رد: مع القرآن الكريم , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
بسم الله الدرس الرابع ... |
رد: مع القرآن الكريم , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: قال تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى---الآية) فالمسطور يبدئ ويعيد، في ثوب جديد، ويسفر بادي الحُسن وحروفه زكية، ، نقف فيه مع قاعدة من القواعد القرآنية العظيمة، التي تؤسس مبدأً شريف القدر، سامي الذرى، إنه مبدأ العدل، وهذه قاعدة طالما استشهد بها العلماء والحكماء والأدباء؛ لعظيم أثرها في باب العدل والإنصاف، تلكم هي ما دل عليها قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر: 7](1). والمعنى: أن المكلفين إنما يجازون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئةَ أحد ولا جريرتَه، ما لم يكن له يدٌ فيها، وهذا من كمال عدل الله تبارك وتعالى وحكمته. ولعل الحكمة من التعبير عن الإثم بالوزر؛ لأن الوزر هو الحمل ـ وهو ما يحمله المرء على ظهره ـ فعبر عن الإثم بالوزر لأنه يُتَخّيَلُ ثقيلاً على نفس المؤمن(2). وهذه القاعدة القرآنية تكرر تقريرها في كتاب الله تعالى خمس مرات، وهذا ـ بلا شك ـ له دلالته ومغزاه. وإن هذا المعنى الذي دلت عليه القاعدة ليس من خصائص هذه الأمة المحمدية، بل هو عام في جميع الشرائع، تأمل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (*) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (*) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (*) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (*) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (*) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (*) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (*) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (*) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 33 - 41]. وهذا المعنى الذي قررته القاعدة لا يعارض ما دلّ عليه قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]، وقولُه: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25]؛لأن هذه النصوص تدل على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب، وإثم الذين أضلهم بقوله وفعله، كما أن الدعاة إلى الهدى يثيبهم الله على عملهم وعمل من اهتدى بهديهم، واستفاد من علمهم. ولهذا لما اجتهد جماعة من صناديد الكفر في إبقاء بعض الناس على ما هم عليه من الكفر، أو حث من كان مؤمناً لينتقل من الإيمان إلى الكفر، أغروهم بخلاف هذه القاعدة تماماً، فقالوا ـ كما حكى الله عنهم ـ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 12، 13]. وإنك أخي المتوسم إذا تأملت في كلام العلماء في كتب التفسير والحديث والعقائد، والفقه، وغيرها رأيت عجباً من كثرة الاستدلال بهذه القاعدة في مواطن كثيرة: فكم من رأي نقضه فقيه بهذه الآية، بل كم مسألة عقدية صار الصواب فيها مع المستدل بهذه الآية، والمقام ليس مقام عرض لهذه المسائل، بل المقصود التنبيه على عظيم موقعها. وإذا أردنا أن نبحث عن أمثلة تطبيقية لهذه القاعدة في كتاب الله، فإن من أشهر الأمثلة وأظهرها تطبيق نبي الله يوسف صلى الله عليه وسلم لها، وذلك أنه حينما احتال على أخذ أخيه بنيامين، بوضع السقاية في رحل أخيه ـ في القصة المعروفة ـ جاء إخوته يقولون: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 78]} فأجابهم يوسف قائلاً: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ[يوسف: 79]}. قارن هذا ـ بارك الله فيك ـ بقول فرعون حينما قال له كَهَنته: إنه سيولد من بني إسرائيل غلامٌ ستكون نهاية ملكك على يده! لقد أصدر مرسومه الظالم الآثم بقتل جميع من يولد من بني إسرائيل ـ وهم آلاف وربما أضعاف ذلك بعشرات ـ من أجل طفلٍ واحد فقط!! ولكن الذي كان يقول للناس: أنا ربكم الأعلى لا يستغرب منه هذا الأمر الخُسْر! وفي الواقع ثمة أناس ساروا على هدي يوسف؛،فتراهم لا يؤاخذون إلا من أخطأ أو تسبب في الخطأ، ولا يوسعون دائرة اللوم على من ليس له صلة بالخطأ، بحجة القرابة أو الصداقة أو الزمالة ما لم يتبين خلاف ذلك! وفي المقابل فمن الناس من يأخذ المحسنين أو البرءاء بذنب المسيئين. وإليك هذه الصورة التي قد تكرر كثيراً في واقع بيوتنا: يعود الرجل من عمله متعباً، فيدخل البيت فيجد ما لا يعجبه من بعض أطفاله: إما من إتلاف تحفة، أو تحطيم زجاجة، أو يرى ما لا يعجبه من قِبَلِ زوجته: كتأخرها في إعداد الطعام، أو زيادة ملوحة أو نقصها، أو غير ذلك من الأمور التي قد تستثير بعض الناس، فإذا افترضنا أن هذه المواقف مما تستثير الغضب، أو أن هناك خطأً يستحق التنبيه، أو التوبيخ، فما ذنب بقية الأولاد الذين لم يشاركوا في كسر تلك التحفة ـ مثلاً ـ؟! وما ذنب الأولاد أن يَصُبَّ عليهم جام غضبه إذا قصرت الزوجة في شيء من أمر الطعام؟! وما ذنب الزوجة ـ مثلاً ـ حينما يكون المخطئ هم الأولاد؟! ومثله يقال في علاقة المعلم والمعلمة مع طلابهم، أو المسؤول في عمله، بحيث لا ينقلوا مشاكلهم إلى أماكن عملهم، فيكون من تحت أيديهم من الطلاب والطالبات أو الموظفين ضحية لمشاكل ليس لهم فيها ناقة ولا جمل!! هنا يستحضر المؤمن أموراً، من أهمها: أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فإن هذا خيرٌ مآلاً وأحسن تأويلاً، وأقرب إلى العدل والقسط الذي قامت عليه السماوات والأرض. وثمة فهمٌ خاطئ لهذه القاعدة القرآنية، وهو أن بعضا الناس يظن أن هذه القاعدة مخالفة لما يراه من العقوبات الإلهية التي تعم مجتمعاً من المجتمعات، أو بلداً من البلاد، حينما تفشو المنكرات والفواحش والمعاصي، وسَبَبُ خطأ هذا الفهم، أن المنكر إذا استعلن به الناس، ولم يوجد من ينكره، فإن هذا ذنب عظيمٌ اشترك فيه كلُّ من كان قادراً على الإنكار ولم ينكر، سواءٌ كان الإنكار باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، ولا عذر لأحد بترك إنكار القلب، فإذا خلا المجتمع من هذه الأصناف الثلاثة ـ عياذاً بالله ـ مع قدرة أهلها عليها استحقوا العقوبة، وإن وجد فيهم بعض الصالحين. تأمل معي قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]! يقول العلامة السعدي(3): في تفسير هذه الآية: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} بل تصيب فاعل الظلم وغيره،وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره،وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن. ويوضح معنى هذه الآية الكريمة ما رواه الإمام أحمد: بسند حسن ـ كما يقول الحافظ ابن حجر(4) ـ من حديث عدي بن عميرة ا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ـ وهم قادرون على أن ينكروه ـ فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة"(5). وروى الإمام أحمد: في مسنده (6) بسند جيد عن أبي بكر الصديق ا أنه خطب فقال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه". وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث.. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وفيرة، يضيق المقام بذكرها وعرضها، والمقصود إزالة هذا الإشكال الذي قد يعرض لبعض القارئين في فهم هذه القاعدة القرآنية، والله سبحانه وتعالى أعلم. قال المؤمل المحاربي: قَد بَيَّنَ الله في الكتاب *** فلا وازِرَةٌ غَيرَ وِزرِها تزرُ كتبه د.عمر بن عبد الله المقبل ______________ (1) وقد نص على كونها قاعدة الإمام المجدد في تفسيره: (57). (2) ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور 5/293. (3) تفسير السعدي (318). (4) فتح الباري لابن حجر (13/4). (5) المسند 29/258 رقم (17720). (6)المسند 1/178 |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
بسم الله الدرس الخامس بتوفيق الله |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية محكمة، ذات البعد الإيماني والتربوي، وله صلة شديدة بواقعنا اليومي، إنها القاعدة التي دلّ عليها قول ربنا جل جلاله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. وهذه القاعدة القرآنية المحكمة تكررت بلفظ قريب في عدد من المواضع، كما تكرر معناها في مواضع أخرى. فمن نظائرها اللفظية المقاربة قول الله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، ويقول عز وجل: { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ...} [القصص: 47]. وأما الآيات التي وردت في تقرير هذا المعنى فكثيرة جدا، ومن ذلك قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]، وكقوله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وقال جل وعلا: {وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران: 181، 182] في ثلاث مواضع من كتاب الله عز وجل. ويقول سبحانه: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: ملخصاً ما دلت عليه هذه الآيات الكريمة بتلخيص العالم المتتبع المستقرئ لنصوص القرآن الكريم، يقول رحمه الله: "والقرآن يبين في غير موضع: أن الله لم يهلك أحداً ولم يعذبه إلا بذنب"(1). أيها الإخوة الكرام: وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآيات الكريمة دلت عليه أيضا نصوص من الوحي الآخر، ألا وهو السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث القدسي العظيم ـ الذي يرويه عن ربه تعالى قال الله عز وجل: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلوم إلا نفسه"(2). وفى صحيح البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت... الحديث"(3). وفى الصحيحين لما سأل أبو بكر - رضي الله عنه - النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، قال له عليه الصلاة والسلام: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"(4). فتأمل ـ أيها المؤمن ـ في هذه الأحاديث جيداً! فَمَنْ هو السائل؟ ومَنْ هو المجيب؟ أما السائل فهو أبو بكر الصديق الأكبر الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في مواضع متعددة، وأما المجيب فهو الرسول الناصح المشفق صلوات الله وسلامه عليه! ومع هذا يطلب منه عليه الصلاة والسلام أن يعترف بذنوبه، وظلمه الكبير والكثير، ويسأل ربه مغفرة ذلك والعفو عنه، والسؤال هنا ـ أيها الأخوة القراء ـ مَنْ الناس بعد أبي بكر رضي الله عنه؟ أيها القراء الفضلاء: إذا تقررت هذه الحقيقة الشرعية ـ وهي أن الذنوب سببٌ للعقوبات العامة والخاصة ـ فحري بالعاقل أن يبدأ بنفسه، فيفتش عن مناطق الزلل فيه، وأن يسأل ربه أن يهديه لمعرفة ذلك، فإن من الناس من يستمرئ الذنب تلو الذنب، والمعصية تلو المعصية، ولا ينتبه لذلك! بل قد لا يبالى! ولربما استحسن ذلك ـ عياذاً بالله ـ فتتابع العقوبات عليه وهو لا يشعر، فتكون مصيبته حين إذن مضاعفه! يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ـ وهو يتحدث عن الأمور التي تورث العبد الصبر وتعينه عليه ليبلغ مرتبة الإمامة في الدين ـ قال رحمه الله: "أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلط الناس عليه بسبب ذنبه، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتعل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه بسببها عن ذنبهم ولومهم، والوقيعة فيه، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبة حققية، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة، قال علي رضي الله عنه كلمة من جواهر الكلام: "لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه ولا يخافن عبد إلا ذنبه"، وروي عنه وعن غيره: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة" (5) انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله. ويقول تلميذه ابن القيم رحمة الله عليه ـ وهو يوضح شيئاً من دلالات هذه القاعدة القرآنية المحكمة {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قال رحمه الله: وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟! فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء؟ وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه؟ فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبُدِّلَ بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالايمان كفراً، وبموالات الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحش، وبلباس الايمان لباس الكفر والفسوق والعصيان؟ فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحلّ عليه غضب الرب تعالى، فأهواه ومقته أكبر المقت! وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم؟ حتى علا الماء فوق رأس الجبال، وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الارض، كأنهم أعجاز نخل خاوية؟ ودمرت ما مرَّ عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم؟ حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها؟ فأهلكم جميعاً ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء، أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه علي أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد. وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل؟ فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمرها تدميراً؟... إلى أن قال رحمه الله: قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا صفوان بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: لما فتحت قبرص، فُرِّقَ بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي! فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره؟! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى!انتهى كلام بن القيم:. والذي استطرد كثيرا في بيان آثار الذنوب والمعاصي السيئة على الفرد والمجتمع في كتابه النافع الجواب الكافي وذكر كلاما نفيسا يحسن الرجوع إليه والاستفادة منه. إخوة الإيمان: وليُعْلَم أنه ينبغي أن ندرك أن العقوبات حينما تذكر، فلا يصح حصرها في العقوبات الحسية أو العقوبات الجماعية ـ التي أشار ابن القيم إلى شيء منها ـ كالهدم والغرق والصيحة، أو السجن والعذاب الحسي، ونحو ذلك، فهذه لا شك أنها أنواع من العقوبات، ولكن ثمة أنواع من العقوبات قد تكون أشد وأعظم، وهى تلك العقوبات التي تتسلط على القلب، فيضرب بالغفلة وقسوته، حتى إن جبال الدنيا لو تناطحت أمامه ما اعتبر ولا اتعظ ـ عياذاً بالله ـ بل يظن المسكين، أو تظن أمة من الأمم ـ وهى ترى النعم تتابع وتزداد مع استمرارها في البعد عن شرع الله ـ تظن أن ذلك علامةً على رضى الله عز وجل عنها، وهذه لعمر الله من أعظم العقوبات التي يبتلى بها العبد وتبتلى بها أمة من الأمم. استمع جيدا إلى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} فما الذي حصل؟ هل تابوا أم رجعوا؟ اقرأ تتمة الآية: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 42 - 44] فنعوذ بالله أن نكون من أهل هذه الآية، ونسأله بمنه وكرمه أن يتوب علينا وأن يبصرنا بمواطن الزلل منا، وأن لا يضربنا بقسوة القلب، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إن ربي سميع مجيب الدعاء، وإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين. _________________ (1) مجموع الفتاوى (14/424). (2) صحيح مسلم (2577). (3) صحيح البخاري (6306). (4) صحيح البخاري (834)، صحيح مسلم (2705). (5) قاعدة في الصبر: (1/169) طبعت ضمن مجموع رسائله (ط.عالم الفوائد). |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
بسم الله الرحمن الرحيم درسنا السادس ان شاء الله |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه
هذه حلقة جديدة من برنامج : ( قواعد قرآنية ) ، نقف فيه مع قاعدة من قواعد التعامل مع الغير ، ومن القواعد التي تُعالج شيئاً من الأخلاق الرذيلة عند بعض الناس ، تلكم القاعدة هي قوله تعالى : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } .. طه : 61 وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق قصة موسى عليه السلام مع فرعون وسحرته الذين هداهم الله ، يقول سبحانه وتعالى عن فرعون : {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} ،،، طه : 56 - 62.والافتراء يُطلق على معانٍ منها : الكذب ، والشرك ، والظلم ، وقد جاء القرآن بهذه المعاني الثلاث ، وكلها ترجع إلى مقصود واحد ؛ أو غاية واحدة و هي الفساد والإفساد ... مفردات الراغب : 634قال ابن القيم ( رحمه الله ) مُؤكداً اضطراد هذه القاعدة : ( وقد ضمن سبحانه أنه لا بد أن يُخيب أهل الافتراء ولا يهديهم وأنه يُسحتهم بعذاب : أي يستأصلهم) ..الصواعق المرسلة - (4 / 1212) .. وإنك ـ أخي المُتدبر ـ إذا تأملت هذه القاعدة وجدت في الواقع ـ وللأسف ـ من له منها نصيب ؛ ومن ذلك 1 ـ الكذب والافتراء على الله عز وجل ، و هو أعظم أنواع الإفتراء ؛ إما بالقول عليه سبحانه بغير علم بأي صورة من الصور ، استمع لقول ربنا تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } .. الأنعام: 93. وقد دلّ القرآن على أن القول على الله بغير علم هو أعظم المُحرمات على الإطلاق ! قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ،،، [الأعراف: 33] ، وأنت إذا تأملت في هذا الأمر ( أعني القول على الله عز وجل بغير علم ) وجدت أن المُشرك إنما أشرك لأنه قال على الله بغير علم ! ومثله الذي يُحلل الحرام أو يُحرم الحلال ، كما حكاه الله تعالى عن بعض أحبار بني إسرائيل . وكذا الذين يُفتون بغير علم ، هم من جملة المُفترين على الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} .. النحل : 116 واعلم وفقك الله أن كلُّ من تكلم في الشرع بغير علم فهو من المُفترين على الله عز و جل : سواء في باب الأسماء والصفات ، أو في أبواب الحلال والحرام ، أو في غيرها من أبواب الدين . ولأجل هذا كان كثير من السلف ( رحمهم الله ) يتورع أن يجزم فيما يُفتي به أنه هو حكم الله إذا كانت المسألة لا نص فيها قاطع ، ولا إجماع معصوم ، قال بعض السلف : "ليتق أحدكم أن يقول : أحل الله كذا ؛ وحرم كذا فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ؛ ولم أحرم كذا" .. إعلام المُوقعين عن رب العالمين - (1 / 39) . فعلى من لم يكن عنده علم فيما يتكلم به أن يتقي الله عز و جل و أن يُمسك لسانه ، وعلى من اُبتلي فتصدر الإفتاء الناس أن يتمثل هدي السلف في هذا الباب ، فإنه و الله خيرُ وأحسن تأويلاً . 2 ـ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } .. ما يفعله بعض الوضاعين للحديث ـ في قديم الزمان وحديثه ـ الذين يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم ويفترون عليه : إما لغرض ـ هو بزعمهم ـ حسنٌ كالترغيب والترهيب ، أو لأغراض سياسية ، أو مذهبية ، أو تجارية ، كما وقع ذلك وللأسف منذ أزمنة متطاولة إلى يومنا هذا .. وليعلم كل من يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم أنه من جملة المُفترين ، فلن يُفلح سعيه ، بل هو خاسر وخائب كما قال ربنا : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ، ولا ينفعه ما يظنه قصداً حسناً ـ كما زعم بعض الوضاعين ـ فإن مقام الشريعة عظيم ؛ ، وجنابها مُصان ومُحترم ، ولقد أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، فليس هو بحاجة لحديث موضوع ومُختلق ، وأي شريعةٌ تلك التي تُبنى على الكذب ، وعلى منْ ؟ على رسولها صلى الله عليه وسلم ؟ ومن المُؤسف أن يُرى لسوق الأحاديث الضعيفة والمكذوبة رواجاً في هذا العصر بواسطة الإنِّترنت ، أو رسائل الجوال ؛ فليتق العبدُ ربَّه ، ولا ينشرن شيئاً ينُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتثبت من صحته عنه . 3 ـ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية الكريمة المُشاهدة في الواقع : ما يقع ـ وللأسف الشديد ـ من ظلم وبغي بين بعض الناس على إخوانهم المسلمين ، وهذا له أسبابه الكثيرة ، لعل من أبرزها : الحسد ـ عياذاً بالله منه ـ والطمع في شيء من لعاعة الدنيا ، أو لغير ذلك من الأسباب ، ويَعْظُمُ الخطب حينما يُلبِّسُ بعضُ الناس صنيعه هذا من البغي لبوسَ الدين ؛ ليبرر بذلك فعلته في الوشاية بفلان ، أو التحذير من فلان ؛ أو الاعتداء على فلان بغياً وعدواناً . ولقد وقفتُ على كثير من القصص في هذا الباب ، منها القديم ومنها المُعاصر ، اعترف أصحابها بها ، وهي قصص تُقطع الكبد ألماً ، بسبب ما ذاقوه من عاقبة افترائهم وظلمهم لغيرهم ،.و أكتفي من ذلك بهذين الموقفين ؛ لعل في ذكرهما عظةٌ وعبرة 1 ـ تحدثتْ إحداهن ـ وهي أستاذة جامعية ومُطلقة مرتين ـ فقالت : حدثت قصتي مع الظلم قبل سبع سنوات ، فبعد طلاقي الثاني قررتُ الزواج بأحد أقاربي الذي كان ينعم بحياة هادئة مع زوجته وأولاده الخمسة ، حيث اتفقت مع ابن خالتي ـ الذي كان يُحب زوجة هذا الرجل ـ اتفقنا على اتهامها بخيانة زوجها ! وبدأنا في إطلاق الشائعات بين الأقارب ، ومع مرور الوقت نجحنا ، حيث تدهورت حياة الزوجين وانتهت بالطلاق ! وبعد مضي سنة تزوجت المرأةُ ـ التي طُلقت بسبب الشائعات ـ برجل آخر ذي منصب ، أما الرجل فتزوج امرأة غيري ، وبالتالي لم أحصل مع ابن خالتي على هدفنا المنشود ، ولكنا حصلنا على نتيجة ظلمنا حيث أصبت بسرطان الدم ! أما ابن خالتي فقد مات حرقاً مع الشاهد الثاني الذي شهد بالتُهمة ، بسبب التماس كهربائي في الشقة التي كان يُقيم فيها ، وذلك بعد ثلاث سنوات من القضية . 2 ـ أما القصة الأخرى : فيرويها شخص اسمه (حمد) : يقول هذا الشخص : عندما كنت طالباً في المرحلة الثانوية حدثت مُشاجرة بيني وبين أحد الطلاب المُتفوقين ، فقررت ـ بعد تلك المشاجرة ـ أن أدمر مستقبله ، فحضرت ذات يوم مُبكراً إلى المدرسة ، ومعي مجموعة من سجائر الحشيش ـ التي كنا نتعاطاها ـ ووضعتها في حقيبة ذلك الطالب ، ثم طلبت من احد أصدقائي إبلاغ الشرطة بأن في المدرسة مُروجَ مخدرات ، وبالفعل تمت الخطة بنجاح ، وكنا نحن الشهود الذين نستخدم المخدرات . يقول حمد هذا : ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني نتيجة الظلم الذي صنعته يداي ، فقبل سنتين تعرضت لحادث سيارة فقدت بسببه يدي اليمُنى ، وقد ذهبت للطالب في منزله أطلب منه السماح ، ولكنه رفض لأنني تسببت في تشويه سمعته بين أقاربه حتى صار شخصاً منبوذاً من الجميع ، وأخبرني بأنه يدعو عليّ كل ليلة ؛ لأنه خسر كل شيء بسبب تلك الفضيحة المُلفقة ، ولأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب فقد استجاب الله دعوته ، فها أنا بالإضافة إلى يدي التي فقدتها أصبحت مُقعداً على كرسي مُتحرك نتيجة حادث آخر ! ومع أني أعيش حياة تعيسة ، فإني أخاف من الموت لأني أخشى عقوبة رب العباد .. نُشرت هذه القصص في مقال للكاتب محمد بن عبدالله المنصور ، بعنوان: ( رسالة بلا عنوان !) في جريدة اليوم الإلكترونية ، عدد (11854) ، الأثنين 26/10/1426هـ ، المُوافق : 28/11/2005 م . 4- ومن صور تطبيقات هذه القاعدة في عصرنا : ما يقع من بعض الكُتاب والصحفيين ، الذين يعمي بعضَهم الحرصُ على السبق الصحفي عن تحري الحقيقة ، والتثبت من الخبر الذي يُورده ، وقد يكون مُتعلقاً بأمور حساسة تطال العرض والشرف ، وليتدبروا جيداً ، هذه القاعدة القرآنية المُحكمة : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ، والقاعدة المُحكمة في باب الأخبار : { فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} ... نسأل الله سبحانه و تعالى أن يُعيذنا و إياكم من الإفتراء عليه أو على رسوله ؛ أو البغي على عباده .. |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
تفاصيل مهمة ودقيقة وضحها الدرس جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل ابو الشيماء لاحرمك ربي الاجر والثواب |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
بسم الله الدرس السابع بفضل الله تعالى |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد: فهذا مرفأ جديد من مرافئ مركبنا القرآني ليرسو على شاطئ من شواطئ هذه القواعد القرآنية، نتدارس فيها شيئاً من معاني قاعدة قرآنية محكمة، يحتاجها كل مؤمن، وعلى وجه الخصوص من عزم على الإقبال على ربه، وقرع باب التوبة، تلكم هي القاعدة التي دل عليها قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: 114]. وهذه القاعدة هي جزء من آية كريمة في سورة هود، يقول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود: 114]، وهذه الآية الكريمة سبقت بجملة من الأوامر العظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، يحسن ذكرها ليتضح الربط بينها، يقول تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}[هود: 112، 113]. ومعنى الآية ـ التي تضمنت هذه القاعدة باختصار ـ: أن الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ـ وهو خطاب للأمة كلها ـ بأن يقيموا الصلاة طرفي النهار، وساعاتٍ من الليل، ينصب فيها قدميه لله تعالى، ثم ذكر علّلَ هذا الأمر فقال: {إن الحسنات يذهبن السيئات} أي يمحونها ويكفرنها حتى كأنها لم تكن ـ على تفصيل سيأتي بعد قليل إن شاء الله ـ والإشارة بقوله: {ذلك ذكرى للذاكرين} إلى قوله: {فاستقم كما أمرت} وما بعده، وقيل: إلى القرآن، ذكرى للذاكرين: أي موعظة للمتعظين(1). أيها القراء الأفاضل: وكما أن هذه القاعدة صرحت بهذا المعنى، وهو إذهاب الحسنات للسيئات، فقد جاء في السنة ما يوافق هذا اللفظ تقريباً، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنّه(2) من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"(3). أيها الإخوة المؤمنون: إذا تبين معنى هذه القاعدة بإجمال، فليعلم أن إذهاب السيّئات يشمل أمرين: 1 ـ إذهاب وقوعها، وحبها في النفس، وكرهها، بحيث يصير انسياق النّفس إلى ترك السيّئات سَهْلاً وهيّناً كقوله تعالى: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] ويكون هذا من خصائص الحسنات كلّها. 2 ـ ويشمل أيضاً محو إثمها إذا وقعت، ويكون هذا من خصائص الحسنات كلّها، فضلاً من الله على عباده الصالحين"(4). ولقد بحث العلماء ههنا معنى السيئات التي تذهبها الحسنات، والذي يتحرر في الجمع بين أقوالهم أن يقال: إن كانت الحسنة هي التوبة الصادقة، سواء من الشرك، أو من المعاصي، فإن حسنة التوحيد، والتوبة النصوح لا تبقي سيئة إلا محتها وأذهبتها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}[الفرقان: 68 - 71]. وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ـ لما جاءه يبايعه على الإسلام والهجرة ـ: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟" (5). وإن كان المراد بالحسنات عموم الأعمال الصالحة كالصلاة والصيام، فإن القرآن والسنة دلّا صراحةً على أن تكفير الحسنات للسيئات مشروط باجتناب الكبائر، قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[النساء: 31]، وقال عز وجل: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللّمَم}. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر"(6). أيها الإخوة المؤمنون: إن هذه القاعدة الجليلة: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} والتي جاءت في مساق الحكم الشرعي، جاء معناها في القرآن الكريم على صور منها: 1 ـ في سياق الثناء على أهل الجنة ـ جعلني الله وإياكم من أهلها ـ قال تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد: 22]. قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ في بيان معناها ـ: يدفعون بالصالحِ من العملِ السيئَ من العمل. علق البغوي على كلمة ابن عباس، فقال: وهو معنى قوله: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}" (7). 2 ـ إثبات هذا المعنى في الأمم السابقة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[المائدة: 65]. 3 ـ إثباته في سياق الحديث عن توبة العصاة، كما في آية الفرقان التي تلوتها قبل قليل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ... إلى قوله: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ... الآيات}[الفرقان: 68 - 71]. أيها المحبون لكتاب ربهم: إن الأمثلة التطبيقية التي توضح وتؤكد معنى هذه القاعدة المحكمة: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} لكثيرة جداً، لكن لعلنا نذكر ما يسمح به وقت البرنامج، وأول ما نبدأ به من الأمثلة هو ما ذكره ربنا في الآية الكريمة التي تضمنتها هذه القاعدة، وهو: 1 ـ إقامة الصلاة طرفي النهار ـ وهو مبتدأه ومنتهاه ـ، وساعات من الليل، ولا ريب أن أول ما يدخل في هذه الصلوات الخمس، كما يدخل فيها: بقية النوافل، كالسنن الرواتب، وقيام الليل. وإذا كانت هذه الآية الكريمة تدل على أن الصلوات المفروضات والنوافل من أعظم الحسنات الماحية للسيئات، فإن السنة صرّحت بهذا ـ كما تقدم ـ بشرط اجتناب الكبائر. فليبشر الذين يحافظون على صلواتهم فرضها ونفلها بأنهم من أعظم الناس حظاً من هذه القاعدة القرآنية: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، ويا تعاسة وخسارة من فرطوا في فريضة الصلاة!! 2 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة، ما رواه الشيخان من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: أن رجلا أصاب من امرأة قُبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟! قال: "بل لجميع أمتي كلهم"(8). 3 ـ قصة توبة القاتل الذي قتل تسعةً وتسعين نفساً ـ وهي في الصحيحين ـ وهي قصة مشهورة جداً، والشاهد منها، أنه لما انطلق من أرض السوء إلى أرض الخير: "أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاه ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة"(9). فإلى كل من أسرف على نفسه، وقنّطه الشيطان من رحمة ربه، لا تأيسنّ ولا تقنطن، فهذا رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فلما صحّت توبته، رحمه ربه ومولاه، مع أنه لم يعمل خيراً قط من أعمال الجوارح سوى هجرته من بلد السوء إلى بلد الخير.. أفلا تحرك فيك هذه القصة الرغبة في هجرة المعاصي، والإقبال على من لا سعادة ولا أنس إلا بالإقبال عليه؟! وتأمل في هذه الكلمة المعبرة، التي قال الحسن البصري رحمه الله: "استعينوا على السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، وإنكم لن تجدوا شيئا أذهب بسيئة قديمة من حسنة حديثة، وأنا أجد تصديق ذلك في كتاب الله: {إن الحسنات يذهبن السيئات}(10). اللهم ارزقنا حسناتٍ تذهب سيئاتنا، وتوبة تجلو أنوارها ظلمة الإساءة والعصيان، والحمد لله رب العالمين. ______________ (1) ينظر: فتح القدير 2/678. (2) وفي بعض النسخ: صحيح، وقد استبعد هذا ابن رجب في تعليقه على هذا الحديث في "جامع العلوم والحكم" ح (18). (3) الترمذي (1987) وقد رجح الدارقطني إرساله، وانظر تعليق ابن رجب عليه في "الجامع" ح (18). (4) ينظر: التحرير والتنوير (7/284). (5) مسلم (121). (6) مسلم (233). (7) تفسير البغوي (4/313). (8) البخاري (503)، ومسلم (2763). (9) البخاري (3283)، ومسلم (2766). (10) تفسير ابن أبي حاتم (8/279). |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه, والق سمعك, واحضر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه إليه, فإنّه خطاب منه لك, على لسان رسوله, قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (قّ:37)
وذلك أن تمام التأثير لمّا كان موقوفا على مؤثر مقتض, ومحل قابل, وشرط لحصول الأثر, وانتقاء المانع الذي يمنع منه, تضمّنت الآية بيان ذلك كلّه بأوجز لفظ وأبينه, وأدلّه على المراد.فقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} (قّ:37) إشارة إلى ما تقدّم من أوّل السورة إلى ها هنا وهذا هو المؤثّر.قوله: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فهذا هو المحل القابل, والمراد به القلب الحيّ الذي يعقل عن الله, كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّا} أي حيّ القلب ، وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي وجّه سمعه وأصغى حاسّة سمعه إلى ما يقال له, وهذا شرط التأثّر بالكلام.وقوله: {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي شاهد القلب حاضر غير غائب. قال ابن قتيبة: "استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم, ليس بغافل ولا ساه". وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير, وهو سهو القلب, وغيبته عن تعقّل ما يقال له, والنظر فيه وتأمّله. فإذا حصل المؤثر وهو القرآن, والمحل القابل وهو القلب الحي, ووجد الشرط وهو الإصغاء, وانتقى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب, وانصرافه عنه إلى شيء آخر, حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكّر. (الفوائد.. ابن القيم) |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الدرس الثامن بفضل الله تعالى.. |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على خير المرسلين وعلى آله الطاهرين و أصحابه الغر الميامين.. ثم أما بعد فهذه قاعدة أخرى في مسرد موضوعنا الممتد: (قواعد قرآنية)، وهي قاعدة سامقة الفروع، باسقة الجذوع؛ لأنها من القواعد السلوكية التي تدل على عظمة هذا الدين، وشموله، وروعة مبادئه، إنها القاعدة التي دلّ عليها قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق آيات الطلاق في سورة البقرة، يقول ربنا تبارك وتعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). والمعنى: أن الله تعالى يأمر من جمعتهم علاقة من أقدس العلاقات الإنسانية ـ وهي علاقة الزواج ـ أن لا ينسوا ـ في غمرة التأثر بهذا الفراق والانفصال ـ ما بينهم من سابق العشرة، والمودة والرحمة، والمعاملة. وهذه القاعدة جاءت بعد ذلك التوجيه بالعفو: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} كلُّ ذلك لزيادة الترغيب في العفو والتفضل الدنيوي. وتأمل في التأكيد على عدم النسيان، والمراد به الإهمال وقلة الاعتناء، وليس المراد النهي عن النسيان بمعناه المعروف؛ فإن هذا ليس بوسع الإنسان. وفي قوله: {إن الله بما تعملون بصير} تعليل للترغيب في عدم إهمال الفضل، وتعريض بأن في العفو مرضاة الله تعالى، فهو يرى ذلك منا فيجازي عليه(1). إن العلاقة الزوجية ـ في الأعم الأغلب ـ لا تخلو من جوانب مشرقة، ومن وقفات وفاء من الزوجين لبعضهما، فإذا قُدّر وآل هذا العقد إلى حل عقدته بالطلاق، فإن هذا لا يعني نسيان ما كان بين الزوجين من مواقف الفضل والوفاء، ولئن تفارقت الأبدان، فإن الجانب الخلقي يبقى ولا يذهبه مثل هذه الأحوال العارضة. وتأمل في أثر العفو، فإنه: يقرّب إليك البعيد، ويصيّر العدو لك صديقاً. بل وتذكر ـ يا من تعفو ـ أنه يوشك أن تقترف ذنباً، فيُعفى عنك إذا تعارف الناس الفضل بينهم، بخلاف ما إذا أصبحوا لا يتنازلون عن الحق. ولله ! ما أعظم هذه القاعدة لو تم تطبيقها بين الأزواج، وبين كل من تجمعنا بهم رابطة أو علاقة من العلاقات! لقد ضرب بعض الأزواج ـ من الجنسين ـ أروع الأمثلة في الوفاء، وحفظ العشرة، سواء لمن حصل بينهم وبين أزواجهم فراق بالطلاق، أو بالوفاة، أذكر نموذجاً وقفتُ عليه، ربما يكون نادراً، وهو لشخص أعرفه، طلق زوجته ـ التي له منها أولاد ـ فما كان منه إلا أسكنها في الدور العلوي مع أولاده الذين بقوا عندها، وسكن هو في الدور الأرضي، وصار هو الذي يسدد فواتير الاتصالات والكهرباء ويقوم تفضلاً بالنفقة على مطلقته، حتى إن كثيراً ممن حوله من سكان الحي لا يدرون أنه مطلق! وإني لأحسبه ممن بلغ الغاية في امتثال هذا التوجيه الرباني: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، نعم هذا مثال عزيز؛ لكني أذكره لأبين أن في الناس خيراً، وكما قال الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس أيها القراء الكرام: دعونا نتوقف قليلاً عند موقف عملي ممن كان خلقَه القرآن ج، لنرى كيف كان يتمثل ويمتثل القرآن عملياً في حياته: وذلك أن أنه ج لما رجع من الطائف، بعد أن بقي شهراً يدعو أهلها، ولم يجد منهم إلا الأذى، رجع إلى مكة، فدخل في جوار المطعم بن عدي، فأمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح، وقام كل واحد منهم عند الركن من الكعبة، فبلغ ذلك قريشاً فقالوا له: أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك! ومات المطعم مشركاً، لكن النبي ج لم ينس له ذلك الفضل، فأراد أن يعبر عن امتنانه لقبول المطعم بن عدي أن يكون في جواره في وقت كانت مكة كلها إلا نفراً يسيراً ضد النبي ج، فلما انتهت غزوة بدر ـ كما في البخاري ـ: "لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له"(2). والمعنى: لو طلب مني تركهم وإطلاقهم من الأسر بغير فداء لفعلت؛ ذلك مكافأة له على فضله السابق في قبول الجوار، فصلوات الله وسلامه على معلم الناس الخير. وإن في حياتنا صنوفاً من العلاقات ـ سوى علاقة الزواج ـ: إما علاقة قرابة، أو مصاهرة، أو علاقة عمل، أو صداقة، أو يد فضل، فما أحرانا أن نطبق هذه القاعدة في حياتنا؛ ليبقى الود نهرًا مطردًا، ولتحفظ الحقوق، وتتصافى القلوب كبياض البدر بل أبهى، وكصفاء الشهد بل أنقى، وكرونق الزهر بل أعطر و أزكى؛ وإلا فإن مجانبة تطبيق هذه القاعدة الأخلاقية العظيمة، يعني مزيداً من التفكك والتباعد والشقاق، ووأداً لبعض الأخلاق الشريفة. ومن العلاقات التي لا يكاد ينفك عنها أحدنا: علاقة العمل: سواء كان حكومياً أو خاصاً، أو تجارةً، فقد تجمعنا بأحد من الناس علاقة عمل، وقد تقتضي الظروف أن يحصل الاستغناء عن أحد الموظفين، أو انتقال أحد الأطراف إلى مكان عمل آخر برغبته واختياره، وهذا موضع من مواضع هذه القاعدة: فلا ينبغي أن ينسى الفضل بين الطرفين، فكم هو جميل أن يبادر أحد الطرفين إلى إشعار الطرف الآخر، أنه وإن تفرقنا ـ بعد مدة من التعاون ـ فإن ظرف الانتقال لا يمكن أن ينسينا ما كان بيننا من ود واحترام، وصفاء ووئام، وتعاون على مصالح مشتركة، ولذا فإنك تشكر أولئك الأفراد، وتلك المؤسسات التي تعبر عن هذه القاعدة عملياً بحفل تكريمي أو توديعي لذلك الطرف، فإن هذا من الذكريات الجميلة التي لا ينساها المحتفى به، وإذا أردتَ أن تعرف موقع وأثر مثل هذه المواقف الجميلة، فانظر إلى الأثر النفسي السلبي الذي يتركه عدم المبالاة بمن بذلوا وخدموا في مؤسساتهم الحكومية أو الخاصة لعدة سنوات، فلا يصلهم ولا خطاب شكر!. ـ ومن ميادين تطبيق هذه القاعدة: الوفاء للمعلمين، وحفظ أثرهم الحسن في نفس المتعلم. أعرف معلماً(3) من رواد التعليم في إحدى مناطق بلادنا من ضرب مثالاً للوفاء، إذ لم يقتصر وفاؤه لأستاذته الذين درسوه، بل امتد لأبنائهم حينما مات أستاذته ـ رحمهم الله ـ ويزداد عجبك حين تعلم أنه يتواصل معهم وهم خارج المملكة سواء في مصر أو الشام، فلله در هذا الرجل، وأكثر في الأمة من أمثاله. ورحم الله الإمام الشافعي يوم قال: الحر من حفظ وداد لحظة، ومن أفاده لفظة. وفي واقعنا مواضع كثيرة لتفعيل هذه القاعدة القرآنية الكريمة {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}: فللجيران الذين افترقوا منها نصيب، ولجماعة المسجد منها حظ، بل حتى العامل والخادم الذي أحسن الخدمة، ولهذه القاعدة حضورها القوي في المعاملة، حتى قال بعض أهل العلم: "من بركة الرزق: أن لا ينسى العبد الفضل في المعاملة، كما قال تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة:237], بالتيسير على الموسرين، وإنظار المعسرين، والمحاباة عند البيع والشراء، بما تيسر من قليل أو كثير، فبذلك ينال العبد خيراً كثيراً"(4). إن الوفاء على الكرام فريضة *** واللؤم مقرون بذي النسيان وترى الكريم لمن يعاشر حافظا *** وترى اللئيم مضيع الإخوان نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا هو،وأن يعيذنا من سيئها لا يعيذ منها إلا هو سبحانه. ____________________ (1) ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور بتصرف. (2) صحيح البخاري، رقم (3139). (3) هو الأستاذ عبدالعزيز بن إبراهيم الخريف من وجهاء حريملاء. (4) بهجة قلوب الأبرار: (37). |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الدرس التاسع باذن الله |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ،
وبعد .. حديثنا في هذه الحلقة مع قاعدة عظيمة مُباركة لها أثرٌ بالغ في حياة الذين وعوها وعقلوها ، واهتدوا بهداها ، قاعدة لها صلة بأحد أصول الإيمان العظيمة : ألا وهو : الإيمان بالقضاء والقدر ، وتلكم القاعدة هي قوله سبحانه وتعالى ـ في سورة البقرة في سياق الكلام على فرض الجهاد في سبيل الله : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .. البقرة : 216 وهذا الخير المُجمل ، فسره قوله تعالى في سورة النساء ـ في سياق الحديث عن الفراق بين الزوجين في قوله تعالى : {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} . النساء : 19 ، فقوله (خيراً كثيراً) مُفسر ومُوضح للخير الذي ذُكر في آية البقرة ، وهي الآية الأولى التي استفتحنا بهذا هذا الحديث . ومعنى القاعدة بإيجاز : أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المُؤلمة ، والمصائب المُوجعة ، التي تكرهها نفسه ، فربما جزع ، أو أصابه الحزن ، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية ، والفاجعة المُهلكة ، لآماله وحياته ، فإذا بذلك المقدور يُصبح خيرا عليه من حيث لا يدري .. يُصبح منحة في ثوب محنة ، وعطية في رداء بلية ، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب ، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب !.والعكس صحيح : فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ ، واستمات في سبيل الحصول عليه ، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه ، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد ، و هذا هو معنى القاعدة القرآنية التي تضمنتها هذه الآية باختصار .. أيها القارئ الموفق : ما إن تُمعن بناظريك ، مُتأملاً الآيتين الكريمتين الأولى والثانية ، إلا و تجد الآية الأولى ـ التي تحدثت عن فرض الجهاد ـ تتحدث عن ألم بدني وجسميًّ قد يلحق المُجاهدين في سبيل الله ، كما هو الغالب ، و هو أيضا حديث عن عبادة من العبادات ؛ وإذا تأملت الآية الثانية ـ آية مُفارقة النساء ـ وجدتها تتحدث عن ألم نفسي قد يلحق أحد الزوجين بسب فراقه لزوجه ! وإذا تمعنت آية النساء ، وجدتها تتحدث عن أحد أوثق العلاقات الإجتماعية .. إذن فنحن أمام قاعدة تناولت أحوالاً شتى : دينية ودنيوية ، بدنية ونفسية ، وهي أحوال لا يكاد ينفك عنها أحد في هذه الحياة التي : جُبلت على كدر وأنت تُريدها *** صفوا من الأقذاء والأقذار وقول الله عز وجل أبلغ و أوجز و أعجز ، {لقد خلقنا الإنسان في كبد } .. البلد : 4 إذا تبين هذا ـ أيها المؤمن بكتاب ربه ـ فاعلم أن إعمال هذه القاعدة القرآنية : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .. من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً ، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس ، بسبب موقف من المواقف ، أو بسبب قدر من الأقدار المُؤلمة ـ في الظاهر ـ جرى علي هذا الإنسان في يوم من الأيام .. ولو قلبنا قصص القرآن ، وصفحات التاريخ ، أو نظرنا في الواقع لوجدنا من ذلك عِبراً و وجدنا شواهدَ كثيرة ، لعلنا نُذّكر ببعض منها ، عسى أن يكون في ذلك سلوى لكل محزون ، وعزاء لكل مهموم : 1ـ تأمل قصة إلقاء أم موسى لولدها في البحر ! فأنت ـ إذا تأملتَ ـ وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون ، ومع ذلك ظهرت عواقب هذا الإلقاء الحميدة ، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام ، وصدق الله عز و جل : {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } .. 2- و تأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام : تجد أن هذه الآية مُنطبقة تمام الانطباق على ما جرى على يوسف وعلى أبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام .. كم وقع في هذه القصة - التي امتدت تفاصيلها عشرات السنين – كم وقع فيها من آلام كانت سببا في رفعة هذين النبيين عليهما و على نبينا الصلاة و السلام .. 3-و تأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى :: فإنه علل قتله بقوله : {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} ، الكهف: 80، 81 توقف ـ أيها المُعظم لكلام الله عز و جل .. وتوقفي أيتها المؤمنة عندها قليلاً ـ! كم من إنسان لم يُقدر الله تعالى أن يرزقه بالولد ، فضاق ذرعا بذلك ، واهتم واغتم وصار ضيقا صدره ـ وهذه طبيعة البشر ـ لكن الذي لا ينبغي أن يحدث هو الحزن الدائم ، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة ! وليت من حُرم نعمة الولد أن يتأمل هذه الآية لا ليذهب حزنه فحسب ، بل ليطمئن قلبه ، وينشرح صدره ، ويرتاح خاطره ، وليته ينظر إلى هذا القدر بعين النعمة ، وبصر الرحمة ، وأن الله تعالى رُبَما صرف هذه النعمة ( أعني نعمة الولد ) رحمةً به ! وما يدريه ؟ لعله إذا رزق بولد صار - هذا الولد - سبباً في شقاء والديه ، وتعاستهما ، وتنغيص عيشهما ! أو تشويه سمعته ، حتى لو نطق لكاد أن يقول : يا ليتني لم أُرزق بهذا الولد .. 4 ـ وفي السنة النبوية نجد هذاحينما مات زوج أم سلمة : أبو سلمة رضي الله عنهم جميعاً ، تقول أم سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقول : «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها . إلا أخلف الله له خيرا منها » . قالت : فلما مات أبو سلمة ، قلت : أي المسلمين خير من أبى سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ؟ ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي من هو خبر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ! فتأمل هذا الشعور الذي انتاب أم سلمة ـ وهو بلا شك شعور ينتاب بعض النساء اللاتي يُبتلين بفقد أزواجهن ويتعرض لهن الخُطاب ـ ولسان حالهن : ومن خير من أبي فلان ؟! فلما فعلتْ أم سلمة ما أمرها الشرع به من الصبر والاسترجاع وقول المأثور ، أعقبها الله خيراً لم تكن تحلمُ به ، ولا يجول في خلدها .وهكذا المؤمنة .. يجب عليها أن لا تختصر سعادتها ، أو تحصرها في باب واحد من أبواب الحياة ، نعم .. الحزن العارض شيء لم يسلم منه حتى الأنبياء والمُرسلون عليهم صلوات الله أجمعين ! بل المُراد أن لا نُحصر الحياة أو السعادة في شيء واحد ، أو رجل ، أو خِطبة امرأة مُعينة ، أو ربما يحدث ذلك لطالب علم مات شيخه فيظن أن حياته العلمية قد انتهت بموت هذا الشيخ . ! 5ـ وفي الواقع قصص كثيرة جداً ،أذكر منها ما ذكره الشيخ الطنطاوي رحمه الله عن صاحب له : أن رجلاً قدم إلى المطار ، وكان حريصا على رحلته ، وهو مُجهد بعض الشيء ، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة ، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاث مئة راكب ، فلما أفاق إذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل ، وفاتته الرحلة ، فضاق صدره ، وندم ندماً شديداً ، ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أُعلن عن سقوط الطائرة ، واحتراق من فيها بالكامل ! والسؤال أخي : ألم يكن فوات الرحلة خيراً لهذا الرجل ؟! ولكن أين المُعتبرون والمُتعظون ؟ والخلاصة اخي الكريم أن المؤمن عليه : أن يسعى إلى الخير جهده *** وليس عليه أن تتم المقاصد وأن يتوكل على الله عز و جل ، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة ، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب ،فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ،البقرة : 216 ،، وليتذكر أن : (من لُطف الله بعباده أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ، وضروب المحن ، و الابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ، ولطفاً ، وسوقا إلى كمالهم ، وكمال نعيمهم ) . تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي : (74) . و ليتذكر أيضا أن من ألطاف الله العظيمة و حِكمه الباهرة أنه لم يجعل حياة الناس وسعادتهم مُرتبطة يشخص من الأشخاص حتى لو كان رسولا من عند الله عز و جل .. بل جعلها ( سبحانه ) مُرتبطة ارتباطا تاماً به وحده سبحانه وتعالى ، و بِشرعه العظيم ؛ وبقية الأشياء يُمكن تعويضها ، أو تعويض بعضها ::: من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ *** وما من الله إن ضيعتهُ عوضُ وإلى لقاء قريب في حلقة قادمة بإذن الله ... |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
قال الإمام ابن القيم رحمه الله ::
قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا) [البقرة: 268] . قيل: (يعدكم الفقر) [البقرة: 268] : يخوفكم به، يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم، (ويأمركم بالفحشاء) [البقرة: 268] قالوا: هى البخل فى هذا الموضع خاصة، ويذكر عن مقاتل والكلبى كل فحشاء فى القرآن فهى الزنا إلا فى هذا الموضع فإنها البخل. والصواب: أن الفحشاء على بابها، وهى كل فاحشة، فهى صفة لموصوف محذوف، فحذف موصوفها إرادة للعموم، أى بالفعلة الفحشاء والخلة الفحشاء، ومن جملتها البخل، فذكر سبحانه وعد الشيطان وأمره يأمرهم بالشر ويخوفهم من فعل الخير، وهذان الأمران هما جماع ما يطلبه الشيطان من الإنسان فإنه إذا خوفه من فعل الخير تركه، وإذا أمره بالفحشاء وزينها له ارتكبها، وسمى سبحانه تخويفه وعد الانتظار الذى خوفه إياه كما ينتظر الموعود ما وعد به ثم ذكر سبحانه وعده على طاعته، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهى المغفرة والفضل، فالمغفرة: وقاية الشر، والفضل: إعطاء الخير، وفى الحديث المشهور: "إن للمَلك بقلب ابن آدم لمة، وللشيطان لمة، فلمة الملك: إيعاد بالخير، وتصديق بالوعد، ولمة الشيطان: إيعاد بالشر، وتكذيب بالوعد"، ثم قرأ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [البقرة: 268] الآية. فالملك والشيطان يتعاقبان على القلب تعاقب الليل والنهار، فمن الناس من يكون ليله أطول من نهاره، وآخر بضده، ومنهم من يكون زمنه نهاراً كله، وآخر بضده، نستعيذ بالله تعالى من شر الشيطان. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان– المجلد الأول |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. الأخت الفاضلة-ورد جوري- أولا أقر بتقصيري لهذا القسم،وأطلب من الله تعالى أن يتجاوز عنا. ----- الدرس العاشر.. ---- الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ،لا سيما امهات المؤمنين والخلفاء الراشدين. ، وبعد : هذه حلقة جديدة من برنامج (قواعد قرآنية) ، نقف فيها مع قاعدة من قواعد التعامل مع النفس ، ووسيلة من وسائل علاجها من أدوائها ، وهي في الوقت ذاته سلّمٌ لتترقى فيه النفس قي مراقي التزكية ، فإن الله تعالى قد أقسم أحد عشر قسماً في سورة الشمس على هذا المعنى العظيم ، فقال سبحانه : "قد أفلح من زكاها" ، تلكم القاعدة هي قول الله تعالى : {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } .. القيامة : 14-15 والمعنى : أن الإنسان وإن حاول أن يُجادل أو يُماري عن أفعاله و أقواله التي يعلم من نفسه بطلانها أو خطأها ، واعتذر عن أخطاء نفسه باعتذارات ؛ فهو يعرف تماماً ما قاله وما فعله ، ولو حاول أن يستر نفسه أمام الناس ، أو يُلقي الاعتذارات ، فلا أحد أبصر ولا أعرف بما في نفسه منه .وتأمل ـ أيها المبارك ـ كيف جاء التعبير بقوله : "بصيرة" دون غيرها من الألفاظ ؛ لأن البصيرة مُتضمنة معنى الوضوح والحُجة ، كما يُقال للإنسان : أنت حجة على نفسك ! أو انت خصيم نفسك و العلم عند الله تعالى .. و لهذه القاعدة القرآنية الكريمة مجالات كثيرة في واقعنا العام والخاص ، فلعنا نقف مع شيء من هذه المجالات ؛ علّنا أن نفيد منها في تقويم أخطائنا ، وتصحيح ما ندّ من سلوكنا ، فمن ذلك : 1- طريقة تعامل بعض من الناس مع النصوص الشرعية ! فلربما بلغ بعضَ الناس نصٌ واضح مُحكمٌ ، لم يختلف العلماء في دلالته على إيجاب أو تحريم ، أو تكون نفسه اطمأنت إلى حكمٍ شرعي ما في تلك المسألة ، ومع هذا تجد البعض يقع في نفسه حرجٌ ! ويُحاول أن يجد مدفعاً لهذا النص أو ذاك لأنه لم يُوافق هواه ! يقول ابن القيم رحمه الله : "فسبحان الله ! كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص وبودهم أن لو لم ترد ؟ وكم من حرارة في أكبادهم منها ، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها ؟ " .. الرسالة التبوكية . ولا ينفع الإنسان أن يُحاول دفع النصوص بالصدر فإن الإنسان على نفسه بصيرة ، وشأن المؤمن أن يكون في هذا المقام كما قال ربنا تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. النساء : 65 يقول ابن الجوزي ( رحمه الله ) ، في كتابه الماتع الذائع الرائع (صيد الخاطر ) وهو يحكي مشاعر إنسان يعيش هذه الحال مع النصوص الشرعية ـ: "قدرتُ مرة على لذة ظاهرها التحريم ، وتحتمل الإباحة ، إذ الأمر فيها مُتردد ، فجاهدت النفس فقالت : أنت ما تقدر فلهذا تترك ! فقارِبِ المقدورَ عليه ، فإذا تمكنتَ فتركتَ ، كنت تاركاً حقيقة ! ففعلتُ وتركتُ ، ثم عاودت مرة أخرى في تأويل أرتني فيه نفسي الجواز ـ و إن كان الأمر يحتمل ـ فلما وافقتها أثّر ذلك ظلمه في قلبي ؛ لخوفي أن يكون الأمر مُحرماً ، فرأيت أنها تارةً تقوى عليّ بالترخص والتأويل ، وتارةً أقوى عليها بالمُجاهدة والامتناع ، فإذا ترخصتُ لم آمن أن يكون ذلك الأمر محظوراً ، ثم أرى عاجلاً تأثير ذلك الفعل في القلب ، فلما لم آمن عليها بالتأويل ،... إلى أن قال رحمه الله : فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن ، وترك الترخص فيما يجوز إذا كان حاملاً ومؤدياً إلى ما لا يجوز " .. صيد الخاطر : (152) 2ـ ومن مجالات تفعيل هذه القاعدة ـ في مجال التعامل مع النفس : أن مِنَ الناس مَنْ شُغف ـ عياذاً بالله ـ بتتبع أخطاء الناس وعُيوبهم ، مع غفلة عن عيوب نفسه ، كما قال قتادة (رحمه الله ) في تفسيره لهذه الآية : {بل الإنسان على نفسه بصيرة} .. قال : إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم ، غافلاً عن ذنوبه ..تفسير ابن جرير .. وهذا ـ بلا ريب ـ من علامات الخُذلان ، كما قال بكر بن عبدالله المُزني ( رحمه الله ) : إذا رأيتم الرجل مُوكلاً بعيوب الناس ، ناسيا لعيبه ، فاعلموا أنه قد مُكِرَ بِهِ . ويقول الشافعي ( رحمه الله ) : بلغني أن عبدالملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف : ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه ، فعِب نفسك ولا تخبىء منها شيئاً .. حلية الأولياء ( 9/146 ) ، ولهذا يقول أحد السلف : أنفع الصدق أن تقر لله بعيوب نفسك .. حلية الأولياء (9/282) .. 3-ومن مواضع تطبيق هذه القاعدة أن ترى بعض الناس يُجادل عن نفسه في بعض المواضع ـ التي تبين فيها خطؤه ـ بما يعلم في قرارة نفسه أنه غير مُصيب ، فيعتذر عن نفسه بأعذار ويُجادل عنها ، وهو يبُصرها بخلاف ذلك .. و هذا ما لا ينبغي البتة . 4 ـ ومن دلالات هذه القاعدة الشريفة : أن يسعى المرء إلى التفتيش عن عيوبه ، وأن يسعى في التخلص منها قدر الطاقة ، فإن هذا نوع من جهاد النفس المحمود ، وأن لا يركن الإنسان إلى ما فيه من عيوب أو أخطاء ، بحجة أنه نشأ على هذا الخُلق أو ذاك ، أو اعتاد عليه ، فإنه لا أحد من الناس أعلم منك بنفسك وعيوبها وأخطائها وذنوبها ، وما تُسره من أخلاق . وإليك هذا النموذج المُشرق من حياة العلامة ابن حزم ( رحمه الله ) حيث يقول ـ في تقرير هذا المعنى : "كانت فيَّ عيوب ، فلم أزل بالرياضة ( يعني : ترويض النفس ) واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم ، والأفاضل من الحكماء المُتأخرين والمُتقدمين ـ في الأخلاق وفي آداب النفس ـ أعاني مُداواتها ، حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومَنّه ، وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بأزمّة الحقائق هو الإقرار بها ، ليتعظ بذلك مُتعظ يوماً إن شاء الله . ثم ساق الإمام ابن حزم جملة من العيوب التي كانت فيه ، وكيف حاول التغلب عليها ، ومقدار ما نجح فيه نجاحاً تاماً ، وما نجح فيه نجاحاً نسبياً ... رسائل ابن حزم (1 / 354) .. 5- ومن مواطن استفادة المؤمن من هذه القاعدة أن الإنسان ما دام يُدرك أنه أعلم بنفسه من غيره ، وجب عليه أن يتفطن إلى أن الناس قد يمدحونه في يومٍ من الأيام ، بل قد يُفرطون في ذلك ، وفي المُقابل قد يسمع يوماً من الأيام من يضع من قدره ، أو يخفض من شأنه بنوع من الظلم والبغي ، فمن عرف نفسه لم يغتر بمدحه بما ليس فيه ، ولم يتضرر بقدحه بما ليس فيه ، بل العاقل يستفيد من ذلك بتصحيح ما فيه من أخطاء وزلات ويسعى لتكميل نفسه بأنواع الكمالات البشرية قدر المستطاع . 6- وخاتمة هذه المجالات التي يُمكن الاستفادة منها في ظل هذه القاعدة القرآنية الشريفة :: أن من أكبر ثمرات البصيرة بالنفس ، أن يُوفق الإنسان إلى الاعتراف بالذنب والخطأ ، وهذا مقام الأنبياء والصديقين والصالحين ، وتأمل في قول أبوينا ( عليهما الصلاة و السلام ) ـ حين أكلا من الشجرة ـ: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23 ] ، ثم نقرأ في القرآن الكريم اعتراف نوح وموسى عليهما السلام في سلسلة مُتتابعة من الإعترافات بالذنب كان من آخرها ما أثبته القرآن عن أولئك المُنافقين الذين اعترفوا بذنوبهم فسلموا فتِيب عليهم ، قال تعالى : {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .. التوبة : 102 ،،،، "فعلم أن من لم يعترف بذنبه كان من المنافقين" .. الصارم المسلول - (1 / 362) . ومع توديعة الختام أهمس : أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه *** عنك فإن جحودَ الذنب ذنبانِ أسأل الله تعالى أن يُبصرنا بعيوبنا ، وأن يقينا شح أنفسنا . |
رد: وفي ذلك فليتنافس التنافسون
صدقتي يا وردتي الجورية لقد سبق وان ختمت القران ولكن لم اتمكن من تتبيته جيدا بعد متعللة بالوقت والظروف فارجو مساعدتي لحفظ القران ولنشد ايدي بعضنا لنكون من اهل القران وخاصته
اللهم صلي وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل ومراقبنا الكريم ابو الشيماء صدقا, خشيت ان يكون هناك امرا صعبا جعلك تتوقف عن مواصلة جهودك الطيبة لكن الحمد لله اراك بخير بارك الله لك في عمرك وعملك ووقتك واثقل لك في الميزان ان شاء الله اعود لاحقا لمتابعة الدرس نفع الله بك.. في حفظ الله |
رد: وفي ذلك فليتنافس التنافسون
اقتباس:
اهلا بكِ اختنا الكريمة ام عبد الحق :) سعيدة بزيارتك لهذه الصفحة اسأل الله ان ينفعم بمحتواها اظنك وصلتي للمكان الآمن لمتابعة طريقك مع كتاب الله وتثبيته مع اختنا راغبة في رضا الله وفقك الله اخيه وفتح عليك وثبت كتابه في صدرك ونفعك ونفع من حولك به :o في حفظ الله |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله بك وجزاك خيرا مشرفتنا الخلوقة ورد جورى وجعله فى موازين حسناتك |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
اقتباس:
|
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الدرس الحادي عشر.. الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية عظيمة القدر ، لعظيم أثرها في حياة العبد ، وهي قاعدة لها صلة بالنفوس و القلوب و تزكية القلب و تزكية النفس ، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى : {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} ،، فاطر : 18 الله تبارك و تعالى يُوضح لنا في هذه القاعدة القرآنية أن التزكية إنما المُستفيد منها هو ذلك العبد المُكلف ؛ رجلا كان أو إمرأة ،، فما هي التزكية ؟ التزكية في اللغة مصدر زكى الشيء يزكيه ، وهي تُطلق ويُراد بها معنيان : المعنى الأول : الطهارة و السلامة من العيوب ، و الأخلاق الرديئة و السيئة ، ومنه قوله تعالى عن يحيى عليه السلام : (وزكاة وكان تقياً) ، فإن الله زكاه وطهر قلبه وفؤاده ، وهذا تطهير معنوي ، ويُطلق على التطهير الحسي ، يُقال : زكيت الثوب إذا طهرته . والمعنى الثاني : هو الزيادة و النمو ، يقال زكى المال يزكوا إذا نمى . و منه تسمية الزكاة زكاة ؛ لأن أثرها الحقيقي هو نمو في المال .. و ايضا زكاة النفس ( طهارتها من أدرانها ) هو في الحقيقة نمو في أخلاقها الطيبة و أفعالها الحميدة الحسنة .. و المعنى الشرعي للتزكية يدور على هذين الأمرين ، يدل على خُلو النفس من الأخلاق الرديئة ، كما يدل على زيادة في أخلاقها الطيبة و الصالحة ،،، و هذان المعنيان كلاهما مُراد شرعا ؛ بل آيات التزكية في القرآن كلها يُقصد منها أن يُحقق الإنسان هذين الأمرين : سلامة من الأخلاق الرديئة ، و تخلق بالأخلاق الحسنة ، و لهذا يقول بعض المُعبرين عن ذلك إن الزكاة للنفس ـ باختصار ـ تدور على مرحلتين : مرحلة التخلية ، ثُم بعد ذلك التحلية . والمقصود بالتخلية : أي تطهير القلب من ردئ الأخلاق ، والمقصود بالتحلية : أي تحلية النفس بمكارم الأخلاق ، وطيب الشمائل.. وهما عمليتان تسيران جنباً إلى جنب ، فالمؤمن مُطالب "بالتنقِّي من العيوب ، كالرياء والكِبر ، والكذب والغش ، والمكر والخداع والنفاق ، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة ، ومُطالب بالتحلَّى بالأخلاق الجميلة ، من الصدق ، والإخلاص ، والتواضع ، ولين الجانب ، والنُصح للعباد ، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق ، فإن تزكيته يعود نفعها إليه ، ويصل مقصودها إليه ، ليس يضيع من عمله شيء" ،، تفسير السعدي : (687) وعلى هذا المعنى جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها بطرق شتى ، فمن ذلك مثلا أن الله سبحانه و تعالى جعل من مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه و سلم هو هذا الأمر ؛ تزكية النفوس ،، تأمل قول الله عز و جل : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) ،، [آل عمران : 164] ، وقال تعالى :{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين} الجمعة : 2 لاحظ أنه عز و جل جاء بالتزكية قبل العلم و الحكمة لأن القلب إذا زُكى صار تلقيه لشرع الله سبحانه و تعالى أقوى و أسرع ، و لذلك اجتهد النبي صلى الله عليه و سلم في المرحلة المكية على هذا الأصل العظيم وهو تزكية النفوس و تهيئتها ، فلما واجه المشركين في غزوة بدر على غير ميعاد ظهرت البطولات ، و ظهرت التضحيات ، و ظهرت آثار هذه التزكية القرآنية الإيمانية النبوية .. و من ذلك أيضا ما ذُكره الله عز و جل عن نبيه ابراهيم عليه السلام لما بنى البيت ، دعا بدعوات عظيمة كان منها ذلك الدعاء : { ربنا و ابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يُزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }, البقرة : 129 و ثالث المواضع التي تدل على عناية الشرع بأمر التزكية هو سورة الشمس ، ومن تأمل سورة الشمس ، أدرك عظيم هذه الغاية ، وخطورة هذه العبادة الجليلة ، فإن الله تعالى أقسم أحد عشر قسماً مُتتابعاً على أن فلاح النفس لا يكون إلا بتزكيتها ! ولا يُوجد في القرآن نظير لهذا ـ أعني تتابع أحد عشر قسماً على مُقْسَمٍ واحد ( قد أفلح من زكاها )ـ وهو ـ بلا ريب ـ دليل واضح ، وبرهان ساطع على خطورة هذا الموضوع .،، أطول قسم في القرآن يأتي من أجل هذه القضية ، و هى قضية تزكية النفس ؛ ذلك أن القلب إذا لم يزكو فكيف يتلقى الشرائع ، و كيف يمتثلها ، و كيف يضحي من أجل دينه ؟؟؟؟؟ و حتى يتبين لك هذا المعنى جيدا انظر إلى الذين ( عياذا بالله ) فُرغت قلوبهم من هذا المعنى الشرعي العظيم : كيف هى حالهم ؟ و كلما كان الإنسان أكثر كفرا و عنادا و جحودا كان أعظم بُعدا عن هذا المعنى الشرعي ؛ و لذلك كان سادات الذين تزكت نفوسهم هم الرسل و الأنبياء عليهم الصلاة و السلام .. إذا اتضح لنا هذا المعنى تبين لنا سر من أسرار اهتمام أهل العلم رحمهم الله تعالى بهذا الجانب ،، و من قرأ مثلا كتاب الإمام ابن القيم ( رحمه الله تعالى) " مدارج السالكين " وجده يدور حول تحقيق مدارج العبودية التي تزكو بها النفس ،،، و لابن تيميه ( رحمه الله تعالى ) رسائل مستقلة كالتحفة العراقية و غيرها من الرسائل و الكتب ، هذا - فضلا عن كلامه المنشور في فتاواه - يجد عناية بالغة جدا بهذ الأمر ؛ أعني تزكية النفوس .. و من قرأ تراجم السلف رحمهم الله تعالى و كلماتهم و خصوصا في كتاب " حلية الأولياء " ، و أنصح بقراءة مُختصراته لأن الأصل لا يُناسب إلا أهل العلم ،،،، أقول من قرأ في مًُختصراته وجد العناية الفائقة من قِبل أئمة السلف من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و من التابعين و أتباعهم بهذا الامر العظيم ،،، فما أكثر حديثهم عن التقوى ،، و ما اكثر حديثهم عن الإخلاص ،، و ما أكثر حديثهم عن الخشية ,,,عن المُراقبة ،، عن التوكل ،،، عن الصدق ،، عن اليقين ،، في سلسلة عظيمة من الأخلاق التي هي قواعد يقوم عليها بناء النفس و تزكيتها .. إن منطوق هذه القاعدة القرآنية : {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} يدل بوضوح أن أعظم أثر لهذه التزكية هو أثرها على نفسي المُتزكي ، ومفهومها يتضمن تهديداً : أنك إن لم تتزكَ يا عبد الله ، فإن أعظم مُتضرر بإهمال التزكية هو أنت . ولئن كانت هذه القاعدة تعني كل مسلم يسمعها ، فإن حظ الداعيةِ وطالبِ العلم منها أعظم وأوفر ، لأن الأنظار إليه أسرع ، والخطأ منه أوقع ، والنقد عليه أشد ، ودعوته يجب أن تكون بحاله قبل مقاله . ولعظيم منزلة تزكية النفس في الدين ، كان الأئمة والعلماء المصنفون في العقائد يؤكدون على هذا الأمر بعبارات مختلفة ، ذكر شيخ الإسلام ابنُ تيميه رحمه الله جملةً من الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنّةِ ومن ذلك قولُه : "يأمرون بالصبر عند البلاء ، والشكرِ عند الرخاء ، ويدعون إلى مكارمِ الأخلاق ومحاسن الأعمالِ ، ويعتقدون معنى قولِه صلى الله عليه وسلم : "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهُم خلقاُ" ،، ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها" انتهى . وإنما نص أئمة الدين على ذلك ؛ لأن هناك تلازماً وثيقاً بين السلوك والاعتقاد : فالسلوك الظاهرُ مرتبطٌ بالاعتقادِ الباطن ، فأيُّ انحرافٍِ في الأخلاقِ إنما هو من نقص الإيمان الباطن ، قال ابنُ تيميه رحمه الله : (إذا نقصت الأعمالُ الظاهرةُ الواجبةُ ، كانَ ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان ، فلاُ يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب ، أن تُعدم الأعمالُ الظاهرةُ الواجبةُ" ،، ينظر : مجموع الفتاوى 7/582، 616،621. ويقول الشاطبيُّ رحمه الله : "الأعمالُ الظاهرةُ في الشرع دليلٌ على ما في الباطن ؛ فإذا كان الظاهرُ منخرماً أو مستقيماً حُكم على الباطن بذلك" ،، الموافقات 1/233. فالسلوكُ والاعتقادُ مُتلازمان ، كذلك فإن من الأخلاقِ والسلوك ما هو من شُعَبِ الإيمان . هناك سؤال يتبادر إلى الذهن ونحن نتحدث عن هذه القاعدة القرآنية : {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} كيف نزكي نفوسنا ؟ والجواب عن هذا يطول جداً ، لكنني أشير باختصار إلى أهم وسائل تزكية النفس ، فمن ذلك : 1-أعظم ما تُزكى به النفوس هو توحيد الله تعالى ، وقوة التعلق به . 2- مُلازمة قراءة القرآن ، وتدبره . 3- كثرة الذكر عموماً . 4- المُحافظة على الصلاة المفروضة ، وقيام الليل ولو قليلاً . 5- لزوم مُحاسبة النفس بين الفينة والأخرى . 6- حضور الآخرة في قلب العبد . 7- تذكر الموت ، وزيارة القبور . 8- قراءة سير الصالحين . وفي مقابل هذا... فإن العاقل من يتنبه لسد المنافذ التي قد تفسد عليه أثر تلك الوسائل ( وسائل تزكية النفس ) ؛ لأن القلب الذي يتلقى الوسائل والعوائق موضع واحد لا يمكن انفصاله . إذن لا يكفي أن يأتي الإنسان بالوسائل بل لا بد من الانتباه إلى العوائق ، مثل : النظر إلى المُحرمات ، أو سماع المُحرمات ، اطلاق اللسان فيما لا يعني فضلاً عما حرم الله تعالى . اسأل الله عز وجل أن يرحمنا و إياكم برحمته الواسعة ، و أن يرزقنا و إياكم زكاة قلوبنا و نفوسنا .. و الحمد لله رب العالمين ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه ,, |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
اقتباس:
يسر الله امرك اخونا الفاضل راحلين لاعليك , تابع مع الاخت راغبة في رضا الله في حملتها المخصصة للحفظ والمراجعة وان شاء الله تسعد هناك .. ولا تنسى متابعة دروس شيخنا الفاضل ابو الشيماء على صفحتنا هذه وفقكم الله لكل خير وتقبل منا ومنكم صالح الاعمال في حفظ الله |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
اقتباس:
جزاكم الله خيرا مراقبنا الفاضل ابو الشيماء سبحان الله نرى بعض الناس يقترف بعض المنكرات وعند تنبيهه لفعله يقول لك لا تسيء الظن بي فإن قلبي سليم ومن هنا اقول لهم تمعنوا بقراءة العبارة التالية: ويقول الشاطبيُّ رحمه الله : "الأعمالُ الظاهرةُ في الشرع دليلٌ على ما في الباطن ؛ فإذا كان الظاهرُ منخرماً أو مستقيماً حُكم على الباطن بذلك" وفق الله الجميع للسير على الطريق الحق ... |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الدرس الثاني عشر. الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله ، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد : فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية عظيمة الصلة بواقع الناس ، وازدادت الحاجة إلى التنويه بها في هذا العصر الذي اتسعت فيه وسائل نقل الأخبار ، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى : (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، الحجرات : 6 وهذه القاعدة القرآنية المُحكمة جاءت ضمن سياق الآداب العظيمة التي أدب الله بها عز و جل عباده في سورة الحجرات ، قال تعالى( : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات : 6 ولهذه الآية الكريمة سبب نزول توارد المفسرون على ذكره ، وخلاصته.. أن الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه ـ سيد بني المصطلق ـ لما أسلم اتفق مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث له ـ في وقت اتفقا عليه ـ جابياً يأخذ منه زكاة بني المصطلق ، فخرج رسولُ رسولِ صلى الله عليه وسلم في ذلك الزمان الذي اتفق عليه ؛ لكنه خاف فرجع في منتصف الطريق ، فاستغرب الحارث بن ضرار تأخر رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الوقت ذاته لما رجع الرسول إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله ! إن الحارث منعني الزكاة ، وأراد قتلي ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى الحارث ، فالتقى البعث الذين بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحارث بن ضرار في الطريق ، فقال لهم : إلى من بُعثتم ؟ قالوا : إليك ! قال : ولِمَ ؟ قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله ! قال : لا والذي بعث محمداً بالحق ، ما رأيته بتة ولا أتاني ، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! قال : منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟! قال : لا والذي بعثك بالحق ، ما رأيته ولا أتاني ، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسولُك ، خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله ، قال فنزلت آية سورة الحجرات : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، انتهى الحديث مختصراً ، وقد رواه الإمام أحمد بسند لا بأس به ، ويعضده الإجماع الذي حكاه ابن عبد البر على أنه هذه الآية نزلت في هذه القصة . وجاء في قراءة سبعيّة مُتواترة(إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتثبتوا)وهذه القراءة تزيد الأمر وضوحاً ، فهي تأمر عموم المؤمنين حين يسمعون خبراً أن يتحققوا بأمرين : الأول : التثبت من صحة الخبر .الثاني:التبيّن من حقيقته . فإن قلتَ : فهل بينهما فرقٌ ؟ فالجواب : نعم ، لأنه قد يثبت الخبر للإنسان ، ولكنه لا يُدْرى ما وجهه ! ولعلنا نُوضح ذلك بقصة وقعت فصولها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده في العشر الأواخر ليُوصل زوجته صفية رضي الله عنها إلى بيتها ، فرآه رجلان ، فأسرعا في المسير فقال : على رسلكما إنها صفية . فلو نقل ناقل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مع امرأة في سواد الليل لكان صادقاً ، لكنه لم يتبين حقيقة الأمر ، وهذا هو التبين الذي دلت عليه القراءة الأخرى . وهذا مثال قد يُواجهنا يومياً : فقد يرى أحدنا شخصاً دخل بيته والناس مُتجهون إلى المساجد لأداء صلاتهم جماعة مع المسلمين .فلو قال قائلإني رأيت فلاناً قد دخل بيته و قد أُقيمت الصلاة ، لكان ذلك القائل مُصيبا في قوله ، لكن هل تبين سبب ذلك ؟ وما يدريه ؟! فقد يكون الرجل لتوه قدم من سفر ، وقد جمَعَ جمْع تقديم فلم تجب عليه الصلاة أصلاً ، و قد يكون عنده مريض في البيت ، أو لغير ذلك من الأعذارإذن هذا هو مقام التنين بعد ان تحقق مقام التثبت. وهذا مثال آخر قد يُواجهنا في شهر رمضان مثلاً : قد يرى أحدنا شخصاً يشرب في نهار رمضان ماءً أو عصيراً ، أو يأكل طعاماً في النهار ، فلو نقل ناقل أنه رأى فلاناً من الناس يأكل أو يشرب لكان صادقاً ، ولكن هل تبين حقيقة الأمر ؟ قد يكون الرجل مُسافراً وأفطر أول النهار فاستمر في فطره على قول طائفة من أهل العلم في إباحة ذلك ، وقد يكون مريضاً ، وقد يكون ناسياً ،... الخ تلك الأعذار . وإن هذه القاعدة القرآنية التي تأمرنا ان نتبين و نتثبت في مقام الاخبار لها دلالات أخرى ، منها : 1)أن خبر العدل مقبول غير مردود ، اللهم إلا إن لاحت قرائن تدل على وهمه وعدم ضبطه فإنه يُرد قوله ؛ و على ذلك جرى أئمة الحديث في نقدهم للمرويات التي تُروى ,, 2) أنه سبحانه لم يأمر بردِّ خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملةً ، وإنما أمر بالتبين ، فإن قامت قرائن وأدلة من الخارج تدل على صدقه عُمل بدليل الصدق ، ولو أخبر به من أخبر" ، مدارج السالكين (1 / 360) 3) ومنها : أنها تضمنت ذم التسرع في إذاعة الأخبار التي يُخشى من إذاعتها ، ولقد عاب ربنا تبارك وتعالى هذا الصنف من الناس ، كما في قوله عز وجل) :وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ(، النساء : 83 ، وقال تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ)، يونس : 39 ، ينظر : القواعد الحسان في تفسير القرآن (98). 4)أن في تعليل هذا الأدب بقوله : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)ما يُوحي بخطورة التعجل في تلقي الأخبار عن كل أحدٍ و في بثها ، خصوصاً إذا ترتب على تصديق الخبر طعنٌ في أحد ، أو بُهتٌ له . إذا تبين هذا المعنى ، فإن من المُؤسف أن يجد المسلم خرقاً واضحاً من قبل كثير من المسلمين لهذه القاعدة القرآنية المحكمة : ( فَتَبَيَّنُوا) ، ( فتثبتوا )، وازداد الأمر واتسع مع وسائل الاتصال المُعاصرة كأجهزة الجوال والإنترنت وغيرها من الوسائل ! وأعظم من يُكذب عليه من الناس في هذه الوسائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فكم نُسبت إليه أحاديث ، وقصص لا تصح عنه ، بل بعضها كذب عليه ، لا يصح أن يُنسب لآحاد الناس فضلاً عن شخصه الشريف صلى الله عليه وسلم . ويلي هذا الأمر في الخطورة التسرع في النقل عن العلماء ، خصوصاً العلماء الذين ينتظر الناس كلمتهم ، ويتتبعون أقوالهم ، وكلُّ هذا محرم لا يجوز ، وإذا كُنا أُمرنا في هذه القاعدة القرآنية : (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)أن نتحرى ونتثبت من الأخبار عموماً ، فإنها في حق النبي صلى الله عليه وسلم و في حق ورثته من العلماء أشد وأشد . ومثل ذلك يُقال : في النقل عما يصدر عن ولاة أمور المسلمين ، أو عن خواص المسلمين ممن يكون لنقل الكلام عنهم له أثره ، فالواجب التثبت والتبين ، قبل أن يندم الإنسان ولات ساعة مندم . ولا يقتصر تطبيق هذه القاعدة القرآنية : (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)على ما سبق ذكره فحسب ، بل هي قاعدة تمتد لتصل إلى حياتنا الخاصة و العامة ؛ إنها قاعدة يحتاجها الزوجان ، و يحتاجها الآباء مع أبنائهم ، والأبناء مع آبائهم .ولله كم من بيت تقوضت أركانه بسبب الإخلال بتطبيق هذه القاعدة القرآنية ! هذه رسالة قد تصل إلى جوال أحد الزوجين ، فإن كانت من نصيب جوال الزوجة ، واطلع الزوج عليها ، سارع إلى الطلاق قبل أن يتثبت من حقيقة هذه الرسالة التي قد تكون رسالة طائشة جادة أو هازلة جاءت من مُغرض أو على سبيل الخطأ ! و قل مثل ذلك في حق رسالة طائشة جادة أو هازلة تصل إلى جوال الزوج ، فتكتشفها الزوجة ، فتتهم زوجها بخيانة أو غيرها ، فتُبادر إلى طلب الطلاق قبل أن تتثبت من حقيقة الحال !ولو أن الزوجين أعملا هذه القاعدة القرآنية : ( فَتَبَيَّنُوا) ، ( فتثبتوا ) لما حصل هذا كلّهبإذن الله . وإذا انتقلتَ إلى ميدان الصحافة أو غيرها من المنابر الإعلامية ، وجدت عجباً من خرق سياج هذا الأدب عند عدد غير قليل من الكُتاب و الصحفيين .. فكم من تحقيقات صحفية بُنيت على خبر إما أصله كذب ، أو ضُخّم وفُخّم حتى صُور للقراء على أن الأمر بتلك الضخامة والهول ، وليس الأمر كما قيل ! والواجب على كل مؤمن مُعظم لكلام ربه أن يتقي ربه ، وأن يتمثل هذا الأدب القرآني الذي أرشدت إليه هذه القاعدة القرآنية الكريمة : (فَتَبَيَّنُوا ) ،(فتثبتوا ) ,, جعلنا الله وإياكم من المُتأدبين بأدب القرآن العاملين به ، وإلى لقاء جديد أستودعكم الله ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل ابو الشيماء متابعة معك نفع الله ورفع قدرك.. |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الدرس الثالث عشر الحمد لله ، والصلاة و السلام على رسول صلى الله عليه و سلم .. أما بعد : فهذه حلقة جديدة من برنامجكم المُتجدد : (قواعد قرآنية ) ، نقف فيها مع قاعدة من القواعد المُهمة في بناء المجتمع ، وإصلاحه ، وتدارك أسباب تفككه ، إنها قول ربنا العليم الحكيم سبحانه : { ... وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ... } .النساء : 128 وهذه القاعدة القرآنية الكريمة جاءت في سياق الحديث عما قد يقع بين الأزواج من أحوال ربما تُؤدي إلى الاختلاف والتفرق ، وأن الصلح بينهما على أي شيء يرضيانه خير من تفرقهما ، يقول سبحانه : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } .. النساء : 128 ويُمكننا القول : إن جميع الآيات التي ورد فيها ذكر الإصلاح بين الناس هي من التفسير العملي لهذه القاعدة القرآنية المتينة . ومن المناسبات اللطيفة أن ترد هذه الآية في سورة النساء ، وهي نفس السورة التي ورد فيها قوله تعالى : {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} النساء : 35 يقول ابن عطية ( رحمه الله ) مُؤكداً اضطراد هذه القاعدة : ( وقوله تعالى : { والصلح خير } لفظٌ عام مُطلق ، يقتضي أن الصلح الحقيقي ـ الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف ـ خيرٌ على الإطلاق ، ويندرج تحت هذا العموم أن صلح الزوجين على ما ذكرنا خير من الفُرقة ) ، المحرر الوجيز ـ موافق للمطبوع - (2/141 ) . ومعنى الآية باختصار.. (هذا التوضيح مُختصر من كلام العلامة السعدي ) . أن المرأة "إذا خافت المرأة نُشوز زوجها (( أي : تَرّفَعه عنها ، وعدمِ رغبتِه فيها وإعراضه عنها )) ، فالأحسن ـ في هذه الحالة ـ أن يُصلحا بينهما صُلحا ، بأن تسمح وتتنازل المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها : إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكُسوة أو المسكن ، أو القسم بأن تُسقط حقها منه ، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها ، فإذا اتفقا على هذه الحالة فلا جناح ولا بأس عليهما فيها ، لا عليها ولا على الزوج ، فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال ، وهي بلا شك خير من الفُرقة ، ولهذا قال سبحانه : {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ..} " ،، يقول العلامة السعدي ( رحمه الله ) : "ويُؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى : أن الصُلح بين من بينهما حقٌ أو مُنازعة ـ في جميع الأشياء ـ أنه خيرٌ من استقصاء كل منهما على كل حقه ، لما فيها من الإصلاح وبقاء الألفة والاتصاف بصفة السماح . وهو ـ أي الصلح ـ جائزٌ في جميع الأشياء إلا إذا أحل حراماً أو حرم حلالاً ، فإنه لا يكون صلحاً ، وإنما يكون جوراً . واعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه ، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصُلح ، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه على أنه خير ، والخيرُ كلُّ عاقلٍ يطلبه ويرغب فيه ، فإن كان - مع ذلك- قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه . وقد ذكر سبحانه المانع بقوله : {وأُحضرت الأنفس الشُح} أي : جُبلت النفوس على الشُح ، وهو : عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان ، والحرص على الحق الذي له ، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعاً ، أي : فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخُلق الدنيء من نفوسكم ، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة ، وهو بذل الحق الذي عليك ؛ والاقتناع ببعض الحق الذي لك . فمتى وُفق الإنسان لهذا الخلق الحسن ، سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومُعامله ، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب ، بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشُح من نفسه ، فإنه يعسر عليه الصلح والمُوافقة ، لأنه لا يُرضيه إلا جميع ماله ، ولا يرضى أن يُؤدي ما عليه ، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر" .. تفسير السعدي .. ومن تأمل القرآن ، رأى سعة هذه القاعدة من جهة التطبيق ، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره من الإصلاح بين الأزواج ، فإننا نجد في القرآن حثا واضحا على الإصلاح بين الفئتين المُتقاتلتين ، ونجده سبحانه و تعالى يثُني ثناء ظاهراعلى الساعين في الإصلاح بين الناس : { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } .. النساء : 114 بل تأمل ـ أخي القارئ ـ في افتتاح سورة الأنفال ، فإنك واجدا عجباً ، فإن الله تعالى افتتح هذه السورة بقوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين} [الأنفال :1] .. فلم يأت الجوابُ عن الأنفال مُباشرة ، بل جاء الأمر بالتقوى وإصلاحِ ذاتِ البين ، وطاعةِ الله ورسوله ؛ لأن إغفال هذه الأصول الكبار سببٌ عظيم في شر عريض ، لا يعلم مداه إلا الله عز و جل .. ولعل من أسرار إرجاء الجواب عن هذا التساؤل : لبيان أن التقاتل على الدنيا ـ ومنها الأنفال (وهي الغنائم) ـ سببٌ من أسباب فسادِ ذات البين ، ولهذا جاء الجواب عن سؤال الأنفال بعد أربعين آية من هذا السؤال . ولأهمية هذا الموضوع ـ أعني الإصلاح ـ : أجازت الشريعة أخذ الزكاة لمن غرم بسبب الإصلاح بين الناس . بل جاءت السُنة بإباحة الكذب في هذا الباب العظيم .. وإذا تقرر هذا المعنى المتين والشامل لهذه القاعدة القرآنية العظيمة : (والصلح خير) ، فمن المهم ـ حتى نستفيد من هذه القاعدة القرآنية ـ أن نسعى لتوسيع مفهومها في حياتنا العملية ، وأصدق شاهد على ذلك سيرة نبينا صلى الله عليه و سلم الذي طبق هذه القاعدة في حياته ، وهل كانت حياته إلا صلاحاً وإصلاحا ؟ وكما قال شوقي : المصلحون أصابعٌ جمعت يداً *** هي أنت ، بل أنت اليدُ البيضاءُ 1) وبخصوص هذا الموضع الذي وردت فيه هذه القاعدة القرآنية العظيمة ، فقد طبق النبي صلى الله عليه و سلم هذه القاعدة وأجراها حينما كبرت زوجه أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضى الله عنها ، فقد وقع في نفسه أن يُفارقها ، فكانت تلك المرأة عاقلة رشيدة بحق ، فصالحته على أن يُمسكها وتترك يومها لعائشة ، فقبل ذلك منها ، وأبقاها على ذلك .ولعلك ندرك شيئا عظيما من آثار هذا العقل والرُشد في تصرف سودة رضى الله عنها فلقد أبقاها الله عز و جل زوجة لنبيه عليه الصلاة و السلام ؛ و هي أم المؤمنين ؛ و في الوقت ذاته هي زوجة من زوجاته في الدار الآخرة .. فلله درها ما أعقلها و ما أرشدها .. و إذا خرجنا إلى ميدان سيرته الفسيح صلى الله عليه و سلم فإنا واجدون جملةً من الأمثلة ، منها : 2) أنموذج آخر في قصة بريرة ـ وهي أَمَةٌ قد أعتقتها عائشة رضى الله عنها ـ فكرهت أن تبقى مع زوجها ، وكان زوجها شديد التعلق بها ، حتى قال ابن عباس رضى الله عنها ـ كما في الترمذي ـ وهو يصف حب مغيث لبريرة : وكان يُحبها ، يقول ابن عباس : و كان يُحبها ؛ وكان يمشي في طرق المدينة ـ وهو يبكي ـ واستشفع إليها برسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقالت يا رسول الله أتأمرني ؟ ( أي : أتأمرني أن أعود إليه و أتزوجه ؛ أو أن أبقى على عقد الزوجية ؟ ) قال : لا بل أشفع ، قالت : لا أريده ! فانظر كيف حاول صلى الله عليه و سلم أن يكون واسطة خير بين زوجين انفصلا ، وشفع لأحد الطرفين لعله يقبل ، فلم يشأ أن يُجبر ؛ لأن من أركان الحياة الزوجية الحب ، والرغبة ! 3) موقف ثالث نجده تطبيقا عمليا لتلك القاعدة : فلقد خرج مرة صلى الله عليه و سلم ـ كما في الصحيحين ـ من حديث سهل بن سعد رضى الله عنهما ..خرج إلى أهل قباء حين اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة ، فأُخْبِرَ رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك ، فقال لمن حوله : اذهبوا بنا نصلح بينهم .. 4) وعلى هذه الجادة النبوية سار تلاميذه النجباء من أصحابه الكرام وغيرهم من أتباعهم بإحسان رضى الله عنهم أجمعين : فهذا ابن عباس رضى الله عنه يخرج بعد استشارة أمير المُؤمنين على رضى الله عنه لمُناظرة الخوارج ـ الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضى الله عنه ـ فلما ناظرهم ابن عباس ( و كان هذا نوع من الإصلاح ) رجع منهم عدد كبير . ومن قلّب كتب السير وجد نماذج مشرقة لجهود فردية في الإصلاح بين الناس على مستويات شتى ، بل حتى على مستوى الدول ؛ ولعل مما يُبشر بخير ما نراه من لجان إصلاح ذات البين ، والتي هي في الحقيقة ترجمة عملية لهذه القاعدة القرآنية العظيمة : {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } .. هنيئاً لمن جعله الله من خيار الناس ، الساعين في الإصلاح بينهم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم . والله هو الموفق و الهادي إلى الصراط المستقيم. |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الدرس الرابع عشر الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد : فهذه حلقة جديدة من حلقات هذه السلسة المباركة ـ إن شاء الله ـ (قواعد قرآنية) ، نعيش فيها مع قاعدة من القواعد المُحكمة في أبواب التعامل مع الخالق سبحانه وتعالى والتعامل مع خلقه ، هي قاعدة وملاذٌ لمن تُواجه أعمالهم بعدم التقدير ، أو يُواجهون في حياتهم المشقة و التعسير ؛ تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين } ، يوسف : 90 وهذه القاعدة جاءت في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام ، وذلك حين دخل عليه إخوته فقالوا : { يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } ، يوسف : 88 - 90. ما هي التقوى و ما هو الصبر ؟ ما أكثر ما نحفظ تعريف التقوى ، بل قد يحفظ بعضنا عدة تعاريف لها و مثلها الصبر ، ويحفظ تقسيمات الصبر ، ثم يفشل أحدنا ، أو يقع منه تقصير ظاهر في تطبيق هذه المعاني الشرعية كما ينبغي عند وجود المُتقضي لها . ولستُ أعني بذلك العصمة من الذنب ، فذلك غير مُراد قطعاً ، وإنما أقصد أننا نُخفق أحياناً ـ إلا من رحم الله ـ في تحقيق التقوى أو الصبر إذا جد الجد ، وجاء مُوجبهما . كلنا ـ أيها الإخوة ـ يحفظ أن التقوى هي فعل أوامر الله ، واجتناب نواهيه . وكلنا يدرك أن ذلك يحتاج إلى صبر ومُصابرة ، وحبس للنفس على مُراد الله ورسوله ، ولكن الشأن في النجاح في تطبيق هذين المعنيين العظيمين في أوانهما . ولنا أن نتساءل ـ أيها الإخوة ـ هنا عن سر الجمع بين التقوى والصبر في هذه القاعدة القرآنية المحكمة : {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ؟والجواب : أن ذلك ـ والله أعلم ـ لأن أثر التقوى في فعل المأمور ، وأما الصبر فأثره في الأغلب في ترك المنهي ، جامع الرسائل لابن تيمية (1/38) إن لهذه القاعدة القرآنية الجليلة تطبيقاتٍ كثيرة في حياة المؤمن ، بل وفيما يقرأه المسلم في كتاب ربه ، ومن ذلك : 1) ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقاً على هذه القاعدة { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } في سورة يوسف صلى الله عليه وسلم : "ثم إن يوسف اُبتلي بعد أن ظُلِمَ بمن يدعوه إلى الفاحشة ، ويُراوده عليها ، ويستعين عليه بمن يُعينه على ذلك ، فاستعصم واختار السجن على الفاحشة ، وآثر عذاب الدنيا على سخط الله ، فكان مظلوماً من جهة من أحبه لهواه ، وغرضِه الفاسد ... ثم تكلم على محنته مع إخوته ، وكيف أنه تعرض لنوعين من الأذى فقابلهما بالتقوى والصبر ؛ قال رحمه الله : أما الأذى الأول : فهو ظلم إخوته له ، الذين أخرجوه من انطلاق الحرية إلى رق العبودية الباطلة بغير اختياره . وأما الأذى الثاني : فهو ما تعرض له من ظلم امرأة العزيز ، التي ألجأته إلى أن اختار أن يكون محبوساً مسجوناً باختياره . ثم فرق الشيخ بين صبر يوسف على أذى إخوته ، وصبره على أذى امرأة العزيز ، وقرر أن صبره على الأذى الذي لحقه من امرأة العزيز أعظم من صبره على أذى إخوته ؛ لأن صبره على أذى إخوته كان من باب الصبر على المصائب التي لا يكاد يسلم منها أحد ، و لا مدفع لها إلا بالتسليم و الصبر ، وأما صبره على أذى امرأة العزيز فكان اختيارياً ؛ لأنه خُير بين أن يفعل ما تريده امرأة العزيز أو السجن ؛ فاختار السجن ، واقترن صبره بالتقوى ، ولهذا قال يوسف : { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } . ثم قال شيخ الإسلام ـ مُبيناً اضطراد هذه القاعدة القرآنية ـ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فقال : "وهكذا إذا أُوذي المؤمن على إيمانه ، وطُلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان ـ وإن لم يفعل أوذي وعوقب ـ اختار الأذى والعقوبة على فراق دينه : إما الحبس وإما الخروج من بلده ، كما جرى للمهاجرين ( رضى الله تعالى عنهم ) حين اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين ، وكانوا يُعذبون ويُؤذون . وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الأذى فكان يصبر عليها صبراً اختيارياً ، فإنه إنما يُؤذى لئلا يفعل ما يفعله باختياره ، وكان هذا أعظم من صبر يوسف ؛ لأن يوسف إنما طُلب منه الفاحشة ، وإنما عوقب ـ إذا لم يفعل ـ بالحبس ، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طُلب منهم الكفر ، وإذا لم يفعلوا طُلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه ، وأهون ما عُوقب به الحبس ... إلى أن قال : فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة لله ورسوله لم يكن من المصائب السماوية التي تجري بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف لا من جنس التفريق بينه وبين أبيه ، وهذا أشرف النوعين وأهلها أعظم بدرجة ؛ وإن كان صاحب المصائب يُثاب على صبره ورضاه وتُكفر عنه الذنوب بمصائبه" ،، مجموع الفتاوى 10/121- 123 بتصرف واختصار . 2) ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية : {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} : تربيةُ النفس على التقوى والصبر على ما يُسمى بعشق الصور ، الذي أفسد قلوب فئام من الناس ، بسبب تعلق قلوبهم بتلك الصور ، سواء كانت صوراً حية ، أم ثابتة . ولقد عظمت الفتنة بهذه الصور في عصرنا هذا ، الذي لم تعرف الدنيا عصراً أعظم منه في انتشار الصورة ، والاحتراف في تصويرها ، والتفنن في تغيير ملامحها ، وتَيّسر الوصول إلى الصور المُحرمة منها وغير المُحرمة ، عن طريق الإنترنت ، والجوال ، وغيرها من الوسائل . فعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يتقي ربه ، وأن يُجاهد نفسه في البعد عن هذا المرتع الوخيم ـ أعني تقليب النظر في الصور المُحرمة الذي قد يُورث عشقا لها ـ وأن يُوقن المؤمن أن ما يقذفه الله في قلبه من الإيمان والنور والراحة والطمأنينة سيكون أضعاف أضعاف ما يجده من لذة عابرة بتلك الصور ، ومن أراد أن يعرف معنى هذا فليتدبر مجيء قول الله عز و جل : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، النور 35، هذه الآية التي جاءت بعد آيات غض البصر ؛ فإن فيها إشارة ( و الله تعالى أعلم ) إلى أن الله عز و جل يُورث عبده الذي يغض بصره نورا يجده في قلبه .. ومن أراد أن يعرف مفاسد هذا الباب ـ أعني عشق الصور ـ فليقرأ أواخر كتاب العلامة ابن القيم : "الجواب الكافي" فقد أجاد وأفاد. وليتذكر المُبتلى بالعشق "أنه إذا عف عن المحرمات نظراً وقولاً وعملاً ، وكتم ذلك ، فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلامٌ محرم : إما شكوى إلى المخلوق ، وإما إظهار فاحشة ، وإما نوعُ طلبٍ للمعشوق ، وصَبَرَ على طاعة الله ، وعن معصيته ، وعلى ما في قلبه من ألم العشق ، كما يصبر المُصاب عن ألم المصيبة ، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر ، و {مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } " ، مجموع الفتاوى 10/ 133 بتصرف واختصار . 3) ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية العظيمة : { إِنّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } أن الإنسان قد يُبتلى بحُساد يحسدونه على ما آتاه الله من فضله ، وقد يجد من آثار هذا الحسد ألواناً من الأذى القولي أو الفعلي ، كما وقع لأحد ابني آدم حين حسد أخاه ؛ لأن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان أخيه ، وكما وقع ليوسف مع إخوته ، وقد يقع هذا من المرأة مع ضرتها ، أو من الزميل مع زميله في العمل ؛ وهذا النوع من الحسد ، يقع غالباً بين المُتشاركين في رئاسة أو مال أو عمل إذا أخذ بعضهم قسطاً من ذلك وفات الآخر ؛ ويكون بين النُظراء ؛ لكراهة أحدهما أن يفضل الآخر عليه ، ينظر : مجموع الفتاوى 10/ 125-126. فعلى من اُبتلي بذلك أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية : {إِنّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} ، وليتذكر ـ أيضاً ـ قوله تعالى : {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} . 4) ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية العظيمة : ما تكرر الحديث عنه في سورة آل عمران في ثلاثة مواضع ، كلها جاءت بلفظ : {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} الأول والثاني منهما : في ثنايا الحديث عن غزوة أحد ، يقول سبحانه وتعالى: { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} ،، [آل عمران: 120] ، والثاني : في قوله سبحانه وتعالى : {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِين} ،، آل عمران : 124، 125. والموضع الثالث : في أواخر آل عمران ـ في سياق الحديث عن شيء من المنهج القرآني في التعامل مع أذى الأعداء من المشركين وأهل الكتاب ـ فقال سبحانه وتعالى : {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ،، آل عمران : 186 ،، فإلى لقاء جديد ألقاكم فيه بمشيئة الله مع قاعدة جديدة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله عنا خيرا أستاذنا الفاضل أبو الشيماء أثقل الله بعملكم ميزان حسناتكم إن شاء الله والشكر موصول لوردتنا الجورية لا حرمك ربي الأجر والثواب حبيبتي في الله متابعة ... نفعنا ربي وإياكم في حفظ الله |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اهلا بالطيبة الغالية سعيدة بانضمامك لحلقة علم ( ابو الشيماء ) :) جزاه الله خيرا وجميع المتابعين .. اشتاق للمتابعة وانتظر العطلة بفارغ الصبر :o حفظكم الله ورعاكم |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الدرس الرابع عشر قال تعالى.. {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216 *** الحمد لله،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فحديثنا في هذه الحلقة مع قاعدة عظيمة لها أثرٌ بالغ في حياة الذين وعوها وعقلوها، واهتدوا بهداها، قاعدة لها صلة بأحد أصول الإيمان العظيمة: ألا وهو: الإيمان بالقضاء والقدر، وتلكم القاعدة هي قوله سبحانه وتعالى ـ في سورة البقرة في سياق الكلام على فرض الجهاد في سبيل الله ـ: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}. وهذا الخير المجمل، فسره قوله تعالى في سورة النساء ـ في سياق الحديث عن مفارقة النساء ـ: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]. فقوله (خيراً كثيراً) مفسر وموضح للخير الذي ذكر في آية البقرة، وهي الآية الأولى التي استفتحنا بهذا هذا الحديث. ومعنى القاعدة بإيجاز: أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة، التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة، لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب!. والعكس صحيح: فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، وأهطع إليه، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد، و هذا هو معنى القاعدة القرآنية التي تضمنتها هذه الآية باختصار. أيها القارئ الموفق: ما إن تمعن بناظريك، وترجع البصر كرتين، متأملاً الآيتين الكريمتين الأولى والثانية، إلا وتجد الآية الأولى ـ التي تحدثت عن فرض الجهاد ـ تتحدث عن ألم بدني وجسميًّ قد يلحق المجاهدين في سبيل الله، كما هو الغالب، وإذا تأملت الآية الثانية ـ آية مفارقة النساء ـ ألفيتها تتحدث عن ألم نفسي يلحق أحد الزوجين بسب فراقه لزوجه! وإذا بصرت في آية الجهاد وجدتها تتحدث عن عبادة من العبادات، وإذا تمعنت آية النساء، وجدتها تتحدث عن علاقات دنيوية. إذن فنحن أمام قاعدة تناولت أحوالاً شتى: دينية ودنيوية، بدنية ونفسية، وهي أحوال لا يكاد ينفك عنها أحد في هذه الحياة التي: جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأقذار وقول الله أبلغ وأوجز وأعجز، وأبهى مطلعا وأحكم مقطعا: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}.الآيةإذا تبين هذا ـ أيها المؤمن بكتاب ربه ـ فأدرك أن إعمال هذه القاعدة القرآنية: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس، بسبب موقف من المواقف، أو بسبب قدر من الأقدار المؤلمة ـ في الظاهر ـ جرى عليه في يوم من الأيام! ولو قلبنا قصص القرآن، وصفحات التاريخ، أو نظرنا في الواقع لوجدنا من ذلك عبراً وشواهدَ كثيرة، لعلنا نذكر ببعض منها، عسى أن يكون في ذلك سلوةً لكل محزون، وعزاء لكل مهموم: 1 ـ قصة إلقاء أم موسى لولده في البحر! فأنت ـ إذا تأملتَ ـ وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام، وصدق ربنا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. 2 ـ وتأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام تجد أن هذه الآية منطبقة تمام الانطباق على ما جرى ليوسف وأبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام. 3 ـ تأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى، فإنه علل قتله بقوله: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 80، 81]! توقف ـ أيها المؤمن ويا أيتها المؤمنة عندها قليلاً ـ! كم من إنسان لم يقدر الله تعالى أن يرزقه بالولد، فضاق ذرعا بذلك، واهتم واغتم وصار ضيقا صدره ـ وهذه طبيعة البشر ـ لكن الذي لا ينبغي أن يحدث هو الحزن الدائم، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة! وليت من حرم نعمة الولد أن يتأمل هذه الآية لا ليذهب حزنه فحسب، بل ليطمئن قلبه، وينشرح صدره، ويرتاح خاطره، وليته ينظر إلى هذا القدر بعين النعمة،وبصر الرحمة، وأن الله تعالى رُبَما صرف هذه النعمة رحمةً به! وما يدريه؟ لعله إذا رزق بولد صار - هذا الولد - سبباً في شقاء والديه، وتعاستهما، وتنغيص عيشهما! أو تشويه سمعته، حتى لو نطق لكاد أن يقول:؟؟؟ 4 ـ وفي السنة النبوية نجد هذا لما ماتت زوج أم سلمة: أبو سلمة رضي الله عنهم جميعاً، تقول أم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. إلا أخلف الله له خيرا منها». قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبى سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه! فتأمل هذا الشعور الذي انتاب أم سلمة ـ وهو بلا شك ينتاب بعض النساء اللاتي يبتلين بفقد أزواجهن ويتعرض لهن الخُطاب ـ ولسان حالهن: ومن خير من أبي فلان؟! فلما فعلتْ أم سلمة ما أمرها الشرع به من الصبر والاسترجاع وقول المأثور، أعقبها الله خيراً لم تكن تحلمُ به، ولا يجول في خلدها. وهكذا المؤمنة.. يجب عليها أن لا تختصر سعادتها، أو تحصرها في باب واحد من أبواب الحياة، نعم.. الحزن العارض شيء لم يسلم منه ولا الأنبياء والمرسلون! بل المراد أن لا نحصر الحياة أو السعادة في شيء واحد، أو رجل، أو امرأة، أو شيخٍ! 5 ـ وفي الواقع قصص كثيرة جداً، أذكر منها ما ذكره الطنطاوي رحمه الله عن صاحب له: أن رجلاً قدم إلى المطار، وكان حريصا على رحلته، وهو مجهد بعض الشيء، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاث مئة راكب، فلما أفاق إذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل، وفاتته الرحلة، فضاق صدره، وندم ندماً شديداً، ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أعلن عن سقوط الطائرة، واحتراق من فيها بالكامل! والسؤال أخي: ألم يكن فوات الرحلة خيراً لهذاالرجل؟! ولكن أين المعتبرون والمتعظون؟ 6- وهذا طالب ذهب للدراسة في بلد آخر، وفي أيام الاختبارات ذهب لجزيرة مجاورة للمذاكرة والدراسة، وهو سائر في الجزيرة قطف بعض الورود، فرآه رجال الأمن فحبسوه يوماً وليلة عقاباً لصنيعه مع النبات، وهو يطلب منهم بإلحاح إخراجه ليختبر غدا، وهم يرفضون، ثم ماذا حصل!؟ لقد غرقت السفينة التي كانت تقل الركاب من الجزيرة ذلك اليوم، غرقت بمن فيها، ونجا هو بإذن الواحد الأحد! والخلاصة ـ أيها المستمعون الكرام ـ: أن المؤمن عليه: أن يسعى إلى الخير جهده *** وليس عليه أن تتم المقاصد وأن يتوكل على الله، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب،فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.وليتذكر أن (من لطف الله بعباده أنه يقدر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، و الابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم، ولطفاً، وسوقا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم). ومن ألطاف الله العظيمة أنه لم يجعل حياة الناس وسعادتهم مرتبطة ارتباطاً تاماً إلا به سبحانه وتعالى، وبقية الأشياء يمكن تعويضها، أو تعويض بعضها: من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ *** وما من الله إن ضيعتهُ عوضُ وإلى لقاء قريب في الحلقة القادمة بإذن الله.. |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
الدرس الخامس عشر قال تعالى.. {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. *** الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية محكمة، ذات البعد الإيماني والتربوي، وله صلة شديدة بواقعنا اليومي، إنها القاعدة التي دلّ عليها قول ربنا جل جلاله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. وهذه القاعدة القرآنية المحكمة تكررت بلفظ قريب في عدد من المواضع، كما تكرر معناها في مواضع أخرى. فمن نظائرها اللفظية المقاربة قول الله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، ويقول عز وجل: { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ...} [القصص: 47]. وأما الآيات التي وردت في تقرير هذا المعنى فكثيرة جدا، ومن ذلك قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]، وكقوله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وقال جل وعلا: {وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران: 181، 182] في ثلاث مواضع من كتاب الله عز وجل. ويقول سبحانه: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه.. ملخصاً ما دلت عليه هذه الآيات الكريمة بتلخيص العالم المتتبع المستقرئ لنصوص القرآن الكريم، يقول رحمه الله: "والقرآن يبين في غير موضع: أن الله لم يهلك أحداً ولم يعذبه إلا بذنب". أيها الإخوة الكرام: وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآيات الكريمة دلت عليه أيضا نصوص من الوحي الآخر... ألا وهو السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.. ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث القدسي العظيم ـ الذي يرويه عن ربه تعالى قال الله عز وجل: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلوم إلا نفسه". وفى صحيح البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت... الحديث"(3). وفى الصحيحين لما سأل أبو بكر - رضي الله عنه - النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، قال له عليه الصلاة والسلام: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم". فتأمل ـ أيها المؤمن ـ في هذه الأحاديث جيداً! فَمَنْ هو السائل؟ ومَنْ هو المجيب؟ أما السائل فهو أبو بكر الصديق الأكبر الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في مواضع متعددة، وأما المجيب فهو الرسول الناصح المشفق صلوات الله وسلامه عليه! ومع هذا يطلب منه عليه الصلاة والسلام أن يعترف بذنوبه، وظلمه الكبير والكثير، ويسأل ربه مغفرة ذلك والعفو عنه، والسؤال هنا ـ أيها الأخوة القراء ـ مَنْ الناس بعد أبي بكر رضي الله عنه؟ أيها القراء الفضلاء: إذا تقررت هذه الحقيقة الشرعية ـ وهي أن الذنوب سببٌ للعقوبات العامة والخاصة ـ فحري بالعاقل أن يبدأ بنفسه، فيفتش عن مناطق الزلل فيه، وأن يسأل ربه أن يهديه لمعرفة ذلك، فإن من الناس من يستمرئ الذنب تلو الذنب، والمعصية تلو المعصية، ولا ينتبه لذلك! بل قد لا يبالى! ولربما استحسن ذلك ـ عياذاً بالله ـ فتتابع العقوبات عليه وهو لا يشعر، فتكون مصيبته حين إذن مضاعفه!يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ـ وهو يتحدث عن الأمور التي تورث العبد الصبر وتعينه عليه ليبلغ مرتبة الإمامة في الدين ـ قال رحمه الله: "أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلط الناس عليه بسبب ذنبه، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتعل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه بسببها عن ذنبهم ولومهم، والوقيعة فيه، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبة حققية، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة، قال علي رضي الله عنه كلمة من جواهر الكلام: "لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه ولا يخافن عبد إلا ذنبه"، وروي عنه وعن غيره: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة" (5) انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله. ويقول تلميذه ابن القيم رحمة الله عليه ـ وهو يوضح شيئاً من دلالات هذه القاعدة القرآنية المحكمة {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قال رحمه الله: وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟! فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء؟ وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه؟ فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبُدِّلَ بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالايمان كفراً، وبموالات الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحش، وبلباس الايمان لباس الكفر والفسوق والعصيان؟ فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحلّ عليه غضب الرب تعالى، فأهواه ومقته أكبر المقت! وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم؟ حتى علا الماء فوق رأس الجبال، وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الارض، كأنهم أعجاز نخل خاوية؟ ودمرت ما مرَّ عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم؟ حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها؟ فأهلكم جميعاً ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء، أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه علي أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد. وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل؟ فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمرها تدميراً؟... إلى أن قال رحمه الله: قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا صفوان بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: لما فتحت قبرص، فُرِّقَ بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي! فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره؟! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى!انتهى كلام بن القيم:. والذي استطرد كثيرا في بيان آثار الذنوب والمعاصي السيئة على الفرد والمجتمع في كتابه النافع الجواب الكافي وذكر كلاما نفيسا يحسن الرجوع إليه والاستفادة منه. إخوة الإيمان: وليُعْلَم أنه ينبغي أن ندرك أن العقوبات حينما تذكر، فلا يصح حصرها في العقوبات الحسية أو العقوبات الجماعية ـ التي أشار ابن القيم إلى شيء منها ـ كالهدم والغرق والصيحة، أو السجن والعذاب الحسي، ونحو ذلك، فهذه لا شك أنها أنواع من العقوبات، ولكن ثمة أنواع من العقوبات قد تكون أشد وأعظم، وهى تلك العقوبات التي تتسلط على القلب، فيضرب بالغفلة وقسوته، حتى إن جبال الدنيا لو تناطحت أمامه ما اعتبر ولا اتعظ ـ عياذاً بالله ـ بل يظن المسكين، أو تظن أمة من الأمم ـ وهى ترى النعم تتابع وتزداد مع استمرارها في البعد عن شرع الله ـ تظن أن ذلك علامةً على رضى الله عز وجل عنها، وهذه لعمر الله من أعظم العقوبات التي يبتلى بها العبد وتبتلى بها أمة من الأمم. استمع جيدا إلى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} فما الذي حصل؟ هل تابوا أم رجعوا؟ اقرأ تتمة الآية: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 42 - 44].. فنعوذ بالله أن نكون من أهل هذه الآية، ونسأله بمنه وكرمه أن يتوب علينا وأن يبصرنا بمواطن الزلل منا، وأن لا يضربنا بقسوة القلب، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إن ربي سميع مجيب .. الدعاء.. وإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين. |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
بارك الله فيك أخينا الماجد واستاذنا الفاضل على ما فصلت وبينت , جعل الله ذلك كله في ميزان حسناتك .
والحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله بصاحبة الموضوع مشرفتنا ورد جورى وجزاك الله خيرا شيخنا الفاضل أبو الشيماء |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
بورك فيكم ونفع بكم
|
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل ابو الشيماء وبارك ربي لكل من يتابع معنا نفعنا الله واياكم |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
حقا :
اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم. بارك الله فيك ألأخ الكريم على التذكير . |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.. ** الدرس السادس عشر.. ** الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا لقاء جديد من حلقات هذه السلسلة: قواعد قرآنية، نتأمل فيها شيئاً من معاني قاعدة قرآنية محكمة، نحن بأمس الحاجة إليها كل حين، وخاصة حين يبتلى الإنسان بمصيبة من المصائب المزعجة، وما أكثرها في هذا العصر، إنها القاعدة التي دل عليها قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]. وهذه القاعدة القرآنية جاء ذكرها ضمن آية كريمة في سورة التغابن يقول الله فيها: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التغابن: 11]. والآية ـ كما هو ظاهر وبيّن ـ تدل على أنه ما من مصيبة أيّاً كانت، سواء كانت في النفس أم في المال أم في الولد، أم الأقارب، ونحو ذلك، فكل ذلك بقضاء الله وقدره،وأن ذلك بعلمه وإذنه القدري سبحانه وتعالى، وجرى به القلم، ونفذت به المشيئة، واقتضته الحكمة، والشأن كل الشأن، هل يقوم العبد بما يجب عليه من عبودية الصبر والتسليم ـ الواجبين ـ، ثم الرضا عن الله تعالى.. وإن كان الرضا ليس واجبا بل مستحباً. وتأمل ـ أيها المؤمن ـ أن الله تعالى علق هداية القلب على الإيمان؛ ذلك أن الأصل في المؤمن أن يروضه الإيمان على تلقي المصائب، واتباع ما يأمره الشرع به من البعد عن الجزع والهلع، متفكراً في أن هذه الحياة لا تخلوا من منغصات ومكدرات: جبلت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأقذار! وهذا كما هو مقتضى الإيمان، فإن في هذه القاعدة: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} إيماءً إلى الأمر بالثبات والصبر عند حلول المصائب؛ لأنه يلزم من هَدْيِ الله قلبَ المؤمن عند المصيبة = ترغيبَ المؤمنين في الثبات والتصبر عند حلول المصائب، فلذلك جاء ختم هذه الآية بجملة: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}).وهذا الختم البديع بهذه الآية: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يزيد المؤمن طمأنينة وراحة من بيان سعة علم الله، وأنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء مما يقع، وأنه عز وجل الأعلم بما يصلح حال العبد وقلبه، وما هو خير له في العاجل والآجل، وفي الدنيا وفي الآخرة، يقرأ المؤمن هذا وهو يستشعر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".. ويقول عون بن عبدالله بن عتبة رحمه الله: "إن الله ليكره عبده على البلاء كما يكره أهل المريض مريضهم، وأهل الصبي صبيهم على الدواء، ويقولون: اشرب هذا، فإن لك في عاقبته خيرا" . أيها الإخوة المؤمنون: ولنعد إلى هذه القاعدة: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} التي هي موضع حديثنا في هذه الحلقة. وثمة كلماتٍ نورانية، قالها سلف هذه الأمة تعليقاً على معنى هذه القاعدة، ولنبدأ بحبر الأمة وترجمان القرآن حيث يقول رضي الله عنه ـ في قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ويقول علقمة بن قيس رحمه الله في هذه القاعدة: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضَى. وقال أبو عثمان الحيري: من صح إيمانه، يهد الله قلبه لاتباع السنة. ومن لطيف ما ذكر من القراءات المأثورة ـ وإن كانت ليست متواترة ولا مشهورة ـ: أن عكرمة قرأ: "ومن يؤمن بالله يهدأ قلبه" أي: يسكن ويطمئن. أيها الإخوة القراء: ومجيء هذه القاعدة في هذا السياق له دلالات مهمة، من أبرزها: 1 ـ تربية القلب على التسليم على أقدار الله المؤلمة ـ كما سبق ـ. 2 ـ أن من أعظم ما يعين على تلقي هذه المصائب بهدوء وطمأنينة: الإيمان القوي برب العالمين، والرضا عن الله تعالى، بحيث لا يتردد المؤمن ـ وهو يعيش المصيبة ـ بأن اختيار الله خير من اختياره لنفسه، وأن العاقبة الطيبة ستكون له ـ ما دام مؤمناً حقاً ـ فإن الله تعالى ليس له حاجة لا في طاعة العباد، ولا في ابتلائهم! بل من وراء الابتلاء حكمة بل حِكَمٌ وأسرار بالغة لا يحيط بها الإنسان، وإلا فما الذي يفهمه المؤمن حين يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل"؟! وما الذي يوحيه للإنسان ما يقرأه في كتب السير والتواريخ من أنواع الابتلاء التي تعرض لها أئمة الدين؟! إن الجواب باختصار شديد: "أن أثقال الحياة لا يطيقها المهازيل، والمرء إذا كان لديه متاع ثقيل يريد نقله، لم يستأجر له أطفالا أو مرضى أو خوارين؛ إنما ينتقى له ذوى الكواهل الصلبة، والمناكب الشداد!! كذلك الحياة، لا ينهض برسالتها الكبرى، ولا ينقلها من طور إلى طور إلا رجال عمالقة وأبطال صابرون!. أيها القراء الأفاضل: ليس بوسع الإنسان أن يسرد قائمة بأنواع المصائب التي تصيب الناس، وتكدر حياتهم، لكن بوسعه أن ينظر في هدي القرآن في هذا الباب، ذلك أن منهج القرآن الكريم في الحديث عن أنواع المصائب حديث مجمل، وتمثيل بأشهر أنواع المصائب، لكننا نجد تركيزاً ظاهراً على طرق علاج هذه المصائب، ومن ذلك: 1 ـ هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} فهي تنبه إلى ما سبق الحديث عنه من أهمية الصبر والتسليم، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز الإيمان الذي يصمد لهذه المصائب. 2 ـ ومن طرق معالجة القرآن لشأن المصائب: الإرشاد إلى ذلك الدعاء العظيم الذي جاء ذكره في سورة البقرة، يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: 155، 156]. 3 ـ كثرة القصص عن الأنبياء وأتباعهم، الذين لقوا أنواعاً من المصائب والابتلاءات التي تجعل المؤمن يأخذ العبرة، ويتأسى بهم، ويهون عليه ما يصيبه إذا تذكر ما أصابهم، وعلى رأسهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ويتبع هذا العلاج القرآني: النظر في سير الصالحين من هذه الأمة وغيرهم، ممن ابتلوا فصبروا، ثم ظفروا، ووجدوا ـ حقاً ـ أثر الرضا والتسليم بهداية يقذفها الله في قلوبهم، وهم يتلقون أقدار الله المؤلمة، والموفق من تعامل البلاء بما أرشد الله إليه ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وبما أرشد إليه العقلاء والحكماء، ففي كلام بعضهم عبر متينة، وتجارب ثرية، فاستمع ـ مثلاً ـ إلى مقولة الإمام الجليل أبي حازم: ـ والتي تزيح جبال الهمّ التي جثمت على صدور الكثيرين، يقول رحمه الله: الدنيا شيئان: فشيء لي، وشيء لغيري، فما كان لي لو طلبته بحيلة من في السموات والأرض لم يأتني قبل أجله، وما كان لغيري لم أرجه فيما مضى، ولا أرجوه فيما بقي، يمنع رزقي من غيري كما يمنع رزق غيري مني، ففي أي هذين أفني عمري؟!". وبعد ـ أيها القراء الكرام ـ لماذا يتسخط بعضنا ويتوجع على حادثٍ حصل قبل سنوات؟! ولماذا يقلب أحدنا ملف زواجٍ فاشل؟! أو صفقةٍ تجارية خاسرة، أو أسهم بارت تجارتها؟! وكأنه بذلك يريد أن يجدد أحزانه!! فيا كل مبتلى: اصبر على القدر المجلوب وارض به... وإن أتاك بما لا تشتهي القدر وأوصي في ختام هذه الحلقة بقراءة رسالة قيمة جداً، قليلة الكلمات، عظيمة المعاني؛ لشيخ شيوخنا: العلامة الجليل، الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: وعنوان رسالته: "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة"،فما صفا لامرئٍ عيشٌ يســــرّ به... إلاّ سيتبع يوماً صفوة كـــــــدر .. جعل الله أيامنا جميعاً أيام أنس وسرورٍ بالله، وسرورٍ بما يقدره الله، ويقضيه الله، والحمد لله رب العالمين. نلتقي في حلقة أخرى إن شاء الله |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
جزاكم الله خيراً |
رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم
جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم .
|
الساعة الآن : 08:18 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour