). وإسناد الحديث بعضه مطابق للإسناد الذي قبله من الزهري ومن فوقه، هؤلاء مروا في الإسناد الأول.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار) من طريق ثانية

قوله: [حدثنا هشام بن عبد الملك].المعروف عن النسائي أنه يقول: أخبرنا، وما دام أن بعض النسخ فيها: أخبرنا، فهي الموافقة للجادة والطريقة الكثيرة الاستعمال، وهشام بن عبد الملك صدوق ربما وهم، وحديثه عند أبي داود، والنسائي، وابن ماجه ؛ يعني: خرج له ثلاثة من أصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له الترمذي شيئاً، وكذلك لم يخرج له الشيخان شيئاً.[حدثنا محمد؛ يعني: ابن حرب].هو محمد بن حرب الخولاني الحمصي الأبرش، وهو ثقة، أخرج له الجماعة.[حدثني الزبيدي].وهو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي، وهذا من أثبت أصحاب الزهري.

شرح حديث أبي هريرة: (إني سمعت رسول الله يأمر بالوضوء مما مست النار) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا إسحاق بن بكر وهو ابن مضر حدثني أبي عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن محمد بن مسلم عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أنه قال: (رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يتوضأ على ظهر المسجد، فقال: أكلت أثوار أقط فتوضأت منها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما مست النار)].فالترجمة كما سبق في الدرس الفائت: الوضوء مما غيرت النار، وذكرت أن النسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة في الوضوء مما مست النار، والترجمة التي بعدها، وهي ترك الوضوء مما مست النار، وأن أحاديث ترك الوضوء مما مست النار ناسخة لأحاديث الوضوء مما مست النار، وقد جاء في حديث جابر، وغيره ما يدل على ذلك، ولفظ حديث جابر كما سيأتي (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، أي: إن الترك للوضوء ناسخ للأمر بالوضوء.وذكرت في الدرس الفائت أن هذا النسخ للوضوء مما غيرت النار، أو مما مست النار، أن ذلك في غير لحوم الإبل، فلحوم الإبل جاء ما يدل على أن أكلها ناقض، حيث (سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام، عن الوضوء من لحم الغنم؟ فقال: إن شئتم، وعن الوضوء من لحم الإبل؟ فقال: نعم، توضؤوا من لحوم الإبل)، فدل على أن مما مسته النار سواء كان لحماً أو غير لحم، فإن آكله لا ينتقض وضوءه، بل وضوءه باق على ما هو عليه، اللهم إلا إذا كان المأكول لحم إبل فإنه ينتقض الوضوء بذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام، لما سئل أرشد إلى الوضوء من أكل لحوم الإبل.ثم ذكر التغيير أو المس بالنسبة للنار يشمل ما إذا كان مطبوخاً، أو مشوياً؛ لأنه كله يقال له: مسته النار، وكله غيرته النار، فالحكم للمطبوخ أو للمشوي فيه واحد، ولكن الأمر كما قلت: هو منسوخ إلا فيما كان من لحم الإبل، فإن الحكم باقٍ، وهو أن من أكل لحم إبل سواء كان مطبوخاً، أو مشوياً فإنه يلزمه الوضوء؛ لأنه قد ورد الحديث في ذلك في صحيح مسلم، وهو ما أشرت إليه.

بيان معنى قول الشافعي: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، وتعظيم الأئمة الأربعة للدليل

وقد ذكرت في الدرس الفائت أن الإمام الشافعي رحمة الله عليه علق القول به على صحته، وقال: إن صح الحديث قلت به؛ لأنه ما بلغه من طريق صحيح، وقد قال بعض أصحاب الإمام الشافعي: إن الحديث قد صح، فهو مذهب الشافعي؛ لأنه علق القول به على صحته، والإمام الشافعي رحمة الله عليه قال في مسائل عديدة: إن صح الحديث في هذه المسألة قلت به، وهذا يدل على أن مذهب وطريقة الإمام الشافعي وغيره من الأئمة هو التعويل على السنة، والتعويل على ما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه إذا صح الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فليس لأحد كلامُ مع كلام رسول الله، والإمام الشافعي نفسه هو الذي جاءت عنه المقولة المشهورة التي يقول فيها: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائن من كان، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرح حديث الاشتراط في الحج، حديث ضباعة بنت الزبير التي قالت: (إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: اشترطي)؛ أي: قولي: إن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني، فإن الإمام الشافعي قال: إن صح الحديث قلت به، وقد قال بعض أصحابه: إنه قد صح، والحديث في الصحيحين، ثبت في صحيح البخاري، وقال الحافظ ابن حجر عند شرح هذا الحديث: وقد جمعت المسائل التي قال فيها الشافعي: إن صح الحديث قلت به، وذكرت ما ورد فيها من الأحاديث، ودرجة تلك الأحاديث. أشار الحافظ إلى هذا المصنف الخاص بالأحاديث التي علق الشافعي القول بها على صحة الحديث، وذكر أنه قد بين درجة تلك الأحاديث التي وردت في تلك المسائل، التي قال عنها الإمام الشافعي: إن صح الحديث قلت به، ولا أعلم وجوداً لهذا الكتاب الذي ألفه الحافظ ابن حجر في المسائل التي قال عنها الإمام الشافعي رحمة الله عليه: إن صح الحديث قلت به.وهذا الكلام الذي قاله الإمام الشافعي في أن التعويل على الحديث، هو المأثور عن الأئمة جميعاً، عن الإمام أبي حنيفة، وعن الإمام مالك، وعن الإمام أحمد، كلهم جاء عنهم أن التعويل هو على سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه إذا صح الحديث تترك أقوالهم، ويؤخذ بما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من نصحهم وإنصافهم وإحسانهم إلى الناس، إذ أرشدوهم إلى مسلكهم، ونبهوهم إلى أن يسلكوا مسالكهم، بأن يكون المعول عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه لا يصار إلى قول أحد إذا كان قوله مخالفاً لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.وقد ذكر ابن القيم رحمة الله عليه في آخر كتاب الروح: أن هذه الطريقة التي سلكها الأئمة هي من إخلاصهم، وإحسانهم، ونصحهم، وإرشادهم إلى عدم الأخذ بأقوالهم إذا وجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تخالفها، فالمعول عليه هو حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن أخذ بالسنة إذا وجد عنهم أقوال جاءت في السنة، أو جاءت الأحاديث بخلافها، فإنه آخذ بتوجيهاتهم، وآخذ بنصائحهم، وآخذ بإرشادهم، فهو الممتثل حقاً لما أرادوه ولما أحبوه، وهو اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وترك أقوالهم، وقد قال الإمام ابن القيم رحمة الله عليه: إن الطريقة المثلى هي أن يستفاد من علم الأئمة، وألا يهضم حقهم، وألا يتكلم فيهم بما لا ينبغي، بل يتكلم فيهم بما يليق، فيستفاد منهم، ويستفاد من علمهم، لكن إذا تبين أن الحق وأن الدليل مع غير ذلك الإمام الذي يستفيد الإنسان من علمه، والذي يحرص الإنسان على معرفة كلامه، فإنه لا يجوز له أن يأخذ بقوله الذي وجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تخالفه، بل الواجب هو اتباع سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه تحقيق لرغبتهم التي أرشدوا إليها، والتي رغبوا فيها وحثوا عليها، وهي أن تترك أقوالهم، وتتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

بيان الفرق بين احترام الأئمة والتعصب لهم وذكر كلام ابن القيم وغيره في ذلك

إذاً: فهناك فرق بين من يتعصب للأئمة، وبين من يحترم الأئمة، ويعتبر أن أقوالهم دائرة بين الأجر والأجرين، وأنهم مجتهدون، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، وخطؤهم مغفور، ولكنهم ليسوا بمعصومين، وهذا لم يحصل لأحد ممن قبلهم، وهم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يقال في حق أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في أي واحد منهم أن الحق معه لا يتعداه، بل إن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم عندما تأتي المسائل والنوازل، فإنهم يسألون أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هل عندهم سنة فيها؟ فها هو أبو بكر رضي الله عنه، تأتي جدة تريد أن تبحث عن ميراث، وتريد ميراثاً، فقال: لا أعلم لك في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، لكن أسأل الناس، فذهب يبحث ويسأل الناس حتى جاءه بعض الصحابة، فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فأعطاها السدس، فهذا خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأفضل الصحابة، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يعلم بهذا الحكم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كما هو معلوم يلتقي به الناس في مناسبات مختلفة، ويحدث بالأحاديث بمناسبات مختلفة، ويحضر هذا ويغيب هذا، وقد عرفنا فيما مضى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يتناوب مع صاحبه في النزول للرسول عليه السلام، والبقاء في العمل في زرعه وفي فلاحته، فيوم ينزل أحدهما وصاحبه يبقى في عمله، وإذا جاء الذي نزل للرسول صلى الله عليه وسلم أخبر الذي جلس بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا جاء الغد فالذي لم ينزل بالأمس فإنه ينزل اليوم، ثم يخبر الذي لم ينزل بما سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام.فهذه السنن يأتي بيانها في مناسبات، ولهذا لا يقال عن شخص من الناس: أنه يحيط بها علماً، وأنه لا يخفى عليه شيء من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل عند هذا ما ليس عند هذا، وهذا يحضر ما يغيب عنه هذا، وإذا كان هذا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف في حق الأئمة الأربعة وغيرهم؟!فالواجب هو احترام الجميع وتوقيرهم ومحبتهم ومولاتهم، واعتقاد أنهم مجتهدون، وأن المصيب منهم له أجران: أجرٌ على إصابته، وأجر على اجتهاده، والمخطئ له أجر واحد من أجل اجتهاده، وخطؤه مغفور، ومن عرف قدرهم، وأنزلهم منازلهم، وأخذ بتوصياتهم التي أوصوا بها، فهذا هو الذي أصاب الحق، وهو الذي حقق رغباتهم.أما من يتعصب لهم، بحيث لو ذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه قد صح، وأن الحديث رواه فلان وفلان، وأنه موجود في الصحيحين أو في غيرهما، ثم لا يقبله هذا المتعصب الذي يلازم مذهب إمام معين، ولا يتعداه ولا يحيد عنه، ويقول: لو كان ثابتاً لعلمه الإمام، ولم يخف عليه، فهذا من الظلم ومن الجور ومن الشطط، بل العدل والإنصاف هو أن يعتقد أن أي واحد من الناس لا يقال فيه: إنه أحاط بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، بحيث لا يترك شاردة ولا واردة إلا وقد أحاط بها، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدين لا يدعى في حق واحد منهم ذلك، بل كل واحد منهم تحصل له قضية فيسأل عنها أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين عندهم علم فيها، وقد يحضر المفضول مناسبة، فيتحمل فيها علماً لم يعلم به ذلك الفاضل، وقد يكون في مجلس من المجالس، فمجالس الرسول صلى الله عليه وسلم قد يحضر فيه شخص من آحاد الناس ومن أفراد الصحابة، ويغيب عنه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فتكون تلك السنة التي حضرها ذلك الرجل علمها، ولم تبلغ هؤلاء الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم، بل عندما تأتي حادثة أو نازلة يسألون من عنده علم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيرجعون إلى قوله.إذاً: فالعدل والإنصاف هو محبة العلماء، ومولاتهم، وتوقيرهم، واحترامهم، وحسن الأدب معهم، وأن الإنسان لا يتعصب لهم، ولا يجفوا في حقهم، لا يكون لا غالياً ولا جافياً، لا يكون غالياً فيقول: والله إن الحق مع فلان وفلان؛ يعني: عنده العلم يحيط بالسنة، فتابعه يتابع ولا يحاد عنه، ولا يكون جافياً ويقول: والله ما لنا حاجة لأن نقرأ كلامهم، ولا أن نطلع على كتبهم، وإنما نحن ننظر في الأحاديث فنعرض عن كلام العلماء، بل العدل، والإنصاف، والإحسان هو الاطلاع على الأحاديث والبحث فيها، والبحث في كلام العلماء، والاستفادة من علمهم. وقد قال ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه الروح: إن العلماء يستفاد منهم، وأنهم مثل النجوم التي يستدل بها إلى القبلة؛ لأن الإنسان عندما يبحث عن القبلة يستدل عليها بالنجوم؛ أي: مطالعها ومخارجها، وأن النجم الفلاني في الجهة الفلانية، فيستدل بها على جهة القبلة، فيقول إن العلماء يستفاد منهم في الوصول إلى معرفة الحق، لكن إذا وقف الإنسان على الحق وظهر له الدليل فإنه لا يحتاج إلى دليل يدله عليه، قال: وهم مثل النجوم يستدل بها إلى القبلة، لكن الإنسان إذا كان عند الكعبة ووصل إليها، فما يحتاج ليبحث عن شيء يدله على القبلة، فإذا وصل للمدلول عليه وانتهى إليه، فليس فيه حاجة إلى دليل، ما دام الإنسان ما اهتدى إلى القبلة، ولا يمكن أن يستدل عليها بالأدلة، لكن إذا وصل إلى القبلة وانتهى إلى الكعبة، وصارت الكعبة أمامه، أيحتاج إلى أحد يدله إلى الكعبة؟ لا يحتاج؛ لأن الكعبة قدامه.إذاً: فهذا هو العدل والإنصاف، وهذا هو الإحسان، ولهذا يقول الطحاوي رحمة الله عليه في عقيدة أهل السنة والجماعة: وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من اللاحقين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، ومن المعلوم أن ذكرهم بالغلو سوء، وهم لا يرضون هذا الغلو، وكذلك الجفاء أيضاً هو تفريط وجفاء، ولا يليق بهم، بل الواجب العدل والإنصاف والاعتدال والتوسط في الأمور، وعدم الإفراط والتفريط، لا غلو ولا جفاء.إذاً: بعد هذا الاستطراد أرجع إلى المسألة التي نحن فيها وهي أن الوضوء مما مسته النار جاء فيها أحاديث صحيحة، وهي منسوخة بالأحاديث الدالة على ترك الوضوء مما مست النار؛ لأن الحديث الذي جاء في ذلك فيه الناسخ والمنسوخ؛ لأن جابر رضي الله عنه قال: كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء، يعني: الوضوء وعدم الوضوء، آخره كان الترك، ترك الوضوء مما مسته النار فيكون ناسخاً، ويستثنى من ذلك -كما قلت- الوضوء من لحم الإبل، فإنه باق والحديث فيه خاص، والرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن هذا وهذا، وكلها مما تمسه النار، فأرشد إلى الوضوء من لحوم الإبل، وقال في حق من أكل لحم غنم أنه رد ذلك إلى مشيئته فقال: (إن شئتم).والنسائي رحمه الله أورد عدة أحاديث، وقد مر في الدرس الفائت حديثان، وهذا حديث لـأبي هريرة رضي الله عنه، وعبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، (أنه رآه يتوضأ على ظهر المسجد، وقال: إني أكلت أثوار أقط، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما مست النار)، يعني: أنه أكل أقط، والأقط كما هو معلوم مطبوخ، فهو لبن طبخ على النار حتى تجمد وتكاثف، والتحم بعضه ببعض، فجمع بعضه إلى بعض، فيبس وصار كالحجارة في شدته، يقول: أنه كان يأكل أثوار أقط؛ أي: قطع من الأقط، إذاً: الأصل أنه مطبوخ على النار؛ لأن الأقط لا يكون إلا بعد الطبخ، وقد توضأ رضي الله عنه، لكن هذا كما عرفنا جاء ما يدل على نسخه، وأن الوضوء مما مست النار منسوخ إلا في ما يتعلق بالنسبة للحوم الإبل فإن الحكم باق.قوله: [عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ قال: (رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يتوضأ على ظهر المسجد، فقال: أكلت أثوار أقط فتوضأت منها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما مست النار)].وأبو هريرة رضي الله عنه كان قد أكل أثوار أقط، وهي قطع من الأقط، وبين أن وضوءه كان بسبب هذا الأكل، وقال: (إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بالوضوء مما مست النار)، فهو يتوضأ.وفيه بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الاتباع والملازمة لما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.قوله: (يتوضأ على ظهر المسجد)، في هذا دليل على أن الوضوء في المسجد جائز؛ لأن وضوء أبي هريرة رضي الله عنه كان على ظهر المسجد، وظهر المسجد هو من المسجد، فيدل على جواز مثل ذلك، لكن هذا كما هو معلوم يكون في الوضوء الذي لا استنجاء معه؛ لأن الاستنجاء فيه إزالة نجاسة، ولا يجوز أن يفعل ذلك في المسجد، وأما الوضوء الذي هو غسل الوجه واليدين والرجلين وما تساقط منه من الماء، فهذا لا بأس به، وهو جائز؛ لأنه طاهر وليس بنجس، لكن هذا مشروط بألا يحصل فيه تلويث، وألا يحصل به مضرة، ولا يحصل فيه امتهان للمسجد، لكنه إذا احتيج إلى ذلك في بعض الأحيان وفعل فإن العمل صحيح، وفعل أبي هريرة رضي الله عنه هذا يدل عليه.
يتبع



ابوالوليد المسلم 05-04-2019 06:06 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(60)

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (إني سمعت رسول الله يأمر بالوضوء مما مست النار) من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].هو: الربيع بن سليمان بن داود، وهو الجيزي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي. وللنسائي شيخ آخر من طبقة الربيع بن سليمان هذا، وهو أيضاً مصري، وهو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الشافعي المشهور، فهو غير هذا، وأما الربيع بن سليمان بن داود، فقد جاءت تسميته في آخر الأحاديث التي جاءت في هذا الباب، وقد ذكر هذا الإسناد مرة أخرى في آخر حديث، أو قريباً من آخر حديث في هذا الباب، فقال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: الربيع بن سليمان بن داود فسماه في طريق أخرى، فإذاً: يكون هو الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري، وليس الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الشافعي، وكلٌ منهما روى عنه النسائي، وهما في طبقة واحدة، في الطبقة الحادية عشرة، وهم من شيوخ النسائي، لكن هذا الذي معنا هو ابن داود الذي سماه النسائي في إسناد آخر في نفس الباب، وهو الربيع بن سليمان بن داود، وهو مصري ثقة، وحديثه عند أبي داود، والنسائي.[حدثنا إسحاق بن بكر وهو ابن مضر].كلمة (هو ابن مضر) هذه يقولها من كان دون التلميذ الذي روى عن الشيخ؛ أعني: أن إسحاق بن بكر بن مضر تلميذه هو الربيع بن سليمان، فـالربيع بن سليمان لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما ينسب شيخه كما يريد؛ لأن الكلام كلامه، لكن التلميذ إذا ذكر شيخه بصورة معينة، ثم جاء من بعده وأراد أن يوضح هذا الشخص الذي ذكره التلميذ بصيغة محددة، أو بصيغة مختصرة، فعندما يضيف شيئاً يأتي بكلمة (هو)، أو يأتي بكلمة (يعني: فلان)، أو (يعني: ابن فلان)، هذا هو المقصود منها، وقد جاء هذا مراراً، ونبهت عليه مراراً، وهذا من حسن العمل؛ لأنهم لو أضافوا إلى اسمه وذكر الإسناد، فقال: إسحاق بن بكر بن مضر لكان التلميذ كأنه قال: إسحاق بن بكر بن مضر، وهو ما قال: ابن مضر في هذا الموضع، وإنما قال: إسحاق بن بكر فقط، وهو معلوم، لكن من جاء بعده وأراد أن يوضح، أو يأتي بما يوضح ذلك فيقول: هو ابن مضر كما جاء في الإسناد هنا، فنفهم من كلمة (هو ابن مضر)، أن هذا الاسم ليس من كلام التلميذ، بل هو من كلام النسائي، أو من دون النسائي، أو من بعد النسائي، فهو أراد أن يوضح هذا الشخص بزيادة في نسبه توضحه وتبينه.وإسحاق بن بكر بن مضر صدوق، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة مسلم.قوله: [حدثني أبي].وهو: بكر بن مضر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن جعفر بن ربيعة].وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن بكر بن سوادة].وهو بكر بن سوادة بن ثمامة، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن محمد بن مسلم].وهو الزهري، ومجيء الزهري باسمه واسم أبيه، هذا قليل جداً، بل هو نادر، ولعله أول موضع يأتي فيه ذكر محمد بن مسلم؛ يعني باسمه، واسم أبيه؛ لأن الغالب أن يقال: الزهري، أو يقال: ابن شهاب، أما أن يؤتى باسمه واسم أبيه كما هو هنا فهذا قليل جداً.وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده زهرة بن كلاب، وكلاب هو الذي يلتقي نسبه مع نسب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإلى جده شهاب وهو جد أبيه؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو جد الجد، فهو يُنسب إلى جد من أجداده، وليس جداً قريباً، لكنه اشتهر بالنسبة إليه، والإمام الزهري رحمة الله عليه مر ذكره كثيراً، وهو أحد الثقات الأثبات، ومن أوعية العلم، ومحدث، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بجمع السنة، وهو الذي يقول فيه السيوطي في ألفيته: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمر

ترجمة عمر بن عبد العزيز وبيان فضل الصحابة على من عداهم

[عن عمر].هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وهو الخليفة أمير المؤمنين، وهو خليفة راشد، وقد ذكرت بالأمس أنه معروف ومشهور بالصلاح، والزهد، والعبادة، والعلم، والفقه، ومن العلماء من قال: إنه خامس الخلفاء الراشدين، لكن قلت: إن هذا التعبير ليس بدقيق؛ لأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه صحابي، وقد تولى الخلافة، فكونه يقال: الخامس، فمعناها أن فيه تجاوزاً لـمعاوية، ومعاوية خير من عمر بن عبد العزيز، وخير من كل تابعي، ومن جاء بعد التابعين؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ممن سواهم، ومن المعلوم أن التفضيل للصحابة إنما هو تفضيل للفرد على الأفراد، فكل فرد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من أي فرد من أفراد من جاء بعدهم، هذا هو التفضيل المشهور عند العلماء، إلا أنه جاء عن ابن عبد البر رحمة الله عليه أن التفضيل إنما هو في الجملة، وأنه قد يكون في من بعد الصحابة من يكون أفضل من بعضهم، لكن المعروف عن العلماء والمشهور عنهم أن التفضيل لكل فرد من أفراد الصحابة، يعني: أنه أفضل من كل فرد من أفراد من بعده، والتفضيل للأفراد لا يعني في الجملة، وأن التفضيل إنما هو لبعضهم، وأنه قد يكون فيمن بعدهم من يكون أفضل من بعضهم، بل كل واحد من الصحابة أفضل من كل من جاء بعد الصحابة؛ لأنهم حصلوا شرفاً، وحصلوا فضلاً، وحصلوا ميزة ما حصلها أحد من هذه الأمة، ولا حصلها أحد من البشر؛ لأن الله تعالى اختار هذا الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، واختار له أصحاباً جعلهم في زمانه، فالله تعالى أوجد هؤلاء الأصحاب في زمانه، وأكرمهم بذلك فصاروا أصحابه، وصاروا حملة سنته، وأوعية علمه، وكانوا الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عرف حق ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، وما عرف الكتاب والسنة إلا عن طريق الصحابة، ولم يستفد الناس فائدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة، ولهذا كان لهم من الفضل ما ليس لغيرهم، وقال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فهذا الجبل الضخم الذي هو قريب منا لو كان مثل هذا الجبل ذهباً وتصدق به واحد من الناس، وتصدق واحد من الصحابة بمد الذي هو ثلث الصاع لكان هذا الجبل لا يعادل هذا المد، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [المائدة:54].إذاً: ما جاء عن بعض العلماء في أن عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين غير صواب، يعني: لو قيل: أنه خليفة راشد، أو أنه من الخلفاء الراشدين، فكلامٌ جيد، لكن كلمة خامس معناه يجيء بعد الخلفاء الراشدين، وقبله معاوية، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خير ممن جاء بعد الصحابة، وقد قال شارح الطحاوية - أو صاحب لمعة الاعتقاد: عندي شك في الذي قال- هذا المعنى، لكن نقول: إن معاوية هو أول ملوك المسلمين، وهو خير ملوك المسلمين؛ لأنه تولى الملك وهو صحابي، والباقون تولوا بعد معاوية وليسوا بصحابة، لكن معاوية رضي الله عنه لكونه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو أفضل.ولهذا جاء عن بعض السلف آثار فيها العتب على من يفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية، وقد جاء عن بعض السلف أنه قال: لتراب في منخر معاوية مع رسول الله خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز؛ لأن الذي حصل من الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا يماثله شيء، ولا يدانيه أي عمل من الأعمال التي يعملها من جاء بعدهم، ولا يساوي ما حصل لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً.قوله: [عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ].وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ يأتي أحياناً باسم إبراهيم بن عبد الله، وأحياناً عبد الله بن إبراهيم، وقد قال الحافظ ابن حجر: إنهما شخص واحد، وقد وهم من ظن أنهما شخصان، فيعني: يحصل تقديم وتأخير، والشخص واحد، يقال: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ.وعمر بن عبد العزيز حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأبي داود، وابن ماجه ، والنسائي، ولم يخرج له الترمذي.وقوله: [رأيت أبا هريرة ... ].وأبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.وهذا الإسناد الذي مر معنا هو من أطول الأسانيد عند النسائي؛ لأنه تساعي، فهو إسناد تساعي مكون من تسعة أشخاص، وبين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة، أولهم: الربيع بن سليمان بن داود المصري الجيزي، ثم بعد ذلك إسحاق بن بكر بن مضر، ثم أبوه بكر بن مضر، ثم جعفر بن ربيعة، ثم بكر بن سوادة، ثم الزهري، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم ابن قارظ، ثم أبو هريرة، فهؤلاء تسعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهذا من أطول الأسانيد وليس أطولها؛ لأن هناك ما هو أطول منه، ويوجد هناك عشاريات عند النسائي، ولم يمر بنا حتى الآن.وقد ذكرت فيما مضى أن أعلى ما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، والنسائي توفي سنة 303؛ يعني: بين وفاته ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من 290 سنة، وأعلى ما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، فهذا هو أعلى أسانيده، وليس عنده ثلاثيات، كل ما عنده هو رباعيات، بخلاف البخاري، فإن عنده ثلاثيات كثيرة تزيد عن العشرين، ومسلم لا يوجد عنده ثلاثيات، وإنما عنده رباعيات، وأبو داود كذلك عنده رباعيات، ولا يوجد عنده ثلاثيات، والترمذي عنده ثلاثيٌ واحد، وابن ماجه عنده خمسة ثلاثيات، وأما مسلم، والنسائي، وأبو داود فهؤلاء أعلى ما عندهم الرباعيات، وعند مسلم، والنسائي أسانيد نازلة، وأسانيد طويلة، منها هذا الإسناد الذي معنا، وهو تسعة أشخاص، وعنده ما هو أطول من ذلك، ولكن لم يمر بنا شيء من هذا حتى الآن.

شرح حديث أبي هريرة (توضئوا مما مست النار) من طريق رابعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي عن حسين المعلم حدثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أنه سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب يقول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالاً؛ لأن النار مسته؟ فجمع أبو هريرة حصاً فقال: أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه قول أبي هريرة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)، وهنا أكد هذا بقوله عندما عقد مجموعة من الحصى ورمى بها، وقال: أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)، وهذا يدل على ضبطه، وإتقانه؛ لأن مثل هذا الكلام الذي يقوله الراوي: أشهد عدد هذا الحصى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا، فهذا يدل على الضبط والإتقان لما رواه الراوي، وهذا من الأشياء التي يقولون أنها تدل على ضبط الراوي وإتقانه، وقد مر قريباً شيء من هذا، مثل: عمرو بن عبسة عندما يؤكد على سماعه للحديث يقول: (فسمعته أذناي، ووعاه قلبي، وقد كبر سني، وضعف بدني...). وهذا فيه تأكيد وضبط وإتقان، ومثله أبو شريح الخزاعي قال مثل هذه المقالة كما هي في الصحيحين، لما كان عمرو بن سعيد الأشدق يجهز الجيوش لغزو ابن الزبير، وكان قد جاءه أبو شريح الخزاعي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح؛ يعني: ذكر أولاً كلام تأدب، وقوله: قام به الغد من يوم الفتح؛ يعني: من بكرة فتح مكة، أي من اليوم الثاني، ثم قال: هذا الكلام سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، وهو يتكلم به؛ يعني: كلام مضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، محقق لا شك فيه ولا ريب أنه قال: (إن الله تعالى حرم مكة ولم يحرمها الناس، وإن الله تعالى أحلها لي ساعة من النهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وإنها حرام، لا يقتل صيدها، ولا يقطع شجرها ولا ... إلى آخره)؛ يعني: فينبهه على خطورة هذا الأمر الذي هو مقدم عليه، وهو أن يجهز الجيوش لقتال ابن الزبير في مكة، وقوله: (سمعته أذناي، ووعاه قلبي) أيضاً هذه من الألفاظ التي تدل على ضبط الراوي وإتقانه.فهنا يقول: أشهد عدد هذا الحصى، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا مما مست النار)، إذاً: فالحديث يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، وكذلك اللاحقة بعده من الوضوء مما مست النار، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، لكن هذا الحكم نسخ، وجاء ما يدل على نسخه، وهي الأحاديث التي ستأتي بعد هذا الباب.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار) من طريق رابعة

قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].هو الجوزجاني السعدي، وهو ثقة، وهو صدوق، ولكنه في شعبة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبي].هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وقد سبق أن مر، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن حسين المعلم].هو حسين بن ذكوان الملقب بالمعلم، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني يحيى بن أبي كثير].هو اليمامي الذي سبق أن مر ذكره فيما مضى، وهو أيضاً ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي].هو أبو عمرو، وقد مر ذكره فيما مضى، وكنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو عمرو، وأبوه اسمه عمرو، وهو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو فقيه أهل الشام ومحدثها، وهو معروف بالفقه والحديث، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب ...].هو المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب، وهذا سبق أن مر، وهو صدوق، وربما وهم، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وعند أصحاب السنن الأربعة.[قال ابن عباس].وقد مر ذكره.قال ابن عباس: أتوضأ إذا أكلت لحماً حلالاً؛ لأن النار مسته؟ وكان هذا الكلام بحضور أبي هريرة رضي الله عنه؛ يعني: كأنه يتوقف، أو يعترض على الوضوء مما مسته النار، فبيّن أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا، فأخذ أبو هريرة حصى، ورما بها، وقال: أشهد عدد هذا الحصى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار). فإذاً إما أن يكون ابن عباس رضي الله عنه ما بلغه الحديث في هذا، أو أنه بلغه ولكن بلغه الناسخ، وهو أنه لا يتوضأ منه، وقد نسخ، فـأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أبدى ما عنده من العلم، وما بلغه من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث قال: أشهد عدد هذا الحصى أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا مما مست النار)، وعلى هذا فقد يكون المطلب بن حنطب لم يرو عن ابن عباس، وأنه قد حضر القصة، وسمع أبا هريرة، فيكون بهذا يروي عن أبي هريرة، لكن ذكر السبب الذي قيل فيه ذلك الكلام، لأن الكلام حصل فيه مناسبة، وهي كلام جرى من ابن عباس بحضور أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وعلى هذا فتكون الرواية عن المطلب عن أبي هريرة، ويحتمل أن يكون أيضاً قد بلغه عن ابن عباس، وأن ابن عباس أخبره بأنه حصل كذا وكذا، وأن أبا هريرة قال كذا وكذا.

شرح حديث أبي هريرة (توضئوا مما مست النار) من طريق خامسة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)].فهذا الحديث من جملة الأحاديث التي أوردها النسائي رحمه الله تحت باب: الوضوء مما غيرت النار، وقد مر في الدرس الفائت والذي قبله جملة من الأحاديث في هذا الباب، وكلها في الوضوء مما مست النار، وذكرت فيما مضى أن الوضوء مما مست النار كان أول الأمر، ولكنه قد جاء نسخه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصار ما اشتملت عليه هذه الأحاديث منسوخاً؛ أي: أن أكل شيء غيرته النار، أو مسته النار لا يوجب الوضوء، ولا يترتب عليه نقض الوضوء، فيلزم الوضوء من ذلك، وإنما ذلك الحكم منسوخ بالأحاديث التي أوردها النسائي في الباب الذي بعد هذا الباب، وذكرت فيما مضى أنه استثنى من ذلك الوضوء من أكل لحم الإبل، فإنه يتوضأ منه كما جاءت في ذلك السنة من رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث الذي معنا حديث أبي هريرة من جملة أحاديث أبي هريرة المتعددة التي جاءت عنه بالوضوء مما مست النار، وقد مر في الدرس الفائت والذي قبله جملة من ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه في الوضوء مما مست النار، ويقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (توضئوا مما مست النار)؛ يعني: سواء كان مطبوخاً أو مشوياً، ولكن الحكم -كما عرفنا- قد نسخ إلا فيما يتعلق بأكل لحم بالإبل، فإنه يتعين الوضوء، ويجب الوضوء للحديث الذي ورد في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو في صحيح مسلم وغيره.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (توضئوا مما مست النار) من طريق خامسة

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو بندار الذي يأتي ذكره كثيراً، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، كل أصحاب الكتب الستة رووا عنه، فهو شيخ لهم، يروون عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، وقد توفي في سنة 252، وتوفي معه في تلك السنة اثنان من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم: رفيقه محمد بن المثنى، الملقب الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وقد توفوا جميعاً في سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وهو ثقة ثبت، الذي هو محمد بن بشار، وهو من رجال الجماعة كما عرفنا، وأنه بل هو من شيوخهم، بل هو شيخ لهم جميعاً، الذين هم: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا ابن أبي عدي].هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].هو ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، كما وصفه بذلك بعض العلماء، وهو من العلماء العارفين بالجرح والتعديل، له كلام كثير في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن دينار].هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى بن جعدة].وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه ؛ أي: خرج له أصحاب السنن الأربعة في سننهم إلا الترمذي فإنه لم يخرج له في سننه، وإنما خرج له في كتاب الشمائل المحمدية.[عن عبد الله بن عمرو].هو عبد الله بن عمرو بن عبد القاري بتشديد الياء، والقاريِّ نسبة إلى القارة، وهم بطن من بطون مضر، وأما القارئ فهي نسبة إلى من يقرأ القرآن ويعتني بالقرآن، أو صاحب حسن الصوت بالقرآن، فيقال له: القاريِّ، ويقال له: القارئ، بالهمزة، وقد تحذف الهمزة تخفيفاً، وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري، جده عبد، وقد ينسب إلى جده فيقال: عبد الله بن عبد.قال عنه الحافظ: إنه مقبول، وذكر أن حديثه عند مسلم، وأبي داود، وهو أيضاً عند النسائي كما في هذه الأحاديث التي معنا؛ لأنها ثلاثة أسانيد متوالية فيها ذكره، ففي الإسناد الأول: عبد الله بن عمرو، وفي السند الذي بعده: عبد الله بن عمرو روى ذلك النسائي عن شيخين، وأحد شيوخه أضاف القاري.وأما الإسناد الثالث فيقول: عبد الله بن عمرو القاري.وهو مقبول، حديثه عند مسلم، وأبي داود، وكذلك هو عند النسائي.[عن أبي هريرة].أبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، والسبعة المكثرون من رواية الحديث من الصحابة هو أكثرهم، وقد مر ذكرهم مراراً وتكراراً.

ابوالوليد المسلم 08-04-2019 01:28 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(61)
- تابع باب الوضوء مما غيرت النار

أمر الشارع بالوضوء مما مست النار، ومما غيرت النار، وذلك في بداية الأمر، ثم نسخ هذا وبقي الأمر بالوضوء من لحم الإبل لورود ما يخصه.
تابع الوضوء مما غيرت النار

حديث أبي أيوب: (توضئوا مما غيرت النار) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا: أنبأنا ابن أبي عدي عن شعبة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو قال محمد : القاري عن أبي أيوب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (توضؤوا مما غيرت النار)]. ‏ هنا أورد النسائي حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي يقول فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضؤوا مما غيرت النار). وهو بمعنى الأحاديث المتقدمة، وكما عرفنا أن هذا الحكم هو منسوخ.قوله: [أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار].عمرو بن علي هو الفلاس، الإمام، الناقد، الكثير كلامه في الجرح والتعديل، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.ومحمد بن بشار هو الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً، ويلقب بـبندار.[أنبأنا ابن أبي عدي].ابن أبي عدي، وهو في الإسناد الذي قبله.[عن شعبة].وشعبة في الإسناد الذي قبله.[عن عمرو بن دينار].وعمرو بن دينار كذلك هو في الإسناد الذي قبله.[عن يحيى بن جعدة].ويحيى بن جعدة أيضاً في الإسناد الذي قبله.[عن عبد الله بن عمرو].ثم قال: قال محمد : القاري. وعمرو بن علي الفلاس عندما ساق الإسناد قال: حدثنا عبد الله بن عمرو، وما قال: القاري؛ أما محمد بن بشار، فإن في إسناده أضاف إلى ما ذكره عمرو بن علي كلمة: القاري، التي هي نسبته، فقوله: قال: محمد؛ يعني: شيخه في الإسناد، أو أحد الشيخين في الإسناد، اللذين روى عنهما النسائي فإنه ساق الإسناد مساقاً واحداً، ولكنه ذكر أن أحد الشيخين أضاف في التعريف بـعبد الله بن عمرو هذا, بأن قال: القاريِّ؛ يعني: أن هذا الإسناد رواية عمرو بن علي الفلاس مثل الإسناد الذي قبله، وليس فيه القاريِّ.وأما محمد بن بشار فهنا قال: القاريِّ، مع أن محمد بن بشار في الإسناد الأول؛ أي: ليس فيها ذكر: القاري، والرواية هنا اشترك فيها مع عمرو بن علي، والتي جمع بينهم النسائي قال: إن محمداً قال: القاري؛ يعني: أضاف كلمة: القاريِّ، فقوله: قال محمد، فهذه كلمة من النسائي، قالها مشيراً إلى شيخه محمد بن بشار, زاد في التعريف بـعمرو بن علي أن قال: القاريِّ.قوله: [عن أبي أيوب].هو أبو أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، وهو الذي نزل النبي عليه الصلاة والسلام في داره لما قدم مهاجراً إلى المدينة، وقد جاء الحديث في صحيح مسلم: (أنه لما نزل في داره، وكانت مكونة من دورين، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في الدور الأسفل, وأبو أيوب صار في الدور العلوي، ثم جاء وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحول إلى الدور العلوي، وأن يكون هو في الدور الأسفل، وقال: إنه لا يحب أن يكون فوق رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأجابه النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذا)، والحديث في صحيح مسلم.وأبو أيوب الأنصاري سبق أن مر ذكره مراراً وتكراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

حديث أبي طلحة: (توضئوا مما غيرت النار) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد وهارون بن عبد الله قالا: حدثنا حرمي وهو ابن عمارة بن أبي حفصة حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت يحيى بن جعدة يحدث عن عبد الله بن عمرو القاري عن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما غيرت النار)]. ثم أورد النسائي حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله تعالى عنه الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (توضئوا مما غيرت النار)، وهو مثل الذي قبله، مثل حديث أبي أيوب المتقدم، وبلفظه: [(توضئوا مما غيرت النار)]، فهي كلها أحاديث في موضوع واحد، وهو الوضوء مما مست النار، والحكم -كما عرفنا- منسوخ.قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو اليشكري، وهو ثقة، قال عنه في التقريب: ثقة, مأمون, سني، وخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي، وقال في تهذيب التهذيب: إنه أظهر السنة في سرخس بلده، فهو سرخسي، فلهذا يقال له: سني؛ لأن كلمة سني تستعمل في من كان يتبع السنة، أو أظهر السنة، أو يحارب البدع، فيقولون عنه: سني، فلكونه أظهر السنة في بلده سرخس، قيل له: سني، ويقال له: صاحب سنة؛ يعني: اتباع السنة، وابتعاد عن البدع.[وهارون بن عبد الله].هو أبو موسى الحمال، وقد مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، وحديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا حرمي].هو ابن عمارة بن أبي حفصة.حرمي هو اسم على صيغة النسب، مثل مكي، وقوله: (هو: ابن عمارة بن أبي حفصة)، هذا هو زيادة تعريف، لكنه ليس من تلاميذه في الإسناد؛ لأن الذين رووا عنه في الإسناد هم: عبيد الله بن سعيد اليشكري، وهارون بن عبد الله، هؤلاء هم الذين رووا عنه، لكن ذكروه بكلمة: حرمي، وما أضافوا إليها شيئاً آخر، والنسائي، أو من دون النسائي هم الذين أتوا بكلمة ابن عمارة بن أبي حفصة، لكن أتوا بكلمة: (هو) حتى يتبين بأنها زيدت ممن دون التلاميذ؛ لأنها لو لم تزد هذه لفهم أن التلاميذ هم الذين قالوا هذا الكلام، لكن لما كانت الزيادة ممن دون التلاميذ أتي بكلمة: (هو) حتى يعرف أنها زيدت في الإسناد ممن دون التلاميذ، إما من النسائي، أو ممن دون النسائي من أجل التعريف بهذا الشخص، وهو حرمي بن عمارة بن أبي حفصة العتكي البصري.وأبو حفصة الذي هو جده؛ لأنه حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، اسمه: نابت، بالنون، ذكر هذا في التقريب، وقال: بالنون، وبالتاء المثناة، ثم قال: وقيل كالجادة، والمراد بقوله: الجادة في اللغة هي: الطريق المسلوك، الذي من كثرة المشي عليه وكثرة السير عليه صار أثراً في الأرض، فهذا يقال له: الجادة، فهنا قال: وقيل: كالجادة، يعني: ثابت؛ لأن ثابتاً لفظ مشهور، ويسمى فيه كثير، وهو لما قال: نابت بالنون وبالتاء؛ لأن هذا اسم غريب, واسم نادر، ثم قال: وقيل: كالجادة، يعني: وقيل: اسم أبيه ثابت، فهو بدلاً من أن يقول: ثابت، قيل كالجادة؛ لأن ثابتاً اسم مشهور، يطلق عليه, أو على مثل هذا يقال له: الجادة.ولهذا فإن الإنسان إذا قرأ مثلاً في كتاب: تبصير المنتبه لـابن حجر أو غيره من الكتب التي تعنى بالمؤتلف والمختلف، والألفاظ التي تتفق في الرسم، عندما يأتي اسم يقول وهو كثير، أو يقول: وهو الجادة كذا، ثم يأتي بالألفاظ التي هي قليلة في الاستعمال، وهي على ذلك قريبة من ذلك الوزن؛ لأن الوزن في نابت، وثابت هو واحد، يعني: الرسم, إلا أن الفرق النقط، هذا فيه ثلاث نقط على الثاء، وهذا نون بدل الثاء، فثابت هذا مشهور الاسم، وهذا هو معنى الجادة، وهذا هو الذي يراد بالجادة، معناه: الكثير في الاستعمال المشهور، ونابت اسم قليل في الاستعمال، ونادر أن يسمى أحد (نابت) فيؤتى بعبارة الجادة.وحرمي بن عمارة هذا هو صدوق يهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا عند الترمذي، أي: خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي.[حدثنا شعبة عن عمرو قال: سمعت يحيى بن جعدة , عن عبد الله بن عمرو القاري].وشعبة هو ابن الحجاج، وهنا اتفق الإسناد مع الإسناد الذي قبله.وهذان الشيخان وهما: هارون بن عبد الله، وعبيد الله بن سعيد في روايتهما نسبة عبد الله بن عمرو وأنه القاري؛ يعني: في إسنادهما جميعاً ذكر النسبة، وهي نسبة عبد الله بن عمرو حيث قالوا: القاري بالتشديد نسبة إلى القارة.[عن أبي طلحة].هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري النجاري، وفي بعض الكتب كثيراً ما يأتي الخطأ، بدل النجاري يقال: البخاري؛ لأن رسم النجاري والبخاري واحد، فيحصل التحريف، والتصحيف, فيقال بدل النجاري: البخاري، وهذا كل ما جاء كلمة الأنصاري، وبعدها النجاري، فيقال: البخاري فهو خطأ؛ لأن الأنصاري لقب عام، والنجاري اسم يطلق على جماعة من الأنصار، فهنا: أبو طلحة الأنصاري النجاري، في نسخة التقريب المصرية: الأنصاري البخاري؛ يعني: تصحيف عن النجاري، وهو من بني النجار، وهو صحابي مشهور بكنيته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وله اثنان وتسعون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم منها على حديثين، وانفرد البخاري بحديث، وانفرد مسلم بحديث؛ أي: الأحاديث التي له في الصحيحين أربعة.

حديث أبي طلحة: (توضئوا مما أنضجت النار) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص عن ابن شهاب عن ابن أبي طلحة عن أبي طلحة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما أنضجت النار)].أورد النسائي حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه من طريق أخرى، ويقول فيه: النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(توضئوا مما أنضجت النار)]، وهو كالذي قبله.قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].هارون بن عبد الله هو أحد شيخي النسائي في الإسناد المتقدم.[حدثنا حرمي بن عمارة].وحرمي بن عمارة هو في الإسناد المتقدم.[حدثنا شعبة].وشعبة أيضاً متقدم.[عن أبي بكر بن حفص].هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].هو الزهري الذي جاء ذكره كثيراً، وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو أحد الثقات الأثبات، والأئمة الأجلة، وهو الذي قام بجمع السنة وتدوينها بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله على الجميع، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي ذكروا في ترجمته رحمة الله عليه: أنه كان إذا دخل منزله عكف على كتبه، وعلى ما عنده من الحديث، فكانت زوجته تقول: والله لهذه الكتب أشد عليَّ من ثلاث ضرائر، معناه: أنه ينشغل بها كثيراً، وأنها أشد عليها من أن يكون له أربع زوجات هي إحداهن؛ لكثرة انشغاله بكتبه وبعلمه رحمة الله عليه.[عن ابن أبي طلحة].هو عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس بن مالك لأمه، وهو الذي لما ولد أخذه أنس إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فحنكه ودعا له، وهو ثقة، وحديثه عند مسلم, والنسائي.[عن أبي طلحة].هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري النجاري الذي تقدم في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح حديث زيد بن ثابت: (توضئوا مما مست النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عبد الملك حدثنا محمد حدثنا الزبيدي أخبرني الزهري أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره أن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار)].فهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها النسائي تحت باب: الوضوء مما غيرت النار. وهي أحاديث عديدة مر جملة منها في الدروس الثلاثة الماضية، وكلها تدل على الوضوء مما مست النار، سواء كان مطبوخاً أو مشوياً، وقد ذكرت -فيما مضى-: أن هذا الحكم قد نسخ، وأن الأحاديث التي في الباب الذي بعده ناسخة له، وأن العمل على تلك الأحاديث المتأخرة، والتي فيها ما يدل على النسخ، ومنها حديث جابر رضي الله عنه: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)؛ يعني: فيكون ترك الوضوء ناسخاً للوضوء.وقد ذكرت أنه يستثنى من ذلك لحم الإبل، سواء كان مطبوخاً أو مشوياً، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئتم، وسئل عن الوضوء من لحم الإبل فقال: نعم توضئوا من لحوم الإبل)، فدل على أن الوضوء من لحم الإبل حكم باق، ولهذا الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه أورد الأحاديث المنسوخة التي فيها الوضوء مما مست النار، ثم الأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، ثم أورد الحديث المتعلق بالوضوء من لحم الإبل.والحديث الذي معنا حديث: زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (توضئوا مما مست النار)، وهو كغيره من الأحاديث المتقدمة عن أبي هريرة، وعن أبي أيوب، وعن أبي طلحة، وعن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم أنهم رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث الدالة على هذا المعنى، وهو الوضوء مما مست النار.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت: (توضئوا مما مست النار)

قوله: [أخبرنا هشام بن عبد الملك].هو ابن عمران الحمصي، وهو ثقة، وخرج حديثه أبو داود , والنسائي , وابن ماجه ، أي: خرج له ثلاثة من أصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له البخاري، ومسلم، ولا الترمذي , وقد تقدم في أول هذا الباب ذكر هذا الرجل، وأنه جاء في إسناد حديث، وكذلك شيخه، وشيخ شيخه، فكلهم جاءوا في إسناد متقدم يروي بعضهم عن بعض.[حدثنا محمد].محمد هنا غير منسوب، وقد مر في الإسناد المتقدم وهو ذو الرقم (172)، قال: حدثنا محمد يعني: ابن حرب، فهناك جاء بيان هذا المهمل، وهنا بقي على الإهمال؛ لأنه قد بين هذا المهمل قريباً في إسناد متقدم، وفي الإسناد الذي بعده قال: حدثنا ابن حرب؛ يعني: ذكر نسبته، ولم يذكر اسمه، وهو: محمد بن حرب، وفي الإسناد المتقدم قال: حدثنا محمد يعني: ابن حرب، هو مثل هذا, إلا أن فيه إضافة توضيح ممن دون تلميذه الذي هو: هشام بن عبد الملك شيخ النسائي وتلميذ هذا الشخص.إذاً: فذكر ابن فلان من النسائي ومن دونه، فهو أحياناً يأتي محمد, وأحياناً يأتي ابن حرب، وهو حمصي ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الزبيدي].هو محمد بن الوليد بن عامر الحمصي، وهو ثقة، وخرج حديثه الجماعة إلا الترمذي.وقد مر ذكره في الإسناد المتقدم الذي هو برقم: (172)، فالثلاثة الذين ورد ذكرهم هنا قد مر ذكرهم في ذلك الإسناد وهم: هشام بن عبد الملك، ومحمد بن حرب، ومحمد بن الوليد الزبيدي. والزبيدي هو من أثبت أصحاب الزهري.[أخبرني الزهري].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده شهاب، ومشهور بالنسبة إلى جده الزهري، فينسب إلى جده شهاب, فيقال: ابن شهاب، وينسب إلى جده زهرة بن كلاب, فيقال: الزهري، وزهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده كلاب، فهو زهري نسبة إلى زهرة بن كلاب، وهو من الأئمة الأجلة والحفاظ من أهل الحديث والفقه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بجمع السنة، والذي قال فيه السيوطي:أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمرأي: عمر بن عبد العزيز الخليفة.[أن عبد الملك بن أبي بكر أخبره].هو عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أبوه أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال، وهو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وابنه عبد الملك هذا ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أن خارجة بن زيد أخبره].هو خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، أحد الفقهاء السبعة بلا خلاف، وهو محدث فقيه، جمع بين الفقه والحديث، وهو أحد الفقهاء المشهورين في المدينة الذين أطلق عليهم لقب: الفقهاء السبعة، وقد جُمعوا في بيتين ذكرهما ابن القيم، ولا أدري هل البيتان لـابن القيم أم لغيره، وهو قوله:إذا قيل من في العلم سبعة أبحرروايتهم ليست عن العلم خارجةفقل هم عبيد الله عروة قاسمسعيد أبو بكر سليمان خارجةفـخارجة هذا الأخير هو الذي معنا في الإسناد، وهو خارجة بن زيد بن ثابت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[زيد بن ثابت].هو زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، وهو الذي أسند إليه أبو بكر جمع القرآن، وله اثنان وتسعون حديثاً اتفق البخاري, ومسلم على أربعة، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بحديث واحد، وأحاديثه اثنان وتسعون حديثاً.

شرح حديث أم حبيبة: (توضئوا مما مست النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عبد الملك حدثنا ابن حرب حدثنا الزبيدي عن الزهري أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس بن شريق أنه أخبره أنه دخل على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته، فسقته سويقاً، ثم قالت له: توضأ يا بن أختي! فإن رسول الله صلى الله عليـه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)].أورد النسائي رحمه الله هذا الحديث بعد حديث زيد بن ثابت، وهو: عن أم حبيبة أم المؤمنين ابنة أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين، دخل عليها ابن أختها أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة بن الأخنس، فسقته سويقاً، وقالت له: توضأ يا ابن أختي! فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)، فأرشدته إلى الحكم، وهو: أن يتوضأ، وذكرت الدليل على ذلك، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار).فإذاً: فهذا الحديث كغيره من الأحاديث المتقدمة التي فيها الوضوء مما مست النار، وهو حكم منسوخ كما ذكرت ذلك مراراً.

تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة: (توضئوا مما مست النار)

أما إسناد الحديث فأربعة منهم رجال الإسناد الذي قبله، هشام بن عبد الملك الحمصي، وشيخه محمد بن حرب الحمصي، وكذلك شيخ شيخه محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي الحمصي، ثم الزهري.[عن أبي سلمة].هو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن الأقوال في السابع ثلاثة: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، فهؤلاء الثلاثة اختلف في عدهم أو عد كل واحد منهم السابع من الفقهاء السبعة، لأن الستة متفق على عدهم، والسابع مختلف فيه، هل هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؟ أو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؟ أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ؟ وهو ثقة، وحديثه وعند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس بن شريق أخبره].هو أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة بن أخنس، قال عنه في التقريب: مقبول، ورمز لكونه من رجال أبي داود , والنسائي، يعني: ما خرج له الشيخان, ولا الترمذي, ولا ابن ماجه ، وإنما خرج له اثنان من أصحاب السنن الأربعة، وهما: أبو داود، والنسائي.[أنه دخل على أم حبيبة].يروي عن خالته وهي أم حبيبة، أم المؤمنين، ابنة أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

شرح حديث أم حبيبة: (توضئوا مما مست النار) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر حدثني بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن محمد بن مسلم بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت له وشرب سويقاً: (يا ابن أختي! توضأ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: توضئوا مما مست النار)].أورد النسائي حديث أم حبيبة من طريق أخرى، والإسناد الذي أورده يتفق مع الذي قبله في آخره، أما أوله فهو يختلف، وأكثر هذا الإسناد من أوله جاء في (173) في أول الباب الذي معنا، والحديث متنه هو متن الحديث الذي قبله، أم حبيبة قالت لابن أختها -أبي سفيان بن سعيد- وقد شرب سويقاً: (توضأ يا ابن أختي! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: توضئوا مما مست النار)، فهو نفس الذي قبله.

تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة: (توضئوا مما مست النار) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود].الربيع بن سليمان، وهنا قال: ابن داود، وفي ذلك الحديث قال: الربيع بن سليمان فقط، فهنا جاء ذكر ابن داود، وابن داود قلنا -فيما مضى- أنه الجيزي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وذكرت -فيما مضى- أن النسائي له شيخان كل منهما يقال له: الربيع بن سليمان، أحدهما هذا، وهو: الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري، والثاني: الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي المصري صاحب الشافعي، فهو هنا الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري.[حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر].وإسحاق بن بكر بن مضر صدوق، وحديثه عند مسلم، والنسائي. [حدثني بكر بن مضر].هو بكر بن مضر، وهو ثقة، وأخرج حديثه الجماعة إلا ابن ماجه.[عن جعفر بن ربيعة].هو ابن شرحبيل بن حسنة الكندي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن بكر بن سوادة].هو بكر بن سوادة بن ثمامة، وقد مر ذكره، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري تعليقاً, ومسلم, وأصحاب السنن الأربعة.[عن محمد بن مسلم بن شهاب].وفي الإسناد المتقدم قال: محمد بن مسلم فقط، وهنا قال: محمد بن مسلم بن شهاب، وهو الزهري، الذي يأتي ذكره كثيراً، وأكثر ما يأتي ذكره بلفظين: ابن شهاب، أو الزهري، أما كونه يأتي باسمه محمد بن مسلم فهذا قليل، وهنا جاء ذكر اسمه، واسم أبيه، وجده ابن شهاب، وليس هو جده القريب, وإنما هو جد جده؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، فـشهاب جد عبيد الله، وعبيد الله هو جد محمد بن مسلم الأول، فهو جد جده، وقد نسب إلى جد من أجداده، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].هو ابن عبد الرحمن بن عوف الذي مر ذكره، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال, وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي سفيان بن سعيد بن الأخنس].وأبو سفيان بن سعيد هو الذي مر ذكره في الإسناد المتقدم.وأبو سلمة وأبو سفيان مر ذكرهما في الإسناد المتقدم، وهذا الذي هو أبو سفيان مقبول، وحديثه عند أبي داود, والنسائي.[أن أم حبيبة].وهي خالته أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضها.وهذا الإسناد رجاله أولاً: الربيع بن سليمان بن داود، ثم إسحاق بن بكر بن مضر، ثم بكر بن مضر، ثم جعفر بن ربيعة، ثم بكر بن سوادة، ثم الزهري، ثم أبو سلمة، ثم أبو سفيان، ثم أم حبيبة، تسعة أشخاص، فهو من أطول الأسانيد عند النسائي؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أشخاص، فهذا من أطول الأسانيد وليس أطولها، لأن النسائي عنده أسانيد عشارية؛ يعني: عشرة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لم يمر بنا حتى الآن شيء يزيد على التساعيات التي منها هذا الحديث الذي معنا, والحديث الذي برقم: (173) الذي سبق أن مر ذكره قريباً، وهو الذي أكثر رجاله هم رجال هذا الإسناد، فذاك الإسناد وهذا الإسناد تساعيات، وهي متفقة في أول السند لكنها في أعلى السند تختلف.

ابوالوليد المسلم 08-04-2019 01:29 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(62)

- باب ترك الوضوء مما غيرت النار

أمر الشارع في بداية الأمر بالوضوء مما غيرته النار، ثم نسخ هذا الحكم، وكان آخر الأمرين ترك الوضوء منه.
ترك الوضوء مما غيرت النار

شرح حديث: (أن رسول الله أكل كتفاً... فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء مما غيرت النار.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً، فجاءه بلال فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء)].يقول النسائي رحمه الله: باب: ترك الوضوء مما غيرت النار.لما أورد الترجمة السابقة لهذه الترجمة وهو قوله: باب: الوضوء مما غيرت النار، وأورد فيه جملة من الأحاديث عن عدد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها الأمر بالوضوء مما مست النار، وعرفنا أن تلك الأحاديث كانت في أول الأمر، وأن هذا الحكم نسخ إلى الترك وعدم الوضوء مما مست النار؛ لأنه جاء حديث جابر بن عبد الله الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة وهو قوله: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، وهو دال على النسخ، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة أحاديث، لكن أصرحها وأوضحها في النسخ هو أن ترك الوضوء هو الحكم الناسخ بحديث جابر الأخير الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة.وقد أورد النسائي أحاديث ليست واضحة في النسخ، ولكنها واضحة فيما ترجم له، وذكرت الوضوء مما مست النار، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحماً، ولم يتوضأ، وأكل طعاماً، ولم يتوضأ، فكانت تلك الأحاديث دالة على ترك الوضوء مما مست النار، وأول هذه الأحاديث حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أكل كتفاً -كتف شاه- ثم جاءه بلال فآذنه بالصلاة، فخرج وصلى، ولم يتوضأ) يعني: لم يتوضأ بعد هذا الأكل، فهو كان متوضئاً، ثم أكل ذلك اللحم من كتف الشاة، ثم خرج إلى المسجد بعد أن جاءه بلال، وآذنه وأعلمه بحضور وقت الصلاة، فخرج، ولم يتوضأ، فدل هذا الحديث: على ترك الوضوء مما مست النار، لكن هذا لا يدل على النسخ؛ لأن هذا الحديث فيه ترك الوضوء، وأحاديث أخرى دلت على فعل الوضوء، لكن الدال على النسخ هو حديث جابر الأخير: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) يعني: أن الوضوء كان أولاً، وترك الوضوء كان آخراً، وكانوا يأخذون أي: الصحابة بالأحدث فالأحدث من فعله عليه الصلاة والسلام، فيكون ترك الوضوء هو الحكم الناسخ، والوضوء هو الحكم المنسوخ.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أكل كتفاً... فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء)

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو محمد بن المثنى العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم روى عنهم مباشرة، وهو قرين محمد بن بشار بندار الذي اتفق معه في سنة الولادة، وسنة الوفاة، واتفق معه في الشيوخ والتلاميذ، وفي البلد وفي أمور متعددة، حتى قال الحافظ في التقريب: وكانا كفرسي رهان، يريد محمد بن بشار ومحمد بن المثنى الزمن؛ يعني: لا واحد يسبق الثاني.[حدثنا يحيى].وهو ابن سعيد القطان الإمام، الحجة، الثبت، المشهور، الذي هو من أئمة الجرح والتعديل، وأحاديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن جعفر بن محمد].وهو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي وهو الذي يلقب بـالصادق، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو من الأئمة الإثني عشرية الإمامية الذين يجعلون الولاية والإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر إماماً، ويدعون لهم العصمة، بل ويصفونهم بأوصاف تفوق أوصاف الأنبياء، وهذا من الخذلان. وأوضح دليل على وصفهم إياهم أنهم يفضلونهم على الأنبياء والملائكة، والذي قال هذا ليس شخصاً مغموراً، أو يقال أنه شخص جاهل عند الرافضة، بل هو إمام، وزعيم كبير، هلك قبل ثلاث سنوات، ويعتبرونه آيتهم العظمى، ومرجعهم الأعلى، حيث يقول الخميني: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل. فهذا الكلام هو مكتوب ومدون ومطبوع، وموجود في كتابه الحكومة الإسلامية في (ص:52)، فهذا الكلام الساقط الباطل هو من أبطل الباطل، فيغلون في الأئمة الاثني عشر.والصادق رحمة الله عليه من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، يعرفون له فضله وقدره، ولكنهم لا يرفعونه فوق منزلته كما لا يرفعون غيره من الأئمة، وإنما طريقهم في هذا هو الاعتدال بين الإفراط والتفريط، لا غلو ولا جفاء، بل يعرفون لهم فضلهم.ومن كان من أهل البيت وهو من أولياء الله المتقين فقد جمع بين شرف الإيمان وشرف النسب، وإذا كان من أهل العلم والفضل فجمع شرف العلم، ولكن الأساس هو التقوى، فمن وجدت منه التقوى منهم وكان من أهل البيت فقد جمع بين الفضلين وبين الشرفين، ومن كان بخلاف ذلك، ولم يكن من أهل الإيمان والتقوى فالأمر فيه كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، والحديث في صحيح مسلم، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، يقول الشاعر:لعمرك ما الإنسان إلا بدينهفلا تترك التقوى اتكالاً على النسبفقد رفع الإسلام سلمان فارسووضع الشرك النسب أبا لهبفالإسلام رفع شأن سلمان الفارسي وهو ليس من العرب، ولكن رفعه الإسلام والإيمان وصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأما أبو لهب عم الرسول وهو عبد العزى بن عبد المطلب وكنيته أبو لهب، وقد أنزل الله فيه سورة من سور القرآن: تَبَّتْ يَدَا أَبِي [المسد:1] فهذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخو أبيه عبد الله، فهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم لكن الشرك والكفر وضعه، والإسلام هو الذي رفع الله به سلمان وغير سلمان ممن أكرمه الله بالإيمان.فـجعفر الصادق رحمة الله عليه هو من أئمة أهل السنة، يروون أحاديثه، روى حديثه مسلم، والبخاري في الأدب المفرد، وروى له أصحاب السنن الأربعة، وهو فقيه ومحدث صدوق.[عن أبيه محمد].وهو محمد بن علي المعروف بـالباقر، وهو من أئمة أهل السنة الذي يعرف أهل السنة فضله وقدره ومنزلته، وهو إمام من أئمة الرافضة الذين يزعمون إمامتهم، ويصفونهم بصفات لا يصفون بها الأنبياء والمرسلين كما هو واضح من العبارة التي ذكرتها آنفاً.إذاً: فـمحمد بن علي بن الحسين الملقب الباقر هو إمام من أئمة أهل السنة، رووا حديثه، وحديثه في الكتب الستة عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات، وهو -كما قلت- من أئمة أهل السنة، وممن تزعم الرافضة أنه من أئمتهم الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات تجاوزوا فيها الحدود.ومما يتبين به ما عند الرافضة من الغلو أن من أصح كتبهم كتاب الكافي، وهو من أشهرها، وهذا الكتاب مشتمل على أحاديث تنتهي إلى أئمة أهل البيت، وهم براء منها بلا شك، وإنما هي كذب وافتراء عليهم وما قالوها، ولا يقولونها رحمة الله عليهم، ولكن هذا من الافتراء عليهم، وفي ذلك الكتاب أبواب منها قوله: باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، ومنزلته عندهم كمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة.ومن الأبواب التي فيه: باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، فالحق هو ما خرج من عند الأئمة الاثني عشر، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، فالذي خرج من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة والزبير، وسعد، وسعيد، وأبي هريرة، وعائشة، وأمهات المؤمنين، وبقية الصحابة فهذا باطل، والحق هو ما كذبوه وأضافوا إلى الأئمة الاثني عشر، والأئمة الاثني عشر براء منه.ومما اشتمل عليه هذا الكتاب من الأبواب باب: أن الكتب المنزلة على الأنبياء والمرسلين كلها عند الأئمة، وأنهم يعلمون على اختلاف لغاتهم، فكل ما نزل من السماء من كتاب هو موجود عند الأئمة الاثني عشر، وهم يعلمونها على اختلاف لغاتها، وهذا كاف في بيان ما اشتمل عليه كتاب الكافي من الباطل، ومن الكذب والافتراء على أهل البيت، وهم منزهون عن ذلك.ومن ذلك حديث موجود في الكافي ينسبونه إلى الحسين بن علي يقول: الناس ثلاثة أصناف: عالم ومتعلم وغثاء، ونحن العالمون؛ يعني: الأئمة، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء. فهذا حديث من أحاديث الكافي، والإنسان إذا عرف مثل هذه الأحاديث، ومثل هذه الأبواب يستشعر نعمة الله عليه بالهداية، وأن الله تعالى من عليه، ولم يزغ قلبه، ولم يجعله من هؤلاء الضائعين، وهؤلاء الهالكين الذين بعدوا عن الحق والصواب، وقالوا ما قالوا من الكذب، والافتراء، ونسبوه إلى جماعة من أئمة أهل السنة، وهم من يزعمون أن أئمتهم المعصومون الذين لا يحصل الحق إلا عن طريقهم، وكل شيء لم يأت من طريقهم فهو باطل.فـمحمد بن علي هذا هو الباقر، وهو إمام من أئمة أهل السنة رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن أبيه].وهو علي بن الحسين زين العابدين، وهو من أئمة أهل السنة، ومن الأئمة الاثني عشر الذين غلا فيهم الرافضة، وهو ثقة وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن زينب بنت أم سلمة].وعلي بن الحسين يروي عن زينب بنت أم سلمة، وبنت أم سلمة نسبها إلى أمها. وأبوها هو أبو سلمة، وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صحابية تروي عن أمها أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وزينب بنت أم سلمة صحابية، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن أم سلمة].وأمها أم المؤمنين وهي أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أيضاً حديثها عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أم سلمة: (أنها قربت إلى النبي جنباً مشوياً فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج عن محمد بن يوسف عن سليمان بن يسار قال: دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فحدثتني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم)، قال: وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته: (أنها قربت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جنباً مشوياً فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)].هنا أورد النسائي حديث أم سلمة من طريق سليمان بن يسار التابعي أنه دخل على أم سلمة، وحدثته بحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يصبح وهو جنباً من غير احتلام، ثم يصوم)، يعني: أنه كان تصيبه الجنابة في الليل، ثم يدركه الفجر وهو لم يغتسل، فيصوم ويغتسل بعد دخول الفجر، أي: بعد دخول وقت الصيام، وهذا يدل على أن الإنسان إذا أصبح جنباً سواء كان عن طريق جنابة اختيارية، وهي عن طريق جماع الأهل، أو عن طريق جنابة اضطرارية كالذي يحصل في النوم من الاحتلام، ثم يصبح جنباً ففي الحالين الحكم واحد وأن الصيام صحيح.فـأم سلمة تقول: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام فيصوم)، يعني: لا يمنعه ذلك من الصيام، فدل على أنه لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر فعل الجماع في وقت الصيام، وأما كون الإنسان يكون عليه جنابة، وجامع في وقت حل الجماع له وهو الليل، ثم يصبح جنباً لم يغتسل، فلا يؤثر ذلك على صيامه، وليس هذا هو المقصود من إيراد الحديث في هذا الباب، وإنما المقصود منه الحديث الثاني الذي بعده، وهو أنه قدم إليه جنب مشوي فأكل منه، وصلى ولم يتوضأ. هذا هو محل الشاهد لإيراد الحديث في هذا الباب الذي هو باب: ترك الوضوء مما غيرت النار.فالحديث الأول لا علاقة له بهذا الباب، ولكنه جاء لأنه حصل التحديث به، وبالحديث المتعلق بهذا الباب.وقوله: (أنه كان يصبح جنباً من غير احتلام).أي: أن الاحتلام إذا كان من الإنسان في المنام وهو من تلاعب الشيطان، فلا يحصل ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشيطان لا سبيل له إليه، ولا يحصل ذلك عن طريق تلاعبه به في المنام، وهو بريء من ذلك، وسلمه الله من ذلك، أما إذا كان الاحتلام لا يحصل عن طريق الشياطين، ولكن يحصل عن طريق القوة فيحصل خروج ذلك منه في المنام، فهذا ممكن أن يكون قد يحصل بالنسبة للأنبياء، لكن إذا كان الاحتلام يتم ويحصل عن طريق الشياطين، فالأنبياء منزهون من هذا، ومبرءون من هذا، ولا يحصل للشياطين تسلط عليهم.وقوله هنا: (من غير احتلام) كما قال السندي أن هذا للتنصيص على أن الجنابة الاختيارية لا تفسد الصوم، ولا تؤثر في الصوم شيئاً؛ يعني: إذا كانت الجنابة حصلت أو الجماع حصل في وقته المشروع، وأدركه وقت الصيام وهو جنب، فوجود الجنابة لا تؤثر ولو كانت الجنابة اختيارية، فضلاً عن الاضطرارية، فإن الاضطرارية من باب أولى؛ لأن الإنسان في منامه كما هو معلوم غير مختار ومضطر، فحصول شيء من ذلك لا يؤثر عليه شيئاً لا في صيام ولا في غير صيام، ولو أن الإنسان جامع في الحج يعني: قبل التحلل الأول فإن هذا يفسد حجه وعليه بدنة، ويلزمه أن يحج من قابل، وأمور تترتب على هذا، لكن لو احتلم فليس عليه شيء؛ لأن الاحتلام اضطراري ليس للإنسان فيه دخل.وكما قلت: فإن محل الشاهد من إيراد الحديث هو الحديث الثاني المتعلق بأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم له جنب مشوي وأكل منه، وصلى ولم يتوضأ، فدل ذلك على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل مما مست النار، ولم يتوضأ بعد ذلك الأكل، فهو مثل الذي قبله إلا أنه لا يدل على النسخ؛ لأن هذا حديث فيه ترك الوضوء، وأحاديث قبله فيها الأمر بالوضوء مما مست النار، فليس فيه شيء يدل على النسخ، وهذا يعارض تلك الأحاديث؛ لأن الأحاديث متعارضة، لكن جاء حديث جابر فبين أن ترك الوضوء هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: فيكون ناسخاً.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (أنها قربت إلى النبي جنباً مشوياً فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى هو الصنعاني، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وأبو داود في كتاب القدر.[حدثنا خالد].هو ابن الحارث، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا ابن جريج].وهو عبد الملك بن عبد العزيز المكي ابن جريج وهو ثقة، وهو يدلس، ويرسل، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن محمد بن يوسف].وهو الكندي الأعرج، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب إلا أبا داود، وابن ماجه .[عن سليمان بن يسار].وسليمان بن يسار هو التابعي المشهور، أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين، ومن الذين جاء ذكرهم كثيراً في كتاب النسائي، وقد مر ذكر سليمان بن يسار وغيره من الفقهاء السبعة، وهو واحد منهم، وأحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أم سلمة].وهي راوية الحديث الذي قبل هذا، والتي روته عنها ابنتها زينب بنت أبي سلمة.[وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته].يعني: الذي هو محمد بن يوسف الذي روى عنها، (وحدثنا) يعني: سليمان بن يسار أنها حدثته.

شرح حديث ابن عباس: (شهدت رسول الله أكل خبزاً ولحماً ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج حدثني محمد بن يوسف عن ابن يسار عن ابن عباس أنه قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)]. هنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)، فهو مثل الذي قبله من الأحاديث في أنه أكل شيئاً مسته النار، أكله أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتوضأ، لكنه لا يدل على النسخ؛ لأنه مجرد إخبار عن أكل وأنه صلى، ولم يتوضأ، ففيه المطابقة لما ترجم له، وهو ترك الوضوء لما مسته النار، لكن كونه ناسخاً فليس فيه ما يدل على ذلك، وإنما الذي يدل على النسخ هو الحديث الذي بعده، وأما الإسناد فهو نفس الإسناد المتقدم إلا ابن عباس؛ لأن الصحابي هو ابن عباس والذي قبله الصحابية أم سلمة، وابن عباس سبق أن مر ذكره، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث جابر الذي هو واضح في النسخ، والذي يقول فيه جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار). وقوله: (الأمرين) أي: الوضوء، والترك، وقوله: (كان آخر الأمرين) أي: الوضوء مما مست النار، وترك الوضوء مما مست النار، وآخرهما كان الترك، فيكون الترك ناسخاً للوضوء مما مست النار، وهذا هو الدليل الواضح على النسخ، فيكون الوضوء مما مست النار ليس بلازم؛ لأن آخر الأمرين من الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، فهو ناسخ لما تقدم من الأحاديث التي فيها الأمر بالوضوء؛ وكما هو واضح ففيه الإشارة إلى الناسخ والمنسوخ، وهو واضح في النسخ، وأن الترك كان متأخراً عن الفعل الذي هو الوضوء.وحديث جابر هذا أخرجه النسائي عن شيخه عمرو بن منصور.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله الوضوء مما مست النار)

قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].عمرو بن منصور هو النسائي يعني: من بلد النسائي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[حدثنا علي بن عياش].وهو علي بن عياش الحمصي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا شعيب].وهو شعيب بن أبي حمزة، وهو حمصي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن المنكدر].ومحمد بن المنكدر، هو ثقة، ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى. قوله: [عن جابر].وهو: ابن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن جابراً واحداً من السبعة، وهم الذين قال فيهم السيوطي:والمكثر� �ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـجابر هو أحد السبعة المكثرين الذين زاد حديثهم على ألف حديث، وهذا هو آخر الأحاديث التي أوردها النسائي في باب ترك الوضوء مما مست النار، وهو الواضح في النسخ، والذي قبله ليس فيه ما يدل على النسخ، وإنما الدال على النسخ هو هذا الحديث الأخير.
الأسئلة

منزلة المجدد لسنة الرسول

السؤال: هل يمكن أن يقال: إن المجددين على رأس كل مائة بمنزلة الأنبياء؟ لأن كل منهم إنما يجدد شريعة من قبله.الجواب: لا يكونون بمنزلة الأنبياء، لكنهم وارثو الأنبياء، ووارثو الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمجددون لسنته هم وراثه، وهم الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) فهم طبعاً ليسوا بمنزلة الأنبياء، لكن منزلتهم تفوق منزلة غيرهم، ولكنهم من أتباع الأنبياء، وعلى منهاجهم، وعلى طريقتهم، وهم وراثهم الذين أكرمهم الله عز وجل بحمل ميراث الرسول عليه الصلاة والسلام.

حكم حبس العصافير

السؤال: ما الحكم فيمن يشتري العصافير ويجعلها في قفص أو يستعملها لغير ذلك؟ وهل يؤخذ ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟).الجواب: لا يؤخذ هذا من حديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) لأن هذا ما جعله في قفص وحبسه في هذا المكان، وإنما يلعب به مثل الدجاج الذي يكون في البيوت وهو طليق يذهب ويجيء، وأما وضعه في قفص فهذا لا ينبغي أن يفعل؛ لأنه وإن أحسن إليه، وأعطي الطعام والشراب فقد يحصل منه غفلة، أو يحصل منه نسيان، وقد يحصل لهذا الحيوان برد، أو حر، ثم يترتب على ذلك هلاكه بسبب حبسه؛ لأنه لا يستطيع أن يذهب، فالذي ينبغي ألا يفعل هذا وألا يصار إليه، وإنما يترك حبس الطيور، وإذا كانت تتخذ في بيوت وهي تروح وتجيء حرة طليقة فلا بأس في ذلك.

وجه استنباط أولوية العلم من سورة العصر

السؤال: من أين استنبط بعض أهل العلم أولوية العلم في سورة العصر؟الجواب: نعم، الإيمان كما هو معلوم هو مبني على علم، وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فالإيمان الحقيقي هو الذي ينبني على علم؛ يعني: يؤمن على علم، ويعمل بما علم، ويدعو غيره إلى هذا الذي عمل به، ويصبر على ما يناله في هذا السبيل، فهو مأخوذ من الإيمان وأن الإيمان يكون مبنياً على علم.

السنة بعد الرجوع من سفر وقبل الذهاب إلى البيت

السؤال: هل من السنة إذا قدم الإنسان من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين؟ وهل هذا يكون في القدوم على بلد الإنسان الأصلي؟ أم يشمل أي قدوم من أي سفر؟الجواب: الإنسان إذا قدم من بلد إلى بلده، فالسنة أن يبدأ بالمسجد ويصلي فيه ركعتين، فهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، أو إذا قدم إلى بلده، وأما إذا وصل لأي بلد فلا أعلم فيه شيئاً يدل عليه، لكن الحديث جاء في أن الإنسان إذا قدم من سفر إلى المدينة، فإنه يبدأ بالمسجد، ويصلي فيه ركعتين، وهذه من السنن المهجورة التي هجرها الناس، وكونه يأتي من سفر ويذهب إلى المسجد على طول فيصلي ركعتين، ثم يذهب إلى بيته فهذا مما هجره الناس.

مشروعية السفر يوم الخميس

السؤال: هل السفر يوم الخميس من الأمور المستحبة؟ لأنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس؟الجواب: ينظر إلى اللفظ الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان ورد عنه أنه كان يحب الخروج يوم الخميس، فهذا لا شك الأمر فيه واضح، وأن هذا اللفظ يدل على أوليته، وعلى استحباب الخروج فيه؛ لأن الرسول ما دام يحب هذا الشيء فالناس يحبون ما يحبه الرسول، وهو كونه يسافر يوم الخميس، لكن كونه يستحب أو أنه فيه شيء فما أدري، والله تعالى أعلم.

ابوالوليد المسلم 08-04-2019 01:31 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(63)

- (باب المضمضة من السويق) إلى (باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم)

لا يلزم من أكل سويقاً أو شرب لبناً أن يتوضأ، وإنما يكتفي بالمضمضة، ويجب الاغتسال لمن أسلم عند بعض العلماء، وهو من أوائل ما يفعله الكافر إذا أسلم.
المضمضة من السويق

شرح حديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [المضمضة من السويق.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار مولى بني حارثة أن سويد بن النعمان رضي الله عنه أخبره: (أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء -وهي من أدنى خيبر- صلى العصر، ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري، فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب، فتمضمض وتمضمضنا، ثم صلى، ولم يتوضأ)].النسائي رحمه الله لما أورد الترجمتين السابقتين وهما: الترجمة الأولى: الوضوء مما مست النار، والترجمة الثانية: ترك الوضوء مما مست النار، أتى بعد ذلك بترجمة وهي: المضمضة من السويق، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أكل سويقاً تمضمض، ولم يتوضأ، وصلى، ولم يتوضأ.والسويق قيل: هو الشعير أو البر، أو الحب، أو الحنطة التي تقلى على النار ثم تتخذ زاداً في السفر أو غيره، فإذا احتيج إليها دقت، ثم صب عليها ماء أو سمن، ثم أكلت، فهي طعام يعتبر جاهزاً؛ بمعنى: أنه لا يحتاج إلى عناء وإلى كلفة؛ لأنه قد هيئ، ولهذا يقال فيه: إنه قوت المسافر، وبلغة المريض، وطعام العجلان، فالذي يريد أن يأكل بسرعة، ولا يحتاج إلى عناء ومشقة في الطبخ؛ كجمع الحطب وما إلى ذلك، فإن هذا لا يحتاج إليه؛ لأنه قد حمس على النار، وقلي، ثم يدق، ويصب عليه الماء أو السمن، ثم يؤكل، فهو لا يحتاج إلى كبير مؤنة.والرسول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة، عن سويد بن النعمان رضي الله عنه، أنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وأنهم لما كانوا بالصهباء، وهو أدنى مكان من خيبر، (دعا بالأزواد)، يعني: طلب من أصحابه الذين كانوا معه أن يحضروا أزوادهم ليشتركوا فيها، وذلك أن المسافرين أو الجيش عندما يكون مع بعضهم طعام، فإنهم يجمعون أزوادهم، فإذا لم يكن هناك زاد مشترك يغذى منه الجميع وكل يحمل زاده، فإنهم يجمعون أزوادهم، ثم يأكلون منها جميعاً؛ فالذي منه الزاد والذي ليس منه يشتركون فيه، ويجتمعون عليه، فالرسول عليه الصلاة والسلام طلب الأزواد، يعني: أمرهم بأن يحضروا ما معهم من الزاد.قال: (فلم يؤت إلا بالسويق) يعني: أنه ما وجد معهم شيئاً إلا هذا الطعام، وإلا فإنهم يأتون به ولا يتأخرون، وهذا فيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم من قلة ذات اليد، وشدة الحاجة، وأنهم وهم في هذا السفر، وهم في هذا الغزو، لما طلب منهم الأزواد، ما وجد معهم إلا السويق.قال (فأمر به فثري)، يعني: بل بالماء ورش بالماء حتى يؤكل بعد ذلك، وهذا هو معني الفري، وكان هذا بعد صلاة العصر، ثم إنه لما جاء وقت صلاة المغرب قام وتمضمض وتمضمضوا معه، وصلى ولم يتوضأ. والسويق كما هو معلوم مسته النار، فهو دال على ما دل عليه أحاديث الباب الذي قبله، وهو ترك الوضوء مما مست النار.وإنما تمضمض رسول الله عليه الصلاة والسلام ليزيل أثر ذلك الطعام من فمه، حتى لا يبقى منه بقية تشغله في صلاته، والأمر لا يحتاج إلى وضوء، وإنما يحتاج إلى التنظيف بالماء مما علقه، ومما بقي فيه من آثار هذا الطعام الذي هو السويق.إذاً: هذا فيه التنبيه والإرشاد إلى أن من حصل منه أكل شيء -وهو لا يحتاج الأمر فيه إلى وضوء- أنه يتمضمض إذا كان سيبقى في فمه أثر؛ حتى لا يشغله آثار ذلك التي بقيت في الفم عن صلاته، فبحصول المضمضة يحصل التخلص من ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق

قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].محمد بن سلمة هو: المرادي، المصري، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه .أما الحارث بن مسكين، فهو أيضاً ثقة، وهو ممن خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وقد مر ذكر هذين الشخصين.[قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].وهذا كثيراً ما يحصل من النسائي، إذ أنه إذا قرن الحارث بن مسكين مع غيره، أنه يجعل اللفظ المسوق من لفظ شيخه الحارث بن مسكين.[عن ابن القاسم].ابن القاسم هو: عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وراوي الحديث والمسائل، فهو يروي الحديث، ويروي المسائل الفقهية عن الإمام مالك، وهو من أصحابه المشهورين، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود في كتاب المراسيل، والنسائي.[حدثني مالك].هو الإمام مالك إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، العلم، أحد الفقهاء، والمحدثين، مشهور بالحديث والفقه، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة؛ وهي: مذهب أبي حنيفة، ومذهب الإمام مالك، ومذهب الشافعي، ومذهب أحمد، فهو صاحب مذهب مشهور، حصل له أتباع وأصحاب نشروه وأظهروه، وغير هؤلاء الأربعة لكن ما حصل لهم ما حصل لهؤلاء من وجود أصحاب وأتباع يظهرون فقههم، ويعنون بتدوينه ونشره، منهم مشهورون بالفقه، ومشهورون بالحديث، لكن هذه المذاهب الأربعة انتشرت لوجود أتباع وأصحاب عنوا بها، وقاموا بتدوينها، وجمع مسائلها، ونشرها، والتأليف فيها، فصار لها ذلك الانتشار والظهور.فثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة بعضهم تلميذ لبعض، فـأحمد تلميذ لـلشافعي، والشافعي تلميذ لـمالك، وقد سبق أن ذكرت: أن في مسند الإمام أحمد حديثاً رواه الإمام أحمد عن شيخه الشافعي، والشافعي رواه عن شيخه الإمام مالك، والإمام مالك رواه عمَّن فوقه، ولكن محل الشاهد من ذكره والإشارة إليه: هو أن فيه ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، والحديث هو: (نسمة المؤمن على صورة طير يعلق بالجنة)، والحديث أورده الإمام ابن كثير في تفسيره عند قوله في سورة آل عمران: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فأورد هذا الحديث بهذا الإسناد، وقال: إن هذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهب المعروفة يروي بعضهم عن بعض، وهؤلاء الثلاثة كل منهم كنيته: أبو عبد الله.وحديث الإمام مالك عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت مراراً: أن البخاري قال: إن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر.[عن يحيى بن سعيد].هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، كالإمام مالك، هو من أهل المدينة، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن بشير بن يسار].هوبشير بن يسار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو بالتصغير بشير، وفي التقريب لما ذكر: بَشير وبُشير، بشير ذكر فيه عشرون شخصاً يقال لهم: بشير، وأما بُشير فلم يذكر إلا شخصان، أحدهما هذا، وذلك أن بشير المسمى به كثير، وأما بشير بالتصغير فهذا قليل، وهذا مثل ما أشرت سابقاً أو قريباً عندما جئنا عند ذكر: حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، فقلنا أن أبا حفصة اسمه: نابت، وقيل: كالجادة؛ يعني: ثابت؛ لأن كلمة نابت قليل التسمية، وكلمة ثابت كثير التسمية، فقيل لثابت: الجادة؛ يعني: أنه الطريق المسلوك، فهذا مثل بشير وبشير، بشير يقال له: الجادة، أو التسمية ببشير أو كذا، يطلق عليه الجادة؛ لأن الذي يسمى به كثير، بخلاف بُشير فإنه قليل التسمية، ولهذا في التقريب: بشير اثنان، وبشير عشرون شخصاً، فهذا يصدق عليه أن يقال فيه: الجادة، وهذا هو الذي كما أشرت يفعله ابن حجر في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، عندما يأتي بَشير وبُشير، هذا هو المؤتلف والمختلف، يعني: يتفقان في الصيغة لكن يختلفان في النقط والشكل، فهنا يختلفان بالشكل وإلا الصيغة والهيئة واحدة: (ب ش ي ر)، إلا أن هذا بَشير وهذا بُشير، فهذا يسمى في المصطلح: المؤتلف والمختلف، أو المتشابه.وعندما يأتون ويتكلمون على المشتبه، وأن هذا يكون بهذا كذا، يقولون عن الذي تكثر فيه التسمية: الجادة، ثم يذكر الذي على خلاف الجادة الذي هو قليل، ولهذا فبَشير وبُشير يخلص أن يقال فيه ما قيل في هذا الموضوع، بأن بَشير هو الجادة، وأنه كثير التسمية به، وأما بُشير فهو قليل التسمية.[أن سويد بن النعمان].سويد بن النعمان هذا صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، خرج حديثه البخاري، والنسائي، وابن ماجه ، وله سبعة أحاديث، وهو مقل من الحديث، ولم يرو عنه إلا بشير بن يسار هذا، وهذا يسمونه الوحدان، يعني: من لم يرو عنه إلا واحد يسمى الوحدان، وهذا سويد بن النعمان لم يرو عنه إلا بشير بن يسار هذا، شخص واحد، ما عرف بالرواية عنه إلا بشير بن يسار.
المضمضة من اللبن

شرح حديث: (أن النبي شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المضمضة من اللبن.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً، ثم دعا بماء فتمضمض، ثم قال: إن له دسماً)].هذه الترجمة وهي: المضمضة من اللبن، أورد النسائي تحتها حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه شرب لبناً، ثم دعا بماء، فتمضمض، وقال: (إنه له دسماً)، يعني: أن هذه المضمضة من أجل الدسومة التي فيه، فهو يريد أن يذهب آثار الدسومة عن فمه، وهذا من النظافة، وعدم وجود أثر الطعام في الفم، الذي قد يشغل الإنسان بطعمه وبوجوده في فمه، أو قد يترتب على ذلك مضرة، حيث يبقى في الفم مثل هذه الآثار، فهو يدل على الإرشاد والتنبيه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض)

قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذي أكثر من الرواية عنهم، ولهذا يأتي ذكره كثيراً في سنن النسائي يروي عنه، وهو أول شيخ روى عنه في سننه. [حدثنا الليث].الليث هو: ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور في مصر، محدث مصر وفقيهها، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الأشخاص المعروفين أنه إذا روى عن مدلسين، فإنه لا يروي عنهم إلا ما ثبت سماعهم له، فهذا هو الليث بن سعد رحمة الله عليه.[عن عقيل].عقيل هو: عقيل بن خالد، أبو خالد الأيلي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، فعقيل هو أيضاً من الأسماء القليلة، وعقيل مما يسمى به كثيراً، ولهذا في التقريب ورد أسماء عديدة لعلها ستة أسماء باسم عقيل، وأما عقيل بالتصغير ما فيه إلا شخص واحد، وهو: عقيل بن خالد الأيلي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأن كنيته: أبو خالد، وأبوه: خالد، فهذا مما عدوه من أنواع علوم الحديث؛ لأن معرفة هذا النوع قالوا فيها: إن فيها الأمن من التصحيف، فالإنسان إذا عرف أن كنيته أبو خالد، وأن اسم أبيه خالد، فلو جاء مرة بكنيته ومرة باسمه، يكون كله صواباً، لكن الذي لا يعرف إلا أنه عقيل بن خالد، لو رواه مرة عقيل أبو خالد، ممكن يقول: (أبو) هذه مصحفة عن (ابن)، لكن من عرف أن كنيته أبو خالد، فإنه إذا جاء عقيل أبو خالد فهو صواب، وإن جاء عقيل بن خالد فهو صواب، ولذلك أمثلة عديدة مرت بنا، مثل هناد بن السري وهناد أبو السري، وغيره من الأسماء الكثيرة التي تأتي يتفق اسم أب الراوي مع كنيته.[عن الزهري].الزهري، هو الإمام، المشهور، المحدث، الفقيه، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو أول من قام بجمع السنة بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو مشهور بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب، وأيضاً مشهور بنسبته إلى جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب أحياناً، ويقال له: الزهري أحياناً، وأحياناً قليلة يأتي اسمه: محمد بن مسلم، وهذا قليل جداً، وإنما الكثير ابن شهاب أو الزهري.[عن عبيد الله بن عبد الله].هو: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين، والذين أشرت سابقاً إلى أن ابن القيم جمعهم في بيتين ذكرهما في أول كتابه إعلام الموقعين، ولا أدري هل البيتان له أو لغيره؟ والبيتان هو قوله:إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجهفقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجةسبعة في البيت الثاني، هؤلاء الفقهاء يقال لهم: الفقهاء السبعة في المدينة، وهم محدثون وفقهاء، وستة منهم متفق عليهم أنهم من السبعة، والسابع مختلف فيه، فقيل: إنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو الذي ذكره ابن القيم، فهذا هو السابع على أحد الأقوال، وقيل: إنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بدل أبو بكر بن عبد الرحمن، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وأما الستة الباقون فهم متفقون على عدهم، وهم الموجودون في هذا البيت: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عروة بن الزبير بن العوام، القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، سعيد بن المسيب، سليمان بن يسار، خارجة بن زيد بن ثابت، هؤلاء ستة متفق عليهم.[عن ابن عباس].هو ابن عباس رضي الله عنه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام توفي وعمره خمسة عشر عاماً؛ لأنه في حجة الوداع يقول: كنت ناهزت الاحتلام، وجاء على حمار أتان، وقال: كنت غلاماً، قد ناهزت الاحتلام، والرسول صلى الله عليه وسلم توفي بعد حجة الوداع بأشهر قليلة؛ ثلاثة شهور، فهو من صغار الصحابة رضي الله عنه وأرضاه، وهو من العبادلة الأربعة في الصحابة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو. وفي الصحابة كثيرون يقال لهم: عبد الله، لكن اشتهر هؤلاء الأربعة بأنهم العبادلة، وليس فيهم ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود متقدم عنهم، وهو أكبر منهم، وكان من كبار الصحابة، وممن تقدمت وفاته؛ لأنه توفي سنة 32 للهجرة، وأما هؤلاء فوفاتهم بعده بمدة طويلة، وهم متقاربون بالسن، ولهذا يقال لهم: العبادلة.وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين يقول فيهم السيوطي في ألفيته: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيوحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

يتبع

ابوالوليد المسلم 08-04-2019 01:32 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(63)





ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه - غسل الكافر إذا أسلم

شرح حديث قيس بن عاصم: (أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه - غسل الكافر إذا أسلم. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن الأغر وهو: ابن الصباح عن خليفة بن حصين عن قيس بن عاصم رضي الله عنه: (أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر)].أورد النسائي عنواناً عاماً، وهو: ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، وقد ذكر قبل هذا ترجمة عامة وهي ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم أورد عدة من الأبواب بعد هذا العنوان العام، منها ما ينقض ومنها ما لا ينقض، وهنا لما فرغ من ذلك، وعقبه ببعض المسائل المتعلقة بذلك التي ليس فيها وضوء، وليس فيها إيجاب وضوء، وهو مثل أكل السويق والمضمضة، وشرب اللبن، وما إلى ذلك، هذا مما لا يوجب وضوءاً.بعد ذلك قال: ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، فهذا عنوان عام، يأتي تحته عناوين خاصة، العنوان الأول: غسل الكافر إذا أسلم، أورد تحت هذه الترجمة حديث قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه أنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، وأمره إياه بالاغتسال بعد الإسلام؛ لأن قوله هنا: (أسلم فأمره)، يعني: أنه وجد الإسلام فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، حتى يذهب عن جسده ما فيه من نجاسة بسبب الشرك والكفر؛ لأن الكفار لا يتنزهون، وقد يكون عليه جنابة، فالاغتسال للكافر فيه تنظيفه وتطهيره من أن يكون في جسده شيء من النجاسات، ولا يلزم أن يكون الاغتسال قبل الإسلام؛ لأن المبادرة إلى الإسلام مطلوبة، وبعد أن يدخل في الإسلام، ويطهر بهذه النعمة التي هي أعظم النعم، يغتسل، وإن اغتسل قبل ذلك لا بأس، مثلما جاء في الحديث الذي بعد هذا؛ حديث ثمامة بن أثال رضي الله تعالى عنه، فإنه اغتسل أولاً، ثم جاء وأسلم.وجمهور العلماء على أن الاغتسال للكافر مستحب، ومن العلماء من أوجبه لحصول الأمر به.قوله: (أن يغتسل بماء وسدر).يعني: هذا من كمال التنظيف، ولا شك أن هذا شيء طيب، يعني: أن هذا فيه كمال التنظيف، أما الصابون فيمكن يؤدي ما يؤديه السدر.

تراجم رجال إسناد حديث قيس بن عاصم: (أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].عمرو بن علي هو: الفلاس المحدث، المشهور، النقاد، المعروف بالجرح والتعديل، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في سنن النسائي، يروي عنه النسائي أحاديث كثيرة، وكثيراً ما يأتي قول النسائي: أخبرنا عمرو بن علي الذي هو: الفلاس.[حدثنا يحيى].يحيى هو ابن سعيد القطان المحدث، المشهور، المعروف بكلامه في الجرح والتعديل، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سفيان].هو سفيان بن سعيد المسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، خرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأغر].الأغر هو ابن الصباح، وسفيان عبر بـالأغر فقط، ما قال: ابن الصباح، لكن الذين دونه وهم: يحيى بن سعيد القطان، أو عمرو بن علي الفلاس، أو النسائي، أو من دون النسائي هم الذين أتوا بنسبته وهي قولهم: هو ابن الصباح، ولما أتوا بها، وهي ليست من التلميذ أتوا بكلمة (هو) الدالة على أنها زيدت ممن دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج أن يقول: هو ابن فلان، وإنما يسميه كما يشاء، ممكن أن يأتي بسطرين يمدحه، ويثني عليه، ويذكر نسبه، وقد يذكر نسبه إلى ذكر عدة أجداد له؛ لأنه لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما يقول: حدثنا شيخنا فلان بن فلان بن فلان، الإمام، الثقة.. إلخ، يقول ما يشاء، لكن من دون التلميذ هو الذي يزيد إذا أراد أن يزيد ما يوضح، لكن يأتي بكلمة (هو) أو يأتي بكلمة (يعني)، أو (الفلاني)، أو (هو الفلاني)، أو (يعني الفلاني)، أو (يعني ابن فلان)، فكلمة (هو) تشعر بأن هذه زيادة ممن دون التلميذ، وفائدتها: التنبيه على أن التلميذ ما قالها، ولو قالوا: الأغر بن الصباح لفهم من أول وهلة أن سفيان هو الذي قال: ابن الصباح، لكن لما جاءت كلمة (هو) عرفت أنها ليست من سفيان، وإنما هي ممن دون سفيان، وهذه تأتي كثيراً في الأسانيد (هو) أو (يعني ابن فلان)، وهذا هو معناها.والأغر بن الصباح هذا كوفي، وهو تميمي، منقري بالولاء، يعني: مولى بني تميم، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ولم يخرج له الشيخان ولا ابن ماجه .[عن خليفة بن حصين].خليفة بن حصين هذا جده قيس بن عاصم الذي جرى عنه في هذا الإسناد؛ لأنه خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم، فهو يروي عن جده قيس هنا في الإسناد، وخليفة بن حصين هذا ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي فهو مثل تلميذه الأغر بن الصباح، خرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن قيس بن عاصم].قيس بن عاصم هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر المنقري التميمي؛ يعني: ينسب إلى جده منقر فيقال: منقري، وينسب نسبة عامة فيقال: التميمي، والمنقري نسبة خاصة؛ لأن منقر من تميم، وينسب نسبة عامة، فيقال: المنقري، ويقال: التميمي.وقيس هذا صحابي، مشهور بالحلم، ومشهور بالجود، والكرم، ويقال: إنه قيل: للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ وهو مشهور بالحلم، فقال: من قيس بن عاصم.وقيس بن عاصم هذا الصحابي الجليل خرج حديث أيضاً أبو داود، والترمذي، والنسائي، مثل حفيده والذي روى عن حفيده؛ لأنهم ثلاثة على الولاء كلهم خرج لهم ثلاثة من أصحاب السنن، ما عدا ابن ماجه ، وأيضاً ذكر في تهذيب التهذيب أنه خرج له البخاري في الأدب المفرد، وفي نسخة التقريب المصرية ما فيه إلا البخاري في الأدب المفرد، لكن في تهذيب التهذيب خرج له البخاري في الأدب المفرد، وخرج له أصحاب السنن الأربعة إلا ابن ماجه .وقيس بن عاصم هذا لما توفي رثاه عبدة بن الطيب في أبيات يقول فيها:عليك سلام الله قيس بن عاصمورحمته ما شاء أن يترحماثم ذكر بيتاً مشهوراً يعتبر بمثابة المثل الذي يضرب عندما يموت شخص كبير؛ يعني: إنسان يعتبر له منزلة كبيرة، وموته يعتبر فيه نقص كبير على المسلمين، يتذكر هذا البيت، يقول فيه:وما كان قيس هلكه هلك واحدولكنه بنيان قوم تهدمايعني: ما موته موت شخص واحد، وإنما هو بنيان قوم تهدما، معناه: أنه قوم عندهم شخص له منزلة عظيمة، وقد حصل بموته هذا الخطب العظيم، والمصيبة الكبيرة.عندما يذهب شخص له منزلة كبيرة، وفائدته عظيمة للمسلمين، ينقدح في ذهن الإنسان هذا البيت؛ لأنه يدل على عظم المصيبة، وعلى كبرها، وعلى عظم حجمها، وأنا تذكرت هذا لما توفي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، في عام 1389هـ، وكان رجلاً عظيماً من نوادر الرجال، ومن الأفذاذ في هذه البلاد الذين لهم منزلة، ولهم هيبة، ولهم مكانة في النفوس، ويعتبر سداً منيعاً، ولما مات حصل بموته مصيبة كبيرة، فأنا تذكرت هذا البيت في ذاك الوقت، وكنت كتبت في وقتها كلمة عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه، وأوردت فيها هذا البيت؛ يعني: هذا البيت الذي رثى به عبدة بن الطيب قيس بن عاصم، فذكرته مستشهداً، فقلت: إن هلاكه ليست مصيبة فرد، أو مصيبة عائلة، أو مصيبة جماعة، وإنما هي مصيبة أمة، ومصيبة عامة، وأن هذا البيت ينطبق عليه، ويناسب أن يذكر هذا البيت:وما كان قيس هلكه هلك واحدولكنه بنيان قوم تهدماوقيس بن عاصم رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الصحابة المشهورين بالحلم، وبالكرم، والجود، وكان زعيماً، كبيراً، ومشهوراً في قومه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

شرح حديث أبي هريرة في تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (إن ثمامة بن أثال الحنفي انطلق إلى نجل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر)] وفي بعض النسخ مختصر.النسائي يقول: تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم. وأورد فيه قصة إسلام ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفيه: أنه ذهب إلى نخل أو نجل؛ يعني: في بعض النسخ نجل، وفي بعضها نخل، ونخل هي الأوضح؛ لأن نخل فيه ماء، وقيل: إن نجل يعني: أن فيه ماء ينبع، لكن الموجود في البخاري وفي غيره أنه نخل، يعني: إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، فاغتساله قبل إسلامه إنما حصل بفعله وليس بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم إياه، والحديث الذي قبله فيه: أنه أسلم فأمره أن يغتسل، ومن المعلوم أن المبادرة بالإسلام أولى من تأخير الاغتسال؛ لأن تأخيره قد يصيبه الموت قبل أن يسلم، فكونه يبادر إلى الإسلام ثم يغتسل هذا هو الذي ينبغي، وهذا هو الذي حصل في مثل قيس بن عاصم رضي الله عنه.وأما هذا الذي في الحديث فهو من فعل ثمامة بن أثال، أنه اغتسل ثم جاء وأسلم، وشهد لله عز وجل بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.والحدي� � أورده هنا مختصراً، وأشار إليه في آخر الحديث، قال: مختصر؛ يعني: أنه ذكر الحديث مختصراً، والحديث مطول ذكره البخاري وغيره، وفيه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل خيلاً قبل نجد، فوجدوا ثمامة بن أثال، فأتوا به، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاءه يوم وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط ما شئت، فتركه، فجاء من الغد وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال مثلما قال بالأمس، قال: عندي الذي قلته: إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه، فلما جاء من بعد الغد جاء إليه، وقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: مثل الذي قال، فقال: أطلقوه، فلما أطلقوه ذهب إلى نخل قريب من المسجد واغتسل، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: يا محمد! إن وجهك كان أبغض الوجوه إلي، وإنه الآن أحب وجه على وجه الأرض إلي، وإن دينك كان أبغض الأديان إلي، وإن دينك الآن أحب الأديان إلي، وإن بلدك كانت أبغض البلاد إلي، وإن بلدك الآن هي أحب البلاد إلي) كل هذا في البخاري وهو الذي أشار إليه هنا بقوله: مختصر.ثم قال: (يا رسول الله! إن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة -يعني: كان ذاهب للعمرة- فأخذته الخيل، وجاءوا به إلى المدينة، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل له من الإسلام، وأمره أن يعتمر، فذهب إلى العمرة من المدينة، ولما جاء إلى مكة صار كفار قريش يشيرون إليه ويقولون: هذا صبأ -يعني: أنه دخل في دين غير دينه- فقال: أنا أسلمت مع محمد لله رب العالمين، وهو سيد أهل اليمامة، وكانت الحنطة تأتي إلى مكة من اليمامة، فقال: ووالله لن يأتيكم حبة حنطة من اليمامة إلا إذا أذن لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه)، وحصل منه هذا الموقف العظيم.والبخاري ذكره في بعض المواضع مختصراً وفي بعضها مطولاً، وهذا الموضع الذي أشرت إليه هو في المغازي؛ يعني: في الوفود، وقد ذكره مطولاً، وفيه هذه المحاورة والكلام الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ثمامة بن أثال الحنفي اليمامي.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد الذي مر في الإسناد الذي قبله.[حدثنا الليث].هو: الليث بن سعد أيضاً مر في الذي قبله.[عن سعيد بن أبي سعيد].سعيد بن أبي سعيد هو المقبري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة رضي الله عنه، هو أحد الصحابة المكثرين، بل هو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً. ورجال هذا الإسناد الأربعة خرج لهم أصحاب الكتب الستة، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وهذا إسناد رباعي ليس بين النسائي فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أشخاص: قتيبة، والليث بن سعد، وأبو سعيد المقبري، وأبو هريرة؛ ولأنه ليس عنده أسانيد ثلاثية.
الأسئلة

توجيه معرفة ثمامة للغسل قبل الإسلام
السؤال: كيف عرف ثمامة الغسل قبل أن يسلم وقبل أن يدخل في الإسلام؟الجواب: لعله عرف أن هذا هو شأن المسلمين إذا أرادوا أن يسلموا، أو لعله أراد بأن يتنظف وأن يتطهر، فقد يكون علم هذا.

مفهوم سلس البول

السؤال: ما مفهوم سلس البول؟ وهل لصاحب سلس البول أن يستنجي قبل دخول الوقت؟الجواب: صاحب سلس البول هو الذي يخرج منه البول دائماً، ويحصل منه قطرات البول، ويتوضأ عند كل صلاة، ويناسب أنه يرش على فرجه شيئاً من الماء؛ حتى لا يحصل تشويش عليه، ولو حصل بعد ذلك منه خروج البول فإن ذلك لا يؤثر؛ لأن هذا هو الذي يستطيعه، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فهو يتوضأ لكل صلاة، ومثله المستحاضة التي جاء في الحديث أنها تتوضأ لكل صلاة، فالذي به سلس البول مثل المستحاضة.لكن هل لصاحب سلس البول أن يستنجي قبل دخول الوقت؟الجواب: لا ما يستنجي، هذا يكون عند دخول الوقت؛ يعني: إذا أراد أن يتوضأ يستنجي؛ لأنه كما هو معلوم الوضوء لابد فيه من الاستنجاء إذا كان هناك نجاسة، أما إذا لم توجد نجاسة فالوضوء كما هو لا يحتاج إلى الاستنجاء، فالاستنجاء عند خروج الخارج. إذاً فلا يستنجي، ولا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، أما إذا أراد أن يتنظف قبل دخول الوقت فله أن يفعل ذلك.

حكم هدم بعض المساجد المتقاربة

السؤال: فضيلة الشيخ! عندنا في بلادنا بعض المساجد قريبة جداً من بعضها الآخر، وعدد المصلين في كل مسجد قليل جداً، بحيث أنهم يعدون على الأصابع، فهل يجوز هدم أحد هذه المساجد أو تلك المساجد؟الجواب: إذا كان القرب شديداً فلا ينبغي أن تكون المساجد كذلك، وأما إذا كان بينها شيء من التباعد، والذهاب إلى المكان الآخر فيه مشقة، فتعدد المساجد لا بأس به، ولو أزيل أحد المساجد، واكتفي بمسجد آخر، فإنه لا بأس إذا كان القرب شديداً، وأما إذا كان هناك تباعد فالمساجد تبقى.

بيتان في عدم الافتخار بالنسب

السؤال: فضيلة الشيخ! نرجو ذكر البيتين الذين ذكرتهما في عدم الافتخار بالأنساب؟الجواب : يقول:لعمرك ما الإنسان إلا بدينهفلا تترك التقوى اتكالاً على النسبفقد رفع الإسلام سلمان فارسووضع الشرك النسيب أبا لهبوهذان البيتان كما ذكرت سابقاً موافق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)، فهو المبين لهذا المعنى.

كيفية معرفة أوهام الثقات

السؤال: كيف يعرف المحدثون أن فلاناً الثقة أقل أوهاماً من فلان الثقة؟الجواب: الثقات يعرفون كون بعض الثقات أقل أوهاماً من بعض؛ وذلك بحصر أغلاطهم، وبحصر أوهامهم، فإذا حصر الأوهام وأرادوا أن يقارنوا بين شخصين، يحصرون أغلاط كل واحد منهم وأوهامه، ثم يقارنون بينها أيها أكثر؟ فمن كان أكثر صار أقل، ومن كان أقل صار أدنى، وهذه هي الطريقة التي بها يميزون بين الأشخاص الذين في القمة، أيهم يقدم؟ وأيهم أوثق؟ وأيهم أعظم حفظاً؟ وأشد حفظاً؟

أي المذاهب يرى العمل بالمرسل

السؤال: أي المذاهب الأربعة يرى العمل بالحديث المرسل؟الجواب: لا أدري من يرى العمل بالحديث المرسل من أصحاب المذاهب الأربعة.
الزمن والوقت المناسب لقيام طالب العلم بواجبه في نشر العلم
السؤال: متى يبدأ طالب العلم بنشر ما تعلمه ويدرسه؟ هل يكون ذلك بعد مدة الطلب على المشايخ، أم أنه كلما تعلم شيئاً من العلم ينقله ويدرسه، سواء في المسجد أم في البيت؟الجواب: هو كونه يتعلم، وكونه يجتهد في طلب العلم، ويشغل نفسه في طلب العلم، هذا هو الذي ينبغي، ولكنه إذا وجد أناساً مثلاً يعلمهم ما عنده، أو بعض ما عنده، هذا شيء طيب، بعد أن يكون متحققاً وأن يكون عارفاً بذلك الشيء الذي سيدرسه مثلاً: إنسان يدرس الثلاثة الأصول، ويدرس هذه الكتب المفيدة التي فائدتها عظيمة للناس، والتي يحتاج إليها الصغار والكبار، ويحتاج إليها العوام وغير العوام، مثل هذه الأشياء التي الناس بحاجة إليها وإلى معرفتها، إذا علمها غيره فهذا شيء طيب، ولكن كونه يعتني في الطلب، والجد، والاجتهاد، والاشتغال، هذا هو الذي ينبغي، وإذا احتيج إليه، أو علم مثل هذه الأشياء التي الناس بحاجة إليها، والتي هي مختصرة ومفيدة، والتي يحتاج إليها العوام والخواص، والصغار والكبار، هذا شيء طيب.وهو يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)؛ لأن الإنسان إذا علم شيئاً يعلمه غيره، ويبلغه غيره، لكن إذا كان الإنسان في الطلب يجتهد في الطلب ولا يشغل نفسه في التعليم؛ لأنه لو شغل نفسه في التعليم قد يدفعه ذلك، أو يقلل منه الإقدام على الطلب، والاشتغال في الطلب.
حكم الوضوء من شحم الإبل
السؤال: هل شحم الإبل وكبده وبقية أعضائه تأخذ حكم اللحم في نقض الوضوء؟الجواب: كما هو معلوم أن اللحم غير الشحم، لكن الإنسان يتوضأ من الشحم، ومن استعمال الشحم؛ لأن المعنى الموجود في اللحم موجود فيه، فكونه يتوضأ من ذلك لا شك أنه هو الأوضح، وهو الأسلم وهو الأحوط.وإذا شرب مرق الإبل فلا يقال أنه أكل لحماً، وعلى هذا لا يكون ناقضاً للوضوء؛ لأن المرق لا ينقض الوضوء؛ لأنه ما يقال: أنه أكل لحماً.
سبب نقض الوضوء من لحم الإبل
السؤال: اشتهر عند كثير من الناس أن سبب نقض الوضوء من لحم الإبل هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أصحابه ذات يوم، ووجد من أحدهم ريحاً، وما أراد أن يظهر ذلك الرجل أمام الناس، فقال: (من أكل لحم جزور فليتوضأ).الجواب: لا، هذا غير صحيح، فالذين يذكرون أنها قصة ما أدري عن ثبوتها، ولا أدري أين وجدتها، وأين رأيتها، ولكنها مما يدل على الفراسة، ما أدري هل هي في الطرق القطبية في الفراسة أو في غيرها، أنهم كانوا جالسين، فخرج من أحدهم ريحاً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستحي من الحق، ليقم من أحدث، فليتوضأ، وكأنه ما قام أحد، فقال أبو بكر: ألا نقوم كلنا فنتوضأ يا رسول الله! فقاموا وتوضأوا)، وهذا طبعاً من الفراسة؛ لأنهم إذا توضأوا كلهم فالذي حصل منه نقض للوضوء توضأ.

ابوالوليد المسلم 11-04-2019 05:21 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(64)

- باب الغسل من مواراة المشرك - باب وجوب الغسل إذا التقى الختانان

بين الشارع الأمور التي توجب الاغتسال، ومن ذلك: الاغتسال لمن وارى المشرك، وإذا التقى الختانان؛ ختان الرجل وختان المرأة وإن لم يحصل إنزال.
الغسل من مواراة المشرك

شرح حديث علي في الغسل من مواراة المشرك

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الغسل من مواراة المشرك.أخبرنا محمد بن المثنى عن محمد حدثني شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أبا طالب مات، فقال اذهب فواره، قال: إنه مات مشركاً، قال: اذهب فواره، فلما واريته رجعت إليه، فقال لي: اغتسل)].يقول النسائي رحمه الله: الغسل من مواراة المشرك؛ يعني: ممن يتولى دفنه، فمن يقوم بموارته من المسلمين فإن عليه أن يغتسل، هذا هو المقصود في هذه الترجمة التي أوردها النسائي. وقد أورد فيها حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لما توفي أبوه أبو طالب، جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فواره، قال: إنه مات مشركاً، قال: اذهب فواره، فلما واريته رجعت إليه، فقال لي: اغتسل)، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم له: (اغتسل) لما وارى أباه المشرك، والحديث دال على الاغتسال من مواراة المشرك، كما ترجم له المصنف.وقد اختلف العلماء في حكم ذلك؛ فجمهورهم على أن هذا الاغتسال إنما هو مستحب، ومنهم من قال: بالوجوب، وإنما قيل في حكمة الاغتسال من مواراة المشرك؛ لأن المشركين لا يتنزهون من النجاسات، فمن يلامسهم لا يسلم من أن يناله شيء مما فيهم من النجاسات؛ لأنه يدفن على هيئته دون أن يغسل، فيكون ما فيه من نجاسة قد يعلق, أو قد يصل إلى من واراه ومن لامسه شيء من ذلك.وفي الحديث: أن أبا طالب مات مشركاً، ولم يكن من المسلمين، وقد كان على الكفر إلى نهاية أمره، وهذا الحديث دال على موته على الشرك، ومما يدل على موته على الشرك الحديث الآخر الذي في الصحيحين: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه وقال: يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، وكان عنده بعض المشركين، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأعاد، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب)، ومات على ذلك، فهذا أيضاً مما يدل على موته على الشرك وعلى الكفر.وحديث علي هذا أيضاً كذلك، وهذا هو الثابت المشهور الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة، والرافضة يقولون: إنه مات مسلماً، وفيهم من ألف مؤلفاً في إسلام أبي طالب، وأنه مسلم، وقد ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وقال: إنه لا يثبت من ذلك شيء، بل كل ما فيه لا قيمة له، والذي ثبت وصح هو كونه مات على الشرك.ومن المعلوم أن الرافضة الذين يزعمون أن أبا طالب مات على الإسلام، يقابلون ذلك بأن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، الذين هم طليعة المسلمين، وهم الرعيل الأول، وهم خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، وهم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أنهم كفار، ولا يستثنون من التكفير إلا العدد القليل، ويقولون: إنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام! وأنهم ظلموا! وأنهم أخذوا الحق الذي لا يستحقونه! وأن الحق كان لعلي رضي الله عنه وأرضاه، ومن المعلوم: أن علياً رضي الله عنه وأرضاه معروف بالشجاعة، ومعروف بالكلام بالحق، ومع ذلك لما حصل ما حصل، ما قال: إنني أنا الوصي، وأنا الخليفة، وأنكم أخذتم حقي، ما قال هذا ولا جاء عنه. فقولهم عنهم: إنه ظلم مع سكوته معناه: أنهم وصفوه بأنه جبان، مع أنه الشجاع رضي الله تعالى عنه وأرضاه.فالحاصل أن أبا طالب -كما جاء في هذا الحديث- مات مشركاً, ولم يكن من المسلمين، وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن أعمام النبي صلى الله عليه وسلم الذين أدركهم الإسلام أربعة. وهم: العباس، وحمزة رضي الله عنهما، وأبو لهب، وأبو طالب، فاثنان منهما أكرمهم الله عز وجل بالإسلام، واثنان منهما خذلا, فلم يكونا من المسلمين؛ وأبو لهب أنزل الله تعالى فيه سورة تتلى، وأبو طالب ثبتت الأحاديث بموته على الشرك.ثم قال الحافظ ابن حجر: ومن عجيب الاتفاق أن الذين أسلموا، أسماؤهم تناسب أسماء المسلمين؛ لأن هذا حمزة والعباس، والذين ماتا كفاراً، أسماؤهم ليست أسماء إسلامية، ومما يقره الإسلام؛ لأن أحدهم: عبد العزى، والثاني: عبد مناف، وهما مشهوران بكنيتيهما، فهما معبدان لغير الله، فقال: إن أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم الذين أدركهم الإسلام اثنان اللذان أسلما، وأسماؤهم تماثل أسماء المسلمين، وتناسب أسماء المسلمين؛ العباس، وحمزة، وأما الآخران اللذانِ لم يسلما فأحدهما: عبد العزى، والثاني: عبد مناف.

تراجم رجال إسناد حديث علي في الغسل من مواراة المشرك

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو: الملقب بـالزمن، محمد بن المثنى العنزي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة.[عن محمد].هو ابن جعفر الملقب: غندر، وهذا هو محمد الذي لم ينسب هنا؛ لأنه معروف بالرواية عن شعبة، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار مكثران من الرواية عنه , وهو من الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثني شعبة].شعبة هو ابن الحجاج , الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذه من أعلى مراتب التعديل؛ ومن أعلى صيغ التعديل، أن يوصف الشخص بأنه أمير المؤمنين في الحديث، والذين وصفوا بأنهم أمراء المؤمنين في الحديث قلة، وعددهم قليل، جمعهم محمد الحبيب الشنقيطي في منظومة الذين يلقبون بوصف أمير المؤمنين في الحديث، ومنهم: شعبة، ومنهم: سفيان الثوري، ومنهم: معن بن عيسى، ومنهم عدد, وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي إسحاق]. أبو إسحاق هو: السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[سمعت ناجية بن كعب].وناجية بن كعب ثقة، وحديثه عند أبي داود , والترمذي، والنسائي.[عن علي].علي رضي الله تعالى عنه، هو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد أصحاب أهل الشورى الستة, الذين جعل الأمر إليهم عمر بعد وفاته رضي الله تعالى عنه وأرضاه؛ ليختاروا خليفة منهم، وهو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصهره زوج ابنته فاطمة، ومناقبه جمة كثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وجوب الغسل إذا التقى الختانان

شرح حديث: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب وجوب الغسل إذا التقى الختانان.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت الحسن يحدث عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع, ثم اجتهد، فقد وجب الغسل)].هنا أورد النسائي رحمه الله الغسل عند التقاء الختانين؛ ختان الرجل وختان المرأة.وختان الرجل هو: مكان قطع الغلفة التي على رأس الذكر؛ يعني: مكان القطع. وختان المرأة المكان الذي يكون فيه الخفض، وهو قطع شيء منها. فإذا التقى الختانان، ثم جهدها، فقد وجب الغسل.فبمجرد التقاء الختانين، بحيث يلتقي مكان ختانه بمكان ختانها، ثم يجهدها، ويجتهد -وهو كناية عن محاولة الجماع- فإنه يجب الغسل، وإن لم ينزل، فليس بشرط أن ينزل ماءً، وأن يحصل خروج المني، وأن تحصل اللذة، فليس هذا بشرط، بل إذا حصل هذا الأمر الذي أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب الغسل. وقد جاء في بعض الأحاديث: (إنما الماء من الماء)؛ يعني: إن الاغتسال يكون بسبب خروج الماء الذي هو المني، ولكن حديث أبي هريرة رضي الله عنه -الذي معنا- دال على أن الأمر ليس مقيداً بحصول خروج الماء، وإنما يكون بمجرد التقاء الختانين، وإن لم يحصل إنزال وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء. إذاً: إذا التقى الختانان, فإنه يجب الغسل, وإن لم يحصل إنزال، وفي بعض الروايات لهذا الحديث: (وإن لم ينزل)، وهو دال دلالة واضحة على أن الإنزال ليس بشرط، وإنما الأمر الواجب يتحقق بحصول التقاء الختانين، أما إذا حصل الإنزال فإن الغسل واجب، سواء حصل إيلاج، أو حصل التقاء الختانين، أو لم يحصل شيء من هذا، فمتى ما حصل إنزال المني وخروج المني فإن الواجب هو الاغتسال.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل)
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى هو: الصنعاني, وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وأبو داود في كتاب القدر.[حدثنا خالد].خالد هو ابن الحارث، وكثيراً ما يأتي ذكر محمد بن عبد الأعلى لا يروي عن خالد بن الحارث، وخالد بن الحارث ثقة, حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].شعبة هو ابن الحجاج الذي مر ذكره في الإسناد السابق.[عن قتادة].قتادة هو ابن دعامة السدوسي، أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[سمعت الحسن].الحسن هو ابن أبي الحسن البصري، وهو من ثقات التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[يحدث عن أبي رافع].أبو رافع هو نفيع الصائغ المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة، هو الصحابي الجليل، أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، ويأتي ذكره كثيراً في رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
شرح حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني حدثني عبد الله بن يوسف حدثنا عيسى بن يونس حدثنا أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الأربع, ثم اجتهد, فقد وجب الغسل).قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ، والصواب: أشعث عن الحسن عن أبي هريرة وقد روى الحديث عن شعبة النضر بن شميل وغيره كما رواه خالد].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بمعنى لفظ الحديث المتقدم، وبلفظه متفق معه: (إذا جلس بين شعبها الأربع, ثم جهدها, فقد وجب الغسل). قوله: (إذا جلس بين شعبها) أي: بين شعب المرأة، وشعبها أقرب ما قيل فيها: أنهما يداها ورجلاها؛ بمعنى: أنه علاها وجهدها في الجماع، وإن لم يحصل إنزال, فإنه يجب الغسل بمجرد حصول ذلك؛ لكونه يحصل منهما التقاء الختانين، ويصير محاولة فعل الجماع، فبمجرد حصول ذلك يجب الغسل.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني].هو: إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.[حدثني عبد الله بن يوسف].عبد الله بن يوسف هو التنيسي، وهو ثقة, ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا عيسى بن يونس].هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة, مأمون، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أشعث بن عبد الملك].هو: أشعث بن عبد الملك، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.[عن ابن سيرين].هو محمد بن سيرين، أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة هو الصحابي راوي الحديث الذي قبله.ثم قال أبو عبد الرحمن النسائي: هذا خطأ، والصواب: عن أشعث عن الحسن عن أبي هريرة، يعني: أنها ليست من رواية محمد بن سيرين، وإنما هي من رواية أشعث عن الحسن عن أبي هريرة.لكن يبقى مع هذه الرواية التي صوبها النسائي وقال: إنها الصواب، أن الحسن مختلف في سماعه من أبي هريرة، والمشهور أنه لم يسمع منه، لكن لا يضر ذلك هذا الحديث شيئاً؛ لأن الرواية المتقدمة فيها رواية الحسن من طريق أبي رافع عن أبي هريرة.فإذاً: تكون هذه الرواية التي ذكرها النسائي هنا، وقال: إن الصواب أنه من رواية أشعث عن الحسن عن أبي هريرة، والتي فيها الانقطاع، أو تحتمل الانقطاع تكون متابعة، وليس العمل ولا الاعتماد عليها؛ لأن الحديث ما جاء من هذا الطريق وحده، بل جاء من طريق موصولة، ومن طريق فيها احتمال الانقطاع، فإذاً: هذه تكون من قبيل المتابعات، ومن قبيل ما له أصل ثابت، وهو وجوده عن طريق الاتصال؛ وجوده متصلاً، ولهذا خرجه البخاري، ومسلم؛ يعني: هذا الحديث الذي هو من الطريق الأولى.ثم قال: وقد روى الحديث عن شعبة النضر بن شميل، وغيره, كما رواه خالد؛ يعني: الطريق الأولى التي فيها ذكر: شعبة عن الحسن، عن قتادة، عن أبي رافع عن أبي هريرة، يعني: أن النضر بن شميل، وغيره رووه عن شعبة كما رواه خالد؛ يعني: كالرواية المتقدمة، وعلى هذا تكون الرواية الأولى هي المحفوظة التي فيها وجود أبي رافع بين الحسن وبين أبي هريرة.وأما النضر بن شميل الذي جاءت الإشارة إليه, أو جاء ذكره في كلام النسائي، فهو ثقة، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة

الحكم على الحديث أنه على شرط الشيخين

السؤال: متى يحكم على الحديث أنه على شرط الشيخين؟ نرجو التفصيل في ذلك؟الجواب: كونه على شرط الشيخين يعني: أن رجاله رجال الشيخين، هذا إذا جاء بإسناد يماثل إسناد البخاري , ومسلم، ورجاله هم الرجال، فإنه يحكم له بالصحة؛ يعني: إذا كان على شرطهما؛ أي: رجاله رجالهما، ولهذا في كلام الحاكم في المستدرك على الصحيحين، عندما يقول: على شرط الشيخين، يتعقبه الذهبي، فيقول: إن فلاناً ما روى له البخاري، وفلان ليس من رجال مسلم، يعني: أن كلام صاحب المستدرك ليس بدقيق، مع أنه قال: على شرط الشيخين، وفيه فلان, ولم يخرج له البخاري شيئاً، أو فيه فلان، ولم يخرج له مسلم، فالمقصود بشرط الشيخين: ما كان رجاله رجالهما, ولم يخرجها.ولهذا مراتب الصحيحين بالنسبة للصحيحين وغيرهما سبع مراتب: ما اتفق عليه البخاري، ومسلم، ثم من انفرد به البخاري عن مسلم، ثم من انفرد به مسلم، ثم ما كان على شرطهما ولم يخرجاه، ثم ما كان على شرط البخاري ولم يخرجه، ثم ما كان على شرط مسلم ولم يخرجه، ثم ما لم يكن على شرطهما لا اجتماعاً ولا انفراداً، فهذه سبع مراتب للحديث الصحيح بالنسبة لتخريج الشيخين وعدم تخريجهما.

بيان حال الحسن البصري رحمه الله في التدليس

السؤال: نرجو بيان حال الحسن البصري في التدليس، وهل سمع من أحد الصحابة؟الجواب: الحسن البصري معروف بالتدليس والإرسال، نعم هو سمع من بعض الصحابة، وهناك عدد من الصحابة اختلف في سماعه منه، فـالحسن سمع من بعض الصحابة، بلا شك، وسمع من بعضهم على اختلاف، وفي بعضه ترجيح السماع، وفي بعضه ترجيح عدم السماع.

ما يلزم على من يترك سنة المغرب لحضور الدرس

السؤال: رأيت كثيراً من طلبة هذا الدرس يأخذون أماكنهم بعد الصلاة مباشرة، ولا يصلون السنة الراتبة بعد المغرب، فما رأي فضيلتكم في هذا العمل؟الجواب: سنة المغرب وقتها من المغرب إلى العشاء، والطلاب الذين يجلسون في أخذ أماكنهم لحضور الدرس، ولا يصلون بعد الصلاة مباشرة سنة المغرب، عليهم ألا يتركوها بعد فراغ الدرس، وإذا كان فيه احتمال أنها تنسى أو تترك فإن على الإنسان أن يبادر إليها، وبحمد الله لن يفوت الدرس، ما دام مكبر الصوت موجود، فسواء أدرك المكان القريب أو لم يدركه؛ لأن السماع حاصل بحمد الله.

الحسن البصري وتدليس التسوية

السؤال: هل ثبت عن الحسن البصري أنه كان يدلس تدليس التسوية؟الجواب: لا أعرف أن الحسن البصري يدلس تدليس التسوية، بل إن تدليس التسوية يكون لمن يكون أمامه، ثقات وضعاف، فيحذف الضعاف, ويجمع بين الثقات، أما الحسن البصري، فهو من التابعين، والأسانيد أمامه ليس فيها مجال لذكر الأعداد، فأنا لا أعرف شيئاً عنه حول تدليس التسوية.السؤال: لماذا قال: كثير الإرسال؟الجواب: لا أدري.

حكم القدح في الصحابة فيما كان قبل الإسلام

السؤال: كما هو معلوم بأن القدح في الصحابة لا يجوز، ولكن هناك أشعار فيه الهجاء للصحابة، قيلت في حقهم قبل إسلامهم، كما في هجاء حسان بن ثابت لـأبي سفيان رضي الله عنهما، فهل يصح ذكر هذه الأشعار الآن؟الجواب: إذا ذكرت هذه الأشعار على اعتبار أن هذا من شعر حسان، وأنه قاله قبل أن يسلم أبو سفيان، وعرف حال أبي سفيان، وترضي عليه، فذكر ذلك لا يؤثر؛ لأن هذا شيء مدون، لكن لا ينقدح في ذهن الإنسان حصول الذنب بعد الإسلام؛ لأن الإسلام يجب ما قبله كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في حديث عمرو بن العاص، لما أراد أن يسلم، فمد يده للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما مد يده للنبي صلى الله عليه وسلم قبضها، فقال: (ما لك يا عمرو، فقال: أردت أن أشترط، قال: وماذا تشترط، قال: قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)، يعني: إذا ذكر الشيء على اعتبار أن هذا كان في الجاهلية. ومن المعلوم أن أبا سفيان عنده أمور كانت في الجاهلية تحكى لبيان عظم فضل الله عز وجل على الإنسان، وأنه كان في حال جاهليته على وضع سيئ، ثم تحول إلى وضع حسن.وهذا كما يقال عن عمر بن الخطاب أنه كان في جاهليته شديداً على المسلمين، ثم تحول شدته على الكفار في جانب المسلمين، وهذا بيان حاله، أما إذا ذكرت من أجل الرغبة في هجائه، أو النفس فيها شيء عليه، فهذا لا يجوز؛ لأن الواجب أن تكون القلوب مليئة بحب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والألسنة رطبة بذكرهم؛ بالثناء الجميل اللائق بهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

مكان وجود أبيات رثاء قيس بن عاصم رضي الله عنه

السؤال: ذكرتم بالأمس أنه لما مات قيس بن عاصم رضي الله عنه رثاه عبدة بن الطيب بقصيدة فأين نجد نفس هذه القصيدة؟الجواب: ذكر في تهذيب التهذيب أن عبدة بن الطيب رثاه، وذكر البيت الأول، الذي هو مطلعها، وبعضهم يذكر غيرها، لكن أشهرها البيت الذي ذكرته، والذي يعتبر بمثابة المثل، الذي يتذكر عند المناسبات.وما كان قيس هلكه هلك واحدولكنه بنيان قوم تهدمافيمكن معرفة هذه القصيدة بالرجوع إلى مصادر ترجمة قيس بن عاصم رضي الله عنه، ويمكن الوقوف عليها أو على بعضها.

حكم جهالة الصحابي

السؤال: متى تضر جهالة الصحابي؟الجواب: لا تضر جهالة الصحابي، فالمجهول منهم في حكم المعلوم؛ لأنهم كلهم عدول، فهذا السؤال ليس بدقيق، والجواب لا يطابق السؤال؛ لأن السؤال بمتى؛ يعني: أن هناك حالة تكون جهالة الصحابي تضر؛ ولكن جهالة الصحابي لا تضر مطلقاً، بدون تفصيل.

الفاصل والحاجز بين الرجال والنساء في المساجد

السؤال: قال بعض أهل العلم: إن الحواجز التي تكون في بعض المساجد؛ لستر النساء على الرجال أنها من البدع، أو إنها من الحدث؛ فما رأيكم؟الجواب: وجود حواجز، ووجود محل يفصل النساء، هذا لا يقال: إنه من البدع، بل هذا من المقاصد الطيبة، ومن الأمور الحسنة التي يكون فيها ابتعاد النساء عن الرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (خير صفوف الرجال أولها, وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)، فوجود شيء يفصل النساء عن الرجال، ولا سيما بعد ما حصل التهاون من كثير من النساء في تكشفهن, وعدم اكتراثهن بالحجاب، وما يحصل بسبب ذلك من الفتنة، فهذا لا يقال له: إنه من البدع، بل هذا من الأمور الطيبة، ومن الأمور المستحسنة.

حكم الخطوط التي في الصفوف في الصلاة

السؤال: بعض الناس يقول: إن الخيوط التي تلصق على بعض فرش المساجد لتسوية الصفوف أيضاً من الحدث يقصد؟الجواب: نعم، كون الناس يعملون خيوطاً يلصقونها على الفراش هذا لا يصلح؛ لأن هذا مثل الذي يعمل خطاً في الأرض, ويطلب من الناس أن يقفوا عليه، وإنما يسوى بين الصفوف؛ يتقدم ويتأخر بدون أن يكون هناك خطوط، لكن مثلاً: هذه الفرش الجديدة التي يكون فيها خطوط من نفس الفراش، وفيه لون يغاير اللون، وبه يعرف أماكن الصفوف، فهذا لا بأس به، لكن كونه يؤتى بتلصيق شيء يكون فيه في الغالب وجود الذي يلصق به فينتزع , ثم يشوش على الناس، بحيث يعلق بأرجلهم فهذا لا يصلح, ولا ينبغي، لكن إذا وجد فرش قد حيكت ونسجت على أساس أنها شكلان؛ شكل على تحت الأرجل، وشكل آخر ما يكفي بينه وبين الصف الذي أمامه، فهذا لا بأس به، ولا مانع منه.

الطريقة التي يمكن بها معرفة البدعة

السؤال: ما هي الطريقة التي يمكن بها معرفة البدع في مثل هذه الأشياء؟الجوال: الطريقة التي يعرف بها معرفة البدع: هو وجود أمور محدثة في الدين، مما لم يكن عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأما كون الفرش كما ذكرتَ، يكون فيها مثل هذا لا بأس به، ولا مانع منه، لكن الممنوع هو كونه الناسجون يأتون الأرض, يخطون فيها خطوطاً، ويقولون: قف على هذه الخطوط، أو يعملونه في شيء يلصقونها على الفرش، ويترتب على ذلك مضرة.

وعظ الناس بالموت بطريقة جديدة

السؤال: رجل يريد أن يعظ الناس ويذكرهم بالموت، ولكنه يريد أن يأتي بطريقة، وبأسلوب جديد، وهو أن يأتي في أثناء هذا المجلس بسرير، وبإنسان يلبسه أقفالاً، ويقوم بعض الأشخاص بعملية تكفين هذا أمام الناس، وهذا الواعظ يعظ الناس بهذا في هذه الأثناء عن الموت، وما يتعلق به من طريقة التكفين, ونحو ذلك، يقول: هل هذا العمل يعتبر من البدع؟الجواب: الحقيقة أن العمل هذا لا حاجة إليه، كونه يؤتى بإنسان ويمد على سرير، ويعمل له لفائف، ويوضع عليها ويلف عليها بثلاث لفائف بيض، ويجمع بعضها على بعض، وتربط بحيث أنه لا يخرج شيء.وهذه الطريقة يمكن أقول أنها من جماعة التمثيليات الذين يعنون بالتمثيل، وأن كل شيء يمشي على طريقة التمثيل، وأن الدعوة تأتي عن طريق التمثيل؛ لأن أعداءنا صاروا يمثلون ونحنا نمثل أيضاً مثلهم. (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، فحتى لو مثلوا فنحنا نمثل.

حكم تمثيل الموت

السؤال: هل تمثيل الموت يعني جائز؟الجواب: التمثيل كله من أوله إلى آخره غير جائز.
ضرورة انقطاع الودي قبل الشروع في الاستنجاء منه
السؤال: الطهارة بالاستنجاء من الودي، هل يلزم التبول بعده لينقطع الودي، أم نتوضأ بعد الاستنجاء، ونصلي؟الجواب: الأصل ألا يكون الاستنجاء إلا بعد انقطاع الخارج؛ لأن من شرط الاستنجاء انقطاع الخارج، سواء إن كان بولاً أو غير بول، أما كونه يستنجي والخارج لا يزال خارج، فلا ينفع الاستنجاء؛ لأنه يحتاج إلى إعادة الاستنجاء. فمن شرط الاستنجاء انقطاع الموجب؛ يعني: كونه من شرط الوضوء، وكون الإنسان يتوضأ، لابد أن ينقطع الموجب، أما كونه يستنجي، والبول لا يزال يخرج، أو الودي لا يزال يخرج، أو المذي لا يزال يخرج، فإن ذلك لا يعتبر استنجاء؛ لأنه مثل الذي يستنجي في أثناء البول.

ابوالوليد المسلم 11-04-2019 05:23 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(65)


- باب الغسل من المني - باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

لقد فرق الشرع بين المني والمذي؛ فرتب الغسل على خروج المني بجماع أو احتلام ورتب الوضوء على خروج المذي وغسل أثره من الجسد، وهذه الأحكام يستوي فيها الرجل والمرأة.
الغسل من المني

شرح حديث: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك ... وإذا فضخت الماء فاغتسل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الغسل من المني.أخبرنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر واللفظ لـقتيبة، قالا: حدثنا عبيدة بن حميد عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه أنه قال: كنت رجلاً مذاءً، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، وإذا فضخت الماء فاغتسل)].يقول النسائي رحمه الله تعالى: الغسل من المني. أي: من خروج المني، فإن هذا مما يوجب الغسل، وذلك غسل من الجنابة، وقد أورد النسائي رحمه الله تعالى فيه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام أفتاه بأنه في حال حصول المذي منه أنه يغسل ذكره ويتوضأ، وإذا فضخ الماء، فإنه يغتسل، والمقصود من فضخ الماء هو حصول الدفق، وخروج المني، فإن هذا هو الذي يوجب الغسل، والحديث فيه: بيان حكم المذي، وحكم خروج المني، فالمذي نجس، وهو ناقض للوضوء، وعليه أن يتطهر من الحدث الأصغر بأن يتوضأ، ويستنجي قبل ذلك بأن يغسل ذكره وما أصابه المذي؛ لأنه نجس، وقد تقدم هذا في باب مستقل، وفي هذا الحديث زيادة، وهي الشاهد للترجمة، وهي: الاغتسال عند خروج المذي؛ لأن الخارج مذي ومني، فالمذي ينقض الوضوء، ويلزم منه الوضوء، والمني يحصل به الحدث الأكبر، ويلزم منه الاغتسال. وقد مضى في الأحاديث السابقة أن علياً رضي الله عنه وكل المقداد بن الأسود في السؤال عنه، وذلك لاستحيائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته منه؛ لكونه صهره؛ زوج فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، وهذا الذي جاء في هذا الحديث مبني على أساس أن المقصود هو: أنه سأله بواسطة، ولم يكن مباشرة؛ لأنه أوصى غيره أن يسأل، وبيّن سبب عدم إقدامه على السؤال.فإذاً: ما جاء في هذا الحديث مبني على ما جاء في تلك الأحاديث، وأن ما أخبر به عن نفسه إنما هو باعتباره فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم له؛ لأنه صاحب الحاجة وصاحب المسألة التي احتاج إلى السؤال فيها، ولمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه استحيا من أن يواجهه بهذا السؤال، فأناب غيره بالسؤال عنه وأجيب، والغالب أن ذلك كان بحضرته، يعني: بحضرة علي رضي الله عنه، ولهذا فإن أصحاب الكتب عدوا هذا من مسند علي، لأنه على الاعتبار بأنه حضر القصة، وأنه سمع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يكن هو الذي وجه السؤال، وصدر منه السؤال مباشرةً إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.إذاً: فخروج المني من الإنسان -رجل أو امرأة- يوجب الغسل من الجنابة، وهذا هو معنى قوله: [(إذا فضخت الماء فاغتسل)].

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك ... وإذا فضخت الماء فاغتسل)

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر].قتيبة بن سعيد هو الذي تكرر ذكره كثيراً، وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وأما علي بن حجر فهو السعدي المروزي الذي سبق أن مر ذكره، وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.[قالا: حدثنا عبيدة بن حميد].عبيدة بن حميد هذا سبق أن مر ذكره، وهو صدوق ربما أخطأ، وخرج حديثه البخاري والأربعة.[عن الركين بن الربيع].الركين بن الربيع هو: أبو الربيع، فكنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن حصين بن قبيصة].حصين بن قبيصة ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن علي].علي رضي الله تعالى عنه، هو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد أصحاب الشورى الستة الذين وكل الأمر إليهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، وأبو الحسن والحسين رضي الله تعالى عن الجميع، وقد مر ذكره فيما مضى من الأحاديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (إذا رأيت المذي فتوضأ ... وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد أنبأنا عبد الرحمن عن زائدة ح، وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم واللفظ له حدثنا أبو الوليد حدثنا زائدة عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه أنه قال: ( كنت رجلا مذاءً، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا رأيت المذي فتوضأ واغسل ذكرك، وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل )].أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها، ومنها فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه إذا أصابه المذي يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة، وإذا فضخ الماء، أي: دفقه وأنزله، فإنه يغتسل من الجنابة.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأيت المذي فتوضأ ... وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل)
قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].عبيد الله بن سعيد هذا تقدم ذكره فيما مضى، وهو ثقة، مأمون، سني؛ لأنه أظهر السنة في بلاده سرخس، وأخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.[أنبأنا عبد الرحمن].عبد الرحمن هو ابن مهدي، الإمام المعروف، الحجة، الثقة، الثبت، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن زائدة].وهو زائدة بن قدامة الثقفي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[ح، وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم].أتى بـ (ح) التحويل وقال: (ح) وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم، (ح) التحويل المقصود منها: الإشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد، عندما يذكر إسناداً ويقطع فيه مسافة من حيث ذكر بعض الرجال، يعود فيستأنف ويذكر إسناداً آخر، فيبدأ من شيخ من شيوخه، ثم يستمر حتى يتلاقى مع الإسناد الأول، فهنا يؤتى بـ (ح) الدالة على التحويل، وهذا هو معناها، وذكرت فيما مضى: أن النسائي كـالبخاري يستعملانها بقلة؛ فلا يحتاجان إلى استعمالهما بكثرة، بخلاف مسلم الذي يجمع الأحاديث في مكان واحد، فيكثر منه التحويل، وبين البخاري، ومسلم بون شاسع في استعمال التحويل وعدمه، والسبب في ذلك ما ذكرته؛ لأن الحديث الذي يأتي بطرق متعددة يفرقون تلك الطرق على الأبواب، ولكنهما أحياناً يجمعان بعض الطرق، فيحصل بذلك استعمال التحويل كما هنا، وكما سبق أن مر في مواضع عديدة. وإسحاق بن إبراهيم هو: ابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة ثبت إمام، وهو من المحدثين ومن الفقهاء، معروف بالفقه ومعروف بالحديث، وخرج حديثه أصحاب الكتب إلا ابن ماجه .[حدثنا أبو الوليد].أبو الوليد، هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهو ثقة ثبت إمام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا زائدة].وهنا حصل الالتقاء في الأسانيد، يعني: خرج من النسائي إسنادان، إسناد فيه: عبيد الله بن سعيد عن عبد الرحمن بن مهدي، وإسناد آخر فيه: إسحاق بن إبراهيم عن أبي الوليد الطيالسي، ثم التقيا عند زائدة، ثم استمر بعد ذلك إلى نهايته، فهما طريقان استعمل فيهما التحويل، وحصل التقاء الطريقين عند زائدة بن قدامة، وعند ذلك التقى الإسنادان المتقدم والمتأخر عن زائدة عن الركين عن حصين بن قبيصة عن علي. [عن الركين عن حصين بن قبيصة عن علي].الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري، وحصين بن قبيصة، وعلي رضي الله تعالى عنه قد مر ذكرهم.
غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

شرح حديث أم سليم في غسل المرأة إذا أنزلت الماء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبدة حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ( أن أم سليم رضي الله عنها، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ قال: إذا أنزلت الماء فلتغتسل )].أورد النسائي رحمه الله تعالى هذه الترجمة: غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، يعني: من الاحتلام، وأنه يلزمها الغسل من الجنابة كما يلزم الرجل، وقد أورد فيها النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أمه أم سليم رضي الله تعالى عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال: [(إذا أنزلت الماء فلتغتسل)]، فالرسول صلى الله عليه وسلم أجاب هذه الصحابية رضي الله عنها وأرضاها، بأن المرأة عليها أن تغتسل، لكن بشرط إنزال الماء، فإذا حصل إنزال ماء؛ وهو المني فعند ذلك يلزمها الاغتسال كما يلزم الرجل. إذاً: فالذي يرى في منامه أنه حصل منه جماع، ولكنه لا يجد ماءً، ولا يجد أثر ذلك على ثوبه وعلى جسده لا يلزمه شيء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قيد ذلك بإنزال الماء الذي هو المني، فإذا حصل الإنزال ووجد ذلك على الثياب وعلى الجسد فعند ذلك يلزم الغسل.إذاً: المعتبر في الاغتسال في حال الاحتلام هو خروج الماء؛ لأن الحكم منوط بخروجه. وهذا فيه بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من الحرص على معرفة الأحكام الشرعية، وأنهم يسألون عن كل ما يحتاجون إليه في أمور دينهم، ولا يمتنعون من ذلك، ولا يستحيون من أن يسألوا عن أمور دينهم، ولو كان ذلك من الأمور التي في النفس منها شيء، فهي سألت مثل هذا السؤال في حضرة الرجال، وهو مما يستحيا منه في حق النساء، ومع ذلك فلم يمنعهن ذلك من التفقه في دين الله عز وجل، ومن الحرص على معرفة الأحكام الشرعية، وهذا فيه الدليل الواضح على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقوا عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الحق والهدى، وأدوه إلى من بعدهم، وأنهم سمعوا منه وتلقوا منه ورأوا حركاته وسكناته، فنقلوا ذلك، واتبعوا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودلوا غيرهم إلى هذا الهدى، وأرشدوهم إلى طريق السلام والنجاة، فالخير كل الخير باتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والسير على ما سار عليه سلف هذه الأمة، الذين هم خير هذه الأمة، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ما كان ولا يكون مثلهم؛ لأن الله تعالى اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الواسطة بيننا وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونحن ما عرفنا القرآن والسنة إلا عن طريق الصحابة، فلهم فضل عظيم علينا، ولا سبيل للمسلمين في الوصول إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ومن لم يأخذ دينه، ويأخذ عقيدته، ويأخذ أحكامه التي يتعبد الله عز وجل بها عن الصحابة الكرام، وعمن سار على منهاجهم فإنه حاد عن الجادة، وضل الضلال المبين، وترك الحق والهدى، وابتعد عنه واتبع غير سبيل المؤمنين؛ لأن الله تعالى اختار لرسوله صلى الله عليه وسلم أصحاباً أوجدهم في زمانه، وخصهم الله تعالى بهذا التكريم، وبهذا التشريف، فهم الذين شرفهم الله بالنظر إلى طلعته في هذه الحياة الدنيا، وسمعوا كلامه منه عليه الصلاة والسلام.إذاً: فهذا السؤال من أم سليم رضي الله تعالى عنها، وهو من الأمور التي يستحيا منها، وتستحي النساء أن تتكلم بها بحضرة الرجال، ومع ذلك لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين، بل سألن عن أمور دينهن، ولو كان ذلك مما يستحيا منه.ولما كان علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحته ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لما كان هذا التقارب في المصاهرة استحيا من أن يواجه الرسول صلى الله عليه وسلم بالسؤال، ولكنه لم يمتنع ولم يترك أن يتعرف على الحكم الشرعي؛ فأناب غيره ليتولى ذلك، وحصل مقصوده، وحصل للأمة معرفة الحكم الشرعي بهذا السؤال الذي استحيا علي رضي الله عنه وأرضاه أن يسأل عنه.

تراجم رجال إسناد حديث أم سليم في غسل المرأة إذا أنزلت الماء

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم وهو: الحنظلي، المشهور بـابن راهويه، وكما قلت فيما مضى: المحدثون يقولون: راهويه، وأما أهل اللغة فيقولون: راهويه، فيختمون بويه، وهو إمام، فقيه، محدث، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .[حدثنا عبدة].عبدة، هو ابن سليمان الكلابي، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سعيد].سعيد هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن قتادة].قتادة هو: ابن دعامة السدوسي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أنس].وهو أنس بن مالك خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، خدم رسول الله عليه الصلاة والسلام عشر سنين، ونقل عنه الحديث الكثير، وهو من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق سبعة، وأنس واحد منهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته حيث قال: والمكثرون من رواية الأثرأبو هريرة يله ابن عمروأنس والبحر كـالخدريوجابر وزوجة النبيِّفأكثرهم على الإطلاق: أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، ومنهم: أنس بن مالك الذي معنا، والبحر أو الحبر الذي هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، والخدري هو: أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله تعالى براءتها في آيات تتلى في سورة النور، وهي الصحابية الوحيدة التي تعتبر أكثر النساء رواية للحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.


يتبع

ابوالوليد المسلم 11-04-2019 05:23 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(65)

شرح حديث أم سليم في غسل المرأة إذا رأت الماء من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: ( أن أم سليم رضي الله عنها كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة جالسة، فقالت له: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل، أفتغتسل من ذلك؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قالت عائشة: فقلت لها: أف لك! أوترى المرأة ذلك؟! فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تربت يمينك، من أين يكون الشبه؟!)]. ثم أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها أنها كانت عند رسول الله عليه الصلاة والسلام فجاءت أم سليم تسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن المرأة ترى ما يرى الرجل في منامه، هل لها أن تغتسل؟ قال: (نعم)، فعند ذلك قالت عائشة: أف لك! أو ترى المرأة ذلك؟! كأنها تستبعد أن يكون ذلك من النساء، وفيه: إشارة إلى أن ذلك قليل في النساء، أو أنه موجود ولكن لا يحصل ذكره بين النساء؛ لما يحصل من ذلك من الاستحياء بينهن، ولكن الذي ألجأ إلى ذكر هذا هو التفقه في دين الله عز وجل، ولهذا جاءت أم سليم تسأل، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها تتعجب، أو تستبعد أن يكون ذلك؛ لأنها ما عرفت ذلك من نفسها، وما حصل لها شيء من هذا، ولهذا قالت: أو ترى المرأة ذلك؟! فعند ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تربت يمينك)، وهذه كلمة تقال لا يقصد منها الدعاء على من قيلت له، وإنما فيها زجر، وفيها تنبيه ولفت النظر إلى شيء، وهو: أن هذا لا ينبغي أن يُستغرب منه؛ لأن هناك شيء يدل على حصول ذلك مما أجراه الله عز وجل، وفي خلق الله سبحانه وتعالى.ولهذا قال: (مما يكون الشبه؟)، يعني: أن ماء الرجل وماء المرأة يلتقيان، وإذا غلب أحدهما، فإنه يكون الشبه لأحدهما على الآخر، فقد يشبه المولود أمه وأخواله، وقد يشبه أباه وأعمامه، ولكن قوله: (مما يكون الشبه؟)، يعني: أن هذا ما كان إلا بسبب الماء، وبسبب ما يخرج من المرأة. فإذاً: كون المرأة تحتلم، وكونه ينزل منها ماء، هذا حاصل وواقع، والشبه الذي يكون للغلام بأمه وبأخواله وبأقارب أمه إنما هو من حصول مائها، ولكونها لها ماء، فعند ذلك يكون الشبه، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين حصول ذلك ووقوعه.

تراجم رجال إسناد حديث أم سليم في غسل المرأة إذا رأت الماء من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا كثير].وهو كثير بن عبيد، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له الشيخان ولا الترمذي.[عن محمد بن حرب].هو محمد بن حرب، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الزبيدي].الزبيدي هو محمد بن الوليد بن عامر الحمصي، وهو ثقة ثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.[عن الزهري].الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو أحد الثقات، ومن أوعية العلم، وهو محدث فقيه، وهو الذي قام بجمع السنة، وتدوينها بناءً على تكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عروة].عروة هو ابن الزبير بن العوام، وهو تابعي جليل من الثقات، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة في عصر التابعين، كان هنالك سبعة فقهاء مشهورون في عصر التابعين، فأهل الفقه وأهل الحديث، كانوا في هذه المدينة المباركة. [أن عائشة].عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي: الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به في آيات تتلى في سورة النور، وهي من أوعية السنة، وهي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنها وعن أبيها، وعن الصحابة أجمعين.
الأسئلة

كيفية التمييز بين أهل السنة وأهل البدع والفائدة من ذلك

السؤال: كيف نرد على من يقول: لماذا هذه التفرقة؛ هذا مبتدع وهذا سني وهذا أشعري وذاك جهمي؟ ويقول: وما أدري أنا، لعل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم سبقانا إلى الجنة. الجواب: نسأل الله العفو والعافية، نقول: هذا سني وهذا مبتدع؛ بناءً على ما قاله الأئمة الثقات الذين يعرفون الرجال، وهم أهل الجرح والتعديل، ومن المعلوم أن هذه هي الطريقة المثلى، والتي لا سبيل سواها ولا طريق سواها في الوصول إلى معرفة الحق، ومعرفة التثبت بالأخبار، وإذا كنا في زماننا هذا عندما نسمع خبراً من الأخبار هل نقبل الخبر من كل من هب ودب ونعتمد عليه، أو أننا نبحث من الذي أتى بهذا الخبر؟ وهل هو ثقة أو غير ثقة؟ هذا الطريق الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء كما شاء، مثل ما قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء كما شاء، ومن المعلوم: أن الذي يسبق إلى الجنة هو من يوصف بالالتزام، والسير على منهاج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن سار على منوالهم، هذا هو الذي يسبق إلى الجنة، وهذا هو الذي يكون من أهل الجنة.أما من يحيد عن طريقهم، ويسلك طريقاً غير طريق المؤمنين فإن هذا إن كانت بدعته مكفرة فلا سبيل له إلى الجنة إذا مات على بدعته المكفرة، وإذا كانت بدعته مفسقة، فهذا أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفى عنه، وإن شاء عذبه على بدعته التي لم يبلغ بها درجة الكفر.وأما الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم فهما من الجهمية الذين ينفون عن الله عز وجل أسمائه وصفاته، ويصفون الله سبحانه وتعالى بالصفات السلبية التي ينفون عنه كل صفة، والنتيجة أنه لا يبقى وجود لله عز وجل على عقيدتهم. والجهمية عدهم جماعة من أهل العلم أنهم ليسوا من الثلاث والسبعين فرقة الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: ومن هي يا رسول الله! قال: ما كان على ما أنا عليه وأصحابي)، يعني: أن هذه الفرقة ناجية، والفرق الأخرى هم من أمة الإجابة، ولكنهم يستحقون النار، وأمرهم إلى الله عز وجل، ومن كان خارج هذه الفرق الثلاث والسبعين، فهو ليس من المسلمين، فالجمهية عدهم بعض الأئمة خارج الثلاث والسبعين فرقة الذين هم أمة الإجابة.

عدم غسل الأنثيين عند خروج المذي

السؤال: إذا خرج المذي، ولم أغسل الأنثيين فهل علي شيء؟الجواب: نعم، إذا خرج المذي، ولم يستنج الإنسان ويغسل ما يمكن أن يكون قد أصابه المذي؛ فإنه لا يكفي، بل لا بد من الغسل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يغسل مذاكيره)، يعني: ذكره وما حوله.

إغلاق مكبرات الصوت الخارجية في المسجد

السؤال: مضمون سؤاله: أنه يقفل مكبر الصوت عند الدخول في الصلاة.الجواب: إذا كان الصوت قد قصر على ما في داخل المسجد، وكان أسلاك المكبرات تذهب إلى الخارج فقفل مكان الخارج، وكان الصوت من الداخل، أو كان العدد قليلاً وأقفل مكبر الصوت نهائياً، فلا بأس بهذا، لكن إذا لم يكن ما هناك تشويش على مساجد أخرى؛ فإن وجود مكبر الصوت وخروجه شيء طيب؛ لأن فيه فائدة، وهي تنبيه الناس إلى حصول الصلاة، وكونها قائمة، وأن يبادر الإنسان؛ أما إذا كان سيشوش على مساجد قريبة؛ فهذا الأولى أن يقفل حتى لا يحصل التشويش من المصلين بعضهم على بعض؛ لأنها إذا تقاربت قد يقول هنا: الله أكبر، فيكبر الذين وراء هذا الإمام، ويظنون أن هذا التكبير من إمامهم، فيحصل شيء من التشويش.

المراد بميامن الإمام في صلاة الجماعة

السؤال: إذا علمنا أن ميامن الصفوف أفضل من الجهة اليسرى، فهل يكون القريب من الإمام بأن يكون خلفه أفضل ممن هو بعيد عن الإمام؟الجواب: على كل، إذا كان خلفه فهو أولى، مادام أنه ورائه، فهو متمكن من الصف، ومعلوم أن بداية الميامن تكون من الإمام ومن على يمنيه، والمياسر تكون ممن على يسار الإمام، ولاشك أن من يكون وراء الإمام هو الأولى، وهو المكان الذي يسبق إليه وينافس عليه، وهو الذي قال فيه الرسول: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).

حكم ثياب من به سلسل المذي

السؤال: هل يلزم من به سلس مذي أن يغير ملابسه؟الجواب: إذا كان هذا شيء مستمر فهو مثل سلس البول تماماً، يعامل كما يعامل من به سلس البول، ومن المعلوم أن من به سلس البول لا يلزمه أن يغير باستمرار؛ لأنه لو غير ينزل الشيء وهو في طريقه إلى المسجد، أو وهو في الصلاة أيضاً.

ما يلزم من احتلم ورأى على ثوبه بولاً ولم ير المني

السؤال: هل من احتلم ثم قام ورأى البول، ولم ير المني يلزمه الاغتسال من الجنابة؟الجواب: لا يلزمه الاغتسال إذا كان الذي رآه بولاً، والاغتسال إنما يكون من الجنابة وليس من البول، ومن المعلوم أن هناك فرقاً بين البول وبين المني، فالمني شيء والبول شيء آخر، فالذي يرى بولاً ولا يرى منياً، وهو من عادته أن يبول في فراشه، فهذا لا يلزمه الاغتسال.
مدى ثبوت أن كل واحد من السبعين ألفاً معه سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب
السؤال: هل ثبت أن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب يكون مع كل واحد منهم سبعون ألفاً؟الجواب: الله أعلم، لا أدري.

ترك الرقى والاكتواء طمعاً في الدخول مع السبعين ألفاً

السؤال: إذا كان الإنسان ممن يسترقي ويكتوي، وبعد ما علم بهذا الحديث ترك الاسترقاء والاكتواء؛ طمعاً في أن يدخل مع هؤلاء السبعين، فهل يمكنه ذلك؟الجواب: أقول: أمر ذلك إلى الله عز وجل، ومن المعلوم أن الإنسان إذا حصل له دخول الجنة إذا وفقه الله عز وجل لدخول الجنة فذلك مكسب عظيم، ومغنم كبير، سواءً كان مع السبعين ألفاً، أو بعد السبعين، المهم أن يحرص أن يكون من أهل الجنة، وذلك بالأعمال الصالحة، وإذا وفقه الله عز وجل بأن يكون من هؤلاء، بأن حرص على الأعمال التي يتصفون بها فلا شك أن هذا أكمل وأفضل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، هذه صفاتهم، فكون من فعل ذلك وتنبه بعد هذا وترك، فيرجى أن يكون من هؤلاء؛ لأن قول: (هم الذين لا يسترقون)، يعني: كأنه ليس من عادتهم، وليس من طبيعتهم.

إلحاق وصف المحادة لله ولرسوله بمرتكب الكبائر والصغائر

السؤال: من يعمل كبائر الذنوب أو صغائرها، هل يعتبر ممن حاد الله ورسوله؟ أم أن المحادة لله ورسوله لا تكون إلا بالكفر؟الجواب: المحادة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام هي في الغالب إنما تأتي في حق الكفار، لكن كما هو معلوم أن الوقوع في كبائر الذنوب أن فيها عدم التعظيم لله عز وجل، وعدم الاستحياء منه، وكذلك الصغائر إذا أصر عليها، وأما بدون الإصرار عليها، فالأمر يختلف؛ لأنها تكفرها الأعمال الصالحة، كما جاءت بذلك الأحاديث، وكما جاء بذلك القرآن: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، ففعل الحسنات مع اجتناب الكبائر تكفر معه الصغائر، ولكن الصغائر إذا أصر عليها فإنها تلتحق بالكبائر، كما جاء عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار) يعني: أن الكبيرة إذا حصلت من الإنسان، وتاب منها وندم وخجل، وصار يتذكر هذا الذنب الذي حصل منه فيتألم فإن هذه الكبيرة تتضاءل حتى تتلاشى وتضمحل، وعلى العكس من ذلك، لا صغيرة مع الإصرار، والصغيرة مع الإصرار تلتحق بالكبائر؛ لأنه يصحبها ويقترن بها من قلة الحياء من الله عز وجل وقلة المبالاة والمداومة على معصية الله سبحانه وتعالى، فهذا يلحقها بالكبائر، لكن المحادة لله عز وجل جاءت النصوص فيها الغالب في حق الكفار، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:20-21]. وفي أول السورة إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِين َ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5]، ولا أدري: هل يأتي في غير هذا المعنى؟ لكن كما هو معلوم أن حصول الكبائر وعدم الحياء منها فيه عدم التعظيم لله والاستهانة بأحكامه الشرعية، وعدم الخوف منه والوقوع في معاصيه.

بغض ومحبة أهل الكبائر

السؤال: من يرتكب الكبائر هل يحب أم يبغض؟الجواب: من يرتكب كبيرة أو يصر على صغيرة فإنه يبغض في الله؛ لأن الحب في الله والبغض في الله من أوثق الإيمان، كما جاء في الحديث: (ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، هو يحب في الله ويبغض في الله، ويحب أولياء الله؛ لأنهم أطاعوا الله عز وجل ورسوله، ويبغض الذين يعصون الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، الذين هم أهل الكفر وأهل الكبائر وأهل الصغائر التي يصرون عليها، ومن المعلوم أن الإنسان يجتمع فيه حب وبغض، فقد يكون محبوباً مبغوضاً في آن واحد؛ يكون محبوباً على ما عنده من الخير، ومبغوضاً على ما عنده من الشر، ولهذا كان أهل السنة والجماعة في أصحاب الكبائر وفي أحكامهم في الدنيا وسطاً، فهم لا يكفرونهم كما تفعل الخوارج، ولا يجعلونهم كاملي الإيمان كما تفعل المرجئة، وإنما يقولون: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، يحب على ما عنده من الإيمان، ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان.

سجود السهو بالنسبة لمن نسي الفاتحة ثم عاد إليها

السؤال: رجل كبر تكبيرة الإحرام، وبدل أن يقرأ الفاتحة شرع في السورة التي بعدها فنبهه المصلون، فعاد إلى الفاتحة، فهل عليه سجود السهو؟الجواب: نعم، عليه سجود السهو؛ لأنه حصل منه سهو في صلاته، حيث قرأ سورة قبل الفاتحة، مع أن الأصل أن غير الفاتحة يؤتى بها بعدها، فقد حصل منه سهو في صلاته، فعليه أن يسجد للسهو.

الفرق بين القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي

السؤال: نرجو من فضيلة الشيخ توضيح الفرق بين القرآن، والحديث القدسي، والحديث النبوي.الجواب: القرآن هو كلام الله عز وجل الذي تكلم به بحروفه ومعانيه وألفاظه، وهو الموجود في المصحف، من الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] إلى مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:6]، وهو متعبد بتلاوته، ومتعبد بالعمل به.وأما الحديث القدسي: فهو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مع إسناده الحديث إلى ربه سبحانه وتعالى، وذلك بأن يقول: قال الله تعالى كذا، أو يقول الصحابي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال كذا، فيضاف القول فيه إلى الله عز وجل، والضمائر ترجع فيه إلى الله عز وجل، كقول الله عز وجل: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، الضمير في (لي) يرجع إلى الله عز وجل، (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي)، (يا عبادي) هذا نداء من الله عز وجل، وخطاب لعباده، (إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً)، وهو كلام الله عز وجل في الأصل، الذي تكلم به، لكن هل نفس الحديث الذي رواه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه هو نفسه كلام الله، حروفه ومعانيه، أو أنه المعاني فقط؟ المضاف إلى الله المعاني فقط؛ لأنه علمنا بأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أضافه إلى الله عز وجل ما دخله رواية بمعنى، وأن هذا هو الكلام الذي سمعه جبريل من الله وسمعه محمد من رسول الله وسمعه الصحابة منه وسمعه من بعدهم كذلك، لكان هذا هو كلام الله عز وجل لفظه ومعناه، لكن حيث تدخل الرواية ووجود اختلاف الروايات في المعنى في هذا الباب لا يقال: إن ذلك كلام الله عز وجل بألفاظه، لأن كلاً يأتي بما أمكنه أن يأتي به، إما من اللفظ أو من حيث المعنى.يتحصل من ذلك أن الأحاديث القدسية المضافة إلى الله لا يتعبد بها في الصلاة، ولا يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بالقرآن.أما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: فهو أيضاً من عند الله عز وجل، وليس فيه إسناد الضمائر إلى الله سبحانه وتعالى، وإن كان مصدره من الله عز وجل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وكل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو وحي من الله عز وجل، فهذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يبين به ما أوحاه الله عز وجل إليه، لكن لا يقال: هذا هو كلام الله سبحانه وتعالى، وإنما الحديث القدسي فيه الضمائر ترجع إلى الله عز وجل، والمتكلم هو الله عز وجل، ولو ثبت أن اللفظ هو اللفظ الذي تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما دخله رواية بمعنى فإنه يقال: لفظه ومعناه من الله عز وجل، لكن يكون الفرق بينه وبين القرآن من حيث أن هذا يتعبد بتلاوته، وهذا لا يتعبد بتلاوته.

ما يلزم من ترك تكبيرة الإحرام

السؤال: إذا ترك المصلي تكبيرة الإحرام هل عليه الإعادة؟الجواب: نعم، عليه إعادة الصلاة، إذا كان قد فرغ من الصلاة وهو ما دخل في تكبيرة الإحرام، فيعتبر ما دخل في الصلاة؛ لأن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فالصلاة أقوال وأفعال مبتدئة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، فإذا ما وجدت البداية ولا وجد المدخل إلى الصلاة، فمعناه: أن الصلاة تحتاج إلى أن تعاد إذا كان قد فرغ منها.

علاقة مشابهة المولود لأحد والديه بغلبة الماء أو سبقه

السؤال: هل الشبه يكون بغلبة الماء أم بالسبق؟الجواب: والله ما أتذكر، ولكن الحديث ورد فيه ذكر الشبه وذكر السبق، وهنا في الحديث قال: (ومما يكون الشبه)، يعني: يكون الشبه، لكن هل يكون بسبق الماء أو بغلبته؟ ورد فيه أحاديث في هذا وفي هذا.

الاجتهاد في مسائل العقيدة

السؤال: فضيلة الشيخ! هل يسوغ الاجتهاد في مسائل العقيدة؟الشيخ: لا، لا يجتهد في أصول الدين، وليس فيه مجال للاجتهاد، وإنما الاجتهاد في الفروع التي يمكن للإنسان أن يجتهد فيها، وأما مسألة من مسائل العقيدة جاء فيها نص فنحن نثبته، ولكن بالنسبة في الأحكام الشرعية الفرعية النازلة تنزل، ولا بد لها من حكم يعرف، وهذا يكون بالاجتهاد، والاجتهاد لا يكون مع وجود النص؛ لأنه لا اجتهاد مع النص، لكن حيث لا نص يكون في المسألة اجتهاد، فينظر في النصوص والعمومات والقواعد الشرعية والقواعد الكلية التي يمكن أن تندرج تحت هذه المسألة؛ لأن الفهم في كتاب الله عز وجل، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالاستنباط، وبكون النص يحتمل، ويشتمل على هذا المعنى أو لا يشتمل، وهذا شيء تفاوت الناس فيه غاية التفاوت؛ لأن النص الواحد تعطيه لأشخاص كثيرين، وتقول لكل واحد: استخرج منه عشر فوائد، واحد يستخرج لك عشر فوائد أو يستخرج أكثر، وواحد يستخرج أقل، وواحد يستنبط ما لم يستنبط الآخر، والنص موجود أمام الجميع. إذاً: فالمسائل التي تنزل تستوعبها النصوص، ولكن لا على سبيل التنصيص بأن يقال: كل مسألة ينص عليها بلفظها، وإنما مثل ما يقال: الدخان جاء متأخراً، ما كان موجوداً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بعده، فالذي يريد دليلاً على هذا يحتاج إلى نص، تقول: الدخان حرام، والدخان ما كان موجوداً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن نصوص الشرع ونصوص الكتاب والسنة تشمله، ويندرج تحتها، يقول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]. فإذاً: هذا فيه إتلاف النفس، وقتل لها: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)، ينهى عن إضاعة المال، وهذا لفظ عام، وليس إضاعة مال فحسب، بل إضاعة مال في قتل، وإضاعة مال في مهلك، وهاجم للجسم وهاجم للصحة، فهو داخل في هذه العمومات، فالنوازل التي تنزل وتتسع لها نصوص الشريعة، يفهم ذلك من يفهمه. وابن حجر رحمه الله لما جاء عند حديث: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، الحديث جاء في ذكر اللسان، ما جاء في ذكر القول، ما قال: سلم المسلمون من قوله، بل قال: لسانه، لماذا عبر باللسان في الحديث ولم يعبر بكلمة القول، مع أنها تؤدي هذا المعنى؟ قال ابن حجر في الاستنباط من هذا الحديث: لأنه لو أتي بالقول لأمكن أن يخرج الإنسان لسانه ويستهزئ، فهو ما تكلم بشيء لكن يخرج لسانه ليستهزئ، فكلمة (لسانه) شملت حتى الاستهزاء باللسان، وهذا فهم، ليس الكل يتنبه لهذا. كذلك الحديث الذي فيه الصحابي الجليل الذي ضحى قبل الصلاة، وذبح أضحيته قبل الصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (شاتك شاة لحم)، كون قصده حسن ما عفاه عن ذبح غيرها، وما كان عمله مقبولاً، وأضحيته أضحية مقبولة، مع أن قصده طيب، قال: في هذا دليل على أن العمل إنما يعتبر بكونه وفقاً للسنة، ولا يكفي في ذلك حسن قصد الفاعل.

ابوالوليد المسلم 13-04-2019 07:42 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(66)

- (تابع باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل) إلى (باب الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة)

لقد ربط الشارع الحكيم وجوب الغسل على المحتلم بنزول المني؛ سواء كان المحتلم رجلاً أو امرأة، وفرق بين مني الرجل ومني المرأة في الأوصاف؛ فمني الرجل غليظ أبيض ومني المرأة رقيق أصفر، وأخبر أن شبه الولد يكون لسبق المني، فإذا سبق مني الرجل كان الشبه به، وإن سبق ماء المرأة كان الشبه بها.
تابع غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

شرح حديث أم سلمة في غسل المرأة إذا رأت الماء من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.أخبرنا شعيب بن يوسف حدثنا يحيى عن هشام أخبرني أبي عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن امرأةً قالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء، فضحكت أم سلمة، وقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيم يشبهها الولد)]. يقول النسائي رحمه الله: غسل المرأة إذا رأت في منامها ما يرى الرجل. هذه الترجمة سبق البدء بها في الحديث الماضي، وبقي من الأحاديث التي أوردها النسائي تحتها حديثان: أولهما: حديث أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: ( أن امرأةً قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء، فضحكت أم سلمة، وقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ففيم يكون الشبه ).هذا الحديث، حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها واضح في الدلالة على اغتسال المرأة إذا رأت في منامها أنها تجامع، وحصل منها الإنزال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد ذلك برؤية الماء، فقال: (نعم، إذا هي رأت الماء)، فدل هذا على أن الاغتسال من الجنابة التي سببها الاحتلام، وهي الجنابة الاضطرارية التي لا يملك الإنسان فيها شيئاً؛ الذي هو الاحتلام لازم، فإذا رؤي الماء بعد الاستيقاظ من النوم، والمراد بالماء: المني، فإن الغسل واجب، ولازم، ويفهم منه أنه إذا لم ير الماء، ولم يحصل ماء، ولا أثر للماء في الجسد والثوب، فإنه لا غسل؛ لأن الأمر منوط بوجود الماء ورؤيته.وفي هذا الحديث ما في الذي قبله من حرص الصحابيات على معرفة أمور دينهن، ولو كان ذلك في الأمور التي تستحي منها النساء، فإن الحياء لم يمنعهن من أن يتفقهن في دين الله عز وجل، بحيث تذكر المرأة ما يستحيا من ذكره، ولكن ذلك في سبيل معرفتها للحق، وفي سبيل معرفتها للحكم الشرعي الذي تتعبد الله تعالى به، فهو دال على حرص الصحابة والصحابيات على معرفة أمور الدين.وقد مهدت تلك المرأة لسؤالها بتمهيد، فقالت: (إن الله لا يستحي من الحق)، فهذا عذر مسبق لإقدامها على هذا السؤال الذي تستحي النساء غالباً من ذكره بحضرة الرجال، فقدمت بين يدي ذلك هذا التمهيد المشتمل على الاعتذار من كونها تسأل هذا السؤال، والحافز لها، والملجئ لها معرفة الحكم الشرعي؛ لتتعبد الله عز وجل به، ولتأخذ بما يأتي عن الشارع؛ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان جوابه عليه الصلاة والسلام لها بقوله: (نعم، إذا هي رأت الماء).فقوله: (إذا هي رأت الماء)، مع قوله: (نعم)، يعني: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ نعم؛ أي: عليها غسل، فكلمة (نعم) تعطي الجواب عن السؤال المسئول عنه، لكن لما كان الأمر مقيداً برؤية الماء، قال: (نعم، إذا هي رأت الماء)، فمنطوقه: أن وجوب الغسل من الجنابة التي حصلت عن طريق الاحتلام مقيد بحصول الماء الذي هو المني. فضحكت أم سلمة رضي الله تعالى عنها وقالت: (أو تحتلم المرأة؟)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ففيم يكون الشبه؟)؛ يعني: إذا كان يشبه أخواله، ويشبه أمه، ويشبه أقاربه من أمه، فإن ذلك سببه؛ أنه مخلوق من مائها، كما أنه مخلوق من ماء الرجل، فهو مخلوق من الماءين، ومن أجل ذلك صار يشبه أخواله، أو يشبه أعمامه، وهذا الجواب الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم استفهام فيه تقرير وتوضيح، وبيان للإجابة على السؤال عنه؛ يعني: فكونه قال: نعم تحتلم المرأة، وفيم يكون الشبه؟ أتى بشيء مشاهد معاين، قرر به الجواب على هذا السؤال، فهو دليل واضح، وماثل للعيان؛ أي: الشبه الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، والشبه بالأم دليل على أن لها ماءً، يخرج منها مثلما يخرج من الرجل.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في غسل المرأة إذا رأت الماء من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا شعيب بن يوسف].هو شعيب بن يوسف النسائي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، وهو من شيوخ النسائي، ومن أهل بلده؛ يعني: كل منهما ينسب إلى نساء.[حدثنا يحيى].ويحيى هو ابن سعيد القطان الإمام، المشهور، الحجة، الثقة، العارف بالجرح والتعديل، الذي ذكر عنه الذهبي أنه فيمن يعتمد قوله في الجرح والتعديل، وذكر عدداً كبيراً من العلماء ممن يعتمد على قولهم في الجرح والتعديل، ومنهم يحيى بن سعيد القطان وقال عنه: إذا اتفق يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي على جرح رجل فهو لا يكاد يندمل جرحه؛ يعني: أنهما قد أصابا الهدف، فصار قولهما معتمداً لا يعدل عنه وهو من الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن هشام]. وهو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو تابعي ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني أبي]. وأبوه هو عروة بن الزبير التابعي الجليل، أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن زينب بنت أم سلمة]. وهي زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. [عن أم سلمة]. وهي أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، خرج حديثها أصحاب الكتب الستة.إذاً: فهذا الإسناد كل رواته خرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي فلم يخرج له إلا النسائي، أما الباقون وهم: يحيى بن سعيد القطان، وهشام بن عروة، وعروة، وزينب بنت أم سلمة، وأم سلمة، فهؤلاء الخمسة حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.وفي هذا الإسناد رواية صحابية عن صحابية؛ لأن زينب بنت أم سلمة صحابية، وفيه رواية بنت عن أمها؛ لأن زينب بنت أم سلمة تروي عن أمها أم سلمة. ورواية هشام بن عروة فيه رواية تابعي عن تابعي، ورواية ابن عن أب؛ لأن هشام وعروة تابعيان، وأم سلمة وبنتها صحابيتان.

شرح حديث خولة بنت حكيم في غسل المرأة إذا رأت الماء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن شعبة قال: سمعت عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها أنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم في منامها؟ فقال: إذا رأت الماء، فلتغتسل)].أورد النسائي حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها: (أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم في منامها؟ فقال: إذا رأت الماء، فلتغتسل)، وهو بمعنى الحديث الذي قبله؛ لأنه كله سؤال عن احتلام من المرأة أو من النساء، والجواب فيه الأمر بالاغتسال عند وجود الماء، وعند رؤية الماء الذي هو المني بعد الاستيقاظ، فهو دال على ما دل عليه الذي قبله. وفي هذا الحديث أن خولة هي التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث مضى أن أم سليم سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي بعض الروايات إبهام السائلة، ويمكن أن يكون إحدى هاتين المرأتين هي المقصودة في رواية في حالة الإبهام، ويحتمل أن يكون غيرهما، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم فيهما أن الحكم هو الاغتسال عند رؤية الماء.

تراجم رجال إسناد حديث خولة بنت حكيم في غسل المرأة إذا رأت الماء

قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].ويوسف بن سعيد هذا ثقة، وهو من شيوخ النسائي، خرج له النسائي وحده.[حدثنا حجاج]. وهو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن شعبة]. وهو شعبة بن الحجاج أحد الثقات، الأثبات، والذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أمراء المؤمنين في الحديث، وهذا الوصف -كما ذكرت سابقاً- من أعلى صيغ التعديل، وأرفع صيغ التعديل؛ لأن التعديل له صيغ من أعلاها الوصف بأمير المؤمنين في الحديث، وكذلك قولهم: فلان أثبت الناس، وفلان إليه المنتهى في التثبت، فهذه تعتبر من أعلى الصيغ في التعديل، ويقابلها صيغ التجريح أن يقال: هو ركن الكذب، وما إلى ذلك من العبارات الدالة على شدة الجرح، وعلى عظمه. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [سمعت عطاء الخراساني]. وهو: عطاء بن أبي مسلم الخراساني، وأبوه اسمه: ميسرة، وهو صدوق، كثير الوهم، ويرسل ويدلس، وحديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن سعيد بن المسيب]. وهو سعيد بن المسيب، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين يأتي ذكرهم كثيراً في أسانيد الأحاديث، وهو أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن خولة].وهي خولة بنت حكيم، وهي صحابية، مشهورة، روت عن الرسول صلى الله عليه وسلم خمسة عشر حديثاً، وقد روى لها مسلم حديثاً واحداً من هذه الخمسة عشر حديثاً، وخرج حديثها البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج لها أبو داود، ولم يخرج لها البخاري في كتابه الصحيح.وهذا الإسناد كما هو معلوم وجد له طرق وشواهد، فلا يؤثر ذلك فيه، وإنما يؤثر فيما إذا كان الحديث لم يأت إلا من طريق واحد.
الذي يحتلم ولا يرى الماء

شرح حديث: (الماء من الماء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الذي يحتلم ولا يرى الماء.أخبرنا عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن عمرو عن عبد الرحمن بن السائب عن عبد الرحمن بن سعاد عن أبي أيوب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الماء من الماء)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: الذي يحتلم ولا يرى ماءً؛ يعني: أن الذي يحتلم ولا يرى ماء فإنه ليس عليه الغسل؛ لأن الترجمة السابقة فيها الاغتسال عند حصول الاحتلام ورؤية الماء، وأن الاغتسال قيد برؤية الماء، وهنا الترجمة عندما يوجد احتلام، ولا يرى ماء، فإنه لا يكون عليه غسل، والذي يفهم من الأحاديث السابقة؛ وهو المحتلم عندما يرى ماءً مفهومه أن من احتلم، ولم ير ماءً أنه لا غسل عليه، وهذه الترجمة هي بهذا الموضوع، وقد أورد فيه حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الماء من الماء)، و(الماء)، الذي هو الاغتسال، و(من الماء) الذي هو المني؛ لأن الماء الأول غير الماء الثاني، والأول سببه الثاني؛ يعني: سبب الماء الأول الذي هو الاغتسال الماء الثاني الذي هو الإنزال. إنزال الماء؛ الذي هو المني، فقوله صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء) يدل على ما دل عليه الذي قبله أنه عند وجود الماء من الإنسان رجل أو امرأة -سواءً كان عن طريق جماع في اليقظة، أو عن طريق منام- فإنه لا بد من الاغتسال، وليس الأمر مقيداً بوجود الماء الذي هو المني في حال اليقظة، بل الأمر كما عرفنا سابقاً أنه عند التقاء الختانين يتعين الغسل، وإن لم يحصل إنزال، لكن إذا صار هناك مداعبة وملاعبة، ولم يكن هناك إيلاج، ولم يحصل التقاء الختانين، فإنه لا اغتسال إلا مع إنزال، وكذلك في المنام لا اغتسال إلا مع إنزال، ولكن في هذه الحالة التي دلت عليها الأحاديث السابقة، وهي (إذا جلس بين شعبها، ثم جهدها فقد وجب الغسل)؛ يعني: هذا يدل على أنه وإن لم يوجد إنزال.وقوله صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء) فيه نوع من البلاغة يقال له: الجناس، وهو اتفاق اللفظين ومعناهما مختلف؛ لأن هنا (الماء) اللفظ واحد، ولكن المعنى مختلف؛ فالماء الأول: هو الماء المعروف الذي يتطهر به، والماء الثاني: هو المني الذي هو سببُ الاغتسال، فهذا يسمى في علم البلاغة: جناس، مثل قوله تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَة [الروم:55]، (الساعة) التي هي نهاية الدنيا (ما لبثوا غير ساعة)؛ يعني: في الدنيا ما لبثوا إلا ساعة من الزمان، فهذا يقال له: جناس. فإذاً: الحديث دال على ما ترجم له من جهة أنه إذا لم يوجد ماء في المنام فإنه لا غسل، ويدل عليه أيضاً التقييد في الأحاديث السابقة حيث قال: (نعم، إذا رأت الماء)، فكلمة: (إذا رأت الماء) معناه: إذا لم يوجد ماء فإنه لا غسل.

تراجم رجال إسناد حديث: (الماء من الماء)

قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء]. عبد الجبار بن العلاء هذا سبق أن مر، وهو ثقة، قال الحافظ: لا بأس به. وخرج له مسلم، والنسائي، والترمذي.[عن سفيان]. هو: ابن عيينة، هنا مهمل، وليس مبهماً؛ لأن المبهم غير هذا، فالمبهم مثل أن يقال: رجل، وعن رجل، فهذا مبهم، ولكن إذا كان الشخص مذكوراً اسمه، ولكن لم يذكر نسبه، وهو يحتمل أشخاصاً، فيقال له: مهمل في علم المصطلح؛ يعني: مهمل النسبة، هنا جاء في الإسناد مهملاً، ولكنه جاء في سنن ابن ماجه مسمى، قال ابن ماجه: حدثنا سفيان بن عيينة فجاءت تسميته وتعيينه، ونسبته في سنن ابن ماجه ، فعرف أنه ابن عيينة، وأنه ليس الثوري. ومعلوم فيما مضى أن سفيان بن عيينة ثقة، إمام، حجة، عابد، وأنه ممن خرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو]. وهنا عمرو ولم ينسبه، فهو مهمل أيضاً، ولكنه نسب في سنن ابن ماجه ، وذكر اسمه واسم أبيه، وهو: عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن السائب]. و عبد الرحمن بن السائب يقال له: ابن السائب، ويقال: ابن السائبة، وقد خرج له النسائي، وابن ماجه، وهو مقبول كما قال الحافظ ابن حجر، وهذا الحديث هو الحديث الوحيد له في هذين الكتابين.[عن عبد الرحمن بن سعاد]. وكذلك شيخه عبد الرحمن بن سعاد أيضاً ليس له في الكتب إلا هذا الحديث الواحد. وعبد الرحمن بن السائب، وعبد الرحمن بن سعاد كل منهما قال عنه في التقريب: مقبول، وكل منهما خرج له النسائي، وابن ماجه .[عن أبي أيوب]. وهو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل ممن تقدم إسلامه، وهو الذي نزل عنده الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً، نزل في دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه كما جاء ذلك مبيناً في صحيح مسلم وغيره.


يتبع

ابوالوليد المسلم 13-04-2019 07:43 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(66)



الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة

شرح حديث أنس في التفريق بين ماء الرجل وماء المرأة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبدة حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما سبق كان الشبه)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الفصل بين ماء الرجل، وماء المرأة. وأورد فيها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما سبق كان الشبه)؛ يعني: إذا سبق ماء الرجل كان الشبه له، وإذا سبق ماء المرأة كان الشبه لها، ولقرابتها. وهذا الحديث مطابق للترجمة؛ لأن الترجمة الفصل بين ماء الرجل، وماء المرأة؛ يعني: التمييز بينهما من حيث الوصف، ومن حيث الصفات، فهذا الحديث فيه تمييز بين الماءين؛ حيث وصف ماء الرجل بوصفين: من جهة اللون، ومن جهة الغلظ والرقة، فماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، وإذا سبق هذا كان له الشبه، وإذا سبق ذاك كان له الشبه. إذاً: فهذا بيان من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن صفة ولون ماء الرجل وماء المرأة، وأنهما يلتقيان، وأنه يكون الولد من الماءين، وأن الشبه يكون للسابق منهما.وقد اختلف في المراد بالسبق، فقيل: أن السبق بالإنزال، وقيل: إن السبق بالغلبة والكثرة، ففسر بتفسيرين: إما سبق بحصول الإنزال من أحدهما قبل الآخر، أو بحصول الغلبة من أحدهما للآخر، وعند ذلك يكون الشبه، إما لهذا أو لهذا، والذي هو السبق بالإنزال، أو السبق بالغلبة والكثرة. وتقدم هذا الإسناد قبل أربعة أحاديث أو خمسة أحاديث في الحديث رقم مائة وخمسة وتسعين.

تراجم رجال إسناد حديث أنس في التفريق بين ماء الرجل وماء المرأة

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بن راهويه ، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .[أنبأنا عبدة]. وهو عبدة بن سليمان الكلابي، وهو ثقة، ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سعيد]. وهو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن قتادة]. وهو قتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أنس]. أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو الصحابي الجليل أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة

تصحيف اسم شعيب بن يوسف بدل ابن يوسف شيخ النسائي في بعض النسخ
السؤال: في بعض النسخ: شعيب بن يونس بدل ابن يوسف، فهل هذا صحيح؟الجواب: لا، والصواب هو شعيب بن يوسف، وشعيب بن يوسف هذا هو شيخ النسائي.

احتلام أمهات المؤمنين

السؤال: هل حصل من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن احتلام؟ وهل يليق بهن ذلك؟ الجواب: لا ندري هل حصل لأمهات المؤمنين احتلام أو لم يحصل؟ وإذا كان الاحتلام يقع من الشيطان فقد لا يحصل لهن ذلك، وإن كان الاحتلام يحصل من قوة الشهوة، وأنه يحصل في المنام ما يحصل به تخفيف هذه القوة عن طريق خروج الماء بهذا الذي يراه النائم في منامه فهذا يمكن أن يكون في حقهن، كما يمكن أن يكون في حق الأنبياء، كما قال ذلك بعض العلماء، وقد أشرت إليه سابقاً عند الحديث الذي تقدم، حيث تقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام)، وذكرت هناك أن بعض العلماء قال: إنه إذا كان الاحتلام من طريق تلاعب الشيطان فلا سبيل للشيطان على رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وإن كان ليس عن طريق الشيطان، وليس من تلاعب الشيطان، وإنما هي قوة تكون في الشخص يحصل خروج شيء منه في المنام، ويفيض في المنام، فهذا يتصور حصوله، ويمكن أن يحصل، وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن لا نعلم شيئاً عن حصول الاحتلام منهن، بل إن عائشة استغربت، وتعجبت من حصول ذلك، وأم سلمة أيضاً كذلك تعجبت وقالت: أو تحتلم المرأة؟

علاقة الرافضة بطوائف الإسلام

السؤال: هل الرافضة تعد من إحدى طوائف المسلمين؟ الجواب: ذكر بعض العلماء أن الجهمية والرافضة لا يعدون من الثلاث والسبعين فرقة، ولا شك أن من يعتقد أموراً معروفة في كتب الرافضة مثل اعتقاد أن الأئمة الاثني عشر أفضل من الأنبياء، والمرسلين، والملائكة المقربين فهو كافر، ليس من المسلمين، وكذلك من يقول: إن الأئمة عندهم الكتب المنزلة على الأنبياء والمرسلين كلها من أولها إلى آخرها، وأنهم يعرفونها بلغاتها، فهذا كلام لا يقوله عاقل يعي ما يقول، وكذلك أمور أخرى هي من هذا القبيل، فمن يعتقد مثل هذا الاعتقاد لا شك في كفره.وعلى كل فالعلم عند الله عز وجل، نحن نقول: من يعتقد هذا الكلام فهو كافر.

مدى صحة حكم الإمام أحمد في الأئمة مالك والشافعي وأبي حنيفة

السؤال: قيل: إن الإمام أحمد سئل عن الإمام أبي حنيفة فقال: فقه لا حديث، وعن الإمام مالك فقال: حديث بلا فقه، وعن الإمام الشافعي فقال: حديث وفقه، فما صحة هذه المقولة؟ الجواب: هذه المقولة لا أعرف عنها شيئاً، ولكن كونه يقول عن الإمام مالك: حديث بلا فقه، فهذا ما أظنه يستقيم، بل الإمام مالك محدث وفقيه، وأما أبو حنيفة، فهو فقيه بلا شك، وأحاديثه قليل، ومنزلته عند المحدثين ليست قريبة، ولا نسبة بينها وبين الأئمة الباقين، فهو عندهم فقيه، مشهور، فالعبارة قد يشم منها أنها ليست بسليمة.

قيام المسبوق في الصلاة لقضاء ما فاته قبل تسليم الإمام التسليمة الثانية

السؤال: رأيت كثيراً من الناس يقومون بعد التسليمة الأولى لقضاء حوائجهم، فما نصيحتكم لهذا الأمر؟ لعله يخرج خلف الإمام.الجواب: حوائجهم؛ يعني: الفوائت، فالذي ينبغي للإنسان أن لا يقوم إلا بعد سلام الإمام التسليمة الثانية، فهذا هو الأحوط وهو الأولى، وإن كان بعض العلماء قال: إن الخروج من الصلاة بعد التسليمة الأولى فقط، ولكن من العلماء من قال: إن التسليمتين من أركان الصلاة، ولا شك أن من تمهل، وانتظر حتى يسلم الإمام من التسليمة الثانية، فلا شك أن هذا قد أخذ بالاحتياط، وفعل ما فيه السلامة، وفيه الاطمئنان.

مرتبة تدليس قتادة بن دعامة السدوسي

السؤال: تدليس قتادة بن دعامة السدوسي هل هو من النوع الفاحش؟ فقد ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين؟ وهل نحتاج إلى تصحيحه بالتحديث؟ الجواب: ما أدري عن منزلة تدليس قتادة، ولكن قتادة لا شك أنه معروف بالتدليس، لكن إذا كان الراوي عنه شعبة فهو مأمون تدليسه؛ لأن شعبة معروف عنه أنه لا يروي عن شيوخ المدلسين إلا ما كان من سماعهم، وما كان مسموعاً له.

تقديم صوم الفرض على صوم النفل

السؤال: يا شيخ! إذا كان على الإنسان قضاء صوم الفرض، هل يصوم النفل ويؤجل الفرض، مع ذكر الدليل؟ الجواب: الإنسان إذا كان عليه صوم فرض يبدأ به قبل النفل، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ ممن افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه). والفرض دين، وأما النفل فهو على اسمه؛ نفل؛ زيادة، ومن المعلوم أن الدين مقدم على غيره في القضاء، ولكن إذا جاءت مناسبة، وأراد الإنسان ألا تفوت هذه المناسبة فيمكن أن يصوم الإنسان هذه المناسبة على أنها فرض مثل يوم عرفة، فإذا كان إنسان عليه قضاء من رمضان، وجاء يوم عرفة -وهو يوم له فضل، وهو أفضل صيام التطوع- فيصومه، ولكن بنية الفرض، فيدرك بذلك أداء الواجب، ويدرك بذلك أيضاً كونه يشارك الصيام في هذا اليوم المفضل الذي له ميزة على غيره، وله فضل على غيره، وأما أن يتنفل وعليه دين فلا، بل يؤدي الواجب أول، ثم يتنفل، ومن ذلك صيام ست من شوال، فالإنسان إذا كان عليه صيام من رمضان، ويريد أن يصوم ستاً من شوال، فيبدأ أولاً بالفرض الذي عليه، ثم يصوم الست النافلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) فهذا الذي بقي عليه يوم من رمضان لا يقال: إنه صام رمضان، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)، والذي عليه قضاءً من رمضان لا يقال له: إنه صام رمضان. فإذاً يبدأ بالفرض أولاً، ثم يأتي بالنوافل بعد ذلك، وكما قلت: إذا كان هنالك مناسبة مثل يوم عاشوراء ويوم قبله ويوم بعده، ويوم عرفة أو التسع الأولى من ذي الحجة، فإن الإنسان ينوي الفرض كما جاء ذلك بالسنة المطهرة. ولو خشي فوات الست من شوال فعليه أن يصوم الفرض، وإن فاتته الست.

تخصيص فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بفعل الصحابة

السؤال: هل فعل الصحابة يخصص فعل الرسول صلى الله عليه وسلم العام؟ مع ذكر المثال على ذلك. الجواب: لا شك أن إجماع الصحابة على فعل من الأفعال يمكن أن يخصص به؛ لأن الإجماع لا يكون إلا عن نص، سواءً عُلم النص أو لم يعلم، لكن إذا كان قول صحابي واحد، سواءً خالفه غيره أو لم يخالفه غيره، فإن الحديث باق على عمومه، وفعل صحابي واحد في حالة من الأحوال على خلاف ما هو معروف من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخصصه. ومن أمثلة ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعفي لحيته، ولا يأخذ منها شيئاً، وكان يتركها -والحديث الذي ورد في سنن الترمذي: (أنه كان يأخذ من عرضها وطولها) فهذا غير ثابت؛ لأن في سنده عمر بن هارون البلخي وهو ضعيف لا يحتج بحديثه- وقد جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يأخذ ما زاد على القبضة عند الفراغ من النسك، فلا يقال: إن فعله هذا مخصص لما عرف من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مداومته وملازمته، وعدم تعرضه للحيته، فالحق هو الأخذ بما جاء عنه من الفعل المستديم منه صلى الله عليه وسلم، ولا يؤخذ بقول أو بفعل هذا الصحابي الذي فعله في بعض أحواله رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

الطريقة المثلى لحفظ الرجال والأسانيد

السؤال: ما هي الطريقة المثلى لحفظ الرجال؟ الجواب: الطريقة المثلى في حفظ الرجال هي: المراس، والمعايشة، وكثرة المراجعة؛ يعني: مثل عملنا الآن يتكرر علينا أسماء الرجال كثيراً، فعرفنا عدة رجال من حيث إنهم -طبقتهم- في أعلى الإسناد، أو في أول الإسناد، أو في آخر الإسناد، أو في وسط الإسناد، وكذلك كونهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة، أو إلا فلان، أو ما إلى ذلك، فهذه الطريقة هي التي بها يمكن معرفة الرجال، وكثرة المراس، وكثرة العمل فيما يتعلق بالمراجعة عند ذكر الأحاديث، ومعرفة درجتها، ومعرفة رجالها، فهذه هي الطريقة المثلى التي يمكن للإنسان أن يعرف بها الرجال، والاطلاع على التراجم بمناسبة مجيء ذكره في الأحاديث، لا سيما إذا حصل التكرار، فإنه مع كثرة التكرار يثبت الشيء، وهو كما يقولون: إن الحجر يمكن أن يؤثر فيه الشيء اللين، وكانوا فيما مضى يستعملون السواني، وكان الرش أحياناً يكون من أشياء رقيقة، وعندما يكثر مروره على الحجر، وهو لين يخرق الحجر، ويؤثر فيه وهو لين، والحجر صلب قاس، ولكن مع كثرة المراس يحصل هذا الشيء، فكذلك هنا مع كثرة المراجعة وكثرة المراس يحصل معرفة الأشخاص. الآن مر بنا أشخاص كثيرون، لو مثلاً: سألنا عنهم الآن وقلنا: فلان ما هي درجته؟ ومن خرج له؟ فيمكن نجد الجواب عند الكثيرين، أو عند الكل إن شاء الله. فمثلاً: قتيبة بن سعيد، ما أكثر ما مر علينا! قتيبة بن سعيد، وعرفنا أنه ثقة، ثبت، وأنه من رجال الجماعة، وإسحاق بن إبراهيم مر علينا كثيراً وهو ثقة، ثبت، وهو من رجال الجماعة إلا ابن ماجه ، وشعبة بن الحجاج مر علينا كثيراً، أمير المؤمنين في الحديث، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وطبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة، وطبقة شيوخ شيوخهم، وطبقة الوسط، ومن فوقهم، وطبقة التابعين، وطبقة كبار التابعين، وطبقة الصحابة، وهكذا، فهذه الطريقة هي التي بها يحصل تثبيت المعلومات فيما يتعلق في معرفة الرجال.

حكم مراسلة الخاطب خطيبته

السؤال: ما حكم مراسلة الخاطب لخطيبته، أو مكالمتها عن طريق الهاتف؟ الجواب: ما يصلح للإنسان أن يكون على صلة بخطيبته إلا بعد العقد، فإذا وجد العقد وتم، فعند ذلك يمكن معه كل شيء، وأما قبل حصول ذلك فإنه قد يحصل تباعد وعدم اتفاق، ويمكن أن يتخذ ذلك بعض اللاعبين من قبيل الاحتيال، فيكون في ذلك مجال لتلاعب المتلاعبين، فالذي ينبغي ألا يفعل شيئاً من هذا إلا بعد تمام العقد.

الاحتلام في ليل رمضان وتأخير الاغتسال حتى طلوع الفجر

السؤال: في يوم من أيام رمضان الماضي -تقبل الله منا ومنكم صيامه وقيامه- قمت من النوم محتلماً، وقد خرج الماء، ثم عصرت ذكري لكي أخرج ما فيه من الماء، وبعد ذلك ذهبت أفكر في الحلم وفي أشياء لم تكن في الحلم، ثم عصرت ذكري مرةً أخرى فخرج ماءً لم يخرج في المرة الأولى، فما أدري هل الماء الذي خرج متأخراً هو من الاحتلام، أو من جراء التفكير وبسببه؟ فما حكم الشرع في صيامي هذا؟ وهل عليّ قضاء؟ الجواب: عرفنا أن الإنسان إذا احتلم أو جامع، ثم نام وأصبح جنباً أن صيامه صحيح وعليه أن يغتسل، وإنما الممنوع أن يحصل الجماع والإنزال، أو معالجة الإنزال بعد طلوع الفجر، وأما أن يحصل جماع في الليل، ثم يتأخر الاغتسال حتى يدخل الفجر فيمكن الإنسان أن يدخل في الصيام وعليه جنابة كما جاء في الحديث الذي مر: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام، ويستمر على صيامه )، فدل ذلك على أن حصول الجنابة قبل وقت الصيام، ومجيء وقت الصيام وهو لم يغتسل أن ذلك لا يؤثر فيها، وكونه عندما جاء يغتسل عصر ذكره وأخرج أشياء بقيت فيه، فهذا لا يؤثر شيئاً، وهذه المعالجة التي حصلت منه، وخروج شيء بقي فهذا ليس فيه شيء، ولا يؤثر في صيامه، وإنما عليه الغسل. وأما إذا كان حصل معالجة، وحصل إنزال جديد، وحصل دفق، فهذا من ملامسة يده، أو من تحريك يده، فيكون بذلك كناكح يده الذي يمني بهذا العمل، فهذا كما هو معلوم عمل سيئ، ويفسد الصيام.

دخول الدخان إلى جوف الصائم بغير اختيار

السؤال: أنه كان قريباً من نار مشتعلة، فدخل الدخان في حلقه، فهل يؤثر على صيامه؟ الجواب: دخول الدخان في حلقه، وهو لم يقصد ذلك، ولم يتعمد ذلك لا يؤثر على صيامه شيئاً، وإنما على الإنسان أن يبتعد ويحترز، وإذا حصل شيء من غير اختياره ومن غير إرادته فلا شيء عليه في ذلك.

الاستدلال بقول النبي: (طوقه من سبع أراضين) على تلاصق السبع الأراضين)

السؤال: كيف يستدل بقوله عليه الصلاة والسلام: (من ظلم شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أراضين)، على أن الأرضين السبع متلاصقة وليس بينهما شيء؟ الجواب: نعم، الحديث واضح الدلالة على أن الأرضين السبع متلاصقة، وليست كل أرض بينها وبين الأرض التي فوقها مسافة وفيها سكان، ليس هناك شيء يدل على هذا، وإنما ورد فيه حديث ضعيف، قال عنه بعض العلماء: إسناده واه، يقول: إن فيها آدم كآدم، وموسى كموسى، وكذا كل أرض فيها كذا، وهذا ليس بصحيح، ولكن الصحيح هو هذا الحديث الذي رواه البخاري، ومسلم في صحيحيهما: (من ظلم شبراً من الأرض طوقه من سبع أراضين يوم القيامة)، فهذا دليل على أنها متلاصقة؛ لأنها لو كل أرض لها سكان لكان الجماعة التي تحت الأرض التي تحتهم هي التي يكون الظلم منهم عليها، لكن لما كان الإنسان عندما يظلم شبراً من الأرض يحمل سبع أراضين؛ هذه القطعة تجعل على كتفه يوم القيامة؛ معناه: أنها متلاصقة؛ لأنه لو لم تكن متلاصقة لم يجعل على كتفه إلا طبقة الأرض العالية الأولى، فلما جاء: ( طوق من سبع أراضين ) عرف بأنها متلاصقة؛ لأن من ظلم شبراً إلى أسفل شيء كله يأتي على رقبته يحمله يوم القيامة، فهذا دليل واضح على أنها متلاصقة؛ لأنه لو كان كل أرض لها سكان، وفيها عالم غير العالم الموجود هذا، لكان كلٌ مسئول عن الذي تحته من الأرض، (من ظلم شبراً)، يعني: مقدار الأرض التي هو فيها، ثم الأرض التي تحت الجماعة يصير ظلماً يحملونه على أعناقهم إذا كانوا ظالمين.

التفريق بين المني، والإفرازات، والالتهابات عند المرأة

السؤال: الحديث الذي مر بنا: (نعم، إذا هي رأت الماء فلتغتسل)، فهناك عند أهل الطب إشكال في فهم الحديث، فإن ماء المرأة الذي ينزل عند الشهوة لا يمكن التفريق بينه وبين الإفرازات بسبب المرض والالتهابات وما يحدث عند الحمل، فما الحل يا ترى؟ الجواب: معلوم أنها إذا رأت في المنام إفرازات وهي حامل، فهذا لا يقال: إنه جنابة، ولكن إذا كانت رأت في المنام حصول جماع، ثم قامت، ووجدت ذلك الماء فهذا هو الذي يكون منه اغتسال، وأما إذا كانت حامل ولا رأت أنه حصل جماع وإنما قامت ووجدت هذا الماء الذي يكون نتيجة الحمل أو ما إلى ذلك فهذا لا يلزم معه اغتسال.

تقديم قول النبي على قول الأطباء في وصف ماء المرأة

السؤال: حديث: (ماء المرأة رقيق أصفر) حول فهمه إشكال آخر؛ لأن الأطباء عندهم بالإجماع أن لون ماء المرأة بسبب الشهوة أبيض شفاف، فما رأي فضيلتكم؟ الجواب: معلوم أن ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام هو الحق، وهو طبيب القلوب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو الذي جاء بالحق والهدى، وهو لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، فما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق وصدق، وإذا كان الأطباء اكتشفوا أن بعض النساء تكون كذلك، فيكون هذا نادراً، أما أن يقال: إن النساء كلهن ليس فيهن هذا الوصف الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فلا، بل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق، وهو الصدق، وهو لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.

مدى صحة القول بأن الجن يسكنون تحت الأرض

السؤال: هل صحيح ما يقال من أن الجن يسكنون تحت الأرض؟ وأن عندهم مثل ما عند الإنس فوق الأرض؟ الجواب: كون الجن يسكنون تحت الأرض فالله تعالى أعلم، لكن هم يسكنون كما هو معلوم على وجه الأرض، وهم يروننا ولا نراهم، ويكونون حولنا، ولا نعرف عنهم شيئاً، كما قال الله عز وجل: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]. والله تعالى أعلم.

رأي بعض الأطباء في حديث (ماء المرأة أصفر)

السؤال: قال بعض الأطباء: إن كلام النبي صلى الله عليه وسلم في أن الماء أصفر ليس الذي يخرج مع الشهوة، إنما هو يكون في المبيض، أي أنه عبارة عن بويضة صغيرة، فإذا جاء عليه الحيوان المنوي خرج بإذن الله عز وجل كما قاله صلى الله عليه وسلم.الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن بأن هذا الماء الأصفر يكون منه الولد، وهو يكون بسببه الشبه، ولهذا قال: (إن ماء الرجل كذا، فأيهما سبق صاحبه كان الشبه له).والمني ما يخرج إلا مع الشهوة، فإذا كان هناك ماءان ينزلان، فهذا شيء آخر ما ندري عنه، لكن الذي يكون منه الشبه والذي جاء في الحديث هو هذا الماء الأصفر الذي ميزه عن ماء الرجل.

ابوالوليد المسلم 13-04-2019 07:44 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(67)


- باب ذكر الاغتسال من الحيض

يجب الاغتسال من الحيض، أما المستحاضة فقد جاءت أحاديث كثيرة تبين أنها لا تترك الصلاة، وإنما يجب عليها أن تغتسل بعد انتهاء أيام قرئها ثم تشد على فرجها بخرقة ثم تتوضأ وتصلي.
ذكر الاغتسال من الحيض

شرح حديث فاطمة بنت قيس في الاغتسال من الحيض
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاغتسال من الحيض.أخبرنا عمران بن يزيد أخبرنا إسماعيل بن عبد الله العدوي حدثنا الأوزاعي حدثنا يحيى بن سعيد حدثني هشام بن عروة عن عروة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها من بني أسد قريش: (أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أنها تستحاض، فزعمت أنه قال لها: إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلي)].يقول النسائي رحمه الله: ذكر الاغتسال من الحيض. سبق أن تقدم للنسائي ترجمة عامة؛ وهي قوله: ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، وأتى بأشياء ذكر منها هنا في هذه الترجمة أن مما يوجب الغسل هو: انقطاع الحيض. وقد أورد النسائي رحمه الله تعالى في هذا عدة أحاديث، وهذه الأحاديث تتعلق بمستحاضات؛ يعني: أنهن يخرج منهن الدم دائماً في أوقات مستمرة، وبعض هذه الأوقات التي يخرج منها الدم يكون الخارج حيضاً، وفي غير مدة العادة يكون الخارج استحاضة. والاستحاضة هي: الدم الذي يسيل من رحم الأنثى في غير أوقاته المعتادة؛ يعني: في غير أوقات الحيض؛ لأنه إذا كان الخروج في الأوقات المعتادة -التي هي عادة المرأة- فإنه يكون حيضاً ولا يكون استحاضة. ومن المعلوم: أن هناك فرقاً بين الحيض والاستحاضة؛ فالحيض يمنع الصلاة، ويمنع الصيام، ويمنع الجماع، والاستحاضة لا تمنع ذلك، فيمكن معها الصيام، والصلاة، والجماع.فـالنسا� �ي أورد عدة أحاديث تتعلق بالمستحاضات، وفيها أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرهن بأن يعرفن عادة الحيض، ويتركن الصلاة خلالها، وإذا انقضت العدة، وذهبت المدة التي هي مدة الحيض، فإنها تغتسل من الحيض وتصلي؛ يعني: أن تركها للصلاة في حال حيضها هذا أمر لازم، ولكن إذا انتهى الحيض وحصل الاغتسال منه، فإن الصلاة يلزم الإتيان بها، ولو كان الدم سائلاً فيما هو زائد عن الحيض، الذي هو في مدة الاستحاضة، ووقت الاستحاضة.قوله: (ثم اغسلي عنك الدم وصلي)، قيل: أن قوله: (اغسلي عنك الدم) المراد منه: أنها تغسل الدم عن جسدها وفرجها، وما كان تلوث منها، وتغتسل مع ذلك، وتصلي، وقيل: إن المراد بغسل الدم هو: الاغتسال. ولكن كما هو معلوم: لا بد من غسل الدم، وإزالة النجاسة التي صارت بسبب الحيض، والتي نتجت عن الحيض، والاغتسال لا بد منه؛ لأنه واجب ومتحتم، وهو من الأغسال الواجبة التي لا بد منها، فهذه المرأة -وهي: فاطمة بنت قيس- كانت مستحاضة فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما حصل لها؟ فقال لها عليه الصلاة والسلام: (إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا انتهت فاغسلي عنك الدم وصلي)، والمقصود من إيراد الحديث هنا: الاغتسال من الحيض، وذلك بعد أن تنتهي مدة الحيض، وتعود إلى الصلاة، ولو كان دم الاستحاضة مستمراً معها؛ لأن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة. وهناك فروق بين دم الحيض ودم الاستحاضة تعرفها النساء؛ منها: اللون، ومنها: الرائحة، ومنها: أوجاع تحصل عند الحيض، وغير ذلك من الصفات والهيئات التي يتميز بها دم الحيض عن دم الاستحاضة. وقوله: (زعمت)، المراد بالزعم هنا: القول المحقق، وليس القول المشكوك فيه؛ لأن الزعم يأتي للمشكوك فيه، ويأتي للقول المحقق، وهنا من القول المحقق، ومعناه: أنها أخبرت خبراً محققاً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها: (إنما ذلك عرق)، يعني: هذا الدم الذي يسيل منها بصفة دائمة، هذا ليس حيضاً، وإنما هو استحاضة، وهو عرق يسيل بصفة مستمرة، وهذا لا يمنع الصلاة، وهو مثل سلس البول، والريح التي تخرج بصفة دائمة، فلا تمنع عن الصلاة، فالإنسان يصلي ولو كان معه سلس البول إذا كان مستمراً، وكذلك من يخرج منه ريح دائمة، فإنه يتوضأ ويصلي، ولا يمتنع من الصلاة، وكذلك المستحاضة فإنها لا تمتنع إلا في المدة التي يأتيها الحيض.

تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت قيس في الاغتسال من الحيض
قوله: [أخبرنا عمران بن يزيد]. عمران بن يزيد هو: عمران بن خالد بن يزيد، أحياناً ينسب إلى جده كما هنا؛ وأحياناً يذكر اسم أبيه واسم جده، وهنا ذكر منسوباً إلى جده، وأبوه خالد، يقول الحافظ ابن حجر: وأحياناً يقلب، يعني: يحصل القلب في الاسم، فيقال: يزيد بن عمران، وهذا كما سبق أن تقدم، إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، أو عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، فهو شخص واحد، ولكنه حصل قلب في اسمه، فيأتي مرةً على ترتيب، ويأتي مرةً أخرى مقلوباً، وأحياناً اسمه واسم جده هنا، فيقال: عمران بن يزيد، أو يزيد بن عمران، وهو: عمران بن خالد بن يزيد، وهو صدوق، خرج له النسائي وحده. [أخبرنا إسماعيل بن عبد الله العدوي].هو إسماعيل بن عبد الله العدوي، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ولم يخرج له ابن ماجه ، ولم يخرج له البخاري، ومسلم.[حدثنا الأوزاعي]. الأوزاعي هو: أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو، إمام أهل الشام، وفقيهها، ومحدثها، الثقة المشهور، وهو مشهور بهذه النسبة الأوزاعي، فهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، ومن المعلوم أن هذا من أنواع علوم الحديث، وأن معرفة ذلك مهم؛ لأن من لا يعرف هذا لو ذكر مرة من عرفه مشهورا باسمه ونسبته، ولا يعرف كنيته، فلو قيل له: عبد الرحمن أبو عمرو لظن أن ذلك خطأ، وأن (أبو) مصحفة عن (ابن)، لكن كله صواب، هو: عبد الرحمن أبو عمرو، وهو: عبد الرحمن بن عمرو، وهو: ابن عمرو فهو صواب، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى بن سعيد]. يحيى بن سعيد هو: الأنصاري، ولا يفكر ولا يقدح في الأذهان أن يكون يحيى بن سعيد القطان؛ لأن يحيى بن سعيد القطان من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، وأما هذا من طبقة شيوخ مالك، والأوزاعي، وهو من صغار التابعين، فإذا مر ذكره مثلاً غير منسوب وقيل: الأنصاري، فإنه: يحيى بن سعيد الأنصاري؛ لأنه في طبقة التابعين، لكن يوافقه في الطبقة شخص آخر يقال له: يحيى بن سعيد التيمي، وأما يحيى بن سعيد القطان فهو ليس من طبقته، وبعيد من طبقته، فهو من طبقة تلاميذ تلاميذه، الذي هو يحيى بن سعيد القطان، فـيحيى بن سعيد هذا هو الأنصاري المدني، وقد جاء ذكره في أول حديث من صحيح البخاري؛ حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، فيه يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب وهؤلاء الثلاثة من التابعين في هذا الإسناد الذي هو: إسناد حديث عمر، وهم: علقمة بن وقاص من كبار التابعين، ومحمد بن إبراهيم من أوساط التابعين، ويحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين، فهو من طبقة صغار التابعين، يروي عنه الأوزاعي، ومالك، ومن كان في طبقتهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. إذاً: فـيحيى بن سعيد اثنان في طبقة؛ وهي طبقة صغار التابعين، يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن سعيد التيمي، ومعروف بكنيته أبي حيان. أما يحيى بن سعيد القطان فهو من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، ومسلم، وفي طبقته شخص آخر اسمه: يحيى بن سعيد الأموي؛ لأن القطان والأموي في طبقة شيوخ شيوخ البخاري. فهما في طبقة واحدة.فإذا؛ قيل: كيف يفرق بين الأنصاري والتيمي؟ وبين الأموي والقطان؟نقول: يفرق بين الأنصاري والتيمي، وبين الأموي والقطان، بالشيوخ والتلاميذ، هذه هي الطريقة التي يفرق بين اثنين مثل التفريق بين سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، فإنما يعرف عن طريق الشيوخ والتلاميذ. قوله: [حدثني هشام بن عروة]. هشام بن عروة هو: هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن عروة]. هو: عروة بن الزبير، وهو من التابعين، وهو من فقهاء المدينة السبعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن فاطمة بنت قيس]. فاطمة بنت قيس صحابية سألت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بما يحصل لها، وهي من بني أسد؛ من أسد قريش، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وأحياناً يأتي ذكرها بنت أبي حبيش، وأبو حبيش هو: قيس، أحياناً يأتي قيس، وأحياناً يأتي أبو حبيش.

شرح حديث: (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عمار حدثنا سهل بن هاشم حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقبلت الحيضة، فاتركي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي)]. هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبلت الحيضة، فاتركي الصلاة، وإذا أدبرت، فاغتسلي)؛ يعني: الاغتسال من الحيض؛ لأن الحيض انقطاعه يوجب الغسل، وهذا مختصر؛ يعني: أن فيه حكاية ما جاء في المرأة التي استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستحاضة، وقال: (إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي)، والحديث جاء من طرق متعددة ذكرها المصنف، ولكنه ذكرها هنا مختصراً.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي)
قوله: [أخبرنا هشام بن عمار]. هو هشام بن عمار، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة. [حدثنا سهل بن هاشم]. هو سهل بن هاشم، وهو صدوق، لا بأس به، خرج له النسائي. [حدثنا الأوزاعي]. الأوزاعي قد مر في الإسناد الذي قبل هذا. [عن الزهري]. الزهري هو الإمام المعروف المشهور في المدينة، وهو من المحدثين الفقهاء، وممن جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إنه هو الذي تولى تدوينه بتكليف من عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو من رجال الجماعة كما عرفنا ذلك. قوله: [عن عروة عن عائشة]. عروة وعائشة، هذا مثل الإسناد الذي قبله، عن هشام بن عروة، وهنا عن الزهري، عن عروة بن الزبير. فهنا يكون الطريق أخصر؛ لأن الأول فيه يحيى بن سعيد، وهشام بن عروة، وهنا: الأوزاعي عن الزهري عن عروة.

شرح حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن يزيد حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (استحيضت أم حبيبة بنت جحش سبع سنين، فاشتكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي ثم صلي)]. هنا أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، الذي ذكرت فيه (أن أم حبيبة بنت جحش) وهي أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين، (شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تستحاض)، فقال لها: (أن ذلك ليس بالحيضة)، يعني: هذا الدم، (ولكن ذلك عرق، فاغتسلي ثم صلي) يعني: أنه عندما ينقطع دم الحيض -المعروف الذي تعرفه النساء من عادتهن، وبصفاته المعروفة لديهن- فإنها تغتسل، وتصلي، ولا تترك الصلاة في أيام استحاضتها؛ لأن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة، ولا الصيام، ولا الجماع، ولا الطواف والسعي، وما إلى ذلك من الأمور التي تفعلها النساء؛ لأن هذا مثل سلس البول حكمه حكمه، ولا فرق بينه وبينه في الحكم، من حيث أن هذا يصلي على حسب حالها، وهذه تصلي على حسب حالها إذا كان الدم يخرج منها، إلا أنها تستثفر حتى لا يتقاطر في المسجد إذا جاءت إليه، أو في مكان مصلاها، حتى إذا خرج شيء في وقت الصلاة، أو يعلق وينشب في ذلك الثوب الذي جعلته في فرجها ويستقبل الدم الذي يسيل منها لا يسيل على فخذيها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة
أما إسناد الحديث فهو إسناد الحديث الأول الذي تقدم، إلا أن فيه زيادة عمرة مع عروة.[عن عروة وعمرة]. عروة هو ابن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، وهي أنصارية، وهي ثقة، أكثرت من رواية الحديث عن عائشة، وهذه من روايتها عن عائشة، وهي من الرواة الذين خرج لهم أصحاب الكتب الستة. [حدثنا إسماعيل بن عبد الله]هو نفسه إسماعيل بن عبد الله الذي في الإسناد الأول.

شرح حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الهيثم بن حميد أخبرني النعمان والأوزاعي وأبو معيد وهو حفص بن غيلان عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (استحيضت أم حبيبة بنت جحش امرأة عبد الرحمن بن عوف، وهي أخت زينب بنت جحش، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلي، وإذا أقبلت فاتركي لها الصلاة، قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة وتصلي، وكانت تغتسل أحياناً في مركن في حجرة أختها زينب، وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أن حمرة الدم لتعلو الماء، وتخرج فتصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يمنعها ذلك من الصلاة)]. هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو حديثها الذي ذكرت فيه: أن أم حبيبة بنت جحش -أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين- أنها كانت تستحاض، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: (إنما ذلك عرق، فإذا أدبرت الحيضة، فاغتسلي وصلي، وإذا أقبلت فدعي لها الصلاة)، يعني: أن مراد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الكلام أنها تعرف عادتها؛ من مجيء الحيض إليها، فإذا أقبلت العادة تدع الصلاة؛ لأن الحائض لا تصلي، وإذا أدبرت وانقضت فإنها تغتسل وتصلي، وقالت عائشة: (فكانت تغتسل لكل صلاة) والحديث هنا ليس فيه ذكر الاغتسال لكل صلاة، وإنما فيه ذكر الاغتسال عند إدبار الحيضة، وهو الاغتسال من الحيض.والحديث فيه: الأمر باغتسالها عند إدبار الحيضة، ولكن اغتسالها لكل صلاة إنما هو من فعلها، فكانت تغتسل في كل صلاة في حالة استحاضتها؛ يعني: بعدما انقضت عدتها التي هي دم الحيض التي كانت لا تصلي فيها، فهي تغتسل من الحيض، والرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تغتسل من الحيض، وهي كانت تغتسل لكل صلاة، فقيل: إنها فهمت لذلك، وأن هذا من فعلها، وهو الاغتسال لكل صلاة. وجاء في بعض الروايات التي سيذكرها المصنف: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تغتسل لكل صلاة ) وقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إن الواجب هو الاغتسال عند انقضاء دم الحيض؛ لأنه هو الغسل الواجب، وأما هذا فإنه لا يكون واجباً، ومنهم من قال: إنه مستحب، وذهب الجمهور إلى أن الاغتسال الواجب اللازم هو الذي يكون عند انقطاع دم الحيض، لكن عند كل صلاة تتوضأ، وقد جاء إرشادها بأن تتوضأ لكل صلاة. أما الاغتسال فقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الاغتسال لكل صلاة في غير الصحيحين في السنن وفي غيرها، فمنهم من قال: إن ذلك محمول على الاستحباب، وأنه لا يكون للوجوب، ومنهم من قال: إن الأولى والأحوط أن تغتسل لكل صلاة؛ كما فعلت أم حبيبة بنت جحش، التي أخبرت عنها عائشة رضي الله تعالى عنهما: بأنها كانت تغتسل لكل صلاة.ثم ذكرت أنها كانت تغتسل في حال استحاضتها في مركن؛ أي: في وعاء، أو إناء، أو مكان معين تغتسل فيه، فتطفو الحمرة على الدم، ثم تستثفر، وتذهب، وتصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلا يمنعها ذلك من الصلاة؛ لأن هذا الخروج الذي يكون بسبب الاستحاضة مثل سلس البول، لا خلاص منه، ولا يمنع من الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة من طريق ثانية
قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود]. الربيع بن سليمان بن داود هذا هو الجيزي المصري المرادي، وفي المصريين رجل آخر بهذا الاسم الربيع بن سليمان، إلا أنه ابن عبد الجبار، وهذا: الربيع بن سليمان بن داود، وذاك الربيع بن سليمان بن عبد الجبار، وقد جاء في بعض الأحاديث الماضية ذكر الربيع بن سليمان وحده، وهنا ذكر ما يميزه عن ابن عبد الجبار وهو: ابن داود، وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي فقط.[حدثنا عبد الله بن يوسف]. عبد الله بن يوسف هو: التنيسي الذي سبق أن مر ذكره، وهو ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. [حدثنا الهيثم بن حميد]. الهيثم بن حميد صدوق رمي بالقدر، خرج له أصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له الشيخان: البخاري، ومسلم شيئاً. [أخبرني النعمان والأوزاعي]. هو النعمان بن منذر، وهو غساني، وهو صدوق، رمي بالقدر، أخرج له أبو داود، والنسائي، والأوزاعي معروف، وهو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، الفقيه، المحدث الذي مر ذكره.[أبو معيد].هو أبو معيد حفص بن غيلان، شامي، وهو صدوق، فقيه، رمي بالقدر، خرج له النسائي، وابن ماجه . [أخبرني عروة بن الزبير وعمرة]. عمرة، وعروة، وعائشة، فقد مر ذكرهم.

شرح حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن أم حبيبة ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي)]. هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه أن أم حبيبة بنت جحش أخت زينب استفتت الرسول صلى الله عليه وسلم عما حصل لها من الاستحاضة، فأخبرها عليه الصلاة والسلام أن ذلك ليس بحيض وإنما هو عرق يسيل الدم منه في وقت مستمر، وفي صفة مستمرة، فتترك الصلاة أيام الحيض، وما عدا ذلك فإنها تصلي، وتغتسل عند انقضاء حيضها، وهو مثل ما تقدم من الأحاديث وبمعناها.وقول عائشة: (ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحت عبد الرحمن بن عوف) ختنة يعني: أخت زوجته؛ لأنه زوج زينب بنت جحش وهذه أختها التي هي أم حبيبة بنت جحش.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة من طريق ثالثة
قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].محمد بن سلمة هو المرادي الجملي المصري، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه . [حدثنا ابن وهب]. ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري المعروف، وهو من الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو بن الحارث].هو عمرو بن الحارث، وهو أيضاً المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب]. ابن شهاب هو: الزهري، وقد مر كثيراً.قوله: [عن عروة وعمرة عن عائشة]. عروة وعمرة مر ذكرهم، وعائشة كذلك.

شرح حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة من طريق رابعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (استفتت أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني استحاض؟ فقال: إنما ذلك عرق، فاغتسلي وصلي، فكانت تغتسل لكل صلاة)].هذه أيضاً طريق أخرى لحديث عائشة، وفيها ما في الذي قبلها، وتدل على ما دل عليه ما قبلها من الطرق والروايات من كونها استفتت، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام قال لها: (إنما ذلك عرق) وليس بحيض، وأنها إذا أدبرت الحيضة تغتسل وتصلي، وأنها كانت تتوضأ لكل صلاة.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة من طريق رابعة
قوله: [أخبرنا قتيبة]. قتيبة هو: ابن سعيد الذي مر ذكره كثيراً، وهو من الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الليث].الليث هو ابن سعد المصري، وهو من الثقات الأثبات الفقهاء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن ابن شهاب]. هو الزهري، وهو كذلك من الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عروة عن عائشة]. عروة وعائشة قد مر ذكرهما، وجميع رواة الإسناد حديثهم عند أصحاب الكتب الستة؛ وهم: قتيبة، والليث، والزهري، وعروة، وعائشة.
حديث عائشة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم؟ قالت عائشة رضي الله عنها: رأيت مركنها ملآن دماً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي)].أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله. قوله: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث].قتيبة والليث قد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.[عن يزيد بن أبي حبيب]. يزيد بن أبي حبيب ثقة، وهو مصري، خرج حديثه الجماعة. [عن جعفر بن ربيعة].هو جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وهو ثقة، خرج حديثه أيضاً الجماعة. [عن عراك بن مالك]. هو عراك بن مالك الغفاري، وهو ثقة أيضاً، خرج حديثه الجماعة.[عن عروة عن عائشة]. عروة وعائشة مر ذكرهم في الأسانيد السابقة.[وأخبرنا قتيبة مرةً أخرى ولم يذكر جعفراً] يعني: الذي قبل جعفر وهو: يزيد بن أبي حبيب روى عن عراك، مباشرة دون أن يروي عن جعفر فيحتمل أن يكون عنده بالإسنادين؛ أنه رواه نازلاً، ورواه عالياً، وأن يكون سمعه مرة من جعفر، ثم لقي عراك، وسمعه منه، فحدث به على الحالتين: حالة طول الإسناد، وكون فيه واسطة بينه وبين عراك، وكونه روى عن عراك بغير واسطة مباشرة.

شرح حديث أم سلمة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها: (تعني أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض من الشهر، قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر، ثم لتصلي)].هنا ذكر النسائي حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة كانت تستحاض، وأنها تهراق الدم دائماً، يعني: أن الدم يخرج من فرجها، ومن رحمها بصفة مستمرة، فقال عليه الصلاة والسلام: أن ذلك ليس بحيض، وإنما ذلك عرق، فلتعرف مدة حيضتها من الشهر، فإذا أقبلت تلك المدة من الشهر التي جرت بها عادتها -أن يأتيها فيها الحيض- فإنها تدع الصلاة تلك المدة، فإذا أدبرت، وخلفت تلك الأيام وراءها، فإنها تغتسل، وتستثفر، وتصلي في المكان الذي تصلي فيه، وإنما تضع ذلك على فرجها حتى يعلق به الدم الذي يخرج من الفرج في وقت الصلاة، فهو مثل الذي قبله من الأحاديث في بيان الحكم.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في الغسل من الحيض وتركه من الاستحاضة
قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع].قتيبة مر ذكره، ومالك أيضاً مر ذكره وهو: مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الثقة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة المشهورة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.ونافع، هو: نافع مولى ابن عمر، وهو من الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، بل إن أصح الأسانيد عند البخاري: مالك عن نافع عن ابن عمر. [عن سليمان بن يسار].سليمان بن يسار هو أحد الثقات، وهو من فقهاء المدينة السبعة، المشهورين المعروفين في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أم سلمة].أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها فيما مضى.
الأسئلة

ما تفعله المستحاضة عند قيامها للصلاة
السؤال: هل المستحاضة تغسل ثيابها لكل صلاة إذا أصابها الدم؟ الجواب: نعم، المستحاضة عندما تصلي تغسل الدم عن جسدها، وتغسله عن ثيابها، وتستثفر، وتصلي، ولا يضرها بعد ذلك، لكن فيما يتعلق بغسل الثياب، وكونها تتوضأ أو تغتسل مع الوضوء أمر لا بد منه، وكذلك ثيابها إذا كان فيها نجاسة، أو فيها دم فهي تغسلها، ولا تصلي إلا في ثياب طاهرة، وكذلك جسدها يكون طاهراً ليس عليه نجاسة، بل إنها تستثفر حتى لا تخرج النجاسة وتسيل على جسدها وعلى ثيابها، وإن خرجت وسالت لا يؤثر؛ لأن هذا شيء ليس بإرادتها، فيكون مثل سلس البول. فتتوضأ عند كل صلاة عند دخول الوقت.

حكم ترك الصف الأول في الصلاة للقرب من الدرس
السؤال: إنني رأيت من بعض طلبة العلم أنه يوجد في الصفوف التي أمامهم مكان خال فلا يتقدمون إليه؛ لأنهم يريدون أن يكونوا قريبين من كرسي الشيخ، فما رأيكم؟ الجواب: بعد أن وجد المكبر الذي يتضح به الصوت، فإنه لم يبق هناك حاجة إلى الازدحام قرب الكرسي، وإنما تتم الصفوف: الأول فالأول، والذي يأتي مبكراً والذي يأتي متأخراً الكل يصل إليه الصوت، والكل يسمع، ولم يبق هناك حاجة داعية إلى القرب من الكرسي.

حكم مسح الوجه بعد الدعاء
السؤال: هل ثبت شيء في مسألة مسح الوجه باليدين بعد كل دعاء؟ الجواب: عندما يدعو الإنسان، ويرفع يديه ينزلهما دون أن يمسح بهما وجهه؛ لأنه لم يثبت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، نعم ورد فيه أحاديث لكنها ضعيفة، من العلماء من قال: إنها بضم بعضها إلى بعض تصل إلى حد الحسن، لكن بعض العلماء قالوا: إنها لا تصل إلى حد الحسن، وهذا حكم لا يؤخذ به إلا بدليل ثابت، وهي لم تثبت، فالذي ينبغي والأولى ألا يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من الدعاء، وإنما يرفعهما ثم ينزلهما بدون مسح.

مدى صحة موافقة اسم أم المهدي لاسم أم النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال: من علامات قيام الساعة: ظهور المهدي، وبعض الناس يقول: إن هذا المهدي فيه جل صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمه كاسمه، واسم أمه كاسم أمه، فهل هذا الكلام صحيح؟ الجواب: هو: محمد بن عبد الله، اسمه كاسم رسول الله، واسم أبيه هو اسمه أبيه، أما كون اسم أمه اسم أمه هذا ما أعرف فيه شيئاً.

القول بفضل الصلاة في محراب الروضة
السؤال: المحراب الذي كان عند النبي صلى الله عليه وسلم هل الصلاة عنده فيه فضيلة تزيد على فضيلة الروضة؟ الجواب: الروضة كلها هي ما بين البيت والمنبر، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مقدمة الروضة، والصحابة وراءه يصلون، ومن المعلوم: أن الروضة لها ميزة على سائر المسجد، لكن هذا في النوافل، وأما بالنسبة للفرائض، فالصفوف الأولى التي أمامها، وميامن الصفوف التي تحاذيها أولى منها وأفضل منها؛ لأن الميامن كانت في زمنه خارج الروضة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يحث على ميامن الصفوف، والمقدمة التي أمام الروضة هذه زادها عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، والصفوف الأولى فيها، فهي أولى من الصلاة في الروضة بالنسبة للفريضة، وأما المكان الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أيضاً غير معلوم بالتحديد، والإنسان يحرص على اتباعه فيما أمر به ونهى عنه، يمتثل المأمور، وينتهي عن المنهي، أما كونه يأتي إلى مكان ويقول: الرسول صلى فيه وقد لا يكون صلى فيه، وقد يكون صلى في مكان آخر فقد يترتب على ذلك تجاوز وقد يفضي ذلك إلى ما لا يحمد عقباه، ولكن الذي ينبغي عليه أن يمتثل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوامر، سواءً كان ذلك من الواجبات أو المستحبات، وينتهي عن النواهي، سواءً كان ذلك من قبيل المحرمات، أو من قبيل المكروهات.

حكم التبليغ بعد الإمام بدون حاجة
السؤال: هل ثبت شيء في التبليغ بعد الإمام بالتكبير بدون حاجة؟ الجواب: لم يثبت في التبليغ بعد الإمام بدون حاجة شيء، وإنما التبليغ يكون للحاجة، فإذا لم يكن هناك حاجة فلا يفعل التبليغ.

ابوالوليد المسلم 16-04-2019 03:15 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(68)

- باب ذكر الأقراء
الأقراء في اللغة من الألفاظ المشتركة التي تطلق على الحيض وعلى الطهر، لكن الأحاديث تدل على أن المراد بالقرء هو الحيضة.
ذكر الأقراء

شرح حديث عائشة في ذكر الأقراء وما يلزم المستحاضة فيها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن بكر حدثني أبي عن يزيد بن عبد الله عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وأنها استحيضت لا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنها ليست بالحيضة، ولكنها ركضة من الرحم، فلتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض لها، فلتترك الصلاة، ثم تنظر ما بعد ذلك، فلتغتسل عند كل صلاة)]. يقول النسائي رحمة الله عليه: ذكر الأقراء. والأقراء جمع قرء، والقرء: هو اسمٌ لمدة الطهر أو الحيض عند النساء؛ لأنه من الألفاظ التي تطلق على الأضداد، تطلق على الشيء وضده، على الطهر والدم، والنسائي رحمه الله، لما ذكر المستحاضة، وما جاء فيها من الأحاديث الدالة على أنها تترك الصلاة وقت مجيء الحيض لها، وأنها في الأوقات الزائدة على ذلك فأنها تصلي، وتؤدي ما كان يجب عليها، وأن الاستحاضة ليست كالحيض، وهي لا تمنع من الصلاة، ولا تمنع من قراءة القرآن، ولا من الجماع؛ لأن الحيض يخالف الاستحاضة، ولما كان ذكر الاستحاضة أتى بعدها ذكر القرء في الأحاديث، فعقد هذه الترجمة فقال: باب ذكر الأقراء؛ لأن الأحاديث المتعلقة بالاستحاضة جاء فيها ذكر الأقراء، ولهذه المناسبة عقد هذه الترجمة، فما هي الأقراء؟ الأقراء: جمع قرء، وكذلك يجمع على قروء، وقد جاء في القرآن: وَالْمُطَلَّقَا تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، وفُسر القرء بأنه: الحيض، وفُسر بأنه: الطهر، وهو اسم لزمان الطهر، أو زمان الحيض، وعلى هذا فهو من الأضداد، يعني: يطلق اللفظ على الشيئين المتضادين، يطلق على الشيء وضده؛ والقرء من الأضداد يطلق على الطهر وعلى الحيض، وهما متقابلان ومتضادان، ومن ذلك: (عسعس)، فإنه بمعنى أقبل وأدبر، والإقبال والإدبار من الأضداد، وهناك ألفاظٌ كثيرة تأتي في اللغة يطلق اللفظ على الشيئين المتضادين، يطلق على الشيء وضده. والأحاديث التي أوردها النسائي هنا تدل على أن القرء يراد به الحيض، كل الأحاديث التي وردت في هذا الباب، في باب ذكر الأقراء، هي في أن القرء يراد به الحيض، وأول الأحاديث التي أوردها النسائي في هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها: في قصة أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وأنها كانت تستحاض، فذكر شأنها لرسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: ذكر شأنها من أجل الاستفتاء، وفي استفتائه ماذا تصنع، وهل تمتنع من الصلاة في حال الاستحاضة كما هو شأنها في حال الحيض، أو أن الأمر يختلف؟ فأجاب رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن ذلك ليس بالحيضة، وإنما هي ركضة من الرحم)، يعني: تحصل في الرحم، وهي سيلان عرق فيه، يحصل معه جريان الدم باستمرار في وقت الحيض، وفي غير وقت الحيض، فبين عليه الصلاة والسلام بأن هذا عرقٌ يكون في الرحم، يسيل منه الدم بصفةٍ مستمرة، وأنها إذا جاء وقت القرء الذي هو الحيض، فإنها تمتنع من الصلاة، وإذا أدبر القرء الذي هو الحيض، فإنها تغتسل وتصلي. وفي هذه الرواية أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، وقد ذكرت فيما مضى: أن بعض العلماء قال: إن ذكر الاغتسال لكل صلاة إنما هو من فعلها، وليس من أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، والأحاديث التي جاءت في الصحيحين ليس فيها ذكر هذه الزيادة، أنه أمرها بالاغتسال لكل صلاة، وإنما فيها أنه أمرها بالاغتسال عند انقضاء دم الحيض، وعند إدبار الحيضة، وأنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة باجتهادٍ منها، وبفعلٍ منها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لكن هذه الرواية التي معنا فيها أن اغتسالها لكل صلاة، إنما هو بأمر رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وذكرت فيما مضى: أن العلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من رأى إيجاب ذلك عليها، ومنهم من رأى أن ذلك مستحب، لكن اغتسالها عند انقضاء العادة الذي هو دم الحيض، فهذا أمرٌ لا بد منه، وهو واجب، أي: اغتسالها من الحيض.إذاً: فالحديث الذي أورده النسائي هنا مشتمل على ما ترجم له النسائي من ذكر القرء، وأنه بمعنى الحيض، وهو أحد المعنيين اللذين يرد لهما لفظ القرء، وهما المعنيان المتضادان: الطهر والحيض، أو زمن الطهر وزمن الحيض.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في ذكر الأقراء وما يلزم المستحاضة فيها
قوله: [إسحاق بن بكر]. وهو إسحاق بن بكر بن مضر، وهو صدوق، فقيه، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي. [عن أبيه]. وهو بكر بن مضر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه . [عن يزيد بن عبد الله]. وهو ابن الهاد، وهو ثقةٌ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقيل له: ابن الهاد؛ لأن جده لقب الهاد؛ لأنه كان يوقد النيران في الطريق حتى يهتدي المسافرون بها، وحتى يعرفوا الطريق بها، فقيل له: ابن الهاد.[عن أبي بكر بن محمد]. وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقةٌ، عابد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عمرة].وهي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، وهي ثقةٌ، خرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وهي مكثرةٌ من الرواية عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.[عن عائشة]. وعائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق مر ذكرها مراراً، وهي الصحابية التي لم يرو أحدٌ من الصحابيات مثل ما روت من الحديث، وهي أحد السبعة من الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين سبق أن ذكرت مراراً أن السيوطي نظمهم في ألفيته فقال: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيزوجة النبي المراد بها عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

شرح حديث عائشة في ذكر الأقراء وما يلزم المستحاضة فيها من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا سفيان عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أم حبيبة بنت جحش كانت تستحاض سبع سنين، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليست بالحيضة، إنما هو عرق، فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها، وتغتسل وتصلي، فكانت تغتسل عند كل صلاة)].ثم أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها المتعلق أيضاً بـأم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما، والمتعلق بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن شأنها، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرها بأن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضها، والمراد بالحيض هو الأقراء، من عطف الشيء على مثله؛ لأن الحيض هو القرء هنا؛ لأنه قال: (تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها)، فهو من عطف الشيء على مثله مع مغايرته بالمعنى؛ لأن القرء هنا بمعنى الحيض، فهي تترك الصلاة قدر الأقراء التي هي الحيض، ثم بعدما تدبر الأقراء التي هي الحيض وعندما تنتهي كل حيضة، فإنها تغتسل وتصلي كل الصلوات في حال استحاضتها؛ لأن الاستحاضة لا تمنع الصلاة، وإنما الذي يمنعها الحيض. والاستحاضة كما سبق أن ذكرت أنها مثل سلس البول، يعني: خروج نجاسة بصفةٍ مستمرة، لا يتمكن الإنسان من الخلاص منها، فلا يمنع ذلك من الصلاة، فهي تصلي على حسب حالها، كما أن الذي به سلس البول يصلي على حسب حاله، وإن كان يخرج منه البول بصفة مستمرة، فكذلك هذه تصلي ولو كان يخرج منها الدم، أي: دم الاستحاضة بصفةٍ مستمرة. المقصود من إيراد الحديث هو ذكر الأقراء وهي الحيض، فهو مطابق لما ترجم له المصنف.


تراجم رجال إسناد حديث عائشة في ذكر الأقراء وما يلزم المستحاضة فيها من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].ومحمد بن المثنى هو العنزي الملقب بـالزمن، وقد مر ذكره كثيراً، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو رفيق محمد بن بشار الملقب بندار الذي قال عنهما الحافظ في التقريب: وكانا كفرسي رهان؛ لأنهما ولدا في سنةٍ واحدة وماتا في سنة واحدة، واتفقا في الشيوخ والتلاميذ، وكونهما من بلدٍ واحد صار بينهما تشابهٌ وتماثل حتى قيل في وصفهما: إنهما كفرسي رهان.[عن سفيان].وسفيان يروي عن الزهري، والمراد بـسفيان هو ابن عيينة؛ لأنه إذا جاء ذكر سفيان يروي عن الزهري، فالمراد به سفيان بن عيينة؛ لأن الحافظ ابن حجر ذكر في الفتح بأن سفيان معروف بالرواية عن الزهري بخلاف الثوري، وقد قال أيضاً في موضع آخر من فتح الباري: بأن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، وقد ذكرت فيما مضى: أن ابن عيينة مكثر من الرواية عن الزهري، بخلاف الثوري، فإنه مقل من الرواية عنه، وأن هذا الذي ذكرته مبني على ما ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان، لكن الذي ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح: بأن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، وأن الذي هو معروف بالرواية عن الزهري إنما هو سفيان بن عيينة. فعلى هذا، إذا جاء سفيان غير منسوب، وهو الذي يسمى المهمل في علم المصطلح يروي عن الزهري فإنه يحمل على أنه ابن عيينة، وليس على أنه الثوري؛ لأن القاعدة المعروفة عند المحدثين: أنه عندما يذكر شخص غير منسوب، وهو يحتمل شخصين، فإنه يحمل على من يكون أكثر ملازمة، ومن يكون له علاقة خاصة بذلك الذي يروي عنه؛ لأنه في الغالب إنما يهمل فيما إذا كان معروفاً بكثرة الرواية عنه، ثم أيضاً هو من بلده؛ لأن سفيان بن عيينة مكي، والزهري مدني، يعني: أن كلاً منهما من أهل الحجاز، فهما متقاربان مكة والمدينة، وأما سفيان الثوري فهو من أهل الكوفة، وهي في العراق. إذاً فعندما يأتي ذكر سفيان غير منسوب يروي عن الزهري، فإنه يحمل على سفيان بن عيينة، ولا يحمل على الثوري.وسفيان بن عيينة ثقة، ثبت، حجة، إمام، عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهورٌكما ذكرت سابقاً بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب فيقال له: الزهري، ومشهوراً أيضاً بالنسبة إلى أحد أجداده شهاب حيث يقال له: ابن شهاب، وأحياناً يأتي ذكره باسمه واسم أبيه، فيقال: محمد بن مسلم، وهذا قليلٌ في الاستعمال، وإنما الكثير في الاستعمال أحد هذين اللفظين، وهما ابن شهاب أو الزهري. وهو ثقة، فقيهٌ إمام، جليل، مكثر من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي جمع السنة بتكليفٍ من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وحديث الزهري عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمرة عن عائشة]. وهي عمرة بنت عبد الرحمن وعائشة قد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح حديث فاطمة بنت أبي حبيش في شأن استحاضتها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن حماد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن المنذر بن المغيرة عن عروة أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته: (أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء). هذا الدليل على أن الأقراء حيض. قال أبو عبد الرحمن: وقد روى هذا الحديث هشام بن عروة عن عروة، ولم يذكر فيه ما ذكر المنذر].هنا ذكر النسائي حديثاً آخر: وهو حديث قصة فاطمة بنت أبي حبيش، وهو قيس بن المطلب، وهي أحياناً يقال لها: فاطمة بنت قيس، وأحياناً يقال: فاطمة بنت أبي حبيش، وتنسب أحياناً إلى أبيها باسمه، وأحياناً إلى أبيها بكنيته، وهي سواء جاءت بذكر نسبتها إلى أبيها باسمه، أو إلى كنيته؛ لأنها امرأة واحدة وليست امرأتين؛ لأن فاطمة بنت أبي حبيش وفاطمة بنت قيس هي بمعنى واحد؛ لأن أبا حبيش هو قيس، فإذا جاء مرة فاطمة بنت قيس، ومرة بنت أبي حبيش، فهي هي.وفيه: أنها استفتت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال لها عليه الصلاة والسلام: (انظري إذا جاء قرؤك -أي: الحيض- فدعي الصلاة)، يعني: اتركي الصلاة في حال القرء، يعني: أن دم الاستحاضة مستمر، وأحياناً يأتي الحيض مع الاستحاضة، فهي في الوقت الذي يأتي الحيض هي تمتنع من الصلاة، فإذا أدبر قرؤها، أي: حيضتها، فإنها ترجع إلى الصلاة وتصلي ما بين القرء والقرء، يعني: من الحيضة إلى الحيضة، فالطهر الذي بين الحيضتين هو طهر، بمعنى أنه طهرٌ من الحيض، وإن كان دم الاستحاضة موجوداً، ما هناك طهر، يعني: سلامته من الدم، لكن هناك طهر من الحيض الذي تترك فيه الصلاة، وأما الباقي الذي هو بين القرأين الذي هو دم الحيض في المرة الأولى، والمرة التي بعدها، يعني: بين القرأين، أي: الحيضتين، فإنها تصلي ولا تترك الصلاة؛ لأن ذلك ليس بحيض، وإنما هو عرق الذي هو الاستحاضة. قال: وفي هذا دليل على أن القرء يراد به الحيضة، وأن الأقراء هي الحيض. ثم ذكر النسائي أن هشام بن عروة رواه عن عروة، ولم يذكر ما ذكره المنذر بن المغيرة الذي روى عن عروة، ثم أتى بهذا الاستنباط الذي هو ذكر أن القرء يراد به الحيض، هذه من المنذر الذي في الإسناد، المنذر بن المغيرة الذي يروي عن عروة بن الزبير.

تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت أبي حبيش في شأن استحاضتها
قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد].وعيسى بن حماد هو: ابن مسلم المصري، ولقبه زغبة، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي. وابن ماجه لم يخرج له ولا الترمذي.[الليث]. وهو الليث بن سعد المصري، الفقيه، المحدث، الثقة، الثبت، الذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يزيد بن أبي حبيب]. يزيد بن أبي حبيب، هو أيضاً مصري، وهو ثقة، يرسل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن بكير بن عبد الله]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن المنذر بن المغيرة]. والمنذر بن المغيرة قال عنه في التقريب: إنه مدني، وإنه مقبول، وإن حديثه خرجه أبو داود، والنسائي.[عن عروة]. هو: عروة بن الزبير بن العوام، أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين الذين مر ذكرهم كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن فاطمة بنت أبي حبيش]. وفاطمة بنت أبي حبيش مر ذكرها، وهي: فاطمة بنت قيس، وهي صحابية مشهورة، لها هذا الحديث في الاستحاضة، وخرج حديثها أبو داود، والنسائي.

شرح حديث عائشة في شأن استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدة ووكيع وأبو معاوية قالوا: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة، وإذا أدبرت، فاغسلي عنك الدم وصلي)].ثم أورد النسائي حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، وأنها جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: (إني استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا، إنما ذلك عرقٌ وليس بالحيضة، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)، وليس فيه ذكر القرء، يعني: كما ترجم له المصنف، ولكن في الروايات التي قبله فيما يتعلق بحديث فاطمة بنت أبي حبيش، فيه ذكر القرء، والمراد بالقرء هو الحيض؛ لأن القرء يأتي ويراد به الحيض، ويراد به الطهر، وهو هنا في هذا الباب يراد به الحيض.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في شأن استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو ابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، محدث، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه؛ لأنه خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً. قوله: [أخبرنا عبدة]عبدة هو ابن سليمان الكلابي، وقد مر ذكره قريباً، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[و وكيع].وهو ابن الجراح الرؤاسي، وهو ثقة، محدث، فقيه، وقد مر ذكره كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [و أبو معاوية].وهو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا هشام بن عروة]. و هشام هو ابن عروة بن الزبير، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه]. وهو عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين مر ذكرهم كثيراً، وقد مر في الحديث الذي قبل هذا.[عن عائشة].وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها في الأحاديث السابقة وفي غيرها.
الأسئلة

حكم التسول في المساجد
السؤال: ما حكم التسول في المساجد؟ وما حكم من يعطيهم وهو في المسجد؟ الجواب: التسول في المساجد الذي ينبغي للإنسان ألا يفعل هذا، لكن لا أعلم فيه ما يمنع منه، ولا شك أن الاستغناء عن السؤال والابتعاد عنه، وخاصة في المساجد هو الأولى، لكنني لا أعلم عن شيء يدل على المنع، والأصل هو الجواز، وإذا احتاج الإنسان وكان ممن تحل له المسألة فليسأل، وينبغي أن يكون ذلك في غير المساجد، لكن لا أعلم ما يدل على منعه، وعلى تحريمه.

حكم قراءة القرآن وإهدائها للأموات
السؤال: ما هي الأمور التي تصل ثوابها للميت؟ وهل قراءة القرآن، وإهداء ثوابها للميت ينفع الميت؟ الجواب: قراءة القرآن، وإهداء ثوابه للأموات لم يرد دليل يدل عليه من السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والذي ورد ذكره من انتفاع الأموات بسعي الأحياء هو الدعاء للأموات، فإنه ينفعهم، فدعاء الأحياء للأموات ينفعهم، وصدقة الأحياء للأموات تنفعهم، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك الحج والعمرة تنفعهم؛ لأنه جاء ما يدل عليها، وكذلك الأضحية؛ لأنه جاء ما يدل عليها في العموم، والصوم إذا كان واجباً، وقد جاء ما يدل عليه، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام، صام عنه وليه)، سواء كان ذلك الصيام صوم نذر أوجبه الإنسان على نفسه، أو واجب عليه بحكم الشرع، كصيام رمضان، هذا الذي أعلم أنه ورد في الأدلة ما يدل عليه، أما قراءة القرآن، وإهداء ثوابه للأموات فلم يرد ما يدل عليه، والذي ينبغي هو ألا يفعل، ومن أراد أن ينفع ميته بشيء، فلينفعه بما جاءت به السنة، وهي الأمور التي ذكرتها.
الواجب على من جامع زوجته الحائض
السؤال: إذا جامع الإنسان زوجته وهي حائض، فماذا عليه؟ وهل يتصدق بشيء؟ وهل الزوجة آثمة إذا لم تكن راضية؟ الجواب: لا يجوز للإنسان أن يطأ امرأته في فرجها في حال حيضها؛ لأن ذلك حرام، وإنما له أن يباشرها، ويفعل كل شيءٍ إلا الجماع في الفرج، ويبتعد عن فرجها حتى لا يقع في المحظور الذي جاء تحريمه في كتاب الله، وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن حصل منه الجماع في الفرج وهي حائض، فإنه آثم؛ لأنه حصل منه المعصية والمخالفة، وعليه أن يتصدق بدينار، أو نصفه، وهي كفارة، وقد جاء بذلك حديثٌ عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأما قوله: هل الزوجة آثمة إذا لم تكن راضية؟ فالجواب: لا، إذا كانت مكرهة ولم تتمكن من منعه، فهي لا تأثم؛ لأنها مكرهة، لكن إذا كانت راضية وموافقة، فلا شك أنها آثمة.
حكم ثياب من به سلس البول
السؤال: ما حكم ملابس من به سلس البول؟ الجواب: من به سلس البول إذا أصاب ثيابه البول، فهي نجسة، وعلى الإنسان أن يغسل ثيابه، ولا يستعمل الثياب النجسة، لكن إذا تطهر وتوضأ وذهب للصلاة، أو صلى بعدما تطهر وحصل على ثيابه شيء، فإنه لا شيء عليه في ذلك، ولكن عليه كما عرفنا فيما مضى، أنه عندما يتوضأ يرش على فرجه شيئاً من الماء؛ حتى لا يكون هناك شيءٌ من الوسواس، أو شيء يشوش عليه، لكن كما هو معلوم الإنسان يغسل النجاسة عنه، ولكنه إذا توضأ وذهب للصلاة وحصل ذلك المستمر معه، فإنه يصلي على حسب حاله، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وهو لا يستطيع أكثر من هذا.مداخلة: لكن هو ينزل منه بعض قطرات البول بعد الوضوء دائماً، وأحياناً لا تنزل شيء من ذلك؟ الشيخ: إذا كان بعد الاستنجاء، فعليه ألا يستعجل حتى يفرغ منه، وينزل هذا الذي كان بعد الاستنجاء، أما إذا كان بصفة مستمرة بعد الوضوء وفي الأوقات المختلفة، فهذا هو الذي ذكرته في الجواب السابق.
مدى شمولية النهي عن مس القرآن بحائل
السؤال: ورد النهي عن مس القرآن للحائض، فهل يشمل النهي من يحمل القرآن بحائل؟ الجواب: لا يشمله ذلك، يعني: حمل القرآن، فكون الإنسان يحمل القرآن وينقله من مكان إلى مكان، فإن ذلك لا يؤثر، وإنما الذي هو ممنوع هو كون الإنسان يقرأ ويفتش، أما كونه يمسه مثلاً بحائل أو بدون حائل فلا بأس بذلك.
مدى ثبوت مقولة: أن فاطمة رضي الله عنها كانت لا تحيض
السؤال: هل ثبت أن بنت النبي صلى الله عليه وسلم لا تحيض، ولذلك سميت بالزهراء؟الجواب : أبداً، ما ثبت أن فاطمة رضي الله عنها لا تحيض، وإنما شأنها شأن بنات آدم، ومن المعلوم أن التي تحمل هي التي تحيض، وهي تحمل وتلد، والتي هي آيسة وهي التي انقطع عنها الدم لا تحمل، وإنما الحمل يكون مع الحيض، وعلامة إمكانية الحمل هو وجود الحيض، فلم يأت شيء يدل على أنها لا تحيض، بل كونها تحمل يدل على أنها تحيض، والأصل أنها كغيرها، والرسول صلى الله عليه وسلم لما حاضت عائشة قال: (هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم)، وهي من بنات آدم، ولم يأت شيء يخصها رضي الله عنها وأرضاها، لكن ورد في فضلها ما يكفي ويشفي، ورد أنها سيدة نساء أهل الجنة، وهذا شرف عظيم لها رضي الله عنها وأرضاها.
حكم الاستيطان في المكان الذي يصلى فيه
السؤال: ما الحكم فيمن يتخذ موضعاً معيناً يصلي فيه دائماً، سواءٌ كان ذلك في المسجد أو في بيته؟ الجواب: كون الإنسان يتخذ مكاناً يصلي فيه دائماً في بيته، فلا بأس بذلك، وكونه يخصص مكاناً للصلاة، فإن هذا معروف في زمنه عليه الصلاة والسلام، كانوا يتخذون أماكن في بيوتهم للصلاة، وقد كانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي ويصلي بها لأول مرة ثم يتخذونها مصلى. وأما بالنسبة للمسجد، فلا يتخذ الإنسان مكاناً معيناً ثابتاً يصلي فيه إلا الإمام؛ لأن الإمام هو الذي يصلي في مكانه أمام الناس، أما اتخاذ أحد من المأمومين مكاناً لا يصلي فرضه إلا فيه، فهذا ورد فيه حديث يدل على المنع.
مدى جواز اتخاذ مكان للصلاة في البيت
السؤال: هل حديث الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي له في داره، وسأله النبي صلى الله عليه وسلم في أي موضعٍ من داره يريد أن يصلي له، وأشار إليه في موضعٍ من داره يدل على عدم كراهة ذلك؟الجواب: أما كونه في مكان من البيت فلا بأس أن يصلي الإنسان في مكانٍ معين، وقد كانوا يتخذون أماكن في بيوتهم للصلاة، وقلت: أنهم كانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: بعضهم كان يطلب منه أن يأتي ليصلي في هذا المكان، ويتخذه مصلى، مثل ما حصل لـعتبان بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
اصطفاف السني وأهل البدع من الرافضة في الصلاة
السؤال: بعض الرافضة يأتون ويصطفون بجانبنا في الصلاة، فماذا نفعل حينئذٍ؟ وهل يعتبرون أنهم في الصف أو لا؟ الجواب: على كلٍ، الإنسان إذا صلى بجواره مصل فلا يضره من يصلي بجواره، سواء كان من الرافضة أو من غير الرافضة، أقول: ليس عليه شيء في مجاورة الرافضي له أو غير الرافضي من أهل البدع.
معنى رواية: (إنما هي ركضة من الشيطان)
السؤال: جاء في بعض الروايات حديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إنما هي ركضةٌ من الشيطان)، فما المراد من ذلك؟ الجواب: ما أدري ركضة من الشيطان هل هي ثابتة، المعروف هو ركضة من الرحم، هذا الذي مر في الحديث، أما من الشيطان فما أدري، ولعلها تأتي فيما يأتي من الأحاديث فنتعرض لها.
ما يعادل الدينار من دراهم
السؤال: كم يعادل الدينار درهم؟الجواب: الدينار يعادل اثنا عشر درهماً.

حكم تعليق رءوس الحيوانات المحنطة في مقدمة البيوت
السؤال: هل يجوز تعليق رأس الحيوان بآلة كهربائية في البيت مثل الغزال؟ يعني: بعض الناس يجعلون رءوس الحيوان أمام بيوتهم، فهل يجوز ذلك؟الجواب: أولاً: اتخاذ الحيوانات سواء كانت مصورة أو محنطة لا ينبغي، هذا ولو كانت محنطة؛ لأن هذا قد يؤدي إلى محظور في المستقبل، وأيضاً: قد يكون فيه اعتقاد أنه يدفع شيئاً، أو ما إلى ذلك، واعتقاده مثل هذا لا يسوغ؛ لأن الذي ينفع ويضر هو الله سبحانه وتعالى، ومثل وجود رأس يوضع أو حيوان محنط، يوضع ليدفع به شيئاً، أو يعتقد أنه يدفع شيئاً، لا يصح هذا ولا يسوغ، وترك ذلك والابتعاد عنه لا شك أنه هو الذي ينبغي أن يفعله المسلم، ولا ينبغي للإنسان أن يفعل ذلك، حتى ولو كان للزينة، فلا يصح مثل هذا بل يتخذ من الزينة غير هذه الصور الحقيقية، أو الأشياء الحقيقية المحنطة.

التردد على مسجد بلال للصلاة فيه والتبرك
السؤال: ما حكم من يتردد ويصلي في الغمامة ومسجد بلال بحجة التبرك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها؟ الجواب: أولاً لا يوجد مسجد باسم مسجد بلال، وإنما هذه مساجد تسمى بأسماء الصحابة، والصحابة ما لهم مساجد خاصة، وكيف يكون لهم مساجد قرب مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يصلون بها، ويتركون الصلاة خلف رسول الله؟! وبنو سلمة يأتون من منازلهم، وهي في أطراف المدينة ليصلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة يصلون رمية حجر في مساجد حول مسجده صلى الله عليه وسلم، هذا لا يصح ولا يليق، ومن ذهب ليصلي بها، ويترك الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه قد فاته صلاة بألف صلاة، ولا يحصل إلا على صلاة واحدة؛ لأنها هي كغيرها من المساجد، لكن كونه يصلي بها ويترك الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مع قربه منه، فهذا لا شك أنه فوت على نفسه خيراً كثيراً. حتى في غير وقت الفريضة لا يشغل نفسه، فإذا كان عنده شيء من الوقت فليقضه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو خير، والذي الثواب فيه محقق، والذي فيه الأجر مضاعف، أما تلك فلم يرد فيها شيء.

ابوالوليد المسلم 16-04-2019 03:16 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(69)


- (باب ذكر اغتسال المستحاضة) إلى (باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة)

إذا انقطع دم الحيض والنفاس فإن على المرأة أن تغتسل، أما دم الاستحاضة فليس فيه غسل، وإنما يجب عليها الوضوء عند كل صلاة، كما يجوز لها أن تجمع بين الصلاتين، وهذا من سماحة الشريعة ويسرها.
ذكر اغتسال المستحاضة

شرح حديث عائشة في اغتسال المستحاضة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر اغتسال المستحاضةأخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ( إن امرأة مستحاضة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها: أنه عرق عاند، فأمرت أن تؤخر الظهر وتعجل العصر، وتغتسل لهما غسلا واحداً، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء، وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً واحداً )].ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: ذكر غسل المستحاضة، وأورد تحتها حديث عائشة رضي الله عنها: في ذكر المرأة المستحاضة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها أمرت بأن تؤخر الظهر، وتعجل العصر، وتجمع بين الصلاتين، وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وكذلك بالنسبة بالمغرب تؤخرها، وتعجل العشاء، وتغتسل لهما غسلاً واحداً، والفجر تغتسل له غسلاً واحداً. هذا الحديث فيه: ذكر الاغتسال للحائض ثلاث مرات، وأنها تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وسبق في حديث مضى أنها أمرت أن تغتسل لكل صلاة، وسبق أيضاً أنها أمرت بالاغتسال عند ذهاب الحيضة، وأنها من نفسها كانت تغتسل لكل صلاة، وقد ذكرت فيما مضى أن الاغتسال من عند انتهاء الحيض، هذا أمر لا بد منه، وأما الاغتسال عند كل صلاة؛ فإن بعض العلماء ذهب إلى هذا، ومنهم من قال: إن الأحاديث التي وردت في ذكر الاغتسال عند كل صلاة لم تأت في الصحيحين، وإنما الذي جاء في الصحيحين الاغتسال عند ذهاب الحيضة، وذكرت أن من العلماء من قال: بوجوب ذلك عند كل صلاة، وأن منهم من قال: إنه مستحب، عند كل صلاة. وهذا الذي دل عليه هذا الحديث، يدل على أنها تجمع بين صلاة الظهر والعصر، وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتجمع بين المغرب والعشاء، وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتغتسل للصبح غسلاً واحداً، يعني: أنها تغتسل ثلاث مرات في اليوم والليلة، ومن العلماء من قال: تغتسل خمس مرات، ومنهم من قال: تغتسل ثلاث مرات، ومنهم من قال: تغتسل غسلاً واحداً، ومنهم من قال: إنه لا يلزم إلا عند انتهاء الحيض، وبعد ذلك لا يلزمها غسل، وإنما هو مستحب لها. وهذا الحديث يدل على جواز الجمع بين الصلاتين للمرأة المستحاضة، ومثلها من يكون مريضاً يحتاج إلى أن يجمع بين الصلاتين، فإن ذلك جائز وسائغ، والدليل عليه هذا الحديث الذي جاء في الترخيص للمستحاضة بأن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وذلك مرض، فهو دليل على أن المريض له أن يجمع بين الصلاتين؛ وهما الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في اغتسال المستحاضة
قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، لقبه بندار، وهو أحد الثقات، الأثبات، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهو رفيق محمد بن المثنى الملقب بـالزمن.[عن محمد]. محمد، هذا غير منسوب، وهو مهمل، ويروي عن شعبة، وإذا جاء محمد غير منسوب يروي عن شعبة، ويروي عن محمد بن بشار، فإنه محمد بن جعفر الملقب: غندر، فهذا المهمل، تمييزه، وتوضيحه بأنه غندر محمد بن جعفر؛ لأن محمد بن جعفر معروف بالرواية عن شعبة، وكذلك معروف بالرواية عنه محمد بن بشار، وكذلك محمد بن المثنى، ومحمد بن جعفر غندر هذا ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].شعبة هو أيضاً أحد الثقات الأثبات، بل إنه أمير المؤمنين في الحديث، قد وصفه بذلك بعض المحدثين، وقالوا: بأنه ممن وصف بهذا الوصف، وهذا وصف يعتبر من أرفع صيغ التعديل، ومن أعلى صيغ التعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن القاسم].وهو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة جليل، قال عنه بعض العلماء: إنه أفضل أهل زمانه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه القاسم بن محمد].القاسم بن محمد هو ابن أبي بكر، أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين، المعروفون في زمن التابعين، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عمته عائشة].وهي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهي الصحابية الصديقة بنت الصديق، أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، لم يكن في الصحابيات من هو أكثر منها حديثاً.وهذا الإسناد جميع رواته ممن خرج لهم أصحاب الكتب الستة، محمد بن بشار، ومحمد بن جعفر، وشعبة، وعبد الرحمن بن القاسم، والقاسم بن محمد، وعائشة، رواته ستة، وكلهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
الاغتسال من النفاس

شرح حديث جابر في الاغتسال من النفاس
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاغتسال من النفاس:أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـأبي بكر: (مرها أن تغتسل وتهل)].أورد النسائي: الاغتسال من النفاس، هذه الترجمة التي أوردها النسائي، وأورد تحتها هذا الحديث، ليس فيه الاغتسال من النفاس عند انقطاعه وعند انتهاء النفاس، وإنما هو اغتسال في حال النفاس؛ لأنه اغتسال للتنظف للإحرام؛ لأنها كانت معهم في ذي الحليفة، ويريدون أن يذهبوا لحجة الوداع مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فنفست يعني: أنها ولدت محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة، وهي في طريقها إلى الحج، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ( ليأمرها بأن تغتسل وتهل )، يعني: أنها تفعل ما يفعل المحرمون. وهذا دليل على أن الحائض، والنفساء عندما يريدان الإحرام، فإنهما تغتسلان الاغتسال المستحب للإحرام، فالاغتسال المذكور في هذا الحديث، هو اغتسال في النفاس وفي حال النفاس، وليس اغتسال من النفاس، فهو لا يدل على الترجمة، يعني: من حيث الاغتسال من النفاس، وإنما هو اغتسال للتنظف من أجل الإحرام مع بقاء النفاس، ومن المعلوم: أن الحائض والنفساء عندما تحرمان، تفعلان كل ما يفعل الحاج أو المعتمر، غير أنهما لا تطوفان بالبيت حتى تطهرا، وإذا طهرتا فإنهما تغتسلان وتطوفان. وإذاً: فالحديث لا يدل على الاغتسال من أجل النفاس، ومن أجل الانتهاء من النفاس، وإنما يدل على اغتسال النفساء، وكذلك هو يدل بالنسبة للحائض على أن كلاً منهما تغتسل عندما تريد الإحرام من أجل التنظف للإحرام، والاستعداد للإحرام، والتهيؤ للإحرام، واغتسالها للنفاس عند الفراغ منه، هو مثل الحيض، والحيض ورد ما يدل على لزوم الاغتسال، ووجوب الاغتسال؛ لأنه تنظف من هذه النجاسة الذي هي دم الحيض، فكذلك أيضاً الاغتسال من دم النفاس، والتنظف منه أيضاً لازم وواجب، وهو في حكم الاغتسال من الحيض؛ لأن كلاً من الحائض والنفاس يمنعان من الصيام والصلاة، فلا فرق بين الحيض والنفاس. إذاً: فما جاء من الأحاديث من الاغتسال عند انتهاء الحيض يلحق به، ويقاس عليه النفساء بأنها تغتسل عند انقطاع دم النفاس، كما تغتسل الحائض.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في الاغتسال من النفاس
قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].محمد بن قدامة، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.[حدثنا جرير].جرير هو ابن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى بن سعيد].هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو من صغار التابعين، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة كما عرفنا ذلك في ما مضى.[عن جعفر بن محمد].جعفر بن محمد هو: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فهو من سلالة علي بن أبي طالب، وهو من نسل فاطمة رضي الله تعالى عنها، ويقال له: جعفر الصادق، وهو أحد الأئمة الإثني عشر عند الرافضة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق، فقيه، وقد خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبيه].أبوه هو محمد بن علي بن الحسين، الملقب الباقر، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن جابر بن عبد الله الأنصاري].جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو أحد الصحابة المشهورين، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والذين جمعهم السيوطي بقوله: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كـالخدريوجابر وزوجة النبيِّ
الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

شرح حديث فاطمة بنت أبي حبيش في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضةأخبرن ا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن محمد وهو ابن عمرو بن علقمة بن وقاص عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن ( فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيض، فإنه دم أسود يعرف، فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي، فإنما هو عرق)].أورد النسائي رحمه الله الفرق بين دم الحيض ودم النفاس، وأورد فيه حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وهو: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن دم الحيض أسود يعرف، فإذا كان فأمسكي عن الصلاة)، فالفرق بين دم الحيض، ودم النفاس، ودم الاستحاضة، فإن دم الحيض أسود، وتعرفه النساء، وله رائحة، ويكون معه أوجاع تكون في البطن، يعني: عند حصوله، وهذا من أوصافه، وأما الاستحاضة، فإنه بخلاف ذلك. وقد أمرها رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنها تمسك عن الصلاة في حال دم الحيض، وإذا كان دم الاستحاضة، فإنها تتوضأ وتصلي، وهذا فيه دليل على أن المستحاضة تتوضأ عند كل صلاة، وهي مثل من به سلس البول، فإنه يتوضأ عند كل صلاة عندما يدخل الوقت، سواء يصلي في مكانه إذا كان له حق الصلاة فيه، أو إذا كان يذهب للجماعة؛ فإنه بعد دخول الوقت يتوضأ، ولا يضره ما يحصل له بعد ذلك، فقد جاء في هذا الحديث الوضوء من الاستحاضة وفي غيره من الأحاديث ما يدل على ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث فاطمة بنت أبي حبيش في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة
قوله: [إسناد محمد بن المثنى].محمد بن المثنى هو الزمن، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو رفيق محمد بن بشار.[عن ابن أبي عدي].وهو محمد بن إبراهيم، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن محمد].وهو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق، له أوهام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب].وهو محمد بن مسلم الزهري، الذي يأتي ذكره كثيراً في الأسانيد، وهو مشهور بنسبته الزهري، ونسبته ابن شهاب، وهو أحد الثقات، الأثبات، الأئمة المعروفين بالفقه، والحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عروة بن الزبير].عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو ثقة، ثبت، صاحب حديث وفقه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن فاطمة بنت أبي حبيش].فاطمة بنت أبي حبيش، وهي صحابية مشهورة، ولها حديث في الاستحاضة رواه أبو داود، والنسائي، وحديثها عند أبي داود، والنسائي. وغيرها من رواة الإسناد خرج لهم أصحاب الكتب الستة، محمد بن المثنى، يروي عن ابن أبي عدي، وعن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وابن شهاب، وعروة، كل هؤلاء خرج لهم أصحاب الكتب الستة، إلا الصحابية فاطمة بنت أبي حبيش، فإن الذي خرج لها أبو داود، والنسائي، وحديثها هو في الاستحاضة، فحديثها واحد جاء من عدة طرق، وهذا هو الذي لها عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث عائشة في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي هذا من كتابه أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي من حفظه حدثنا محمد بن عمرو عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( إن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي )، قال أبو عبد الرحمن: قد روى هذا الحديث غير واحد، لم يذكر أحد منهم ما ذكره ابن أبي عدي، والله تعالى أعلم].أورد النسائي رحمه الله حديث فاطمة بنت أبي حبيش، عن عائشة رضي الله عنها، تحكي ما حصل لـفاطمة من كونها استحيضت، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأنها تمسك عن الصلاة في حال حيضها، وأن دم الحيض أسود يعرف، وأنها تمتنع عن الصلاة، وإذا انتهى حيضها تتوضأ وتصلي، ولا تقف، وتترك الصلاة في حال استحاضتها.وأورد النسائي الحديث من حديث عائشة، وأورده من طريق محمد بن المثنى، عن ابن أبي عدي من طريقين: إحداهما: من كتابه، والثاني: من حفظه، ومعنى هذا أن محمد بن المثنى روى عن ابن أبي عدي الحديث من وجهين: من كتابه، ومن حفظه، وفيه: أن عائشة رضي الله تعالى عنها بينت عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها استحيضت، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تمتنع عن الصلاة في حال حيضها، وبين لها كيف تميز دم حيضها بأنه أسود يعرف، وفي تلك الحالة تمسك عن الصلاة، وإذا انتهى فإنها تتوضأ وتصلي، وفيه ذكر الوضوء. ويقول النسائي أبو عبد الرحمن: إنه لا يعلم أحداً روى ذلك، أي: ذكر الوضوء، غير ابن أبي عدي، يعني: أن جماعة رووه من طرق متعددة، ولم يذكروا الوضوء، والوضوء ثابت؛ لأنه جاء في هذا الحديث، وجاء في غيره، والعلماء متفقون عليه؛ لكن منهم من يقول: إنه واجب لكل صلاة، وهو قول الأكثرين، ومنهم من يقول: إنه مستحب عند كل صلاة، وأنه لا يجب إلا إذا كان هناك حدث، بالنسبة للمستحاضة إذا حصل منها حدث، وهو نقض الوضوء، كونها يخرج منها غائط أو بول، أو ينتقض وضوءها بغير ذلك الدم الذي يخرج منها، فإنها تتوضأ وجوباً، وإذا كان بسبب الاستحاضة فقط، وهي على وضوئها، ولم يحصل منها إلا خروج دم الاستحاضة، فإن الوضوء لها مستحب؛ لكن الجمهور على أنه واجب، وأن خروج ذلك الدم منها -وهو نجس- أنه ينقض الوضوء، وأن عليها أن تتوضأ لكل صلاة، هذا هو الذي عليه جمهور العلماء.فإذاً: القول بأنها تتوضأ هذا أجمع عليه العلماء، وإنما خلافهم في هل هو واجب أو مستحب؟ فالجمهور على أنه واجب لكل صلاة، ومنهم من قال: إنه مستحب، وأنه لا يلزمها أن تتوضأ، إلا إذا حصل منها حدث غير دم الاستحاضة.

شرح حديث عائشة في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد وهو ابن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( استحيضت فاطمة بنت أبي حبيش، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئي، فإنما ذلك عرق وليست بالحيضة، قيل له: فالغسل؟ قال: ذلك لا يشك فيه أحد )، قال أبو عبد الرحمن: لا أعلم أحداً ذكر في هذا الحديث: (وتوضئي) غير حماد بن زيد، وقد روى غير واحد عن هشام، ولم يذكر فيه وتوضئي].النسائي ذكر حديث عائشة من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، ومن طريق حماد بن زيد، وفيهما في الذي قبله من كونها أُمرت بأن تتوضأ، ويقول النسائي: أنه لا يعلم أحداً رواه بلفظ: (وتوضئي)، غير حماد بن زيد، وأن جماعة رووه عن هشام بن عروة، لم يذكروا فيه ما ذكره حماد، ورواية: (توضئي) ثابتة، قد جاءت عن حماد، وعن غيره، كما جاءت في الإسناد السابق، وجاءت أيضاً في غير ذلك، وهي ثابتة ومجمع عليها؛ ولكن الخلاف إنما هو في وجوب ذلك أو استحبابه، والجمهور على وجوبه، كما ذكرت ذلك آنفاً.قوله: ( قيل له: فالغسل؟ قال: ذلك لا يشك فيه أحد ).يعني: أنه ثابت، وقد ذكرتُ ما قاله العلماء في الغسل، وأن منهم من يقول: إنه يجب عند كل صلاة، ومنهم من يقول: إنما يجب عند الاغتسال من الحيض، ومنهم من يقول: يجب في اليوم مرة واحدة، ومنهم من يقول: ثلاث مرات.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة من طريق ثانية
قوله: [أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي].ويحيى بن حبيب بن عربي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن حماد].حماد، وهو ابن زيد، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام].وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. عن أبيه وأبوه: عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة].عائشة، وقد تقدمت كثيراً، وهي الراوية للحديث في الأحاديث المتقدمة، إذاً: فرواة الإسناد كلهم ممن خرج له أصحاب الكتب الستة، إلا شيخ النسائي: يحيى بن حبيب بن عربي، فإنه لم يخرج له البخاري، وقد خرج له الباقون.
حديث عائشة في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله! لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها، فاغسلي عنك الدم، وصلي )].وهذا مثل الذي قبله، وإسناده عن مالك بن أنس، وهو إمام دار الهجرة، وهو أحد الفقهاء المشهورين، وممن جمع بين الفقه والحديث، وهو صاحب المذهب المشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.عن هشام بن عروة عن أبيه، وقد مر في الإسناد الذي قبله.
شرح حديث عائشة في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة من طريق رابعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الأشعث حدثنا خالد بن الحارث سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله! إني لا أطهر، أفأترك الصلاة؟ قال: لا، إنما هو عرق -قال خالد فيما قرأت عليه: وليست بالحيضة- فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي )].هنا ذكر حديث عائشة رضي الله عنها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، وإفتاء الرسول صلى الله عليه وسلم إياها بأنها تمسك عن الصلاة في حال حيضها، وأنها إذا أدبرت تغتسل، (تغسل الدم)، تغتسل وتصلي، وهو نفس الحديث، إلا أنه جاء من طريق أخرى.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة من طريق رابعة
قوله: [أخبرنا أبو الأشعث].وهو أحمد بن المقدام العجلي، وهو صدوق، خرج له البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا خالد].هو خالد بن الحارث، وهو ثقة مر ذكره كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].وبقية الإسناد هو نفس الإسناد الذي قبله.[قال خالد فيما قرأت عليه: (وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)].قوله: (قال خالد فيما قرأت عليه) يعني: الذي يقول هذا تلميذ خالد، هو: أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي، يعني: في بقية الحديث: قال خالد فيما قرأت عليه، ثم ذكر تتمة الحديث إلى آخره.
الأسئلة

حكم الجلوس أمام وجه المصلي
السؤال: إذا صلى أحد، والآخر جالس أمامه وجهاً لوجه، فهل يوجد نهي بذلك أم ماذا؟الجواب: إذا كان -مثلاً- واحد جالساً أمامه، وملاقيه وجهه، بينه وبينه مسافة، أقول: ما أعلم شيئاً يدل على النهي والمنع.

تبيين الصحيح من الضعيف في سنن النسائي
السؤال: نرجو من فضيلتكم أن تبين صحة وضعف الأحاديث، مثل أن تقول: هذا حديث صحيح، وهذا حديث حسن، جزاكم الله خير.الجواب: قضية الضعيف: إذا كان هناك حديث ضعيف نتكلم عليه؛ لكن الأحاديث التي في النسائي الضعيف فيها نادر جداً، ولهذا أنا قلت في ما مضى: الأحاديث التي فيها كلام كما ذكر ذلك الشيخ ناصر الألباني، هي كلها في حدود خمسين حديثاً في المجلد بأكمله، فأكثر الأحاديث صحيحة وثابتة، يعني: بين الصحيح والحسن، والضعيف يعتبر نادراً.

إطلاق لفظة الجماعة عند بعض العلماء
السؤال: إذا قلت: حديثه عند الستة، هل معناها عند الجماعة؟الجواب: الستة هم الجماعة، فإذا قيل: أخرجه الجماعة وأخرجه الستة، هم بمعنى واحد، إلا أن بعض العلماء له اصطلاح في لفظة الجماعة، وذلك بالإضافة إلى الستة، الإمام أحمد، فيكونوا سبعة، وهذا مثل اصطلاح الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، فإنه السبعة يعني: أضيف إلى الستة أحمد، وإذا قال: الجماعة، يقصد بهم السبعة، ومعهم الإمام أحمد.كما أن اصطلاح المجد بن تيمية في كتاب المنتقى، عندما يقول: متفق عليه، يقصد البخاري، ومسلم، وأحمد، وهذا اصطلاح خاص به في كتابه المنتقى، الذي شرحه الشوكاني في نيل الأوطار.

حكم اشتراط ولي المرأة على الخاطب السكنى عنده في البيت
السؤال: هل لولي المرأة أن يشترط على الخاطب السكنى عنده؟الجواب: أقول: لا بأس، إذا كان الأمر يتطلب ذلك، فكل شرط صحيح، لا مانع منه إذا اشترط.

موقف الأبناء عند إساءة الآباء إليهم
السؤال: فضيلة الشيخ! إن أبي منذ أن كنا صغاراً لم يرعنا حق الرعاية، وكان يبغضنا، ومنعنا كثيراً من الحقوق، ولا يعدل بيننا وبين إخوتي غير الأشقاء، عندهم أخوه من الأب يعني، وأنا منذ أن هداني الله أحاول أن أقابل ذلك الصنيع بالإحسان؛ ولكني أجد من نفسي أني لا أحب والدي، فهل ألام على هذا؟ وهل هذا من العقوق؟الجواب: ينبغي للإنسان أن يحرص على الإحسان إلى والده، ولو حصل من والده شيء، فلا ينبغي له ذلك، بل يقابل الإساء بالإحسان، ويتجاوز ويصفح عن والده وما حصل منه، ويدعو الله له أن يتجاوز عنه، وأن يغفر له، ويقابله بالإحسان؛ لأن هذا أعظم أجراً له، وفيه أيضاً برٌ بالوالد، وإحسان إليه، وكون الإنسان حصل من والده شيء لا ينبغي، فلا ينبغي له أن يقابله بما هو سوء، بل يقابله بما هو خير، ومقابلة السوء بما هو خير، هذا هو الذي ذكر الله عز وجل في كتابه، وبين أنه لا يتأتى لكل أحد، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35]، يعني: كون الإنسان يدفع بالسيئة الحسنة، فيأتي بالحسنة بمقابل السيئة.على كل: هو ينبغي له أن يحرص على ألا يخرج من قلبه بغضه، وأن تحصل المحبة له، إلا إذا كان البغض يتعلق بأمر شرعي، يعني: بالطاعة والمعصية، فهذا شيء آخر، فالإنسان يحب في الله، ويبغض في الله لكن يحسن إلى والده وينصحه، ويرشده إلى ما هو خير، أما إذا كان لحظ النفس، فما ينبغي له أن يكون هناك بغض، بسبب حظ النفس، أما إذا كان لله عز وجل، فهذا أمر آخر؛ لكن عليه أن يحرص على هداية والده، وعلى حصول استقامته، وعلى إصلاح ما حصل منه من نقص، ومن خلل.

حكم السلام على المصلي وكيفيته
السؤال: حكم السلام على المصلي، هل هو جائز؟ وكيف يرد المصلي السلام؟الجواب: السلام على المصلي سائغ؛ ولكن رده من المصلي بالإشارة، لا يرد بالكلام.

حكم شراء السيارات من المرور
السؤال: ما حكم شراء السيارات التي يأخذها المرور ثم يبيعها؟الجواب: الأولى أن الإنسان لا يشتريها؛ لأنها قد يكون فيها شبهة.

موقف الشرع فيمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يبشره بالجنة
السؤال: رجل رأى في المنام أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، فما رأي فضيلتكم في مثل هذه الرؤيا؟الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيته في المنام هي ممكنة؛ لكن إذا كانت على هيئته صلى الله عليه وسلم التي يعرفه أصحابه، أما إذا رأى أحد في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ليس على الهيئة التي يعرفها أصحابه، فهذا ليس رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، إذا كان رآه على هذه الهيئة التي يعرفها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتي بينوها، وأنه بشره، فيرجى له إن شاء الله خير؛ لكن ما كل من يرى في المنام أحداً يقول: إنه رسول الله، ويصدق عليه بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، إلا إذا كان على الهيئة التي يعرفها أصحابه؛ فإن الشيطان لا يتمثل به على هيئته التي يعرفها أصحابه.أما كونه يأتي في المنام ويقول: إنه رسول الله، وهو كذاب؛ فإن في اليقظة أناساً متنبئين، قالوا: إنهم أنبياء، فكذلك يأتي شياطين في المنام ويقولون: إنهم رسول الله؛ لكن كونه على الهيئة التي يعرفها أصحابه، هذا لا يتمثل الشيطان بهيئته، وصورته التي يعرفها أصحابه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

مدى صحة مقولة: (اللهم إن كنت كتبتني عندك شقياً) عن عمر بن الخطاب
السؤال: هل ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني عندك شقياً فامحني، واكتبني سعيداً، هل هذا ثابت عنه؟ وإن كان ثابتاً ألا يعارض هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)؟الجواب: ما أعرف ثبوت هذا عنه، ومن المعلوم أن ما في اللوح المحفوظ لا يغير، ولا يبدل فيه.وهذا الدعاء ما أعرف في ثبوته عن عمر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه معروف أنه من أهل الجنة، وهو يعلم بأنه من أهل الجنة، وقد بشره رسول الله عليه الصلاة والسلام بالجنة، وأخبره بأنه رأى له قصراً في الجنة، ( قيل: هذا لـعمر بن الخطاب ) رضي الله تعالى عنه وأرضاه.والذي في اللوح المحفوظ لا يغير ولا يبدل، ما كتب في اللوح المحفوظ هو كائن، إذا كتب الله أنه يكون كان، وما كتب بأنه لا يكون، لا يمكن أن يكون، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

ابوالوليد المسلم 16-04-2019 03:17 PM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(70)


- (باب النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم) إلى (باب الاغتسال أول الليل وآخره)
نهى الشرع عن اغتسال الجنب في الماء الدائم، وعن البول في الماء الراكد والاغتسال منه. وبين جواز اغتسال الجنب في أول الليل أو في آخره، وأنه يشرع في حق من أخر الغسل من الجنابة أن يتوضأ.
النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم

شرح حديث: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم. أخبرنا سليمان بن داود والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير: أن أبا السائب أخبره: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)].فهذه الترجمة من الإمام النسائي رحمة الله عليه وهي باب: النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم، المقصود بالماء الدائم؛ أي: الماء الواقف الساكن الذي لا يجري، وهذا هو المقصود بالترجمة، وذلك أن اغتسال الجنب به يعني يلوثه، وقد يجعل غيره يكره الاستفادة منه، وقد أورد فيه النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنبٌ)، وقد جاء في بعض الروايات أنه سئل أبو هريرة رضي الله عنه: (فماذا يصنع؟ قال: يغترف اغترافاً)؛ يعني: يتناول تناولاً من الماء الدائم ويغتسل، والسر في ذلك كما أشرت أن فيه تلويثاً له، وفيه تكريهاً له، فيمن قد يحتاج إليه لشرب أو لغيره، وهذا إذا كان الماء الدائم ليس كثيراً جداً، أما إذا كان كثيراً كماء البحر، أو غيره من المياه الكثيرة التي لا يؤثر الانغماس فيها، فهذا لا بأس به، وإنما المقصود من ذلك هو الشيء الذي يمكن أن يحصل فيه تلويث، وأن تكرهه النفوس بسبب الاغتسال فيه من الجنابة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)
قوله: [أخبرنا سليمان بن داود، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].وسليمان بن داود وهو أبو الربيع المصري، وقد تقدم، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.وأما الحارث بن مسكين فهو أيضاً مصري، وهو ثقة، وقد خرج حديثه أيضاً أبو داود، والنسائي، إذاً: كل من شيخي النسائي في هذا الإسناد ثقة، وكل منهما خرج حديثه أبو داود، والنسائي، ولم يخرج لهما صاحبا الصحيح، ولا الترمذي، ولا ابن ماجه، وتبين من صنيع النسائي أنه عندما يقرنه مع غيره غالباً يجعل اللفظ الذي يسوقه له، فيقول: واللفظ له؛ أي: للحارث بن مسكين، هذا هو الغالب على استعمال النسائي، وعلى طريقة النسائي أنه عندما يقرن الحارث بن مسكين بغيره.[عن ابن وهب]. هو عبد الله بن وهب المصري، هو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو محدث، فقيه. [عن عمرو بن الحارث]. وهو أيضاً مصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن بكير]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي السائب].أبو السائب، وهو مشهور بكنيته، وقيل: هو عبد الله بن السائب المدني أبو السائب مولى هشام بن زهرة. وخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي هريرة]. وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو الصحابي الجليل، أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر السبعة حديثاً، إذ إنه لم يرو عن أحد من الصحابة أكثر مما روي عن أبي هريرة من الأحاديث رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل منه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ عن سفيان عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد، ثم يغتسل منه)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه؛ لأن الترجمة السابقة تتعلق بالنهي عن الاغتسال فيه من الجنابة، وهذه تتعلق بالنهي عن البول فيه والاغتسال منه، وذلك أن البول فيه يلوثه، ويقذره، ويجعله قذراً. ثم كون الإنسان يحتاج إلى أن يغتسل فيه، ومع ذلك هو يبول فيه، فإن هذا مما يزيده تقذراً، وإنما عليه أن يبول خارج الماء، وعند الاغتسال أيضاً يتناول تناولاً كما جاء ذلك عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الأحاديث المتقدمة أنه سئل وقيل: (ماذا يصنع؟ قال: يتناول تناولاً)؛ أي: عندما يريد أن يغتسل، وهذا فيه النهي عن البول، وكذلك أيضاً كونه يحتاج إلى الاغتسال فيه، أو الاغتسال منه، هو يكون قد قذره على نفسه وعلى غيره. وهذا الكلام إنما هو في الماء الدائم الساكن الذي لا يجري، وأما الذي يجري فإنه يتغير، ولا يسرع إليه الفساد مثل ما يحصل للماء الراكد الذي هو دائم، ولا يجري، ويتبدل، ويتغير، ويتحول من مكان إلى مكان، ومن حال إلى حال، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في الماء الدائم وعن الاغتسال منه.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل منه)
قوله: [أخبرنا ابن عبد الله بن يزيد المقرئ]. وهو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة، خرج له النسائي، وابن ماجه. [عن سفيان]. وهو ابن عيينة، وقد سبق أن مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، ثبت، إمام، حجة، حافظ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي الزناد]. وهو عبد الله بن ذكوان، وأبو الزناد هذا لقب له على صيغة الكنية، وهو ليس كنية، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن موسى بن أبي عثمان]. وهو مولى المغيرة بن شعبة، ويقال له: التبان، وهو مقبول، خرج حديثه البخاري تعليقاً، والنسائي.[عن أبيه].أبوه هو أبو عثمان وهو التبان مولى المغيرة بن شعبة، وهو أيضاً مقبول، خرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي، والترمذي.[عن أبي هريرة]. وهو صحابي الحديث الذي تقدم قبل هذا.
ذكر الاغتسال أول الليل

شرح حديث عائشة في الاغتسال في الليل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الاغتسال أول الليل.أخبرنا عمرو بن هشام حدثنا مخلد عن سفيان عن أبي العلاء عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث أنه سأل عائشة رضي الله عنها: (أي الليل كان يغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ربما اغتسل أول الليل، وربما اغتسل آخره، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: الاغتسال أول الليل. أي: من الجنابة؛ يعني: أن الترجمة معقودة للاستدلال على الاغتسال أول الليل، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها أن غضيف بن الحارث سألها عن اغتسال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إنه (ربما اغتسل أول الليل، وربما اغتسل آخره)؛ معناه: أنه يغتسل من أوله وآخره، فقال: (الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)؛ يعني: ما دام أن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتسل في أول الليل وفي آخره، ففي الأمر سعة، ويقول غضيف: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة؛ يعني: لم يجعل الأمر فيه ضيقاً، وفيه إلزام بوقت معين، بل الأمر في ذلك واسع. وفي بعض الروايات أنه قال: (الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)، وفي ذلك، صنيع غضيف بن الحارث التكبير عند حصول الأمور المستحبة، والأمور السارة، وكذلك أيضاً الثناء على الله عز وجل، وحمده على تيسيره، وعلى تخفيفه، وكونه ما جعل على الناس في الدين من حرج، بل سهل ويسر وخفف، ولم يلزم بأن يكون الاغتسال له وقت معين لا يتعداه إلى غيره، فهذا يدل دلالة على أن المعروف عن السلف من الصحابة ومن بعدهم أنهم عندما يأتي أمر يسر، أو أمر يتعجب منه، أو أمر حسن فإنه يكبر الله عز وجل، ويظهر الفرح بالتكبير، والحمد لله عز وجل كما فعل غضيف بن الحارث في هذا الحديث. وفي بعض الروايات عند أبي داود أنه قال: (الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)، وهذا فيه دليل على أن ما شاع في هذا الزمان وانتشر من حصول التصفيق عند ذكر أمر يسر أن هذا من الأمور المنكرة، والأمور المحدثة التي هي خلاف السنة، وإنما السنة هي حصول التكبير عند ذكر الأمور السارة، وقد جاء ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في بعض الأحاديث، وكما حصل من البشارة التي حصلت من رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، أو ثلث أهل الجنة)، فعند ذلك يقول الصحابة: الله أكبر، سروراً وابتهاجاً وفرحاً. وكذلك عمر رضي الله عنه لما جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في قصة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، وما شاع من أنه طلقهن، وأن الصحابة تأثروا وحزنوا لما حصل، فجاء عمر إليه وهو في مكان قد جلس فيه، فسأله وقال: (يا رسول الله! طلقت نساءك؟ قال: لا، قال: الله أكبر)، فكبر سروراً وابتهاجاً، فهذه هي السنة التي جاءت بها الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي حصلت من أصحابه في حضرته، وأقرهم على ذلك، وأيضاً الذي فعله من بعدهم التابعون، وكما حصل لـغضيف بن الحارث في هذا الحديث الذي معنا، فإنه قال: (الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة). والحديث دال على ما ترجم له النسائي من الاغتسال في أول الليل من الجنابة، وهذا هو الأولى أن يكون الإنسان يغتسل أول الليل، ثم ينام وهو على طهارة، لكنه إن بقي وأخر ذلك إلى آخر الليل فلا بأس، لكن عليه أن يتوضأ؛ لأن ذلك فيه تخفيف الحدث، وإزالة التلويث الذي حصل بسبب الجماع.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الاغتسال في الليل
قوله: [أخبرنا عمرو بن هشام].هو عمرو بن هشام الحراني، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.[عن مخلد]. وهو ابن يزيد القرشي الحراني، هو صدوق، له أوهام، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [عن سفيان]. وسفيان هنا غير منسوب، وهو يحتمل سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، لكن الذي ذكره المزي في ترجمة مخلد بن يزيد أنه روى عن الثوري، ولم يرو عن ابن عيينة، والذي روى عنه سفيان هو: أبو العلاء، وهو أيضاً برد بن سنان، ذكروا في ترجمته أنه روى عنه السفيانان؛ يعني: سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، لكن في ترجمة مخلد بن يزيد أنه روى عن سفيان الثوري فقط. إذاً: فقد تبين بأنه سفيان الثوري، وليس سفيان بن عيينة، وهذا إنما عرف بالرجوع إلى ترجمة مخلد بن يزيد في تهذيب الكمال، فإنه ذكر أن من شيوخه سفيان الثوري، ولم يذكر من شيوخه الذي روى عنهم سفيان بن عيينة، وهذا مما يتبين به المهمل. وسفيان الثوري هو ثقة، ثبت، إمام، حجة، وهو محدث، فقيه، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري.[عن أبي العلاء]. وأبو العلاء هو: برد بن سنان، ويأتي أحياناً بكنيته كما هنا، وأحياناً باسمه كما في الإسناد الذي بعد هذا؛ لأنه أحياناً يذكر بالكنية، وأحياناً يذكر بالاسم، ومن يعرف ذلك لا يلتبس عليه الأمر، ومن عرف أن برد بن سنان كنيته أبو العلاء فإذا وجده في بعض الأسانيد أبو العلاء، وفي بعضها برد بن سنان يعرف أن هذا هو هذا، من لم يعرف يظنه أنهما شخصان، مع أنهما شخص واحد، فذكر مرةً باسمه، ومرةً بكنيته، وهذه من فوائد معرفة كنى المسلمين. وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.[عن عبادة بن نسي].وعبادة بن نسي ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.[عن غضيف بن الحارث]. وغضيف بن الحارث هذا مخضرم، وهو مقبول، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن عائشة]. وهي عائشة رضي الله تعالى عنها، وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق، ولم ترو امرأة من الصحابيات مثل ما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم عن ألف حديث، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
الاغتسال أول الليل وآخره

شرح حديث عائشة في الاغتسال في الليل من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الاغتسال أول الليل وآخره. أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن برد عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها، فسألتها قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من أول الليل أو من آخره؟ قالت: كل ذلك، ربما اغتسل من أوله، وربما اغتسل من آخره. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)].أورد النسائي ترجمةً أخرى وهي: الاغتسال أول الليل وآخره. وهي تشبه الترجمة السابقة، لكن فيها زيادة آخر الليل؛ لأن الترجمة السابقة الاغتسال أول الليل، وهذه أول الليل وآخره، والمقصود من ذلك الاستدلال على آخر الليل، وكذلك على أول الليل، إلا أن أول الليل في الترجمة السابقة تخص هذا الموضوع، والمقصود من ذلك أن الاغتسال سائغ في أول الليل وآخر الليل؛ يعني: الاغتسال من الجنابة، وفيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ما كان عليه سلف هذه الأمة من الحرص على معرفة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، والتي يحتاج إليها وإلى معرفة مثل هذا الحكم الذي هو الاغتسال، وأن المرجع في مثل هذه الأحكام إلى أزواجه رضي الله عنهن وأرضاهن؛ لأنه من الأمور المتعلقة بالبيت، كالاغتسال من الجنابة، وما إلى ذلك من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها في الغالب إلا نساؤه رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، وفيه الرجوع إلى من عنده علم، أو مظنة من يكون عنده علم في المسألة، وفيه أن الاغتسال من الجنابة سائغ في أول الليل وآخر الليل، لكن إذا أخر إلى آخر الليل، فينبغي أن يتوضأ ويخفف الحدث، وأيضاً يزيل ما هناك من تلوث بسبب الجماع.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الاغتسال في الليل من طريق أخرى
قوله: [أخبرنا يحيى].وهو يحيى بن حبيب بن عربي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكره كثيراً.[عن حماد].وهو ابن زيد؛ لأنه ذكر في ترجمة يحيى بن حبيب بن عربي أنه روى عن حماد بن زيد، وأما في ترجمة برد بن سنان فقد ذكر أنه روى عنه الحمادان كما روى عنه السفيانان، وذكرت أن في الإسناد الذي قبل هذا أن سفيان عرف بأنه الثوري؛ لأن المزي لم يذكر أن مخلد بن يزيد روى عن سفيان بن عيينة، وإنما روى عن سفيان الثوري، فتعين أنه المهمل، كذلك هنا بالنسبة لـحماد؛ لأنه أُهمل هنا، وبرد بن سنان ذكروا في ترجمته أنه روى عن الحمادان: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، لكن في ترجمة يحيى بن حبيب بن عربي في تهذيب التهذيب قال: أنه روى عن حماد بن زيد، وما ذكر حماد بن سلمة.وحماد بن زيد ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن برد].وهو ابن سنان، وهو: أبو العلاء؛ لأنه هنا ذكر باسمه، وفي الإسناد السابق ذكر بكنيته، وهو مثل أبي وائل شقيق بن سلمة، فأحياناً يأتي شقيق بن سلمة، وأحياناً يأتي أبو وائل، وهو هو يذكر بكنيته أحياناً، ويذكر باسمه أحياناً، وكذلك برد بن سنان وبقية الإسناد هم رواة إسناد الحديث الذي قبل هذا.
الأسئلة

الصحيح في نطق اسم سعيد بن المسيب
السؤال: ما هو الصحيح في سعيد بن المسيب هل هو بالكسر أم بالفتح؟ الجواب: سعيد بن المسيب قيل عنه بالفتح، وقيل عنه بالكسر، والمعروف أنه بالكسر، وقد ذكر هذا السيوطي في الألفية، وسيأتي ذكر أن الأولى فيه الكسر؛ لأنه كان يغضب، وكان يكره أن يقال له: ابن المسيب، فهو ابن المسيب بالكسر، وهو يأتي ذكره هكذا وذكره هكذا، لكن الذي ينبغي أن يعبر عنه بالكسر.

مدى مضاعفة الخطيئة في المدينة أسوة بمكة
السؤال: هل الخطيئة في المدينة تضاعف كما تضاعف في مكة، مع ذكر الدليل؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب: المضاعفة كما هو معلوم ما في شيء يدل على المضاعفة من ناحية العدد؛ لأن التضعيف من ناحية العدد ما جاء شيء يدل عليه، ومن المعلوم أن السيئة تكتب سيئة واحدة، لكن فرق بين السيئة في الأماكن المقدسة والأماكن الأخرى التي دونها؛ لأن من يعص الله في الحرم ليس كمن يعصيه في غير الحرم، ومن المعلوم أن مكة أفضل وأشرف، والأمر فيها أشد، والخطورة إنما هي بالكيف ليس بالكم؛ لأنه لا يقال: إن السيئة تضاعف سيئات، وأنها تكتب عليه عدة سيئات إذا أتى بسيئة واحدة، لكنها من حيث الكيف، ومن حيث الخطورة، لا شك أن المعصية في الحرم أشد وأعظم من المعصية في الأماكن الأخرى. ومن المعلوم أن الزمان المقدس والمكان المقدس له ميزة، وله فضل، فالحسنات لها وزن ولها قيمة، ولها شأن، والسيئات لها خطر، وأمرها عظيم، وليس بالهين.

سبب كون والدي النبي من أهل النار
السؤال: ثبت أن والدي النبي صلى الله عليه وسلم من أهل النار، فهل سبب ذلك لأنهما ما زالا مشركين؟ أم لجحودهما؟الجواب : نعم،، السبب في كون والدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنهما في النار الكفر، بسبب كونهما ماتا كافرين، وقد جاء في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس : (أن رجلاً جاء إلى النبي وقال: أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فتأثر الرجل، فلما أدبر دعا به، وقال: إن أبي وأباك في النار)، وأما بالنسبة لأمه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام جاء عنه في الحديث الصحيح: (أنه استأذن أن يزورها، فأذن له، واستأذن أن يستغفر لها، فلم يؤذن له)، وكونه استأذن ليستغفر لها فلم يؤذن له دل على أنها ماتت كافرة. وما جاء عن بعض الناس من قولهم: إن الله تعالى أحياهما له، وأنهما أسلما، وأن هذه خصيصة، فهذا لو كان صحيحاً لكان له شأن ولنقل، ولجاء ذلك؛ لأن هذا من الأمور الغريبة العجيبة التي هي من أشد الخصائص، وأعظم الخصائص، وقد جاء عن بعض العلماء لكنه ليس بصحيح؛ لأنه ليس مبنياً على ما يدل على الثبوت، والصحيح أنه لم يثبت، ولم يأت ما يدل على ذلك، بل الذي جاء هو ما في الصحيح من أنهما في النار.

معنى عقد الأصابع بالتسبيح ورفع الأصبع عند الشهادة
السؤال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الأنامل في التسبيح؟ وهل من السنة أن يرفع الإنسان إصبعه عندما ينتهي من التسبيح ليكمل عند تمام المائة؟ الجواب: ( كان النبي عليه الصلاة والسلام يعقد التسبيح بأصابعه )، يعني: يعد بأصابعه، والعقد هو: كونه يقدم، فهذا هو المقصود بالعقد، ومن المعلوم أن تمام المائة أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وعندما يأتي ذكر الله يمكن أن يشير بإصبعه، عندما يقول: لا إله إلا الله.

الأولى للإنسان عند سماع القرآن
السؤال: هل يجوز للإنسان عند سماعه للقرآن من المسجل أن يقرأ معه بصوت منخفض خشية أن يسرح عن التلاوة؟ الجواب: الذي ينبغي هو السماع، والتعقل، والتأمل؛ لأن القراءة معه تشغل عن السماع، والتفكر، والتدبر، بل الإنسان عندما يسمع القراءة سواءً كانت من مسجل، أو من شخص مباشرةً بدون تسجيل فإنه يستمع للقراءة، وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204]، طبعاً الآية في الصلاة، لكن كذلك إذا كان الإنسان عنده قراءة قرآن لا ينشغل عنه، وإنما يستمع، إما أن يكون باقياً، فيستمع إذا كان القارئ يقرأ، أو إذا كان بتسجيل فإنه يستمع، وإذا أراد أن ينشغل فلا ينشغل، والقرآن يُقرأ، ويتشاغل عنه، وإنما يوقف التسجيل إذا كان بحاجة إلى الانشغال عنه، أما كون القرآن يقرأ وهو يتشاغل عنه فهذا لا ينبغي، ولا يصلح. وإذا كان يريد أن يتعلم القراءة أو التجويد فيمكن أنه يقرأ معه من أجل أن يتعلم، لكن إذا كان ليس المقصود كون الإنسان يتعلم، وكونه يعود نفسه على القراءة، وكونه يمد كما يمد القارئ، ويرتل كما يرتل القارئ فإنه يسمع.

تزاحم المصلين للصلاة في المحراب الذي في الروضة
السؤال: نجد عدداً من المصلين -هداهم الله- يصلون عند المحراب الذي يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وهذا الفعل من الأمور المبتدعة، فكيف يكون الإنكار عليهم؟ الجواب: التزاحم على مكان معين في المحراب الذي في الروضة، أولاً: الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان له محراب موجود بهذه الهيئات الموجودة الآن، وإنما كان له مكان يصلي فيه، ولا يعلم هذا المكان بالضبط أين هو؟ وإنما الذي جاء أن الروضة ما بين البيت والمنبر، وهي روضة من رياض الجنة، وهذا يدل على فضلها، وأما قصد المكان والتزاحم عليه فهذا لا ينبغي، وإنما الذي ينبغي هو أن يأتي الإنسان إلى الروضة حيث لا يكون هناك إيذاء لأحد بسبب الزحام فيصلي فيها ما تيسر له، ثم يقوم، وإذا كان عليها زحام لا يستمر في الصلاة فيها، وإنما يتركها لمن يريد أن يصلي، أما أن يبقى فيها، ويترتب على ذلك إيذاء، والناس يأتون ليصلوا فيها صلاة، ويدركون ذلك الفضل فهذا لا ينبغي للإنسان أن يبقى فيها ويلحق الضرر بالناس. وإذا كان حكم السائل بأن هذا من الأمور المبتدعة؟ فنقول: نعم هذا من الأمور التي يخشى منها الوقوع في محظور.

حفظ عمدة الأحكام للمبتدئين
السؤال: هل الأفضل للمبتدئ أن يحفظ بلوغ المرام، أو المحرر، أو عمدة الأحكام؟ الجواب: عمدة الأحكام كما هو معلوم أحاديث متفق عليها، وهي أكثر من ثلاثمائة حديث، قيل إن عدة أحاديثها عدة أهل بدر أو قريب من عدة أهل بدر؛ لأنها أكثر من ثلاثمائة حديث، وكلها من المتفق عليه، فإذا حفظها يكون قد حفظ أحاديث صحيحة متفقاً عليها، رواها البخاري، ومسلم، وإن كان المقدسي رحمة الله عليه حصل منه أحياناً عدم الالتزام بشرطه وهو: أنه يكون من المتفق عليه، فأحياناً يكون ليس على شرطه، وهذا قليل جداً، وقد نبه عليه العلماء من جهة أنه ليس متفقاً عليه، وهو ذكره بناءً على شرطه أنه متفق عليه، فهذا من أوهامه التي وهم فيها، لكن إذا حفظ الإنسان عمدة الأحكام يكون قد حفظ أحاديث صحيحة متفقاً عليها، رواها البخاري، ومسلم، وهذا أولى ما يكون للمبتدئ، ثم بعد ذلك يقرأ أو يحفظ بلوغ المرام الذي هو أوسع، والذي فيه متفق عليه وغير متفق عليه، وفيه صحيح وضعيف.

حفظ المتون في كل الفنون
السؤال: ما هو توجيهكم في حفظ المتون في كل الفنون؟الجواب: حفظ المتون لا شك أنه مهم جداً لمن عنده قدرة؛ لأن الحفظ هو الذي يبقى مع الإنسان أينما ارتحل وأينما حلّ، حفظه معه، وعلمه معه في صدره، وفي محفوظاته، فهذا هو العلم الحقيقي الذي يكون مع الإنسان دائماً وأبداً، بخلاف العلم الذي يكون في الكتب فإنه يحتاج إلى مراجعة، لكن العلم الذي يكون في الصدر، فهذا ينفق الإنسان منه متى شاء، ويتمكن من الإنفاق منه، من البذل منه، فلا شك أن الحفظ، وحفظ المتون هي طريقة المتقدمين، وطريقة أهل التحصيل الذين يعنون بحفظ المتون فيستذكرونها، سواءً كان ذلك مثلاً في الحديث، أو في النحو، أو في المصطلح، أو في الفرائض، أو ما إلى ذلك من الفنون التي تحفظ فيها المتون نظماً ونثراً.

حكم التبول في ماء البحر
السؤال: هل يجوز للإنسان أن يبول في ماء البحر لأنه ماء كثير؟الجواب: ماء البحر واسع لا يخشون عليه التلويث، لكن الأولى أن الإنسان يعود نفسه ألا يبول في الماء الدائم.

ابوالوليد المسلم 21-04-2019 10:11 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(71)


- باب ذكر الاستتار عند الاغتسال - باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل

يجب على المغتسل الاستتار عن الناس، وألا تنكشف عورته لأحد، وينبغي ألا يسرف في استخدام الماء، وهذه كلها آداب بينها الإسلام.
ذكر الاستتار عند الاغتسال

شرح حديث أبي السمح في ستره للنبي بظهره عند غسله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الاستتار عند الاغتسال. أخبرنا مجاهد بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثني يحيى بن الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح رضي الله عنه أنه قال: (كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك، فأوليه قفاي، فأستره به)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ذكر الاستتار عند الاغتسال. يعني: الاستتار عن أعين الناس، وكونه يكون في مكان قد استتر عنهم، وقد أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديث أبي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه الذي يقول فيه: ( إنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك، فيوليه قفاه، فيستتر به ويغتسل )، فـأبو السمح رضي الله عنه يذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منه أن يجعل ظهره إليه، بمعنى: أنه يكون اتجاهه إلى جهة أخرى، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم وراء ظهره يستتر به، فهذا الذي أورد المصنف الحديث من أجله تحت تلك الترجمة، وهو الاستتار، وهنا استتار بشخص يوليه ظهره، ويغتسل وراءه، ويكون بذلك ساتراً له، فهو دليل على ما ترجم له المصنف.

تراجم رجال إسناد حديث أبي السمح في ستره للنبي بظهره عند غسله
قوله: [أخبرنا مجاهد بن موسى].هو مجاهد بن موسى الختلي الخوارزمي، وهو ثقة، وخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].وعبد الرحمن بن مهدي هو الإمام، المشهور، الحجة المحدث، والذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى، وهو أحد الشخصين اللذين قال عنهما الذهبي: إنهما إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، وهما: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وهما: من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة؛ أعني: عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان.[حدثني يحيى بن الوليد]. يحيى بن الوليد كنيته أبو الزعراء، وهو طائي، وقد خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه لا بأس به.[حدثني محل بن خليفة]. هو محل بن خليفة الطائي، وهو أيضاً طائي، كما أن تلميذه الراوي عنه طائي، وهو ثقة، وخرج لهما البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه . [حدثني أبو السمح].وأبو السمح قيل اسمه: إياد، وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما جاء في الحديث نفسه- وهو أنه يحكي أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وله حديث واحد وهو هذا الحديث، وقد خرجه له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، إلا أن بعضهم يذكره مفرقاً، وبعضهم يجمعه، وهذا جزء من حديثه أو بعض حديثه، وأبو داود رواه عنه بأطول من هذا، وقال: ( إنه كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنه كان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني ظهرك، فيوليه ظهره، ثم يستتر به ويغتسل )، وقال: ( إنه جاءه مرة الحسن أو الحسين فجلس في حجره فبال، فقال: إنه يرش من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية ).

شرح حديث أم هانئ في ستر فاطمة للنبي عند غسله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن عبد الرحمن عن مالك عن سالم عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب عن أم هانئ رضي الله عنها أنها: (ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة تستره بثوب، فسلمت فقال: من هذا؟ قلت: أم هانئ. فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات في ثوب ملتحفاً به)].أورد النسائي حديث: أم هانئ، وهي: بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، واسمها فاختة، وقيل: هند، وهي لها أحاديث ذكر في الخلاصة: أن عدتها ستة وأربعون حديثاً، وأن البخاري، ومسلماً اتفقا منها على حديث واحد، وهو هذا الحديث -الذي معنا- حديث إخبارها بمجيئها إلى النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وأن فاطمة كانت تستره بثوب، وهنا ذكر مختصراً، وقد أورده البخاري في بعض المواضع مطولاً، وفي بعضها مختصراً، وفي بعضها أن النبي عليه الصلاة والسلام لما سأل عنها، (قيل: من هذه؟ قالت: أم هانئ. قال: مرحباً بـأم هانئ)، فالحديث طويل، والنسائي هنا أورده مختصراً، والمقصود منه: ذكر الاستتار عند الاغتسال، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يغتسل، وابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها تستره بثوب، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا في ذكر الاستتار عند الاغتسال. فلما جاءت وسلمت قال: (من هذه)، وفي بعض الروايات: (من هذا)؛ يعني: الشخص، (فقالت: أم هانئ)، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (مرحباً بـأم هانئ)، ثم إنه لما فرغ من اغتساله جاء وصلى ثمان ركعات، وكان ذلك في وقت الضحى، فمن العلماء من قال: إن هذه الركعات الثمان هي سنة الضحى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى سنة الضحى ثمان ركعات، ومنهم من قال: إن هذه بسبب الفتح، وأنها شكر لله عز وجل على ما حصل له من الفتح، والنووي في صحيح مسلم ترجم بترجمة، فأشار إلى هذا الحديث الذي أورده مسلم، فقال: بيان سنة الضحى وفضلها، وأن أقلها ركعتان، وأن أكملها ثمان ركعات، وأن وسطها أربع أو ست.أما من قوله عليه الصلاة والسلام فقد جاءت الأحاديث مرغبةً في ذلك، ومن بينها: حديث أبي هريرة المتفق على صحته، الذي يقول فيه رضي الله عنه: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، وهذا الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة، وأيضاً رواه أبو الدرداء، وقد انفرد به مسلم، ويقول فيه: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أرقد)، وكل من هذين الحديثين: حديث أبي هريرة، وحديث أبي الدرداء فيهما الاشتمال على إيصاء الرسول صلى الله عليه وسلم بسنة الضحى -ركعتي الضحى- حيث قال كل منهما: (أوصاني)، يقول أبو هريرة: (خليلي)، ويقول أبو الدرداء: (حبيبي)، وحديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم، وحديث أبي الدرداء عند مسلم وحده.فالأحاديث في فضل صلاة الضحى ثابتة وكثيرة، وهي من قوله عليه الصلاة والسلام، وحديث أم هانئ هذا هو من فعله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء أيضاً: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، وهي أولاد الدواب؛ يعني: حين تشتد الرمضاء عليها، فتؤثر عليها حرارة الرمضاء، وذلك في شدة الضحى، أو في وقت القيلولة، ومن المعلوم: أن وقت الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح، وهو زوال وقت الكراهة أو وقت التحريم، الذي هو النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند زوالها وعند غروبها، فمن ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال كل هذا وصف لصلاة الضحى. إذاً: فالحديث الذي معنا دال على سنة الضحى، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى ملتحفاً بثوب في ذلك الوقت بعد أن اغتسل، وصلى تلك الثمان الركعات التي قيل: إنها سنة الضحى، ومن المعلوم: أن الصلاة بثوب واحد سائغ وجائز، لكن بحيث يكون ضافياً، ويكون ساتراً، بحيث يفي بجسم الإنسان، والرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهذا الثوب ملتحفاً به، ولما سئل هل يصلي الرجل في ثوبين؟ قال: (أو كل يجد ثوبين؟)؛ معناه: أن فيه الصلاة بثوب واحد، هذا هو الأصل والغالب؛ لأن كل واحد لا يستطيع أن يجد ثوبين، ففيه: الصلاة بالثوب الواحد؛ لأن أم هانئ قالت: (إنه صلى بثوب ملتحفاً به).ثم أيضاً فيه جواز الكلام من المغتسِل؛ يعني: كون الذي يغتسل يتكلم، أو يكلم غيره عند الحاجة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم لما سلمت أم هانئ قال: (من هذه)، وقال: (مرحباً بـأم هانئ)، فدل هذا على أن المغتسل له أن يتكلم؛ لكن هذا في حال الاغتسال إذا كان في مكان مختص به، أما إذا كان في أماكن قضاء الحاجة، فإن الإنسان لا يتكلم إلا عند الضرورة، ومما يدل على جواز الكلام في حال الاغتسال الحديث الذي فيه وصف أبي أيوب الأنصاري الاغتسال في حال الإحرام، وأنه كان يغتسل، فاغتسل وبينهم وبينه شجر، وكان يتحدث معهم في حال اغتساله.
تراجم رجال إسناد حديث أم هانئ في ستر فاطمة للنبي عند غسله
قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، ثبت، وهذا شيخ أصحاب الكتب الستة، وقد مر أنه روى عنه أصحاب الكتب الستة مباشرة، وأن ممن وافقه في ذلك محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، هؤلاء الثلاثة كل منهم روى عنه أصحاب الكتب الستة مباشرة بدون واسطة، وهم الثلاثة من صغار شيوخ البخاري؛ لأنهم ماتوا في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، أما كبار شيوخ البخاري فهم الذين أدركهم في حال صغره، وماتوا وهو صغير، وروى عنهم وأخذ عنهم، فهؤلاء يقال: كبار شيوخه الذين أدركهم في أواخر حياتهم وفي أول حياته، وروى عنهم، ثم ماتوا، فهؤلاء كبار شيوخه.[عن عبد الرحمن]. هو عبد الرحمن بن مهدي، وقد تقدم في الإسناد الذي قبل هذا.[عن مالك]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام، المحدث، الفقيه، صاحب المذهب المشهور، أحد المذاهب الأربعة المشهورة التي هيئ لها من يقوم بتدوينها والعناية بها، فحفظت واشتهرت وانتشرت، ولم يحصل لغيرها من المذاهب التي هي مثلها، ولكنها ما هيئ لها من يقوم بالعناية بها، من حيث جمعها وتدوينها، ونشرها، والتأليف فيها، فهذه المذاهب الأربعة حصل لها ما لم يحصل لغيرها من مذاهب الفقهاء الذين اشتهروا بالفقه، واشتهروا بالعلم، فالإمام مالك رحمة الله عليه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن سالم]. هو سالم بن أبي أمية أبو النضر، أحياناً يأتي ذكره باسمه -كما هنا- وأحياناً يأتي بكنيته أبي النضر، وقد ذكرت -فيما مضى- أن من فوائد معرفة كنى المسمين ألا يظن أن الشخص الواحد شخصين، وذلك إذا ذكر مرةً باسمه ومرةً بكنيته، هنا سالم أبو النضر، وأبو كريب محمد بن العلاء، أحيانا يقال: أبو كريب، وأحيانا يقال: محمد بن العلاء، وأمثال هؤلاء الذين اشتهروا بكناهم ولهم أسماء سالم أبو النضر ، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي مرة مولى عقيل].هو أبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب، قيل: اسمه يزيد وقيل: عبد الرحمن، وقيل: إنه مولى أم هانئ بنت أبي طالب، وقيل: إنه مولى أخيها عقيل بن أبي طالب، وهو ثقة، وهو مشهور بكنيته، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أم هانئ].أم هانئ قيل: فاختة، وقيل: هند بنت أبي طالب، وذكرت أن لها أحاديث عدتها ستة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم على إخراج حديث، وهو هذا الحديث الذي معنا؛ لأنه متفق عليه، أي: أخرجه البخاري وأخرجه مسلم، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. إذاً: فإسناد هذا الحديث كلهم ممن خرج لهم أصحاب الكتب الستة، وهم يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عبد الرحمن بن مهدي، مالك بن أنس، أبو النضر سالم بن أبي أمية، أبي مرة مولى أم هانئ، وكلهم ثقات.والصحابة لا يحتاجون إلى توثيق، وأن يقال عن الواحد منهم: ثقة؛ لأن من أكرمه الله عز وجل بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكفيه ذلك الشرف وذلك الفضل، ولا يحتاج إلى أن يضاف إليه وصف بأنه ثقة، بل جرت طريقة العلماء على أن الصحابة لا يسألوا عن عدالتهم وعن توثيقهم؛ لأنهم موثقون، ومعدلون بتعديل الله عز وجل لهم، كما قال الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية: إن كل راو دون الصحابي يحتاج إلى معرفة منزلته من الثقة، والجرح والتعديل، أما الصحابة فلا يحتاجون إلى ذلك، ولا يسأل عن عدالتهم، بل الشخص المجهول منهم لا تؤثر جهالته، فإذا قيل: عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يعرف اسمه ولم يعرف عينه، فإن ذلك كاف في الاعتماد عليه، والاحتجاج بحديثه، ما دام وصف بأنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل

شرح حديث عائشة في قدر ما كان يغتسل به النبي من الماء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل. أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن موسى الجهني قال: (أُتي مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال، فقال: حدثتني عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا)].هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي باب: ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل.هذه الترجمة معقودة لبيان المقدار الذي يكفي للغسل، وذكر الرجل هنا لا مفهوم له في كلام النسائي؛ لأن الغالب في الكلام عن الرجال وفي حق الرجال، فالنساء كذلك؛ لأن الأحكام يتساوى فيها الرجال والنساء، ولا يميز بين الرجال والنساء إلا إذا وجد شيء يميز بينهم، أما عند عدم ذكر شيء من ذلك، فإنه لا فرق بين الرجال والنساء.إذاً: فكلام النسائي في قول الرجل لا مفهوم له، ليس لأن المرأة تختلف عن الرجل؛ بل لأن الحديث على الرجال غالباً، هذا هو السبب في ذلك، ومن ذلك حديث أبي هريرة الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيومٍ أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصم)، كذلك المرأة التي كانت معتادة أنها تصوم يوم الإثنين ووافق يوم ثلاثين من شعبان، فالرجل والمرأة في ذلك سواء، وذكر الرجل لا مفهوم له. وقد أورد النسائي في ذلك عدة أحاديث في هذه الترجمة، الحديث الأول: حديث عائشة رضي الله عنها (أُتي مجاهد بقدح حزرته -قول موسى الجهني: حزرته أي قدرته- بثمانية أرطال، فقال: حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا)، يعني: بمثل هذا القدح، وقد جاء في أحاديث: (أن الرسول كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع)، والصاع: أربعة أمداد، وكان يغتسل بأكثر من هذا، وجاء في بعض الروايات: ( اغتساله بما يزيد على الصاع ) لكن المعروف من عادته، والغالب من استعماله أنه كان يغتسل بالصاع، وهنا يقول موسى الجهني: (أن مجاهداً -يعني ابن جبر- أُتي بقدحٍ حزرته، يقول موسى الجهني: ثمانية أرطال، وقال: إن عائشة حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا).
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في قدر ما كان يغتسل به النبي من الماء
قوله: [أخبرنا محمد بن عبيد]. محمد بن عبيد هذا هو المحاربي، وهو صدوق، وخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي. قوله: [حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة].هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، متقن، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن موسى الجهني]. موسى الجهني قيل: أنه ابن عبد الله، وقيل: ابن عبد الرحمن الجهني، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .قوله: [عن مجاهد]. هو مجاهد بن جبر الإمام، المشهور، المعروف بالتفسير، وهو محدث، وفقيه، ومفسر، وهو ثقة، ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن عائشة]. وعائشة أم المؤمنين قد مر ذكرها كثيراً، وهي الصحابية التي زاد حديثها على ألف حديث، وهي الصحابية الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث، والتي هي أحد السبعة المكثرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية الحديث، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.
شرح حديث عائشة في اغتسال النبي بقدر الصاع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص سمعت أبا سلمة يقول: (دخلت على عائشة رضي الله عنها وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فدعت بإناء فيه ماء قدر صاع، فسترت ستراً فاغتسلت، فأفرغت على رأسها ثلاثاً)].أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة أيضاً أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف دخل عليها هو وأخوها من الرضاع، فسألها أخوها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ،(فدعت بإناءٍ فيه ماءٌ قدر صاع، واستترت بسترٍ، وأفرغت على رأسها ثلاثاً)، المقصود من هذا: ذكر المقدار، وأن هذا الإناء قدر صاع، وهذا يوضح ما ذكرت في الترجمة من أن ذكر الرجل ليس له مفهوم؛ لأن عائشة رضي الله عنها اغتسلت بهذا المقدار الذي هو قدر صاع، وهذا هو الغالب على ما كان معروفاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من مقدار الماء الذي يغتسل به، وأنه قدر الصاع.

يتبع

ابوالوليد المسلم 21-04-2019 10:12 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في اغتسال النبي بقدر الصاع
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى]. هو الصنعاني، الذي يأتي ذكره كثيراً، ويروي عن خالد بن الحارث، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له البخاري شيئاً.[حدثنا خالد بن الحارث].هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكثيراً ما يأتي ذكر محمد بن عبد الأعلى يروي عن خالد بن الحارث.[حدثنا شعبة].هو ابن الحجاج، وهو ثقة، أمير المؤمنين في الحديث -كما وصفه بذلك بعض العلماء- وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكر بن حفص]. هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[سمعت أبا سلمة]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع منهم، فقد قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. [عن عائشة]. عائشة قد تم ذكرها في الحديث السابق.
شرح حديث: (كان الرسول يغتسل في القدح وهو الفرق...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في القدح وهو الفرق، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد)].ذكر النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالقدح، وهو الفرق، وكانت تغتسل هي وإياه في إناء واحد ) أي: يغترفان منه جميعاً، يأخذ بيده، وتأخذ بيدها، وتتعاقب أيديهما عليه، وفي هذا الحديث لم يذكر المقدار، لكنه قال: أنه القدح وهو الفرق، يعني: أنه في تلك الحدود التي هي المقدار الذي يغتسل به، وقالت: ( وكنت أغتسل وإياه في إناء واحد )، وهذا فيه دليل على اغتسال الرجل، وأهله من إناء واحد تتعاقب أيديهم عليه، وأنه لا بأس بذلك، وأنه لا مانع منه، وفيه: ذكر مقدار الاغتسال، وما يكون به الاغتسال.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان الرسول يغتسل في القدح وهو الفرق...)
قوله: [عن قتيبة].هو قتيبة بن سعيد الذي يأتي ذكره كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الليث].هو ابن سعد المصري الثقة، المحدث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن ابن شهاب]. هو ابن شهاب الزهري، وهو المحدث، الفقيه، الذي روى عنه أصحاب الكتب الستة، وقد جاء ذكره كثيراً، ومشهور بنسبته إلى جده شهاب، وإلى جده زهرة، فيقال: الزهري، ويقال: ابن شهاب، وهو: محمد بن مسلم الذي مر ذكره كثيراً.[عن عروة بن الزبير]. هو عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة]. عائشة وقد تم ذكرها رضي الله عنها.وإسناد الحديث وهم قتيبة، والليث، والزهري، وعروة، وعائشة هؤلاء الخمسة حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، ومن دون الصحابي فإن كلهم من الثقات؛ أي: قتيبة والليث والزهري وعروة.
شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله حدثنا شعبة عن عبد الله بن جبر سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك، ويغتسل بخمسة مكاكي)]. أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بمكوك)، وهو وعاء كان يتوضأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ويغتسل بخمسة مكاكي)؛ يعني: وعاء يسع هذا المقدار الذي هو خمسة مكاكي، والحديث يتعلق بتحديد الماء، وتقدير الماء الذي يكفي للاغتسال، وهنا جاء ذكر المكاكي وأنها خمسة، وجاء ذكر الصاع، وهذه الأحاديث سبق أن مرت فيما مضى؛ ولكن النسائي أعادها من أجل ذكر المقدار الذي يكفي الإنسان في الاغتسال.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي)
قوله: [أخبرنا سويد بن نصر]. هو المروزي، وهو ثقة، وخرج حديثه الترمذي، والنسائي.[حدثنا عبد الله]. هو ابن المبارك، وإذا جاء عبد الله غير منسوب يروي عنه سويد بن نصر، فالمراد به: عبد الله بن المبارك، يقولون عن سويد بن نصر: إنه راوية عبد الله بن المبارك، والمشهور بالرواية عنه، فإذاً: يحمل عليه، وعبد الله بن المبارك أحد الأئمة، محدث مشهور، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، جواد، مجاهد، فذكر جملة من صفاته، وقال: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً لا سيما عندما يأتي سويد بن نصر.[حدثنا شعبة]. هو شعبة بن الحجاج، وقد تقدم في الإسناد الذي قبل هذا. [عن عبد الله بن جبر]. هو عبد الله بن عبد الله بن جبر، وقيل: عبد الله بن جابر، ويقال: ابن جبير، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[سمعت أنس]. وأنس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في قوله: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـأنس رضي الله عنه هو أحد السبعة الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، وهو من المكثرين ومن الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره كثيراً في الأحاديث الماضية.
الأسئلة

حكم موافقة خطبة الجمعة لبعض المناسبات الإسلامية
السؤال: بعض الخطباء إذا أتى شهر ربيع الأول، وفي الثلث الأول منه يخطب عن موضوع الهجرة النبوية وما يتعلق بها، فما حكم هذا العمل؟ الجواب: لا بأس بذلك؛ يعني: كونه في شهر ربيع الأول، يذكر شيئاً عن الهجرة؛ لأن الهجرة كما هو معلوم في شهر ربيع الأول؛ ولكنه عندما حصل التاريخ الهجري بدءوا من المحرم؛ لأنه منصرف الحاج، وإلا فإن الهجرة كانت في ربيع الأول.وكذلك بعضهم إذا أتى في الثلث الأخير من شهر رمضان يخطب عن غزوة بدر، نقول: لا بأس بذلك أيضاً؛ لأن غزوة بدر كانت في السابع عشر من رمضان، فكونه يذكر ذلك الحدث العظيم، والمناسبة العظيمة يذكر فيها بالجهاد في سبيل الله عز وجل.

الفرق بين صلاة الضحى وصلاة الشروق
السؤال: ما الفرق بين سنة الضحى وصلاة الشروق؟ ومتى وقت كل منهما؟ وكم عدد ركعاتها؟ الجواب: لا أعلم فرقاً بين صلاة الشروق وصلاة الضحى؛ لأن الشروق معناه: الوقت الذي يحل فيه الصلاة، يقول الناس: صلاة الإشراق. معناه: كان الناس ممتنعين من صلاة الضحى إلى أن تطلع الشمس بقيد رمح، ولا يجوز لهم أن يصلوا، فإذا جاء الإشراق، وطلعت الشمس وأشرقت وارتفعت فعند ذلك حل لهم ما كانوا ممنوعين منه، من حين صلوا الفجر إلى ذلك الوقت، فما أعلم فرقاً بين صلاة الإشراق والضحى، والإشراق هي الضحى، وقيل لها إشراق من أجل أنها تبدأ في وقت الإشراق.

حكم مصاحبة صالحي الجن
السؤال: هل يجوز للإنسان أن يصاحب الجن الصالحين ويستخدمهم في الخير؟ الجواب: يصاحب الجن الصالحين، كيف يصاحبهم؟! أقول: كيف يصاحب الجن؟ فلهم شكل غير شكله، ولهم وضع غير وضعه، فكيف تكون مصاحبته إياهم؟ وكيف يستخدمهم؟ هم يتشكلون، فيأتون على صور حيوانات؛ لكن كونهم يأتون على هيأتهم، كما قال الله عز وجل: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، فنحن لا نراهم على هيئتهم التي هم عليها، وهم يروننا على هيئتنا، فكيف يكون الإنسان يصاحبهم؟ نعم لو تشكلوا يمكن يتشكلون على صور إنسان، مثل ذاك الذي هو صاحب أبو هريرة الذي جاء يحثو من الطعام، وقال: إنه ذو عيال وأنه كذا، لكنهم على هيئتهم لا يرون.

مدى صحة رؤية الساحر للجن
السؤال: هل الناس الذين يتعاملون مع الجن مثل السحرة يرون الجن على صورهم؟ الجواب: لا أدري؛ لكن لا شك أن السحرة وإخوانهم من شياطين الإنس يمكن أن يستفيدوا منهم عن طريق كونهم يصرفون لهم شيئاً من حق الله سبحانه وتعالى، فيحصل شيء من كونهم يعينونهم، أو يخبرونهم عن أمور مغيبة؛ لأن الجن عندهم قدرة في الحركة والانتقال من مكان إلى مكان، فقد ينتقل من مكان ويرى ما فيه، ويأتي ويخبر أخاه من شياطين الإنس، والذين هم السحرة، والكهان، والعرافين، ومن في حكمهم.

حال من لم تبلغهم الرسالة يوم القيامة
السؤال: هل يدل قول الله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] أن الذين لم تبلغهم الدعوة يعذرون بأنهم لم يأتهم رسول؟ الجواب: الذين ما بلغتهم الدعوة، وما بلغتهم الرسالة هؤلاء حكمهم أنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء الامتحان تكون النتيجة، فيكونون إما سعداء أو أشقياء، الله تعالى يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].

سماع الكائنات الحية -غير الثقلين- لعذاب القبر من مسافة بعيدة
السؤال: ثبت في الحديث أن عذاب القبر، وصياح الميت يسمعه كل شيء إلا الثقلين، فهل ما عدا الثقلين يسمعون ذلك وإن كانوا بعيدين عن المقبرة؟ الجواب: نعم، الحديث ورد بأن المعذبين في قبورهم يسمعهم من عدا الثقلين -الجن والإنس- لأنهم مكلفون، والدواب تسمع؛ لأنها غير الثقلين -الجن والإنس- والرسول صلى الله عليه وسلم أُسمع وأُقدر على السماع، وهو بشر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد خص بهذا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، والحديث في صحيح مسلم، فهو يدل على أنه يسمع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والله تعالى أقدره على ذلك، وأسمعه بما يجري، لكن هل من يكون بعيداً من الحيوانات يسمع؟ أقول: لا أدري، هل تلك الحيوانات تسمع من بعد كما تسمع من قرب؟ الله تعالى أعلم، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنهم كانوا في الشام إذا أصيبت الخيل عندهم باحتباس الطعام في البطون، وأرادوا كونها تستطلق بطونها، فإنهم يذهبون بها عند قبور الباطنية الذين دفنوا هناك، فتسمع ما يجري في القبور، وعند ذلك يحصل لها فزع، فيصيبها انطلاق في البطن، فهذه الحادثة تشعر بأن السماع يكون عن قرب، لكن هل يحصل عن بعد؟ الله تعالى أعلم، فهذا شيء مغيب لا ندري.

حكم من يأتي بالحيوانات إلى المقبرة للتصديق بعذاب القبر
السؤال: هل يجوز للإنسان -من باب زيادة اليقين والاتعاظ- أن يأتي ببعض الحيوانات إلى المقبرة ليرى نفرتها، وجحودها من ذلك العذاب؟ الجواب: لا يحتاج إلى هذا أبداً، يكفي الإنسان عندما يبلغه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقطع ويجزم بأن ما أخبر به الرسول حقاً وصدقاً، وإن لم يحصل منه أن يذهب بها، وما عرف أن أحداً يذهب بها إلى المقابر ليرى كذا، وإنما الذي ذكرت أنهم كانوا يذهبون بها من أجل تنطلق بطونها؛ لأنها محتبسة، وهذا علاج لها.
معنى المكوك المذكور في حديث أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك...)
السؤال: ما هو المكوك؟الجواب: ما أدري؛ لكنه مقدار معين.

قرابة مجاهد بن جبر من عائشة رضي الله عنها

السؤال: هل مجاهد له قرابة بـعائشة رضي الله عنها؟ الجواب: ما نعلم قرابة مجاهد بن جبر المكي، ومن المعلوم: أن الراوي يروي عن غير قرابته، وكل الذين يروون عن عائشة من قرابتها، أو الذين يأتون إليها ليسمعوا الحديث منها من قرابتها. أقول: الأحاديث يأخذها القريب والبعيد، وليست القضية قضية الرواية أنها تكون عن قرابة.

صيغة التشهد للمصلي المسبوق
السؤال: إذا كان المصلي مسبوقاً في صلاة المغرب بركعتين، هل يذكر التشهد كاملاً؟ الجواب: إذا سبق بركعتين -كما هو معلوم- فقد أدرك ركعة واحدة، فإذا قام يقضي الصلاة فإنه يصلي ركعة، ثم يجلس للتشهد الأول، فإذا جلس الإمام في التشهد الأخير، فإنه يفعل كما يفعل الإمام، ولا فرق بين من كان مسبوقاً وغير مسبوق؛ يعني: حتى في الهيئة يفترش، ويتورك على هيئة الإمام، ولا يكون على اعتبار أنه في أول صلاته، والإمام في آخر صلاته، بل يفعل كما يفعل الإمام، ولو كان هو في أول صلاته والإمام في آخر صلاته، ومن حيث ما يُقرأ؛ فإنه يقرأ التشهد، ويقرأ الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي بالأدعية بعد ذلك، وإذا قام يقضي صلاته، فهو يصلي ركعة ثم يجلس للتشهد؛ يعني: التشهد الأول بعد الركعتين، هذا إذا كان يقصد بالتشهد الذي أدركه مع الإمام، فإنه يأتي به كاملاً كما يفعل الإمام.

تعريف الحاكمية وموقف أهل السنة والجماعة
السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما هي الحاكمية؟ وما موقف أهل السنة والجماعة من هذا اللفظ؟ وما منهجهم بالنسبة للحاكمية؟ الجواب: الحاكمية هذا لفظ استعمل كثيراً على ما يتعلق بالحكم، والحكم بما أنزل الله فيقولون: الحاكمية، بل منهم من يقول: توحيد الحاكمية، فيسميه توحيد الحاكمية، ويقول: إنه نوع من أنواع التوحيد، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن توحيد الألوهية يدخل تحته الحكم وغير الحكم؛ لأنه يتعبد الله عز وجل بكل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء كان في العبادات، أو المعاملات، أو ما إلى ذلك، فالحكم إنما هو في الرجوع إلى ما جاء عن الله، وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وإذا اختلف الناس في مسألة من المسائل، فإنهم يرجعون إلى حكم الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]؛ يعني: إلى كتاب الله، وإلى سنة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، فالمقصود من ذلك: الحكم، والحكم يكون بما أنزل الله، وعند الاختلاف يرجع إلى حكم الله، ما حكم الله به وحكم به رسوله في الكتاب والسنة هو المرجع، فالمرجع في ذلك إلى الشرع، ومن كان معه الدليل فهو الذي معه الحجة، ومن عري من الدليل فهو الذي فقد الحجة.

ذكر أخي عائشة من الرضاع المذكور في حديث أبي سلمة في غسل النبي
السؤال: جاء في الحديث -وذكر رقمه- الرجل يقول: سمعت أبا سلمة يقول: دخلت على عائشة رضي الله عنها وأخوها من الرضاعة فسألها.. إلى آخره، فمن هو أخوها من الرضاعة؟الجواب: يعني:أنا وأخوها، وأخوها من الرضاع، ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح قال: إنني لا أعلم تعيين المراد، ثم ذكر وقال: إن لـعائشة اثنين؛ يعني قيل: إنهما أخوان لها من الرضاعة، فهو لا يعلم تحديد هذا الشخص المبهم في هذا الحديث، أو في هذا الإسناد الذي هو أخو عائشة من الرضاع، فيحتمل أن يكون أحد هذين الاثنين، ويحتمل أن يكون غيرهما. وهو ليس من رجال الإسناد؛ لأن رجل الإسناد هو: أبو سلمة الذي دخل هو وأخوها، وأخوها سأل، وأبو سلمة يسمع، فهو روى عن عائشة، ما روى عن أخيها؛ لكن أخاها هو السبب، ومعرفة السبب ليس بلازم أن يعرف؛ لأنه لو كان يروي عن أخيها من الرضاع، وأخوها من الرضاع يروي عنها، لصار هذا الرجل المبهم يحتاج إلى معرفته حتى يعتبر الحديث ثابتاً أو غير ثابت؛ لكن الرجل ليس من رجال الإسناد، وإنما جاء ذكره لكونه سأل.

علاج الوساوس الشيطانية في التشكيك بوجود الله تعالى
السؤال: بعض الناس الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويؤدون أركان الإسلام وشعائره، ويفعلون الأوامر ويجتنبون النواهي، إلا أنه والعياذ بالله دخل عليهم الشيطان من مدخل أقلقهم، وشتت أفكارهم، وأعيا أجسادهم، ألا وهو تشكيكهم في اليقين بالله تعالى، فيشتكي بعضهم ويقول: أنا لست مستشعراً بوجود الله تعالى، إذاً: فأنا لست مؤمناً، ويقول: من ابتلي بهذا الوسواس أنه قرأ لـابن القيم أنه يقول: إن الوساوس التي تعرض على الخلق نوعان: نوع من الشيطان، ونوع آخر إنما هو شبهة ومرض، لا بد من علاجه، فزاد هذا الكلام هذا الرجل وسوسة، فما هي نصيحتكم له؟الجواب: الجواب على هذا هو: أن الإنسان عليه أن يحذر من الشيطان، وألا يسترسل معه، وقد جاء في الحديث ما يشعر بمثل هذا المعنى: (إن الشيطان لا يزال مع أحدكم يقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له: من خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك فلينته، وليقل: آمنا بالله)، فإذا جاءه هواجس من الشيطان، أو وساوس من الشيطان، فعليه أن يدفعها ويستعيذ بالله من الشيطان، وينتهي، ولا يسترسل مع هذه الوساوس والعياذ بالله.

ابوالوليد المسلم 21-04-2019 10:15 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(72)


- (تابع باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل) إلى (باب ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد)
يجوز الاكتفاء بالصاع عند الاغتسال، وتجوز الزيادة على ذلك والنقصان منه؛ ويجوز للرجل الاغتسال مع نسائه أو ملك يمينه من إناء واحد كما دلت على ذلك الأحاديث.
تابع ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل

شرح حديث: (يكفي من الغسل من الجنابة صاع من ماء ... قد كان يكفي من كان خيراً منكم وأكثر شعراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي جعفر قال: (تمارينا في الغسل عند جابر بن عبد الله، فقال جابر: يكفي من الغسل من الجنابة صاع من ماء، قلنا: ما يكفي صاع ولا صاعان، قال جابر: قد كان يكفي من كان خيراً منكم وأكثر شعراً)]هنا أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: ( أنه كان عنده جماعة في مجلسه فتماروا في القدر الذي يكفي في الاغتسال، فقال جابر : يكفي في الغسل من الجنابة صاع من ماء، وقال بعضهم: ما يكفي صاع ولا صاعان، فقال عند ذلك جابر رضي الله عنه: قد كان يكفي من كان خيراً منكم وأكثر شعراً )، وفي بعض الروايات أنه قال: (من كان خيراً منك، وأكثر شعراً)؛ أي: خطاب لشخص معين، فهو في حال ذكر الإفراد بناء على أن المتكلم واحد، وفي حال الجمع بناء على أنهم جماعة وتحدث عنهم واحد، فوجه الخطاب للجميع. والحديث دال على ما ترجم له المصنف؛ وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بصاع، وكان يكفيه من الماء الصاع، ولما حصل البحث والمناقشة في المقدار الذي يكفي في حال الاغتسال، قال جابر: (يكفي صاع) يشير بذلك إلى ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: (لا يكفي صاع ولا صاعان) فعند ذلك أنكر وأظهر الإنكار وشدد، وقال: (قد كان يكفي من كان خيراً منك، وأوفر شعراً) يعني بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث: (يكفي من الغسل من الجنابة صاع من ماء ... قد كان يكفي من كان خيراً منكم وأكثر شعراً)
قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد]. قتيبة بن سعيد مر كثيراً، وهو من رجال الكتب الستة، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبو الأحوص]. أبو الأحوص هذه كنية اشتهر بها، وهو سلام بن سليم، وهو ثقة متقن، وهو الحنفي الكوفي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي إسحاق]. هو السبيعي، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي، وهو ثقة حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي جعفر]. أبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين الملقب بـالباقر، أحد الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عن علي وعن الصحابة أجمعين، ورحم الله محمداً وغيره من التابعين وأتباع التابعين، وهو ثقة فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وأهل السنة يتولون أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ويحبونهم، ويعرفون لهم فضلهم، ومن كان منهم تقي فهو يحب لتقواه ولقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه يحلف ويقسم ويقول: ( لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي ). هكذا جاء عنه في صحيح البخاري، وكذلك كان يقول: ( ارقبوا محمداً في أهل بيته )، كما جاء ذلك أيضاً في صحيح البخاري، فهذه هي طريقة سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم؛ أنهم يعرفون الفضل لأهل الفضل، ومن كان تقياً يحبونه لتقواه، وهذا هو الأساس في المحبة، لكن إذا انضاف إلى ذلك أن يكون من أهل البيت، فإنهم يحبونه لتقواه ولقربه من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا كانوا يتولون المؤمنين من أهل البيت ويحبونهم، ويعرفون لهم قدرهم، وينزلونهم منازلهم، لكن بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعسف، ولا بالغلو ولا بالجفاء، فلا يغلون ولا يجفون، ولا يتجاوزون الحدود فيفعلون كما تفعل الرافضة، ولا يجفون بأن يتكلموا فيهم بقدح أو بما لا ينبغي، وإنما يذكرونهم بما يليق بهم، ويثنون عليهم، ويحبونهم لتقواهم ولإيمانهم، ولقربهم من رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.إذاً: أبو جعفر هو محمد بن علي، وقد ذكر بكنيته، وهو يروي عن جابر بن عبد الله، وهو الذي روى حديث جابر الطويل الذي فيه صفة حج رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو من رواته ومن رواية أهل البيت عنه، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.[ جابر].هو جابر صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهذا الإسناد رجاله: قتيبة بن سعيد، وأبو الأحوص، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو جعفر الباقر، وجابر، هؤلاء الخمسة حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، وثلاثة منهم ذكروا بكناهم؛ الذين هم: أبو الأحوص وأبو إسحاق وأبو جعفر، والأربعة الذين هم دون الصحابي كلهم من الثقات.
ذكر الدلالة على أنه لا وقت في ذلك

شرح حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد وهو قدر فرق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر الدلالة على أنه لا وقت في ذلك.أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن معمر عن الزهري ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر وابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهو قدر الفرق)].هنا أورد النسائي رحمه الله بعد الباب السابق وهو القدر الذي يجزئ ويكفي في الاغتسال من الجنابة، أورد فيه الدلالة على أنه لا وقت في ذلك، وفي بعض النسخ: لا توقيت في ذلك، يعني: لا توقيت في القدر ولا تحديد ثابت معين بحيث لا يزاد عليه ولا ينقص من مقدار الماء، فأورد هذه الترجمة للدلالة على هذا الشيء، وأورد فيه حديث عائشة أنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهو قدر الفرق)، فالمقصود من إيراد الحديث: الدليل على أنه لا توقيت ولا تحديد في الماء الذي يغتسل فيه الإنسان، بحيث لا يزيد ولا ينقص، ووجه الاستدلال منه: أن قولها: (قدر الفرق) يشعر بأنها تقديرية، وأنها ليست تحديدية أو مقدار ثابت أو كيل معلوم، وإنما هو مقدر قدر الفرق، يعني: يقدر بكذا، فمعناه: أنه تخميني وتقديري، هذا الوجه الأول من وجوه الاستدلال بهذا الحديث على هذا الموضوع. الوجه الثاني: أنه قد جاء في بعض الأحاديث السابقة ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بإناء قدر الفرق، أو هو الفرق ). وهنا قالت: (إنها تغتسل هي وإياه من إناء قدر الفرق). فإذاً: الحديث جاء أن الرسول يغتسل وحده بإناء قدر الفرق، وجاء في حديث أنها هي وإياه يغتسلان من إناء قدر الفرق، ومعلوم أن كونه يغتسل وحده من ذلك الإناء معناه: أن الذي يستعمله من الماء أكثر من الذي يستعمله هو وإياها عندما يغتسلان من إناء قدر الفرق، فهذا يدل على أنه ليس فيه تحديد؛ لأنه لو كان هناك تحديد لكان يلتزم بمقدار معين، سواءً كان وحده أو هي معه، لكن الأمر لا تحديد فيه ولا تقدير، وقد ثبت أنه يغتسل إلى خمسة أمداد -وهي صاع ومد- ويغتسل بالصاع -وهو أربعة أمداد- ويغتسل بثلاثة أمداد؛ وهي صاع إلا ربع، فإذاً: القضية لا تحديد فيها. ووجود هذا وكونه يؤتى بلفظ (قدر) يدل على أن المسألة تقديرية وليست تحديدية، فيكون الأمر في ذلك في سعة ويتبع الحاجة؛ فقد يزيد للحاجة، وقد ينقص عن هذه المقادير لعدم الحاجة.إذاً: الاستدلال بحديث عائشة هذا من وجهين: من التعبير بقدر، وأنه يشير بأن المسألة تخمينية. ومن جهة ثانية: أن هذا القدر الذي كان يغتسل هو وإياها فيه كان يغتسل به وحده. كذلك جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد تتعاقب أيديهم فيها، ولا يؤثر ذلك، وقد جاءت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد وهو قدر فرق)
قوله: [أخبرنا سويد بن نصر]. هو المروزي، خرج له الترمذي والنسائي، وهو ثقة، وقد مر قريباً في إسناد حديث أنس الذي قبل هذا بحديث.[حدثنا عبد الله]. هو ابن المبارك، وعبد الله غير منسوب، ويأتي غير منسوب إذا روى عنه سويد بن نصر؛ لأنه عند الإطلاق والراوي عنه سويد بن نصر فهو راويته، إذاً: لا يلتبس بغيره، فهو عبد الله بن المبارك. [عن معمر]. هو معمر بن راشد شيخ عبد الرزاق الذي جاء ذكره كثيراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، مشهور بالنسبة إلى جده زهرة، وإلى جده شهاب، وهو إمام فقيه محدث مكثر من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[ (ح) وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم]. أتى بالتحويل (ح) وقد عرفنا مراراً وتكراراً أن (ح) هذه يقصد بها التحول من إسناد إلى إسناد؛ يعني: يبدأ بإسناد ويمضي فيه، وقبل أن يصل إلى آخره يبدأ بإسناد آخر من جديد فيأتي بشيخ له، ثم يبدأ الإسناد من جديد، وبين الإسناد الأول والثاني (ح) التي تشعر بالتحويل، والتحول من إسناد إلى إسناد مثل (ح) الذي بعد أخبرنا يرجع إلى النسائي، فـالنسائي هو الذي قال: أخبرنا؛ لأنه قال أولاً: أخبرنا سويد بن نصر، ثم ساق الإسناد، ثم قال: (ح) وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم، إذاً: رجع الإسناد من جديد وذكر شيخاً آخر وهو: إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة ثبت محدث فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.[حدثنا عبد الرزاق]. هو ابن همام الصنعاني المحدث المشهور المكثر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرنا معمر وابن جريج].هو معمر بن راشد، وهنا التقى الإسنادان؛ لأن الإسناد الأول فيه معمر، وهنا فيه معمر، فإذاً أولاً: سويد بن نصر يروي عن عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن المبارك يروي عن معمر، والإسناد الثاني: إسحاق بن إبراهيم يروي عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق يروي عن معمر، وهنا التقى الإسنادان، يعني: إسناد من النسائي فيه شخصان، وإسناد آخر فيه شخصان، ثم يلتقيان عند معمر، ثم يستمر الطريق نفسه بعد ذلك، يعني: هو متفرع من النسائي تفريعين، ثم يلتقيان عند معمر، ثم يستمران بعد ذلك بإسناد واحد، والطريقان متساويتان؛ لأن الطريق الأولى فيها اثنان، والطريق الثانية فيها اثنان، فلا فرق بينهما في العدد؛ لأن الطريق الأولى: سويد وعبد الله، وهو يروي عن معمر، والثاني: إسحاق وعبد الرزاق، وهو يروي عن معمر، فهما متساويان، ثم بعد ذلك يتحد الإسناد من معمر وما فوقه.وابن جريج هو: عبد الملك بن عبد العزيز المكي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري]. الزهري مر من قبل. [عن عروة]. عروة بن الزبير هو أحد فقهاء المدينة السبعة المذكورين في عصر التابعين، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره كثيراً.[عن عائشة].عروة يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها؛ لأن عروة بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة، وهو يروي عن خالته، وعائشة رضي الله عنها مر ذكرها كثيراً، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناءٍ واحد

شرح حديث عائشة: (إن رسول الله كان يغتسل وأنا من إناء واحد...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد.أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن هشام بن عروة (ح) وأخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وأنا من إناء واحد نغترف منه جميعاً)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة؛ وهي: اغتسال الرجل مع المرأة من نسائه من إناء واحد، وهذه الترجمة معقودة لكون الرجل وزوجته يغتسلان من إناء واحد أنه سائغ، وقد فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام مع بعض نسائه، وهو هنا قال: اغتسال الرجل مع بعض نسائه، يعني: أن هذا إنما يكون مع الأهل وهم النساء، ومثلهن الإماء اللاتي هن ملك اليمين، فذكر النساء يراد به أن ذلك يكون مع من يصلح منه ذلك، ومن يصلح منه ذلك هم الأهل الذين يمكن أن ينظر كل منهما إلى الآخر، بخلاف غير الزوجة وملك اليمين، فإن ذلك لا يسوغ لما في ذلك من كشف العورة عند من لا يجوز كشفها عنده، وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك)، فهذا يدل على أن الزوجة وملك اليمين يمكن أن تنظر إلى عورته، وهو كذلك تنظر إلى عورة زوجته وملك يمينه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)، فالاغتسال مع الزوجة أو مع ملك اليمين الذي يحل النظر من بعضهم إلى بعض جائز، ولهذا قال: اغتسال الرجل مع بعض نسائه، يعني: أزواجه، فليست القضية اغتسال رجل وامرأة مطلقاً، وإنما اغتسال رجل مع أهله ومع بعض نسائه، وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث التي أوردها، فأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها: ( أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد نغترف منه جميعاً )، يعني: أن الإناء بينهما، هو يدخل يده ويخرج الماء ويغتسل، وهي تدخل يدها وتخرج الماء وتغتسل، فيتعاقبان ويتناوبان، فهذا يدل على ما ترجم له المصنف من اغتسال الرجل والمرأة.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (إن رسول الله كان يغتسل وأنا من إناء واحد...)
قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله]. سويد بن نصر مر ذكره قريباً، ويروي عن عبد الله وهو ابن المبارك أيضاً مر ذكره.[عن هشام بن عروة]. هو: هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ويروي عنه أصحاب الكتب الستة.[(ح) وأخبرنا قتيبة]. هنا أتى بـ(ح) للتحويل. وقتيبة هو ابن سعيد الذي مر ذكره كثيراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو أحد الفقهاء المعروفين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ومر ذكره كثيراً.[عن هشام بن عروة]. هنا التقى الإسنادان عن هشام بن عروة.[عن أبيه عن عائشة]. هو عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويروي عن عائشة، وعائشة أم المؤمنين مر ذكرها كثيراً.

شرح حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد من الجنابة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة حدثني عبد الرحمن بن القاسم سمعت القاسم يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة)]. هنا أيضاً أورد حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه كما في الذي قبله: أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة؛ لأن الغسل هو غسل الجنابة، فكانا يغتسلان من إناء واحد يغترفان منه، فهو مثل الذي قبله، ودال على ما دل عليه الذي قبله، وهو مطابق لما ترجم له المصنف.وقوله: (من الجنابة) هذا يفيد أن الاغتسال هو غسل الجنابة، وليس غسلاً من الأغسال التي لا علاقة لها بالجنابة.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد من الجنابة)
قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى]. هو الصنعاني، وهو ثقة مر ذكره كثيراً، وروى له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي والنسائي وابن ماجه .[حدثنا خالد]. هو ابن الحارث، ويأتي ذكر محمد بن عبد الأعلى كثيراً يروي عن خالد، وخالد غير منسوب أحياناً، والمراد به خالد بن الحارث، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة]. شعبة قد تقدم ذكره كثيراً.[حدثني عبد الرحمن بن القاسم].هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [سمعت القاسم]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [يحدث عن عائشة]. أي: عن عمته عائشة رضي الله عنها، وقد تقدم ذكرها.

شرح حديث عائشة: (لقد رأيتني أنازع رسول الله الإناء أغتسل أنا وهو منه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لقد رأيتني أنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء أغتسل أنا وهو منه)].تقول عائشة رضي الله عنها: (لقد رأيتني أنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء أغتسل أنا وهو منه)، يعني: هي تغتسل منه، وهو يغتسل منه، ويتنازعان الإناء بحيث أنها تدخل يدها ثم هو يدخل يده، فيحصل تجاذب الإناء؛ فهي تأخذ وتجره إليها وهو يأخذ ويجره إليه، ففيه: جواز اغتسال الرجل وأهله من إناء واحد من الجنابة، وهو دال على ما ترجم له المصنف، وهو بمعنى الأحاديث السابقة لـعائشة رضي الله عنها وأرضاها.

يتبع

ابوالوليد المسلم 21-04-2019 10:15 AM

رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
 
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لقد رأيتني أنازع رسول الله الإناء أغتسل أنا وهو منه)
قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].قتيبة مر ذكره.[حدثنا عبيدة بن حميد]. عبيدة بن حميد صدوق، خرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة. وعبيدة بالفتح، وقد يكون مكتوباً عُبيدة بالضم وهو خطأ، بل هو عبيدة بالفتح ثم الكسر. [عن منصور]. هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن إبراهيم].هو إبراهيم بن يزيد النخعي، المحدث الفقيه، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأسود].هو الأسود بن يزيد النخعي، وهو ثقة مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائشة]. عائشة قد مر ذكرها.

حديث عائشة: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد)].هنا أورد النسائي حديث عائشة أيضاً من طريق أخرى، وأنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، فهو مثل الذي قبله. قوله: [أخبرنا عمرو بن علي]. هو عمرو بن علي الفلاس، الثقة المحدث الناقد، الذي خرج له أصحاب الكتب الستة.[حدثنا يحيى].هو ابن سعيد القطان، المحدث الناقد الثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان]. سفيان هنا مهمل، يحتمل: أن يكون ابن عيينة، ويحتمل أن يكون الثوري، وهو يروي عن منصور، ويحيى بن سعيد القطان يروي عن السفيانين، والسفيانان يرويان عن منصور بن المعتمر، فهو محتمل لهذا ولهذا، لكن حمله على أنه الثوري أقرب؛ لأن منصور كوفي، وسفيان الثوري كوفي، وسفيان بن عيينة مكي، ولما كان يحيى بن سعيد القطان يروي عن السفيانين، والسفيانان يرويان عن منصور بن المعتمر، صار الأمر محتملاً لهذا ولهذا، فيحمل على من كان له به علاقة أو له به اتصالاً أكثر، وما دام أنه من بلده، يعني: سفيان الثوري من بلد منصور بن المعتمر، فيكون حمله عليه أقرب من هذه الناحية والصلة التي بينه وبينه لكونه من بلده، ومعلوم أن الإنسان إذا كان من بلد فإنه يتصل به باستمرار بخلاف إذا كان في بلد آخر، فلا يتصل به إلا إذا رحل إليه أو سافر لحج أو عمرة فيلتقي بـسفيان بن عيينة، أما سفيان فهو معه في بلده الكوفة. وبعد ذلك يتفق الإسناد مع الإسناد الذي قبله.

شرح حديث ميمونة: (أنها كانت تغتسل ورسول الله من إناء واحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن موسى عن سفيان عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أخبرتني خالتي ميمونة أنها كانت تغتسل ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد)]. الأحاديث التي مضت كلها عن عائشة، وكلها تتحدث عن موضوع واحد، وهو اغتسالها وإياه من إناء واحد، وهنا عن ميمونة، يعني صحابية أخرى، وأم أخرى من أمهات المؤمنين، وميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها وأرضاها تروي كما تروي عائشة: ( أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد )، ويروي ذلك عنها ابن أختها عبد الله بن عباس؛ لأن عبد الله بن عباس هو ابن لبابة بنت الحارث الهلالية، ولبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية، فهي خالته، فيروي عنها هذا الحديث، وهو من رواية صحابي عن صحابي.

تراجم رجال إسناد حديث ميمونة: (أنها كانت تغتسل ورسول الله من إناء واحد)
قوله: [أخبرنا يحيى بن موسى]. هو البلخي، وهو ثقة، خرج له البخاري والترمذي والنسائي وأبو داود. [عن سفيان]. هنا سفيان غير منسوب، فيحتمل الثوري ويحتمل ابن عيينة، لكن ذكر في ترجمة يحيى بن موسى أنه روى عن ابن عيينة، فيحمل على أنه ابن عيينة، وسفيان بن عيينة ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو].هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.[عن جابر بن زيد]. هو أبو الشعثاء، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وهو من المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره كثيراً.[أخبرتني خالتي ميمونة]. يروي ابن عباس عن ميمونة خالته، وميمونة هي: أم المؤمنين، ولها ستة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على سبعة، وانفرد البخاري بحديث، وانفرد مسلم بخمسة.
الأسئلة

مدى سنية اغتسال الرجل مع زوجته

السؤال: هل اغتسال الرجل مع أهله من السنة؟ الجواب: هو سائغ وجائز، ولا يقال: إن الإنسان إذا لم يفعله أنه ترك سنة، فلو أن إنساناً ما اغتسل مع أهله فليس عليه شيء.

حكم رواية أبي إسحاق المدلس والمدلسين عموماً
السؤال: أليس أبو إسحاق السبيعي مدلساً، وأنه لا يقبل منه إذا عنعن، ولا بد له من التصريح حتى تقبل روايته؟ الجواب: نعم، أبو إسحاق مدلس، لكن كما هو معلوم أن المدلس لا يعتمد على روايته إلا إذا صرح بالسماع في مكان آخر، أو كان الراوي عنه ممن يعرف بأنه لا يروي عن مدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، لكن هذا يكون في الأحاديث التي يكون فيها انفراد ولا يعرف الحديث إلا من هذا الطريق، لكن إذا كان الحديث جاء من طرق متعددة وكلها في موضع واحد، فهذا يدل على أنه صحيح، وأن ما جاء من الأحاديث في معناه أنها تدل على ما دل عليه. ولعله يريد الكلام على المدلسين من ناحية، وهذا هو الشأن في المدلسين، فالمدلسون يتفاوتون؛ منهم من تدليسه نادر وهذا لا يؤثر، ومنهم من يكون تدليسه كثيراً وهذا يكون مبنياً على أنه صرح بالسماع في موضع آخر، وإذا كان من يروي عنه ممن عرف بأنه لا يروي عن مدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع وأمن فيه تدليسهم، فهذا أيضاً يؤمن فيه جانب التدليس، لكن كما قلت: هذا الأمر يحتاج إليه فيما إذا اتحدت الطريق ولم يكن هناك طرق متعددة، أما إذا كان الحديث له طرق متعددة، وكلها تؤدي هذا المعنى -مثل هذه الأحاديث التي معنا عن عائشة فكلها من طرق كثيرة فيها أنهم كانوا يغتسلون من إناء واحد- وفيها شيء من العنعنة من مدلس ولم يعرف التصريح منه في ذلك الإسناد، فإنه ينجبر بالطرق الأخرى.

الفرق بين فعل الإنسان الاختياري أو الاضطراري
السؤال: ما هو الفرق بين فعل الإنسان الاختياري أو الاضطراري؟ وهل الإنسان مجبور في فعله؟الجواب: أولاً نقول بأن كل ما هو موجود من الأعيان والصفات فهو بخلق الله، لا يوجد في ملك الله إلا ما شاءه الله، وما خلقه الله؛ لأن الله تعالى خلق كل شيء، ولم يجبرهم عليها؛ لأن لهم مشيئة وإرادة، وهو بين لهم أن هذا خير وأن هذا شر، وأنكم إن سلكتم طريق الخير فزتم، وإن سلكتم طريق الشر خسرتم. والله تعالى لم يجبر الناس بمعنى: أنه يجعلهم مضطرين، فلا أحد يستطيع التخلص من هذا الفعل، لا، هذا يرجع إلى مشيئة الإنسان وإرادته، لكن مشيئته وإرادته تابعة لمشيئة الله، فإذا وجد منه شيء بمشيئته وإرادته فإنما كان بإيجاد الله وبمشيئة الله وإرادة الله. والفرق بين الاختيار والاضطرار: أن المضطر لا ينسب إليه الفعل وإنما يوصف به وصفاً، وأما الاختيار فهو ينسب إليه، ويمدح عليه إن كان حسناً، ويذم عليه إن كان سيئاً، فمثلاً: الشخص المرتعش الذي تضطرب يده، فهذه الحركة اضطرارية وليست اختيارية، فلو ضرب بأن يوقف يده من الحركة فما يستطيع؛ لأن هذا ليس من فعله، لكن إذا قيل له: خذ هذا الكتاب وأوصله إلى المكان الفلاني، أو اذهب إلى المكان الفلاني أو اعمل كذا، فهذا شيء يرجع إلى مشيئته وإرادته، فهو غير مجبور عليه، إنما المجبور هو المرتعش الذي ليس له إرادة ولا له مشيئة، فهذا الارتعاش صفة له، فهو لم يحصل منه الحدث، وإنما قام به الحدث، أما الذي يرجع إلى مشيئته وإرادته فهي كسبهم من العباد، وخلق من الله سبحانه وتعالى؛ و(هي كسبهم) بمعنى أنهم فعلوها بمشيئتهم وإرادتهم، لكن لا يفعلون شيئاً ما قدره الله، ولا يحصل منهم شيء ما خلقه الله؛ فالله تعالى خالق العباد الذين هم الأعيان، وخالق صفاتهم التي هي الأفعال والحركات؛ لقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فهو خالقهم وخالق أعمالهم. إذاً: أفعال العباد هي كسب لهم يحمدون على حسنها، ويذمون على سيئها. وهي خلق الله، يعني: إيجاده؛ لأن مراتب القدر أربع: أن الله تعالى علم أزلاً كل ما هو كائن، وكتبه في اللوح المحفوظ، وشاء ذلك، وأوجد ذلك الذي هو الخلق، فله مراتب أربع: علم، وكتابة، ومشيئة، وخلق وإيجاد، وكل أمر يقع فلا بد أن يكون حصل له هذه الأمور الأربعة: علم الله تعالى به بعلمه الذي لا بداية له، وكتبه في اللوح المحفوظ، وشاءه، وأوجده وخلقه، هذه الأمور كلها هي مراتب القدر.إذاً: هناك فعل يضاف إلى العبد يحمد عليه ويذم عليه، ولهذا يقام عليه الحد إذا زنى، ويرجم إذا كان محصناً، ويجلد إذا كان بكراً، ولا يقال: لم عذب وهو شيء مجبور عليه ولا إرادة له؟ فالزنا حرام، وأنت إذا زنيت يفعل بك كذا وكذا، ثم بعد ذلك وقع في الزنا فهو الآن قد أقدم على الحرام بمشيئته وإرادته. ولا يقال: إنه خلق فعله وأنه أوجده، وأن الله تعالى ما خلق أفعال العباد، فأفعال العباد كسب لهم، وهي خلق الله سبحانه وتعالى.أما الشيء الذي ليس للإنسان به علاقة، والذي يعتبر وصف له ولا يعتبر فعل له، فهو مثل: المرتعش، والعروق النابضة التي ليس للإنسان فيها دخل، ومثل جريان النفس، فكل هذه أمور ليس للإنسان فيها دخل، وهي خارجة عن كسب الإنسان وعن فعل الإنسان، وإنما هي وصف له، ولهذا يقولون في تعريف الفاعل: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به، فقولهم: (حصل منه الحدث) يعني: إذا كان يرجع إلى مشيئته وإرادته، مثل: قام، وقف، جلس، قعد، أكل، شرب، كل هذه أفعال من العباد هم الذين فعلوها، فهو فعلهم وكسبهم. وقولهم: (أو قام به) أي: ليس من فعله وإرادته، مثل ما يقال: مرض فلان، مات فلان، فهو ما فعل الموت، وهو ما فعل المرض، ولكنه صار محلاً للمرض، فقام به المرض، فهناك شيء يعتبر من فعله، وشيء خارج عن فعله؛ فإذا حصل منه الحدث كان اختيارياً، وإذا قام به الحدث كان اضطرارياً.

الفرق بين مرجئة الفقهاء وأهل السنة
السؤال: ما الفرق بين مرجئة الفقهاء وأهل السنة؟ وماذا يترتب على ذلك الخلاف؟ الجواب: مرجئة الفقهاء يقولون: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، ويقولون: الإيمان هو تصديق وقول، والعمل خارج عن مسمى الإيمان، وأهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان تصديق وقول وعمل، فكلمة (عمل) هذه أهل السنة يجعلونها داخلة في مسمى الإيمان، ومرجئة الفقهاء يخرجونها على أن تكون داخلة في مسمى الإيمان، هذا هو الفرق بينهما.

ضابط التفريق بين سنن العادات وسنن العبادات
السؤال: ما هو الضابط للفرق بين السنن العادات وسنن العبادات؟ وما هو الدليل على هذا التفريق؟ الجواب: العبادات كما هو معلوم هي السنن، وأما العادات كيف تكون سنناً؟! يعني السنة ما جاء على الشرع، فإذا جاءت على حسب الشرع فهي سنة، وأما العادة: فهي الذي اعتاده وألفه الناس، ومن المعلوم أن الناس قد يعتادون ما هو سنة، وقد يعتادون ما هو بدعة، فيكون سنة إذا كانت السنة جاءت به، ويكون بدعة إذا كانت السنة ما جاءت به، لكن هذه العادة إذا كان ليس لها علاقة بالتعبد وإنما هي في الأمور التي يعتادونها ويحتاجون إليها ولم يأت في الشرع ما يمنع منها، فهي مباحة، فكلمة (سنة عادة) أنا ما أعرف معنى هذه؛ لأن السنة هي ما جاء به الشرع، سواءً كان في العبادات أو في الأمور التي يستعملها الناس في تعاملهم وفي أعمالهم وفي أفعالهم وفيما يتعلق بحاجاتهم، فما جاء به الشرع فهو يقال له: سنة، وما لم يأت به الشرع فالأصل هو الإباحة، وإذا جاء شيء يمنع فلا يجوز الإقدام عليه؛ لأنه جاء ما يمنع من فعل هذا، فإذا اعتاد الناس شيئاً هو على خلاف الشرع فيجب عليهم أن يتركوه، وإذا كان الشرع جاء في إباحته فيفعلوه، وإذا سكت عنه فما قال لهم: هو حلال أو هو حرام، فإن ذلك سائغ.وبالنسبة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم منه ما هو للتشريع، ومنه ما هو بمقتضي الجبلة، فكون الإنسان يقوم ويجلس ويتحرك ويروح ويجيء فهذه أمور جبل عليها الناس، لكن تشريع رسول الله صلى الله عليه وسلم والشيء الذي يقتدى به فيه ويتبع فيه عليه الصلاة والسلام هذا هو السنة.

مدى مشروعية الخلع من دون عوض
السؤال: هل يصح الخلع بغير عوض؟ علماً أن هذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية والجمهور على خلافه.الجواب: أنا ما أدري عن رأي شيخ الإسلام، لكن المعروف أن الخلع يكون على عوض، وهل لا بد أن يكون بعوض أو لا؟ لا أدري، ليس عندي علم في هذا.

حكم نظر الزوج لزوجته عند الاغتسال
السؤال: هل يجوز للزوج أن يغتسل مع امرأته معاً ينظر إليها وتنظر إليه؟ الجواب: نعم يجوز، ينظر الرجل إلى عورة امرأته وهي تنظر إلى عورته، ولا بأس بذلك، ولا مانع منه، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك).

المقصود بقوله: (هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا ...)
السؤال: فضيلة الشيخ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ثم رأيت سواداً عظيماً فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة)، ما المقصود من الأمة هل هي أمة الإجابة أو الدعوة؟ الجواب: المقصود أمة الإجابة طبعاً. وقوله: (هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة)، يعني: هؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، والمقصود بذلك أمة الإجابة.

حكم لعن إبليس
السؤال: جاء في بعض كلام أهل العلم قوله: إبليس لعنه الله، فهل يجوز هذا؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي لما قال: (تعس الشيطان، فقال له: لا تقل هذا، ولكن قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وجاء في صحيح الجامع: (لا تسبوا إبليس).الجواب: لعن إبليس كما هو معلوم هو أهل للعن، وهو أولى من يلعن؛ لأنه سبب كل شر وأصل كل شر، وإذا جاء شيء يدل على منع في حالة معينة أو كذا، فيصار إلى ما جاء به الدليل، وأنا ما أعرف أي شيء، لكن لعن إبليس أقول: هو أولى من يلعن، وقد جاء لعنه في القرآن.

وقفة مع قول ابن حجر في بعض رجال الصحيحين: (صدوق)
السؤال: مر بنا في بعض الأسانيد أن الحافظ ابن حجر يقول فيهم: صدوق، مع أن هذا الرجل في الصحيحين، أو من رجال صاحبي الصحيحين، كيف يكون هذا؟ الجواب: نعم، يكون صدوقاً، ويكون ممن يكون حديثه حسناً في المتابعات، وهذا يأتي في الصحيحين، ثم أحياناً كما هو معلوم كلمة (صدوق) قد يقول هذا الحكم الحافظ ابن حجر، وغيره قد يطلق حكماً آخر، فيقول عنه: ثقة.

حكم تقديم الوتر في حالة جمع صلاة المغرب والعشاء تقديماً
السؤال: إذا جمع المصلون بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم وذلك لأجل شدة المطر، فهل لهم أن يؤخروا الوتر في آخر الوقت أو يجب عليهم تأخير العشاء مع الوتر؟ الجواب: الوتر يبدأ وقته إذا صليت العشاء، سواءً كانت مجموعة مع المغرب أو في وقتها، فإذا صلى الإنسان العشاء ولو كانت مجموعةً مع المغرب في أول وقت المغرب، فيمكن للإنسان أن يوتر؛ لأن العشاء جاء وقتها؛ ولأن وقتها قد انتهى وأداها الإنسان، والوتر يؤدى بعد العشاء، فيبدأ الوتر بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فإذا جمع جمع تقديم فلهم أن يوتروا بعد صلاة العشاء مباشرة، ولهم أن يؤخروا إلى أي وقت شاءوا من الليل، لكن المهم أنه جائز أن يوتروا بعد أن يصلوا ولو كان ذلك في وقت المغرب؛ لأنه ما دام جمعت إليها، فصار ما بعدها إلى طلوع الفجر كله وقت للوتر.
المقصود بآل البيت والضابط في تحديدهم
السؤال: من هم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما الضابط في تحديدهم؟ الجواب: آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هم آله الذين تحرم عليهم الصدقة، وقد اختلف فيهم: فقيل: هم كل هاشمي، وقيل: كل هاشمي ومطلبي؛ لأن بنو المطلب ألحقوا ببني هاشم؛ لأنهم كانوا معهم في وقت الشدة، وهم جميعاً أولاد عبد مناف، إلا أنهم لما كانوا معهم أُلحقوا بهم، وقال: ( إنا وإياهم شيء واحد ) يعني: هو وبنو المطلب، فمن العلماء من خصه ببني هاشم الذين هم قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال بعض العلماء: يضاف إليهم بنو المطلب الذي هو ابن عبد مناف، ومن العلماء من يقول: إن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هم نسل جده الأدنى، وهم أولاد عبد المطلب، فهؤلاء هم أهل بيته، ففيه كلام للعلماء في ذلك؛ من حيث هل هم أولاد هاشم والمطلب الذين هم أولاد عبد مناف، أو أنهم أولاد عبد المطلب بن هاشم ؟ أما زوجاته فمن أهل بيته بلا شك.


الساعة الآن : 01:31 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 968.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 967.09 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.18%)]