ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=4)
-   -   فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=121403)

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:34 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
أُمّةُ المِليارِ مِليارُ أُمّة!!/ سلمان بن فهد العودة



عاشت أمتنا قروناً تنيّف على العشرة، وهي واسطة عقد الزمان، مجدها في الجوزاء أو أعلى، ونورها كالشمس أو أجلى، الجناب مهيب، والراية خفّاقة، والكلمة مدوّية.

وما برح الزمـانُ يــدورُ حتى == مضى بالمجـد قومٌ آخرونـا
وأصبح لا يُرى في الركب قومي == وقـد عاشـوا أئمتَـه سنينا
وآلـمـني وآلـم كــلَّ حـرٍ == سؤالُ الدهر: أين المسلمونا؟

وهي اليوم بعد عقود من الهوان والتخلف وتراجع دورها الحضاري تبحث عن مخرج.

إن بناء الأمم هدف شريف، ينشده المصلحون، ويبذلون جهدهم وعرقهم ودمهم لتحقيقه.

وصناعة الإنسان هي الهدف الأول في منظومة الإصلاح الأممي، والركيزة الأساس التي تُعقد عليها الآمال، وتُناط بها التطلعات.

ومحال على أمة تعاني في ذاتها من الأدواء المريرة، والعلل المستعصية أن تكون قادرة على مدِّ يدِها إلى الآخرين بالنور والهداية والعلاج الناجع.

والعكوف على إصلاح حال الأمة هو المدرج لتحقيق خيريّتها، وإعادة اعتبارها، وجعلها في مقام القدوة؛ فرقيّنا العلمي والعملي هو السبيل لقدرتنا على إصلاح العالم.

إن من غايات هذا الدين العظيمة الحفاظ على وحدة الأمة وتماسكها من التهتّك والتمزّق والشتات.

إن هذه الغاية الشريفة (اجتماع الكلمة) ينبغي أن تكون محلّ اتفاق راسخ من قبل كل من ينتمي لهذه الأمة سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو أحزاباً أو دولاً أو غير ذلك.

إن الأمّة لا تقبل تنازعاً ولا تفاوضاً ولا مساومة في أمر يُعدّ سراً من أسرار البقاء، والصدارة على أمم الأرض.

والانتماءات الفرعيّة لا يجوز أن تكون على حساب الانتماء الأعظم ولا أن تكون انشقاقاً أو شغباً عليه.

كل شعب قام يبني نهضةً == أرى بنيـانَكم منقــسما
في قديم الدهر كنتم أمةً == لهف نفسي!! كيف صرتم أُمما؟!

إن معرفة ( قواعد توحيد الكلمة) ومن ثم تنزيلها على أرض الواقع يصنع صفاءً في النفوس، وجمالاً في الأخلاق، وإشراقاً في الوجوه، ونجاحاً في العمل، وتذويباً للمشكلات العالقة، ودفعاً للنوائب الحادثة.

إنه هدف سامٍ وسبب رئيس لصناعة الأمم العظيمة التي تستطيع تجرّع الغصص، وتحمّل عظائم الأمور؛ حفاظاً على ريادتها ومسؤوليتها.

إن الاجتماع من شعائر ديننا الحنيف؛ فالصلاة والاجتماع عليها في الفرائض وغيرها، والاحتشاد خلف إمام واحد، والحج الذي تحتشد له الأشتات من كل فجّ عميق، تزدحم بهم الرحاب بلباس واحد، وهتاف واحد.

بل حتى في السفر دعاء للاجتماع؛ فالرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ .. رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم.

وفي الحديث الصحيح يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- داعياً للوحدة ومحذراً من الفرقة: فيما رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ».

فمتى فُتح المجال لجرثومة الفرقة وفيروس الاختلاف؛ فإن العاقبة مخيفة، والثمن مدفوع من قوة الأمة وجهدها، والدافع له غالباً هو ضعف النفوس وفساد الأخلاق، والطمع في الجاه والمال والرياسة.

ويقيني أننا بحاجة لا تُؤجّل لأن نغرس في نشئنا الصاعد حبَّ الوحدة والاجتماع، والنفور من الفرقة، والاحتفال بقضايا الاتفاق وإبرازها، وتحجيم عوامل الفرقة وعزلها، ولن نصنع ذلك ما لم نتغلّب على روح الـ(أنا) الطاغية.

فَلْنُعْلِنْها حرباً بلا هوادة على أنانية الفرد، وأنانية الحزب، وأنانية الشعب، ونردد (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103]

إننا نتغنى كثيراً بمعاني الأخوة والوحدة؛ فهي شعار الساسة والعلماء والشعراء والوعاظ..

ولست أبغي سوى الإسلام لي وطناً== الشام فيه ووادي النيــل سيان
وحيثما ذُكــر اسمُ الله في بلــد == عددْتُ ذاك الحمى من لبّ أوطاني

وهي هتاف تُبحّ به أصواتُ الجماهير من الخليج إلى المحيط في مناسباتها وأعيادها وأزماتها

بيد أن مفهوم (الأمة الواحدة) يتعرض لامتحان عسير أمام تعمّق عوامل النفور والخصام. واستشراء أدواء الفرقة والخلاف، واحتكام الكثيرين إلى الانتماءات العرقية أو الفكرية أو الثقافية الخاصة فلا يجدون أنفسهم إلا بها ومعها وإليها.

وحين يكون الحديث عن (الأمة الواحدة) يشعرون بالتلاشي والذوبان والضآلة، فكأنّ الفرد أو الحزب يبحث عن كيانه وذاتيّته وحضوره بالانفصال عن تاريخ الأمة أو دينها وثقافتها، أو واقعها ومعاناتها.

أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِّوى == فَلَم يَستَبينوا النُصحَ إِلّا ضُحى الغَدِ
فَلَمّا عَصوني كُنتُ مِنهُم وَقَد أَرى == غِوايَتَهُم وَأَنَّنـي غَيرُ مُهتَــدي
وَهَل أَنا إِلّا مِن غَزِيَّةَ إِن غَوَت == غَوَيتُ وَإِن تَرشُـد غَـزيَّةُ أَرشدِ

هل يُعقل أن يكون الفرد في الأمة أمة وحده في فردانيّته، وتمرّده على روح الفريق والجماعة، واستهتاره بمصالح الأمة العليا، وإيثاره لمصلحته الذاتية؟!

ها هنا السر العظيم بين مثل هذه الحالة الانشقاقيّة القاتلة، وبين وصف الله تعالى لإبراهيم عليه السلام أنه كان (أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل: من الآية120].

كان في مقام أمة بعلمه، وصدقه، ودعوته، وعمله

كأَنَّهُ وَهْوَ فَرْدٌ مِنْ جلالَتِهِ == في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقَاهُ وفي حَشَمَِ

ولكنه كان شديد الاندماج، والقرب، والصلة بكل الحنفاء في عهده، ومن قبله، ومن بعده.

دعنا نعيش في الأحلام, وننام ونصحو على أمل برنامج يحفظ وحدة هذه الأمة، ويجمع جهد رجالها وقادتها ومصلحيها على كلمة سواء

والله وحده المستعان
ولاحول ولا قوة إلا به.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: موقع الإسلام اليوم

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:35 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
الفكر المأزوم/ سلمان بن فهد العودة


ليس بإمكان المرء أن يعتزل المشاكل العامة، والخاصة بالذات حين يعيش في العالم الإسلامي فـ: 28 من 30 صراعاً في الكرة الأرضية هي في العالم الإسلامي، وحين نتحدث عن العالم الإسلامي فلسنا نتجاهل أزمات العالم كله، ولكن الفرق الرئيس العجيب أن أزماتهم ناتجة عن فائض القوة والتقنية، وأزماتنا ناتجة عن فائض العجز والتخلف!.

هذا واقع مرٌّ مأزوم؛ بيد أنه من الخطأ أن نتحول إلى أناس مأزومين نفسياً وعقلياً؛ فتؤثر الأزمة في تفكيرنا.. في حياتنا العامة، وعلاقاتنا مع الآخرين، وحياتنا الزوجية الخاصة و في طريقة تناولنا للأشياء.

إن الاستغراق في المشكلات والأزمات وإخراجها من سياقها، ونسيان تيار الحياة اللجب المتدفق بانسياب وإيجابية، واختصار الأمة في أزمة يحوّلها إلى أزمة شعورية وداخلية ونفسية، وينسيك هذا كله أن الحياة مكتظة بالفرص والإيجابيات، وأن الحكمة والذكاء تحويل الأزمة إلى فرصة.

إن التعامل السلبي مع أي أزمة هو تجاهل للواقع العام، واحتكار له في أحداث أو جوانب معينة.. وكل ذلك أو بعضه يكفي بجدارة لصناعة عقلية مأزومة وفكر مشوّه مريض.

وهناك فرقٌ بين من يذكر أيَّ مشكلة أو أزمة في سياقها، وبين من تسيطر عليه وتصنعه، ويلحّ عليها إلحاحاً كبيراً، وقد تصنع عنده موقفاً فكرياً وعاطفياً ونفسياً وتصنع شخصيته، وينجم عن ذلك تضخيم للمشكلة، وتأزيم للفكر، وكأنها نهاية التاريخ وهرمجدون آخر الزمان ومؤذن المهدية.

إن عنصر الزمن يعطي المشكلة حجمها الحقيقي، ويكشف الفرق بين تخيلنا وبين واقع الحال؛ ولهذا يقول بعض العلماء: إن الفتن إذا أقبلت عرفها العلماء، وإذا أدبرت عرفها كل الناس.

والغالب في الأزمات أن نتائجها وآثارها السلبية أقلّ مما نظن، وأن التحليلات الإعلامية تعطي بعداً إضافياً للأزمة، وأن الخيال يجنح ويجمح في تطوراته المستقبلية، وقد قال أبو الطيب:

كُلُّ ما لَم يَكُن مِنَ الصَعبِ في الأَنـ فُسِ سَهلٌ فيها إِذا هُوَ كانا

وقال آخر:

وَكُلُّ الحادِثاتِ وإن تَناهَت فَمَوصولٌ بِها فَرَجٌ قَريبُ

إن المعاناة في فلسطين أو العراق – مثلاً - هي مجرد انفجار موضعي للأزمة لا يجوز أن ينسينا الأزمة القابعة في عقل ونفس كل فرد فينا..

دعونا نعترف بمشاكل تفكيرنا وأزماتنا الشرقية؛ من التخلف والضعف والمهانة:

أزماتنا في الشرق تخطف حولنا كتلٌ تبدّت حولها أشلاءُ
فتطرفٌ وتخلفٌ وتعصبٌ وهشاشةٌ وتعاسةٌ وخواءُ
بؤساءُ لا يبغون عن عاداتهم حِولاً وما لفهومهم أخطاءُ
رُزِئوا بتقديس الذوات كأنهم رسلٌ يعزز قولهم إيحاءُ

دعونا نعترف بأننا نمارس تسلطاً واستبداداً في الرأي بحسب وسعنا وطاقتنا.. آخذين بقول العربي عمر بن أبي ربيعة: إِنَّما العاجِزُ مَن لا يَستَبِد

ونمارس ترفعاً على النقد والمراجعة والتصحيح والاعتراف بالخطأ، وإعجاباً بالرأي وأحادية في الفكر ومصادرة لآراء الآخرين، وانشقاقاً ذاتياً أصبح معه شبه مستحيل أن نتعايش أو نتفاهم أو نتفق على عمل مشترك أو برنامج مشترك؛ حتى عجزنا عن رد الظواهر لأسبابها، والمشاكل لعللها في كسل عن التفكير المنطقي الطبيعي، وتباطؤ عن العمل البحثي أو العلمي أو الدعوي أو الفكري النافع.

وأصبحنا لا نرى الألوان الرمادية فإما معنا أو ضدنا؛ أبيض أو أسود، لا نرى مناطق الوسط والحلول الوسطية، إما حكم بالبراءة أو الإعدام، ومجتمع الملائكة أو الشياطين، قعر الجحيم، أو قمة الفردوس.

فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ

بيد أن منهج الشريعة في البحث والتقصي يعتمد على الفرز والتفصيل والتحرير، وعدم الجزاف.

والفكر المأزوم مشوش بفعل التعصب مما يعني صعوبة الإصلاح؛ بسبب تترس أخطائنا بالدين، واختلاط الأمر لدينا بين الثبات على الحق، وبين الجمود على الرأي المجرد، ومن مظاهر هذا الفكر تدافع وتبادل التهم، وانتقائية أو جزئية في الطرح والتقييم والتفكير، وقطعية في غير موضعها.

وفي هذا العالم الإسلامي الكبير أزمة واحدة – أحياناً - كافية لبث الانشقاق والاحتقان للتراشق، والانشغال بالغير مما يبرز سوءات النفس البشرية من التعصب والهوى، والتوسع في التأويل للكذب والعدوان، والبغي والقتل بأوهى الحجج وأضعف التأويلات، والسعي الجاد في إسقاط الآخرين وكأنهم هم العائق في وجه النجاح!

ومأزوم الفكر يغيب عنه في لحظة الحدث بل في حياته العامة التفكير المنطقي السليم، ويتهرب من الاعتراف بقانون السببية يفعل ذلك لردم أخطائه ومشاكله ومظاهر الخلل والتخبط والظلم في منطقه وتفكيره: هذا من الناحية العلمية والفكرية.

وَتَغلُّبُ الأثرة والإطاحة بالمخالف والتشنيع عليه، والكيل بالمكيالين في الناحية التربوية السلوكية، وتحيله المشاكل إلى عاملٍ من عوامل ضياع ثروات الأمة البشرية والمادية والاقتصادية، والإخفاق في إدارة الأزمات الشخصية فضلاً عن المجتمعية من الناحية الإدارية، وهي تجعل الفرد فاشلاً على مستواه الشخصي والعملي والوظيفي وربما تجده مع هذا كله متحدثاً جيداً عن مشكلات العالم الإسلامي، وربما العالم كله من غير أن يطرف له جفن أو تهدأ له عين.

وبعد: فإن هذه الأزمات كلها شيء، وأن تكون في الفكر المأزوم قناعة الرضا بالذات، واعتقاد عدم وجود الخطأ أزمة أخرى؛ لأن معنى هذا الأخير هو عدم وجود القابلية للتصحيح والمراجعة، ومعناه – باختصار - فقدان الخطوة الأولى في طريق التصحيح وهو الجهل المركب –كما يسميه فقهاؤنا:

الذي لا يعرف ولا يعلم أنه لا يعرف؛ فحين لا يحس المرء بمشكلة في تفكيره وحين يشعر بالرضا عن الذات، والكمال المطلق فهذه أم المشاكل:

يقضى على المرء في أيام (أزمته) حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

إن طلب الهداية من الله في سورة الفاتحة في كل صلاة تشير إلى ضعف الإنسان المستمر، وحاجته للتصحيح في كل وقت، ونزع خصلة الرضا المطلق السلبي عن الذات؛ لأن معنى هذا الشعور هو التوقف والجمود, نعوذ بالله من ذلك..


بسم الله الرحمن الرحيم "الحمد لله رب العالمين(1)الرحمن الرحيم(2) مالك يوم الدين(3) إياك نعبد وإياك نستعين(4) اهدنا الصراط المستقيم(5) صراط الذين أنعمت عليهم(6) غير المغضوب عليهم ولا الضالين(7)" آمين. *

د. سلمان بن فهد العودة : كاتب سعودي

المصدر: موقع الإسلام اليوم

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:40 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
كلمة في جمع الأمة/ الشيخ سلمان العوده

* مقدمة:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه؛ الذين قَضَوا بالحق وبه كانوا يعدلون وعلى أزواجه وذريته، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد: إنني أحبكم في الله تعالى.
أُحبُّكُمْ حُبَّ الشَّحِيحِ مَالَهُ
قَدْ ذَاقَ طَعْمَ الْفَقْرِ ثُمَّ نَالَهُ
إِذَا أَرَادَ بذْلَهُ بَدَا لَهُ

أحبكم حباً لا تفسير له إلا هذه الرابطة التي جعلها الله صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين، يحنُّ بعضهم إلى بعض، وإن تناءت بهم الديار، وتباعدت الأقطار، إلا أن رابطة الحب في الله سبحانه وتعالى تجمعهم.
أُحِبُّكَ لا تَفْسِيرَ عِنْدِي لِصَبْوَتِي *** أُفَسِّرُ مَاذَا وَالْهَوَى لا يُفَسَّرُ؟!


فإذا ألمت بك مُلمّة، أو نزلت بك نازلة، أو أغلقت دونك الأبواب، أو تعسرت الأسباب؛ فتذكر أن قلوباً تصطف، تأسى لأساك، وتحزن لحزنك، وتفرح لفرحك، وتتابعك، وإن كنت لا تعرفها وكانت لا تعرفك.

فَإِنْ رَأَتْكَ عَلَى خَيرٍ بَكَتْ فَرَحًا *** وَإِنْ رَأَتْكَ عَلَى سُوءٍ بَكَتْ أَلماً

ولعل كلمة الحب تصلح لجمع الكلمة، فمع الحب تذوب المشكلات بين الزوجين، بين الشركاء، بين الأصحاب في العمل، بين المتخالطين، بين الجيران، بين المختلفين، لكن إذا تنافرت القلوب فلا ينفع حينئذٍ وئام ولا اتفاق.

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:42 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
أولاً: الفرق بين الاختلاف والتفرق

يجب أن ندرك أن ثمت فرقاً بين التفرق والاختلاف فالله سبحانه وتعالى في تنزيله نهى عن التفرق مطلقاً؛ ولهذا فكل تفرق فهو مذموم، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى أصحابه عن التفرق بالأجساد.

كما في حديث أَبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِي قَال: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلاً؛ تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ). فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلاً إِلاَّ انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يُقَالُ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ "(1)، فالتفرق مذموم في الأحوال، والأقوال، والمذاهب، والمواقف، والأبدان؛ إذا كان تفرقاً مبنياً على غير سبب؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) (آل عمران: من الآية105).

أما الاختلاف فليس مذموماً بالإطلاق، فمنه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى في الآية بعدها: (وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) (آل عمران: من الآية105)، فالاختلاف المذموم هو الاختلاف في الكتاب، والاختلاف على الكتاب واتباع الهوى، وهو أن يختلفوا من بعد ما جاءهم البينات، وإلا فقد يكون اختلافاً محموداً، ومن أمثلة الاختلاف المحمود اختلاف التنوع، مثل أن يذكر كل من المختلفين من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، كاختلافهم في تفسير قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) (فاطر: من الآية32)، قال بعضهم: السابق الذي يصلي أول الوقت والمقتصد في أثنائه والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار. وقيل: السابق المحسن بالصدقة والمقتصد بالبيع والظالم بأكل الربا.

واختلاف التنوع في الأحكام الشرعية قد يكون في الوجوب تارة وفي الاستحباب أخرى، فالأول مثل أن يجب على قوم الجهاد وعلى قوم الصدقة وعلى قوم تعليم العلم، وهذا يقع في فروض الكفايات أيضاً ولها تنوع يخصها وهو أنها تتعين على من لم يقم بها غيره؛ فقد تتعين في وقت أو مكان وعلى شخص أو طائفة كما يقع مثل ذلك في الولايات والجهاد والفتيا والقضاء، قال ابن تيمية: وكذلك كل تنوع في الواجبات يقع مثله في المستحبات.

ومن اختلاف التنوع أيضاً أن يعمل الإنسان خيراً وآخر يعمل خيراً غيره، أو هذا يرى رأياً باجتهاده وهذا يرى رأياً مختلفاً وما أشبه ذلك، فالاختلاف منه المذموم ومنه المحمود، أما التفرق فمذموم بالإطلاق.

إن التنوع سنة ربانية قامت الحياة على أساسها؛ فالله سبحانه وتعالى خلق من كل شيء زوجين، وجعل التنوع في أشكال الناس ومظاهرهم وألوانهم وأصواتهم، وفي مخلوقاته سبحانه وتعالى وفيما يراه الإنسان من حوله، فهذا التنوع جزءٌ من ثراء الحياة الإنسانية، وجزء من التجدد والطرافة فيها؛ ولذلك يقول المتنبي:

تَخَالَفَ النَّاسُ حَتَّى لَا اتِّفَاقَ لَهُمْ ** إِلا عَلَى شَجَبٍ وَالْخُلْفُ فِي الشَّجَبِ
فَقِيلَ تَخْلُصُ نَفْسُ الْمَرْءِ سَالِمَةً ** وَقِيلَ تَشْرَكُ جِسْمَ الْمَرْءِ فِي الْعَطَبِ

يريد أن الناس يتخالفون في كل شئ والإجماع على الهلاك، فكلهم يقول إن منتهى الناس والحيوان الموت، ثم تخالفوا في الروح بعد الموت، فقوم يقولون: إن الروح تفنى كالجسم، وآخرون يقولون: الأرواح تسلم من الهلاك ولا تفنى بفناء الأجسام، والمقصود الذي يتفق عليه الجميع من هذه الأبيات هو أن الاختلاف شيء عميق في الحياة البشرية.

والتفرق المذموم هو اتّباع لسنة أهل الكتاب الذين: (تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَات) ؛ ولهذا نهى الله سبحانه وتعالى عن اتباع هديهم وسنتهم، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ) قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ (فَمَنْ؟) (2)، والتفرق المذموم هو مخالفة لمقتضى المصلحة والعقل والرشد والبصيرة؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن اليهود: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر: من الآية14)، فاختلافهم بسبب نقص عقولهم. والتفرق هو نقض لأساس من أسس الشريعة؛ فإن الشريعة جاءت بوحدة المسلمين؛ ولهذا كان الخطاب في القرآن الكريم جماعياً، في كثير من الآيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْر*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر)، وجلُّ أحكام الشريعة لا يمكن تنفيذها إلا من خلال وحدة واجتماع.

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:46 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
كيف تستطيع أن تطبِّق الأخلاق الإسلامية، كيف تستطيع أن تعرف إن كنت صبوراً، أو حليماً، أو كريماً، أو كنت شجاعاً إلا من خلال الاختلاط بالناس؟!

كيف تستطيع أن تؤدي شعائرك فتصلي أو تصوم أو تحج أو تعتمر إلا من خلال الاختلاط بالناس؟! حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذي لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ) (3)، فالتفرق إذن اتباع لسنة أهل الكتاب، ومخالفة لما تقتضيه العقول السليمة والبصائر المستقيمة، وهو نقض لأساس من أسس الشريعة.

إن الحديث عن التفرق ليس حديثاً خاصاً عن الدعاة، والاختلافات التي تقع بينهم، أو العلماء واختلافهم في الفتوى، أو التيارات الإسلامية وتنوع مشاربها ومذاهبها فحسب، إنما الحديث عن: التفرق والاختلاف بين المسلمين، الاختلاف الذي يضرب هذه الأمة، وإذا كنا نشهد في التاريخ الإسلامي ألواناً من الاختلافات التي لم يكن لها سبب ولا مسوغ ولا مبرر، والتي قضت على وحدة المسلمين، وأكلت جهودهم وطاقاتهم، ومكنت أعداءهم منهم في غير مرحلة فإننا نشهد في واقع المسلمين اليوم ألواناً وأنماطاً كثيرة من هذا الاختلاف، وهي جديرة بمبضع الجراح الذي يقوم بعلاجها.

إخوة الإيمان: إن الله سبحانه وتعالى يقرر لنا أن المؤمنين إخوة، يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: من الآية10)، ويقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92)، ويقول جل شأنه: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52)، وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (4)، فالأخوة ليست في العروبة، ولا في الأرض؛ فَإِنَّ الأَرْضَ لاَ تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عَمَلُهُ، وليست في المصلحة المشتركة، ولا في التاريخ المشترك، وإنما الأخوة الحقيقية هي التي تظلل الناس في ظل هذا الدين.

إِنْ يَخْتَلِفْ نَسَبٌ يُؤلِّف بَيْنَنَا ** دِينٌ أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْوَالِدِ
أَوْ يُنْتَقَصْ مَاءُ الوِصَالِ فَمَاؤُنَا ** عَذْبٌ تَحَدَّرَ مِنْ زُلَالٍ وَاحِدِ

وهذه الأخوة تشرق وتتجلى، فلا تختص بوقت دون وقت ولا بمكان دون مكان وفي أحلك المواقف وأشدها حتى حينما يقع عليك عدوان أو ظلم من أخيك، فهذا لا يعني أن أخوته قد زالت وحبال المودة تقطعت، تأمل قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات: من الآية10)، أي بين طائفتين؛ وصل الأمر بهم إلى حد الاقتتال (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (الحجرات: من الآية9)، ومع ذلك سماهم إخوة، وقال سبحانه وتعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء) (البقرة: 178)، وذلك في شأن القاتل الذي قتل أخاه المسلم، ومع ذلك سماه الله سبحانه وتعالى أخاً، فالقاتل أخٌ للمقتول، والمقتول أخٌ للقاتل، فهذه الأخوة التي عقدها الله سبحانه وتعالى لا يجوز أن تقضي على أساسها أو تزيلها عوامل الفرقة والاختلاف حتى العدوان الذي يقع بين المسلم وأخيه، وقد تجد من الناس من يقع له نوع تقصير في دينه -مثلاً- فيكون عنده انحراف أو معصية أو غير ذلك، لكن ما دام يصح له وصف الإسلام؛ فله أصل الحقوق.

وإذا تم له كمال الإيمان؛ كملت له الحقوق، وهناك قاعدة مهمة في التعامل، وهي كُلُّ مَنْ صَحَّ أَنْ يُوَصَفَ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ؛ فَلَهُ حُقُوقُ الْمُسْلِمِ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سبحانه وتعالى قَالَ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ) قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ

وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ) (5)، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وعيادة المريض، وغير ذلك من الحقوق مما لم يذكر في هذا الحديث، فكل من صح له وصف الإسلام - ولو كان في الدرجة الدنيا منه- فله قدرٌ من هذه الحقوق، لكن كلما عَظُم قدره في الإسلام كلما عظمت حقوقه؛ ولهذا كان أعظم الحقوق على المسلمين بعد حق الله سبحانه وتعالى حق النبي صلى الله عليه وسلم ثم حق الصحابة رضي الله عنه ثم حق أهل العلم، وحقوق الوالدين، والمقصود أن الحق باقٍ لكل من صح أن يوصف بأنه من المسلمين، وإن كان فيه نقص أو زلل أو تفريط، أو لديه شيء من الخطأ؛ ولذلك قد يقول البعض: هذه أخوة عامة، وأخوة خاصة، والأفضل عدم استعمال هذا المصطلح؛ لأن الأخوة العامة والخاصة أجراها النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين والأنصار، فآخى بين فلان وفلان، هذا مهاجر وهذا أنصاري، وكان بينهم نوع من الاندماج، حتى في أموالهم وفي سكنهم وفي أمورهم، فعن إِبْرَاهِيم بْن سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: "لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَي زَوْجَتَي هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا"(6)، وهذا الحديث في صحيح البخاري، فهذه أخوة خاصة كانت بين عبد الرحمن وسعد رضي الله عنهما، لكن الأخوة بين المسلمين قائمة، ولا مانع أن تتفاوت هذه الأخوة في درجاتها، فليس حق آحاد الناس أو حق شخص مضيّع أو مفرّط كحق شيخك العالم الجليل صافي المشرب والمذهب، صادق السريرة، صالح القول والعمل المؤثّر عليك.

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:48 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
* تقسيم مشهور:

في معظم أو كل المجتمعات الإسلامية؛ تسمع بهذا التقسيم المشهور، القسم الأول: أناس ملتزمون. القسم الثاني: أناس غير ملتزمين، وهذه القسمة شاعت وذاعت، حتى أصبحنا نجد كثيراً من الشباب قد يتصل بك أو يقابلك فيقول لك: أنا شخص غير ملتزم، ولكني أحب الخير، ومحافظ على الصلوات، فتتعجب لذلك.

أولاً: ما هو معيار الالتزام؟

هل نقصد بالالتزام: أن يكون مظهر الإنسان متفقاً ومنسجماً مع سنة النبي r وهديه فقط؟ أو نقصد بالالتزام التمسك بالدين؟

هناك نوعان من الناس: الأول إنسان مفرط في مظهره وعنده معصية ظاهرة، لكنه قد يكون من جهة أخرى ملتزماً، فتجده مبكراً للصلوات، حريصاً على الجماعات، باراً بوالديه، كثير الإنفاق في سبيل الله، ولديه جوانب عظيمة من الخير فهو ملتزم بهذا الاعتبار، وإن كان عنده تفريط.

والثاني: إنسان عنده التزام في هديه الظاهر وسمته الخارجي؛ في ملابسه في شكله في شعره في هيئته، ولكن هل يمنع هذا أن يكون عنده نقائص داخلية وعيوب خفية؟! فقد يكون مفرطاً في صلاة الفجر مع الجماعة، أو لديه نوع من التقصير في حق الوالدين، أو ما أشبه ذلك من الأخطاء.

فينبغي ضبط المعايير حينما نقول: هذا ملتزم أو غير ملتزم.

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:49 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
ثانياً: تبعات هذه القسمة

من الخطأ أن تقتضي هذه القسمة أو هذه التسمية عندنا نوعاً من الانفصال بين الناس بعضهم البعض وتفريقهم إلى فرق وأحزاب وجماعات؛ فإذا كنت أنا غير ملتزم بهذا الاعتبار الذي ذكرناه قبل قليل فأنا محتاج إلى أولئك الملتزمين؛ لأستفيد منهم، وأنهل من علمهم، وأقتدي بأخلاقهم، وأقتبس من مشكاتهم، والملتزم- أيضاً- محتاج إلى أن يسوِّق بضاعته ودعوته التي يريد بها وجه الله عند من يسميهم بغير الملتزمين، وعلى هذا فهي مجموعات داخل هذا المجتمع يحتاج بعضها إلى بعض.

النَّاسُ لِلنَّاسِ مِنْ َدْوٍ وَحَاضِرَةٍ ** بَعْضٌ لِبَعْضٍ- وَإِنْ لَمْ يَشْعُرُوا- خَدَمُ

وعلينا ألا نسرف في استخدام هذه الكلمة، وألا نجعلها ديدناً، وأن نضع لها الضوابط التي تحدّ من الإفراط فيها، وألا نسمح بأن توجد نوعاً من الانفصال أو الإقصاء أو الولاء والبراء على أساسها.

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:50 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
* مؤثرات على الشباب:

هناك مؤثرات خارجية -من الخطورة بمكان- على كثير من شبابنا، بل لها تأثير قد يكون أقوى نتيجة وأعمق أثراً من تأثير أب عاجز أو أم فاقدة للسيطرة أو الضبط لأبنائها، فمن هذه المؤثرات الأرصفة، الاستراحات، المنتديات، المدارس، القنوات الفضائية، مواقع الإنترنت، المجلات، السفريات، العلاقات الخاصة والمجموعات، وغير ذلك، ولا يشك عاقل في أن هذه المؤثرات تؤتي ثماراً مرة في غياب وعي المسؤولين عن الشباب من والدَيْن ومربين وموجهين، وفي كثير من الأحيان يستطيع الزملاء في المدارس- ومن في نفس سن أبنائنا- أن يؤثروا عليهم تأثيراً بعيداً عميقاً إذا حانت لهم الفرصة في ظل أب عاجز وأمّ خرجت عندها ضوابط التربية عن طوقها.

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:52 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
* ألوان التفرق:

هناك ألوان ونماذج من تفرق الأمة الإسلامية ماضياً وحاضراً:

أولاً: الانتساب للمذاهب الفقهية حنفي ومالكي وشافعي وحنبلي وأوزاعي وظاهري إلى غير ذلك، فهذا الانتساب هو نوع من التفرق إذا ترتب عليه تعصب؛ لأنه في الأصل من الاختلاف المحمود؛ فإن اختلاف الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم من الأئمة المتبوعين ليس اختلافاً على القرآن والسنة، ويصدق عليهم قول القائل:

وَكُلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ ** غَرْفاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفَاً مِنَ الدِّيَمِ

لكنهم اختلفوا لاعتبارات أخرى معروفة مبسوطة في كتب الفقه وأصوله.

لكن إذا تحول الأمر إلى نوع من العصبية والتمسك والتشدد وتقديم قول الشيخ على قول الله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يصبح لوناً من التفرق المذموم؛ لأنه بُني على تعصب، بل يصل أحياناً فيكون عند البعض معقد الولاء والبراء، فتجد من يوالون بعضهم بعضاً؛ لأنهم من المذهب الفقهي الفلاني، وقد يجافون من لا يوافقهم في المذهب أو في المشرب، وهذا مشاهد ويقع كثيراً، فتجد مثلاً حنبلياً يقول:

أَنَا حَنْبَلِيٌّ مَا حَيِيتُ وَإِنْ أَمُتْ ** فَوَصِيَّتِي لِلنّاسِ أَنْ يَتَحَنْبَلُوا

و هذا ليس بصواب؛ فإن المطلوب من الناس أن يتبعوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو إمام الأئمة وهو الوحيد الذي يجب على الناس اتباعه مطلقاً، وأما الأئمة فما منهم إلا رادّ ومردود عليه، وما منهم إلا ويؤخذ من قوله ويترك، واعتبار أن هذا الإمام أياً كان هو معقد الولاء والبراء، وأن الحق محصور في قوله أو مذهبه خطأٌ محضٌ لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا حظ له من نظر.

مثال للتعصب: إن التاريخ والواقع قد حفل بنماذج تسترعي النظر والوقوف عندها، ومع أن المالكية ليسوا شديدي التعصب، لكن هذا نموذج مما أحفظه لأحدهم يقول:

عَذِيرِي مِنْ قوْم يَقُولُونَ كُلَّمَا ** طَلَبْت َ دَلِيلاً هَكَذَا قَالَ مَالِكُ
فَإِنْ قُلْتَ: قَالُوا: هَكَذَا قَاَلَ أَشْهَبٌ ** وَقَدْ كَانَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ الْمَسَالِكُ
فَإِنْ قُلْتَ: قَالُوا: قَاَلَ سُحْنُون مثلهُ ** وَمَنْ لَمْ يَقُلْ مَا قَالَهُ فَهْو آفِكُ
فَإِنْ قُلْتَ: قَالَ اللهُ ضَجُّوا وَأَعْوَلُوا ** وَصَاحُوا وَقَالُوا: أَنْتَ قِرْنٌ مُمَاحِكُ
وَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَالَ الرَّسُولُ فَقَوْلُهُمْ ** أَتَتْ مَالِكاً فِي تَرْكِ ذَاكَ الْمَسَالِكُ!

يعني: أن مالكاً - رحمه الله- أَولَّ هذا الحديث أو وجهه وجهة معينة؛ كأن رآه ضعيفاً أو منسوخاً أو ليس عليه عمل أهل المدينة أو غير ذلك.

بل من أصحاب المذاهب من كان يقول: كل ما خالف مذهبنا فهو منسوخ أو مؤول. وعلى هذا فالمذاهب الفقهية تصنع –أحياناً- اختلافاً بين المسلمين، وأحياناً أخرى تغرس لوناً من التفرق.

ثانياً: الانتساب لجماعة أو مجموعة أو حزب أو حركة من حركات الدعوة في العالم الإسلامي، إننا كثيراً ما نسمع من يقول مثلاً هذا من الإخوان، وهذا من السلفيين، وهذا من التبليغ، وهذا من هذه الفئة، وذاك من تلك، وأحياناً تلاحظ ولعاً وانهماكاً واندماجاً في التصنيف والتعديل والتجريح بشكل عجيب، حتى أصبح هذا فناً يُدرس وعلماً يُلقى.

نعم. التعاون على البر والتقوى مطلوب ومرغب فيه، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: من الآية2)، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر من دين الله عز وجل واجتماع المسلم مع إخوانه، والتّشاور معهم، وتنسيق المواقف، والاستفادة منهم كل ذلك طيب ولا حرج فيه، وكل هذه المعاني تعني مزيداً من الصلة والتلاحم والترابط بين المؤمنين، لكن لا تعني مجافاة من قد يكون له اجتهاد آخر، أو يسكن في بلد معين، أو يكون في واجب، أو فرض كفائي آخر يقوم به، فهذه المعاني التي ذكرتها ينبغي ألا تتحول إلى حواجز بين المؤمنين، وألا نحاكم الناس أو نحاسبهم أو نصنّفهم على أساس القائمة، فليس بلازم أن نحكم بالخطأ والتضليل والانحراف على فلان طالما أنه مع المجموعة الفلانية أو يتعاون مع الجماعة الفلانية ومن ليس معنا فهو ضدنا؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً*لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً*وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) (مريم من الآية 95:93)، لم يقل سبحانه وتعالى: كلهم سوف يأتون جماعات ويحشرون في قوائم، قد يكون الشخص مع مجموعة فيها نوع من التقصير، وهو فاضل، وقد يكون مع مجموعة فاضلة، وهو مقصر.

إن كثرة الاشتغال بمحاسبة الناس، ومحاكمتهم، والقيل والقال ليس من الأعمال الفاضلة المحمودة؛ فإن من أكمل الناس وأفضلهم أعفهم لساناً، حتى حينما يريد أن يصحح أو يعدل؛ لأننا لا نزعم أن التجمعات أو العناوين الإسلامية عبارة عن مجموعات للكملة والفضلاء، أو أنها هي الإسلام، بل قصارها أن تكون كالمذاهب الفقهية: مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرها، وهي أيضاً اجتهادات معينة يستند أصحابها -في الأصل- على الكتاب والسنة، ولكنهم يخطئون ويصيبون، والتعصب مرذولٌ في أن تقبل فلاناً، خطأه وصوابه؛ لأنك تحبه، أو أن ترد كل ما عنده؛ لأنك لا تحبه.

ثالثاً: التعصب للقبيلة، وهذا أمر عريق عند العرب، فقد كان العربي الأول يقول كما قال أمية بن أبي الصلت:

أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرِجِ الِّلوَى ** فَلَمْ يَسْتَبِينُوا النَّصْحَ إِلَّا ضُحَى الغَدِ
فَلَمَّا عَصَوْنِي قُلْتُ مِنْهُمْ وَقَدْ أَرَى ** غِوَايَتَهُمْ أَوْ أَنَّنِي غَيْرُ مُهْتَدِ
وَهَلْ أَنَا إِلَّا مِنْ غُزَيَّةَ إِنْ غَوَتْ ** غَويتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غُزََّيةُ أَرْشُدِ

وفي صحيح مسلم عن أَببي مَالِكٍ الأَشْعَرِي رضي الله عنه أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (7)، فنحن نجد اليوم التعصب القبلي يضرب بجرانه في كثير من البلاد والمجتمعات الإسلامية، ليس ثمت مشكلة أن يعرّف الإنسان نفسه بأنه من قبيلة كذا وكذا، لكن المشكلة أن يتحول هذا إلى ولاء وبراء، بحيث تجد أن فزعة هذا الإنسان، وقيامه، ومحبته وبغضه وجهده ينصرف إلى من يوافقه في هذا الانتساب، ولو جاء إليه شخص من قبيلة أخرى، وربما يحتفظ بذكريات تاريخية، أو قصص من الآباء والأجداد فإنه يتجافى عنه، وقد لا يساعده أو يعينه ولو استطاع أن يضرّه فربما فعل ذلك، فهنا تحول الانتساب القبلي إلى نوع من الانفصال والانشقاق داخل المجتمعات الإسلامية.

رابعاً: الانتساب لمنطقة أو إقليم أو شعب من الشعوب أو جنسية من الجنسيات، فهذا نجديّ، وهذا حجازيّ، وهذا غربيّ وهذا شرقيّ، وهذا خليجيّ، وهذا شاميّ، وهذا مصريّ، وهذا عراقيّ، وهذا كذا، وهذا كذا، فهذه الانتسابات إذا كانت مجرد تعريف فلا تضر، وقد كان الصحابة ومَن بعدهم يتعرفون بمثل هذه الأشياء، ولا يضير أن يقول الإنسان: إنه من بلد كذا، لكن إذا تحولت -كما هو الواقع عند كثير من الناس- إلى نوع من العصبية ونوع من الولاء على هذه النسبة فإن هذا خطأ كبير، وقد تجد أن الكثيرين إذا التقوا فيما بينهم، يتبادلون النكت والطرائف المضحكة الدالة على تنقص فئة أخرى، فإذا اجتمعنا وكلنا من قبيلة معينة، أو من منطقة معينة، أو من جنسية معينة لم نجد حرجاً أن نستطرد في إصدار الأحكام التعميمية أن أهل الإقليم الفلاني فيهم كذا وكذا، وأن الشعب أو القبيلة الفلانية فيها كذا وكذا، ثم يأتي هذا بقصة، وهذا يأتي بنكته، وهذا يأتي بتجربة مر بها، وهكذا حتى تشبعت نفوس الكثيرين منّا بأنواع وألوان من الانفصال قضَت أو أضعفت من الأخوة الدينية القائمة بين المؤمنين، وهذا ربما يستغله الأعداء في كثير من الأحيان، كما نلاحظ على سبيل المثال القوى الغربية وبالذات القوة الأمريكية المتغطرسة اليوم، التي إذا أردنا أن نسمي الأمور بأسمائها لقلنا: إنها تسعى إلى إعادة استعمار العالم بشكل جديد، وأنها تضرب برأي الناس عرض الحائط، وتصرّ على مقاصدها وعلى اتجاهاتها وعلى نياتها، وأنها لا تبالي أن يموت الناس أو يحيوا، المهم أن تنفذ مآربها وأهدافها.

أبو جهاد المصري 17-04-2011 06:59 PM

رد: فقه الأمة الواحدة / للشيخ سلمان العودة
 
نلاحظ أنها كثيراً ما تعتمد على إثارة هذه الاختلافات، وعلى توظيفها من أجل تحقيق أهدافها ومآربها، وهذا يؤكد علينا أهمية أن نكون في يقظة تامة، وتبصّر عميق، وأن نحوّل هذه المعاني إلى واقع عملي لتجنب كل ما يخدش أو يعكر صفاء الأخوة الإيمانية:

مَا بَيْنَنَا عُرْبٌ وَلَا عَجَمٌ ** مَهْلاً يَدُ التَّقْوَى هِيَ الْعُلْيَا
خَلُّوا خُيُوطَ الْعَنْكَبُوتِ لِمَنْ ** هُمْ كَالذّبَابِ تَطَايَرُوا عُمْيَا
وَطَنِي كَبِيرٌ لا حُدُودَ لَه ** كَالشَّمْسِ تَمْلأُ هَذِهِ الدُّنْيَا
فِي إِنْدُونِيسيَا فَوْقَ إِيرَانِ ** فِي الْهِنْدِ فِي رُوسِيَا وَتُرْكِيا
آسْيَا سَتَصْهَلُ فَوْقَهَا خَيْلِي ** وَأُحَطِّمُ الْقَيدَ الْحَدِيدِيَا

وَلَسْتُ أَبْغِي سِوَى الإسْلَامِ لِي وَطَنًا ** الشَّامُ فِيهِ وَوَادِي النِّيلِ سِيَّانِ
وَحَيْثُمَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ فِي بَلَدٍ ** عَدَدْتُ ذَاكَ الْحِمَى مِنْ لُبِّ أَوْطَانِي
بِالشَّامِ أَهْلِي وَبَغْدَاد الْهَوَى وَأَنَا ** بِالرَّقْمَتَيْنِ وَبِالْفِسْطَاطِ جِيرَانِي
وَلِي بِطَيْبَةَ أَوْتَارٌ مُجَنَّحَةٌ ** تَسْمُو بِرُوحِي فَوْقَ الْعَالَمِ الْفَانِي
وَمَا بُرَيْدَة مَهْمَا لَجَّ بِي دَمُهَا ** أَدْنَى إِلَى الْقَلْبِ مِنْ فَاسٍ وَتَطْوَانِ
دُنْيَا بَنَاهَا لَنَا الْهَادِي فَأَحْكَمَهَا ** أَعْظِمْ بِأَحْمَدَ مِنْ هَادٍ وَمِنْ بَانِ

كذلك التعصب للشيخ أو للمتبوع أو المربي أو الأستاذ فينبغي أن يعتدل الإنسان، ويحفظ لكل أحد قدره دون أن يتعصب له، أو يبالغ في ذلك، أو يتبع أقواله بمفرداتها؛ فإن الاتباع للمنهج لا للأقوال المفردة، ولذلك عندما نسمع قولاً لأحمد أو الشافعي أو مالك أو أبي حنيفة، فالعبرة بالدليل والعبرة بالإجماع؛ فإذا خالفه من خالفه، أو وُجد الدليل فيما يظهر لنا على خلافه، لم نجد حرجاً في رده، وهكذا من عايشناهم وعاشرناهم واقتبسنا منهم، ينبغي أن نطبّق معهم هذا.

الانتساب لمذهب من المذاهب الفكرية أو الدعوية، فلا ينبغي أن يمتحن الناس في الأسماء والألقاب، وإنما ينبغي أن تكون العبرة بما يقوله الإنسان وما يعمله إزاء هذا التخالف الكبير الذي نتفق جميعاً على أنه عاصف بالمجتمعات الإسلامية اليوم.

إن الحديث ليس عن مجموعة ضخمة وهائلة من الدول العربية والإسلامية، ولا عن داخل الدولة الواحدة، بل ولا عن داخل الإقليم أو داخل القبيلة، بل الواقع أنك كلما دخلت إلى دائرة أضيق وجدت مجموعة من الخلافات حتى تصل إلى مدينة، أو ربما قرية، فتجد فيها عدداً من التقاطعات في كل شيء، تقاطعات بين الأحياء، هذا الحي وذك الحي، تقاطعات بين الانتسابات، بين من ينتسبون إلى هذه القبيلة أو تلك، أو بين من ينتسبون إلى قبيلة ومن لا ينتسبون إلى قبيلة أصلاً، إضافة إلى التقاطع والاختلاف بسبب المصالح الدنيوية، فالعالم الإسلامي يضج اليوم بألوان من الاختلافات التي تحتاج إلى نوع من العلاج، وإزاء هذا الاختلاف الكبير نجد أن من الصدق مع النفس القول بأن هذا الخلاف يستنزف المجهودات الإسلامية، بينما عدونا استطاع أن يستوعب الخلاف، فأحزاب اليمين واليسار، فيما يسمى الآن (بدولة إسرائيل) كيف استطاعوا أن يستفيدوا حتى ممن يعتبرون متطرفين بمعاييرهم من الأحزاب الليكودية والأحزاب اليمينية المتطرفة؟ كيف دخلت إلى عالمهم وإلى موضع القرار والمشاركة، وأصبح لها دور كبير ولها جمهور وشعبية؟ إضافة إلى اليساريين، إضافة إلى ألوانهم وأصنافهم، السفرديم والأشكناز، اليهود العرب، واليهود الأوروبيون وغيرهم، كلهم يشاركون في صناعة وصياغة وبناء هذا المجتمع اليهودي؛ لأنهم يشعرون بالخطر، وأنهم جزيرة في بحر عربي إسلامي يرفضها ويلفظها، ولا يتقبلها ولا يتواكب أو يتطبع معها.

وكذلك نجد مثل هذا في الدول الغربية، فأوروبا استطاعت أن تؤسس لوحدتها، مع أن كل دولة منها ربما كانت تُعد قارة بأكملها، أو إمبراطورية، كفرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا، ومع ذلك فهم يسعون في تحقيق ما يسمى بالوحدة الأوروبية، ونجحوا فيما يتعلق بالحدود، والجمارك، وفيما يتعلق بالعملة، ولديهم خطط قوية في هذا.

وعندما تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي هي عبارة عن خمسين ولاية، انضم بعضها إلى بعض، فتكوّن هذا الكيان الهائل القوي الضخم، هذه الإمبراطورية التي أصبحت تمارس نوعاً من التسلط، والبغي، والنفوذ كما هو واضح، فعدونا استطاع أن يوظف هذا الاختلاف، وأن يحيط نفسه كلما همَّ بشيء بمجموعة من الأحلاف، فيضع معه في اتجاهه من يستطيع أن يضعهم من الأسماء المعروفة وغير المعروفة.

فلم يبق أمامنا نحن المسلمين ونحن نعيش في هذا العالم المضطرب، ونواجه هذه التحديات الصعبة التي أصبحت تستهدف ديننا وإيماننا وعقائدنا، ووحدتنا وإخاءنا، وخيراتنا وثرواتنا، وحاضرنا ومستقبلنا، وأجيالنا الحاضرة وأجيالنا القادمة،لم يبق لنا إلا أن نلتزم بضرورة المنهج الشرعي النبوي في التعامل مع الخلاف، الشرع الذي أقر الخلاف، واعترف به كجزء من الطبيعة البشرية، إلا أنه وضع مفردات في منهج التعامل مع هذا الخلاف.


الساعة الآن : 05:16 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 45.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.21 كيلو بايت... تم توفير 0.51 كيلو بايت...بمعدل (1.11%)]